الموسوعة الفقهية /الجزء التاسع والثلثون ملئكة *
التّعريف : 1
-الملئكة جمع المَلَك بفتحتين ,وهو واحد الملئكة ,قيل :مخفّف من مالك ,قال
الكسائي :أصله مألك بتقديم الهمزة من اللوك وهي الرّسالة ,ثمّ قلبت وقدّمت اللّام وقيل : أصله الملك بفتح ث ّم سكون :وهو الخذ بقوّة ,وأصل وزنه مفعل فتركت الهمزة لكثرة الستعمال وظهرت في الجمع ,وزيدت الهاء إمّا للمبالغة وإمّا لتأنيث الجمع . وفي الصطلح :المَلَك جسم لطيف نورانيّ يتشكّل بأشكال مختلفة ,ومسكنها السّماوات .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -النس : 2
ي وأنسيّ بالتّحريك ,وهم بنو آدم , -النس في اللغة :جماعة النّاس ,والواحد إنس ّ
والنسي يقتضي مخالفة الوحشيّ ,والنّاس يقولون :إنسيّ ووحشيّ . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . ن الملئكة خلقوا من نور ,ول يأكلون ول يشربون , والفرق بين الملئكة والنس :أ ّ ويعبدون اللّه ويطيعونه ,قال اللّه تعالى َ { :بلْ عِبَادٌ ّمكْ َرمُونَ } ,وليس كذلك النس . ب -الجن : 3
ن ,وكان أهل الجاهليّة -الجن في اللغة :خلف النس ,والجان :الواحدة من الج ّ
يسمون الملئكة جنا لستتارهم عن العيون ,يقال :جنّ اللّيل :إذا ستر . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . ن كلً منهما له قوّة التّشكل بأشكال مختلفة . والصّلة بين الملئكة والجنّ أ ّ
الحكم الجمالي للملئكة :
وردت في الملئكة أحكام منها :
أ ّولً -اليمان بالملئكة :
4
-من أركان العقيدة السلميّة اليمان بالملئكة ,قال اللّه تعالى { :آمَنَ ال ّرسُولُ ِبمَا
ن أَحَ ٍد مّن ق بَيْ َ أُن ِزلَ إِلَ ْي ِه مِن رّ ّبهِ وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ ُكلّ آ َمنَ بِالّلهِ َومَل ِئكَ ِتهِ َوكُتُ ِبهِ وَ ُرسُ ِلهِ َل ُنفَرّ ُ غفْرَانَكَ رَبّنَا َوإِلَيْكَ ا ْلمَصِيرُ } ,وقال اللّه تعالى َ { :ومَن َيكْفُرْ طعْنَا ُ س ِمعْنَا َوَأ َ ّرسُ ِل ِه وَقَالُواْ َ للً َبعِيدا } . ض ّل ضَ َ بِالّل ِه َومَلَ ِئكَ ِتهِ َوكُتُ ِبهِ وَ ُرسُ ِلهِ وَالْ َي ْومِ الخِرِ َفقَدْ َ
وفي حديث عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه عندما سأل جبريل عليه السلم عن اليمان , قال صلى ال عليه وسلم « :أن تؤمن باللّه وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وتؤمن بالقدر خيره وشرّه » . فوجود الملئكة ثابت بالدّليل القطعيّ الّذي ل يمكن أن يلحقه شك ,ومن هنا كان إنكار وجودهم كفرا بإجماع المسلمين ,بل ينص على ذلك القرآن الكريم كما دلّت عليه الية السّابقة .
ثانيا -صفاتهم الخلقيّة :
5
ن الملئكة خلقوا قبل آدم عليه السلم ,قال اللّه تعالى َ { :وإِذْ -أخبرنا ربنا سبحانه أ ّ
سفِكُ ال ّدمَاء جعَلُ فِيهَا مَن ُي ْفسِدُ فِيهَا وَ َي ْ علٌ فِي الَرْضِ خَلِي َفةً قَالُواْ أَ َت ْ ك لِ ْلمَلَ ِئ َكةِ إِنّي جَا ِ قَالَ رَبّ َ ك وَ ُنقَدّسُ لَكَ قَا َل إِنّي أَعْ َل ُم مَا َل َتعْ َلمُونَ } . حمْدِ َ وَ َنحْنُ ُنسَ ّبحُ ِب َ ن اللّه خلق الملئكة من نور ,فقد ورد عن عائشة كما أخبرنا النّبي صلى ال عليه وسلم أ ّ رضي ال عنها أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :خُلقت الملئكة من نور ,وخلق الجان من مارج من نار ,وخلق آدم ممّا وصف لكم » . ن الملئكة مخلوقات نورانيّة ليس لها جسم ما ّديّ يدرك فتدل النصوص في مجموعها على أ ّ بالحوّاس النسانيّة ,وأنّهم ليسوا كالبشر فل يأكلون ول يشربون ول ينامون ول يتزوّجون ,مطهّرون من الشّهوات الحيوانيّة ,ومنزّهون عن الثام والخطايا ,ول يتّصفون بشيء من الصّفات المادّيّة الّتي يتّصف بها ابن آدم غير أنّ لهم القدرة على أن يتمثّلوا بصور البشر بإذن اللّه تعالى .
ثالثا -عبادة الملئكة للّه وما وكّل إليهم من أعمال :
6
-علقة الملئكة باللّه هي علقة العبوديّة الخالصة والطّاعة والمتثال والخضوع المطلق
لوامره عزّ وجلّ ,قال تعالى { :لَا َيعْصُونَ الّلهَ مَا َأمَرَ ُه ْم وَيَ ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ } ,وقد عنْ عِبَادَ ِتهِ وصفهم اللّه بأنّهم ل يستكبرون عن عبادته ,قال اللّه تعالى { :لَا َيسْ َتكْبِرُونَ َ ن اللّ ْيلَ وَال ّنهَا َر لَا َيفْتُرُونَ } . ن ُ ،يسَ ّبحُو َ حسِرُو َ وَلَا َيسْ َت ْ وهم منقطعون دائما لعبادة اللّه وطاعة أمره ,كما ورد في اليتين السّابقتين . وعن جابر رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :ما في السّماوات السّبع موضع قدم ول شبر ول كف إلّا وفيه ملك قائم أو ملك راكع أو ملك ساجد ,فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا :سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك إلّا أنّا لم نشرك بك شيئا » . 7
-قال ابن القيّم :د ّل الكتاب والسنّة على أصناف الملئكة ,وأنّها موكّلة بأصناف
المخلوقات ,وأنّه سبحانه وكّل بالجبال ملئكةً ,ووكّل بالسّحاب ملئكةً ,ووكّل بالرّحم
ملئكةً تدبّر أمر النطفة حتّى يت ّم خلقها ,ثمّ وكّل بالعبد ملئكةً لحفظه ,وملئكةً لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته ,ووكّل بالموت ملئكةً ,ووكّل بالسؤال في القبر ملئكةً ,ووكّل بالفلك ملئكةً يحرّكونها ,ووكّل بالشّمس والقمر ملئكةً ,ووكّل بالنّار وإيقادها وتعذيب أهلها وعمارتها ملئكةً ,ووكّل بالجنّة وعمارتها وغراسها وعمل النهار فيها ملئكةً , صفًا ، صفَاتِ عَ ْ ت عُرْفا ،فَا ْلعَا ِ فالملئكة أعظم جنود اللّه تعالى ,ومنهم { :وَا ْلمُ ْرسَلَا ِ غرْقا، ت َ وَالنّاشِرَاتِ َنشْرا ،فَا ْلفَارِقَاتِ فَرْقا ،فَا ْلمُ ْلقِيَاتِ ِذكْرا } ومنهم { :وَالنّازِعَا ِ ت َأمْرا } , شطَاتِ َنشْطا ،وَالسّا ِبحَاتِ سَبْحا ،فَالسّا ِبقَاتِ سَبْقا ،فَا ْلمُدَبّرَا ِ وَالنّا ِ ت ِذكْرا } . صفّا ،فَالزّاجِرَاتِ َزجْرا ،فَالتّالِيَا ِ ت َ ومنهم { :وَالصّافّا ِ ومنهم :ملئكة الرّحمة وملئكة العذاب ,وملئكة قد وكّلوا بحمل العرش ,وملئكة قد وكّلوا بعمارة السّماوات بالصّلة والتّسبيح والتّقديس ,إلى غير ذلك من أصناف الملئكة الّتي ل يحصيها إلّا اللّه تعالى . ولفظ الملك يشعر بأنّه رسول منفّذ لمر غيره ,فليس لهم من المر شيء ,بل المر كله ن َ ،يعْ َلمُ مَا للّه الواحد القهّار ,وهم ينفّذون أمره { لَا َيسْ ِبقُو َنهُ بِا ْل َق ْولِ وَهُم ِبَأمْرِهِ َي ْعمَلُو َ شفِقُونَ } َ { ,يخَافُونَ خشْيَ ِتهِ ُم ْ ن َ ن إِلّا ِل َمنِ ارْتَضَى وَهُم مّ ْ شفَعُو َ ن أَيْدِيهِمْ َومَا خَ ْل َفهُمْ وَلَا َي ْ بَيْ َ ن } { ,لَا َيعْصُونَ الّلهَ مَا َأمَرَ ُه ْم وَيَ ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ } رَ ّبهُم مّن َفوْ ِق ِهمْ وَ َي ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُو َ . ول تتنزّل الملئكة إلّا بأمر اللّه ,ول تفعل شيئا إلّا من بعد إذنه . ورؤساؤهم الملك الثّلث :جبريل ,وميكائيل ,وإسرافيل ,وكان النّبي يقول « :اللّهمّ ب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ,فاطر السّماوات والرض ,عالم الغيب والشّهادة ,أنت ر ّ ق بإذنك ,إنّك تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ,اهدني لما أختلف فيه من الح ّ تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم » . فتوسّل إليه سبحانه بربوبيّته العامّة والخاصّة لهؤلء الملك الثّلثة الموكّلين بالحياة . فجبريل موكّل بالوحي الّذي به حياة القلوب والرواح ,وميكائيل وكّل بالقطر الّذي به حياة الرض والنّبات والحيوان ,وإسرافيل موكّل بالنّفخ في الصور الّذي به حياة الخلق بعد مماتهم .
رابعا -تفضيل الملئكة :
8
-قال ابن عابدين من الحنفيّة نقلً عن الزّندوستيّ :أجمعت المّة على أنّ النبياء أفضل
ن نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم أفضلهم ,وأنّ أفضل الخلئق بعد النبياء الملئكة الخليقة ,وأ ّ
ن الصّحابة والتّابعين والشّهداء الربعة وحملة العرش والروحانيون ورضوان ومالك ,وأ ّ والصّالحين أفضل من سائر الملئكة . واختلفوا بعد ذلك ,فقال المام أبو حنيفة :سائر النّاس من المسلمين أفضل من سائر الملئكة ,وقال محمّد وأبو يوسف :سائر الملئكة أفضل .
خامسا -سب الملئكة :
9
ن من سبّ أنبياء اللّه تعالى أو ملئكته -الوارد ذكرهم في الكتاب -اتّفق الفقهاء على أ ّ
الكريم والسنّة الصّحيحة -أو استخفّ بهم أو كذّبهم فيما أتوا به أو أنكر وجودهم وجحد نزولهم قتل كفرا . واختلفوا هل يستتاب أم ل ؟ فقال الجمهور :يستتاب وجوبا أو استحبابا على خلف بينهم . وعند المالكيّة :ل يستتاب على المشهور . ي بل طلب أو بل قبول توبة منه -حدا إن تاب وإلّا قتل قال الدسوقي :قتل ولم يستتب -أ ّ ن السلم يجب ما قبله . كفرا ,إلّا أن يسلم الكافر فل يقتل ل ّ قال الموّاق :وهذا كله فيمن تحقّق كونه من الملئكة والنّبيّين كجبريل وملك الموت والزّبانية ورضوان ومنكر ونكير ,فأمّا من لم تثبت الخبار بتعيينه ول وقع الجماع على كونه من الملئكة أو النبياء ,كهاروت وماروت ,ولقمان وذي القرنين ومريم وأمثالهم فليس الحكم فيهم ما ذكرنا إذ لم تثبت لهم تلك الحرمة ,لكن يؤدّب من تنقّصهم . وأمّا إنكار كونهم من الملئكة أو النّبيّين فإن كان المتكلّم من أهل العلم فل حرج ,وإن كان من عوامّ النّاس زجر عن الخوض في مثل هذا ,وقد كره السّلف الكلم في مثل هذا ممّا ليس تحته عمل . ( ر :ردّة ف /
التّعريف : 1
16
-
17
,
35
).
مَلءة *
ضمّ - -الملءة في اللغة :مصدر الفعل مَُلؤَ -بضمّ اللّام -قال الفيومي :مَُلؤَ -بال ّ
ل القوم أي :أقدرهم وأغناهم ,ورجل مليء – مهموز -على وزن فعيل : ملء ًة ,وهو أم ُ ي مقتدر . غن ّ وفي لسان العرب :رجل مليء :كثير المال بيّن الملء ,والجمع مِلء ,وقد مُلؤَ الرّجل يمُلؤُ ملءةً فهو مليء :صار مليئا ,أي ثقةً ,فهو غنيّ مليء :بيّن الملء والملءة . وقد أُولِع فيه النّاس بترك الهمز وتشديد الياء .
وفي اصطلح الفقهاء :الملءة :هي الغنى واليسار . وقد فسّر أحمد الملءة فقال :تعتبر الملءة في المال والقول والبدن ,فالمليء هو من كان قادرا بماله وقوله وبدنه ,قال البهوتي :وجزم به في المحرّر والنّظم والفروع والفائق والمنتهى وغيرها ,ثمّ قال البهوتي :زاد في الرّعاية الصغرى والحاويين :وفعله ,وزاد في الكبرى عليهما :وتمكنه من الداء . فالملءة في المال :القدرة على الوفاء ,والملءة في القول :أن ل يكون مماطلً . والملءة في البدن :إمكان حضوره مجلس الحكم ,قال البهوتي :هذا معنى كلم الزّركشيّ. ثمّ قال :والظّاهر أنّ " :فعله " يرجع إلى عدم المطل إذ الباذل غير مماطل . و " :تمكنه من الداء " يرجع إلى القدرة على الوفاء ,إذ من ماله غائب أو في ال ّذمّة ونحوه غير قادر على الوفاء ,ولذلك أسقطهما الكثر ولم يفسّرهما .
اللفاظ ذات الصّلة :
العسار : 2
-العسار في اللغة :مصدر أعسر ,وهو ضد اليسار ,والعسر :الضّيق والشّدّة ,
والعسار والعسرة :قلّة ذات اليد . والعسار في الصطلح :عدم القدرة على النّفقة أو على أداء ما عليه بمال ول كسب ,أو هو زيادة خرجه عن دخله . والعسار ضد الملءة . يتعلّق بالملءة أحكام منها :
ما يتعلّق بالملءة من أحكام :
أ -أثر الملءة في زكاة الدّين :
3
-اختلف الفقهاء في زكاة الدّين إذا كان على مليء .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( زكاة ف /
20
,
21
).
ب -أثر الملءة في أخذ المشفوع :
4
-من أحكام الشّفعة :أنّ الشّفيع يأخذ الشّقص المشفوع بمثل الثّمن الّذي استقرّ عليه
العقد وقت لزومه قدرا وجنسا وصفةً ,لحديث جابر رضي ال تعالى عنه « :فهو أحق بها بالثّمن » . ل إلى ل إلى أجل معلوم أخذه الشّفيع بمثل ثمنه مؤجّ ً فإن كان ثمن الشّقص المشفوع مؤجّ ً أجله ,لنّ الشّفيع يستحق الخذ بقدر الثّمن وصفته ,والتّأجيل من صفته ,وهذا عند المالكيّة والحنابلة .
لكنّ الشّفيع ل يستحق الخذ إلّا بشروط . قال المالكيّة :إنّما يستحق الشّفيع أخذ الشّقص بالثّمن المؤجّل إذا كان موسرا بالثّمن يوم الخذ ,ول يلتفت ليسره يوم حلول الجل في المستقبل ,ول يكفي تحقق يسره يوم حلول الجل بنزول جامكيّة أو معلوم وظيفة في المستقبل إذا كان يوم الخذ معسرا مراعا ًة لحقّ المشتري ,ول يراعى خوف طر ّو عسره قبل حلول الجل إلغا ًء للطّارئ ,لوجود مصحّح العقد يوم الخذ وهو اليسر . فإن لم يكن الشّفيع موسرا يوم الخذ ,فإن أمكن أن يأتي بضامن مليء أو برهن ثقة ,فإنّه يستحق الخذ ,وإذا لم يكن الشّفيع موسرا وقت الخذ ولم يأت بضامن مليء أو رهن ثقة فإنّه يجب عليه تعجيل الثّمن للمشتري ولو ببيع الشّقص لجنبيّ ,فإن لم يعجّل الثّمن فل شفعة له . لكن إذا تساوى الشّفيع والمشتري في العدم فل يلزم الشّفيع حينئ ٍذ التيان بضامن مليء , ويحق له أن يأخذ الشّقص بالشّفعة إلى ذلك الجل ,وهذا على المختار . ومقابل المختار :أنّه متى كان الشّفيع معدما فل يأخذه إلّا بضامن مليء ولو كان مساويا للمشتري في العدم ,وكذلك لو كان الشّفيع أشدّ عدما من المشتري فإنّه يلزمه أن يأتي بحميل مليء ,فإن أبى أسقط الحاكم شفعته . وقال الحنابلة :إن كان ثمن الشّقص المشفوع مؤجّلً أخذه الشّفيع بالجل إن كان الشّفيع مليئا ,فإن لم يكن مليئا -بأن كان معسرا -أقام كفيلً مليئا بالثّمن وأخذ الشّقص بالثّمن ن الشّفيع يستحق الخذ بقدر الثّمن وصفته ,والتّأجيل من صفته ,واعتبرت مؤجّلً ,ل ّ الملءة أو الكفيل دفعا لضرر المشتري . ل ,فإن كان حالً وعجز الشّفيع عنه أو عن بعضه هذا إذا كان ثمن الشّقص المشفوع مؤجّ ً سقطت شفعته ,ولو أتى الشّفيع برهن أو ضمين لم يلزم المشتري قبولهما ولو كان الرّهن محرزا والضّمين مليئا ,لما على المشتري من الضّرر بتأخير الثّمن ,والشّفعة شرعت لدفع الضّرر ,فل تثبت معه . وعند الحنفيّة والشّافعيّة في الظهر :إن كان ثمن المشفوع مؤجّلً فللشّفيع الخيار :إن شاء أخذ بثمن حال ,وإن شاء صبر حتّى ينقضي الجل ثمّ يأخذ ,وليس له أن يأخذ في ق الشّفيع , ق المشتري رضا به في ح ّ الحالّ بثمن مؤجّل ,وليس الرّضا بالجل في ح ّ لتفاوت النّاس في الملءة .
وقال زفر من الحنفيّة ,وهو القول الثّاني عند الشّافعيّة :يأخذه بالثّمن المؤجّل تنزيلً له ل وصف في الثّمن كالزّيافة ,والخذ بالشّفعة بالثّمن , ن كونه مؤجّ ً منزلة المشتري ,ول ّ فيأخذه بأصله ووصفه كما في الزيوف . والقول الثّالث عند الشّافعيّة :يأخذه بسلعة لو بيعت إلى ذلك الجل لبيعت بذلك القدر .
ج -أثر الملءة في الضّمان :
5
-يرى جمهور الفقهاء " أبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ":
أنّه ل يشترط ملءة المضمون عنه ,ولذلك يصح ضمان كلّ من وجب عليه حق ,سواء كان المضمون عنه حيّا أو ميّتا ,وسواء كان مليئا أو مفلسا ,والدّليل على ذلك :ما رواه سلمة بن الكوع رضي ال عنه قال « :كنّا جلوسا عند النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذ أُتي بجنازة ,فقالوا :صلّ عليها .فقال :هل عليه دين ؟ قالوا :ل ,قال :فهل ترك شيئا ؟ قالوا :ل ,فصلّى عليه .ثمّ أتي بجنازة أخرى ,فقالوا :يا رسول اللّه صلّ عليها .قال : هل عليه دين ؟ قيل :نعم ,قال :فهل ترك شيئا ؟ قالوا :ثلثة دنانير .فصلّى عليها .ثمّ أتي بالثّالثة فقالوا :صلّ عليها .قال :هل ترك شيئا ؟ قالوا :ل .قال :فهل عليه دين ؟ قالوا :ثلثة دنانير .قال :صلوا على صاحبكم .قال أبو قتادة :صلّ عليه يا رسول اللّه ي دينه ,فصلّى عليه » فد ّل الحديث على أنّه يصح ضمان المدين الّذي لم يخلّف وفاءً . وعل ّ ن الموت ل ينافي بقاء وعلّل أبو يوسف ومحمّد صحّة الكفالة بالدّين عن الميّت المفلس بأ ّ الدّين لنّه مال حكميّ ,فل يفتقر بقاؤه إلى القدرة على الوفاء ,ولهذا بقي إذا مات مليئا حتّى تصحّ الكفالة به ,وكذا بقيت الكفالة بعد موته مفلسا . وبنى الشّافعيّة قولهم على أنّه ل يشترط معرفة المضمون عنه -وهو المدين -لنّ قضاء دين الغير بغير إذنه جائز فالتزامه أولى ,كما يصح الضّمان عن الميّت وإن لم يخلّف وفاءً .وذهب أبو حنيفة -وهو قول أبي ثور -إلى أنّه يشترط في المكفول له أن يكون مليئا , حتّى يكون قادرا على تسليم المكفول به إمّا بنفسه أو بنائبه ,ولذلك ل يصح عنده الكفالة بالدّين عن الميّت المفلس ,لنّ الدّين عبارة عن الفعل والميّت عاجزٌ عن الفعل ,فكانت هذه كفالةً بدين ساقط كما إذا كفل على إنسان بدين ول دين عليه ,وإذا مات مليئا فهو قادر بنائبه .
د -أثر الملءة في أداء الدّين :
6
-من كان عليه دين حال وكان مليئا مقرا بدينه أو عليه بيّنة وجب عليه أداء الدّين حين
طلُ الغنيّ ظُ ْلمٌ » ,وبالطّلب يتحقّق المطل ,إذ ي صلى ال عليه وسلم َ « :م ْ طلبه ,لقول النّب ّ ل يقال :مطله إلّا إذا طالبه فدافعه .
ن أداء الدّين للقادر على الداء ل يتوقّف على الطّلب . وذهب بعض فقهاء الشّافعيّة إلى أ ّ جاء في حاشية الجمل :يجب على الغنيّ أداء الدّين فورا إن خاف فوت أدائه إلى المستحقّ إمّا بموته أو مرضه أو بذهاب ماله ,أو خاف موت المستحقّ ,أو طالبه رب الدّين ,أو علم حاجته إليه وإن لم يطالبه ,ذكر ذلك البارزي . 7
-وإذا أمره الحاكم بالداء فطلب إمهاله لبيع عروضه ليوفي دينه من ثمنها أمهل باجتهاد
الحاكم ,لكن ل يؤجّل إلّا إذا أعطى حميلً بالمال ,وهذا ما ذهب إليه المالكيّة . ق أن يمهله وقال الحنابلة :إن كان للمدين القادر على الوفاء سلعة ,فطلب من ربّ الح ّ حتّى يبيعها ويوفيه الدّين من ثمنها أمهل بقدر ذلك ,أي بقدر ما يتمكّن من بيعها والوفاء من ثمنها . وكذا إن طولب بمسجد أو سوق وماله بداره أو مودع أو ببلد آخر فيمهل بقدر ما يحضره فيه . وكذلك إن أمكن المدين أن يحتال لوفاء دينه باقتراض ونحوه فيمهل بقدر ذلك ,ول يحبس سعَهَا } . لعدم امتناعه من الداء لقوله تعالى َ { :ل ُيكَلّفُ الّلهُ َن ْفسًا ِإلّ ُو ْ وإن خاف رب الحقّ هربه احتاط بملزمته أو بكفيل ,ول يجوز منعه من الوفاء بحبسه , لنّ الحبس عقوبة ل حاجة إليها . وقال الحنابلة أيضا :لو ماطل المدين حتّى شكاه رب الحقّ فما غرمه في شكواه فعلى المدين المماطل إذا كان رب الحقّ قد غرّمه على الوجه المعتاد ,لنّه تسبّب في غرمه بغير حق . 8
-وإذا امتنع المدين المليء من أداء الدّين بعد الطّلب وبعد إعطائه المهلة لبيع عروضه
أو غير ذلك كما سبق بيانه ,أو لم يأت بحميل بالمال كما يقول المالكيّة ,فقد ذهب الحنفيّة طلُ الغنيّ ي صلى ال عليه وسلم َ « :م ْ ن الحاكم يحبسه ,لقول النّب ّ والمالكيّة والحنابلة إلى أ ّ ظُ ْلمٌ » ,فيحبس دفعا للظلم لقضاء الدّين بواسطة الحبس ,ولقوله صلى ال عليه وسلم : ي الواجد ُيحِل عِرْضه وعقوبته » .والحبس عقوبة كما قال الكاساني وابن قدامة . « لَ ُ لكنّ الحنفيّة قالوا :إنّ الحبس ل يكون إلّا بطلب ربّ الدّين من القاضي ,فما لم يطلب رب ن الدّين حقه ,والحبس وسيلة إلى حقّه ,ووسيلة الدّين حبس المدين المماطل ل يحبس ل ّ حقّ النسان هي حقه ,وحق المرء إنّما يطلب بطلبه ,فل ب ّد من الطّلب للحبس ,فإذا طلب رب الدّين حبس المدين -وثبت عند القاضي سبب وجوب الدّين وشرائطه بالحجّة -حبسه لتحقق الظلم عنده بتأخير حقّ الدّين من غير ضرورة ,والقاضي نصب لدفع الظلم فيندفع الظلم عنه .
9
-ويشترط لحبس المليء المماطل أن يكون ممّن سوى الوالدين لصاحب الدّين فل يحبس
الوالدون وإن علوا بدين المولودين وإن سفلوا ,لقول اللّه تعالى { :وَصَاحِ ْب ُهمَا فِي الدّنْيَا حسَانا } ,وليس من المصاحبة بالمعروف ن ِإ ْ َمعْرُوفًا } ,وقوله تعالى { :وَبِا ْلوَالِدَيْ ِ والحسان حبسهما بالدّين ,إلّا أنّه إذا امتنع الوالد من النفاق على ولده الّذي عليه نفقته ن القاضي يحبسه ,لكن تعزيزا ل حبسا بالدّين . فإ ّ وأمّا الولد فيحبس بدين الوالد ,لنّ المانع من الحبس حق الوالدين . وكذا سائر القارب ,يحبس المديون بدين قريبه كائنا من كان . ويستوي في الحبس الرّجل والمرأة ,لنّ الموجب للحبس ل يختلف بالذكورة والنوثة . ويحبس ولي الصّغير إذا كان ممّن يجوز له قضاء دينه ,لنّه إذا كان الظلم بسبيل من قضاء دينه صار بالتّأخير ظالما ,فيحبس ليقضي الدّين فيندفع الظلم . ق الب . ن حقّه دون ح ّ لكن عند المالكيّة يحبس الجد بدين ولد ولده ,ل ّ 10
-وإذا حبس الحاكم المدين وأصرّ على المتناع عن الوفاء فقد اختلف الفقهاء فيما
يفعله الحاكم به . قال الحنفيّة :إذا قامت البيّنة على يساره أبّد الحاكم حبسه لظلمه . وقال المالكيّة :يضرب معلوم الملء مرّةً بعد مرّة باجتهاد الحاكم في العدد بمجلس أو مجالس ,ولو أدّى إلى إتلفه لظلمه باللّدد دون أن يقصد الحاكم إتلفه ,أما لو ضربه قاصدا إتلفه فإنّه يقتص منه ,قالوا :ول يبيع ماله . وقال الشّافعيّة :إن امتنع الموسر من أداء الدّين أمره الحاكم به ,فإن امتنع من الداء وكان له مال ظاهر -وهو من جنس الدّين -وفّى منه ,وإن كان من غير جنس الدّين باع الحاكم عليه ماله -وإن كان المال في غير مح ّل وليته كما صرّح به القاضي والقمولي - أو أكرهه على البيع بالتّعزير بحبس أو غيره ,لما روي عن عمر رضي ال تعالى عنه أنّه ج ,إلّا أنّه قد ي من دِينه وأمانته أن يقال :سبق الحا ّ قال " :إنّ ا ُلسَيْفعَ أُسيْفع جهينة رَضِ َ دان ُمعْرِضا ,فأصبح قد رين به ,فمن كان له عليه دين فليأتنا بالغداة نقسم ماله بينهم " . ولو التمس الغريم من الحاكم الحجر على مال الممتنع من الداء أجيب لئلّا يتلف ماله . وإن كان للمدين مال فأخفاه وهو معلوم ,وطلب غريمه حبسه حبسه الحاكم وحجر عليه وعزّره حتّى يظهره ,فإن لم ينزجر بالحبس ورأى الحاكم ضربه أو غيره فعل ذلك ,ولو زاد مجموع الضّرب على الحدّ . ول يعزّره ثانيا حتّى يبرأ من التّعزير الوّل .
وقال الحنابلة :إن أصرّ المدين المليء على الحبس ولم يؤدّ الدّين باع الحاكم ماله وقضى ن رسول اللّه صلى ال عليه دينه ,لما روى كعب بن مالك رضي ال عنه عن أبيه « أ ّ وسلم حجر على معاذٍ رضي ال عنه ماله وباعه في دين كان عليه » . وقال جماعة منهم :إذا أصرّ المدين على الحبس وصبر عليه ضربه الحاكم ,قال في الفصول وغيره :يحبسه فإن أبى الوفاء عزّره ,ويكرّر حبسه وتعزيره حتّى يقضي الدّين , قال ابن تيميّة :نصّ عليه الئمّة من أصحاب أحمد وغيرهم ول أعلم فيه نزاعا ,لكن ل يزاد في كلّ يوم على أكثر التّعزير إن قيل بتقديره .
هـ -اختلف المدين والغريم في الملءة :
11
-لو أقام الغريم بيّنةً بملءة المدين ,أو ادّعى ملءته بل بيّنة ,وأقام المدين بيّنةً
بإعساره ,أو ادّعى العسار بل بيّنة ,فقد اختلف الفقهاء فيمن تقبل بيّنته ,وفيمن يقبل قوله لو لم تكن معه بيّنة . قال الحنفيّة :لو اختلف الغريم والمدين في اليسار والعسار ,فقال الطّالب :هو موسر , وقال المطلوب :أنا معسر ,فإن قامت لحدهما بيّنة قبلت بيّنته ,وإن أقاما جميعا البيّنة , فالبيّنة بيّنة الطّالب ,لنّها تثبت زيادةً وهي اليسار ,وإن لم يقم لهما بيّنةً فقد ذكر محمّد في الكفالة والنّكاح والزّيادات أنّه ينظر :إن ثبت الدّين بمعاقدة كالبيع والنّكاح والكفالة والصلح عن دم العمد والصلح عن المال والخلع ,أو ثبت تبعا فيما هو معاقدة كالنّفقة في باب النّكاح فالقول قول الطّالب ,وكذا في الغصب والزّكاة ,وإن ثبت الدّين بغير ذلك كإحراق الثّوب أو القتل الّذي ل يوجب القصاص ويوجب المال في مال الجاني وفي الخطأ فالقول قول المطلوب . وذكر الخصّاف في آداب القاضي أنّه إن وجب الدّين عوضا عن مال سالم للمشتري ,نحو ثمن المبيع الّذي سلّم له المبيع والقرض والغصب والسّلم الّذي أخذ المسلم إليه رأس المال ل كإحراق الثّوب ,أو له عوض ليس فالقول قول الطّالب ,وكل دين ليس له عوض أص ً بمال كالمهر وبدل الخلع وبدل الصلح عن دم العمد والكفالة فالقول قول المطلوب . وقال الكاساني :واختلف المشايخ فيه : قال بعضهم :القول قول المطلوب على كلّ حال ول يحبس ,لنّ الفقر أصل في بني آدم والغنى عارض ,فكان الظّاهر شاهدا للمطلوب ,فكان القول قوله مع يمينه . وقال بعضهم :القول قول الطّالب على كلّ حال ,لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « : ق اليد واللّسان » . لصاحب الح ّ
وقال بعضهم :يحكّم زيه :إذا كان زيه زيّ الغنياء فالقول قول الطّالب ,وإن كان زيه زيّ الفقراء فالقول قول المطلوب . وعن أبي جعفر الهندوانيّ أنّه يحكّم زيه فيؤخذ بحكمه في الفقر والغنى ,إلّا إن كان المطلوب من الفقهاء أو العلويّة أو الشراف ,لنّ من عاداتهم التّكلف في اللّباس والتّجمل بدون الغنى ,فيكون القول قول المديون أنّه معسر . ن القول في الشّرع قول من يشهد له الظّاهر ,فإذا وجب الدّين بدلً ووجه ما ذكر الخصّاف أ ّ عن مال سلّم له كان الظّاهر شاهدا للطّالب ,لنّه ثبتت قدرة المطلوب بسلمة المال ,وكذا في الزّكاة فإنّها ل تجب إلّا على الغنيّ فكان الظّاهر شاهدا للطّالب . ن الظّاهر شاهد للطّالب فيما ذكرنا أيضا من طريق ووجه قول محمّد وهو ظاهر الرّواية :أ ّ الدّللة ,وهو إقدامه على المعاقدة ,فإنّ القدام على التّزوج دليل القدرة ,إذ الظّاهر أنّ النسان ل يتزوّج حتّى يكون له شيء ,ول يتزوّج أيضا حتّى يكون له قدرة على المهر , وكذا القدام على الخلع لنّ المرأة ل تخالع عادةً حتّى يكون عندها شيء ,وكذا الصلح ل يقدم النسان عليه إلّا عند القدرة ,فكان الظّاهر شاهدا للطّالب في هذه المواضع فكان القول قوله . وقال المالكيّة :إن شهدت بيّنة بملءة المدين ,وشهدت بيّنة بعدم ملءته رجّحت بيّنة الملء على بيّنة العدم إن بيّنت بيّنة الملء سببه ,بأن قالت :له مال يفي بدينه وقد أخفاه , لنّها بيّنة ناقلة ومثبتة وشاهدة بالعلم . وقال ابن عرفة :لو قالت بيّنة :له مال باطن أخفاه ,قدّمت اتّفاقا ,فإن لم تبيّن بيّنة الملء سبب الملء رجّحت بيّنة العدم ,سواء بيّنت سبب العدم أم ل . ي الجهوري :والّذي جرى العمل به تقديم بيّنة الملء وإن لم تبيّن سببه . وقال عل ّ وإن شهد شهود بعسر المدين ,وقالوا في شهادتهم :إنّهم ل يعرفون للمدين مالً ظاهرا ول ن المشهود له يحلف على ما شهد به الشّهود ,فيقول :باللّه الّذي ل إله إلّا هو باطنا ,فإ ّ ي. لم أعرف لي مالً ظاهرا ول باطنا ,ويزيد :وإن وجدت مالً لقضين ما عل ّ وقال الشّافعيّة :لو تعارضت بيّنتا إعسار وملءة كلّما شهدت إحداهما جاءت الخرى فشهدت بأنّه في الحال على خلف ما شهدت به الولى ,فهل يقبل ذلك أبدا ويعمل بالمتأخّر؟ أفتى ابن الصّلح بأنّه يعمل بالمتأخّر منهما وإن تكرّرت ,إذا لم ينشأ من تكرارها ريبة ,ول تكاد بيّنة العسار تخلو عن ريبة إذا تكرّرت . وقال الشّيرازي :إن ادّعى المدين العسار نظر ,فإن لم يعرف له مال قبل ذلك فالقول قوله ن الصل عدم المال ,فإن عرف له مال لم يقبل قوله :إنّه معسر ,إلّا ببيّنة , مع يمينه ,ل ّ
لنّ الصل بقاء المال ,فإن قال :غريمي يعلم أنّي معسر ,أو أنّ مالي هلك فحلّفوه حُلّفَ الغريم ,لنّ ما يدّعيه محتمل . وقال الحنابلة :إن ادّعى المدين العسار وكذّبه غريمه ,فل يخلو إمّا أن يكون عرف له مال أو لم يعرف :فإن عرف له مال ,ككون الدّين ثبت عن معاوضة كالقرض والبيع ,أو عرف له أصل مال سوى هذا فالقول قول غريمه مع يمينه ,فإذا حلف الغريم أنّه ذو مال ن الظّاهر قول الغريم ,فكان القول قوله كسائر حبس المدين حتّى تشهد بيّنة بإعساره ,ل ّ الدّعاوى . فإن شهدت البيّنة بتلف ماله قبلت شهادتهم ,سواء كانت من أهل الخبرة الباطنة أو لم تكن, لنّ التّلف يطّلع عليه أهل الخبرة وغيرهم ,وإن طلب الغريم إحلفه على ذلك لم يجب إليه لنّ ذلك تكذيب للبيّنة . وإن شهدت البيّنة بالعسار مع الشّهادة بالتّلف اكتفى بشهادتها وثبتت عسرته . وإن لم تشهد البيّنة بعسرته وإنّما شهدت بالتّلف ل غير ,وطلب الغريم يمين المدين على عسره وأنّه ليس له مال آخر ,أستحلف على ذلك لنّه غير ما شهدت به البيّنة . وإن لم تشهد البيّنة بالتّلف ,وإنّما شهدت بالعسار فقط لم تقبل الشّهادة إلّا من ذي خبرة باطنة ومعرفة متقادمة ,لنّ هذا من المور الباطنة ل يطّلع عليه في الغالب إلّا أهل الخبرة ن النّبيّ صلى ال عليه والمخالطة ,وذلك لما روى قبيصة بن المخارق رضي ال عنه أ ّ وسلم قال له « :يا قبيصة إنّ المسألة ل تحل إلّا لحد ثلثة . . .ورجل أصابته فاقة حتّى يقوم ثلثة من ذوي الحجا من قومه :لقد أصابت فلنا فاقةٌ فحلّت له المسألة حتّى يصيب , ش ,أو قال :سدادا من عيشٍ » . قواما من عي ٍ وإن لم يعرف للمدين مال الغالب بقاؤه ,ككون الحقّ ثبت عليه في غير مقابلة مال أخذه المدين كأرش جناية وقيمة متلف ومهر أو ضمان أو كفالة أو عوض خلع إن كان امرأةً , وادّعى العسار ولم يقرّ المدين أنّه مليء ,فإنّه يحلف :أنّه ل مال له ويخلّى سبيله ,لنّ الصل عدم المال . فإن أنكر رب الدّين إعسار المدين ,وأقام بيّنةً بقدرة المدين على الوفاء ,فإنّ المدين يحبس لثبوت ملءته . ولو حلف رب الدّين :أنّه ل يعلم عسرة المدين ,أو حلف رب الدّين :أنّ المدين موسر , أو ذو مال ,أو أنّه قادر على الوفاء حبس المدين لعدم ثبوت عسرته .
فإن لم يحلف رب الدّين بعد سؤال المدين حلّفه أنّه ل يعلم عسرته ,حلف المدين أنّه معسر وخلّي سبيله ,لنّ الصل عدم المال ,إلّا أن يقيم رب الدّين بيّنةً تشهد له بما ادّعاه من يساره فيحبس المدين .
و -أثر الملءة في منع المدين من السّفر :
12
ن المدين إذا أراد السّفر ,فإن كان الدّين حالً وكان المدين مليئا -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
ق الغريم منعه من السّفر حتّى يؤدّي إليه دينه ,وذلك -كما يقول الشّافعيّة - كان من ح ّ ن أداء الدّين فرض بأن يشغله عن السّفر برفعه إلى الحاكم ومطالبته حتّى يوفيه دينه ,ل ّ عين بخلف السّفر ,لكن قال الشّافعيّة :إن استناب من يوفيه عنه من مال الحاضر فليس له منعه من السّفر . أمّا إن كان الدّين مؤجّلً ,فقد ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه ل يجوز للغريم منع المدين من السّفر ما دام الدّين مؤجّلً . قال الكاساني :ل يمنع المدين من السّفر قبل حلول الجل ,سواء بعد محله أو قرب ,لنّه ل يملك مطالبته قبل ح ّل الجل ول يمكن منعه ,ولكن له أن يخرج معه ,حتّى إذا ح ّل الجل منعه من المضيّ في سفره إلى أن يوفيه دينه . وقال الشّربيني الخطيب :أمّا الدّين المؤجّل فليس للغريم منع المدين من السّفر ولو كان السّفر مخوفا كجهاد ,أو كان الجل قريبا ,إذ ل مطالبة به في الحالّ ,ول يكلّف من عليه ن صاحبه هو المقصّر حيث رضي بالتّأجيل من الدّين المؤجّل رهنا ول كفيلً ول إشهادا ,ل ّ غير رهن وكفيل ,ولكن له أن يصاحبه في السّفر ليطالبه عند حلول الجل ,بشرط أن ل يلزمه ملزمة الرّقيب لنّ فيه إضرارا به . أمّا المالكيّة فقد فرّقوا بين ما إذا كان الدّين المؤجّل يحل أثناء سفر المدين وبين ما إذا كان ل يحل أثناء سفره ,فقالوا :للغريم منع المدين من السّفر إن حلّ الدّين بغيبته وكان موسرا ولم يوكّل مليئا على القضاء ولم يضمنه موسر ,فإن كان المدين معسرا أو وكّل مليئا يقضي الدّين في غيبته من ماله أو ضمنه مليء فليس لغريمه منعه من السّفر . فإن كان الدّين ل يحل بغيبته فليس للغريم منعه من السّفر . قال اللّخمي :من عليه دين مؤجّل وأراد السّفر قبل حلوله فل يمنع من السّفر إذا بقي من أجله قدر سيره ورجوعه ,وكان ل يخشى لدده ومقامه ,فإن خشي ذلك منه أو عرف باللّدد فله منعه من السّفر إلّا أن يأتي بحميل ,وإن كان موسرا وله عقار فهو بالخيار بين أن يعطى حميلً بالقضاء أو وكيلً بالبيع .
وقال الحنابلة :إن أراد المدين سفرا طويلً فوق مسافة القصر ويحل الدّين المؤجّل قبل فراغه من السّفر أو يحل بعده ,وسواء كان السّفر مخوفا أو غير مخوف ,وليس بالدّين ن عليه ضررا في تأخير رهن يفي به ول كفيل مليء بالدّين ,فلغريمه منعه من السّفر ,ل ّ حقّه عن محلّه ,وقدومه عند المحلّ غير متيقّن ول ظاهر فملك منعه ,لكن إذا وثّق المدين الدّين برهن يحرز الدّين أو كفيل مليء فل يمنع من السّفر لنتفاء الضّرر . ولو أراد المدين وضامنه معا السّفر فللغريم منعهما إلّا إذا توثّق الدّين برهن محرز أو كفيل مليء . لكن إذا كان سفر المدين لجهاد متعيّن فل يمنع منه بل يمكّن من السّفر لتعينه عليه وكذلك إذا أحرم المدين بالحجّ أو العمرة فرضا أو نفلً فل يحلّله الغريم من إحرامه لوجوب إتمامهما بالشّروع .
ز -أثر الملءة في النّفقة على الزّوجة :
13
ن نفقة الزّوجة تجب على زوجها بحسب يساره ويسارها ,فتجب -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
نفقة الموسرين إذا كانا موسرين ,ونفقة المعسرين إذا كانا معسرين ,ونفقة الوسط إذا كان أحدهما معسرا . سعَ ِتهِ } ,وهذا في الجملة . س َعةٍ مّن َ ق ذُو َ والصل في ذلك قوله تعالى { :لِيُنفِ ْ وللفقهاء تفصيل ينظر في مصطلح ( :نفقة ) .
ح -أثر الملءة في النّفقة على القارب :
14
-الصل في النّفقة على القارب -كالوالدين والبناء -الكتاب والسنّة والجماع .
سوَ ُتهُنّ بِا ْل َمعْرُوفِ } ,وقوله تعالى: ن وَ ِك ْ أمّا الكتاب فقوله تعالى { :وَعلَى ا ْل َموْلُودِ َلهُ ِرزْ ُقهُ ّ حسَانًا } ,ومن الحسان النفاق عليهما عند ك َألّ َتعْبُدُواْ ِإلّ إِيّاهُ وَبِا ْلوَالِدَيْنِ ِإ ْ { وَقَضَى رَبّ َ حاجتهما . ي صلى ال عليه وسلم لهند رضي ال عنها « :خذي ما يكفيك وولدك ومن السنّة قول النّب ّ بالمعروف » . ن نفقة الوالدين الفقيرين اللّذين ل وأمّا الجماع فقال ابن المنذر :أجمع أهل العلم على أ ّ كسب لهما ول مال واجبة في مال الولد . ويشترط لوجوب النّفقة يسار المنفق ,وإعسار المنفق عليه ,واحتياجه إلى النّفقة ,وهذا باتّفاق في الجملة . وللفقهاء في أصناف الّذين تجب لهم النّفقة ,وهل الصل الملءة فيمن طولب بالنّفقة فإذا ادّعى العدم فعليه الثبات ,وغير ذلك من المسائل تفصيل وخلف ينظر في مصطلح (نفقة).
مُل َزمَة *
التّعريف : 1
-الملزمة في اللغة :مأخوذة من الفعل :لزم ,يقال :لزمت الغريم ملزمةً :تعلّقت به
. ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . الحبس : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الحبس في اللغة :المنع والمساك .
وفي اصطلح الفقهاء هو :تعويق الشّخص ومنعه من التّصرف بنفسه والخروج إلى أشغاله ومهمّاته الدّينيّة والدنيويّة . ل منهما إجراء يتّخذ للتّوصل إلى أداء الحقوق . والعلقة بين الملزمة والحبس :أنّ ك ً
الحكام المتعلّقة بالملزمة : أ -حكم ملزمة المدين
3
-ل خلف بين جمهور الفقهاء في مشروعيّة أصل ملزمة المدين ,واختلفوا في شروط
جوازها . فذهب أبو حنيفة وصاحباه :إلى أنّ للدّائن ملزمة المدين ,وإن ثبت إعساره عند القاضي , وليس للقاضي منع الدّائن عن ملزمة مدينه ,وقالوا :لنّه يتمكّن بالملزمة من حمل المدين على قضاء الدّين ,ولقوله صلى ال عليه وسلم « :لصاحب الحقّ اليد واللّسان » . وقالوا :أراد عليه الصّلة والسّلم باليد :الملزمة ,وباللّسان :التّقاضي . وقالوا وإذا كان المدين امرأةً ل يلزمها منعا من الخلوة بالجنبيّة ,ويستأجر امرأةً تلزمها. وقال الشّافعيّة والحنابلة :إذا ثبت إعسار المدين عند القاضي فليس لحد مطالبته ول سرَةٍ } . ظرَةٌ إِلَى مَ ْي َ سرَةٍ فَ َن ِ ع ْ ن ذُو ُ ملزمته ,بل يمهل حتّى يوسر ,لقوله تعالى َ { :وإِن كَا َ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال لغرماء الّذي أصيب في ثمار ابتاعها فكثرت وقد ثبت أ ّ ديونه « :خذوا ما وجدتم ,وليس لكم إلّا ذلك » . ولنّ من ليس لصاحب الحقّ مطالبته لم يكن له ملزمته ,كما لو كان عليه دين مؤجّل , ومن وجب إنظاره بال ّنصّ حرمت ملزمته ,أمّا إذا لم يثبت إعساره عند القاضي فيجوز ملزمته . هذا ولم نقف فيما تيسّر لنا اطّلعه من كتب المالكيّة ذكرا للملزمة .
ب -طريقة الملزمة :
4
-طريقة الملزمة عند الحنفيّة هي :أن يتتبّع الدّائن أو من ينوب عنه المدين ,فيذهب
حيثما ذهب ,وإن رجع إلى منزله فإن أذن له بالدخول دخل معه ,وإلّا انتظره على الباب ن ذلك حبسٌ وهو أمر ل ليلزمه بعد الخروج ,وليس له أن يحجزه في مكان خاصّ ,ل ّ يجوز لغير القاضي ,بل يدور معه حيثما يشاء هو ,لنّه بذلك يتمكّن من حمل المدين على ق اليد واللّسان » . قضاء الدّين ,وللحديث السّابق « :لصاحب الح ّ ل ,لنّه ليس بوقت الكسب فل يتوهّم وقوع مال في يده , وتكون الملزمة في النّهار ل لي ً فالملزمة ل تفيد . وكذا كل وقتٍ ل يتوهّم وقوع مال في يده فيه كوقت مرضه .
ج -حق ملزمة المكفول له الكفيل :
5
-قال الحنفيّة :إذا غاب المكفول عنه وعجز الكفيل عن إحضاره وقت الحاجة ,فللمكفول
له ملزمة الكفيل ,كالدّائن مع المدين المفلس تماما .
د -حق المحال في ملزمة المحال عليه :
6
-يجوز للمحال ملزمة المحال عليه ,وإذا ثبت له هذا الحق على المحال عليه ,فللمحال
عليه أن يلزم المحيل ,ليتخلّص من ملزمة المحال . والتّفصيل في ( حوالة ف /
112
انظر :لعان .
انظر :بيع الملمسة .
انظر :لهو .
التّعريف : 1
وما بعدها ) .
مُلعَنة * مُلمَسة * مَلهِي * مُ ْل َتزَم *
-الملتزم بفتح الزّاي :اسم مفعول من فعل التزم ,يقال :التزمت الشّيء ,أي :اعتنقته
فهو ملتزَم ,ومنه يقال لما بين باب الكعبة والحجر السود :الملتزم ,لنّ النّاس يعتنقونه ,أي :يضمونه إلى صدورهم .
وفي الصطلح :الملتزم ما بين الركن الّذي به الحجر السود إلى باب الكعبة من حائط الكعبة المشرّفة ,وعرضه علو أربعة أذرع ,وقال الرحيباني :مساحته قدر أربعة أذرع بذراع اليد . ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم التزمه ,وأخبر أنّ هناك ملكا يؤمّن على وسمّي بذلك « ل ّ الدعاء » .
الحكم التّكليفي :
2
-ل خلف بين الفقهاء في أنّه يستحب أن يلتزم الطّائف الملتزم بعد طواف الوداع اقتداءً
بالرّسول صلى ال عليه وسلم ,لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه قال « :طفت مع عبد اللّه :فلمّا جئنا دبر الكعبة قلت :أل تتعوّذ ؟ قال :نعوذ باللّه من النّار ,ثمّ مضى حتّى استلم الحجر ,وأقام بين الركن والباب ,فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفّيه هكذا , وبسطهما بسطا ,ثمّ قال :هكذا رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يفعله » . ونصّ الحنفيّة والمالكيّة على استحباب التزام الملتزم بعد طواف القدوم أيضا . وأطلق الشّافعيّة استحباب التزام الملتزم بعد الطّواف مطلقا .
كيفيّة التزام الملتزم والدعاء فيه :
3
-نصّ الفقهاء على أنّ كيفيّة التزام الملتزم أن يلصق صدره ووجهه بجدار البيت ,
ويضع خدّه اليمن عليه ,ويبسط ذراعيه وكفّيه ,بحيث تكون يده اليمنى إلى الباب واليسرى إلى الركن ,ويتعلّق بأستار الكعبة كما يتعلّق عبد ذليل بطرف ثوب لمولى جليل كالمتشفّع بها ,ودعا حال تثبته وتعلقه بالستار مجتهدا متضرّعا ,متخشّعا ,مكبّرا , ي صلى ال عليه وسلم ويبكي أو يتباكى ,ولو لم ينل الستار يضع مهلّلً ,مصلّيا على النّب ّ يديه على رأسه مبسوطتين على الجدار قائمتين ,والتصق بالجدار ,ودعا بما شاء وبما أحبّ من خيري الدنيا والخرة ,ومنه :اللّهمّ هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك , حملتني على ما سخّرت لي من خلقك ,وسيّرتني في بلدك حتّى بلّغتني بنعمتك إلى بيتك , وأعنتني على أداء نسكي ,فإن كنت رضيت عنّي فازدد عنّي رضا ,وإلّا فمن الن قبل أن تنأى عن بيتك داري ,فهذا أوان الفراق إن أذنت لي غير مستبدل بك ول ببيتك ,ول راغب صحّة في جسمي ,والعصمة في عنك ول عن بيتك ,اللّهمّ فاصحبني العافية في بدني ,وال ّ ديني ,وأحسن منقلبي ,وارزقني طاعتك أبدا ما أبقيتني ,واجمع لي بين خيري الدنيا والخرة ,إنّك على كلّ شيء قدير . وإن أحبّ دعا بغير ذلك ,وصلّى على النّبيّ صلى ال عليه وسلم .
وقت التزام الملتزم :
4
-اختلف الفقهاء في وقت التزام الملتزم ,فذهب المالكيّة والحنابلة والحنفيّة في الصحّ
والمشهور من الرّوايات إلى أنّه يستحب أن يأتي الملتزم بعد ركعتي الطّواف ,قبل الخروج إلى الصّفا . وقال الشّافعيّة :يندب أن يلتزم قبل الصّلة .وهو قول ثان عند الحنفيّة ,قال ابن عابدين : وهو السهل والفضل وعليه العمل .
التّعريف : 1
مِلْح *
-الملح في اللغة :ما يطيب به الطّعام ,يؤنّث ويذكّر ,والتّأنيث فيه أكثر ,والجمع مِلح
بالكسر . -ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
الحكام المتعلّقة بالملح : أ -التّوضّؤ بالماء المتغيّر بالملح :
2
-قال الحصكفي من الحنفيّة :يجوز التّوضّؤ بماء ينعقد به ملح ,ل بماء حاصل بذوبان
ملح ,لبقاء الوّل على طبيعته الصليّة وانقلب الثّاني إلى طبيعته الملحيّة . ونقل ابن عابدين عن الزّيلعي :ول يجوز التّوضّؤ بماء الملح ,وهو ما يجمد في الصّيف ويذوب في الشّتاء عكس الماء ,وأقرّه صاحب البحر والمقدسي ,ومقتضاه أنّه ل يجوز بماء الملح مطلقا ,أي سواء انعقد ملحا ث ّم ذاب أو ل ,وهو الصّواب عندي . ن تغير الماء بالملح ل يضر والمذهب عند المالكيّة -كما نقل الدسوقي عن ابن أبي زيد -أ ّ ولو طرح قصدا . ي :الملح وقال القابسي :إنّه كالطّعام فيسلب الطّهوريّة ,واختاره ابن يونس .وقال الباج ّ المعدني ل يسلب الطّهوريّة ,والمصنوع كالطّعام يسلبه . ن الملح المعدنيّ يضر لنّه طعام فيسلب الطّهوريّة ,والمصنوع ل ونقل الحطّاب عن سند أ ّ يضر ,لنّ أصله التراب فل يسلب ,الطّهوريّة . وعند الشّافعيّة في الماء المتغيّر بالملح أوجه :أصحها :يسلب الملح الجبلي الطّهوريّة منه ي. دون المائ ّ والثّاني َ :يسْلِبان . والثّالث :ل يسلبان .
ي ,ول يسلب خلط هذا الملح بالماء ويرى الحنابلة أنّه يكره التّطهر بماء متغيّر بالملح المائ ّ ن أصله الماء ,بخلف الملح المعدنيّ فيسلبه الطّهوريّة ,وقالوا :الماء طهوريّة الماء ,ل ّ ي فغيّره طاهر . الّذي خلط فيه ملح معدن ّ
ب -التّيمم بالملح :
3
-يرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه ل يجوز التّيمم بالملح لنّه ل يجوز التّيمم عندهم إلّا
بالتراب . وصرّح الحنفيّة بأنّ الملح المائيّ ل يجوز التّيمم به ,وإن كان الملح جبليّا ففي التّيمم به روايتان صحّح كل منهما ,ولكن الفتوى على الجواز . وذهب المالكيّة إلى أنّ الملح يجوز التّيمم به ما دام في موضعه ( معدنه ) أمّا إن نقل من محلّه وصار ما ًل في أيدي النّاس فل يجوز التّيمم به .
ج -كون الملح ما ًل ربويّا :
4
-الملح من العيان الّتي نصّ على تحريم الرّبا فيها ,فقد روى عبادة بن الصّامت رضي
ال عنه قال « :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ينهى عن بيع الذّهب بالذّهب , والفضّة بالفضّة ,والبرّ بالب ّر ,والشّعير بالشّعير ,والتّمر بالتّمر ,والملح بالملح ,إلّا سواءً بسواء ,عينا بعين ,فمن زاد أو ازداد فقد أربى » . وللتّفصيل ( ر :ربا ،ف /
17
).
مِلْطاء *
التّعريف : 1
-الملطاء في اللغة بكسر الميم وبالمدّ في لغة الحجاز ,وباللف في لغة غيرهم ,هي :
السّمحاق بكسر السّين ,والسّمحاق :قشرة رقيقة فوق عظم الرّأس بين اللّحم والعظم . شجّة الّتي تخرق وفي الصطلح :يرى جمهور الفقهاء أنّ الملطاء هي السّمحاق ,أو هي ال ّ اللّحم حتّى تدنو من العظم . شجّة الّتي أزالت اللّحم وقربت للعظم ولم تصل إليه ,بل وفرّق بينهما المالكيّة فقالوا :هي ال ّ بقي بينه وبينها ستر رقيق . والسّمحاق ما كشطت الجلد عن اللّحم . السّمحاق : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-السّمحاق بكسر السّين في اللغة :قشرة رقيقة فوق عظم الرّأس .
وفي الصطلح :قال المالكيّة :السّمحاق هي كشطة الجلد ,أي إزالته عن محلّه . ن السّمحاق من الجراحات المتعلّقة بالجلد , والصّلة بين الملطاء والسّمحاق عندهم :أ ّ والملطاء من الجراحات المتعلّقة باللّحم . وأمّا عند جمهور الفقهاء فالملطاء والسّمحاق مترادفان كما سبق .
الحكم الجمالي :
3
ش مقدّر -ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل تجب في الملطاء ,أي السّمحاق دية ول أر ٌ
عندهم ,وإنّما تجب فيها حكومة عدل ,سواء كانت عمدا أم خطأً . وقال المالكيّة وهو رواية عن محمّد وقول عند الشّافعيّة :إنّه يجب في عمدها القصاص لمكان ضبطها .
التّعريف : 1
مِلْك *
-الملك لغةً -بفتح الميم وكسرها وضمّها : -هو احتواء الشّيء والقدرة على الستبداد
به والتّصرف بانفراد . ن الفقهاء قبلهم وفي الصطلح :يعبّر الفقهاء المحدثون بلفظ الملكيّة عن الملك ,لك ّ يعبّرون بلفظ الملك . ي مقدّر في وقد عرّف القرافي الملك -باعتباره حكما شرعيّا -فقال :الملك حكم شرع ّ العين أو المنفعة ,يقتضي تمكن من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك والعوض عنه من حيث هو كذلك . وقال ابن الشّاطّ :الملك هو تمكن النسان شرعا بنفسه أو بنيابة من النتفاع بالعين أو صةً . بالمنفعة ومن أخذ العوض ,أو تمكنه من النتفاع خا ّ الحق : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-يطلق الحق لغ ًة على نقض الباطل وعلى الحظّ ,والنّصيب ,والثّابت والموجود ,
والشّيء الّذي ل ينبغي إنكاره . وفي الصطلح يطلق على الواجب الثّابت الّذي يشمل حقوق اللّه تعالى ,وحقوق العباد . ق أعم من الملك . والصّلة بين الحقّ والملك :أنّ الح ّ يتعلّق بالملك أحكام منها :
الحكام المتعلّقة بالملك :
حرمة الملك في السلم :
3
-صان السلم الملك ,فحرّم العتداء عليه ,والدلّة على ذلك كثيرة ,منها قوله تعالى
طلِ } وقوله سبحانه { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَ تَ ْأكُلُواْ َ { :و َل تَ ْأكُلُو ْا َأمْوَا َلكُم بَيْ َنكُم بِالْبَا ِ ن دماءكم وأموالكم ي صلى ال عليه وسلم « :إ ّ طلِ } وقول النّب ّ َأ ْموَا َل ُكمْ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ وأعراضكم حرام عليكم » .وقوله صلى ال عليه وسلم « :أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن ل إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه ,ويقيموا الصّلة ,ويؤتوا الزّكاة ,فإذا ق السلم ,وحسابهم على اللّه » . فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بح ّ قال إمام الحرمين :القاعدة المعتبرة أنّ الملّاك مختصون بأملكهم ,ل يزاحم أحد مالكا في ملكه من غير حق مستحق ,ثمّ الضّرورة تحوّج ملّاك الموال إلى التّبادل فيها . . .فالمر ك فيه تحريم التّسالب والتّغالب ومدّ اليدي إلى أموال النّاس من غير استحقاق , الّذي ل ش ّ وقال ابن تيميّة :والرّجل أحق بماله من ولده ووالده والنّاس أجمعين . ن المالك الحقيقيّ للموال هو اللّه وقد جعل السلم ملك الموال استخلفا ومنحةً ربّان ّيةً ,ل ّ ق التّملك واستخلفه على الموال ,قال تعالى َ { :وأَن ِفقُوا تعالى ,ولكنّه أعطى للنسان ح ّ جعَ َلكُم ّمسْ َتخْلَفِينَ فِيهِ } وقال تعالى { :وَآتُوهُم مّن مّالِ الّلهِ الّذِي آتَا ُكمْ } . ِممّا َ واليات في هذا المعنى كثيرة ,وقيل في تفسيرها :إنّ الموال الّتي في أيديكم إنّما هي أموال اللّه بخلقه وإنشائه لها ,وإنّما خوّلكم الستمتاع بها ,وجعلكم خلفاء في التّصرف فيها ,فليست هي بأموالكم في الحقيقة ,وما أنتم فيها إلّا بمنزلة الوكلء . ن اللّه تعالى فرض في الموال حقوقا للفقراء والمساكين وللقارب ويترتّب على ذلك أ ّ ونحوهم . للملك أقسام باعتبارات مختلفة :
أقسام الملك :
فهو باعتبار حقيقته :إمّا ملك تام أو ناقص . وباعتبار المستفيد منه :إمّا ملك عام أو خاص . وباعتبار سببه :إمّا ملك اختياريّ أو جبريّ . -وباعتبار احتمال سقوطه :إمّا ملك مستقر أو غير مستقر .
أ -أقسام الملك باعتبار حقيقته :
4
-ينقسم الملك باعتبار حقيقته إلى ملك تام وملك ناقصٍ .
والملك التّام :هو ملك الرّقبة والمنفعة ,والملك النّاقص :هو ملك الرّقبة فقط ,أو المنفعة فقط ,أو النتفاع فقط .
يقول ابن تيميّة :الملك التّام يملك فيه التّصرف في الرّقبة بالبيع والهبة ,ويورث عنه , ويملك التّصرف في منافعه بالعارة والجارة والنتفاع وغير ذلك . وقد عبّر بعض الفقهاء بالملك الضّعيف بدل النّاقص ,يقول الزّركشي :الملك قسمان :تام وضعيف ,فالتّام يستتبع جميع التّصرفات ,والضّعيف بخلفه ,ثمّ أستعمل مصطلح النّاقص أيضا . ثمّ إنّ الصل في الملك هو الملك التّام ,وأنّ الملك النّاقص خلف الصل ,كما أنّ المقصود من مشروعيّة الملك هو النتفاع بالشياء . ولذلك جاء ملك الرّقبة دون المنفعة ناقصا ,كأن يوصي بمنفعة عين لشخص ,أو أن يوصي بالرّقبة لشخص وبمنفعتها لخر . أمّا ملك المنافع :فهو مشاع ,ويتحقّق في الجارة بالنّسبة للمستأجر ,والعارة بالنّسبة للمستعير ,والوصيّة بالمنفعة فقط ,والوقف على تفصيل فيه ,والرض الخراجيّة المقرّة في يد من هي في يده بالخراج . والوصيّة بالمنافع جائزة عند جمهور الفقهاء ما عدا ابن شبرمة وابن أبي ليلى . أمّا ملك النتفاع :فقد ذكره جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " وإن اختلفوا في تفصيل أحكامه . فقد قسّم ابن رجب الحنبلي الملك إلى أربعة أنواع :ملك عين ومنفعة ,وملك عين بل منفعة ,وملك منفعة بل عين ,وملك انتفاع من غير ملك المنفعة ,ثمّ قال : أمّا النّوع الوّل :فهو عامّة الملك الواردة على العيان المملوكة بالسباب المقتضية لها , من بيعٍ وهبةٍ وإرثٍ وغير ذلك . النّوع الثّاني :ملك العين بدون منفعة . النّوع الثّالث :ملك المنفعة بدون عين وهو ثابت بالتّفاق ,وهو ضربان : الضّرب الوّل :ملك مؤبّد ,ويندرج تحته صور :منها الوصيّة بالمنافع ,ومنها الوقف , ن منافعه وثمراته مملوكة للموقوف عليه . . .ومنها الرض الخراجيّة . فإ ّ والضّرب الثّاني :ملك غير مؤبّد ,فمنه الجارة ,ومنه منافع البيع المستثناة في العقد مدّةً معلومةً . النّوع الرّابع :ملك النتفاع المجرّد ,وله صور متعدّدة :منها ملك المستعير ,فإنّه يملك النتفاع ل المنفعة ,إلّا على رواية ابن منصور عن أحمد . ومنها :المنتفع بملك جاره من وضع خشب ,وممر في دار ونحوه ,وإن كان بعقد صلح فهو إجارة .
ومنها :إقطاع الرفاق كمقاعد السواق ونحوها ,ومنها :الطّعام في دار الحرب قبل حيازته يملك القائمون النتفاع به بقدر الحاجة ,وقياسه الكل من الضحيّة والثّمر المعلّق ونحوه ,ومنها أكل الضّيف لطعام المضيف فإنّه إباحة محضة . وقد فصّل القرافي المالكي في التّفرقة بين ملك النتفاع ,وملك المنفعة فقال :فتمليك النتفاع نريد به أن يباشر هو بنفسه فقط ,وتمليك المنفعة هو أعم وأشمل ,فيباشر بنفسه ويمكّن غيره من النتفاع بعوض كالجارة ,وبغير عوض كالعارية . ومثال الوّل -أي النتفاع -سكنى المدارس والرّباط والمجالس في الجوامع والمساجد والسواق ومواضع النسك كالمطاف والمسعى ونحو ذلك ,فله أن ينتفع بنفسه فقط . . . أمّا مالك المنفعة فكمن استأجر دارا ,أو استعارها ,فله أن يؤاجرها من غيره ,أو يسكنه بغير عوض ,ويتصرّف في هذه المنفعة تصرف الملّاك في أملكهم . ثمّ ذكر أربع مسائل تدخل في ملك النتفاع وهي : الولى :النّكاح حيث هو من باب تمليك النتفاع ,وليس تمليك المنفعة . الثّانية :الوكالة بغير عوض ,فهي من باب تمليك النتفاع ل من باب تمليك المنفعة ,وأمّا الوكالة بعوض فهي من باب الجارة . الثّالثة :القراض " المضاربة " والمساقاة والمغارسة ,فرب المال فيها يملك من العامل النتفاع ل المنفعة ,بدليل أنّه ليس له أن يعاوض على ما ملكه من العامل من غيره ,ول يؤاجره ممّن أراد ,بل يقتصر على النتفاع بنفسه على الوجه الّذي اقتضاه عقد القراض . الرّابعة :إذا وقف شخص وقفا على أن يسكن أو على السكنى ,ولم يزد على ذلك ,فظاهر اللّفظ يقتضي أنّ الواقف إنّما ملك الموقوف عليه النتفاع بالسكنى دون المنفعة ,فليس له أن يؤاجر غيره ,ول يسكنه . وفرّق الشّافعيّة بين ملك المنفعة كالمستأجر ,وملك النتفاع كالمستعير ,وقالوا :من ملك المنفعة فله الجارة والعارة ,ومن ملك النتفاع فليس له الجارة قطعا ,ول العارة في الصحّ . وقد اختلف الفقهاء حول بعض المسائل الّتي تدخل عند بعضهم في ملك النتفاع ول تدخل فيه عند الخرين ,بل تدخل في ملك المنفعة ,مثل العارية . . .حيث ذهب الحنفيّة ما عدا ن العارية تمليك للمنفعة بغير عوض ,ولذلك الكرخيّ والمالكيّة والحنابلة في رأي إلى أ ّ أجازوا للمستعير إعارة العين المستعارة بالقيود الّتي وضعها الفقهاء .
الفروق الجوهريّة بين الملك التّامّ والملك النّاقص :
5
-ذهب الشّافعيّة ,والحنابلة في الصّحيح من المذهب ,والكرخي إلى أنّ العارة تمليك
للنتفاع . وتوجد فروق جوهريّة بين الملك التّامّ والملك النّاقص ,تلخيصها فيما يأتي : أ ّولً :إنّ لصاحب الملك التّامّ الحقّ في إنشاء جميع التّصرفات المشروعة من عقود ناقلة للملك التّامّ ,أو النّاقص ,فهو حر التّصرف في حدود عدم مخالفة الشّرع ,أمّا صاحب الملك النّاقص فليس له الحق في كلّ التّصرفات ,وإنّما هو مقيّد في حدود النتفاع بالمنفعة فقط ,لنّه ل يملك الرّقبة والمنفعة معا . ثانيا :تأبيد الملك التّامّ :والمقصود به أنّ الملك التّامّ دائم ومستمر ل ينتهي إلّا بسبب مشروع قاطع ,وكذلك ل يجوز تأقيته ,ولذلك ل يجوز تأقيت العقود النّاقلة للملك التّامّ كالبيع ونحوه ,فل يجوز أن يقال :بعت لك هذه الدّار بألف دينار لمدّة سنة ,إلّا إذا قصد بها الجارة فيحمل عليها من باب :إنّ العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني ل باللفاظ والمباني . وأمّا الملك النّاقص فالعقود الواردة على المنافع فيها ل بدّ من تأقيتها مثل الجارة والعارة ونحوها ,فهي تقبل التّقييد بالزّمان والمكان ونوع النتفاع .
ب -أقسام الملك باعتبار المستفيد منه :
6
-ينقسم الملك باعتبار المستفيد منه إلى ملك خاصّ ,وإلى ملك عام ,فالملك الخاص هو
الّذي له مالك معيّن ,سواء أكان فردا أم جماع ًة . وأمّا الملك العام فهو الملك الّذي ل يختص به مالك معيّن ,وإنّما يشترك فيه النّاس ل على التّعيين ,كملك الماء والكل والنّار ,لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم « :المسلمون شركاء في ثلث في الكل والماء والنّار » .
ج -أقسام الملك باعتبار سببه :
7
-ينقسم الملك باعتبار سببه إلى ملك اختياري أو قهري .
يقول الزّركشي :الملك قسمان :أحدهما يحصل قهرا كما في الميراث ومنافع الوقف . والثّاني :يحصل بالختيار وهو على قسمين : أحدهما :بالقوال ,ويكون في المعاوضات كالبيوع ,وفي غيرها كالهبات والوصايا , والوقوف إذا اشترطنا القبول . والثّاني :يحصل بالفعال كتناول المباحات كالصطياد والحياء . ثمّ فرّق الزّركشي بينهما فقال :وممّا يتخالفان فيه -أعني الختياريّ والقهريّ -أنّ الختياريّ يملك بالعوض المعيّن ,أو بما في ال ّذمّة ,ول يتوقّف على أداء الثّمن بل خلف ,
وأمّا القهري كالخذ بالشّفعة فل يملك حتّى يقبض المشتري الثّمن ,أو يرضى بتأخيره على أحد القولين ,والصّحيح أنّه يملك بذلك وبقضاء القاضي له . ومنها :أنّ التّملك القهريّ يحصل بالستيلء على ملك الغير كما في أموال الكفّار ,بخلف الختياريّ . ومنها :أنّ التّملك القهريّ هل يشرط فيه معرفة شروطه من الرؤية ونحوها ؟ خلف -كما في الشّفعة ,يؤخذ الشّقص الّذي لم يره -على قولين ,والختياري يشترط فيه قطعا . ومنها :أنّه يغتفر فيه ما ل يغتفر في الختياريّ ,كالرّ ّد بالعيب ,وكذا الصّيد في حقّ المحرم ,ول يملك ذلك كلّه بالختيار . وقال القرافي :اختلف العلماء ,هل السباب الفعليّة أقوى أم القوليّة أقوى ؟ فقيل :الفعليّة أقوى ,وقيل :القوليّة أقوى . وقد بيّن القرافي الفرق بين السّببين فقال :السباب الفعليّة تصح من السّفيه المحجور عليه دون القوليّة .فالمحجور عليه يملك الصّيد بالصطياد ,والرض بالحياء ,في حين ل يملك إنشاء عقود البيع والهبة ونحوهما ,وذلك لنّ السباب الفعليّة تعود بالنّفع عليه ,أمّا السباب القوليّة فإنّها موضع المماكسة والمغابنة ,فقد تعود عليه بالضّرر ,كما أنّ فيها طرفا آخر ينازعه ويجاذبه إلى الغبن ,وهو ضعيف العقل ,فل يستطيع تحقيق مصلحته .
د -أقسام الملك باعتبار السقوط وعدمه :
8
-ينقسم الملك -باعتبار احتمال سقوطه وعدمه -إلى نوعين هما :
الملك المستقر الّذي ل يحتمل السقوط بتلف المحلّ ,أو تلف مقابله كثمن المبيع بعد القبض, والصّداق بعد الدخول . والملك غير المستق ّر الّذي يحتمل ذلك كالجرة قبل استيفاء المنفعة ,والثّمن قبل قبض المبيع .
أسباب الملك :
9
ن أسباب الملك هي : -للملك أسبابه الّتي تؤدّي إلى تحقيقه ذكر ابن نجيم في الشباه أ ّ
المعاوضات الماليّة ,والمهار ,والخلع ,والميراث ,والهبات ,والصّدقات ,والوصايا , والوقف ,والغنيمة ,والستيلء على المباح ,والحياء ,وتملك اللقطة بشرطه ,ودية القتيل يملكها أ ّولً ثمّ تنتقل إلى الورثة ,ومنها الغرّة يملكها الجنين فتورث عنه ,والغاصب ي بحيث ل إذا فعل بالمغصوب شيئا أزال به اسمه وعظم منافعه ملكه ,وإذا خلط المثلي بمثل ّ يتميّز ملكه .
وذكر الحصكفي أنّ أسباب الملك ثلثة :ناقل كبيع وهبة ,وخلفة كإرث ,وأصالة وهو الستيلء حقيقةً بوضع اليد ,أو حكما بالتّهيئة كنصب شبكة لصيد . ن أسباب الملك ثمانية :الميراث ,والمعاوضات , ل عن الكفاية أ ّ وذكر السيوطيّ نق ً والهبات ,والوصايا ,والوقف ,والغنيمة ,والحياء ,والصّدقات . قال ابن السبكي :وبقيت أسباب أخر ,منها :تملك اللقطة بشرطه ,ومنها :دية القتيل يملكها أ ّولً ثمّ تنقل لورثته على الصحّ ,ولذلك يوفّى منها دينه ,ومنها :الجنين ,الصح أنّه يملك الغرّة ,ومنها :خلط الغاصب المغصوب بماله ,أو بمال آخر ل يتميّز فإنّه يوجب ن الضّيف يملك ما يأكله ,وهل يملك بالوضع بين يديه ,أو ملكه إيّاه ,ومنها :الصّحيح أ ّ في الفم ,أو بالخذ ,أو بالزدراد يتبيّن حصول الملك قبيله ؟ أوجه .
القيود الواردة على الملك :
ترد على الملك قيود تتعلّق إمّا بالسباب أو بالستعمال أو بالنتقال ,وكذلك القيود الّتي ي المر وللمتعاقد . أعطيت لول ّ
أ ّولً -القيود الواردة على أسباب الملك :
10
-تظهر هذه القيود من خلل كون أسباب كسب الملك في الشّريعة مقيّدة بأن تكون
مشروعةً ,وليست مطلقةً ,ولذلك فالوسائل المحرّمة من سرقة ,وغصب ,أو استغلل , أو قمار ,أو ربا ,أو نحو ذلك ليست من أسباب التّملك ,حيث قطعت الشّريعة الطّريق بين السباب المحرّمة والملك ,ومنعتها منعا باتا ,وطالبت المؤمنين جميعا أن تكون أموالهم حللً طيّبا ,وبذلك وردت اليات والحاديث الكثيرة ,منها قوله تعالى { :لَ تَ ْأكُلُواْ َأ ْموَا َلكُمْ ض مّن ُكمْ } .حيث منع أكل أموال النّاس إلّا عن طلِ ِإلّ أَن َتكُونَ ِتجَارَ ًة عَن تَرَا ٍ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ طريق الرّضا والرادة . ن آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا َرزَقْنَا ُكمْ وقد أمر اللّه بأكل الطّيّبات فقال تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ وَاشْكُرُواْ لِّل ِه إِن كُن ُتمْ إِيّا ُه َتعْبُدُونَ } . وقد ورد عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :أيها ن اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال { : ن اللّه طيّب ل يقبل إلّا طيّبا ,وإ ّ النّاس إ ّ عمَلُوا صَا ِلحًا إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ } ,وقال { يَا أَ ّيهَا ن الطّيّبَاتِ وَا ْ سلُ كُلُوا مِ َ يَا أَ ّيهَا ال ّر ُ ت مَا رَ َزقْنَا ُكمْ } ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمد يديه الّذِينَ آمَنُواْ كُلُو ْا مِن طَيّبَا ِ إلى السّماء :يا ربّ يا ربّ ,ومطعمه حرام ,ومشربه حرام وملبسه حرام وغذّي بالحرام , فأنّى يستجاب لذلك » .
ثانيا -القيود الواردة على استعمال الملك :
11
-وضعت الشّريعة قيودا على الملك من حيث الستعمال فأوجبت على المالك :
ح ّقهُ ت ذَا ا ْلقُرْبَى َ ل ,قال تعالى { :وَآ ِ أ -أن ل يكون مبذّرا مسرفا ,ول مقتّرا بخي ً ن َوكَانَ الشّ ْيطَانُ ن كَانُواْ ِإخْوَانَ الشّيَاطِي ِ ن ا ْلمُبَذّرِي َ ن وَابْنَ السّبِيلِ َولَ تُبَذّرْ تَبْذِيرا ،إِ ّ وَا ْل ِمسْكِي َ سطِ فَ َت ْقعُدَ سطْهَا ُكلّ الْ َب ْ لِرَ ّب ِه كَفُورا } ،وقال سبحانه { َو َل َتجْ َعلْ يَ َدكَ َمغْلُو َلةً إِلَى عُ ُنقِكَ َو َل تَ ْب ُ حسُورا } . مَلُوما ّم ْ واليات والحاديث في هذا المجال كثيرة تدل على حرمة السراف والتّبذير وتضييع المال بدون فائدة حتّى في مجال الكل ,يقول محمّد بن حسن الشّيباني :ثمّ الحاصل أنّه يحرم على المرء فيما اكتسبه من الحلل الفساد ,والسّرف ,والتّقتير . . .ثمّ السّرف في الطّعام أنواع :ومنه الستكثار في المباحات واللوان . ب -ألّا يستعمل المالك ما حرّمه الشّرع ,ومن ذلك حرمة لبس الحرير للرّجال واستعمال الذّهب لهم واستعمال أواني الذّهب والفضّة للرّجال والنّساء . ج -وجوب الستنماء في الجملة وعدم تعطيل الموال حتّى تؤدّي دورها في التّداول والتّعمير ,تدل على ذلك اليات والحاديث الكثيرة الّتي تطالب بالعمل والتّجارة والصّناعة ض ذَلُولًا فَا ْمشُوا فِي ج َعلَ َل ُكمُ الْأَرْ َ والزّراعة بصيغ الوامر ,ومنها قوله تعالى ُ { :هوَ الّذِي َ مَنَاكِ ِبهَا َوكُلُوا مِن رّ ْز ِقهِ } ،وقوله تعالى { :فَإِذَا قُضِيَتِ الصّلَاةُ فَان َتشِرُوا فِي الْ َأرْضِ ضلِ الّلهِ } ومن الحاديث قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من ولي يتيما له وَابْتَغُوا مِن فَ ْ مال فليتّجر فيه ول يتركه حتّى تأكله الصّدقة » . ن ما ل تتم مصالح المّة إلّا به فهو واجب على الكفاية ,ونصوا على كما صرّح الفقهاء بأ ّ ن قيام الدنيا بها ,وقيام أنّ الحرف والصّنائع والتّجارة المحتاج إليها من فروض الكفايات ل ّ الدّين يتوقّف على أمر الدنيا ,حتّى لو امتنع الخلق منه أثموا ,وكانوا ساعين في إهلك أنفسهم ,لكنّ النفوس مجبولة على القيام به ,فل تحتاج إلى حث عليها وترغيب فيها . ن الكسب بقدر ما ل بدّ وقال محمّد بن الحسن الشّيباني :ثمّ المذهب عند جمهور الفقهاء أ ّ منه فريضة . وينظر مصطلح ( إنماء ف /
10
-
17
).
د -عدم الضرار بالفرد والمجتمع :اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز للشّخص في استعماله ملكه أن يقصد الضرار بالغير ,لقوله صلى ال عليه وسلم « :ل ضرر ول ضرار » وهذا يدل على عدم جواز الضرار بأحد ل في ماله ,ول في نفسه ول في عرضه . وكذلك ل يجوز مقابلة الضّرر بالضّرر والتلف بالتلف ,فكل تصرف -ولو كان في ملك المالك -يمنع إذا أدّى إلى الضرار بالخرين ,ولذلك منع الفقهاء المالك من إشعال النّار
في يوم عاصف ,ولو كان في ملكه ,ما دام يترتّب عليه إحراق شيء من أموال الجيران , حيث يعتبر متعدّيا ,وعليه الضّمان . 12
ن الفقهاء اختلفوا في منع الجار من التّصرفات المعتادة الّتي يترتّب عليها الضرار -ولك ّ
بالجار على ثلثة مذاهب : فمنهم من لم يمنع من ذلك ,وهم متقدّمو الحنفيّة ,والشّافعيّة على الرّاجح ,وأحمد في رواية . ومنهم من يمنع ما دام فيه قصد الضرار ,أو كان الضّرر فاحشا ,وهم المالكيّة ,وأحمد في الرّواية المشهورة ,وبعض الشّافعيّة . ومنهم من فرّق بين الضّرر الفاحش فيمنع ,وغير الفاحش الّذي ل يمنع ,وهو رأي أبي يوسف في رواية ,ومتأخّري الحنفيّة ,وبعض الشّافعيّة . وكما منعت الشّريعة الضرار بالفراد منعت الضرار بالمجتمع ,ولذلك حرّمت الحتكار والرّبا ,والمتاجرة المؤدية إلى الفساد .
ثالثا -القيود الواردة عند انتقال الملك :
13
ن لنتقال الملك شروطا وضوابط ,وجعلت الشّريعة وسائل النتقال -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
كقاعدة عامّة في حالة الحياة -في الرّضا والرادة ,بل اشترطت أن يكون الرّضا غيرش والتّدليس والستغلل والكراه والغلط مشوب بعيوب الرّضا وعيوب الرادة ,من الغ ّ ن ِتجَارَةً عَن ط ِل ِإلّ أَن َتكُو َ ونحو ذلك ,لقول اللّه تعالى { :لَ تَ ْأكُلُواْ َأ ْموَا َلكُمْ بَيْ َن ُكمْ بِالْبَا ِ ض مّنكُمْ } ,ولقول الرّسول صلى ال عليه وسلم « :إنّما البيع عن تراض » ,وقوله : تَرَا ٍ « ل يحل مال امرئ مسلم إلّا ما أعطاه عن طيب نفسه » . وللتّفصيل ر :مصطلح ( رضا ف /
13
وما بعدها ) .
كذلك حدّد الفقهاء إرادة المالك المريض مرض الموت بالثلث إذا كانت تصرفاته عطاءً وهبةً ,أو محاباةً ,أو وص ّي ًة . ر :مصطلح ( مرض الموت ) . وقد قيّدت الشّريعة إرادة المحجور عليه في العقود الّتي فيها ضرر ,أو من شأنها الضّرر على تفصيل يراجع فيه مصطلح ( :حجر ,سفه ف /
26
وما بعدها ) .
وأمّا في حالة الموت فإنّ جميع أموال الميّت تنتقل إلى الورثة حسب قواعد الفرائض ,كما أنّ وصيّته تنفّذ في حدود الثلث ,وتنتقل إلى الموصى إليهم . ثف/ وللتّفصيل يراجع مصطلح ( إر ٌ
14
,وصيّة ) .
رابعا -القيود الّتي أعطيت لوليّ المر :
ي المر حقّ وضع قيود على الملك ومن ذلك : أعطت الشّريعة السلميّة ول ّ
الوّل -تقييد الملك الخاصّ للمصلحة العامّة :
14
-تقر الشّريعة الملك للفراد وتحميه وتصونه ,ومعيار تقييده فيها يقوم على المصلحة
العامّة الّتي ل تختص بواحد معيّن ,أو جماعة معيّنة ,وإنّما تعم المجتمع ,يقول الشّاطبي :لنّ المصالح العامّة مقدّمة على المصالح الخاصّة . فحق الملك ,وإن كان خاصا بصاحبه ,ومن حقّه أن يتصرّف فيه كما يشاء ,إلّا أنّ حقّ الغير مصون ومحافظ عليه شرعا ,فمراعاة مصالح الخرين قيد على استعمال الحقوق ن طلب النسان لحظّه حيث أذن له ل بدّ فيه من مراعاة ومنها الملك ,يقول الشّاطبي :ل ّ حقّ اللّه وحقّ المخلوقين . وحق اللّه تعالى هو ما يتعلّق بالنّفع العامّ .
الثّاني -القيود الّتي أعطيت لوليّ المر على حقّ التّملك :
ويندرج تحتها ما يلي :
أ -إحياء الرض الموات :
15
-اختلف الفقهاء في تملك الرض الموات بالحياء دون إذن المام ,أو أنّه يشترط إذن
المام لتملكها ,فذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة إلى أنّه ل يشترط في الحياء إذن المام . وخالفهم أبو حنيفة والمالكيّة على تفصيل ينظر في مصطلح ( إحياء الموات ف /
14
).
ب -تملك المعادن :
16
-ذهب المالكيّة إلى أنّ المعادن ,سواء أكانت جامدةً أم سائل ًة ,وسواء أكانت ظاهر ًة أم
في باطن الرض ,وسواء أكانت في أرض مملوكة ملكا خاصا أم غير مملوكة فهي ملك للدّولة " جميع المسلمين " تتصرّف فيها بما يحقّق المصلحة العامّة بتأجيرها لمدّة معلومة , أو إقطاعها ل على وجه التّمليك . وكذلك المر عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في المعادن الظّاهرة في أرض الموات ,حيث ل تملك عندهم بالحياء ,لنّ في ذلك إضرارا بعامّة المسلمين ,وكذلك الحكم في المعادن الباطنة ,فل تملك بالحياء على الرّاجح في المذهب الشّافعيّ ,وعلى أشهر الرّوايتين عند الحنابلة . والتّفصيل في مصطلح ( إحياء الموات ف /
29
).
حمَى : ج -ال ِ
17
-الحمى حيث هو قيد على الحياء ,فقد ذهب جمهور الفقهاء :الحنفيّة والمالكيّة
والحنابلة والشّافعيّة في الصّحيح إلى أنّه ليس لغير رسول اللّه صلى ال عليه وسلم من أئمّة المسلمين أن يحموا لنفسهم شيئا ,ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ,ونعم الجزية وإبل الصّدقة وضوال النّاس على وجهٍ ل يتضرّر به من سواهم . ثمّ إنّ الحمى نفسه مقيّد بالمصلحة فل يجوز التّوسع فيه . والتّفصيل في مصطلح ( إحياء الموات ف /
21
,وحمىً ف . ) 6 /
الثّالث -القيود الّتي أعطيت لوليّ المر على حقّ التّصرف في الملك :
ي المر الحق في تقييد تصرفات المالك بما تقتضيه المصلحة العامّة دون ضرر ول لول ّ ضرار ,ويظهر ذلك فيما يأتي :
أ -التّسعير :
18
-التّسعير هو تقدير السلطان أو نائبه للنّاس سعرا وإجبارهم على التّبايع بما قدّره .وقد
اتّفق الفقهاء على أنّ الصل في التّسعير هو الحرمة ,أمّا جواز التّسعير فمقيّد عندهم بشروط معيّنة . والتّفصيل في مصطلح ( تسعير ف 5 /وما بعدها ) .
ب -الحتكار :
19
-الحتكار هو شراء طعام ونحوه ,وحبسه إلى الغلء .
ن الحتكار بالقيود الّتي اعتبرها كل منهم محظور ,لما فيه من وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ الضرار بالنّاس والتّضييق عليهم ,واتّفقوا على أنّ الحاكم يأمر المحتكر بإخراج ما احتكر إلى السوق وبيعه للنّاس . والتّفصيل في مصطلح ( احتكار ف /
12
).
مدى سلطان الدّولة في نزع الملك :
20
-للدّولة الحق في نزع الملك استثناءً للمصلحة العامّة .
قال ابن حجر الهيتمي :أجمع العلماء على أنّه لو كان عند إنسان طعام واضطرّ النّاس إليه يجبر على بيعه دفعا للضّرر عنهم . وتفصيل ذلك فيما يلي :
أ ّولً -استملك الراضي المملوكة ملكا خاصا لجل المصلحة العامّة :
21
-ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا ضاق المسجد بالنّاس فيجوز توسعته على حساب الراضي
المملوكة ملكا خاصا وكذلك المر إذا احتاج النّاس إلى شقّ طرق عامّة أو توسعتها ونحو ذلك ولكن ل بدّ من تعويض عادل يقوم بتقديره ذوو الخبرة .
وقد نصّت مجلّة الحكام العدليّة على أنّه :لدى الحاجة يؤخذ ملك كائن من كان بالقيمة بأمر السلطان ويلحق بالطّريق ,لكن ل يؤخذ من يده ما لم يؤدّ له الثّمن ,وذلك لما روي عن الصّحابة رضي ال تعالى عنهم لمّا ضاق المسجد الحرام أخذوا أرضين بكره من أصحابها بالقيمة وزادوا في المسجد الحرام وبفعل عثمان رضي ال تعالى عنه في توسيعه مسجد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .
ثانيا -نزع الملكيّة لجل مصلحة الفراد :
22
-ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا تعارضت مصلحة فرديّة مع مصلحة فرديّة أخرى فإنّ
الشّريعة تقدّم أقواهما وأولهما بالعتبار وأكثرهما درءا للمفسدة ,وبناءً على ذلك فقد أجازت الشّريعة نزع الملك الخاصّ ,أو التّملك القهريّ لجل مصلحة فرديّة في عدّة صور , منها :
أ -الشّفعة :
23
-الشّفعة لغةً :الضّم ,وشرعا :تمليك البقعة جبرا على المشتري بما قام عليه بمثله
إذا كان مثليّا ,وإلّا فبقيمته . والشّفعة ثابتة للشّريك بالتّفاق ,وللجار على خلف بين الفقهاء ,حيث ذهب جمهورهم " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " إلى عدم ثبوتها للجار ,في حين ذهب الحنفيّة إلى ثبوتها للجار الملصق . وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( شفعة ف 4 /وما بعدها ) .
ب -بيع أموال المدين لصالح الدّائن جبرا عليه :
24
-أجاز جمهور الفقهاء -ما عدا أبا حنيفة -بيع أموال المدين لداء ديون الغرماء ما
دام له مال ,حيث يحجر القاضي عليه إذا طلبوا ذلك ,ثمّ يبيع القاضي ماله ويوزّعه عليهم حسب حصص ديونهم إذا امتنع المدين عن بيعه بنفسه ,وذلك يشمل جميع الديون ,سواء أكانت ديون قرض أو بيع أو نفقة أو دية أو تعويض .
ج -بيع المرهون لداء الدّين :
25
-للحاكم أن يجبر الرّاهن على قضاء دينه ,أو بيع المرهون ,فإن أبى يقوم الحاكم
ببيعه عند جمهور الفقهاء . والتّفصيل في مصطلح ( رهن ف /
24
).
د -الشياء الّتي ل تنقسم أو في قسمتها ضرر :
26
-يجوز للحاكم أن يجبر على البيع من أباه إذا طلب البيع أحد الشّريكين في الشياء الّتي
ل تنقسم أو في قسمتها ضرر فإذا امتنع باع عنه الحاكم دفعا للضّرر اللّاحق بالطّالب ,لنّه إذا باع نصيبه مفردا نقص ثمنه . والتّفصيل في مصطلح ( قسمة ف /
12
وما بعدها ) .
مِلْكيّة *
انظر :ملك .
مُمَاثَلة *
التّعريف : 1
-المماثلة في اللغة :مصدر ماثل ,يقال :ماثل الشّيءَ :شابهه ,ويقال ماثل فلنا :
شبّهه به . ول تكون المماثلة إلّا بين المتّفقين ,تقول :نحوه كنحوه ,وفقه كفقهه ,ولونه كلونه . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
المساواة : 2
-المساواة من ساوى الشّيء الشّيء مساواةً :ماثله وعادله قدرا أو قيمةً .
والعلقة بين المماثلة والمساواة :أنّ المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتّفقين فيه ,لنّ التّساوي :هو التّكافؤ في المقدار :ل يزيد ول ينقص . أمّا المماثلة :فل تكون إلّا بين متّفقين . تتعلّق بالمماثلة أحكام منها :
الحكام المتعلّقة بالمماثلة :
أ -المماثلة في بيع الرّبويّ بجنسه :
3
ي بجنسه -مع التّقابض في المجلس والحلول -المماثلة بين -يشترط لصحّة بيع الرّبو ّ
الثّمن والمثمّن يقينا ,لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :الذّهب بالذّهب ,والفضّة بالفضّة ل بمثل ,سواء ,والبر بالب ّر ,والشّعير بالشّعير ,والتّمر بالتّمر ,والملح بالملح ,مث ً بسواء ,يدا بيد ,فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم ,إذا كان يدا بيد » . والتّفصيل في مصطلح ( ربا ف /
27
وما بعدها ) .
ب -المماثلة بين الجاني والمجنيّ عليه لثبوت القصاص :
4
ي عليه أو لورثته على الجاني :المماثلة بينهما في خصال , -يشترك لثبوت القود للمجن ّ
فإن فضّل الجاني بخصلة منها عن المجنيّ عليه لم يقتصّ له منه على اختلف بين الفقهاء في بعض التّفاصيل . والتّفصيل في مصطلح ( قصاص ف /
13
وما بعدها ,جناية على ما دون النّفس ف /
3
وما
بعدها ) .
ج -المماثلة في استيفاء الحقّ الماليّ :
5
ي أن يستوفي صاحب الحقّ عين حقّه إذا وجد ,فإن لم -الصل في استيفاء الحقّ المال ّ
توجد العين فمثله إذا كان مثليّا ,فإن لم يكن له مثل فقيمته ,وهذا في الجملة . وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( استيفاء ف /
17
قف/ ) ,ومصطلح ( ظفر بالح ّ
11
وما
بعدها ) .
د -المماثلة في باب الرث :
6
-المراد بالمماثلة في حساب الفرائض كون أحد العددين مساويا للخر ,كالثّلثة مع
الثّلثة ,والخمسة مع الخمسة . والفروض المقدّرة في كتاب اللّه ستّة : الثلثان ,والثلث ,والسدس ,والنّصف ,والربع ,والثمن . ثمّ إن كانت الورثة عصباتٍ قسّم المال عليهم بالسّويّة إن تمحّضوا ذكورا أو إناثا ,وإن اجتمع الصّنفان قدّر كل ذكر أنثيين ,وأصل المسألة في هذه الحالت :عدد رءوس المقسوم عليهم .وإن كان مع العصبات ذو فرض واحد فأصل المسألة مخرج ذلك الكسر ,كبنت وعم ,وفرض البنت النّصف ,وأقل مخرج للنّصف اثنان :فأصل المسألة إذا اثنان . فإن كان في الورثة ذوا فرضين :فإن كانا متماثلين في الفرض والمخرج :كأخ لمّ ,وأم , وأخ لب ,فأصل المسألة من مخرج ذلك الكسر ,وهو ستّة ,لنّ فرض كل من الخ للمّ والمّ :السدس ,وأقل عدد يخرج منه السدس :ستّة . فإن لم تكن في المسألة عصبة فالمسألة أيضا من ذلك الكسر :ففي زوج وأختٍ شقيقة أو لب فالمسألة من اثنين ,لتماثل الفرضين والمخرج ,وهكذا في ك ّل مسألة تماثل العددان كثلثة وثلثة مخرّجي الثلث والثلثين ,كولدي أم وأختين شقيقتين أو لب ,ففرض ولدي المّ الثلث ,وفرض الختين لغير المّ ثلثان ,فيكتفى بأحدهما .
انظر :مطل .
مُمَاطَلة *
مُمَاكَسة *
التّعريف : 1
-المماكسة في اللغة مصدر ماكس ,وهي في البيع :انتقاص الثّمن واستحطاطه
والمنابذة بين المتبايعين . وفي الصطلح :بمعنى المشاحّة ويختلف المراد بها من معاملة لخرى . فهي في البيع :استنقاص الثّمن عمّا طلبه البائع ,والزّيادة عمّا طلبه المشتري . وفي الجزية :معناها المشاحّة في قدر الجزية عند العقد ,والمنازعة في التّصاف بالصّفات عند الخذ .
ما يتعلّق بالمماكسة من أحكام : المماكسة في أخذ الجزية :
2
-نصّ الشّافعيّة على أنّه يسن للمام في وضع الجزية مماكسة غير فقير عند قوّتنا .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( جزية ف /
47
).
اختبار رشد الصّبيّ بالمماكسة :
3
-يختبر رشد الصّبيّ بالمماكسة ,وتفصيل ذلك في مصطلح ( رشد ف . ) 8 /
انظر :ارتفاق .
التّعريف : 1
مَ َمرّ * َم ْمسُوح *
-الممسوح لغ ًة :اسم مفعول من مسح ,ومن معانيه في اللغة :الخصي إذا سلّت
مذاكيره ,والمغيّر عن خلقته .والمعنى الصطلحي ل يخرج عن المعنى اللغويّ . ويعبّر الحنفيّة والمالكيّة عن الممسوح في الغالب بلفظ المجبوب . فقد قال البابرتيّ :المجبوب هو الّذي أستؤصل ذكره وخصيتاه . ي :المجبوب هو مقطوع الذّكر والخصيتين . وقال الشّلب ّ وقال المنوفي المالكي :الجب هو قطع الذّكر والنثيين . ويطلق الشّافعيّة والحنابلة لفظ المجبوب في غالب استعمالتهم على مقطوع الذّكر فقط . أ -المجبوب :
اللفاظ ذات الصّلة :
2
ب بمعنى قطع وهو :الّذي أستؤصلت مذاكيره . -المجبوب لغةً :اسم مفعول من ج ّ
وفي الصطلح اختلف الفقهاء في معناه إلى رأيين : ل ,كما صرّح بعض الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . الوّل :المجبوب وهو من قطع ذكره أص ً الثّاني :هو من قطع ذكره وخصيتاه كما صرّح به بعض الحنفيّة والمالكيّة . والصّلة بين الممسوح والمجبوب أنّ الممسوح أعم من المجبوب عند البعض . ب -الخصي : 3
-الخصي في اللغة على وزن فعيل بمعنى مفعول ,يطلق على من قطع ذكره ,أو سلّت
خصيتاه . وأمّا في الصطلح :فقد اختلفت عبارات الفقهاء في المراد بهذا اللّفظ ,فقيل :الخصي من قطعت أنثياه مع جلدتهما . وقيل :الخصي من قلبت أنثياه . وقيل :الخصي مقطوع الذّكر قائم النثيين . ن الممسوح قد يطلق على ذاهب الذّكر والنثيين جميعا . والصّلة بين الخصيّ والممسوح :أ ّ ج -العنّين : 4
-العنّين في اللغة :من ل يقدر على إتيان النّساء ,أو ل يشتهي النّساء .
وفي اصطلح الفقهاء :العنّين هو العاجز عن الوطء في القبل لعدم انتشار اللة . والفرق بين الممسوح والعنّين هو بقاء الذّكر والنثيين في العنّين ,وذهابهما في الممسوح.
الحكام المتعلّقة بالممسوح :
تتعلّق بالممسوح عدّة أحكام ,منها :
مرتبة الممسوح في إدخال النثى القبر :
5
ن أحقّ النّاس في وضع النثى في قبرها الزّوج ,فالمحرم القرب -صرّح الشّافعيّة بأ ّ
فالقرب ,فعبدها لنّه كالمحرم في النّظر ونحوه ,فممسوح ,فمجبوب ,فخصيّ لضعف شهوتهم ,ورتّبوا كذلك لتفاوتهم في الشّهوة ,إذ الممسوح أضعف من المجبوب والخصيّ , ي لجبّ ذكره . لنّه لم يبق له شيء من النثيين ,والمجبوب أضعف من الخص ّ وللتّفصيل ( ر :دفن ف . ) 6 /
نظر الممسوح إلى الجنبيّة :
6
-اختلف الفقهاء في حكم نظر الممسوح إلى الجنبيّة إلى ثلثة آراء :
ح -وهو ما يؤخذ من الرّأي الوّل :ذهب الحنابلة والشّافعيّة في القول المقابل للص ّ عبارات فقهاء المالكيّة -إلى أنّه يحرم نظر الممسوح إلى الجنبيّة ولو امرأة سيّده كغير
ن العضو وإن الممسوح .قال ابن عقيل :ل تباح خلوة النّساء بالخصيان ول بالمجبوبين ل ّ تعطّل أو عدم فشهوة الرّجال ل تزول من قلوبهم ,ول يؤمن التّمتع بالقبلة أو غيرها , ولذلك ل يباح خلوة الفحل بالرّتقاء من النّساء . ي الدخول على المرأة إلّا أن يكون عبدها ,واستخفّ إذا كان وقال القرافي :ل يجوز للخص ّ عبد زوجها للمشقّة الدّاخلة عليها في استتارها منه . ن الممسوح كالفحل في النّظر إلى الجنبيّة حيث قالوا :إنّ الرّأي الثّاني :قال الحنفيّة :إ ّ المجبوب مطلقا -سواء جفّ ماؤه أو ل -كالفحل في النّظر إلى الجنبيّة لقوله تعالى : ن َيغُضّوا ِمنْ أَبْصَا ِر ِهمْ } ,والمجبوب من الذكور المؤمنين فيدخل تحت { قُل لّ ْل ُم ْؤمِنِي َ الخطاب ,وقالت عائشة رضي ال عنها " :الخصاء مثلة فل يبيح ما كان حراما قبله " , والمجبوب يشتهي ويسحق وينزل ولو جاءت امرأته بولد يثبت نسبه . ونصوا على أنّه ل يجوز أن ينظر الرّجل " الفحل " إلى الجنبيّة إلّا وجهها وكفّيها ,فإن كان ل يأمن الشّهوة ل ينظر إلى وجهها إلّا لحاجة . ق المجبوب الّذي جفّ ماؤه الختلط بالنّساء . ورخّص بعض مشايخ الحنفيّة في ح ّ قال أبو السعود :الصح المنع مطلقا كما في الخانيّة . ن نظر الممسوح إلى الجنبيّة كالنّظر إلى الرّأي الثّالث :يرى الشّافعيّة في الصحّ إلى أ ّ المحرم ,بمعنى أنّه يحل نظره بل شهوة نظر المحرم ,سواء أكان الممسوح حرا أم ل , لقوله تعالى َ { :أوِ التّا ِبعِينَ غَ ْيرِ ُأوْلِي الْإِرْ َب ِة مِنَ ال ّرجَالِ } ,أي :غير أصحاب الحاجة إلى النّكاح ,ويشمل الممسوح . وقال الشّربيني الخطيب :وينبغي -كما قال الزّركشي -تقييد جواز النّظر في الممسوح بأن يكون مسلما في حقّ المسلمة ,فإن كان كافرا منع على الصحّ لنّ أق ّل أحواله أن يكون كالمرأة الكافرة .
أثر خلوة الممسوح بزوجته في تقرير المهر :
7
ن خلوة الممسوح بزوجته تقرّر المهر . -يؤخذ من عبارات الحنفيّة والحنابلة أ ّ
فقد جاء في الفتاوى الهنديّة :وخلوة المجبوب خلوة صحيحة عند أبي حنيفة . والخلوة الصّحيحة من أحد المعاني الثّلثة الّتي يتأكّد المهر بها ,سواء كان مسمّى أو مهر المثل ,حتّى ل يسقط منه شيء بعد ذلك إلّا بالبراء من صاحب الحقّ . وجاء في كشّاف القناع :وتقرّر الخلوة المهر ولو لم يطأ ,ولو كان بالزّوجين أو كان ل إذا بأحدهما مانع حسّيّ كجبّ ورتق ونضاوة أي هزال . . .فإنّ الخلوة تقرّر المهر كام ً كانت بشروطها ,لنّ الخلوة نفسها مقرّرة للمهر .
ن خلوة الممسوح بزوجته ل تقرّر المهر ول وذهب المالكيّة والشّافعيّة على الجديد إلى أ ّ تؤثّر فيه . قال الحطّاب :القبلة والمباشرة والتّجرد والوطء دون الفرج ل يوجب على الزّوج الصّداق . وقال الصّاوي في تعليقه على كلم الدّردير عن ردّ الزّوجة زوجها لعيبه :فإن كان الزّوج ي مقطوع الذّكر فإنّه ل مهر على الزّوج . ممّن ل يتصوّر وطؤه كالمجبوب والعنّين والخص ّ
التّفريق بين الممسوح وزوجته :
8
-اتّفق الفقهاء على ثبوت الخيار للمرأة بين التّفريق والبقاء إذا وجدت زوجها ممسوحا
لنّ فيه نقصا يمنع الوطء أو يضعفه . ولتفصيل أحكام التّفريق بالعيب وشروط التّفريق به . ( ر :جب ف , 8 - 5 /وطلق ف /
93
وما بعدها ) .
عدّة زوجة الممسوح :
9
-يرى الحنفيّة أنّ الممسوح إذا كان ينزل كالصّحيح في وجوب العدّة على الزّوجة عند
الفرقة . وإذا مات الممسوح عن زوجته وهي حامل ,أو حدث الحمل بعد موته ,ففي إحدى الرّوايتين هي كزوجة الفحل في انقضاء العدّة بالوضع ,وفي الرّواية الثّانية هي كزوجة الصّبيّ . وصرّح المالكيّة بأنّه ل تجب العدّة على زوجة الممسوح ذكره وأنثياه . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه ل تجب عدّة الطّلق على زوجة الممسوح الّذي لم يبق له شيء أصلً . وأمّا إذا مات الممسوح عن حامل فتعتد زوجته بالشهر ل بالوضع ,إذ ل يلحقه الولد على المذهب ,لنّه ل ينزل ولم تجر العادة بأن يخلق له ولد . وقال الصطخريّ والقاضيان والصيدلني الصّيمري وأبو عبيد بن حربويه يلحقه الولد ,لنّ معدن الماء الصلب ,وهو ينفذ من ثقبة إلى الظّاهر وهما باقيان ,ويحكى ذلك قو ًل للشّافعيّ قال المحلّي :فتنقضي عدّتها بالوضع على هذا القول . والصل عند الحنابلة أنّه إذا طلّق الرّجل زوجته وقد خل بها فعدّتها ثلث حيض غير الحيضة الّتي طلّقها فيها ,وظاهر كلم الخرقيّ أنّه ل فرق بين أن يخلو بها مع المانع من الوطء أو مع عدمه ,سواء كان المانع حقيقيّا كالجبّ والعنّة والفتق والرّتق ,أو شرعيّا كالصّوم والحرام والحيض والنّفاس والظّهار ,لنّ الحكم ههنا على الخلوة الّتي هي مظنّة الصابة دون حقيقتها .
ثمّ قالوا :ل تنقضي عدّة الزّوجة من زوجها بوضع حمل لم يلحق الزّوج لصغره أو لكونه ن الحمل ليس منه يقينا فلم تعتدّ بوضعه ,وتعتد بعده خصيّا مجبوبا أو غير مجبوب ,ل ّ عدّة وفاة إن كانت متوفّى عنها ,أو عدّة حياة إن كان فارقها في الحياة حيث وجبت عدّة الفراق .وللتّفصيل ( ر :عدّة /
39
).
لحوق الولد بالممسوح
10
-اختلف الفقهاء في لحوق الولد بالممسوح :
ن الممسوح ل يلحقه فيرى المالكيّة والشّافعيّة على المذهب ,وهو الصّحيح عند الحنابلة أ ّ الولد ,لنّه ل ينزل ولم تجر العادة بأن يخلق له ولد . وقد فصّل المالكيّة فقالوا :إنّ المجبوب ينتفي عنه الولد بغير لعان لستحالة حملها منه حينئذٍ عاد ًة ,ومثله مقطوع النثيين أو البيضة اليسرى فقط على الصّحيح . فإذا وجدت البيضة اليسرى وأنزل فل ب ّد من اللّعان مطلقا ولو كان مقطوع الذّكر . وإن فقدت البيضة اليسرى ولو قائم الذّكر فل لعان ولو أنزل ,وينتفي الولد لغيره . ن المجبوب والخصيّ إن لم ينزل فل لعان لعدم لحوق الولد بهما ,وإن وطريقة القرافيّ أ ّ أنزل لعنا . ن الولد يلحق به . ويرى الحنفيّة وهو قول عند الشّافعيّة وظاهر كلم أحمد أ ّ جاء في الفتاوى الهنديّة :إذا فرّق القاضي بين المجبوب وبين امرأته بعد الخلوة ,ثمّ جاءت بولد إلى سنتين يثبت النّسب منه ,ول يبطل تفريق القاضي . وعند التمرتاشيّ من الحنفيّة إن علم أنّ الممسوح ينزل يثبت نسب الولد منه ,وإن علم بخلفه فل . ي وأبو عبيدة ي والقاضيان والصيدلني والصّيمر ّ ي :قال الصطخر ّ وجاء في شرح المحلّ ّ ن الممسوح يلحقه الولد لنّ معدن الماء الصلب وهو ينفذ وغيرهم من فقهاء الشّافعيّة :إ ّ من ثقب ٍة إلى الظّاهر وهما باقيان ,ويحكي ذلك قو ًل للشّافعيّ فتنقضي عدّتها بالوضع . وللتّفصيل ( ر :نسب ) .
قذف الممسوح بالزّنا :
11
-اختلف الفقهاء في حدّ قاذف الممسوح بالزّنا .
فذهب الجمهور إلى أنّه ل يحد ح ّد القذف ,وذهب الحنابلة إلى أنّه يحد . وللتّفصيل ( ر :قذف ف /
47
).
مموّه *
انظر :آنيّة .
مم ّيزٌ *
انظر :تميي ٌز .
منىً *
التّعريف : 1
-مِنىً بالكسر والتّنوين :بليدة على فرسخ من مكّة المكرّمة ,سمّيت بذلك لما يمنى بها
من الدّماء ,أي :يراق ,وحدها :ما بين وادي محسّر وجمرة العقبة وهي شعب طوله نحو ميلين ,وعرضه يسير ,والجبال محيطة به :ما أقبل منها عليه فهو من منىً ,وما أدبر منها فليس من منىً . ن وادي محسّر وجمرة العقبة ليسا من منىً ,وقال ويرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أ ّ المالكيّة :إنّ جمرة العقبة من منىً ,وباقي العقبة ليس منها ,وقيل :إنّ العقبة كلّها من منىً .
الحكام المتعلّقة بمنى :
منىً من شعائر اللّه ,يؤدّي الحجّاج فيها عددا من مناسك الحجّ ,وهي :
رمي الجمار :
2
-ترمى جمرة العقبة يوم النّحر بعد دفع الحجّاج من مزدلفة إلى منىً ,ثمّ ترمى الجمار
الثّلث في أيّام التّشريق بعده ,وترمى كل جمرة بسبع حصياتٍ ,والرّمي واجب من واجبات الحجّ . جف/ وللتّفصيل أنظر مصطلح ( ح ّ
59
-
66
).
ذبح الهدي يوم النّحر :
3
-يجوز ذبح الهدي في مكّة والحرم ,لكن في منىً أفضل ,إلّا ما يذبح في فدية الذى
فيجب ذبحه في مكّة عند الجمهور . وللتّفصيل أنظر مصطلح ( حرم ف /
26
،و حجّ ف /
82
،و هديٌ ) .
الحلق والتّقصير لشعر الرّأس :
4
ن الحلق أو التّقصير لشعر الرّأس واجب من -ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أ ّ
واجبات الحجّ .وذهب الشّافعيّة في الرّاجح عندهم إلى أنّه ركن من أركان الحجّ . وأكثر ما يفعله الحجّاج في منىً ,للسراع في التّحلل ,والسنّة عند الجمهور فعله في الحرم أيّام النّحر .
وذهب أبو حنيفة إلى أنّ الحلق أو التّقصير يختص بمنطقة الحرم وأيّام النّحر . ر ( :حجّ ف /
67
-
68
).
المبيت بمنى ليلة يوم عرفة :
5
ى يوم التّروية " الثّامن من ذي الحجّة " بعد طلوع ج أن يخرج من مكّة إلى من ً -يسن للحا ّ
الشّمس فيصلّي خمس صلواتٍ وهي :الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ,ثمّ يخرج إلى عرفة بعد طلوع الشّمس ,وكل ذلك سنّة اتّفاقا . ر ( :حجّ ف /
97
).
المبيت بمنى ليالي أيّام التّشريق :
6
-ذهب جمهور الفقهاء ,ومنهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وعروة وإبراهيم وعطاء
إلى وجوب المبيت بمنى ليالي أيّام التّشريق . ويلزم الفداء لمن تركه بغير عذر ,وهو دم لترك جلّ ليلة فأكثر عند المالكيّة ,ولتركه كلّه عند الشّافعيّة والحنابلة ,ولترك ليلة مد ,ولترك ليلتين مدّان عند الشّافعيّة والحنابلة . ن المبيت بمنى سنّة ,وروي ذلك عن ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما وذهب الحنفيّة إلى أ ّ والحسن . ن العبّاس بن عبد المطّلب رضي ال وقد استدلّ الجمهور بحديث ابن عمر رضي ال عنهما أ ّ عنه « استأذن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن يبيت بمكّة ليالي منىً من أجل سقايته ,فأذن له » ولول أنّه واجب لما احتاج إلى إذن . وبحديث عائشة رضي ال عنها « :أفاض رسول اللّه صلى ال عليه وسلم من آخر يومه حين صلّى الظهر ,ثمّ رجع إلى منىً ,فمكث بها ليالي أيّام التّشريق » ,وفعله صلى ال عليه وسلم يدل بظاهره على الوجوب هنا . وجعل الحنفيّة هذه دللةً على السنّيّة . جف/ والتّفصيل في ( ح ّ 7
69
,
44
ى شروط هي : -للمبيت في من ً
-
46
,
128
).
شروط المبيت بمنى :
أ -سبق الحرام بالحجّ ,لنّه أصل كلّ أعمال الحجّ . ن المبيت مرتّب عليه ,ولنّه ل حجّ بل وقوف . ب -سبق الوقوف بعرفة ,ل ّ ج -الزّمان ,وهو ليالي أيّام التّشريق الثّلثة لمن تأخّر ,والولى والثّانية لمن تعجّل فرمى ى قبل غروب ثاني أيّام التّشريق ,أو قبل فجر ثالثها ,على تفصيل الجمار الثّلث وغادر من ً في ذلك .
انظر مصطلح ( رميٌ ف . ) 6 / د -المكان :وهو منىً في الحدود المقرّرة لها .
ركن المبيت بمنى :
8
-ركن المبيت هو مكث أكثر اللّيل ,فإذا مكث بمنى مدّةً تزيد على نصف اللّيلة فقد أدّى
واجب المبيت . ( ر :حجّ ف /
128
).
العفاء من المبيت بمنى :
9
-يسقط المبيت بمنى عن ذوي العذار كأهل السّقاية ورعاء البل والمرضى ومن في
حكمهم . على تفصيل ينظر في مصطلح ( حجّ ف /
128
).
مستحبّات المبيت بمنى :
10
ج أيّام منىً الكثار من الذّكر والدعاء والتّكبير ,لما جاء في الحديث : -يستحب للحا ّ
« أيّام التّشريق أيّام أكل وشرب وذكر اللّه » . أي هي أيّام إفطار ل يجوز الصّيام فيها ,وأيّام إكثار من ذكر اللّه تعالى بأنواع الذّكر .
ُمنَابَذة *
انظر :بيع المنابذة .
ُمنَاسَبة *
التّعريف : 1
-المناسبة في اللغة :الملءمة .
قال ابن الحاجب وغيره :المناسبة وصف ظاهر منضبطٌ ,يحصل عقلً من ترتب الحكم عليه ما يصلح أن يكون للعقلء منه مصلحة دينيّة ,أو دنيويّة ,أو دفع مفسدة .
الحكم الجمالي :
2
-المناسبة من الطرق المعقولة ويعبّر عنها :بالخالة ,وبالمصلحة ,والستدلل ,
وبرعاية المقاصد ,ويسمّى استخراجها تخريج المناط ,لنّه إبداء مناط الحكم .
دليل إفادة المناسبة للعّليّة :
3
-احتجّ إمام الحرمين على إفادة المناسبة للعلّيّة بتمسك الصّحابة بها ,فإنّهم يلحقون غير
المنصوص بالمنصوص ,إذا غلب على ظنّهم أنّه يضاهيه لمعنى أو يشبهه ,ثمّ قال : فالولى العتماد لفادة المناسبة للعلّيّة على العمومات الدّالّة على المر بالقياس .
تقسيم المناسب :
4
ن المناسب إن كان -ينقسم المناسب من حيث الحقيقة والقناع :إلى حقيقي وإقناعي ,ل ّ
بحيث ل يزول بالتّأمل فيه فهو الحقيقي وإلّا فهو القناعي . والحقيقي ينقسم إلى ما هو :واقع في محلّ الضّرورة ,أو محلّ الحاجة ,أو محلّ التّحسين.
تقسيم المناسبة من حيث العتبار الشّرعي وعدمه :
تنقسم المناسبة باعتبار شهادة الشّرع لها بالملءمة والتّأثير وعدمها ,إلى ثلثة أقسام :
الوّل :أن يلغيه الشّارع :
5
-إذا أورد الشّارع الفروع على عكس المناسبة ,فل إشكال في أنّه ل يجوز التّعليل به ,
وذلك كإيجاب صوم شهرين في كفّارة الجماع في نهار رمضان على مالك الرّقبة ,فإنّه وإن كان أبلغ في ردعه من العتق ,إلّا أنّ الشّارع بإيجابه العتاق ابتداءً ألغاه ,فل يجوز اعتباره .
الثّاني :أن يعتبره الشّارع :
6
-وذلك بأن يورد الشّارع الفروع على وفق المناسبة ,وليس المراد باعتباره :أن ينصّ
الشّارع على العلّة أو يومئ إليها ,وإلّا لم تكن العلّة مستفادةً من المناسبة .
الثّالث :أن ل يعلم اعتبار الشّارع ول إلغاؤه :
7
-وهو الّذي ل يشهد له أصل معيّن من أصول الشّريعة بالعتبار ول باللغاء ,وهو
المسمّى " بالمصالح المرسلة " وقد اعتبره المالكيّة من أدلّة الفقه .
تقسيم المناسبة من حيث التّأثير والملءمة :
تنقسم المناسبة إلى مؤثّر وملئم وغريب : 8
-الوّل :المؤثّر :وهو ما ظهر تأثيره في الحكم بنصّ أو إجماع ,وسمّي مؤثرا ,
لظهور تأثير الوصف في الحكم . فالنّص كمسّ المتوضّئ ذكره ,فإنّه أعتبر عينه في عين الحدث بنصّ الحديث عليه « :من مسّ ذكره فل يصلّ حتّى يتوضّأ » , والجماع :كقياس المة على الحرّة في سقوط الصّلة بالحيض ,لما فيه من مشقّة التّكرار, إذ ظهر تأثير عينه في عين الحكم بالجماع ,ولكن في محل مخصوصٍ ,فعُدّي إلى محل آخر .
وهذا ل خلف في اعتباره عند القائلين بالقياس . 9
-الثّاني :الملئم :وهو أن يعتبر الشّارع عينه في عين الحكم ,بترتب الحكم على وفق
ص ول إجماع ,وسمّي ملئما لكونه موافقا لما اعتبره الشّارع ,وهذه المرتبة النّصّ ,ل بن ّ دون ما قبلها ,ومثّله صاحب روضة النّاظر من أصوليّي الحنابلة :بظهور المشقّة في إسقاط الصّلة عن الحائض ,فإنّه ظهر تأثير جنس الحرج في إسقاط قضاء الصّلة عن الحائض كتأثير مشقّة السّفر في إسقاط الرّكعتين السّاقطتين بالقصر . 10
-الثّالث :الغريب :وهو أن يعتبر عينه في عين الحكم فترتب الحكم وفق الوصف فقط,
ول يعتبر عين الوصف في جنس الحكم ول عينه ,ول جنسه في جنسه بنصّ أو إجماع , كالسكار في تحريم الخمر ,فإنّه أعتبر عين السكار في عين الحكم ,ويترتّب التّحريم على السكار فقط . ومن أمثلة المناسب الغريب :توريث المبتوتة في مرض الموت إلحاقا بالقاتل الممنوع من الميراث تعليلً بالمعارضة بنقيض القصد ,فإنّ المناسبة ظاهرة ,ولكن هذا النّوع من المصلحة لم يُعهد اعتباره في غير هذا فكان غريبا . والتّفصيل في الملحق الصوليّ .
ُمنَاسَخة *
التّعريف : 1
-المناسخة في اللغة :مفاعلة من النّسخ وهو النّقل والتّبديل والزالة ,يقال :نسخت
ظلّ :إذا أذهبته وحلّت محلّه ,ونسخت الكتاب نسخا :نقلت صورته المجرّدة إلى الشّمس ال ّ كتاب آخر ,وذلك ل يقتضي إزالة الصورة الولى ,بل يقتضي إثبات مثلها في مادّة أخرى , والستنساخ :التّقدم بنسخ الشّيء والتّرشّح للنّسخ ,وقد يعبّر بالنّسخ عن الستنساخ , خ مَا كُن ُتمْ َت ْعمَلُونَ } ونسخ الكتاب :إزالة الحكم بحكم سُ ومنه قوله تعالى { :إِنّا كُنّا َنسْتَن ِ ت ِبخَيْ ٍر مّ ْنهَا َأوْ مِثْ ِلهَا } . سهَا نَأْ ِ سخْ مِنْ آ َي ٍة َأوْ نُن ِ يتعقّبه ومنه قوله تعالى { :مَا نَن َ وأمّا في الصطلح ,فقد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف المناسخة ,وهي في الجملة : نقل نصيب بعض الورثة بموته قبل القسمة إلى من يرث منه .
أحوال المناسخة وأحكامها :
ن للمناسخة أحوا ًل ثلثةً لكلّ منها حكمه ,قال الحجّاويّ ذهب الفقهاء في الجملة إلى أ ّ والبهوتي :المناسخة ثلثة أحوال : 2
-الحال الوّل :أن يكون ورثة الثّاني يرثونه على حسب ميراثهم من الوّل ,مثل أن
يكونوا عصبةً لهما ,فاقسم المال بين من بقي منهم ,ول تنظر إلى الميّت الوّل كميّت خلّف
أربعة بنين وثلث بناتٍ ,ثمّ ماتت بنت ثمّ ابن ,ث ّم بنت أخرى ث ّم ابن آخر ,وبقي ابنان وبنت .فاقسم المال على خمسة . 3
-الحال الثّاني :أن يكون ما بعد الميّت الوّل من الموتى ل يرث بعضهم بعضا ,كإخوة
خلّف كلّ واحد منهم ,فاجعل مسائلهم كعدد انكسرت عليه سهامهم ,وصحّح على ما ذكر في باب التّصحيح . مثاله :رجل خلّف أربعة بنين .فمات أحدهم عن ابنين ,والثّاني عن ثلثة ,والثّالث عن أربعة ,والرّابع عن ستّة ,فالمسالة الولى من أربعة ,ومسألة البن الوّل من اثنين , والثّاني من ثلثة ,والثّالث من أربعة ,والرّابع من ستّة عدد البنين لك ّل منهم . فالحاصل من مسائل الورثة اثنان وثلثة وأربعة وستّة ,فالثنان تدخل في الربعة والثّلثة تدخل في السّتّة ,فأسقط الثنين والثّلثة يبقى أربعة وستّة ,وهما متوافقان ,فاضرب وفق الربعة في السّتّة تكن اثني عشر ,ثمّ تضربها في المسالة الولى وهي أربعة تكن ثمانيةً وأربعين ,لورثة كلّ ابن اثنا عشر حاصلة من ضرب واحد في الثني عشر ,فلكلّ واحد من ابني البن الوّل ستّة ,ولكلّ واحد من ابني البن الثّاني أربعة ,ولكلّ واحد من ابني البن ن كلّ صنف منهم يختص بتركة الثّالث ثلثة ,ولكلّ واحد من ابني البن الرّابع سهمان ,ل ّ مورّثه . 4
-الحال الثّالث :ما عدا ذلك بأن تكون ورثة الثّاني ل يرثونه كالوّل ,ويكون ما بعد
الميّت الوّل من الموتى يرث بعضهم بعضا ,وهو ثلثة أقسام . القسم الوّل :أن تقسم سهام الميّت الثّاني على مسألته .فتصح المسألتان ممّا صحّت منه الولى . ن الوّل كرجل خلّف زوجةً وبنتا وأخا لغير أم ,ثمّ ماتت البنت وخلّفت زوجا وبنتا وعما ,فإ ّ من ثمانية :للزّوجة واحد وللبنت أربعة وللخ الباقي ثلثة .ومسألة البنت من أربعة : لزوجها واحد ولبنتها اثنان ولعمّها واحد .ولها من الولى أربعة ,ومسألتها من أربعة فهي منقسمة عليها ,فتصح المسألتان من ثمانية ,للزّوجة واحد ,وللخ الّذي هو عم في الثّانية أربعة ,ولزوج الثّانية واحد ,ولبنتها اثنان . القسم الثّاني :أن ل تنقسم سهام الثّاني على مسألته بل توافقها ,فردّ مسألته إلى وفقها , واضرب وفق مسألته في كلّ الولى ,فما بلغ فهو الجامعة للمسألتين ,ث ّم كل من له شيء من المسالة الولى مضروب في وفق الثّانية ,ومن له شيء من الثّانية مضروب في وفق سهام الميّت الثّاني .
مثل :أن تكون الزّوجة أما للبنت في مسألتنا المذكورة فإنّ مسألتها تكون من اثني عشر , لنّ فيها نصفا للبنت ,وربعا للزّوج ,وسدسا للمّ توافق سهامها من الولى وهي أربعة بالربع ,فترجع الثنا عشر إلى ربعها ثلثة ,فاضربها في الولى -وهي ثمانية -تكن أربعةً وعشرين :للمرأة الّتي هي زوجة في الولى أم في الثّانية سهم من الولى مضروب في وفق الثّانية ,وهو ثلثة بثلثة ,ومن الثّانية سهمان في وفق سهام الميّتة باثنين . فيكون لها خمسة ,وللخ من الولى ثلثة في وفق الثّانية ثلثة بتسعة ,وله بكونه عما في الثّانية واحد في واحد بواحد .فيجتمع له عشرة ,ولزوج البنت من الثّانية ثلثة في واحد بثلثة ,ولبنتها منها ستّة في واحد بستّة .ومجموع السّهام أربعة وعشرون . القسم الثّالث :أن ل تنقسم سهام الميّت الثّاني على مسألته ول توافقها .فاضرب المسألة الثّانية في كلّ المسألة الولى فما حصل فهو الجامعة ,ثمّ كل من له شيء من الولى مضروب في الثّانية ,ومن له شيء من الثّانية مضروب في سهام الميّت الثّاني . وذلك كأن تخلّف البنت -الّتي مات أبوها عنها وعن زوجة وأخ -بنتين وزوجا وأما ,فإنّ الولى من ثمانية وسهام البنت منها أربعة ,ومسألتها تعول إلى ثلثة عشر :للبنتين ثمانية ,وللزّوج ثلثة ,وللمّ اثنان ,والربعة ل تنقسم عليها ول توافقها ,فاضربها في المسألة الولى تكن الجامعة مائة وأربعة :للمرأة الّتي هي أم في الثّانية زوجة في الولى سهم من الولى في الثّانية بثلثة عشر ,ولها من الثّانية سهمان في سهام الميّتة من الولى أربعة بثمانية مجتمع لها أحد وعشرون ,ولخي الميّت الوّل ثلثة من الولى في الثّانية بتسعة وثلثين ول شيء له من الثّانية لستغراق الفروض المال ,وللزّوج من الثّانية ثلثة في سهام الميّتة الربعة باثني عشر ,ولبنيها من الثّانية ثمانية في أربعة باثنين وثلثين .ومجموع السّهام مائة وأربعة . 5
-فإن مات ثالثٌ قبل القسمة جمعت سهامه ممّا صحّت منه الوليان ,وعملت فيها عملك
في مسألة الثّاني مع الولى ,بأن تنظر بين سهامه ومسألته ,فإن انقسمت عليها لم تحتج لضرب ,وإلّا فإمّا أن توافق أو تباين .فإن وافقت رددت الثّالثة لوفقها وضربته في الجامع ,وإن باينت ضربت الثّالثة في الجامعة ,ثمّ من له شيء من الجامعة يأخذه مضروبا في وفق الثّالثة عند التّوافق ,أو كلّها عند التّباين ,ومن له شيء من الثّالثة يأخذه مضروبا في وفق سهام مورّثه من الجامعة عند الموافقة أو في كلها عند المباينة . مثاله :مات عن زوجة وأم وثلث أخوات مفترقات . أصل المسألة من اثني عشر ,وتعول إلى خمسة عشر .ماتت الخت من البوين عن زوجها وأمها وأختها لبيها وأختها لمها أصل مسألتها من ستة ,وتعول إلى ثمانية ,
وسهامها من الولى ستة متفقان بالنصف ,فاضرب نصف الثانية أربعة في الولى تبلغ ستين ,واقسم على ما تقدم :للزوجة من الولى ثلثة في أربعة باثني عشر ,وللم من الولى اثنان في أربعة بثمانية ومن الثانية واحد في ثلثة .فيجتمع لها أحد عشر ,ولخت الول لبيه اثنان في أربعة بثمانية ,ولها من الثانية ثلثة في ثلثة بتسعة .يجتمع لها سبعة عشر ,وللخت للم من الولى اثنان في أربعة بثمانية ,ومن الثانية واحد في ثلثة يجتمع لها أحد عشر .ولزوج الثانية من الثانية ثلثة في ثلثة بتسعة . ثم ماتت الم وخلفت زوجا وأختا وبنتا وهي الخت لم .فمسألتها من أربعة ولها من الجامعة أحد عشر ل تنقسم ول توافق ,فتضرب مسألتها أربعة في الجامعة وهي ستون تبلغ مائتين وأربعين .ومنها تصح الثلث ,للزوجة من الجامعة اثنا عشر في أربعة بثمانية وأربعين .وللخت لب سبعة عشر في أربعة بثمانية وستين ,وللخت لم من الجامعة أحد عشر في أربعة بأربعة وأربعين ,ومن الثالثة اثنان في أحد عشر وهي سهام الثالثة باثنين وعشرين .فيجتمع لها ستة وستون ,ولزوج الثانية تسعة من الجامعة في أربعة بستة وثلثين ,ولزوج الثالثة منها واحد في أحد عشر بأحد عشر .وكذا أختها . 6
-وكذلك تصنع في الميت الرابع بأن تعمل له مسألة وتقابل بينها وبين سهامه من
الجامعة للثلث قبلها ,فإما أن تنقسم أو توافق أو تباين ,وتتم العمل على ما تقدم . 7
-وكذا تصنع فيمن مات بعده من خامس أو أكثر بأن تعمل للخامس مسألة وتقابل بينها
وبين سهامه من الجامعة للربع قبلها ,ثم تعمل للسادس مسألة وتقابل بينها وبين سهامه من التي قبلها ,وهكذا فتكون الجامعة كالولى .ومسألة الميت كالثانية وتتم العمل على ما تقدم . والختبار بجمع النصباء فإن ساوى حاصلها الجامعة فالعمل صحيح وإل فأعده .
المسألة المأمونيّة :
8
-إذا قيل :ميّت مات عن أبوين وبنتين ,ثمّ لم تقسم التّركة حتّى ماتت إحدى البنتين
عمّن في المسألة فقط أو مع زوج ,أحتيج إلى السؤال عن الميّت الوّل أذكر هو أم أنثى , ث في الثّانية لنّه أبو أب . فإن كان الميّت الوّل رجلً فالب في الولى جد وار ٌ ن الولى من وتصح المسألتان من أربعة وخمسين حيث ماتت عمّن في المسألة فقط .ل ّ ستّة لكلّ من البوين سهم ,ولكلّ من البنتين سهمان .والثّانية من ثمانية عشر :للجدّة السدس ثلثة ,وللجدّ عشرة ,وللخت خمسة ,وسهام الميّت اثنان ل تنقسم على الثّمانية عشر لكن توافقها بالنّصف ,فردّها لتسعة واضربها في ستّة تبلغ أربعةً وخمسين :
للمّ من الولى واحد في تسعة بتسعة ومن الثّانية ثلثة في واحد ,يجتمع لها اثنا عشر . وللب من الولى واحد في تسعة بتسعة ومن الثّانية عشرة في واحد بعشرة ,يجتمع له تسعة عشر . وللبنت من الولى سهمان في تسعة بثمانية عشر ومن الثّانية خمسة في واحد ,ومجموعها ثلثة وعشرون .ومجموع سهام الكلّ أربعة وخمسون . وإن كانت الميّت امرأةً فالب في الولى أبو أم ,في الثّانية ل يرث ,والخت إمّا أن تكون شقيقةً أو لمّ . وتصح المسألتان من اثني عشر ,إن كانت لخت شقيقة ,لنّ الولى من ستّة كما علمت , والثّانية من أربعة بالرّدّ ,للجدّة واحد ,وللشّقيقة ثلثة ,وسهام الميّتة اثنان ل تنقسم على الربعة لكن توافقها بالنّصف فترد الربعة لثنين ,وتضربها في ستّة باثني عشر ثمّ تقسمها ,للب من الولى واحد في اثنين باثنين ول شيء له من الثّانية .وللبنت من الولى اثنان في اثنين بأربعة ومن الثّانية ثلثة في واحد بثلثة ,وللمّ من الولى واحد في اثنين باثنين ,ومن الثّانية واحد في واحد فلها ثلثة ,ومجموع السّهام اثنا عشر . وإن كانت الخت لمّ فمسألة الرّدّ من اثنين وسهام الميّتة من الولى اثنان .فتصح المسألتان من السّتّة :للب واحد ,وللبنت ثلثة ,وللجدّة اثنان . وهي -أي المسألة المسئُول عنها بأبوين وابنتين لم تقسم التّركة حتّى ماتت إحدى البنتين ن المأمون سأل عنها يحيى بن أكثم -بالثّاء المثلّثة -لمّا أراد أن يولّيه – " المأمونيّة " ل ّ القضاء .فقال له يحيى :الميّت الوّل ذكر أو أنثى ؟ فعلم أنّه قد فطن لها .فقال له :إذا عرفت التّفصيل فقد عرفت الجواب ,وولّاه .
انظر :حجّ ,عمرة .
التّعريف : 1
َمنَاسِك * ُمنَاشَدة *
-المناشدة في اللغة :مأخوذ من نشد ,والمناشدة :المناداة مع رفع الصّوت .
يقال :نشدت الضّالّة :رفعت نشيدي :أي صوتي بطلبها ,فأنا ناشد ,وأنشدتها :أي رفعت صوتي بتعريفها :فأنا منشد ,كما يقال :نشد بالشّعر ينشده :إذا رفع صوته به , وناشد المعتدي بالدّعوة إلى التّقوى والكفّ عن العتداء عليه بقوله :ناشدتك اللّه ونحوه . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
الحكام المتعلّقة بالمناشدة : إنشاد اللقطة :
2
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ إنشاد اللقطة واجب على الملتقط ,سواء أراد تملكها أو
أراد حفظها لصاحبها . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :لقطة ف , 7 /ومصطلح تعريف ف /
7
).
إنشاد لقطة غير الحيوان :
3
-للقطة غير الحيوان بالنّسبة لنشادها حالتان :
إحداهما :أن توجد في أرض مملوكة فل يتعرّض لها . والحالة الثّانية :أن توجد في أرض غير مملوكة من مسجد ,أو طريق ,أو مواتٍ ,فل يخلو من أمرين :إمّا أن يكون بمكّة أو بغير مكّة ,فإن كانت بغير مكّة من سائر البلد , فعلى ضربين :ظاهر ومدفون . فإن كان المال ظاهرا :وكان ممّا ل يبقى كالطّعام الرّطب الّذي يفسده المساك كالهريسة , والفواكه والبقول الّتي ل تبقى على اليّام ,فقد حكى المزني عن الشّافعيّ في باب اللقطة أنّه قال في موضع :يأكله الواجد ,وقال في موضع آخر :أحببت أن يبيعه ,فاختلف ي بن أبي هريرة وطائفة يخرّجون على قولين ي وأبو عل ّ أصحابه ,فكان أبو إسحاق المروز ّ : أحدهما :كالشّاة الّتي لمّا تعذّر استبقاؤها أبيح لواجدها أكلها بل إنشاد . والقول الثّاني :ليس لواجده أكله ,بخلف الشّاة الّتي ل يجب تعريفها فأبيح له أكلها , والطّعام وإن كان رطبا يجب إنشاده فلم يستبح أكله . فإن قلنا بجواز أكله فأكله صار ضامنا بقيمته ,وعليه إنشاد الطّعام حولً ,وإن قلنا :ل يجوز أكله ,فعليه أن يأتي الحاكم حتّى يأذن له في بيعه ,ول يتولّى بيعه بنفسه مع القدرة على التيان للحاكم إلّا بعد استئذان الحاكم ,فإن أعوزه إذن الحاكم جاز بيعه ,فلو باعه بإذن الحاكم كان الثّمن في يده أمانةً ,وعليه إنشاد الطّعام حولً ,وإن كان الطّعام الرّطب ممّا يمكن إبقاؤه بعلج ,كرطب يتجفّف ,والعنب الّذي يتزبّب ,فحكمه حكم غير الطّعام في وجوب إنشاده واستبقائه . وقال الحنفيّة :إن كانت اللقطة شيئا ل يبقى عرّفه حتّى إذا خاف أن يفسد تصدّق به , وينبغي أن يعرّفها في الموضع الّذي أصابها .
ي والقماش ,فهذه هي اللقطة الّتي أمّا إن كان ممّا يبقى كالدّراهم والدّنانير والثّياب والحل ّ قال فيها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :اعرف عفاصها ووكاءها ثمّ عرّفها سنةً » , فعليه أن يأتي بشروط تعريفها ,ثمّ بعد الحول إن لم يأت صاحبها تملّكها إن أراد ذلك . ي. ي وإسلم ّ وإن كان المال مدفونا ,فضربان :جاهل ّ فإن كان إسلميّا فلقطة يجري عليه أحكام اللقطة فينشد . وإن كان جاهليّا فهو ركازٌ ,ويجب فيه الخمس .
مدّة النشاد :
4
-مدّة النشاد حول عند جمهور الفقهاء ,وهو ظاهر الرّواية عند الحنفيّة .
ن أنّ صاحبها ل يطلبها ,وليس للنشاد مدّة والقول الخر عندهم :ينشدها إلى أن يظ ّ محدّدة . والتّفصيل في مصطلح ( لقطة ف . ) 8 / هذا في غير لقطة الحرم ,أما لقطة الحرم فقد اختلف الفقهاء : ن لقطة الحرم كلقطة سائر البلد في الحكام . ذهب الجمهور إلى أ ّ وقال الشّافعي رحمه ال :إنّه ليس لواجد لقطة مكّة تملكها ,وينشدها أبدا . والتّفصيل في ( لقطة ف /
14
).
أماكن النشاد :
5
-أماكن النشاد هي :مجامع النّاس ومحافلهم من البلدان الّتي وجد اللقطة فيها ,ومحال
الرّحال ,ومناخ السفار ,وفي السواق . فأمّا الضّواحي الخالية من النّاس فل يكون النشاد فيها تعريفا . وينشدها في أبواب المساجد عند خروج الجماعات ,أو أقرب البلد إلى مكان اللتقاط ,وإن جازت قافلة تبعهم وأنشدها فيهم .
إنشاد اللقطة في المساجد :
6
-يحرم أو يكره على اختلف بين الفقهاء إنشاد اللقطة في المساجد ,لخبر « :من
سمع رجلً ينشد ضاّل ًة في المسجد فليقل :ل ردّها اللّه عليك » . وقال الشّافعيّة :ل بأس أن يسأل من في المسجد في غير صورة إنشاد . واستثنى الشّافعيّة عن حظر إنشاد اللقطة في المساجد المسجد الحرام ,وقالوا :ل يكره ن اللّه جلّ شأنه جعل هذا البيت مثابةً للنّاس :أي إنشاد اللقطة فيه ,والحكمة في ذلك أ ّ يعودون إليه ,فربّما يرجع مالكها وإن طال الزّمن .
إنشاد ضوالّ الحيوان :
7
-ضوال الحيوان إن وجدت في صحراء :فإن كانت ممّا يصل إلى الماء والرّعي بنفسه ,
ويدفع عن نفسه صغار السّباع بقوّته كالبل والبقر والخيل والبغال والحمير فل يجوز التّعرض لها للنّشدان ول للتّملك ,لقوله صلى ال عليه وسلم في ضوالّ البل « :ما لك ولها ؟ ! معها سقاؤها وحذاؤها ,ترد الماء وتأكل الشّجر حتّى يلقاها ربها » . أما إن كانت ممّا ل يدفع عن نفسه صغار السّباع ,ويعجز عن الوصول إلى الماء والرّعي كالغنم والدّجاج ,فللواجد أخذه وأكله من غير نشدان ,وعليه غرمه إذا ظهر مالكه عند جمهور الفقهاء . وقال المالكيّة :يجوز له أكلها بالصّحراء إذا لم يتيسّر حملها أو سوقها للعمران . وفي قول عندهم :يجوز له أكلها في الصّحراء ولو مع تيسر سوقها للعمران ,وإن أتى بها ح ّيةً للعمران وجب عليه تعريفها . والتّفصيل في مصطلح ( ضالّة ف 4 - 3 /وما بعدها ) .
النشاد بالشّعر :
8
-النشاد بالشّعر جائزٌ إذا لم يكن في المسجد وخل عن هجوٍ وإغراق في المدح والكذب
المحض والغزل الحرام . وتفصيله في مصطلح ( شعر ف . ) 7 /
مناشدة الظّالم :
9
-نصّ المالكيّة على أنّه إذا تعرّض المحارب للمسافر يستحب أن يناشده قبل القتال إذا
أمكن . والمناشدة هنا أن يدعوه إلى التّقوى والكفّ عن التّعرض له . وصيغة المناشدة :ناشدتك اللّه إلّا ما خلّيت سبيلي ,أو :اتّق اللّه وكفّ عن العتداء والظلم ,ونحو ذلك من التّذكير والوعظ . ن الدّعوة للتّقوى والتّذكير ل وقال سحنون :ل يناشد المعترض له ول يدعوه للتّقوى ,ل ّ يزيده إلّا إشل ًء وجرأةً .
انظر :عاقلة .
انظر :سباق .
ُمنَاصَرة * ُمنَاضَلة *
التّعريف : 1
ُمنَاظَرة *
-المناظرة لغةً :يقال :ناظر فلنا :صار نظيرا له ,وناظر فلنا :باحثه وباراه في
المجادلة ,وناظر الشّيء بالشّيء :جعله نظيرا له . فالمناظرة مأخوذة من النّظير أو من النّظر بالبصيرة . والمناظرة اصطلحا :عرّفها المدي بأنّها تردد الكلم بين الشّخصين يقصد كل منهما تصحيح قوله وإبطال قول صاحبه ليظهر الحق ,وعرّفها الجرجاني بأنّها :النّظر بالبصيرة من الجانبين في النّسبة بين الشّيئين إظهارا للصّواب . أ -ال ُمجَادَلة : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-المجادلة لغةً :المناظرة والمخاصمة ,يقال :جدل الرّجل جدلً فهو جدل من باب
تعب :إذا اشتدّت خصومته ,وجادل جدالً ومجادل ًة :إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحقّ ووضوح الصّواب . والمجادلة اصطلحا :قال المدي :هي المدافعة لسكات الخصم . والصّلة بينهما أنّ كلً من المجادلين يريد حفظ مقاله وهدم مقال صاحبه ,سواء كان حقا أو باطلً . أما المناظران فكل منهما يريد إظهار الحقّ . ب -المُنا َقشَة : 3
-المناقشة لغةً :يقال :نقش الشّيء نقشا :بحث عنه واستخرجه ,ويقال :نقش
الشّوكة بالمنقاش ,ونقش الحقّ من فلن ,وناقشه مناقشةً ونقاشا استقصى في حسابه . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . ل منهما يهدف إلى بيان وجه الحقّ . والصّلة بين المناقشة والمناظرة أنّ ك ً ج -المُكابَرة : 4
-المكابرة لغةً :المغالبة .يقال :كابرته مكابرةً ,غالبته وعاندته .
والمكابرة اصطلحا :المنازعة في المسائل العلميّة مع علم المتكلّم بفساد كلمه وصحّة كلم خصمه . والصّلة بين المناظرة والمكابرة التّضاد من حيث الغاية والثّمرة . د -المُعانَدة :
5
-المعاندة لغ ًة :من باب ضرب ,يقال :عاند فلن عنادا :إذا ركب الخلف والعصيان ,
وعانده معاندةً :عارضه ,قال الزهري :المعاند المعارض بالخلف ل بالوفاق . والمعاندة اصطلحا :المنازعة في المسائل العلميّة مع عدم علمه بكلمه هو وكلم صاحبه . والصّلة بين المناظرة والمعاندة التّباين . هـ -المُحاوَرة : 6
-المحاورة لغةً :يقال :حاوره محاورةً وحوارا :جاوبه ,وحاوره :جادله ,قال تعالى:
{ قَالَ َل ُه صَاحِ ُبهُ وَ ُه َو ُيحَاوِرُهُ } ويقال :تحاوروا :تراجعوا الكلم بينهم وتجادلوا ,قال سمَعُ َتحَاوُ َر ُكمَا } . تعالى { :وَالّل ُه َي ْ ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . ل منهما يراجع صاحبه في قوله . والصّلة بين المحاورة والمناظرة أنّ ك ً
مشروعيّة المناظرة :
7
-المناظرة مشروعة بالكتاب والسنّة .
أمّا الكتاب فمنه المناظرة الّتي تمّت بين إبراهيم عليه السلم عليه السّلم عليه السلم وبين النّمرود الّذي ادّعى الربوبيّة ,وذلك في قوله تعالى قوله تعالى قوله تعالى { :أَ َلمْ َترَ إِلَى ك إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّيَ الّذِي ُيحْيِـي وَ ُيمِيتُ قَالَ ج إِبْرَاهِيمَ فِي رِ ّب ِه أَنْ آتَا ُه الّلهُ ا ْلمُلْ َ الّذِي حَآ ّ ت ِبهَا مِنَ ا ْل َمغْرِبِ ن ا ْل َمشْرِقِ فَأْ ِ شمْسِ مِ َ أَنَا ُأحْيِـي َوأُمِيتُ قَا َل إِبْرَاهِيمُ فَِإنّ الّل َه يَأْتِي بِال ّ ت الّذِي كَفَ َر وَالّلهُ َل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّا ِلمِينَ } . فَ ُبهِ َ ومناظرة موسى عليه السلم عليه السّلم عليه السلم مع فرعون وذلك في قوله تعالى قوله سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا ب ا ْلعَا َلمِينَ ،قَالَ رَبّ ال ّ عوْنُ َومَا رَ ّ تعالى قوله تعالى { :قَالَ فِ ْر َ حوْ َلهُ أَلَا َتسْ َت ِمعُونَ ،قَالَ رَ ّبكُمْ َورَبّ آبَا ِئ ُكمُ الْ َأوّلِينَ ،قَالَ إِنّ ن َ إن كُنتُم مّوقِنِينَ ،قَا َل ِلمَ ْ ق وَا ْل َمغْرِبِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِن كُنتُ ْم َتعْقِلُونَ ، سلَ إِلَ ْي ُكمْ َل َمجْنُونٌ ،قَالَ رَبّ ا ْل َمشْرِ ِ َرسُو َل ُكمُ الّذِي أُ ْر ِ ك ِبشَيْ ٍء مّبِينٍ ،قَالَ فَأْتِ ن ا ْل َمسْجُونِينَ ،قَالَ َأوَ َلوْ جِئْتُ َ ك مِ َ جعَلَنّ َ ن ا ّتخَذْتَ إِلَها غَ ْيرِي لَ َأ ْ قَا َل لَئِ ِ ي بَيْضَاء ع يَدَهُ فَإِذَا هِ َ ن ،وَنَزَ َ ن مّبِي ٌ ن الصّادِقِينَ ،فَأَ ْلقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ُثعْبَا ٌ ِبهِ إِن كُنتَ مِ َ لِلنّاظِرِينَ } . ب ا ْلعَا َلمِينَ } علم وأشار ابن الحنبليّ إلى وجه الدّللة من ذلك أنّ فرعون لمّا قال َ { :ومَا رَ ّ ب العالمين ,ورب موسى عليه السلم عليه السّلم عليه السلم أنّه سؤال عن ماهيّة ر ّ العالمين ل ماهيّة له ,لنّه الوّل فل شيء قبله فيكون منه ,بل هو مكوّن ما تتكوّن الشياء ب جلّ وعل منه ,فلم يشتغل موسى بر ّد سؤاله وبيان فساده ,وكان المقصود تعريف الرّ ّ
ض َومَا بَيْ َن ُهمَا } فحصر الكائنات في ثلث كلماتٍ , سمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ ب ال ّ بصفته فقال { :رَ ّ ن } ردا على فرعون قوله : ن } قال { :رَ ّب ُكمْ وَرَبّ آبَا ِئ ُكمُ الْ َأوّلِي َ فلمّا قال { :أَلَا َتسْ َت ِمعُو َ س َل إِلَ ْيكُمْ َل َمجْنُونٌ } أردف ما ذكر { أَنَا رَ ّب ُكمُ الْأَعْلَى } فلمّا قال { :إِنّ َرسُو َلكُمُ الّذِي أُ ْر ِ بشاهدين آخرين فقال { :رَبّ ا ْل َمشْ ِرقِ وَا ْل َمغْرِبِ َومَا بَيْ َن ُهمَا } لنّ المشرق والمغرب آيتان عظيمتان ل يقدر فرعون على ادّعائهما ,فلمّا اندحضت حجّته قال { :لَ ِئنِ ا ّتخَذْتَ إِلَها سجُونِينَ } . جعَلَنّكَ ِمنَ ا ْل َم ْ غَيْرِي لَ َأ ْ ودليل ذلك من السنّة :مناظرة النّبيّ صلى ال عليه وسلم مع طالب الذن بالزّنا ,وذلك ي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال :يا فيما ورد عن أبي أمامة قال « :إنّ فتىً شابا أتى النّب ّ رسول اللّه ,ائذن لي بالزّنا ,فأقبل القوم عليه فزجروه ,وقالوا :مه مه ,فقال :أدنه . فدنا منه قريبا ,قال :فجلس ,قال :أتحبه لمّك ؟ قال :ل واللّه ,جعلني اللّه فداءك .قال :ول النّاس يحبونه لمّهاتهم ,قال :أفتحبه لبنتك ؟ قال :ل واللّه يا رسول اللّه ,جعلني اللّه فداءك .قال :ول النّاس يحبونه لبناتهم .قال :أفتحبه لختك ؟ قال :ل واللّه ,جعلني اللّه فداءك .قال :ول النّاس يحبونه لخواتهم .قال :أفتحبه لعمّتك ؟ قال :ل واللّه , جعلني اللّه فداءك .قال :ول النّاس يحبونه لعمّاتهم .قال :أفتحبه لخالتك ؟ قال :ل واللّه ,جعلني اللّه فداءك .قال :ول النّاس يحبونه لخالتهم .قال :فوضع يده عليه وقال : اللّهمّ اغفر ذنبه وطهّر قلبه وحصّن فرجه .فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء » .
الحكم التّكليفي للمناظرة : حكم تعلم فنّ المناظرة :
8
-قال المدي :هذا الفن ل شكّ في استحباب تحصيله ,وإنّما الشّك في وجوبه وجوبا
كفائيّا ,فمن قال بوجوب معرفة مجادلت الفرق على الكفاية ,قال بوجوب التّحصيل ,لنّ ن يعرف به كيفيّة المجادلة ,وإلّا فل . هذا الف ّ ض إلى أنّ معرفة مجادلت الفرق الضّالّة وقال ملّا زاده تعليقا عليه :واعلم أنّه ذهب بع ٌ ضرّ عن حسَنُ } ولنّها دفع ال ّ ليجادلهم فرض كفاية لقوله تعالى َ { :وجَادِ ْلهُم بِالّتِي هِيَ َأ ْ المسلمين ,إذ يخاف أن يقعوا في اعتقاداتهم المضرّة ,وذا فرض كفاية على من لم يكن مظنّة الوقوع فيه ,وفرض عين على من كان كذلك . ن العلم تابع للمعلوم ما لم يمنع عن التّبعيّة . وقال بعضهم :إنّها حرام ل ّ
حكم المناظرة في الحالت الّتي تجري فيها :
يختلف حكم المناظرة باختلف الحالت الّتي تجري فيها .
أ ّولً -الوجوب :
9
-تكون المناظرة واجبةً في حالت منها :
نصرة الحقّ بإقامة الحجج العلميّة والبراهين القاطعة وحلّ المشكلت في الدّين ,لتندفعالشّبهات وتصفو العتقادات عن تمويهات المبتدعين ومعضلت الملحدين . ومع أهل الكتاب إذا ظهرت مصلحة من إسلم من يرجى إسلمه منهم .وهي فرضعين ,إذا لم يوجد سوى عالم واحد وكان أهلً للمناظرة في الحالت الّتي تجب فيها . وتجب كذلك إذا عيّن الحاكم عالما لمناظرة أهل الباطل وكان أهلً لذلك . ت :منها إذا كان هناك من أهل العلم غير واحد قادر على وتكون فرض كفاية في حال ٍ المناظرات الواجبة ,وحينئذٍ فقيام واحد منهم يكفي لسقوط الحرج عن الباقين وإلّا أثم الجميع بتركه .
ثانيا -النّدب :
10
ت منها :تأكيد الحقّ وتأييده ,ومع غير المسلمين -والمناظرة تكون مندوبةً في حال ٍ
الّذين يرجى إسلمهم .
ثالثا -الحرمة :
11
ت منها :طمس الحقّ ورفع الباطل ,وقهر مسلم , -تكون المناظرة محرّمةً في حال ٍ
وإظهار علم ,ونيل دنيا أو مال أو قبول .
المناظرة ومناهج استعمال الدلّة ومناسبة إيرادها :
12
ن المستدلّ إذا بيّن دعواه بدليل ,فإن خفي على -قال صاحب فواتح الرّحموت :إ ّ
الخصم مفهوم كلمه لجمال أو غرابة فيما استعمل استفسره ,وعلى المستدلّ بيان مراده عند الستفسار ,وإلّا يبقى مجهولً فل تمكن المناظرة . ولو كان بل نقل من لغة أو أهل عرف أو بل ذكر قرينة فإذا اتّضح مراده :فإن كان جميع ل ول إجمالً لزم النقطاع للبحث وظهر مقدّماته مسلّمةً ول خلل فيها بوجه ل تفصي ً الصّواب .وإلّا ,فإن كان الخلل في البعض تفصيلً يمنع هذا المختل مجرّدا عن السّند أو مقرونا مع السّند ,ويطالب بالدّليل عليه فيجاب بإثبات المقدّمة الممنوعة . وإن كان الخلل فيها إجمالً ,وذلك الخلل :إمّا أن يتخلّف الحكم عنه في صوره فيكون الدّليل حينئذٍ أعمّ من المدّعي ,أو لزوم محال آخر فينقض حينئ ٍذ ويدّعي فساد الدّليل ,فل بدّ من إقامة دليل . وإمّا بوجود دليل مقابل لدليل المستدلّ وحاكم بمنافي ما يحكم هو به فيعارض . وفي هذين أي النّقض والمعارضة تنقلب المناصب ,فيصير المعترض مستدلً والمستدل معترضا .
فكل بحث -مناظرة -إمّا منع أو نقضٌ أو معارضة . وفي ذلك يقول طاش كبرى زاده في منظومته في آداب البحث : والنّقض ذو الجمال والمعارضة
ثلثة لسائل مناقضة فمنعه الصغرى من الدّليل
أو منعه الكبرى على التّفصيل
والتّفصيل في الملحق الصوليّ . 13
آداب المناظرة :
-للمناظرة آداب عشرة :
الوّل :إرادة إظهار الحقّ ,قال المام الشّافعي رحمه ال رحمه اللّه رحمه ال :ما ناظرت أحدا إلّا وددت أن يظهر اللّه الحقّ على يديه ,وجاء في ردّ المحتار :المناظرة في العلم لنصرة الحقّ عبادة . الثّاني :أن يحترز المناظر عن اليجاز والختصار والكلم الجنبيّ لئلّا يكون مخلً بالفهم . الثّالث :أن يحترز عن التّطويل في المقال لئلّا يؤدّي إلى الملل . الرّابع :أن يحترز عن اللفاظ الغريبة في البحث . الخامس :أن يحترز عن استعمال اللفاظ المحتملة لمعنيين . السّادس :أن يحترز عن الدخول في كلم الخصم قبل الفهم بتمامه ,وإن افتقر إلى إعادته ثانيا فل بأس بالستفسار عنه إذ الدّاخل في الكلم قبل الفهم أقبح من الستفسار . السّابع :أن يحترز عمّا ل مدخل له في المقصود بألّا يلزم البعد عن المقصود . ن الجهّال يسترون بها جهلهم . الثّامن :أن يحترز عن الضّحك ورفع الصّوت والسّفاهة ,فإ ّ التّاسع :أن يحترز عن المناظرة مع من كان مهيبا ومحترما كالستاذ إذ مهابة الخصم واحترامه ربّما تزيل دقّة نظر المناظر وحدّة ذهنه . العاشر :أن يحترز عن أن يحسب الخصم حقيرا لئلّا يصدر عنه كلم يغلب به الخصم عليه .
أنواع المناظرة :
للمناظرة أنواع مختلفة باعتبارات متعدّدة :
أ -أنواع المناظرة باعتبار وسيلة أدائها :
المناظرة بهذا العتبار نوعان :
الوّل :المناظرة الخطابيّة :
14
-وتكون المناظرة الخطابيّة بالتقاء المتناظرين في مجلس علم ,وكثيرا ما كان يحضر
المراء هذه المناظرات .
ومن ذلك المناظرة بين المامين مالك وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة في المدينة المنوّرة بحضور هارون الرّشيد حول صداق المرأة تصنع به ما تشاء . قال القاضي عياضٌ :فلمّا تناظر مالك وأبو يوسف في صداق المرأة وقال أبو يوسف :لها ص ,وإن شاءت جعلته في خيط أن تصنع به ما شاءت :إن شاءت رمت به وجاءته في قمي ٍ ن أمير المؤمنين خطب امرأةً من أهله وأصدقها مائة ألف درهم ال ّدوّامة ,فقال مالك :لو أ ّ ص لم يحكم لها بذلك ,ولكن يأمرها أن تتجهّز وتتهيّأ له بما يشتهيه ممّا فجاءته في قمي ٍ يتجهّز به النّساء ,فقال هارون :أصبت .
الثّاني :المناظرة الكتابيّة :
15
-وتكون المناظرة الكتابيّة بمخاطبة المتناظرين كتابيّا حول مسألة علميّة أو أمر يحتاج
إلى ذلك .ومن ذلك رسالة المام مالك إلى المام اللّيث بن سعد -رحمهما ال -في مخالفة أهل المدينة ,وردّ اللّيث على ذلك . وفيما يلي نص الرّسالتين :من مالك بن أنسٍ إلى اللّيث بن سعد .سلم اللّه عليكم ,فإنّي أحمد اللّه إليك الّذي ل إله إلّا هو . أمّا بعد عصمنا اللّه وإيّاك بطاعته في السّ ّر والعلنية ,وعافانا وإيّاك من كلّ مكروهٍ . اعلم رحمك اللّه أنّه بلغني أنّك تفتي النّاس بأشياء مخالفة لما عليه جماعة النّاس عندنا وببلدنا الّذي نحن فيه ,وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك وحاجة من قبلك إليك واعتمادهم على ما جاءهم منك ,حقيق بأن تخاف على نفسك وتتّبع ما ترجو النّجاة ن وَالَنصَارِ } ن اللّه تعالى يقول في كتابه { :وَالسّا ِبقُونَ ا َلوّلُونَ ِمنَ ا ْل ُمهَاجِرِي َ باتّباعه ,فإ ّ ن َأحْسَ َنهُ } فإنّما النّاس الية ،وقال تعالى { :فَ َبشّ ْر عِبَا ِد ،الّذِينَ َيسْ َت ِمعُونَ ا ْل َق ْولَ فَيَتّ ِبعُو َ تبع لهل المدينة ,إليها كانت الهجرة وبها نزل القرآن وأحلّ الحلل وحرّم الحرام إذ رسول اللّه بين أظهرهم يحضرون الوحي والتّنزيل ويأمرهم فيطيعونه ويسن لهم فيتّبعونه ,حتّى توفّاه اللّه واختار له ما عنده صلوات اللّه عليه وبركاته . ثمّ قام من بعده أتبع النّاس له من أمّته ممّن ولي المر من بعده ,فما نزل بهم ممّا علموا أنفذوه ,وما لم يكن عندهم فيه علم سألوا عنه ,ثمّ أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك في اجتهادهم وحداثة عهدهم ,وإن خالفهم مخالف أو قال امرؤ غيره أقوى منه وأولى ترك قوله وعمل بغيره ,ث ّم كان التّابعون من بعدهم يسلكون تلك السّبيل ويتّبعون تلك السنن . فإذا كان المر بالمدينة ظاهرا معمولً به لم أر لحد خلفه للّذي في أيديهم من تلك الوراثة الّتي ل يجوز لحد انتحالها ول ادّعاؤها ,ولو ذهب أهل المصار يقولون :هذا العمل ببلدنا وهذا الّذي مضى عليه من مضى منّا ,لم يكونوا من ذلك على ثقة ,ولم يكن لهم من ذلك
الّذي جاز لهم ,فانظر رحمك اللّه فيما كتبت إليك فيه لنفسك ,واعلم أنّي أرجو أن ل يكون دعائي إلى ما كتبت به إليك إلّا النّصيحة للّه تعالى وحده ,والنّظر لك والظّنّ بك ,فأنزل كتابي منك منزلته ,فإنّك إن فعلت تعلم أنّي لم آلك نصحا ,وفّقنا اللّه وإيّاك لطاعته وطاعة رسوله في ك ّل أمر وعلى كلّ حال ,والسّلم عليك ورحمة اللّه . وكان من جواب اللّيث عن هذه الرّسالة :وأنّه بلغك عنّي أنّي أفتي بأشياء مخالفة لما عليه ي الخوف على نفسي لعتماد من قبلي فيما أفتيهم به , جماعة النّاس عندكم ,وإنّه يحق عل ّ وأنّ النّاس تبع لهل المدينة الّتي إليها كانت الهجرة وبها نزل القرآن ,وقد أصبت بالّذي كتبت من ذلك إن شاء اللّه ,ووقع منّي بالموقع الّذي ل أكره ,ول أشد تفضيلً منّي لعلم أهل المدينة الّذين مضوا ول آخذ بفتواهم منّي والحمد للّه ,وأمّا ما ذكرت من مقام رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالمدينة ونزول القرآن عليه بين ظهراني أصحابه وما علّمهم اللّه منه ,وأنّ النّاس صاروا تبعا لهم فكما ذكرت .
ب -أنواع المناظرات باعتبار موضوعها :
16
-تتنوّع المناظرات باعتبار موضوعها إلى أنواع أهمها المناظرات الفقهيّة :وهذه
المناظرات موضوعها مسائل الفقه وقد تكون بين أتباع مذهب ومذهب وقد تكون بين أتباع المذهب الواحد ,ومنها على سبيل المثال المناظرة بين المامين الشّافعيّ وأحمد في تارك الصّلة ,وفيها قال الشّافعي :يا أحمد أتقول :إنّه يكفر ؟ قال نعم ,قال :إذا كان كافرا فبم يسلم ؟ قال :يقول :ل إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ,قال الشّافعي : فالرّجل مستديم لهذا القول لم يتركه ,قال :يسلم بأن يصلّي ,قال :صلة الكافر ل تصح ول يحكم بالسلم بها ,فانقطع أحمد وسكت .
ثمرة المناظرة :
17
-الصل في المناظرة -كما هو وارد في تعريفها -التّوصل إلى إظهار الحقّ .
وهذه المناظرة إمّا أن تنتهي إلى عجز المعلّل وسكوته عن دفع اعتراض السّائل ,وهذا يسمى إفحاما . وإمّا أن تنتهي إلى عجز السّائل عن العتراض على جواب المعلّل إذ ل يمكن جريان البحث بينهما إلى غير نهاية ,وهذا يسمّى إلزاما . وفي ذلك يقول طاش كبرى زاده في منظومته : مآلها البحث عن أمرين
محقّقا إحداهما في البين
إمّا بأن قد يعجز المعَلّل
وعن إقامة الدّليل يعدل
لمدّعاه وهو عنها ساكت
وذا هو الفحام عنهم ثابت
أو يعجز السّائل عن تعرض فينتهي الدّليل مِن مقدّمة وذلك العجز هو اللزام
ضرورة القبول أو مسلّمة فتنتهي القدرة والكلم
مُنَافَسة *
انظر :سباق .
َمنَافِع *
انظر :منفعة .
مُنَاوَلة *
التّعريف : 1
إلى دليل الخصم والمعترض
-المناولة في اللغة تطلق على :كلّ ما يعطى باليد .
يقال :ناولت فلنا الشّيء مناولةً :إذا عاطيته ,وتناولت من يده شيئا :إذا تعاطيته , والتّناول :أخذ الشّيء باليد . ول يخرج المعنى الصطلحي عند الفقهاء عن المعنى اللغويّ . وفي اصطلح علماء مصطلح الحديث :المناولة :أن يدفع الشّيخ إلى الطّالب أصل سماعه أو فرعا مقابلً به ,ويقول :هذا سماعي ,أو روايتي عن فلن فاروه عنّي ,أو نحو ذلك , كأن يقول :أجزت لك روايته عنّي ,ثمّ يملّكه إيّاه ,أو يقول :خذه وانسخه وقابل به ثمّ ردّه إليّ ,وهي صيغة استعملها المحدّثون . أ -السّماع : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-السّماع مصدر سمع سماعا وسمعا وسماع ًة .
والسّمع في اللغة :قوّة مودعة في العصب المفروش في مقعد الصّماخ تدرك بها الصوات .وفي اصطلح أهل الحديث :أن يقول الرّاوي في رواية الحديث :أخبرنا فلن ,أو حدّثنا فلن ,أو سمعت منه ,ونحو ذلك ,كذكر لنا فلن . والسّماع ممّا تشتمل عليه المناولة . ب -الجازة : 3
-الجازة في اللغة :من أجاز المر :نفّذه ,سوّغه .
وفي اصطلح المحدّثين :أن يقول الشّيخ للطّالب :أجزت لك أن تروي عنّي هذا الحديث بعينه أو هذا الكتاب ,والجازة ممّا تشتمل عليها المناولة .
أ ّولً :المناولة عند الصوليّين والمحدّثين : مشروعيّة المناولة :
4
-قال البخاري :احتجّ بعض أهل الحجاز في المناولة بحديث النّبيّ صلى ال عليه وسلم
أنّه « كتب كتابا لمير السّريّة وأمره أن ل يقرأه حتّى يبلغ مكان كذا وكذا فلمّا بلغ ذلك المكان قرأه على النّاس وأخبرهم بأمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم » . قال الزّركشي :وأشار البيهقيّ إلى أنّه ل حجّة في ذلك .
أنواع المناولة : المناولة نوعان :
5
-أحدهما :المناولة المقرونة بالجازة ,وهي أعلى أنواع الجازات على الطلق ,ولها
صور ,منها : أن يدفع الشّيخ إلى الطّالب أصل سماعه ,أو فرعا مقابلً به ويقول :هذا سماعي من فلن, أو روايتي عنه فاروه عنّي ,أو أجزت لك روايته عنّي .ث ّم يملّكه إيّاه ,أو يقول :خذه وانسخه وقابل به ثمّ ردّه إليّ ,ونحو ذلك . 6
-الثّاني :المناولة المجرّدة عن الجازة كأن يناول الشّيخ الطّالب الكتاب ويقتصر على
قوله :هذا من حديثي ,أو من سماعاتي .ول يقول :اروه عنّي ,أو أجزت لك روايته عنّي .قال ابن الصّلح والنّووي :ل يجوز الرّواية بها على الصّحيح عند الصوليّين والفقهاء . وقال ابن الصّلح :هذه مناولة مختلّة ,ول يجوز الرّواية بها .وعابها بعض الفقهاء الصوليّين على المحدّثين الّذين أجازوها وسوّغوا الرّواية بها ,وحكى الخطيب عن طائفة من أهل العلم أنّهم صحّحوها وأجازوا روايةً بها . وينظر التّفصيل في الملحق الصوليّ .
ثانيا :المناولة عند الفقهاء : حصول قبض المعقود عليه بالمناولة :
7
-يكون قبض المنقولت الّتي تتناول باليد عادةً -كالمجوهرات والحليّ والنقود والثّياب
وما إلى ذلك -بمناولة أحد العاقدين للخر المعقود عليه ,وتناول الخر منه ,أو إذنه له بالتّناول ,أو وضعه قريبا منه بحيث يمكن له تناوله وهو في مكانه باليد .
وقال الحنفيّة :يحصل قبض سائر المنقولت أيضا بالمناولة ,كما يحصل بنقله أو تحويله من مكان العقد . ضف.)9/ والتّفصيل في مصطلح ( قب ٌ
ِمنْبَر *
التّعريف : 1
-المنبر في اللغة :مرقاة يرتقيها الخطيب أو الواعظ ليخاطب الجمع ،مشتق من النّبر
وهو الرتفاع ،وسمّي منبرا لرتفاعه وعلوّه ،ويقال :انتبر الخطيب أي :ارتقى المنبر . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
منبر النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
2
ي صلى ال عليه وسلم اتّخذ منبره سنة سبع من الهجرة وقيل : -قال العلماء :إنّ النّب ّ
ثمان من الهجرة . ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم والصل في ذلك ما رواه سهل بن سعد رضي ال عنه « أ ّ ن إذا أرسل إلى امرأة من النصار :مري غلمك ال ّنجّار أن يعمل لي أعوادا أجلس عليه ّ ي :وفي الصّحيح « أنّه عمل من أثل الغابة ،فكان يرتقي كلّمت النّاس » ،يقول البهوت ّ عليه » .قال :وكان ثلث درج « ،وكان النّبي صلى ال عليه وسلم يجلس على الدّرجة الثّالثة الّتي تلي مكان الستراحة » ،ثمّ وقف أبو بكر رضي ال تعالى عنه على الثّانية ،ثمّ عمر رضي ال تعالى عنه على الولى تأدبا ،ثمّ وقف عثمان رضي ال عنه مكان أبي بكر ي صلى ال عليه وسلم ،ثمّ قلعه رضي اللّه عنه ،ثمّ عليّ رضي ال تعالى عنه موقف النّب ّ مروان بن الحكم أمير المدينة في زمن معاوية وزاد فيه ستّ درج ،فكان الخلفاء يرتقون ستا ،ويقفون مكان عمر رضي ال عنه ،أي :على السّابعة ول يتجاوزون ذلك تأدبا .
الحكام المتعلّقة بالمنبر : أ -اتّخاذ المنبر وموقعه :
3
ن اتّخاذ المنبر سنّة مجمع عليها ،كما أنّه يسن أن تكون الخطبة -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
على المنبر ،وكذلك الجلوس على المنبر قبل الشّروع في الخطبة . ويستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب بالنّسبة للمصلّين . وزاد الشّافعيّة فقالوا :ويكره المنبر الكبير جدا الّذي يضيق على المصلّين إذا لم يكن المسجد متّسعا . والتّفصيل في ( خطبة ف /
10
).
ب -تسليم الخطيب على النّاس إذا صعد المنبر :
4
-ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يستحب للخطيب إذا صعد المنبر فاستقبل الحاضرين أن
يسلّم عليهم ،واحتجوا بما رواه جابر رضي ال عنه قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا صعد المنبر سلّم » ،ورواه الثرم عن أبي بكر وعمر وابن مسعود والزبير رضي ال عنهم ،ورواه البخاري عن عثمان رضي ال عنه ،وفعله عمر بن عبد العزيز ، وبه قال الوزاعي ،ولنّه استقبال بعد استدبار ،فأشبه من فارق قوما ثمّ عاد إليهم . وأضاف الشّافعيّة أن يسلّم على من عند المنبر ندبا إذا انتهى إليه . وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يسن السّلم بعد الصعود على المنبر . وقال المالكيّة :يندب أن يسلمّ الخطيب عند خروجه ليرقى المنبر ،فإذا انتهى من صعوده ن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا ،خلفا للقرافيّ الّذي فل يندب بل يكره ،ول يجب رده ل ّ أوجب ردّه .
ج -نزول المام عن المنبر للحاجة :
5
-نصّ الشّافعيّة على أنّه ل بأس أن ينزل المام عن المنبر للحاجة قبل أن يتكلّم ث ّم يعود
إليه . واستدلوا بما ورد « :أنّه لمّا وضع المنبر وضعوه موضعه الّذي هو فيه ،فلمّا أراد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن يقوم إلى المنبر م ّر إلى الجذع الّذي كان يخطب إليه ،فلمّا جاوز الجذع خار حتّى تصدّع وانشقّ ،فنزل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لمّا سمع صوت الجذع فمسحه بيده حتّى سكن ،ثمّ رجع إلى المنبر » ،وفي حديث « :فاعتنقها فسكتت » . قال الشّافعي :وإن نزل عن المنبر بعد ما تكلّم استأنف الخطبة ،لنّ الخطبة ل تعد خطبةً إذا فصل بينها بنزول يطول ،أو بشيء يكون قاطعا لها .
د -صلة ركعتين عند منبر النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
6
ي صلى ال عليه وسلم يصلّي تحيّة المسجد -نصّ بعض الفقهاء على أنّ زائر قبر النّب ّ
ي صلى ال عليه وسلم ركعتين يقف بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه عند منبر النّب ّ اليمن إن أمكنه ،وهو موقفه عليه الصلة والسلم قبل أن يغيّر المسجد ،وهو بين قبره ومنبره ،ويجتهد أن يحيي ليله مدّة مقامه بقراءة القرآن وذكر اللّه والدعاء عند المنبر وبينهما سرا وجهرا لحديث « :ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة » . ويقف عند المنبر ويدعو .
ففي الحديث « :قوائم منبري رواتب في الجنّة » وفي رواية « :منبري على ترعة من ترع الجنّة » ،وكان السّلف يستحبون أن يضع أحدهم يده على رمّانة المنبر النّبويّ الّتي كان النّبي عليه الصلة والسلم يضع يده الكريمة عليها عند الخطبة .
هـ -الدعاء على المنبر والتّأمين عليه :
7
-نصّ بعض الفقهاء على أنّه إذا دعا المذكّر على المنبر دعا ًء مأثورا ،والقوم يدعون
معه ذلك ،فإن كان لتعليم القوم فل بأس به ،وإن لم يكن لتعليم القوم فهو مكروه .
و -إخراج المنبر إلى الجبّانة وبناؤه :
8
-نصّ الحنفيّة على أنّه ل يخرج المنبر إلى الجبانة " المصلّى العامّ في الصّحراء " ،لما
ي صلى ال عليه وسلم لم يفعل ذلك ،وقد صحّ « أنّه صلى ال عليه وسلم ورد أنّ النّب ّ خطب يوم النّحر على ناقته » وبه جرى التّوارث من لدن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى يومنا هذا ،وقد عاب النّاس على مروان بن الحكم إخراجه المنبر في العيدين ،ونسبوه إلى خلف السنّة . وأمّا بناء المنبر في الجبّانة فذهب الحنفيّة في الصّحيح من المذهب والمالكيّة في قول إلى الجواز . قال الحنفيّة :ولهذا اتّخذوا في المصلّى منبرا على حدة من اللّبن والطّين ،واتّباع ما اشتهر به العمل في النّاس واجب . وفي قول عند بعض الحنفيّة كراهة بناء المنبر في الجبّانة " المصلّى العامّ في الصّحراء " .
ز -تغليظ اليمين عند المنبر :
9
-يرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة مشروعيّة تغليظ اليمان بالمكان ،ومنه :عند المنبر
ن المالكيّة يرون وجوبه ،ويرى الشّافعيّة استحبابه ،كما يرى الحنابلة أنّه إذا رأى ،إلّا أ ّ الحاكم تغليظها بالمكان عند منبر الجامع في ك ّل مدينة جاز ولم يستحبّ ،لما روي عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :من حلف على منبري هذا على يمين آثمة فليتبوّأ مقعده من النّار » . أمّا الحنفيّة فل يرون التّغليظ ل بالمكان ول بالزّمان . ( ر :مصطلح تغليظ ف . ) 6 /
التّعريف :
ال ِمنْبَريّة *
1
-المنبريّة نسبةً إلى المنبر وهو معروف ،وهي مسألة من المسائل الملقّبات في
المواريث ،وهي المسائل الّتي لقّبت كل منها بلقب أو أكثر :كالكدريّة والدّيناريّة وغيرهما.
صورة المسألة وحكمها :
2
-المنبريّة مسألة من مسائل العول ،وصورتها :أن يترك الميّت زوجةً وبنتين وأبوين ،
وقد سئل عنها علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه وهو على المنبر فأجاب عنها أثناء خطبته ل :صار ثمنها تسعا .ومضى في خطبته . قائ ً والمسألة أصلها من
24/
: /للزّوجة الثّمن ، / 3 /وللبنتين الثلثان /
البوين السدس . / 4 /فتعول المسألة إلى / ثلثة أسهم من /
27
27
/بدلً من /
24
16
، /ولكلّ من
، /فيكون نصيب الزّوجة
، /وهو يمثّل التسع من المسألة بعد العول ،وهذا يفسّر قول علي
رضي ال عنه صار ثمنها تسعا .
التّعريف : 1
مَنْبوذ *
-المنبوذ لغ ًة :اسم مفعول لفعل نبذ ،يقال :نبذته نبذا ،من باب ضرب :ألقيته فهو
سمّي النّبيذ :نبيذا ،لنّه يُنبذ ،أي :يترك حتّى يشتدّ . منبوذ ،أي مطروح ،ومنه ُ ت العهد إليهم :نقضته . ومنه َنقْضُ العهد يقال :نبذ ُ ويقال :نبذت المر :أهملته ،والمنبوذ :ولد الزّنا ،والصّبي تلقيه أمه في الطّريق . والمنبوذ شرعا :اسم لحيّ مولود طرحه أهله خوفا من العيلة أو فرارا من تهمة الرّيبة ، أو هو طفل منبوذ بنحو شارع ل يعرف له مدّع . وذكر الطّفل للغالب ،فالمجنون يلتقط كما يلتقط المميّز في الصحّ عند الشّافعيّة ، لحتياجهما إلى التّعهد .
حكم التقاط المنبوذ :
2
-الصل في مشروعيّة التقاط المنبوذ قوله تعالى َ { :ومَنْ َأحْيَاهَا َفكَأَ ّنمَا َأحْيَا النّاسَ
جمِيعا } ،وقوله عزّ من قائل { :وَا ْفعَلُوا ا ْلخَيْرَ } ،والتقاط المنبوذ وإنقاذه من المهالك من َ أهمّ فعل الخيرات . وقد اختلف الفقهاء في حكم التقاط المنبوذ . وتفصيل ذلك في ( مصطلح لقيطٌ ف . ) 4 /
الشهاد على التقاط المنبوذ :
3
-اختلف الفقهاء في حكم الشهاد على التقاط المنبوذ .
وتفصيل ذلك في ( مصطلح لقيطٌ ف . ) 5 /
من له ولية اللتقاط :
4
ن السّعي لقوته ل يشغله عن حفظه - -تثبت ولية اللتقاط لح ّر مكلّف ولو فقيرا -ل ّ
مسلم إن حكم بإسلم المنبوذ ،ظاهر العدالة فيشمل مستور العدالة الّذي ل يعرف منه حقيقة العدالة ول الخيانة ،على اختلف بين الفقهاء . وتفصيل ذلك في ( مصطلح لقيطٌ ف ، 6 /
7
).
ازدحام اثنين فأكثر على التقاط المنبوذ :
5
-لو ازدحم اثنان كل منهما أهل لللتقاط على التقاط المنبوذ ،وذلك بأن يقول كل منهما:
أنا آخذه ،جعله الحاكم عند من يراه منهما ،أو عند من يراه من غيرهما ،لنّه ل حقّ لهما قبل أخذه فيفعل الحظّ له . وإن سبق أحدهما فالتقطه مُنِعَ الخر من مزاحمته ،لثبوت حقّه بالسّبق لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم « :من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له » . وإن التقطاه في زمن واحد -وهما أهل التقاطه -فالصح عند الشّافعيّة يقدّم غنيّ على فقير ،لنّه قد يواسيه بماله .ولو تفاوتا في الغنى لم يقدّم أغناهما . ل والخر جوادا ،فقياس تقديم الغنيّ على الفقير يقتضي أن يقدّم فإن كان أحدهما بخي ً الجواد ،لنّ حفظ اللّقيط عنده أكثر ،ويقدّم عدل على مستور ،وإن تساويا في العدالة والحرّيّة والغنى أقرع بينهما . فإن ازدحم على أخذ المنبوذ ببلد ،أو قرية ،ظاعن إلى بادية أو قرية وآخرُ مقيمٌ في البلد : فالمقيم بالبلد أولى بأخذه وحضانته ،لنّه أرفق به وأحوط لنسبه ،ول يقدّم المقيم على ظاعن إلى بلد آخر ،بل يستويان بنا ًء على أنّه يجوز للمنفرد بحضانته نقله إلى بلده . واختار النّووي تقديم قروي مقيم بالقرية الّتي وجد المنبوذ فيها على بلدي ظاعن إلى بلد ي على بدوي ،إذا وجداه بمهلكة . آخر ،ويقدّم حضر ّ والتّفصيل في ( لقيطٌ ف . ) 8 / ويستويان إذا وجداه بمحلّة أو قبيلة ،ويقدّم البصير على العمى ،والسّليم على المجذوم والبرص إذا قلنا بأهليّتهما لللتقاط . وإذا وجد اللّقيط في بلد فل يجوز نقله إلى بادية ،سواء كان الملتقط بلديّا أو بدويّا أو قرويّا ،لخشونة عيش البادية ،وتفويت تعلم الدّين والعلم والصّنعة ،وضياع النّسب . كما يمتنع نقله من بلد إلى قرية . والتّفصيل في مصطلح ( لقيط ف ) 8 /وما بعدها .
الحكم بإسلم المنبوذ أو كفره :
6
-ل يخلو المنبوذ من أن يوجد في دار السلم أو في دار الكفر .
فأمّا دار السلم فضربان : أحدهما :دار اختطّها المسلمون فلقيط هذه محكوم بإسلمه -وإن كان فيها معهم أهل ذمّة ن السلم يعلو ول يعلى عليه . أو معاهدون -تغليبا للسلم ولظاهر الدّار ،ول ّ الثّاني :دار فتحها المسلمون فهذه إن كان فيها مسلم واحد حكم بإسلم لقيطها ،لنّه يحتمل أن يكون لذلك المسلم تغليبا للسلم . ن تغليب حكم السلم إنّما وإن لم يكن فيها مسلم ،بل كل أهلها أهل ذمّة حكم بكفره ،ل ّ يكون مع الحتمال ،ول احتمال هنا . أمّا بلد الكفّار :فإن كان بلدا للمسلمين فغلب الكفّار عليه فهو كالوّل :إن كان فيه مسلم واحد حكم بإسلمه ،وإن لم يكن فيه فهو كافر . وإن وجد في دار لم تكن للمسلمين أصلً فإن لم يكن فيها مسلم فمنبوذه كافر . والتّفصيل في مصطلح ( لقيطٌ ف /
10
).
وإن وجد المنبوذ ببرّيّة فمسلم إذا كانت برّيّة دارنا ،أو كانت برّ ّيةً ل يد لحد عليها . أمّا برّيّة دار الحرب الّتي ل يطرقها مسلم فل يحكم بإسلم منبوذها . ومن حكم بإسلمه بالدّار كان مسلما باطنا أيضا إن لم يكن ثمّ ذمّيّ ،فإذا بلغ وأفصح بالكفر كان مرتدا . وإن كان َثمّ ذمّيّ كان مسلما ظاهرا ،فإن بلغ وأفصح كفرا فهو كافر أصليّ لضعف الدّار . ي بيّنةً على نسب المنبوذ لحقه ،لنّه كالمسلم في النّسب ،وتبعه ي أو حرب ّ وإن أقام ذمّ ّ بالكفر ،وارتفع ما ظننّاه من إسلمه ،لنّ الدّار حكم باليد ،والبيّنة أقوى من مجرّد يد . وتصور علوقه من مسلمة وطئت بشبهة نادر ل يعوّل عليه مع البيّنة ،وتشمل البيّنة محض النّسوة . وإن ألحقه قائف قال ابن حجر الهيتمي :الّذي يتّجه اعتبار إلحاقه ،لنّه حكم فهو كالبيّنة بل أقوى . ن النّسب تبعه بالكفر ،وإلّا فل . وفي النّسوة :أنّه إن ثبت به ّ وإن اقتصر على الدّعوى بأنّه ابنه ول حجّة له ،فالمذهب عند الشّافعيّة :أنّه ل يتبعه ن الحكم بإسلمه ل يغيّر بمجرّد دعوى كافر مع إمكان تلك بالكفر وإن لحقه نسبه ،ل ّ الشّبهة النّادرة ،ومحل هذا الخلف إن لم يصدر منه نحو صلة ،وإلّا -بأن يصدر منه ما
يدل على أنّه مسلم كالصّلة والصّوم -لم يغيّر ادّعاء الكافر نسبه شيئا عن حكم السلم بالدّار ،وتقوى بالصّلة ونحوها قطعا ،ويحال بينهما وجوبا . ومقتضى حكمهم بإسلم المنبوذ تارةً وكفره تار ًة أخرى :أنّ لقاض رفع إليه أمر منبوذٍ الحكم بكفره فيما نصوا على كفره فيه . وقال ابن حجر الهيتمي :ول معنى لما قال بعضهم من أنّه ل يجوز لقاض أن يحكم بكفر ن الحكم بالكفر رضا به ،والرّضا بالكفر كفر . أحد ،ل ّ
استلحاق المنبوذ :
7
-إن استلحق المنبوذ المحكوم بإسلمه من هو أهل لللتقاط ،بأن يكون حرا ذكرا مسلما
لحقه بشروط الستلحاق . وتفصيل ذلك في ( استلحاق ف /
11
-
14
).
رق المنبوذ وح ّريّته :
8
-المنبوذ حر في قول عامّة أهل العلم .
وقال ابن المنذر :أجمع عامّة أهل العلم على أنّ اللّقيط حر ،وروي عن عمر وعلي رضي ال عنهما ،وبه قال عمر بن عبد العزيز والشّعبي وحمّاد ومالك والشّافعي والحنفيّة ،لنّ الصل في الدميّين الحرّيّة ،فإنّ اللّه تعالى خلق آدم وذرّيّته أحرارا ،وإنّ الرّقّ للعارض ، فإن لم يعلم ذلك العارض فله حكم الصل ،هذا إذا لم يقم أحد بيّنةً برقّه ،وتتعرّض لسباب الملك فيعمل بها . ق لشخص فصدّقه قبل إن لم يسبق منه إقرار بحرّيّة كسائر وإن أق ّر المنبوذ المكلّف بالرّ ّ القارير .فإن كذّبه المقر له ل يثبت الرّق ،وكذا إن سبق إقرار بحرّيّة فل يقبل إقراره بعده ،لنّه بالقرار الوّل التزم أحكام الحرار فل يملك إسقاطها . ق ألّا يسبقه تصرف يقتضي نفوذه حرّيّة كبيع ونكاح ،بل ول يشترط في صحّة القرار بالرّ ّ ق وأحكامه الماضية المضرّة به والمستقبلة فيها له ،ل في الحكام يقبل إقراره في أصل الرّ ّ الماضية المضرّة بغيره ،فل يقبل إقراره بالنّسبة إليها ،كما ل يقبل القرار على الغير بدين ،فلو لزمه دين فأقرّ برقّ وفي يده مال قضى منه ،ثمّ إن فضل شيء فللمقرّ له .
ق المنبوذ مَنْ ليس بيده : ادّعاء ر ّ
9
-إن ادّعى رقّ المنبوذ من ليس في يده بل بيّنة لم يقبل بل خلف ،لنّ الصل والظّاهر
الحرّيّة فل تترك بل حجّة ،بخلف النّسب لما فيه من الحتياط والمصلحة .وكذا إن ادّعاه الملتقط كما ذكر ،ويجب انتزاعه منه لخروجه بدعوى الرّقّ عن المانة ،وقد يسترقه فيما بعد ،قاله الماورديّ وأيّده الذرعي .
وخالف الزّركشي تعليل الماورديّ وقال :لم يتحقّق كذبه حتّى يخرج عن المانة .وقال ابن ن اتّهامه صيّره كغير المين ،لنّ يده صارت مظنّة الضرار بالمنبوذ . حجر الهيتمي :إ ّ
نفقة المنبوذ :
10
-نفقة المنبوذ تكون من ماله إن وجد معه مال ،أو كان مستحقا في مال عام ،
كالموال الموقوفة على اللقطاء أو الموصى بها لهم . وينظر تفصيل ذلك في ( مصطلح لقيط ف /
15
،
16
).
جناية المنبوذ والجناية عليه :
11
-اختلف الفقهاء في جناية المنبوذ والجناية عليه .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( لقيط ف /
مُ ْنتَقِل *
التّعريف : 1
17
،
18
).
-المنتقل في اللغة :اسم فاعل من الفعل " انتقل " ،والنتقال :التّحول .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . ويختص البحث هنا بتحول الكافر من دين إلى دين ،أمّا النتقال من مكان إلى مكان فينظر في مصطلح ( تحول ف - 7 / المرتد : 2
9
).
اللفاظ ذات الصّلة :
-من معاني المرتدّ في اللغة الرّاجع عن الشّيء ،والرّدّة الرجوع عن الشّيء إلى غيره.
والمرتد شرعا :هو الرّاجع عن دين السلم . ن كلً منهما خرج عن دينه ،إلّا أنّ المرت ّد خرج من دين والعلقة بين المنتقل والمرتدّ أ ّ الحقّ إلى الباطل ،والمنتقل خرج من الباطل إلى الباطل .
الحكام المتعلّقة بالمنتقل : الدّين الّذي يُقَرّ عليه المنتقل :
3
-اختلف الفقهاء في الدّين الّذي يقر عليه المنتقل إلى عدّة آراء :
ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه تقبل الجزية من كتابي ومجوسي ،ووثني عجمي . كما ذهبوا إلى أنّه إذا انتقل واحد منهم من دينه إلى دين آخر غير السلم ،فإنّه ل يجبر ن الكفر كلّه ملّة واحدة . على العود للدّين الّذي كان عليه ،ل ّ
ن المنتقل يقتل لخروجه عن العهد الّذي انعقد له إلّا وحكى القاضي أبو بكر المالكي روايةً :أ ّ أن يسلم . وذهب الشّافعيّة في الظهر والحنابلة في إحدى الرّوايتين -اقتصر عليها البهوتيّ -إلى ي يتهوّد لم ي إلى دين آخر من أهل الكتاب كاليهوديّ يتنصّر أو النّصران ّ أنّه إذا انتقل كتاب ّ لمِ دِينًا فَلَن ُيقْ َبلَ مِ ْنهُ } ،وقد أحدث دينا يقرّ بالجزية لقوله تعالى َ { :ومَن يَبْتَ ِغ غَيْ َر ا ِلسْ َ باطلً بعد اعترافه ببطلنه فل يقر عليه . قال الخطيب من الشّافعيّة :محل عدم قبول غير السلم فيما بعد عقد الجزية كما بحثه الزّركشي ،أمّا لو تهوّد نصرانيّ بدار الحرب ثمّ جاءنا وقبل الجزية فإنّه يقر لمصلحة قبولها. ومقابل الظهر عند الشّافعيّة والرّواية الثّانية للحنابلة -نصّ عليه أحمد وهو ظاهر كلم ي واختيار الخلّال -أنّه يقر على الدّين الّذي انتقل إليه لنّه لم يخرج عن دين أهل الخرق ّ الكتاب ،ولتساويهما في التّقرير بالجزية وكل منهما خلف الحقّ . وفي قول عند الشّافعيّة :يقبل منه السلم أو دينه الوّل لنّه كان مقرا عليه . وصرّح الحنابلة والشّافعيّة بأنّه إذا انتقل الكتابي إلى غير دين أهل الكتاب كما لو توثّن ي لم يقرّ بالجزية قطعا . يهوديّ أو نصران ّ وفيما يقبل منه قولن عند الشّافعيّة :أظهرهما السلم .والثّاني :هو أو دينه الوّل . وانفرد المحلّي -في شرح المنهاج -بإضافة قول ثالث في هذه المسألة وهو أنّه يقر على مساويه . ي أو تنصّر لم يقرّ بالجزية ويتعيّن السلم في حقّه ونصّ الشّافعيّة على أنّه لو تهوّد وثن ّ لنتقاله عمّا ل يقر عليه إلى باطل والباطل ل يفيد القرار . وقال الحنابلة :إذا انتقل مجوسيّ إلى دين ل يقر أهله عليه لم يقرّ كأهل ذلك الدّين .وإنّ انتقل إلى دين أهل الكتاب ،خرج فيه الرّوايتان : إحداهما :ل يقر . والثّانية :يقر عليه .
نكاح المنتقل :
اختلف الفقهاء في حكم نكاح اليهوديّة إذا تنصّرت والنصرانية إذا تهوّدت والمجوسيّة إذا تهوّدت أو تنصّرت . وتوضيح ذلك فيما يلي :
أ -نكاح المسلم للمنتقلة :
4
-اختلف الفقهاء في حكم نكاح المسلم للمنتقلة :
فذهب الجمهور إلى أنّه يجوز للمسلم نكاح المنتقلة إلى اليهوديّة أو النّصرانيّة دون ن الكفر كلّه ملّة واحدة ،ولنّ المنتقلة تقر على ما انتقلت إليه ،ولعموم المجوسيّة ،ل ّ ب مِن قَبْ ِل ُكمْ } . ن أُوتُواْ ا ْلكِتَا َ قوله تعالى { :وَا ْل ُمحْصَنَاتُ ِمنَ الّذِي َ وذهب الشّافعيّة في الصحّ والحنابلة إلى أنّه ل يجوز للمسلم نكاح المنتقلة من اليهوديّة إلى النّصرانيّة أو العكس وإن كانت منكوحة مسلم فإنّ تهودها أو تنصرها كردّة مسلمة تحته فتنجّز الفرقة في الحال ول مهر لها لنّ الفسخ من قبلها وذلك إذا كان قبل الدخول ،وإن كان بعد الدخول وقف نكاحها على انقضاء العدّة فإن أسلمت قبل انقضاء العدّة أو عادت إلى دينها الوّل عند الشّافعيّة في قول دام النّكاح ،وإلّا بان حصول الفرقة من وقت النتقال ، وهو إحدى الرّوايتين عند الحنابلة ،وفي رواية أخرى ينفسخ في الحال .
ب -انتقال أحد الزّوجين ال ّذمّيّين إلى غير دين السلم :
5
-إذا انتقل أحد الزّوجين ال ّذمّيّين إلى دين كفر آخر فيرى الحنفيّة أنّهما على نكاحهما .
ن الكفر كلّه ملّة واحدة قال ابن عابدين :النّصرانيّة إذا تهوّدت أو عكسه ل يلتفت إليهم ل ّ وكذا لو تمجّست زوجة النّصرانيّ فهما على نكاحهما كما لو كانت مجوس ّيةً في البتداء ، ي. والمراد بالمجوسيّ من ليس له كتاب سماويّ فيشمل الوثنيّ والدّهر ّ وهذا ما تقتضيه عبارات فقهاء المالكيّة حيث يصرّحون بفساد أنكحة الكفّار . ويرى الشّافعيّة أنّ المنتقلة إن كانت منكوحة كافر ل يرى حلّ المنتقلة فهي كالمرتدّة فتتنجّز الفرقة قبل الوطء وكذا بعده إن لم تعد إلى دينها قبل انقضاء العدّة . أمّا إن كان الزّوج الكافر يرى نكاحها فتقر . وصرّح الحنابلة بأنّه إذا انتقل أحد الزّوجين ال ّذمّيّين إلى دين ل يقر عليه كاليهوديّ يتنصّر أو النّصرانيّ يتهوّد ،أو تمجّس أحد الزّوجين الكتابيّين فكالرّدّة فينفسخ النّكاح قبل الدخول ويتوقّف بعده على انقضاء العدّة ،لنّه انتقال إلى دين باطل قد أق ّر ببطلنه فلم يقرّ عليه كالمرتدّ .
ج -انتقال أحد الزّوجين ال ّذمّيّين إلى السلم :
6
-للفقهاء في الثار المترتّبة على انتقال أحد الزّوجين الكافرين إلى السلم خلف
وتفصيل ينظر في مصطلح ( إسلم ف . ) 5 /
ذبيحة المنتقل :
7
ن من انتقل من الكتابيّين إلى غير دين أهل الكتاب ل تؤكل ذبيحته . -اتّفق الفقهاء على أ ّ
انظر ( :ذبائح ف /
27
).
واختلف الفقهاء في ذبيحة الكتابيّ إذا انتقل من دينه إلى دين أهل كتاب آخرين كيهوديّ تنصّر أو العكس . فذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في قول والحنابلة في الجملة إلى حلّ ذبيحته ،وعلّل الحنفيّة ذلك بأنّه يقر على ما انتقل إليه فيعتبر ذلك عند الذّبح حتّى لو تمجّس يهوديّ ل تحل ذبيحته . وعلّل الشّافعيّة ذلك بأنّه يقر لتساويهما في التّقرير بالجزية . والظهر عند الشّافعيّة أنّه ل تحل ذبيحته ،لنّه ل يقر على ما انتقل إليه . ي أصالةً أو انتقالً شروطا ثلث ًة وهي : واشترط المالكيّة لحلّ ذبيحة الكتاب ّ أ -أن يكون المذبوح مملوكا للكتابيّ . ب -أن يكون المذبوح ممّا يحل له بشرعنا ل إن ذبح اليهودي ذا الظفر فل يحل أكله . ج -أن ل يذبحه على صنم . وقال صاحب الرّعاية الكبرى من الحنابلة :إن انتقل كتابيّ أو غيره إلى دين يقر أهله بكتاب وجزية وأق ّر عليه حلّت ذكاته وإلّا فل . وأمّا الشّافعيّة فإنّهم يشترطون لح ّل الذّبح أن يكون الذّابح ممّن يحل نكاحنا لهل ملّته ،فل تحل عندهم ذبيحة الكتابيّ إذا انتقل من دين إلى دين أهل كتاب آخرين ،وسبق أن ذكرنا أنّه ل يجوز عند الشّافعيّة نكاح المسلم للمنتقلة من اليهوديّة إلى النّصرانيّة أو العكس .
عقوبة المنتقل :
8
-على ضوء ما أوضحناه من اختلف الفقهاء في الدّين الّذي يقر عليه المنتقل فقد
اختلفوا في إيقاع العقوبة عليه إلى رأيين : الرّأي الوّل :ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والمالكيّة وهو القول المقابل للظهر عند ن المنتقل تقبل منه الجزية ويظل ذمّيّا ول عقوبة عليه لنّ الشّافعيّة والحنابلة في قول إلى أ ّ أهل الكفر كلهم ملّة واحدة . الرّأي الثّاني :يفرّق بين ما إذا انتقل إلى دين يقر أهله عليه ،أو انتقل إلى دين ل يقر أهله عليه وهم الشّافعيّة في الظهر والحنابلة في رواية ،والمالكيّة في رواية حكاها القاضي أبو بكر ،فإن انتقل إلى دين يقر أهله عليه تقبل منه الجزية . أمّا إذا انتقل إلى دين ل يقر أهله عليه كما لو انتقل من اليهوديّة أو النّصرانيّة إلى المجوسيّة أو الوثنيّة أو انتقل من اليهوديّة إلى النّصرانيّة أو من النّصرانيّة إلى اليهوديّة فهو كمسلم ارت ّد فيتعيّن عليه السلم فقط ،أو يتعيّن عليه السلم أو الرجوع إلى دينه الوّل عند بعضهم ،أو إلى دين مساوٍ لدينه الوّل عند البعض الخر ،فإن أبى فقد نصّ
الشّافعيّة في أحد القولين على أنّه يقتل في الحال كالمرتدّ المسلم ،والثّاني وهو الصح أنّه يلحق بمأمنه إن كان له مأمن كمن نبذ العهد ثمّ بعد ذلك هو حربيّ إن ظفرنا به قتلناه ،وإن لم يكن له أمان قتلناه . وذهب الحنابلة إلى أنّه يجبر على ترك ما انتقل إليه ،وفي صفة إجباره عندهم روايتان : ل كان أو امرأةً لعموم قوله صلى ال عليه وسلم « :من إحداهما :أنّه يقتل إن لم يرجع رج ً ي نقض العهد فأشبه ما لو نقضه بترك التزام ال ّذمّة وهل بدّل دينه فاقتلوه » ،ولنّه ذمّ ّ يستتاب ؟ يحتمل وجهين : أحدهما :يستتاب ،لنّه يسترجع عن دين باطل انتقل إليه فيستتاب كالمرت ّد . والوجه الثّاني :ل يستتاب ،لنّه كافر أصليّ أبيح قتله فأشبه الحربيّ ،فعلى هذا إن بادر وأسلم أو رجع إلى ما يقر عليه عصم دمه وإلّا قتل . والرّواية الثّانية :عن أحمد قال :إذا دخل اليهودي في النّصرانيّة رددته إلى اليهوديّة ولم أدعه فيما انتقل إليه فقيل له :أتقتله ؟ قال :ل ولكن يضرب ويحبس ،قال :وإن كان نصرانيّا أو يهوديّا فدخل في المجوسيّة كان أغلظ ،لنّه ل تؤكل ذبيحته ،ول تنكح له امرأة ول يترك حتّى يردّ إليها فقيل له :تقتله إذا لم يرجع ؟ قال :إنّه لهل ذلك ،قال ابن قدامة ي المنتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب ل يقتل بل يكره :وهذا نص في أنّ الكتاب ّ بالضّرب والحبس .
إرث المنتقل :
9
ن الفقهاء الّذين يجيزون لل ّذمّيّ أن ينتقل من دينه إلى دين كفر آخر ،قد اختلفوا في -إّ
ن الكفر كلّه ملّة واحدة ،وحينئذٍ فيرث بعضهم البعض إرث المنتقل فذهب الحنفيّة إلى أ ّ مطلقا . ن الكفر ثلث ملل :اليهوديّة ،والنصرانية ،ودين سائرهم ،وهو رأي ويرى البعض أ ّ ن أهل كلّ ملّة يتوارثون فيما بينهم . المالكيّة والحنابلة ،وحينئذٍ يرون أ ّ وأمّا الفقهاء الّذين ل يرون جواز النتقال من دين كفر إلى آخر ول يقبل من المنتقل إلّا السلم ،وهم الشّافعيّة في الظهر والحنابلة في رواية فإنّهم ل يجيزون أن يرث المنتقل أحدا أو يرثه آخر . ن المنتقل من دين إلى دين آخر كيهوديّ تنصّر أو نصراني تهوّد وقد نصّ الشّافعيّة على أ ّ أو نحو ذلك ل يرث أحدا ول يرثه أحد بمعنى ل يرثه أهل الدّين الّذي انتقل عنه ول يرثهم ، ول يرثه أهل الدّين الّذي انتقل إليه ول يرثهم ،لنّه ل يقر على واحد منهما كالمسلم إذا
ارتدّ ،ومال المنتقل يكون فيئا لبيت مال المسلمين إذا مات كما هو شأن مال المرتدّ إذا مات .
مِنْحة *
انظر :هبة .
َمنْدُوب *
انظر :ندب .
مَ ْنسَك *
انظر :حجّ ،عمرة .
م ه من يمنعه من عشيرته أو في عزّ قومه فل يقدر عليه من يريده .
ويقال :أزال منعة الطّير أي قوّته الّتي يمتنع بها على من يريده .
ومنه ما ورد في غنائم بدر أنّها كانت بمنعة السّماء أي بقوّة الملئكة لنّ اللّه تعالى أمدّهم في ذلك اليوم بجنود من السّماء . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
الحكام المتعلّقة بالمنعة : اشتراط المنعة في البغي والحرابة :
2
-من الشّروط الّتي اشترطها الفقهاء لتحقق وصف البغي والحرابة :أن يكون للبغاة
والمحاربين منعة . وللتّفصيل أنظر :مصطلح ( بغاة ف ، 6 /حرابة ف . ) 8 /
استعانة البغاة بالمستأمنين وكانت لهم منعة :
3
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّة إذا استعان البغاة بالمستأمنين فمتى أعانوهم
كانوا ناقضين للعهد وصاروا كأهل حرب ؛ لنّهم تركوا الشّرط وهو كفهم عن المسلمين؛ وعهدهم مؤقّت بخلف ال ّذمّيّين ،فإذا فعلوا ذلك مكرهين وكانت لهم منعة لم ينتقض عهدهم .وللتّفصيل انظر :مصطلح ( بغاة ف /
التّعريف : 1
33
).
مَنْفَعة *
-المنفعة في اللغة :كل ما ينتفع به ،والجمع منافع .
ن المنفعة والمنفعة في الصطلح هي :الفائدة الّتي تحصل باستعمال العين ،فكما أ ّ تستحصل من الدّار بسكناها تستحصل من الدّابّة بركوبها . أ -الغلّة : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الغلّة في اللغة :كل شيء يحصل من ريع الرض أو أجرتها ونحو ذلك ،والجمع غلل
وغلّات . ويستعمل الفقهاء هذا اللّفظ بالمعنى اللغويّ نفسه . فقد فسّر البعلي الغلّة بالثّمرة والكسب ونحوهما . وفي مرشد الحيران :المراد بالغلّة كل ما يحصل من ريع الرض وكرائها وثمرة البستان . ويؤخذ من عبارات القليوبيّ أنّ الغلّة :هي الفائدة العينيّة الحاصلة عن شيء ما ،في حين أنّ المنفعة :هي الفائدة غير العينيّة . وقال السبكي في الصّلة بين المنفعة والغلّة :المنافع والغلّة متقاربان ،وكل عين فيها منفعة فقد يحصل منها شيء غير تلك المنفعة إمّا بفعله كالستغلل ،أو بعوض عن فعل غيره ، أو من عند اللّه تعالى ،وذلك الشّيء يسمّى غّل ًة . ب -العين : 3
-العين لها عدّة معان في اللغة منها ما ضرب من الدّنانير والنّقد ،وعين الماء ،والعين
الباصرة ،والجاسوس .وعين الشّيء :نفسه . وفي الصطلح :المقصود بالعين هنا هي الشّيء المعيّن المشخّص كبيت وحصان . والصّلة بينهما أنّ العين أصل للمنفعة . ج -النتفاع : 4
-النتفاع لغ ًة :مصدر انتفع من النّفع وهو الخير وهو ما يتوصّل به النسان إلى
مطلوبه ،وقال الزّركشي :المراد بالنّفع المُكْنَة أو ما يكون وسيل ًة إليها . والنتفاع في الصطلح :هو حق المنتفع في استعمال العين واستغللها ما دامت قائمةً على حالها وإن لم تكن رقبتها مملوكةً . وأمّا الصّلة بين المنفعة والنتفاع فقد قال القرافي عند بيان الفرق بين قاعدة تمليك النتفاع وقاعدة تمليك المنفعة :تمليك النتفاع نريد به أن يباشر هو بنفسه فقط ،وتمليك المنفعة هو أعم وأشمل ،فيباشر بنفسه ويمكّن غيره من النتفاع بعوض كالجارة وبغير عوض كالعارية . ( ر :انتفاع ف . ) 3 /
ماليّة المنفعة :
5
-اختلف الفقهاء في ماليّة المنفعة ،فذهب المالكيّة والشّافعيّة في المذهب والحنابلة إلى
أنّ المنافع أموال متقوّمة . وذهب الحنفيّة إلى أنّها ليست أموالً متقوّمةً في حدّ ذاتها ،إلّا إذا ورد عليها العقد . والتّفصيل في مصطلح ( مال ف . ) 2 /
الثار المترتّبة على الختلف في ماليّة المنفعة :
يترتّب على اختلف الفقهاء في ماليّة المنفعة اختلفهم في بعض المسائل ،منها :
أ -ضمان المنافع :
6
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المنافع تضمن بالتلف والغصب كما تضمن العيان .وقد
ن المال اسم لما هو استدلوا بأدلّة منها :أنّ الشّارع أجاز أن تكون مهرا في النّكاح ،ول ّ ن المنفعة مباحة متقوّمة مخلوق لقامة مصالح العباد به ،والمنافع يصدق عليها ذلك ،ول ّ فتجبر في العقود الصّحيحة والفاسدة . ن المنافع ل تضمن ل بالغصب ول بالتلف وإنّما تضمن بالعقد أو وذهب الحنفيّة إلى أ ّ شبهة العقد . أمّا عدم ضمان المنافع بالغصب فلنّها حدثت بفعل الغاصب وكسبه والكسب للكاسب لقوله عليه الصّلة والسّلم « :من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به » فل يضمن ملكه ولنّ الغصب إزالة يد المالك بإثبات اليد العادية ،ول يتصوّر ذلك في الغصب لنّ المنافع أعراضٌ ل تبقى زمانين فيستحيل غصبها . وأمّا عدم ضمان المنافع بالتلف فلنّها ل تخلو إمّا أن يرد عليها التلف قبل وجودها أو حال وجودها أو بعد وجودها وكل ذلك محال ،أمّا قبل وجودها فلنّ إتلف المعدوم ل يمكن، وأمّا حال وجودها فلنّ التلف إذا طرأ على الوجود رفعه ،فإذا قارنه منعه ،وأمّا بعد وجودها فلنّها تنعدم كلّما وجدت فل يتصوّر إتلف المعدوم . وقد استثنى الحنفيّة من أصل عدم تضمين المنافع ثلثة مسائل وهي :مال اليتيم ومال الوقف والمعد للستغلل . ( ر :ضمان ف /
22
،وغصب ف /
18
).
ب -جعل المنفعة صداقا :
7
-ذهب المالكيّة في المشهور والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز أن تكون المنفعة صداقا
ن ك ّل ما يجوز أخذ العوض عنه يصح تسميته صداقا والمنافع يجوز جريا على أصلهم من أ ّ أخذ العوض عنها فتصح تسميتها صداقا .
وللحنفيّة في المسألة تفصيل :فقد جاء في الفتاوى الهنديّة :المهر إنّما يصح بكلّ ما هو مال متقوّم والمنافع تصلح مهرا غير أنّ الزّوج إذا كان حرا وقد تزوّجها على خدمته إيّاها جاز النّكاح ويقضي لها بمهر المثل عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال الكاساني في معرض الستدلل لما ذهب إليه الشّيخان :إنّ المنافع ليست بأموال متقوّمة على أصل أصحابنا ،ولهذا لم تكن مضمون ًة بالغصب والتلف وإنّما يثبت لها حكم التّقوم في سائر العقود شرعا ضرورةً دفعا للحاجة بها ول يمكن في دفع الحاجة بها هاهنا ؛ ن استخدام الحرّة زوجها الحرّ لنّ الحاجة ل تندفع إلّا بالتّسليم وأنّه ممنوع عنه شرعا ل ّ حرام لكونه استهانةً وإذللً وهذا ل يجوز . ولو تزوّجها على منافع سائر العيان من سكنى داره وخدمة عبيده وركوب دابّته والحمل عليها وزراعة أرضها ونحو ذلك من منافع العيان مدّ ًة معلومةً صحّت التّسمية ؛ لنّ هذه المنافع أموال أو ألتحقت بالموال شرعا في سائر العقود لمكان الحاجة والحاجة في النّكاح متحقّقة ،وإمكان الدّفع بالتّسليم ثابت بتسليم محالّها ،إذ ليس فيه استخدام المرأة زوجها فجعلت أموالً والتحقت بالعيان فصحّت تسميتها .
ج -ثبوت الشّفعة عند معاوضة المشفوع فيه بمنفعة :
8
-اختلف الفقهاء في ثبوت الشّفعة عند معاوضة المشفوع فيه بمنفعة .
فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه ل تجب الشّفعة في معاوضة عين المال بما ليس بعين المال لنّ الشّفيع يتملّك بما يتملّك به المشتري وتملك الشّفيع بما تملّكه به المشتري هنا غير ل ول تكون الشّفعة ممكن ،والتّملك بعين المال ليس تملكا بما تملّك به المشتري فامتنع أص ً فيها مشروعةً ،وعلى هذا يخرج ما إذا جعل الدّار مهرا بأن تزوّج على دار ،أو جعلها بدل ن هذا الخلع بأن خالع امرأته على دار ،أو جعلها أجر ًة في الجارات بأن استأجر بدار ل ّ ن حكم الجارة ثبت في المنفعة وكذا حكم النّكاح ،والمنفعة -كما معاوضة المال بالمنفعة ل ّ صرّح الحنفيّة -ليس بمال إذ المنافع في الصل ل قيمة لها والصل فيها أن ل تكون ن الشّيء يضمن بمثله في الصل والعرض ل يماثل العين ولهذا ل تضمن مضمونةً ل ّ بالغصب والتلف إلّا أنّها تتقوّم بالعقد بطريق الضّرورة ولحاجة النّاس فبقي ما وراء ذلك ق الشّفيع . على الصل فل يظهر تقومها في ح ّ ويرى المالكيّة والشّافعيّة أنّه إذا كانت المعاوضة بشيء غير متموّل كمن جعل الشّقص صداقا أو عوض خلع أو عتق أو صلح عن دم في جناية العمد ثبتت الشّفعة في كلّ ذلك ويأخذه الشّفيع بقيمة الشّقص . وللتّفصيل ( ر :شفعة ف /
55
).
د -وراثة المنافع :
9
-يرى جمهور الفقهاء أنّ المنافع تورث مثل بقيّة الموال المملوكة جريا على أصلهم من
أنّ المنافع أموال متقوّمة . وأمّا الحنفيّة فقد صرّحوا بأنّ المنافع بانفرادها ل تحتمل الرث وإن كان المورّث تملّكها بعوض . ( ر :حق ف / 10
42
،وإرث ف . ) 6 /
-المنافع تملك بطريقين :
العقود الواردة على المنافع :
أحدهما :أن تكون تابعةً لملك الرّقبة . والثّاني :أن يكون ورد عليها عقد وحدها . والعقود الواردة على المنافع ثلثة أقسام : منها :ما هو بعوض ،وهو الجارة والجعالة والقراض والمساقاة والمزارعة . ومنها :ما هو بغير عوض كالوقف والشّركة والوديعة والعارية وحفظ اللّقيط . ومنها :نوعان متردّدان بين هذين القسمين وهما الوكالة والقيام على الطفال ،فإنّه تارةً يكون بعوض وتارةً بغير عوض . ومنه :المسابقة والمناضلة وهي قسم مفرد إذ المراد تمليك منفعته . وللتّفصيل في أحكام هذه العقود ومعرفة موقع عنصر المنفعة فيها تنظر المصطلحات الخاصّة بهذه العقود .
حكم اشتراط منفعة في القرض :
11
-من شروط صحّة القرض أن ل يكون فيه جر منفعة فإن كان لم يجز ،نحو ما إذا
أقرضه وشرط شرطا له فيه منفعة أو أقرضه دراهم غّلةً على أن ير ّد عليه صحاحا ؛ لما ن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال « :كل قرض ج ّر منفع ًة فهو ربا » هذا إذا روي أ ّ كانت الزّيادة مشروطةً في القرض أو ملحوظةً أو معروف ًة ،وأمّا إذا لم تكن فل بأس بذلك . وللتّفصيل ينظر ( قرضٌ ف /
28
).
رهن المنفعة :
12
ن ما يجوز بيعه يجوز رهنه ،وما ل يجوز بيعه ل يجوز رهنه. -الصل عند الفقهاء أ ّ
بنا ًء على هذا الصل ل يجوز رهن المنافع عند الحنفيّة لعدم جواز بيعها إذ المنافع ليست بمال عندهم .
أمّا الشّافعيّة والحنابلة فإنّهم وإن كانوا يجيزون بيع المنافع لكنّهم صرّحوا بعدم جواز رهن ن مقصود الرّاهن استيفاء الدّين من ثمن الرّهن والمنافع تهلك إلى حلول الحقّ فل المنافع ل ّ يحصل بها الستيثاق . وعند المالكيّة في جواز رهن المنفعة قولن : جاء في جواهر الكليل فيما يجوز رهنه ،قال :كظهور حبس دار رهنت على أنّها مملوكة ،فثبت تحبيسها على راهنها ،فقيل يبطل رهنها ،ول ينتقل الرّهن إلى منفعتها ، وقيل يصح رهنها ،وينتقل إليها ،لجواز بيع المنفعة ورهنها ،فل يبطل رهنها ببطلن رهن الدّار .
قسمة المنافع :
13
-ل خلف بين الفقهاء في جواز قسمة المنافع إذا تراضى الشّركاء عليها " وهي
المهايأة " . كما ل خلف بينهم في أنّه إذا طلب أحد الشّركاء قسمة العيان والخر قسمة المنافع يقسم القاضي العيان لنّه أبلغ في التّكميل . وللفقهاء في إجبار الشّريك الممتنع عن قسمة المنافع وصفة قسمة المنافع من حيث اللزوم وعدمه وأنواع قسمة المنافع ومحلّها وفيما تصح فيه هذه القسمة وما ل تصح خلف وتفصيل ينظر في ( قسمة ف /
55
وما بعدها ) .
ملك المنفعة :
14
-الملك أربعة أنواع :ملك عين ومنفعة ،وملك عين بل منفعة ،وملك منفعة بل عين،
وملك انتفاع من غير ملك المنفعة .
إسقاط ملك المنفعة والعتياض عنه :
15
ق منفعتها ، -الصل في المنافع أنّها تقبل السقاط من مالك العين المنتفع بها أو مستح ّ
إذ كل جائز التّصرف ل يمنع من إسقاط حقّه في المنفعة بدون عوض ما لم يكن هناك مانع، من ذلك وهذا باتّفاق . أمّا إسقاطه بعوض فإنّه يجوز عند جمهور الفقهاء . أمّا الحنفيّة فإنّ العتياض عن المنافع عندهم ل يجوز إلّا لمالك الرّقبة والمنفعة أو لمالك المنفعة بعوض . وللتّفصيل ينظر ( إسقاط ف /
35
-
36
،وحق ف /
25
).
انتهاء ملك المنفعة :
16
-تنتهي ملكيّة المنفعة بأمور منها :
أ -هلك محلّ المنفعة حيث تنفسخ الجارة والعارة والوصيّة بهلك العين المنتفع بها أو تلفها . ب -انتهاء المدّة المحدّدة لها . ج -وفاة المنتفع على خلف بين الفقهاء في ذلك . وتفصيل ذلك في مصطلحاتها ،وانظر ( إذن ف /
65
).
الوصيّة بالمنفعة :
17
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز الوصيّة بالمنافع ؛ لنّ الموصي
لمّا ملك تمليك المنافع حال حياته بعقد الجارة والعارة فلن يملكها بعقد الوصيّة أولى لنّه ن الوصيّة تحتمل ما ل يحتمله سائر العقود من عدم المحلّ والخطر أوسع العقود ،أل ترى أ ّ والجهالة . ويرى ابن أبي ليلى أنّه ل تجوز الوصيّة بالمنافع لنّها معدومة . وللتّفصيل في الحكام المتعلّقة بالوصيّة بالمنفعة ( ر :وصيّة ) .
وقف المنفعة :
18
-اختلف الفقهاء في جواز وقف المنفعة .
فيرى الجمهور من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة عدم جواز وقف المنفعة . ويرى المالكيّة جواز وقفها . والتّفصيل في مصطلح ( وقف ) .
الختصاص بالمنافع :
19
-قال عز الدّين بن عبد السّلم :الختصاص بالمنافع أنواع :
أحدها :الختصاص بإحياء الموات بالتّحجر والقطاع . الثّاني :الختصاص بالسّبْق إلى بعض المباحات . الثّالث :الختصاص بالسّبق إلى مقاعد السواق . الرّابع :الختصاص بمقاعد المساجد للصّلة والعزلة والعتكاف . الخامس :الختصاص بالسّبق إلى المدارس والربط والوقاف . السّادس :الختصاص بمواقع النسك كالمطاف والمسعى وعرفة والمزدلفة ومنى ومرمى الجمار . السّابع :الختصاص بالخانات المسبّلة في الطرقات . الثّامن :الختصاص بالكلب والمحترم من الخمور .
وللتّفصيل ينظر ( إحياء الموات ف /
20
واستيلء ،ف /
وما بعدها ،ومجلسٌ ف ، 7 /واختصاص ف /
64
19
وما بعدها ،وطريق ف /
9
وما بعدها ،وتحجير ف . ) 1 /
تعطيل النسان عن منافعه :
20
-ل يجوز تعطيل النسان عن منافعه وأشغاله ،واستثني من ذلك تعطيل المدّعى عليه
إذا استدعاه الحاكم بطلب خصمه لحضاره لما فيه من المصلحة العامّة ،وكذلك تعطيل الشّهود إذا أستحضروا لما تعيّن عليهم أداؤه ،وكذلك استحضارهم لما ل يتم إلّا بالشّهادة كالنّكاح لنّها حقوق واجبة فصار كتعطيلهم فيما ل يتم من حقوق اللّه إلّا بالتّعطيل كالغزوات والجمعات وتغيير المنكرات .
إذهاب منافع أعضاء النسان :
21
-الجناية المؤدّية إلى إذهاب منفعة العضو إمّا أن تكون عمدا أو خطأً .
فإذا كانت الجناية المؤدّية إلى إذهاب منفعة العضو عمدا فقد اختلف الفقهاء في وجوب القصاص فيها . وينظر تفصيل ذلك في ( جناية على ما دون النّفس ف /
35
).
أمّا إذا كانت الجناية المؤدّية إلى فوت منفعة العضو خطأً فللفقهاء في وجوب الدّية تفصيل ينظر في ( ديات ف /
55
-
62
).
الصل في المنافع الذن :
22
ي :الصل في المنافع الذن ،وفي المضارّ المنع بأدلّة الشّرع ، -قال فخر الدّين الرّاز ّ
فإنّ ذينك أصلن نافعان في الشّرع . أمّا الصل الوّل " الصل في المنافع الذن " فالدّليل عليه وجوه : جمِيعا } و " اللّام " تقتضي ق َلكُم مّا فِي الَرْضِ َ المسلك الوّل :التّمسك بقوله تعالى { :خَلَ َ الختصاص بجهة النتفاع . ج ِلعِبَادِهِ وَا ْلطّيّبَاتِ ِمنَ ي َأخْرَ َ ن حَ ّرمَ زِي َن َة الّلهِ الّتِ َ المسلك الثّاني :قوله تعالى ُ { :قلْ مَ ْ الرّ ْزقِ} أنكر اللّه تعالى على من حرّم زينة اللّه ،فوجب أن ل تثبت حرمة زينة اللّه ،وإذا ن المطلق لم تثبت حرمة زينة اللّه ،امتنع ثبوت الحرمة في كلّ فرد من أفراد زينة اللّه ل ّ جزء من المقيّد ،فلو ثبتت الحرمة في فرد من أفراد زينة اللّه لثبتت الحرمة في زينة اللّه تعالى ،وذلك على خلف الصل ،وإذا انتفت الحرمة بالكلّيّة ثبتت الباحة . حلّ َل ُكمُ الطّيّبَاتُ } وليس المراد من الطّيّب الحلل المسلك الثّالث :أنّ اللّه تعالى قال ُ { :أ ِ وإلّا لزم التّكرار فوجب تفسيره بما يستطاب وذلك يقتضي حلّ المنافع بأسرها .
المسلك الرّابع :القياس :وهو أنّه انتفاع بما ل ضرر فيه على المالك قطعا وعلى المنتفع ظاهرا فوجب أن ل يمنع كالستضاءة بضوء سراج الغير والستظلل بظلّ جداره . إنّما قلنا :إنّه ل ضرر فيه على المالك لنّ المالك هو اللّه تعالى والضّرر عليه محال . وأمّا ملك العباد فقد كان معدوما والصل بقاء ذلك العدم ،ترك العمل به فيما وقع اتّفاق الخصم على كونه مانعا فيبقى في غيره على الصل . المسلك الخامس :وهو أنّ اللّه تعالى خلق العيان إمّا ل لحكمة أو لحكمة ،والوّل باطل حسِبْ ُتمْ أَ ّنمَا سمَاء وَالْأَ ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا لَاعِبِينَ } وقوله { :أَ َف َ لقوله تعالى َ { :ومَا خَ َلقْنَا ال ّ ث والعبث ل يليق بالحكيم . خَ َلقْنَا ُكمْ عَبَثًا } ولنّ الفعل الخالي عن الحكمة عب ٌ وأمّا إن كان خلقها لحكمة فتلك الحكمة إمّا عود النّفع إليه أو إلينا . والوّل محال لستحالة النتفاع عليه فتعيّن أنّه تعالى إنّما خلقها لينتفع بها المحتاجون وهذا يقتضي أن يكون المقصود من الخلق نفع المحتاج وإذا كان كذلك كان نفع المحتاج مطلوب الحصول أينما كان . فإن منع منه فإنّما يمنع لنّه بحيث يلزمه رجوع ضرر إلى محتاج ،فإذا نهانا اللّه تعالى عن بعض النتفاعات علمنا أنّه تعالى إنّما منعنا منها لعلمه باستلزامها للمضا ّر إمّا في الحال ن ذلك على خلف الصل فثبت أنّ الصل في المنافع الباحة . أو في المآل ولك ّ وأورد الزّركشي دليل الصل في المنافع الذن وفي المضا ّر المنع ضمن الدلّة المختلف فيها وذكر الخلف في الحتجاج به وصرّح بأنّه ليس المراد بالمنافع هنا مقابل العيان بل كل ما ينتفع به وعدّ من القواعد المترتّبة على هذا الصل :القول بالبراءة الصليّة ،واستصحاب حكم النّفي في كلّ دليل مشكوك فيه حتّى يدلّ دليل على الوجوب . وللتّفصيل ينظر الملحق الصولي .
التّعريف : 1
مُنَقّلة *
شجّة الّتي تنقل العظم أي تكسره حتّى يخرج -المنقّلة -بكسر القاف المشدّدة -لغةً :ال ّ
منها فراش العظام أي رقاقها . واصطلحا :عرّفها الحنفيّة بأنّها :الّتي تقتصر الجناية على نقل العظم وتحويله ،من غير وصوله إلى الجلدة الّتي بين العظم والدّماغ . وعرّفها المالكيّة بأنّها :ما ينقل بها فراش العظم أي العظم الرّقيق الكائن فوق العظم كقشر البصل ،أي ما يزيل منها الطّبيب فراش العظم للدّواء . وعرّفها الشّافعيّة بأنّها :هي الّتي تنقل العظم سواء أوضحته وهشّمته أو ل .
وعرّفها الحنابلة بأنّها :هي الّتي توضّح العظم وتهشّمه ،وتنقل عظامها بتكسيرها .
الحكام المتعلّقة بالمنقّلة : أ ّولً -عدم وجوب القصاص :
2
ن المنقّلة ل يجب فيها قصاص لعدم انضباطها ،وللخطر -ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
الشّديد في القتصاص فيها . وقد روى أبو بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدّه :قال :كتب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كتابا لهل اليمن :وفيه « :وفي المنقّلة خمسة عشرة من البل » . وحكى ابن المنذر إجماع أهل العلم على ذلك .
ثانيا -شروط وجوب دية المنقّلة :
3
-اختلف الفقهاء في الشّروط اللّازمة ليجاب هذه الدّية .
وهذه الشّروط هي ما ورد في تعريف كلّ مذهب . غير أنّ للشّافعيّة تفصيلً آخر : شجّة المنقّلة بالذّكر الحرّ المسلم مع إيضاح وهشم خمسة عشر بعيرا . فقالوا :في ال ّ ق ودون ونصّ بعضهم على أنّه إذا حدثت المنقّلة الهاشمة دون إيضاح ودون إحواج إليه بش ّ سراية فالصح أنّ فيها عشرة أبعرة ،وقيل :فيها حكومة .
ثالثا -تعدد المنقّلة :
4
-للفقهاء تفصيل في تعدد المنقّلة بيانه فيما يأتي :
قال المالكيّة :ويتعدّد الواجب في المنقّلة بتعددها إن لم تتّصل ببعضها ،بل كان بين كلّ واحدة فاصل ،فإن اتّصلت المنقّلت بأن صارت شيئا واحدا فل يتعدّد الواجب لنّها واحدة متّسعة إن كان بضربة واحدة أو ضرباتٍ في فور ،فلو تعدّدت المنقّلة بضربات في زمن متراخٍ فلكلّ جرح حكمه ولو اتّصل . وقال الحنابلة في تفصيل المنقّلة ما في تفصيل الموضحة والهاشمة ،وقد فصّل حكم الموضحة على الوجه التّالي : إن عمّت الموضحة الرّأس ونزلت إلى الوجه فموضحتان ،أو لم تعمّ الرّأس ونزلت إلى الوجه فموضحتان ؛ لنّه أوضحه في عضوين ،فكان لك ّل واحد منهما حكم نفسه . وإن أوضحه موضحتين بينهما حاجزٌ فعلى الجاني أرش موضحتين :عشرة أبعرة . فإن خرق بينهما الجاني أو ذهب ما بينهما بسراية صارتا موضحةً واحدةً ،كما لو أوضحه الك ّل من غير حاجز .
وإن اندملت الموضحتان ثمّ أزال الجاني الحاجز بينهما فعليه أرش ثلث مواضح ؛ لنّه استقرّ عليه أرش الوليين بالندمال ،ثمّ لزمه أرش الثّالثة . وإن اندملت إحداهما ثمّ زال الحاجز بفعله أي الجاني أو بسراية الخرى الّتي لم تندمل فموضحتان ؛ لنّه استق ّر عليه أرش الّتي اندملت ،وما عداها موضحة واحدة كما لو لم يكن معها غيرها . ي فعلى الوّل أرش موضحتين وعلى الثّاني وإن خرقه -أي الحاجز -بين الموضحتين أجنب ّ ن فعل كلّ واحد منهما ل ينبني على فعل الخر فانفرد كل منهما أرش موضحة واحدة ؛ ل ّ بجنايته . ن ذلك وجب وإن أزال الحاجز بين الموضحتين المجنيّ عليه فعلى الوّل أرش موضحتين ؛ ل ّ عليه بجنايته ،فلم يسقط عنه شيء بفعل غيره . فإن اختلفا فيمن خرقه -أي :الحاجز بين الموضحتين -وقال المجني عليه :أنا الخارق لما بينهما . وقال الجاني :بل أنا شققت لما بينهما ،أو قال المجني عليه للجاني :أزالها آخر سواك ن سبب أرش الموضحتين قد وُجد والجاني يدّعي زواله صُدّق المجني عليه بيمينه ؛ ل ّ ن الصل معه . والمجروح ينكره والقول قول المنكر ل ّ وإن خرق الجاني ما بينهما في الباطن بأن قطع اللّحم الّذي بينهما وترك الجلد الّذي فوقهما صارا موضح ًة واحدةً لتّصالهما من الباطن كما لو خرقه ظاهرا وباطنا . وإن خرق الحاجز في الظّاهر فقط فثنتان ،لعدم اتّصالهما باطنا . وإن جرح جراحةً واحدةً في طرفيها فموضحتان . شجّة منقّل ًة وما دونها فعليه أرش منقّلة فقط . فإن كانت ال ّ
التّعريف : 1
مَنْقُول *
-المنقول في اللغة اسم مفعول من نقل ينقل نقلً ،والنّقل :تحويل الشّيء من موضع
إلى موضع وبابه نصر . وفي الصطلح :اختلف الفقهاء في المنقول على رأيين : الرّأي الوّل :يرى جمهور الفقهاء أنّ المنقول هو الشّيء الّذي يمكن نقله من محل إلى آخر ،سواء أبقي على صورته وهيئته الولى أم تغيّرت صورته وهيئته بالنّقل والتّحويل ، ويشمل النقود والعروض والحيوانات والمكيلت والموزونات .
وغير المنقول هو :ما ل يمكن نقله من محل إلى آخر كالدور والراضي ممّا يسمّى بالعقار. الرّأي الثّاني :وهو رأي المالكيّة :أنّ المنقول يطلق على ما يمكن نقله من مكان إلى آخر مع بقائه على صورته وهيئته الولى كالملبس والكتب ونحوها . تتعلّق بالمنقول أحكام منها :
الحكام المتعلّقة بالمنقول : أ -بيع المنقول قبل قبضه :
2
-اختلف الفقهاء في بيع المنقول قبل قبضه .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( البيع الفاسد ف /
16
،بيع ما لم يقبض ف ، 1 /وما بعدها
ض ،ف ، 7 /وما بعدها ) . قب ٌ
ب -الشّفعة في المنقول :
3
-اختلف الفقهاء في ثبوت الشّفعة في المنقول .
والتّفصيل في ( شفعة ف /
26 25 23
).
ج -بيع الوصيّ من المال المنقول :
4
-ذهب الفقهاء إلى جواز بيع الوصيّ من المال الموصى عليه إذا كان المال من
المنقولت وكان البيع والشّراء بمثل القيمة ،أو بغبن يسير وهو ما يتغابن فيه النّاس عادةً، لنّ الغبن اليسير ل بدّ من حصوله في المعاملت الماليّة ،فإذا لم يتسامح فيه أدّى ذلك إلى ن العقد ل سدّ باب التّصرفات ،أمّا إذا كان البيع والشّراء بما ل يتغابن فيه النّاس عادةً فإ ّ يكون صحيحا . أمّا إذا كان المال الموصى عليه عقارا فل يجوز للوصيّ أن يبيع إذا لم يكن هناك مسوّغٌ ي. شرع ّ والتّفصيل في مصطلح ( إيصاء ف /
14
).
د -غصب المنقول :
5
-ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يتصوّر الغصب
في المنقول ,ثمّ اختلفوا في غصب العقار على مذاهب . وتفصيله في ( غصب ف 9 /وما بعدها ) .
هـ -وقف المنقول :
6
-ذهب جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والحنابلة ،وهو المعتمد عند المالكيّة وزفر من
س على الغزاة وسلح وغيرهما ،لحديث أبي الحنفيّة إلى جواز وقف المنقول ،كوقف فر ٍ هريرة رضي ال تعالى عنه « :من احتبس فرسا في سبيل اللّه إيمانا باللّه وتصديقا بوعده
ن شِ َبعَه ورَيّه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة » ،ولقوله صلى ال عليه وسلم « : فإ ّ وأمّا خالد فإنّكم تظلمون خالدا ،فإنّه احتبس أدراعه وأعتده في سبيل اللّه » ،وروى الخلّال ن حفصة رضي ال عنها ابتاعت حليّا بعشرين ألفا حبسته على نساء آل عن نافع :إ ّ الخطّاب فكانت ل تخرج زكاته . وفي القياس عند الحنفيّة ل يجوز وقف المنقول لنّ شرط الوقف التّأبيد والمنقول ل يتأبّد فترك القياس للثار الّتي وردت فيه . وأمّا وقف المنقول قصدا فل يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف ،ويجوز عند محمّد إذا كان ن التّعامل بين النّاس يترك به القياس ،لقول ابن مسعود :ما رأى متعارفا بين النّاس ؛ ل ّ المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن . وقال أبو يوسف ومحمّد :يجوز وقف المنقول تبعا للرض وذلك استحسانا ؛ لنّه قد يثبت من الحكم تبعا ما ل يثبت مقصودا ،كما إذا وقف ضيعةً ببقرها وأكرتها ،وكذلك سائر آلت الحراثة لنّها تبع للرض في تحصيل ما هو المقصود ،وكذا وقف السّلح والخيل يجوز استحسانا . ونقل في المجتبى عن السّير جواز وقف المنقول مطلقا عند محمّد ،وإذا جرى فيه التّعامل عند أبي يوسف ،والمشهور الوّل . والتّفصيل في مصطلح ( وقف ) .
و -كيفيّة قبض المنقول :
7
-اختلف الفقهاء في كيفيّة قبض المنقول فقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :إنّ قبض
المنقول يكون بالنّقل والتّحويل . وقال الحنفيّة :قبض المنقول يكون بالتّناول باليد أو بالتّخلية على وجه التّمكين . ض ف 7 /وما بعدها ) . وتفصيل ذلك في مصطلح ( قب ٌ
التّعريف : 1
مَنْكِب *
-المنكب في اللغة كالمجلس هو مجتمع رأس العضد والكتف من يد النسان ،وجمع
المنكب مناكب ،ومنه أستعير للرض في قوله تعالى { :فَا ْمشُوا فِي مَنَاكِ ِبهَا } . ويستعمل الفقهاء هذا اللّفظ بالمعنى اللغويّ نفسه . تتعلّق بالمنكب أحكام منها :
الحكام المتعلّقة بالمنكب :
أحكام المنكب في الوضوء :
لبيان حكم المنكب في الوضوء أحوال :
أ -غسل المنكب في الوضوء :
2
-اختلف الفقهاء في حكم غسل المنكب عند الوضوء على رأيين :
الرّأي الوّل :يرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة استحباب الزّيادة في غسل اليدين عند الوضوء لما ورد عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه ن أمّتي يأتون يوم القيامة غرا محجّلين من أثر الوضوء فمن استطاع منكم وسلم يقول « :إ ّ أن يطيل غرّته فليفعل » .ولقوله صلى ال عليه وسلم « :أنتم الغر المحجّلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرّته وتحجيله » ،ومعنى غرا محجّلين : ض ،والمحجّل هو بيض الوجوه واليدين والرّجلين كالفرس الغرّ ،وهو الّذي في وجهه بيا ٌ ض. الّذي قوائمه بي ٌ وممّن ذهب إلى استحباب غسل اليدين في الوضوء حتّى المنكبين من الصّحابة أبو هريرة وعبد اللّه بن عمر رضي ال عنهم . ثمّ اختلف العلماء في القدر المستحبّ من التّطويل في التّحجيل . فأمّا الحنفيّة والحنابلة وجماعة من الشّافعيّة فلم يحدوا للزّيادة في غسل العضاء في الوضوء حدا . وللشّافعيّة أقوال أخرى في تحديد حدّ الزّيادة ،فقال جماعة منهم يستحب الزّيادة في الوضوء إلى نصف السّاق والعضد . وقال البغوي :نصف العضد فما فوقه ونصف السّاق فما فوقه . وقال القاضي حسين وآخرون :يبلغ به البط والركبة ،وذكر النّووي أنّ القاضي حسين قال في تعليقه :إسباغ الوضوء سنّة إطالةً للغرّة وهو أن يستوعب جميع الوجه بالغسلة حتّى يغسل جزءا من رأسه ويغسل اليدين إلى المنكبين والرّجلين إلى الركبتين . الرّأي الثّاني :وهو للمالكيّة فقد نصوا على أنّه تكره كثرة الزّيادة على محلّ الفرض وقالوا: وأمّا أصل الزّيادة فل ب ّد منها لنّه من باب ما ل يتم الواجب إلّا به فهو واجب .
ب -غسل عضوٍ نابتٍ في المنكب عند الوضوء :
3
-اختلف الفقهاء في حكم غسل العضو النّابت في المنكب عند الوضوء .
فيرى الحنفيّة أنّه لو خلق له يدان على المنكب فالتّامّة هي الصليّة يجب غسلها والخرى زائدة فما حاذى منها محلّ الفرض وجب غسله وإلّا فل يجب بل يندب غسله .
ئ يديه مع المرفقين ويغسل بقيّة معصم إن قطع المعصم كما وقال المالكيّة :ويغسل المتوضّ ُ يغسل كفا خلقت بمنكب أي مفصل العضد من الكتف إذا لم يكن له يد غيرها ،فإن كان له يد غيرها وكان لها مرفق أو نبتت في محلّ الفرض وجب غسلها أيضا . وقال الشّافعيّة :إن نبت بغير محلّ الفرض إصبع زائدة أو سَلعة وجب غسل ما حاذى منها محلّ الفرض لوقوع اسم اليد عليه مع محاذاته لمح ّل الفرض بخلف ما لم يحاذه ،فإن لم تتميّز الزّائدة عن الصليّة بأن كانتا أصليّتين أو إحداهما زائدةً ولم تتميّز بنحو فحش قصر ونقص أصابع وضعف بطشٍ غسلهما وجوبا سواء أخرجتا من المنكب أم من غيره ليتحقّق التيان بالفرض بخلف نظيره في السّرقة .وإن كانت له يدان متساويتان في البطش والخلقة على منكب ،أو مرفق لزمه غسلهما ،لوقوع اسم اليد عليهما .وإن كانت إحداهما تا ّمةً والخرى ناقصةً فالتّامّة هي الصليّة ،فيجب غسلها ،وأمّا النّاقصة فإن خلقت في محلّ الفرض وجب غسلها بل خلف عندهم أيضا كالصبع الزّائدة ،قال الرّافعي وغيره : وسواء جاوز طولها الصليّة أم ل ،قال :ومن العلمات المميّزة للزّائدة أن تكون فاحشة القصر والخرى معتدلةً ،ومنها :فقد البطش وضعفه ونقص الصابع . وقال الحنابلة :وإن خلقت له إصبع زائدة أو يد زائدة في محلّ الفرض وجب غسلها مع الصليّة لنّها نابتة فيه ،شبهت الثؤلول ،وإن كانت نابت ًة في غير محلّ الفرض كالعضد أو المنكب لم يجب غسلها سواء كانت قصيرةً أو طويل ًة ؛ لنّها في غير محلّ الفرض فأشبهت شعر الرّأس إذا نزل عن الوجه قال ابن قدامة :وهذا قول ابن حامد وابن عقيل ،وقال القاضي :إن كان بعضها يحاذي مح ّل الفرض غسل ما يحاذيه منها والوّل أصح .
ج -غسل المنكب عند قطع اليد من المرفق :
4
-اختلف الفقهاء في حكم غسل المنكب في الوضوء عند قطع اليد من المرفق .
ن من قطعت يده ولم يبق من المرفق شيء سقط فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أ ّ الغسل لعدم محلّه ،وإن قطعت يده من دون المرفق وجب غسل ما بقي من محلّ الفرض . ويرى الشّافعيّة أنّ من قطع من منكبيه ندب غسل محلّ القطع بالماء .
أحكام المنكب في الصّلة : أ -رفع اليدين حذو المنكبين عند تكبيرة الحرام :
5
-اختلف الفقهاء في المدى الّذي ترفع إليه اليدان عند تكبيرة الحرام هل ترفع إلى
شحمتي الذنين أو إلى المنكبين ،وهل يستوي في ذلك الرّجل والمرأة ؟ ينظر تفصيله في ( صلة ف /
57
وما بعدها ) .
ب -رفع اليدين حذو المنكبين عند تكبيرات النتقال :
6
-اتّفق القائلون برفع اليدين عند تكبيرات النتقال على كون حكم رفعها كحكم الرّفع في
تكبيرة الحرام واختلفوا في صفة محاذاة اليدين إلى المنكبين عند الرّفع . والتّفصيل في ( صلة ف /
60
-
61
،
73
).
ج -وضع اليدين حذو المنكبين في السجود :
7
-اختلف الفقهاء في الموضع الّذي يضع فيه المصلّي يديه عند سجوده :
فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يستحب للسّاجد أن يضع يديه حذو منكبيه :أي مقابلهما ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الرض لحديث « :أ ّ ونحّى يديه عن جنبيه ووضع يديه حذو منكبيه » . وذهب الحنفيّة إلى أنّه يسن للمصلّي أن يضع وجهه بين كفّيه بحيث يكون إبهاماه حذاء حجْ ٍر « :أنّه عليه الصّلة والسّلم كان إذا سجد وضع وجهه بين أذنيه لحديث وائل بن ُ كفّيه» ،وقال ابن الهمام :ومن يضع كذلك تكون يداه حذاء أذنيه ؛ ولما ورد عن أبي إسحاق قال « :سألت البراء بن عازب :أين كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يضع جبهته إذا صلّى ؟ قال بين كفّيه » . وذهب المالكيّة إلى أنّه يندب للسّاجد أن يضع يديه حذو أذنيه أو قربهما . قال الخرشي :وظاهر كلم خليل كالرّسالة تساوي الحالتين في الحكم ،ولم يعلم من كلمهما مقدار القرب الّذي يقوم مقام المحاذاة في النّدب فإنّه يحتمل أن يكون بحيث تكون أطراف أصابعه محاذيةً لهما ،ويحتمل غير ذلك . وقال ابن ناجي :ويحتمل أنّ في المسألة قولين ،قال العدوّي :نعم قول القيروانيّ " أو دون ذلك " يحتمل المنكبين أو الصّدر وهو القرب ،فقد قال بحذو المنكبين ابن مسلمة ، وقال بحذو الصّدر ابن شعبان .
د -محاذاة المناكب في صفوف صلة الجماعة :
8
-اتّفق الفقهاء على أنّه يستحب في تسوية صفوف صلة الجماعة محاذاة المناكب
وإلزاق كلّ واحد منكبه بمنكب صاحبه في الصّفّ وذلك حتّى ل يكون خلل أو فرجٌ في ي صلى ال عليه وسلم قال « :أقيموا الصفوف لحديث أنسٍ رضي ال عنه عن النّب ّ صفوفكم فإنّي أراكم من وراء ظهري ،وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه » .ولحديث النعمان بن بشير رضي ال عنهما قال « :أقبل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم على النّاس بوجهه فقال :أقيموا صفوفكم ثلثا واللّه لتقيمنّ صفوفكم أو ليخالفن اللّه بين قلوبكم ،قال :فرأيت الرّجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه ،وركبته بركبة صاحبه ، ن رسول اللّه صلى ال عليه وكعبه بكعبه » ،ولحديث ابن عمر رضي ال عنهما قال :إ ّ
وسلم قال « :أقيموا الصفوف ،وحاذوا بين المناكب ،وسدوا الخلل ،ولينوا بأيدي إخوانكم ت للشّيطان ،ومن وصل صفا وصله اللّه ومن قطع صفا قطعه اللّه » . ،ول تذروا فرجا ٍ والتّفصيل في مصطلح ( صلة الجماعة ف /
24
).
الجناية على المنكب :
9
-الجناية على المنكب إمّا أن تكون عمدا أو خطأً .
فإذا كانت الجناية على المنكب عمدا وكان القطع من مفصل المنكب يجب القصاص عند توافر شروطه . ( ر :جناية على ما دون النّفس ف /
13
وما بعدها ) .
أمّا إذا أدّت الجناية إلى قطع اليد من المنكب خطأً فقد اتّفق الفقهاء على وجوب نصف الدّية ف إلى المنكب . فيها واختلفوا في وجوب حكومة عدل فيما زاد على الك ّ وللتّفصيل ( ر :ديات ف /
43
).
مُنْكَر *
التّعريف : 1
-المنكر لغةً :بضمّ الميم وسكون النون اسم مفعول من أنكر وهو :خلف المعروف .
والمنكر :المر القبيح . وأنكرت عليه فعله إنكارا :إذا عبته ونهيته ،وأنكرت حقّه :جحدته . والمنكر في الصطلح :ما ليس فيه رضا اللّه من قول أو فعل . والمنكر من الحديث :الفرد الّذي ل يعرف متنه من غير جهة راويه فل متابع له فيه بل ول شاهد . أ -المعروف : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-المعروف في اللغة :الخير والرّفق والحسان ،وهو ضد المنكر .
المعروف اصطلحا :هو ما قبله العقل وأقرّه الشّرع ووافقه كرم الطّبع . والصّلة بين المنكر والمعروف التّضاد . ب -المعصية : 3
-المعصية لغةً :الخروج من الطّاعة ومخالفة المر .
واصطلحا :مخالفة المر قصدا . والعلقة بين المنكر والمعصية أنّ المنكر أعم من المعصية .
الحكم التّكليفي :
4
ن المنكر منهيّ عنه ،وقد ثبت النّهي عن المنكر بالكتاب والسنّة -اتّفق الفقهاء على أ ّ
والجماع . ن بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْن َهوْنَ ن إِلَى ا ْلخَيْ ِر وَيَ ْأمُرُو َ فمن الكتاب قوله تعالى { :وَلْ َتكُن مّن ُكمْ ُأ ّمةٌ يَدْعُو َ ن ا ْلمُنكَرِ } . عَ ِ ي صلى ال عليه وسلم « :من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده ،فإن لم ومن السنّة قول النّب ّ يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف اليمان » . وحكى النّووي الجماع على وجوب النّهي عن المنكر . وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ( المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ف . ) 3 / 5
-واختلف الفقهاء في حكم النّهي عن المنكر هل هو فرض عين أو فرض كفاية ،أو
نافلة ؟ وتفصيل ذلك في مصطلح ( المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ف . ) 3 /
شروط المنكر :
6
-يشترط في المنكر المطلوب تغييره ما يلي :
الشّرط الوّل :أن يكون محظورا في الشّرع . الشّرط الثّاني :أن يكون المنكر موجودا في الحال ،بأن يكون الفاعل مستمرا على فعل المنكر ،فإن علم من حاله ترك الستمرار على الفعل لم يجز إنكار ما وقع على الفعل . س. الشّرط الثّالث :أن يكون المنكر ظاهرا بغير تجس ٍ الشّرط الرّابع :أن يكون المنكر معلوما بغير اجتهاد ،أي أن يكون المنكر مجمعا على تحريمه . وقال الغزالي :ول يقتصر النكار على الكبيرة ،بل يجب النّهي عن الصّغائر أيضا . قال الزرقاني :يشترط في المنكر الّذي يجب تغييره معرفته ،وأن ل يؤدّي ذلك إلى ما هو أعظم منه مفسدةً ،وأن يظنّ الفادة . والوّلن شرطان للجواز ،فيحرم عند فقدهما ،والثّالث للوجوب ،فيسقط عند عدم ظنّ الفادة ،ويبقى الجواز إن لم يتأذّ في بدنه أو عرضه ،وإلّا انتفى الجواز أيضا . ويشترط أيضا في المنكر الّذي يجب تغييره :أن يكون ممّا أجمع على تحريمه ،أو ضعف مدرك القائل بجوازه ،وأمّا ما اختلف فيه فل ينكر على مرتكبه إن علم أنّه يعتقد تحليله بتقليده القائل بالحلّ .
ول يشترط في النّهي عن المنكر إذن المام ول عدالة المر أو النّاهي على المشهور ، لحديث أنس بن مالك قال « :قلنا يا رسول اللّه ل نأمر بالمعروف حتّى نعمل به ول ننهى عن المنكر حتّى نجتنبه كلّه فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كلّه » . وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( حسبة ف /
28
-
33
).
شروط النكار :
7
-من شروط النكار :أن يغلب على ظنّه أنّه ل يفضي إلى مفسدة ،وأن يأمن على نفسه
وماله خوف التّلف . وللتّفصيل انظر ( المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ف . ) 4 /
النكار بغلبة الظّنّ :
8
-قال القرطبي :للظّنّ حالتان ،حالة تعرف وتقوى بوجه من وجوه الدّللة فيجوز الحكم
بها ،وأكثر أحكام الشّريعة مبنيّة على غلبة الظّنّ ،كالقياس وخبر الواحد وغير ذلك من قيم المتلفات وأروش الجنايات . والحالة الثّانية أن يقع في النّفس شيء من غير دللة ،فل يكون ذلك أولى من ضدّه ،فهذا هو الشّك ،فل يجوز الحكم به ،وهو المنهي عنه . وقال العز بن عبد السّلم :يجب إنكار المنكر في مثل الحالت التّالية : الولى :لو رأى إنسانا يسلب ثياب إنسان لوجب عليه النكار عليه بنا ًء على الظّنّ المستفاد من ظاهر يد المسلوب . الثّانية :لو رأى رجلً يجر امرأةً إلى منزله ،يزعم أنّها زوجته وهي تنكر ذلك ،فإنّه يجب ن الصل عدم ما ادّعاه . النكار عليه ،ل ّ ي دخل إلى دار السلم بغير أمان الثّالثة :لو رأى إنسانا يقتل إنسانا ،يزعم أنّه كافر حرب ّ ن اللّه خلق عباده حنفاء ،والدّار دالّة على وهو يكذّبه في ذلك لوجب عليه النكار ؛ ل ّ إسلم أهلها لغلبة المسلمين عليها ،ففي هذه الحالت وأمثالها يعمل بالظنون ،فإن أصاب من قام بها فقد أدّى ما أوجب اللّه عليه إذا قصد بذلك وجه اللّه تعالى ،وإن لم يصب كان معذورا ول إثم عليه في فعله . 9
-المنكر ينقسم إلى ثلثة أقسام :
أقسام المنكر :
أحدها :ما كان من حقوق اللّه تعالى . والثّاني :ما كان من حقوق الدميّين .
والثّالث :ما كان مشتركا بين الحقّين . فأمّا النّهي عن المنكر في حقوق اللّه تعالى فعلى ثلثة أقسام : أحدها :ما تعلّق بالعبادات ،والثّاني :ما تعلّق بالمحظورات ،والثّالث :ما تعلّق بالمعاملت. وانظر تفصيل حكم كلّ فرع منها في مصطلح ( حسبة ف /
34
).
وجود المنكر في الوليمة :
10
ن وجود المنكر في الوليمة يبيح عدم إجابة المدعوّ إليها ،إلّا إذا -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
غلب على ظنّه أنّه يستطيع إزالة هذا المنكر وذلك في الجملة . والتّفصيل في مصطلح ( وليمة ) .
إباحة الغيبة لتغيير المنكر :
11
-قال النّووي :تباح الغيبة بستّة أسباب ،وع ّد منها :الستعانة على تغيير المنكر وردّ
العاصي إلى الصّواب ،فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر :فلن يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك ،ويكون مقصوده إزالة المنكر ،فإن لم يقصد ذلك كان حراما . وانظر مصطلح ( غيبة ف /
10
).
الكتابة إلى ذي ولية لتغيير المنكر :
12
-جاء في الفتاوى الهنديّة للحنفيّة :رجل علم أنّ فلنا يتعاطى من المنكر هل يحل له
أن يكتب إلى أبيه بذلك ؟ قالوا :إن كان يعلم أنّه لو كتب إلى أبيه يمنعه الب من ذلك ويقدر عليه يحل له أن يكتب ،وإن كان يعلم أنّ أباه لو أراد منعه ل يقدر عليه فإنّه ل يكتب . وكذلك فيما بين الزّوجين وبين السلطان والرّعيّة والحشم إنّما يجب المر بالمعروف إذا علم أنّهم يستمعونه .كذا في فتاوى قاضي خان . ولو أراد الب أن يأمر ولده بشيء ويخاف أنّه لو أمره ل يمتثل أمره يقول له :يا ولدي إن فعلت كذا أو إن لم تفعل كذا يكون حسنا ،ول يأمره حتّى ل يلحقه عقوبة العقوق .
إظهار أهل ال ّذمّة المنكر في دار السلم :
13
-يتضمّن عقد ال ّذمّة شروطا يلزم أهل ال ّذمّة اللتزام بها ومنها عدم إظهار المنكر .
وللتّفصيل أنظر مصطلح ( أهل ال ّذمّة ف . ) 9 /
التّدرج في النّهي عن المنكر :
14
-تغيير المنكر له مراتب إذ يتدرّج من التّنبيه والتّذكير إلى الوعظ والتّخويف ،ثمّ الزّجر
والتّأنيب ،ثمّ التّغيير باليد ،ثمّ إيقاع العقوبة بالنّكال والضّرب ،وأخيرا الستعداء ورفع المر إلى الحاكم .
وللتّفصيل أنظر مصطلح ( حسبة ف /
42
-
48
).
صور من المنكرات : أ -منكرات المساجد :
15
-قال الغزالي :ممّا يشاهد كثيرا في المساجد إساءة الصّلة بترك الطمأنينة في الركوع
والسجود وهو منكر مبطل للصّلة فيجب النّهي عنه ،ومن رأى مسيئا في صلته فسكت عليه فهو شريكه في الحرمة ،هكذا ورد الثر عن بعض الصّحابة ،وفي الخبر النّبويّ ما يدل عليه فقد ورد في الحديث « :المغتاب والمستمع شريكان في الثم » . وكذلك كل ما يقدح في صحّة الصّلة من نجاسة على ثوبه أو بدنه أو موضع الصّلة ل يراها ،أو انحراف عن سمت القبلة بسبب ظلم أو عمى البصر فكل ذلك تجب الحسبة فيه ويجب إرشاده بذلك . ومنها :قراءة القرآن باللّحن أي بالخطأ يجب النّهي عنه ،ويجب تلقين الصّحيح وتكراره له حتّى يعرفه . ومنها تراسل المؤذّنين في الذان وتطويلهم في كلماته ،بحيث يضطرب على الحاضرين جواب الذان لتداخل الصوات ،فكل ذلك منكرات مكروهة يجب تعريفها إيّاهم وإرشادهم إلى ما يسن في الذان وآدابه . ومن منكرات المساجد :كلم القصّاص والوعّاظ الّذين يمزجون بكلمهم البدعة ممّا ليس في سيرة السّلف ،فالقاص إن كان يكذب في أخباره للحاضرين فهو فسق ،والنكار عليه واجب لئلّا يعتمد على ما يذكره . وكذا الواعظ المبتدع يجب منعه ،ول يجب حضور مجلسه إلّا على قصد النكار والرّدّ عليه في بدعته . ومنها :قراءة القرآن بين يدي الوعّاظ على الرض أو على الكراسيّ ،مع التّمديد المفرط وهو تمطيط الحروف حتّى تتجاوز عن مخارجها الصليّة ،على وجهٍ بغير نظم القرآن ويجاوز ح ّد التّرتيل المأمور به ،فهذا منكر قبيح مكروه شديد الكراهة أنكره جماعة من السّلف منهم أحمد بن حنبل . ومنها الحلق أي اتّخاذها يوم الجمعة وهي جمع حلقة لبيع الدوية والطعمة والتّعويذات والمصنوعات من الحليّ والخرز . سؤّال في وسط الصفوف ،أو على البواب ،وقراءتهم القرآن ونشيدهم الشعار ، وكقيام ال ّ فهذه الشياء منها ما هو حرام لكونه تلبيسا أو كذبا ،فهذا حرام في المسجد وخارج
المسجد ،ويجب المنع منه ،وخصوصا في المسجد فإنّه لم يبن لذلك ،بل كل بيع فيه كذب وتلبيسٌ وإخفاء عيب من عيوبه على المشتري فهو حرام . ومنها :دخول المجانين والصّبيان والسّكارى في المسجد ،فإنّ هؤلء مسلوبو الختيار ل يتحفّظون على أنفسهم ،فالمجانين قد يخشى منهم تلويث المسجد بنحو مخاط أو بول ،أو ش ،أو تعاطيهم لما هو منكر ككشف العورة . شتمهم ونطقهم بما هو فح ٌ ومنها :خروج المرأة إلى المسجد متزيّنةً متعطّرةً ،فهذا منكر ل يسكت عليه . ومنها :أن يأكل الثوم أو البصل ويأتي إلى المسجد .وقد نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن ذلك كما في حديث جابر رضي ال عنه « :من أكل من هذه الشّجرة المنتنة فل يقربن مسجدنا فإنّ الملئكة تتأذّى ممّا يتأذّى منه النس» .
ب -منكرات السواق :
16
-من المنكرات المعتادة في السواق :الكذب في المرابحة ،وإخفاء العيب في السّلع،
وكذا في الشّروط الفاسدة المعتادة بين النّاس يجب النكار فيها فإنّها مفسدة للعقود أو مبطلة على رأي ،وكذا في الرّبويّات كلّها وهي غالبة في السواق ،وكذا سائر التّصرفات الفاسدة فإنّه يجب النكار فيها ،ومنها بيع الملهي أي آلتها كالعود والقانون والطنبور والرّبابة، فلذلك يجب كسرها والمنع من بيعها كالملهي ،وكذا بيع ثياب الحرير وقلنس الذّهب والحرير الّتي ل تصلح للرّجال ،ويعلم بعادة البلد أنّه ل يشتريه إلّا الرّجال ،فكل ذلك منكر محظور يجب المنع عنه .
ج -منكرات الشّوارع :
17
-الشّوارع هي الطرق العامّة شرعت لسلوك النّاس ومرورهم فيها لحاجاتهم .
فمن المعتاد فيها وضع السطوانات وهي العمدة سواء كانت من حجر أو خشب أو بناء ، وكذا غرس الشجار ،ووضع الخشب ،ووضع أحمال الحبوب والطعمة على الطرق ،فكل ذلك منكر إن كان يؤدّي إلى تضييق الطرق واستضرار المارّة بها . وكذلك ربط الدّوابّ على الطّريق بحيث يضيق على المارّة وينجّس المجتازين بالبول والرّوث ،فهذا منكر يجب المنع منه إلّا بقدر حاجة النزول والركوب . وكذلك تحميل الدّوابّ من الحمال ما ل تطيقها منكر يجب منع الملّاك منه ،ويؤمر بتخفيفها .وكذلك القصّاب إذا كان يذبح في الطّريق ،فيلوّث الطّريق بالدّم والفرث منكر يجب المنع منه .وكذلك طرح القمامة مثل الحيوان الميّت من هرّة أو دجاجة على جوانب الطّريق كل ذلك من المنكرات . وكذلك إرسال الماء من المزاريب ،وهي مسايل المياه من السطوح .
وكذلك إن كان له كلب عقور على باب داره يؤذي النّاس ويعقرهم فهذا منكر يجب منعه منه؛ لنّ الشّوارع إنّما جعلت مشتركة المنافع بين النّاس .
د -منكرات الحمّامات :
18
-منكرات الحمّامات كثيرة ،منها :الصور الّتي تكون على باب الحمّام ،أو داخل
الحمام يجب إزالتها على كلّ من يدخلها إن قدر ،فإنّه منكر . ومن منكرات الحمّامات كشف العورات والنّظر إليها قصدا ،ومن جملتها كشف الدّلّاك عن ن مسّ الفخذ وما تحت السرّة في تنحية الوسخ ،بل من جملتها إدخال اليد تحت الزار ،فإ ّ عورة الغير حرام كالنّظر إليها ،فهذا كله مكروه ومنكر . وكذلك كشف العورة للحجّام والفصّاد ال ّذمّيّ ،فإنّ المرأة ل يجوز لها أن تكشف بدنها لل ّذمّيّات في الحمّام . س مزلقة للقدام ،فهو ومنها أن يكون في مداخل بيوت الحمّام ومجاري مياهها حجارة مل ٌ منكر يجب قلعه وإزالته وينكر على الحمّاميّ إهماله . وكذلك ترك السّدر والصّابون المزلق للقدام على أرض الحمّام منكر يجب إزالته .
هـ -منكرات الضّيافة :
19
-من منكرات الضّيافة فرش الحرير للرّجال فهو حرام ،وكذلك تبخير البخور في مجمرة
فضّة أو ذهب ،أو الشّرب منهما أو استعمال ماء الورد منهما . ومنها إسدال الستور وعليها الصور . ومنها سماع الوتار أو سماع القينات فإنّه منكر مسقطٌ لوجوب الدّعوة . ومنها اجتماع النّساء على السطوح وفي الرّواشن المشرفة على مقاعد الرّجال للنّظر للرّجال ،فكل ذلك محظور ومنكر يجب تغييره . ومن عجز عن تغييره لزمه الخروج عن ذلك المجلس ،فل رخصة في مشاهدة المنكرات . ومنها أن يكون في الضّيافة مبتدع يتكلّم في بدعته ،ويحمل النّاس عليها ،فإن كان المتكلّم يضحك بالفحش والكذب لم يجب الحضور ،وعند الحضور يجب النكار . ومنها السراف في الطّعام فإنّه منكر . ومنها صرف المال إلى النّائحة في الموت ،والغناء والطّرب في الفراح فهذه منكرات كلها.
و -المنكرات العامّة :
20
-قال الغزالي :اعلم أنّ كلّ قاعد في بيته أينما كان فليس خاليا في هذا الزّمان عن
منكر ،من حيث التّقاعد عن إرشاد النّاس وتعليمهم وحملهم على المعروف ،وكل من رأى منكرا من مناكير الشّرع على الدّوام ،أي من تيقّن أنّ في السوق منكرا ،أو في وقتٍ
بعينه ،وهو قادر على تغييره باليد أو باللّسان فل يجوز له أن يسقط ذلك عن نفسه بالقعود في البيت ،بل يلزمه الخروج . فإن كان ل يقدر على تغيير الجميع ،وهو يحترز عن مشاهدته ،ويقدر على تغيير البعض لزمه الخروج .وإنّما يمنع الحضور لمشاهدة المنكر إذا كان من غير غرض صحيح . فحق على كلّ مسلم أن يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرّمات ،ثمّ يعلّم ذلك أهل بيته :زوجته وولده وخادمه ،ث ّم يتعدّى عند الفراغ منهم إلى جيرانه ثمّ إلى محلّته ،ثمّ إلى أهل بلده ،ث ّم إلى السّواد -أي الرّيف -المكتنف لبلده ،أي :المحيط به ، فينهى عن المنكر بقدر استطاعته ،فإنّه مأجور ومثاب إن شاء اللّه .
مَنّ *
التّعريف : 1
ن لغةً يطلق على معانٍ عدّة :فيطلق على النعام ،وعلى تِعداد الصّنائع ،كأن -الم ّ
يقول :أعطيتك كذا وفعلت بك كذا . كما يطلق على مكيال أو ميزان . وعلى قطع الشّيء :من مننت الحبل :قطعته فهو ممنون . وعلى شيء ينزل من السّماء يشبه العسل قال تعالى في معرض المتنان على بني إسرائيل ن وَالسّ ْلوَى } . َ { :وأَنزَلْنَا عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَ ّ ضمّ :الضّعف والقوّة من أسماء الضداد . والمنّة بال ّ ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . تتعلّق بالمنّ أحكام منها :
الحكام المتعلّقة بالمنّ : أ -المن باعتباره مقدارا شرعيّا :
2
-اختلف الفقهاء في تحديد مقدار المنّ فذهب الحنفيّة إلى أنّ المدّ رطلن ،والرّطل نصف
منّ ،والمن بالدّراهم مائتان وستون درهما ،وبالمثاقيل أربعة ونصف فالمد والمن سواء ، كل منهما ربع صاع ،رطلن بالعراقيّ والرّطل مائة وثلثون درهما . ن ،ولم وضبط المام الرّافعي من أئمّة الشّافعيّة الوسق الخمسة الّتي هي نصاب القوت بالم ّ يضبطها بالرطال ل بالبغدادية ول الدّمشقيّة بقوله :والوسق الخمسة بالمنّ الصّغير : ن الكبير الّذي وزنه ستمائة درهم :ثلثمائة وأربعون منا وثلثا منّ ، ثمانمائة من ،وبالم ّ
ن الكبير ،وأنّ وقال الخطيب الشّربيني :واستفدنا من ذلك أنّ الرّطل الدّمشقيّ مساوٍ للم ّ المنّ الصّغير مساوٍ رطلين بالبغداديّ .
ب -المن بمعنى ذكر النّعمة على الغير : حكم المنّ :
3
ن إن كان من اللّه فهو تذكير المخلوق بخالقه الّذي أنعم عليه ،وتنبيهه ليشكره ، -الم ّ
وفي الدعاء المأثور « :اللّهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد ل إله إلّا أنت المنّان » . وإن كان المن من العبد فهو تعداد الصّنائع والتّقريع بها والتّعيير وهي من الكبائر ،وتبطل ثواب الصّدقة . ن والذى يبطلن ثواب الصّدقة ،حيث بيّن ص واليماء بأنّ الم ّ فقد دلّ القرآن الكريم بالنّ ّ فضل النفاق في سبيل اللّه في قوله تعالى { :مَ َث ُل الّذِينَ يُن ِفقُونَ َأ ْموَا َلهُمْ فِي سَبِي ِل الّلهِ ف ِلمَن َيشَاء وَالّلهُ وَاسِعٌ َكمَ َثلِ حَ ّبةٍ أَنبَتَتْ سَبْ َع سَنَا ِبلَ فِي ُكلّ سُنبُ َل ٍة مّ َئةُ حَ ّب ٍة وَالّلهُ يُضَاعِ ُ عَلِيمٌ } ثمّ أخبر في الية التّالية أنّ النفاق المذكور الّذي يضاعف ثوابه لصاحبه هو النفاق ن َأ ْموَا َل ُهمْ فِي سَبِيلِ الّل ِه ُثمّ ن يُن ِفقُو َ ن والذى ،فقال عزّ من قائل { :الّذِي َ الّذي يخلو عن الم ّ حزَنُونَ } علَ ْي ِهمْ َولَ ُهمْ َي ْ خوْفٌ َ لَ يُتْ ِبعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّا َولَ أَذًى ّل ُهمْ َأجْرُ ُه ْم عِندَ رَ ّب ِهمْ َولَ َ ن الّذين يتبعون ما أنفقوا منا وأذًى ليس لهم عند ربّهم أجر ول أمن من والمفهوم من ذلك أ ّ الخوف والحزن . ن كلمةً طيّبةً وردا جميلً والدعاء للسّائل والتّأنيس والتّرجية بما ثمّ بيّن سبحانه وتعالى أ ّ ن ذكر القول عند اللّه خير من صدقة هي في ظاهرها صدقة ،وفي حقيقتها ل شيء ؛ ل ّ المعروف فيه أجر ،وهذه ل أجر لها ،قال صلى ال عليه وسلم «:الكلمة الطّيّبة صدقة »، و « ل تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق » ،فيتلقّى المسئُول السّائل بالبشر والتّرحيب ويقابله بالطّلقة والتّقريب ؛ ليكون مشكورا إن أعطى ،ومعذورا إن منع ،فالسّتر منه عليه لما علم من خلّته وسوء حاله خير عند اللّه من صدقة يتصدّقها ى ومنا .قال عزّ من قائل َ { :ق ْولٌ ّمعْرُوفٌ َو َمغْفِرَ ٌة خَيْ ٌر مّن صَ َد َقةٍ يَتْ َب ُعهَا عليه ،ويتبعها أذ ً ي حَلِيمٌ } . أَذًى وَالّلهُ غَنِ ّ ص حكم الصّدقة الّتي يتبعها المن والذى في قوله تعالى : ثمّ ذكر القرآن الكريم بعد ذلك بالنّ ّ ق مَا َلهُ رِئَاء النّاسِ َولَ ن آمَنُواْ َل تُ ْبطِلُواْ صَدَقَا ِتكُم بِا ْل َمنّ وَالذَى كَالّذِي يُنفِ ُ { يَا أَ ّيهَا الّذِي َ ص ْفوَانٍ عَلَ ْيهِ ُترَابٌ َفأَصَا َبهُ وَا ِبلٌ فَ َت َر َكهُ صَلْدًا ّل َيقْدِرُونَ ُي ْؤمِنُ بِالّلهِ وَالْ َي ْومِ الخِرِ َفمَثَُل ُه َكمَثَلِ َ عَلَى شَيْءٍ ّممّا َكسَبُو ْا وَالّلهُ لَ َيهْدِي الْ َق ْومَ ا ْلكَافِرِينَ } .
فشبّه سبحانه الّذي يمن ويؤذي في صدقته بالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ل لوجه اللّه ، وبالكافر الّذي ينفق ماله ليقال :إنّه جواد ويثنى عليه أنواع الثّناء . ومثّل سبحانه المنفق المنّان بصفوان -حجر أملس -عليه تراب ،فيظنه الرّائي أرضا منبتةً طيّبةً ،فإذا أصابه وابل من المطر أذهب عنه التراب وبقي صلدا ،فكذلك المرائي والمنّان ،فالمن والرّياء والذى تكشف عن النّيّة في الخرة كما يكشف المطر الغزير عن الحجر الملس . وقيل :المراد بالية إبطال الفضل دون أصل الثّواب ،وقيل :إنّما يبطل من ثواب صدقته ن وأذى انقطع التّضعيف ؛ من وقت منّه وإيذائه ،وما قبل ذلك يكتب له ويضاعف ،فإذا م ّ لنّه ورد « أنّ الصّدقة تربّى لصاحبها حتّى تكون أعظم من الجبل » ،فإذا خرجت من يد صاحبها خالص ًة لوجه اللّه ضوعفت ،فإذا جاء المن بها والذى وقف بها هناك وانقطع التّضعيف عنها ،والقول الوّل أظهر . ن المنّان ل يكلّمه اللّه ول ينظر إليه ،كما في حديث أبي ذر وقد جاء في السنّة الصّحيحة أ ّ رضي ال عنه « :ثلثة ل يكلّمهم اللّه يوم القيامة ول ينظر إليهم ول يزكّيهم ولهم عذاب أليم .قال أبو ذر :خابوا وخسروا ،من هم يا رسول اللّه ؟ قال :المسبل ،والمنّان ، والمُنَفّق سلعته بالحلف الكاذب » .
رفض التّبرع خوفا من المنّة :
4
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز للمكلّف عدم قبول التّبرع وإن تعيّن لداء فرض
حيث قالوا :إذا لم يجد المكلّف ماءً للطّهارة بعد دخول الوقت أو لم يجد ما يشتري به فوهب له شخص الثّمن لم يجب قبوله لما فيه من المنّة . قال الشّافعيّة :لو وهب ثمن الماء أو ثمن آلة الستقاء أو أقرض ثمن ذلك -وإن كان موسرا بمال غائب -فل يجب قبوله لعظم المنّة ولو من الوالد لولده . أمّا إن وُهب له الماء أو أعير آلة الستسقاء فيجب عليه قبوله عند المالكيّة والشّافعيّة في ن المسامحة بذلك غالبة فل تعظم فيه المنّة . الصحّ والحنابلة ل ّ ن المالكيّة قيّدوا اللزوم بما إذا لم يتحقّق منه منّة قالوا :وهذا في منّة يظهر لها أثر إلّا أ ّ وأمّا التّافه فيلزمه قبوله . والقول الثّاني عند الشّافعيّة :ل يجب قبول الماء للمنّة كالثّمن . وقال أبو حنيفة في ظاهر الرّواية وأبو يوسف ومحمّد :يجب عليه سؤال رفيقه الماء والدّلو ول يتيمّم حتّى يسأله فإن منعه تيمّم لنّ الماء مبذول عادةً فكان الغالب العطاء وقال الحسن بن زياد من الحنفيّة بناءً على ما رواه عن أبي حنيفة في غير ظاهر الرّواية :ل
يجب عليه السؤال لنّ في السؤال ذ ًل وفيه بعض الحرج وما شرع التّيمم إلّا لدفع الحرج . ل عن الجصّاص :أنّه ل خلف -في غير ظاهر الرّواية -بين أبي حنيفة وفي الذّخيرة نق ً وصاحبيه فمراد أبي حنيفة من عدم اللزوم فيما إذا غلب على ظنّه منعه إيّاه ومراد الصّاحبين في لزومه عند غلبة الظّنّ بعدم المنع . جاء في البحر :أنّه إذا كان له مال غائب وأمكنه الشّراء بثمن مؤجّل وجب عليه الشّراء ن الجل لزم في الشّراء ول مطالبة قبل بخلف ما إذا وجد من يقرضه فإنّه ل يجب عليه ل ّ حلوله بخلف القرض . 5
-نصّ الشّافعيّة على أنّه إن تبرّع رجل بنفقة زوجه المعسر العاجز عن إنفاقها لم يلزمها
القبول ولها الفسخ لعدم النّفقة لعظم المنّة كما لو كان لها دين على شخصٍ فتبرّع غيره بأدائه لها ل يلزمه القبول لما فيه من المنّة وحكى ابن كج وجها :أنّه ل خيار لها وبه أفتى ن المنّة على الزّوج ل عليها ولو سلّمها المتبرّع للزّوج ثمّ سلّمه الزّوج لها لم الغزالي ل ّ يفسخ ولو كان المتبرّع أبا أو جدا والزّوج تحت حجره وجب عليها القبول .
المنّ على السرى :
6
ن للمام أن يمنّ على أسرى الحرب من الرّجال البالغين إن -ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
رأى مصلحةً في المنّ عليهم . والتّفصيل في مصطلح ( :أسرى ف /
التّعريف : 1
17
).
مَنِيحَة *
-المنيحة في اللغة يقال :منحته منحا من باب نفع وضرب :أعطيته والسم المنيحة
والمنيحة كالمِنْحة بكسر الميم :هي الشّاة أو النّاقة يعطيها صاحبها رجلً يشرب لبنها ثمّ يردها إذا انقطع اللّبن ثمّ كثر استعماله حتّى أطلق على كلّ عطاء . وفي الصطلح :هي ما يعطى من النّخل والنّاقة والشّاة وغيرها ليتناول ما يتولّد منه كالثّمر واللّبن وهي عارية وقد تكون تمليكا . أ -العارية : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-العارية مأخوذة من عار :ذهب وجاء بسرعة أو من التّعاور :أي التّناوب .
والعارية في الصطلح عرّفها الفقهاء بتعريفين : أوّلهما :هي إباحة النتفاع بما يحل النتفاع به مع بقاء عينه ليردّه .
والثّاني :هي تمليك المنافع بغير عوض . والصّلة بينهما أنّ المنيحة نوع من أنواع العارية . ب -العمرى : 3
-العمرى هي :تمليك منفعة شيء مملوك -عقارا أو غيره -إنسانا أو غيره في حياة
المعطى -بفتح الطّاء -بغير عوض . ن المنيحة خاصّة بلبن شاة أو بقرة أو ناقة وترد لصاحبها أمّا العمرى والصّلة بينهما :أ ّ فتكون منفعتها مدّة العمر . ج -الهبة : 4
-الهبة :تمليك عين بل عوض في حالة الحياة تطوعا .
ن الهبة أعم من المنيحة . والصّلة بينها وبين المنيحة :أ ّ يتعلّق بالمنيحة أحكام منها :
الحكام المتعلّقة بالمنيحة : أ -التّرغيب في المنيحة :
5
-إعطاء المنيحة من أعمال الب ّر والحسان رغّب الشّارع إليها قال تعالى { :إِنّ الّل َه يَ ْأمُرُ
حسَانِ َوإِيتَاء ذِي ا ْلقُرْبَى } . بِا ْلعَ ْدلِ وَا ِل ْ وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل إعطاء المنيحة فعن أبي هريرة رضي ال عنه أنّه قال : صفِي صفِي منحةً ،والشّاة ال ّ قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :نعم المنيحة اللّقحة ال ّ تغدو بإناء وتروح بإناء » ،وعن عبد اللّه بن عمرو رضي ال عنهما قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول « :أربعون خصل ًة أعلهنّ منيحة العنز ،ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها ،وتصديق موعودها إلّا أدخله اللّه بها الجنّة » .
ب -صيغة إعطاء المنيحة :
6
-قال بعض مشايخ الحنفيّة :صيغة المنيحة أن يقول :منحتك هذه الشّاة أو النّاقة ؛ لنّ
المنح صريح في العارية ،فتنفّذ بها من غير توقف على نيّة ،ومجاز في الهبة إذا نوى انعقدت به . وفضّل أبو بكر المعروف بخواهر زاده ،وقال :إذا قال :منحتك أرضي ونحو ذلك ،فإنّ هذا اللّفظ إن كان مضافا إلى ما يمكن النتفاع به مع بقاء عينه يكون عاريةً ،وإن كان مضافا إلى ما ل يمكن النتفاع به مع بقاء عينه كالدّراهم والطّعام تكون هبةً ؛ لنّ المنحة تذكر ويراد بها العارية ،وفي الحديث « :المنحة مردودة » ،وأراد عليه السلم :العارية؛ لنّ الهبة ل تكون مردودةً ،وإنّما المردودة العارية .وتذكر ويراد بها الهبة ،يقال :فلن
منح فلنا أي :وهب له ،وإذا كانت اللّفظة صالحةً للمرين جميعا والعمل بهما متعذّر في عين واحدة -لنّ العين الواحدة ل يتصوّر أن تكون في محلّين :هبة وعارية في وقتٍ واحد -عملنا بهما مختلفين ،فقلنا :إذا أضيفت المنحة إلى عين يمكن النتفاع به مع بقاء عينه جُعل عاريةً ،وإن أضيفت إلى عين ل يمكن النتفاع بها مع بقاء عينها جعلت هبةً . وقال الشّافعيّة :إنّ المنح من صرائح صيغ الهبة ،وعليه إذا قال :منحتك هذه النّاقة أو الشّاة تكون هبةً عندهم ؛ لنّه لفظ صريح في محلّه ونافذ في موضعه ،فل يكون صريحا في غيره ول مجازا . وطريقة إعارة ذوات اللبان أن يقول :أعرتك هذه الشّاة أو النّاقة -وهي المنيحة -لخذ درّها ونسلها كإباحة ما ذُكر ،وصحّت العارية لنّها تتضمّن :إعارة أصلها وهو العين المعارة ،والفوائد إنّما جعلت بطريق الباحة والتّبع وليست مستفادةً بالعارية ،بل ن العارية بالمنافع ل بالعيان ،واللّبن والنّسل أعيان ،والمعار هو الشّاة أو بالباحة ؛ ل ّ النّاقة . جاء في الحاوي الكبير :وما كانت منافعه عينا كذوات اللّبن من المواشي كالغنم والبل فل يجوز أن يعار ول أن يؤجّر ؛ لختصاص العارية والجارة بالمنافع دون العيان ،ولكن يجوز أن يمنح . قال الشّافعي :المنحة أن يدفع الرّجل ناقته أو شاته لرجل ليحلبها تمّ يردّها فيكون اللّبن ممنوحا ،ول ينتفع بغير اللّبن . ح ؛ لنّه أخذها بهبة فاسدة ؛ لنّ وإن أعار شا ًة أو دفعها له وملّكه درّها ونسلها لم يص ّ اللّبن والنّسل مجهولن غير مقدوري التّسليم فل يصح تمليكهما ،ويضمن الشّاة بحكم العارية الفاسدة ،وللعقود الفاسدة حكم صحيحها في الضّمان وعدمه .
ج -ضمان المنيحة :
7
-المنيحة عارية يجري عليها أحكام العارية ،فيجب ردها إن كانت باقيةً بغير خلف .
ويضمن المستعير إن تلفت بتعد بالجماع ،وإن تلفت بل تعدّ فمضمونة عند الشّافعيّة والحنابلة إذا لم تتلف بالستعمال المأذون ،وغير مضمونة عند الحنفيّة . والتّفصيل في مصطلح ( :إعارة ف . ) 5 /
التّعريف : 1
مَ ِنيّ *
-المني في اللغة -مشدّدة الياء والتّخفيف لغة -ماء الرّجل والمرأة وجمعه مُنْيٌ ،
ي ُيمْنَى } . ك ُنطْ َفةً مّن مّنِ ّ ومنه قوله تعالى { :أَ َلمْ يَ ُ
وفي الصطلح :هو الماء الغليظ الدّافق الّذي يخرج عند اشتداد الشّهوة . أ -المذي : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-المذي في اللغة :ماء رقيق يخرج عند الملعبة أو التّذكر ،ويضرب إلى البياض ،
ت الولى :سكون الذّال والثّانية :كسرها مع تثقيل الياء وقال الفيومي :فيه ثلث لغا ٍ والثّالثة :الكسر مع التّخفيف . والمذّاء فعّال للمبالغة في كثرة المذي ،من مذى يمذي . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . ن المنيّ يخرج على وجه الدّفق بشهوة ،وأمّا المذي فيخرج والصّلة بين المذي والمنيّ :أ ّ ل على وجه الدّفق . ب -الودي : 3
-الودي في اللغة بإسكان الدّال المهملة وتخفيف الياء وتشديدها :الماء الثّخين البيض
الّذي يخرج في إثر البول . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . والصّلة بينهما أنّ المنيّ يخرج بشهوة وأنّ الودي يخرج بل شهوة عقب البول .
الحكام المتعلّقة بالمنيّ : حكم إنزال المنيّ باليد :
4
ن الستمناء -اختلف الفقهاء في حكم إنزال المنيّ باليد ،فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ
باليد حرام وفيه التّعزير . وقال الحنفيّة :يكره تحريما الستمناء بالكفّ ونحوه بدون عذر ؛ لقوله تعالى { :وَالّذِينَ ن ،إِلّا عَلَى أَ ْزوَاجِ ِهمْ أوْ مَا مَ َلكَتْ أَ ْيمَا ُن ُهمْ فَإِ ّن ُهمْ غَيْ ُر مَلُومِينَ } ،فلم ج ِهمْ حَا ِفظُو َ ُهمْ ِلفُرُو ِ يبح الستمتاع إلّا بالزّوجة والمة ،وأيضا فإنّ فيه سلخ الماء ،وتهييج الشّهوة في غير محلّها بغير عذر . أمّا إذا وجد عذر كما إذا تعيّن الخلص من الزّنا بالستمناء وكان عزبا ل زوجة له ول أمة، أو كان إلّا أنّه ل يقدر على الوصول إليها لعذر فإنّه يجب ؛ لنّه أخف ،وعبارة صاحب فتح القدير :فإن غلبته الشّهوة ففعل إرادة تسكينها به فالرّجاء ألّا يعاقب . والمذهب عند الحنابلة أنّ الستمناء باليد لغير حاجة حرام وفيه التّعزير ،وفي رواية عن المام أحمد أنّه يكره . وإن كان الستمناء خوفا من الزّنى جاز ول شيء عليه ،وهذا هو المذهب .
قال صاحب النصاف :لو قيل بوجوبه في هذه الحالة لكان له وجه كالمضطرّ . وفي رواية عن المام أحمد أنّه يحرم ولو خاف الزّنى .قال في النصاف :ل يباح الستمناء إلّا عند الضّرورة ،ثمّ قال :وحكم المرأة في ذلك حكم الرّجل . ويجوز عند جميع الفقهاء الستمناء بيد الزّوجة
طهارة المنيّ ونجاسته :
5
ي نجسٌ ولهم في -ذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو قول عند الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المن ّ
ذلك تفصيل . ي نجسٌ سواء من النسان أو من الحيوانات كلّها دون التّفرقة بين فقال الحنفيّة :إنّ المن ّ مأكول اللّحم وغير مأكوله . وقال المالكيّة :المني نجسٌ إذا كان من آدمي أو من حيوان محرّم الكل بغير خلف ،أمّا مني مباح الكل ففيه خلف . فقيل بطهارته ،وقيل بنجاسته ؛ للستقذار والستحالة إلى فساد ،وهو المشهور . ي بحديث عائشة رضي ال عنها قالت « :كنت أغسل واستدلّ الحنفيّة على نجاسة المن ّ ي صلى ال عليه وسلم فيخرج إلى الصّلة وإن بقّع الماء في ثوبه » . الجنابة من ثوب النّب ّ وجه الدّللة من هذا الحديث أنّ عائشة رضي ال عنها قد غسلت المنيّ من ثوب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ،والغسل شأن النّجاسات وأنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قد علم بهذا فأقرّه ولم يقل لها أنّه طاهر ؛ ولنّه خارجٌ من أحد السّبيلين فكان نجسا كسائر النّجاسات . واستدلوا بآثار عن بعض الصّحابة رضي ال عنهم ،منها ما روي عن أبي هريرة رضي ي يصيب الثّوب " :إن رأيته فاغسله وإلّا فاغسل الثّوب كلّه " ومن التّابعين ال عنه في المن ّ ن المنيّ بمنزلة البول . ما روي عن الحسن :أ ّ وقال المالكيّة :إنّ سبب نجاسة المنيّ أنّه دم مستحيل إلى نتن وفساد ،فحكم بنجاسة المنيّ من الحيوانات كلّها لنّ مناط التّنجيس كونه دما مستحيلً إلى نتن وفساد ،وهذا ل يختلف بين الحيوانات كلّها كما قال الدردير . ن المنيّ يخرج من مخرج البول موجبا لتنجيسه فألحق المني بالبول طهارةً ونجاسةً . وبأ ّ ي النسان طاهر سواء أكان من ن من ّ وقال الشّافعيّة في الظهر والحنابلة وهو المذهب :إ ّ الذّكر أم النثى . ي من ثوب رسول اللّه صلى ال عليه لحديث عائشة رضي ال عنها « أنّها كانت تفرك المن ّ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم شرع في الصّلة والمني على وسلم ثمّ يصلّي فيه » فدلّ أ ّ
س رضي ال عنهما قال « :سئل رسول اللّه ثوبه ،وهذا شأن الطّاهرات ،وعن ابن عبّا ٍ ي يصيب الثّوب ،فقال إنّما هو بمنزلة البصاق أو المخاط ، صلى ال عليه وسلم عن المن ّ إنّما كان يكفيك أن تمسحه بخرقة أو إذخر » . فيدل هذا الحديث بظاهره أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قد شبّه المنيّ بالمخاط والبصاق ممّا يدل على طهارته وأمر بإماطته بأيّ كيفيّة كانت -ولو بإذخر -لنّه مستقذر طبعا وعن سعد بن أبي وقّاصٍ " أنّه كان إذا أصاب ثوبه المني إن كان رطبا مسحه ،وإن كان يابسا حتّه ثمّ صلّى فيه " ؛ ولنّه مبدأ خلق النسان فكان طاهرا كالطّين وكذلك مني الحيوانات الطّاهرة حال حياتها فإنّه مبدأ خلقها ويخلق منه حيوان طاهر . س وهو قول عند الحنابلة . وفي مقابل الظهر عند الشّافعيّة أنّه نج ٌ س من المرأة دون الرّجل بناءً على نجاسة رطوبة فرجها وفي قول عند الشّافعيّة أنّه نج ٌ وهو قول عند الحنابلة . ي ونحو الكلب ي فقد ذهب الشّافعيّة في الصحّ إلى أنّ منيّ غير الدم ّ أمّا مني غير الدم ّ نجسٌ كسائر المستحيلت . ن الصحّ طهارة منيّ غير الكلب والخنزير وفرع أحدهما لنّه أصل حيوان وقال النّووي :إ ّ ي. طاهر فأشبه منيّ الدم ّ وفي مقابل الصحّ عند الشّافعيّة وقول الحنابلة أنّه طاهر من المأكول نجسٌ من غيره كلبنه .
الوضوء من المنيّ :
6
ي ينقض الوضوء . -ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ خروج المن ّ
وقال الشّافعيّة :إنّ خروج المنيّ ل ينقض الوضوء . والتّفصيل في مصطلح ( حدثٌ ف 6 /وما بعدها ) .
الغسل من المنيّ :
7
ن أمّ ي من الرّجل والمرأة موجب للغسل .لما ورد :أ ّ -اتّفق الفقهاء على أنّ خروج المن ّ
ي اللّه صلى ال عليه وسلم :عن المرأة ترى سليم رضي ال عنها حدّثت « :أنّها سألت نب ّ في منامها ما يرى الرّجل ؟ فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل :فقالت أم سليم -واستحييت من ذلك -قالت :وهل يكون هذا ؟ فقال نبي اللّه صلى ال عليه وسلم :نعم ،فمن أين يكون الشّبه ؟ إنّ ماء الرّجل غليظ أبيض ،وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيّهما عل أو سبق يكون منه الشّبه » ،وفي رواية أنّها قالت :
« هل على المرأة من غسل إذ هي احتلمت ؟ فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :نعم إذا رأت الماء » . قال ابن قدامة :وإن رأى في ثوبه منيّا وكان ممّا ل ينام فيه غيره فعليه الغسل ؛ لنّ عمر وعثمان رضي ال عنهما اغتسل حين رأياه في ثوبيهما ؛ ولنّه ل يحتمل أن يكون إلّا منه ، ويُعيد الصّلة من أحدث نومةٍ نامها فيه إلّا أن يرى إمار ًة تدل على أنّه قبلها فيعيد من أدنى ي منه كابن اثنتي عشرة نومةٍ يحتمل أنّه منها ،وإن كان الرّائي له غلما يمكن وجود المن ّ سنةً فهو كالرّجال ؛ لنّه وجد دليله وهو محتمل للوجود وإن كان أق ّل من ذلك فل غسل عليه لنّه ل يحتمل فيتعيّن حمله على أنّه من غيره ،فأمّا إن وجد الرّجل منيّا في ثوب ينام ن كلّ واحد منهما بالنّظر إليه مفردا فيه هو وغيره ممّن يحتلم فل غسل على واحد منهما ل ّ يحتمل أن ل يكون منه فوجوب الغسل عليه مشكوك فيه ،وليس لحدهما أن يأتمّ بصاحبه لنّ أحدهما جنب يقينا فل تصح صلتهما ،كما لو سمع كل واحد منهما صوت ريح يظن أنّها من صاحبه أو ل يدري من أيّهما هي . والتّفصيل في ( غسل ف . ) 5 /
المني وأثره في الصّوم :
8
ن الصّائم إذا قبّل ولم يمن ل يفسد صومه لما روت عائشة رضي ال -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
عنها « :كان النّبي صلى ال عليه وسلم يقبّل ويباشر وهو صائم ،وكان أملككم لربه» وورد عن عمر رضي ال عنه أنّه قال « :هششت فقبّلت وأنا صائم ،فقلت :يا رسول اللّه صنعت اليوم أمرا عظيما ،قبّلت وأنا صائم ،فقال :أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم ؟ قلت :ل بأس به ،قال :فمه » . شبّه القبلة بالمضمضة من حيث إنّها من مقدّمات الشّهوة وأنّ المضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم يفطر . وإن قبّل الصّائم فأمنى فسد صومه لنّه إنزال بالمباشرة ،فأشبه النزال بالجماع لوجود معنى الجماع وهو قضاء الشّهوة . وقال المالكيّة :إن خرج المني من الصّائم يقظةً بلذّة معتادة فسد الصّوم ووجب القضاء والكفّارة وأمّا إن خرج بل لذّة أو خرج بلذّة غير معتادة فل يفسد الصّوم ،وقال عبد الوهّاب من المالكيّة :إنّما يرى أصحابنا القضاء على من أمنى من لمسٍ وقبلة استحبابا وليس ي عن موضعه ،فأمّا إن سلم من ذلك فل شيء بإيجاب لجواز أن تكون القبلة حرّكت المن ّ عليه .
ولو استمنى الصّائم بيده فأنزل فسد صومه لنّه في معنى القبلة في إثارة الشّهوة ،وإن نزل لغير شهوة كالّذي يخرج منه المني أو المذي لمرض فل شيء عليه ؛ لنّه خارجٌ لغير شهوة أشبه البول ؛ ولنّه عن غير اختيار منه ول تسبب إليه فأشبه الحتلم ،ولو احتلم لم يفسد صومه ؛ لنّه عن غير اختيار منه فأشبه ما لو دخل حلقه شيء وهو نائم . وقال الحنفيّة :إذا نظر إلى امرأة بشهوة إلى وجهها أو فرجها فأمنى -كرّر النّظر أو ل - ل يفطر فصار كالمتفكّر في امرأة حسناء إذا أمنى . ن عليه القضاء والكفّارة . وقال المالكيّة :إن أمنى بتعمد إدامة النّظر والفكر فإ ّ وقال الشّافعيّة :إن خرج المني بمجرّد فكر ونظر بشهوة لم يفطر . وقال الحنابلة :إن كرّر النّظر فله حالتان : الحالة الولى :أن ل يقترن به إنزال فل يفسد الصّوم بغير خلف . الحالة الثّانية :أن يقترن به إنزال المنيّ فيفسد الصّوم ،وبه قال عطاء والحسن البصري والحسن بن صالح ؛ لنّه إنزال بفعل يتلذّذ به ويمكن التّحرز منه فأفسد الصّوم كالنزال باللّمس ،والفكر ل يمكن التّحرز منه بخلف تكرار النّظر .
تطهير الثّوب من المنيّ :
9
ي وطهارته فقد بيّن القائلون بأنّه نجسٌ -نظرا لنّه قد اختلف الفقهاء في نجاسة المن ّ
وسيلة تطهيره . ي إذا أصاب الثّوب فإن كان رطبا يجب غسله ،وإن جفّ على فذهب الحنفيّة إلى أنّ المن ّ الثّوب أجزأ فيه الفرك . ي يكون بغسله .لما ورد عن زُبَيْد بن الصّلت :أنّه وذهب المالكيّة إلى أنّ تطهير محلّ المن ّ قال " :خرجت مع عمر بن الخطّاب رضي ال عنه إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلّى ولم يغتسل فقال :واللّه ما أراني إلّا احتلمت وما شعرت ،وصلّيت وما اغتسلت ، سلَ ما رأى في ثوبه ونضح ما لم ير وأذّن أو أقام ث ّم صلّى بعد ارتفاع غ َ س َل و َ قال :فاغْ َت َ الضّحى متمكّنا " . أمّا القائلون بأنّه طاهر فقد بيّنوا كيفيّة تنظيفه . فقال الشّافعيّة على الظهر والحنابلة :أنّه يستحب غسل المنيّ للخبار الصّحيحة الواردة فيه وخروجا من الخلف .
ي في ثبوت الخيار للزّوجة : أثر انقطاع المن ّ
10
-يرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّ الخصاء ل يكون عيبا فل خيار للزّوجة طالما يستطيع
الخصي الوقاع ؛ لثر علي رضي ال عنه " :يرد النّكاح لربع :من الجذام والجنون
والبرص والقرن " ،وجه الدّللة أنّه لم يردّ للخصاء ذكر بخصوصه ولم يدخل تحت عموم ما نصّ عليه مع وجود الخصاء في الرّجال وإمكان الطّلع عليه أو معرفته فيهم ،وأنّ الزّواج انعقد بيقين فل يفرّق بين الزّوجين إلّا بدليل متيقّن ،ولمّا كان التّصال من الخصيّ موجودا كان الضّرر في معاشرته منتفيا فلم يصحّ قياسه على العنّة للضّرر . وقال المالكيّة والحنابلة :إنّ الخصاء عيب يثبت الخيار للمرأة ويبرّر طلب التّفريق . ن المالكيّة قيّدوا ذلك بعدم إنزال المنيّ فإن أنزل منيّا فل يعتبر خصاءً يبرّر التّفريق . إلّا أ ّ وللتّفصيل ر :مصطلح ( خصاء ف . ) 7 /
ي بالجناية : أثر انقطاع المن ّ
11
-اتّفق الفقهاء على أنّه لو جنى شخص جنايةً على رجل فكسر صلبه فأبطل قوّة إمنائه
وجبت الدّية كامل ًة . والتّفصيل في مصطلح ( ديات ف /
62
ُمهَاجِر *
انظر :هجرة .
ُمهَايأة *
التّعريف : 1
).
-المهايأة في اللغة :مفاعلة من هايأ .وهي المر المتهايأ عليه وتهايأ القوم تهايؤًا من
الهيئة :جعلوا لك ّل واحد هيئةً معلومةً والمراد النّوبة . واصطلحا :عرّفها الفقهاء :بأنّها قسمة المنافع على التّعاقب والتّناوب . القسمة : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-القسمة لغةً :من القسم وهو الفرز ،يقال قسمته قسمين من باب ضرب ،فرزته
أجزاءً فانقسم ،والموضع مقسّم ،مثل المسجد ،وقسّمه :جزّأه ،وتقسّموا الشّيء واقتسموه وتقاسموه :قسموه بينهم . واصطلحا :تمييز بعض النصباء عن بعض ،وإفرازها عنها . والصّلة بينهما العموم والخصوص المطلق ،فالمهايأة أخص من القسمة .
مشروعيّة المهايأة :
3
-المهايأة مشروعة وثابتة بالكتاب والسنّة والجماع .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( قسمة ف /
56
).
محل المهايأة :
4
ن محلّ المهايأة هو المنافع دون العيان ،وذلك :كدار منفعتها -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
لشريكين ،مثل دار وقف عليهما ،أو مستأجرة لهما أو لمورّثهما ،أو ملك لهما . وللفقهاء تفصيلت أخرى في محلّ المهايأة . انظر ( ف
57/
من مصطلح قسمة ) .
أقسام المهايأة :
5
-المهايأة تنقسم إلى قسمين :الوّل بحسب الزّمان والمكان ،والثّاني بحسب التّراضي
والجبار . والتّفصيل في مصطلح ( قسمة ف /
58
وما بعدها ) .
صفة المهايأة :
6
-ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المهايأة غير لزمة ،
وأنّها عقد جائزٌ ،ويرى المالكيّة أنّها تكون كذلك إذا كانت غير معيّنة المدّة :كدارين يأخذ كل واحد منهما سكنى دار من غير تعيين مدّة ،أمّا إذا كانت في زمن معيّن فإنّها تكون لزمةً كالجارة . وعلى قول الجمهور يجوز لكلّ منهما الرجوع عنها ،ول تبطل بموت أحدهما .
التّنازع في المهايأة :
7
-اختلف الفقهاء في حكم المهايأة إذا تنازع أطرافها .
فعند الحنفيّة :إذا اختلفا في التّهايؤ من حيث الزّمان والمكان في محل يحتملهما يأمرهما ن التّهايؤ في المكان أعدل ،وفي الزّمان أكمل ،فلمّا اختلفت الجهة ل القاضي بأن يتّفقا ؛ ل ّ بدّ من التّفاق ،فإن اختاراه من حيث الزّمان يقرع في البداية نفيا للتهمة . وعند الشّافعيّة :إن تراضيا بالمهايأة وتنازعا في البداءة بأحدهما أقرع بينهما ،ولكلّ منهما الرجوع عن المهايأة ،بناءً على أنّه ل إجبار فيها ،فإن رجع أحدهما عنها بعد استيفاء المدّة أو بعضها لزم المستوفي للخر نصف أجرة المثل لما استوفى ،كما إذا تلفت العين المستوفي أحدهما منفعتها فإنّه يلزم المستوفي نصف أجرة المثل ،فإن تمانعا وأصرّا أجّرها القاضي عليهما ،ووزّع الجرة عليهما بقدر حصّتهما ،ول يبيعها عليهما ،وإن اقتسماها بالتّراضي ثمّ ظهر عيب بنصيب أحدهما فلهما الفسخ . وذكر ابن البنّاء من الحنابلة في الخصال :أنّ الشّركاء إذا اختلفوا في منافع دار بينهما أنّ الحاكم يجبرهم على قسمها بالمهايأة أو يؤجّرها عليهم .
أثر المهايأة :
8
ن للمتهايئين استغلل محلّ المهايأة ،والنتفاع بها كل في قسمه ، -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
زمان ّي ًة كانت أم مكان ّيةً . وتفصيل ذلك في ( :قسمة ف /
61
).
واختلفوا في الكساب النّادرة للعبد المشترك بين مالكين أو فيمن بعضه حر بينه وبين مالك باقيه ،كاللقطة والهبة والرّكاز والوصيّة ،وكذا المؤن النّادرة كأجرة الطّبيب والحجّام . فالظهر عند الشّافعيّة ووجه عند الحنابلة أنّها تدخل في المهايأة ،كما تدخل الكساب العامّة والمؤن العامّة ،فتكون -أي الكساب النّادرة -لذي النّوبة ،والمؤن عليه إلّا أرش الجناية . ن الكسب النّادر ل يدخل في المهايأة ،فل يختص به ومقابل الظهر والوجه الثّاني للحنابلة أ ّ من هو في نوبته . واختلفوا في كسوة العبد المشترك :فذهب الحنفيّة إلى أنّ الشّريكين إن شرطا طعام العبد ن العادة جرت بالمسامحة من الطّعام دون على من يخدمه جاز ،وفي الكسوة ل يجوز ؛ ل ّ الكسوة . وذهب الشّافعيّة :إلى أنّها تدخل في المهايأة ،ويراعى فيها قدر النّوبة حتّى تبقى على الشتراك ،إن جرت المهايأة مياومةً . وقال الحنابلة في نفقة الحيوان :إنّها تجب مدّة كلّ واحد عليه ،وقالوا :إن كان بينهما نهر ق ك ّل واحد منهما من الماء أو قناة أو عين نبع ماؤها فالنّفقة لحاجة بقدر حقّهما ،أي ح ّ كالعبد المشترك ،والماء بينهما على ما شرطاه عندما استخرجاه .
الضّمان في المهايأة :
9
-اختلف الفقهاء في يد المتهايئين على محلّ المهايأة هل هي يد ضمان أو يد أمانة ؟
فذهب الحنفيّة والشّافعيّة :إلى أنّ يد كلّ واحد من المتهايئين يد أمانة ،ولذا ل ضمان عليه إذا عطب أحد الخادمين في خدمة من شرط له هذا الخادم ،وكذا لو انهدم المنزل من سكنى من شرطت له ،أو احترق من نار أوقدها فيه . وذهب الحنابلة إلى أنّ المهايأة كالعارية ،ولذا فتكون اليد فيها يد ضمان . وفي مطالب أولي النهى :ويتّجه أنّه لو تلف الحيوان المتهايأ عليه يضمن ،أي يضمنه من تلفت تحت يده في مدّته ؛ لنّه كالعارية بالنّسبة لنصيب شريكه ،وهو مضمون على كلّ حال إلّا في صورة أوردها صاحب القناع وهي :إن سلّم شريك إلى شريكه الدّابّة المشتركة فتلفت بل تفريط ول تعد من غير انتفاع ونحوه لم يضمن .
َمهْر *
التّعريف : 1
-المهر في اللغة :صداق المرأة ،وهو :ما يدفعه الزّوج إلى زوجته بعقد الزّواج ،
والجمع مهور ومهورة .يقال :مهرت المرأة مهرا :أعطيتها المهر ،وأمهرتها -باللف- كذلك ،والثلثي لغة بني تميم وهي أكثر استعمالً . وأمّا في الصطلح فقد عرّفه الشّافعيّة فقالوا :هو ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهرا . وللمهر تسعة أسماء :المهر ،والصّداق ،والصّدقة ،والنّحلة ،والفريضة ،والجر ، والعلئق ،والعقر ،والحباء . النّفقة : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-النّفقة في اللغة اسم من النفاق ومن معانيها :ما ينفق من الدّراهم ونحوها ،والزّاد ،
وما يفرض للزّوجة على زوجها من مال للطّعام والكساء والسكنى والحضانة ونحوها ، والجمع :نفقات ونفاق . والنّفقة شرعا هي :الطّعام والكسوة والسكنى . والصّلة بين المهر والنّفقة وجوب كل منهما للزّوجة ،إلّا أنّ النّفقة تجب جزاءً للحتباس في حين يجب المهر إبان ًة لشرف المحلّ . يتعلّق بالمهر أحكام منها :
الحكام المتعلّقة بالمهر : حكم ذكر المهر في عقد النّكاح
3
حلّ َلكُم مّا َورَاء ذَ ِل ُكمْ أَن تَبْ َتغُواْ ِبَأ ْموَا ِلكُم } -المهر واجب في كلّ نكاح لقوله تعالى َ { :وُأ ِ
ن ذكر المهر في العقد ليس شرطا لصحّة النّكاح فيجوز إخلء فقد قيّد الحلل به ،إلّا أ ّ النّكاح عن تسميته باتّفاق الفقهاء لقوله تعالى ّ { :ل جُنَاحَ عَلَ ْيكُ ْم إِن طَّلقْ ُتمُ ال ّنسَاء مَا َلمْ ضةً } حكم بصحّة الطّلق مع عدم التّسمية ،ول يكون الطّلق َت َمسّوهُنّ َأ ْو َتفْرِضُواْ َلهُنّ فَرِي َ إلّا في النّكاح الصّحيح . ن ابن مسعود رضي اللّه عنه « سئل عن رجل تزوّج امرأةً ولم يفرض لها صداقا وروي أ ّ ولم يدخل بها حتّى مات ،فقال ابن مسعود :لها مثل صداق نسائها ل وكس ول شطط وعليها العدّة ولها الميراث ،فقام معقل بن سنان الشجعي فقال « :قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ِبرْوع بنت واشق امرأة منّا مثل ما قضيت » ،ولنّ القصد من النّكاح الوصلة والستمتاع دون الصّداق فصحّ من غير ذكره كالنّفقة .
وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه يستحب تسمية المهر للنّكاح ،لنّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يخلّ نكاحا عنه ،ولنّه أدفع للخصومة . 4
-وأمّا إذا شرط نفي المهر في النّكاح كأن تزوّجها بشرط أن ل مهر لها فقد اختلف
الفقهاء في حكم هذا النّكاح : فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى صحّة النّكاح . وأمّا المالكيّة فل يصح النّكاح عندهم عند اشتراط نفي المهر ،حيث إنّهم يعتبرون المهر ركنا من أركان النّكاح ويقولون :ومعنى كونه ركنا أنّه ل يصح اشتراط إسقاطه . وللتّفصيل فيما تستحقه الزّوجة عند التّصريح بنفي المهر أو عدم تسميته . ض ف ، 8 - 7 /مفوّضة ) . ( ر :تفوي ٌ
حكمة وجوب المهر في عقد النّكاح :
5
-قال الكاساني :لو لم يجب المهر بنفس العقد ل يبالي الزّوج عن إزالة هذا الملك بأدنى
خشونة تحدث بينهما ،لنّه ل يشق عليه إزالته لمّا لم يخف لزوم المهر ،فل تحصل المقاصد المطلوبة من النّكاح ،ولنّ مصالح النّكاح ومقاصده ل تحصل إلّا بالموافقة ول تحصل الموافقة إلّا إذا كانت المرأة عزيز ًة مكرّمةً عند الزّوج ،ول عزّة إلّا بانسداد طريق ن ما ضاق طريق إصابته يعز في العين فيعز به الوصول إليها إلّا بمال له خطر عنده ،ل ّ إمساكه ،وما تيسّر طريق إصابته يهون في العين فيهون إمساكه ،ومتى هانت في أعين الزّوج تلحقها الوحشة فل تقع الموافقة ول تحصل مقاصد النّكاح . 6
-المهر الواجب نوعان :
أنواع المهر :
أ -المهر المسمّى :وهو العوض المسمّى في عقد النّكاح والمسمّى بعده لمن لم يسمّ لها في العقد . ب -مهر المثل :وهو القدر الّذي يرغب به في أمثال الزّوجة .
المعتبر في مهر المثل :
7
-اختلف الفقهاء فيمن يعتبر بها مهر المثل من قريبات الزّوجة :
ن مهر مثل الزّوجة يعتبر بأخواتها وعمّاتها فذهب الحنفيّة وأحمد في رواية حنبل عنه إلى أ ّ وبنات أعمامها لقول ابن مسعود رضي اللّه عنه " :لها مهر مثل نسائها ل وكس فيه ول ن النسان من جنس قوم أبيه وقيمة الشّيء إنّما تعرف ن أقارب الب ،ول ّ شطط " وه ّ بالنّظر في قيمة جنسه ،ول يعتبر مهر مثلها بأمّها وخالتها إذا لم تكونا من قبيلتها ،فإن كانت الم من قوم أبيها بأن كانت بنت عمّه فحينئ ٍذ يعتبر بمهرها لمّا أنّها من قوم أبيها .
وأضاف الحنفيّة :يعتبر في مهر المثل أن تتساوى المرأتان في السّنّ والجمال والعقل ن مهر المثل يختلف باختلف الدّار والعصر ،قالوا :ويعتبر والدّين والبلد والعصر ل ّ التّساوي أيضا في البكارة لنّه يختلف بالبكارة والثيوبة . قال الكمال بن الهمام :بمجرّد تحقق القرابة المذكورة ل يثبت صحّة العتبار بالمهر حتّى ل ودينا وبكار ًة وأدبا وكمال خلق وعدم ولد وفي تتساويا جما ًل ومالً وبلدا وعصرا وعق ً العلم أيضا فلو كانت من قوم أبيها لكن اختلف مكانهما أو زمانهما ل يعتبر بمهرها لنّ البلدين تختلف عادة أهلهما في المهر في غلئه ورخصه فلو زوّجت في غير البلد الّذي زوّج فيه أقاربها ل يعتبر بمهورهنّ . وقيل :ل يعتبر الجمال في بيت الحسب والشّرف بل في أوساط النّاس ،قال ابن الهمام في تعليقه على هذا القول :وهذا جيّد . وقالوا يعتبر حال الزّوج أيضا بأن يكون زوج هذه كأزواج أمثالها من نسائها في المال والحسب وعدمهما ،فإن لم تكن واحدةً من قوم الب بهذه الصّفات فأجنبيّة موصوفة بذلك ، وفي الخلصة :ينظر في قبيلة أخرى مثل قبيلة أبيها . وعن أبي حنيفة ل يعتبر بالجنبيات ،قال الكمال بن الهمام :ويجب حمل هذا القول على ما إذا كان لها أقارب وإلّا امتنع القضاء بمهر المثل . وقال المالكيّة :الصل في مهر المثل اعتبار أربع صفاتٍ :الدّين والجمال والحسب والمال ، ش ْرطِ التّساوي الزمنة والبلد إلّا أن تكون لهم عادة مستمرّة في تعيين المهر فيصار ومِنْ َ إليه ،وفي كتاب محمّد :يعتبر شبابها وجمالها في زمنها ورغبة النّاس فيها ،وينظر في الزّوج فإن زوّجوه إرادة صلته ومقاربته خفّف عنه ،وإن كان على غير ذلك كمّل لها صداق المثل . وقالوا :ل ينظر في تحديد مهر مثل الزّوجة إلى أختها وقرابتها إذ يزوّج الفقير لقرابته والبعيد لغناه ،وإنّما ينظر لمثلها من مثله . وقال الشّافعيّة :يراعى في مهر المثل أقرب من تنسب من نساء العصبة وأقربهنّ أخت لبوين ثمّ لب ثمّ بنات أخ لبوين ثمّ لب ثمّ عمّات لبوين ثمّ لب ،فإن فقد نساء العصبة أو لم ينكحن أو جهل مهرهنّ فيعتبر مهرها بأرحامها تقدّم القربى فالقربى كجدّات وخالتٍ ، ويعتبر مع ما تقدّم المشاركة في الصّفات المرغّبة كسنّ وعقل ويسار وبكارة وثيوبة ن المهور تختلف باختلف هذه الصّفات . ض كالعلم والشّرف ل ّ وفصاحة وما اختلف به غر ٌ ومتى اختصّت بفضل أو نقصٍ ليس في النّسوة المعتبرات مثله ،زيد أو نقص بقدر ما يليق به .
ويعتبر غالب عادة النّساء فلو سامحت واحدة لم يجب موافقتها إلّا أن يكون لنقص دخل في النّسب وفترة الرّغبات ولو خفضن للعشيرة دون غيرهم أو عكسه أعتبر ذلك . وذهب الحنابلة إلى أنّه يعتبر مهر المثل بمن يساوي الزّوجة من جميع أقاربها من جهة ن القربى فالقربى أبيها وأمّها كأختها وعمّتها وبنت أخيها وبنت عمّها وأمّها وخالتها وغيره ّ ن مطلق القرابة له أثر في لحديث ابن مسعود رضي اللّه عنه " لها مثل مهر نسائها " ؛ ول ّ الجملة . ويعتبر التّساوي في المال والجمال والعقل والدب والسّنّ والبكارة أو الثيوبة والبلد ن مهر المثل بدل متلف فاعتبرت الصّفات وصراحة نسبها وكلّ ما يختلف لجله المهر ،ل ّ المقصودة فيه ،فإن لم يكن في نسائها إلّا دونها زيدت بقدر فضيلتها القربى فالقربى ،لنّ زيادة فضيلتها تقتضي زيادة مهرها فتقدّر الزّيادة بقدر الفضيلة ،وإن لم يوجد في نسائها ن له أثرا في تنقيص المهر فوجب أن إلّا فوقها نقصت بقدر نقصها كأرش العيب ،ول ّ يترتّب بحسبه . وتعتبر عادة نسائها في تأجيل المهر أو بعضه وفي غيره من العادات كالتّخفيف عن ن دون غيرهم ،وكذا لو كان عادتهم التّخفيف لنحو شرف الزّوج أو يساره ،إجراءً عشيرته ّ لها على عادتهنّ . ن في الحلول والتّأجيل أو اختلفت المهور قّلةً وكثر ًة أخذ بمهر وسط حال فإن اختلفت عادته ّ من نقد البلد ،فإن تعدّد فمن غالبه كقيم المتلفات ،وإن لم يكن لها أقارب من النّساء أعتبر شبهها بنساء بلدها ،فإن عدمت نساء بلدها فالعتبار بأقرب النّساء شبها بها من أقرب بلد إليها .
شروط المخبر بمهر المثل :
8
ل وامرأتين -صرّح الحنفيّة بأنّه يشترط أن يكون المخبر بمهر المثل رجلين أو رج ً
ويشترط لفظة الشّهادة ،فإن لم يوجد على ذلك شهود فالقول قول الزّوج مع يمينه .
ما يصح تسميته مهرا :
9
-الصل عند جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " أنّ كلّ ما جاز أن يكون
ثمنا أو مثمّنا أو أجرةً جاز جعله صداقا . قال الدّردير :يشترط في المهر شروط الثّمن من كونه متم ّولً طاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه معلوما . وقال الشّربيني الخطيب :كل ما صحّ كونه عوضا معوّضا عينا أو دينا أو منفعةً كثيرا أو ل -ما لم ينته في القلّة إلى حد ل يتموّل -صحّ كونه صداقا ،وما ل فل . قلي ً
وقال ابن قدامة :كل ما جاز ثمنا في البيع أو أجرةً في الجارة من العين والدّين والحالّ والمؤجّل والقليل والكثير ،ومنافع الح ّر والعبد وغيرهما جاز أن يكون صداقا . وصرّح الحنفيّة بأنّ المهر ما يكون مالً متقوّما عند النّاس فإذا سمّيا ما هو مال يصح التّسمية وما ل فل . وقالوا :التّسمية ل تصح مع الجهالة الفاحشة وتصح مع الجهالة المستدركة . وقد نشأ عن اختلف الفقهاء في مدلول المال -كما سبق تفصيله في مصطلح ( مال ف /
2
) -اختلفهم في بعض ما تصح تسميته مهرا نذكرها فيما يأتي :
جعل المنفعة مهرا :
10
-ذهب المالكيّة في المشهور والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز أن تكون المنفعة صداقا
ن ك ّل ما يجوز أخذ العوض عنه يصح تسميته صداقا ،فيصح أن جريا على أصلهم من أ ّ يجعل منافع داره أو دابّته أو عبده سنةً صداقا لزوجته ،أو يجعل صداقها خدمته لها في زرع أو بناء دار أو خياطة ثوب ،أو في سفر الحجّ مثلً . قال ابن الحاجب :في كون الصّداق منافع كخدمته مدّةً معيّنةً أو تعليمه قرآنا منعه مالك وكرهه ابن القاسم وأجازه أصبغ ،وإن وقع مضى على المشهور . وقال الحنابلة :إن تزوّج الحر امرأةً على منافعه مدّ ًة معلومةً فعلى روايتين إحداهما :يصح وهو المذهب ،والرّواية الثّانية :ل يصح . وذكر ابن تيميّة :أنّ مح ّل الخلف يختص بالخدمة ،لما فيه من المهنة والمنافاة . ثمّ الّذين اتّفقوا في الجملة على جواز جعل المنافع مهرا اختلفوا فيما بينهم في عدّة مسائل منها :
أ -جعل تعليم القرآن مهرا للمرأة :
11
-أجاز الشّافعيّة وأحمد في أحد القولين ،وأصبغ من المالكيّة جعل تعليم القرآن مهرا .
واشترط الشّافعيّة لجواز جعل تعليم القرآن مهرا شرطين : الشّرط الوّل :العلم بالمشروط تعليمه بأحد طريقين : الطّريق الوّل :بيان القدر الّذي يعلّمه بأن يقول كل القرآن أو السبع الوّل أو الخير . الطّريق الثّاني :التّقدير بالزّمان بأن يصدقها تعليم القرآن شهرا ويعلّمها فيه ما شاءت . والشّرط الثّاني :أن يكون المعقود على تعليمه قدرا في تعليمه كلفةً . وذهب مالك وأحمد في القول الثّاني وهو اختيار أبي بكر إلى أنّه ل يجوز جعل تعليم القرآن ن تعليم القرآن ل يجوز أن يقع أو شيء منه مهرا ،لنّ الفروج ل تستباح إلّا بالموال ،ول ّ إلّا قربةً لفاعله فلم يصحّ أن يكون صداقا كالصّوم والصّلة .
وكَرِه ابن القاسم ذلك في كتاب محمّد ،فإن وقع مضى في قول أكثر المالكيّة .
ب -نكاح المرأة على إحجاجها :
12
ن الحملن مجهول -صرّح الحنابلة بعدم صحّة تسمية نكاح المرأة على إحجاجها مهرا ل ّ
ح ،كما لو أصدقها شيئا ،فعلى هذا لها مهر المثل .واختلفت ل يوقف له على حد فلم يص ّ أقوال المالكيّة في المسألة : فقد روى يحيى عن ابن القاسم في نكاحها على إحجاجها أنّه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده ويجب صداق المثل إلّا أن يكون مع الحجّة غيرها فيجوز . وقال ابن حبيب :وليس يعجبني ول رأيت أصبغ وغيره من أصحاب مالك يعجبهم ورأيتهم يرونه جائزا ،لنّ ذلك يرجع إلى حجّة مثلها في النّفقة والكراء والمصلحة ،وقال :أمنعه من الدخول حتّى يحجّها أو يعطيها مقدار ما يشبه مثلها من النّفقة والمصلحة والتّداوي في بعد سفرها أو قربه فتكون قد قبضت صداقها فإن شاءت حجّت به وإن شاءت تركته . ن المنافع ليست أموالً متقوّمةً في ح ّد ذاتها ،إلّا أنّهم أجازوا جعل وذهب الحنفيّة إلى أ ّ المنافع مهرا في صور معيّنة نذكرها فيما يلي :
أ -منافع العيان :
13
-منافع العيان تصح تسميتها مهرا في عقد النّكاح .
قال الكاساني :لو تزوّجها على منافع سائر العيان من سكنى داره وخدمة عبيده وركوب دابّته والحمل عليها وزراعة أرضها ونحو ذلك من منافع العيان مدّ ًة معلومةً صحّت التّسمية لنّ هذه المنافع أموال ،والتحقت بالموال شرعا في سائر العقود لمكان الحاجة ، والحاجة في النّكاح متحقّقة وإمكان الدّفع بالتّسليم ثابت بتسليم محالّها .
ب -منافع الحرّ :
ذكر الحنفيّة عدّة صور لجعل منفعة الحرّ صداقا لزوجته منها :
جعل الح ّر مهر زوجته خدمتها :
14
-لو تزوّج حر امرأةً على أن يخدمها سنةً فالتّسمية فاسدة ولها مهر مثلها في قول أبي
حنيفة وأبي يوسف . وعند محمّد التّسمية صحيحة ولها قيمة خدمة سنة . ن المنافع وقال الكاساني في معرض الستدلل لما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف :أ ّ ليست بأموال متقوّمة على أصل أصحابنا ولهذا لم تكن مضمونةً بالغصب والتلف وإنّما يثبت لها حكم التّقوم في سائر العقود شرعا ضرور ًة دفعا للحاجة بها ول يمكن دفع الحاجة ن استخدام الحرّة ن الحاجة ل تندفع إلّا بالتّسليم ،وأنّه ممنوع عنه شرعا ،ل ّ بها هاهنا ل ّ
زوجها الح ّر حرام لكونه استهانةً وإذللً وهذا ل يجوز ،ولهذا ل يجوز لبن أن يستأجر أباه للخدمة ،فل تسلّم خدمته لها شرعا ،فل يمكن دفع الحاجة بها ،فلم يثبت لها التّقوم ، فبقيت على الصل فصار كما لو سمّى ما ل قيمة له كالخمر والخنزير وهناك ل تصح التّسمية ويجب مهر المثل كذا هاهنا . ودلّل علء الدّين السّمرقندي لما ذهب إليه محمّد من صحّة التّسمية ووجوب قيمة الخدمة في هذه الصورة ،وقال :إنّ التّسمية قد صحّت لكن تعذّر التّسليم عليه ،لنّه ل يجوز لها استخدامه بل عليها خدمة الزّوج فيجب قيمة الخدمة ،كما لو تزوّج على عبد فاستحقّ ، تجب قيمته ل مهر المثل كهذا هذا . ن خدمة العبد وإن تزوّج عبد امرأةً بإذن موله على خدمته سن ًة جاز ولها الخدمة ،ل ّ خالص ملك المولى فصحّت التّسمية . وجاء في الفتاوى الهنديّة :ولو كان الزّوج عبدا فلها خدمته بالجماع .
جعل الح ّر مهر زوجته عملً ل مهانة فيه :
15
ل ل استهانة فيه ول مذلّة على الرّجل كرعي -قال الكاساني :لو كان المهر المسمّى فع ً
ن ذلك من باب القيام دوابّها وزراعة أرضها والعمال الّتي خارج البيت تصح التّسمية ،ل ّ بأمر الزّوجة ل من باب الخدمة . ومن مشايخ الحنفيّة من جعل في رعي غنمها روايتين ،ومنهم من قال يصح في رعي الغنم بالجماع . وجاء في الفتاوى الهنديّة :لو تزوّجها على أن يرعى غنمها أو يزرع أرضها ،في رواية ل يجوز وفي رواية جاز ،والوّل رواية الصل والجامع -وهو الصح كما في النّهر الفائق والصّواب أن يسلّم لها إجماعا ،استدللً بقصّة موسى وشعيب عليهما السلم ،وشريعةص اللّه تعالى أو رسوله بل إنكار . من قبلنا تلزمنا إذا ق ّ
جعل الح ّر مهر زوجته تعليمها القرآن :
16
-قال الحنفيّة :إذا تزوّج حر امرأ ًة على تعليم القرآن أو على تعليم الحلل والحرام من
الحكام أو على الحجّ والعمرة من الطّاعات ل تصح التّسمية ،لنّ المسمّى ليس بمال فل يصير شيء من ذلك مهرا . قال في الفتاوى الهنديّة :لو تزوّج امرأةً على أن يعلّمها القرآن كان لها مهر مثلها .
الجمع بين المال والمنفعة في الصّداق :
17
-قال الحنفيّة :لو جمع بين ما هو مال وبين ما ليس بمال لكن للزّوجة فيه منفعة إن
كان شيئا يباح لها النتفاع به كطلق الضّرّة والمساك في بلدها ونحو ذلك ،فإن وَفّى
بالمنفعة وأوصل إليها فإنّه ل يجب إلّا المسمّى إذا كان عشرة دراهم فصاعدا ،لنّها أسقطت حقّها عن مهر المثل لغرض صحيح وقد حصل ،وإن لم يف بما َوعَدَ لها :إن كان ما سمّى لها من المال مثل مهر المثل أو أكثر فل شيء لها إلّا ذلك المسمّى ،وإن كان ما سمّى لها أقلّ من مهر مثلها يكمّل لها مهر مثلها ،لنّها لم ترض بإسقاط حقّها من كمال مهر المثل إلّا بغرض مرغوب فيه عند النّاس وحلل شرعا ،فإذا لم يحصل الغرض يعود حقها إلى المعوّض وهو المهر . وقال ابن القاسم من المالكيّة -فيما رواه عنه يحيى -أنّه إذا لم يكن مع المنافع صداق يفسخ النّكاح قبل البناء ويثبت بعده ،ويكون لها صداق مثلها ،وتسقط الخدمة ،فإن كان خدم رجع عليها بقيمة الخدمة .
مقدار المهر :
18
-ل خلف بين الفقهاء في أنّه ل حدّ لكثر المهر ،لقوله تعالى { :وَآتَيْ ُت ْم إِحْدَاهُنّ
قِنطَارا } . وفي القنطار أقاويل منها :أنّه المال الكثير ،وهذا قول الرّبيع . ن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه قام خطيبا فقال " :ل تُغالوا في صدقات حكى الشّعبي أ ّ النّساء فما بلغني أنّ أحدا ساق أكثر ممّا ساقه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إلّا جعلت الفضل في بيت المال ،فاعترضته امرأة من نساء قريشٍ فقالت :يعطينا اللّه وتمنعنا ،كتاب اللّه أحق أن يتّبع ،قال اللّه تعالى { :وَآتَيْ ُتمْ ِإحْدَاهُنّ قِنطَارا فَلَ َت ْأخُذُواْ مِ ْن ُه شَيْئا } فرجع عمر ،وقال :كل أحد يصنع بماله ما شاء " . 19
-وأمّا أقل المهر فقد اختلف الفقهاء فيه :
فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ أق ّل المهر غير مقدّر بل كل ما جاز أن يكون ثمنا أو مبيعا أو أجرةً أو مستأجرا جاز أن يكون صداقا ق ّل أو كثر ما لم ينته في القلّة إلى حد ل يتموّل . وبه قال من الصّحابة عمر بن الخطّاب وعبد اللّه بن عبّاسٍ رضي ال عنهم ،وهو قول ي وسعيد بن المسيّب وعطاء وعمرو بن دينار وابن أبي ليلى والثّوريّ الحسن البصر ّ ي واللّيث وإسحاق وأبي ثور . والوزاع ّ ج ابنته على صداق درهمين وقال :لو أصدقها سوطا لحلّت . ي أنّ سعيدا زوّ َ وحُكِ َ وذهب الحنفيّة والمالكيّة وسعيد بن جبير والنّخعيّ وابن شبرمة إلى أنّ المهر مقدّر القلّ . ثمّ اختلف هذا الفريق في أدنى المقدار الّذي يصلح مهرا . ض ًة أو ما قيمته عشرة دراهم واستدلوا فذهب الحنفيّة إلى أنّ أق ّل المهر عشرة دراهم ف ّ حلّ َلكُم مّا وَرَاء ذَ ِل ُكمْ أَن تَبْ َتغُواْ بِ َأ ْموَا ِلكُم } ،شرط سبحانه وتعالى أن بقوله تعالى َ { :وأُ ِ
يكون المهر مالً ،ول يطلق اسم المال على الحبّة والدّانق ،فل يصلح مهرا ،وبما روي عن جابر رضي ال عنه عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :ل مهر دون عشرة دراهم » . وعن عمر وعلي وعبد اللّه بن عمر رضي ال عنهم أنّهم قالوا :ل يكون المهر أقلّ من عشرة دراهم .قال الكاساني :والظّاهر أنّهم قالوا ذلك توقيفا ؛ لنّه باب ل يوصل إليه ل بقوله تعالى { :قَدْ ن المهر حق الشّرع من حيث وجوبه عم ً بالجتهاد والقياس ،ول ّ ج ِهمْ } ،وكان ذلك لظهار شرف المحلّ فيتقدّر بماله خطر - عَ ِلمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَ ْي ِهمْ فِي َأ ْزوَا ِ وهو العشرة -استدللً بنصاب السّرقة ،لنّه يتلف به عضو محترم ،فلن يتلف به منافع بضع كان أولى . ن أقلّ المهر عشرة ،فإذا سمّى أقلّ من عشرة فتصح التّسمية عند أبي حنيفة وإذا ثبت أ ّ وأبي يوسف ومحمّد ،ويكمل المهر عشرة دراهم ،لنّ التّقدير حق الشّرع ،فمتى قدّر ق الشّرع ،فيجب بأق ّل من عشرة فقد أسقطا حقّ أنفسهما ورضيا بالق ّل فل يصح في ح ّ أدنى المقادير وهو العشرة . ن تسمية ما ل يصلح مهرا كانعدامه ،كما في تسمية الخمر وقال زفر :لها مهر المثل ل ّ والخنزير . ضةً خالص ًة من الغشّ ، ن أقلّ المهر ربع دينار ذهبا شرعيّا أو ثلثة دراهم ف ّ ويرى المالكيّة أ ّ أو عرض مقوّم بربع دينار ،أو ثلثة دراهم من كلّ متموّل شرعا طاهر منتفع به معلوم - قدرا وصنفا وأجلً -مقدور على تسليمه للزّوجة . وقال ابن شبرمة :أقل المهر خمسة دراهم أو نصف دينار . ي :أقل المهر أربعون درهما ،وعنه :عشرون درهما ،وعنه :رطل وقال إبراهيم النّخع ّ من الذّهب . وقال سعيد بن جبير :أقله خمسون درهما .
المغالة في المهر :
20
-ذهب الفقهاء إلى استحباب عدم المغالة في المهور ،لما روت عائشة رضي ال عنها
عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :مِنْ ُي ْمنِ المرأة تسهيل أمرها وقلّة صداقها» ، ي صلى ال عليه وسلم قال « :خيرهنّ أيسرهنّ ن النّب ّ س رضي ال عنهما أ ّ وروى ابن عبّا ٍ ي صلى ال عليه وسلم قال « :تياسروا في الصّداق ،إنّ الرّجل صداقا » ،ورُوي أنّ النّب ّ يعطي المرأة حتّى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكةً » أي عداوةً أو حقدا .
وقال الماورديّ :الولى أن يعدل الزّوجان عن التّناهي في الزّيادة الّتي يقصر العمر عنها ، وعن التّناهي في النقصان الّذي ل يكون له في النفوس موقع ،وخير المور أوساطها ، وأن يقتدى برسول اللّه صلى ال عليه وسلم في مهور نسائه طلبا للبركة في موافقته صلى ال عليه وسلم ،وهو خمسمائة درهم على ما روته السّيّدة عائشة رضي ال عنها .فعن ي صلى ال عليه وسلم :كم أبي سلمة بن عبد الرّحمن أنّه قال « :سألت عائشة زوج النّب ّ كان صداق رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ؟ قالت :كان صداقه لزواجه ثِنتي عشرة أوق ّيةً ونشّا .قالت :أتدري ما النّشّ ؟ قال :قلت :ل ،قالت :نصف أوقيّة ،فتلك خمسمائة درهم ،فهذا صداق رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لزواجه » .
الزّيادة في المهر والحط منه :
21
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ الزّيادة في المهر بعد العقد تلحق به ،
ضةِ } . علَ ْيكُمْ فِيمَا َترَاضَيْتُم ِبهِ مِن َبعْدِ ا ْلفَرِي َ واستدلوا بقوله تعالى َ { :و َل جُنَاحَ َ ن ما بعد العقد زمن لفرض المهر فكان فإنّه يتناول ما تراضيا على إلحاقه وإسقاطه ،ول ّ حالة الزّيادة كحالة العقد . جاء في الفتاوى الهنديّة :الزّيادة في المهر صحيحة حال قيام النّكاح عند علمائنا الثّلثة " أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد " ،فإذا زادها في المهر بعد العقد لزمته ،هذا إذا قبلت المرأة الزّيادة ،سواء كانت من جنس المهر أو ل ،من زوج أو من ولي . والزّيادة إنّما تتأكّد بأحد معان ثلثة :إمّا بالدخول وإمّا بالخلوة وإمّا بموت أحد الزّوجين ، فإن وقعت الفرقة بينهما من غير هذه المعاني الثّلثة بطلت الزّيادة وتنصّف الصل ول تنتصف الزّيادة ،وعن أبي يوسف أنّه تنتصف الزّيادة . وقال زفر :إن زاد لها في المهر بعد العقد ل تلزمه الزّيادة ،لنّه لو صحّ بعد العقد لزم كون الشّيء بدل ملكه . ح الحط عند الحنفيّة ولو بشرط كما لو تزوّجها وإن حطّت الزّوجة عن زوجها مهرها ص ّ ن المهر بقاء حقّها والحط يلقيه حالة بمائة دينار على أن تحطّ عنه خمسين منها فقبلت ل ّ البقاء ،ويصح الحط ولو بعد الموت أو البينونة . وصرّح الحنفيّة بأنّ حطّ وليّ الزّوجة غير صحيح ،فإن كانت الزّوجة صغيرةً فالحط باطل ، وإن كانت كبير ًة توقّف على إجازتها . ن الحطّ ثمّ يشترط في صحّة الحطّ أن يكون المهر دراهم أو دنانير ،فلو كان عينا ل يصح ل ّ ل يصح في العيان ،ومعنى عدم صحّته أنّ لها أن تأخذه ما دام قائما ،فلو هلك في يده ن المهر صار مضمونا بالقيمة في ذمّته فيصح السقاط . سقط المهر عنه ل ّ
كما يشترط لصحّة حطّها أن ل تكون مريضةً مرض الموت لنّ الحطّ في مرض الموت وصيّة تتوقّف على الجازة ،إلّا أن تكون مبان ًة من الزّوج وقد انقضت عدّتها فينفذ من الثلث . ول ب ّد لصحّة حطّها من الرّضا حتّى لو كانت مكره ًة لم يصحّ ،فلو خوّف امرأته بضرب حتّى وهبت مهرها ل يصح إن كان قادرا على الضّرب . ولو اختلفا في الكراهية والطّوع -ول بيّنة -فالقول لمدّعي الكراه ،ولو أقاما البيّنة فبيّنة الطّواعية أولى . وقال المالكيّة :إذا وهبت الزّوجة من زوجها جميع صداقها ،ثمّ طلّقها قبل البناء لم يرجع عليها بشيء ،وكأنّها عجّلت إليه بالصّداق ،ولنّها لمّا لم يستق ّر ملكها عليه على المشهور ،وانكشف الن أنّها إنّما تملك منه النّصف ،وافقت هبتها ملكها وملكه ،فنفذت في ملكها دون ملكه . ولو وهبت منه نصف الصّداق ثمّ طلّقها فله الربع ،وكذلك إن وهبته أكثر من النّصف أو أقلّ ،فله نصف ما بقي لها بعد الهبة . وقالوا :يجوز للب أن يسقط نصف صداق ابنته البكر إذا طلقت قبل البناء . وذهب الشّافعيّة في الظهر إلى أنّ الزّوجة لو وهبت المهر لزوجها بلفظ الهبة بعد قبضها له والمهر عين -ثمّ طلّق ،أو فارق بغير طلق -كردّة قبل الدخول -فله نصف بدلالمهر من مثل أو قيمة ،لنّه ملك المهر قبل الطّلق من غير جهة الطّلق . وفي مقابل الظهر ل شيء له لنّها عجّلت له ما يستحق بالطّلق فأشبه تعجيل الدّين قبل الدخول . ولو كان الصّداق دينا فأبرأته منه لم يرجع على المذهب ،ولو وهبت له الدّين ،فالمذهب أنّه كالبراء ،وقيل كهبة العين . وصرّح الشّافعيّة على الجديد بأنّه :ليس للوليّ العفو عن مهر موليّته كسائر ديونها ، والقديم له ذلك بنا ًء على أنّه الّذي بيده عقدة النّكاح . وقال الحنابلة :إذا طلّق الزّوج زوجته قبل الدخول والخلوة وسائر ما يقرّر الصّداق ،فأي الزّوجين عفا لصاحبه عمّا وجب له من المهر -والعافي جائز التّصرف -برئ منه صاحبه ،سواء كان المعفو عنه عينا أو دينا ،فإن كان المعفو عنه دينا سقط بلفظ الهبة والتّمليك والسقاط والبراء والعفو والصّدقة والتّرك ،ول يفتقر إسقاطه إلى القبول كسائر الديون .
وإن كان المعفو عنه عينا في يد أحدهما فعفا الّذي هو في يده فهو هبة يصح بلفظ العفو والهبة والتّمليك ،ول يصح بلفظ البراء والسقاط ،لنّ العيان ل تقبل ذلك أصالةً ، ويفتقر لزوم العفو عن العين ممّن هي بيده إلى القبض فيما يشترط فيه القبض ،لنّ ذلك هبة حقيقة ول تلزم إلّا بالقبض ،والقبض في كلّ شيء بحسبه . ول يملك الب العفو عن نصف مهر ابنته الصّغيرة إذا طلقت -ولو قبل الدخول -كثمن مبيعها ،ول يملك الب أيضا العفو عن شيء من مهر ابنته الكبيرة إذا طلقت ولو قبل الدخول لنّه ل ولية له عليها . ول يملك غير الب من الولياء كالجدّ والخ والعمّ العفو عن شيء من مهر وليّته ولو طلقت قبل الدخول لنّه ل ولية لهم في المال .
تعجيل المهر وتأجيله :
22
-يرى الحنفيّة والشّافعيّة جواز كون كلّ المهر معجّلً أو مؤجّلً وجواز كون بعضه
ل وبعضه مؤجّلً . معجّ ً وصرّح الحنفيّة بأنّه إذا سمّى المهر في عقد النّكاح وأطلق فالمرجع في معرفة مقدار المعجّل من المهر هو العرف ،قال ابن الهمام :يتناول المعجّل عرفا وشرطا ،فإن كان قد شرط تعجيل كلّه فلها المتناع حتّى تستوفيه كلّه ،أو بعضه فبعضه . وإن لم يشترط تعجيل شيء بل سكتوا عن تعجيله وتأجيله :فإن كان عرف في تعجيل بعضه وتأخير باقيه إلى الميسرة أو الطّلق فليس لها أن تحتبس إلّا إلى تسليم ذلك القدر . قال في فتاوى قاضيخان :إن لم يبيّنوا قدر المعجّل ينظر إلى المرأة وإلى المهر :أنّه كم يكون المعجّل لمثل هذه المرأة من مثل هذا المهر ؟ فيعجّل ذلك ،ول يتقدّر بالربع والخمس بل يعتبر المتعارف ،فإنّ الثّابت عرفا كالثّابت شرطا بخلف ما إذا شرط تعجيل الك ّل إذ ل عبرة بالعرف إذا جاء الصّريح بخلفه . والحنفيّة متّفقون فيما بينهم على صحّة تأجيل المهر إلى غاية معلومة نحو شهر أو سنة . أما إذا كان التّأجيل ل إلى غاية معلومة فقد اختلف مشايخ الحنفيّة فيه : ن الغاية معلومة في نفسها وهو الطّلق أو الموت فعلى القول الصّحيح يصح هذا التّأجيل ل ّ . وبناءً على هذا الختلف تختلف آراء مشايخ الحنفيّة فيما إذا فرض نصف المهر معجّلً ونصفه مؤجّلً ولم يذكر الوقت للمؤجّل ،إذ قال بعضهم :ل يجوز الجل ويجب حالً ،وقال بعضهم يجوز ويقع ذلك على وقت وقوع الفرقة بالموت أو بالطّلق ،وروي عن أبي يوسف ما يؤيّد هذا القول .
والصل عند المالكيّة استحباب كون المهر معجّلً . ولو شرط الجل في الصّداق فقال عبد الملك :كان مالك وأصحابه يكرهون أن يكون شيء من المهر مؤخّرا ،وكان مالك يقول :إنّما الصّداق فيما مضى ناج ٌز كله ،فإن وقع منه شيء مؤخّرا فل أحب أن يطول الجل في ذلك . ويشترط فقهاء المالكيّة لجواز تأجيل الصّداق معلوميّة الجل حيث قالوا :وجاز تأجيل الصّداق كلً أو بعضا للدخول إن علم وقت الدخول عندهم كالشّتاء أو الصّيف ،ل إن لم يعلم ،فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل على المشهور . ن الدخول بيد المرأة فهو ومقابل المشهور جواز ذلك وإن لم يكن وقت الدخول معلوما ل ّ كالحالّ متى شاءت أخذته . وجاز تأجيل الصّداق إلى الميسرة إن كان الزّوج مليّا بالقوّة ،بأن كان له سلع يرصد بها السواق أو له معلوم في وقف أو وظيفة ،ل إن كان معدما ،ويفسخ قبل الدخول لمزيد الجهالة . وذكر ابن الموّاز عن ابن القاسم في تأخير الجل إلى السّنتين والربع ،وذكر عن ابن وهب إلى السّنة ،ثمّ حكي عن ابن وهب أنّه قال :ل يفسخ النّكاح إلّا أن يزيد الجل إلى أكثر من العشرين . وحكي عن ابن القاسم أنّه يفسخه إلى الربعين فما فوق ،ثمّ حكى أنّه يفسخه إلى الخمسين والسّتّين . ن الجل الطّويل مثل ما لو تزوّجها إلى موتٍ أو فراق . قال فضل بن سلمة :لنّهم قالوا :إ ّ وقال عبد الملك :وما قصر من الجل فهو أفضل وإن بعد لم أفسخه إلّا أن يجاوز ما قاله ابن القاسم ،وإن كانت الربعون في ذلك كثيرا . وإن كان بعض الصّداق مؤخّرا إلى غير أجل فإنّ مالكا كان يفسخه قبل البناء ويمضيه بعده، وترد المرأة إلى صداق مثلها معجّلً كله إلّا أن يكون صداق مثلها أق ّل من المعجّل فل تنقص منه ،أو أكثر من المعجّل ،والمؤجّل فتوفّى تمام ذلك إلّا أن يرضى النّاكح بأن يجعل المؤخّر ل كله مع النّقد منه فيمضي النّكاح ،فل يفسخ ل قبل البناء ول بعده ،ول ترد المرأة معجّ ً ل كله ،ورضيت المرأة أن تسقط المؤخّر إلى صداق مثلها ،فإن كره النّاكح أن يجعله معجّ ً وتقتصر على النّقد مضى النّكاح ول كلم للنّاكح . واستثنى ابن القاسم من هذا الحكم وجهاً واحدا وهو :إذا ردّت المرأة بعد البناء إلى صداق ن ابن القاسم قال :كما ل ينقص إذا مثلها فوجد صداق مثلها أكثر من المعجّل والمؤخّر فإ ّ قلّ صداق مثلها من مقدار المعجّل ،كذلك ل يزاد إذا ارتفع على مقدار ،المعجّل والمؤخّر .
وقال الشّافعيّة :يجوز أن يكون المهر حالً ومؤجّلً ،وللزّوجة حبس نفسها ولو بل عذر لتقبض المهر المعيّن والحالّ ،ل المؤجّل فل تحبس نفسها بسببه لرضاها بالتّأجيل . وذهب الحنابلة إلى أنّه يصح جعل بعض المهر حالً وبعضه يحل بالموت أو الفراق ،ول يصح تأجيل المهر إلى أجل مجهول كقدوم زيد . وإذا سمّى الصّداق في العقد وأطلق فلم يقيّد بحلول ول تأجيل صحّ ،ويكون الصّداق حالً لنّ الصل عدم الجل . وإن فرض الصّداق مؤجّلً أو فرض بعضه مؤجّلً إلى وقتٍ معلوم أو إلى أوقاتٍ كل جزء منه إلى وقتٍ معلوم صحّ لنّه عقد معاوضة فجاز ذلك فيه كالثّمن ،وهو إلى أجله ،سواء فارقها أو أبقاها كسائر الحقوق المؤجّلة . وإن أجّل الصّداق أو أجّل بعضه ولم يذكر محلّ الجل صحّ نصا ومحله الفرقة البائنة فل يحل مهر الرّجعيّة إلّا بانقضاء عدّتها .
قبض المهر :
23
ن للب والجدّ والقاضي قبض مهر البكر صغير ًة كانت أو كبير ًة إلّا -ذهب الحنفيّة إلى أ ّ
ح النّهي ،وليس لغيرهم ذلك ،والوصي يملك ذلك على الصّغيرة ، إذا نهت وهي بالغة ص ّ والبنت البالغة حق القبض لها دون غيرها . ن من يتولّى قبض المهر هو الولي المجبر " الب أو وصيه أو السّيّد " أو ويرى المالكيّة أ ّ ولي الزّوجة السّفيهة ،أما إذا لم يكن للسّفيهة وليّ ول مجبر فل يقبض صداقها إلّا الحاكم ،فإن شاء قبضه واشترى لها به جهازا وإن شاء عيّن لها من يقبضه ويصرفه فيما يأمره به ممّا يجب لها . فإن لم يكن حاكم ،أو لم يمكن الرّفع إليه ،أو خيف على الصّداق منه حضر الزّوج والولي والشّهود فيشترون لها بصداقها جهازا ويدخلونه في بيت البناء . فإن لم يكن مجبر ول ولي سفيهة من حاكم أو مقدّم عليها منه فالمرأة الرّشيدة هي الّتي تقبض مهرها ل من يتولّى عقدها إلّا بتوكيل منها في قبضه . فإن قبض المهر غير المجبر وولي السّفيهة والمرأة الرّشيدة بل توكيل ممّن له القبض فضاع ولو ببيّنة من غير تفريط كان ضامنا له لتعدّيه بقبضه ،واتّبعته الزّوجة أو تبعت الزّوج لتعدّيه بدفع المهر لغير من له قبضه . وقال الشّافعيّة :إنّ الب إذا قبض مهر ابنته لم يخل حالها من أحد أمرين :إمّا أن يكون موّلىً عليها ،أو رشيد ًة :
ى عليها لصغر أو جنون ،أو سفهٍ جاز له قبض مهرها لستحقاقه الولية فإن كانت موّل ً ح ولم يبرأ الزّوج منه إلّا أن يبادر الب إلى أخذه على مالها ،ولو قبضته من زوجها لم يص ّ منها فيبرأ الزّوج حينئذٍ منه . وإن كانت بالغةً عاقلةً رشيدةً فعلى ضربين : أحدهما :أن تكون ثيّبا ل تجبر على النّكاح ،فليس للب قبض مهرها إلّا بإذنها ،فإن قبضه بغير إذنها لم يبرأ الزّوج منه ،كما لو قبض لها دينا أو ثمنا . والضّرب الثّاني :أن تكون بكرا يجبرها أبوها على النّكاح فالصّحيح أنّه ل يملك قبض مهرها إلّا بإذنها ،فإن قبضه بغير إذن لم يبرأ الزّوج منه ،وجعل له بعض الشّافعيّة قبض مهرها لنّه يملك إجبارها على النّكاح كالصّغيرة . وذهب الحنابلة إلى أنّ للب والوليّ قبض مهر المحجور عليها لصغر أو سفهٍ أو جنون لنّه يلي مالها فكان له قبضه كثمن مبيعها . ول يقبض الب صداق مكلّفة رشيدة ولو بكرا إلّا بإذنها لنّها المتصرّفة في مالها فاعتبر إذنها في قبضه كثمن مبيعها ،فإن سلّم زوج رشيدة الصّداق للب بغير إذنها لم يبرأ الزّوج بتسليمه له فترجع هي على الزّوج لنّه مف ّرطٌ ويرجع هو على الب بما غرمه .
ضمان المهر :
24
ي مهر الزّوجة سواء كان ولي الزّوج أو الزّوجة، -صرّح الحنفيّة بأنّه يصح ضمان الول ّ
ي الكبير منهما فظاهر لنّه كالجنبيّ ،وأمّا ولي صغيرين كانا أو كبيرين ،أما ضمان ول ّ الصّغيرين فلنّه سفير ومعبّر . جاء في الفتاوى الهنديّة :زوّج ابنته الصّغيرة أو الكبيرة -وهي بكر أو مجنونة -رجلً ح ضمانه ،ثمّ هي بالخيار :إن شاءت طالبت زوجها أو وليّها إن وضمن عنه مهرها ص ّ ل لذلك ،ويرجع الولي بعد الداء على الزّوج إن ضمن بأمره . كانت أه ً ويشترط الحنفيّة لصحّة هذا الضّمان شرطين : الوّل :أن يكون الضّمان في حال صحّة الضّامن ،فلو كفل في مرض موته والمكفول عنه ح الضّمان لنّه تبرع لوارثه في مرض موته . أو المكفول له وارثه لم يص ّ قال في الفتاوى الهنديّة :إذا حصل الضّمان في مرض الموت فهو باطل ،لنّه قصد بهذا الضّمان إيصال النّفع إلى الوارث ،والمريض محجور عن ذلك فل يصح . الثّاني :قبول المرأة أو وليّها أو فضولي في مجلس الضّمان ،إذ ل تصح الكفالة بنوعيها " بالنّفس والمال " بل قبول الطّالب أو نائبه ولو فضوليّا في مجلس العقد .
منع الزّوجة نفسها حتّى تقبض مهرها :
25
ن المهر عوضٌ عن -اتّفق الفقهاء على أنّ للمرأة منع نفسها حتّى تقبض مهرها ،ل ّ
بضعها ،كالثّمن عوضٌ عن المبيع ،وللبائع حق حبس المبيع لستيفاء الثّمن فكان للمرأة حق حبس نفسها لستيفاء المهر . هذا إذا كان المهر حا ًل ولم يحصل وطء ول تمكين . 26
-فإن تطوّعت المرأة بتسليم نفسها قبل قبض المهر ،ثمّ أرادت بعد التّسليم أن تمتنع
عليه لقبض المهر فقد اختلف الفقهاء في المسألة : فيرى أبو حنيفة وأبو عبد اللّه بن حامد من الحنابلة أنّه لو دخل الزّوج بزوجته برضاها ن المهر مقابل بجميع ما يستوفى من وهي مكلّفة فلها أن تمنع نفسها حتّى تأخذ المهر ،ل ّ منافع البضع في جميع الوطآت الّتي توجد في هذا الملك ،ل بالمستوفى بالوطأة الولى صةً ،لنّه ل يجوز إخلء شيء من منافع البضع عن بدل يقابله احتراما للبضع وإبانةً خا ّ لخطره ،فكانت هي بالمنع ممتنعةً عن تسليم ما يقابله بدل ،فكان لها ذلك بالوطء في المرّة الولى ،فكان لها أن تمنعه عن الوّل حتّى تأخذ مهرها فكذا عن الثّاني والثّالث . جاء في الفتاوى الهنديّة :في ك ّل موضع دخل بها أو صحّت الخلوة وتأكّد كل المهر لو أرادت أن تمنع نفسها لستيفاء المعجّل كان لها ذلك عند أبي حنيفة خلفا للصّاحبين . ن المرأة ليس لها منع نفسها وذهب المالكيّة في المعتمد والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد إلى أ ّ ن التّسليم استق ّر به لقبض المهر الحالّ بعد أن سلّمت نفسها ومكّنته من الوطء قبل قبضه ل ّ العوض برضا المسلم ،فلم يكن لها أن تمتنع منه بعد ذلك ،كما لو سلّم البائع المبيع . وهذا هو مذهب الشّافعيّة وابن عرفة من المالكيّة إذا كان الزّوج وطئها بعد التّسليم ،أمّا إذا لم يجر وطء فلها العود إلى المتناع ويكون الحكم كما قبل التّمكين . 27
-أمّا إذا كان المهر مؤجّلً إلى أجل معلوم فيرى جمهور الفقهاء أنّ عليها تسليم نفسها
وليس لها المتناع لقبض المهر ولو حلّ الجل قبل الدخول ،لنّها قد رضيت بتأخير حقّها وتعجيل حقّه ،فصار كالبيع بالثّمن المؤجّل يجب على البائع تسليم المبيع قبل قبض الثّمن . ن حقّ الستمتاع بها بمقابلة تسليم وقال أبو يوسف :لها أن تمنع نفسها بالمؤجّل ،ل ّ المهر ،فمتى طلب الزّوج تأجيل المهر فقد رضي بتأخير حقّه في الستمتاع . 28
-ولو كان بعض المهر حا ًل وبعضه مؤجّلً معلوما ،فيرى الحنفيّة بالتّفاق أنّه ليس لها
أن تمنع نفسها ،أمّا عند أبي حنيفة ومحمّد فلنّ الزّوج ما رضي بإسقاط حقّه ،وأمّا عند أبي يوسف فلنّه لمّا عجّل البعض لم يرض بتأخير حقّه في الستمتاع . وقال المالكيّة :إن نكح بنقد وآجل ،فإن دفع النّقد كان له البناء ،وإن لم يجد تلوّم له المام وضرب له أجلً بعد أجل ،فإن لم يقدر فرّق بينهما .
ل فيصح إذا كان قدر الحالّ وصرّح الشّافعيّة بأنّه إذا كان بعض صداقها حا ًل وبعضه مؤجّ ً منه معلوما وأجل المؤجّل معلوما ،ولها أن تمتنع من تسليم نفسها لقبض الحالّ ،وليس لها أن تمتنع من تسليم نفسها لقبض المؤجّل ،فيكون حكم الحالّ منه كحكمه لو كان جميعه حالً ،وحكم المؤجّل منه كحكمه لو كان جميعه مؤجّلً ،فلو تراخى التّسليم حتّى حلّ المؤجّل كان لها منع نفسها على قبض المعجّل دون ما ح ّل من المؤجّل . وبهذا يقول الحنابلة ،فقد قال ابن قدامة :وإن كان بعضه حالً وبعضه مؤجّلً فلها منع نفسها قبل قبض العاجل دون الجل .
ما يتأكّد به المهر :
29
ن عقد النّكاح عقد -الصل أنّ الزّوجة تملك الصّداق بمجرّد العقد حالً كان أو مؤجّلً ل ّ
يملك الزّوج به العوض ،فتملك الزّوجة به المعوّض كاملً كالبيع ،ولكن هذا الملك عرضة للسقوط كلً أو بعضا ما دام لم يوجد ما يؤكّد المهر ويقرّره . وقد اتّفق الفقهاء على اعتبار بعض المور مؤكّدةً للمهر ،واختلفوا في بعضها الخر ، وفيما يلي مؤكّدات المهر مع بيان موقف المذاهب المختلفة منها :
أ -الوطء " الدخول " :
30
ن المهر يتأكّد بوطء الزّوج زوجته ،وإن كان الوطء حراما -اتّفق الفقهاء على أ ّ
لوقوعه في الحيض أو الحرام ،لنّ وطء الشّبهة يوجب المهر ابتداءً فذا أولى بالتّقرير ويستقر بوطأة واحدة . ن المعتبر وقوع الوطء من ابن عشر فأكثر ،إذ من كان وقال الرحيباني :ويتّجه احتمال أ ّ سنه دونها فوجود الوطء منه كعدمه ،وكذا ل ب ّد من حصول الوطء في بنت تسع فأكثر لنّها قبل ذلك لم تتأهّل لوطء الرّجل عادةً ول هي محل للشّهوة غالبا . وللتّفصيل ( ر :وطء ) .
ب -الموت :
31
ن أحد الزّوجين إذا مات حتف أنفه قبل الدخول في نكاح فيه -اتّفق الفقهاء على أ ّ
ن المهر كان واجبا تسمية مهر أنّه يتأكّد المسمّى ،سواء كانت المرأة حرّ ًة أو أمةً ،ل ّ بالعقد ،والعقد لم ينفسخ بالموت ،بل انتهى نهايته ،لنّه عقد للعمر ،فتنتهي نهايته عند انتهاء العمر ،وإذا انتهى يتأكّد فيما مضى ويتقرّر بمنزلة الصّوم يتقرّر بمجيء اللّيل فيتقرّر ن كلّ المهر لمّا وجب بنفس العقد فصار دينا عليه -والموت لم يعرف مسقطا الواجب ،ول ّ للدّين في أصول الشّرع -فل يسقط شيء منه بالموت كسائر الديون . وإذا تأكّد المهر لم يسقط منه شيء .
32
-وكذلك المهر يتأكّد عند الحنفيّة والحنابلة إذا قتل أحد الزّوجين ،سواء كان قتله
ن النّكاح قد بلغ غايته فقام ذلك مقام أجنبيّ أو قتل أحدهما صاحبه أو قتل الزّوج نفسه ،ل ّ استيفاء المنفعة . وإذا قتلت المرأة نفسها فإن كانت حرّ ًة ل يسقط عن الزّوج شيء من المهر ،بل يتأكّد الكل عند الحنفيّة والحنابلة . ن الموت بحكم الشّرع كالموت المتيقّن في تأكيد المهر ،وذلك كالمفقود وصرّح المالكيّة بأ ّ ي مدّة التّعمير يحكم الحكّام بموته . في بلد المسلمين فإنّه بعد مض ّ ويتأكّد المهر عندهم في حالة ما إذا قتلت الزّوجة نفسها كرها في زوجها ،أو قتل السّيّد أمته المتزوّجة ،فل يسقط الصّداق عن زوجها ،وقالوا :يبقى النّظر في قتل المرأة زوجها هل تعامل بنقيض مقصودها ول يتكمّل صداقها أو يتكمّل ؟ . واستظهر العدوي في حاشيته أنّه ل يتكمّل لها لتّهامها ،لئلّا يكون ذريعةً لقتل النّساء ن. أزواجه ّ واستثنى الشّافعيّة من أصل استقرار المهر بموت أحد الزّوجين مسائل . قال النّووي في معرض تفصيله للمسألة :هلك المنكوحة بعد الدخول ل يسقط شيئا من المهر ،حرّ ًة كانت أو أمةً ،سواء هلكت بموت أو قتل . فأمّا إذا هلكت قبل الدخول فإن قتل السّيّد أمته المزوّجة ،فالنّص في " المختصر " :أن ل ص في " المّ " في الحرّة إذا قتلت نفسها :ل يسقط شيء من المهر . مهر ،ون ّ ثمّ الحرّة إذا ماتت أو قتلها الزّوج أو أجنبيّ لم يسقط مهرها قطعا ،وكذا لو قتلت نفسها على المذهب . وللتّفصيل ( ر :موت ) .
ج -الخلوة :
33
ن الخلوة الصّحيحة من المعاني الّتي يتأكّد بها المهر ، -ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أ ّ
حتّى لو خل رجل بامرأته خلو ًة صحيحةً ثمّ طلّقها قبل الدخول بها في نكاح فيه تسمية يجب عليه كمال المسمّى ،وإن لم يكن في النّكاح تسمية يجب عليه كمال مهر المثل . وأمّا المالكيّة فالخلوة بمجرّدها ل تقرّر المهر عندهم إلّا أن يطول المقام فيتقرّر الكمال على أحد القولين عندهم ،لنّ الجهاز قد تغيّر واللّذّة قد حصلت ودامت . ثمّ اختلف قائلو هذا القول في ضبط مدّة الطول فقيل :سنة ،وقيل :ما يعد طولً في العادة. س :ثمّ حيث قلنا إنّ الخلوة بمجرّدها ل تقرّر ،فإنّها تؤثّر في جعل القول قولها قال ابن شا ٍ في بعض الصور إذا تنازعا في الوطء لجل التّقرير ،كما إذا خل بها خلوة البناء ،
ن القول قولها ،وقيل :إن كانت بكرا نظر إليها النّساء ،وتثبت خلوة البناء " فالمذهب أ ّ خلوة الهتداء " ولو بامرأتين أو باتّفاق الزّوجين عليها . وأمّا في خلوة الزّيارة فالقول قول الزّائر منهما جريا على مقتضى العادة . قال الدّردير :وإن زار أحدهما الخر وتنازعا في الوطء صدّق الزّائر منهما بيمين ،فإن زارته صدّقت أنّه وطئها ول عبرة بإنكاره ،وإن زارها صدّق في نفيه ول عبرة بدعواها ن له جرأةً عليها في بيته دون بيتها ،فليس المراد أنّ الزّائر يصدّق مطلقا في الوطء ،ل ّ النّفي والثبات ،فإن كان معا زائرين صدّق في نفيه . ويرى الشّافعيّة على الجديد أنّ الخلوة ل تقرّر المهر ول تؤثّر فيه ،وعلى هذا لو اتّفقا على الخلوة وادّعت الصابة لم يترجّح جانبها ،بل القول قوله بيمينه . وللتّفصيل في شروط الخلوة الّتي يترتّب عليها أثرها في تقرير المهر ( ر :خلوة ف /
14
وما بعدها ) .
د -مقدّمات الجماع :
34
ن القبلة والمباشرة والتّجرد والوطء دون الفرج ل يوجب -صرّح المالكيّة والشّافعيّة بأ ّ
عليه الصّداق ول يستقر به المهر . وزاد الشّافعيّة ول باستدخال مني . وقال الحنابلة :إن استمتع بامرأته بمباشرة فيما دون الفرج من غير خلوة كالقبلة ونحوها فالمنصوص عن أحمد أنّه يكمّل به الصّداق فإنّه قال :إذا أخذها فمسّها وقبض عليها من ل إذا نال منها شيئا ل يحل لغيره ،وقال في رواية مهنّا . غير أن يخلو بها لها الصّداق كام ً إذا تزوّج امرأةً ونظر إليها وهي عريانة تغتسل أوجب عليه المهر ،ورواه عن إبراهيم : إذا اطّلع منها على ما يحرم على غيره فعليه المهر ،لنّه نوع استمتاع فهو كالقبلة . قال القاضي :يحتمل أنّ هذا ينبني على ثبوت تحريم المصاهرة بذلك ،وفيه روايتان ، فيكون في تكميل الصّداق به وجهان : أحدهما :يكمّل به الصّداق لما روي عن محمّد بن عبد الرّحمن بن ثوبان قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :من كشف خمار امرأة ونظر إليها فقد وجب الصّداق دخل بها أو لم يدخل بها » ،ولنّه مسيسٌ فيدخل في قوله تعالى { :مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّوهُنّ } ،ولنّه استمتاع بامرأته فكمّل به الصّداق كالوطء . ن قوله تعالى َ { :ت َمسّوهُنّ } والوجه الخر :ل يكمّل به الصّداق وهو قول أكثر الفقهاء ل ّ إنّما أريد به في الظّاهر الجماع ،ومقتضى قوله َ { :وإِن طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّو ُهنّ }
أن ل يكمّل الصّداق لغير من وطئها ،ول تجب عليها العدّة ،ترك عمومه فيمن خل بها للجماع الوارد عن الصّحابة ،فيبقى فيما عداه على مقتضى العموم .
هـ -إزالة البكارة بغير آلة الجماع :
35
-صرّح الحنفيّة بأنّه لو أزال الزّوج بكارة زوجته بحجر ونحوه فإنّ لها كمال المهر
ي نصف صداق بخلف ما لو أزالها بدفعة فإنّه يجب نصف المسمّى على الزّوج وعلى الجنب ّ مثلها . واستظهر ابن عابدين دخول صورة إزالة البكارة بغير آلة الجماع في الخلوة باعتبار أنّ العادة جرت على أنّ إزالة البكارة بحجر ونحوه كإصبع إنّما تكون في الخلوة فلذا أوجب كلّ ن المراد حصولها في غير خلوة . المهر بخلف إزالتها بدفعة فإ ّ وقال المالكيّة :من دفع امرأةً فسقطت عذرتها فعليه ما نقصها بذلك من صداقها عند الزواج ،وعليه الدب ،وكذا لو أزالها بإصبعه والدب هنا أشد ،وسواء فعل ذلك رجل أو غلم أو امرأة . هذا في غير الزّوج ،وأمّا الزّوج فحكمه في الدّفعة مثل غيره عليه ما نقصها عند غيره وإن فارقها ولم يمسكها . وإن فعل بها ذلك بإصبعه فاختلف :هل يجب عليه بذلك الصّداق أو ل يجب عليه بذلك الصّداق ،وإنّما يجب عليه ما شانها عند غيره من الزواج إن طلّقها ولم يمسكها ؟ قولن ، وقال في التّوضيح :إن أصابها بإصبعه وطلّقها فإن كانت ثيّبا فل شيء لها ،وإن كانت بكرا وافتضّها به فقيل :يلزمه كل المهر ،وقيل :يلزمه ما شانها مع نصفه ،وقيل :إن رئي أنّها ل تتزوّج بعد ذلك إلّا بمهر ثيّب فكالوّل وإلّا فكالثّاني .ومال أصبغ إلى الثّاني واستحسنه اللّخمي ،قال في النّوادر :ول أدب عليه .ولو فعل ذلك غير زوجها فعليه الدب وما شانها ،وقال في التّوضيح :وإذا كان الزّوج غير بالغٍ فل يتكمّل بوطئه الصّداق . ويرى الشّافعيّة أنّ المهر ل يستقر بإزالة البكارة بغير آلة الجماع .
و -وجوب العدّة على الزّوجة من النّكاح :
36
-اعتبر بعض الحنفيّة وجوب العدّة عليها منه مؤكّدا من مؤكّدات المهر ،حيث قالوا :
لو طلّق الزّوج زوجته طلقا بائنا بعد الدخول ثمّ تزوّجها في العدّة وجب كمال المهر الثّاني ن وجوب العدّة عليها فوق الخلوة . بدون الخلوة والدخول ل ّ
وجوب نصف المهر المسمّى :
37
ن من طلّق زوجته قبل الدخول بها وقد سمّى لها مهرا يجب عليه -اتّفق الفقهاء على أ ّ
نصف المهر المسمّى لقوله تعالى َ { :وإِن طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّو ُهنّ وَقَدْ َفرَضْ ُتمْ َلهُنّ ف مَا فَرَضْ ُتمْ } ،وهو نص صريح في الباب فيجب العمل به . ضةً فَنِصْ ُ فَرِي َ وللفقهاء بعد هذا التّفاق تفصيل في أحكام تنصيف المهر :
أ -مواضع تنصف المهر :
38
-قال الحنفيّة :ما يسقط به نصف المهر نوعان :
نوع يسقط به نصف المهر صور ًة ومعنىً ،ونوع يسقط به نصف المهر معنىً والكل صورة. أمّا النّوع الوّل :فهو الطّلق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية المهر ،والمهر دين لم يقبض بعد . ى والكل صورة فهو كل طلق تجب وأمّا النّوع الثّاني :وهو ما يسقط به نصف المهر معن ً فيه المتعة . وتجب المتعة عند الحنفيّة في الطّلق قبل الدخول في نكاح ل تسمية فيه ول فرض بعده ، أو كانت التّسمية فيه فاسدةً ،وكذا في الفرقة باليلء واللّعان والجبّ والعنّة ،فكل فرقة جاءت من قبل الزّوج قبل الدخول في نكاح ل تسمية فيه توجب المتعة ،لنّها توجب نصف ض عنه كردّة الزّوج وإبائه السلم . المسمّى في نكاح فيه تسمية ،والمتعة عو ٌ وصرّح المالكيّة بأنّ اختيار الزّوج ليقاع الطّلق قبل المسيس يوجب تشطير المهر الثّابت بتسمية مقرونة بالعقد صحيحة ،أو بفرض صحيح بعد العقد في المفوّضة ،ويستوي فيه عدد الموقع من الطّلق ،وأمّا إذا أرادت الزّوجة ر ّد زوجها بعيب به قبل البناء فطلّق عليه لمتناعه منه ،أو فسخ الزّوج النّكاح لعيب بها قبل البناء فإنّه ل شيء لها على الزّوج . س :وإنّما يسقط جميع المهر قبل المسيس بالفسخ أو باختياره ردّها لعيبها ، قال ابن شا ٍ وفي اختيارها لردّه بعيبه خلف لنّه غار ،ول صداق لها فيما سوى ذلك . وقال الشّافعيّة :يتشطّر الصّداق بالطّلق والخلع قبل الدخول ،وفيما إذا طلّقت نفسها بتفويضه إليها ،أو علّق طلقها بدخول الدّار فدخلت ،أو طلّقها بعد مدّة اليلء بطلبها ، وبكلّ فرقة تحصل ل بسبب من المرأة ،بأن أسلم ،أو ارت ّد ،أو أرضعت أم الزّوجة الزّوج وهو صغير ،أو أم الزّوج أو ابنته الزّوجة الصّغيرة ،أو وطئها أبوه أو ابنه بشبهة وهي تظنه زوجها ،أو قذفها ولعن .
فأمّا إذا كان الفراق منها أو بسبب منها بأن أسلمت ،أو ارتدّت أو فسخت النّكاح بعتق أو عيب ،أو أرضعت زوجةً أخرى له صغير ًة ،أو فسخ النّكاح بعيبها فيسقط جميع المهر ، وشراؤها زوجها يسقط الجميع على الصحّ ،وشراؤه زوجته يشطّر على الصحّ . ويرى الحنابلة أنّ المهر يتنصّف بشراء الزّوجة زوجها ،وفرقة من قبله كطلقه وخلعه - ولو بسؤالها -وإسلمه ما عدا مختارات من أسلم ،وردّته وشرائه إيّاها ولو من مستحقّ مهر أو من قبل أجنبي -كرضاع ونحوه -قبل دخول .
ب -كيفيّة تنصف المهر :
39
-قال الحنفيّة :إنّ الطّلق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية قد يسقط به عن الزّوج
نصف المهر ،وقد يعود به إليه النّصف ،وقد يكون له به مثل النّصف صورةً ومعنىً ،أو معنىً ل صور ًة . وبيان هذه الجملة :أنّ المهر المسمّى إمّا أن يكون دينا ،وإمّا أن يكون عينا ،وكل ذلك ل يخلو إمّا أن يكون مقبوضا ،وإمّا أن يكون غير مقبوض . فإن كان دينا فلم يقبضه حتّى طلّقها قبل الدخول بها سقط نصف المسمّى بالطّلق وبقي النّصف ،وهذا طريق عامّة مشايخ الحنفيّة . وقال بعضهم :إنّ الطّلق قبل الدخول يسقط جميع المسمّى وإنّما يجب نصف آخر ابتداءً على طريقة المتعة ل بالعقد ،إلّا أنّ هذه المتعة مقدّرة بنصف المسمّى ،والمتعة في الطّلق قبل الدخول في نكاح ل تسمية فيه غير مقدّرة بنصف مهر المثل . وإلى هذا الطّريق ذهب الكرخي والرّازي ،وكذا روي عن إبراهيم النّخعيّ أنّه قال في الّذي طلّق قبل الدخول وقد سمّى لها :أنّ لها نصف المهر وذلك متعتها . وهذا إذا كان المهر دينا فقبضته أو لم تقبضه حتّى ورد الطّلق قبل الدخول . فأمّا إذا كان المهر عينا بأن كان معيّنا مشارا إليه ممّا يحتمل التّعيين كالعبد والجارية وسائر العيان فل يخلو :إمّا إن كان بحاله لم يزد ولم ينقص ،وإمّا أن زاد أو نقص . فإن كان بحاله لم يزد ولم ينقص :فإن كان غير مقبوض فطلّقها قبل الدخول بها عاد الملك في النّصف إليه بنفس الطّلق ول يحتاج للعود إليه إلى الفسخ والتّسليم منها ،حتّى لو كان المهر أمةً فأعتقها الزّوج قبل الفسخ والتّسليم ينفذ إعتاقه في نصفها بل خلف . وإن كان مقبوضا ل يعود الملك في النّصف إليه بنفس الطّلق ول ينفسخ ملكها في النّصف حتّى يفسخه الحاكم أو تسلّمه المرأة . هذا إذا كان المهر لم يزد ولم ينقص .
فأمّا إذا زاد فالزّيادة ل تخلو :إمّا أن كانت في المهر أو على المهر :فإن كانت على المهر بأن سمّى الزّوج لها ألفا ثمّ زادها بعد العقد مائةً ثمّ طلّقها قبل الدخول بها ،فلها نصف اللف وبطلت الزّيادة في ظاهر الرّواية . وروي عن أبي يوسف أنّ لها نصف اللف ونصف الزّيادة أيضا . وإن كانت الزّيادة في المهر فالمهر ل يخلو :إمّا أن يكون في يد الزّوج وإمّا أن يكون في يد المرأة . فإن كان في يد الزّوج فالزّيادة ل تخلو أمّا إن كانت متّصل ًة بالصل ،وإمّا إن كانت منفصلةً عنه . والمتّصلة ل تخلو من أن تكون متولّد ًة من الصل كالسّمن والكبر والجمال والبصر والسّمع والنطق وانجلء بياض العين وزوال الخرس والصّمم ،والشّجر إذا أثمر ،والرض إذا زرعت ،أو غير متولّدة منه كالثّوب إذا صبغ ،والرض إذا بني فيها بناء ،وكذا المنفصلة ل تخلو :أمّا إن كانت متولّدةً من الصل كالولد والوبر والصوف إذا ج ّز ،والشّعر إذا أزيل، والثّمر إذا جدّ ،والزّرع إذا حصد ،أو كانت في حكم المتولّد منه كالرش والعقر . وأمّا إن كانت غير متولّدة منه ،ول في حكم المتولّد كالهبة والكسب . فإن كانت الزّيادة متولّد ًة من الصل أو في حكم المتولّد فهي مهر ،سواء كانت متّصلةً بالصل أو منفصلةً عنه ،حتّى لو طلّقها قبل الدخول بها يتنصّف الصل والزّيادة جميعا بالجماع ،لنّ الزّيادة تابعة للصل لكونها نماء الصل ،والرش بدل جزء هو مهر فليقوم مقامه ،والعقر بدل ما هو في حكم الجزء فكان بمنزلة المتولّد من المهر .فإذا حدثت قبل القبض -وللقبض شبه بالعقد -فكان وجودها عند القبض كوجودها عند العقد ،فكانت محلً للفسخ . وإن كانت غير متولّدة من الصل :فإن كانت متّصلةً بالصل فإنّها تمنع التّنصيف ،وعليها نصف قيمة الصل لنّ هذه الزّيادة ليست بمهر -ل مقصودا ول تبعا -لنّها لم تتولّد من المهر فل تكون مهرا فل تتنصّف ،ول يمكن تنصيف الصل بدون تنصيف الزّيادة ،فامتنع التّنصيف ،فيجب عليها نصف قيمة الصل يوم الزّيادة ،لنّها بالزّيادة صارت قابضةً للصل فتعتبر قيمته يوم حكم بالقبض . وإن كانت الزّيادة منفصل ًة عن الصل فالزّيادة ليست بمهر ،وهي كلها للمرأة في قول أبي حنيفة ول تتنصّف ويتنصف الصل ،وعند أبي يوسف ومحمّد هي مهر فتتنصّف مع الصل.
وإن كانت الزّيادة متّصلةً غير متولّدة من الصل فإنّها تمنع التّنصيف ،وعليها نصف قيمة الصل . وإن كانت منفصل ًة متولّدةً من الصل فإنّها تمنع التّنصيف في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد ،وعليها رد نصف قيمة الصل . وقال زفر :ل تمنع وينتصف الصل مع الزّيادة . صةً والصل بينهما نصفان بإجماع وإن كانت منفصلةً غير متولّدة من الصل فهي لها خا ّ الحنفيّة . أمّا حكم النقصان :فحدوث النقصان في المهر ل يخلو إمّا أن يكون في يد الزّوج وإمّا أن يكون في يد المرأة . فإن كان النقصان في يد الزّوج فل يخلو من خمسة أوجهٍ :إمّا أن يكون بفعل أجنبي ،وإمّا أن يكون بآفة سماويّة ،وإمّا أن يكون بفعل الزّوج ،وإمّا أن يكون بفعل المهر ،وإمّا أن يكون بفعل المرأة . وكل ذلك ل يخلو :إمّا أن يكون قبل قبض المهر أو بعده ،والنقصان فاحشٌ أو غير فاحشٍ. فإن كان النقصان بفعل أجنبي وهو فاحشٌ قبل القبض :فالمرأة بالخيار إن شاءت أخذت العبد النّاقص واتّبعت الجاني بالرش ،وإن شاءت تركت وأخذت من الزّوج قيمة العبد يوم العقد ،ثمّ يرجع الزّوج على الجنبيّ بضمان النقصان وهو الرش . وإن كان النقصان بآفة سماويّة :فالمرأة بالخيار إن شاءت أخذته ناقصا ول شيء لها غير ذلك ،وإن شاءت تركته وأخذت قيمته يوم العقد . وإن كان النقصان بفعل الزّوج ،ذكر في ظاهر الرّواية أنّ المرأة بالخيار إن شاءت أخذته ناقصا وأخذت معه أرش النقصان ،وإن شاءت أخذت قيمته يوم العقد . وروي عن أبي حنيفة :أنّ الزّوج إذا جنى على المهر فهي بالخيار إن شاءت أخذته ناقصا ول شيء لها غير ذلك ،وإن شاءت أخذت القيمة . وإن كان النقصان بفعل المهر ،بأن جنى المهر على نفسه ففيه روايتان :في رواية :حكم هذا النقصان ما هو حكم النقصان بآفة سماويّة ،وفي رواية :حكمه حكم جناية الزّوج . وإن كان النقصان بفعل المرأة فقد صارت قابض ًة بالجناية فجعل كأنّ النقصان حصل في يدها ،كالمشتري إذا جنى على المبيع في يد البائع أنّه يصير قابضا له كذا هاهنا . هذا إذا كان النقصان فاحشا . فأمّا إذا كان النقصان يسيرا فل خيار لها كما إذا كان هذا العيب به يوم العقد .
ثمّ إن كان هذا النقصان بآفة سماويّة أو بفعل المرأة أو بفعل المهر فل شيء لها ،وإن كان بفعل الجنبيّ تتبعه بنصف النقصان وكذا إذا كان بفعل الزّوج . هذا إذا حدث النقصان في يد الزّوج . فأمّا إذا حدث في يد المرأة فهذا أيضا ل يخلو من القسام الّتي وصفناها . ش قبل الطّلق فالرش لها ،فإن طلّقها الزّوج فله نصف وإن حدث بفعل أجنبي وهو فاح ٌ القيمة يوم قبضت ول سبيل له على العين ،لنّ الرش بمنزلة الولد فيمنع التّنصيف كالولد. وإن كانت جناية الجنبيّ عليه بعد الطّلق فللزّوجة نصف العبد وهو بالخيار في الرش إن شاء أخذ نصفه من المرأة واعتبرت القيمة يوم القبض ،وإن شاء اتّبع الجاني وأخذ منه نصفه . وكذلك إن حدث بفعل الزّوج فجنايته كجناية الجنبيّ ،لنّه جنى على ملك غيره ول يد له فيه فصار كالجنبيّ ،والحكم في الجنبيّ ما وصفنا . وإن حدث بآفة سماويّة قبل الطّلق فالزّوج بالخيار إن شاء أخذ نصفه ناقصا ول شيء له غير ذلك ،وإن شاء أخذ نصف القيمة يوم القبض ،لنّ حقّه معها عند الفسخ كحقّه معها عند العقد ،ولو حدث نقصان في يده بآفة سماويّة كان لها الخيار بين أن تأخذه ناقصا أو قيمته ،فكذا حق الزّوج معها عند الفسخ ،وإن كان ذلك بعد الطّلق فللزّوج أن يأخذ نصفه ونصف الرش ،وإن شاء أخذ قيمته يوم قبضت . وكذلك إن حدث بفعل المرأة ،فالزّوج بالخيار :إن شاء أخذ نصفه ول شيء له من الرش، وإن شاء أخذ نصف قيمته عبدا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد . وقال زفر :للزّوج أن يضمّنها الرش . ق الفسخ قد استقرّ .وكذلك إن حدث نحّ وإن كان ذلك بعد الطّلق :فعليها نصف الرش ل ّ بفعل المهر ،فالزّوج بالخيار على الرّوايتين جميعا :إن شاء أخذ نصفه ناقصا وإن شاء أخذ نصف القيمة لنّا إن جعلنا جناية المهر كالفة السّماويّة لم تكن مضمونةً ،وإن جعلناها كجناية المرأة لم تكن مضمونةً أيضا ،فلم تكن مضمون ًة أيضا على الرّوايتين . هذا إذا كان النقصان فاحشا . ي أو بفعل الزّوج ل يتنصّف لنّ الرش يمنع فأمّا إن كان غير فاحشٍ فإن كان بفعل الجنب ّ التّنصيف ،وإن كان بآفة سماويّة أو بفعلها أو بفعل المهر أخذ النّصف ول خيار له . 40
-وقال المالكيّة :يتشطّر المهر في نكاح التّسمية أو التّفويض إذا فرض مهر المثل أو
ما رضيت به قبل الدخول .
س :معنى التّشطير أن يرجع الملك في شطر الصّداق إلى الزّوج بمجرّد الطّلق وقال ابن شا ٍ أو يبقى عليه . ثمّ في معنى الصّداق في التّشطير كل ما نحله الزّوج للمرأة أو لبيها أو لوصيّها الّذي يتولّى العقد ،في العقد أو قبله لجله ،إذ هو للزّوجة إن شاءت أخذته ممّن جعل له . وقال ابن جزي :ما حدث في الصّداق من زيادة ونقصان قبل البناء فالزّيادة لهما والنقصان عليهما وهما شريكان في ذلك فإن تلف في يد أحدهما فما ل يغاب عليه فخسارته منهما ، وما يغاب عليه خسارته ممّن هو في يده إن لم تقم بيّنة بهلكه ،فإن قامت به بيّنة ، فاختلف :هل يضمنه من كان تحت يده أم ل ؟ 41
-وأمّا كيفيّة التّشطر عند الشّافعيّة ففيها أوجه :
الصّحيح :أنّه يعود إليه نصف الصّداق بنفس الفراق . ن الفراق يثبت له خيار الرجوع في النّصف ،فإن شاء يملكه وإلّا فيتركه والثّاني :أ ّ كالشّفعة . والثّالث :ل يرجع إليه إلّا بقضاء القاضي . ولو طلّق ثمّ قال :أسقطت خياري . وقلنا :الطّلق يثبت الخيار ،فقد أشار الغزالي إلى احتمالين : أحدهما :يسقط كخيار البيع ،وأرجحهما :ل ،كما لو أسقط الواهب خيار الرجوع . ولم يجر هذا التّردد فيما لو طلّق على أن يسلم لها كلّ الصّداق ،ويجوز أن يسوّى بين الصورتين . ولو زاد المهر بعد الطّلق فللزّوج كل الزّيادة إذا عاد إليه كل الصّداق ،أو نصفها إذا عاد إليه النّصف لحدوثها في ملكه ،سواء أكانت الزّيادة متّصل ًة أم منفصلةً . فإن نقص المهر بعد الفراق ولو بل عدوان وكان بعد قبضه فللزّوج كل الرش أو نصفه . فإن ادّعت حدوث النّقص قبل الطّلق صدّقت بيمينها ،وإن فارق ل بسببها -كأن طلّق ي أو قيمة في المتقوّم ،لنّه لو كان والمهر تالف -فللزّوج نصف بدله من مثل في المثل ّ باقيا لخذ نصفه ،فإذا فات رجع بنصف بدله كما في الرّ ّد بالعيب . وإن تعيّب المهر في يد الزّوجة قبل الفراق ،فإن قنع الزّوج بالنّصف معيّبا فل أرش له ، كما لو تعيّب المبيع في يد البائع ،وأمّا إذا لم يقنع الزّوج به فإن كان متقوّما فله نصف قيمته سليما ،وإن كان مثليّا فله مثل نصفه ،لنّه ل يلزمه الرّضا بالمعيب فله العدول إلى بدله .
وإن تعيّب المهر بآفة سماويّة قبل قبضها له وقنعت به فللزّوج نصفه ناقصا بل أرشٍ ول خيار . وإن صار المهر ذا عيب بجناية من أجنبي يضمن جنايته ،وأخذت الزّوجة أرشها أو عفت عن أخذه فالصح أنّ للزّوج نصف الرش مع نصف العين لنّه بدل الفائت . والثّاني :ل شيء له من الرش كالزّيادة المنفصلة . وصرّح الشّافعيّة بأنّ الزّيادة المنفصلة الّتي حدثت بعد الصداق كثمرة وأجرة تسلّم للمرأة ، سواء أحدثت في يده أم يدها لنّها حدثت في ملكها ،والطّلق إنّما يقطع ملكها من حين وجوده ل من أصله ،ويختص الرجوع بنصف الصل . وأمّا الزّيادة المتّصلة كالسّمن وتعلم صنعة فل يستقل الزّوج بالرجوع إلى عين النّصف بل يخيّر الزّوجة فإن أبت رجع إلى نصف القيمة بغير تلك الزّيادة . وإن سمحت أجبر الزّوج على القبول ولم يكن له طلب القيمة . وإذا تغيّر الصّداق بالزّيادة والنّقص معا إمّا بسبب واحد :بأن أصدقها شجر ًة فكبرت فقلّ ثمرها وزاد حطبها ،وإمّا بسببين :بأن أصدقها عبدا فتعلّم القرآن واعورّ فيثبت لكلّ منهما الخيار ،وللزّوج أن ل يقبل العين لنقصها ويعدّل إلى نصف القيمة ،وللزّوجة أن ل تبذلها لزيادتها وتدفع نصف القيمة . فإن اتّفقا على ردّ العين جاز ول شيء لحدهما على الخر . وليس العتبار بزيادة القيمة ،بل كل ما حدث وفيه فائدة مقصودة فهو زيادة من ذلك الوجه ،وإن نقصت القيمة . وقالوا :وإذا أثبتنا الخيار للمرأة بسبب زيادة الصّداق أو للزّوج بنقصه أو لهما بهما لم يملك الزّوج النّصف قبل أن يختار من له الخيار الرجوع إن كان الخيار لحدهما ،وقبل أن يتوافقا إن كان الخيار لهما وإن قلنا الطّلق يشطّر الصّداق نفسه . وهذا الختيار ليس على الفور لكن إذا طلبه الزّوج كلّفت الزّوجة اختيار أحدهما ،ول يعيّن ن التّعيين يناقض تفويض المر إليها بل يطالبها بحقّه الزّوج في طلبه عينا ول قيمةً ،ل ّ عندها ،فإن امتنعت من الختيار لم تحبس ونزعت منها العين ،فإن أصرّت بيع منها بقدر الواجب ،فإن تعذّر :بيع الجميع وتعطى الزّائد ،وإن استوى نصف العين ونصف القيمة أعطي نصف العين . ومتى استحقّ الرجوع في العين استقلّ به . ومتى وجب الرجوع بقيمة المهر في المتقوّم لهلك الصّداق أو غيره أعتبر القل من قيمة المهر يومي الصداق والقبض .
42
-وذهب الحنابلة إلى أنّ من أقبض الصّداق الّذي تزوّج عليه ثمّ طلّق زوجته قبل
الدخول بها ملك نصف الصّداق قهرا ،كالميراث إن بقي في ملكها بصفته حين العقد بأن لم يزد ولم ينقص ،ولو كان الباقي بصفته النّصف من الصّداق مشاعا أو معيّنا من متنصّف . ويمنع ذلك بيع -ولو مع خيارها -وهبة أقبضت ،وعتق ،ورهن ،وكتابة ،ل إجارة وتدبير ،وتزويجٌ . فإن كان المهر قد زاد زياد ًة منفصلةً رجع الزّوج في نصف الصل والزّيادة لها ،ولو كانت ولد أمة . وإن كانت الزّيادة متّصلةً -وهي غير محجور عليها -خيّرت بين دفع نصفه زائدا وبين دفع نصف قيمته يوم العقد -إن كان متميّزا ،وغير المتميّز له قيمة نصفه يوم الفرقة على أدنى صفة من العقد إلى القبض . والمحجور عليها ل تعطيه -أي عن طريق وليّها -إلّا نصف القيمة . وإن نقص المهر بغير جناية عليه خيّر الزّوج -جائز التّصرف -بين أخذه ناقصا ول شيء له غيره وبين أخذ نصف قيمته يوم العقد إن كان متميّزا ،وغير المتميّز يوم الفرقة على أدنى صفة من العقد إلى القبض . وإن اختاره ناقصا بجناية فله معه نصف أرشها ،وإن زاد من وجهٍ ونقص من آخر فلكلّ ض صحيح وإن لم تزد قيمته . الخيار ،ويثبت بما فيه غر ٌ وإن تلف المهر أو أستحقّ بدين رجع في المثليّ بنصف مثله ،وفي غيره بنصف قيمة المتميّز يوم العقد ،وفي غير المتميّز يوم الفرقة على أدنى صفة من العقد إلى القبض . ولو كان المهر ثوبا فصبغته ،أو أرضا فبنتها ،فبذل الزّوج قيمة الزّائد ليملكه فل ذلك . وإن نقص المهر في يدها بعد تنصفه ضمنت نقصه مطلقا . وما قبض من مسمّى بذمّة كمعيّن إلّا أنّه يعتبر في تقويمه صفته يوم قبضه .
وجوب مهر المثل :
هناك حالت اتّفق الفقهاء على وجوب مهر المثل في بعضها واختلفوا في البعض الخر . 43
-التّفويض ضربان :
أوّلً -التّفويض : أ -تفويض بضع :
وهو الّذي ينصرف الطلق إليه ،والمراد به :إخلء النّكاح عن المهر بأن يزوّج الب بنته المجبرة بل مهر . أو يزوّج الب غير المجبرة بإذنها بل مهر .
أو يزوّج غير الب كأخ موليّته بإذنها بل مهر ،سواء سكت عن الصّداق أو شرط نفيه ، فيصح العقد ،ويجب به مهر المثل عند جمهور الفقهاء . وقد د ّل على هذا قول اللّه تعالى ّ { :ل جُنَاحَ عَلَ ْيكُ ْم إِن طَّلقْ ُتمُ ال ّنسَاء مَا َلمْ َت َمسّو ُهنّ َأوْ ضةً } رفع سبحانه الجناح عمّن طلّق في نكاح ل تسمية فيه ،والطّلق ل َتفْرِضُواْ َلهُنّ فَرِي َ يكون إلّا بعد النّكاح ،فد ّل على جواز النّكاح بل تسمية . ن ابن مسعود سئل عن رجل تزوّج امرأةً ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتّى وروي أ ّ مات فقال ابن مسعود :لها صداق نسائها ل وكس ول شطط وعليها العدّة ولها الميراث ، فقام معقل بن سنان الشجعي فقال « :قضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في بروع بنت ن القصد من النّكاح الوصلة والستمتاع دون واشق امرأة منّا مثل ما قضيت به » ،ول ّ ح من غير ذكره كالنّفقة ،وسواء تركا ذكر المهر أو شرطا نفيه . الصّداق ،فص ّ
ب -تفويض المهر :
والمراد به جعل المهر إلى رأي أحد الزّوجين أو غيرهما كأن تقول لوليّها :زوّجني على أنّ المهر ما شئت أو ما شئت أنا ،أو ما شاء الخاطب ،أو فلن . وللفقهاء فيما تستحقه المرأة من الصّداق في نكاح تفويض المهر خلف وتفصيل ،ينظر في ( تفويضٌ ف 5 /وما بعدها ،ومفوّضة ) .
ثانيا -فساد تسمية المهر :
44
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه إذا فسدت تسمية المهر -كما لو تزوّجها على ميتة
أو دم أو خمر أو خنزير -يجب مهر المثل .وهو مذهب الحنابلة ،فقد قال الرحيباني :كل موضع ل تصح فيه التّسمية ،أو خل العقد عن ذكر المهر يجب للمرأة مهر المثل بالعقد ، لنّ المرأة ل تسلّم إلّا ببدل ،ولم يسلّم البدل ،وتعذّر رد العوض فوجب بدله كبيعه سلعةً بخمر . وقال المالكيّة :إن أصدقها ما ل يجوز ففيه روايتان : إحداهما :أنّه يفسخ قبل الدخول وبعده . والثّانية - :وهي المشهورة -أنّه إذا عقد بذلك فسخ النّكاح قبل الدخول ،ويثبت بعده بصداق المثل . وهل فسخه على الستحباب أو الوجوب ؟ .قولن .
ثالثا -فساد النّكاح :
45
-صرّح الحنفيّة والشّافعيّة بأنّه ل تصح التّسمية في النّكاح الفاسد حتّى ل يلزم المسمّى
،لنّ ذلك ليس بنكاح ،إلّا أنّه إذا وجد الدخول يجب مهر المثل لكن بالوطء ل بالعقد .
ن المعتبر في إيجاب مهر المثل هو يوم الوطء ول يعتبر يوم العقد إذ ل وأضاف الشّافعيّة :أ ّ حرمة للعقد الفاسد . ن ما فسخ من النكحة بعد البناء ول يكون فساده إلّا لعقده ،أو لعقده ويرى المالكيّة أ ّ وصداقه معا ،فيجب المهر المسمّى للمرأة إن كان حل ًل ،أمّا إذا لم يكن في العقد مهر مس ّمىً كصريح الشّغار ،أو كان حراما كخمر فيجب مهر المثل . وقالوا :يسقط كل من المسمّى ومهر المثل بالفسخ قبل الدخول ولو كان العقد مختلفا فيه ، وكذا بالموت إن فسد النّكاح لصداقه مطلقا أو فسد لعقده واتّفق عليه كنكاح المتعة ،أو ل في الصّداق كالمخلّل ،فإن لم يؤثّر فيه كنكاح المحرم ففيه الصّداق إلّا اختلف فيه وأثّر خل ً نكاح الدّرهمين فنصفهما واجب عليه بالفسخ قبل الدخول . وقال الحنابلة :يجب مهر المثل بوطء ولو من مجنون في نكاح باطل إجماعا كنكاح خامسة أو معتدّة .
رابعا :الوطء بشبهة :
46
-ذهب الفقهاء إلى وجوب مهر المثل للموطوءة بشبهة كمن وطئ امرأةً ليست زوجةً
ول مملوكةً يظنها زوجته أو مملوكته . وأضاف الشّافعيّة والحنابلة أنّه إذا وطئ مرارا بشبهة واحدة أو في نكاح فاسد لم يجب إلّا مهر واحد ،ولو وطئ بشبهة فزالت تلك الشّبهة ث ّم وطئ بشبهة أخرى وجب مهران .
خامسا -الكراه على الزّنا :
47
-ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى وجوب مهر المثل عند إكراه امرأة على الزّنا وقيّد
الحنابلة وجوب مهر المثل بما إذا كان الوطء في القبل . وقالوا :يتعدّد المهر بتعدد الكراه على الزّنا بمكرهة كلّ مرّة ،لنّه إتلف فيتعدّد بتعدد سببه ،ولو اتّحد الكراه وتعدّد الوطء فالواجب مهر واحد . وقال المالكيّة -في المشهور عندهم : -المكره على الوطء يحد ،وعليه فإذا أكرهت امرأة رجلً على الزّنا بها فل صداق لها ،وإن أكرهه غيرها غرّم لها الصّداق ورجع به على مكرهه . ووجوب مهر المثل بالزّنا هو مقتضى مذهب الصّاحبين القائل بعدم وجوب الحدّ على المكره بالزّنا إذ ل يخلو الوطء بغير ملك اليمين عن مهر أو حد . ويقول أبو حنيفة وزفر :أنّ من أكره على الزّنا بامرأة بما يخاف التّلف فزنى فعليه الحد ، وبناءً على هذا القول ل يتصوّر وجوب المهر أصلً .
سقوط المهر :
يسقط المهر بأسباب ،منها :
أ -الفرقة بغير الطّلق قبل الدخول :
48
ن كلّ فرقة حصلت بغير طلق قبل الدخول وقبل الخلوة تسقط -يرى جمهور الفقهاء أ ّ
جميع المهر ،سواء كانت من قبل المرأة أو من قبل الزّوج . وإنّما كان كذلك لنّ الفرقة بغير طلق تكون فسخا للعقد ،وفسخ العقد قبل الدخول يوجب ن فسخ العقد رفعه من الصل وجعله كأن لم يكن . سقوط كلّ المهر ،ل ّ ومن أمثلة هذا النّوع من الفرقة عند الحنفيّة خيار البلوغ ،وخيار العتق ،واختيار المرأة نفسها لعيب والعنّة والخصاء والخنوثة . ومثّل الحنابلة لهذه الفرقة باللّعان قبل الدخول ،وفسخ الزّوج النّكاح لعيب الزّوجة قبل الدخول وعكسه ككون الزّوج عنّينا أو أشلّ ونحوه قبل الدخول . والشّافعيّة يتّفقون مع جمهور الفقهاء في أصل سقوط المهر عند حصول الفرقة من جهة الزّوجة قبل الدخول بها ،أو عند حصول الفرقة بسببها ،إلّا أنّهم يختلفون مع الجمهور في تطبيقات هذا الصل إذ يذكرون من أمثلة النّوع الوّل :إسلم الزّوجة بنفسها أو بالتّبعيّة ، وفسخها بعيبه ،أو بعتقها تحت رقيق ،أو ردّتها ،أو إرضاعها زوجة زوجها الصّغيرة . ومن ضمن أمثلة النّوع الثّاني من الفرقة :فسخ الزّوج النّكاح بعيبها . أمّا الفرقة الّتي ل تكون منها ول بسببها كالطّلق وإسلم الزّوج وردّته ولعانه وإرضاعه أمّ الزّوج لها ،أو إرضاع أمّ الزّوجة له وهو صغير فإنّها تنصّف المهر .
ب -البراء :
49
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ البراء عن كلّ المهر قبل الدخول وبعده إذا كان المهر
ن البراء إسقاط والسقاط ممّن هو من أهل السقاط في محل قابل دينا فإنّه يسقطه كلّه ،ل ّ للسقوط يوجب السقوط . وقال الحنابلة إن طلّق زوجٌ زوجته قبل الدخول بها فأي الزّوجين عفا لصاحبه عمّا وجب له بالطّلق من نصف المهر عينا كان أو دينا - ،والعافي جائز التّصرف -برئ منه صاحبه ، وإن كان المعفو عنه عينا بيد أحدهما فلمن بيده العين أن يعفو بلفظ العفو والهبة والتّمليك ، ول يصح بلفظ البراء والسقاط لنّ العيان ل تقبل ذلك أصالةً ،وإن عفا غير الّذي هو في يده -زوجا كان العافي أو زوجةً -صحّ العفو بهذه اللفاظ كلّها . وإذا أبرأته من صداقها ثمّ طلّقها قبل الدخول رجع الزّوج على زوجته بنصف الصّداق .
وإن أبرأته من نصف الصّداق ثمّ طلّقها الزّوج قبل الدخول رجع في النّصف الباقي . وللتّفصيل في شروط البراء وألفاظه والفرق بينه وبين الهبة ( ر :إبراء ف /
12
وما
بعدها ،هبة ) .
ج -الهبة :
50
-عدّ الحنفيّة هبة كلّ المهر قبل القبض من أسباب سقوط المهر كلّه .
ن المهر ل يخلو :إمّا أن يكون عينا وإمّا أن يكون دينا ،والحال ل يخلو :إمّا وقالوا :إ ّ أن يكون قبل القبض وإمّا أن يكون بعد القبض ،وهبت ك ّل المهر أو بعضه . فإن وهبته كلّ المهر قبل القبض ثمّ طلّقها قبل الدخول فل شيء له عليها ،سواء كان المهر عينا أو دينا . وإن وهبت بعد القبض :فإن كان الموهوب عينا فقبضه ،ثمّ وهبه منها لم يرجع عليها بشيء ،لنّ الّذي تستحقه بالطّلق قبل الدخول هو نصف الموهوب بعينه وقد رجع إليه بعقد ،ل يوجب الضّمان ،فلم يكن له الرجوع عليها ،وإن كان دينا في ال ّذمّة فإن كان حيوانا أو عرضا فكذلك ل يرجع عليها بشيء ،وإن كان دراهم أو دنانير معيّنةً أو غير معيّنة ،أو مكيلً أو موزونا سوى الدّراهم والدّنانير فقبضته ثمّ وهبته منه ثمّ طلّقها يرجع عليها بنصف مثله . وكذلك إذا كان المهر دينا فقبضت الكلّ ثمّ وهبت البعض فللزّوج أن يرجع عليها بنصف المقبوض ،لنّ له أن يرجع عليها إذا وهبت الكلّ فإذا وهبت البعض أولى . وإذا قبضت النّصف ،ثمّ وهبت النّصف الباقي ،أو وهبت الكلّ ،ثمّ طلّقها قبل الدخول بها قال أبو حنيفة :ل يرجع الزّوج عليها بشيء ،وقال أبو يوسف ومحمّد :يرجع عليها بربع المهر . وقال المالكيّة :إذا وهبت الزّوجة من زوجها جميع صداقها ثمّ طلّقها قبل البناء لم يرجع عليها بشيء وكأنّها عجّلت إليه بالصّداق . ولو وهبت منه نصف الصّداق ،ثمّ طلّقها فله الربع ،وكذلك إن وهبته أكثر من النّصف أو أقلّ فله نصف ما بقي لها بعد الهبة . ولو وهبته لجنبيّ فقبضه مضى له ويرجع الزّوج على الزّوجة بالنّصف . وقال الشّافعيّة :إذا وهبت المرأة لزوجها صداقها ثمّ طلّقها قبل الدخول طلقا يملك به نصف الصّداق لم يخل الصّداق الموهوب من أحد أمرين :إمّا أن يكون عينا ،أو دينا . فإن كان عينا ،فسواء وهبته قبل قبضه أو بعد قبضه هل له الرجوع عليها بنصف بدله ؟ فيه قولن :
ي في القديم ،وأحد قوليه في الجديد واختاره المزني أنّه ل يرجع أحدهما :وهو قول الشّافع ّ عليها بشيء . والقول الثّاني :وهو قوله في الجديد ،أنّه يرجع عليها بنصفه وهو الظهر . وإن كان الصّداق دينا لها على زوجها فأبرأته منه ،ثمّ طلّقها قبل الدخول لم يرجع عليها بشيء على المذهب ،لنّها لم تأخذ منه مالً ولم تتحصّل منه على شيء . والطّريق الثّاني طرد قولي الهبة ،ولو قبضت الدّين ثمّ وهبته له فالمذهب أنّه كهبة العين . وقال الحنابلة :إذا أصدق امرأته عينا فوهبتها له ثمّ طلّقها قبل الدخول بها فعن أحمد فيه روايتان : إحداهما :يرجع عليها بنصف قيمتها وهو اختيار أبي بكر ،لنّها عادت إلى الزّوج بعقد ي ثمّ مستأنف فل تمنع استحقاقها بالطّلق ،كما لو عادت إليه بالبيع أو وهبتها لجنب ّ وهبتها له . ن الصّداق عاد والرّواية الثّانية :ل يرجع عليها إلّا أن تزيد العين أو تنقص ثمّ تهبها له ،ل ّ إليه ولو لم تهبه لم يرجع بشيء وعقد الهبة ل يقتضي ضمانا ولنّ نصف الصّداق تعجّل له بالهبة . فإن كان الصّداق دينا فأبرأته منه فإن قلنا ل يرجع ثمّ فهاهنا أولى ،وإن قلنا يرجع ثمّ خرج هاهنا وجهان : أحدهما :ل يرجع لنّ البراء إسقاط حق وليس بتمليك كتمليك العيان ولهذا ل يفتقر إلى قبول . والثّاني :يرجع لنّه عاد إليه بغير الطّلق فهو كالعين والبراء بمنزلة الهبة ولهذا يصح بلفظها وإن قبضت الدّين منه ثمّ وهبته له ثمّ طلّقها فهو كهبة العين لنّه تعيّن بقبضه ، ويحتمل أن ل يرجع لنّه عاد إليه ما أصدقها فأشبه ما لو كان عينا فقبضتها ثمّ وهبتها أو وهبته العين أو أبرأته من الدّين ث ّم فسخت النّكاح بفعل من جهتها كإسلمها أو ردّتها أو إرضاعها لمن ينفسخ نكاحها برضاعه ففي الرجوع بجميع الصّداق عليها روايتان كما في الرجوع بالنّصف سواء .
اقتران المهر بشرط :
51
-قد يقترن المهر بشرط ومن ذلك :
أ -أن يسمّي الزّوج لزوجته في العقد مهرا أقلّ من مهر مثلها ويشرط فيه منفعةً مباحةً شرعا للزّوجة ،أو لحد محارمها -كأن يكون مهر مثلها خمسمائة دينار ،وسمّى لها ثلثمائة دينار على شرط ألّا يسافر بها ،أو ألّا يتزوّج عليها -فإن تحقّق الشّرط وجب
المسمّى ،وإن لم يتحقّق الشّرط وجب لها مهر مثلها ،لنّ الزّوجة ما رضيت بما دون مهر مثلها إلّا لتحقيق المنفعة المشروطة لها . وإن كان الشّرط مضرّ ًة لها ،كأن يتزوّج عليها ،أو منفعةً غير مباحة شرعا ،كأن يسقيها خمرا ،أو كانت المنفعة لجنبيّ عنها ،وجب المهر المسمّى ،لنّ المنفعة إذا كانت غير مباحة ل يجوز الوفاء بها ،ول يستحق بفواتها العوض ،وإذا كانت المنفعة لجنبيّ عنها تكون غير مقصودة لحد العاقدين ،فيجب المهر المسمّى في العقد . ب -أن يسمّي الزّوج لزوجته مهرا أكثر من مهر مثلها ويشترط عليها شرطا مرغوبا فيه كأن يكون مهر مثلها خمسمائة دينار ،وسمّى لها مهرا ألف دينار ،بشرط أن تكون بكرا ، فإن تحقّق الشّرط وجب المسمّى ،وإن لم يتحقّق وجب مهر المثل ،لنّه ما رضي بالزّيادة عن مهر المثل إلّا لهذا الوصف المرغوب فيه . ج -أن يسمّي الزّوج لزوجته مهرا على شرط ،ويسمّي لها مهرا آخر على شرط ،آخر كأن يتزوّجها على ألف دينار إن كانت متعلّمةً ،وعلى خمسمائة دينار إن كانت غير متعلّمة. قال أبو حنيفة :التّسمية الولى صحيحة ،فإذا تحقّق الشّرط وجب المشروط ،وأمّا التّسمية الثّانية فغير صحيحة ،لنّها لم تصادف محلً ،لوقوعها بعد الولى الصّحيحة ،فإن كانت غير متعلّمة وجب مهر المثل ل المسمّى ،ول يزيد على ألف دينار ،لرضاها به ،ول ينقص عن خمسمائة دينار لرضاه بها . وقال الصّاحبان :التّسميتان صحيحتان ،فإن كانت متعلّمةً وجب لها المسمّى الوّل ،وهو ألف دينار ،وإن كانت غير متعلّمة وجب المسمّى الثّاني ،وهو خمسمائة دينار ،لنّهما اتّفقا عليه ،وهذا هو الرّأي الرّاجح في المذهب الحنفيّ . عقِد بألف من الدّراهم مثلً وشُرِط على الزّوج إن كانت له زوجة وقال المالكيّة :لو ُ ل في الصّداق ،ويثبت فألفان ،فيفسخ قبل البناء للشّكّ في قدر الصّداق حال العقد فأثّر خل ً بعده بصداق المثل ،بخلف تزوجها بألف على أن ل يخرجها من بلدها أو ل يتزوّج عليها ،أو إن أخرجها من بلدها أو بيت أبيها أو تزوّج أو تسرّى عليها فألفان فصحيح إذ ل شكّ في قدره حال العقد ،والشّك في الزّائد متعلّق بالمستقبل ،أي من حيث المعلّق عليه فإنّه أمر يحصل في المستقبل والصل عدمه ،فالغرر فيه أخف من الواقع في الحالّ ،ول يلزم الزّوج الشّرط وهو عدم التّزوج والخراج ،وإنّما يستحب الوفاء به إن وقع ،وكره هذا الشّرط لما فيه من التّحجير عليه كما يكره عدم الوفاء به فالشّرط يكره ابتداءً ،فإن وقع أستحبّ الوفاء به وكره عدمه ،ول يلزمه اللف الثّانية إن خالف بأن أخرجها أو تزوّج .
ن لبيها ألفا أو أن يعطيه ألفا فالمذهب فساد وقال الشّافعيّة :لو نكح امرأةً بألف على أ ّ الصّداق في الصورتين ،لنّه جعل بعض ما التزمه في مقابلة البضع لغير الزّوجة ،ووجوب ن لفظ مهر المثل فيهما لفساد المسمّى ،والطّريق الثّاني فساده في الولى دون الثّانية ،ل ّ العطاء ل يقتضي أن يكون المعطى للب . ن فساد الصّداق ل يؤثّر في ولو شرط أحد الزّوجين خيارا في المهر فالظهر صحّة النّكاح ل ّ النّكاح ل المهر فل يصح في الظهر بل يفسد ،ويجب مهر المثل لنّ الصّداق ل يتمحّض عوضا بل فيه معنى النّحلة فل يليق به الخيار ،والمرأة لم ترض بالمسمّى إلّا بالخيار ، والثّاني يصح المهر أيضا لنّ المقصود منه المال كالبيع فيثبت لها الخيار ،والثّالث يفسد النّكاح لفساد المهر أيضا . وقالوا :لو نكحها على ألف إن لم يخرجها من البلد وعلى ألفين إن أخرجها وجب مهر المثل . وقال الحنابلة :إن تزوّجها على ألف إن كان أبوها حيّا وألفين إن كان ميّتا ،لم يصحّ . نصّ عليه وهو المذهب ،ونصّ أحمد على وجوب مهر المثل . وإن تزوّجها على ألف إن لم تكن له زوجة وألفين إن كانت له زوجة ،لم يصحّ .قال في الخلصة :على الصحّ ،قال المرداوي :والمنصوص أنّه يصح ،وهو المذهب .ونصّ أحمد على صحّة التّسمية ،وكذا الحكم لو تزوّجها على ألف إن لم يخرجها من دارها وعلى ألفين إن أخرجها .
قبض المهر وتصرف الزّوجة فيه :
52
-قال الحنفيّة :للب قبض صداق ابنته البكر صغير ًة كانت أو بالغةً ،ويبرأ الزّوج
ن له ولية التّصرف في مالها ،وأمّا البالغة فلنّها بقبضه ،أمّا الصّغيرة فل شكّ فيه ل ّ تستحيي من المطالبة به بنفسها كما تستحيي عن التّكلم بالنّكاح فجعل سكوتها رضا بقبض الب كما جعل رضا بالنّكاح ،ولنّ الظّاهر أنّها ترضى بقبض الب لنّه يقبض مهرها فيضم إليه أمثاله فيجهّزها به ،هذا هو الظّاهر فكان مأذونا بالقبض من جهتها دلل ًة حتّى لو نهته عن القبض ل يتملّك القبض ول يبرأ الزّوج ،وكذا الجد يقوم مقامه عند عدمه . وإن كانت ابنته عاقلةً وهي ثيّب فالقبض إليها ل إلى الب ،ويبرأ الزّوج بدفعه إليها ول يبرأ بالدّفع إلى الب ،وما سوى الب والجدّ من الولياء ليس لهم ولية القبض سواء كانت صغيرةً أو كبير ًة إلّا إذا كان الولي هو الوصي فله حق القبض إذا كانت صغير ًة كما يقبض ي حق القبض إلّا إذا كانت صغير ًة . سائر ديونها ،وليس للوص ّ
وذهب المالكيّة إلى أنّ وليّ الزّوجة المجبر وهو الب أو وصيه هو الّذي يقوم بتولّي قبض مهرها ،فإن لم يكن لها أب مجبر ،وكانت رشيد ًة ،فهي الّتي تقوم بقبض مهرها ،أو من توكّله عنها في قبضه ،وإن كانت سفيهةً فالّذي يتولّى قبض مهرها ولي مالها ،فإن لم يكن فالقاضي أو من ينوب عنه يقبض مهرها . وقال الشّافعيّة والحنابلة :للب قبض صداق ابنته الصّغيرة بغير إذنها وهذا بل نزاع عند الحنابلة ،ول يقبض صداق ابنته الثّيّب الكبيرة إلّا بإذنها إذا كانت رشيدةً ،فإن كانت محجورا عليها فله قبضه بغير إذنها ،وفي البكر البالغ روايتان ،إحداهما :ل يقبض إلّا بإذنها وهو المذهب عند الشّافعيّة والحنابلة ،والثّانية يقبضه بغير إذنها مطلقا . 53
-وللمرأة -سواء أكانت بكرا أم ثيّبا -ولية التّصرف في مهرها بك ّل التّصرفات
الجائزة لها شرعا ،ما دامت كاملة الهليّة ،كما هو الشّأن في تصرف كلّ مالك في ملكه ، ي أو لزوجها ،وليس لحد حق العتراض على فلها أن تشتري به ،وتبيعه ،وتهبه لجنب ّ تصرفها ،كما ليس لحد أن يجبرها على ترك شيء من مهرها لزوجها أو لغيره ،ولو كان أباها أو أمّها ،لنّ المالك ل يجبر على ترك شيء من ملكه ،ول على إعطائه لغيره ، ويورث عنها مهرها بوصفه من سائر أموالها ،مع مراعاة أن يكون من ضمن ورثتها ، وهذا عند جمهور الفقهاء . وقال الحنابلة :تملك الزّوجة الصّداق المسمّى بالعقد ،فإن كان الصّداق معيّنا كالعبد والدّار والماشية فلها التّصرف فيه لنّه ملكها فكان لها ذلك كسائر أملكها ونماؤه المتّصل والمنفصل لها وزكاته ونقصه وضمانه عليها سواء قبضته أو لم تقبضه ،لنّ ذلك كلّه من توابع الملك ،إلّا أن يتلف الصّداق المعيّن بفعلها فيكون إتلفه قبضا منها ،وإن كان الصّداق غير معيّن كقفيز من صبرة ملكته بالعقد ،وإن لم يدخل في ضمانها إلّا بقبضه ولم تملك التّصرف فيه إلّا بقبضه كمبيع .
هلك المهر واستهلكه واستحقاقه :
54
-قال الحنفيّة :إذا هلك المهر في يد الزّوجة أو استهلكته بعد أن قبضته فل ترجع على
الزّوج بشيء لبراءة ذمّته من المهر بعد دفعه إليها . وإذا استهلكه غيرها كان ضمانه على من استهلكه ،سواء أكان المستهلك الزّوج أم غيره . وأمّا إذا هلك في يد الزّوج ،أو استهلكه قبل أن تقبضه الزّوجة فهو ضامن لمثله ،أو قيمته ،سواء هلك من نفسه أو من فعل الزّوج . وإذا استهلكه أجنبيّ فهو ضامن له ،والزّوجة بالخيار بين تضمين الزّوج وتضمين الجنبيّ المستهلك ،فإن ضمنت الزّوج رجع على المستهلك بقيمة ما استهلكه .
وقال المالكيّة :إذا قبضت الزّوجة الصّداق قبل الدخول ،وهلك بيدها فضمانه منها ،أمّا لو كان فساده لعقده وكان فيه المسمّى ،ودخل الزّوج بزوجته كان ضمانها للصّداق بمجرّد العقد كالصّحيح سواء قبضته أو كان بيد الزّوج كما يؤخذ من الجهوريّ . فالمالكيّة يرون أنّ المهر إن تلف في يد أحد الزّوجين ،ولم يقم دليل على هلكه فخسارته على من هو في يده ،وأمّا إذا كانت هناك بيّنة على هلكه فضمانه على الزّوجين . وقال الشّافعيّة في الظهر :إنّ الزّوج إذا أصدق زوجته عينا يمكن تقويمها ،فتلفت العين في يده قبل القبض ضمنها ضمان عقد ل ضمان يد ،وقيل ضمان يد ،والفرق بين ضماني العقد واليد في الصّداق ،أنّه على الوّل يضمن بمهر المثل ،وعلى الثّاني يضمن بالبدل ي وهو المثل إن كان مثليّا ،والقيمة إن كان متقوّما . الشّرع ّ وعند الحنابلة :الصّداق إذا كان معيّنا فوجدت به عيبا فلها رده كالمبيع المعيب ،قال ابن قدامة :ل نعلم في هذا خلفا إذا كان العيب كثيرا ،فإن كان يسيرا فحكي أنّه ل يرد به . ن العقد ل لنّه عيب يرد به المبيع فر ّد به الصّداق كالكثير ،وإذا ر ّد به فلها قيمته ،ل ّ ينفسخ بردّه فيبقى سبب استحقاقه فيجب عليه قيمته كما لو غصبها إيّاه فأتلفه . وإن كان الصّداق مثليّا كالمكيل والموزون فردّته فلها عليه مثله لنّه أقرب إليه ،وإن اختارت إمساك المعيب وأخذ أرشه فلها ذلك في قياس المذهب . وإذا تزوّجها على عبد بعينه تظنه عبدا مملوكا فخرج حرا أو مغصوبا فلها قيمته لنّ العقد وقع على التّسمية فكانت لها قيمته كالمغصوب ،ولنّها رضيت بقيمته ،إذ ظنّته مملوكا فكان لها قيمته كما لو وجدته معيبا فردّته ،بخلف ما إذا قال :أصدقتك هذا الحرّ أو هذا المغصوب فإنّها رضيت بل شيء لرضاها بما تعلم أنّه ليس بمال أو بما ل يقدر على تمليكه إيّاها فكان وجود التّسمية كعدمها فكان لها مهر المثل . فإن أصدقها مثليّا فبان مغصوبا فلها مثله لنّ المثل أقرب إليه ولهذا يضمن به في التلف . ن الصّداق معيب كان لها منع وقالوا :إذا قبضت الزّوجة الصّداق وسلّمت نفسها ثمّ اتّضح أ ّ نفسها حتّى تقبض بدله ،أو أرشه ،لنّها إنّما سلّمت نفسها ظنا منها أنّها قبضت صداقها ، فتبيّن عدمه . وأمّا بالنّسبة لستحقاق المهر فينظر تفصيله في مصطلح ( استحقاق ف / الختلف في المهر أنواع :
الختلف في المهر :
أ -الختلف في أصل التّسمية . ب -الختلف في مقدار المهر المسمّى في العقد .
33
).
ج -الختلف في قبض شيء من المهر .
أ -الختلف في أصل التّسمية :
55
ل ،وأنكر -قال الحنفيّة :إذا ادّعى أحد الزّوجين أنّه سمّى مهرا معلوما كألف دينار مث ً
الخر حصول التّسمية فالبيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر ،فإن أقام مدّعي التّسمية البيّنة قضي بالمسمّى الّذي ادّعاه ،وإن عجز عن إقامتها ،وجّهت اليمين بطلبه إلى منكر التّسمية ،فإن نكل عن اليمين ،حكم عليه بسبب نكوله ،لنّه بمثابة اعتراف منه بدعوى المدّعي . وإن حلف أنّه لم يحصل تسمية أصلً ،رفضت دعوى التّسمية ،لعدم ثبوتها ،وحينئذٍ يحكم القاضي بمهر المثل باتّفاق أئمّة الحنفيّة ،لنّه هو الواجب الصلي بعقد الزّواج ،ويشترط ألّا ينقص مهر المثل عمّا ادّعاه الزّوج إن كان هو المدّعي ،لرضاه بالمسمّى الّذي ادّعاه ، وألّا يزيد عمّا ادّعته الزّوجة ،إن كانت هي المدّعية لرضاها بما ادّعت تسميته . وهذا الحكم السّابق إنّما يكون إذا كان الختلف بين الزّوجين في حالة تستحق فيها الزّوجة ل ،بأن كانت الزّوجيّة الصّحيحة قائمةً ،أو حصلت فرقة ،ولكن بعد وجود ما المهر كام ً يوجب المهر كاملً من دخول حقيقي أو حكمي . وأمّا إذا كان الختلف بعد الفرقة ،وقبل الدخول حقيقةً أو حكما -وثبتت التّسمية بالبيّنة ، أو بالنكول عن اليمين عند العجز عن إقامة البيّنة -حكم القاضي برفض دعوى التّسمية لعدم ثبوتها ،فالواجب المتعة لنّها تجب بعد الطّلق قبل الدخول والخلوة ،عند عدم تسمية مهر في العقد ،ولنّها تقوم مقام نصف مهر المثل ،على ألّا تنقص عن نصف ما سمّاه الزّوج ،إن كان هو المدّعي ،وألّا تزيد على نصف المهر الّذي تدّعيه الزّوجة إن كانت هي المدّعية . وإن كان الختلف بين أحد الزّوجين وورثة الخر ،أو بين ورثتهما ،فالحكم في هذه الحالة كالحكم في الختلف بين الزّوجين ،وهذا قول الصّاحبين . وأمّا المام أبو حنيفة فيخالف صاحبيه فيما إذا كان الختلف بين الزّوجين ،وطال العهد بموت الزّوجين وموت أقرانهما ،ويرى أنّه ل يحكم بشيء إن عجز ورثة الزّوجة عن إقامة البيّنة على دعواهم ،لعدم معرفة مهر المثل ،لتقادم عهد الموت . وإذا أمكن معرفة المثل ،لعدم تقادم عهد الموت ،فالمام وصاحباه متّفقون على وجوب مهر المثل بعد اليمين . وقال المالكيّة :إن أقام أحد الزّوجين البيّنة على دعواه قضي له بما ادّعاه ،وإن لم يقم البيّنة كان القول قول من يشهد له العرف في صحّة التّسمية ،وعدمها مع اليمين ،فإذا
ادّعى الزّوج أنّه تزوّجها تفويضا عند معتاديه ،وادّعت هي التّسمية فالقول للزّوج بيمين ، ولو بعد الدخول ،أو الموت ،أو الطّلق فيلزمه أن يفرض لها صداق المثل بعد البناء ،ول شيء عليه في الطّلق أو الموت قبل الدخول بها ،فإن كان المعتاد التّسمية ،فالقول لها بيمين ،وثبت النّكاح . وقال الشّافعيّة :إنّ الزّوجة لو ادّعت تسميةً لقدر أكثر من مهر مثلها ،فأنكر زوجها بأن ن حاصله الختلف في قدر قال لم تقع تسمية ،ولم يدّع تفويضا ،تحالفا في الصحّ ،ل ّ المهر ،لنّه يقول :الواجب مهر المثل ،وهي تدّعي زياد ًة عليه ،والثّاني :يصدّق الزّوج بيمينه ،لموافقته للصل ،ويجب مهر المثل ،ولو ادّعى تسميةً لقدر أقلّ من مهر المثل فأنكرت الزّوجة ذكرها تحالفا أيضا على الصحّ ،وبالتّحالف تنتفي الدّعوى ،ويبقى العقد بدون تسمية ،وحينئذٍ يجب مهر المثل . وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا اختلف الزّوجان أو ورثتهما ،أو أحدهما وولي الخر أو وارثه في تسمية المهر بأن قال :لم نسمّ مهرا ،وقالت :سمّى لي مهر المثل ،فالقول قول الزّوج بيمينه في إحدى الرّوايتين ،لنّه يدّعي ما يوافق الصل ،وهو الصّواب -كما قال المرداوي ، -ولها مهر المثل على كلتا الرّوايتين إن وجد ما يقرّره ،فإن طلّق ولم يدخل ن القول قوله في عدم التّسمية فهي مفوّضة . بها فلها المتعة بناءً على أ ّ وعلى الرّواية الخرى لها نصف مهر المثل لنّه المسمّى لها لقبول قولها فيه .
ب -الختلف في مقدار المهر المسمّى :
56
-إذا اختلف الزّوجان في مقدار المهر المسمّى بأن ادّعت الزّوجة أنّه ألف دينار ،
وادّعى الزّوج أنّه خمسمائة دينار . فقد اختلف فقهاء الحنفيّة في هذه القضيّة :فقال أبو حنيفة ومحمّد :إنّ كلّ واحد منهما مدّع ومنكر ،فأيهما أقام بيّنةً على دعواه قضي له بها . وإن أقاما بيّنتين ،فإن كان مهر المثل يشهد لحدى البيّنتين كانت مرجوحةً ،والبيّنة ن البيّنات شرعت لثبات خلف الظّاهر ،والظّاهر هنا مهر المثل ، الخرى راجحة ،ل ّ فالبيّنة الّتي تخالفه راجحة . مثال ذلك :إذا أقام الزّوج بيّن ًة على أنّ المهر المسمّى خمسمائة دينار ،وأقامت الزّوجة بيّنةً على أنّه ألف دينار ،فإن كان مهر مثلها خمسمائة أو أقلّ ،رجحت بيّنتها ،وحكم لها بألف دينار ،وإن كان مهر مثلها ألف دينار أو أكثر رجحت بيّنته ،وحكم لها بخمسمائة دينار .
وإن لم يشهد مهر المثل لحدى البيّنتين ،فإن كان أكثر ممّا ادّعى الزّوج ،أو أقلّ ممّا ادّعته الزّوجة ،تهاترت البيّنتان ،وحكم بمهر المثل . وإن لم يكن لحدهما بيّنة كان القول لمن يشهد له مهر المثل بيمينه ،فإن لم يشهد لحدهما تحالفا وبدئ بتحليف الزّوج فإن نكل أحدهما حكم عليه بما ادّعاه خصمه ،وإن حلفا حكم بمهر المثل . وقال أبو يوسف :إنّ الزّوجة تدّعي الزّيادة والزّوج ينكرها ،فتكون البيّنة على الزّوجة ، واليمين على الزّوج ،لنّه منكر للزّيادة .فإن قامت البيّنة على دعواها قضي لها بها ،وإن عجزت عن إقامتها وطلبت تحليف الزّوج وجّهت إليه اليمين ،فإن نكل عن اليمين حكم لها بدعواها ،وإن حلف الزّوج اليمين حكم له بالقدر الّذي ذكره إلّا إذا كان ما ادّعاه أقلّ من مهر مثلها ،فيحكم بمهر المثل . وقال المالكيّة :إن تنازعا في قدر المهر كأن يقول الزّوج :عشرة وتقول هي :بل خمسة عشر ،أو في صفته بأن قالت :بدنانير محمّديّة ،وقال :بل يزيديّة ،وكان اختلفهما قبل البناء ,فالقول لمدّعي الشبه بيمينه ,فإن نكل حلف الخر وثبت النّكاح ول فسخ . وإن لم يشبه واحد منها أو أشبها معا حلفا إن كانا رشيدين ,وإلّا فولي غير الرّشيد كل على طبق دعواه ,ونفى دعوى الخر ,وفسخ النّكاح بينهما ونكولهما كحلفهما ,وبدأت الزّوجة بالحلف لنّها كالبائع وقضي للحالف على النّاكل . س أو بعير مطلقا أشبها وفسخ النّكاح إن اختلفا في الجنس قبل البناء ,كذهب وثوب وفر ٍ معا أو أحدهما أو لم يشبها ,إن لم يرض أحدهما بقول الخر ,وإلّا فل فسخ . وإن اختلفا بعد البناء فالقول للزّوج بيمين ,فإن نكل حلفت وكان القول لها في القدر أو الصّفة ,وإن لم يشبه ,كما لو أشبه بالولى ,كالطّلق والموت ,أي :كما أنّ القول للزّوج بيمين إن اختلفا في القدر أو الصّفة قبل البناء بعد الطّلق والموت أشبه أو لم يشبه ,فل يراعى الشّبه وعدمه إلّا قبل البناء من غير طلق وموت . فإن نكل الزّوج في هذه المسائل حلفت الزّوجة وكان القول لها فيما إذا تنازعا بعد البناء أو بعد الطّلق . وقال الشّافعيّة :إذا اختلف الزّوجان في قدر مهر مس ّمىً كأن قالت نكحتني بألف ,فقال بخمسمائة ,أو في صفته كأن قالت بألف صحيحة فقال بل مكسّرة تحالفا ,فتحلف الزّوجة أنّه ما نكحها بخمسمائة وإنّما نكحها بألف ويحلف الزّوج أنّه ما نكحها بألف وإنّما نكحها بخمسمائة ,ويتحالف وارثاهما ووارث واحد منهما والخر إذا اختلفا فيما ذكر ويحلف الوارث في طرف النّفي على نفي العلم وفي طرف الثبات على البتّ ,فيقول وارث الزّوج :
واللّه ل أعلم أنّ مورّثي نكحها بألف إنّما نكحها بخمسمائة ,ويقول وارث الزّوجة :واللّه ل أعلم أنّه نكح مورّثتي بخمسمائة إنّما نكحها بألف ,ثمّ بعد التّحالف يفسخ المهر ,ويجب مهر مثل ,وإن زاد على ما ادّعته الزّوجة .وقيل :ليس لها في ذلك إلّا ما ادّعته ,ولو ادّعت تسميةً لقدر فأنكرها ,والمسمّى أكثر من مهر المثل تحالفا في الصحّ لرجوع ذلك إلى الختلف في القدر ,لنّه يقول :الواجب مهر المثل وهي تدّعي زيادةً عليه ,والثّاني :ل تحالف ,والقول قوله بيمينه لموافقته للصل ,ولو ادّعى تسمي ًة فأنكرتها والمسمّى أقل من مهر المثل فالقياس كما قال الرّافعي والنّووي مجيء الوجهين . وقال الحنابلة :إن اختلف الزّوجان في قدر الصّداق فالقول قول الزّوج مع يمينه وهو المذهب . وعن أحمد القول قول من يدّعي مهر المثل منهما ,وعنه :يتحالفان . ن القول قول من يدّعي مهر المثل منهما لو ادّعى أقلّ منه وادّعت أكثر منه وعلى الرّواية بأ ّ ردّت إليه بل يمين عند القاضي في الحوال كلّها . وقيل :يجب اليمين في الحوال كلّها . وكذا الحكم لو اختلف ورثتهما في قدر الصّداق ,وكذا لو اختلف الزّوج وولي الزّوجة الصّغيرة في قدره .
ج -الختلف في قبض جزء من المهر :
57
-إذا اختلف الزّوجان في قبض معجّل المهر كلّه أو بعضه بعد الدخول الحقيقيّ ،فإن
كان العرف يجري في البلد الّذي حصل فيه الزّواج بتقديم معجّل المهر إلى الزّوجة قبل أن ف إلى زوجها فل تصدّق الزّوجة في إنكارها ؛ لنّ العرف يقوم هنا مقام البيّنة للزّوج تز ّ فتثبت دعواه بالعرف من غير حاجة إلى إثباتٍ آخر . هذا هو قول الفقيه أبي اللّيث وقد أخذ به كثير من فقهاء الحنفيّة وخالفه فيه بعض الفقهاء ،حيث قالوا :إنّ العادة ل تثبت براءة ذمّة الزّوج بل تجعل الظّاهر معه فقط ، فللمرأة أن تطالبه بكلّ ما عليه ،وعلى الزّوج أن يثبت أنّه أوفاها ما يجب الوفاء به ،أو يحلف اليمين. وإن لم يوجد عُرف يقضي بدفع معجّل الصّداق قبل الدخول بها ،كان الحكم مبناه البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر . وقال المالكيّة :إن تنازع الزّوجان في قبض ما حلّ من الصّداق فقال الزّوج :دفعته لك ، وقالت :لم تدفعه بل هو باق عندك ،فقبل البناء القول قولها ،وإن كان التّنازع بعده فالقول قوله بيمين ،لكن بأربعة شروط :
الوّل :إن لم يكن العرفُ تأخير ما حلّ من الصّداق ،بأن كان عرفهم تقديمه أو ل عرف ، لهم فإن كان العرف تأخيره فل يكون القول قوله بل قولها . الثّاني :إن لم يكن معها رهن وإلّا فالقول لها ل له . الثّالث :إن لم يكن الصّداق مكتوبا بكتاب أي وثيقة ،وإلّا فالقول لها . الرّابع :إن ادّعى بعد البناء دفعه لها قبل البناء ،فإن ادّعى دفعه بعده فقولها وعليه البيان. وأمّا التّنازع في مؤجّل الصّداق فالقول لها كسائر الديون من أنّ من ادّعى الدّفع فل يبرئُه ب الدّين . إلّا البيّنة أو اعتراف من ر ّ وأمّا الشّافعيّة والحنابلة في المذهب فل يفرّقون بين ما قبل الدخول وبعده ،فقالوا :إنّ الزّوج إذا أنكر صداق امرأته ،وادّعت ذلك عليه ،فالقول قولها فيما يوافق مهر المثل سواء ادّعى الزّوج أنّه وفّى لها ،أو أبرأته منه أو قال :ل تستحق عليّ شيئا ،وسواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده ،وبه قال سعيد بن جبير ،والشّعبي ،وابن شبرمة ،وابن أبي ليلى ،والثّوري ،وإسحاق . والختلف بين أحد الزّوجين وورثة الخر ،أو بين ورثتهما ،كاختلف بين الزّوجين حال حياتهما .
س ّر ومهر العَلَن : د -مهر ال ّ
58
-قال الحنفيّة إذا اتّفق المتعاقدان سِرّا على مهر قبل العقد ،ثمّ تعاقدا علنا على مهر
أكثر منه من جنسه ،فإن اتّفقا على أنّ المذكور في العقد للسمعة والرّياء فالواجب هو مهر السّرّ . وإن اختلفا :فادّعى الزّوج أنّهما اتّفقا على مهر السّ ّر ،وأنكرت الزّوجة ذلك ،فإن أقام الزّوج بيّنةً على دعواه ،وجب مهر السّ ّر ،وإن عجز عن إقامة البيّنة فالقول قول الزّوجة ،ووجب مهر العلنية ؛ لنّه المسمّى في العقد . وإن اختلف جنس المهر ،كأن سمّى في العقد علنيةً بيتا ليكون مهرا للزّوجة ،وكان قد سمّى سرا ألف دينار مهرا ،فإن اتّفقا على أنّ مهر العلن للسمعة ،وأنّهما قد تواضعا سرا على ألف دينار ،فالواجب مهر المثل ؛ لنّ مهر المثل لم يذكر عند العقد ،وكذا مهر العلن لم يتّفق عليه فيرجع إلى الصل وهو مهر المثل ،وإن اختلفا فقال الزّوج :اتّفقنا على مهر السّرّ ،وأنكرت الزّوجة ذلك ،فإن أقام الزّوج البيّنة وجب مهر السّرّ ،وإن عجز عن إقامتها وجب مهر العلن لذكره في العقد . وأمّا إذا تمّ العقد سرا على مهر معيّن ،ثمّ تعاقدا ثانيةً علنيةً على مهر أكثر منه ،فإن اتّفقا أو أشهدا أنّ الزّيادة للسمعة ،فالمهر ما ذكر عند العقد في السّرّ ،وإن اختلفا ولم
يشهدا :فيرى أبو حنيفة وكذا محمّد وأبو يوسف في رواية عنهما أنّ المهر الواجب هو مهر العلنية؛ لنّه المذكور في العقد الثّاني ،وهو الظّاهر ،ورجّح ابن الهمام هذا الرّأي ، ن المهر الواجب هو ما اتّفقا عليه سرا ؛ لنّه ويرى أبو يوسف ومحمّد في رواية أخرى أ ّ مقصد العاقدين ،وما جاء يعتبر لغوا ،ما دام ل يقصد به نقض الوّل ،وروي عن أئمّة الحنفيّة غير ذلك . وقال المالكيّة :إذا اتّفق الزّوجان على صداق بينهما في السّ ّر وأظهرا في العلنية صداقا ن المعوّل عليه والمعتبر ما اتّفقا عليه في السّرّ سواء كان يخالفه قدرا أو صفةً أو جنسا ،فإ ّ شهود السّرّ هم شهود العلنية أو غيرهم ،خلفا لبي حفص بن العطّار من أنّه ل بدّ من إعلم بيّنة السّرّ بما وقع في العلنية ،كما في نقل الموّاق عنه ،فإن تنازعا وادّعت المرأة على الرّجل أنّهما رجعا عمّا اتّفقا عليه في السّ ّر إلى ما أظهراه في العلنية وأكذبها الزّوج كان لها أن تحلّفه على ذلك ،فإن حلف عمل بصداق السّ ّر ،وإن نكل عمل بصداق العلنية بعد حلفها على الظّاهر كما نقله البنانيّ عن ابن عاشر ،ومحل حلف الزّوج ما لم تقم بيّنة على أنّ صداق العلنية ل أصل له وإنّما هو أمر ظاهريّ والمعتبر إنّما هو صداق السّرّ ، وإلّا عمل بصداق السّ ّر من غير تحليفه . وقال الشّافعيّة :لو توافق الولي والزّوج أو الزّوجة إذا كانت بالغةً على مهر كان سرا كمائة وأعلنوا زياد ًة كمائتين فالمذهب وجوب ما عقد به اعتبارا بالعقد ؛ لنّ الصّداق يجب به سواء كان العقد بالقلّ أم بالكثر . وقال الحنابلة :إذا كرّر العقد على صداقين سر وعلنية ،بأن عقد سرا على صداق وعلنيةً على صداق آخر أخذ بالزّائد سواء كان صداق السّ ّر أو العلنية للحوق الزّيادة بالصّداق بعد العقد . وإن قال الزّوج هو عقد واحد أسررته ثمّ أظهرته فل يلزمني إلّا مهر واحد ،وقالت الزّوجة ن الثّاني عقد صحيح يفيد حكما بل عقدان بينهما فرقة فالقول قولها بيمينها لنّ الظّاهر أ ّ كالوّل ،ولها المهر في العقد الثّاني إن كان دخل بها ونصفه في العقد الوّل إن ادّعى ن الصل عدم لزومه له ،وإن أص ّر على إنكار جريان سقوط نصفه بالطّلق قبل الدخول ؛ ل ّ عقدين بينهما فرقة سئلت فإن ادّعت أنّه دخل بها في النّكاح الوّل ثمّ طلّقها طلقا بائنا ثمّ نكحها نكاحا ثانيا حلفت على ذلك واستحقّت ما ادّعته ،وإن أقرّت بما يسقط نصف المهر أو جميعه لزمها ما أقرّت به .
ولو اتّفقا قبل العقد على مهر وعقداه بأكثر منه أخذ بما عقد به لنّها تسمية صحيحة في عقد صحيح فوجبت كما لو لم يتقدّمها اتّفاق على خلفها وكعقد النّكاح هز ًل وتلجئةً بخلف البيع . ويستحب أن تفي بما وعدت به وشرطته من أنّها ل تأخذ إلّا مهر السّ ّر ،لكيل يحصل منها غرور ولحديث « :المسلمون على شروطهم » .
هـ -اختلف الزّوجين في المقبوض :
59
-قال الحنفيّة :لو بعث إلى امرأته شيئا من النّقدين أو العروض أو ممّا يؤكل قبل
الزّفاف أو بعده ،ولم يذكر جهة الدّفع -مهرا أو غيره -فقالت هو هديّة وقال :هو من المهر أو من الكسوة أو عارية فالقول له بيمينه ،والبيّنة لها أي إذا أقام كل منهما بيّنةً تقدّم بيّنتها ،فإن حلف والمبعوث قائم فلها أن تردّه لنّها لم ترض به مهرا وترجع بباقي المهر ،وذلك في غير المهيّأ للكل كثياب وشاة حيّة وسمن وعسل وما يبقى شهرا ، ن الظّاهر يكذّبه . والقول لها في المهيّأ للكل كخبز ولحم مشوي ل ّ وقال الشّافعيّة :لو أعطاها ما ًل فقالت أعطيته لي هد ّيةً وقال :بل صداقا ،فالقول قوله بيمينه ،وإن لم يكن المعطى من جنس الصّداق كان أو غيره لنّه أعرف بكيفيّة إزالة ملكه فإذا حلف الزّوج ،فإن كان المقبوض من جنس الصّداق :وقع عنه ،وإلّا فإن رضيا ببيعه بالصّداق فذاك ،وإلّا استردّه وأدّى لها الصّداق ،فإن كان تالفا فله البدل عليها . وقال الحنابلة :إن دفع الزّوج إلى زوجته ألفا أو دفع إليها عرضا فقال :دفعته صداقا وقالت :هبةً ،فالقول قوله مع يمينه لنّه أعلم بنيّته ،ومثله النّفقة والكسوة ،لكن إذا كان ما دفعه من غير جنس الواجب عليه فلها رده ومطالبته بصداقها الواجب ؛ لنّه ل يقبل قوله في المعارضة بل بيّنة .
الجهاز ومتاع البيت :
60
-المهر حق خالص للزّوجة ،تتصرّف فيه كيف تشاء ،فليس عليها إعداد البيت ،حيث
ل يوجد نص من مصادر الشّريعة يوجب على الزّوجة أن تجهّز بيت الزّوجيّة ،كما أنّه ل يوجد ما يدل على أنّ الجهاز واجب على أبيها ،وليس لحد أن يجبرها على ذلك ،فإذا قامت بالجهاز وما يلزم من أثاث ،وأدواتٍ فهي متبرّعة . وإعداد البيت واجب على الزّوج ،فهو الّذي يجب عليه أن يقوم بكلّ ما يلزم لعداد مسكن الزّوجيّة من فرشٍ ،ومتاع ،وأدوات منزليّة ،وغير ذلك ممّا يحتاج إليه البيت ؛ لنّ ذلك من النّفقة الواجبة عليه للزّوجة . وقال الشّافعيّة والحنابلة :الصّداق كله ملك للمرأة ول يبقى للرّجل فيه شيء .
وقال الحنفيّة :إذا زاد الزّوج في المهر على مهر المثل -ويقصد من وراء ذلك أن تقوم الزّوجة بإعداد الجهاز -دون أن يفصل الزّيادة عن المهر ،فليس عليها مع هذا تجهيز نفسها بقليل أو كثير ؛ لنّ المهر حق خالص للزّوجة ؛ تعظيما لشأنها ،ل في مقابل ما تزف به إليه من جهاز . أمّا إذا دفع لزوجته مالً فوق مهرها نظير إعداد الجهاز ،فتكون الزّوجة ملزمةً بالجهاز في حدود ما دفعه زيادةً على المهر ،وإن لم تقم بالجهاز كان له الحق في استرداد ما أعطى ، وإذا سكت الزّوج بعد الزّفاف عن المطالبة مدّ ًة تدل على رضاه ،فيسقط حقه ،ول يرجع عليها بشيء . أمّا المالكيّة فيرون أنّ المهر ليس حقا خالصا للزّوجة ،ولهذا ل يجوز لها أن تنفق منه على نفسها ،ول تقضي منه دينا عليها ،وإن كان للمحتاجة أن تنفق منه ،وتكتسي بالشّيء القليل بالمعروف ،وأن تقضي منه الدّين القليل الدّينار إذا كان المهر كثيرا ؛ لنّ عليها أن تتجهّز بما جرت به العادة في جهاز مثلها لمثله ،بما قبضته من المهر قبل الدخول إن كان حالً ،ول يلزمها أن تتجهّز بأزيد منه ،فإن دخل بها قبل القبض فل يلزمها التّجهيز ،إلّا إذا كان هناك شرطٌ ،أو عُرف فيتّبع . وعلى هذا فللزّوج أن ينتفع بجهاز زوجته ،ما دام النتفاع في حدود المتعارف عليه بين النّاس .
المهر حال مرض الموت :
61
-فرّق الحنفيّة بين ما إذا تزوّج المريض وكان مدينا ،وبين ما إذا تزوّج وكان غير
مدين . الحالة الولى :إذا كان المريض مدينا :فإن تزوّج بمهر المثل جاز ،وتُحاصصُ الزّوجة صحّة في مهرها بعد موته إن لم يكن نقدها إيّاه في حياته ،فيقسم المال عليها غرماء ال ّ وعليهم على قدر حصصهم ،وذلك لنّ مهرها دين لها على زوجها ،فيكون مساويا لدين صحّة ،وذلك لوجوبه بأسباب معلومة ل مردّ لها ،حيث إنّ النّكاح لمّا جاز في المرض ، ال ّ وهو ل يجوز إلّا بالمهر ،كان وجوب المهر ظاهرا معلوما لظهور سبب وجوبه وهو النّكاح ،فلم يكن وجوبه محتملً ،فيتعلّق بماله ضرور ًة . أمّا إذا نقدها مهرها قبل موته ،فل يسلّم لها المنقود ،بل يتبعها ويشاركها فيه غرماؤه في ن حقّهم تعلّق صحّة بعد وفاته ،وتكون أسوة الغرماء ،كل على قدر حصّته ،وذلك ل ّ حال ال ّ بماله في مرضه ،ولو سلّم لها كل مهرها المنقود لبطل حق الغرماء الباقين في عين المال
ن ما وصل إليه من المنفعة ،ل يصلح لقضاء حقوقهم ،فصار وجود هذا وفي ماليّته ؛ ل ّ العوض في حقّهم وعدمه بمنزلة واحدة ،وكان إبطالً لحقّهم ،وليست له ولية البطال . ولنّه أخرج عن ملكه ما تعلّق به حقهم من غير عوض يقوم مقامه في تعلق حقّهم به ، فالمهر بدل عن ملك النّكاح وملك النّكاح ل يحتمل تعلق حقّ الغرماء به ؛ لنّه منفعة ، فصار كما إذا قضى دين بعض الغرماء ،فلبقيّتهم أن يشاركوه ،فكذا هذا . أمّا إذا زاد المريض على مهر المثل ،فقد قال المام محمّد بن الحسن في كتابه الزّيادات : صحّة على الزّيادة على مهر مثلها . يقدّم دين ال ّ الحالة الثّانية :إذا لم يكن المريض مدينا :وفي هذه الحالة اعتبروا الزّواج جائزا من رأس المال إذا كان بمهر المثل ؛ لنّه صرف لماله في حوائجه الصليّة ،فيقدّم بذلك على وارثه . وإنّما قيّد التّزوج بمهر المثل ؛ لنّ الزّيادة عليه محاباة ،وهي باطلة إلّا أن يجيزها ن حكمها حكم الوصيّة للزّوجة الوارثة ،والوصيّة ل تجوز لوارث إلّا أن يجيزها الورثة ،ل ّ الورثة ،وإن كان النّكاح صحيحا . وذهب الشّافعيّة إلى جواز النّكاح في مرض الموت ،حيث جاء في المّ :ويجوز للمريض أن ينكح جميع ما أحلّ اللّه تعالى ،أربعا وما دونهنّ ،كما يجوز له أن يشتري ،لكنّهم فرّقوا فيما يثبت للزّوجة من المهر بين موت الزّوجة وموت الزّوج . فإذا ماتت الزّوجة كان لها جميع ما أصدقها به ،صداق مثلها من رأس المال ،والزّيادة عليه من الثلث ،كما إذا وهب لجنبيّة فقبضته ،فإنّه يكون من الثلث . أمّا إذا مات الزّوج ،فقد فرّقوا بين ما إذا كانت الزّوجة من أهل الميراث عند موته ،وبين ما إذا لم تكن : أ -فإن كانت من أهل الميراث عند موته ،فينظر :إن كان أصدقها بصداق المثل ،جاز لها من جميع المال ،وإن زاد على صداق المثل ،فالزّيادة محاباة . ح قبل موته ، فإن صحّ قبل أن يموت ،جاز لها مع الزّيادة من جميع المال ؛ لنّه لمّا ص ّ كان كمن ابتدأ نكاحا وهو صحيح . وإن مات قبل أن يصحّ ،بطلت الزّيادة على صداق مثلها ،وثبت النّكاح ،وكان لها الميراث. ب -أمّا إذا كانت ممّن ل يرث ،كذمّيّة وأمةٍ ثمّ مات وهي عنده ،جاز لها جميع الصّداق ، صداق مثلها من جميع المال ،والزّيادة عليه من الثلث ؛ لنّها غير وارث ،ولو أسلمت ال ّذمّيّة قبل موته أو عتقت المة قبله فصارت وارثا ،بطل عنها ما زاد على صداق المثل .
وقال الحنابلة :إذا تزوّج في مرض الموت بمهر يزيد على مهر المثل ففي المحاباة روايتان :إحداهما أنّها موقوفة على إجازة الورثة لنّها عطيّة لوارث ،والثّانية :تنفذ من الثلث .قال ابن رجب :ويحتمل أن يكون مأخذه أنّ الرث المقارن للعطيّة ل يمنع نفوذها ، كما يحتمل أن يقال :إنّ الزّوجة ملكتها في حال ملك الزّوج البضع ،وثبوت الرث مترتّب على ذلك . وفرّق المالكيّة بين ما إذا تزوّج المريض صحيحةً ،وبين ما إذا تزوّج الصّحيح مريضةً ، وبين ما إذا تزوّج المريض مريض ًة مثله . الحالة الولى :إذا تزوّج المريض صحيحةً فقد فرّق المالكيّة بين موته قبل الفسخ وبين موته بعده ،فإن مات قبل فسخه ،فلها القل من الصّداق المسمّى وصداق المثل من ثلث ماله ،سواء دخل بها أو لم يدخل . أمّا إذا مات بعد فسخه ،فينظر :إن كان الفسخ قبل موته وقبل الدخول فليس لها شيء من المهر ،وإن كان الفسخ قبل موته وبعد الدخول ،كان لها المسمّى تأخذه من ثلثه مبدّأ إن مات ،ومن رأس ماله إن صحّ . الحالة الثّانية :إذا تزوّجت المريضة صحيحا ،فلها مهرها المسمّى من رأس المال ،سواء زاد على صداق المثل أم ل إن كانت مدخولً بها ،ومثل الدخول موته أو موتها قبل الفسخ والدخول . الحالة الثّالثة :إذا تزوّج المريض مريض ًة مثله :فيغلب جانب الزّوج ،ويكون حكم المهر إليها حكم ما لو كان الزّوج فقط هو المريض .
التّعريف : 1
ُمهْلة *
-المهلة في اللغة :السّكينة والرّفق ،يقال :مهل في فعله مهلً :تناوله برفق ولم يعجل
،وأمهله :لم يعجّله ،وأنظره ،ورفق به ،ومهّله تمهيلً :أجّله . ول يخرج المعنى في الصطلح عن معناه في اللغة . أ -الجل : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
جلُ الشّيء :مدّته ووقته الّذي -الجل لغةً :مصدر أجلَ الشّيء أجلً من باب تعب ،وأَ َ
يحل فيه . واصطلحا :قال البركتي :هو الوقت المضروب المحدود في المستقبل .
والعلقة بين المهلة والجل هي العموم والخصوص المطلق ،فكل مهلة أجل وليس كل أجل مهلةً ،فقد يحدّد الشّرع أوقاتا للحكم كمدّة الحمل والعدّة والحيض والنّفاس دون تأخير في تنفيذه دائما كما هو الحال في المهلة . ب -المدّة : 3
-المدّة لغةً :البرهة من الزّمان يقع على القليل والكثير ،والجمع مدد مثل غرفة
وغرف. ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . والعلقة بين المهلة والمدّة العموم والخصوص المطلق فكل مهلة مدّة وليست كل مدّة مهلةً. يتعلّق بالمهلة أحكام منها :
الحكام المتعلّقة بالمهلة : أ -إمهال الكفيل :
4
ن للحاكم أن يمهل الكفيل مدّةً لحضار المكفول الغائب في بلد آخر -اتّفق الفقهاء على أ ّ
ن مدّة المهال مقدّرة بمدّة ذهابه وإيابه . إذا طلب الغريم منه إحضاره وأ ّ وشرط جمهورهم من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أن تكون غيبة المكفول في موضع معلوم، وزاد الحنفيّة والشّافعيّة على ذلك أمن الطّريق ،وسواء كانت المسافة قريبةً أو بعيدةً عند الحنفيّة والحنابلة . وشرط المالكيّة أن يكون المكفول غائبا قريب الغيبة مثل اليوم وشبهه ،فإن بعدت فل إمهال وغرم الكفيل . ويرى الشّافعيّة أنّه إن كان السّفر طويلً أمهل مدّة إقامة السّفر وهي ثلثة أيّام غير يومي الدخول والخروج ،ثمّ إن مضت المدّة المذكورة ولم يحضره حبس .
ب -إمهال المولي بعد مدّة اليلء :
5
-يرى المالكيّة أنّ الزّوج ل يعد موليا إذا حلف ليعزلن عن زوجته ،أو ل يبيتن ،أو
ترك الوطء ضررا وإن غائبا ،أو سرمد العبادة بل ضرب أجل لليلء على الصحّ في الفروع الربعة خلفا لمن قال إنّه يكون موليا في المسائل الربع فيضرب له أجل اليلء ، فإن انقضى ولم يف طلّق عليه ،لكن الغائب ل ب ّد من طول غيبته سنةً فأكثر ،ول ب ّد من الكتابة إليه إمّا أن يحضر أو ترحّل امرأته إليه أو يطلّق ،فإن امتنع تلوّم له بالجتهاد وطلّق عليه . أمّا الشّافعيّة فإنّ الزّوج إذا حلف أن ل يطأ زوجته مطلقا أو مدّةً تزيد على أربعة أشهر فهو مول ،ويؤجّل له بمعنى يمهل المولي وجوبا إن سألت زوجته ذاك أربعة أشهر ،وإذا انتهت
مدّة اليلء فل يمهل ليفئ أو يطلّق ؛ لنّه زيادة على ما أمهله اللّه ،والحق إذا حلّ ل يؤجّل ثانيا ،إلّا إذا أستمهل لشغل أمهل بقدر ما يتهيّأ لذلك الشّغل ،فإن كان صائما أمهل حتّى يفطر أو جائعا فحتّى يشبع ،أو ثقيلً من الشّبع فحتّى يخفّ ،أو عليه النعاس فحتّى يزول والستعداد في مثل هذه الحوال بقدر يوم فما دونه . ن المولي الممتنع من الجماع بعد المدّة يؤمر بالطّلق وإلّا حبس وضيّق وذهب الحنابلة إلى أ ّ عليه حتّى يطلّق ،فإن قال :أمهلوني حتّى أصلّي فرضي أو أتغذّى أو ينهضم الطّعام عنّي أو أنام فإنّي ناعسٌ ونحوه أمهل بقدر ذلك ويمهل المحرم حتّى يحلّ . وإن كان المولي مظاهرا لم يؤمر بالوطء ويقال له :إمّا تكفّر وتفيء وإمّا أن تطلّق ،فإن طلب المهال ليطلب رقبة يعتقها أو طعاما يشتريه أمهل ثلثة أيّام وإن علم أنّه قادر على التّكفير في الحال وإنّما قصده المدافعة لم يمهل ،وإن كان فرضه الصّيام لم يمهل حتّى يصوم بل يؤمر أن يطلّق وإن كان قد بقي عليه من الصّيام مدّة يسيرة عرفا أمهل فيها .
ج -إمهال الشّفيع لحضار الثّمن :
6
ن الثّمن إذا لم يكن حاضرا وقت التّملك وطلب الشّفيع أجلً لنقد -اتّفق الفقهاء على أ ّ
الثّمن أمهله القاضي ثلثا عند المالكيّة والشّافعيّة . وعند الحنفيّة له أن يمهله يوما أو يومين أو ثلثا ،وعند الحنابلة له أن يمهله يومين أو ثلثةً .
د -إمهال المرتدّ :
7
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في قول إلى أنّ المرتدّ يمهل ثلثة أيّام
لستتابته على الخلف بين وجوب الستتابة أو استحبابها ،غير أنّ الحنفيّة نصوا على أنّه يستتاب ،فإن أبى السلم نظر المام في ذلك ،فإن طمع في توبته أو سأل هو التّأجيل أجّله ثلثة أيّام ،وإن لم يطمع في توبته ولم يسأل هو التّأجيل قتله من ساعته ،وهذا في ظاهر الرّواية ،وفي النّوادر عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنّه يستحب للمام أن يؤجّله ثلثة أيّام طلب ذلك أو لم يطلب . وفي الظهر عند الشّافعيّة ل يمهل وتجب الستتابة في الحال . وتفصيل ذلك في ( ردّة ف /
35
).
هـ -إمهال تنفيذ العقوبة خشية تعدّيها :
8
-إذا كان تنفيذ العقوبة المستحقّة يخشى منه تعدّيها إلى غير المستحقّ لها ،كما إذا
ل ،أو كان الجاني على ما كانت المرأة المستحقّة للقتل رجما أو قصاصا أو غيرهما حام ً
دون النّفس عمدا موجبا لقصاص فيما دون النّفس مريضا مرضا يخشى منه على نفسه ، أمهلت الحامل حتّى تضع ،والمريض حتّى يبرأ . وللتّفصيل انظر مصطلح ( حدود ف /
41
وما بعدها ) .
و -إمهال المكاتب :
9
ن المكاتب إذا عجز عند حلول النّجم وكان له مال يرجى ُأ ْمهِل ،فقد -اتّفق الفقهاء على أ ّ
ن الحاكم ينظره يومين أو ثلثةً ول يزاد عليها لنّ في ذلك نظرا ص الحنفيّة على أ ّ ن ّ للجانبين ،والثّلثة مدّة تضرب لبلء العذار . ن للحاكم أن يمهل من يرجى يسره . ويرى المالكيّة أ ّ ب له إمهاله إعانةً له وقال الشّافعيّة :لو استمهل المكاتب سيّده عند حلول النّجم لعجز أستح ّ على تحصيل العتق فإن أمهل السّيّد مكاتبه ثمّ أراد الفسخ فله ذلك ؛ لنّ الدّين الحالّ ل ض وكانت الكتابة غيرها ،واستمهل لبيعها أمهله وجوبا يتأجّل ،وإن كان مع المكاتب عرو ٌ ليبيعها لنّها مدّة قريبة ،ولو لم يمهلها لفات مقصود الكتابة فإن لم يمكن بيعها فورا كأن عرض كساد فله أن ل يزيد في المهلة على ثلثة أيّام لتضرره بذلك ،وهو المعتمد ، ومقتضى كلم المام عدم وجوب المهال ،فقد نقل عنه في الرّوضة وأصلها جواز الفسخ وصحّحاه ،وإن كان ماله غائبا واستمهل لحضاره أمهله السّيّد وجوبا إلى إحضاره إن كان غائبا فيما دون مرحلتين لنّه بمنزلة الحاضر كان غائبا بأن كان على مرحلتين فأكثر فل يجب المهال لطول المدّة . ن له مالً غائبا عن وعند الحنابلة إذا عجز المكاتب عن أداء نجم الكتابة ،فإذا ذكر أ ّ المجلس في ناحية من نواحي البلد أو قريب منه لم يجز فسخ الكتابة ،وأمهل بقدر ما يتمكّن فيه من الوفاء لقصر مدّته ،ويلزم السّيّد إنظاره ثلثا لبيع عرض أو لمال غائب مسافة قصر يرجو قدومه ولدين حال على مليء أو قبض مودع .
ز -إمهال البغاة
10
ن أهل البغي إذا سألوا المام النظار ورجا رجوعهم عمّا هم -أجمع الفقهاء على أ ّ
عليه إلى طريق أهل العدل فعليه أن يمهلهم . انظر مصطلح ( بغاة ف /
10
).
ح -المهال في الدّعوى :
المهال في الدّعوى إمّا أن يكون للمدّعي أو للمدّعى عليه ،وبيان ذلك فيما يلي :
إمهال المدّعي :
11
ن الحنفيّة يرون أنّه لو -إذا طلب المدّعي مهلةً ليقدّم البيّنة الشّاهدة على ما يدّعيه فإ ّ
قال المدّعي :لي بيّنة حاضرة لم يستحلف ،وقيل لخصمه أعطه كفيلً بنفسك ثلثة أيّام كيل يضيع حقه بتغييبه نفسه ،وفيه نظر للمدّعي ،وليس فيه كثير ضرر بالمدّعى عليه لنّ ن الحقّ لم الحضور واجب عليه إذا طلبه وهذا استحسان ،والقياس أن ل يلزم الكفيل ل ّ يجب عليه بعد . والتّقدير بثلثة أيّام مرويّ عن أبي حنيفة رحمه اللّه وهو الصّحيح ،وعن أبي يوسف أنّه مقدّر بما بين مجلسي القضاء ،حتّى إذا كان يجلس في كلّ يوم يكفل إلى اليوم الثّاني ،وإن كان يجلس في كلّ عشرة أيّام يوما يكفل إلى عشرة . فإن أبى لزمه حيث صار . والشّافعيّة يرون إمهاله ثلثة أيّام . وقيل :عند الشّافعيّة أنّه يمهل أبدا لنّ اليمين حقه فله تأخيره إلى أن يشاء كالبيّنة . وهل المهال عندهم واجب أو مستحب ؟ وجهان . أمّا المالكيّة فإنّهم تركوا تقدير مدّة المهال إلى القاضي . ن المدّعي لو سأل القاضي ملزمة المدّعى عليه حتّى يقيم البيّنة ،أجيب في أمّا الحنابلة فإ ّ المجلس ،فإن لم يحضرها في المجلس صرفه ،ول يجوز حبسه .ول يلزم بإقامة كفيل ، ولو سأله المدّعي ذلك .
إمهال المدّعى عليه :
12
-إذا طلب المدّعى عليه مهل ًة ليأتي بحجّة أو ينظر في حسابه ،فجمهور الفقهاء من
المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة يرون إمهاله . ن المالكيّة أرجعوا تحديد مدّة المهال إلى القاضي . إلّا أ ّ وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فإنّهم يرون المهال ثلثة أيّام . 13
-وإذا اس ُتحْلِف المدّعى عليه فطلب المهال ،فقد نصّ الحنفيّة على أنّ المدّعى عليه
بعد عرض القاضي عليه اليمين مرّتين يمهله ثلثة أيّام ،ث ّم إذا جاء بعد ثلثة أيّام وقال :ل ت ،ول ن القاضي ل يقضي عليه حتّى ينكل ثلثةً ويستقبل عليه اليمين ثلث مرّا ٍ أحلف ،فإ ّ يعتبر نكوله قبل الستمهال . وذهب الشّافعيّة في قول إلى أنّ المدّعى عليه إذا اس ُتحْلِف فطلب المهال لينظر حسابه فإنّ القاضي يمهله ثلثة أيّام . والمعتمد عند الشّافعيّة أنّه ل يمهل إلّا برضا المدّعي لنّه مقهور على القرار واليمين بخلف المدّعي فإنّه مختار في طلب حقّه وتأخيره .
14
-إذا طلب المدّعى عليه مهل ًة ليقدّم البيّنة المجرّحة في البيّنة الشّاهدة عليه أمهله
القاضي عند جمهور العلماء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وله عند المالكيّة أن يجتهد في تقدير مدّة المهال ،أمّا الشّافعيّة في المعتمد ،والحنابلة فإنّه يمهله ثلثة أيّام غير يومي المهال والعودة عند الشّافعيّة ،وفي قول للشّافعيّة أنّه يمهله يوما فقط . 15
-وإذا قال المدّعى عليه بعد ثبوت الدّعوى :قضيتُه أو أبرأني ،وذكر له بيّنةً بالقضاء
أو البراء وسأل النظار أنظر ثلثا عند الشّافعيّة والحنابلة . ونصّ الشّافعيّة على أنّه إذا ادّعى العبد أداء مال الكتابة وأنكر السّيّد وأراد العبد إقامة البيّنة أمهل ثلثا . ولكن هل المهال واجب أو مستحب ؟ وجهان أوجههما الوجوب .
انظر :احتراف .
انظر :إحياء الموات .
التّعريف : 1
ِمهْنة * مَوات * ُموَا َثبَة *
-المواثبة لغةً :مصدر واثب ،يقال :واثبه مواثبةً ووثابا :وثب كل منهما على
صاحبه ،والثلثي :وثب ،ويأتي بمعان يقال :وثب يثب وثبا :طفر وقفز ،ويقال :وثب إلى المكان العالي :بلغه ،والعامّة تستعمله بمعنى :المبادرة والمسارعة . واصطلحا :المواثبة في الشّفعة طلب الشّفعة على وجه السرعة والمبادرة . أ -الطّفر : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الطّفر لغ ًة :من باب ضرب ،يقال :طفر طفرا وطفورا أيضا ،والطّفرة أخص من
الطّفر ،وهو الوثوب في ارتفاع كما يطفر النسان الحائط إلى ما وراءه .قاله الزهري وغيره وزاد المطّرّزي على ذلك فقال :ويدل على أنّه وثب خاص قول الفقهاء :زالت بكارتها بوثبة أو طفرة ،وقيل :الوثبة من فوق والطّفرة إلى فوق . ب -المبادرة :
3
-المبادرة لغةً المسارعة ،من بابي :قعد ،وقاتل .يقال :بادر إلى الشّيء بدورا ،
وبادر إليه مبادرةً وبدارا :أسرع .وتبادر القوم :أسرعوا . واستعمل الفقهاء المبادرة في طلب الشّفعة لفظ المواثبة . والعلقة بين المبادرة والمواثبة هي أنّ كلّ مواثبة مبادرة وليس كل مبادرة مواثبةً .
مشروعيّة المواثبة :
4
-المواثبة مشروعة لما ورد في الثر « :الشّفعة لمن واثبها » .
ن طلبها ليس لثبات الحقّ في الشّفعة ،بل ليعلم أنّه والحكمة من مشروعيّتها في الشّفعة أ ّ غير معرض عن الشّفعة .
وقت طلب المواثبة :
5
-اختلف الفقهاء في وقت طلب المواثبة في الشّفعة ،هل هي على الفور أو حتّى ينقضي
مجلس العلم بالشّفعة أو أنّ وقتها متّسع إلى مدّة محدّدة أو غير محدّدة ؟ أقوال . انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( شفعة ف /
29
-
32
).
الشهاد على طلب المواثبة :
6
ن الشهاد على طلب المواثبة ،هو شرط صحّة لها ،أو هو لثبات -اختلف الفقهاء في أ ّ
الحقّ عند الخصومة على تقدير النكار ؟ انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( شفعة ف /
انظر :هدنة .
ث. انظر :إر ٌ
انظر :وضيعة .
انظر :تواطؤٌ .
التّعريف :
33
).
موَادَعة * مَواريث * مواضَعة * مُواطأة مَواطِن الجابة *
1
ن يقال َ :وطَنَ فلنٌ بالمكان ، -المواطن جمع الموطن ،والموطن :اسم المكان من َوطَ َ
وأوطن :إذا قام به ،وأوطنه أيضا :اتّخذه وطنا . والوَطَن :المنزل تقيم به ،وهو موطنُ النسان ومحله .ويقال :أوطَنَ فلنٌ أرض كذا ، ل ومسكنا يقيم فيها . أي اتّخذها مح ً والموطن أيضا :الموقف والمشهد من مشاهد الحرب .قال اللّه تعالى َ { :لقَدْ نَصَ َر ُكمُ الّلهُ ن كَثِيرَةٍ وَ َي ْومَ حُنَيْنٍ } ،وإذا اتّخذ الرّجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به فِي َموَاطِ َ يصلّي فيه ،قيل :أوطَنَ فيه ،وفي الحديث « :نهى النّبي صلى ال عليه وسلم صلّى اللّه عليه وسلّم عن نُقرة الغراب ,وافتراش السّبع وأن يوطِنَ الرّجل المكان في المسجد كما يوطِنُ البعير » ،أي كالبعير ل يأوي من العطن إلّا إلى مبركٍ قد أوطنه واتّخذه مُناخا . والجابة المقصودة هنا :إجابة اللّه تبارك وتعالى دعا َء الدّاعين . ن من دعا فيها استُجيب له . ن الّتي يغلب على الظّنّ أ ّ ومواطن الجابة على هذا :هي المظا ّ
حكم تحرّي الدعاء في مواطن الجابة :
2
-تحرّي الدعاء في مواطن الجابة مستحب ،ويفهم الستحباب من مختلف الصّيغ
سحَارِ ُهمْ الواردة في الكتاب والسنّة ،كالثّناء على فاعله في مثل قول اللّه تعالى { :وَبِالْ َأ ْ َيسْ َتغْفِرُونَ } ،وكالتّخصيص في نحو قوله تعالى في الحديث القدسيّ « :من يدعوني فأستجيب له ،من يسألني فأعطيه ،من يستغفرني فأغفر له » ،وربّما صرّحت بعض الحاديث بالمر المفيد للستحباب ،كما في حديث عمرو بن عبسة أنّه سمع النّبيّ صلى ال عليه وسلم يقول « :أقرب ما يكون الرّب من العبد في جوف اللّيل الخر ،فإن استطعت أن تكون ممّن يذكر اللّه في تلك السّاعة فكن » . قال الغزالي :من آداب الدعاء أن يترصّد لدعائه الوقات الشّريفة ،كيوم عرفة من السّنة ، ويوم الجمعة من كلّ أسبوع ،ووقت السّحر من ساعات اللّيل . وقال النّووي :قال أصحابنا -يعني الشّافعيّة -يستحب أن يكثر في ليلة القدر من الدّعوات المستحبّة ،وفي المواطن الشّريفة . وقال البهوتي :يتحرّى الدّاعي أوقات الجابة كالثلث الخير من اللّيل ،وعند الذان والقامة. 3
ن حصول المطلوب -وليس معنى كون الزّمان المعيّن أو المكان المعيّن موطنا للجابة أ ّ
بالدعاء متعيّن بكلّ حال ،بل المراد أنّه أرجى من غيره . قال ابن حجر في شرح حديث « :ينزل ربنا : » . . .ل يعترض على ذلك بتخلّفه عن ط من شروط الدعاء ،كالحتراز في بعض الدّاعين ؛ لنّ سبب التّخلّف وقوع الخلل في شر ٍ
المطعم والمشرب والملبس ،أو لستعجال الدّاعي ،أو بأن يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم ،أو تحصل الجابة به ويتأخّر وجود المطلوب لمصلحة العبد ،أو لمر يريده اللّه تعالى ي صلى ال عليه وسلم قال ،ويدل على ذلك حديث أبي سعيد الخدريّ رضي ال عنه أنّ النّب ّ « :ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ول قطيعة رحم ،إلّا أعطاه اللّه بها إحدى ثلث :إمّا أن تعجّل له دعوته ،وإمّا أن يدّخرها له في الخرة ،وإمّا أن يصرف عنه من السوء مثلها ،قالوا :إذا نكثر ؟ قال :اللّه أكثر » . واللّه تعالى وعد الدّاعي بأن يستجيب له ،وعدا مطلقا غير مقيّد بزمان أو مكان أو حال ، ب ُأجِيبُ ب َلكُمْ } ،وقال { َوإِذَا سََألَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِي ٌ قال تعالى { :ادْعُونِي َأسْتَجِ ْ ع إِذَا دَعَانِ } . عوَةَ الدّا ِ دَ ْ فإجابته للدعاء في كلّ وقتٍ توجّه إليه فيه العبد بالدعاء ،ولذا كان تخصيص موطن معيّن بالجابة دالً على تأكدها فيه ،وليس المراد الحصر ونفي الجابة عمّا عداه . 4
-مواطن الجابة ثلثة أنواع :
أنواع مواطن الجابة :
أ -أوقات شريفة اختصّها اللّه تعالى بأن جعلها مواسم لهذه المّة تحصّل بها رضوان اللّه شهَدُوا مَنَافِعَ َل ُهمْ وَيَ ْذكُرُوا اسْمَ تعالى بذكره ودعائه ،كما قال تعالى في مناسك الحجّ { :لِ َي ْ الّلهِ } . ب -أماكن شريفة خصّها اللّه تعالى بذلك ،وهي مواطن محدودة يكون فيها الدّاعي متلبّسا بعبادة أخرى . ج -أحوال معيّنة يرجى فيها قبول الدعاء . منها الدعاء عند زحف الصفوف في سبيل اللّه تعالى ،وعند نزول الغيث ،وعند إقامة الصّلوات المكتوبة . والدعاء بعرفة مثال لما اجتمع فيه شرف الزّمان وشرف المكان وشرف الحال . قال الغزالي :وبالحقيقة يرجع شرف الوقات إلى شرف الحوال ،إذ وقت السّحر وقت صفاء القلب وإخلصه ،وفراغه من المشوّشات ،ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة اللّه ع ّز وجلّ .قال :فهذا أحد أسباب شرف الوقات ،سوى ما فيها من أسرار ل يطّلع البشر عليها . وفي كل من هذه المواطن تفصيل بيانه فيما يلي :
أوّلً -المواطن الزّمانيّة : أ -ثلث اللّيل الخر :
5
-ثلث اللّيل الخر من مواطن الجابة ،ودليل ذلك ما ورد عن أبي هريرة رضي ال عنه
ي صلى ال عليه وسلم قال « :ينزل ربنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدنيا أنّ النّب ّ حين يبقى ثلث اللّيل الخر ،يقول :من يدعوني فأستجيب له ،من يسألني فأعطيه ،من يستغفرني فأغفر له » .وفي رواية « :حتّى ينفجر الفجر » . ونقل ابن حجر عن الزهريّ أنّه قال :ولذلك كانوا يفضّلون صلة آخر اللّيل على أوّله . وذهب بعض العلماء إلى أنّ هذا الوقت يبدأ من منتصف اللّيل إلى أن يبقى من اللّيل سدسه ،ثمّ يبدأ وقت السّحر ،وهو موطن آخر ،لما روى عمرو بن عبسة رضي ال عنه قال « :قلت :يا رسول اللّه أي اللّيل أسمع ؟ قال :جوف اللّيل الخر » . على أنّه قد ورد من حديث جابر رضي ال عنه قال :سمعنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول « :إنّ في اللّيلة لساعةً ل يوافقها رجل مسلم يسأل اللّه خيرا من أمر الدنيا ن اللّيل كلّه مظنّة إجابة . والخرة إلّا أعطاه إيّاه ،وذلك كلّ ليلة » ،وهو يعني أ ّ
ب -وقت السّحر :
6
-السّحر هو آخر اللّيل قبل أن يطلع الفجر .
وقيل :هو من ثلث اللّيل الخر إلى طلوع الفجر . ويرى الغزالي أنّه السدس الخير من اللّيل . قال القرطبي :هو وقت ترجى فيه إجابة الدعاء ،ونقل عن الحسن في قوله تعالى { : سحَارِ ُهمْ َيسْ َتغْفِرُونَ } ،قال :مدوا الصّلة من أوّل ن ،وَبِا ْلَأ ْ ن اللّ ْيلِ مَا َي ْهجَعُو َ كَانُوا قَلِيلًا مّ َ اللّيل إلى السّحر ،ثمّ استغفروا في السّحر .
ج -بعد الزّوال :
7
-قال النّووي :يستحب الكثار من الذكار وغيرها من العبادات عقب الزّوال لما ُروّينا
ن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يصلّي عن عبد اللّه بن السّائب رضي ال عنه « أ ّ أربعا بعد أن تزول الشّمس قبل الظهر ،وقال :إنّها ساعة تفتح فيها أبواب السّماء ،وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح » .
د -يوم الجمعة وليلتها وساعة الجمعة :
8
-ورد الحديث بأنّ « يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشّمس » ،وورد حديثٌ في قبول
الدعاء يوم الجمعة من غير نظر إلى ساعة الجمعة . ن في يوم الجمعة ساعةً ل يسأل أمّا ساعة الجمعة ،فقال الشّوكاني :تواترت النصوص بأ ّ العبد فيها ربّه شيئا إلّا أعطاه إيّاه .
ي صلّى اللّه عليه وسلّم صلى ال عليه وسلم من طرقٍ عن عدد من وقد روي عن النّب ّ الصّحابة رضي ال عنهم ذكر ساعة الجابة يوم الجمعة ،منها ما روى أبو هريرة رضي ال عنه :رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر يوم الجمعة فقال « : فيه ساعة ل يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلّي يسأل اللّه تعالى شيئا إلّا أعطاه إيّاه . وأشار بيده يقلّلها » . ن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلى ال عليه وسلم قال « : وعن أبي لبابة البدريّ أ ّ إنّ يوم الجمعة سيّد اليّام وأعظمها عند اللّه . . .فيه خمس خلل فذكر منهنّ :وفيه ساعة ل يسأل اللّه فيها العبد شيئا إلّا أعطاه ما لم يسأل حراما » . واختلف الفقهاء والمحدّثون في تعيين السّاعة المذكورة على أكثر من أربعين قولً ،عدّدها الشّوكاني ،ونقل عن المحبّ الطّبريّ أنّه قال :أصح الحاديث في تعيينها حديث أبي موسى ي صلّى اللّه عليه وسلّم صلى ال عليه وسلم يقول في ساعة رضي ال عنه أنّه سمع النّب ّ الجمعة « :هي ما بين أن يجلس المام إلى أن تقضى الصّلة » ،واختار ذلك النّووي أيضا. ي صلّى اللّه وأمّا ليلة الجمعة ،فقد روي من حديث ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما أنّ النّب ّ ن في ليلة الجمعة ساعةً عليه وسلّم صلى ال عليه وسلم قال لعليّ رضي ال عنه « :إ ّ الدعاء فيها مستجاب » .نقله الشّوكاني في تحفة الذّاكرين .
هـ -أيّام رمضان ولياليه وليلة القدر :
9
-فضل رمضان معروف .واستدلّ بعضهم لجابة الدعاء فيه بحديث أبي هريرة رضي
ال عنه قال :قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلى ال عليه وسلم « :ثلثة ل ترد دعوتهم الصّائم حتّى يفطر . » . . . وأمّا ليلة القدر ،فقد ورد فيها عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت « :يا رسول اللّه ت أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها ؟ قال :قولي :الّل ُهمّ إنّك عفو كريم تحب أرأيتَ إن علم ُ العفو فاعفُ عنّي » . وإنّما كانت موطنا ؛ لجابة الدعاء لنّها ليلة مباركة تتنزّل فيها الملئكة ،جعلها اللّه تعالى شهْرٍ } ، ف َ لهذه المّة خيرا من ألف شهر ،وقال تعالى في شأنها { :لَيْ َل ُة الْقَدْ ِر خَيْ ٌر مّنْ أَلْ ِ قال الشّوكاني :وشرفها مستلزم لقبول دعاء الدّاعين فيها ،ولهذا أمرهم النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم صلى ال عليه وسلم بالتماسها ،وحرّض الصّحابة على ذلك . وقد روي ما يدل على أنّ الدعاء فيها مجاب . ونقل النّووي عن الشّافعيّ :أستحبّ أن يكون اجتهاده في يومها كاجتهاده في ليلتها .
ثانيا -المواطن المكانيّة : أ -الملتزم :
10
-الملتزم هو ما بين الركن الّذي فيه الحجر السود وباب الكعبة ،جاء عن ابن عبّاسٍ
رضي ال عنهما أنّه كان يلزم ما بين الركن والباب ،وكان يقول :ما بين الركن والباب ، يُدعى الملتزم ،ل يلزم ما بينهما أحدٌ يسأل اللّه شيئا إلّا أعطاه إيّاه . ونقل ابن جماعة عن ابن حبيب من المالكيّة أنّ الملتزم الموضع الّذي يُعتَنق ويُ ِلحّ الدّاعي فيه بالدعاء ،قال :وقد سمعت مالكا يستحب ذلك .
ب -عرفة :
11
-نبّه النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم صلى ال عليه وسلم إلى اغتنام الدعاء في هذا
الموطن بقوله « :خير الدعاء دعاء يوم عرفة ،وخير ما قلت أنا والنّبيّون من قبلي :ل إله إلّا اللّه وحده ل شريك له ،له الملك وله الحمد ،وهو على كلّ شيء قدير » ،قال الشّوكاني :ثبت ما يدل على فضيلة هذا اليوم وشرفه حتّى كان « صومه يكفّر سنتين » ، وورد في فضله ما هو معروف ،وذلك يستلزم إجابة الدّاعين فيه .
ج -مشاعر الحجّ :
12
-الحج من أعظم العمال المقرّبة إلى اللّه تعالى ،نقل النّووي عن الحسن البصريّ أنّه
قال :الدعاء هنالك يستجاب في خمسة عشر موضعا :في الطّواف ،وعند الملتزم ،وتحت الميزاب ،وفي البيت ،وعند زمزم ،وعلى الصّفا والمروة ،وفي المسعى ،وخلف المام ، وفي عرفاتٍ ،وفي المزدلفة ،وفي منىً ،وعند الجمرات الثّلث .
ثالثا -الحوال الّتي هي مظنّة الجابة : أ -الدعاء بين الذان والقامة وبعدها :
13
-الذان من أعظم الشّعائر ،يُذك ُر فيه اللّه تعالى بالتّوحيد ،ويُشهد لنبيّه صلّى اللّه عليه
وسلّم بالرّسالة ،ويُنشر ذلك على رءوس النّاس بالصّوت الرّفيع إلى المدى البعيد ،ويُدعى ي صلّى ن النّب ّ عباد اللّه لقامة ذكر اللّه ،وقد ورد من حديث سهل بن سعد رضي ال عنه أ ّ اللّه عليه وسلّم قال « :ثنتان ل تردّان أو قلّما تردّان :الدعاء عند النّداء ،وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا » . وورد من حديث أنسٍ رضي ال عنه أنّه عليه الصلة والسلم قال « :الدعاء ل يرد بين الذان والقامة » . وروي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص « :أنّ رجلً قال :يا رسول اللّه إنّ المؤذّنين يفضلوننا ،قال :قل كما يقولون ،فإذا انتهيت فسلْ ُت ْعطَه » .
وورد أيضا استجابة الدعاء بعد القامة ،وهو حديث سهل بن سعد رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ساعتان تفتح فيهما أبواب السّماء :عند حضور الصّلة ،وعند الصّفّ في سبيل اللّه » .
ب -الدعاء حال السجود :
14
ن فيه يتمثّل كمال العبوديّة والتّذلّل والخضوع للّه -وإنّما كان السجود مظنّة الجابة ؛ ل ّ
تعالى ،يضع العبد أكرم ما فيه ،وهو جبهته ووجهه على الرض وهي موطئُ القدام ، تعظيما لربّه تبارك وتعالى ،ومع كمال التّذلل والتّعظيم يزداد القرب والمكانة من ربّ العزّة ،فيكون ذاك مظنّة عود اللّه تعالى على عبده بالرّحمة والمغفرة والقبول ،ولهذا قال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم « :إنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ،فأمّا الركوع فعظّموا فيه ال ّربّ عزّ وجلّ ،وأمّا السجود فاجتهدوا في الدعاء ،ف َقمِنٌ أن يستجاب لكم » ، ي صلّى اللّه عليه وسلّم قال « :أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو وروى أبو هريرة أنّ النّب ّ ساجد فأكثروا الدعاء » . ول فرق في ذلك بين سجود الفرض وسجود النّفل ،إلّا ما قاله القاضي من الحنابلة من أنّه ل يستحب الزّيادة على " سبحان ربّي العلى " في الفرض ،وفي التّطوع روايتان . ونصّ المالكيّة والشّافعيّة على أنّه يندب الدعاء في السجود . وزاد الشّافعيّة :بدينيّ أو دنيوي إن كان منفردا أو إماما لمحصورين ،أو لم يحصل بالدعاء طول ،وإلّا فل .
ج -الدعاء بعد الصّلة المفروضة :
15
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ ما بعد الصّلة المفروضة موطن من مواطن إجابة الدعاء
؛ لما روي من حديث مسلم بن الحارث رضي ال عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه أسر إليه فقال « :إذا انصرفت من صلة المغرب ،فقل :الّل ُهمّ أجرني من النّار ،سبع مرّاتٍ ،فإنّك إذا قلت ذلك ثمّ متّ من ليلتك كتب لك جوار منها ،وإذا صلّيت الصبح فقل ت في يومك كتب لك جوار منها » . كذلك ،فإنّك إن م ّ وورد ما يدل على أنّ الدعاء في دبر الصّلوات المكتوبة على العموم ،فيها أسمع من غيرها ،وهو ما روي من حديث أبي أمامة رضي ال عنه أنّه قال « :قيل :يا رسول اللّه ، أيّ الدعاء أسمعُ ؟ قال :جوف اللّيل الخر ،ودبر الصّلوات المكتوبات » . وقد نقل الغزالي عن مجاهد قال :إنّ الصّلوات جعلت في خير الوقات ،فعليكم بالدعاء خلف الصّلوات .
وروي عن العرباض بن سارية رضي ال عنه مرفوعا « :من صلّى صلة فريضة فله دعوة مستجابة ،ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة » .
د -حال الصّوم وحال الفطار من الصّوم :
16
ك عِبَادِي عَنّي فَإِنّي -أمر اللّه بصوم رمضان ،وذكر إكمال العدّة ثمّ قال َ { :وإِذَا سَأَلَ َ
عوَ َة الدّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْ َيسْ َتجِيبُو ْا لِي وَلْ ُي ْؤمِنُواْ بِي َلعَّل ُهمْ يَ ْرشُدُونَ } .وفي ذلك قَرِيبٌ ُأجِيبُ دَ ْ إشارة إلى المعنى المذكور .قال ابن كثير :في ذكره تعالى هذه الية الباعثة على الدعاء متخلّلةً بين أحكام الصّيام إرشاد إلى الجتهاد في الدعاء عند إكمال العدّة ،بل وعند كلّ فطر؛ لما روى عبد اللّه بن عمرو رضي ال عنهما قال :سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول « :للصّائم عند إفطاره دعوة مستجابة ،فكان عبد اللّه بن عمرو رضي ال عنهما إذا أفطر دعا أهله وولده ثمّ دعا » ولما روي أيضا « :إنّ للصّائم عند فطره دعوةً ما ُترَدّ » .
هـ -الدعاء بعد قراءة القرآن وبعد ختمه :
17
-د ّل على استجابة الدعاء بعد قراءة القرآن وبعد ختمه ما روي من حديث عمران بن
حصين رضي ال عنه أنّه قال :سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول « :من قرأ القرآن فليسأل اللّه به ،فإنّه سيجيء أقوام يقرءون القرآن يسألون به النّاس » ,وحديث العرباض بن سارية « :من ختم القرآن فله دعوة مستجابة » .
و -دعوة المسافر :
18
-السّفر من مواطن الجابة لحديث أبي هريرة رضي ال عنه مرفوعا « :ثلث دعواتٍ
مستجابات :دعوة المظلوم ،ودعوة المسافر ،ودعوة الوالد على ولده » .قال ابن علّان : المراد المسافر إن لم يكن عاصيا بسفره كما هو ظاهر ،والولد إن كان ظالما لبيه عاقا له .
ز -الدعاء عند القتال في سبيل اللّه :
19
-القتال في سبيل اللّه موضع إجابة ؛ لنّ المجاهد في سبيل اللّه باذ ٌل نفسه وماله في
مرضاة ربّه ،وباذل جهده كلّه لرفع كلمة اللّه تعالى . ي صلّى اللّه عليه وسلّم قال « : وقد روي من حديث سهل بن سعد رضي ال عنه أنّ النّب ّ ساعتان تفتح فيهما أبواب السّماء :عند حضور الصّلة ،وعند الصّفّ في سبيل اللّه » ، وفي رواية قال « :وعند البأس حين يُلحِم بعضهم بعضا » . ن النّبيّ قال « :أطلبوا الدعاء عند التقاء الجيوش ،وإقامة الصّلة ونزول الغيث وروي أ ّ ».
ج -حال اجتماع المسلمين في مجالس الذّكر :
20
-اجتماع المسلمين في مجالس الذّكر من مواطن الجابة لحديث « :ل يقعد قوم
يذكرون اللّه عزّ وجلّ إلّا حفّتهم الملئكة وغشيتهم الرّحمة ،ونزلت عليهم السّكينة ، وذكرهم اللّه فيمن عنده » .ولحديث « :إنّ اللّه تعالى يقول لملئكته :قد غفرت لهم ، فيقولون :ربّ فيهم فلن ،عبد خطّاء ،إنّما مرّ فجلس معهم ،قال :فيقول :وله غفرت ، هم القوم ل يشقى بهم جليسهم » ،ولحديث أمّ عطيّة في خروج النّساء يوم العيد وفيه « : ن مجامع المسلمين - يشهدن الخير ودعوة المسلمين » .قال الشّوكاني :فهذا دليل على أ ّ أي للذّكر -من مواطن الدعاء .
ط -دعاء المؤمن لخيه بظهر الغيب :
21
-ورد في استجابة دعاء المؤمن لخيه بظهر الغيب حديث أبي الدّرداء مرفوعا « :
دعوة المرء المسلم لخيه بظهر الغيب مستجابة ،عند رأسه ملكٌ موكّل ،كلّما دعا لخيه بخير قال الملك الموكّل به :آمين ،ولك بمثل » .
ي -دعوة الوالد لولده وعليه :
22
-ورد في حديث أبي هريرة « :ثلث دعواتٍ مستجابات :دعوة المظلوم ،ودعوة
المسافر ،ودعوة الوالد على ولده » . قال ابن علّان في دعوة الوالد على ولده :أي إن كان الولد ظالما لبيه عاقا له .
ك -دعوة المظلوم ودعوة المضطرّ والمكروب :
23
ي صلّى اللّه عليه -دعوة المظلوم ورد فيها حديث أبي هريرة رضي ال عنه أنّ النّب ّ
وسلّم صلى ال عليه وسلم قال « :دعوة المظلوم مستجابة ،وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه » . ن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أرسل معاذا رضي س رضي ال عنهما أ ّ وفي حديث ابن عبّا ٍ ال عنه إلى اليمن ،فذكر ما أوصاه به ،وفيه « :واتّق دعوة المظلوم ،فإنّه ليس بينها وبين اللّه حجاب » ،وفي حديث أبي هريرة « :دعوة المظلوم يرفعها اللّه فوق الغمام ويفتح لها أبواب السّماء ،ويقول الرّب :وعزّتي لنصرنّك ولو بعد حين » . ضطَرّ إِذَا دَعَاهُ } . ب ا ْلمُ ْ وأمّا المضطر ،فقد قال اللّه تعالى َ { :أمّن ُيجِي ُ وأمّا المكروب الّذي ل يجد له فرجا إلّا من عند اللّه ،فيدل لكونه مجاب الدّعوة قوله تعالى ت أَن لّا إِ َل َه إِلّا أَنتَ ن إِذ ذّ َهبَ ُمغَاضِبا َفظَنّ أَن لّن ّنقْدِ َر عَلَ ْيهِ فَنَادَى فِي الظُّلمَا ِ { :وَذَا النّو ِ ك نُنجِي ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } . ن ا ْلغَمّ َوكَذَلِ َ ن الظّا ِلمِينَ ،فَاسْ َتجَبْنَا َل ُه وَ َنجّيْنَاهُ مِ َ سُ ْبحَانَكَ إِنّي كُنتُ مِ َ
ن هذه الستجابة عامّة لك ّل من كان في مثل حال وفي قوله { َوكَذَلِكَ نُنجِي ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } بيان أ ّ يونس عليه السلم من الخلص وإفراد اللّه تعالى بالرّجاء والتّوجُه الصّادق .
ل -الدعاء عند نزول الغيث :
24
ل عن النّبيّ صلى ال عليه -قال النّووي :روى الشّافعي في " المّ " بإسناده حديثا مرس ً
وسلم قال « :أطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش ،وإقامة الصّلة ،ونزول الغيث» . قال الشّافعي :وقد حفظت عن غير واحد طلب الجابة عند نزول الغيث وإقامة الصّلة . وممّا يؤكّد صحّة ذلك ما في بعض روايات حديث سهل بن سعد رضي ال عنه من قوله صلى ال عليه وسلم « :وتحت المطر » .
م -دعوة المريض :
25
-المرض من مواطن الجابة لحديث عمر بن الخطّاب رضي ال عنه قال :قال رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم « :إذا دخلت على مريض فمره فليدع لك ،فإنّ دعاءه كدعاء الملئكة » . قال ابن علّان :وذلك لنّه مضطر ودعاؤه أسرع إجابةً من غيره ،ونقل عن المرقاة أنّه شبه الملئكة في التّنقّي من الذنوب ،أو في دوام الذّكر والتّضرّع واللّجأ .
ن -حال أولياء اللّه :
26
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :يقول اللّه تعالى :من عادى لي وليّا فقد -ورد أ ّ
ي ممّا افترضته عليه ،وما يزال عبدي آذنته بالحرب ،وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إل ّ يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه ،فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به ،وبصره الّذي يبصر به ،ويده الّتي يبطش بها ،ورجله الّتي يمشي بها ،وإن سألني لعطينه ،ولئن استعاذ بي لعيذنه . » . . .قال ابن القيّم :ولمّا حصلت هذه الموافقة للعبد مع ربّه تعالى في محابّه ب لعبده في حوائجه ومطالبه ،أي :كما وافقني في مرادي بامتثال حصلت موافقة الرّ ّ أوامري والتّقرّب إليّ بمحابّي ،فأنا أوافقه في رغبته ورهبته فيما يسألني أن أفعل به ، ويستعيذني أن يناله مكروه .
س -حال المجتهد في الدعاء إذا وافق اسم اللّه العظم :
27
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم سمع رجلً -يشهد لذلك حديث بريدة السلميّ « أ ّ
يدعو وهو يقول :الّل ُهمّ إنّي أسألك بأنّي أشهد أنّك أنت اللّه ل إله إلّا أنت ،الحد الصّمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . . .فقال :لقد سأل اللّه باسمه العظم الّذي إذا سُئل به أعطى وإذا دُعي به أجاب » .وفي لفظٍ « :والّذي نفسي بيده لقد سأل اللّه باسمه العظم » .
ويشهد لذلك أيضا حديث أنس بن مالك رضي ال عنه « أنّه كان مع رسول اللّه صلى ال ن لك الحمد ل إله إلّا أنت عليه وسلم ورجل يصلّي ،ثمّ دعا فقال :الّل ُهمّ إنّي أسألك بأ ّ المنّان بديع السّماوات والرض ،يا ذا الجلل والكرام ،يا حي يا قيّوم ،فقال النّبي صلى ال عليه وسلم لصحابه :تدرون بما دعا ؟ قالوا :اللّه ورسوله أعلم .قال :والّذي نفسي بيده ،لقد دعا اللّه باسمه العظيم الّذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى » .
مَواقِيت *
التّعريف : 1
ت مصدر ميميّ ،وهو يطلق على الزّمان -المواقيت في اللغة :جمع ميقاتٍ ،ولفظ ميقا ٍ
والمكان . فالميقات والموقوت بمعنى واحد ،وهو الشّيء المحدود زمانا أو مكانا . ت عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ كِتَابًا ّم ْوقُوتا } ،أي ن الصّلَةَ كَانَ ْ فمن أمثلته للزّمان قوله تعالى { :إِ ّ مفروضا ،أو لها وقت كوقت الحجّ . ي صلى ال عليه وسلم وقّت لهل ومن استعماله للمكان ما جاء في الحديث « أنّ النّب ّ المدينة ذا الحليفة » . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
ما يتعلّق بالمواقيت من أحكام : مواقيت الصّلة :
2
-ممّا هو متّفق عليه بين أهل العلم أنّ دخول الوقت من شروط صحّة الصّلة ،ودليل
ت عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ كِتَابًا ّم ْوقُوتا } . ن الصّلَةَ كَانَ ْ ذلك من الكتاب قوله تعالى { :إِ ّ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :أمّني ومن السنّة حديث ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما أ ّ جبريل عليه السلم عند البيت مرّتين ،فصلّى الظهر في الولى منهما حين كان الفيء مثل الشّراك ،ثمّ صلّى العصر حين كان كل شيء مثل ظلّه ،ثمّ صلّى المغرب حين وجبت الشّمس وأفطر الصّائم ،ثمّ صلّى العشاء حين غاب الشّفق ،ث ّم صلّى الفجر حين برق الفجر وحرم الطّعام على الصّائم ،وصلّى المرّة الثّانية الظهر حين كان ظل كلّ شيء مثله لوقت العصر بالمس ،ثمّ صلّى العصر حين كان ظل كلّ شيء مثليه ،ثمّ صلّى المغرب لوقته الوّل ،ث ّم صلّى العشاء الخرة حين ذهب ثلث اللّيل ،ثمّ صلّى الصبح حين أسفرت الرض، ي جبريل فقال :يا محمّد ،هذا وقت النبياء من قبلك ،والوقت فيما بين هذين ثمّ التفتَ إل ّ الوقتين » .
وتفصيل مواقيت الصّلة في مصطلح ( أوقات الصّلة ف 3 /وما بعدها ) .
وقت الجمعة :
3
-وقت الجمعة عند الحنفيّة ،والمالكيّة ،والشّافعيّة بعد الزّوال ،ول يجوز أداؤها قبل
ذلك . ووقت الجمعة عند الحنابلة :جوازا قبل الزّوال . وتفصيل ذلك في ( صلة الجمعة ف /
).
10
وقت صلة العيدين :
4
-ذهب فقهاء الحنفيّة ،والمالكيّة ،والحنابلة ،وهو وجه في مذهب الشّافعيّة :إلى أنّ
أوّل وقت صلة العيدين بعد طلوع الشّمس وابيضاضها . ن أوّل وقتها أوّل طلوع الشّمس ،وهو الصّحيح من مذهب الشّافعيّة . وذهب قوم إلى أ ّ وتفصيل ذلك في مصطلح ( صلة العيدين ف . ) 6 /
الوقات الّتي نهي عن الصّلة فيها :
5
-هناك أوقات نهى الشّارع عن الصّلة فيها أتفق على بعضها ،واختلف في بعضها
الخر . وتفصيل ذلك في ( أوقات الصّلة ف /
23
وما بعدها ) .
وقت زكاة الفطر :
6
-وقت وجوب زكاة الفطر عند الحنفيّة بطلوع الفجر من يوم عيد الفطر ،وبه قال مالك
في رواية عنه . وذهب الشّافعيّة في الظهر والحنابلة إلى أنّ الوجوب بغروب شمس آخر يوم من رمضان وهو أحد قولين للمالكيّة . وتفصيل ذلك في ( زكاة الفطر ف . ) 8 /
وقت الضحية :
7
-اتّفق الفقهاء على أنّ وقت الضحية هو يوم العاشر من ذي الحجّة ،ول تجوز قبله .
واختلفوا في وقت مشروعيّة بدايتها على مذاهب تفصيلها في ( أضحية ف /
وقت الهلل بالحجّ :
8
39
).
ن الهلل بالحجّ يكون في أشهر الحجّ ؛ لنّها الميقات الزّمني للحجّ -اتّفق الفقهاء على أ ّ
وأشهر الحجّ تبدأ بهلل شوّال . وتفصيل ذلك في مصطلح ( حجّ ف /
34
).
وقت الوقوف بعرفة :
9
-الوقوف بأرض عرفة من يوم عرفة هو ميقات زمانيّ ومكانيّ .
ووقت الوقوف يبدأ من زوال التّاسع من ذي الحجّة ،ويستمر إلى قبل فجر العاشر من ذي الحجّة . وتفصيله في ( حجّ ف /
55
).
وقت المبيت بمزدلفة :
15
ي أيضا ،ووقت المبيت بها يبدأ من بعد غروب يوم -مزدلفة :ميقات زمانيّ ومكان ّ
التّاسع من ذي الحجّة إلى قبيل طلوع الشّمس من يوم النّحر . وتفصيل ذلك في ( حجّ ف /
99
).
وقت الرّمي :
-وقت رمي جمرة العقبة يبدأ وقت السنّيّة فيه من بعد طلوع الشّمس من يوم العاشر
11
من ذي الحجّة إلى وقت الزّوال ،وما بعد الزّوال إلى الغروب فعلى الجواز ،وهذا ل خلف فيه بين أهل العلم . ووقت رمي الجمرات يبدأ من زوال اليوم الحادي عشر ويمتد إلى الغروب .وهذا هو السنّة في الرّمي ليّام التّشريق الثّلثة . وتفصيل ذلك في ( حجّ ف /
60
-
61
).
وقت طواف الفاضة :
12
-طواف الفاضة هو ثاني الركنين المتّفق عليهما بين الفقهاء .
وقد اختلفوا في أوّل وقت مشروعيّته ،كما اختلفوا في نهاية وقته . وتفصيله في مصطلح ( حجّ ف /
52
-
55124
).
المواقيت المكانيّة في الحجّ :
13
-المواقيت المكانيّة ثلثة :مواقيت الفاقيّين ،وميقات الميقاتيّين ،وميقات المكّيّين .
وتفصيل ذلك في ( إحرام ف /
التّعريف : 1
39
-
41
).
مُوالة *
-المُوالة في اللغة :المتابعة ،يقال :والى بين المرين مُوالةً ووِلءً -بالكسر -تابع
بينهما ،ويقال :أفعل هذه الشياء على الوِلء ،أي متتابعةً ،وتوالى عليهم شهران : تتابعا ،وتطلق الموالة في اللغة على المناصرة .
ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . قال البي في تعريف الموالة بين فرائض الوضوء ،الموالة :عدم التّفريق الكثير بين فرائض الوضوء ،ويسمّى فورا . وقال البركتي :الموالة في الوضوء :هي غسل العضاء على سبيل التّعاقب بحيث ل يجف العضو الوّل . وقال الكاساني :المُوالة :هي أن ل يشتغل المتوضّئُ بين أفعال الوضوء بعمل ليس منه .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّرتيب : 2
-التّرتيب في اللغة :جعل كلّ شيء في مرتبته .
وفي الصطلح :هو جعل الشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد .ويكون لبعض أجزائه نسبةً إلى البعض بالتّقدم والتّأخر ،وعلى ذلك فالموالة والتّرتيب متقاربان في ن الموالة تختلف عن التّرتيب ؛ لنّ التّرتيب يكون لبعض الجزاء نسب ًة إلى المعنى إلّا أ ّ البعض بالتّقدم والتّأخر بخلف الموالة . وأنّ الموالة يشترط فيها عدم القطع والتّفريق . تتعلّق بالموالة أحكام منها :
الحكام المتعلّقة بالموالة : أ -الموالة في الوضوء :
3
-اختلف الفقهاء في الموالة في الوضوء ،فقال الحنفيّة والشّافعيّة في القول الصّحيح
الجديد والحنابلة في رواية :إنّها سنّة ،وبه قال من الصّحابة عبد اللّه بن عمر رضي ال ن التّفريق ل يمنع من امتثال عنهما ومن التّابعين الحسن وسعيد بن المسيّب والثّوري ؛ ل ّ غسِلُو ْا ُوجُو َه ُكمْ } الية ،فوجب أن ل يمنع من الجزاء ،وروى المر في قوله تعالى { :فا ْ نافع عن ابن عمر رضي ال عنهما أنّه توضّأ في السوق ،فغسل وجهه ومسح رأسه ،ثمّ دعي لجنازة ليصلّي عليها حين دخل المسجد ،فمسح على خفّيه ،ثمّ صلّى عليها . ن كلّ عبادة جاز فيها التّفريق اليسير ولنّه تفريق في تطهير فجاز كالتّفريق اليسير ،ول ّ جاز فيها التّفريق الكثير كالحجّ . ي جوّز في القديم تفريق الصّلة بالعذر إذا سبقه وقال المسعودي من الشّافعيّة :إنّ الشّافع ّ الحدث ،فيتوضّأ ويبني ،فالطّهارة أولى .
وقال الماورديّ :إنّ الموالة في الوضوء أفضل ومتابعة العضاء أكمل انقيادا لما يقتضيه المر من التّعجيل ،واتّباعا لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم ،فإن فرّق فالتّفريق ضربان :قريب وبعيد : فالقريب :معفو عنه ل تأثير له في الوضوء ،وحدّه ما لم تجفّ العضاء مع اعتدال الهواء في غير برد ول حر مشتد ،وليس الجفاف معتبرا وإنّما زمانه هو المعتبر ؛ ولنّه ل يمكن الحتراز منه . وأمّا البعيد :فهو أن يمضي زمان الجفاف في اعتدال الهواء ،ففيه قولن :أحدهما -وهو الجديد : -أنّه جائ ٌز ،والوضوء معه صحيح ،والثّاني -وهو القديم : -ل يجوز ، والوضوء معه غير صحيح . وقال السيوطيّ :الموالة سنّة على الصحّ في الوضوء والغسل والتّيمم . . .وبين أشواط الطّواف والسّعي والجمع بين الصّلتين في وقت الثّانية . وقيل :الموالة واجبة في كلّ ما سبق . وقال :إنّها واجبة على الصحّ في الجمع في وقت الولى ،وبين طهارة دائم الحدث وصلته ،وبين كلمات الذان والقامة ،وبين الخطبة وصلة الجمعة ،وتجب الموالة قطعا بين كلمات الفاتحة ،والتّشهد ور ّد السّلم . وقال المالكيّة ،والشّافعيّة في القول القديم ،والحنابلة في المذهب :إنّها واجبة ،وبه قال من الصّحابة عمر بن الخطّاب رضي ال عنه ومن الفقهاء الوزاعي ؛ لنّ مطلق أمر اللّه غسِلُو ْا ُوجُو َه ُكمْ َوأَيْدِ َيكُمْ } ،يقتضي الفور والتّعجيل ، تعالى بالوضوء في قوله تعالى { :فا ْ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم توضّأ على الولء ثمّ قال « :هذا وذلك يمنع من التّأجيل ؛ ول ّ وضوء من ل يقبل اللّه منه صلةً إلّا به » ،يعني بمثله في الولء ،وروى جابر عن عمر ل توضّأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النّبي صلى ال عليه رضي ال عنه « أنّ رج ً وسلم فقال " :ارجع فأحسن وضوءك " فرجع ثمّ صلّى » . ن التّفريق اليسير ل يضر مطلقا سهوا كان أو وقال الدسوقي :من غير تفريق كثير ؛ ل ّ عجزا أو عمدا ،وإذا لم يض ّر التّفريق اليسير فيكره إن كان عمدا على المعتمد ،واليسير مقدّر بعدم الجفاف . وأمّا النّاسي والعاجز فل تجب الموالة في حقّهما ،وحينئذٍ إذا فرّق ناسيا أو عاجزا ،فإنّه يبني مطلقا سواء طال أم ل ،لكن النّاسي يبني بنيّة جديدة ،وأمّا العاجز فل يحتاج لتجديد نيّته .
ب -الموالة في الغُسل :
4
-اختلف الفقهاء في الموالة في الغُسل ،فقال جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة
على الجديد المشهور والحنابلة :إنّها سنّة في الغُسل بين غسل جميع أجزاء البدن لفعله صلى ال عليه وسلم ،ول تجب الموالة في الغُسل ؛ لنّ البدن شيء واحد ،وقال الشّافعيّة في وجهٍ والحنابلة :إن فاتت الموالة قبل إتمام الغُسل بأن جفّ ما غسله من بدنه بزمان معتدل وأراد أن يتمّ غسله جدّد النّيّة لتمامه وجوبا لنقطاع النّيّة بفوات الموالة ،فيقع غسل ما بقي بدون نيّة . وقال بعض الشّافعيّة :ل يضر تفريق الغسل قطعا بل خلف . وقال بعض الحنفيّة :إن فرّقه لعذر ،بأن فرغ ماء الوضوء أو انقلب الناء فذهب لطلب الماء وما أشبهه فل بأس بالتّفريق على الصّحيح . وقال المالكيّة :إنّ الموالة فرضٌ في الغُسل ،قال الدسوقي :أمّا الموالة ،فالظّاهر من المذهب أنّها واجبة كنيّة في الوضوء عندهم إن قدر وذكر ،فإن فرّق عامدا بطل إن طال ، وإلّا بنى على ما فعل بنيّة ،أمّا النّاسي والعاجز فل تجب الموالة في حقّهما ،وحينئذٍ إذا فرّق ناسيا أو عاجزا فإنّه يبني مطلقا سواء طال أم ل ،لكن النّاسي يبني بنيّة جديدة ،وأمّا العاجز فل يحتاج لتجديد نيّة .
ج -الموالة في التّيمم :
5
-اختلف الفقهاء في الموالة في التّيمم ،فقال الحنفيّة والشّافعيّة في الجديد والحنابلة في
إحدى الرّوايتين إنّها سنّة . وقال المالكيّة والشّافعيّة في القديم :إنّها واجبة . كما تجب عند الشّافعيّة الموالة في تيمم دائم الحدث ووضوئه تخفيفا للمانع ؛ لنّ الحدث يتكرّر وهو مستغن عنه بالموالة . والمذهب عند الحنابلة أنّ الموالة في التّيمم فرضٌ في الطّهارة الصغرى ،أمّا في الكبرى فل يعتبر فيه ترتيب ول موالة . والتّفصيل في مصطلح ( تيمم ف /
30
).
د -الموالة بين كلمات الذان والقامة :
6
-اختلف الفقهاء في حكم الموالة بين ألفاظ الذان والقامة .
ن الموالة بين ألفاظ الذان والقامة سنّة . فذهب الشّافعيّة والمالكيّة والشّافعيّة في قول إلى أ ّ وذهب الشّافعيّة في الصحّ والحنابلة إلى أنّها واجبة . واختلفوا في الفصل الّذي يقطع الموالة .
فيرى جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة " أنّه يكره الفصل بين ألفاظ الذان والقامة ولو بردّ سلم أو تشميت عاطسٍ أو نحوهما ؛ لما فيه من ترك سنّة الموالة ، ولنّه ذكر معظّم كالخطبة ،فل يسع ترك حرمته ،فإن تكلّم استأنفه ،إلّا إذا كان الكلم يسيرا ،فإنّه ل يستأنف عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وزاد المالكيّة والشّافعيّة أنّه إذا أضط ّر المؤذّن للكلم ،مثل أن يخاف على صبي أو دابّة أو أعمى أن يقع في بئر ،فإنّه يتكلّم ويبني . وفي قول عند الشّافعيّة :أنّه ل يضر كلم وسكوت طويلن بين كلمات الذان والقامة كغيرهما من الذكار ،وهذا إذا لم يفحش الطول ،فإن فحش بحيث ل يسمّى مع الوّل أذانا في الذان ول إقامةً في القامة استأنف جزما . وقيل :يضر كثير الكلم دون كثير السكوت . وللحنابلة تفصيل فقالوا :ول يصح الذان ،وكذا القامة ،إلّا متواليا عرفا ؛ لنّه ل يحصل المقصود منه ،وهو العلم بدخول الوقت بغير موالة ،وشرع في الصل كذلك ،بدليل أنّه « صلى ال عليه وسلم عّل َم أبا محذورة الذان مرتّبا متواليا » .فلو فرّق بينه بسكوت طويل ،ولو بسبب نوم أو إغماء أو جنون ،أو فرّق بينه بكلم كثير لم يعتدّ به لفوات الموالة ،ولو فرّق بينه بكلم محرّم ،كسبّ وقذف ونحوهما وإن كان يسيرا لم يعتدّ به ؛ لنّه قد يظنه سامعه متلعبا أشبه المستهزئ ،ولو ارتدّ في أثنائه لم يعت ّد به لخروجه عن أهليّة الذان . ويكره في الذان سكوت يسير بل حاجة وكره فيه كلم مباح يسير بل حاجة فإن كان لها لم ن سليمان بن صرد رضي ال عنه -وله صحبة -كان يأمر غلمه بالحاجة في يكره ؛ ل ّ أذانه . ن ابتداء السّلم إذن غير وله رد سلم في الذان والقامة ول يبطلن به ،ول يجب الرّد ؛ ل ّ مسنون .
هـ -الموالة بين كلمات الفاتحة :
7
-قال المالكيّة :يكره الدعاء في الصّلة المفروضة قبل قراءة الفاتحة وبعدها وأثنائها
بأن يخلّلها به ؛ لشتماله على الدعاء ،ول يكره في النّفل . وقال الشّافعيّة :تجب الموالة بين كلمات الفاتحة بأن يصل الكلمات بعضها ببعض ول يفصل إلّا بقدر التّنفس للتّباع مع خبر « :صلوا كما رأيتموني أصلّي » ،فلو أخلّ بها سهوا لم يض ّر كترك الموالة في الصّلة بأن طوّل ركنا قصيرا ناسيا ،بخلف ما لو ترك الفاتحة ي ل يتعلّق بالصّلة سهوا فإنّه يضر ؛ لنّ الموالة صفة والقراءة أصل ،فإن تخلّل ذكر أجنب ّ
ن الشتغال قطع الموالة وإن ق ّل كالتّحميد عند العطاس وإجابة المؤذّن والتّسبيح للدّاخل ؛ ل ّ به يوهم العراض عن القراءة فليستأنفها ،هذا إن تعمّد ،فإن كان سهوا فالصّحيح المنصوص أنّه ل يقطع بل يبني . وقيل :إن طال الذّكر قطع الموالة وإلّا فل . فإن تعلّق بالصّلة كتأمينه لقراءة إمامه وفتحه عليه إذا توقّف فيها فل يقطع الموالة في الصحّ لندب ذلك للمأموم في الصحّ ،والثّاني يقطعها لنّه ليس مندوبا كالحمد عند العطاس وغيره ،ومحل الخلف في العامد ،فإن كان ساهيا لم يقطع ما ذكر جزما . ويقطع الموالة السكوت العمد الطّويل لشعاره بالعراض مختارا كان أو لعائق لخلله بالموالة المعتبرة ،أمّا النّاسي فل يقطع على الصّحيح ،وكذا يقطع يسير قصد به قطع القراءة في الصحّ لتأثير الفعل مع النّيّة كنقل الوديعة بنيّة الخيانة ،فإنّه يضمن ،وإن لم يضمن بأحدهما منفردا ،والثّاني ل يقطع ؛ لنّ قصد القطع وحده ل يؤثّر ،والسكوت اليسير وحده ل يؤثّر أيضا ،فكذا إذا اجتمعا ،فإن لم يقصد القطع ولم يطل السكوت لم يضرّ كنقل الوديعة بل نيّة تعد ،وكذا إن نوى قطع القراءة ولم يسكت . ت يسيرا أو فرغ وقال الحنابلة :إن قطع قراءة الفاتحة بذكر من دعاء أو قراءة أو سكو ٍ المام من الفاتحة في أثناء قراءة المأموم قال " آمين " ول تنقطع قراءته ؛ لقول أحمد :إذا مرّت به آية رحمة سأل ،وإذا مرّت به آية عذاب استعاذ ،وإن كثر ذلك استأنف قراءتها ، إلّا أن يكون السكوت مأمورا به كالمأموم يشرع في قراءة الفاتحة ثمّ يسمع قراءة المام فينصت له ،فإذا سكت المام أتمّ قراءتها وأجزأه ،أومأ إليه أحمد ،وكذلك إن كان السكوت نسيانا أو نوما أو لنتقاله إلى غيرها غلطا لم يبطل ،فمتى ذكر أتى بما بقي منها ،فإن تمادى فيما هو فيه بعد ذكره أبطلها ،ولزمه استئنافها كما لو ابتدأ بذلك ،فإن نوى قطع قراءتها من غير أن يقطعها لم تنقطع ؛ لنّ فعله مخالف لنيّته ،والعتبار بالفعل ل بالنّيّة ، وكذا إن سكت مع النّيّة سكوتا يسيرا لما ذكرناه من أنّه ل عبرة بالنّيّة فوجودها كعدمها ، وذكر القاضي في الجامع أنّه متى سكت مع النّيّة أبطلها ،ومتى عدل إلى قراءة غير الفاتحة عمدا أو دعاءً غير مأمور به بطلت قراءته ،ولم يفرّق بين قليل أو كثير ،وإن قدّم آي ًة منها في غير موضعها عمدا أبطلها ،وإن كان غلطا رجع إلى موضع الغلط فأتمّها .
و -الموالة بين كلمات التّشهد :
8
-قال الشّافعيّة :تجب الموالة بين كلمات التّشهد ،صرّح بذلك المتولّي .قال ابن
الرّفعة :وهو قياس الفاتحة .
ز -الموالة في تكبيرات صلة العيد :
9
-اختلف الفقهاء في الموالة في تكبيرات صلة العيد أو الفصل بينها بشيء من التّحميد
والتّسبيح ونحو ذلك . فذهب الحنفيّة ,والمالكيّة إلى أنّه يوالي بينها كالتّسبيح في الركوع والسجود ،قالوا :لنّه لو كان بينها ذكر مشروع لنقل كما نقل التّكبير ،وبه قال ابن مسعود وحذيفة وأبو موسى وأبو مسعود البدري رضي ال عنهم وابن سيرين والثّوري والوزاعي والحسن . ن التّكبيرات يؤتى بها عقب ذكر هو قال السّرخسي :وإنّما قلنا بالموالة بين القراءتين ؛ ل ّ فرضٌ ،ففي الرّكعة الولى يؤتى بها عقب تكبيرة الفتتاح ،وفي الثّانية عقب القراءة ؛ ولنّه يجمع بين التّكبيرات ما أمكن ،ففي الرّكعة الولى يجمع بينها وبين تكبيرة الفتتاح ، وفي الثّانية يجمع بينها وبين تكبيرة الركوع ،ولم يبيّن مقدار الفصل بين التّكبيرات في الكتاب . وروي عن أبي حنيفة في مقدار الفصل بين التّكبيرات أنّه قال :يسكت بين كلّ تكبيرتين ت. بقدر ثلث تسبيحا ٍ وقال الشّافعيّة والحنابلة :يفصل بين التّكبيرات بذكر مسنون ،فقال الشّافعي وأصحابه : يستحب أن يقف بين كلّ تكبيرتين من الزّوائد قدر قراءة آية ل طويلة ول قصيرة ،يهلّل ي فيما يقوله بين التّكبيرتين اللّه تعالى ويكبّره ويحمده ويمجّده ،واختلف أصحاب الشّافع ّ فقال جمهور أصحاب الشّافعيّ :يقول :سبحان اللّه والحمد للّه ول إله إلّا اللّه واللّه أكبر ، وقال بعضهم :يقول :ل إله إلّا اللّه وحده ل شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير . وقال بعضهم :إنّه يفصل بينها ،بقول :اللّه أكبر كبيرا والحمد للّه كثيرا وسبحان اللّه بكرةً وأصيلً وصلّى اللّه على محمّد وآله وسلّم كثيرا . وقال بعضهم :يقول " سبحانك الّل ُهمّ وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك وجلّ ثناؤك ول إله غيرك " ول يأتي بهذا الذّكر بعد السّابعة والخامسة . وقال الحنابلة :إنّه يحمد اللّه ويثني عليه ويصلّي على النّبيّ صلى ال عليه وسلم بين كلّ تكبيرتين ،وإن أحبّ قال :اللّه أكبر كبيرا والحمد للّه بكر ًة وأصيلً ،وصلّى اللّه على محمّد ي وعليه السّلم .وإن أحبّ قال :سبحان اللّه والحمد للّه ول إله إلّا اللّه واللّه النّبيّ المّ ّ أكبر ،أو ما شاء من الذّكر .
ج -الموالة في جمع التّقديم بين الصّلتين :
10
-قال جمهور الفقهاء " الحنفيّة في ظاهر الرّواية والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " :
ن الجمع تشترط الموالة في جمع التّقديم بين الصّلتين بأن ل يفصل بينهما فاصل طويل ؛ ل ّ
يجعلهما كصلة واحدة ،فوجب الولء كركعات الصّلة ،أي فل يفرّق بينهما كما ل يجوز أن يفرّق بين الرّكعات في صلة واحدة ،فإن فصل بينهما بفصل طويل ولو بعذر كسهو أو إغماء بطل الجمع ووجب تأخير الصّلة الثّانية إلى وقتها لفوات الجمع ،وإن فصل بينهما بفصل يسير لم يض ّر كالفصل بينهما بالذان والقامة والطّهارة ؛ لما ورد عن أسامة رضي ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم جاء المزدلفة فتوضّأ فأسبغ ،ثمّ أقيمت الصّلة ال عنه « :إ ّ فصلّى المغرب ،ثمّ أناخ كل إنسان بعيره في منزله ،ثمّ أقيمت الصّلة فصلّى ،ولم يصلّ بينهما » . ض آخر إلى وذهب بعض الحنفيّة إلى أنّه يستثنى من الموالة سنّة الظهر ،وذهب بع ٌ استثناء تكبيرات التّشريق . وذهب بعض الشّافعيّة إلى أنّه يجوز الجمع بين الصّلتين -جمع تقديم -وإن طال بينهما الفصل ما لم يخرج وقت الولى منهما .
ط -الموالة بين أشواط الطّواف :
11
ن الموالة بين أشواط الطّواف -ذهب المالكيّة والحنابلة ،والشّافعيّة في قول إلى أ ّ
واجبة ،فإن ترك الموالة وطال الفصل ابتدأ الطّواف ،وإن لم يطل بنى ،ول فرق بين ترك الموالة عمدا وسهوا ،مثل من يترك شوطا من الطّواف يحسب أنّه قد أتمّه ؛ لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم والى بين طوافه وقال « :خذوا عنّي مناسككم » ،ولنّه صلة ،قال النّبي صلى ال عليه وسلم « :الطّواف بالبيت صلة » ،فاشترطت لها الموالة كالصّلة ، ويرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف من غير تحديد . ن الموالة سنّة ؛ « لنّه صلى ال عليه وسلم والى وقال الحنفيّة والشّافعيّة في الصحّ :إ ّ طوافه » . وصرّح الحنفيّة بأنّ التّفريق بين الشواط تفريقا كثيرا مكروه .
ي -الموالة بين أشواط السّعي :
12
ن الموالة بين أشواط السّعي مستحبّة ،فلو فرّق بينها تفريقا كثيرا -ذهب الحنفيّة إلى أ ّ
كره واستحبّ له أن يستأنف . وذهب الشّافعيّة إلى أنّها سنّة . ط لصحّة السّعي . وقال المالكيّة والحنابلة في المعتمد :إنّ الموالة بين أشواط السّعي شر ٌ والتّفصيل في مصطلح ( سعيٌ ف /
23
).
ك -الموالة في رمي الجمرات :
13
-الموالة في الجمرات بين الرّميات السّبع سنّة بحيث ل يزيد الفصل بينها عن الذّكر
الوارد فيما بينها .
ل -الموالة في تغريب الزّاني :
14
-ذهب الشّافعيّة إلى أنّ الموالة في تغريب الزّاني شرطٌ ولو رجع إلى بلد غرّب منه
أستؤنفت المدّة ليتوالى اليحاش حتّى يكمل له الحول مسافرا . وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه إن عاد قبل مضيّ الحول أعيد تغريبه حتّى يكمل الحول مسافرا ويبني على ما مضى .
م -الموالة بين كلمات اللّعان :
15
-يشترط الموالة في اللّعان بين الكلمات الخمس الواردة في قوله تعالى { :وَالّذِينَ
ت بِالّل ِه إِ ّنهُ َلمِنَ شهَادَا ٍ شهَادَةُ َأحَدِ ِهمْ أَرْ َبعُ َ س ُهمْ َف َ شهَدَاء إِلّا أَن ُف ُ ن أَ ْزوَاجَ ُهمْ وَ َلمْ َيكُن ّل ُهمْ ُ يَ ْرمُو َ ن وَيَدْ َرأُ ،عَ ْنهَا ا ْلعَذَابَ أَنْ ن مِنَ ا ْلكَاذِبِي َ ن َلعْنَتَ الّل ِه عَلَ ْيهِ إِن كَا َ سةُ أَ ّ ن ،وَا ْلخَا ِم َ الصّادِقِي َ ن مِنَ ب الّلهِ عَلَ ْيهَا إِن كَا َ ن ،وَا ْلخَا ِمسَ َة أَنّ غَضَ َ شهَادَاتٍ بِالّلهِ إِ ّنهُ َل ِمنَ ا ْلكَاذِبِي َ شهَدَ أَرْبَ َع َ َت ْ الصّادِقِينَ } ،فيؤثّر الفصل الطّويل لنّهم جعلوها كالشّيء الواحد ،والواحد ل تفرّق أجزاؤه ت. كما في الصّلة المؤلّفة من ركعا ٍ
ن -الموالة في البيع بين اليجاب والقبول :
16
ن الموالة ل تشترط في -ذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة " إلى أ ّ
اليجاب والقبول ،ول يضر تراخي القبول عن اليجاب ما داما في المجلس ولم يتشاغل بما يقطعه . وقال الشّافعيّة :الموالة بين اليجاب والقبول في العقد شرطٌ ،ويشترط أن ل يطول الفصل بينهما ،فإن طال ض ّر ؛ لنّ طول الفصل يخرج الثّاني عن أن يكون جوابا عن الوّل ،فكل ما يشترط فيه القبول من العقود فعلى الفور ،أي أن يكون عقب اليجاب ،ول يضر عندهم الفصل اليسير . وانظر التّفصيل في مصطلح ( عقد ف /
24
).
س -الموالة في الستثناء في اليمين :
17
-يشترط لصحّة الستثناء في اليمين الموالة بحيث يكون الستثناء متّصلً بالكلم
السّابق ،فلو فصل عنه بسكوت كثير بغير عذر أو بكلم أجنبي لم يصحّ الستثناء فل يخصّص ما قبله إن كان استثنا ًء بنحو إلّا . والتّفصيل في مصطلح ( استثناء ف /
16
).
ع -الموالة في ردّ السّلم :
18
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه يجب رد السّلم على الفور .
قال ابن عابدين :إذا أخّر ر ّد السّلم لغير عذر كره تحريما ول يرفع الثم بالرّدّ بل بالتّوبة . وقال الزّركشي والسيوطي :ممّا تجب فيه الموالة . .الموالة في ردّ السّلم .
ف -التّخلل القاطع للموالة :
19
ل عن ابن السبكي :الضّابط في التّخلل المضرّ في البواب أن يُعدّ -قال السيوطيّ نق ً
الثّاني منقطعا عن الوّل . هذا يختلف باختلف البواب ،فربّ باب يطلب فيه من التّصال ما ل يطلب في غيره ، وباختلف المتخلّل نفسه ،فقد يغتفر من السكوت ما ل يغتفر من الكلم ،ومن الكلم المتعلّق بالعقد ما ل يغتفر من الجنبيّ ،ومن المتخلّل بعذر ما ل يغتفر في غيره ،فصارت مراتب أقطعها للتّصال كلم كثير أجنبيّ ،وأبعدها عنه سكوت يسير لعذر وبينهما مراتب ل تخفى .
التّعريف : 1
َموْت *
ت فهو مَيّت ومَيْت ومن أسمائه : -الموت في اللغة :ضدّ الحياة .يقال :ماتَ يمو ُ
حمَام ،والحَيْن ،والرّدى ،والهلك ، شعُوب ،والسّام ،وال ِ المَنُون ،والمَنَا ،والمَنيّة ،وال ّ والثُكل ،والوفاة ،والخَبَال . وفي مقاييس اللغة :الميم والواو والتّاء أصلٌ صحيحٌ يد ّل على ذهاب القوّة من الشّيء ، ومنه الموت ،خلف الحياة . والموت في الصطلح هو :مفارقة الروح للجسد .قال الغزالي :ومعنى مفارقتها للجسد انقطاعُ تصرفها عن الجسد ،بخروج الجسد عن طاعتها .
علمات الموت :
2
-نظرا لتعذر إدراك كُنْه الموت ،فقد علّق الفقهاء الحكام الشّرعيّة المترتّبة عليه بظهور
أمارته في البدن ،فقال ابن قدامة :إذا اشتبه أمر الميّت اعتبر بظهور أمارات الموت ،من استرخاء رجليه ،وانفصال كفّيه ،وميل أنفه ،وامتداد جلدة وجهه ،وانخساف صدغيه . وجاء في روضة الطّالبين :تستحبّ المبادرة إلى غسله وتجهيزه إذ تحقّق موته ،بأن يموت ِبعِلّة ،وتظهر أمارات الموت ،بأن تسترخي قدماه ول تنتصبا ،أو يميل أنفه ،أو ينخسف صدغاه ،أو تمتدّ جلد ُة وجهه ،أو ينخلع كفّاه من ذراعيه ،أو تتقلّص خصيتاه إلى فوق مع تدلّي الجلدة . . .إلخ .
هذا ،وقد نبّه النّبي صلى ال عليه وسلم إلى أنّ شخوص بصر المحتضر علمة ظاهرة على قبض روحه ومفارقتها لجسده ،فقد ورد عنه صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :إنّ الروح إذا قُبض تبعه البصر » . وقال صلى ال عليه وسلم « :إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإنّ البصر يتبع الروح».
هل الموت للبدن والروح أو للبدن وحده ؟
3
-نصّ جمهور علماء أهل السنّة والجماعة على أنّ الرواح بعد الموت باقية غير فانية ،
إمّا في نعيم مقيم ،وإمّا في عذاب أليم ،قال في الحياء :الّذي تشهد له طرق العتبار ، وتنطق به اليات والخبار أنّ الموت معناه تغيرّ حال فقط ،وأنّ الروح باقية بعد مفارقة الجسد ،إمّا معذّبة ،وإمّا منعّمة .قال الزبيدي :وهذا قول أهل السنّة والجماعة وفقهاء الحجاز والعراق ومتكلّمي الصّفاتيّة . وقد بيّن أحمد بن قدامة ذلك بقوله :والّذي تدل عليه اليات والخبار أنّ الروح تكون بعد الموت باقي ًة ،إمّا معذّبةً ،أو منعّمةً ،فإنّ الروح قد تتألّم بنفسها بأنواع الحزن والغمّ ، وتتنعّم بأنواع الفرح والسرور من غير تعلق لها بالعضاء ،فكل ما هو وصف للروح بنفسها ،يبقى معها بعد مفارقة الجسد ،وكل ما لها بواسطة العضاء يتعطّل بموت الجسد إلى أن تُعاد :الروح إلى الجسد . حسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ن الروح ل تنعدم بالموت بقوله تعالى َ { :و َل َت ْ واحتجّ على أ ّ الّلهِ َأ ْموَاتًا َبلْ َأحْيَاء عِندَ رَ ّب ِهمْ ُيرْزَقُونَ } حيث قال عليه الصلة والسلم فيه « :جعل اللّه أرواحهم في أجواف طير خضر ،ترد أنهار الجنّة ،تأكل من ثمارها ،وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظلّ العرش » ،وبما ورد عن ابن عمر رضي ال عنهما قال ،قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ ،إن كان من أهل الجنّة فمن أهل الجنّة ،وإن كان من أهل النّار فمن أهل النّار ،يقال :هذا مقعدك حتّى يبعثك اللّه إليه يوم القيامة » ،فدلّ ذلك على نعيم الرواح وعذابها بعد المفارقة ،إلى أن يرجعها اللّه في أجسادها ،ولو ماتت الرواح لنقطع عنها النّعيم والعذاب . وقد أورد المام الغزالي توضيحا لحال الروح وحياتها بعد موت البدن فقال :هذه الروح ل تفنى البتّة ول تموت ،بل يتبدّل بالموت حالها فقط ،ويتبدّل منزلها ،فتنتقل من منزل إلى منزل ،والقبر في حقّها إمّا روضة من رياض الجنّة أو حفرةً من حفر النّيران ،إذا لم يكن لها مع البدن علقة سوى استعمالها البدن واقتناصها أوائل المعرفة به بواسطة شبكة
الحوّاس ،فالبدن آلتها ومركبها وشبكتها ،وبطلن اللة والمركب والشّبكة ل يوجب بطلن الصّائد . وذهبت طائفة إلى أنّ الروح تفنى وتموت بموت الجسد ؛ لنّها نفسٌ ،وقد قال تعالى ُ { :كلّ ت } .قال الزبيدي :وقد قال بهذا القول جماعة من فقهاء الندلس قديما ، َنفْسٍ ذَآ ِئ َقةُ ا ْل َموْ ِ منهم عبد العلى بن وهب بن لبابة ،ومن متأخّريهم كالسهيليّ وابن العربيّ . وقال ابن القيّم :والصّواب أن يقال :موت النفوس هو مفارقتها لجسادها وخروجها منها ، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت ،وإن أريد بأنّها تعدم وتضمحلّ وتصير عدما محضا ،فهي ل تموت بهذا العتبار ،بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب . أ -الروح : 4
اللفاظ ذات الصّلة :
-ذهب أهل السنّة من المتكلّمين والفقهاء والمحدّثين إلى أنّ الروح جسم لطيف متخلّل
في البدن ،تذهب الحياة بذهابه ،وعبارة بعض المحقّقين :هي جسم لطيف ،مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الخضر ،وبه جزم النّووي وابن عرفة المالكي ،ونقل تصحيحه عن أصحابهم . وقال الفيومي :ومذهب أهل السنّة أنّ الروح هو النّفس النّاطقة المستعدّة للبيان وفهم ض. الخطاب ول تفنى بفناء الجسد وأنّه جوهر ل عر ٌ والصّلة بين الموت وبين الروح هي التّباين . ب -النّفس : 5
-ذهب جمهور أهل السنّة من فقهاء ومحدّثين ومتكلّمين إلى أنّ المراد بالنّفس الروح .
يقال :خرجت نفسه ,أي روحه ,وأنّه يعبّر عن النّفس بالروح وبالعكس . قال ابن تيميّة :الروح المدبّرة للبدن الّتي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه ,وهي النّفس الّتي تفارقه بالموت . . .وإنّما تسمّى نفسا باعتبار تدبيرها للبدن ,وتسمّى روحا باعتبار لطفها . س حِينَ َموْ ِتهَا وَالّتِي َلمْ َتمُتْ فِي مَنَا ِمهَا ودليلهم على ذلك قوله تعالى { :الّل ُه يَ َتوَفّى الْأَنفُ َ س ّمىً } ،قال ابن القيّم : جلٍ ُم َ س ُل الُْأخْرَى إِلَى َأ َ ك الّتِي قَضَى عَلَ ْيهَا ا ْل َموْتَ وَيُ ْر ِ فَ ُي ْمسِ ُ والنفس هاهنا هي الرواح قطعا . وتقسّم النّفس إلى النّفس المّارة ,والّلوّامة ,والمطمئنّة ,وذكر ابن تيميّة أنّ النّفس يراد بها عند كثير من المتأخّرين صفاتها المذمومة ,فيقال :فلن له نفسٌ :أي مذمومة الحوال ,وأيضا :فإنّ النّفس لمّا كانت حال تعلقها بالبدن يكثر عليها اتّباع هواها صار لفظ
" النّفس " يُعبّر به عن النّفس المتّبعة لهواها ,أو عن اتّباعها الهوى ,بخلف لفظ " الروح" فإنّه ل يعبّر به عن ذلك . وقال الفيوميّ :والنّفس أنثى إن أريد بها الروح ,قال تعالى { :خَ َل َقكُم مّن ّنفْسٍ وَاحِدَةٍ } , وإن أريد الشّخص فم ّذكّر . وحكى الكفويّ في الكلّيّات أنّ النسان له نفسان :نفسٌ حيوانيّة ,ونفسٌ روحانيّة . فالنّفس الحيوانيّة ل تفارقه إلّا بالموت ,والنّفس الروحانيّة -الّتي هي من أمر اللّه -هي الّتي تفارق النسان عند النّوم ,وإليها الشارة بقوله تعالى { :الّلهُ يَ َتوَفّى الْأَنفُسَ حِينَ َموْ ِتهَا وَالّتِي َلمْ َتمُتْ فِي مَنَا ِمهَا } ،ثمّ إنّه تعالى إذا أراد الحياة للنّائم ردّ عليه روحه فاستيقظ ,وإذا قضى عليه بالموت أمسك عنه روحه فيموت ,وهو معنى قوله { :فَ ُي ْمسِكُ س ّمىً } ،أمّا النّفس الحيوانيّة فل تفارق جلٍ ُم َ سلُ الُْأخْرَى إِلَى أَ َ الّتِي قَضَى عَلَ ْيهَا ا ْل َموْتَ وَ ُي ْر ِ النسان بالنّوم ,ولهذا يتحرّك النّائم ,وإذا مات فارقه جميع ,ذلك . والصّلة بين النّفس والموت التّباين . ج -الحياة : 6
-الحياة في اللغة نقيض الموت ,وهي في النسان عبارة عن قوّة مزاجيّة تقتضي الحسّ
والحركة ,وهي الموجبة لتحريك من قامت به ,ومفهومها عند الفقهاء :أثر مقارنة النّفوس للبدان ,وإنّها لتسري في النسان تبعا لسريان الروح في جسده .وحكى القزويني ي ,فمتى وجد فيه يكون حيّا ,وإذا عدم ض يقوم بالح ّ ن الحياة عر ٌ أنّ الروح هي الحياة ,وأ ّ فيه فقد حصل ضدّه ,وهو الموت . وقد ذكر الرّاغب الصفهاني أنّ " الحياة " تستعمل على أوجهٍ : الوّل :للقوّة النّامية الموجودة في النّبات والحيوان ,ومنه قيل :نبات حيّ ,قال تعالى : ن ا ْلمَاء ُكلّ شَيْ ٍء حَيّ } . جعَلْنَا مِ َ { َو َ والثّاني :للقوّة الحسّاسة ,وبه سمّي الحيوان حيوانا ,قال تعالى َ { :ومَا َيسْ َتوِي الْ َأحْيَاء وَلَا الْ َأ ْموَاتُ } . ن مَيْتًا فَ َأحْيَيْنَاهُ } . والثّالث :للقوّة العالمة العاقلة ,كقوله َ { :أوَ مَن كَا َ حسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُواْ فِي والرّابع :عبارة عن ارتفاع الغمّ ,وعلى ذلك قوله تعالى َ { :و َل َت ْ سَبِيلِ الّلهِ َأ ْموَاتًا َب ْل َأحْيَاء عِندَ رَ ّب ِهمْ } ،أي هم متلذّذون لما روي في الخبار الكثيرة عن أرواح الشّهداء . والخامس :الحياة الخرويّة البديّة ,وقد جاء ذلك في قوله تعالى { :يَا لَيْتَنِي قَ ّدمْتُ ِلحَيَاتِي} يعني بها الحياة الخرويّة الدّائمة .
والسّادس :الحياة الّتي يوصف بها الباري تعالى ,فإنّه إذا قيل فيه سبحانه ,هو حيّ , فمعناه ل يصح عليه الموت ,وليس ذلك إلّا للّه ع ّز وجلّ . ثمّ إنّ الحياة باعتبار الدنيا والخرة ضربان الحياة الدنيا ,والحياة الخرة . وقوله ع ّز وجلّ { :وَ َل ُكمْ فِي ا ْلقِصَاصِ حَيَاةٌ } ،أي يرتدع بالقصاص من يريد القدام على القتل ,فيكون في ذلك حياة النّاس . والصّلة بين الموت والحياة أنّهما نقيضان . د -الهليّة : 7
-الهليّة شرعا هي كون النسان بحيث يصح أن يتعلّق به الحكم ,والمعنى أنّها صفة أو
قابليّة يقدّرها الشّارع في الشّخص تجعله محلً صالحا لن يتعلّق به الخطاب التّشريعي . ن الموت سبب من أسباب انعدام الهليّة . والصّلة بين الموت وبين الهليّة أ ّ هـ -ال ّذمّة : 8
-ال ّذمّة كما عرّفها الجرجاني :وصف يصير الشّخص به أهلً لليجاب له وعليه .
ن الموت سبب من أسباب انعدام ال ّذمّة أو ضعفها أو شغلها. والصّلة بين الموت وبين ال ّذمّة أ ّ
أقسام الموت :
9
ي ,وحكميّ ,وتقديريّ . -الموت عند الفقهاء على ثلثة أقسام :حقيق ّ
فأمّا الموت الحقيقي :فهو مفارقة الروح للجسد على وجه الحقيقة واليقين ,ويعرف بالمشاهدة ,ويثبت بإقامة البيّنة عليه أمام القضاء . ص من الشخاص -وإن وأمّا الموت الحكمي :فهو حكم يصدر من قبل القاضي بموت شخ ٍ كان ل يزال حيّا -لسبب شرعي يقتضي ذلك . ومن أمثلته عند الحنفيّة :المرتد إذا لحق بدار الحرب ,وصدر حكم القاضي بلحوقه بها مرتدا ,فإنّه يعتبر ميّتا من حين صدور الحكم ,وإن كان حيّا يرزق بدار الحرب ,فيقسم ن المام لو ظفر به موّته حقيقةً ,بأنّ ماله بين ورثته ,وقد علّل ذلك السّرخسي بقوله :ل ّ يقتله ,فإذا عجز عن ذلك بدخوله بدار الحرب موّته حكما ,فقسم ماله . ومن أمثلته عند المالكيّة :المفقود " وهو الّذي يعمى خبره ,وينقطع أثره ,ول يُعلم موضعه ,ول تدرى حياته ول موته " إذا حكم القاضي بموته بنا ًء على ما ترجّح لديه من الظروف وقرائن الحوال ,فإنّه يعتبر ميّتا من حيث الحكم ,قال الدسوقيّ :لنّ هذا تمويت, أي حكم بالموت ,ل موت حقيقةً ,وعلى ذلك فإنّه يرثه من ورثته من كان حيّا في ذلك الوقت ,دون من مات قبل ذلك .
وأمّا الموت التّقديري :فهو للجنين الّذي أسقط ميّتا بجناية على أمّه .كما إذا ضرب إنسان امرأةً ,فأسقطت جنينا ميّتا فإنّه يجب على الجاني أو عاقلته الغرّة " دية الجنين " وهذه الدّية تكون لورثة الجنين على فرائض اللّه تعالى ,حيث يقدّر حيّا في بطن أمّه قبل الجناية ثمّ موته منها . تتعلّق بالموت أحكام منها :
الحكام المتعلّقة بالموت :
انتهاء الهليّة وخراب ال ّذمّة بالموت :
10
ن الموت هادم لساس التّكليف ,لنّه عج ٌز كله عن إتيان -ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
ن الميّت قد ذهب من دار البتلء إلى دار الجزاء ,قال ابن نجيم: العبادات أدا ًء وقضاءً ,ول ّ ن التّكليف يعتمد القدرة والموت عج ٌز كله . إنّ الموت ينافي أحكام الدنيا ممّا فيه تكليف ,ل ّ وحيث إنّ ال ّذمّة خاصّة من الخصائص النسانيّة فإنّها تبدأ مع الشّخص منذ الحمل به , وتبقى معه طيلة حياته ,فإذا مات خربت ذمّته وانتهت أهليّته . ن الموت غير أنّ الفقهاء اختلفوا هل تخرب ال ّذمّة وتنتهي فورا بمجرّد حصول الموت ,أم أ ّ يضعفها ,أم أنّها تبقى كما هي بعد الموت حتّى تستوفى الحقوق من التّركة ؟ وذلك على ثلثة مذاهب ينظر تفصيلها في ( ذمّة ف . ) 9 - 6 /
انقطاع العمل بالموت ومدى انتفاع الموتى بسعي الحياء :
11
ن الموت عجزٌ -ل خلف بين أهل العلم في انقطاع عمل ابن آدم بموته في الجملة ,ل ّ
كامل عن إتيان العبادات أداءً وقضا ًء ,ولنّ الميّت قد ارتحل من دار البتلء والتّكليف إلى دار الجزاء ,ولكنّه ينتفع بما تسبّب إليه في حياته من عمل صالح ,لما روى أبو هريرة ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :إذا مات النسان انقطع عمله إلّا رضي ال عنه أ ّ من ثلثة :إلّا من صدقة جارية ,أو علم ينتفع به ,أو ولد صالح يدعو له » ،وعن أبي ن ممّا يلحق المؤمن من عمله هريرة قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :إ ّ وحسناته بعد موته علما علّمه ونشره ,أو ولدا صالحا تركه ,أو مصحفا ورّثه ,أو مسجدا بناه ,أو بيتا لبن السّبيل بناه - ,أو نهرا أجراه ,أو صدقةً أخرجها من ماله في صحّته وحياته يلحقه من بعد موته » ،وروى جرير بن عبد اللّه رضي ال عنه قال :قال رسول ن في السلم س ّن ًة حسنةً ,فله أجرها وأجر من عمل اللّه صلى ال عليه وسلم « :من س ّ بها بعده ,من غير أن ينقص من أجورهم شيء ,ومن سنّ في السلم س ّن ًة سيّئةً ,كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده ,من غير أن ينقص من أوزارهم شيء » .
أمّا انتفاعه بغير ما تسبّب إليه في حياته من عمل صالح ,فقد فرّق الفقهاء في ذلك بين أمرين : أ -دعاء المسلمين له واستغفارهم ,وفي ذلك قال النّووي :أجمع العلماء على أنّ الدعاء ن جَاؤُوا مِن َبعْدِ ِهمْ َيقُولُونَ للموات ينفعهم ويصلهم ثوابه ,واحتجوا بقوله تعالى { :وَالّذِي َ خوَانِنَا الّذِينَ سَ َبقُونَا بِا ْلإِيمَانِ } ,وغير ذلك من اليات المشهورة بمعناها , غفِرْ لَنَا وَلِ ِإ ْ رَبّنَا ا ْ وبالحاديث المشهورة كقوله صلى ال عليه وسلم « :اللّهمّ اغفر لهل بقيع الغرقد » وكقوله « :اللّهمّ اغفر لحيّنا وميّتنا » . ب -ما جعل الحياء ثوابه للميّت من العمال الخرى كالحجّ والصّدقة والصّوم والصّلة وتلوة القرآن ونحو ذلك ,فقد اختلف الفقهاء في مشروعيّة كلّ واحد منها ووصوله للميّت. وتفصيل ذلك في مصطلح ( أداء ف /
14
,وقراءة ف /
18
،وقربة ف /
11
).
السّلم على الموتى وردهم :
12
ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :ما من أحد مرّ بقبر أخيه المؤمن كان -ورد عن النّب ّ
ي صلى ال عليه يعرفه في الدنيا ,فسلّم عليه إلّا عرفه وردّ عليه السّلم » ،وورد عن النّب ّ وسلم « أنّه أمر بقتلى بدر ,فألقوا في قليب ,ثمّ جاء حتّى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم : يا فلن ابن فلن ,ويا فلن ابن فلن ,هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ,فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقا ,فقال له عمر :يا رسول اللّه ,ما تخاطب من أقوام قد جيّفوا ,فقال عليه الصلة والسلم :والّذي بعثني بالحقّ ,ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ,ولكنّهم ل ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :إنّ العبد إذا وضع يستطيعون جوابا » ،وورد عن النّب ّ في قبره وتولّى عنه أصحابه إنّه ليسمع قرع نعالهم » ،ولهذا أمر النّبي صلى ال عليه وسلم بالسّلم على الموتى ,حيث جاء أنّه صلى ال عليه وسلم كان يعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا « :السّلم عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ,وإنّا إن شاء اللّه بكم للحقون » . قال ابن القيّم :وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ,ولول ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب ن الميّت يعرف زيارة المعدوم والجماد ,والسّلف مجمعون على هذا ,وقد تواترت الثار بأ ّ الحيّ له ويستبشر به . ن الميّت يعرف الزّائر ,لنّا أمرنا بالسّلم وجاء في فتاوى الع ّز بن عبد السّلم :والظّاهر أ ّ عليهم ,والشّرع ل يأمر بخطاب من ل يسمع .
عودة أرواح الموتى في الحياة البرزخيّة :
13
-المراد بالبرزخ هاهنا :الحاجز بين الدنيا والخرة ,قال العلماء :وله زمان ومكان
وحال ,فزمانه من حين الموت إلى يوم القيامة ,وحاله الرواح ,ومكانه من القبر إلى علّيّين لرواح أهل السّعادة ,أمّا أهل الشّقاوة فل تفتح لرواحهم أبواب السّماء ,بل هي في ن عذاب القبر سجّين مسجونة ,وبلعنة اللّه مصفودة ,قال ابن القيّم :إنّه ينبغي أن يعلم أ ّ ونعيمه اسم لعذاب ,البرزخ ونعيمه ,وهو ما بين الدنيا والخرة .قال تعالى َ { :ومِن وَرَا ِئهِم بَرْ َزخٌ إِلَى َي ْومِ يُ ْبعَثُونَ } . هذا وقد اختلف العلماء في السؤال في القبر ,هل يقع على البدن أم على الروح أو عليهما معا ,وذلك على أربعة أقوال : ن الروح تعاد إلى الجسد أو بعضه ,ول يمنع من الوّل :لجمهور علماء أهل السنّة ,وهو أ ّ ن اللّه قادر على أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد , ذلك كون الميّت قد تتفرّق أجزاؤه ,ل ّ ويقع عليه السؤال ,كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه ,قال ابن حجر الهيتمي :ويجوز أن ترجع الروح في حال آخر وأمر ثان ,وبعودها يرجع الميّت حيّا ,وهو المعبّر عنه بحياة القبر عند إتيان الملكين للسؤال ,فإذا ردّت إليه الحياة ,للجسم والروح ,تبعتها الدراكات المشروطة بها ,فيتوجّه حينئذٍ على الميّت السؤال ,ويتصوّر منه الجواب . وقال ابن تيميّة :عود الروح إلى بدن الميّت في القبر ليس مثل عودها إليه في هذه الحياة ن النّشأة الخرى ليس مثل الدنيا ,وإن كان ذلك قد يكون أكمل من بعض الوجوه ,كما أ ّ هذه النّشأة ,وإن كانت أكمل منها ,بل كل موطن في هذه الدّار وفي البرزخ والقيامة له حكم يخصّه . وقال ابن حجر العسقلني :المراد بالحياة في القبر للمسألة ليست الحياة المستقرّة المعهودة في الدنيا الّتي تقوم فيها الروح بالبدن وتدبيره وتصرفه ,وتحتاج إلى ما يحتاج إليه الحياء ,بل هي مجرّد إعادة لفائدة المتحان الّذي وردت به الحاديث الصّحيحة ,فهي إعادة عارضة . الثّاني :لبي حنيفة والغزاليّ :وهو التّوقف .قال الغنيميّ الحنفي :واعلم أنّ أهل الحقّ ن اللّه يخلق في الميّت نوع حياة في القبر ,قدر ما يتألّم ويلتذّ ,لكن اختلفوا اتّفقوا على أ ّ في أنّه هل تعاد الروح إليه أم ل ؟ والمنقول عن المام أبي حنيفة التّوقف ,وقال الغزالي :ول يبعد أن تعاد الروح إلى الجسد في القبر ,ول يبعد أن تؤخّر إلى يوم البعث ,واللّه أعلم بما حكم به على عبد من عباده . الثّالث :لبن جرير وجماعة ,وهو أنّه يقع على البدن فقط ,وأنّ اللّه يخلق فيه إدراكا بحيث يسمع ويعلم ويلتذ ويألم .
ن السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد. الرّابع :لبن هبيرة وغيره :وهو أ ّ 14
-وقد تفرّع عن ذلك الخلف اختلف العلماء في نعيم القبر وعذابه في الحياة البرزخيّة
,هل يقع على الروح فقط أم على الجسد أم على كليهما ؟ ن التّنعيم والتّعذيب إنّما هو على الروح وحدها . فذهب ابن هبيرة والغزالي إلى أ ّ وقال جمهور أهل السنّة والجماعة من المتكلّمين والفقهاء :هو على الروح والجسد . قال النّووي :النّعيم والعذاب للجسد بعينه أو بعضه بعد إعادة الروح إليه أو إلى جزء منه , وقال ابن تيميّة :العذاب والنّعيم على النّفس والبدن جميعا باتّفاق أهل السنّة والجماعة , تنعّم النّفس وتعذّب منفردةً عن البدن ,وتعذّب متّصلةً بالبدن ,والبدن متّصل بها ,فيكون النّعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين ,كما يكون للروح منفردةً عن البدن . ن الميّت يعذّب في قبره من غير أن تردّ الروح إليه ,ويحس باللم وذهب ابن جرير إلى أ ّ وإن كان غير حي .
مستقر أرواح الموتى ما بين الموت إلى يوم القيامة :
15
ن اللّه جعل الدور ثلثا :دار الدنيا ,ودار البرزخ ,ودار القرار , -قال ابن القيّم :إ ّ
وجعل لكلّ دار أحكاما تختص بها ,وركّب هذا النسان من بدن وروح ,وجعل أحكام الدنيا على البدان والرواح تبعا لها ,ولهذا جعل أحكامه الشّرعيّة مرتّب ًة على ما يظهر من حركات اللّسان والجوارح ,وإن أضمرت النّفوس خلفه ,وجعل أحكام البرزخ على الرواح ,والبدان تبعا لها ,فكما تبعت الرواح البدان في أحكام الدنيا ,فتألّمت بألمها ن البدان تتبع الرواح في أحكام البرزخ في نعيمها وعذابها حتّى إذا والتذّت براحتها ,فإ ّ ب العالمين . كان يوم القيامة أعيدت الرواح إلى الجساد ,وقاموا من قبورهم لر ّ والبرزخ هو أوّل دار الجزاء ,وعذاب البرزخ ونعيمه أوّل عذاب الخرة ونعيمها ,وهو ي صلى ال عليه مشتق منه ,وواصل إلى أهل البرزخ ,يدل على ذلك ما ورد عن النّب ّ وسلم في نعيم القبر وعذابه بعد سؤال الملكين « :فينادي مناد من السّماء -في حقّ المؤمن الصّادق -أن صَدَق عبدي ,فافرشوه من الجنّة ,وافتحوا له بابا إلى الجنّة , وألبسوه من الجنّة .قال :فيأتيه من روحها وطيبها ,ويُفتح له فيها مدّ بصره » .أمّا في حقّ الكافر « :فينادي منا ٍد من السّماء :أن كذب ,فافرشوه من النّار ,وألبسوه من النّار , وافتحوا له بابا إلى النّار .قال :فيأتيه من حرّها وسمومها ,ويضيّق عليه قبره ,حتّى تختلف فيه أضلعه » . وقد اختلف العلماء في مستق ّر أرواح الموتى ما بين الموت إلى يوم القيامة ,هل هي في السّماء أم في الرض ,وهل هي في الجنّة والنّار أم ل ,وهل تودع في أجساد أم تكون
مجرّدةً ؟ فهذه من المسائل العظام قد تكلّم فيها النّاس ,وهي إنّما تتلقّى من السّمع فقط . قال الحافظ ابن حجر :إنّ أرواح المؤمنين في علّيّين ,وأرواح الكفّار في سجّين ,ولكلّ روح اتّصال ,وهو اتّصال معنويّ ل يشبه التّصال في الحياة الدنيا ,بل أشبه شيء به حال النّائم انفصالً ,وشبّهه بعضهم بالشّمس ,أي بشعاع الشّمس ,وهذا مجمع ما افترق من ن محلّ الرواح في علّيّين وفي سجّين ,ومن كون أفنية الرواح عند أفنية الخبار أ ّ قبورهم ,كما نقله ابن عبد الب ّر عن الجمهور .
أثر الموت على حقوق المتوفّى : أثر الموت على الحقوق الماليّة المحضة :
16
-الحقوق الماليّة المحضة :هي ما تستحيل في النّهاية إلى مال مثل الديون في ذمم
الغرماء ,وحق حبس المبيع لستيفاء الثّمن وحق حبس الرّهن لستيفاء الدّين وحق الدّية والرش في الطراف وحقوق الرتفاق وبيان ذلك فيما يلي :
أ ّولً -الديون في ذمّة الغرماء :
17
-ل خلف بين الفقهاء في عدم تأثير موت الدّائن على الديون الّتي وجبت له في ذمّة
الغرماء ,وأنّها تنتقل إلى ورثته كسائر الموال الّتي تركها ,لنّ الديون في الذّمم أموال حقيقةً أو حكما باعتبارها تئُول إلى مال عند الستيفاء . 18
-واستثنى الحنفيّة من ذلك دين نفقة الزّوجة ,سواء تقرّر بالتّراضي أو بقضاء القاضي
,وقالوا إنّه يسقط بموت الزّوجة قبل قبضه ,لنّ النّفقة صلة ,والصّلت عندهم ل تتمّ إلّا بالتّسليم ,وتسقط بالموت قبله ,إلّا إذا استدانت النّفقة بأمر القاضي ,فعندئذٍ ل تسقط بموتها ,بل تنتقل إلى ورثتها ,وكذلك دين نفقة القارب ,فإنّه يسقط عندهم بموت من وجب له قبل قبضه ,لنّ هذه النّفقة إنّما وجبت كفايةً للحاجة . . .إلّا إذا أذن القاضي لمن وجبت له بالستدانة واستدان ,فعندئ ٍذ ل تسقط بموته ,بل تنتقل إلى ورثته ,وهذا قول لبعض الحنابلة أيضا في دين نفقة القارب . أمّا جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة فقد قالوا :إنّ دين نفقة الزّوجة دين صحيح ,سواء وجب بالتّراضي أو بقضاء القاضي ,ول يسقط بموتها قبل تسلمه ,بل ينتقل إلى ورثتها كسائر الديون ,أمّا نفقة القارب ,فإنّ وجوبها على سبيل المواساة وسدّ الخلّة ,وهي مجرّد إمتاع فل تصير دينا إلّا إذا فرضها القاضي ,فحينئذٍ تثبت لمن وجبت له ,ول تسقط بموته قبل قبضها ,بل تنتقل إلى ورثته .
19
-والديون عند جمهور الفقهاء تنتقل إلى الورثة بالصّفة الّتي كانت عليها حال حياة
الدّائن ,فما كان منها حالً انتفل إلى الورثة حالً ,وما كان منها مؤجّلً أو مقسّطا انتقل كما ن الجل عندهم ل يسقط بموت الدّائن . هو مؤخّرا إلى أجله ,حيث إ ّ وحكي عن اللّيث والشّعبيّ والنّخعيّ أنّ كلّ من مات وله دين مؤجّل ,فإنّه ينتقل بعد موته إلى ورثته حالً ,ويبطل الجل بوفاته .
ثانيا -الدّية وأرش الطراف :
20
ي عليه بدل الجناية عليه . ي يجب للمجن ّ -الدّية والرش كلهما حق مال ّ
ويطلق الفقهاء الدّية على المال الّذي هو بدل النّفس ,والرش على المال الواجب على ما دون النّفس من الطراف . والتّفصيل في مصطلح ( ديات ف 4وما بعدها ,أرشٌ ف . ) 1 / ومن المقرّر فقها أنّ الدّية والرش تكونان على الجاني في جناية العمد ,وعلى عاقلته في الخطأ ,ولكن إذا حدث أن مات المجني عليه بسبب الجناية عليه أو توفّي بعد ما وجب له الحق في الرش ,فما هو مصير هذا الحقّ هل يعتبر ملكا له ,ومن جملة أمواله ,بحيث تقضى منه ديونه وتنفذ منه وصاياه ,وما بقي بعد ذلك يكون لورثته على فرائض اللّه تعالى ,أم أنّه يسقط حقه في تملكه ,ويكون لورثته دونه ,بحيث ل توفّى منه ديونه ول ينفذه منه شيء من وصاياه ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين : أحدهما :لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في المعتمد ,وهو أنّ دِيّة العمد والخطأ مال يحدثُ على ملك الميّت ,لنّها بدل نفسه ,ونفسه له ,فكذلك بدلها , ولنّ بدل أطرافه في حال حياته له ,فكذلك بدلها بعد موته ,ويجوز تجدد الملك له بعد موته ,كمن نصب شبكةً ونحوها فسقط بها صيد بعد موته . . .وعلى ذلك :فإنّه تسدّد منها ديونه ,وتنفّذ منها وصاياه ,وتقضى منها سائر حوائجه من تجهيز ونحوه ,ثمّ ما يبقى بعد ذلك منها فإنّه يكون لورثته حسب قواعد الرث . واحتجوا على ذلك بما روي « أنّ عمر بن الخطّاب رضي ال عنه نشد النّاس بمنى :من ي فقال :كتب إليّ ضحّاك بن سفيان الكلب ّ كان عنده علم من الدّية أن يخبرني ,فقام ال ّ ي من دية زوجها . . .فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن أورّث امرأة أشيم الضّباب ّ عمر بذلك .قال ابن شهاب :وكان أشيم قتل خط ًأ » . قال الباجيّ :اقتضى ذلك تعلق هذا الحكم بقتل الخطأ ,إلّا أنّ دية العمد محمولة عند جميع فقهاء المصار على ذلك ,ولم يفرّق أحد منهم علمناه في ذلك بين دية العمد والخطأ , وأنّها كسائر مال الميّت ,يرث منها الزّوج والزّوجة والخوة للمّ وغيرهم ,وهذا مرويّ
عن عمر وعلي وشريح والشّعبيّ والنّخعيّ والزهريّ .وعلّق المام الشّافعي على أثر عمر وقضائه بقوله :ول اختلف بين أحد في أن يرث الدّية في العمد والخطأ من ورث ما سواها من مال الميّت ,لنّها تملك عن الميّت ,وبهذا نأخذ ,فنورّث الدّية في العمد والخطأ من ورث ما سواها من مال الميّت ,وإذا مات المجني عليه وقد وجبت ديته ,فمن مات من ل جُني عليه في صدر النّهار فمات , ورثته بعد موته كانت له حصّته من ديته ,كأنّ رج ً ومات ابن له في آخر النّهار ,فأخذت دية أبيه في ثلث سنين ,فميراث البن الّذي عاش بعده ساع ًة قائم في ديته ,كما يثبت في دين لو كان لبيه ,وكذلك امرأته وغيرها ممّن يرثه إذا مات .والثّاني :لسحاق وأبي ثور وأحمد في رواية عنه ,وهو قول عند الشّافعيّة ن الدّية تثبت للورثة ابتداءً ,ول تكون ملكا للميّت أصلً , وروي عن مكحول وشريك وهو أ ّ إذ المقتول ل تجب ديته إلّا بعد موته ,وإذا مات فقد بطل ملكه ,ولهذا ل يصح أن تقضى منها ديونه ,ول أن تنفّذ منها وصاياه . ن الدّية مال حدث للهل بعد موت مورّثهم , وقد جاء في استدللهم على ما ذهبوا إليه :أ ّ ولم يرثوه عنه قط ,إذ لم يجب له شيء منه في حياته ,فكان من الباطل أن يقضى دينه ط في حياته ,وأن تنفّذ منه وصيّته . . .ثمّ إنّه بالموت من مال الورثة الّذي لم يملكه هو ق ّ تزول أملك الميّت الثّابتة له ,فكيف يتجدّد له بعد ذلك ملك ؟ ولهذا ل تنفّذ وصيّته من مال ن الميّت إنّما يوصي بجزء من مال ل بمال ورثته . الدّية ,ل ّ
ثالثا -حقوق الرتفاق :
21
-حق الرتفاق عبارة عن حق مقرّر على عقار لمنفعة عقار آخر مملوك لغير مالك
ق المجرى ,وحقّ العقار الوّل ,وتشمل حقوق الرتفاق عند الفقهاء :حقّ الشّرب ,وح ّ المسيل ,وحقّ المرور ,وحقّ التّعلّي ,وحقّ الجوار . وحقوق الرتفاق ليست بمفردها مالً عند الحنفيّة ,لنّها أمور ل يمكن حوزها وادّخارها , ولذلك قالوا بعدم جواز بيعها وإجارتها وهبتها استقل ًل ,ولكنّهم يعتبرونها حقوقا مال ّيةً لتعلقها بأعيان ماليّة ,ومن هنا أجازوا بيعها تبعا للعقار الّذي ثبتت لمنفعته . أمّا جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة فقد اعتبروها من قبيل الموال , وأجازوا -في الجملة -بيعها وهبتها استقل ًل . ن هذه الحقوق ل تسقط بموت صاحب الحقّ ,بل تنتقل إلى ول خلف بين الفقهاء في أ ّ ورثته تبعا للعقار الّذي ثبتت لمصلحته ,لنّه حقوق ماليّة ,فيها معنى المال ,وهي متعلّقة بأعيان ماليّة ,ولهذا فل تأثير للموت عليها ,سواء قيل إنّها أموال ذاتها أو حقوق متعلّقة بأعيان ماليّة .
رابعا -حقوق المرتهن :
22
-الرّهن هو المال الّذي يجعل وثيقةً بالدّين ,ليستوفى من ثمنه إن تعذّر استيفاؤه ممّن
هو عليه .وبهذه الوثيقة يصير المرتهن أحقّ بالرّهن من سائر الغرماء بحيث إذا كان على الرّاهن ديون أخرى ل تفي بها أمواله ,وبيع الرّهن لسداد ما عليه ,كان للمرتهن أن يستوفي دينه من ثمنه أ ّولً ,فإن بقي شيء فهو لبقيّة الغرماء . وقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ حقوق المرتهن ل تبطل بموته ,بل تنتقل إلى ورثته ,وعلى ذلك :فالميّت الّذي له دين به رهن ,فإنّه ينتقل إلى ورثته برهنه ,وتبقى العين رهنا عندهم ,وتتعلّق بها سائر حقوق المرتهن المعروفة عند الفقهاء . 23
-واختلف الفقهاء في تأثير الموت على حقوق المرتهن إذا مات قبل قبض الرّهن ,هل
تنتقل إلى ورثته أم تسقط بوفاته ؟ وذلك على قولين : أحدهما :لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ,وهو أنّ الرّهن يبطل بموت المرتهن قبل قبض العين المرهونة ,ول ينتفل إلى ورثته ,لنّ الرّهن ل يلزم عندهم إلّا بالقبض ,فإن مات المرتهن قبل أن يلزم عقد الرّهن ,فإنّه يبطل . ن حقوق المرتهن تنتقل إلى ورثته ,ويجبر الرّاهن على إقباضهم والثّاني :للمالكيّة :وهو أ ّ العين المرهونة متى طلبوا ذلك ,إلّا أن يتراخى القباض حتّى يفلس الرّاهن أو يمرض أو يموت ,وذلك لنّ الرّهن عند المالكيّة يلزم بمجرّد العقد دون توقف على قبض .
خامسا -حق حبس المبيع لستيفاء الثّمن :
24
ق حبس المبيع -ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ للبائع ح ّ
والمتناع عن تسليمه للمشتري حتّى يستوفي ثمنه إذا كان حا ًل ,أو القدر الحالّ منه إذا ل ,أمّا إذا كان الثّمن مؤجّلً ,فليس للبائع حق الحبس ,اعتبارا لتراضيهما كان بعضه مؤجّ ً على تأخيره . أمّا عند الحنابلة فليس للبائع حق حبس المبيع حتّى يستوفي ثمنه إذا كان الثّمن دينا حالً , أي مالً غير معيّن ول مؤجّل ,وكان حاضرا معه في المجلس ,أمّا إذا كان الثّمن غائبا عن المجلس ,فللبائع حبس المبيع لقبض الثّمن . ولمّا كان حق البائع في حبس المبيع لستيفاء الثّمن من الحقوق الماليّة ,أي المتعلّقة ص جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة على أنّ صاحب هذا بالمال ,فقد ن ّ ن حقّه في ذلك ل يسقط بموته بعد تقرره ,بل ينتقل إلى ورثته -كسائر الحقّ إذا مات ,فإ ّ أعيانه الماليّة -ول يكون للموت تأثير في سقوطه بعد ثبوته .
أثر الموت على الحقوق الشّخصيّة المحضة :
25
-الحقوق الشّخصيّة المحضة هي الّتي تثبت للنسان باعتبار شخصه وذاته وما يتوفّر
ق الولية على النّفس ت ومعان تميّزه عن غيره ,مثل حقّ الحضانة ,وح ّ فيه من صفا ٍ والمال ,وحقّ المظاهر في العود ,وحقّ الفيء بعد اليلء ,وحقّ أرباب الوظائف في وظائفهم فإنّها تسقط بموت ذويها أو أصحابها ول تورث عنهم . وينظر التّفصيل في مصطلح ( تركة ف 3 /وما بعدها ,وظيفة ) . واختلف الفقهاء في المطالبة بحدّ القذف وبيان تأثير موت المقذوف على هذا الحقّ . وتفصيله في مصطلح ( قذف ف /
44
).
أثر الموت على الحقوق الشّبيهة بالحقّين الماليّ والشّخصيّ :
26
-نظرا إلى أنّ هذه الحقوق تجمع بين شبهين ,شبه بالحقّ الماليّ ,وشبه بالحقّ
الشّخصيّ ,فقد اختلف الفقهاء في تغليب أحد الشّبهين على الخر حتّى تلحق به ,وفيما يلي بيان أثر الموت على هذه الحقوق .
أوّلً -حق الخيار :
27
-يختلف تأثير الموت على حقوق الخيارات بحسب نوع الخيار الثّابت للعاقد وطبيعته
ي أو الحقّ الشّخصيّ ,وذلك على النّحو واجتهاد الفقهاء في تغليب شبهه بالحقّ المال ّ التّالي:
أ -خيار المجلس :
28
-اختلف الفقهاء القائلون بخيار المجلس في أثر الموت على هذا الخيار على ثلثة
أقوال : أحدها :للشّافعيّة في الصحّ وهو انتقال الخيار بالموت إلى الوارث . والثّاني :للحنابلة في المذهب ,وهو سقوط الخيار بالموت . والثّالث :لبعض الحنابلة ,وهو التّفصيل بين وقوع المطالبة من الميّت به في حياته وبين عدم تلك المطالبة ,حيث ينتقل الخيار إلى الوارث في الحالة الولى دون الثّانية . والتّفصيل في ( خيار ف /
13
).
ب -خيار القبول :
29
-خيار القبول :هو حق العاقد في القبول أو عدمه في المجلس بعد صدور اليجاب من
الطّرف الخر ,وقد اختلف الفقهاء في أثر الموت عليه على قولين : أحدهما :للحنفيّة والشّافعيّة ,وهو سقوط خيار القبول وانتهاؤه بموت أحد المتعاقدين ,لنّ ن حقّ القبول ل يورث . موت الموجب يسقط إيجابه ,وأمّا موت الّذي خوطب باليجاب ,فل ّ ن خيار القبول يورث ول يسقط بموت صاحبه . والثّاني :للمالكيّة ,وهو أ ّ
ج -خيار العيب :
35
-خيار العيب :وهو حق المشتري في ردّ المبيع بسبب وجود وصف مذموم فيه ينقص
العين أو القيمة نقصانا يفوت به غرضٌ صحيح ,ويغلب في جنسه عدمه . ن خيار العيب ينتقل إلى وقد ذهب الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ الوارث بموت مستحقّه ,وذلك لتعلقه بالعيان الماليّة ولصوقه بها . قال الشّيرازي :انتقل إلى وارثه لنّه حق لزم يختص بالعين فانتقل بالموت إلى الوارث كحبس المبيع إلى أن يحضر الثّمن .
د -خيار الشّرط :
31
-خيار الشّرط :هو حق يثبت بالشتراط لحد المتعاقدين أو كليهما يخوّل صاحبه فسخ
العقد خلل مدّة معلومة . وقد اختلف الفقهاء في سقوطه بموت صاحبه على ثلثة أقوال . أحدها :للمالكيّة والشّافعيّة وأبي الخطّاب من الحنابلة ,وهو أنّه ينتقل إلى الوارث بموت صاحبه ,باعتباره من مشتملت التّركة ,لنّه حق ثابت لصلح المال ,كالرّهن وحبس المبيع لستيفاء ثمنه . والثّاني :للحنفيّة ,وهو أنّه يسقط بموت صاحبه ,سواء أكان الخيار للبائع أم للمشتري , ن الخيار صفة للميّت ,لنّه ل أم نائبا ,قال الزّيلعي :ل ّ وسواء أكان صاحب الخيار أصي ً ليس هو إلّا مشيئة وإرادة ,فل ينتقل عنه كسائر أوصافه . والثّالث :للحنابلة ,وهو التّفصيل بين مطالبة صاحبه به قبل موته وبين عدمها ,قالوا : فإذا مات صاحب الخيار دون أن يطالب بحقّه في الخيار بطل الخيار ولم يورث عنه ,أمّا إذا ن خيار الشّرط غير موروث إلّا طالب به قبل موته فإنّه يورث عنه ,فالصل عندهم أ ّ بالمطالبة من المشترط في حياته . والتّفصيل في ( خيار الشّرط ف /
54
).
هـ -خيار الرؤية :
32
-خيار الرؤية :هو حقّ يثبت للمتملّك الفسخ أو المضاء عند رؤية محلّ العقد المعيّن
الّذي عقد عليه ولم يره . وقد اختلف الفقهاء في سقوطه بموت صاحبه على قولين : أحدهما :للحنفيّة ,وهو أنّه يسقط بموت صاحبه ول ينتقل إلى ورثته ,باعتباره لمطلق التّروّي ل لتحاشي الضّرر أو الخلف في الوصف ,وغايته أن ينظر المشتري :هل يصلح له المبيع أم ل ؟ ومع اعتبارهم إيّاه خيارا حكميّا من جهة الثبوت ,فقد قالوا :إنّه مرتبطٌ
ن انتقالها إلى بالرادة من حيث الستعمال ,والحقوق المرتبطة بمشيئة العاقد ل تورث ,ل ّ الوارث يعني ,نقل الرادة والمشيئة إليه ,وهو مستحيل . والثّاني :للشّافعيّة ,وهو أنّه ل يسقط بموت صاحبه ,بل ينتقل إلى وارثه .
و -خيار فوات الوصف المرغوب :
33
-خيار فوات الوصف المرغوب هو حق المشتري في فسخ العقد لتخلف وصف مرغوب
اشترطه في المعقود عليه . وهذا الخيار يورث بموت مستحقّه عند الفقهاء ,فينتقل إلى ورثته . والتّفصيل في ( خيار فوات الوصف ف /
13
).
ز -خيار التّعيين :
34
ق العاقد في تعيين أحد الشياء الّتي وقع العقد على أحدها -خيار التّعيين :وهو ح ُ
شائعا خلل مدّة معيّنة . وقد نصّ الحنفيّة والمالكيّة على أنّ خيار التّعيين ل يسقط بموت صاحبه ,بل ينتقل إلى وارثه ,فيقوم مقامه في تعيين ما يختاره من محلّ الخيار ,ذلك أنّ لمورّثه مالً ثابتا ضمن الشياء الّتي هي محل الخيار ,فوجب على الوارث أن يعيّن ما يختاره وير ّد ما ليس له إلى مالكه .
ح -خيار التّغرير :
35
-خيار التّغرير هو حق المشتري في الفسخ لتعرّضه لقوال موهمة من البائع دفعته
ي من الحنفيّة -وأقرّه للتّعاقد ,وقد اختلف الحنفيّة في كونه موروثا ,فاستظهر التمرتاش ّ ن خيار التّغرير ل ينتقل إلى الوارث ,لنّه من الحقوق المجرّدة ,وهي ل الحصكفيّ -أ ّ تورث .قال ابن عابدين :ويؤيّده ما بحثه في البحر من أنّ خيار ظهور الخيانة ل يورث , لتعليلهم بأنّه مجرّد خيار ل يقابله شيء من الثّمن ,بل هناك ما يجعل نفي توريثه بالولى , لنّه خيار لدفع الخداع ,فإذا كان خيار الشّرط الملفوظ به ل يورث ,فكيف يورث غير الملفوظ به مع كونه مختلفا فيه . وفي رأي أنّه يورث كخيار العيب .
ط -خيار النّقد :
36
-خيار النّقد :هو حقّ يشترطه العاقد للتّمكن من الفسخ عند عدم نقد البدل من الطّرف
ص الحنفيّة على أنّه ل يورث ,بل يسقط بموت صاحب الخيار ,لنّه وصف الخر ,وقد ن ّ له ,والوصاف ل تورث ,وأسوة بأصله وهو خيار الشّرط ,حيث إنّه ل يورث عندهم .
ولم يتعرّض المالكيّة والحنابلة إلى سقوطه أو إرثه ,أمّا الشّافعيّة فهو غير جائز عندهم أصلً .
ثانيا -حق الشّفعة :
37
ق التّملك في العقار لدفع ضرر الجوار . -الشّفعة عبارة عن ح ّ
وقد اختلف الفقهاء فيما إذا مات صاحب حقّ الشّفعة قبل أن يأخذ بها ,هل ينتقل ذلك الحق لورثته ,أم يسقط وينتهي بموته ؟ وذلك على ثلثة أقوال : ق الشّفعة حق ماليّ ,فيورث الوّل :للشّافعيّة والمالكيّة وأحمد في رواية عنه ,وهو أنّ ح ّ عن الميّت كما تورث أمواله ,ويقوم وارثه مقامه في المطالبة به . ن الشّفيع إذا مات قبل الخذ بالشّفعة ,بطلت شفعته ,سواء كان الثّاني :للحنفيّة ,وهو أ ّ ن الشّفعة مجرّد خيار في التّملك ,وهي إرادة ومشيئة في الخذ موته قبل الطّلب أو بعده ,ل ّ أو التّرك ,وذلك ل يورث إلّا إذا مات الشّفيع بعد القضاء بها أو تسليم المشتري له بها . الثّالث :للحنابلة ,وهو التّفصيل بين ما إذا مات الشّفيع قبل الطّلب أو بعده ,فإن مات قبله مع القدرة عليه بطلت شفعته ,لنّه نوع خيار شرع للتّمليك ,أشبه اليجاب قبل قبوله , ك في ولنّه ل يعلم بقاؤه على الشّفعة ,لحتمال رغبته عنها ,فل ينتقل إلى الورثة ما ش ّ ن الطّلب ينتقل به الملك ن الشّفعة تنتقل لورثته ,ل ّ ثبوته ,أمّا إذا مات الشّفيع بعد طلبه ,فإ ّ للشّفيع ,فوجب أن يكون موروثا . والتّفصيل في مصطلح ( شفعة ف /
51
).
ثالثا -حق المالك في إجازة تصرفات الفضوليّ :
38
-نصّ الحنفيّة على أنّ المالك إذا مات قبل إجازته لعقد الفضوليّ الموقوف على إجازته,
ن حقّه في الجازة يبطل بموته ,ول ينتقل إلى ورثته ,لنّ الجازة إنّما تصح من المالك فإ ّ ي في القسمة ,فمع كونه موقوفا على ل من وارثه ,واستثنوا من ذلك تصرف الفضول ّ إجازة المالك ,فإنّ حقّه في الجازة ل يبطل بموته ,بل ينتقل إلى وارثه عند أبي حنيفة وأبي يوسف استحسانا ,لنّه ل فائدة في نقض القسمة بعد تمامها ثمّ إعادتها مرّ ًة أخرى , والقياس بطلن القسمة بموته ,وعدم انتقالها للوارث ,وهو قول المام محمّد لنّ القسمة مبادلة كالبيع .
رابعا -استحقاق المنافع بموجب الجارة والعارة والوصيّة بالمنفعة :
39
-المنفعة في اصطلح الفقهاء هي الفائدة العرضيّة الّتي تنال من العيان بطريق
استعمالها .
وقد اختلف الفقهاء في أثر الموت على المنافع الّتي يستحقها الشّخص في -عين من العيان بموجب عقد الجارة أو العارة أو الوصيّة بالمنفعة ,هل يبطل حقه فيها بالموت أم أنّها تورث عنه ؟ وذلك على النّحو التّالي :
أ -الجارة :
40
-اختلف الفقهاء في أثر الموت على استحقاق المنافع في عقد الجارة ,وذلك على
قولين : الوّل :للشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة وإسحاق والبتّيّ وأبي ثور وابن المنذر وهو أنّ المستأجر إذا مات قبل انقضاء أمد الجارة ,فل ينفسخ العقد بموته ,بل يخلفه وارثه في استيفاء المنفعة إلى نهاية مدّة الجارة ,لنّ الجارة عقد لزم ,فل ينفسخ موت العاقد مع سلمة المعقود عليه ,ولنّ المستأجر ملك المنافع بالعقد ,وهي مال ,فينتقل إلى وارثه . الثّاني :للحنفيّة والثّوريّ واللّيث وهو أنّ عقد الجارة ينفسخ بموت المستأجر قبل انتهاء مدّة الجارة ,فيسقط حقه في المنافع المعقود عليها ,ول ينتقل إلى ورثته ,وذلك لنّ الوراثة خلفة ,ول يتصوّر ذلك إلّا فيما يبقى زمانين ,ليكون ملك المورّث في الوقت الوّل ,ويخلفه الوارث في الوقت الثّاني ,والمنفعة الموجودة في حياة المستأجر ل تبقى لتورث ,والّتي تحدث بعدها لم تكن مملوكةً له ليخلفه الوارث فيها ,إذ الملك ل يسبق الوجود ,وإذا ثبت انتفاء الرث تعيّن بطلن العقد .
ب -العارة :
41
-اختلف الفقهاء في أثر موت المستعير على استحقاق المنافع في العارية على قولين :
ن حقّ المستعير بمنافع العين المعارة حقّ أحدهما :للحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وهو أ ّ ن العارة تنفسخ شخصيّ ,ينتهي بوفاة صاحبه ,ول ينتقل إلى ورثته ,وعلى ذلك فإ ّ بموت المستعير ,ويجب على ورثته ردّ العارية فورا إلى صاحبها ,ولو لم يطلبها . والثّاني :للمالكيّة ,وهو أنّ العارة سواء كانت مقيّدةً بمدّة معيّنة أو مطلقةً ,فإنّ المستعير يستحق النتفاع بها في المدّة المحدّدة أو الّتي ينتفع بها النّاس عاد ًة عند الطلق ن حقّه في المنفعة في المدّة المتبقّية ل يسقط ,فإن مات المستعير قبل انتهاء تلك المدّة ,فإ ّ بموته ,بل ينتقل إلى ورثته ,إلّا في حالة واحدة ,وهي ما إذا اشترط المعير عليه أن ينتفع ن فيها يعتبر حقا شخصيّا . بها بنفسه فقط ,فحينئ ٍذ ل تورث عنه المدّة المتبقّية ,ل ّ
ج -الوصيّة بالمنفعة :
42
-اختلف الفقهاء فيما إذا مات الموصى له بالمنفعة قبل انقضاء أمدها ,هل تبطل
الوصيّة بالمنفعة بموته ,أم أنّ المنفعة تنتقل إلى ورثته حتّى نهاية مدّتها ؟ وذلك على قولين : أحدهما :للحنفيّة ,وهو أنّ ما تبقّى من مدّة المنفعة بعد موت الموصى له بها يسقط ن الموصي بموته ,ول يورث عنه ,بل تعود العين إلى ورثة الموصي بحكم الملك ,وذلك ل ّ قد أوجب الحقّ للموصى له ليستوفي المنفعة على حكم ملكه ,فإذا انتقل هذا الحق إلى ورثة الموصى له بعد موته ,فيكون كأنّهم استحقوه ابتدا ًء من ملك الموصي من غير رضاه , وذلك ل يجوز ,ولنّ المنفعة عرضٌ ,والعرض ل يبقى زمانين حتّى يكون محلً للتّوارث . والثّاني :للشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة ,وهو أنّ الموصى له بالمنفعة يملك تلك المنفعة , وعلى ذلك :فإذا مات ,فإنّها ل تسقط بموته ,بل تنتقل إلى ورثته فيما بقي له من المدّة إذا كانت الوصيّة مقيّدةً بزمن معيّن أو كانت على التّأبيد لنّها مال ,فتورث عنه كسائر أمواله .واستثنوا من ذلك حالة ما إذا كانت الوصيّة بالمنفعة مقيّدةً بحياة الموصى له , ففي هذه الحالة يعتبر حق الموصى له بها حقا شخصيّا ,فيسقط بوفاته ,ول ينتقل إلى ورثته .
خامسا -أجل الديون :
43
-الجل في الديون حق للمدين ,ومن ثبت له هذا الحق فليس للدّائن مطالبته بالدّين قبل
حلوله ,فإذا مات فهل يبطل الجل ويحل الدّين بموته ,أم يبقى ثابتا كما هو وينتقل عنه إلى ورثته ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على ثلثة أقوال : أحدها :لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة وأحمد في رواية عنه ,وهو أنّ الجل يسقط ,ويحل الدّين بموت المدين ,وتنقلب جميع الديون المؤجّلة الّتي عليه مهما اختلفت آجالها حاّلةً بموته ,وبه قال الشّعبي والنّخعيّ وسوّار والثّوري . قال ابن رشد الحفيد :وحجّتهم أنّ اللّه تعالى لم يبح التّوارث إلّا بعد قضاء الدّين ,فالورثة في ذلك أحد أمرين :إمّا أن ل يريدوا أن يؤخّروا حقوقهم في المواريث إلى محلّ أجل الدّين, فيلزم أن يجعل الدّين حالً ,وإمّا أن يرضوا بتأخير ميراثهم حتّى تحلّ الديون ,فتكون ص ًة ل في ذممهم ,وقال ابن قدامة :ولنّه ل يخلو : الديون حينئ ٍذ مضمونةً في التّركة خا ّ إمّا أن يبقى في ذمّة الميّت ,أو الورثة ,أو يتعلّق بالمال ,ول يجوز بقاؤه في ذمّة الميّت لخرابها وتعذر مطالبته بها ,ول ذمّة الورثة لنّهم لم يلتزموه ,ول رضي صاحب الدّين بذممهم ,وهي مختلفة متباينة ,ول يجوز تعليقه على العيان وتأجيله ,لنّه ضرر بالميّت وصاحب الدّين ول نفع للورثة فيه .
وقد استثنى المالكيّة من ذلك حالتين ,وقالوا :إنّ الدّين المؤجّل ل يحل بالموت فيهما , وهي : ن دينه ل يحلّ ,لنّه قد استعجله قبل أوانه فعوقب أ -إذا قتل إلى الدّائن المدين ,فإ ّ بالحرمان . ب -إذا اشترط المدين على الدّائن أن ل يحلّ الدّين المؤجّل الّذي عليه بموته ,فيعمل بالشّرط . ن الدّين المؤجّل ل يحلّ بموت المدين إذا وثّقه الورثة والثّاني :للحنابلة في المذهب ,وهو أ ّ أو غيرهم برهن أو كفيل مليء بالقلّ من قيمة التّركة أو الدّين ,فإن لم يوثّق بذلك حلّ , لنّ الورثة قد ل يكونون أملياء ,ولم يرض بهم الغريم ,فيؤدّي إلى فوات الحقّ ,وهو قول ابن سيرين وعبد اللّه بن الحسن وإسحاق وأبي عبيد . ل للحقوق ,وإنّما هو ميقات للخلفة ,وعلمة وحجّتهم على ذلك أنّ الموت ما جعل مبط ً على الورثة ,وعلى هذا يبقى الدّين في ذمّة الميّت كما كان ,ويتعلّق بعين ماله كتعلق ب الورثة التزام الدّين وأداءه للغريم حقوق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه ,فإن أح ّ على أن يتصرّفوا في المال ,لم يكن لهم ذلك إلّا أن يرضى الغريم ,أو يوثّقوا الحقّ بضمين مليء أو رهن يثق به لوفاء حقّه . والثّالث :رواية عن أحمد اختارها أبو محمّد الجوزي من الحنابلة ,وهو أنّ الجل ل يحل ن الجل حق للميّت ,فيورث بالموت مطلقا ,وإن لم يوثّق الورثة أو غيرهم الدّين ,وذلك ل ّ عنه كسائر حقوقه ,وبه قال طاووسٌ وأبو بكر بن محمّد والزهري وسعد بن إبراهيم وحكي عن الحسن .
سادسا -حق التّحجير :
44
ت في أرض مواتٍ -سواء بنصب أحجار أو -وهو حق يثبت لمن قام بوضع علما ٍ
غرز أخشاب عليها أو حصاد ما فيها من الحشيش والشّوك ونحو ذلك -ليصير أحقّ النّاس بها لسبق يده عليها ,وقد حدّد بعض الفقهاء له أمدا معيّنا ينتهي فيه ,بحيث ل يستطيع أحد مزاحمته خلله ,وهو ثلث سنواتٍ ,وجعل بعضهم تحديد المدّة لجتهاد الحاكم بحسب العرف والعادة . والمتحجّر إذا مات قبل نهاية المدّة المحدّدة لحتجاره ,فهل يسقط حقه بموته ,أم أنّه ينتقل في بقيّة المدّة إلى ورثته ؟ ص الشّافعيّة والحنابلة على أنّ هذا الحقّ يورث ,ول يسقط بموت المتحجّر ,ويكون ن ّ ورثته أحقّ بالرض من غيرهم .وهو مقتضى مذهب المالكيّة ,إذ الصل عندهم أن تورث
ق لمعنى المال ,وحق التّحجير متعلّق الحقوق كالموال ,إلّا إذا قام دليل على مفارقة الح ّ بالمال ,ل ينفك عنه ,فكان موروثا .
سابعا -حق النتفاع بالراضي الخراجيّة :
45
-الرض الخراجيّة :هي الّتي فرض الخراج على الّذين ينتفعون بها ,سواء كانوا
مسلمين أو غير مسلمين ,والخراج :هو ما يوضع على الرض غير العشريّة من حقوق تؤدّى عنها إلى بيت المال . ويعتبر الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة الراضي الخراجيّة موقوف ًة على مصالح المسلمين في الجملة ,أمّا الحنفيّة فيقولون :هي ملك لصحابها ,ولهم أن يتصرّفوا فيها بسائر وجوه التّصرف الشّرعيّة ,وعلى ذلك فإنّها تورث عنهم بالموت كسائر أملكهم ,إذ ليس حق انتفاعهم بها إلّا أثرا من آثار ثبوت ملكيّتهم عليها . وقد ترتّب على قول جمهور الفقهاء بوقفها على مصالح المسلمين أنّ المنتفعين بالراضي الخراجيّة من الفلّاحين ونحوهم ل يملكونها ,ولكن لهم حق النتفاع بها في مقابل دفع خراجها إلى بيت المال ,ثمّ إنّهم اختلفوا في انتقال هذا الحقّ لورثتهم بالموت على قولين : ن حقّ المنفعة بالراضي الخراجيّة أحدهما :للشّافعيّة والحنابلة ومتأخّري المالكيّة ,وهو أ ّ يورث عن صاحبه ,فإذا مات المنتفع بها انتقل الحق إلى ورثته ,لنّه حق ماليّ موروثٌ . ن المنتفع بالراضي الخراجيّة إذا مات سقط حقه والثّاني :لمتقدّمي فقهاء المالكيّة ,وهو أ ّ في النتفاع بها ,ول تورث عنه ,ويكون للمام أن يعطيها من بعده لمن يشاء ,بحسب مقتضيات المصلحة العامّة للمسلمين .
ثامنا -حق النتفاع بالقطاع :
46
-نصّ الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة على أنّ للمام أن يُقطع الرض من بيت المال على
وجه التّمليك لرقبتها كما يعطي المال لمستحقّه ,فإذا مات المقطع ,فإنّها تنتقل إلى ورثته كسائر أملكه ,سواء عمّرها وأحياها أم ل . أمّا إقطاع الراضي الموات لحيائها ,فقد اختلف الفقهاء في حكمه وفي انتقال الحقّ فيه إلى الوارث بموت صاحبه ,وذلك على ثلثة أقوال : أحدها :للشّافعيّة والحنابلة ,وهو أنّه ل يفيد الملك للمقطع إلّا بالحياء ,ولكنّه يكون أحقّ بها من غيره قبل الحياء ,وهذا الحق ينتقل لورثته بعد موته . ت وكلّ ما ليس فيه ملك لحد ,فإن والثّاني :للحنفيّة ,وهو أنّ للمام أن يقطع كلّ موا ٍ عمّرها المقطع وأحياها صارت ملكا له ,وتورث عنه كسائر أملكه ,أمّا إذا لم يحيها ولم
يعمّرها طيلة ثلثة سنواتٍ ,فإنّ حقّه فيها يبطل ,وتعود إلى حالها مواتا ,وللمام أن يعطيها غيره . ن إقطاع الموات تمليك مجرّد ,فمن أقطعه المام شيئا صار ملكا والثّالث :للمالكيّة ,وهو أ ّ له وإن لم يحيه ويعمّره ,وبالموت ينتقل إلى ورثته كسائر أملكه . أمّا بالنّسبة لقطاع الستغلل الّذي يقع على أراضي بيت المال لمن له فيه حق ,على سبيل ن للمام أن يعطي الرض التّابعة استغللها ل تمليكها فقد ذكر الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة أ ّ لبيت المال منفعةً ,بحيث يكون المعطى مستحقا لمنفعتها دون رقبتها وحق النتفاع بها يعتبر حقا شخصيّا ,فيسقط بوفاة صاحبه ول يورث عنه ,لنّه مقيّد عرفا بحياة المقطع , وترجع الرض المقطعة بموته لبيت المال وقفا على ما هي عليه .
تاسعا -الختصاص بالنتفاع بالعيان النّجسة :
47
-الختصاص هو حق في شيء ,يختص مستحقه بالنتفاع به ,ول يملك أحد مزاحمته
فيه ,وهو غير قابل للشّمول والمعاوضات . ومن صور الختصاص بالعيان النّجسة عند الشّافعيّة والحنابلة :الكلب المباح اقتناؤه ككلب الحراسة والصّيد والزيوت والدهان المتنجّسة الّتي يجوز النتفاع بها بالستصباح أو بتحويلها إلى صابون ونحو ذلك ,والختصاص بهذه الشياء ونحوها ل يفيد الملك عندهم , ق النتفاع المحدود بها في الوجوه السّائغة شرعا . ولكنّه يعطي صاحبه ح ّ وهذا الحق ينتقل بالموت إلى ورثة صاحب الختصاص ول يسقط بموته . أمّا الحنفيّة وبعض المالكيّة فإنّهم يعتبرون العيان النّجسة أو المتنجّسة الّتي أبيح النتفاع بها شرعا مالً متقوّما ,كالسّرجين والبعر وكلب الماشية والصّيد ونحوها ,وعلى ذلك فإنّها تورث عن صاحبها بموته كسائر أمواله .
عاشرا -حق القصاص والعفو عنه :
48
ن القود ل يجب إلّا في القتل العمد بعد اجتماع شروطه , -ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
ق هل يثبت لهم ابتدا ًء أم وأنّه حق الورثة ( أولياء الدّم ) ,ولكنّهم اختلفوا في ذلك الح ّ ي عليه ؟ ومن هم الّذين يستحقونه منهم ؟ وذلك على ثلثة أقوال : بطريق الرث عن المجن ّ ن حقّ القصاص يثبت أحدها :للحنابلة والشّافعيّة في الصحّ وأبي يوسف ومحمّد وهو أ ّ للمجنيّ عليه أ ّولً بسبب الجناية عليه ,ثمّ ينتقل إلى ورثته جميعهم ,الرّجال والنّساء والكبار الصّغار ,من ذوي النساب والسباب ,كسائر أمواله وأملكه ,وهو قول عطاء والنّخعيّ والحكم وحمّاد والثّوريّ .
وعلى ذلك ,فمتى انتقل الحق للورثة ,فهم بالخيار :إن شاءوا اقتصوا ,وإن شاءوا عفوا ,وإذا عفا أحدهم عن حقّه في القصاص سقط حق الباقين فيه ,لنّه ل يتجزّأ ,وينقلب نصيب الباقين مالً ,ول يكون للعافي شيء منه ,ولنّه أسقط حقّه مجّانا برضاه . وإذا انقلب القصاص إلى مال بعفو الورثة إليه ,فإنّ ذلك المال يكون للموروث أ ّولً , فتقضى منه ديونه ,وتنفذ منه وصاياه ,وما بقي يكون لورثته . والثّاني :للمالكيّة والشّافعيّة في قول وأحمد في رواية عنه اختارها ابن تيميّة وهو أنّ صةً ,لنّه القصاص حق للمجنيّ عليه ابتدا ًء ثمّ ينتقل إلى العصبات الذكور من ورثته خا ّ ثبت لدفع العار ,فاختصّ به العصبات ,كولية النّكاح . ن القصاص ليس موروثا عن المجنيّ عليه ,بل هو ثابت ابتداءً والثّالث :لبي حنيفة وهو أ ّ للورثة ,لنّ الغرض منه التّشفّي ودرك الثّأر ,والميّت ل يجب له إلّا ما يصلح لحاجته من تجهيزه وقضاء دينه وتنفيذ وصيّته ,والقصاص ل يصلح لشيء من ذلك ,ث ّم إنّ الجناية قد وقعت على ورثته من وجهٍ ,لنتفاعهم بحياته ,فإنّهم كانوا يستأنسون به وينتصرون , وينتفعون بماله عند الحاجة ,ولذا وجب القصاص للورثة ابتداءً ,لحصول التّشفّي لهم ولوقوع الجناية على حقّهم ,ل أن يثبت للميّت ث ّم ينتقل إليهم حتّى يجري فيه التّوارث كما في سائر حقوقه ,ولكن إذا انقلب ذلك الحق مالً ,فإنّه يصير عندئذٍ موروثا ,لنّ ثبوت القصاص حقا للورثة ابتدا ًء إنّما كان لضرورة عدم صلوحه لحاجة الميّت ,فإذا انقلب مالً بالصلح عليه أو العفو إلى الدّية -والمال يصلح لحوائج الميّت من التّجهيز وقضاء الديون ف إنّما يجب وتنفيذ الوصايا -ارتفعت الضّرورة ,وصار الواجب كأنّه هو المال ,إذ الخَلَ ُ بالسّبب الّذي يجب به الصل ,فيثبت الفاضل عن حوائج الميّت لورثته خلفةً ل أصالةً . أمّا حق القصاص فيما دون النّفس ,فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة ي عليه ول يسقط بوفاته قبل استيفائه ,وثبوته والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه يورث عن المجن ّ ن حقّ لورثته إنّما هو على سبيل الميراث عنه ل ابتداءً ,وهناك رواية عن المام أحمد أ ّ القصاص في الطراف ل ينتقل إلى الورثة إلّا إذا طالب به المجني عليه قبل موته ,أمّا إذا لم يطالب فيه ,فإنّه يسقط وينتهي بوفاته .
حادي عشر -حق الموصى له في قبول الوصيّة :
49
-ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ قبول الوصيّة
من الموصى له المعيّن شرطٌ لثبوت الملك له ,وأنّ له الحقّ في قبوله أو ردّها بحسب مشيئته .
ولكن إذا مات الموصى له بعد الموصي وقبل صدور القبول أو الرّ ّد منه ,فهل ينتقل ذلك الحق لورثته أم يسقط بموته ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على ثلثة أقوال : ق القبول أو الرّ ّد في الوصيّة ينتقل لورثة الوّل :للشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة ,وهو أنّ ح ّ ث ,فل يسقط الموصى له إذا مات بعد الموصي من غير قبول أو رد ,لنّه حق مورو ٌ بموته ,بل يثبت للورثة ,فإن شاءوا قبلوا وإن شاءوا ردّوا . واستثنى المالكيّة من ذلك ما إذا كانت الوصيّة له بعينه وشخصه ,فحينئ ٍذ تسقط بموته , ول ينتقل ذلك الحق إلى ورثته . ن الموصى له إذا مات قبل القبول أو الرّ ّد بعد وفاة الثّاني :للحنفيّة وبعض المالكيّة ,وهو أ ّ الموصي ,فإنّ الموصى به يدخل في ملكه دون حاجة إلى قبول الورثة ,لنّ القبول عندهم ل حكما . هو عبارة عن عدم الرّدّ ,فمتى وقع اليأس عن ر ّد الموصى له أعتبر قاب ً الثّالث :للبهريّ من المالكيّة وأحمد في رواية عنه أخذ بها ابن حامد ووصفها القاضي ن الوصيّة تبطل بموت الموصى له قبل قبوله ,لنّها عقد يفتقر بأنّها قياس المذهب ,وهي أ ّ إلى القبول ,فإذا مات من له حق القبول قبله بطل العقد ,كالهبة ,ولنّه خيار ل يعتاض عنه ,فيبطل بالموت ,كخيار المجلس والشّرط وخيار الخذ بالشّفعة .
ثاني عشر -حق الموهوب له في قبول الهبة وقبضها :
50
-اختلف الفقهاء فيما إذا مات الموهوب له قبل القبول ,هل تبطل الهبة بموته ,أم أنّ
حقّ القبول ينتقل إلى ورثته ؟ وذلك على قولين : ن الموهوب له إذا مات قبل القبول بطلت أحدهما :للحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ,وهو أ ّ الهبة ,ولم يكن لورثته حق القبول من بعده ,أشبه ما لو أوجب البيع فمات المشتري قبل القبول . وإذا مات بعد القبول وقبل القبض ,فإنّ الهبة تبطل أيضا عند الحنفيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة ,لنّها ل تلزم ول ينتقل الملك فيها إلّا بالقبض ,وقد انعدم ذلك بموت الموهوب له قبله ,ولنّ الهبة صلة ,والصّلت تبطل بالموت قبل القبض ,ولنّها عقد جائزٌ قبله ,فبطل بموت أحد العاقدين ,كالوكالة والشّركة . وخالفهم في ذلك الشّافعيّة في المعتمد ,حيث نصوا على عدم انفساخ الهبة بموت المتّهب قبل القبض ,لنّه عقد يئُول إلى اللزوم ,فلم يبطل بالموت ,كالبيع بشرط الخيار ,ويقوم وارث المتّهب مقام مورّثه في القبض . ن الموهوب له إذا مات ولم يكن يعلم بالهبة ,فإنّها ل تبطل , والثّاني :للمالكيّة ,وهو أ ّ ويقوم ورثته مقامه في القبول أو الرّ ّد ,إلّا إذا كان الواهب يقصد شخص الموهوب له
وذاته لفظا أو بدللة ,قرائن الحوال ,فحينئ ٍذ تبطل الهبة بموته قبل القبول ,لنّ الحقّ ههنا شخصيّ ,فينتهي بموت صاحبه ,ول ينتقل إلى ورثته . أمّا إذا مات الموهوب له بعد علمه بالهبة ,ولم يظهر منه رد حتّى مات ,فإنّه يعتبر قابلً حكما ,ويقوم ورثته مقامه في القبض ,وكذا إذا قبل صراحةً ,ولكنّه لم يقبض الهبة حتّى وافته المنيّة ,فيورث عنه حق قبضها .
ثالث عشر -حق الواهب في الرجوع في الهبة :
51
ن حقّ -ذهب جماهير الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة وغيرهم إلى أ ّ
الواهب في الرجوع في الهبة يسقط بموته ,ول ينتقل إلى ورثته من بعده لنّ الخيار في ق شخصيّ للواهب ,ثبت له لمعان وأوصاف ذاتيّة فيه ,والحق الشّخصي ل الرجوع فيها ح ّ يورث . ثمّ إنّ الشّارع إنّما أوجب هذا الحقّ للواهب ,والوارث ليس بواهب . وأيضا هو حق مجرّد ,والحقوق المجرّدة ل تورث ابتدا ًء ,وإنّما تورث تبعا للمال ,وورثة الواهب ل يرثون العين الموهوبة الّتي هي مال ,فل يرثون ما يتعلّق بها من حقّ الرجوع .
أثر الموت على التزامات المتوفّى : أثر الموت على اللتزامات المفترضة بنصّ الشّارع :
هناك التزامات ماليّة وغير ماليّة ,وسنعرض فيما يلي أثر الموت على كل من هذه اللتزامات :
أوّلً -اللتزامات الماليّة : أ -الزّكاة الواجبة :
52
-اختلف الفقهاء في تأثير الموت على سقوط دين الزّكاة إذا توفّي من وجبت الزّكاة في
ماله قبل أدائها ,وذلك على ثلثة أقوال : الوّل :للشّافعيّة والحنابلة ,وهو أنّه من وجبت عليه الزّكاة وتمكّن من أدائها ,ولم يؤدّها حتّى مات ,فإنّها ل تسقط بموته ,ويلزم إخراجها من رأس ماله وإن لم يوص بها ,وهو مذهب عطاء والحسن البصريّ والزهريّ وقتادة وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر واحتجوا ي واجب لزمه حال الحياة ,فلم يسقط بموته ,كدين العبد . على ذلك بأنّ دين الزّكاة حق مال ّ ويفارق الصّلة ,فإنّها عبادة بدنيّة ل تصح الوصيّة بها ول النّيابة فيها وبعموم قوله تعالى في آية المواريث { :مِن َبعْدِ وَصِ ّيةٍ يُوصِي ِبهَا َأوْ دَيْنٍ } حيث عمّم سبحانه الديون كلّها , والزّكاة دين قائم للّه تعالى وللمساكين والفقراء والغارمين وسائر من فرضها اللّه تعالى لهم ص الكتاب المبين . بن ّ
س رضي ال عنهما قال « :جاء رجل إلى النّبيّ صلى ال عليه وبما ورد عن ابن عبّا ٍ وسلم فقال :يا رسول اللّه إنّ أمّي ماتت وعليها صوم شهر ,أفأقضيه عنها ؟ قال صلى ال عليه وسلم :نعم .قال :فدين اللّه أحق أن يقضى » .فدلّ ذلك على أنّ حقوق اللّه تعالى أحقّ أن تُقضى ,ودين الزّكاة منها . ن من مات ,وعليه دين زكاة لم يؤدّه في حياته ,فإنّه يسقط الثّاني :للحنفيّة ,وهو أ ّ بموته في أحكام الدنيا ,ول يلزم الورثة بإخراجها من تركته ما لم يوص بذلك ,فإن أوصى بأدائها من تركته ,فإنّها تخرج من ثلثها كسائر الوصايا ,وما زاد على الثلث ل ينفذ إلّا بإجازة الورثة . وهو قول ابن سيرين والشّعبيّ والنّخعيّ وحمّاد بن أبي سليمان وحميد الطّويل وعثمان البتّيّ وسفيان الثّوريّ وغيرهم . وتعليل ذلك أنّ المقصود من حقوق اللّه تعالى إنّما هو الفعال ,إذ بها تظهر الطّاعة والمتثال ,وما كان ماليّا منها ,فالمال متعلّق بالمقصود ,وهو الفعل ,وقد سقطت الفعال كلها بالموت ,لتعذر ظهور طاعته بها في دار التّكليف ,فكان اليصاء بالمال الّذي هو متعلّقها تبرعا من الميّت ابتداءً ,فاعتبر من الثلث . ي ,والصّلت تبطل وأيضا فإنّ الزّكاة وجبت بطريق الصّلة ,أل ترى أنّه ل يقابلها عوضٌ مال ّ بالموت قبل التّسليم . واستثنى الحنفيّة من ذلك زكاة الزروع والثّمار ,فقالوا بعدم سقوطها بالموت قبل الداء إذا كان الخارج ,قائما ,فمن وجب عليه العشر أو نصف العشر فإنّه يؤخذ من تركته إذا مات قبل أدائه . الثّالث :للمالكيّة ,وهو أنّ من مات وعليه زكاة لم تؤ ّد في حياته ,فل يخلو :إمّا أن تكون تلك الزّكاة حاّل ًة في العام الحاضر الّذي مات فيه ,وإمّا أن تكون عن سنين ماضية فرّط في أداء الزّكاة فيها . الحالة الولى :فإن كانت الزّكاة حاّل ًة في العام الحاضر الّذي مات فيه ,فإنّها إمّا أن تكون زكاة حرث وثمر وماشية ,أو زكاة عين " ذهب أو فضّة " . فإن كانت زكاة أموال ظاهرة كحرث وماشية ونحوها ,فإنّها ل تسقط بموته ,بل تخرج من رأس ماله مقدّمةً على الكفن والتّجهيز ,سواء أوصى بها أو ل ,لنّها من الموال الظّاهرة .أمّا إذا كانت زكاة عين حاضر ًة " من الموال الباطنة " فإنّها تخرج من رأس المال جبرا عن الورثة ,إن اعترف بحلولها وبقائها في ذمّته وأوصى بإخراجها ,أمّا إذا اعترف بحلولها ,ولم يعترف ببقائها ,ولم يوص بإخراجها ,فل يجبر الورثة على إخراجها ل من
ثلث تركته ول من رأس ماله ,وإنّما يؤمرون في غير جبر ,إلّا أن يتحقّق الورثة من عدم إخراجها ,فحينئذٍ تخرج من رأس ماله جبرا . وإذا اعترف ببقائها ,وأوصى بإخراجها ,أخرجت من الثلث جبرا . وإن اعترف ببقائها ولم يوص بإخراجها ,لم يقض عليهم بإخراجها ,وإنّما يؤمرون بذلك من غير إجبار لحتمال أن يكون قد أخرجها قبل موته ,فإن علموا عدم إخراجها أجبروا على الخراج من رأس ماله . الحالة الثّانية :وإذا كانت الزّكاة عن مدّة ماضية ,وفرّط في أدائها سواء أكانت زكاة عين أو ماشية أو حرث فيلزم إخراجها من الثلث إن أوصى بها أو اعترف بأنّها باقية في ذمّته . أمّا إذا لم يعترف بذلك ولم يوص بها ,فإنّه ل يلزم الورثة إخراجها ل من الثلث ول من رأس المال . ولو أشهد في صحّته أنّها في ذمّته ,وأنّه لم يفرّط ,فإنّها تخرج من رأس المال . وإذا أشهد في مرض موته على ذلك تكون بمنزلة الوصيّة ,وتخرج من الثلث .
ب -صدقة الفطر :
53
-اختلف الفقهاء في تأثير الموت على سقوط صدقة الفطر عمّن وجبت عليه إذا مات
قبل أدائها ,وذلك على ثلثة أقوال : الوّل :للشّافعيّة ,والحنابلة ,وهو أنّ من وجبت عليه صدقة الفطر ,وتمكّن من أدائها , ولم يؤدّها حتّى مات ,لم تسقط بموته ,بل يجب إخراجها من تركته ,وإن لم يوص بها . ن من وجبت عليه زكاة الفطر إذا مات قبل أدائها فإنّها تسقط بموته الثّاني :للحنفيّة ,وهو أ ّ في أحكام الدنيا ,ول يلزم ورثته إخراجها من تركته ما لم يوص بها . فإن أوصى بها ,فإنّها تخرج من ثلث ماله كسائر الوصايا ,وذلك لنّ صدقة الفطر وجبت بطريق الصّلة ,أل ترى أنّه ل يقابلها عوضٌ ماليّ ,والصّلت تبطل بالموت قبل التّسليم . الثّالث :للمالكيّة ,وهو أنّ زكاة الفطر الحاضرة إذا مات من وجبت عليه قبل إخراجها , فإنّها تخرج من رأس ماله كزكاة العين ,وذلك إن أوصى بها . ن الورثة يؤمرون بإخراجها ,لكنّهم ل يجبرون على ذلك . أمّا إذا لم يوص بها ,فإ ّ وإذا كانت زكاة الفطر عن سنين ماضية فرّط فيها ,ثمّ أوصى بأدائها قبل موته ,فإنّها تخرج من ثلث ماله . ولو أشهد في صحّته أنّها بذمّته ,فإنّها تخرج من رأس ماله ,سواء أوصى بها أم لم يوص.
ج -الخراج والعشر :
54
ن أرضا من أراضي الخراج مات ربها قبل أن يؤخذ منه الخراج , -قال الحنفيّة :لو أ ّ
فإنّه ل يؤخذ من تركته ,لنّ الخراج في معنى الصّلة ,فيسقط بالموت قبل الستيفاء ,ول ن خراج الرض معتبر بخراج الرّأس ,ففي كلّ واحد منهما يتحوّل إلى التّركة كالزّكاة ,ثمّ إ ّ ن خراج الرّأس يسقط بموت من عليه قبل الستيفاء ,فكذلك خراج معنى الصّغار ,وكما أ ّ الرض ,ول يمكن استيفاؤه من الورثة باعتبار ملكهم ,لنّهم لم يتمكّنوا من النتفاع بها في السّنة الماضية . ولو مات رب الرض العشريّة ,وفيها زرع ,فإنّه يؤخذ منه العشر على حاله ,وفي رواية ابن المبارك عن أبي حنيفة أنّه سوّى بين العشر والخراج ,وقال :يسقط بموت ربّ الرض ,وأمّا في ظاهر الرّواية ,فالزّرع القائم يصير مشتركا بين الفقراء ورب الرض , عشره حق الفقراء ,وتسعة أعشاره حق ربّ الرض ,ولهذا ل يعتبر في إيجاب العشر المالك ,حتّى يجب في أرض المكاتب والعبد والمدين والصّبيّ والمجنون ,فبموت أحد ن محله الشّريكين ل يبطل حق الخر ,ولكن يبقى محله ,وهذا بخلف الخراج ,حيث إ ّ ال ّذمّة ,وبموته خرجت ذمّته من أن تكون صالحةً للتزام الحقوق ,والمال ل يقوم مقام ال ّذمّة فيما طريقه طريق الصّلة .
د -الجزية :
55
-اختلف الفقهاء في سقوط الجزية عن ال ّذمّيّ إذا مات قبل أدائها على قولين :
ن الجزية إذا وجبت على ال ّذمّيّ ,فإنّها أحدهما :للحنفيّة والمالكيّة وبعض الحنابلة ,وهو أ ّ تسقط بموته قبل أدائها ,سواء مات بعد الحول أو في أثنائه ,ول تؤخذ من تركته ,وذلك لنّها عقوبة فتسقط بالموت كالحدود ,ولنّها تسقط أيضا بإسلمه ,فتسقط كذلك بموته . ن الحنفيّة قالوا :إذا أوصى بها فإنّها تخرج من ثلث ماله كسائر الوصايا . إلّا أ ّ ن الجزية ل تسقط ي إذا مات بعد الحول ,فإ ّ والثّاني :للشّافعيّة والحنابلة ,وهو أنّ ال ّذمّ ّ عنه ,لنّها دين وجب عليه في حياته ,فلم تسقط بموته ,بل تؤخذ من تركته كسائر الديون الماليّة . أمّا إذا مات في أثناء الحول ,فل تؤخذ من تركته عند الحنابلة ,لنّها ل تجب قبل كمال الحول . وعند الشّافعيّة :ل تسقط ,ويؤخذ من تركته قسط ما مضى ,لنّها كالجرة .
هـ -الكفّارات الواجبة وفدية الصّوم والحجّ وجزاء الصّيد :
56
-اختلف الفقهاء في تأثير الموت على الكفّارات الماليّة الواجبة على النسان إذا مات
قبل أدائها ,ككفّارة اليمين وكفّارة القتل الخطأ وكفّارة الظّهار وكفّارة الفطار في رمضان
عمدا ,وكذا ما يلزمه من فدية الصّوم والحجّ وجزاء الصّيد إذا مات قبل إخراجها وذلك على ثلثة أقوال : الوّل :للشّافعيّة والحنابلة ,وهو أنّ ,الكفّارات ونحوها من الواجبات الماليّة كفدية الصّيام والحجّ وجزاء الصّيد ل تسقط بموت من وجبت عليه قبل أدائها وتخرج من رأس ماله , أوصى بها أو لم يوص . ن من وجبت عليه فدية الصّوم وهو موسر ,فمات قبل أدائها ص الشّافعيّة على أ ّ وكذلك ن ّ فإنّها تخرج من تركته ,وأنّ المتمتّع إذا مات في أثناء الحجّ أو بعد الفراغ منه ,وهو واجد للهدي ,ولم يكن أخرجه بعد ,فيجب إخراجه من تركته على المعتمد في المذهب ,كسائر الديون المستقرّة . ن الكفّارات تسقط بالموت في أحكام الدنيا ,إلّا إذا أوصى بها قبل الثّاني :للحنفيّة ,وهو أ ّ وفاته ,فحينئذٍ تخرج من الثلث كسائر الوصايا ,وما زاد منها على الثلث يتوقّف على إجازة الورثة ,فإن أجازوه نفذ وإن ردوه بطل . وكذا الحكم بالنّسبة لفدية الصّوم والحجّ وجزاء الصّيد . الثّالث :للمالكيّة ,وهو أنّ الشّخص إذا أشهد في صحّته على الكفّارات الواجبة عليه أنّها بذمّته ,وأنّه لم يفرّط في أدائها ,فإنّها بموته تخرج من رأس ماله ,سواء أوصى بها أو لم يوص . وأمّا إذا فرّط في أدائها حتّى مات ,ولم يشهد في صحّته أنّها بذمّته ,ولكنّه أوصى بها , فإنّها تخرج من ثلث ماله ,وكذا الحكم في فدية الحجّ وجزاء الصّيد . أمّا إذا لم يوص بها ,ولم يشهد أنّها بذمّته ,فل يجبر الورثة على إخراجها من التّركة أصلً. وأمّا الهدي الواجب على المتمتّع في الحجّ ,فإنّه يخرج من رأس المال إذا مات المتمتّع بعد رمي جمرة العقبة ,سواء أوصى بذلك أم ل .وإذا مات قبل رمي جمرة العقبة فل شيء عليه إلّا إذا قلّد الهدي ,فيتعيّن حينئذٍ ذبحه ,ولو مات قبل الوقوف بعرفة .
و -نفقة الزّوجة :
57
-اتّفق الفقهاء على وجوب نفقة الزّوجة على زوجها متى سلّمت نفسها إليه على الوجه
المطلوب شرعا ولم تكن ناشزا . ولكنّهم اختلفوا في ثبوتها دينا في ذمّته إن لم يؤدّها إليها ,ووجوبها في تركته إذا مات قبل الداء ,أو سقوطها بالموت قبله ,وذلك على ثلثة أقوال :
الوّل :للشّافعيّة والحنابلة ,وهو أنّ نفقة الزّوجة تكون على زوجها -حتّى لو كان معسرا -إذا لم تمنعه تمتعا مباحا ,وتجب دينا في ذمّته لها إذا لم يقم بواجب النفاق عليها ,وإن لم يصدر بها قضاء قاض ,ومن ثمّ فإنّها ل تسقط بموت الزّوج قبل الداء إليها ,بل تؤخذ من تركته كسائر الديون المستقرّة . ن النّفقة الواجبة على الزّوج لزوجته ل تصير دينا واجبا في ذمّته الثّاني :للحنفيّة ,وهو أ ّ إلّا بالتّراضي أو بقضاء القاضي . وعلى ذلك فإن قضى بها القاضي وأمر الزّوجة بالستدانة على الزّوج ,ففعلت ,فإنّ دين النّفقة هذا ل يسقط بموت الزّوج قبل أدائه إليها . أمّا إذا قضى بها ,ولم يأمرها بالستدانة ,فإنّها تسقط بموته ,لنّها صلة ,والصّلت تسقط بالموت قبل التّسليم . الثّالث :للمالكيّة ,وهو أنّ النّفقة الواجبة على الزّوج لزوجته ل تلزمه في حال إعساره , وما أنفقته الزّوجة على نفسها في تلك الفترة ل ترجع عليه بشيء منه ,وإذا مات الزّوج على هذه الحال ,فل يجب لها في تركته شيء من النّفقة عن تلك المدّة ,لنّها كانت ساقطةً عنه خللها . ن ما تجمّد عليه من نفقة الزّوجة في زمن اليسار ,يكون ثابتا في أمّا إذا كان موسرا ,فإ ّ ذمّته كسائر الديون ,ولو لم يفرضه قاض ,ول يسقط بموته قبل أدائه ,بل يؤخذ من تركته كسائر ديون العباد ,وتحاصص الزّوجة فيه سائر الغرماء .
ز -نفقة القارب :
58
-اختلف الفقهاء في ثبوت نفقة القارب دينا في ذمّة من وجبت عليه لمن ثبتت له ,
ووجوبها في تركته إذا مات قبل أدائها لمستحقّها ,وذلك على قولين : ن نفقة القارب تسقط بموت من وجبت عليه أحدهما :للحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ,وهو أ ّ قبل أدائها لمستحقّها ,لنّها صلة ,والصّلت تبطل بالموت قبل التّسليم ,إلّا إذا فرضها القاضي وأمر باستدانتها عليه ,ففعل المستحق ,فعندئذٍ تصير دينا في ذمّة من لزمته ,ول تسقط بموته قبل الداء ,بل تؤخذ من تركته كسائر ديون العباد ,حيث إنّها تأكّدت بفرض الحاكم وأمره بالستدانة . الثّاني :للمالكيّة ,وهو أنّ متجمّد نفقة القارب يسقط بموت من لزمته قبل أدائها إلّا إذا حكم بها حاكم ,أو أنفق شخص على من وجبت له غير قاصد التّبرع عليها بها ,وكان من وجبت عليه موسرا ,فعندئذٍ تصير دينا في ذمّته ,ول تسقط بموته قبل الداء ,بل تؤخذ من تركته كسائر الديون الثّابتة للدميّين .
ح -الدّية الواجبة على العاقلة :
59
ن دية القتل الخطأ تجب على العاقلة منجّمةً على ثلث سنين . -اتّفق الفقهاء على أ ّ
ولكنّهم اختلفوا فيما إذا مات أحد ممّن وجبت عليه من العاقلة قبل الداء ,فهل تسقط عنه , أم تكون دينا في تركته ,وذلك على ثلثة أقوال : الوّل :للشّافعيّة والحنابلة ,وهو أنّ من مات من العاقلة بعد الحول وكان موسرا ,استقرّت الدّية عليه ,وأخذت من تركته مقدّمةً على الوصايا والميراث ,وأمّا إذا مات في أثناء الحول ,أو مات معسرا ,فل يلزمه شيء منها . ن من مات من العاقلة قبل الحول أو بعده ,فل يجب في تركته الثّاني :لبي حنيفة وهو أ ّ شيء ممّا ضرب عليه من الدّية ,وذلك لنّه إن مات قبل الحول ,فل شيء عليه ,إذ هي مال يجب في آخر الحول على سبيل المواساة ,فأشبه الزّكاة ,وإن مات بعد الحول ,فل يلزمه شيء أيضا ,لنّه بالموت خرج عن أهليّة الوجوب . الثّالث :للمالكيّة ,وهو أنّ ما ضرب على فرد من العاقلة ,وكان مستوفيا لشروطه حين لزمه ,فإنّه ل يسقط بموته ,بل يكون دينا يقضى من تركته ,وحتّى ما كان مؤجّلً منه , فإنّه يحل بموته .
ط -الفعل الضّار :
60
ن من ألحق بغيره ضررا يستوجب ضمانا ماليّا ,فإنّه يكون -ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
دينا في ذمّته ,فإذا مات قبل تأديته ,فإنّه ل يسقط بوفاته ,بل يجب في تركته مقدّما على الوصايا والمواريث ,سواء أوصى به أو لم يوص ,كسائر ديون الدميّين . وللتّفصيل أنظر مصطلح ( دين ف /
20
).
ثانيا -اللتزامات غير الماليّة : أ -الحج الواجب :
61
-اختلف الفقهاء فيمن مات بعد ما وجب عليه الحج ,ولم يحجّ بعد التّمكن من أدائه ,
هل يسقط عنه الحج بموته أم ل ؟ وذلك على قولين : أحدهما :للحنفيّة وهو المذهب عند المالكيّة ,وهو أنّه يسقط عنه الحج بموته في الحكام الدنيويّة ,ول يلزم ورثته ,ول يؤخذ من تركته شيء لجل الحجّ عنه ,إلّا إذا أوصى بذلك, ي والنّخعيّ . فحينئذٍ ينفذ في حدود الثلث كسائر الوصايا ,وهو قول الشّعب ّ وحجّتهم على ذلك أنّ العبادات ل ينوب فيها أحد عن أحد ,فل يصلّي شخص عن آخر , سعَى } . ن إِلّا مَا َ وكذلك الحج ,وهو مدلول قوله ع ّز وجلّ َ { :وأَن لّيْسَ لِلْإِنسَا ِ أمّا من أمر بالحجّ عنه أو أوصى به ,فإنّه يكون له فيه سعيٌ .
والثّاني :للشّافعيّة والحنابلة ,وهو أنّ الحجّ ل يسقط عنه بالموت ,ويجب قضاؤه من جميع تركته ,أوصى بذلك أو لم يوص ,وعلى ذلك فيلزم وارثه أن يحجّ عنه من تركته , أو يستأجر من يحج عنه إن كان له تركة . أمّا إذا لم يترك شيئا ,فإنّ الحجّ يبقى في ذمّته ول يلزم وارثه ,شيء ,وهو قول الحسن وطاووسٍ . ي صلى ال عليه ن امرأةً أتت النّب ّ واستدلوا على ذلك بما روى بريدة رضي ال عنه « أ ّ وسلم فقالت :إنّ أمّي ماتت ولم تحجّ قط ,أفأحج عنها ,قال :حجّي عنها » ،وما ورد ن أبي مات ولم يحجّ , عن ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما « أنّ رجلً قال :يا رسول اللّه إ ّ أفأحج عنه ؟ قال :أرأيت لو كان على أبيك دين ,أكنت قاضيه ؟ قال :نعم .قال :فدين ق مستقر عليه ,وقد لزمه في حال الحياة ,وهو حق اللّه أحق » ,وأيضا بأنّ الحجّ ح ّ ي. تدخله النّيابة ,فلم يسقط بالموت كدين الدم ّ
ب -الصّلة الواجبة :
62
-اتّفق الفقهاء ع ّل أنّ من مات وعليه صلة واجبة ,سقطت عنه في أحكام الدنيا بموته
,لنّ الصّلة عبادة بدنيّة محضة ,فل ينوب أحد عن الميّت في أدائها ,لنّ المقصود من العبادات -كما يقول الشّاطبيّ -الخضوع للّه والتّوجه إليه والتّذلل بين يديه والنقياد تحت حكمه وعمارة القلب بذكره ,حتّى يكون العبد بقلبه وجوارحه حاضرا مع اللّه ومراقبا له غير غافل عنه ,وأن يكون ساعيا في مرضاته وما يقرّب إليه على حسب طاقته ,والنّيابة ن معنى ذلك أن ل يكون العبد عبدا ول المطلوب بالخضوع تنافي هذا المقصود وتضاده ,ل ّ والتّوجه خاضعا ول متوجّها إذا ناب عنه غيره في ذلك ,وإذا قام غيره في ذلك مقامه , فذلك الغير هو الخاضع المتوجّه ,والخضوع والتّوجه ونحوهما إنّما هو اتّصاف بصفات العبوديّة ,والتّصاف ل يعدو المتّصف به ول ينتقل عنه إلى غيره . غير أنّ الحنفيّة قالوا :إذا أوصى من عليه صلوات فائتة بالكفّارة ,فيلزم وليّه -وهو من له ولية التّصرف في ماله بولية أو وراثة -أن يعطي عنه لكلّ صلة نصف صاع من بر كالفطرة ,وذلك من ثلث ماله كسائر الوصايا ,فإن لم يوص بذلك سقطت عنه تلك الصّلوات في حقّ أحكام الدنيا للتّعذر ,وقال بعض الشّافعيّة -على خلف المشهور في المذهب - يطعم الولي عن كلّ صلة فائتة مدا .
ج -الصّوم الواجب :
63
-الصّوم الواجب شرعا على صنوف ,فمنه ما يجب محدّدا بزمان معيّن ,كصوم شهر
رمضان من كلّ عام ,ومنه ما يجب بناءً على اعتباراتٍ أخرى كصوم الكفّارات بأنواعها -
ككفّارة اليمين والظّهار -وصوم جزاء الصّيد والحلق والمتعة في الحجّ ,ومنه ما يجب على سبيل البدل ,كقضاء رمضان ,ومنه ما يجب بغير ذلك . ن من وجب عليه الصّوم بأحد وقد ذهب أكثر أهل العلم -كما قال ابن قدامة -إلى أ ّ السباب المشار إليها ,فلم يتمكّن من أدائه إمّا لضيق الوقت ,أو لعذر من مرض أو سفر أو عجز عن الصّوم ,ودام عذره إلى أن مات ,فل شيء عليه شرعا ,ول يجب على ورثته صيام ول في تركته إطعام ,ول غير ذلك . 64
-أمّا إذا كان متمكّنا من الصّيام ,لكنّه لم يؤدّه حتّى مات ,فقد اختلف الفقهاء في
سقوطه عنه بالموت على قولين . ن من مات وعليه القول الوّل :للحنفيّة والشّافعيّة في الجديد والمالكيّة والحنابلة ,وهو أ ّ صوم رمضان أو كفّارة أو نحوهما من الصّوم الواجب ,سقط عنه الصّوم في الحكام الدنيويّة ,فل يلزم وليّه أن يصوم عنه ,لنّ فرض الصّيام جار مجرى الصّلة ,فل ينوب أحد عن أحد فيه . وقد اختلف أصحاب هذا الرّأي فيما يجب على الوليّ في هذه الحالة على مذهبين . المذهب الوّل :للحنفيّة والمالكيّة ,وهو أنّه ل يجب على الوليّ أو الورثة أن يطعموا عنه شيئا إلّا إذا أوصى بذلك ,فإن أوصى به ,فإنّه يخرج من ثلث التّركة كسائر الوصايا . المذهب الثّاني :للحنابلة والشّافعيّة في المشهور من المذهب ,وهو أنّه يجب على الوليّ أن يطعم عنه لكلّ يوم مسكينا ,سواء أوصى بذلك أو لم يوص ,وهو مرويّ عن عائشة وابن س رضي ال عنهم وبه قال اللّيث والوزاعي والثّوري وابن عليّة وأبو عبيد وغيرهم . عبّا ٍ ن من مات وعليه صوم واجب ,صام عنه وليه والقول الثّاني :للشّافعيّ في القديم ,وهو أ ّ ي بين الصّيام عنه وبين الطعام . على سبيل الجواز دون اللزوم ,مع تخيير الول ّ واحتجوا على ذلك بما ورد عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :من مات وعليه صيام صام عنه وليه » ،وما روى بريدة رضي ال عنه ن أمّي ماتت ,وكان عليها صوم شهر, « أنّ امرأةً أتت النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقالت :إ ّ س رضي ال عنه قال « :جاء أفأصوم عنها ؟ قال :صومي عنها » ،وما روى ابن عبّا ٍ ن أمّي ماتت وعليها صوم رجل إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول اللّه إ ّ شهر ,أفأقضيه عنها ؟ فقال :لو كان على أمّك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال :نعم .قال : فدين اللّه أحق أن يقضى » .
أثر الموت على اللتزامات الثّابتة باختيار المكلّف :
اللتزام الختياري للمكلّف هو ما يثبت بإرادته واختياره ,وهذا اللتزام قد يكون أثرا لتعاقد وارتباط تمّ بين إرادة شخصين ,وقد يكون أثرا لعهد قطعه على نفسه بإرادته المنفردة .
أوّلً -اللتزامات العقديّة الّتي تنشأ بإرادة طرفين :
65
-ومنشأ هذه اللتزامات العقد ,الّذي هو عبارة عن ارتباط اليجاب الصّادر من أحد
العاقدين بقبول الخر على وجهٍ يثبت أثره في المعقود عليه . واللتزامات النّاشئة عن العقود على ثلث أقسام ,التزامات ,ناشئة عن عقود لزمة من الجانبين ,والتزامات ناشئة عن عقود جائزة " غير لزمة " من الجانبين ,والتزامات ناشئة عن عقود لزمة من جانب واحد ,وبيان ذلك فيما يلي :
القسم الوّل :العقود اللّازمة من الجانبين : أ -البيع :
66
ن ما ينشأ عنه من التزام على أحد -لم يختلف الفقهاء في أنّ البيع متى لزم ,فإ ّ
العاقدين تجاه الخر ل يسقط ول يبطل بموته ,فإذا مات البائع قام ورثته بإيفاء ما عليه من التزاماتٍ تجاه المشتري ,وإذا مات المشتري قام ورثته بتنفيذ ما عليه من واجباتٍ والتزاماتٍ تجاه البائع ,وذلك في حدود ما ترك . قال ابن قدامة :وإن مات المتبايعان ,فورثتهما بمنزلتهما ,لنّهم يقومون في أخذ مالهما وإرث حقوقهما ,فكذلك ما يلزمهما أو يصير لهما . وللتّفصيل ( ر :عقد ف 67
61/
).
-وقد استثنى الفقهاء من ذلك ما إذا مات أحد العاقدين مفلسا ,وأوردوا تفصيلً في أثر
ذلك على اللتزامات النّاشئة عن عقد البيع ,وإن كان بينهم ثمّة اختلف في الفروع والجزئيّات ,وبيان ذلك فيما يلي : صةً , أ -إذا اشترى شخص شيئا ,ثمّ مات مفلسا بعد أداء ثمنه للبائع ,فالمبيع ملكه خا ّ سواء قبضه من البائع أو لم يقبضه ,وهذا باتّفاق الفقهاء . ب -أمّا إذا مات مفلسا قبل تأدية الثّمن ,فينظر : فإن لم يكن المشتري قد قبض المبيع ,فقال الحنفيّة :للبائع أن يحبسه حتّى يستوفي ثمنه من تركة المشتري أو يبيعه القاضي ويؤدّي للبائع حقّه من ثمنه ,فإن زاد الثّمن عن حقّ ق البائع أخذ البائع الثّمن الّذي بيع به , البائع يدفع الزّائد لباقي الغرماء ,وإن نقص عن ح ّ ويكون في الباقي أسوة الغرماء . ن له فسخ العقد واستيفاء المبيع لنفسه . وقال المالكيّة :يكون البائع أحقّ به أي أ ّ
أمّا إذا كان المشتري قد قبض المبيع ,فهل يكون للبائع أن يستردّه فيحبسه إن كان باقيا بعينه ,ويكون أحقّ به من غيره من أرباب الحقوق على المشتري كما لو كان باقيا في يده, أم يصير البائع بقبض المشتري له قبل موته مثل باقي الغرماء ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين : القول الوّل :للحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ,وهو أنّه ليس للبائع بعد أن قبض المشتري المبيع استرداده ,بل يكون أسوة الغرماء ,فيقسمونه ,جميعا ,واحتجوا على ذلك بما ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :أيما رجل باع متاعا فأفلس الّذي ابتاعه , روي عن النّب ّ ولم يقبض الّذي باعه من ثمنه شيئا ,فوجد متاعه بعينه فهو أحق به ,وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء » . القول الثّاني :للشّافعيّة وهو أنّ البائع بالخيار :إن شاء ترك المبيع وضارب الغرماء ق به من سائر الغرماء وذلك لما روى أبو هريرة رضي بثمنه ,وإن شاء استردّه ,وكان أح ّ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قضى :أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع ال عنه « أ ّ أحق بمتاعه إذا وجده بعينه » . ج -أمّا إذا مات البائع مفلسا بعد قبض الثّمن وقبل تسليم المبيع للمشتري ,ففي هذه ن المشتري يكون أحقّ بالمبيع من سائر الغرماء ,لنّه ص الحنفيّة والمالكيّة على أ ّ الحالة ن ّ ليس للبائع حق حبسه في حياته ,بل للمشتري جبره على تسليمه إليه ما دامت عينه قائمةً ,فيكون له أخذه بعد موت البائع أيضا ,إذ ل حقّ للغرماء ,فيه بوجه ,لنّه أمانة عند البائع -وإن كان مضمونا بالثّمن لو هلك عنده -وعلى هذا كان له أخذه إن كانت عينه باقيةً أو استرداد ثمنه إن كان قد هلك عند البائع أو عند ورثته . سف/ وانظر مصطلح ( إفل ٌ
37
).
ب -السّلَم :
68
ن المسلم ب السّلم إذا مات بعد تأدية رأس مال السّلم فإ ّ -ل خلف بين الفقهاء في أنّ ر ّ
فيه يكون دينا له في ذمّة المسلم إليه ,ويقوم ورثته مقامه في استيفائه منه كسائر ديونه المؤجّلة . ولكن إذا مات المسلم إليه قبل حلول زمن الوفاء ,فهل يبطل الجل بموته ,ويحل دين السّلم ,أم أنّه يبقى كما هو إلى وقته ؟ اختلف الفقهاء في ذلك قولين : القول الوّل :لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ,وهو أنّ الجل يبطل بموت ب السّلم إذا كان المسلم إليه ,ويحل دين السّلم ,ويلزم تسليمه من تركته حالً إلى ر ّ موجودا .
أمّا إذا لم يكن متوفّرا في وقت الحلول الطّارئ بموت المسلم إليه فقد اختلفوا :هل يفسخ عقد السّلم لذلك أم ل ؟ وعلى تقدير عدم الفسخ ,هل توقف قيمة المسلم فيه من التّركة إلى الوقت الّذي يوجد فيه عاد ًة أم ل ؟ فقال الحنفيّة :يؤخذ من التّركة حالً لنّ من شروط صحّة السّلم وجود المسلم فيه في السواق من وقت العقد إلى محلّ الجل عندهم ,وذلك لتدوم القدرة على تسليمه ,إذ لو لم يشترط ذلك ,ومات المسلم إليه قبل أن يحلّ الجل ,فربّما يتعذّر تسليم المسلم فيه ,فيئُول ذلك إلى الغرر . وقال المالكيّة :إنّ المسلم فيه يحل بموت المسلم إليه كما هو الشّأن في حلول سائر الديون المؤجّلة بموت المدين ,وفي هذه الحالة فإنّ المسلم فيه يجب تسليمه من التّركة ,إلّا أنّه إذا كان موت المسلم إليه قبل محلّ أجله ,ولم يكن المسلم فيه موجودا في السواق ,فإنّه يوقف تقسيم التّركة إلى الوقت الّذي يغلب وجوده فيه . قال الحطّاب :إذا مات المسلم إليه قبل وقت البّان ,أي وقت وجود المسلم فيه عادةً ,فإنّه يجب وقف قسم التّركة إليه . وقال ابن رشد :إنّما يوقف إن خيف أن يستغرق المسلم فيه كلّ التّركة ,فإن كان أقلّ من التّركة وقف قدر ما يرى أن يفي بالمسلم فيه ,وقسم ما سواه ,وهذا خلفا لما يراه أشهب ,فإنّه يرى أنّ القسم ل يجوز إذا كان على الميّت دين ,وإن كان يسيرا . وقال ابن عبد السّلم :إن كان على المسلم إليه ديون أخرى قسمت التّركة عليه ,ويضرب للمسلم قيمة المسلم فيه في وقته على ما يعرف في أغلب الحوال من غلء ورخصٍ . وقال بعضهم تتميما لقول ابن عبد السّلم بأنّه يوقف للمسلم ما صار له في المحاصّة حتّى يأتي وقت البّان ,فيشترى له ما أسلم فيه ,فإن نقص عن ذلك أتبع بالقيمة ذمّة الميّت إن طرأ له مال ,وإن زاد لم يشتر له إلّا قدر حقّه ,وتترك البقيّة إلى من يستحق ذلك من وارث أو مديان . وقال الشّافعيّة في الصحّ :إذا كان المسلم فيه موجودا في السواق فيجب تحصيله وتسليمه لربّ السّلم وإن غل وزاد على ثمن مثله ,أمّا إذا لم يكن موجودا فيها ,فيثبت للمسلم الخيار بين الفسخ والصّبر حتّى يوجد المسلم فيه دفعا للضّرر ,ول ينفسخ العقد - ن المسلم فيه يتعلّق بال ّذمّة ,وهي باقية ,والوفاء في كما لو أفلس المشتري بالثّمن -ل ّ المستقبل ممكن ,والقول الخر عند الشّافعيّة ينفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل القبض . ن الجل ل يحل بموت المدين إذا وثّقه الورثة أو القول الثّاني :للحنابلة في المعتمد ,وهو أ ّ
غيرهم برهن أو كفيل مليء على أقلّ المرين من قيمة التّركة أو الدّين ,ول يوقف شيء من تركة المسلم إليه لجل دين السّلم . ن الورثة قد ل يكونون أملياء ,ولم يرض بهم الغريم ,فيؤدّي فإن لم يوثق بذلك حلّ ,ل ّ ق. ذلك إلى فوات الح ّ
ج -الجارة :
69
-اختلف الفقهاء في تأثير موت المؤجّر في إجارة العيان والجير في إجارة العمال
على ما التزم به في عقد الجارة ,وذلك على قولين : القول الوّل :للمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ,وهو أنّ ما التزم به المؤجّر ل يبطل بموته , لنّ الجارة ل تنفسخ بالموت ,بل تبقى على حالها ,لنّها عقد لزم فل ينفسخ بموت العاقد مع سلمة المعقود عليه ,ولذلك تبقى العين عند المستأجر حتّى يستوفي منها ما تبقّى له من المنفعة ,وليس لورثة المؤجّر أن يمنعوه من النتفاع بها ,وهو قول إسحاق والبتّيّ وأبي ثور وابن المنذر . وأمّا ما التزم به الجير من العمل :فإمّا أن يكون مرتبطا بعينه وذاته ,كما إذا قال له : استأجرتك أو اكتريتك لتعمل كذا أو لكذا أو لعمل كذا ,أو يكون مرتبطا بذمّة الجير ,كما إذا استأجره لداء عمل معيّن يلزم ذمّته ,مثل أن يلزمه بحمل كذا إلى مكان كذا أو خياطة كذا دون أن يشترط عليه مباشرته بنفسه ,وذلك ما يسمّى في الصطلح الفقهيّ بإجارة ال ّذمّة .فإن كان اللتزام مرتبطا بعين الجير وذاته ,فإنّه يسقط وينتهي بموت الجير لنفساخ عقد الجارة بموته نظرا لفوات مح ّل المنفعة المعقود عليها واستحالة إكمال تنفيذ العقد فيما يتعلّق بالمدّة المتبقّية ,أمّا فيما مضى من الزّمن فل يسقط حق الجير فيما يقابله من أجر ,وذلك لستقراره بالقبض . وأمّا إذا كان اللتزام موصوفا في ذمّة الجير ,فإنّه ل يسقط بموته ,وينظر :إن كان له تركة أستؤجر منها من يقوم بإكمال وتوفية التزامه ,لنّه دين عليه .وإن لم يكن له تركة ,ولم يرغب ورثته في إتمام ذلك العمل الموصوف في ذمّته ليستحقوا الجر ,فإنّه يثبت ما للمستأجر حق الفسخ لموت الملتزم مفلسا . القول الثّاني :للحنفيّة والثّوريّ واللّيث وهو أنّ الجارة تنفسخ بموت المؤجّر لعيانه والجير على عمله ,سواء مات قبل تنفيذ العقد أو في أثنائه ,لنّ استيفاء المنفعة على ملك المؤجّر يتعذّر بالموت ,فينفسخ العقد ضرورةً ,وينتهي التزام كل من المؤجّر والجير. ن الجارة فيها ل تنفسخ بموت غير أنّ الحنفيّة استثنوا بعض الحالت الخاصّة ,وقالوا إ ّ المؤجّر ضرورةً ,وهي :
أ -إذا مات المؤجّر قبل انقضاء المدّة ,وفي الرض المستأجرة زرع بقل ,أي لم ينضج بعد ,فيبقى العقد ول ينفسخ بموته حتّى يدرك الزّرع ,ويكون الواجب عندئ ٍذ الجر المسمّى إلى نهاية مدّة العقد ,وبعد انقضاء المدّة أجر المثل حتّى يدرك . ب -إذا استأجر دا ّبةً إلى مكان معيّن ,فمات صاحب الدّابّة وسط الطّريق ,فإنّ للمستأجر أن يركب الدّابّة إلى المكان المسمّى بالجر إذا لم يجد دا ّبةً أخرى يصل بها أو لم يكن هناك ثمّة قاض يرفع المر إليه ,ول ينفسخ العقد بموت صاحب الدّابّة . وانظر التّفصيل في ( إجارة ف /
59
-
72
).
د -المساقاة :
70
-اختلف الفقهاء في تأثير الموت على اللتزامات المترتّبة على عقد المساقاة ,سواء
في ذلك ما التزم به صاحب الشّجر أو النّخل بتمكين العامل من القيام بسقيه وإصلحه ,أو ما التزم به العامل من تعهد الشّجر وعمل سائر ما يحتاج إليه ,وذلك على ثلثة أقوال : ن عقد المساقاة ل ينفسخ بموت القول الوّل :للمالكيّة والشّافعيّة وبعض الحنابلة ,وهو أ ّ أحد طرفيه ,سواء كان ذلك قبل بدء العمل أو في أثنائه ,لنّه عقد لزم ,فأشبه الجارة , ويقوم الوارث مقام الميّت منهما .وعلى ذلك . فإن كان الميّت عامل المساقاة ,كان لورثته أن يقوموا مقامه في إتمام العمل إذا كانوا عارفين بالعمل أمناء ,ويلزم المالك أو ورثته تمكينهم من العمل إن كانوا كذلك .فإن أبى ن الوارث ل يلزمه من الحقوق الّتي على الورثة القيام بذلك العمل لم يجبروا عليه ,ل ّ مورثه إلّا ما أمكن أداؤه من تركته ,والعمل هاهنا ليس من هذا القبيل ,وفي هذه الحالة يستأجر الحاكم من التّركة من يقوم بالعمل ,لنّه دين على الميّت ,فأشبه سائر الديون , ب المال الفسخ ,لتعذر استيفاء فإن لم يكن هناك تركة ,ولم يتبرّع الورثة بالوفاء ,فلر ّ المعقود عليه ,كما لو تعذّر ثمن المبيع قبل قبضه . وإن كان الميّت ربّ الشّجر ,لم تفسخ المساقاة ,ويستمر العامل في عمله ,ويجب على ب المال تمكينه من العمل والستمرار فيه وعدم التّعرض له ,وبعد تمام العمل يأخذ ورثة ر ّ حصّته من الثّمر بحسب ما اشترط في العقد . القول الثّاني :للحنفيّة ,وهو أنّ المساقاة تبطل بالموت ,أي بموت ربّ الشّجر أو العامل , قبل بدء العمل أو في أثنائه ,لنّها في معنى الجارة ,وهذا هو الصل عندهم . ثمّ فصّلوا في المسألة فقالوا :إذا قام العامل برعاية وسقاية الشّجر ,ولقّحه حتّى صار ن المساقاة تنتقض بينهما في القياس ,ولكن بسرا أخضر ,ثمّ مات صاحب الشّجر ,فإ ّ للعامل -استحسانا -أن يقوم برعاية الشّجر حتّى يدرك الثّمر ,وإن كره ذلك ورثة ربّ
ب الشّجر إضرار بالعامل وإبطالً لما كان مستحقا له ن في انفساخ العقد بموت ر ّ الشّجر ,ل ّ بالعقد ,وهو ترك الثّمار على الشجار إلى وقت الدراك ,وإذا انتقض العقد فإنّه يكلّف ب الشّجر الجذاذ قبل الدراك ,وفي ذلك ضرر بال ٌغ عليه ,ولهذا ل تبطل المساقاة بموت ر ّ في الستحسان ,فإن أبى العامل أن يستمرّ في عمل الشّجر وأص ّر على قطعه وأخذه بسرا ن إبقاء العقد تقديرا إنّما كان لدفع الضّرر عنه ,فإذا رضي التزام الضّرر انتقض العقد ,ل ّ ب الشّجر ,فيثبت لهم الخيار على كان له ما اختار ,غير أنّه ل يملك إلحاق الضّرر بورثة ر ّ النّحو التّالي : أ -أن يقسموا البسر على الشّرط المنصوص عليه في العقد الّذي كان بين مورّثهم والعامل .ب -أن يعطوا العامل قيمة نصيبه من البسر . ج -أن ينفقوا على البسر حتّى يبلغ ,فيرجعوا بذلك في حصّة العامل من الثّمر . ن العقد ل يبطل بموته استحسانا ويكون وأمّا إذا مات عامل المساقاة في هذه الحالة فإ ّ لورثته أن يقوموا مقامه في تعهد الشّجر ورعايته ,وإن كره رب الشّجر ,لنّهم قائمون مقامه ,إلّا أن يقول الورثة :نحن نأخذه بسرا ,وطلبوا نصيب مورّثهم من البسر ,ففي هذه الحالة يكون لصاحب الشّجر من الخيار مثل ما قدّمنا ,وهو ما يكون لورثته إذا أبى العامل أن يستم ّر في القيام على الشّجر . وأمّا إذا ماتا جميعا ,كان الخيار في القيام عليه لورثة العامل ,لنّهم يقومون مقامه ,وقد كان له في حياته هذا الخيار إذا مات صاحب الشّجر ,فكذلك يكون لورثته بعد موته ,فإن ب الشّجر على ما قدّمنا في الوجه الوّل . أبوا ذلك كان الخيار لورثة ر ّ القول الثّالث :للحنابلة على المذهب ,وهو أنّ المساقاة تنفسخ بموت أحد العاقدين ,فإذا مات العامل أو رب الشّجر انفسخت المساقاة ,كما لو فسخها أحدهما ,بنا ًء على قولهم إنّ عقد المساقاة من العقود الجائزة من الطّرفين . ومتى انفسخت المساقاة بموت أحدهما بعد ظهور الثّمرة ,فهي بينهما على ما شرطاه في العقد ,ويلزم العامل أو وارثه إتمام العمل ,فإن ظهرت ,ثمرة أخرى بعد الفسخ فل شيء للعامل فيها ,وإذا انفسخت المساقاة بموت أحدهما بعد شروع العامل في العمل وقبل ظهور الثّمرة ,فله أجرة مثل عمله ,ويقوم وارث العامل بعد موته مقامه في الملك والعمل ,فإن أبى الوارث أن يأخذ ويعمل ,لم يجبر ,ويستأجر الحاكم من التّركة من يعمل ,فإن لم تكن تركة ,أو تعذّر الستئجار منها بيع من نصيبه من الثّمر الظّاهر ما يحتاج إليه لتكميل العمل ,واستؤجر من يعمله .
هـ -المزارعة :
71
-يرى الحنفيّة والحنابلة أنّ المزارعة تنفسخ بموت أحد العاقدين ,سواء أكان العامل أم
ن المزارعة من العقود الجائزة من الطّرفين عندهم . ربّ الرض ,بناءً على أ ّ وللحنفيّة تفصيل في المسألة حيث قالوا :إذا مات أحدهما قبل الزّراعة ,فإنّ المزارعة تنفسخ ,إذ ليس في ذلك إبطال مال على المزارع ,ول شيء له بمقابلة ما عمل . ن المزارعة تبقى استحسانا ,وذلك لدفع ما يصيب أمّا إذا مات أحدهما بعد الزّراعة فإ ّ أحدهما من ضرر ,والقياس أنّها تبطل ,ولكن تبقى حكما إلى حصد الزّرع . ن صاحب الرض إذا مات والزّرع بقل ,فإنّ العمل يكون على المزارع وقد ذكر الكاساني :أ ّ ن العقد وإن كان قد انفسخ حقيقةً لوجود سببه وهو الموت ,إلّا أنّنا أبقيناه صةً ,ل ّ خا ّ تقديرا دفعا للضّرر عن المزارع ,لنّه لو انفسخ لثبت لصاحب الرض حق القلع ,وفيه ضرر بالمزارع ,فجعل ذلك عذرا في بقاء العقد تقديرا ,فإذا بقي العقد كان العمل على صةً كما كان قبل الموت . المزارع خا ّ وأمّا إذا مات المزارع والزّرع بقل ,فلورثته أن يعملوا على شرط المزارعة ,وإن أبى ذلك ن في القطع ضررا بهم ول ضرر بصاحب الرض في التّرك إلى وقت صاحب الرض ,ل ّ الدراك ,وإن أراد الورثة قلع الزّرع وترك العمل ,لم يجبروا عليه ,لنّ العقد قد انفسخ حقيقةً ,إلّا أنّا أبقيناه باختيارهم نظرا لهم ,فإن امتنعوا عن العمل بقي الزّرع مشتركا , ويخيّر صاحب الرض :إمّا أن يقسمه بالحصص ,أو يعطيهم قيمة حصصهم من الزّرع البقل ,أو أن ينفق على الزّرع من مال نفسه إلى وقت الحصاد ثمّ يرجع عليهم بحصصهم , لنّ في ذلك رعايةً للجانبين .
و -الحوالة :
72
-اختلف الفقهاء في تأثير موت المحال عليه أو المحيل في عقد الحوالة على اللتزامات
النّاشئة عن تلك المعاقدة إذا مات أحدهما قبل استيفاء دين الحوالة ,وذلك على النّحو التّالي : ن المحال عليه يلزم بالدّين المحال به ,ول يطالب به أ ّولً :ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ المحيل أبدا ,لنّ ذمّته قد برئت بمقتضى الحوالة ,فل يكون للمحال الحق في الرجوع على المحيل بحال ,وعلى ذلك فإذا مات المحال عليه ,فإنّ ما التزم به ل يبطل بموته ,بل يؤخذ ن التزامه ل يبطل ,ول يكون للمحال حق في من تركته ,فإذا مات مفلسا ل تركة له فإ ّ ن الحوالة عقد لزم ل ينفسخ بالموت فامتنع الرجوع على المحيل الرجوع على المحيل ,ل ّ لبقاء الدّين المحال به في ذمّة المحال عليه .
ن ذمّته قد أمّا موت المحيل فل تأثير له على الحوالة عند الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة ,ل ّ برئت وانتقل الدّين إلى ذمّة المحال عليه ,فأصبح هو المطالب به وحده ,إذ الحوالة بمنزلة اليفاء . ثانيا :ذهب الحنفيّة إلى أنّه ل تأثير لموت المحال عليه على ما التزم به من مال ,فيؤخذ من تركته ويعطى للمحال . وإذا كان المحال عليه مدينا قسم ماله بين الغرماء وبين المحال بالحصص ,فإن بقي للمحال شيء من الدّين رجع به على المحيل . وإذا كان دين الحوالة مؤجّلً فإنّه يحل بوفاة المحال عليه لستغنائه عن الجل بموته . ويستثنى من ذلك ما إذا مات المحال عليه مفلسا ,فإنّ الحوالة حينئذٍ تنتهي في الدّين كلّه - إن لم يترك وفا ًء بشيء منه -أو تنتهي في باقيه إن ترك وفاءً ببعضه . أمّا إذا مات المحيل فإنّ لوفاته تأثيرا على الحوالة المقيّدة ,وإن كان الصل عندهم أنّ ذمّة ق المحال , المحيل قد برئت لنتقال الدّين إلى ذمّة المحال عليه ,ولكنّ ذلك مقيّد بسلمة ح ّ فخوفا أن يضيع حقه ويتوى ,كان له الرجوع على المحيل رغم براءة ذمّته منه ,إذ ق المحال ,ولهذا فإن مات المحيل بعد الحوالة البراءة ههنا مؤقّتة ومرهونة بسلمة ح ّ وقبل استيفاء المحال المال من المحال عليه بطلت الحوالة ,وإذا كان على المحيل ديون أخرى ,فالمحال أسوة الغرماء . أمّا إذا كانت الحوالة مطلقةً ,فإنّه ل تبطل بموت المحيل ,ول تأثير لموته على الحوالة , ن الحوالة المطلقة تبرع ,وإذا كان المحال عليه وأساس ذلك كما جاء في العقود الدرّيّة :أ ّ مدينا للمحيل ل تتقيّد بدينه ,ولذا كان للمحيل مطالبته به قبل الداء ,فل تبطل بقسمة دين المحيل بين غرمائه ,لنّ المحال لم يبق من غرمائه ,بل صار من غرماء المحال عليه , فهذا كله دليل على أنّ الحوالة المطلقة ل تبطل بموت المحيل ,بل تبقى مطالبة المحال على المحتال عليه ,وإن أخذ منه دين المحيل وقسم بين غرمائه ,وهذا جار على القواعد الفقهيّة . ن الدّين ينتقل من ذمّة المحيل إلى ذمّة ن الحوالة متى تمّت ,فإ ّ ثالثا :ذهب المالكيّة إلى أ ّ المحال عليه ,ويصبح المحال عليه ملتزما بأدائه للمحال ,فإذا مات قبل الداء ,فإنّه يؤخذ الدّين المحال به من تركته ,ول رجوع للمحال على المحيل بحال ,حتّى وإن مات المحال عليه مفلسا ,إلّا أن يشترط المحال على المحيل أنّه إذا مات المحال عليه أو أفلس ,فإنّه يرجع عليه ,فله عند ذلك شرطه إذا مات المحال أو فلّس .
القسم الثّاني :العقود اللّازمة من جانب واحد :
وتشمل هذه العقود الرّهن والكفالة ,إذ الرّهن لزم من جهة الرّاهن دون المرتهن , والكفالة لزمة من جهة الكفيل دون المكفول له ,وبيان ذلك فيما يلي :
أ -الرّهن :
فرّق الفقهاء في تأثير الموت على التزام الرّاهن بين حالتين : 73
-الحالة الولى :موت الرّاهن بعد قبض المرتهن للعين المرهونة وبيان ذلك أنّ الرّهن
بعد القبض يكون لزما في حقّ الرّاهن باتّفاق الفقهاء ,ويترتّب على هذا اللزوم أنّه ل يجوز للرّاهن فسخه بإرادته المنفردة ,فإذا مات الرّاهن بعد القبض ,فإنّ التزامه النّاشئ عن عقد الرّهن ل يسقط بموته ,لنّ الرّهن قد لزم من جهته ,ول حقّ للورثة في إبطال ن العين تبقى حقّ المرتهن المتعلّق بالعين المرهونة ,وإن كان ميراثا لهم ,وعلى ذلك فإ ّ تحت يد المرتهن إلى أن يستوفي دينه ,وإلّا بيعت العين لوفاء حقّه إذا تعذّر الستيفاء من غيرها ,وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . 74
-الحالة الثّانية :موت الرّاهن قبل القبض :
اختلف الفقهاء في تأثير الموت على التزام الرّاهن بعد الرّهن إذا مات قبل تسليم العين المرهونة للمرتهن ,وذلك على قولين : أحدهما :للحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في مقابل الصحّ ,وهو أنّ الرّهن يبطل بموت الرّاهن قبل القبض ,وينتهي التزامه بموته ,ول يلزم ورثته تسليم العين للمرتهن ,وبذلك ل يختص المرتهن بالعين المرهونة ,بل يكون في دينه أسوة الغرماء . والثّاني :للشّافعيّة في الصحّ والحنابلة ,وهو أنّ الرّهن ل يبطل بموت الرّاهن قبل القبض, لنّ مصير الرّهن إلى اللزوم ,فلم ينفسخ بالموت كالبيع بشرط الخيار ,ويقوم ورثته مقامه ق مورّثهم في القباض إن شاءوا ول يجبرون عليه ,لنّ عقد الرّهن لم يكن لزما في ح ّ قبل القبض ,فلم يلزم بموته ,ويرث ورثته خياره في التّسليم للمرتهن أو عدمه . غير أنّ الحنابلة وبعض الشّافعيّة نصوا في هذه الحالة على أنّه ل يصح لورثة الرّاهن أن يخصوا المرتهن بالعين المرهونة ,إذا كان على مورّثهم دين آخر سوى دينه ,بل يجب أن يكون أسوة الغرماء .
ب -الكفالة :
75
-الكفالة عند الفقهاء نوعان :كفالة بالمال ,وكفالة بالنّفس ,ول خلف بين الفقهاء
ب الحقّ " إذا مات ,فإنّ الكفالة ل تسقط ,سواء أكانت كفالةً بالمال في أنّ المكفول له " ر ّ أو بالنّفس ,وينتقل الحق إلى ورثته كسائر الحقوق الموروثة ,فيقومون مقامه في المطالبة بالدّين أو بتسليم المكفول به .
أمّا عن أثر موت الكفيل في بطلن عقد الكفالة فيفرّق فيه بين الكفالة بالمال والكفالة بالنّفس ,وبيان ذلك فيما يلي :
أ -الكفالة بالمال :
76
ن التزام الكفيل بأداء -ذهب الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ
ن ماله يصلح للوفاء بذلك ,فيطالب به المال فيها ل يسقط بموته ,بل يؤخذ من تركته ,ل ّ وصيه أو وارثه لقيامه مقام الميّت . ل ,فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وأحمد في رواية وإذا كان الدّين المكفول به مؤجّ ً ن ورثته ل ترجع على المكفول عنه إلى أنّه يحل بموت الكفيل ,ويؤخذ من تركته حالً .ولك ّ ن الجل باق في حقّ المكفول لبقاء حاجته إليه . عنه إلّا بعد حلول الجل ,ل ّ وخالفهم في ذلك الحنابلة على المعتمد في المذهب فقالوا :ل يحل الدّين المكفول به المؤجّل بموت الكفيل إذا وثّقه الورثة برهن أو كفيل مليء لنّ التّأجيل حق من حقوق الميّت ,فلم يبطل بموته كسائر حقوقه .
ب -الكفالة بالنّفس :
77
-اختلف الفقهاء في تأثير موت الكفيل على التزامه بإحضار المكفول به على قولين :
ن التزام الكفيل بإحضار القول الوّل :للمالكيّة والحنابلة والكرخيّ من الحنفيّة ,وهو أ ّ المكفول به ل يسقط بموته ,ول تبرأ ذمّته بذلك ,فيطالب ورثته بإحضاره ,فإن لم يقدروا أو تعذّر ذلك أخذ من التّركة قدر الدّين الّذي على المكفول به . ن تسليم الكفيل القول الثّاني :للحنفيّة والشّافعيّة ,وهو أنّ الكفالة تبطل بموت الكفيل ,ل ّ المطلوب بعد موت الكفيل ل يتحقّق منه ,ول تتوجّه المطالبة بالتّسليم على ورثته ,لنّهم لم يكفلوا له بشيء ,وإنّما يخلفونه فيما له ل فيما عليه .ثمّ إنّه ل شيء للمكفول له في تركته ,لنّ ماله ل يصلح ليفاء ذلك الواجب . 78
ن الكفالة تسقط عن الكفيل ,ول -أمّا إذا مات المكفول به -في الكفالة بالنّفس -فإ ّ
ن النّفس المكفولة قد ذهبت ,فعجز الكفيل عن إحضارها ,ولنّ الحضور قد يلزم بشيء ,ل ّ سقط عن المكفول ,فبرئ الكفيل تبعا لذلك ,لنّ ما التزمه من أجله سقط عن الصل فبرئ الفرع ,كالضّامن إذا قضى المضمون عنه الدّين أو أبرئ منه ,وبذلك قال جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وشريح والشّعبيّ وحمّاد بن أبي سليمان . وخالفهم في ذلك اللّيث والحكم فقالوا :يجب على الكفيل غرم ما عليه ,لنّ الكفيل وثيقة بحقّ ,فإذا تعذّرت من جهة من عليه الدّين ,أستوفي من الوثيقة كالرّهن ,ولنّه تعذّر إحضاره ,فلزم كفيله ما عليه ,كما لو غاب .
القسم الثّالث :العقود غير اللّازمة من الجانبين :
وتشمل هذه العقود الهبة قبل القبض ,والعارة ,والقرض ,والوكالة ,والشّركة , والمضاربة ,وبيان ذلك فيما يلي :
أ -الهبة قبل القبض :
79
-اختلف الفقهاء في بطلن الهبة بموت الواهب قبل لزوم العقد بالقبض على قولين :
أحدهما :للحنفيّة والمالكيّة وبعض الشّافعيّة وبعض الحنابلة ,وهو أنّ الهبة تبطل بموت الواهب قبل القبض . وعلّل ذلك الحنفيّة بانتقال الملك لوارث الواهب قبل تمامها . ن الهبة نوع من التزام المعروف غير المعلّق على شيء ,ول يقضى وعلّله المالكيّة بأ ّ بشيء من ذلك على الملتزم إذا أفلس أو مات قبل الحيازة . وعلّله موافقوهم من الشّافعيّة والحنابلة في غير المعتمد بأنّه عقد جائ ٌز ,فبطل بموت أحد العاقدين ,كالوكالة والشّركة . والثّاني :للشّافعيّة والحنابلة في المذهب وهو أنّ الواهب إذا مات قبل قبض هبته لم ينفسخ عقد الهبة ,لنّه يئُول إلى اللزوم ,فلم يبطل بالموت ,كالبيع بشرط الخيار ,ويقوم وارث الواهب مقام مورّثه في القباض والذن فيه ,وله الخيار في ذلك ,فإن شاء أقبض ,وأن شاء لم يقبض .
ب -العارة :
80
-ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى انفساخ عقد العارية بموت
المعير ,وانتهاء تبرعه بمنافعها للمستعير ,ووجوب مبادرة المستعير إلى ردّ العارية لورثته . وعلّل الشّافعيّة والحنابلة ذلك بأنّها عقد جائ ٌز من الطّرفين ,فتبطل بموت أي منهما , كالوكالة والشّركة . ووجه البطلن عند الحنفيّة أنّ العين انتقلت إلى وارث المعير بموته ,والمنفعة بعد هذا تحدث على ملكه ,وإنّما جعل المعير للمستعير ملك نفسه ل ملك غيره . ن من ألزم ن العارة معروف ,والوفاء بها لزم ,ل ّ وفصّل المالكيّة في المسألة فقالوا :إ ّ نفسه معروفا لزمه ,ويقضى عليه به ما لم يمت أو يفلس قبل الحيازة . وعلى ذلك :فإذا كانت العارية مقيّدةً بعمل ,كطحن إردب من القمح أو حمله على الدّابّة ق المعير حتّى ينتهي العمل الّذي أستعيرت المستعارة إلى جهة ما كان حكمها اللزوم في ح ّ
لجله ,وكذا إذا كانت مقيّدةً بزمن ,كيوم أو شهر مثلً ,فإنّها تلزم في حقّه حتّى ينقضي الجل المضروب للنتفاع بها . أمّا إذا كانت مطلقةً -غير مقيّدة بعمل أو زمن -فإنّ العقد ل يكون لزما في حقّ المعير , وله أن يرجع فيها متى شاء .وحيث كان الحكم كذلك ,فإذا مات المعير بعد قبض المستعير للعارية ,وبقي في مدّتها ,أو من الغرض المستعارة لجله شيء ,فل تبطل العارة بموته, ول ينتهي التزامه ,وتبقى العين المعارة بيد المستعير حتّى ينتفع بها إلى نهاية العمل أو ن العارة تبطل بموته لعدم المدّة ,أمّا إذا مات المعير قبل أن يقبض المستعير العارية فإ ّ تمامها بالحيازة قبله .
ج -الوكالة :
81
-ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الوكالة تنفسخ
بموت الموكّل أو الوكيل ,وتبطل سائر اللتزامات المترتّبة عليها من الجانبين . ن التّوكيل إنّما قام بإذنه ,وهو أهل لذلك ,فلمّا بطلت أهليّته بالموت بطل أمّا الموكّل :فل ّ إذنه ,وانتقل الحق لغيره من الورثة . وأمّا الوكيل :فلنّ أهليّته للتّصرف قد زالت بموته ,وليس الوكالة حقا له فتورث عنه . ي :لنّ الوكالة تعتمد الحياة والعقل ,فإذا انتفى ذلك انتفت صحّتها ,لنتفاء ما وقال البهوت ّ تعتمد عليه ,وهو أهليّة التّصرف . واستثنى الحنفيّة من ذلك موت الموكّل في حالة الوكالة ببيع الرّهن إذا وكّل الرّاهن العدل أو المرتهن ببيع الرّهن عند حلول الجل ,فحينئذٍ ل تبطل الوكالة ول ينعزل الوكيل بموت الموكّل . واستثنى الحنابلة موت الموكّل إذا وكّل من يتصرّف لغيره ,كوصيّ اليتيم وناظر الوقف , ففي هذه الحالة ل تبطل الوكالة بموته .
د -الشّركة :
82
-ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى انفساخ شركة
العقد " بأنواعها " وبطلن اللتزامات النّاشئة عنها بموت أحد الشّريكين قال ابن قدامة : لنّها عقد جائزٌ ,فبطلت بذلك كالوكالة . وقال الحنفيّة :وإنّما بطلت الشّركة بالموت لنّها تتضمّن الوكالة ,أي مشروطٌ ابتداؤها بها ضرورةً ,فإنّه ل يتحقّق ابتداؤها إلّا بولية التّصرف لك ّل منهما في مال الخر ,ول تبقى الولية إلّا ببقاء الوكالة .
هـ -المضاربة :
83
-ل خلف بين الفقهاء في انفساخ عقد المضاربة وبطلن اللتزامات المترتّبة عليه
بموت المضارب أو ربّ المال إذا كان مال المضاربة ناضا " أي من جنس رأس مالها " , وذلك لنّ المضاربة تتضمّن الوكالة ,والوكالة تنفسخ بموت أحد عاقديها ول تورّث , فتتبعها المضاربة . أمّا إذا كان المال عروضا تجار ّي ًة ,فقد اختلف الفقهاء في بطلن عقد المضاربة بموت أحدهما ,وذلك على قولين : أحدهما :لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ,وهو بطلن المضاربة بموت ض رأس المال جميعه ,ويوزّع بين ورثة أحد العاقدين ,فتباع السّلع والعروض حتّى ين ّ المتوفّى والطّرف الباقي . ن المضاربة ل تبطل بوفاة ربّ المال أو المضارب . والثّاني :للمالكيّة ,وهو أ ّ أمّا رب المال إذا مات فيخلفه ورثته في المال ,ويبقى العامل على قراضه إذا أراد الورثة بقاءه ,وإن أرادوا فسخ العقد وأخذ مالهم كان لهم ذلك بعد نضوضه . ب المال أن وأمّا المضارب إذا مات فيخلفه ورثته في حقّ عمله في المضاربة ,وليس لر ّ ينتزعه منهم إذا أرادوا العمل فيه إلّا بعد أن يعملوا فيه بمقدار ما كان لمورّثهم .
و -الجعالة :
84
-فرّق الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة في تأثير الموت على اللتزام على الجعالة بين
موت الجاعل وموت المجعول له ,وذلك على النّحو التّالي :
موت الجاعل :
85
-ذهب الشّافعيّة والمالكيّة في المشهور إلى انفساخ الجعالة بموت الجاعل وبطلن
التزامه فيها قبل شروع العامل " المجعول له في العمل " . وقال ابن حبيب وابن القاسم في ظاهر رواية عيسى عنه :ل يبطل الجعل بموت الجاعل , ويلزم ذلك ورثته ,ول يكون لهم أن يمنعوا المجعول له من العمل . أمّا إذا مات الجاعل بعد أن فرغ من العمل فل أثر لوفاته على التزامه ,لنّه قد تمّ واستقرّ , ووجب للعامل الجعل في تركته . ولو مات الجاعل بعد أن شرع العامل في العمل ,ولكن قبل إتمامه ,فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين : أحدهما :للشّافعيّة ,وهو بطلن الجعالة بموته ,لنّها من العقود الجائزة من الطّرفين إلّا أنّ العامل إذا أتمّ العمل بعد وفاته ,فإنّه يستحق قسط ما عمله في حياته من المسمّى ,ول يستحق شيئا في مقابلة ما عمله بعد موت الجاعل ,لعدم التزام الورثة له به .
ي بن زياد وأشهب عنه -وهو أنّ الجعالة ل تبطل والثّاني :للمام مالك -في رواية عل ّ بموت الجاعل بعد أن شرع العامل في العمل ,وتلزم ورثته ,ول يكون لهم أن يمنعوا المجعول له من العمل .
موت المجعول له :
86
-إذا مات العامل " المجعول له " قبل أن يشرع في العمل فل خلف بين الفقهاء في أنّ
الجعالة تبطل بموته ,إلّا في قول عند المالكيّة بلزوم الجعالة بالقول بالنّسبة للجاعل , وعليه فإذا مات المجعول له قبل الشّروع فيه لم يبطل العقد ,وينزل ورثته منزلته ,وليس للجاعل أن يمنعهم من العمل . أمّا إذا مات العامل بعد أن شرع في العمل ,وقبل إتمامه ,فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين : ن الجعالة ل تبطل بموت العامل بعد الشّروع في العمل ,ويقوم أحدهما :للمالكيّة ,وهو أ ّ ورثته مقامه في إكماله إن كانوا أمناء ,وليس للجاعل أن يمنعهم من العمل ,وفي هذه الحالة إذا أتمّ الورثة العمل استحقوا الجعل كاملً ,بعضه بالرث من عمل مورّثهم ,وبعضه الخر نتيجة عملهم . الثّاني :للشّافعيّة وهو أنّ الجعالة تبطل بموته ,لنّها من العقود الجائزة من الطّرفين ,فإن أتمّ ورثته العمل من بعده ,استحقوا قسط ما عمل مورّثهم من الجعل المسمّى فقط ,ول شيء لهم في العمل الّذي أتموه بعد وفاة مورّثهم . وللتّفصيل أنظر مصطلح ( جعالة ف /
67
).
ز -الوصيّة :
87
ق الموصي ما دام حيّا فله أن يرجع عنها ن الوصيّة ل تلزم في ح ّ -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
في حياته متى شاء لنّها عقد تبرع لم يتمّ ,إذ تمامها بموت الموصي ,فجاز رجوعه عنها ن القبول في الوصيّة إنّما يعتبر بعد موت الموصي وكل عقد لم يقترن قبل تمامها ,ول ّ بإيجابه القبول ,فللموجب أن يرجع فيه . ن الوصيّة ل تبطل بموت الموصي إذا مات مصرا عليها ,ول يسقط التزامه وعلى ذلك ,فإ ّ بوفاته ,بل يعتبر موته موجبا للزومها ,من جهته ,وقاطعا لحقّه في الرجوع عنها , ومثبتا للتزامه النّاشئ عنها والمترتّب عليها .
ح -النّذر :
88
-إذا مات من وجب عليه النّذر دون أن يفي به ,فهل يبطل التزامه بالموت أم ل ؟ فرّق
الفقهاء في ذلك بين النّذر الماليّ كالصّدقة والعتق ونحوهما ,وبين غير الماليّ كالصّلة والصّوم والحجّ والعتكاف ونحوها ,وبيان ذلك فيما يلي :
أ -النّذر المالي :
89
-اختلف الفقهاء في حكم من نذر في صحّته ونحوها ,ث ّم مات قبل الوفاء بنذره وذلك
على قولين : القول الوّل :للحنفيّة والمالكيّة ,وهو عدم سقوط النّذر بموته إذا أوصى بأن يوفى من ماله ,ويخرج من ثلثه كسائر الوصايا ,فإن لم يوص به سقط في أحكام الدنيا ,ول يجب على الورثة إخراجه من مالهم إلّا أن يتطوّعوا به . القول الثّاني :للشّافعيّة والحنابلة ,وهو أنّ النّذر ل يسقط بموته ,بل يؤخذ من رأس مال تركته كسائر ديون اللّه تعالى أوصى بذلك أو لم يوص به .
ب -النّذر غير الماليّ :
90
-فرّق الفقهاء في ذلك بين ما إذا كان المنذور به حجا أو صوما أو صل ًة أو اعتكافا
على النّحو التّالي : أ -فإن كان النّذر صلةً ,فمات النّاذر قبل فعلها فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى سقوطها بموته ,فل يصلّي أحد عن الميّت ,لنّ الصّلة ل بدل لها ,وهي عبادة بدنيّة ل ينوب أحد عن الميّت في أدائها . ب -وإن كان النّذر حجا ,ومات النّاذر قبل التّمكن من أدائه ليّ عذر من العذار الشّرعيّة فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين : أحدهما :للحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ,وهو أنّه يسقط عنه ول شيء عليه . والثّاني :للحنابلة في المذهب ,وهو أنّه يجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ,ولو لم يوص بذلك . وإذا مات بعد أن تمكّن من أدائه ولم يحجّ ,فقد اختلف الفقهاء في سقوطه على قولين : القول الوّل :للحنفيّة والمالكيّة ,وهو أنّه يسقط بوفاة النّاذر ,ول يلزم ورثته الحج عنه , فل يؤخذ من تركته شيء لجل قضاء ما وجب عليه من حج إلّا إذا أوصى بذلك ,فإنّه ينفذ في حدود ثلث تركته . القول الثّاني :للشّافعيّة والحنابلة ,وهو أنّه صار بالتّمكن دينا في ذمّته ,ويجب قضاؤه من جميع تركته إن ترك مالً ,بأن يحجّ وارثه عنه أو يستأجر من يحج عنه ,سواء أوصى بذلك أو لم يوص ,فإن لم يترك مالً ,بقي النّذر في ذمّته ,ول يلزم الورثة بقضائه عنه .
ج -وإن كان النّذر صوما ,فمات النّاذر قبل فعله فقد اختلف الفقهاء في سقوطه على قولين : أحدهما :للحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في المذهب ,وهو أنّ الصّوم يسقط بموته ,فل يصوم عنه أحد ,لنّ الصّوم الواجب جار مجرى الصّلة ,فكما أنّه ل يصلّي أحد عن أحد , فل يصوم أحد عن أحد . والثّاني :للحنابلة والشّافعيّ في القديم ,وهو أنّه ل يسقط بموته ,ويصوم عنه وليه , وذلك لنّ النّذر التزام في ال ّذمّة بمنزلة الدّين ,فيقبل قضاء الوليّ له كما يقضي دينه . غير أنّ الصّوم ليس بواجب على الوليّ في قول الحنابلة والشّافعيّ في القديم ,بل هو مستحب له على سبيل الصّلة له والمعروف . د -وإن كان النّذر اعتكافا ,فمات النّاذر قبل أدائه فقد اختلف الفقهاء في سقوطه على قولين : أحدهما :لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة على المشهور في المذهب , ن العتكاف يسقط بموته ,ول يفعله عنه وليه . وهو أ ّ والثّاني :للحنابلة وبعض الشّافعيّة ,وهو أنّه ل يسقط ,ويعتكف عنه وليه استحبابا على سبيل الصّلة والمعروف ,ل على سبيل الوجوب .
ط -العدّة :
91
-العدّة :إخبار عن إنشاء المخبر معروفا في المستقبل ,وقد اختلف الفقهاء في وجوب
الوفاء بالعدّة فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة إلى أنّ الوفاء بها مستحب ل واجب . ن العدّة إذا كانت مرتبط ًة بسبب ,ودخل الموعود في وذهب المالكيّة في المشهور إلى أ ّ السّبب ,فإنّه يجب الوفاء بها ,ويلزم به الواعد قضاءً ,رفعا للضّرر عن الموعود المغرّر به ,وتقريرا لمبدأ تحميل التّبعيّة لمن ورّطه في ذلك ,إذ ل ضرر ول ضرار ,وذلك كما إذا وعده بأن يسلفه ثمن دار يريد شراءها ,فاشتراها الموعود تعويلً على وعده ,أو أن يقرضه مبلغ المهر في الزّواج ,فتزوّج اعتمادا على عدته . ولكنّ الّذي ل خلف فيه بين الفقهاء هو أنّ الواعد إذا مات قبل إنجاز وعده فإنّ الوعد يسقط ,سواء أكان مطلقا ,أم معلّقا على سبب ودخل الموعود في السّبب ,أمّا عند جمهور ن الوعد ل يلزم الواعد أصلً ,وأمّا عند المالكيّة القائلين بوجوبه في الحالة الفقهاء ,فل ّ المشار إليها ,فلنّ المقرّر عندهم أنّ المعروف لزم لمن أوجبه على نفسه ما لم يمت أو يفلس ,وبالموت سقط التزامه وتلشى فل يؤخذ من تركته شيء لجله .
موْزون *
انظر :مقادير .
مُوسِيقى *
انظر :معازف .
ُموْضِحة *
التّعريف : 1
-الموضحة في اللغة :من الوضوح يقال :وضح الشّيء وضوحا انكشف وانجلى ,
واتّضح كذلك . والموضحة من الشّجاج :الّتي بلغت العظم فأوضحت عنه ,وقيل :هي الّتي تقشر الجلدة الّتي بين اللّحم والعظم أو تشقها حتّى يبدو . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الشّجاج : 2
شجّة :الجراح في الوجه والرّأس . -الشّجاج في اللغة جمع شجّة ,وال ّ
ول يخرج استعمال الفقهاء للفظ الشّجاج عن المعنى اللغويّ . والعلقة بين الموضحة والشّجاج :أنّ الموضحة نوع من الشّجاج . ب -الباضعة : 3
شجّة الّتي تشق اللّحم وتقطع الجلد ول تبلغ العظم ول يسيل منها -الباضعة في اللغة :ال ّ
الدّم . والباضعة اصطلحا :هي الّتي تشق اللّحم بعد الجلد شقا خفيفا . والفرق بين الموضحة والباضعة :أنّ الموضحة من الشّجاج الّتي تبلغ العظم ويظهره , شجّة الّتي تقطع الجلد ول تبلغ العظم ول تظهره . وأمّا الباضعة فهي ال ّ
الحكام المتعلّقة بالموضحة :
تتعلّق بالموضحة أحكام منها :
أ -القصاص في الموضحة :
4
ن الموضحة فيها القصاص إذا كان عمدا ,لقول اللّه ع ّز وجلّ : -اتّفق الفقهاء على أ ّ
{ وَا ْلجُرُوحَ قِصَاصٌ } ,ولنّه يمكن استيفاؤه من غير حيف ول زيادة لنتهائه إلى عظم , ن اللّه تعالى نصّ على القصاص في الجروح ,فلو لم يجب أشبه قطع الكفّ من الكوع ,ول ّ في كلّ جرح ينتهي إلى عظم لسقط حكم الية . غير أنّ أبا حنيفة يرى أنّه إذا اختلّ بالموضحة عضو آخر كالبصر فل قصاص فيه عنده وتجب الدّية فيهما .
ب -كيفيّة استيفاء القصاص في الموضحة :
5
-ل يستوفى القصاص في الموضحة باللة الّتي يخشى منها الزّيادة لحديث رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم « :إنّ اللّه كتب الحسان على كلّ شيء » ,بل يستوفى بالموسى أو حديدة ماضية معدّة لذلك ل يخشى منها الزّيادة . ي ومن أشبهه ,فإن لم يكن للوليّ علم بذلك ول يستوفي ذلك إلّا من له علم بذلك كالجرائح ّ أمر بالستنابة . ولو زاد المقتص في الموضحة على قدر حقّه ينظر ,إن زاد باضطراب الجاني فل غرم , ص منه في الزّيادة ولكن بعد اندمال الموضحة الّتي في رأسه ,وإن آل وإن زاد عمدا أقت ّ المر إلى المال أو أخطأ باضطراب يده وجب الضّمان ,وفي قدره وجهان عند الشّافعيّة , أحدهما :يوزّع الرش عليهما فيجب قسط الزّيادة ,وأصحهما وهو مذهب الحنابلة :يجب أرشٌ كامل . ولو قال المقتص :أخطأت بالزّيادة ,فقال المقتص منه :بل تعمّدتها صدّق المقتص بيمينه. 6
-وإذا أراد الستيفاء من موضحة وشبهها فإن كان على موضعها شعر حلقه .
ويعمد إلى موضع الشّجّة من رأس المشجوج فيعلم منه طولها بخشبة أو خيط ,ويضعها ج ,ويعلّم طرفيه بخطّ بسواد أو غيره ,ويأخذ حديدةً عرضها كعرض على رأس الشّا ّ شجّة طولً وعرضا ,ول يراعي شجّة ويجرها إلى آخرها مثل ال ّ شجّة ,فيضعها في أوّل ال ّ ال ّ ن حدّه العظم . العمق ل ّ ول يوضح بالسّيف لنّه ل تؤمن الزّيادة .وكذا لو أوضح بحجر أو خشب يقتص منه بالحديدة . وإن أوضح جميع رأسه ورأساهما متساويان في المساحة ,أوضح جميع رأسه . ج أصغر استوعبناه إيضاحا ,ول يكتفى به ,ول نتممه من الوجه والقفا وإن كان رأس الشّا ّ لنّهما غير محلّ الجناية ,بل يؤخذ قسط ما بقي من أرش الموضحة لو وزّع على جميع الموضحة لتعينه طريقا .
ج أكبر لم يوضح جميعه ,بل يقدّره بالمساحة ,والختيار في موضعه وإن كان رأس الشّا ّ إلى الجاني . ن يستوفي بعض حقّه من مقدّم الرّأس وبعضه من مؤخّره لم يكن له ذلك ,لنّه ولو أراد أ ّ يأخذ موضحتين بدل موضحة ,ولو أراد أن يستوفي البعض ويأخذ الباقي قسّطه من الرش مع تمكنه من استيفاء الباقي لم يكن له ذلك على الصحّ عند الشّافعيّة .
ج -أرش الموضحة :
7
س من البل إن كانت خطأً . -في الموضحة خم ٌ
ن أرشها مقدّر ,فقد ورد في كتاب النّبيّ صلى ال قال ابن المنذر :أجمع العلماء على أ ّ عليه وسلم لعمرو بن حزم رضي ال عنه « :في الموضحة خمسٌ من البل » . وتفصيل ذلك في ( ديات ف /
65
).
د -شمول الموضحة للرّأس والوجه :
8
-اختلف الفقهاء في الموضحة في الرّأس والوجه ,فقال جمهور الفقهاء من الحنفيّة
والشّافعيّة والحنابلة :إنّ الموضحة في الرّأس والوجه سواء ,روي ذلك عن أبي بكر الصّدّيق وعمر الفاروق رضي ال عنهما وبه قال شريح ومكحول والشّعبي والنّخعيّ والزهري وربيعة وعبيد اللّه بن الحسن وإسحاق لعموم الحاديث وقول أبي بكر وعمر رضي ال عنهما " :الموضحة في الرّأس والوجه سواء " ,فكان أرشها خمسا من البل كغيرها ,ول عبرة بكثرة الشّين بدليل التّسوية بين الموضحة الصّغيرة والكبيرة في الرش . وقال المالكيّة :موضحة الرّأس مثل موضحة الوجه ,إلّا إذا تشيّن الوجه فيزاد فيها لشينها. وإذا كانت الموضحة في النف أو في اللّحي السفل ففيها حكومة ,لنّها تبعد من الدّماغ فأشبهت موضحة سائر البدن . ن موضحة الوجه تضعّف على موضحة الرّأس ,فتجب في وقال سعيد بن المسيّب :إ ّ موضحة الوجه عشر من البل لنّ شينها أكثر ,فموضحة الرّأس يسترها الشّعر والعمامة . انظر مصطلح ( ديات ف / 9
65
).
-ويجب أرش الموضحة في الصّغيرة والكبيرة والبارزة والمستورة بالشّعر ,لنّ
الموضحة تشمل الجميع وحد الموضحة ما أفضى إلى العظم ولو بقدر إبرة . جةً بعضها موضحة وبعضها دون الموضحة لم يلزمه أكثر من أرش وإن شجّه في رأسه ش ّ موضحة ,لنّه لو أوضح الجميع لم يلزمه أكثر من أرش موضحة ,فلن ل يلزمه في اليضاح في البعض أكثر من ذلك أولى .
هـ -موضحة غير الرّأس والوجه :
ن اسم الموضحة -ليس في غير موضحة الرّأس والوجه مقدّر عند جمهور الفقهاء ,ل ّ
10
إنّما يطلق على الجراحة المخصوصة في الوجه والرّأس . ن باقي الجسد وقول الخليفتين الرّاشدين " :الموضحة في الرّأس والوجه سواء " يدل على أ ّ ن الشّين فيما في الرّأس والوجه أكثر وأخطر ممّا في سائر البدن ,فل يلحق بخلفه ,ول ّ به. ثمّ إيجاب ذلك في سائر البدن يفضي إلى أن يجب في موضحة العضو أكثر عن ديته ,مثل ث ,ودية الموضحة خمسٌ . أن يوضح أنمل ًة ديتها ثلثة وثل ٌ وقال اللّيث بن سعد :إنّ الموضحة تكون في الجسد أيضا ,وقال الوزاعي في جراحة الجسد على النّصف من جراحة الرّأس ,وحكي ذلك عن عطاء الخراسانيّ قال :في الموضحة في سائر الجسد خمسة وعشرون دينارا .
و -تعدّي شين موضحة الرّأس :
11
سكّين إلى قفاه فعليه أرش موضحة وحكومة لج ّر القفا , -إن أوضحه في رأسه وجرّ ال ّ
لنّ القفا ليس بموقع للموضحة . وإن أوضحه في رأسه وجرّها إلى وجهه فعلى وجهين :أحدهما :أنّها موضحة واحدة , لنّ الوجه والرّأس سواء في الموضحة ,فصار كالعضو الواحد ,والثّاني :هما موضحتان لنّه أوضحه في عضوين ,فكان لكلّ واحد منهما حكم نفسه ,كما لو أوضحه في رأسه ونزل إلى القفا . قال ابن قدامة :إن أوضحه في رأسه موضحتين بينهما حاج ٌز فعليه أرش موضحتين لنّهما موضحتان ,فإن أزال الحاجز الّذي بينهما وجب أرش موضحة واحدة ,لنّه صار الجميع بفعله موضحةً ,فصار كما لو أوضح الك ّل من غير حاجز يبقى بينهما . وإن اندملتا ثمّ أزال الحاجز بينهما فعليه أرش ثلث مواضح ,لنّه استقرّ عليه أرش الوليين بالندمال ,ثمّ لزمته دية الثّالثة . وإن تآكل ما بينهما قبل اندمالهما فزال لم يلزمه أكثر من أرش واحدة ,لنّ سراية فعله كفعله . وإن اندملت إحداهما وزال الحاجز بفعله أو سراية الخرى فعليه أرش موضحتين . وإن أزال الحاجز أجنبيّ فعلى الوّل أرش موضحتين وعلى الثّاني أرش موضحة ,لنّ فعل أحدهما ل يبنى على فعل الخر ,فانفرد كل واحد منهما بحكم جنايته . وإن أزال المجني عليه وجب على الوّل أرش موضحتين لنّ ما وجب بجنايته ل يسقط بفعل غيره .
وإن اختلفا ,فقال الجاني :أنا شققت ما بينهما ,وقال المجني عليه :بل أنا ,أو أزالها ن سبب أرش الموضحتين قد وجد ,والجاني آخر سواك ,فالقول قول المجنيّ عليه ,ل ّ يدّعي زواله ,والمجني عليه ينكره ,والقول قول المنكر والصل معه . وإن أوضح موضحتين ثمّ قطع اللّحم الّذي بينهما في الباطن ,وترك الجلد الّذي فوقهما ففيها وجهان :أحدهما :يلزم أرش موضحتين لنفصالهما في الظّاهر ,والثّاني :أرش موضحة لتّصالهما في الباطن . وإنّ جرحه جراحا واحدةً ,وأوضحه في طرفيها ,وباقيها دون الموضحة ففيه أرش ن ما بينهما ليس بموضحة . موضحتين ,ل ّ
ز -الوكالة بالصلح على الموضحة :
12
-نصّ الحنفيّة على أنّه :إذا وكّله بالصلح في موضحة وما يحدث منها ,فصالح على
موضحتين وما يحدث منهما وضمن جاز ,على الموكّل النّصف ولزم الوكيل النّصف ,سواء مات أو عاش ,لنّه في أحد الموضحتين ممتثل أمره وفي الخرى متبرّع بالصلح كأجنبيّ آخر . فإن وكّله بالصلح في موضحة ادّعاها قبل فلن فصالح الوكيل عليها وعلى غيرها جاز ن وكيل الطّالب مسقط الحقّ بالصلح ,وإنّما يصح إسقاطه عليها ولم يجز على غيرها ,ل ّ بقدر ما أمره صاحب الحقّ ,وفيما زاد على ذلك هو كأجنبيّ آخر ,فل يصح إسقاطه أصلً . ولو وكّل المطلوب وكيلً بالصلح في موضحة عمدا فصالح الوكيل على خدمة عبد الموكّل سنين فالصلح جائزٌ ,لنّ تسمية خدمة عبده كتسمية رقبة عبده ,وذلك ل يمنع جواز الصلح ,إلّا أن يكون الموكّل لم يرض بزوال ملكه عن منفعة عبده ,فيخيّر في ذلك إن شاء رضي به وإن شاء لم يرض ,وعليه قيمة الخدمة . ولو صالحه على خمر أو خنزير أو حر فهو عفو ,ول شيء على المر ول على الوكيل , لنّ القصاص ليس بمال ,وإنّما يجب المال فيه بالتّسمية ,وإذا كان المسمّى ليس بمال ل يجب شيء كالطّلق . ل موضحةً فوكّل وكيلً يصالح مع أحدهما بعينه على مائة درهم جاز - وإذا شجّ رجلن رج ً ن الواجب بالجناية على كلّ كما لو باشر الصلح بنفسه -وعلى الخر نصف الرش ,ل ّ ن الشتراك في الفعل يمنع وجوب القود فيما دون واحد منهما نصف الرش دون القود ,فإ ّ النّفس .
وإن وكّله :أن صا ِلحْ مع أحدهما ,ولم يبيّن أيّهما هو فهو جائ ٌز ,لنّ هذه جهالة مستدركة ومثلها ل يمنع صحّة الوكالة ,ثمّ الرّأي إلى الوكيل يصالح أيّهما شاء . وكذلك لو كان الشّاج واحدا والمشجوج اثنين ,فوكّل وكيلً بالصلح عنهما ,فصالح عن ق من أحدهما ولم يسمّه ثمّ قال الوكيل :هو فلن ,فالقول قوله لنّه ممتثل أمره في ح ّ صالح معه وهو المباشر للعقد وإليه تعيين ما باشر من العقد ,لنّه كان مالكا للتّعيين في البتداء فكذا في النتهاء يصح تعيينه . وإذا اشترك حر وعبد في موضحة شجّاها رجلً ,فوكّل الحر ومولى العبد وكيلً ,فصالح عنهما على خمسمائة ,فعلى مولى العبد نصف ذلك ,قلت قيمة العبد أو كثرت ,وعلى الحرّ ن ك ّل واحد منهما كان مطالبا بنصف الجناية . نصفه ل ّ وإذا وكّله بالصلح في موضحة شجّها إيّاه رجل ,فصالح على الموضحة الّتي شجّها فلن ولم يقل هي في موضع كذا فهو جائ ٌز ,لنّه عرّفها بالضافة إلى فلن ,ومحل فعل فلن معلوم معاين فيغني ذلك عن الشارة إليه .
َموْقوذة *
التّعريف : 1
-الموقوذة في اللغة :هي الّتي ترمى أو تضرب بالعصا أو بالحجر حتّى تموت من غير
تذكية . والوقيذ :هو الّذي يغشى عليه ,ل يُدرى أميّت هو أم حيّ ؟ والوقيذ أيضا :الشّديد المرض المشرف على الموت . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . أ -المنخنقة : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-المنخنقة في اللغة :هي الّتي تموت خنقا ,وهو حبس النّفس ,سواء فعل بها ذلك
ي أو اتّفق لها ذلك في حبل ,أو بين عودين أو نحو ذلك . آدم ّ ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . والعلقة بين الموقوذة والمنخنقة :أنّ كلً منهما يحرم أكله ,لعدم الذّبح . ب -المتردّية : 3
-المتردّية في اللغة متفعّلة من الرّدى وهو الهلك ,والتّردّي :التّعرض للهلك ,ومنه
ن كِدتّ لَ ُترْدِينِ } . قوله تعالى { :تَالّلهِ إِ ْ
والمتردّية هي :الشّاة أو نحوها الّتي تتردّى من العلوّ إلى السفل فتموت ,سواء كان من جبل أو في بئر ونحوه ,وسواء تردّت بنفسها أو ردّاها غيرها . ول يخرج معناها الصطلحي عن معناها اللغويّ . ل منهما يحرم أكله ,لنّه مات من غير ذكاة . والعلقة بين الموقوذة والمتردّية :أنّ ك ً ج -النّطيحة : 4
-النّطيحة في اللغة :فعيلة بمعنى مفعولة ,وهي :الشّاة تنطحها أخرى أو غيرها
فتموت قبل أن تذكّى . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . ل منهما يحرم أكل لحمه لكونه مات من غير ذكاة . والعلقة بين الموقوذة والنّطيحة :أنّ ك ً د -ما أكل السّبع : 5
-ما أكل السّبع هو :كل ما افترسه ذو ناب وأظفار من الحيوان كالسد والنّمر والثّعلب
والذّئب والضّبع ونحوها . ل منهما يحرم أكله إذا مات من غير ذكاة . والعلقة بين الموقوذة وما أكل السّبع أنّ ك ً
الحكم التّكليفي :
6
ن الموقوذة ل يحل أكل لحمها إذا لم يتمّ ذبحها لقوله تعالى في -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
حمُ ا ْلخِنْزِي ِر َومَا أُ ِه ّل ِلغَيْرِ الّل ِه ِبهِ تعداد ما يحرم أكله { :حُ ّرمَتْ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَيْ َتةُ وَالْ ّدمُ وَ َل ْ حةُ َومَا َأ َكلَ السّبُعُ ِإلّ مَا َذكّيْ ُتمْ } . وَا ْلمُ ْنخَنِ َقةُ وَا ْل َموْقُوذَةُ وَا ْلمُتَرَدّ َي ُة وَال ّنطِي َ قال العلماء :كان أهل الجاهليّة يضربون النعام بالخشب والحجر ونحوها حتّى يقتلوها فيأكلونها . ي بن حاتم رضي ال عنه قال :سألت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن ولحديث عد ّ صيد المعراض فقال « :ما أصاب بحدّه فكله ,وما أصاب بعرضه فهو وقيذ » . وفي رواية « :إذا أصبت بحدّه فكل ,فإذا أصاب بعرضه فإنّه وقيذ ,فل تأكل » ,قال النّووي :وقيذ ,أي :مقتول بغير محدّد . والموقوذة المقتولة بالعصا ونحوها ,وأصل الوقذ من الكسر وال ّرضّ . وعن ابن عمر رضي ال عنهما أنّه كان يقول في المقتولة بالبندقة :تلك الموقوذة . 7
-وقد اختلف العلماء قديما وحديثا كما قال القرطبي في الصّيد بالبندق والحجر
والمعراض . فذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفيّة والمالكيّة ,والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ كلّ ما يقتل بغير محدّد من عصا أو حجر أو غيرهما فهو وقيذ ل يحل أكله إلّا إذا أدركت ذكاته .
والتّفصيل في مصطلح ( صيد ف /
31
-
36
).
ذكاة الموقوذة :
8
-قال الجصّاص :قد اختلف الفقهاء في ذكاة الموقوذة ونحوها ,فذكر محمّد :أنّه إذا
أدركت ذكاتها قبل أن تموت أكلت لقوله تعالى ِ { :إلّ مَا َذكّيْ ُتمْ } حيث يقتضي ذكاتها ما دامت ح ّيةً ,ول فرق في ذلك بين أنّ تعيش من مثله أو ل تعيش ,ول بين أن تبقى قصير المدّة أو طويلها ,ولما روي عن علي وابن عبّاسٍ رضي ال عنهم من أنّه :إذا تحرّك شيء منها صحّت ذكاتها ,ولم يختلفوا في النعام إذا أصابتها المراض المتلفة الّتي قد ن ذكاتها بالذّبح ,فكذلك الموقوذة ونحوها . تعيش معها مدّةً قصير ًة أو طويلةً أ ّ قال إسحاق :ومن خالف هذا فقد خالف السنّة من جمهور الصّحابة وعامّة العلماء . وقال بعض العلماء :ومنهم أبو يوسف والحسن بن صالح ,وهو القول المشهور عن مالك, وهو قول أهل المدينة :إذا صارت الموقوذة وأمثالها إلى حال ل تعيش معها فل يحل أكل لحمها وإن ت ّم ذبحها قبل الموت . وقال ابن العربيّ :اختلف قول مالك في هذه الشياء فروي عنه :أنّه ل يؤكل إلّا ما ذكّي بذكاة صحيحة ,والّذي في الموطّأ :أنّه إن كان ذبحها ونفسها يجري وهي تضطرب فليأكل, وهو الصّحيح من قوله الّذي كتبه بيده ,وقرأه على النّاس من كلّ بلد طول عمره ,فهو أولى من الرّوايات النّادرة .
التّعريف : 1
َموْقوف *
-الموقوف لغةً :اسم مفعول لفعل :وقف ,بمعنى :سكن وحبس ومنع ,يقال :وَ َقفَتْ
الدّابّة :سكنتْ ,ووقفتها أنا :منعتُها من السّير ونحوه ,ووقفتُ الدّار :حَ َبسْتُها في سبيل اللّه ,فهي موقوفة . ويطلق على عكس الجلوس ,يقال :وقف الرّجل :قام عن مجلسه ,وعلى المنع :وقفته عن الكلم :مَ َنعْتُه عنه . والموقوف في اصطلح الفقهاء يطلق على معنيين : المعنى الوّل :يطلق على كلّ عين محبوسة في سبيل الب ّر والخير بشروط . والمعنى الثّاني :يطلق على العقد الموقوف ,وهو ما كان مشروعا بأصله ووصفه ,ويفيد ق الغير به . الملك على سبيل التّوقف ,ول يفيد تمامه لتعلق ح ّ والموقوف عند علماء الحديث :ما روي عن الصّحابة من أحوالهم وأقوالهم ,فيتوقّف ي صلى ال عليه وسلم . عليهم ول يتجاوز إلى النّب ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الصّدقة : 2
-الصّدقة في اللغة :ما يعطى على وجه التّقرب إلى اللّه تعالى .
وفي الصطلح :هي العطيّة تبتغي بها المثوبة من اللّه تعالى . والصّلة بين الموقوف والصّدقة العموم والخصوص ,فليس كل موقوف صدقةً ,وليس كل صدقة موقوفا . ب -الموصى به : 3
-الموصى به اسم لما يتبرّع به النسان من مال في حال حياته تبرعا مضافا لما بعد
الموت . ن كلً منهما بذل مال بل عوض ابتغاء المثوبة من اللّه والصّلة بين الموقوف والموصى به أ ّ تعالى .
الحكام المتعلّقة بالموقوف : أوّلً -الموقوف بمعنى العين المحبوسة : أ -ما يجوز وقفه وما ل يجوز :
4
-اختلف الفقهاء في بعض أحكام الموقوف :
فذهب جمهور الفقهاء :المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :إلى أنّه يصح وقف العقار والمنقول ,كحيوان وسلح وأثاث ونحو ذلك ,لقوله صلى ال عليه وسلم « :أمّا خالد فإنّكم تظلمون خالدا فإنّه احتبس أدرعه وأعتده في سبيل اللّه » .ولنّ المّة اتّفقت في جميع العصار والزمان على وقف الحصر والقناديل والزّلليّ في المساجد من غير نكير . وذهب الحنفيّة إلى أنّه يشترط في حبس العين للبرّ أن تكون ممّا ل ينقل ول يحوّل كالعقار , ن التّأبيد شرط جوازه ,ووقف المنقول ل يتأبّد فل يصح عندهم وقف المنقول مقصودا ,ل ّ لكونه على شرف الهلك ,فل يجوز وقفه مقصودا . ويجوز إن كان تبعا لما ل ينقل كالعقار . وللفقهاء تفصيل فيما يشترط في وقف العقار والمنقول والمنفعة . وينظر تفصيله في مصطلح ( وقف ) .
ب -انتقال ملكيّة الموقوف من الواقف بالوقف :
5
-اختلف الفقهاء في انتقال ملكيّة الموقوف بالوقف على ثلثة آراء :
الرّأي الوّل :ذهب الشّافعيّة في أظهر أقوال ثلثة لهم ,وأبو يوسف ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة إلى أنّ ملك رقبة الموقوف تنتقل من ملك الواقف إلى اللّه سبحانه وتعالى .
ي ,وإلّا فجميع الشياء ملك له ومعنى انتقاله إلى اللّه :أنّ الملك ينفك من اختصاص الدم ّ سبحانه وتعالى فل تكون للواقف ول للموقوف عليه . غير أنّه عند الشّافعيّة وأبي يوسف أنّ الملكيّة تنتقل بمجرّد التّلفظ بصيغة صحيحة من صيغ الوقف . وعند محمّد بن الحسن ل تنتقل بالقول حتّى يجعل للموقوف وليّا يسلّمه إليه . ول فرق في انتقال الملك إلى اللّه بين أن يكون الموقوف عليه معيّنا كزيد وعمرو ,وبين أن يكون جهةً عا ّمةً كالرّباط والمدارس والغزاة والفقراء . واستدلوا بما ورد عن ابن عمر رضي ال عنهما قال « :أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النّبيّ صلى ال عليه وسلم يستأمره فيها .فقال :يا رسول اللّه ,إنّي أصبت أرضا بخيبر لم أصب ما ًل قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني به ؟ قال :إن شئت حبست أصلها وتصدّقت بها قال :فتصدّق بها عمر أنّه ل يباع أصلها ول يبتاع ول يورث ول يوهب .قال :فتصدّق عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرّقاب وفي سبيل اللّه وابن السّبيل والضّيف ,ل جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متموّل فيه » . وقال عليه الصلة والسلم عليه الصّلة والسّلم عليه الصلة والسلم « :إذا مات النسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلثة :إلّا من صدقة جارية ,أو علم ينتفع به ,أو ولد صالح يدعو له » ،ولنّ الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم إلى يومنا هذا قد تعاملوه فكان إجماعا ولنّ الحاجة ماسّة إلى أن يلزم الوقف ليصل ثوابه إليه على الدّوام ,وأمكن دفع هذه الحاجة بإسقاط الملك وجعله للّه تعالى كما في المسجد ,ويخرج عن ملك الواقف كما يخرج المسجد. ولهذا قال الشّافعيّة وأبو يوسف بزوال الملك بمجرّد القول -كما سبقت الشارة إليه -لنّه أسقط حقّه للّه فصار كالعتق ,وقال محمّد :ل يزول الملك حتّى يسلّمه إلى المتولّي لنّه صدقة ,فيكون التّسليم من شرطه كالصّدقة المنفّذة ,ولنّ التّمليك من اللّه تعالى ل يتحقّق قصدا لنّه مالك الشياء كلّها ,ولكنّه يثبت في ضمن التّسليم إلى العبد . الرّأي الثّاني :ذهب أبو حنيفة و المالكيّة على المشهور و الشّافعيّة في قول إلى أنّ الموقوف يبقى على ملك الواقف إذا لم يجعله مسجدا ,ولهم تفصيل بيانه كالتي : قال أبو حنيفة :ل يزول الملك إلّا بقضاء قاض يرى ذلك ,لنّه فصل مجتهد فيه ,فينفذ قضاؤه . واستدلّ بحديث « :ل حبس عن فرائض اللّه » ،ولنّ الملك فيه باق ,إذ غرضه التّصدق بغلّته ,وهو ل يتصوّر إلّا إذا بقي الصل على ملكه ,ويدل على ذلك قوله عليه الصلة
والسلم عليه الصّلة والسّلم عليه الصلة والسلم لعمر رضي ال عنه « :احبس أصلها ل جميعها ,ولنّ وسبّل ثمرتها » أي :احبسه على ملكك وتصدّق بثمرتها ,وإلّا كان مسبّ ً خروج الملك ل إلى مالك غير مشروع ,أل ترى أنّ اللّه تعالى نهانا عن السّائبة ,وهي ج َعلَ الّل ُه مِن َبحِيرَةٍ َولَ الّتي يسيّبها مالكها ويخرجها عن ملكه بزعمهم ,قال تعالى { :مَا َ سَآئِ َبةٍ َو َل وَصِي َلةٍ َو َل حَامٍ } . وفرّقوا بين هذا وبين جعل البقعة مسجدا أو الوقف عليه والعتق ,حيث يزول الملك بهما , ق العبد حتّى ل يجوز له أن ينتفع به ,ولهذا ل ينقطع عنه حق العبد حتّى لنّه يحرز عن ح ّ كان له ولية التّصرف فيه بصرف غلّاته إلى مصارفه ,ونصب القيّم ,ولنّه تصدّق بالغلّة أو المنفعة المعدومة وهو غير جائز إلّا في الوصيّة . وقال المالكيّة في المشهور :إنّ ملك العين الموقوفة ثابت للواقف ,لنّ الوقف ليس من باب السقاط فل يزول به الملك ,بل يبقى في ملك الواقف ,وللواقف في حياته منع من يريد إصلحه لئلّا يؤدّي الصلح إلى تغيير معالمه ,ولوارثه ذلك بعد موته ,فإن لم يمنع الوارث فللمام ذلك ,هذا إذا قام الورثة بإصلحه ,وإلّا فلغيرهم إصلحه . وقال الشّافعيّة في القول الثّاني :يبقى ملك رقبة الموقوف للواقف ,لنّه حبس الصل وسبّل الثّمرة ,وذلك ل يوجب زوال ملكه . الرّأي الثّالث :ذهب الحنابلة و الشّافعيّة في قول ثالث إلى التّفرقة بين ما يوقف على شخصٍ أو جهة معيّنة وبين ما يوقف على جهة عامّة ,حيث يبقى الوّل على ملك الواقف , والثّاني ينتقل إلى ملك اللّه تعالى ولهم في ذلك تفصيل . قال الحنابلة :إن كان الموقوف عليه جهةً عا ّمةً ,كالمدارس والرّباط والمساجد والفقراء والغزاة ,فإنّ ملك الرّقبة ينتقل إلى اللّه تعالى وهذا عندهم بل خلف ,وإن كان الموقوف عليه آدميّا معيّنا أو عددا من الدميّين محصورين كأولده أو أولد زيد :ينتقل الملك إلى الموقوف عليه ,فيملكه كالهبة . وقال الشّافعيّة في القول الثّالث لهم :ينتقل الموقوف إلى الموقوف عليه إلحاقا بالصّدقة وهذا كله إذا وقف على شخصٍ أو جهة عامّة ,أمّا إذا جعل البقعة مسجدا أو مقبرةً فهو فك عن الملك ,فينقطع منه اختصاص الدميّين قطعا .
ج -النتفاع بمنافع الموقوف :
6
-منافع الموقوف على معيّن ملك للموقوف عليه يستوفيها بنفسه وبغيره ,بإعارة
وإجارة كسائر الملك ,ولكن ل يؤجّر إلّا إذا كان ناظرا أو أذن له النّاظر في تأجيرها . وكذلك يملك فوائد الموقوف الحاصلة بعد الوقف عند الطلق أو شرط أنّها للموقوف عليه
كأجرة العقار ونحوها ,وزوائد الموقوف كثمرة ,وصوف ,ولبن ,وكذا الولد الحادث بعد الوقف عند الطلق ,أو شرط الولد له في الصحّ عند الشّافعيّة فيملكه كالثّمرة واللّبن , وفي قول للشّافعيّة :إنّ الولد يكون وقفا تبعا لمّه ,ولو كانت حاملً عند الوقف فولدها وقف على القول الثّاني وكذا على الوّل بنا ًء على أنّ الحمل يعلم ,وهذا الصح عندهم . وإن ماتت البهيمة اختصّ الموقوف عليه بجلدها ,لنّه أولى من غيره . وكل هذا ما لم يعيّن الواقف غير ذلك من أوجه النتفاع .
د -حكم بدل العين الموقوفة إذا تلفت :
7
-ل يملك الموقوف عليه بدل العين الموقوفة إن تلفت تحت يد ضامنة ,بل يشتري بها
مثلها لتكون وقفا مكانها مراعا ًة لغرض الواقف في استمرار الثّواب . ن الموقوف ملك للّه ,ول فرق بين أن والّذي يتولّى الشّراء والوقف هو الحاكم بناءً على أ ّ يكون للوقف ناظر خاص أو ل . أمّا ما اشتراه النّاظر من ماله أو من ريع الموقوف أو يعمره منهما أو من أحدهما لجهة الوقف فالمنشئُ هو النّاظر ,وكذا ما يشتريه الحاكم ببدل المتلف ل يصير موقوفا حتّى يقفه الحاكم . أمّا ما يقوم النّاظر أو الحاكم من ترميم الموقوف وإصلح جدرانه فليس وقفا منشئا ,لنّ العين في مسألة شراء بدل العين التّالفة بمثلها فاتت بالكلّيّة ,أمّا الراضي الموقوفة فهي باقية ,والطّين والحجر المبني بهما كالوصف التّابع للموقوف . وعند المالكيّة والحنابلة :يصير البدل وقفا بل حاجة إلى إنشاء وقف جديد . ونصّ المالكيّة على أنّه يصير وقفا إذا أمكن وإلّا تصدّق بالثّمن .
هـ -الجناية على العبد الموقوف وجنايته :
8
-إن كان الموقوف قنا وكان قتله عمدا فليس للموقوف عليه عفو مجّانا ول قود ,لنّه ل
يختص بالموقوف عليه ,بل هو كعبد مشترك ,فيشترى بقيمته بدله :أي مثله . واعتبار المثليّة في البدل المشترى معناه :وجوب الذّكر في الذّكر ,والنثى في النثى , والكبير في الكبير ,وسائر الوصاف الّتي تتفاوت العيان بتفاوتها ,ول سيّما الصّناعية المقصودة في الوقف ,لنّ الغرض جبران ما فات ول يحصل بدون ذلك . وإن كانت الجناية قطع بعض أطرافه عمدا فللقنّ الموقوف استيفاء القصاص لنّه حقه ل يشركه فيه أحد .
وإن عفا القن الموقوف عن الجناية عليه أو كانت الجناية ل توجب القصاص لعدم المكافأة أو لكونها خطأً وجب نصف قيمته فيما إذا كانت الجناية قطع يد أو رجل ممّا فيه نصف دية في الحرّ وإلّا فبحسابه ويشترى بالرش مثله أو شقص بدله . وإن جنى العبد الموقوف خطأً فالرش على الموقوف عليه إن كان الموقوف عليه معيّنا ولم يتعلّق برقبته ,لنّه ل يمكن تسليمه كأمّ الولد . ولم يلزم الموقوف عليه أكثر من قيمته فيجب أقل المرين من القيمة أو أرش الجناية . 9
-وإن كان الموقوف عليه غير معيّن كالمساكين وجنى فأرش الجناية في كسبه ,لنّه
ليس له مستحق معيّن يمكن إيجاب الرش عليه ,ول يمكن تعلقها برقبته فتعيّن في كسبه . ن ال ّنفْسَ وإن جنى الموقوف جناي ًة توجب القصاص وجب القصاص لعموم قوله تعالى { :أَ ّ بِال ّنفْسِ } . فإن قتل قصاصا بطل الوقف كما لو مات حتف أنفه ,وإن قطع كان باقيه وقفا .
و -عطب الموقوف بسبب غير مضمون :
10
-قال الشّافعيّة :إذا تعطّلت منفعة الموقوف ,كأن جفّت الشّجرة أو قلعها ريح أو سيل
أو نحو ذلك ولم يمكن إعادتها إلى مغرزها قبل جفافها لم ينقطع الوقف على المذهب وإن امتنع وقفها ابتدا ًء لقوّة الدّوام بل ينتفع بها جذعا بإجارة أو غيرها إدامةً للوقف في عينها ,ول تباع ول توهب ,وقيل :تباع لتعذر النتفاع كما شرطه الواقف ,والثّمن على هذا القول حكمه كقيمة المتلف . وقال الحنابلة :يصح بيع شجرة موقوفة يبست وبيع جذع موقوف إن انكسر أو بلي أو خيف الكسر أو الهدم ,وقال البهوتيّ نقلً عن صاحب التّلخيص :إذا أشرف الجذع الموقوف على النكسار أو داره على النهدام وعلم أنّه لو أخّر لخرج عن كونه منتفعا به فإنّه يباع رعايةً للماليّة ,أو ينقض تحصيلً للمصلحة . والمدارس والربط والخانات المسبّلة ونحوها جاز بيعها عند خرابها ,ويصح بيع ما فضل من نجارة خشب الموقوف ونحاتته وإن شرط الواقف عدم البيع في هذه الحالة لنّه شرطٌ فاسد ,لخبر « :ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب اللّه » . وإن بيع الموقوف يصرف ثمنه في مثله أو بعض مثله إن لم يمكن في مثله ,لنّ في إقامة البدل مقامه تأبيدا له وتحقيقا للمقصود فتعيّن وجوبه ,ويصرف في جهته وهي مصرفه , لمتناع تغيير المصرف مع إمكان مراعاته .
وإن تعطّلت الجهة الّتي عيّنها الواقف صرف في جهة مثلها ,فإذا وقف على الغزاة في مكان فتعطّل الغزو فيه ,صرف البدل إلى غيرهم من الغزاة في مكان آخر تحصيلً لغرض الواقف في الجملة حسب المكان .
ز -عمارة الموقوف :
11
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يلزم عمارة الموقوف حتّى ل يضيع الوقف وتتعطّل أغراضه .
واختلفوا في الجهة الّتي ينفق منها على العمارة : ن العمارة تكون من غلّة الموقوف ,سواء شرط فذهب الحنفيّة والمالكيّة في المشهور إلى أ ّ الواقف ذلك أو لم يشرط . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يتبع شرط الواقف . والتّفصيل في مصطلح ( وقف ) .
ج -نَقْض الموقوف :
12
-قال الحنفيّة :إذا انهدم البناء الموقوف يصرف نقضه إلى عمارته إن احتاج ,وإلّا
حفظه إلى الحتياج ,لنّه ل بدّ من العمارة ,لنّ الموقوف ل يبقى بدونها فل يحصل صرف الغلّة إلى المصرف على التّأبيد ,فيبطل غرض الواقف إلى المصرف على التّأبيد ,فيصرفه للحال إن احتاج إليه . وإن لم يحتج يمسكه حتّى يحتاج إليه كي ل يتعذّر عليه أوان الحاجة . ول يقسم النّقض على مستحقّي غلّة الموقوف لنّهم ليس لهم حق في العين ول في جزء منه وإنّما حقهم في المنافع ,فل يصرف إليهم غير حقّهم ,وإن تعذّر إعادة عينه بيع وصرف ثمنه إلى العمارة ,لنّ البدل يقوم مقام المبدل فيصرف مصرف البدل . وقال المالكيّة :ونقض الحبس ل يجوز بيعه ول يجوز أن يبدل ريع خرب بريع غير خرب إلّا لتوسعة مسجد . وقال الشّافعيّة :لو انهدم مسجد وتعذّرت إعادته لم يبع بحال لمكان النتفاع به حالً بالصّلة في أرضه ,نعم لو خيف على نقضه نقض وحفظ ليعمر به مسجدا آخر إن رآه ص بها الحاكم ,والمسجد القرب أولى ,وبحث الذرعي تعين مسجد خصّ بطائفة خ ّ المنهدم إن وجد وإن بعد .
ثانيا -الموقوف بمعنى التّصرف الموقوف :
13
ق الغير بغير إذن منه تمليكا كان كبيع وتزويج ,أو -قال الحنفيّة :إنّ كلّ تصرف في ح ّ
إسقاطا كطلق وإعتاق وله مجي ٌز :أي له من له حق الجازة حال وقوعه انعقد موقوفا . أمّا ما ل مجيز له ل ينعقد أصلً .
ل ثمّ بلغ قبل إجازة وليّه فأجاز بنفسه بعد البلوغ جاز ,لنّه كان له مجيزٌ ي مث ً فإن باع صب ّ في حالة العقد وهو الولي ,أمّا إن طلّق الصّبي زوجته مثلً قبل البلوغ فأجازه بنفسه بعد ي ل يملك إيقاع الطّلق البلوغ لم يصحّ ,لنّه لم يكن للسقاط مجيزٌ في وقت العقد لنّ الول ّ على زوجة مولّيه فل يملك إجازته . ( ر :البيع الموقوف ) .
أقسام الموقوف :
14
صحّة ,وموقوف فاسد . -قسّم الحنفيّة التّصرف الموقوف إلى :موقوف قابل لل ّ
صحّة :هو ما كان صحيحا في أصل وصفه ويفيد الملك على سبيل والموقوف القابل لل ّ ق الغير بغير إذن منه ق الغير ,ويتناول كلّ تصرف في ح ّ التّوقف ول يفيد تمامه لتعلق ح ّ ي والعبد المحجورين ,أم إسقاطا كالطّلق تمليكا كان التّصرف كبيع الفضوليّ والصّب ّ والعتاق . والتّمليك يشمل الحقيقيّ كالبيع ونحوه ممّا ينقل الملك ,والحكمي كالتّزويج ,وهذا من قسم الصّحيح . والفاسد الموقوف ما كان مشروعا في أصله ل في وصفه ,كبيع المكره وسائر التّصرفات الفاسدة . وهذا النّوع يسمونه :موقوفا فاسدا فل يثبت به الملك إلّا بالقبض عند جمهور فقهاء الحنفيّة فإذا باع مكرها وسلّم مكرها ثبت فيه الملك عند أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمّد بن الحسن . وقال زفر :ل يثبت الملك بالتّسليم مكرها لنّه موقوف على الجازة فل يفيد الملك قبلها , وقال الئمّة الثّلثة -أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد -إنّ ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى محلّه ,والفساد لفقد شرطه وهو الرّضا ,فصار كسائر الشّروط الفاسدة فيثبت الملك بالقبض ,حتّى لو قبضه وأعتق أو تصرّف به أيّ تصرف -ل يمكن نقضه -جاز , ويلزمه القيمة كسائر البياعات الفاسدة . وبإجازة المالك يرتفع المفسد وهو الكراه وعدم الرّضا فيجوز إلّا أنّه ل ينقطع حق استرداد البائع بالكراه وإن تداولته اليدي ولم يرض البائع بذلك . وعند المالكيّة إذا تصرّف إنسان في ملك غيره بغير إذنه فإنّه يتوقّف نفاذ هذا التّصرف على ن نفاذه يتوقّف على إجازة إجازة من له حق الجازة وذلك كبيع الفضوليّ ملك غيره فإ ّ مالكه. وكبيع الغاصب الشّيء المغصوب لغير المغصوب منه .
وكطلق الفضوليّ ,فإنّه صحيح متوقّف على إجازة الزّوج . 15
-والوقف يطلقه فقهاء الشّافعيّة لبيان ما يحدث في العبادات وفي العقود ,فمن الوّل
حج الصّبيّ ,فإن دام صبيّا إلى آخر أعمال الحجّ كان نفلً ,وإن بلغ قبل الوقوف بعرفة انقلب فرضا . ومنها :إذا كان عليه سجود السّهو فسلّم ساهيا قبل التيان بسجود السّهو فتذكّر قريبا ففي صحّة سلمه وجهان :فإن صحّحناه فقد فات محل السجود ,وإن أبطلناه فإن سجد فهو باق في الصّلة ولو أحدث لبطلت صلته ,وإن ترك السجود فقال المام :الظّاهر إنّه في الصّلة ول ب ّد من السّلم . ويحتمل أن يقال :السّلم موقوف فإن سجد تبيّن أنّه في الصّلة وإن ترك تبيّن أنّه قد تحلّل. أمّا في العقود فالوقف فيها يعبّر به عن ثلث مسائل : صحّة ن ال ّ ي في القول القديم للشّافعيّ :وهو وقف صحّة بمعنى أ ّ الولى :بيع الفضول ّ موقوفة على الجازة فل تحصل إلّا بعدها ,هذا ما نقله النّووي عن الكثرين ,ونقل الرّافعي صحّة ناجزة والمتوقّف على الجازة هو الملك . عن المام :أنّ ال ّ ن العقد فيه صحيح ونحن ل الثّانية :بيع مال مورّثه ظانا حياته ,وهو وقف تبين بمعنى أ ّ نعلمه ثمّ تبيّن في ثاني الحال فهو وقف على ظهور أمر كان عند العقد ,والملك فيه من حين العقد ول خيار فيه . الثّالثة :تصرفات الغاصب وهي ما إذا غصب أموالً وباعها وتصرّف في أثمانها بحيث يعسر أو يتعذّر تتبعها بالنّقض ففي قول عندهم :للمالك أن يجيز ويأخذ الحاصل من أثمانها . 16
-وتنحصر التّصرفات الموقوفة عند الشّافعيّة في ستّة أنواع :
وضبط المام الوقف الباطل في العقود بتوقف العقد على وجود شرط قد يتخلّف عنه ,كبيع ي. الفضول ّ وهذه النواع السّتّة هي : الوّل :ما يتوقّف على حصول شرط بعده فهو باطل في القول الجديد للمام الشّافعيّ لنّه يتوقّف على إجازة المالك . الثّاني :ما يتوقّف على تبيين وانكشاف سابق على العقد فهو صحيح كبيع مال أبيه ظانا حياته . ن أنّه آبق أو مكاتب وكان قد عجّز نفسه ,أو وألحق به الرّافعي :ما إذا باع العبد على ظ ّ ن أنّه فضوليّ فبان أنّه قد وكّله في ذلك يصح فسخ الكتابة ,وكذلك لو اشترى لغيره على ظ ّ
ن الوكالة ل تتوقّف على القبول وأنّه يكون وكيلً قبل بلوغ في الصحّ ,بنا ًء على القول :أ ّ الخبر إليه . الثّالث :ما توقّف على انقطاع تعد فقولن :الصح البطال كبيع المفلس ماله ثمّ يفك الحجر عنه وهو باق على ملكه . ك إن وجد نفذ وإلّا فل ,وعلى هذا القول :فهو وقف والقول الثّاني :أنّه موقوف على الف ّ تبيين . والرّابع :ما توقّف على ارتفاع حجر حكمي خاصّ كأن يقيم العبد شاهدين على عتقه ولم ن الحاكم يحجر على السّيّد في التّصرف فيه إلى التّعديل ,فلو باعه السّيّد في هذه يعدل ,فإ ّ الحالة ثمّ تبيّن عدم عدالتهم فعلى قول الوقف في صورة المفلس كما سبق ,بل أولى لنّها صةً ,وهناك على العموم . أخص منها لوجود الحجر هنا على العين خا ّ الخامس :ما توقّف لجل حجر شرعي من غير الحاكم وفيه صورتان : إحداهما :تصرف المريض بالمحاباة فيما يزيد على قدر الثلث فيها ,وفيها قولن , أحدهما :أنّها باطلة وأصحهما أنّها موقوفة بإجازة الورثة ,فإن أجازها الوارث صحّت وإلّا بطلت .ثانيتها :إذا أوصى بعين حاضرة هي ثلث ماله وباقي المال غائب فتصرّف الورثة في ثلثي الحاضر ثمّ بان تلف الغائب فألحقها الرّافعي ببيع الفضوليّ ,وخالفه النّووي ن التّصرف هنا فألحقها ببيع مال مورّثه يظن حياته ,وقال الزّركشي :وهذا أشبه ,ل ّ ي. صادف ملكه فهي ببيع البن أشبه منه بالفضول ّ السّادس :ما توقّف لجل حجر وضعي أي باختيار المكلّف كالرّاهن يبيع المرهون بغير إذن المرتهن فهو باطل على الجديد ,وعلى القديم الّذي يجيز وقف التّصرفات يكون موقوفا على النفكاك وعدمه ,وألحقه المام ببيع المفلس ماله . ن الوقف الممتنع عند الشّافعيّة إنّما هو في البتداء دون الستدامة ,لهذا قالوا :لو هذا وأ ّ ارتدّت المرأة كان استدامة النّكاح موقوفا ,فإن أسلمت في العدّة دام النّكاح ,وإلّا بانت , ول يجوز ابتداء نكاح مرتدّة . وقد يصح العقد ويبقى الملك موقوفا في ملك المبيع في زمن الخيار إذا كان الخيار لهما على الصحّ . وملك الموصى له الوصيّة بعد الموت وقبل القبول الصح أنّه موقوف ,إن قبل تبيّنّا أنّه ملك من حين الموت ,وإلّا تبيّنّا أنّه على ملك الوارث . ن ملكه لم يزل وإن قتل حدا أو مات حتف أنفه وكذلك ملك المرتدّ ماله ,فإن تاب تبيّن أ ّ ن ملكه زال من حين الرتداد . تبيّنّا أ ّ
ثالثا -الموقوف من الحاديث :
17
-وهو ما يروى عن الصّحابة رضي ال عنهم من أقوالهم أو أفعالهم ونحوها فيوقف
عليهم ول يتجاوز به إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم . ي فيكون من الموقوف الموصول ,ومنه ما ل ثمّ إنّ منه ما يتّصل السناد فيه إلى الصّحاب ّ يتّصل إسناده فيكون من الموقوف غير الموصول على حسب ما عرف مثله في المرفوع إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم . والتّفصيل في الملحق الصوليّ .
مَولَى العَتاقة *
التّعريف : 1
-مولى العتاقة مركّب من لفظين :مولًى ,والعتاقة .
والمولى :يطلق في اللغة على معان :يطلق على ابن العمّ ,وعلى العصبة عا ّمةً , والحليف :وهو مولى الموالة ,وعلى مولى العتاقة ,وعلى العتيق ,وعلى من أسلم بيده شخص . أمّا العتاقة لغةً :فهي من عتق العبد عتاق ًة ,من باب ضرب :خرج من المملوكيّة . ومولى العتاقة في الصطلح :هو المعتق ,وهو من له ولء العتاقة ,ويطلق على من عتق عليه رقيق أو مبعّضٌ ,بإعتاق منجّز استقللً ,أو بعوض كبيع العبد من نفسه ,أو ضمنا كقوله لغيره :أعتق عبدك عنّي فأجابه ,أو كتاب ًة منه وتدبيرا واستيلدا أو قرابةً كأن يملك من يعتق عليه من أقاربه بإرث أو شراء أو هبة . ن المعتق أنعم على المعتق حيث أحياه حكما . وولء العتاقة يسمّى أيضا ولء نعمة ,ل ّ علَ ْيهِ َوأَ ْن َعمْتَ عَلَ ْيهِ } ,أي أنعم اللّه عليه قال اللّه تعالى َ { :وإِذْ َتقُولُ لِلّذِي أَ ْن َعمَ الّلهُ َ بالهدى ,وأنعمت عليه بالعتاق . مولى الموالة : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-مولى الموالة هو شخص مجهول النّسب آخى معروف النّسب وواله ,فقال :إن جنت
يديّ جنايةً تجب ديتها على عاقلتك ,وإن حصل لي مال فهو لك بعد موتي . ويسمّى هذا العقد :موالةً ,والشّخص المعروف النّسب :مولى الموالة .
الحكام المتعلّقة بمولى العتاقة : ثبوت الولء بالعتق :
3
-ل خلف بين أهل العلم في أنّ من عتق عليه رقيق بإعتاق منجّر ,إمّا استقللً أو
بعوض كبيع العبد من نفسه ,أو بفرع من العتاق ككتابة ,وتدبير واستيلد ,أو بملك قريب يعتق عليه ,فله ولؤه ,ويسمّى مولى العتاقة . وإن أعتقه عن واجب عليه ككفّارة عن قتل ,أو ظهار ,أو إفطار في نهار رمضان بجماع , أو بغيره على اختلف بين الفقهاء في ذلك ,أو عن إيلء ,أو كفّارة يمين أو عن نذر ,فله ولؤه أيضا .لعموم قوله صلى ال عليه وسلم « :الولء لمن أعتق » ،وقوله عليه الصلة والسلم « :الولء لحمة كلحمة النّسب » ،وعن الحسن قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :الميراث للعصبة ,فإن لم يكن عصبة فالولء » ،وورد « :أنّ رجلً مات على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ولم يدع وارثا إلّا عبدا هو أعتقه ,فأعطاه النّبي صلى ال عليه وسلم ميراثه » . ن مولى العتاقة يرث عتيقه ,إن مات ولم يخلّف وارثا سواه . وأجمع العلماء على أ ّ
ترتيب مولى العتاقة في الرث :
4
-مولى العتاقة مقدّم في التّوريث على ذوي الرحام ,ومقدّم على الرّ ّد على أصحاب
الفروض ,إذا بقي بعد الفروض شيء من التّركة ولم توجد عصبة النّسب عند جمهور الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم ,ومؤخّر عن العصبة النّسبيّة . فإذا مات رجل وخلّف بنته وموله :فلبنته النّصف ,والباقي لموله ,وإن خلّف ذا رحم وموله :فالمال لموله دون ذي رحمه . وعن عمر وعلي رضي ال عنهما :يقدّم الرّد على مولى العتاقة ,وعنهما وعن ابن مسعود رضي ال عنهم :تقديم ذوي الرحام على مولى العتاقة ,قال ابن قدامة :ولعلّهم ض ُهمْ َأوْلَى بِ َبعْضٍ فِي كِتَابِ الّلهِ } . يحتجون بقول اللّه تعالى َ { :وُأوْلُواْ الَ ْرحَامِ َبعْ ُ وإن كان للمعتق عصبة من نسبه ,أو ذو فرض يستغرق التّركة ,فل شيء للمولى . ي صلى ال عليه وسلم « :ألحقوا الفرائض قال ابن قدامة :ل نعلم في ذلك خلفا لقول النّب ّ بأهلها ,فما بقي فلولى رجل ذكر » . والعصبة من القرابة أولى من مولى العتاقة ,لنّه مشبّه بالقرابة ,والمشبّه به أقوى من المشبّه ,ولنّ النّسب أقوى من الولء بدليل أنّه يتعلّق به التّحريم والنّفقة وسقوط القصاص ورد الشّهادة ,ول يتعلّق شيء من ذلك بالولء . ثف/ وانظر مصطلح ( إر ٌ
63
وما بعدها ) .
ثبوت الولء للكافر :
5
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الولء يثبت للكافر على المسلم كعكسه وإن لم يتوارثا .
واستدلوا على عدم التّوارث في حالة اختلف دينهما بحديث « :ل يرث المسلم الكافر ,ول الكافر المسلم » ,ولنّه ميراثٌ فيمنعه اختلف الدّين كميراث النّسب ,ولنّ اختلف الدّين مانع من الميراث بالنّسب فمنع الميراث بالولء كالقتل وال ّرقّ ,يحقّقه :أنّ الميراث بالنّسب ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ألحق الولء أقوى ,فإذا منع القوى فالضعف أولى ,ول ّ بالنّسب بقوله « :الولء لحمة كلحمة النّسب » ،فكما يمنع اختلف الدّين التّوارث مع صحّة النّسب وثبوته كذلك يمنعه مع صحّة الولء وثبوته ,فإذا اجتمعا على السلم توارثا كالمتناسبين . وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا أعتق الكافر مسلما -سواء ملكه مسلما أو أسلم عنده -أو أعتق عنه فل ولء للكافر على المسلم ,بل ولؤه للمسلمين ,ول يعود له إن أسلم على المذهب . وإن أعتق المسلم كافرا فماله لبيت مال المسلمين إن لم يكن للمسلم قرابة على دينه ,فإن كان له قرابة كفّار فالولء لهم ,فإن أسلم عاد الولء لسيّده المسلم . وروي عن علي رضي ال عنه وعمر بن عبد العزيز أنّهما يتوارثان ,وهي رواية عن أحمد. ثف/ وانظر مصطلح ( إر ٌ
18
).
انتقال الولء :
6
-ل يصح من مولى العتاقة نقل الولء بالبيع أو الهبة ,ول أن يأذن لعتيقه أن يوالي من
يشاء ,ول ينتقل الولء بموت المولى ,ول يرثه ورثته ,وإنّما يرثون المال بالولء مع بقائه للمولى .لحديث « :نهى النّبي صلى ال عليه وسلم عن بيع الولء وعن هبته » وقال « :الولء لحمة كلحمة النّسب » ،وقال عليه الصلة والسلم عليه الصّلة والسّلم عليه الصلة والسلم « :لعن اللّه من تولّى غير مواليه » ؛ ولنّه معنىً يورث به فل ينتقل كالقرابة .
عتق العبد بشرط أن ل ولء لمولى العتاقة :
7
-لو أعتق عبده على أن ل ولء له عليه ,أو على أن يكون سائب ًة ,أو على أن يكون
الولء لغيره لم يبطل ولؤه ولم ينتقل كنسبه لخبر « :ما كان من شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل ,وإن كان مائة شرط ,قضاء اللّه أحق ,وشرط اللّه أوثق » ،ولقوله صلى ال عليه وسلم « :الولء لمن أعتق » ،وقوله « :الولء لحمة كلحمة النّسب » .
فكما ل يزول نسب النسان ول ينتقل كذلك ل يزول ولء العتاقة ,ولذلك لمّا أراد أهل بريرة اشتراط ولئها على عائشة رضي ال عنها قال صلى ال عليه وسلم « :اشتريها وأعتقيها ن الولء لمن أعتق » ،يعني :أنّ اشتراط تحويل الولء ل يفيد واشترطي لهم الولء ,فإ ّ شيئا ,وروي أنّ رجلً جاء إلى عبد اللّه رضي ال عنه فقال :إنّي أعتقت غلما لي وجعلته سائبةً ,فمات وترك ما ًل .فقال عبد اللّه :إنّ أهل السلم ل يسيّبون ,وإنّما كانت تسيّب أهل الجاهليّة ,وأنت وارثه وولي نعمته ,فإن تحرّجت من شيء فأدناه نجعله في بيت المال. وقال أحمد في رواية عبد اللّه :إن أعتق الرّجل عبده سائبةً ,كأن يقول :قد أعتقتك سائبةً لم يكن له عليه ولء ,وكأنّه جعله للّه وسلّمه ,وقال أحمد :قال عمر رضي ال عنه : السّائبة والصّدقة ليومها ومتى قال الرّجل لعبده :أعتقتك سائب ًة لم يكن له عليه ولء ,فإن مات وخلّف مالً ولم يدّع وارثا أشتري بماله رقاب فأعتقوا في المنصوص عن أحمد ،قال : أعتق ابن عمر رضي ال عنهما عبدا سائبةً ,فمات ,فاشترى ابن عمر بماله رقابا فأعتقهم وولؤه لجماعة المسلمين . وانظر مصطلح ( سائبة ف . ) 3 /
الميراث بالولء :
8
ن من ل عصبة له بنسب وله معتق فماله وما لحق به -أو -ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
الفاضل منه بعد الفروض أو الفرض -له ,رجلً كان أو امرأةً ,لطلق قوله صلى ال عليه وسلم « :إنّما الولء لمن أعتق » ؛ ولنّ النعام بالعتاق موجود من الرّجل والمرأة فاستويا في الرث به . فإن لم يوجد معتق فلعصبته :أي المعتِق . وترتيبهم كترتيبهم في النّسب ,فيقدّم ابن المعتق ,ثمّ ابنه وإن سفل ,ث ّم أبوه ,ثمّ جده وإن عل . ن أخا المعتق لبوين أو لب وابن أخيه يقدّمان على جدّ مولى ولكن قال الشّافعيّة :الظهر أ ّ ن البنوّة أقوى من البوّة . العتاقة جريا على القياس في أ ّ وإنّما خالفوا في النّسب لجماع الصّحابة رضي ال عنهم على أنّ الخ ل يسقط الجدّ ,ول إجماع في الولء فصاروا إلى القياس . وللتّفصيل أنظر مصطلح ( إرثٌ ف /
51
).
إرث النّساء بالولء :
9
-ل يرث النّساء بالولء إلّا من أعتقن بالمباشرة ,أو منتميا إليه بنسب أو ولء لحديث :
« ليس للنّساء من الولء إلّا ما أعتقن ,أو أعتق من أعتقن ,أو كاتبن أو كاتب من كاتبن ,أو دبّرن أو دبّر من دبّرن ,أو ج ّر ولء معتَقهنّ » . ولنّ ثبوت صفة الملكيّة والقوّة للمعتق حصل من جهتها ,فكانت محييةً له فينسب المعتق بالولء إليها . فإن مات مولى العتاقة ,ث ّم مات بعده عتيقه ولم يخلّف عاصبا ذكرا فإرثه لجماعة المسلمين ,ول حقّ لبناته ول لخواته انفردن أو اجتمعن ,فلو مات مولى العتاقة عن ابن وبنتٍ ,ثمّ مات العتيق ولم يخلّف وارثا فما تركه العتيق لبن مولى العتاقة ول شيء للبنت .وكذا إن ترك ابن عم وبنت صلب أخذ ابن العمّ المال ول شيء لبنت الصلب .
حقوق أخرى تثبت لمولى العتاقة :
10
-يثبت لمولى العتاقة ولية الصّلة على عتيقه ,وولية النّكاح على أولده القصّر ,
وعليه العقل عنه .
التّعريف : 1
مَولَى المُوالة *
-مولى الموالة مركّب من لفظين :مولًى ,والموالة .
والمولى مأخوذ من الولء ,وهو النصرة والمحبّة ,ويطلق المولى على :ابن العمّ وعلى العصبة عا ّمةً ,وعلى المعتَق ( بالفتح ) ,والمعتِق ( بالكسر ) ,وعلى الحليف ,والنّاصر .والموالة لغةً :مصدر للفعل والى ,يقال :واله موالةً وول ًء ,من باب قاتل :تابعه . ومولى الموالة اصطلحا هو :أن يؤاخي شخص مجهول النّسب شخصا معروف النّسب ويوالي معه ,كأن يقول :أنت مولي ترثني إذا مت ,وتعقل عنّي إذا جنيت ,وقال الخر : قبلت .أو يقول :واليتك ,فيقول :قبلت بعد أن ذكر الرث والعقل في العقد ,ويسمّى هذا العقد " موال ًة " والشّخص المعروف النّسب " :مولى الموالة " . مولى العتاقة : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-مولى العتاقة هو :من له ولء العتاقة ,ويطلق على من عتق عليه رقيق أو مبعّضٌ
بإعتاق منجّز استقل ًل ,أو بعوض كبيع العبد من نفسه ,أو ضمنا كقول الرّجل لخر : أعتق عبدك عنّي فأجابه الخر ,أو بكتابة منه ,أو تدبير ,أو باستيلد أو قرابة كأن يملك من يعتق عليه من أقاربه بإرث أو بيع ,أو هبة .
والصّلة بينهما أنّ كلً من مولى العتاقة ومولى الموالة سبب من أسباب الميراث عند من يقول ببقاء الميراث لمولى الموالة .
الحكام المتعلّقة بمولى الموالة : ميراث مولى الموالة :
3
-اختلف الفقهاء في ميراث مولى الموالة .
فذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن شبرمة والثّوري والوزاعي إلى أنّ عقد الموالة ليس سببا من أسباب الرث . ن عقد الموالة سبب من أسباب الرث ,ومرتبته بعد مولى العتاقة , وذهب الحنفيّة إلى أ ّ فإذا أسلم شخص مكلّف على يد رجل مسلم وواله ,وعاقده على أن يرثه ,كأن يقول :أنت مولي ترثني إذا مت وتعقل عنّي إذا جنيت ,فيقول الخر :قبلت ,صحّ هذا العقد ,فيرثه إذا مات بعد ذكر الرث والعقل ,وعقله عليه وإرثه له . وكذا لو شرط الرث والعقل من الجانبين ,فيرث كل منهما صاحبه إذا مات قبله . ثف/ ولكلّ أدلّته ,والتّفصيل في مصطلح ( إر ٌ
52
).
شروط اعتبار عقد الموالة :
4
-يشترط لصحّة عقد الموالة عند الحنفيّة :
أ -أن يذكر الميراث والعقل في العقد ,لنّه يقع على ذلك ,فل ب ّد من ذكره في العقد ,وإن شُرِط الرث والعقل من الجانبين كان كذلك ,لنّه ممكن ,فيتوارثان بل خلف بين فقهاء الحنفيّة . ب -أن يكون مجهول النّسب ,وهذا محل خلف بين علماء الحنفيّة ,فذهب بعضهم إلى عدم اشتراط أن يكون مجهول النّسب ,وقال ابن عابدين :وهو المختار . ج -أن ل يكون عليه ولء عتاقة ,ول ولء موالة قد عقل عنه ,فإن عقل عنه فليس له النتقال لتأكد العقد بالعقل عنه . ل ,فلو عقد مع صبي مميّز أو مع عبد ل ينعقد إلّا بإذن الب د -أن يكون حرا بالغا عاق ً ي ,كما يصح عقده مع العبد بإذن السّيّد إلّا والسّيّد ,فإن أذن الب صحّ ويكون العقد للصّب ّ أنّ العقد للسّيّد ,فيكون العبد وكيلً عنه في عقده . هـ -أن ل يكون عربيّا ول مولى عربي ,لنّ تناصر العرب بالقبائل فأغنى عن الموالة .و -أن ل يكون عقل عنه بيت المال ,لنّه حينئذٍ يكون ولؤه لجماعة المسلمين ,فل يملك تحويله إلى واحد منهم بعينه .
ي وعكسه ,وال ّذمّي ال ّذمّيّ وإن أسلم وأمّا السلم فليس بشرط ,فتجوز موالة المسلم ال ّذمّ ّ ن الموالة كالوصيّة في صحّتها من المسلم وال ّذمّيّ للمسلم أو ال ّذمّيّ ,لكن السفل ,ل ّ بينهما فرق من جهة أنّ الموصى له يستحقها بعد موت الموصي مع اختلف الدّين ,بخلف المولى فإنّه ل يرث مع اختلف الدّين .
النتقال عن المولى إلى الغير بعد العقد :
5
-يجوز لكلّ واحد من المتعاقدين النتقال من موالة صاحبه إلى غيره بمحضر من الخر
ن العقد غير لزم كالوصيّة والوكالة ,فلكلّ واحد منهما أن ينفرد بفسخه ما لم يعقل عنه ,ل ّ ن العقد ت ّم بينهما بعلم صاحبه ,وإن كان الخر غائبا ل يملك فسخه وإن كان غير لزم ,ل ّ كما في الشّركة والمضاربة والوكالة ,ول يخلو عن ضرر ,لنّه قد يموت السفل فيكون ن عقل العلى أخذ ماله ميراثا فيكون مضمونا عليه ,أو يعتق السفل عبيدا على ظنّ أ ّ عبيده على المولى العلى فيجب عليه وحده فيتضرّر بذلك ,فل يصح الفسخ إلّا بمحضر من الخر . وإن عاقد السفل الموالة مع غير موله بغير محضر من الوّل تصح الموالة ,وينفسخ العقد الوّل لنّه فسخٌ حكميّ ,فل يشترط فيه العلم ,كما في الشّركة والمضاربة . ن الولء كالنّسب ,إذا ثبت من شخصٍ ينافي ثبوته من غيره فينفسخ وإنّما كان كذلك ل ّ ضرور ًة . والمرأة كالرّجل في هذا لنّها من أهل التّصرف . ق الغير هذا إذا لم يعقل عنه ,فإن عقل عنه فليس له التّحول إلى غيره لتأكد العقد بتعلق ح ّ به ,ولحصول المقصود به ,ولتّصال القضاء به ,ولنّ ولية التّحول قبل أن يعقل عنه باعتبار أنّه عقد تبرع من حيث إنّه تَ َبرّعَ بالقيام بنصرته وعقل جنايته ,فإذا عقل عنه صار كالعوض في الهبة ,وكذا ل يتحوّل ولده بعد ما تحمّل الجناية عن أبيه ,وكذا إذا عقل عن ولده لم يكن للولد ول للب أن يتحوّل إلى غيره ,لنّهما كشخص واحد .
تبعيّة الولد لمّه في الموالة :
6
-إن والت امرأة فولدت تبعها الولد في الموالة .
وكذا لو أقرّت أنّها مولة فلن -ومعها صغير ل يعرف له أب -صحّ إقرارها على نفسها , ويتبعها ولدها ,ويصيران مولىً للمق ّر له ,وهذا عند أبي حنيفة ,لنّ الولء كالنّسب , ق الصّغير الّذي ل يعرف له أب فتملكه الم كقبول الهبة . وهو نفع محضٌ في ح ّ ن المّ ل ولية لها في ماله , وقال صاحبا أبي حنيفة :ل يتبعها ولدها في الصورتين ,ل ّ فلن ل يكون لها في نفسه أولى .
إرث مولى الموالة :
7
-يرث مولى الموالة بالعصوبة عند الحنفيّة ,فيأخذ جميع التّركة عند انعدام وارث
سواه ,فيؤخّر في الرث عن العصبة بأقسامها الثّلثة :العصبة بالنّفس ,والعصبة بالغير , والعصبة مع الغير . ن توريث مولى العتاقة بالجماع ,وفي توريث مولى كما يؤخّر عن مولى العتاقة ,ل ّ الموالة خلف . ن عقد الموالة عقدهما فل يؤثّر في غيرهما ,وذوو ويؤخّر أيضا عن ذوي الرحام ,ل ّ الرحام وارثون شرعا فل يملكان إبطاله . وإذا مات العلى ثمّ السفل فإنّما يرثه الذكور من أولد العلى دون الناث .
مَولود *
التّعريف : 1
-المولود في اللغة :اسم مفعول من الولدة ,والصّبي المولود يطلق عليه الوليد .
والولد :كل ما ولده شيء ,ويطلق على الذّكر والنثى والمثنّى والمجموع . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
السِقْط : 2
-السّقط في اللغة :الولد ذكرا كان أو أنثى يسقط من بطن أمّه قبل تمامه ,وهو مستبين
ط بكسر السّين وضمّها الخلق ,يقال :سقط الولد من بطن أمّه ,ول يقال :وقع ,فهو سق ٌ ,وفتحها ,والكسر أسلم وأكثر . والسّقط في الصطلح :هو الولد لغير تمام ,وقيل :الّذي يسقط من بطن أمّه ميّتا . ن المولود يولد بعد تمام مدّة الحمل ,وأمّا السّقط فينزل قبل والصّلة بين المولود والسّقط :أ ّ تمام مدّة الحمل .
الحكام المتعلّقة بالمولود : علمات حياة المولود وما يتعلّق بها من أحكام :
3
-علمات حياة المولود هي كل ما دلّ على الحياة من رضاع ,أو استهلل ,أو حركة ,
أو سعال ,أو تنفسٍ . وتفصيل ذلك في ( حياة ف /
16
,واستهلل ف /
2
, 9 -وتغسيل الميّت ف /
25
).
ويترتّب على ظهور حياة المولود آثار شرعيّة عديدة أهمها :ثبوت أهليّة الوجوب له .
ويقصد بأهليّة الوجوب :صلحية النسان لن تكون له حقوق قبل غيره ,وعليه واجبات ن له الولية عليه .ومناط هذه الهليّة الحياة , لغيره ,سواء أكان ذلك بنفسه أم بواسطة مَ ْ فتثبت لكلّ إنسان حي ,وتستمر له ما دام حيّا ,فإذا توفّي زايلته . فإذا مات يغسّل ويصلّى عليه ,وتجب فيه الدّية إن قتل . وبولدة المولود يقع المعلّق من الطّلق والعتاق وغيرهما بولدته . وينظر مصطلح ( أهليّة ف 6 /وما بعدها ) .
الذان والقامة في أذني المولود وتحنيكه :
4
-ذهب الفقهاء في الجملة إلى أنّه يستحب الذان في أذن المولود اليمنى حين يولد ,
والقامة في أذنه اليسرى ,وكذلك يستحب تحنيكه . والتّفصيل في ( أذان ف /
51
,وتحنيك ف 5 /وما بعدها ) .
حلق رأس المولود :
5
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يستحب حلق رأس المولود في اليوم السّابع من ولدته
ضةً . والتّصدق بوزن الشّعر ذهبا أو ف ّ ن حلق شعر المولود مباح . وذهب الحنفيّة إلى أ ّ والتّفصيل في ( حلق ف . ) 5 /
تسمية المولود :
6
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يستحب تسمية المولود يوم السّابع من ولدته .
والتّفصيل في ( تسمية ف 6 /وما بعدها ) .
إخراج زكاة الفطر عن المولود :
7
ن المسلم الّذي يولد قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان تخرّج -اتّفق الفقهاء على أ ّ
عنه زكاة الفطر . أمّا من ولد بعد غروب شمس ذلك اليوم ,وقبل طلوع فجر يوم عيد الفطر ,ففي وجوب زكاة الفطر عنه تفصيل ,ينظر في ( زكاة الفطر ف . ) 8 /
ختان المولود :
8
-اختلف الفقهاء في ختان المولود :
فذهب بعضهم إلى أنّ ختان الذّكر سنّة ,وقال آخرون :إنّه واجب . أمّا النثى فذهب بعضهم إلى أنّه واجب ,وذهب آخرون إلى أنّه مندوب ,وقال غيرهم :إنّه مكرمة . واختلفوا كذلك في وقت ختان المولود .
والتّفصيل في مصطلح ( ختان ف 2 /وما بعدها ) .
تثقيب أذني المولود :
9
ي الذّهب ونحوه فيهما . -اختلف الشّافعيّة في تثقيب أذني المولود لجل تعليق حل ّ
فقال بعضهم بالجواز ,وقال آخرون بأنّه سنّة ,وفرّق غيرهم بين الصّبيّ فحرّمه والصّبيّة فأجازه . ي الذّهب ,أو وقال الغزالي وغيره :ل أدري رخصةً في تثقيب أذن الصّبيّة لجل تعليق حل ّ نحوه فيها ,فإنّ ذلك جرح مؤلم ,ومثله موجب للقصاص ,فل يجوز إلّا لحاجة مهمّة ي غير مهم ,فهذا وإن كان معتادا فهو حرام كالفصد والحجامة والختان ,والتّزين بالحل ّ والمنع منه واجب ,والستئجار عليه غير صحيح ,والجرة المأخوذة عليه حرام . وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ تثقيب آذان البنات للزّينة جائزٌ ول بأس به ,ويكره للصّبيان ,والفرق بينهما أنّ النثى محتاجة للحلية ,فثقب الذن مصلحة في حقّها بخلف ن العرب في الجاهليّة كانوا يثقبون آذان الصّبية ,ولم ينكر عليهم النّبي صلى الصّبيّ ,كما أ ّ ال عليه وسلم . وانظر مصطلح ( تزين ف /
18
).
إرضاع المولود إلى تمام مدّة الرّضاعة :
10
-اتّفق الفقهاء على أنّه يجب إرضاع الطّفل ما دام في حاجة إليه .
واختلفوا فيمن يجب عليه ذلك وفي مدّته . وتفصيل ذلك في ( رضاع ف 4 /وما بعدها ) .
حضانة المولود :
11
ن المحضون قد يهلك أو يتضرّر بترك الحفظ ,فيجب -حضانة المولود واجبة شرعا ,ل ّ
حفظه من الهلك . والتّفصيل في ( حضانة ف 5 /وما بعدها ) .
نفقة المولود :
12
-ذهب الفقهاء إلى وجوب نفقة الولد الصّغار -ذكرانا أو إناثا -على الب إذا كانوا
فقراء وكان له ما ينفق عليهم . وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( نفقة ) .
تبعيّة الولد لبويه في الدّين :
13
ن هؤلء يحكم بإسلمهم تبعا -اتّفق الفقهاء على أنّه إذا أسلم الب وله أولد صغار ,فإ ّ
لبيهم .
ن العبرة بإسلم أحد البوين ,فيحكم بإسلم الصّغار بالتّبعيّة , وذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ وقال مالك :ل عبرة بإسلم المّ أو الج ّد . ن إسلم الج ّد وإن عل يستتبع الحكم بإسلم الحفاد الصّغار ومن في وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ حكمهم ,ولو كان الب حيّا كافرا . وينظر تفصيل ذلك في ( إسلم ف /
25
,
26
).
بول المولود :
14
ن بولهما نجسٌ ن الصّغير والصّغيرة إذا أكل الطّعام وبلغا عامين فإ ّ -اتّفق الفقهاء على أ ّ
كنجاسة بول الكبير . أمّا بول الصّغير والصّغيرة إذا لم يأكل الطّعام وكانا في فترة الرّضاعة ,فعند الحنفيّة و المالكيّة أنّه كغيره من النّجاسات في وجوب التّطهر منه . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى التّفريق بين بول الصّغير والصّغيرة ,فبول الصّغير ينضح بالماء وبول الصّغيرة يجب غسله . وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( صغر ف /
26
).
حكم ريق ولعاب المولود :
15
-ذهب الفقهاء في الجملة إلى طهارة ريق النسان مطلقا .
قال ابن القيّم :ريق المولود ولعابه من المسائل الّتي تع ّم بها البلوى ,وقد علم الشّارع أنّ الطّفل يقيء كثيرا ,ول يمكن غسل فمه ,ول يزال ريقه يسيل على من يربّيه ,ولم يأمر الشّارع بغسل الثّياب من ذلك ,ول منع من الصّلة فيها ,ول أمر بالتّحرز من ريق الطّفل , فقالت طائفة من الفقهاء :هذا من النّجاسة الّتي يعفى عنها للمشقّة والحاجة كطين الشّوارع ,والنّجاسة بعد الستجمار ,ونجاسة أسفل الخفّ والحذاء بعد دلكهما بالرض . ..بل ريق الطّفل يطهر فمه للحاجة ,كما كان ريق الهرّة مطهّرا لفمها ,ويستدل لذلك بما ي صلى ال عليه وسلم كان يصغي الناء إلى ورد عن أبي قتادة رضي اللّه عنه « أنّ النّب ّ الهرّ حتّى يشرب ,ث ّم يتوضّأ بفضله » . وتفصيل ذلك في مصطلح ( نجاسة ) .
الحكام الّتي تتعلّق بموت من استهلّ :
16
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المولود إذا خرج حيّا واستهلّ ,بأن صرخ وظهر صوته,
أو وجد منه ما يدل على حياته بعد خروج أكثره ,فإنّه يُسمّى ,ويغسّل ,ويكفّن ويُصلّى ن النّبيّ عليه ,ويدفن ,ويرث ,ويُورث .لما روى جابر بن عبد اللّه رضي ال عنهما أ ّ
صلى ال عليه وسلم قال « :إذا استهلّ الصّبي ورث وصلّي عليه » ,ولنّه قد ثبت له حكم الدنيا في السلم والميراث والدّية ,فغسل وصلّي عليه كغيره .
مِياه *
التّعريف : 1
-المياه في اللغة :جمع ماء ,والماء معروف ,والهمزة فيه مبدلة من الهاء وأصله
موه بالتّحريك تحوّلت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ثمّ أبدلت الهاء همزةً . ويجمع على أمواهٍ جمع قلّة ,وعلى مياهٍ جمع كثرة . وفي الصطلح :الماء جسم لطيف سيّال به حياة كلّ نام . الطّهارة : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الطّهارة في اللغة :النّظافة .
وفي الصطلح :عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة بصفّة مخصوصة . والصّلة بين المياه والطّهارة أنّ المياه تكون وسيلةً للطّهارة .
أقسام المياه :
يمكن تقسيم المياه باعتبار وصفها إلى أربعة أقسام :مطلق ,ومستعمل ,ومسخّن , ومختلط .
الماء المطلق :
3
-الماء المطلق في اصطلح الفقهاء هو ما صدق عليه اسم ماء بل قيد .
وقيل :الماء المطلق هو الباقي على وصف خلقته . وقد أجمع الفقهاء على أنّ الماء المطلق طاهر في ذاته مطهّر لغيره . وعبّر الفقهاء عن هذا النّوع من الماء بالطّهور ,إلّا أنّهم اختلفوا في المراد بالطّهور . فذهب الجمهور إلى أنّه الطّاهر المطهّر . واستدلوا بما يلي : أولً :أنّ لفظة طهور جاءت في لسان الشّرع للمطهّر ,ومن هذا : طهُورا ) يراد به ما طهُورا } .فقوله َ ( : سمَاء مَاء َ أ -قول اللّه تعالى َ { :وأَنزَلْنَا مِنَ ال ّ طهّ َركُم ِبهِ } ,فهذه سمَاء مَاء لّ ُي َ يتطهّر به ,يفسّر ذلك قوله تعالى { وَيُنَ ّزلُ عَلَ ْيكُم مّن ال ّ الية مفسّرة للمراد بالولى .
ي صلى ال عليه وسلم قال : ب -وما ورد عن جابر بن عبد اللّه رضي ال عنهما أنّ النّب ّ ن أحد قبلي :نصرت بالرعب مسيرة شهر ,وجعلت لي الرض « أعطيت خمسا لم يعطه ّ مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمّتي أدركته الصّلة فليصلّ ,وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ ص ًة وبعثت إلى النّاس لحد قبلي ,وأعطيت الشّفاعة ,وكان النّبي يبعث إلى قومه خا ّ عامّة». فوجه الدّللة من هذا الحديث ظاهرة ,إذ لو كان المراد بالطّهور الطّاهر فقط لم يكن فيه ق كلّ أحد ,والحديث إنّما سيق لثبات الخصوصيّة ,فقد اختصّ مزية ,لنّه طاهر في ح ّ الرّسول صلى ال عليه وسلم وأمّته بالتّطهر بالتراب . ج -وما رواه أنسٌ مرفوعا « :جعلت لي كل أرض طيّبةً مسجدا وطهورا » . ن كلّ أرض طيّبة جعلت له مسجدا وطهورا ,والطّيّبة فقد أخبر النّبي صلى ال عليه وسلم بأ ّ الطّاهرة ,فلو كان معنى طهورا :طاهرا للزم تحصيل الحاصل ,وتحصيل الحاصل بالنّسبة له محال ,فتعيّن أن يكون المراد به المطهّر لغيره . د -وما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه سئل عن التّوضّؤ بماء البحر فقال « :هو الطّهور ماؤه الحل ميتته » . فقد أجاب النّبي صلى ال عليه وسلم بقوله هذا عن سؤالهم عن حكم التّطهر بماء البحر , فلول أنّهم يفهمون من الطّهور أنّه المطهّر ,لم يحصل لهم الجواب . ثانيا :أنّ العرب فرّقت بين اسم الفاعل وصيغة المبالغة فقالت :قاعد لمن وجد منه القُعود ,وقَعود :لمن يتكرّر منه ذلك ,فينبغي أن يفرّق بين الطّهور والطّاهر من حيث التّعدّي واللزوم ,فالطّهور من السماء المتعدّية وهو الّذي يطهّر غيره ,والطّاهر من السماء اللّازمة . ي وسفيان والمذهب عند الحنفيّة أنّ الطّهور هو الطّاهر وهو ما حكي عن الحسن البصر ّ وأبي بكر الصمّ وابن داود . واحتجوا بما يلي : طهُورا } . سقَا ُهمْ رَ ّبهُ ْم شَرَابا َ أ ّولً :قول اللّه تعالى َ { :و َ ن أهل الجنّة ل يحتاجون إلى التّطهير من حدث ول نجسٍ ,فعلم أنّ المراد بالطّهور ومعلوم أ ّ هو الطّاهر . ثانيا :قول جرير في وصف النّساء :عذاب الثّنايا ريقهنّ طهور والرّيق ل يتطهّر به وإنّما أراد به الطّاهر .
ثالثا :والطّهور يفيد التّطهير من طريق المعنى وهو أنّ هذه الصّيغة للمبالغة ,فإنّ في الشّكور والغفور من المبالغة ما ليس في الغافر والشّاكر ,فل ب ّد أن يكون في الطّهور معنىً ن في زائد ليس في الطّاهر ,ول تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلّا باعتبار التّطهير ل ّ صفّتين سواء ,فتكون صفّة التّطهير له بهذا الطّريق ,ل أنّ الطّهور نفس الطّهارة كلتا ال ّ بمعنى المطهّر .
أنواع الماء المطلق :
4
-أنواع الماء المطلق كما ذكرها الفقهاء هي :
الوّل :ماء السّماء أي النّازل منها ,يعني المطر ,ومنه النّدى ,والصل فيه قول اللّه طهّ َركُم ِبهِ } . سمَاء مَاء لّ ُي َ تعالى { :وَيُنَ ّز ُل عَلَ ْيكُم مّن ال ّ والثّاني :ماء البحر والصل فيه ما رواه أبو هريرة رضي ال عنه قال « :سأل رجل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول اللّه إنّا نركب البحر ,ونحمل معنا القليل من الماء ,فإن توضّأنا به عطشنا ,أفنتوضّأ من ماء البحر ؟ فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :هو الطّهور ماؤه الحل ميتته » . والثّالث :ماء النّهر . والرّابع :ماء البئر والصل فيه :ما ورد عن أبي سعيد الخدريّ رضي ال عنه أنّه قال « : قيل :يا رسول اللّه ,أنتوضّأ من بئر بضاعة ،وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلب والنّتن » " أي كانت تجرفها إليها السيول من الطرق والفنية ول تطرح فيها قصدا ول عمدا فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :إنّ الماء طهور ل ينجّسه شيء » . الخامس :ماء العين وهو ما ينبع من الرض . السّادس :ماء الثّلج وهو ما نزل من السّماء مائعا ث ّم جمد ,أو ما يتم تجميده بالوسائل الصّناعية الحديثة . السّابع :ماء البرد وهو ما نزل من السّماء جامدا ثمّ ماع على الرض ,ويسمى حب الغمام وحب المزن . والصل في ماء الثّلج والبرد :حديث أبي هريرة رضي ال عنه قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يسكت بين التّكبير وبين القراءة إسكاتةً -قال :أحسبه قال هنيّة , - فقلت :بأبي وأمّي يا رسول اللّه ,إسكاتك بين التّكبير والقراءة ما تقول ؟ قال :أقول : اللّهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ,اللّهمّ نقّني من الخطايا كما ينقّى الثّوب البيض من الدّنس ,اللّهمّ اغسل خطاياي بالماء والثّلج والبرد » .
وقد اختلف الفقهاء في استعمال بعض أنواع الماء المطلق ,فمن قائل بالكراهة ,وآخر بعدمها ,ومن قائل بصحّتها وآخر بعدم صحّتها ,وهذه النواع تتمثّل فيما يلي :
أ ّولً -ماء البحر :
5
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز استعمال ماء البحر في الطّهارة
من الحداث والنجاس من غير كراهة ,وهذا هو مذهب جمهور الصّحابة والتّابعين . يقول التّرمذي :أكثر الفقهاء من أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم منهم :أبو بكر وعمر وابن عبّاسٍ لم يروا بأسا بماء البحر ,واستدلوا على ذلك بقوله صلى ال عليه وسلم « :هو الطّهور ماؤه ,الحل ميتته » ،ولنّ مطلق اسم الماء يطلق على ماء البحر فيقع التّطهر به . وقال النّووي :وحكي عن عبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيّب وابن عبد الب ّر كراهة التّطهر به .
ثانيا -ماء الثّلج :
6
-ل خلف بين الفقهاء في جواز التّطهر بماء الثّلج إذا ذاب .
وإنّما الخلف بينهم في استعماله قبل الذابة على ثلثة أقوال : القول الوّل :ذهب المالكيّة والحنابلة وهو المعتمد عند الحنفيّة إلى عدم جواز التّطهر بالثّلج قبل الذابة ما لم يتقاطر ويسل على العضو . يقول صاحب الد ّر المختار " :يرفع الحدث مطلقا بماء مطلق ,وهو ما يتبادر عند الطلق كماء سماء وأودية وعيون وآبار وبحار وثلج مذاب بحيث يتقاطر " . ويقول صاحب الشّرح الكبير :وهو -أي الماء المطلق -ما صدق عليه اسم ماء بل قيد وإن جمع من ندًى أو ذاب أي تميّع بعد جموده كالثّلج وهو ما ينزل مائعا ثمّ يجمد على الرض . ويقول صاحب المغني :الذّائب من الثّلج والبرد طهور ,لنّه ماء نزل من السّماء ,وفي ي صلى ال عليه وسلم « :اللّهمّ اغسل خطاياي بالماء والثّلج والبرد » . دعاء النّب ّ ن الواجب فإن أخذ الثّلج فمرّره على أعضائه لم تحصل الطّهارة به ,ولو ابت ّل به العضو ,ل ّ الغسل ,وأقل ذلك أن يجري الماء على العضو ,إلّا أن يكون خفيفا فيذوّب ,ويجري ماؤه على العضاء فيحصل به الغسل ,فيجزئُه . القول الثّاني :ذهب أبو يوسف من الحنفيّة والوزاعي إلى جواز التّطهر به وإن لم يتقاطر .يقول الطّحطاوي :قوله " بحيث يتقاطر " هو المعتمد وعن أبي يوسف :يجوز وإن لم يتقاطر .
ي جواز الوضوء به وإن لم يسل ويجزيه في ويقول النّووي :وحكى أصحابنا عن الوزاع ّ ل ول في معناه. ح عنه لنّه ل يسمّى غس ً المغسول والممسوح ,وهذا ضعيف أو باطل إن ص ّ القول الثّالث :فرّق الشّافعيّة بين سيل الثّلج على العضو لشدّة حرّ وحرارة الجسم ورخاوة الثّلج ,وبين عدم سيله .فإن سال على العضو صحّ الوضوء على الصّحيح لحصول جريان الماء على العضو ,وقيل :ل يصح لنّه ل يسمّى غسلً ,حكاه جماعة منهم الماورديّ ح بل خلف في المغسول ,ويصح مسح الممسوح منه وهو والدّارمي ,وإن لم يسل لم يص ّ الرّأس والخف والجبيرة ,وهو المذهب عندهم .
ثالثا -ماء زمزم :
7
-اختلف الفقهاء في حكم استعمال ماء زمزم في الطّهارة من الحدث أو إزالة النّجس
على ثلثة أقوال : القول الوّل :ذهب الحنفيّة والشّافعيّة وأحمد في رواية وابن شعبان من المالكيّة إلى جواز استعمال ماء زمزم من غير كراهة في إزالة الحداث ,أما في إزالة النجاس فيكره تشريفا له وإكراما . الثّاني :ذهب المالكيّة إلى جواز استعمال ماء زمزم من غير كراهة مطلقا ,أي سواء أكان الستعمال في الطّهارة من الحدث أم في إزالة النّجس . القول الثّالث :ذهب أحمد في رواية إلى كراهة استعماله مطلقا أي في إزالة الحدث والنّجس لقول ابن عبّاسٍ رضي ال عنه « :ل أحلها لمغتسل يغتسل في المسجد وهي لشارب ومتوضّئٍ حل وبل » .
رابعا -الماء الجن :
8
-وهو الماء الّذي تغيّر بطول مكثه في المكان من غير مخالطة شيء ,ويقرب منه الماء
السن . ( ر :مصطلح آجن فقرة , 1 /ومصطلح طهارة فقرة /
10
).
وذهب الفقهاء إلى جواز استعمال الماء الجن من غير كراهة . يقول صاحب ملتقى البحر من الحنفيّة :وتجوز الطّهارة بالماء المطلق كماء السّماء والعين ض أوصافه كالتراب والزّعفران والشنان والبئر والودية والبحار ,وإن غَيّرَ طاهرٌ بع َ والصّابون أو أنتن بالمكث . ويقول صاحب أقرب المسالك من المالكيّة :ول يضر تغير الماء بشيء تولّد منه كالسّمك والدود والطحلب " بفتح اللّام وضمّها " ,وكذا إذا تغيّر الماء بطول مكثه من غير شيء ألقي فيه فإنّه ل يضر .
ويقول الرّملي الكبير من الشّافعيّة :ول يقال المتغيّر كثيرا بطول المكث أو بمجاور أو بما يعسر صون الماء عنه غير مطلق ,بل هو مطلق . واستدلوا على ذلك بالنصوص المطلقة ,ولنّه ل يمكن الحتراز منه فأشبه بما يتعذّر صونه عنه . ونقل عن ابن سيرين القول بكراهة استعمال الماء الجن . يقول صاحب بداية المجتهد :أجمعوا على أنّ كلّ ما يغيّر الماء ممّا ل ينفك عنه غالبا أنّه ل يسلبه صفّة الطّهارة والتّطهير ,إلّا خلفا شاذا روي في الماء الجن عن ابن سيرين . ويقول النّووي :وأمّا المتغيّر بالمكث فنقل ابن المنذر التّفاق على أنّه ل كراهة فيه ,إلّا ابن سيرين فكرهه .
الماء المستعمل :
اختلف الفقهاء في المراد من الماء المستعمل وحكمه وذلك على التّفصيل التي :
الماء المستعمل عند الحنفيّة :
9
-الماء المستعمل عند أبي حنيفة وأبي يوسف :هو الماء الّذي أزيل به حدثٌ أو أستعمل
في البدن على وجه القربة ,كالوضوء على الوضوء بنيّة التّقرب أو لسقاط فرض . وعند محمّد بن الحسن :هو الماء الّذي أستعمل لقامة قربة . وعند زفر :هو الماء المستعمل لزالة الحدث . والمذهب عند الحنفيّة :أنّ الماء يصير مستعملً بمجرّد انفصاله عن البدن . ويظهر أثر هذا الخلف عندهم في المراد من الماء المستعمل فيما يلي : أ -إذا توضّأ بنيّة إقامة القربة نحو الصّلة المعهودة وصلة الجنازة ودخول المسجد ومسّ المصحف وقراءة القرآن ونحوها . فإن كان محدثا صار الماء مستعملً بل خلف لوجود السّببين ,وهما :إزالة الحدث وإقامة القربة . وإن كان غير محدث يصير الماء مستعملً عند الثّلثة " أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد " لوجود إقامة القربة ,لكون الوضوء على الوضوء نور على نور ,وعند زفر :ل يصير ل لنعدام إزالة الحدث . مستعم ً ل عند أبي حنيفة وأبي ب -إذا توضّأ أو اغتسل للتّبرد ,فإن كان محدثا صار الماء مستعم ً ل لعدم إقامة القربة ,وإن يوسف وزفر لوجود إزالة الحدث وعند محمّد :ل يصير مستعم ً لم يكن محدثا ل يصير مستعملً بالتّفاق .
ج -إذا توضّأ بالماء المقيّد كماء الورد ونحوه ل يصير مستعملً بالتّفاق لنّ التّوضّؤ به مخيّر جائزٌ ,فلم يوجد إزالة الحدث ول إقامة القربة . د -إذا غسل الشياء الطّاهرة من النّبات والثّمار والواني والحجار ونحوه ,أو غسلت المرأة يدها من العجين أو الحنّاء ونحو ذلك ,ل يصير الماء مستعملً . والماء المستعمل عند الحنفيّة ليس بطهور لحدث بل لخبث على الرّاجح المعتمد فإنّه يجوز إزالة النّجاسة الحقيقيّة به .
الماء المستعمل عند المالكيّة :
10
-ذهب المالكيّة إلى أنّ الماء المستعمل :
هو ما أستعمل في رفع حدث أو في إزالة حكم خبث ,وأنّ المستعمل في رفع حدث :هو ما تقاطر من العضاء أو اتّصل بها أو انفصل عنها -وكان المنفصل يسيرا -أو غسل عضوه فيه . ت مندوبة مع وحكمه عندهم أنّه طاهر مطّهر لكن يكره استعماله في رفع حدث أو اغتسال ٍ وجود غيره إذا كان يسيرا ,ول يكره على الرجح استعماله مرّ ًة أخرى في إزالة النّجاسة أو غسل إناء ونحوه . ل كآنيّة الوضوء قال الدسوقيّ :والكراهة مقيّدة بأمرين :أن يكون ذلك الماء المستعمل قلي ً والغسل ,وأن يوجد غيره ,وإلّا فل كراهة ,كما أنّه ل كراهة إذا صبّ على الماء اليسير ب عليه مستعمل مثله حتّى كثر لم تنتف الكراهة المستعمل ماء مطلق غير مستعمل ,فإن ص ّ لنّ ما ثبت للجزاء يثبت للكلّ ,واستظهر ابن عبد السّلم نفيها . وقال الدّردير :الماء اليسير الّذي هو قدر آنيّة الغسل فأقل المستعمل في حدث يكره استعماله في حدث بشروط ثلثة :أن يكون يسيرا ,وأن يكون أستعمل في رفع حدث ل حكم خبث ,وأن يكون الستعمال الثّاني في رفع حدث . وعلى هذا فإنّ الماء المستعمل في حكم خبث ل يكره له استعماله ,وأنّ الماء المستعمل في حدث ل يكره استعماله في حكم خبث ,والرّاجح في تعليل الكراهة أنّه مختلف في طهوريّته.
الماء المستعمل عند الشّافعيّة :
11
-الماء المستعمل عند الشّافعيّة :هو الماء القليل المستعمل في فرض الطّهارة عن حدث
كالغسلة الولى فيه ,أو في إزالة نجسٍ عن البدن أو الثّوب ,أمّا نفل الطّهارة كالغسلة الثّانية ,والثّالثة فالصح في الجديد أنّه طهور . ويفرّق الشّافعيّة بين القليل الّذي ل يبلغ قلّتين ,وبين الكثير الّذي يبلغ قلّتين فأكثر .
ن القليل من الماء المستعمل طاهر غير طهور ,فل يرفع حدثا فيرون في المذهب الجديد :أ ّ ن السّلف الصّالح كانوا ل يحترزون عنه ول عمّا يتقاطر عليهم منه . ول يزيل نجسا ل ّ فعن جابر رضي ال عنه قال « :جاء رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يعودني وأنا مريضٌ ي من وضوئه فعقلت » . ل أعقل فتوضّأ وصبّ عل ّ ولنّ السّلف الصّالح -مع قلّة مياههم -لم يجمعوا الماء المستعمل للستعمال ثانيا بل انتقلوا إلى التّيمم ,كما لم يجمعوه للشّرب لنّه مستقذر . فإن جمع الماء المستعمل فبلغ قلّتين فطهور على الصحّ . واختلف في علّة منع استعمال الماء المستعمل ,قال الشّربيني :وهو الصح :لنّه غير مطلق كما صحّحه النّووي وغيره . فإن جمع المستعمل على الجديد فبلغ قلّتين فطهور في الصحّ لنّ النّجاسة أشد من الستعمال ,والماء المتنجّس لو جمع حتّى بلغ قلّتين أي ول تغير به صار طهورا قطعا , فالمستعمل أولى ,ومقابل الصحّ ل يعود طهورا لنّ قوّته صارت مستوفا ًة بالستعمال فالتحق بماء الورد ونحوه وهو اختيار ابن سريج . ويقول الشّيرازي :الماء المستعمل ضربان :مستعمل في طهارة الحدث ,ومستعمل في طهارة النّجس . فأمّا المستعمل في طهارة الحدث فينظر فيه : فإن أستعمل في رفع حدث فهو طاهر ,لنّه ماء طاهر لقى محلً طاهرا ,فكان طاهرا ,كما لو غسل به ثوب طاهر . ثمّ قال :وأمّا المستعمل في النّجس فينظر فيه : س لقوله صلى ال عليه وسلم « :إنّ الماء ل ينجّسه فإن انفصل من المحلّ وتغيّر فهو نج ٌ شيء إلّا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه » . وإن كان غير متغيّر ففيه ثلثة أوجهٍ : أحدها :أنّه طاهر ,وهو قول أبي العبّاس وأبي إسحاق لنّه ماء ل يمكن حفظه من النّجاسة فلم ينجس من غير تغير كالماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة . والثّاني :أنّه ينجس ,وهو قول أبي القاسم النماطيّ لنّه ماء قليل لقى نجاسةً ,فأشبه ما وقعت فيه نجاسة . والثّالث :أنّه إن انفصل والمحل طاهر فهو طاهر ,وإن انفصل والمحل نجسٌ ,فهو نجسٌ ص لنّ المنفصل من جملة الباقي في المحلّ :فكان حكمه .وهو قول أبي العبّاس بن القا ّ في النّجاسة والطّهارة حكمه .
الماء المستعمل عند الحنابلة :
12
-قال الحنابلة :الماء الّذي أستعمل في رفع حدث أو إزالة نجسٍ ولم يتغيّر أحد أوصافه
طاهر غير مطهّر ل يرفع حدثا ول يزيل نجسا وهذا هو ظاهر المذهب عندهم .وعند أحمد رواية أخرى أنّه طاهر مطّهر . أما الماء المستعمل في طهارة مستحبّة كتجديد الوضوء والغسلة الثّانية والثّالثة فيه والغسل للجمعة والعيدين وغيرهما ففيه روايتان : إحداهما :أنّه كالمستعمل في رفع الحدث لنّه طهارة مشروعة أشبه ما لو اغتسل به من جنابة . والثّانية :ل يمنع الطّهوريّة لنّه لم يزل مانعا من الصّلة أشبه ما لو تبرّد به ,فإن لم تكن الطّهارة مشروعةً لم يؤثّر استعمال الماء فيها شيئا كالغسلة الرّابعة في الوضوء لم يؤثّر ن ما استعمال الماء فيها شيئا وكان كما لو تبرّد أو غسل به ثوبه ,ول تختلف الرّواية أ ّ أستعمل في التّبرد والتّنظيف أنّه باق على إطلقه ,قال ابن قدامة :ول نعلم فيه خلفا . وأمّا المستعمل في تعبد من غير حدث كغسل اليدين من نوم اللّيل ,فإن قلنا ليس ذلك بواجب لم يؤثّر استعماله في الماء ,وإن قلنا بوجوبه فقال القاضي :هو طاهر غير مطّهر ,وذكر أبو الخطّاب فيه روايتين ,إحداهما :أنّه يخرج عن إطلقه لنّه مستعمل في ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « نهى أن طهارة تعبد أشبه المستعمل في رفع الحدث ,ول ّ يغمس القائم من نوم اللّيل يده في الناء قبل غسلها » ,فدلّ ذلك على أنّه يفيد منعا . والرّواية الثّانية أنّه باق على إطلقه لنّه لم يرفع حدثا ,أشبه المتبرّد به .
الماء المسخّن :
وهو إمّا أن يكون مسخّنا بتأثير الشّمس فيه ,وإمّا أن يكون مسخّنا بتأثير غيرها .
أ -الماء المسخّن بتأثير الشّمس فيه " المشمّس " :
13
-يطلق الفقهاء على الماء المسخّن بتأثير الشّمس فيه اسم الماء المشمّس وقد اختلفوا
في حكم استعماله على قولين : القول الوّل :جواز استعماله مطلقا من غير كراهة ,سواء أكان هذا الستعمال في البدن أم في الثّوب . وبهذا قال الحنابلة وجمهور الحنفيّة وهو قول لبعض فقهاء المالكيّة والشّافعيّة كالنّوويّ والروياني . القول الثّاني :كراهة استعماله :وذهب إليه المالكيّة في المعتمد عندهم و الشّافعيّة في المذهب وبعض الحنفيّة .
يقول الخطيب الشّربيني :ويكره شرعا تنزيها الماء المشمّس أي ما سخّنته الشّمس ,أي يكره استعماله في البدن في الطّهارة وغيرها كأكل وشرب ,لما روى الشّافعي عن عمر رضي ال عنه أنّه :كان يكره الغتسال بالماء المشمّس ,وقال :يورّث البرص . لكن بشرط أن يكون ببلد حارّة أي تقلّبه الشّمس عن حالته إلى حالة أخرى ,كما نقله في البحر عن الصحاب في آنيّة منطبعة غير النّقدين وهي كل ما طرق كالنحاس ونحوه ,وأن يستعمل في حال حرارته ,لنّ الشّمس بحدّتها تفصل منه زهومةً تعلو الماء ,فإذا لقت البدن بسخونتها خيف أن تقبض عليه فيحتبس الدّم فيحصل البرص . وقال الدّردير :يكره المشمّس أي المسخّن بالشّمس في القطار الحارّة كأرض الحجاز ل في نحو مصر والروم . وعقّب الدسوقيّ على قول الدّردير في الشّرح الكبير " والمعتمد الكراهة " بقوله :هو ما نقله ابن الفرات عن مالك واقتصر عليه جماعة من أهل المذهب . وهذه الكراهة طبّيّة ل شرعيّة لنّها ل تمنع من إكمال الوضوء أو الغسل ,بخلف ما لو كانت كراهته لشدّة حرارته فإنّها شرعيّة ,والفرق بين الكراهتين :أنّ الشّرعيّة يثاب تاركها بخلف الطّبّيّة . س ,وبه ن منها :أن ل يكون بماء مشمّ ٍ ويقول ابن عابدين :قدّمنا في مندوبات الوضوء أ ّ ح عن عمر من النّهي عنه ,ولذا صرّح في الفتح بكراهته , صرّح في الحلية مستدلً بما ص ّ ومثله في البحر . وقال في معراج الدّراية وفي القنية :وتكره الطّهارة بالمشمّس ,لقوله صلى ال عليه وسلم لعائشة رضي ال عنها حين سخّنت الماء بالشّمس « :ل تفعلي يا حميراء فإنّه يورث البرص » ,وفي الغاية :يكره بالمشمّس في قطر حار في أوان منطبعة .
ب -الماء المسخّن بغير الشّمس :
14
ن الماء المسخّن بالنّار ل يكره استعماله لعدم ثبوت -ذهب المالكيّة و الشّافعيّة إلى أ ّ
نهي عنه ولذهاب الزهومة لقوّة تأثيرها ,وأضاف الشّافعيّة :ولو كان التّسخين بنجاسة مغلّظة وإن قال بعضهم فيه وقفة . وأمّا شديد السخونة أو البرودة فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه يكره في الطّهارة لمنعه السباغ . ن الماء المسخّن بالنّجاسة على ثلثة أقسام : وذهب الحنابلة إلى أ ّ
أحدهما :أن يتحقّق وصول شيء من أجزاء النّجاسة إلى الماء فينجّسه إذا كان يسيرا . والثّاني :ألّا يتحقّق وصول شيء من أجزاء النّجاسة إلى الماء ,والحائل غير حصين فالماء على أصل الطّهارة ويكره استعماله . الثّالث :إذا كان الحائل حصينا فقال القاضي يكره ,واختار الشّريف أبو جعفر وابن عقيل أنّه ل يكره ,لنّه غير متردّد في نجاسته ,بخلف الّتي قبلها . وذكر أبو الخطّاب في كراهة المسخّن بالنّجاسة روايتين على الطلق .
الماء المختلط :
وهو إمّا أن يكون مختلطا بطاهر ,أو يكون مختلطا بنجس .
أ ّولً -حكم الماء المختلط بطاهر :
15
-اتّفق الفقهاء على أنّ الماء إذا اختلط به شيء طاهر -ولم يتغيّر به لقلّته -لم يمنع
الطّهارة به ,لنّ الماء باق على إطلقه . كما اتّفقوا على أنّ الماء إذا خالطه طاهر ل يمكن الحتراز منه -كالطحلب والخ ّز وسائر ما ينبت في الماء ,وكذا أوراق الشّجر الّذي يسقط في الماء أو تحمله الرّيح فتلقيه فيه ,وما تجذبه السيول من العيدان والتّبن ونحوه كالكبريت وغيره -فتغيّر به يجوز التّطهير به , لنّه يشق التّحرز منه . أمّا الماء الّذي خالطه طاهر يمكن الحتراز عنه -كزعفران وصابون ونحوهما -فتغيّر به أحد أوصافه فقد اختلفوا في حكمه إلى فريقين : الفريق الوّل :وهم الحنفيّة وأحمد في رواية :يرون أنّه طاهر مطهّر ,إلّا أنّ الحنفيّة يشترطون أن ل يكون التّغيير عن طبخ ,أو عن غلبة أجزاء المخالط حتّى يصير ثخينا . قال صاحب الهداية :وتجوز الطّهارة بماء خالطه شيء طاهر فغيّر أحد أوصافه ,كماء المدّ ,والماء الّذي اختلط به اللّبن أو الزّعفران أو الصّابون أو الشنان . . .إلى أن يقول :ول يجوز -أي التّطهر -بماء غلب عليه غيره ,فأخرجه عن طبع الماء ,كالشربة والخلّ وماء الباقلّا ,لنّه ل يسمّى ما ًء مطلقا ,والمراد بماء الباقلّا وغيره :ما تغيّر بالطّبخ ,فإن تغيّر بدون الطّبخ يجوز التّوضّؤ به . وقال ابن قدامة :ونقل عن أحمد جماعة من أصحابه ,منهم أبو الحارث والميموني وإسحاق بن منصور جواز الوضوء به . واستدلوا بقوله تعالى { :فَ َلمْ َتجِدُواْ مَاء فَتَ َي ّممُواْ } .فقد أمر اللّه ع ّز وجلّ باستعمال الماء -منكّرا -عند إرادة الصّلة ,ولم يبح التّيمم إلّا عند عدم وجوده والقدرة على استعماله ,
فدلّ هذا على طهوريّته وعدم جواز التّيمم مع وجوده ,سواء أكان الواقع فيه مسكا أم ل أم نحو ذلك . عس ً ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم اغتسل وبما ورد عن أمّ هانئٍ رضي ال عنها قالت « :إ ّ هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين » . فهذا الحديث واضح الدّللة في جواز التّطهر بالماء إذا خالطه شيء طاهر يمكن الحتراز عنه ,لنّه لو كان اختلطٌ يمنع التّطهر لما اغتسل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بماء فيه أثر العجين فدلّ هذا على طهوريّته ,ولنّ الماء طهور بأصل خلقته ,وقد خالطه طاهر لم يسلبه اسم الماء ول رقّته ول جريانه ,فأشبه المتغيّر بالدهن ,أو المختلط بالطحلب وشبهه. والفريق الثّاني :وهم المالكيّة والشّافعيّة وأحمد في رواية أخرى أنّه طاهر غير مطهّر . قال صاحب أسهل المدارك :والمتغيّر بالطّاهر كاللّبن طاهر في نفسه غير طهور ,يستعمل في العادات كالطّبخ والشّرب ,ول يستعمل في العبادات كالوضوء والغسل . وقال النّووي :منع الطّهارة بالمتغيّر بمخالطة ما ليس بمطهّر والماء يستغنى عنه هو مذهبنا . وقال ابن قدامة :ما خالطه طاهر يمكن التّحرز منه فغيّر إحدى صفاته -طعمه أو لونه أو ريحه -كماء الباقلّا وماء الحمّص وماء الزّعفران ,اختلف أهل العلم في الوضوء به , واختلفت الرّواية عن إمامنا -رحمه اللّه -في ذلك .فروي عنه :ل تحصل الطّهارة به .. قال القاضي أبو يعلى :وهي الصح وهي المنصورة عند أصحابنا في الخلف ,وقال المرداوي وهي المذهب . واستدلوا بأنّه ماء تغيّر بمخالطة ما ليس بطهور ,ويمكن الحتراز منه ,فلم يجز الوضوء ن اختلط الماء بطاهر يمكن الحتراز عنه كالزّعفران ونحوه به كماء الباقلّا المغلي ,وبأ ّ يمنعه الطلق ,ولهذا ل يحنث بشربه الحالف على ألّا يشرب ماءً ,ولقياسه على ماء الورد .
ثانيا -حكم الماء إذا تغيّر بمجاورة طاهر :
16
-إذا تغيّر الماء بمجاورة طاهر كالدهن والطّاهرات الصلبة كالعود والكافور ,إذا لم
يهلك في الماء ولم يمع فيه فهو طاهر مطهّر عند الحنفيّة والحنابلة وبعض المالكيّة ,لنّ هذا التّغيير إنّما هو من جهة المجاورة فل يضر ,لنّه ل يمنع إطلق السم عليه ,فهو يشبه تروح الماء بريح شيء على جانبه .
والظهر عند الشّافعيّة أنّه ل يضر متغيّر بمجاور طاهر كعود ودهن ,مطيّبين أو ل ,أو ن تغيره بذلك لكونه في الوّل تروحا ,وفي الثّاني كدورةً ل يمنع إطلق بتراب طرح فيه ,ل ّ اسم الماء عليه . ويرى المالكيّة في المعتمد لديهم ,والشّافعيّة في مقابل الظهر :أنّه طاهر غير مطهّر , قياسا على المتغيّر المختلط . أمّا إذا هلك المجاور الطّاهر وماع في الماء فحكمه حكم الطّاهر .
ثالثا -حكم الماء المختلط بنجس :
17
-اتّفق الفقهاء على أنّ الماء إذا خالطته نجاسة ,وغيّرت أحد أوصافه ,كان نجسا ,
سواء أكان الماء قليلً أم كثيرا . قال ابن المنذر :أجمع أهل العلم على أنّ الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة ,فغيّرت س ما دام كذلك . للماء طعما أو لونا أو رائحةً أنّه نج ٌ واختلفوا في الماء إذا خالطته نجاسة ولم تغيّر أحد أوصافه على قولين : القول الوّل :أنّ الماء إذا خالطته نجاسة ولم تغيّر أحد أوصافه ,فهو طاهر سواء أكان كثيرا أم قليلً ,وهذه رواية عن مالك ,وإحدى الرّوايتين عن أحمد ,وبه قال بعض الشّافعيّة ,وإليه ذهب جماعة من الصّحابة والتّابعين . يقول ابن رشد :اختلفوا في الماء الّذي خالطته نجاسة ولم تغيّر أحد أوصافه ,فقال قوم : هو طاهر سواء أكان كثيرا أم قليلً ,وهي إحدى الرّوايات عن مالك . ويقول ابن قدامة :وأمّا ما دون القلّتين إذا لقته النّجاسة فلم يتغيّر بها فالمشهور في المذهب أنّه ينجس ,وروي عن أحمد رواية أخرى :أنّ الماء ل ينجس إلّا بالتّغير قليله وكثيره . ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إنّ الماء ل واستدلّ أصحاب هذا القول بما روي أ ّ ينجّسه شيء ,إلّا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه » . ل ينجس ,وإن ل وبين كونه كثيرا ,فإن كان الماء قلي ً القول الثّاني :يفرّق بين كونه قلي ً كان كثيرا ل ينجس . وإلى هذا ذهب الحنفيّة ,وهو رواية عن مالك ,والمذهب عند الشّافعيّة ,والمشهور عند الحنابلة ,وهو رأي جماعة من الصّحابة والتّابعين . 18
ن أصحاب هذا القول اختلفوا في الحدّ الفاصل بين القليل والكثير على ثلثة مذاهب: -لك ّ
المذهب الوّل :وهو مذهب الحنفيّة يرى :أنّ الماء إن كان بحال يخلص بعضه إلى بعض فهو قليل ,وإن كان ل يخلص فهو كثير .
والمعتبر في الخلوص التّحريك ,فإن كان بحال لو حرّك طرف منه يتحرّك الطّرف الخر فهو ممّا يخلص ,وإن كان ل يتحرّك فهو ممّا ل يخلص . واختلفوا في جهة التّحريك :فروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنّه يعتبر التّحريك بالغتسال من غير عنف ,وروى محمّد عنه أنّه يعتبر التّحريك بالوضوء ,وفي رواية باليد من غير اغتسال ول وضوء . ي صلى ال عليه وسلم قال « :إذا واستدلوا بما ورد عن أبي هريرة رضي ال عنه أنّ النّب ّ استيقظ أحدكم من نومه فل يغمس يده في الناء حتّى يغسلها ثلثا ,فإنّه ل يدري أين باتت يده » . فلو كان ماء الناء ل ينجس بالغمس لم يكن للنّهي لوهم النّجاسة معنىً ,ومعلوم أنّ ماء ي من أحد طرفيه سرت الحركة فيه إلى الطّرف الخر . الناء إذا حرّكه آدم ّ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :طهور إناء وبما رواه أبو هريرة رضي ال عنه أ ّ ت أوّلهنّ بالتراب » . أحدكم إذا ولغ فيه الكلب :أن يغسله سبع مرّا ٍ ت أوّلهنّ بالتراب إذا ولغ فيه فقد أوجب النّبي صلى ال عليه وسلم غسل الناء سبع مرّا ٍ الكلب ,وولوغ الكلب ل يغيّر لون الماء ول طعمه ول ريحه ,وإنّما يحرّكه . المذهب الثّاني :وهو مذهب مالك ,ويرى أنّه إن تغيّر لونه أو طعمه أو ريحه فهو قليل , وإن لم يتغيّر فهو كثير . واستدلوا بما روي عن أبي أمامة رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :إنّ الماء ل ينجّسه شيء إلّا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه » . وفي رواية « :إنّ الماء طاهر ,إلّا إن تغيّر ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه » . فهاتان الرّوايتان تفيدان أنّ التّغيير وعدمه معتبر في معرفة الطّاهر من النّجس ,وإذا كان كذلك كان حدا فاصلً بين القليل والكثير ,بالقياس على ما إذا ورد الماء على النّجاسة , فإنّه يبقى على طهارته ما لم يتغيّر . المذهب الثّالث :وهو مذهب الشّافعيّة والحنابلة ,ويرون أنّ الماء إذا بلغ قلّتين فهو كثير , وإلّا فهو قليل . ي صلى ال عليه وسلم سئل عن الماء واستدلوا بما رواه ابن عمر رضي ال عنهما أنّ النّب ّ يكون في الفلة وما ينوبه من الدّوابّ والسّباع ,فقال « :إذا كان الماء قلّتين لم يحمل الخبث » ,وفي رواية « :إذا كان الماء قلّتين لم ينجّسه شيء » . ن ما دونهما ينجس ,إذ لو استوى فتحديد الماء بالقلّتين ونفي النّجاسة عنه يدل على أ ّ حكم القلّتين وما دونهما لم يكن للتّحديد معنىً .
ن النّجاسة إذا صعبت إزالتها وشقّ الحتراز منها عفي عنها , ولنّ الصول مبنيّة على أ ّ كدم البراغيث وسلس البول والستحاضة ،وإذا لم يشقّ الحتراز لم يعف عنها كغير الدّم ق دون من النّجاسات ,ومعلوم أنّ قليل الماء ل يشق حفظه ,وكثيره يشق ,فعفي عمّا ش ّ غيره ,وضبط الشّرع حدّ القلّة بقلّتين فتعيّن اعتماده ,ول يجوز لمن بلغه الحديث العدول عنه . واختلف الفقهاء في حكم الماء المختلط بنجس في حالتي الجريان والركود . وفيما يلي أقوال الفقهاء في ذلك :
أ ّولً -مذهب الحنفيّة :
19
-فرّق فقهاء الحنفيّة بين كون الماء جاريا أو راكدا :
فإن وقع في الماء نجاسة وكان جاريا والنّجاسة غير مرئيّة ,ولم تغيّر أحد أوصاف الماء : فهو طاهر عندهم . يقول الكاساني :فإن وقع -أي النّجس -في الماء :فإن كان جاريا : أ -فإن كان النّجس غير مرئي كالبول والخمر ونحوهما :ل ينجس ما لم يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه ,ويتوضّأ منه من أيّ موضع كان من الجانب الّذي وقع فيه النّجس أو من جانب آخر .كذا ذكره محمّد . ثمّ قال :وعن أبي حنيفة في الجاهل بال في الماء الجاري ورجل أسفل منه يتوضّأ به ؟ قال :ل بأس به ,وهذا لنّ الماء الجاري ممّا ل يخلص بعضه إلى بعض ,فالماء الّذي يتوضّأ به يحتمل أنّه نجسٌ ,ويحتمل أنّه طاهر ,والماء طاهر في الصل فل نحكم بنجاسته ك .ب -وإن كانت النّجاسة مرئ ّي ًة كالجيفة ونحوها ,فإن كان جميع الماء يجري على بالشّ ّ الجيفة ل يجوز التّوضّؤ من أسفل الجيفة لنّه نجسٌ بيقين ,والنّجس ل يطهر بالجريان . وإن كان أكثره يجري على الجيفة فكذلك ,لنّ العبرة للغالب . وإن كان أقله يجري على الجيفة ,والكثر يجري على الطّاهر يجوز التّوضّؤ به من أسفل ن المغلوب ملحق بالعدم في أحكام الشّرع . الجيفة ,ل ّ وإن كان يجري عليها النّصف ,أو دون النّصف فالقياس أنّه يجوز التّوضّؤ به ,لنّ الماء كان طاهرا بيقين ,فل يحكم بكونه نجسا بالشّكّ . وفي الستحسان :ل يجوز احتياطا . وقد اختلف فقهاء الحنفيّة في حدّ الجريان :فقال بعضهم :هو أن يجري بالتّبن والورق . وقال بعضهم :إن كان بحيث لو وضع رجل يده في الماء عرضا لم ينقطع جريانه فهو جار, وإلّا فل .
وروي عن أبي يوسف :إن كان بحال لو اغترف إنسان الماء بكفّيه لم ينحسر وجه الرض بالغتراف فهو جار ,وإلّا فل . وقيل :ما يعده النّاس جاريا فهو جار ,وما ل فل .قال الكاساني :وهو أصح القاويل . وإن كان الماء راكدا وكان قليلً ينجس وإن كان كثيرا ل ينجس .
ثانيا -مذهب المالكيّة :
20
ي :إنّ الماء اليسير -وهو ما كان قدر آنية الوضوء أو الغسل فما -قال الدسوق ّ
دونهما -إذا حلّت فيه نجاسة قليلة كالقطرة ولم تغيّره ,فإنّه يكره استعماله في رفع حدث أو في حكم خبث ومتوقّف على طهور كالطّهارة المسنونة والمستحبّة . وأمّا استعماله في العادات فل كراهة فيه ,فالكراهة خاصّة بما يتوقّف على طهور . ثمّ قال :الكراهة مقيّدة بقيود سبعة :أن يكون الماء الّذي حلّت فيه النّجاسة يسيرا ,وأن تكون النّجاسة الّتي حلّت فيه قطرة فما فوقها ,وأن ل تغيّره ,وأن يوجد غيره ,وأن ل يكون له مادّة كبئر ,وأن ل يكون جاريا ,وأن يراد استعماله فيما يتوقّف على طهور كرفع حدث وحكم خبث وأوضية واغتسالت مندوبة .فإن انتفى قيد منها فل كراهة .
ثالثا -مذهب الشّافعيّة :
21
-يقول الشّيرازي :إذا وقعت في الماء نجاسة ل يخلو :إمّا أن يكون راكدا أو جاريا ,
أو بعضه راكدا وبعضه جاريا . أ -فإن كان راكدا :نظرت في النّجاسة :فإن كانت نجاسةً يدركها الطّرف من خمر أو بول أو ميتة لها نفسٌ سائلة نظرت : فإن تغيّر أحد أوصافه من طعم أو لون أو رائحة فهو نجسٌ ,لقوله صلى ال عليه وسلم : « الماء ل ينجس إلّا ما غيّر ريحه أو طعمه » .فنصّ على الطّعم والرّيح ,وقيس اللّون عليهما لنّه في معناهما . وإن تغيّر بعضه دون البعض :نجس الجميع ,لنّه ماء واحد ,فل يجوز أن ينجس بعضه دون بعض . وإن لم يتغيّر :نظرت :فإن كان الماء دون القلّتين فهو نجسٌ ,وإن كان قلّتين فصاعدا فهو طاهر لقوله صلى ال عليه وسلم « :إذا كان الماء قلّتين لم يحمل الخبث » .ولنّ القليل يمكن حفظه من النّجاسة في الظروف ,والكثير ل يمكن حفظه من النّجاسة ,فجعل القلّتين حدا فاصلً بينهما . ثمّ قال :فإن كانت النّجاسة ممّا ل يدركها الطّرف ففيه ثلث طرق :
من أصحابنا من قال :ل حكم لها ,لنّها ل يمكن الحتراز منها فهي كغبار السّرجين . ومنهم من قال :حكمها حكم سائر النّجاسات لنّها نجاسة متيقّنة فهي كالنّجاسة الّتي يدركها الطّرف . ومنهم من قال :فيه قولن . كما بيّن حكمه إن كان جاريا ,فقال : ب -وإن كان الماء جاريا وفيه نجاسة جارية كالميتة ,والجرية المتغيّرة ,فالماء الّذي قبلها طاهر لنّه لم يصل إلى النّجاسة ,فهو كالماء الّذي يصب على النّجاسة من إبريق , والّذي بعدها طاهر أيضا لنّه لم تصل إليه النّجاسة ,وأمّا ما يحيط بالنّجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها فإن كان قلّتين ولم يتغيّر فهو طاهر ,وإن كان دونهما فهو نجسٌ كالرّاكد . وقال أبو العبّاس ابن القاصّ :فيه قول آخر قاله في القديم :أنّه ل ينجس الماء الجاري إلّا لتغير ,لنّه ماء ورد على النّجاسة فلم ينجس من غير تغير ,كالماء المزال به النّجاسة . ن ما قبلها وما بعدها طاهر ,وما يجري وإن كانت النّجاسة واقفةً والماء يجري عليها ,فإ ّ عليها إن كان قلّتين فهو طاهر ,وإن كان دونهما فهو نجسٌ ,وكذلك كل ما يجري عليها بعدها فهو نجسٌ ,ول يطهر شيء من ذلك حتّى يركد في موضع ويبلغ قلّتين . وأضاف الشّيرازي :وإن كان بعضه جاريا وبعضه راكدا :بأن يكون في النّهر موضع ض يركد فيه الماء ,والماء يجري بجنبه والرّاكد زائل عن سمت الجري ,فوقع في منخف ٌ الرّاكد نجاسة وهو دون القلّتين ,فإن كان مع الجرية الّتي يحاذيها يبلغ قلّتين فهو طاهر . س ,وتتنجّس كل جرية بجنبها إلى أن يجتمع في موضع قلّتان وإن لم يبلغ قلّتين فهو نج ٌ فيطهر .
رابعا -مذهب الحنابلة :
22
-قال الحنابلة :إذا تغيّر الماء بمخالطة النّجاسة فهو نجسٌ .
وإن لم يتغيّر وهو يسير ففيه روايتان ,إحداهما :ينجس ,وهو المذهب وعليه الصحاب , وعموم هذه الرّواية يقتضي النّجاسة سواء أدركها الطّرف أو ل ,وهو الصّحيح وهو المذهب . والرّواية الثّانية ل ينجس ,وهذا الخلف في الماء الرّاكد . وأمّا الجاري ,فعن أحمد أنّه كالرّاكد إن بلغ جميعه قلّتين دفع النّجاسة إن لم تغيّره ,وإلّا فل وهي المذهب .
قال في الحاوي الصّغير :ول ينجس قليل جار قبل تغيره في أصحّ الرّوايتين ,وعن أحمد تعتبر كل جرية بنفسها ,اختارها القاضي وأصحابه ,وقال :هي المذهب .
تطهير المياه النّجسة :
23
-اختلف الفقهاء في كيفيّة تطهير الماء النّجس على الوجه التي :
قال الكاساني :اختلف المشايخ في كيفيّة تطهير المياه النّجسة في الواني ونحوها ,فقال أبو جعفر الهنداوني وأبو اللّيث :إذا دخل الماء الطّاهر في الناء وخرج بعضه يحكم بطهارته بعد أن ل تستبين فيه النّجاسة ,لنّه صار ماءً جاريا ,ولم يستيقن ببقاء النّجاسة فيه . وقال أبو بكر العمش :ل يطهر حتّى يدخل الماء فيه ,ويخرج منه مثل ما كان فيه ثلث مرّاتٍ ,فيصير ذلك بمنزلة غسله ثلثا . وقيل :إذا خرج منه مقدار الماء النّجس يطهر ,كالبئر إذا تنجّست أنّه يحكم بطهارتها بنزح ما فيها من الماء . وقال المالكيّة :إنّ الماء النّجس يطهر بصبّ الماء عليه ومكاثرته حتّى يزول التّغير . ولو زال التّغير بنفسه أو بنزح بعضه ففيه قولن . والتّفصيل في مصطلح ( طهارة ف /
16
).
وأمّا الشّافعيّة والحنابلة :فقد فرّقوا بين ما إذا كان الماء المراد تطهيره دون القلّتين وبين ما إذا كان وفق القلّتين أو يزيد . أ -فإن كان الماء دون القلّتين :فتطهيره يكون بالمكاثرة . وليس المراد بالمكاثرة صب الماء دفعةً واحدةً ,بل المراد إيصال الماء على ما يمكنه من المتابعة ,إمّا من ساقية ,وإمّا دلوا فدلوا ,أو يسيل إليه ماء المطر . غير أنّ الشّافعيّة قالوا :يكون التّكثير حتّى يبلغ قلّتين ,سواء أكان الماء الّذي كاثره به ل أم كثيرا ,لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم « :إذا كان الماء طاهرا أم نجسا ,قلي ً قلّتين لم يحمل الخبث » . أمّا الحنابلة فقالوا :يكون التّكثير بقلّتين طاهرتين ,لنّ القلّتين لو ورد عليهما ماء نجسٌ لم ينجّسهما ما لم تتغيّر به ,فكذلك إذا كانت وارد ًة ,ومن ضرورة الحكم بطهارتهما طهارةً ما اختلطتا به . ب -وإن كان الماء وفق القلّتين :فإمّا أن يكون غير متغيّر بالنّجاسة ,وحينئذٍ يطهر بالمكاثرة ل غير .
وإمّا أن يكون متغيّرا بها فيطهر بأحد أمرين :بالمكاثرة إذا زال التّغير ,أو بتركه حتّى يزول تغيره بطول مكثه . ول يطهر بأخذ بعضه حينئ ٍذ ولو زال به التّغير ,لنّه ينقص عن قلّتين وفيه نجاسة . ج -وإن كان الماء يزيد عن قلّتين فله حالن : إحداهما :أن يكون نجسا بغير التّغير ,فل سبيل إلى تطهيره بغير المكاثرة . والثّاني :أن يكون متغيّرا بالنّجاسة فتطهيره بأحد أمور ثلثة :بالمكاثرة ,أو بزوال تغيره بمكثه ,أو بالخذ منه ما يزول به التّغير ويبقى بعد ذلك قلّتان فصاعدا .فإن بقي ما دون القلّتين قبل زوال تغيره لم يبق التّغير علّة تنجيسه ,لنّه تنجّس بدونه فل يزول التّنجيس بزواله ,ولذلك طهر الكثير بالنّزح وطول المكث ولم يطهر القليل ,فإنّ الكثير لمّا كانت علّة تنجيسه التّغير زال تنجيسه بزوال علّته كالخمرة إذا انقلبت خلً ,والقليل علّة تنجيسه الملقاة ل التّغير فلم يؤثّر زواله في زوال التّنجيس . واختلفوا في تطهيره بالتراب أو الجصّ إن زال به التّغير على قولين : الوّل :ل يطهر ,كما ل يطهر إذا طرح فيه كافور أو مسك فزالت رائحة النّجاسة ,ولنّ ص ل يدفع النّجاسة عن نفسه فعن غيره أولى ,وهو الصح عند الشّافعيّة . التراب أو الج ّ والثّاني :يطهر ,لنّ علّة نجاسته التّغير وقد زال ,فيزول التّنجيس كما لو زال بمكثه أو بإضافة ماء آخر ,ويفارق الكافور والمسك لنّه يجوز أن تكون الرّائحة باقي ًة ,وإنّما لم تظهر لغلبة رائحة الكافور والمسك .
تطهير مياه البار :
24
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا تنجّس ماء البئر فإنّ تطهيره يكون بالتّكثير إلى أن
ب ماء طاهر يزول التّغير ويكون التّكثير بالتّرك حتّى يزيد الماء ويصل إلى ح ّد الكثرة أو بص ّ فيه حتّى يصل هذا الحدّ . كما ذهب المالكيّة والحنابلة إلى اعتبار النّزح طريقا للتّطهير أيضا . وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا تنجّس ماء البئر فإنّ تطهيره يكون بالنّزح فقط . وتفصيل ذلك في مصطلح ( آبار ف /
21
-
32
).
اختلط الواني واشتباه ما فيها من الماء الطّهور بالماء المتنجّس :
25
-إذا اختلطت الواني اختلط مجاورة ,وكان في بعضها ماء طهور ,وفي البعض
س واشتبه المر على الشّخص ,ول قدرة له على إيجاد ماء آخر طهور غير الخر ماء نج ٌ الّذي في بعضها ,فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على خمسة أقوال :
القول الوّل :يجب عليه الجتهاد والتّحرّي لمعرفة الطّهور منها ,فإذا اجتهد وغلب على ظنّه طهوريّة أحدها بعلمة تظهر جاز له التّطهر به ,وإلّا فل . وبهذا قال جمهور الشّافعيّة ,وبعض المالكيّة . واستدلوا بقوله تعالى { :فَ َلمْ َتجِدُواْ مَاء فَتَ َي ّممُواْ } .وهذا واجد للماء فلم يجز التّيمم , ووجب الجتهاد ,وبأنّ التّطهر شرطٌ من شروط صحّة الصّلة يمكن التّوصل إليه بالجتهاد ,فوجب قياسا على القبلة ,وعلى الجتهاد في الحكام وفي تقويم المتلفات وإن كان قد يقع في الخطأ . القول الثّاني :يجب عليه الجتهاد والتّحرّي إذا كان عدد أواني الماء الطّهور أكثر من عدد أواني النّجس ,فإن كان عدد أواني الماء الطّهور مساويا لعدد أواني النّجس أو أقلّ ل يجوز له التّحرّي ,بل يتيمّم . وبهذا قال الحنفيّة ,وبعض الحنابلة . ي صلى ال عليه وسلم « :دع ما واستدلوا بحديث الحسن بن علي رضي ال عنهما أنّ النّب ّ يريبك إلى ما ل يريبك » .وكثرة النّجس تريب ,فوجب تركه والعدول إلى ما ل ريب فيه ن الصول مقرّرة على أنّ كثرة الحرام واستواء الحلل والحرام يوجب وهو التّيمم ,وبأ ّ تغليب حكمه في المنع كأخت أو زوجة اختلطت بأجنبيّة . وبالقياس على ما لو اشتبه ماء وبول ,فإنّه ل يجتهد فيه بل يتيمّم . القول الثّالث :ل يجوز التّحرّي في المياه المختلطة عند الشتباه مطلقا ,بل يترك الجميع ويتيمّم . وهو أحد قولي سحنون من المالكيّة ,وبه قال أبو ثور والمزني من الشّافعيّة ,وأحمد وأكثر أصحابه . واستدلوا بأنّه إذا اجتهد قد يقع في النّجس ,وأنّه اشتبه طاهر بنجس فلم يجز الجتهاد فيه كما لو اشتبه ماء وبول . ثمّ اختلف هؤلء فيما بينهم :فقال أحمد في إحدى الرّوايتين :ل يتيمّم حتّى يريق الماء لتحقق عدم الماء . وقال سحنون وأبو ثور والمزني :يتيمّم وإن لم يرقه لنّه كالمعدوم . القول الرّابع :يتوضّأ ويصلّي بعدد النّجس وزيادة إناء . وبهذا قال ابن الماجشون ,وهو القول الثّاني لسحنون . واستدلوا بأنّ الشّخص في هذه الحالة معه ماء محقّق الطّهارة ول سبيل إلى تيقن استعماله إلّا بالتّوضّؤ والصّلة بعدد النّجس وزيادة إناء ,فلزمه ذلك .
القول الخامس :يجوز التّطهر بأيّها شاء بل اجتهاد ول ظن . وهو وجه للشّافعيّة . واستدلوا بأنّ الصل طهارة الماء في كلّ الواني .
سقي أرض الفلحة بماء نجسٍ :
26
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وابن عقيل من الحنابلة إلى أنّ الزّرع الّذي يسقى
بماء نجسٍ طاهر ,فإن أصاب الماء النّجس ظاهر الزّرع تنجّس ووجب تطهيره بالغسل . ن الزروع والثّمار الّتي سقيت بالنّجاسات أو سمّدت بها تحرم , والمذهب عند الحنابلة :أ ّ س رضي ال عنهما قال « :كنّا نكري أرض رسول اللّه صلى ال لما روي عن ابن عبّا ٍ عليه وسلم ونشترط عليهم أن ل يدملوها بعذرة النّاس » ,ولنّها تتغذّى بالنّجاسات وتترقّى فيها أجزاؤها ,والستحالة ل تطهر ,فعلى هذا تطهر إذا سقيت الطّاهرات ,كالجلّالة إذا حبست وأطعمت الطّاهرات .
التّعريف : 1
مُياوَمة *
-المياومة لغ ًة :من يا َومَه مياومةً ويواما :عامله باليّام ,ويَاومت الرّجل مُياومةً
ويواما :أي عاملته أو استأجرته اليوم . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . أ -الجل : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-أجل الشّيء لغةً :مدّته والوقت الّذي يحل فيه .
واصطلحا :المدّة المستقبلة الّتي يضاف إليها أمر من المور . والعلقة بين الجل والمياومة أنّ كليهما وقت محدّد ,غير أنّهما يختلفان في أمور : أ -أنّ الوقت في المياومة محدّد باليوم أو اليّام ,أمّا الجل فإنّه قد يحدّد باليّام أو الشّهور أو أكثر من ذلك . ن محلّ المياومة هو المنفعة ,أمّا الجل فقد يكون للمنفعة أو غيرها كضرب أجل ب-أّ ل. للمدين المعسر بسنة مث ً ب -التّأقيت : 3
-التّأقيت لغةً :مصدر أقّت أو وقّت ,ومعناه :تحديد الوقات ,وهو يتناول الشّيء الّذي
قدّرت له حينا أو غايةً .تقول :وقّته ليوم كذا مثل أجّلته .
واصطلحا :أن يكون الشّيء ثابتا في الحال ,وينتهي في الوقت المحدّد . ل منهما فيه تحديد للوقت ,غير أنّه قد يكون في التّأقيت والمياومة والتّأقيت يتّفقان في أنّ ك ً بمدّة أكثر من مدّته في المياومة أو أقلّ . وانظر مصطلح ( تأقيت ف . ) 1 / ج -المشاهَرة : 4
-المشاهرة لغ ًة :المعاملة شهرا بشهر ,وشاهر الجير مشاهرةً وشِهارا :استأجره
للشّهر . والمشاهرة من الشّهر كالمعاومة من العام . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . ن كلً منهما وقت محدّد للمنفعة ,غير أنّها في المشاهرة وتتّفق المياومة مع المشاهرة في أ ّ محدّدة بشهر ,وفي المياومة محدّدة بيوم أو أضعافه .
الحكام المتعلّقة بالمياومة : أ -حكم المياومة :
5
ن المياومة -بمعنى تحديد مدّة المنفعة بيوم أو أيّام -جائزة إذا -اتّفق الفقهاء على أ ّ
اتّفق الطّرفان عليها . وللتّفصيل انظر مصطلح ( إجارة ف /
35
-
37
,
47
,إعارة ف , 9 /
12
).
ب -مدّة المياومة وتحديد اليوم :
6
-المياومة مأخوذة من أصلها وهو ( يوم ) .
واليوم محدّد شرعا بالزّمان الممتدّ من طلوع الفجر الثّاني إلى غروب الشّمس ,بخلف النّهار فإنّه زمان ممتد من طلوع الشّمس إلى غروبها ,ولذلك يقال :صمت اليوم ,ول يقال :صمت النّهار . وقد يكون تحديد اليوم بالعرف ,جاء في مجلّة الحكام العدليّة :لو استأجر أحد أجيرا على أن يعمل يوما ,يعمل من طلوع الشّمس إلى العصر أو الغروب ,على وفق عرف البلدة في خصوص العمل .
التّعريف :
مَ ْيتَة *
1
-تطلق الميتة في اللغة على ما مات حتف أنفه من الحيوان من الموت الّذي هو مفارقة
الروح الجسد .أمّا المِيتَة -بكسر الميم -فهي للحال والهيئة .يقال :مات مِيتةً حسنةً , ومات مِيتةً جاهل ّي ًة ,ونحو ذلك . وفي الصطلح قال الجصّاص :الميتة في الشّرع اسمُ الحيوان الميّت غير المذكّى ,وقد يكون ميتةً بأن يموت حتف أنفه من غير سبب لدميّ فيه ,وقد يكون ميتةً بسبب فعل الدميّ إذا لم يكن فعله فيه على وجه الذّكاة المبيحة له . ي ,كاليد والرّجل واللية كما تطلق الميتة شرعا على العضو المبان من الحيوان الح ّ وغيرها ,سواء كان أصله مأكولً أم غير مأكول وذلك لقوله صلى ال عليه وسلم « :ما قطع من البهيمة وهي حيّة ,فهي ميتة » . أ -التّذكية : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-التّذكية في اللغة مصدر ذكّى ,والسم الذّكاة ,ومعناها تمام الشّيء والذّبح ,يقال :
ذكّيت الذّبيحة إذا أتممت ذبحها ,والمذكّاة اسم مفعول من ذكّى . حلّ أكل الحيوان الب ّريّ اختيارا , ي هي السّبب الموصل إلى ِ والتّذكية في الصطلح الشّرع ّ وقد عَرّفها القاضي ابن العربيّ بقوله :هي في الشّرع عبارة عن إنهار الدّم وفري الوداج في المذبوح ,والنّحر في المنحور ,والعقر في غير المقدور عليه ,مقرونا ذلك بنيّة القصد إليه ,وذكر اللّه تعالى عليه . ن المذكّاة يحل أكلها ,أمّا الميتة والصّلة بين الميتة وبين الحيوان المذكّى التّضاد من حيث أ ّ فل يحل أكلها . ب -المنخنقة : 3
-المنخنقة هي الّتي تموت خنقا -بحبل أو بغير حبل -إمّا قصدا ,وإمّا اتّفاقا بأن
تتخبّط الدّابّة في وثاقها ,فتموت به . ن المنخنقة على وجوهٍ :منها :أنّ أهل الجاهليّة كانوا يخنقون الشّاة قال الرّازيّ :واعلم أ ّ ,فإذا ماتت أكلوها ,ومنها :ما يُخنق بحبل الصّائد .ومنها :ما يدخل رأسها بين عودين في شجرة ,فتختنق ,فتموت . والمنخنقة من جنس الميتة ,لنّها لمّا ماتت وما سال دمها ,كانت كالميّت حتف أنفه ,إلّا أنّها فارقت الميتة بكونها تموت بسبب انعصار الحلق بالخنق . فالميتة أعم من المنخنقة . ج -الموقوذة :
4
-الموقوذة هي الّتي ضُربت إلى أن ماتت ,يقال :وقذها وأوقذها ,إذا ضربها إلى أن
ضحّاك :كان أهل الجاهليّة ماتت ,ويدخل في الموقوذة ما رُمي بالبندق فمات .قال ال ّ يضربون النعام بالخشب للهتهم حتّى يقتلوها ,فيأكلوها . والموقوذة من جنس الميتة ,من حيث إنّها ماتت دون تذكية . والميتة أعم من الموقوذة . د -المتردّية : 5
-المتردّي :هو الواقع في الرّدى ,وهو الهلك .والمتردّية :هي الّتي تقع من جبل ,
أو تطيح في بئر ,أو تسقط من شاهق ,فتموت . والمتردّية من جنس الميتة ,لنّها ماتت دون تذكية . والميتة أعم من المتردّية . هـ -النّطيحة : 6
-النّطيحة هي المنطوحة إلى أن ماتت ,وذلك مثل كبشين تناطحا إلى أن ماتا أو مات
أحدهما . والنّطيحة من الميتة ,لنّها ماتت من غير تذكية . والميتة أعم من النّطيحة . و -الميّت : 7
-الميّت في اللغة -بالتّشديد ويخفّف -يقال :ميْت وميّت بمعنى واحد ويستوي فيه
الم ّذكّر والمؤنّث ,قال تعالى { :لِ ُنحْيِيَ ِب ِه بَلْدَ ًة مّيْتًا } ,وقال { :وَيَأْتِيهِ ا ْل َموْتُ مِن ُكلّ َمكَانٍ َومَا ُهوَ ِبمَيّتٍ } ,والميّت هو الّذي فارق الحياة ,وجمعه أموات وموتى . واصطلحا :هو الّذي فارق الحياة ,والموتى جمع من يعقل ,والميّتون مختص بذكور العقلء ,والميّتات بالتّشديد مختصّة لناثهم ,وبالتّخفيف للحيوانات . ن كلً منهما قد فارق الحياة . والعلقة بين الميّت والميّتة هو أ ّ ز -الذّبيحة على النصب : 8
ب هي حجارة كانت منصوبةً حول البيت الحرام ,وكان أهل الجاهليّة يذبحون -النّصُ ُ
عليها ويشرحون اللّحم عليها ,ويعظّمونها بذلك ,ويتقرّبون به إليها ,قال ابن جزي : وليست هي بالصنام ,لنّ الصنام مصوّرة ,والنصب غير مصوّرة ,وتسمّى النصاب , ن النصب مفرد ,وجمعه أنصاب . والمفرد نصاب ,وقيل :إ ّ ي ,والميتة أعم ممّا ذبح على وما ذبح على النصب داخل في الميتة في الصطلح الشّرع ّ النصب .
ج -أكيلة السّبع : 9
-أكيلة السّبع هي ما بقي ممّا أكله السّبع أو افترسه من الماشية ,قال ابن عبّاسٍ رضي
ال عنهما وقتادة وغيرهما :كان أهل الجاهليّة إذا جرح السّبع شيئا فقتله ,وأكل بعضه , أكلوا ما بقي فحرّمه اللّه تعالى . ي ,والميتة أعم منها . وأكيلة السّبع داخلة في الميتة في الصطلح الشّرع ّ تتعلّق بالميتة أحكام منها :
الحكام المتعلّقة بالميتة : حرمة أكل الميتة :
10
-أجمع الفقهاء على حرمة أكل الميتة في حالة السّعة والختيار لقوله تعالى { :إِ ّنمَا
غ َولَ عَادٍ ضطُرّ غَيْ َر بَا ٍ نا ْ حمَ ا ْلخِنزِيرِ َومَا أُ ِهلّ ِب ِه ِلغَيْرِ الّلهِ َفمَ ِ حَ ّرمَ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَيْ َتةَ وَال ّدمَ وَ َل ْ غفُورٌ ّرحِيمٌ } . فَل إِ ْثمَ عَلَ ْي ِه إِنّ الّل َه َ وقد عبّر المام الرّازيّ عن حكمة تحريم أكل الميتة الّتي نفقت حتف أنفها بقوله :واعلم أنّ ن الدّم جوهر لطيف جدا ,فإذا مات الحيوان حتف تحريم الميتة موافق لما في العقول ,ل ّ أنفه احتبس الدّم في عروقه وتعفّن وفسد ,وحصل من أكله مضار عظيمة . وأمّا حكمة تحريم أكل الميتة الّتي قتلت على هيئة غير مشروعة " أي بدون تذكية " فقد ث الموجب ن اللّه سبحانه حرّم علينا الخبائث ,والخب ُ أوضحها المام ابن القيّم بقوله :فل ّ للتّحريم قد يظهر لنا وقد يخفى ,فما كان ظاهرا لم ينصب عليه الشّارع علم ًة غير وصفه ,وما كان خفيّا نصب عليه علمةً تد ّل على خبثه . فاحتقان الدّم في الميتة سبب ظاهر ,وأمّا ذبيحة المجوسيّ والمرتدّ وتارك التّسمية ومن أهلّ بذبيحته لغير اللّه ,فنفس ذبيحة هؤلء أكسبت المذبوح خبثا أوجب تحريمه ,ول ينكر أن يكون ذكر اسم الوثان والكواكب والجنّ على الذّبيحة يُكسبها خبثا ,و ِذكْرُ اسم اللّه وحده يُكسبها طيبا إلّا من قلّ نصيبه من حقائق العلم واليمان وذوق الشّريعة . 11
-وأمّا في حالة اللجاء والضطرار ,فقد ذهب الفقهاء إلى جواز أكل الميتة عندئذٍ ,
ئ من ظالم أو بجوع في مخمصة أو بفقر ل يجد فمن أضطرّ إلى أكل الميتة إمّا بإكراه ملج ٍ معه غير الميتة ,حلّ له ذلك لداعي الضّرورة ,حيث جاء في التّنزيل بعد تحريم الميتة غفُورٌ ّرحِيمٌ } ,وقال ن الّلهَ َ غ َولَ عَادٍ فَل إِ ْثمَ عَلَ ْيهِ إِ ّ ضطُ ّر غَيْ َر بَا ٍ قوله تعالى َ { :فمَنِ ا ْ غفُورٌ ّرحِيمٌ } . صةٍ غَ ْيرَ مُ َتجَانِفٍ لّإِ ْثمٍ فَِإنّ الّل َه َ خمَ َ ضطُرّ فِي َم ْ سبحانه َ { :فمَنِ ا ْ ن التّحريم مخصوص بحالة الختيار ,وفي حالة الضطرار مباح , قال الزّيلعي :فظهر أ ّ لنّ الضّرورات تبيح المحظورات .
12
-واختلف الفقهاء في ح ّد الضّرورة المبيحة لكل الميتة على أقوال :
أحدها :أن يخاف على نفسه الهلك قطعا أو ظنا ,وهو قول المالكيّة في المشهور . الثّاني :أن يخاف على نفسه موتا أو مرضا مخوفا أو زيادته أو طول مدّته ,أو انقطاعه عن رفقته ,أو خوف ضعف عن مشي أو ركوب ,فيسمّى هذا الخائف مضطرا .وهو مذهب الشّافعيّة والحنابلة . الثّالث :خوف التّلف على نفسه أو بعض أعضائه بتركه الكل ,ويحصل ذلك في موضع ل يجد فيه غير الميتة ,أو أن يكون غيرها موجودا ,ولكنّه أكره على أكلها بوعيد يخاف منه تلف نفسه أو بعض أعضائه ,وهو مذهب الحنفيّة . ي فقد اختلف الفقهاء فيها ,وينظر تفصيل ذلك ي ,وأمّا ميتة الدم ّ هذا في ميتة غير الدم ّ في مصطلح ( ضرورة ف / 13
10
).
-واختلف الفقهاء في حكم أكل الميتة عند الضطرار على ثلثة أقوال :
أحدها :الوجوب ,فمن أضطرّ إلى أكل الميتة ,وجب عليه تناولها ,فإن امتنع من الكل وصبر حتّى مات أثم ,وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفيّة وقول عند المالكيّة والشّافعيّة ح والحنابلة على الصّحيح ,لقوله تعالى َ { :و َل تُ ْلقُواْ ِبأَيْدِيكُمْ إِلَى ال ّتهْلُ َكةِ } حيث على الص ّ أنّ ترك الكل مع إمكانه في هذه الحال إلقاء بيده إلى التّهلكة ,ولقوله سبحانه َ { :ولَ ن ِب ُكمْ َرحِيمًا } ,ولنّه قادر على إحياء نفسه بما أحلّه اللّه له , ن الّلهَ كَا َ سكُمْ إِ ّ َتقْتُلُو ْا أَن ُف َ فلزمه كما لو كان معه طعام حلل . الثّاني :الباحة ,وهو قول أبي يوسف من الحنفيّة وسحنون من المالكيّة وأبي إسحاق الشّيرازيّ من الشّافعيّة ووجه عند الحنابلة وعلى ذلك :فلو امتنع المضطر عن أكلها حتّى ن له ن إباحة الكل رخصة ,فل تجب عليه كسائر الرخص .ول ّ مات ,فل إثم عليه ,ل ّ غرضا في اجتناب النّجاسة والخذ بالعزيمة ,وربّما لم تطب نفسه بتناول الميتة ,وفارق الحلل في الصل من هذه الوجوه . الثّالث :النّدب ,وهو قول بعض الحنابلة . وللتّفصيل أنظر ( ضرورة ف /
10
,أطعمة ف /
90
).
مقدار ما يباح للمضطرّ تناوله من الميتة :
14
-اختلف الفقهاء في مقدار ما يباح للمضطرّ تناوله من الميتة على ثلثة أقوال :
الوّل :لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة في الظهر وابن الماجشون وابن حبيب من المالكيّة وغيرهم ,وهو أنّه ل يجوز للمضط ّر أن يأكل من الميتة إلّا قدر ما يسد
به رمقه ,أي :ما يحفظ به حياته ,قال الصّاوي :المراد بالرّمق :الحياة ,وسدها : حفظها . ن اللّه حرّم الميتة ,واستثنى ما أضط ّر إليه , لنّ ما أبيح للضّرورة يقدّر بقدرها ,وذلك أ ّ فإذا اندفعت الضّرورة ,عادت الحرمة كحالة البتداء . يوضّحه أنّه بعد سدّ الرّمق غير مضطر ,فزال الحكم بزوال علّته ,لنّ القاعدة المقرّرة أنّ الحكم يدور مع العلّة وجودا وعدما . الثّاني :للمالكيّة على المعتمد والشّافعيّة في قول وأحمد في رواية عنه ,وهو أنّه يجوز ن الضّرورة ترفع التّحريم ,فتعود مباحةً كسائر للمضط ّر أن يأكل من الميتة حتّى يشبع ,ل ّ الطعمة ,وذلك لما روى جابر بن سمرة رضي ال عنه « أنّ رجلً نزل الحرّة ,فنفقت عنده ناقة ,فقالت له امرأته :أسلخها حتّى نقدّد شحمها ولحمها ونأكله ,فقال :حتّى أسأل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فسأله فقال :هل عندك غنىً يغنيك ؟ قال :ل ,قال : فكلوها » . ن له أن يأكل منها ما يسد جوعه ,وذلك الثّالث :لعبيد اللّه بن الحسن العنبريّ :وهو أ ّ فوق قدر إمساك الرّمق .
تزود المضط ّر بالميتة :
10
-إذا خشي المضطر استمرار حالة الضّرورة ,فهل يجوز له التّزود من الميتة ؟
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين : ن له ذلك , أحدهما :لجمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في الصحّ ,وهو أ ّ فإن استغنى عنها طرحها ,وذلك لنّه ل ضرر عليه في استصحابها ول في إعدادها لدفع ضرورته وقضاء حاجته ,ول يأكل منها إلّا عند ضرورته . والثّاني :لحمد في رواية عنه ,وهو أنّه ل يجوز له ذلك ,لنّه توسّع فيما لم يُبح إلّا للضّرورة .
حكم التّداوي بالميتة :
16
-اختلف الفقهاء في مشروعيّة التّداوي بالميتة إذا احتيج إلى تناولها للعلج ,بأن علم
المسلم أنّ فيها شفاءً ,ولم يجد دواءً غيرها ,سواء أكانت منفرد ًة أم مخلوطةً بغيرها في بعض الدوية المركّبة ,وذلك على قولين : أحدهما :الباحة ,وهو قول الحنفيّة والصّحيح من مذهب الشّافعيّة لنّه صلى ال عليه وسلم « أباح للعُرنيّين شرب أبوال البل وألبانها للتّداوي » ,قال العز بن عبد السّلم :لنّ مصلحة العافية والسّلمة أكمل من مصلحة اجتناب النّجاسة .
والثّاني :عدم الجواز .وهو قول المالكيّة والحنابلة ,لما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :إنّ اللّه لم يجعل شفاء أمّتي فيما حرّم عليها » .قال ابن القيّم : ل وشرعا ,أمّا الشّرع فللحديث السّابق ,وأمّا العقل ,فهو والمعالجة بالمحرّمات قبيحة عق ً أنّ اللّه سبحانه إنّما حرّمه لخبثه ,فإنّه لم يحرّم على هذه المّة طيّبا عقوبةً لها ,كما ت َل ُهمْ } , حرّمه على بني إسرائيل بقوله { :فَ ِبظُ ْلمٍ مّنَ الّذِينَ هَادُواْ حَ ّرمْنَا عَلَ ْي ِهمْ طَيّبَاتٍ ُأحِلّ ْ وإنّما حرّم على هذه المّة ما حرّم لخبثه ,وتحريمه له حميّة لهم ,وصيانة عن تناوله , فل يناسب أن يطلب به الشّفاء من السقام والعلل ,فإنّه وإن أثّر في إزالتها ,لكنّه يعقب سما أعظم منه في القلب بقوّة الخبث الّذي فيه ,فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب .
نجاسة الميتة :
17
ن الميتة نجسة العين , -ذهب الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " إلى أ ّ
وقد حرّم اللّه أكلها بقوله { :حُ ّرمَتْ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَيْ َتةُ } ,ووصفها بالرّجس في قوله { :قُل لّ حمَ سفُوحًا َأ ْو َل ْ ن مَيْ َتةً َأوْ َدمًا ّم ْ ط َع ُمهُ ِإلّ أَن َيكُو َ عمٍ َي ْ ي ُمحَ ّرمًا عَلَى طَا ِ َأجِدُ فِي مَا ُأ ْوحِيَ إِلَ ّ خِنزِيرٍ فَإِ ّنهُ ِرجْسٌ } والرّجس في اللغة هو القذر والنّجس ,وحكى الرّازيّ الجماع على ي ,أمّا ميتة الدميّ فينظر تفصيله في مصطلح نجاسة الميتة ,هذا في ميتة غير الدم ّ (نجاسة ) .
نجاسة إنفحة الميتة :
18
-اختلف الفقهاء في الحكم بنجاسة إنفحة الميتة من الحيوان المأكول اللّحم ,حيث إنّها
قد تستعمل في صناعة الجبن ,وذلك على ثلثة أقوال : أحدها :لجمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في ظاهر المذهب ,وهو أنّها نجسة ,والجبنُ المعقود بها متنجّسٌ ,ل يحل أكله ,لنّ تحريم الميتة تحريم لجميع أجزائها ,ومنها النفحة . والثّاني :لبي يوسف ومحمّد صاحبي أبي حنيفة ,وهو أنّها إن كانت مائعةً فهي نجسة لنجاسة وعائها ,وإن كانت صلبةً يغسل ظاهرها وتؤكل . والثّالث :لبي حنيفة وأحمد في رواية عنه رجّحها ابن تيميّة وهو أنّها طاهرة ,لنّ الصّحابة رضي ال عنهم لمّا دخلوا المدائن أكلوا الجبن ,وهو يعمل بالنفحة الّتي تؤخذ من صغار المعز ,وذبائحهم ميتة .
نجاسة لبن الميتة :
19
-اختلف الفقهاء في نجاسة اللّبن الخارج من ميتة الحيوان المأكول اللّحم على قولين :
أحدهما :لبي حنيفة وأحمد في رواية عنه ,وهو أنّه طاهر مأكول شرعا ,ودليلهم قوله ث وَ َدمٍ لّبَنًا خَالِصًا سقِيكُم ّممّا فِي ُبطُو ِنهِ مِن بَ ْينِ فَرْ ٍ ن َلكُمْ فِي الَنْعَامِ َلعِبْرَ ًة ّن ْ ع ّز وجلّ َ { :وإِ ّ سَآ ِئغًا لِلشّارِبِينَ } ,حيث إنّ اللّه سبحانه وصفه بكونه خالصا ,فل يتنجّس بنجاسة مجراه ,ووصفه بكونه سائغا ,وهذا يقتضي الحلّ ,وامتنّ علينا به ,والمنّة بالحلل ل بالحرام . والثّاني :لجمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والصّاحبين من الحنفيّة وهو أنّه ت عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَيْ َتةُ } حيث إنّ تحريم الميتة نجسٌ ,ل يحل تناوله ,وذلك لقوله تعالى { :حُ ّرمَ ْ تحريم لجميع أجزائها ,ومنها اللّبن ,ولنّه مائع في وعاء نجسٍ ,فتنجّس به ,أشبه ما لو حُلب في إناء نجسٍ .
نجاسة البيض الخارج من الميتة :
20
-اختلف الفقهاء في نجاسة البيض المنفصل عن ميتة مأكول اللّحم على ثلثة أقوال :
أحدها :للحنابلة والشّافعيّة في الصحّ وابن المنذر وهو أنّ البيضة الّتي أخرجت من جوف ميتة الدّجاج إذا صلبت قشرتها فهي طاهرة ,ويحل أكلها ,لنّ القشرة إذا صلّبت حجزت بين المأكول وبين الميتة ,فتحل .أمّا قبل تصلب قشرتها فهي نجسة ل تؤكل . ولنّها ليست جزءا من الميتة وإنّما هي مودعة فيها غير متّصلة بها فأشبهت الولد إذا خرج حيّا من الميتة ,ولنّها خارجة من حيوان يخلق منها مثل أصلها ,فأشبهت الولد الحيّ , ول خلف عند الشّافعيّة في أنّ ظاهر هذه البيضة نجسٌ . والثّاني :للحنفيّة ووجه عند الشّافعيّة وهو أنّها طاهرة يجوز أكلها مطلقا ,سواء اشتدّ قشرها أو لم يشتدّ . والثّالث :للمالكيّة واللّيث بن سعد ووجه عند الشّافعيّة ,وهو أنّها نجسة مطلقا ,ول يحل أكلها ,لنّها جزء من الميتة . والتّفصيل في ( أطعمة ف /
81
).
ما يحلّ النتفاع به من الميتة :
21
-ذهب الفقهاء إلى جواز النتفاع بالميتة من بعض الوجوه ,وإن كان بينهم ثمّة
اختلف في ذلك ,وتفصيل ذلك فيما يلي :
أ -جلد الميتة بعد الدّباغ :
22
-ل خلف بين الفقهاء في نجاسة جلد الميتة قبل دبغه ,ولكنّهم اختلفوا في طهارته
بالدّباغ على خمسة أقوال :
ن جلود الميتة تطهر كلها بالدّباغ الوّل :للحنفيّة والشّافعيّة وأحمد في رواية عنه ,وهو أ ّ إلّا الخنزير ,واستثنى الشّافعيّة أيضا جلد الكلب . الثّاني :للمالكيّة و الحنابلة في المشهور وهو عدم طهارة جلد الميتة بالدّباغة ,قال المالكيّة :لكن يجوز النتفاع بذلك الجلد المدبوغ واستعماله مع نجاسته في اليابسات وفي الماء وحده دون سائر المائعات . الثّالث :لبي يوسف من الحنفيّة ولسحنون وابن عبد الحكم من المالكيّة ,وهو أنّ جميع الجلود تطهر بالدّباغ حتّى الخنزير . الرّابع :لحمد في رواية عنه ,وهو أنّه إنّما يطهر بالدّباغ جلد ميتة ما كان طاهرا حال الحياة . الخامس :للوزاعيّ وأبي ثور وأحمد في رواية عنه ,وهو طهارة جلود ميتة الحيوان المأكول اللّحم فقط . ( ر :دباغة ف 9 /وما بعدها ) .
ب -صوف الميتة وشعرها :
23
-اختلف الفقهاء في حكم النتفاع بصوف وشعر ووبر ميتة الحيوان المأكول اللّحم على
قولين : الوّل :لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في المذهب ,وهو أنّ صوف الميتة وشعرها ووبرها طاهر يجوز النتفاع به ,وهو قول الحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيّب ي واللّيث بن سعد والوزاعيّ وابن المنذر وغيرهم . وإبراهيم النّخع ّ شعَارِهَا أَثَاثًا َومَتَاعًا إِلَى صوَا ِفهَا َوَأوْبَا ِرهَا َوَأ ْ واستدلوا على ذلك بقوله تعالى َ { :ومِنْ أَ ْ حِينٍ} ,فعمّ اللّه الجميع بالباحة من غير فصل بين المذكّى منها وبين الميتة ,ولنّه عزّ وجلّ ذكر هذه الشياء في معرض المنّة ,والمنّة ل تقع بالنّجس الّذي ل يحل النتفاع به . واستدلوا بقوله صلى ال عليه وسلم في الميتة « :إنّما حُ ّرمَ َأكْلُها » .قال الجصّاص : فأبان النّبي صلى ال عليه وسلم عن مراد اللّه تعالى بتحريم الميتة ,فلمّا لم يكن الشّعر والصوف والعظم ونحوها من المأكول لم يتناولها التّحريم . ن هذه الشّعور والصواف والوبار أجسام منتفع بها ,لعدم تعرضها للتّعفن كما استدلوا بأ ّ والفساد ,فوجب أن يقضى بطهارتها كالجلود المدبوغة ,ولنّ نجاسة الميتات ليست لعيانها ,بل لما فيها من الدّماء السّائل والرطوبات النّجسة ,وهي غير موجودة في هذه الشياء .
ل بالستصحاب , قال القرافي :وحجّتنا أنّها طاهرة قبل الموت ,فتكون طاهرةً بعده ,عم ً ولنّ الموت ل يلحقها ,إذ الموت عبارة عن معنىً يحل بعد عدم الحياة ,ولم تكن الحياة في الصوف والوبر والشّعر ,فيخلفها الموت فيها . ن صوف الميتة وشعرها الثّاني :للشّافعيّة في المذهب وأحمد في رواية عنه ,وهو أ ّ ووبرها نجسٌ ل يحل النتفاع به ,وذلك لنّها جزء من الميتة ,وقوله تعالى { :حُ ّرمَتْ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَيْ َتةُ } عام في تحريم سائر أجزائها .
ج -عظم الميتة وقرنها :
24
-اختلف الفقهاء في حكم النتفاع بعظم الميتة من الحيوان المأكول اللّحم وقرنها
وظلفها وظفرها على قولين : أحدهما :للشّافعيّة في المذهب و المالكيّة و الحنابلة ,وهو أنّها نجسة ل يحل النتفاع بها , وذلك لقوله تعالى { :قَا َل مَنْ ُيحْيِي ا ْل ِعظَامَ َوهِيَ َرمِيمٌ ُ ،قلْ ُيحْيِيهَا الّذِي أَنشَأَهَا َأ ّولَ َمرّةٍ } حيث دلّ على أنّها كانت ح ّيةً ,فصارت عند الموت ميتةً ,وإذا ثبت أنّها ميتة ,وجب أن ت عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَيْ َتةُ } . يحرم النتفاع بها لعموم قوله تعالى { :حُ ّرمَ ْ والثّاني :للحنفيّة وابن وهب من المالكيّة وأحمد في رواية عنه اختارها ابن تيميّة وهو أنّها طاهرة يحل النتفاع بها ,وذلك لنّها أجسام منتفع بها ,غير متعرّضة للتّعفن والفساد , ن نجاسة الميتات ليست لعيانها ,بل فوجب أن يقضى بطهارتها ,كالجلود المدبوغة ,ول ّ لما فيها من الدّماء السّائلة والرطوبات النّجسة ,وهي ليست موجودةً في هذه الشياء .
د -إطعام الميتة للحيوان :
25
-اختلف الفقهاء في جواز النتفاع بالميتة بإطعامها للدّوابّ والبهائم أو الكلب المعلّم
والطّير والبازي المعلّم ونحوهم على ثلثة أقوال : أحدها :للحنفيّة و الشّافعيّة وأحمد في رواية عنه :وهو عدم جواز ذلك ,لنّه إذا أطعم الميتة للحيوان فقد انتفع بتلك الميتة ,وقوله تعالى { :حُ ّرمَتْ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَيْ َتةُ } دال على عدم جواز النتفاع بها . قال الجصّاص :قال أصحابنا :ل يجوز النتفاع بالميتة على وجهٍ ,ول يطعمها الكلب والجوارح ,لنّ ذلك ضرب من النتفاع بها ,وقد حرّم اللّه الميتة تحريما مطلقا معلّقا ص شيء منها بعينها ,مؤكّدا به حكم الحظر ,فل يجوز النتفاع بشيء منها إلّا أن يخ ّ بدليل يجب التّسليم به .
وقال ابن قدامة :قال أحمد :ل أرى أن يطعم الكلب المعلّم الميتة ,ول الطّير المعلّم ,لنّه يضريه على الميتة ,فإن أكل الكلب فل أرى صاحبه حرجا ,ولعلّ أحمد كره أن يكون الكلب المعلّم إذا صاد وقتل أكل منه ,لتضريته بإطعامه الميتة . والثّاني :للمالكيّة و الحنابلة ,وهو جواز إطعام كلبه وطيره البازي المعلّم الميتة ,وكذا ن هذه الحيوانات ليست بمأكولة اللّحم ,ولنّه علف دوابّه الّتي ل يؤكل لحمها الميتة ,ل ّ استعمال للميتة فيما يجري مجرى التلف ,وليس فيه ضرر . قال الحنابلة :وكذا يباح أن يعلف ما يؤكل لحمه من الحيوان كالنعام الطعمة النّجسة إذا كان ل يراد ذبحها أو حلبها قريبا ,لنّه يجوز تركها في المرعى على اختيارها ,ومعلوم أنّها ترعى النّجاسة ,ويحرم علفها النّجاسة إذا كانت تؤكل قريبا أو تحلب قريبا ,وإن تأخّر الذّبح أو الحلب . والثّالث :لبعض المالكيّة ,وهو جواز علف الدّوابّ والحيوانات مطلقا الطّعام النّجس ,ما أكل لحمه منها وما لم يؤكل ,قال ابن الجلّاب :ول بأس بعلف الدّوابّ الطّعام النّجس ما أكل لحمه وما لم يؤكل لحمه .
هـ -طلء الجلود والسفن و الستصباح بدهن الميتة :
26
-اختلف الفقهاء في جواز ذلك على ثلثة أقوال :
أحدها :لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو عدم جواز النتفاع بدهن الميتة باستصباح ول غيره ,ول أن تطلى به ظهور السفن والجلود . واستدلوا على ذلك بما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام فقيل :يا رسول اللّه ,شحوم الميتة فإنّه يطلى بها السفن ,ويدهن بها الجلود ,ويستصبح بها النّاس ؟ فقال :ل ,هو حرام .ثمّ قال ن اللّه لمّا حرّم شحومها ,جملوه ثمّ باعوه صلى ال عليه وسلم :قاتل اللّه اليهود ,إ ّ فأكلوا ثمنه» .حيث بيّن النّبي عليه الصلة والسلم أنّ اللّه إذا حرّم شيئا حرّمه على الطلق ,ودخل تحت تحريمه سائر ضروب النتفاع به ,ومنها البيع . والثّاني :لعطاء وهو جواز دهن ظهور السفن بشحوم الميتة . والثّالث :لبن تيميّة وهو أنّه يجوز النتفاع بالنّجاسات ,وسواء في ذلك شحم الميتة ن المام أحمد أومأ إلى ذلك في رواية ابن منصور . وغيره .وحكى أ ّ
الميتة المستثناة من التّحريم :
27
-ذهب جمهور الفقهاء إلى طهارة ميتة البحر وجواز أكلها لقوله تعالى ُ { :أحِ ّل َلكُمْ
طعَا ُمهُ مَتَاعًا ّل ُكمْ وَلِلسّيّارَةِ } ,وقد صحّ عن أبي بكر الصّدّيق وابن عبّاسٍ صَيْدُ الْ َبحْ ِر َو َ
وجماعة من الصّحابة رضي ال عنهم أنّهم قالوا :إنّ صيد البحر ما صيد منه ,وطعامه ما مات فيه . ولقوله صلى ال عليه وسلم في ماء البحر « :هو الطّهور ماؤه ,الحل ميتته » . كما ذهب الجمهور إلى طهارة ميتة الجراد ,وجواز أكلها لقوله صلى ال عليه وسلم : « أحلّت لنا ميتتان ودمان ,فأمّا الميتتان فالحوت والجراد ,وأمّا الدّمان فالكبد والطّحال » . وقد علّل ابن القيّم ذلك الحكم الستثنائيّ بقوله :فإنّ الميتة إنّما حرّمت لحتقان الرطوبات والفضلت والدّم الخبيث فيها ,والذّكاة لمّا كانت تزيل ذلك الدّم والفضلت كانت سبب الحلّ , وإلّا فالموتُ ل يقتضي التّحريم ,فإنّه حاصل بالذّكاة كما يحصل بغيرها ,وإذا لم يكن في الحيوان دم وفضلت تزيلها الذّكاة لم يحرم بالموت ,ولم يشترط لحلّه ذكاة كالجراد ,ولهذا ل ينجس بالموت ما ل نفس له سائلةً كالذباب والنّحلة ونحوهما ,والسّمك من هذا الضّرب, فإنّه لو كان له دم وفضلت تحتقن بموته لم يحلّ لموته بغير ذكاة . ( ر :أطعمة ف /
15
,
53
).
ميراث *
ث. انظر :إر ٌ
مِيزاب *
التّعريف : 1
-الميزاب في اللغة :قناة أو أنبوبة يصرف بها الماء من سطح بناء أو موضع عال .
والمرزاب والمزراب بمعنى الميزاب . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . يتعلّق بالميزاب أحكام منها :
الحكام المتعلّقة بالميزاب : إخراجه إلى الطّريق العظم :
2
-ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة و المالكيّة و الشّافعيّة وهو قول عند الحنابلة إلى أنّه
ن « عمر رضي ال عنه خرج في يوم جمعة , يجوز إخراج الميزاب إلى الطّريق العظم ل ّ فقطر ميزاب عليه للعبّاس فأمر به فقلع ,فقال العبّاس :قلعت ميزابي ,واللّه ما وضعه حيث كان إلّا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بيده .فقال عمر رضي ال عنه :واللّه ل يضعه إلّا أنت بيدك ,ث ّم ل يكون لك سلّم إلّا عمر .قال :فوضع العبّاس رجليه على عاتقي عمر ثمّ أعاده حيث كان » .وما فعله رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فلغيره فعله ما لم
ن الحاجة تدعو إلى ذلك ول يمكنه رد مائه إلى الدّار , يقم دليل على اختصاصه به ,ول ّ ولنّ النّاس يعملون ذلك في جميع بلد السلم من غير نكير ,وذلك إذا لم يكن فيه ضرر , وزاد أبو حنيفة وأبو يوسف :ولم يمنعه أحد من النّاس . وقال الحنابلة :ل يجوز إخراج الميازيب إلى الطّريق العظم ,ول يجوز إخراجها إلى درب ن هذا تصرف في هواء مشترك بينه وبين غيره بغير ناف ٍذ إلّا بإذن المام ونائبه وأهله ,ل ّ إذنه فلم يجز سواء ضرّ بالمارّة أو ل ,لنّه إذا لم يضرّ حا ًل فقد يضر مآ ًل ,كما لو كان الطّريق غير ناف ٍذ ولنّه يضر بالطّريق وأهلها ,فلم يجز كبناء دكّة فيها أو جناح يضر بأهلها ,ول يخفى ما فيه من الضّرر فإنّ ماءه يقع على المارّة وربّما جرى فيه البول أو ماء نجسٌ فينجّسهم ,ويزلق الطّريق ويجعل فيها الطّين . والتّفصيل في ( طريق ف /
14
).
الخصومة في الميزاب : الخصومة في إخراج الميازيب إلى الطّريق :
3
-قال أبو حنيفة وأبو يوسف :من أراد أن يخرج إلى الطّريق العظم ميزابا فلكلّ أحد من
عرض النّاس مسلما كان أو ذمّيّا أن يمنعه من الوضع سواء كان فيه ضرر أو لم يكن إذا أراد الوضع بغير إذن المام لنّ فيه الفتيات على رأي المام فيما إليه تدبيره فلكلّ أحد أن ينكر عليه . وقال المالكيّة و الشّافعيّة و الحنابلة في قول ومحمّد من الحنفيّة :ليس لحد حق المنع إذا لم يكن فيه ضرر ,لنّه مأذون في إحداثه شرعا فهو كما لو أذن له المام .
الخصومة في رفع الميزاب :
4
-قال أبو حنيفة :من أخرج إلى طريق العامّة ميزابا فلكلّ أحد من أهل الخصومة -
كالمسلم البالغ العاقل الح ّر أو ال ّذمّيّ -مطالبته بالنّقض لنّ لكلّ منهم المرور بنفسه وبدوابّه فيكون له الخصومة بنقضه كما في الملك المشترك . وقال أبو يوسف ومحمّد :ليس لحد ذلك ,أمّا على قول محمّد فظاهر لنّه جعله كالمأذون من المام فل يرفعه أحد ,وأمّا أبو يوسف فإنّه يقول كان قبل الوضع لك ّل أحد يد فيه فالّذي ص ًة ,أما بعد الوضع فقد صار في يده فالّذي يخاصمه يحدث يريد أن يجعلها في يد نفسه خا ّ يريد إبطال يده من غير دفع الضّرر عن نفسه فهو متعنّت . وقال التاسيّ :دور في طريق لها ميازيب من القديم منصّبة على ذلك الطّريق ,ومنه تمتد إلى عرصة واقعة في أسفله جارية من القديم ,ليس لصاحب العرصة سد ذلك المسيل ن سدّه يرفع السّدّ من طرف الحاكم ويعاد إلى وضعه القديم لنّه يريد بالسّدّ دفع القديم ,فإ ّ
الضّرر عن عرصته وفي ذلك ضرر بالطّريق الّذي تنصب إليه الميازيب وهو ل يجوز ؛ لنّ ص بمثله والضّرر ل يزال بمثله ,وإن كان ذلك الطّريق إن كان خاصا ففيه دفع الضّرر الخا ّ عاما ففيه دفع الضّرر الخاصّ بالضّرر العامّ ,ويتحمّل الضّرر الخاص لدفع الضّرر العامّ , ص لنّها قديمة ول عن الطّريق العامّ لنّه لم ول سبيل إلى رفع الميازيب عن الطّريق الخا ّ يتحقّق الضّرر حيث كان مسيل ماء إلى العرصة المذكورة قديما ,فاتّضح أنّ المراد بالطّريق ص والعامّ كما هو مقتضى الطلق . ما يعم الخا ّ وقال الشّافعيّة :من نصب ميزابا يضر بالمارّة فلكلّ أحد من النّاس مطالبته بإزالته ,لنّه من إزالة المنكر ,لكن ل يزيله إلّا الحاكم ل غيره ,لما فيه من توقع الفتنة .
الختلف في حقّ إجراء ماء الميزاب :
5
-قال الحنفيّة :إذا كان الميزاب منصوبا إلى دار رجل واختلفا في حقّ إجراء الماء
وإسالته فإن كان في حال عدم جريان الماء ل يستحق إجراء الماء وإسالته إلّا ببيّنة وليس لصاحب الدّار أيضا أن يقطع الميزاب .وحكى الفقيه أبو اللّيث :أنّهم استحسنوا أنّ الميزاب ن التّصويب قديم وليس بمحدث أن إذا كان قديما وكان تصويب السّطح إلى داره وعلم أ ّ ق التّسييل ,وإن اختلفا في حال جريان الماء قيل :القول لصاحب الميزاب يجعل له ح ّ ق المسيل وبيّنوا ن له ح ّ ويستحق إجراء الماء ,وقيل :ل يستحق ,فإن أقام البيّنة على أ ّ أنّه لماء المطر من هذا الميزاب فهو لماء المطر وليس له أن يسيل ماء الغتسال والوضوء فيه ,وإن بيّنوا أنّه لماء الغتسال والوضوء فهو كذلك وليس له أن يسيل ماء المطر فيه ح ,والقول لربّ الدّار وإن قالوا له فيها حق مسيل ماء ولم يبيّنوا لماء المطر أو غيره ص ّ مع يمينه أنّه لماء المطر أو لماء الوضوء والغسالة ,وقال بعض مشايخ الحنفيّة :ل تقبل هذه الشّهادة في المسيل ,وفي الطّريق تقبل .
الوضوء والغسل بماء الميزاب :
6
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من وقف تحت ميزاب أو تحت مطر ناويا الطّهارة ووصل
الماء إلى شعره وبشره أجزأه عن وضوئه أو غسله . وذهب المالكيّة والمزنيّ إلى أنّه ل يكفي في الغسل إفاضة الماء على الجسد دون الدّلك . قال المتولّي والروياني من الشّافعيّة :في ماء الميزاب الّذي يظن نجاسته ول يتيقّن طهارته ول نجاسته فيه قولن :والمختار الجزم بطهارته ,لنّه إن كان هناك نجاسة انغسلت .
سقوط الميزاب وأثره في الضّمان :
7
-ذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة و الشّافعيّة و الحنابلة -إلى أنّه إذا أشرع في الطّريق
ميزابا فسقط على إنسان فعطب فالدّية على عاقلته لنّه مسبّب لتلفه متعد بشغله هواء الطّريق وهذا من أسباب الضّمان . وفصّل الحنفيّة والشّافعيّة فقال الحنفيّة :إن أخرج ميزابا إلى الطّريق فسقط على رجل فقتله ينظر :إن أصابه الطّرف الّذي كان في الحائط ل ضمان فيه لنّه وضع ذلك الطّرف في ملكه ولم يكن تعدّيا ,وإن أصابه الطّرف الخارج من الحائط ضمن صاحب الميزاب لنّه متعدٍ في ذلك حيث شغل به هواء الطّريق لنّه يمكنه أن يركّبه في الحائط ,ول كفّارة عليه ول يحرم في الميراث لنّه ليس بقاتل حقيقةً ,وإن لم يعلم أيّهما أصابه ففي القياس ل شيء عليه لوقوع الشّكّ في الضّمان ,وفي الستحسان يضمن النّصف ,وإن أصابه الطّرفان جميعا وعلم ذلك وجب نصف الدّية وهدر النّصف ,ومن صبّ الماء في ميزاب له وتحت الميزاب متاع لغيره يفسد به كان ضامنا استحسانا . وقال الشّافعيّة :إن سقط الميزاب على شيء فأتلفه كان مضمونا في الجديد لنّه ارتفاق بالشّارع ,فجوازه مشروطٌ بسلمة العاقبة .فإن كان بعض الميزاب في الجدار وبعضه خارجا عنه فسقط الخارج منه كله أو بعضه فأتلف شيئا فكل الضّمان يجب لنّه تلف بما هو صةً ,وإن سقط كل الميزاب داخله وخارجه بأن قطع من أصله فنصف مضمون عليه خا ّ ن التّلف حصل بالدّاخل في ملكه وهو غير مضمون وبالخارج الضّمان يجب في الصحّ ,ل ّ وهو مضمون فوزّع على النّوعين سواء أكانت الصابة بالدّاخل والخارج استويا بالقدر أم ل ,ومقابل الصحّ يوزّع على الدّاخل والخارج فيجب قسط الخارج ,ويكون التّوزيع بالوزن وقيل :بالمساحة . ولو أصاب الماء النّازل من الميزاب شيئا فأتلفه ضمن نصفها إن كان بعضه في الجدار وبعضه خارجا ,ولو اتّصل ماؤه بالرض ثمّ تلف به إنسان قال البغويّ :القياس التّضمين أيضا . وقال المالكيّة وهو القول القديم عند الشّافعيّة :إن سقط ميزابه على رأس إنسان فل ضمان عليه ,لنّه فعل ما أذن له فيه ,ولنّه لضرورة تصريف المياه . وقال الحنابلة :من أخرج ميزابا في درب نافذٍ بغير إذن المام أو في درب غير ناف ٍذ بغير إذن أهله فسقط على إنسان فأتلفه ضمنه ,لنّه تلف بسبب متعد به ,وإن كان بإذن المام بل ضرر أو بإذن أهل غير النّافذ فل ضمان لعدم العدوان .
التّعريف :
ميزان *
1
-الميزان من وزن الشّيء وزنا وزِنةً .
قال أبو منصور :رأيت العرب يسمون الوزان الّتي يوزن بها التّمر وغيره المسوّاةَ من الحجارة والحديد الموازين ,واحدها ميزان ,وهي المثاقيل واحدها مثقال ,ويقال لللة الّتي يوزن بها الشياء ميزان أيضا . ط لِ َي ْومِ ا ْلقِيَا َمةِ ن ا ْل ِقسْ َ وجائزٌ أن يقال للميزان الواحد موازين وفي التّنزيل { :وَنَضَعُ ا ْل َموَازِي َ فَلَا ُتظْ َلمُ َنفْسٌ شَيْئًا } أي نضع الميزان القسط . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . أ -الكيل : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الكيل هو من كال يكيل كيلً .والسم كيلة ,والمكيال ما يكال به الشياء والكيل مثله ,
والجمع أكيال . والصّلة بين الميزان والكيل :أنّهما أصل المقادير الشّرعيّة وأكثر آلت التّقدير استعمالً . ب -المثقال : 3
-المثقال معيار يوزن به الشياء ,ومثقال الشّيء ميزانه من مثله ,والمثقال واحد
مثاقيل الذّهب ,والمثقال وزن درهم وثلثة أسباع درهم ,أو هو اسم للمقدار المقدّر به . ن كلً منهما يقدّر به الشياء . والصّلة بين الميزان والمثقال هي أ ّ ج -الرّطل : 4
-الرّطل معيار يوزن به الشياء وكسره أشهر من فتحه ,وقال الفقهاء :إنّ الرّطل إذا
أطلق يحمل على الرّطل البغداديّ وهو اثنتا عشرة أوق ّيةً لنّه هو الرّطل الشّرعي . ل منهما تقدّر به الشياء . والعلقة بين الرّطل والميزان :أنّ ك ً
الحكام المتعلّقة بالميزان :
5
-الميزان إحدى اللتين لتقدير المقدّرات الشّرعيّة وهما الكيل والميزان ول خلف بين
ن البخس في الميزان بالتّطفيف أو التّنقيص حرام وتكرّر في القرآن النّهي المسلمين في أ ّ عن ذلك والمر بإيفائهما ,وأوعد على المطفّفين الويل :وهو الهلك أو العذاب ,واعتبر أي إخلل فيهما بالنّقص أو التّطفيف إفسادا في الرض ,والوعيد على فاعلي البخس في ن إِذَا اكْتَالُو ْا عَلَى ط ّففِينَ ،الّذِي َ الميزان يشير إلى أنّه من الكبائر ,قال تعالى { وَ ْيلٌ لّ ْل ُم َ خسِرُونَ } . ن َ ،وإِذَا كَالُو ُهمْ أَو وّزَنُو ُهمْ ُي ْ النّاسِ َيسْ َتوْفُو َ والويل واد من النّار أو هو الهلك .
ي اللّه شعيب عليه والتّطفيف :البخس في الكيل والميزان ,وقال ج ّل شأنه حكايةً عن نب ّ ي أَرَاكُم ِبخَيْ ٍر َوإِنّيَ وعلى نبيّنا الصّلة والسّلم مع قومه َ { :ولَ تَنقُصُواْ ا ْل ِمكْيَالَ وَا ْلمِيزَانَ إِنّ َ خسُواْ النّاسَ سطِ َولَ تَ ْب َ ن بِا ْل ِق ْ ط ،وَيَا َق ْومِ َأوْفُواْ ا ْل ِمكْيَالَ وَا ْلمِيزَا َ ب َيوْ ٍم ّمحِي ٍ َأخَافُ عَلَ ْي ُكمْ عَذَا َ َأشْيَاء ُهمْ َو َل َتعْثَ ْواْ فِي الَ ْرضِ ُم ْفسِدِينَ } . والعثو :الفساد مطلقا سواء كان تنقيص الحقوق أو غيره فهو من قبيل التّعميم بعد التّخصيص ,ويقال أيضا عثى عثيّا ,والعثي المبالغة في الفساد . فجعل تجاوز الحدّ في هذه المعاملة إفسادا في الرض ,لنّه تغيير لما وضعه اللّه في قانون سنن المعاملة بالعدل وأصلح به أحوال أهل الرض .
الميزان المعتبر في تقدير الموزونات :
6
-الصل أنّ الميزان المعتبر في معرفة ما هو موزون وما هو مكيل وما يقدّر شرعا هو
ما كان مألوفا في مكّة في عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لحديث « :المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكّة » ,وللفقهاء في ذلك تفصيل . ص الشّارع من الشياء على كونه موزونا كذهب وفضّة فهو كذلك ل قال الحنفيّة :ما ن ّ ل كبرّ وشعير وتمر وملح فإنّه كذلك ل يتغيّر أبدا ولو يتغيّر أبدا ,وما نصّ على كونه مكي ً ص أقوى من العرف فل يترك القوى بالدنى ,وما لم ينصّ الشّارع مع التّساوي ,لنّ النّ ّ ص لنّ عليه حمل على العرف ,وعن أبي يوسف اعتبار العرف مطلقا وإن كان خلف النّ ّ ن العادة إذ ذاك النّصّ على ذلك الكيل في الشّيء أو الوزن فيه ما كان في ذلك الوقت ,إلّا ل ّ كذلك وقد تبدّلت فتبدّل الحكم . ن ما ورد عن الشّارع في شيء أنّه كان يكال كالقمح فالمماثلة فيه ونصّ المالكيّة على أ ّ بالكيل ل بالوزن وما ورد عنه في شيء أنّه كان يوزن كالنّقد فالمماثلة فيه بالوزن ل بالكيل فل يجوز بيع قمح بقمح وزنا ول نقد بنقد كيلً وإن لم يرد عن الشّرع معيار معيّن في شيء من الشياء فبالعادة العامّة كاللّحم فإنّه يوزن في كلّ بلد ,أو العادة الخاصّة كالسّمن واللّبن والزّيت والعسل فإنّه يختلف باختلف البلد ,ويعمل في كلّ محل بعادته فإن عسر الوزن فيما هو معياره لسفر أو بادية جاز التّحرّي إن لم يتعذّر التّحرّي لكثرة . والتّفصيل في مصطلح ( ربا ف /
27
,ومقادير ) .
وقال الشّافعيّة :كل شيء من الموزون والمكيل إنّما يأتم النّاس فيهما بأهل مكّة وأهل المدينة وإن تغيّر في سائر المصار فما كان موزونا بعهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم مقدّرا بالوزن يُقدّر به في سائر المصار ول يجوز تقديره بالكيل ,ويوزن بالوزن السّائد في مكّة في عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وما كان مكيلً في عهده صلى ال عليه وسلم
يقدّر بالكيل في سائر البلدان وبمعيار المدينة ول يقدّر بالوزن ,لظهور أنّه صلى ال عليه وسلم اطّلع عليه وأقرّه على ذلك ول عبرة بما أحدث بعده . وما جهل كونه مكيلً أو موزونا أو كون الغالب منه أحدهما في عهده صلى ال عليه وسلم أو وجوده فيه بالحجاز أو علم وجوده بغيره أو حدوثه بعده ,أو عدم استعمالهما فيه أو الغالب فيه ولم يتعيّن أو نسي يعتبر فيه عرف الحجاز حالة البيع فإن لم يكن لهم عرف فيه فإن كان أكبر جرما من التّمر المعتدل فموزون جزما إذ لم يعلم في ذلك العهد الكيل في ذلك ن ما لم يحدّ شرعا يحكّم فيه وإلّا فإن كان مثله كاللّوز أو دونه فأمره محتمل ,لكنّ قاعدة أ ّ العرف قضت بأنّه يراعى فيه عادة بلد البيع حالة البيع فإن اختلفت فالّذي يظهر اعتبار الغلب فيه فإن فقد الغلب ألحق بالكثر شبها ,فإن لم يوجد جاز فيه الكيل والوزن . وقيل :الكيل لنّه الغلب فيما ورد ,وقيل :الوزن لنّه أضبط ,وقيل :يتخيّر بالتّساوي , وقيل :إن كان له أصل معتبر المعيار أعتبر أصله . ي صلى ال عليه وسلم ن مرجع الكيل عرف المدينة على عهد النّب ّ وذهب الحنابلة إلى أ ّ ي صلى ال عليه وسلم لما روى عبد اللّه بن عمر ومرجع الوزن عرف مكّة على عهد النّب ّ ي صلى ال عليه وسلم قال « :المكيال مكيال المدينة والوزن وزن مكّة » وكلمه أنّ النّب ّ صلى ال عليه وسلم إنّما يحمل على تبيين الحكام فما كان مكيالً بالمدينة في زمنه صلى ال عليه وسلم انصرف التّحريم بتفاضل الكيل إليه فل يجوز أن يتغيّر بعد ذلك وهكذا ن ما ل حدّ له الموزون ,وما ل عرف له بهما أي بمكّة والمدينة أعتبر عرفه في موضعه ل ّ في الشّرع يرجع فيه إلى العرف كالحرز والقبض ,فإن اختلفت البلد الّتي هي مواضعه أعتبر الغالب منها فإن لم يكن غالب ر ّد إلى أقرب الشياء به شبها بالحجاز لنّ الحوادث ترد إلى أشبه المنصوص عليه بها .
عقوبة التّطفيف في الميزان :
7
-الغشّ في الوزن بالتّطفيف أو التّنقيص جريمة باتّفاق المسلمين وورد فيه وعيد شديد
ن إِذَا اكْتَالُو ْا عَلَى ط ّففِينَ ،الّذِي َ ت من القرآن الكريم كقوله تعالى { :وَ ْيلٌ لّ ْل ُم َ في عدّة آيا ٍ ن أُولَئِكَ أَ ّنهُم مّ ْبعُوثُونَ ، خسِرُونَ ،أَلَا َيظُ ّ ن َ ،وإِذَا كَالُو ُهمْ أَو وّزَنُو ُهمْ ُي ْ النّاسِ َيسْ َتوْفُو َ س ِلرَبّ ا ْلعَا َلمِينَ } وفي الحديث « :من غشّنا فليس منّا » . عظِيمٍ َ ،ي ْومَ َيقُومُ النّا ُ لِ َي ْومٍ َ ولم يحدّد الشّارع عقوبةً محدّدةً لهذه الجريمة في الدنيا وما كان كذلك فعقوبته التّعزير كما ن كلّ معصية ليس فيها عقوبة مقدّرة من الشّارع فعقوبتها التّعزير بما يراه قال الفقهاء :إ ّ الحاكم ,وإن كانت من الكبائر . والتّفصيل في مصطلح ( تعزير ف /
13
).
َم ْيسِر *
التّعريف : 1
-الميسر لغةً :قمار العرب بالزلم ,وقال صاحب القاموس هو اللّعب بالقداح أو هو
النّرد ,أو كل قمار . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . وقال ابن حجر المكّي :الميسر :القمار بأيّ نوع كان ,وقال المحلّي :صورة القمار المحرّم التّردد بين أن يغنم وأن يغرم . وقال مالك :الميسر :ميسران ,ميسر اللّهو وميسر القمار فمن ميسر اللّهو النّرد والشّطرنج والملهي كلها ,وميسر القمار ما يتخاطر النّاس عليه .وبمثل ذلك قال ابن تيمية . أ -الزلم : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الزلم عيدان مخصّصة للستقسام بها ,والستقسام بالزلم هو طلب معرفة ما ُقسِم
للشّخص " أي ما قدّر له " من خير أو شر ,وقد تستعمل في القمار . فالمعنى المشترك في كل من الميسر والستقسام بالزلم هو التّردد بين أمور متعدّدة للفرد , ن الستقسام يستخدم للتّصرف ل لخذ المال كما في الميسر . لكنّ الفرق بينهما هو أ ّ ب -السّبَق : 3
-السّبق -بفتحتين -لغةً :الخطر .
واصطلحا :هو ما يتراهن عليه المتسابقان . وهو أخص من الميسر . ج -الرّهان : 4
-الرّهان والمراهنة :المخاطرة والمسابقة على الخيل .
وتراهنا إذا أخرج كل واحد رهنا ليفوز السّابق بالجميع إذا غلب . ول يخرج المعنى الصطلحي للرّهان عن المعنى اللغويّ . والصّلة هي :أنّ الرّهان نوع من الميسر ,وهو أخص من الميسر . د -الغرر : 5
-الغَرَر -بفتحتين -لغةً :اسم مصدر من التّغرير ,وهو الخطر والخدعة .
واصطلحا :ما يكون مجهول العاقبة ل يدرى أيكون أم ل . ن الغرر أعم من الميسر . والعلقة بين الغرر والميسر ظاهرة ,وهي أ ّ
هـ -النّرد وأشباهه : 6
ي وهو ي معرّب وليس بعرب ّ -جاء في لسان العرب :النّرد :معروف شيء يلعب به فارس ّ
النّردشير . وقال القليوبي :النّرد هو المعروف الن بالطّاولة . ومثله ما كان من طبيعته وهو ما يعبّر عنه بعض الفقهاء بعبارة " أشباه النّرد " . ن النّرد وأشباهه قد يستعمل للميسر . والعلقة هي أ ّ
الحكم التّكليفي :
7
ن آمَنُواْ إِ ّنمَا -اتّفق الفقهاء على تحريم الميسر في الجملة لقوله تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
ع َملِ الشّ ْيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ َلعَّل ُكمْ ُتفْ ِلحُونَ } . س مّنْ َ خمْرُ وَا ْلمَ ْيسِ ُر وَالَنصَابُ وَالَ ْز َلمُ ِرجْ ٌ ا ْل َ
حكمة تحريم الميسر :
8
-جاء النّص على الحكمة في تحريم الميسر في قوله تعالى { :إِ ّنمَا يُرِي ُد الشّ ْيطَانُ أَن
ن الصّلَةِ َف َهلْ خمْ ِر وَا ْلمَ ْيسِرِ وَيَصُ ّد ُكمْ عَن ِذكْ ِر الّلهِ وَعَ ِ يُوقِ َع بَيْ َنكُ ُم الْعَدَاوَةَ وَالْ َبغْضَاء فِي ا ْل َ أَنتُم مّن َتهُونَ } ,كما جاء النّص على أنّ في الميسر إثما وذلك في قوله تعالى َ { :يسْأَلُونَكَ س َوإِ ْث ُم ُهمَا َأكْبَرُ مِن ّن ْفعِ ِهمَا } . خمْرِ وَا ْلمَ ْيسِرِ ُقلْ فِي ِهمَا إِ ْثمٌ كَبِي ٌر َومَنَافِ ُع لِلنّا ِ ن ا ْل َ عَ ِ ن مفسدة الميسر أعظم من مفسدة الرّبا لنّه يشتمل على مفسدتين : قال ابن تيمية :إ ّ مفسدة أكل المال بالحرام ,ومفسدة اللّهو الحرام ,إذ يصد عن ذكر اللّه وعن الصّلة ويوقع في العداوة والبغضاء ,ولهذا حرّم الميسر قبل تحريم الرّبا . وقال ابن حجر المكّي :سبب النّهي عن الميسر وتعظيم أمره أنّه من أكل أموال النّاس طلِ } . بالباطل الّذي نهى اللّه عنه بقوله { :لَ تَ ْأكُلُواْ َأ ْموَا َلكُمْ بَيْ َن ُكمْ بِالْبَا ِ ثمّ ذكر حديث « :من حلف فقال في حلفه واللّاتي والعزّى فليقل ل إله إلّا اللّه ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدّق » .وقال :فإذا اقتضى مطلق القول طلب الكفّارة والصّدقة المنبئة عن عظيم ما وجبت له أو سنّت فما ظنك بالفعل والمباشرة .
أقسام الميسر :
9
-قسّم عدد من الفقهاء الميسر إلى ميسر لهوٍ ,وهو ما ليس فيه مال ,وميسر قمار ,
وهو ما فيه مال ,وممّن أشتهر عنه هذا التّقسيم من المتقدّمين المام مالك ومن المتأخّرين ابن تيمية وابن القيّم . قال المام مالك :الميسر ميسران :ميسر اللّهو فمنه النّرد والشّطرنج والملهي كلها , وميسر القمار ,وهو ما يتخاطر النّاس عليه ,وسئل القاسم بن محمّد بن أبي بكر :ما الميسر ؟ فقال :كل ما ألهى عن ذكر اللّه وعن الصّلة فهو ميسر .
الحكام المتعلّقة بالميسر : حكم ميسر اللّهو :
10
-ميسر اللّهو كاللّعب بالنّرد والشّطرنج دون أن يصاحبه مال ,واختلف الفقهاء في
حكمه . وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح ( لعب ف - 4 /
5
).
حكم ميسر القمار :
11
-اتّفق الفقهاء على تحريم ميسر القمار .
وقال الشّافعيّة إن شرط فيه مال من الجانبين بحيث يكون المال لمن غلب من اللّاعبين , فهو القمار المحرّم ,وصرّحوا بأنّه حينئذٍ كبيرة من الكبائر ,وقال الرّملي منهم :والمحرّم العقد ,وأخذ المال ,لنّه غصب من الجانبين أو أحدهما .
تصدق من طلب المقامرة :
12
-من الحكام المتعلّقة بالميسر تصدق من طلب المقامرة ,فعن أبي هريرة رضي ال
عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :من حلف فقال في حلفه :واللّاتي والعزّى فليقل ل إله إلّا اللّه ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدّق » . قال النّووي :قال العلماء :أمر بالصّدقة تكفيرا لخطيئته في كلمه بهذه المعصية ,وقال الخطّابي :معناه فليتصدّق بمقدار ما أمر أن يقامر به . قال النّووي :والصّواب الّذي عليه المحقّقون -وهو ظاهر الحديث -أنّه ل يختص بذلك المقدار بل يتصدّق بما تيسّر ممّا ينطلق عليه اسم الصّدقة ,ويؤيّده رواية " :فليتصدّق بشيء " .
الكسب النّاشئُ عن الميسر :
13
-ما يكسبه المقامر هو كسب خبيثٌ ,وهو من المال الحرام مثل كسب المخادع
والمقامر ,والواجب في الكسب الخبيث تفريغ ال ّذمّة منه بردّه إلى أربابه إن علموا وإلّا إلى الفقراء . وتفصيل ذلك في مصطلح ( كسب ف /
17
,حسبة ف /
34
).
شراء وبيع أدوات الميسر :
14
-ذهب جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة"
إلى أنّ بيع آلت اللّهو باطل ل ينعقد وفي حكم آلت اللّهو النّرد والشّطرنج واستدلوا لذلك ي صلى ال عليه وسلم قال : س رضي ال عنهما عن النّب ّ بأحاديث منها :ما رواه ابن عبّا ٍ
« ثمن الخمر حرام ,ومهر البغيّ حرام ,وثمن الكلب حرام والكوبة حرام وإن أتاك صاحب الكلب يلتمس ثمنه فامل يديه ترابا ,والخمر والميسر وكل مسكر حرام » ،قال الخطّابي : ل إلى محرّم . وفي هذا بيان بطلن كلّ حيلة يحتال بها توص ً وذهب أبو حنيفة إلى أنّ بيعها صحيح مكروه تحريما . وتفصيل ذلك في مصطلح ( بيع منهيّ عنه ف /
19
).
حكم السّلم على لعب الميسر :
15
-ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة السّلم على الفسّاق المجاهرين بفسقهم حين انشغالهم
بالفسق ,كلعب القمار . ن السّلم عليهم ل يكره إذا نوى أن يشغلهم عمّا هم فيه . وذهب بعضهم إلى أ ّ وتفصيل ذلك في مصطلح ( سلم ف /
25
).
شهادة لعب الميسر :
16
-ميسر القمار ,وهو ما كان على مال فعله كبيرة فترد الشّهادة به ,ولو بالمرّة
الواحدة .أمّا ميسر اللّهو ,فهو صغيرة فل ترد الشّهادة به إلّا مع الصرار . قال المرغيناني :إن قامر بالشّطرنج تسقط عدالته وإن لم يقامر ل تسقط لنّه متأوّل فيه . وتفصيل ذلك في مصطلح ( لعب ف . ) 6 /
عقوبة لعب الميسر :
17
ي المر العمل على منع المعاصي ,ومنها الميسر ,وعليه تعزير من ثبت -على ول ّ
عليه ذلك ,لنّ التّعزير إنّما يكون في كلّ معصية ل حدّ فيها ,ول كفّارة . انظر ( :تعزير ف . ) 1 /
التّعريف : 1
َم ْيسَُرة *
-الميسرة في اللغة بضمّ السّين وفتحها :ضد العسر ,ومثله :الميسر واليسر ,ومنه
ن مَعَ ا ْل ُعسْ ِر ُيسْرا ،إِنّ َمعَ ا ْل ُعسْرِ ُيسْرا } . قوله تعالى { :فَإِ ّ ظرَةٌ إِلَى سرَةٍ فَ َن ِ ع ْ ن ذُو ُ والميسرة واليسار عبارة عن الغنى ,ومنه قوله تعالى َ { :وإِن كَا َ مَ ْيسَرَةٍ } . ول يخرج معناه الصطلحي عن معناه اللغويّ . العسر :
اللفاظ ذات الصّلة :
2
ن مَعَ ا ْل ُعسْ ِر ُيسْرا ،إِنّ َمعَ -العسر في اللغة :نقيض اليسر ,ومنه قوله تعالى { :فَإِ ّ
ا ْلعُسْ ِر ُيسْرا } . والعسرة :تعسر وجود المال ,وأعسر فلن :أضاق ,ويوم عسير :يتصعّب فيه المر ع ِة الْ ُعسْرَةِ } ،وعسرني الرّجل :طالبني بشيء حين ويشتد ,ومنه قوله تعالى { :فِي سَا َ العسرة ,ومنه قيل للفقر :عسر . وأعسر الرّجل -باللف -افتقر ,وعسر بالفتح :ق ّل سماحه في المور . ول يخرج المعنى الصطلحي عن المعنى اللغويّ . والعلقة بين العسر والميسرة الضّدّيّة .
الحكم الجمالي :
3
-اتّفق الفقهاء على أنّه إذا كان المدين ذا ميسرة ,وكان الدّين حا ًل ,وطلبه صاحبه
يجب عليه الوفاء بالدّين دون مماطلة أو تسويف ,لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :لي الواجد يحل عرضه وعقوبته » ،فإن امتنع عن أداء ما عليه من الدّين مع المكان كان ي صلى ال عليه وسلم « :مطل الغنيّ ظلم » . ظالما لقول النّب ّ وقد اختلف الفقهاء فيما يستحقه من العقوبة هل يحبسه أو يلزمه ؟ والتّفصيل في مصطلح ( إعسار ف / 4
15
).
-أما إن كان المدين عاجزا عن وفاء الدّين الحالّ بسبب إعساره الّذي ثبت عند القاضي,
عسْرَةٍ فَ َنظِرَةٌ أو عند الغريم فإنّه يستحب إنظاره إلى الميسرة لقوله تعالى َ { :وإِن كَانَ ذُو ُ إِلَى مَ ْيسَرَ ٍة َوأَن تَصَدّقُواْ خَ ْيرٌ ّل ُكمْ إِن كُنتُمْ َتعْ َلمُونَ } ،ولحديث بريدة السلميّ أنّه صلى ال عليه وسلم قال « :من أنظر معسرا فله بكلّ يوم مثله صدقة ،قال :ث ّم سمعته يقول :من أنظر معسرا فله بكلّ يوم مثليه صدقة .قلت :سمعتك يا رسول اللّه تقول :من أنظر معسرا فله بكلّ يوم مثله صدقة ،ثمّ سمعتك تقول :من أنظر معسرا فله بكلّ يوم مثليه صدقة ؟ قال :له بكلّ يوم صدقة قبل أن يحلّ الدّين ،فإذا حلّ الدّين فأنظره فله بكلّ يوم مثليه صدقة» ،ولقوله صلى ال عليه وسلم « :من أنظر معسرا أو وضع عنه أظلّه اللّه في ظلّه» ،ولقوله صلى ال عليه وسلم « :حوسب رجل ممّن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير إلّا أنّه كان يخالط النّاس ،وكان موسرا ،فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر قال : قال اللّه عزّ وجلّ نحن أحق بذلك منه ،تجاوزوا عنه » . ( ر :إعسار ف /
انظر :أجل .
15
).
مِيعاد *
مِيقات *
انظر :مواقيت .
مِيل *
انظر :مقادير .
مَيّت *
التّعريف : 1
-الميت بتخفيف الياء وتشديدها في اللغة :هو الّذي فارق الحياة ويجمع على أمواتٍ ,
ت ,وموتى . والميّت " ,بتشديد الياء " :من في حكم الميت وليس به ,ويجمع على أموا ٍ يقال :مات يموت موتا فهو ميّت بالتّثقيل والتّخفيف ,ويعدّى بالهمزة فيقال :أماته اللّه , ك مَيّتٌ َوإِ ّنهُم مّيّتُونَ } ,أي وأمّا الحي فميّت بالتّثقيل ل غير ,وعليه قوله تعالى { :إِنّ َ سيموتون . وفي الصطلح :الميت :الّذي فارق الحياة . أ -الحي : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
ي ويتعدّى بالهمزة فيقال : -الحي لغةً :يقال :حَيي يحيى حياةً من باب تعب فهو ح ّ
أحياه اللّه واستحييته -بياءين -إذا تركته حيّا فلم تقتله ,فالحي ضد الميت . وفي الصطلح :الحي المتّصف بالحياة وهي صفّة توجب للموصوف بها أن يعلم ويقدر ظاهرا . والعلقة بين الميت والحيّ التّضاد . ب -المحتضر : 3
-المحتضر :هو من في النّزع أي أشرف على الموت يقال حضره الموت واحتضره :
أشرف فهو في النّزع . والصّلة بين المحتضر والميت أنّ الحتضار مقدّمة للموت .
الحكام المتعلّقة بالميت : أ -تقبيل وجه الميت :
4
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز تقبيل وجه الميت لخبر « أنّه صلى ال
ن أبا بكر رضي ال عنه قبّل عليه وسلم قبّل عثمان بن مظعون بعد موته » ،ولما ثبت « أ ّ وجه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بعد موته » . وذهب السبكي إلى استحباب ذلك لهل الميت ويجوز لغيرهم ,وخصّ الشّافعيّة وجه الميت الصّالح ,أمّا غيره فيكره .
ب -تغميض عيني الميت :
5
-اتّفق الفقهاء على استحباب تغميض عيني الميت بعد ثبوت موته لما ورد عن أمّ سلمة
قالت « :دخل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم على أبي سلمة وقد شقّ بصره فأغمضه ، ثمّ قال :إنّ الروح إذا قبض تبعه البصر » . وروى شدّاد بن أوسٍ قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « إذا حضرتم موتاكم ن الملئكة تؤمّن على ما قال فأغمضوا البصر ،فإنّ البصر يتبع الروح ,وقولوا خيرا فإ ّ أهل الميت » . ولنّ الميت إذا كان مفتوح العينين فلم يغمض حتّى يبرد بقي مفتوحا فيقبح منظره . ويقول من يغمض الميت " :بسم اللّه وعلى ملّة رسول اللّه " . وقال أحمد :تغمض المرأة عينه إذا كانت ذات محرم له ,وقال :يكره للحائض والجنب تغميضه وأن تقرباه .
ج -إخراج الحائض والنفساء والجنب من عند الميت :
6
-نصّ الحنفيّة على أنّه ينبغي إخراج النفساء والجنب من عند الميت وكذلك الحائض في
رأي عندهم . وذهب المالكيّة إلى أنّه يندب لمن حضرته علمات الموت تجنب حائض ونفساء وجنب لجل الملئكة ,وقال ابن حبيب :يستحب ألّا تحضر الحائض ول الكافرة ،ول يكون عنده وقربه غير طاهر . ونصّ الحنابلة على أنّه يكره أن تقرب الحائض والجنب الميت لحديث « :ل تدخل الملئكة بيتا فيه جنب » . ( ر :احتضار ف . ) 3 /
د -تلقين الميت بعد الموت :
7
-اختلف الفقهاء في تلقين الميت بعد موته :فذهب بعضهم إلى أنّه ل بأس بتلقينه لقوله
صلى ال عليه وسلم « :لقّنوا موتاكم ل إله إلّا اللّه » . وذهب بعضهم إلى أنّه ل يلقّن .
انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( تلقين ف ، 5 /احتضار ف /
7
).
هـ -غسل الجنب والحائض الميت :
8
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز أن يغسل الجنب والحائض الميت بل كراهة
لنّ المقصود هو التّطهير ,وهو حاصل بالجنب والحائض ,ولنّه ل يشترط في الغاسل الطّهارة . وذهب المالكيّة إلى كراهة غسل الجنب للميت لنّه يملك طهره ،ول يكره تغسيل الحائض لنّه ل تملك طهرها . وروي عن أبي يوسف أنّه كره للحائض الغسل لنّها لو اغتسلت لنفسها لم تعت ّد به فكذا إذا غسّلت .
و -شدّ لحيي الميت وتليين مفاصله :
9
-اتّفق الفقهاء على استحباب ش ّد لحيي الميت بعصابة عريضة تربط فوق رأسه ,لئلّا
يبقى فمه مفتوحا ,فتدخله الهوام ويتشوّه خلقه ويدخل الماء عند غسله . وكذلك اتّفق الفقهاء على استحباب تليين مفاصل الميت ,وذلك بردّ ساعده إلى عضده وساقه إلى فخذه وفخذه إلى بطنه ,ثمّ تمد وتلين أصابعه بأن تر ّد إلى بطن كفّه ثمّ تمد تسهيلً لغسله وتكفينه ,فإنّ في البدن بعد مفارقة الروح بقيّة حرارة فإذا ليّنت المفاصل حينئذٍ لنت وإلّا فل يمكن تليينها . ن تليين مفاصله تكون ولو بنحو دهن إن توقّف التّليين عليه ليسهل غسله . وزاد الشّافعيّة أ ّ وذهب الحنابلة إلى ترك تليين المفاصل إذا تعذّر ذلك لنّه ل يؤمن أن تنكسر أعضاؤه وصيّر به ذلك إلى المثلة .
ز -توجيه الميت للقبلة :
10
-اتّفق الفقهاء على استحباب توجيه الميت إلى القبلة لنّها أشرف الجهات ,ولكن
اختلفوا في طريقة توجيه الميت إلى القبلة على أقوال : فذهب الحنفيّة إلى أنّه يسن أن يوجّه المحتضر للقبلة على يمينه مثل توجيهه في القبر وجاز الستلقاء على ظهره وقدماه إليها ولكن يرفع رأسه قليلً ليتوجّه للقبلة ,وقيل : يوضع كما تيسّر على الصحّ وإن شقّ عليه ترك على حاله . وذهب المالكيّة إلى أنّه يستحب توجيهه للقبلة على يمينه ,فإن لم يمكن فعلى يساره ,فإن لم يمكن فعلى ظهره ورجله للقبلة ,فإن لم يمكن فعلى بطنه ورأسه لها ,وهذا بشرط أن يكون ذلك بعد شخوص بصره ل قبله لئلّا يفزعه ذلك .
وذهب الشّافعيّة في الصّحيح عندهم إلى أنّه يستحب توجيهه على جنبه اليمن كما يوضع في اللّحد إلى القبلة فإن تعذّر وضعه على يمينه لضيق مكان أو لعلّة في جنبه أو غيرها فإنّه يوضع على جنبه اليسر ,فإن تعذّر ألقي على قفاه ووجهه وأخمصاه للقبلة بأن يرفع رأسه ل ,كأن يوضع تحت رأسه مرتفع ليتوجّه وجهه إلى القبلة . قلي ً ومقابل الصّحيح أنّ هذا الستلقاء أفضل ,فإن تعذّر اضطجع على جنبه اليمن ,فإن تعذّر وضع على جنبه اليسر . وللحنابلة في كيفيّة توجيه الميت للقبلة قولن : أحدهما :أنّه يجعل على جنبه اليمن وهو الصّحيح من المذهب . ل ,ليصير وجهه إلى القبلة دون والثّاني :أن يكون مستلقيا على قفاه ويرفع رأسه قلي ً السّماء . وقال القاضي :إن كان الموضع واسعا فعلى جنبه ,وإلّا فعلى ظهره .واشترط بعضهم أنّه ل يوجّه قبل تيقن موته ,والصّحيح من المذهب أنّ الولى التّوجيه قبل ذلك .
ج -ستر بدن الميت :
11
-ذهب الفقهاء إلى استحباب ستر الميت حين الغسل على اختلف بينهم في القدر الّذي
يستر ويغطّى . ن القدر الواجب في السّتر هو ستر فذهب الحنفيّة إلى استحباب ستر الميت حين الغسل ,وأ ّ عورته الغليظة فقط على الظّاهر من الرّواية ,وقيل مطلقا تستر عورته الغليظة والخفيفة . وذهب المالكيّة إلى استحباب أن يستر الغاسل الميت من سرّته إلى ركبته إن كان الّذي يتولّى أمر الميت سيّدا أو زوجا لكن إن كان الّذي يتولّى أمره أجنبيّا فإنّه يجب ستر ما بين سرّته وركبته . وذهب الشّافعيّة إلى استحباب ستر جميع بدنه بثوب خفيف بعد نزع ثيابه ما لم يكن محرما ,ويجعل طرف الثّوب تحت رأسه وطرفه الخر تحت رجليه لئلّا ينكشف ,واحترز بالثّوب ن الثّقيل يحميه فيغيّره وقد ورد عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت : الخفيف عن الثّقيل ل ّ « سجّي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حين مات بثوب حبرة » . أمّا المُحرِم فيستر منه ما يجب تكفينه منه . وصرّح القليوبي بأنّه ل يغطّى رأس المحرم ول وجه المحرمة ويغسل الميت ندبا في قميصٍ لنّه أستر له .
وقال الحنابلة :إذا شرع في غسله وجب ستر ما بين سرّته وركبته لقوله صلى ال عليه ت » ،وهذا وسلم لعليّ رضي ال عنه « :ل تبرز فخذك ,ول تنظرن إلى فخذ حي ول مي ٍ في غير من سنه دون سبع سنين فل بأس بغسله مجرّدا . وقال القاضي :السنّة أن يغسّل في قميصٍ رقيق ينزل الماء فيه ول يمنع أن يصل إلى بدنه ويدخل يده في كمّ القميص فيمرّها على بدنه والماء يصب فإن كان القميص ضيّقا فتق رأس الدّخاريص وأدخل يده منه .
ط -قراءة القرآن بعد موت الميت وقبل غسله :
12
-نصّ الحنفيّة والمالكيّة على أنّه يكره قراءة القرآن على الميت بعد موته وقبل غسله.
وذهب الحنابلة إلى أنّه يستحب أن يقرأ عند الميت سورة ( يس ) وكذا سورة الفاتحة . وللتّفصيل ( ر :قراءة ف /
17
,
18
).
ي -تغسيل الميت :
13
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ تغسيل المسلم واجب كفايةً .
وانظر حقيقته وحكمه ,ومن يغسله ,وكيفيّة تغسيله ,وما يتّصل بذلك من أحكام في مصطلح ( تغسيل الميت ) .
ك -تكفين الميت :
14
ن تكفين الميت بما يستره فرضٌ على الكفاية . -اتّفق الفقهاء على أ ّ
وانظر حقيقته وحكمه وكيفيّته في مصطلح ( تكفين ) .
ل -حمل الميت :
15
ض على الكفاية ,واختلفوا في كيفيّة حملها ن حمل الجنازة فر ٌ -اتّفق الفقهاء على أ ّ
وعدد حامليها . وتفصيل ذلك في مصطلح ( جنائز ف /
11
-
13
).
م -دفن الميت :
16
-دفن الميت فرض كفاية إجماعا إن أمكن .
انظر حقيقته وحكمه ,وأفضل مكان لدفنه ,والحق بدفنه ,وكيفيّته ووقته ,وما يتّصل به من أحكام في مصطلح ( دفن ) .
ن -نبش قبر الميت :
17
-اتّفق الفقهاء على منع نبش القبر إلّا لعذر وغرض صحيح ,ومن العذار الّتي تجيز
نبش القبر كون الرض مغصوبةً أو الكفن مغصوبا أو سقط مال في القبر . وعندهم تفصيل في هذه العذار ينظر إليها في مصطلح ( قبر ف /
21
ش). ,ونب ٌ
س -نقل الميت :
18
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل يجوز نقل الميت من مكان إلى آخر بعد
الدّفن مطلقا . وأمّا المالكيّة فيجوز عندهم نقل الميت قبل الدّفن وكذا بعده من مكان إلى آخر بشروط . ينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( دفن ف , 4 /ونبشٌ ) .
ع -قذف الميت :
19
-ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه من قذف ميتا أقيم عليه
الحد . واختلفوا فيمن له حق طلب إقامة الحدّ . فذهب الحنفيّة إلى أنّ طلب إقامة الحدّ يرجع لمن يقع القدح في نسبه بسبب قذف الميت وهم الصول والفروع وإن علوا أو سفلوا ,ولو كان الطّالب محجوبا أو محروما عن الميراث بقتل أو رق أو كفر أو كونه ولد بنتٍ .ولو مع وجود القرب أو عفوه أو تصديقه للقاذف للحوق العار بهم بسبب الجزئيّة ,أي كون الميت جزءًا منهم أو كونهم جزءًا منه . ولو قال :يا ابن الزّانيين وقد مات أبواه فعليه حد واحد . وذهب المالكيّة إلى أنّ من مات قبل حدّ قاذفه فلوارثه القيام به ولو منعه من الرث مانع ق وقتل وكفر إن كان قذفه في حياته . كر ّ وإن قذفه بعد موته فلوارثه القيام بحدّه للحقوق المعرّة له . وأمّا الورثة الّذين يحق لهم المطالبة بالحدّ فهم :ولد المقذوف ويشمل البنين والبنات وإن سفلوا ,وأب المقذوف وإن عل . فمن قذف ميتا كان لولده وإن سفل ولبيه وإن عل أن يقوموا بذلك ومن قام منهم بذلك أخذه بحدّه وإن كان ثمّ من هو أقرب منه لنّه عيب يلزمهم ,وليس للخوة وسائر العصبة قيام مع هؤلء فإن لم يكن من هؤلء أحد فللعصبة القيام ,وللخوات والجدّات القيام إلّا أن يكون له ولد . فإن لم يكن لهذا المقذوف وارثٌ فليس للجنبيّ أن يقوم بحدّه . ن من قذف ميتا أقيم عليه الحد ,وطلب إقامة الحدّ للوارث إلّا أن وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ يعفو ,ولو عفا وارث المقذوف مقابل مال يأخذه سقط الحد ولم يجب المال ,ولو عفا بعض الورثة فللباقي أن يستوفوا الحدّ على الصحّ ,لنّه عار ,والعار يلزم الواحد كما يلزم الجميع .واختلف الشّافعيّة فيمن يرث ح ّد القذف على أوجهٍ : أصحها :جميع الورثة كالمال والقصاص .
والثّاني :جميعهم غير الزّوجين . والثّالث :رجال العصبات فقط لنّه لدفع العار كولية التّزويج . والرّابع :رجال العصبة سوى البنين كالتّزويج ,ثمّ من بعدهم للسلطان . ن القذف ولو قذف رجل مورّثه ,ومات المقذوف ,سقط عنه الحد إن كان حائزا للرث ,ول ّ ل يمنع الرث بخلف القتل . ولو قذف ولد أباه فمات الب وترك القاذف وابنا آخر فإنّ فيه الخلف فيمن يرث الحدّ فإن قلنا :إذا عفا بعض المستحقّين كان للخر استيفاء الجميع فللبن الخر استيفاء الحدّ بتمامه ,وإن قلنا يسقط الجميع فكذا هنا ,وإن قلنا :يسقط نصيب العافي فللبن الخر استيفاء نصف الحدّ . وأمّا الحنابلة :فقالوا إذا قذفت المرأة لم يكن لولدها المطالبة إذا كانت الم في الحياة ,وإن قذفت وهي ميتة -مسلم ًة كانت أو كافرةً حرّ ًة أو أمة -ح ّد القاذف إذا طالب البن وكان مسلما حرا وهو المذهب لنّه قدح في نسبه ولنّه بقذف أمّه ينسبه إلى أنّه من زنا ول ن القذف له . يستحق إقامة الحدّ بطريق الرث ولذلك تعتبر حصانته ول تعتبر حصانة أمّه ل ّ وقال أبو بكر :ل يجب الحد على قذف ميتة ,وكذلك تقاس الجدّة على المّ في الحياة والموت . وأمّا إن قذف أباه أو جدّه أو أحدا من أقاربه غير أمّهاته بعد موته لم يجب الحد بقذفه في ي لنّه إنّما أوجب بقذف أمّه حقا له لنفي نسبه لحقا للميت ولهذا لم يعتبر ظاهر كلم الخرق ّ إحصان المقذوفة واعتبر إحصان الولد ,ومتى كان المقذوف من غير أمّهاته لم يتضمّن نفي نسبه فلم يجب الحد . وإذا مات المقذوف ولم يطالب بالحدّ سقط الحد وإن كان قد طالب به فالصّحيح من المذهب أنّه ل يسقط وللورثة طلبه . والحق في حدّ القذف لجميع الورثة ,حتّى لحد الزّوجين على الصّحيح من المذهب ونصّ عليه المام أحمد . وقال القاضي :لهم سوى الزّوجين ,وقال في المغني :هو للعصبة ,وقال ابن عقيل : يرثه المام أيضا في قياس المذهب عند عدم الوارث . ل على الصّحيح من المذهب . ولو عفا بعضهم حدّ للباقي كام ً
ف -حَلْق شعر الميت وقص ظفره :
20
-للفقهاء تفصيل في حكم حلق شعر الميت أو تسريحه أو ضفر شعر المرأة وكذا سائر
شعر البدن كاللّحية والشّارب وشعر البط والعانة .
وينظر ذلك في مصطلح ( شعر وصوف ووبر ف , 4 /
5
, 6 ,حلق ف /
14
).
كما اختلفوا في حكم تقليم أظفار الميت وللتّفصيل انظر مصطلح ( تغسيل الميت ف . ) 9 /
ص -تغسيل السّقط والصّلة عليه ودفنه :
21
-السّقط هو الولد ذكرا كان أو أنثى يسقط قبل تمامه وهو مستبين الخلق ,وقد اتّفق
الفقهاء على أنّه إذا استهلّ المولود غسل وصلّي عليه ,وفيما عدا ذلك خلف ينظر في مصطلح ( جنين ف /
22
).
ق -إدخال الميت المسجد والصّلة عليه فيه :
22
-ذهب الحنفيّة إلى كراهة الصّلة على الميت في المسجد الجامع أو مسجد المحلّة
وإدخاله فيه تحريما وقيل تنزيها ورجّحه الكمال وذهب المالكيّة إلى الكراهة ,وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى جواز ذلك ,وللتّفصيل ينظر مصطلح ( جنائز ف /
38
).
ر -الصّلة على القبر إذا دفن الميت قبل الصّلة عليه :
23
-اختلف الفقهاء في الصّلة على القبر إذا دفن الميت فيه قبل الصّلة عليه .
وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ( جنائز ف /
37
).
ش -طهارة جسد الميت :
24
ن الميت يتنجّس بالموت لما فيه من الدّم المسفوح كما -ذهب عامّة الحنفيّة إلى أ ّ
يتنجّس سائر الحيوانات الّتي لها دم سائل بالموت وهذا هو الظهر في المذهب . وقد اختلف الحنفيّة هل نجاسته نجاسة خبث أو حدث ؟ فقيل :إنّها نجاسة خبث وهو الظهر ,فلو وقع في بئر قبل غسله نجّسها وكذلك لو حمل ميتا قبل غسله وصلّى به لم تصحّ صلته ,ولذلك إنّما يطهر الميت بالغسل كرامةً للمسلم . أمّا الكافر فهو نجسٌ ولو بعد غسله فلو وقع كافر في بئر بعد غسله فإنّه ينجّس البئر . وقيل :هي نجاسة حدث قال في الفتح :وقد روي من حديث أبي هريرة رضي ال عنه : « سبحان اللّه ,إنّ المؤمن ل ينجس حيّا ول ميتا » ,فإن صحّ وجب ترجيح أنّه للحدث , س رضي ال عنهما قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « ل ولما روي عن ابن عبّا ٍ تنجّسوا موتاكم ,فإنّ المسلم ل ينجس حيّا ول ميتا » . ن الدميّ ل ينجس بالموت بتشرب الدّم وذهب محمّد بن شجاع الثّلجي من الحنفيّة إلى أ ّ المسفوح في أجزائه ,كرام ًة له ،لنّه لو تنجس لما حكم بطهارته بالغسل كسائر الحيوانات الّتي حكم بنجاستها بالموت ,والدمي يطهر بالغسل حتّى روي عن محمّد أنّ الميت لو وقع في البئر قبل الغسل يوجب تنجيس البئر ,ولو وقع بعد الغسل ل يوجب تنجسه فعلم أنّه لم ن الموت ل يخلو عن سابقة حدث لوجود يتنجّس بالموت ولكن وجب غسله للحدث ,ل ّ
ق التّطهير ل يتجزّأ فوجب غسله كله . استرخاء المفاصل وزوال العقل ,والبدن في ح ّ وذهب المالكيّة في المعتمد والشّافعيّة في الظهر ,والحنابلة في الصّحيح من المذهب والبلخي من الحنفيّة إلى أنّ ميتة الدميّ ولو كافرا طاهرة ,لقوله تعالى { :وَ َلقَدْ كَ ّرمْنَا بَنِي آ َدمَ } ,وقضيّة تكريمهم أن ل يحكم بنجاستهم بالموت ,ولخبر « ل تنجّسوا موتاكم فإنّ ن غسله وإكرامه يأبى تنجيسه ,إذ ل المؤمن ل ينجس حيّا ول ميتا » ،قال عياضٌ :ول ّ معنى لغسل الميتة الّتي هي بمنزلة العذرة . ن َنجَسٌ } فالمراد نجاسة العتقاد أو أنّا نجتنبهم وأمّا قوله تعالى { :إِ ّنمَا ا ْل ُمشْ ِركُو َ كالنّجاسة ل نجاسة البدان ,ولهذا ربط النّبي صلى ال عليه وسلم السير في المسجد , وقد أحلّ اللّه طعام أهل الكتاب . ن أجساد النبياء ن هذا الخلف في غير أجساد النبياء ل ّ وقد نصّ المالكيّة والشّافعيّة على أ ّ ي المالكي بهم الشّهداء . متّفق على طهارتها ,وألحق ابن العرب ّ ي ونجاستها في المسلم والكافر . وإنّما الخلف في طهارة ميتة الدم ّ فذهب بعض المالكيّة إلى نجاسة ميتة الدميّ . ن الخبر « :المؤمن ل ينجس » إنّما وقال ابن قدامة :ويحتمل أن ينجس الكافر بموته ل ّ ورد في المسلم ول يصح قياس الكافر عليه ؛ لنّه ل يصلّى عليه وليس له حرمة كحرمة المسلم .
حكم ما أبين من الدميّ :
25
ي يأخذ حكمه في القول بطهارته أو -ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ ما أبين من الدم ّ
بنجاسته . ي غير المنتوف طاهر بخلف المنتوف فإنّه ن شعر الدم ّ فذهب الحنفيّة في الصّحيح إلى أ ّ نجسٌ لما يحمل من دسومة . وكذلك عظم الميت وعصبه فإنّهما طاهران على المشهور من المذهب ,وكذلك سن الميت على الظّاهر من المذهب فإنّه طاهر لنّه ل دم فيها والمنجّس هو الدّم . وكذلك ظفر الميت فإنّه طاهر إذا كان خاليا عن الدسومة . ي مطلقا سواء كان في حال وذهب المالكيّة في المعتمد عندهم إلى طهارة ما أبين من الدم ّ حياته أو بعد موته بنا ًء على المعتمد من طهارة ميتته ,وأمّا على القول الخر في المذهب فما أبين منه نجسٌ مطلقا . وذهب الشّافعيّة إلى إلحاق ما انفصل من الدميّ بميتته في الطّهارة .
وقال الحنابلة :حكم أجزاء الدميّ وأبعاضه حكم جملته سواء انفصلت في حياته أو بعد موته ,لنّها أجزاء من جملته فكان حكمها كسائر الحيوانات الطّاهرة والنّجسة ولنّها يصلّى عليها فكانت طاهر ًة كجملته ,وذكر القاضي أنّها نجسة روايةً واحدةً لنّها ل حرمة لها .
ت -غسل ما أبين من الدميّ والصّلة عليه :
26
-نصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه إذا وجد بعض الميت غسل وصلّي عليه لنّ عمر
رضي ال عنه صلّى على عظام بالشّام ,وصلّى أبو عبيدة رضي ال عنه على رءوسٍ , وصلّت الصّحابة رضي ال عنهم على يد عبد الرّحمن بن عتّاب بن أسيد ألقاها طائر بمكّة من وقعة الجمل . وقال الحنفيّة :إذا وجد رأس آدمي أو أحد شقّيه ل يغسّل ول يصلّى عليه بل يدفن إلّا أن يوجد أكثر من نصفه ولو بل رأسٍ فإنّه يغسّل ويصلّى عليه . وقال المالكيّة :ل يغسّل دون ثلثي الجسد ,والمراد بالجسد ما عدا الرّأس ,فإذا وجد نصف الجسد أو أكثر منه ودون الثلثين مع الرّأس لم يغسل على المعتمد ول يصلّى عليه أي يكره, لنّ شرط الغسل وجود الميت ,فإن وجد بعضه فالحكم للغالب ول حكم لليسير وهو ما دون الثلثين . والعلّة في ترك الصّلة على ما دون الجلّ خوف الوقوع في المكروه وهو الصّلة على غائب ,قال في التّوضيح لنّا ل نخاطب بالصّلة على الميت إلّا بشرط الحضور ,وحضور جلّه كحضور كلّه ,وحضور القلّ بمنزلة العدم . ( ر :تغسيل الميت ف /
26
).
ث -تنازع الميت والحيّ الماء :
27
ض ومحدثٌ وكان الماء ملكا لحدهم -اتّفق الفقهاء على أنّه إذا اجتمع ميت وجنب وحائ ٌ
فهو أولى به لنّه أحق بملكه ,وللفقهاء بعد ذلك تفصيل : ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا كان الماء ملكا لحدهم فهو أولى به لنّه أحق بملكه . أمّا إذا كان الماء مباحا فإنّ الجنب أولى بالماء من الحائض والمحدث وييمّم الميت ليصلّى عليه ,وكذا المرأة والمحدث ويقتديان به ,لنّ الجنابة أغلظ من الحدث ,والمرأة ل تصلح إماما . ن غسله يراد للتّنظيف وهو ل يحصل بالتراب . وقيل في السّراج :أنّ الميت أولى ل ّ وعن الظّهيريّة أنّ الوّل أصح ,وفي السّراج أيضا :لو كان الماء يكفي المحدث فقط كان أولى به لنّه يرفع الحدث .
أمّا إذا كان الماء مشتركا فينبغي لكلّ منهم أن يصرف نصيبه للميت حيث كان كل واحد ل يكفيه نصيبه ,ول يمكن الجنب ول غيره أن يستقلّ بالكلّ لنّه مشغول بحصّة الميت ,وكون الجنابة أغلظ ل يبيح استعمال حصّة الميت فلم يكن الجنب أولى ,بخلف ما لو كان الماء مباحا فإنّه حيث أمكن به رفع الجنابة كان أولى . ي محدثٌ جنب أو غيره فإنّ وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا مات صاحب الماء ومعه شخص ح ّ ي العطش فإنّه يكون حينئذٍ الميت يقدّم على المحدث الحيّ لحقية الملك إلّا أن يخاف على الح ّ أحق من صاحبه وييمّم الميت حفظا للنّفوس ويضمن قيمته للورثة . أمّا لو كان الماء مشتركا بين الميت والحيّ يقدّم الحي ولو لم يخف عطشا لترجيح جانبه بالشّركة ويضمن قيمة نصيب الميت . ض انقطع دمها وهناك ما يكفي أحدهما فإن كان وقال الشّافعيّة :إن اجتمع ميت وجنب وحائ ٌ ق به لنّه محتاجٌ إليه لنفسه ,فل يجوز له بذله لغيره ,فإن لحدهما كان صاحب الماء أح ّ ح تيممه . بذله للخر وتيمّم لم يص ّ وإذا كان الماء لهما كانا فيه سواءً . وإن كان الماء مباحا أو لغيرهما وأراد أن يجود به على أحدهما فالميت أولى لنّه خاتمة طهارته ,والجنب والحائض يرجعان إلى الماء ويغتسلن . وإذا اجتمع ميت وحيّ على بدنه نجاسة والماء يكفي أحدهما ففيه وجهان : ن صاحب النّجاسة أولى لنّه ليس لطهارته بدل ولطهارة الميت بدل وهو التّيمم أحدهما :أ ّ فكان صاحب النّجاسة أحقّ بالماء ,وهذا هو المذهب الصّحيح . ن الميت أولى لنّه خاتمة طهارته . والثّاني :أ ّ وقال الحنابلة :إذا اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض ومعهم ماء ل يكفي إلّا إحدهم ,فإن كان ملكا لحدهم فهو أحق به لنّه يحتاج إليه لنفسه فل يجوز له بذله لغيره سواء كان مالكه الميت أو أحد الحيّين . وإن كان الماء لغيره وأراد أن يجود به على أحدهم فعن أحمد رحمه ال روايتان : ن غسله خاتمة طهارته ,فيستحب أن تكون طهارته كاملةً , إحداهما :الميت أحق به ل ّ ن القصد بغسل الميت تنظيفه ول يحصل بالتّيمم , والحي يرجع إلى الماء فيغتسل ,ول ّ والحي يقصد بغسله إباحة الصّلة ويحصّل ذلك بالتراب . والثّانية :الحي أولى لنّه متعبّد بالغسل مع وجود الماء ,والميت قد سقط الفرض عنه بالموت .واختار هذا الخلّال .
ن الميت ل يجد شيئا ,وإن كان للميت ففضلت وإن وجدوا الماء في مكان فهو للحياء ,ل ّ ن في تركه ي أخذه بقيمته ل ّ منه فضلة فهو لورثته ,فإن لم يكن له وارثٌ حاضر فللح ّ إتلفه. وقال بعض الحنابلة :ليس له أخذه لنّ مالكه لم يأذن له فيه إلّا أن يحتاج إليه للعطش فيأخذه بشرط الضّمان .
********************* نهاية الجزء التاسع والثلثون