الموسوعة الفقهية /الحزء التاسع والعشرون طَلق *
التّعريف : 1
-الطّلق في اللّغة :الحلّ ورفع القيد ،وهو اسم مصدره التّطليق ،ويستعمل استعمال
المصدر ،وأصله :طلقت المرأة تطلق فهي طالق بدون هاء ،وروي بالهاء -طالقة -إذا بانت من زوجها ،ويرادفه الطلق ،يقال :طلّقت وأطلقت بمعنى سرّحت ،وقيل :الطّلق للمرأة إذا طلقت ،والطلق لغيرها إذا سرّح ،فيقال :طلّقت المرأة ،وأطلقت السير ،وقد اعتمد الفقهاء هذا الفرق ،فقالوا :بلفظ الطّلق يكون صريحا ،وبلفظ الطلق يكون كنايةً .وجمع طالق طلّق ،وطالقة تجمع على طوالق ،وإذا أكثر الزّوج الطّلق كان مطلقا ومطليقا ،وطلقةً . والطّلق في عرف الفقهاء هو :رفع قيد النّكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه . صةً ،فلو كان فاسدا لم يصحّ فيه الطّلق ،ولكن والمراد بالنّكاح هنا :النّكاح الصّحيح خا ّ يكون متارك ًة أو فسخا . والصل في الطّلق أنّه ملك الزّوج وحده ،وقد يقوم به غيره بإنابته ،كما في الوكالة والتّفويض ،أو بدون إنابة ،كالقاضي في بعض الحوال ،قال الشّربينيّ في تعريف الطّلق نقلً عن التّهذيب :تصرّف مملوك للزّوج يحدثه بل سبب ،فيقطع النّكاح . الفسخ : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الفسخ في اللّغة :النّقض والزالة .
وفي الصطلح :حلّ رابطة العقد ،وبه تنهدم آثار العقد وأحكامه الّتي نشأت عنه . وبهذا يقارب الطّلق ،إلّ أنّه يخالفه في أنّ الفسخ نقض للعقد المنشئ لهذه الثار ،أمّا الطّلق فل ينقض العقد ،ولكن ينهي آثاره فقط . المتاركة : 3
-المتاركة في اللّغة :الرّحيل والمفارقة مطلقا ،ثمّ استعملت للسقاط في المعاني ،
يقال :ترك حقّه إذا أسقطه .
وفي الصطلح :ترك الرّجل المرأة المعقود عليها بعقد فاسد قبل الدّخول أو بعده ،والتّرك بعد الدّخول ل يكون إ ّل بالقول عند أكثر الفقهاء ،كقوله لها :خلّيت سبيلك ،أو تركتك ، وكذلك قبل الدّخول في الصحّ . والمتاركة توافق الطّلق من وجه وتخالفه من وجه ،توافقه في حقّ إنهاء آثار النّكاح ، وفي أنّها حقّ الرّجل وحده ،وتخالفه في أنّها ل تحسب عليه واحدة ،وأنّها تختصّ بالعقد الفاسد ،والوطء بشبهة ،أمّا الطّلق فمخصوص بالعقد الصّحيح . الخلع : 4
-الخلع في اللّغة :النّزع ،وخالعت المرأة زوجها مخالعةً واختلعت منه إذا افتدت منه
وطلّقها على الفدية ،والمصدر الخَلع ،والخُلع اسم . وهو في الصطلح :إزالة ملك النّكاح بلفظ الخلع ،أو ما في معناه مقابل عوض تلتزم به الزّوجة أو غيرها للزّوج . وقد ذهب الحنفيّة في المفتى به ،والمالكيّة ،والشّافعيّة في الجديد ،والحنابلة في رواية : إلى أنّ الخلع طلق . وذهب الشّافعيّ في القديم ،والحنابلة في أشهر ما يروى عن أحمد إلى أنّه فسخ . التّفريق : 5
-التّفريق في اللّغة :مصدر فرّق ،وفعله الثّلثيّ فرق ،يقال :فرقت بين الحقّ
والباطل ،أي فصلت بينهما ،وهو في المعاني بالتّخفيف ،يقال :فرقت بين الكلمين ، وبالتّشديد في العيان ،يقال :فرّقت بين العبدين ،قاله ابن العرابيّ والخطّابيّ . وقال غيرهما :هما بمعنىً واحد ،والتّشديد للمبالغة . والتّفريق في اصطلح الفقهاء :إنهاء العلقة الزّوجيّة بين الزّوجين بحكم القاضي بناءً على طلب أحدهما لسبب ،كالشّقاق والضّرر وعدم النفاق ،أو بدون طلب من أحد حفظا لحقّ الشّرع ،كما إذا ارتدّ أحد الزّوجين . وما يقع بتفريق القاضي :طلق بائن في أحوال ،وفسخ في أحوال أخرى ،وهو طلق رجعيّ في بعض الحوال . اليلء : 6
-اليلء في اللّغة الحلف ،من آلى يؤلي إيل ًء ،يجمع على أليا .
وفي الصطلح :حلف الزّوج على ترك قرب زوجته مدّ ًة مخصوصةً . ن مِن ّنسَآ ِئ ِهمْ ن ُيؤْلُو َ وقد حدّد القرآن الكريم ذلك بأربعة أشهر في قوله تعالى { :لّلّذِي َ شهُرٍ } فإذا انقضت الشهر الربعة بغير قرب منه لها طلقت منه بطلقة بائنة ص أَرْ َب َعةِ َأ ْ تَرَبّ ُ
عند الحنفيّة ،واستحقّت الطّلق منه عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،حيث ترفعه الزّوجة للقاضي ليخيّره بين القرب والفراق ،فإن قربها انحلّ اليلء ،وإن رفض فرّق القاضي بينهما بطلقة . اللّعان : 7
-اللّعن في اللّغة :الطّرد والبعاد من الخير ،والمسبّة ،يقال :لعنه لعنا ،ولعنه
ملعن ًة ،ولعانا ،وتلعنوا ،إذا لعن بعضهم بعضا . وفي اصطلح الفقهاء :عرّفه الكمال بن الهمام :بأنّه اسم لما يجري بين الزّوجين من الشّهادات باللفاظ المعروفة . وقد سمّي باللّعان لما في قول الزّوج في اليمان :إنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين ، سهُمْ شهَدَاء إِل أَن ُف ُ ن أَ ْزوَاجَ ُهمْ وَ َلمْ َيكُن ّل ُهمْ ُ ن يَ ْرمُو َ وذلك وفقا لقوله سبحانه { :وَالّذِي َ ن ،وَا ْلخَا ِمسَ ُة أَنّ َلعْنَتَ الّل ِه عَلَ ْي ِه إِن ن الصّادِقِي َ ت بِالّل ِه إِ ّنهُ َلمِ َ شهَادَا ٍ شهَادَةُ َأحَدِ ِهمْ أَرْ َبعُ َ َف َ ن ا ْلكَاذِبِينَ } . كَانَ مِ َ والتّحريم بعد اللّعان بين المتلعنين يكون على التّأبيد ،أمّا الطّلق فليس بالضّرورة كذلك . الظّهار : 8
ي كظهر أمّي " ،وكان عند العرب ضربا من -الظّهار قول الرّجل لمرأته " :أنت عل ّ
الطّلق . وفي الصطلح :تشبيه المسلم زوجته أو جزءا شائعا منها بمحرّم عليه على التّأبيد كأمّه وأختمه ،بخلف زوجمة الغيمر ،فإنّم حرمتهما مؤقّتمة ،ويسممّى الظّهار بذلك لمما غلب على ي كظهر أمّي " وإن كان المظاهرين من التّشبيه بظهر المحرّم ،كقوله لزوجته " :أنت عل ّ الظّهار ليس مخصوصا بالتّشبيه بالظّهر . ول تفريق بين الزّوجين في الظّهار ،ولكن يحرم به الوطء ودواعيه حتّى يكفّر المظاهر ، فإن كفّر حلّت له زوجته بالعقد الوّل .
الحكم التّكليفيّ للطّلق :
9
-اتّفق الفقهاء على أصل مشروعيّة الطّلق ،واستدلّوا على ذلك بأدلّة ،منها :
حسَانٍ } . سرِيحٌ بِ ِإ ْ ك ِب َمعْرُوفٍ َأوْ َت ْ أ -قوله تعالى { :الطّلَقُ َمرّتَانِ فَ ِإ ْمسَا ٌ ن ِلعِدّ ِتهِنّ } . ي إِذَا طَّلقْتُمُ ال ّنسَاء َفطَّلقُوهُ ّ ب -قوله تعالى { :يَا أَ ّيهَا النّبِ ّ ج -قول الرّسول صلى ال عليه وسلم » :ما أحلّ ال شيئا أبغض إليه من الطّلق « . د -حديث عمر » :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم طلّق حفصة ثمّ راجعها « .
ي صلى ال عليه وسلم هم -حديث ابن عمر » :أنّه طلّق زوجته في حيضها ،فأمره النّب ّ بارتجاعها ثمّ طلقها بعد طهرها ،إن شاء « . ي صلى ال عل يه و سلم على مشروعيّ ته ،لك نّ الفقهاء و -إجماع الم سلمين من ز من النّب ّ ي للطّلق : اختلفوا في الحكم الصل ّ ن الصل في الطّلق الباحة ،وقد يخرج عنها في أحوال . فذهب الجمهور إلى أ ّ وذهب آخرون إلى أنّ الصل فيه الحظر ،ويخرج عن الحظر في أحوال . وعلى كلّ فالفقهاء متّفقون في النّهاية على أنّه تعتريه الحكام ،فيكون مباحا أو مندوبا أو واجبا ،كما يكون مكروها أو حراما ،وذلك بحسب الظّروف والحوال الّتي ترافقه ،بحسب ما يلي : أ -فيكون واجبا كالمولي إذا أبى الفيئة إلى زوجته بعد التّربّص ،على مذهب الجمهور ، أمّا الحنفيّة :فإنّهم يوقعون الفرقة بانتهاء المدّة حكما ،وكطلق الحكمين في الشّقاق إذا تعذّر عليهما التّوفيق بين الزّوجين ورأيا الطّلق ،عند من يقول بالتّفريق لذلك . ب -ويكون مندوبا إليه إذا فرّطت الزّوجة في حقوق اللّه الواجبة عليها -مثل الصّلة ونحوها -وكذلك يندب الطّلق للزّوج إذا طلبت زوجته ذلك للشّقاق . ج -ويكون مباحا عند الحاجة إليه لدفع سوء خلق المرأة وسوء عشرتها ،أو لنّه ل يحبّها . د -ويكون مكروها إذا لم يكن ثمّة من داع إليه ممّا تقدّم ،وقيل :هو حرام في هذه الحال ،لما فيه من الضرار بالزّوجة من غير داع إليه . هم -ويكون حراما وهو الطّلق في الحيض ،أو في طهر جامعها فيه ،وهو الطّلق البدعيّ ،وسوف يأتي بيانه . قال الدّردير :واعلم أنّ الطّلق من حيث هو جائز ،وقد تعتريه الحكام الربعة :من حرمة وكراهة ،ووجوب وندب .
حكمة تشريع الطّلق :
10
-لقد نبّه السلم الرّجال والنّساء إلى حسن اختيار الشّريك والشّريكة في الزّواج عند
ي صلى ال عليه وسلم » :تخيّروا لنطفكم وأنكحوا الكفاء وأنكحوا الخطبة ،فقال النّب ّ إليهم« . ن ،ول تزوّجوهنّ لموالهنّ وقال » :ل تزوّجوا النّساء لحسنهنّ ،فعسى حسنهنّ أن يرديه ّ ن على الدّين ،ولمة خرماء سوداء ذات دين ، ن ولكن تزوّجوه ّ فلعلّ أموالهنّ أن تطغيه ّ أفضل « .
وقال » :تنكح المرأة لربع :لمالها ،ولحسبها ،ولجمالها ،ولدينها ،فاظفر بذات الدّين تربت يداك « . وقال للمغيرة بن شعبة عندما خطب امرأةً » :انظر إليها ،فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما « . وقال » :تزوّجوا الودود الولود ،فإنّي مكا ثر ب كم ال مم « ،وقال لولياء النّ ساء » :إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ،إلّ تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد « . ن ذلك كلّه -على أهمّيّته -قد ل يضمن استمرار ال سّعادة والستقرار بين الزّوجين ، إلّ أ ّ فربّما ق صّر أحد الزّوجين في الخذ بما تقدّم ،وربّما أخذا به ،ولكن جدّ في حياة الزّوجين الهانئين ما يثير بينهما القلقل والشّقاق ،كمرض أحدهما أو عجزه وربّما كان ذلك بسبب عناصر خارجة عن الزّوجين أصلً ،كالهل والجيران وما إلى ذلك ،وربّما كان سبب ذلك انصراف القلب وتغيّره ،فيبدأ بنصح الزّوجين وإرشادهما إلى ال صّبر والحتمال ،وبخا صّة إذا كان التّقصير من الزّوجة ،قال تعالى { :وَعَاشِرُو ُهنّ بِا ْل َمعْرُو فِ فَإِن كَرِهْ ُتمُوهُنّ َفعَ سَى ج َعلَ الّلهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرا } . أَن َتكْ َرهُواْ شَيْئا وَ َي ْ ن مثل هذا ال صّبر قد ل يتي سّر للزّوجين أو ل يستطيعانه ،فربّما كانت أسباب الشّقاق إلّ أ ّ فوق الحتمال ،أو كانا في حالة نفسيّة ل تساعدهما على الصّبر ،وفي هذه الحال :إمّا أن يأمر الشّرع بالبقاء على الزّوجيّة مع استمرار الشّقاق الّذي قد يتضاعف وينتج عنه فتنة ، أو جريمة ،أو تق صير في حقوق اللّه تعالى ،أو على القلّ تفو يت الحكمة الّ تي من أجل ها شرع النّكاح ،وهي المودّة واللفة والنّسل ال صّالح ،وإمّا أن يأذن بالطّلق والفراق ،وهو ن الطّلق قد يتمحّض طريقا لنهاء الشّقاق ما اتّ جه إل يه التّشر يع ال سلميّ ،وبذلك علم أ ّ والخلف بيمن الزّوجيمن ،ليسمتأنف الزّوجان بعده حياتهمما منفرديمن أو مرتبطيمن بروابمط ن اللّهُ زوجيّة أخرى ،حيث يجد كلّ منهما من يألفه ويحتمله ،قال تعالى َ { :وإِن يَ َتفَرّقَا ُيغْ ِ حكِيما } . سعَ ِتهِ َوكَانَ الّل ُه وَاسِعا َ كُلّ مّن َ ولهذا قال الفقهاء :بوجوب الطّلق فمي أحوال ،وبندبمه فمي أحوال أخرى -كمما تقدّم - م على الضّرر الشدّ ،وفقا للقاعدة على مما فيمه ممن الضّرر ،وذلك تقديما للضّرر الخف ّ الفقهيّة الكلّيّة " :يختار أهون الشّرّيمن " .والقاعدة الفقهيّة القائلة " :الضّرر الشدّ يزال بالضّرر الخفّ " . وي ستأنس في ذلك ب ما ورد عن ا بن عبّاس » :أ نّ زو جة ثا بت بن ق يس بن شمّاس أ تت النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقالت له :يا رسول اللّه :ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ول د ين ،ولكنّ ني أكره الك فر في ال سلم ،قال ر سول اللّه صلى ال عل يه و سلم :
أتردّ ين عل يه حديق ته ؟ قالت :ن عم قال ر سول اللّه صلى ال عل يه و سلم :اق بل الحدي قة وطلّقها تطليقةً «.
من له حقّ الطّلق :
11
-الطّلق :نوع من أنواع الفَرْق وهو ملك للزّوج وحده ،ذلك أنّ الرّجل يملك مفارقة
زوجته إذا وجد ما يدعوه إلى ذلك بعبارته وإرادته المنفردة ،كما تملك الزّوجة طلب إنهاء علقتها الزّوجيّة إذا وجد ما يبرّر ذلك ،كإعسار الزّوج بالنّفقة ،وغيبة الزّوج ،وما إلى ذلك من أسباب اختلف الفقهاء فيها توسعةً وتضييقا ،ولكنّ ذلك ل يكون بعبارتها ،وإنّما بقضاء القاضي ،إلّ أن يفوّضها الزّوج بالطّلق ،فإنّها في هذه الحال تملكه بقولها أيضا . فإذا اتّفق الزّوجان على الفراق ،جاز ذلك ،وهو يتمّ من غير حاجة إلى قضاء ،وكذلك القاضي ،فإنّ له التّفريق بين الزّوجين إذا قام من السباب ما يدعوه لذلك ،حمايةً لحقّ اللّه تعالى ،كما في ردّة أحد الزّوجين المسلمين -والعياذ باللّه تعالى -أو إسلم أحد الزّوجين المجوسيّين وامتناع الخر عن السلم وغير ذلك . إلّ أنّ ذلك كلّه ل يسمّى طلقا سوى الوّل الّذي يكون بإرادة الزّوج الخاصّة وعبارته . ي صلى ال عليه وسلم » :إنّما صةً قول النّب ّ والدّليل على أنّ الطّلق هذا حقّ الزّوج خا ّ الطّلق لمن أخذ بالسّاق « . ثمّ إنّ الرّجل المطلّق ل يسأل عن سبب الطّلق عند إقدامه عليه ،وذلك لسباب كثيرة منها: أ -حفظ أسرار السرة . ب -حفظ كرامة الزّوجة وسمعتها . ج -العجز عن إثبات الكثير من تلك السباب ،لنّ غالب أسباب الشّقاق بين الزّوجين تكون خف ّيةً يصعب إثباتها ،فإذا كلّفناه بذلك نكون قد كلّفناه بما يعجز عنه أو يحرجه ، جعَلَ عَلَ ْي ُكمْ فِي الدّينِ ِمنْ حَرَجٍ } وهو ممنوع في الشّريعة السلميّة ،لقوله تعالى َ { :ومَا َ . ن في إقدام الزّوج على الطّلق وتحمّله العباء الماليّة المترتّبة عليه ،من مهر د -ثمّ إ ّ مؤجّل ،ونفقة ومتعة -عند من يقول بوجوبها -وأجرة حضانة للولد ،لقرينة كافية على قيام أسباب مشروعة تدعوه للطّلق . هم -ولكون الطّلق مباحا أصلً عند الجمهور كما تقدّم ،إباحةً مطلقةً عن أيّ شرط أو قيد.
محلّ الطّلق :
12
ن محلّ الطّلق الزّوجة في زوجيّة صحيحة ،حصل فيها دخول أم -اتّفق الفقهاء على أ ّ
ن الطّلق أثر من آثار الزّواج ل أو فاسدا ،فطلّقها ،لم تطلق ،ل ّ ل ،فلو كان الزّواج باط ً صةً . الصّحيح خا ّ وهل يعدّ لفظ الطّلق في النّكاح الفاسد متاركةً ؟ والجواب :نعم ،لكن ل ينقص به العدد ، لنّه ليس طلقا ،قال ابن عابدين :طلّق المنكوحة فاسدا ثلثا ،له تزوّجها بل محلّل ، لكون الطّلق ل يتحقّق في الفاسد ،ولذا كان غير منقص للعدد ،بل متاركة . ن الطّلق ل يقع بعد الوطء بشبهة ،لنعدام الزّوجيّة أصلً . ومن باب أولى أ ّ وذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة -إلى وقوع الطّلق على المعتدّة من طلق رجعيّ ،حتّى لو قال الرّجل لزوجته المدخول بها : أنت طالق ،ثمّ قال لها في عدّتها :أنت طالق ،ثانيةً ،كانتا طلقتين ،ما لم يرد تأكيد الولى ،فإن أراد تأكيد الولى لم تقع الثّانية ،ما لم تكن قرائن الحال تمنع صحّة إرادة التّأكيد ،وذلك لنّ الطّلق الرّجعيّ ل ينهي العلقة بين الزّوجين قبل انقضاء العدّة ،بدللة جواز رجوعه إليها في العدّة بالعقد الوّل دون عقد جديد . أمّا المطلّقة بائنا والمفسوخ زواجها إذا طلّقها في عدّتها ،فقد اختلفوا فيها : فذهب الجمهور إلى عدم وقوع الطّلق على المعتدّة من طلق بائن سواء أكانت البينونة صغرى أم كبرى ،وكذلك المفسوخ زواجها ،وذلك لنقضاء النّكاح بالبينونة والفسخ . ن المبانة بينون ًة صغرى في عدّتها زوجةً من وجه بدللة جواز عودها وذهب الحنفيّة إلى أ ّ إلى زوجها بعقد جديد أثناء العدّة ،ول يجوز زواجها من غيره قبل انقضاء العدّة ،ولهذا فإنّها محلّ لصحّة الطّلق عندهم ،وعلى هذا فلو طلّق رجل زوجته المدخول بها بائنا مرّةً واحدةً ،ث ّم طلّقها أخرى في عدّتها كانتا اثنتين ،هذا ما لم يقصد تأكيد الولى ،فإن قصد تأكيد الولى لم تقع الثّانية كما تقدّم في المعتدّة من طلق رجعيّ . وأمّا المفسوخ زواجها فلم ير الحنفيّة وقوع الطّلق في عدّتها إذا كان سبب الفسخ حرمةً ل للطّلق في مؤبّدةً ،كتقبيلها ابن زوجها بشهوة ،فإن كانت الحرمة غير مؤبّدة كانت مح ً أحوال ،وغير محلّ له في أحوال أخرى ،ذكر ذلك ابن عابدين فقال :ومحلّه المنكوحة ، ي أو بائن غير ثلث في حرّة وثنتين في أمة ،أو عن فسخ أي ولو معتدّةً عن طلق رجع ّ بتفريق لباء أحدهما عن السلم أو بارتداد أحدهما ،بخلف عدّة الفسخ بحرمة مؤبّدة كتقبيل ابن الزّوج ،أو غير مؤبّدة ،كالفسخ بخيار عتق ،وبلوغ ،وعدم كفاءة ،ونقصان مهر ،وسبي أحدهما ،ومهاجرته ،فل يقع الطّلق فيها كما حرّره في البحر عن الفتح .
ركن الطّلق :
13
-ركن سائر التّصرّفات الشّرعيّة القوليّة عند الحنفيّة :الصّيغة الّتي يعبّر بها عنه .
أمّا جمهور الفقهاء :فإنّهم يتوسّعون في معنى الرّكن ،ويدخلون فيه ما يسمّيه الحنفيّة أطراف التّصرّف . والطّلق بالتّفاق من التّصرّفات الشّرعيّة القوليّة ،فركن الطّلق في مذهب الحنفيّة هو : الصّيغة الّتي يعبّر بها عنه . وعند المالكيّة :للطّلق أربعة أركان ،هي :أهل ،وقصد ،ومحلّ ،ولفظ . وعند الشّافعيّة :أركان خمسة :مطلّق ،وصيغة ،ومحلّ ،وولية ،وقصد . والصل في الصّيغة الّتي يعبّر بها عن الطّلق الكلم ،وقد ينوب عنه الكتابة أو الشارة ، ول ينعقد الطّلق بغير ذلك ،فلو نوى الطّلق دون لفظ أو كتابة أو إشارة لم يكن مطلّقا ، وكذلك إذا أمر زوجته بحلق شعرها بقصد الطّلق ،ل يكون مطلّقا أيضا .
شروط الطّلق :
14
-يشترط ل صحّة الطّلق لدى الفقهاء شروط موزّ عة على أطراف الطّلق الثّل ثة ،
فبعضها يتعلّق بالمطلّق ،وبعضها بالمطلّقة ،وبعضها بالصّيغة ،وذلك على الوجه التّالي :
الشّروط المتعلّقة بالمطلّق :
يشترط في المطلّق ليقع طلقه على زوجته صحيحا شروط ،هي :
الشّرط الوّل :أن يكون زوجا :
15
-والزّوج :هو من بينه وبين المطلّقة عقد زواج صحيح .
الشّرط الثّاني :البلوغ :
16
-ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلق الصّغير مميّزا أو غير مميّز ،مراهقا أو
غير مراهق ،أذن له بذلك أم ل ،أجيز بعد ذلك من الوليّ أم ل ،على سواء ،ذلك لنّ الطّلق ضرر محض ،فل يملكه الصّغير ول يملكه وليّه ،ولقول النّبيّ صلى ال عليه ي حتّى يحتلم ،وعن وسلم » :رفع القلم عن ثلثة :عن النّائم حتّى يستيقظ ،وعن الصّب ّ المجنون حتّى يعقل « . وخالف الحنابلة في الصّبيّ الّذي يعقل الطّلق ،فقالوا :إنّ طلقه واقع على أكثر الرّوايات عن أحمد .أمّا من ل يعقل فوافقوا الجمهور في أنّه ل يقع طلقه . قال في المغني :وأمّا الصّبيّ الّذي ل يعقل فل خلف في أنّه ل طلق له ،وأمّا الّذي يعقل ن زوجته تبين منه به وتحرم عليه :فأكثر الرّوايات عن أحمد أنّ طلقه الطّلق ،ويعلم أ ّ ي وابن حامد . يقع ،اختارها أبو بكر والخرق ّ
وروى أبو طالب عن أحمد :ل يجوز طلقه حتّى يحتلم ،وهو قول النّخعيّ ،والزّهريّ . وروى أبو الحارث عن أحمد :إذا عقل الطّلق جاز طلقه ما بين عشر إلى اثنتي عشرة ، وهذا يدلّ على أنّه ل يقع لدون العشر ،وهو اختيار أبي بكر ،لنّ العشر حدّ الضّرب على الصّلة والصّيام وصحّة الوصيّة ،فكذلك هذا ،وعن سعيد بن المسيّب :إذا أحصى الصّلة وصام رمضان جاز طلقه ،وقال عطاء :إذا بلغ أن يصيب النّساء وعن الحسن :إذا عقل وحفظ الصّلة وصام رمضان وقال إسحاق :إذا جاوز اثنتي عشرة .
الشّرط الثّالث :العقل :
17
-ذهب الفقهاء إلى عدم صحّة طلق المجنون والمعتوه لفقدان أهليّة الداء في الوّل ،
ونقصانها في الثّاني ،فألحقوهما بالصّغير غير البالغ ،فلم يقع طلقهما لما تقدّم من الدلّة. وهذا في الجنون الدّائم المطبق ،أمّا الجنون المتقطّع ،فإنّ حكم طلق المبتلى به منوط بحاله عند الطّلق ،فإن طلّق وهو مجنون لم يقع ،وإن طلّق في إفاقته وقع لكمال أهليّته . وقد ألحق الفقهاء بالمجنون النّائم ،والمغمى عليه ،والمبرسم ،والمدهوش ،وذلك ي صلى ال عليه وسلم » :رفع القلم عن ثلثة ... لنعدام أهليّة الداء لديهم ولحديث النّب ّ «. وحديث » :ل طلق ول عتاق في إغلق « . وأمّا السّكران ،فإن كان غير متعدّ بسكره ،كما إذا سكر مضطرّا ،أو مكرها أو بقصد العلج الضّروريّ إذا تعيّن بقول طبيب مسلم ثقة ،أو لم يعلم أنّه مسكر ،لم يقع طلقه بالتّفاق ،لفقدان العقل لديه كالمجنون دون تعدّ ،هذا إذا غاب عقله أو اختلّت تصرّفاته ، وإلّ وقع طلقه . وإن كان متعدّيا بسكره ،كأن شرب الخمرة طائعا بدون حاجة ،وقع طلقه عند الجمهور رغم غياب عقله بالسّكر ،وذلك عقابا له ،وهو مذهب سعيد ،وعطاء ،ومجاهد ، والحسن ،وابن سيرين ،والشّعبيّ ،والنّخعيّ ،وغيرهم . وذكر الحنابلة عن أحمد روايتين : الولى :بوقوع طلقه كالجمهور ،اختارها أبو بكر الخلل والقاضي . والثّانية :بعدم وقوع طلقه ،اختارها أبو بكر عبد العزيز ،وهو قول عند الحنفيّة أيضا اختاره الطّحاويّ والكرخيّ ،وقول عند الشّافعيّة ،وقد روي ذلك عن عثمان رضي ال تعالى عنه ،وهو مذهب عمر بن عبد العزيز ،والقاسم ،وطاوس ،وربيعة ،وغيرهم . ن الصّحابة جعلوا السّكران كالصّاحي في الحدّ بالقذف . وقد استدلّ لمذهب الجمهور بأ ّ
كما استدلّ لعدم وقوع طلقه بأنّه فاقد العقل كالمجنون والنّائم ،وبأنّه ل فرق بين زوال ن من كسر ساقيه جاز له أن يصلّي قاعدا ،وأنّ امرأةً لو العقل بمعصية أو غيرها ،بدليل أ ّ ضربت بطن نفسها فنفست ،سقطت عنها الصّلة .
الشّرط الرّابع :القصد والختيار :
19
-المراد به هنا :قصد اللّفظ الموجب للطّلق من غير إجبار .
وقد اتّفق الفقهاء على صحّة طلق الهازل ،وهو :من قصد اللّفظ ،ولم يرد به ما يدلّ ن جدّ ، ي صلى ال عليه وسلم » :ثلث جدّه ّ عليه حقيقةً أو مجازا ،وذلك لحديث النّب ّ وهزلهنّ جدّ :النّكاح والطّلق والرّجعة « . ن محلّه المرأة ،وهي إنسان ،والنسان أكرم ولنّ الطّلق ذو خطر كبير باعتبار أ ّ مخلوقات اللّه تعالى ،فل ينبغي أن يجري في أمره الهزل ،ولنّ الهازل قاصد للّفظ الّذي ربط الشّارع به وقوع الطّلق ،فيقع الطّلق بوجوده مطلقا . أمّا المخطئ ،والمكره ،والغضبان ،والسّفيه ،والمريض ،فقد اختلف الفقهاء في صحّة طلقهم على التّفصيل التّالي :
أ -المخطئ :
20
-المخطئ هنا :من لم يقصد التّلفّظ بالطّلق أصلً ،وإنّما قصد لفظا آخر ،فسبق
لسانه إلى الطّلق من غير قصد ،كأن يريد أن يقول لزوجته :يا جميلة ،فإذا به يقول لها خطأً :يا طالق وهو غير الهازل ،لنّ الهازل قاصد للفظ الطّلق ،إلّ أنّه غير قاصد للفرقة به . وقد اختلف الفقهاء في حكم طلق المخطئ : فذهب الجمهور إلى عدم وقوع طلقه قضا ًء وديانةً ،هذا إذا ثبت خطؤه بقرائن الحوال ، ي صلى ال عليه فإذا لم يثبت خطؤه وقع الطّلق قضاءً ،ولم يقع ديانةً ،وذلك لحديث النّب ّ وسلم » :إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه « . ول يقاس حاله على الهازل ،لنّ الهازل ثبت وقوع طلقه على خلف القياس بالحديث الشّريف المتقدّم ،وما كان كذلك فل يقاس غيره عليه . ن طلق المخطئ واقع قضا ًء ،ثبت خطؤه أم ل ،ول يقع ديانةً ،وذلك وذهب الحنفيّة إلى أ ّ لخطورة محلّ الطّلق ،وهو المرأة ،ولنّ في عدم إيقاع طلقه فتح باب الدّعاء بذلك بغير حقّ للتّخلّص من وقوع الطّلق وهو خطير ،وذريعة يجب سدّها .
ب -المكره :
21
-الكراه هنا معناه :حمل الزّوج على الطّلق بأداة مرهبة .
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلق المكره إذا كان الكراه شديدا ،كالقتل ، ي صلى ال عليه وسلم » :ل والقطع ،والضّرب المبرّح ،وما إلى ذلك ،وذلك لحديث النّب ّ طلق ول عتاق في إغلق « . وللحديث المتقدّم » :إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه « . ولنّه منعدم الرادة والقصد ،فكان كالمجنون والنّائم ،فإذا كان الكراه ضعيفا ،أو ثبت عدم تأثّر المكره به ،وقع طلقه لوجود الختيار . وذهب الحنفيّة إلى وقوع طلق المكره مطلقا ،لنّه مختار له بدفع غيره عنه به ،فوقع الطّلق لوجود الختيار . وهذا كلّه في الكراه بغير حقّ ،فلو أكره على الطّلق بحقّ ،كالمولي إذا انقضت مدّة اليلء بدون فيء فأجبره القاضي على الطّلق فطلّق ،فإنّه يقع بالجماع .
ج -الغضبان :
22
-الغضب :حالة من الضطراب العصبيّ ،وعدم التّوازن الفكريّ ،تحلّ بالنسان إذا
عدا عليه أحد بالكلم أو غيره . والغضب ل أثر له في صحّة تصرّفات النسان القوليّة ،ومنها الطّلق ،إلّ أن يصل الغضب إلى درجة الدّهش ،فإن وصل إليها لم يقع طلقه ،لنّه يصبح كالمغمى عليه . والمدهوش هو :من غلب الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته بسبب غضب اعتراه. وقسّم ابن القيّم الغضب أقساما ثلثةً نقلها عنه ابن عابدين وعلّق عليها فقال :طلق الغضبان ثلثة أقسام : أحدها :أن يحصل له مبادئ الغضب بحيث ل يتغيّر عقله ،ويعلم ما يقول ويقصده ،وهذا ل إشكال فيه . الثّاني :أن يبلغ النّهاية ،فل يعلم ما يقول ول يريده ،فهذا ل ريب أنّه ل ينفذ شيء من أقواله . الثّالث :من توسّط بين المرتبتين بحيث لم يصر كالمجنون ،فهذا محلّ النّظر والدلّة تدلّ على عدم نفوذ أقواله . ل من المدهوش والغضبان ل يلزم فيه أن يكون ثمّ قال ابن عابدين :والّذي يظهر لي أنّ ك ً بحيث ل يعلم ما يقول ،بل يكتفى فيه بغلبة الهذيان واختلط الجدّ بالهزل كما هو المفتى به في السّكران ..ثمّ قال :فالّذي ينبغي التّعويل عليه في المدهوش ونحوه :إناطة الحكم بغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته ،فما دام في حال غلبة الخلل في القوال
ن هذه المعرفة والرادة غير معتبرة والفعال ل تعتبر أقواله وإن كان يعلمها ويريدها ،ل ّ لعدم حصولها عن إدراك صحيح كما ل تعتبر من الصّبيّ العاقل .
د -السّفيه :
23
-السّفه :خفّة في العقل تدعو إلى التّصرّف بالمال على غير وفق العقل والشّرع .
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع طلق السّفيه ،لنّه مكلّف مالك لمحلّ الطّلق ،ولنّ صةً ،وهذا تصرّف في النّفس ،وهو غير متّهم في حقّ السّفه موجب للحجر في المال خا ّ نفسه ،فإن نشأ عن طلق السّفيه آثار ماليّة كالمهر فهي تبع ل أصل . وخالف عطاء ،وقال بعدم وقوع طلق السّفيه .
هم – المريض :
24
– المرض إذا أطلق في عرف الفقهاء انصرف إلى مرض الموت غالبا ،إلّ أن ينصّ
فيه على غيره . وقد اتّفق الفقهاء على صحّة طلق المريض مطلقا ،سواء أكان مرض موت أم مرضا عاديّا ،ما دام ل أثر له في القوى العقليّة ،فإن أثّر فيها دخل في باب الجنون والعته وغير ذلك ممّا تقدّم . إلّ أنّ المريض مرض موت بخاصّة إذا طلّق زوجته المدخول بها في مرضه بغير طلب منها أو رضا طلقا بائنا ،ثمّ مات وهي في عدّتها من طلقه هذا ،فإنّه يعدّ فارّا من إرثها حكما ،وترث منه رغم وقوع الطّلق عليها عند جمهور الفقهاء . وقيّد الحنفيّة ذلك بما إذا لم تطلب الطّلق البائن ،فإذا طلبت هذا الطّلق فل ترث . وخالف الشّافعيّة ،وقالوا بعدم إرث البائنة ،أمّا المعتدّة من طلق رجعيّ فترث بالتّفاق . أمّا المريض بغير مرض الموت وكذلك غير المريض فل يتأتّى في طلقهما الفرار من الرث.
الشّروط المتعلّقة بالمطلّقة :
يشترط في المطلّقة ليقع الطّلق عليها شروط ،هي :
الشّرط الوّل :قيام الزّوجيّة حقيقةً أو حكما :
25
-وذلك بأن تكون المطلّقة زوجةً للمطلّق ،أو معتدّةً من طلقه الرّجعيّ ،فإذا كانت
معتدّةً من طلق بائن أو فسخ ،فقد تقدّم الختلف فيه عند الكلم على محلّ الطّلق . هذا في الطّلق المنجّز ،فإذا علّق طلقها بشرط ،كأن قال :إن دخلت دار فلن فأنت ح الطّلق ،وإن كانت معتدّةً عند التّعليق ففيه طالق ،فإن كانت عند التّعليق زوجةً ص ّ الخلف المتقدّم في الطّلق المنجّز .
فإن كانت عند التّعليق أجنب ّيةً ثمّ تزوّجها ،ثمّ حصل الشّرط المعلّق عليه ،فإن أضاف التّعليق إلى النّكاح -كأن قال للجنبيّة :إن تزوّجتك فأنت طالق ،ثمّ تزوّجها -طلقت عند الحنفيّة والمالكيّة خلفا للشّافعيّة . وإن أضافه إلى غير النّكاح ،بأن قال للجنبيّة :إن دخلت دار فلن فأنت طالق ،ثمّ تزوّجها ،ثمّ دخلت ،لم تطلق بالتّفاق . وكذلك إن دخلت الدّار قبل الزّواج ،فإنّها ل تطلق من باب أولى . فإذا علّق طلق الجنبيّة على غير النّكاح ،ونوى فيه النّكاح ،مثل أن يقول لها :إن دخلت دار فلن فأنت طالق ،ثمّ تزوّجها ،ث ّم دخلت الدّار المحلوف عليها ،طلقت عند المالكيّة للنّيّة ،ولم تطلق عند الجمهور لعدم الضافة للنّكاح لفظا .
الشّرط الثّاني :تعيين المطلّقة بالشارة أو بالصّفة أو بال ّنيّة .
26
-اتّفق الفقهاء على اشتراط تعيين المطلّقة ،وطرق التّعيين ثلثة :
الشارة ،والوصف ،والنّيّة ،فأيّها قدّم جاز ،فإذا تعارض الثّلثة ففيه التّفصيل التّالي : اتّفق الفقهاء على أنّه إذا عيّن المطلّقة بالشارة والصّفة والنّيّة وقع الطّلق على المعيّنة ، كأن قال لزوجته الّتي اسمها عمرة مشيرا إليها :يا عمرة ،أنت طالق ،قاصدا طلقها ، فإنّها تطلق بالتّفاق ،لتمام التّعيين بذلك . فإن أشار إلى واحدة من نسائه لمتعدّدات دون أن يصفها بوصف ،ولم ينو غيرها ،وقال ن الشارة كافية للتّعيين ،وكذلك إذا لها :أنت طالق ،وقع الطّلق عليها بالتّفاق أيضا ،ل ّ وصفها بوصفها دون إشارة ودون قصد غيرها ،فإنّها تطلق أيضا ،كما إذا قال :سلمى طالق . فإن نوى واحدةً من نسائه ،ولم يشر إليها ولم يصفها ،كما إذا قال :إحدى نسائي طالق ، ونوى واحد ًة منهنّ ،فإنّها تطلق دون غيرها ،وكذلك لو قال :امرأتي طالق ،وليس له غير زوجة واحدة ،فإنّها تطلق . فإن أشار إلى واحدة من نسائه ،ووصف غيرها ،بأن قال لحدى زوجاته واسمها سلمى :أنت يا عمرة طالق ،وكانت الخرى اسمها عمرة ،طلقت المشار إليها عند الحنفيّة قضاءً ،ولم تطلق عمرة للقاعدة الفقهيّة الكلّيّة :الوصف في الحاضر لغو ،وفي الغائب معتبر وكذلك إذا أشار إليها ووصفها بغير وصفها ،فإنّها تطلق ،كما إذا قال لمرأته ،أنت يا غزالة طالق ،للقاعدة السّابقة . فإذا لم يشر إليها ،ولكن وصفها بوصف هو فيها ،وعنى بها غيرها ،كأن قال :زوجتي سلمى طالق ،وقصد غيرها ،ديّن إن كان له زوجة اسمها سلمى -ووقع ديانةً -فإن لم
يكن له لم يقع الطّلق عليه ديان ًة ول قضا ًء ،لعدم التّعيّن أصلً ،وعدم احتمال اللّفظ للنّيّة ن طوالق ،ونوى زوجته ،طلقت زوجته عند الحنفيّة ،فإن لم .فإن قال :نساء الدّنيا كلّه ّ ن طوالق ،طلقت زوجته ،نواها أم لم ينوها ، ينوها لم تطلق ،وإن قال :نساء محلّتي كلّه ّ ن طلقت ،وإلّ ،فقد ذهب أبو ن طوالق ،فإن نوى زوجته فيه ّ فإن قال :نساء مدينتي كلّه ّ يوسف إلى عدم طلقها ،وهو رواية عن محمّد بن الحسن أيضا ،وفي رواية أخرى عن محمّد بن الحسن أنّها تطلق كما في نساء الحيّ . ولو قال :نساء المسلمين طوالق لم تطلق امرأته في الصحّ عند الشّافعيّة . ولو كان له زوجتان :سلمى وعمرة ،فدعا سلمى فأجابته عمرة ،فظنّها سلمى فطلّقها ، طلقت سلمى ديان ًة وقضاءً عند المالكيّة للقصد ،أمّا عمرة فتطلق قضا ًء ل ديان ًة لعدم القصد. وذهب الشّافعيّة إلى طلق المجيبة في الصحّ ،أمّا المناداة فلم تطلق ،وفي قول آخر لم تطلقا . ولو قال الرّجل لزوجته وأجنبيّة معها :إحداكما طالق ،ثمّ قال :قصدت الجنبيّة ،قبل قوله في الصحّ لدى الشّافعيّة ،لحتمال كلمه ذلك ولكون الجنبيّة من حيث الجملة قابلةً -أي للطّلق -فتقدّم النّيّة ،وفي قول آخر تطلق زوجته ،لنّها مح ّل الطّلق دون الثّانية ،فل يصرف قوله إلى قصده ،للقاعدة الفقهيّة الكلّيّة :إعمال الكلم أولى من إهماله ،فإن لم يكن له قصد أصلً ،طلقت زوجته قولً واحدا للقاعدة السّابقة ،فلو قال لزوجته ورجل : أحدكما طالق ،وقصد الرّجل ،بطل قصده ،وطلقت زوجته ،لنّ الرّجل ليس محلّ الطّلق أصلً . ولو قال لحدى زوجتيه :إحداكما طالق إن فعلت كذا ،ثمّ فعل المحلوف عليه بعد موت إحداهما ،تعيّنت الثّانية الحيّة للطّلق ،طلقت . ونصّ الحنابلة على أنّه لو قال لزوجاته الربع :إحداكنّ طالق ،فإن كان له نيّة طلقت الّتي نواها ،وإن لم يكن له نيّة أقرع بينهنّ ،ومن وقعت القرعة عليها كانت هي المطلّقة ، وقال مالك :طلقن جميعا ،وذهب الجمهور إلى أنّه يخيّر ،ويقع الطّلق على من يختارها منهنّ للطّلق . فإن طلّق واحدةً من نسائه ونسيها ،أخرجت المطلّقة بالقرعة أيضا عند الحنابلة . وعند أكثر الفقهاء ل يعوّل على القرعة لبيان من وقع الطّلق عليها ،ولكن على تعيينه هو.
وتطليق جزء المطلّقة كتطليقها كلّها إذا كان الجزء شائعا وأضافه إليها ،كقوله لزوجته : نصفك طالق ،أو ثلثك ،أو ربعك ،أو جزء من ألف منك ..فإن أضافه إلى جزء معيّن منها ،فإن كان هذا الجزء المعيّن ثابتا فيها وجزءا ل يتجزّأ منها كرأسها ،وبطنها ... فكذلك الحكم ،وإن كان غير ثابت كلعابها ،وعرقها ،وسائر فضلتها لم تطلق ،وهذا مذهب الجمهور . وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن طلّق جزءا شائعا منها طلقت ،وإن طلّق جزءا معيّنا ،فإن كان ممّا يعبّر به عنها عادةً كالرّأس ،والوجه ،والرّقبة ،والظّهر ..طلقت ،وإن كان ل يعبّر به عنها عاد ًة كاليد والرّجل لم تطلق فإن تعارفه النّاس طلقت به أيضا .
الشّروط المتعلّقة بصيغة الطّلق :
27
-صيغة الطّلق هي اللّفظ المعبّر به عنه ،إلّ أنّه يستعاض عن اللّفظ في أحوال
بالكتابة أو الشارة . ولكلّ من اللّفظ والكتابة والشارة شروط ل بدّ من توافرها فيه ،وإلّ لم يقع الطّلق ،وهذه الشّروط هي :
أ -شروط اللّفظ :
يشترط في اللّفظ المستعمل في الطّلق شروط هي :
ن بحصول اللّفظ وفهم معناه : الشّرط الوّل :القطع أو الظّ ّ
28
-المراد هنا :حصول اللّفظ وفهم معناه ،وليس نيّة وقوع الطّلق به ،وقد تكون نيّة
الوقوع شرطا في أحوال كما سيأتي . وعلى هذا إذا حلف المطلّق بشيء ،ثمّ شكّ أكان حلفه بطلق أم بغيره ،فإنّه لغو ول يقع ك أطلّق أم ل ؟ فإنّه ل يقع به شيء من باب أولى ،فإن تيقّن أو به شيء ،وكذلك إذا ش ّ ك في العدد ،أطلّق واحدةً ،أم ثنتين ،أم أكثر من ذلك ؟ بنى على القلّ ظنّ أنّه طلّق ثمّ ش ّ ك ل يثبت به حكم شرعيّ بخلف الظّنّ ن به والشّكّ فيما فوقه ،والشّ ّ لحصول اليقين أو الظّ ّ واليقين ،وهذا عند جمهور الفقهاء ومنهم أبو حنيفة ومحمّد ،وذهب أبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه يتحرّى ،فإن استويا عنده حمل بأشدّ ذلك عليه احتياطا في قضايا الفروج ، قال ابن عابدين تعليقا على ذلك :ويمكن حمل الوّل على القضاء ،والثّاني على الدّيانة . ل ،وخالف فإذا نوى التّلفّظ بالطّلق ثمّ لم يتلفّظ به ،لم يقع بالتّفاق ،لنعدام اللّفظ أص ً الزّهريّ ،وقال بوقوع طلق النّاوي له من غير تلفّظ . ن اللّه تجاوز لمّتي عمّا حدّثت به ودليل الجمهور قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :إ ّ أنفسها ،ما لم تعمل أو تكلّم به « .
ولو لقّن أعجميّ لفظ الطّلق وهو ل يعرف معناه ،فقاله لم يقع به شيء وكذلك عربيّ إذا لقّن لفظا أعجميّا يفيد الطّلق وهو ل يعرف ذلك لم يقع مطلقا .
الشّرط الثّاني :نيّة وقوع الطّلق باللّفظ :
29
-هذا خاصّ بالكنايات من اللفاظ ،أمّا الصّريح فل يشترط لوقوع الطّلق به نيّة
ل ،واستثنى المالكيّة بعض ألفاظ الكناية حيث أوقعوا الطّلق بها من غير نيّة الطّلق أص ً كالصّريح ،وهي الكنايات الظّاهرة ،كقول المطلّق لزوجته :سرّحتك ،فإنّه في حكم : طلّقتك ،ووافقهم الحنابلة في ذلك على ما ذكره القاضي ،خلفا لما فهم من كلم الخرقيّ ، وذكر في نيل المآرب أنّ لفظ :سراح من الكنايات فيحتاج للنّيّة . وهل تقوم قرائن الحوال والعرف مقام النّيّة في الكنايات ؟ ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى ذلك ،وخالف المالكيّة والشّافعيّة ،وقالوا :ل عبرة بالعرف ي حرام ،فإن قصد به طلقها وقرائن الحال ،وعلى ذلك إذا قال الرّجل لزوجته :أنت عل ّ طلقت عند جمهور الفقهاء للنّيّة ،وقال الحنابلة :يكون ظهارا ،وإن لم يقصد به الطّلق لم تطلق عند الشّافعيّة ،وتطلق عند متأخّري الحنفيّة ،وفي المشهور عند المالكيّة تطلق ثلثا في المدخول بها ،وينوّى – أي يسأل عن نيّته – في غير المدخول بها . ل كقوله ل ها :ا سقني ما ًء ؟ إن لم ي نو به الطّلق لم و هل ي قع الطّلق بل فظ ل يحتمله أ ص ً يقع به شيء بالجماع ،وإن نوى به الطّلق وقع الطّلق به عند المالكيّة على المشهور ، ول يقع به شيء على مذهب الجمهور ،وهو قول ثان للمالكيّة .
ب -شروط الكتابة :
اشترط الفقهاء لوقوع الطّلق بالكتابة شرطين :
الشّرط الوّل :أن تكون مستبينةً :
30
-والمقصود أن تكون مكتوبةً بشكل ظاهر يبقى له أثر يثبت به ،كالكتابة على الورق ،
أو الرض ،بخلف الكتابة في الهواء أو الماء ،فإنّها غير مستبينة ول يقع بها الطّلق ، وهذا لدى الجمهور ،وفي رواية لحمد يقع بها الطّلق ولو لم تكن متبيّنةً .
الشّرط الثّاني :أن تكون مرسومةً :
31
-قال الحنفيّة :الكتابة إذا كانت مستبينةً ومرسومةً يقع الطّلق بها ،نوى أو لم ينو ،
وإذا كانت غير مستبينة ل يقع مطلقا وإن نوى . أمّا إذا كانت مستبينةً غير مرسومة ،فإن نوى يقع ،وإلّ ل يقع وقيل :يقع مطلقا . والكتابة المرسومة عندهم هي :ما كان معتادا ويكون مصدرا ومعنونا ،مثل ما يكتب إلى
الغائب ،والكتابة المستبينة هي :ما يكتب على الصّحيفة والحائط والرض ،على وجه يمكن فهمه وقراءته . وقال المالكيّة :إن كتب الطّلق مجمعا عليه - ،ناويًا له ، -أو كتبه ولم يكن له نيّة وقع ،وإن كتبه ليستخير فيه ،كان المر بيده ،إلّ أن يخرج الكتاب من يده . وقال الشّافعيّة :لو كتب ناطق طلقا ولم ينوه فلغو ،وإن نواه فالظهر وقوعه . وقال الحنابلة :إن كتب صريح طلق امرأته بما يتبيّن وقع وإن لم ينوه ،وإن نوى تجويد خطّه أو غمّ أهله أو تجربة قلمه لم يقع ،ويقبل منه ذلك حكما . وإن كتب صريح طلق امرأته بشيء ل يتبيّن لم يقع .
ج -شروط الشارة :
32
-جمهور الفقهاء على عدم صحّة الطّلق بالشارة من القادر على الكلم ،وخالف
المالكيّة ،فقالوا :يقع الطّلق بإشارة القادر على الكلم ،كالخرس إن كانت إشارته مفهمةً ،وإن لم تكن مفهمةً لم يقع بها الطّلق عند الكثر ،وفي قول لبعض المالكيّة يقع بها الطّلق بالنّيّة ،ومقابل الصحّ عند الشّافعيّة أنّ إشارة النّاطق بالطّلق كناية لحصول الفهام بها في الجملة . فأمّا الخرس ،فالجمهور على وقوع الطّلق بإشارته ،وخصّ الحنفيّة ذلك بعجزه عن الكتابة في ظاهر الرّواية ،فإن قدر على الكتابة لم يصحّ طلقه بالشارة ،وهو قول لدى الشّافعيّة أيضا ،إلّ أنّه مرجوح عندهم . ثمّ إن كانت إشارته مفهومةً لدى كلّ النّاس ،وقع بها الطّلق بغير نيّة كالصّريح ،وإن كانت مفهومةً لدى بعضهم فقط ،وقع الطّلق بها مع النّيّة فقط كما في الكتابة ،صرّح بذلك الشّافعيّة كما اشترط الحنفيّة لوقوع الطّلق بالشارة من الخرس أن يكون خرسه منذ الولدة أو طرأ عليه واستم ّر إلى الموت في القول المفتى به ،ولذا كان طلقه موقوفا على موته ،وفي قول آخر :إذا دام سنةً كان كمن ولد أخرس .
أنواع الطّلق :
33
-للطّلق أنواع مختلفة تختلف بحسب النّظر إليه :
ي. فهو من حيث الصّيغة المستعملة فيه على نوعين :صريح وكنائ ّ ومن حيث الثر النّاتج عنه على نوعين :رجعيّ وبائن ،والبائن على نوعين :بائن بينونة صغرى ،وبائن بينونة كبرى . ي. ومن حيث صفته على نوعين :سنّيّ وبدع ّ
ومن حيث وقت وقوع الثر النّاتج عنه على ثلثة أنواع :منجّز ،ومعلّق على شرط ، ومضاف إلى المستقبل . وتفصيل ذلك كما يلي :
أ ّولً :الصّريح والكنائيّ :
34
ن الصّريح في الطّلق هو :ما لم يستعمل إلّ فيه غالبا ،لغةً أو -اتّفق الفقهاء ،على أ ّ
ي بل نيّة ،وليس بين التّعريفين تناف ، عرفا ،وعرّف كذلك بأنّه :ما ثبت حكمه الشّرع ّ بل تكامل ،فالوّل تعريفه بحسب اللّفظ المستعمل فيه ،والثّاني بحسب الثر النّاتج عنه . ي في الطّلق هو :ما لم يوضع اللّفظ له ،واحتمله وغيره ،فإذا كما اتّفقوا على أنّ الكنائ ّ ل لم يكن كنايةً ،وكان لغوا لم يقع به شيء . لم يحتمله أص ً ن الصّريح يقع به الطّلق بغير نيّة ،وكذلك بالنّيّة المناقضة قضا ًء فقط ، واتّفقوا على أ ّ وعلى ذلك فلو أطلق اللّفظ الصّريح ،وقال :لم أنو به شيئا وقع به الطّلق ،ولو قال : نويت غير الطّلق لم يصدّق قضا ًء وصدّق ديانةً ،هذا ما لم يحفّ باللّفظ من قرائن الحال ما يدلّ على صدق نيّته في إرادة غير الطّلق ،فإن وجدت قرينة تدلّ على عدم قصده الطّلق صدّق قضا ًء أيضا ،ولم يقع به عليه طلق ،وذلك كما إذا أكره على الطّلق فطلّق صريحا غير ناو به الطّلق ،فإنّه ل يقع ديانةً ول قضا ًء لقرينة الكراه . وهذا لدى الجمهور ،وخالف الحنفيّة وقالوا بوقوع الطّلق من المكره كما تقدّم . ن اللّفظ يحتمل الطّلق وغيره ،فل أمّا الكنائيّ فل يقع به الطّلق إلّ مع النّيّة ،ذلك أ ّ ن اللّفظ يحتمله ،فيصرف إليه بها . يصرف إلى الطّلق إلّ بالنّيّة ،وأمّا وقوعه بالنّيّة فل ّ وقد ألحق المالكيّة الكنايات الظّاهرة بالصّريح ،فأوقعوا الطّلق بها بغير نيّة ،وهي الكنايات الّتي تستعمل في الطّلق كثيرا وإن لم توضع له في الصل ،وهي لفظ :الفراق والسّراح . ي أنّه ل يقع به ن مفهوم كلم الخرق ّ والحنابلة مع المالكيّة هنا في قول القاضي ،إلّ أ ّ الطّلق من غير نيّة مطلقا . 35
-وهل يحلّ محلّ النّيّة قرائن الحال في وقوع الطّلق بالكناية من غير نيّة ؟
ذهب الحنفيّة والحنابلة في المعتمد إلى أنّ قرائن الحال كالنّيّة في وقوع الطّلق باللّفظ الكنائيّ ،كما لو قال لزوجته في حالة غضب :الحقي بأهلك ،فإنّه طلق ولو لم ينوه ، وكذلك إذا كان في حالة مساءلة الطّلق . وذهب المالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة في رواية إلى عدم العتداد بقرائن الحال هنا ،فل يقع الطّلق باللّفظ الكنائيّ عندهم إ ّل إذا نواه مطلقا .
وقد ذهب الفقهاء إلى أنّ اللفاظ الصّريحة في الطّلق هي مادّة " طلّق " وما اشتقّ منها لغةً وعرفا ،مثل :طلّقتك ،وأنت طالق ،ومطلّقة .فلو قال لها :أنت مطلقة بالتّخفيف كان كنايةً ،فل يقع الطّلق به إلّ بالنّيّة . ن المالكيّة أنزلوا الكنايات المشهورة منزلة الصّريح في وقوع وقد تقدّمت الشارة إلى أ ّ الطّلق بها من غير نيّة ،وإن لم يعدّوها من الصّريح . وذهب الشّافعيّة في المشهور والحنابلة ،إلى أنّ الصّريح ألفاظ ثلثة هي :الطّلق والفراق ق منها لغةً وعرفا ،مثل :طلّقتك ،وأنت طالق ،ومطلّقة ،فلو قال والسّراح ،وما اشت ّ أنت مطلقة بالتّخفيف كان كنايةً ،لعدم اشتهاره في الطّلق . وأمّا الكنائيّ فما وراء الصّريح من اللفاظ ممّا يحتمل الطّلق كلفظ :اعتدّي ،واستبرئي رحمك ،والحقي بأهلك ،وأنت خليّة ،وأنت مطلقة بغير تشديد ونحو ذلك . ونصّ الحنفيّة على وقوع الطّلق باللّفظ المصحّف ،ثمّ إن كان اللّفظ صريحا وقع الطّلق به بغير نيّة ،كلفظ :طلغ ،وتلغ ،وطلك ،وتلك ...بل فرق بين أن يكون المطلّق عالما أو جاهلً ،إلّ أن يقول المطلّق :تعمّدت التّصحيف هذا للتّخويف به ،ويحفّ به من قرائن الحال ما يصدّقه ،كالشهاد على ذلك قبل الطّلق ،فإنّه ل يقع به شيء على المفتى به ،وإلّ وقع الطّلق . ولم يحصر الفقهاء الصّريح في الطّلق بالعربيّة ،بل أطلقوه فيها وفي غيرها ،وذكروا ألفاظا بالفارسيّة والتّركيّة يقع بها الطّلق صريحا بغير نيّة ،مثل " :سان بوش " بالتّركيّة " وبهشتم " بالفارسيّة ،وقد جرى في هذه اللفاظ بعض اختلف بينهم ،أهي من الصّريح ي ؟ والحقيقة أنّ مر ّد ذلك إلى من يعلم بهذه اللّغات والعراف . أم من الكنائ ّ
ما يقع بالصّريح والكنائيّ من الطّلق :
36
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ طلق الزّوج يكون رجعيّا دائما ول يكون بائنا إلّ في
أحوال ثلث ،وهي : أ -الطّلق قبل الدّخول ،ويكون بائنا . ب -الطّلق على مال ،ويكون بائنا ضرورة وجوب المال به على الزّوجة ،ذلك أنّها لم تبذله له إلّ لبينونتها . ج -الطّلق الثّلث ،وذلك ضرورة وقوع البينونة الكبرى به ،بنصّ الية الكريمة { :فَإِن حلّ َل ُه مِن َبعْدُ حَ ّتىَ تَن ِكحَ َز ْوجًا غَيْرَهُ } . ل َت ِ طَّل َقهَا فَ َ هذا إلى جانب أحوال يكون الطّلق في بعضها بائنا إذا كان بحكم القاضي ،كالتّفريق للغيبة ،والتّفريق لليلء ،والتّفريق للعيب ،والتّفريق للشّقاق والضّرر ،والتّفريق
ن الكنائيّ يقع الطّلق به بائنا مطلقا ،إلّ ألفاظا قليلةً للعسار بالنّفقة .وذهب الحنفيّة إلى أ ّ قدر وجود لفظ الطّلق الصّريح فيها ،فيكون رجعيّا ،مثل :اعتدّي ،واستبرئي رحمك ، وأنت واحدةً .والتّقدير :طلّقتك فاعتدّي ،وطلّقتك فاستبرئي رحمك ،وأنت طالق طلقةً واحدةً . أمّا الصّريح فيقع به الطّلق رجعيّا بشروط ،وهي : الوّل :يكون بعد الدّخول ،فإذا كان قبل الدّخول وقع به الطّلق بائنا مطلقا ،سواء أكان بلفظ صريح أم بلفظ كنائيّ . الثّاني :أن ل يكون مقرونا بعوض ،فإن قرن بعوض -طلق على مال -كان بائنا . الثّالث :أن ل يكون مقرونا بعدد الثّلث لفظا أو إشارةً أو كتابةً ،وأن ل يكون الثّالث بعد ن الطّلق الثّالث ل يكون إلّ بائنا بينونةً طلقتين سابقتين عليه ،رجعيّتين أو بائنتين ،ل ّ كبرى . الرّابع :أن ل يكون موصوفا بصفة تنبئ عن البينونة ،أو تدلّ عليها من غير حرف العطف ،كقوله لها :أنت طالق بائنا ،بخلف :أنت طالق وبائن ،فإنّه يقع بالولى طلقة رجعيّة ،وبالثّانية طلقة بائنة ،وكذلك أنت طالق طلقةً تملكين بها نفسك ،فإنّه بائن . الخامس :أن ل يكون مشبّها بعدد أو صفة تدلّ على البينونة ،كأن يقول لها :أنت طالق مثل هذه ويشير بأصابعه الثّلثة ،فإنّها تبين منه بثلث طلقات . فإذا تخلّف شرط من هذه الشّروط وقع به الطّلق بائنا .
ثانيا :الرّجعيّ والبائن :
37
-الطّلق الرّجعيّ هو :ما يجوز معه للزّوج ر ّد زوجته في عدّتها من غير استئناف
عقد ،والبائن هو :رفع قيد النّكاح في الحال . هذا ،والطّلق البائن على قسمين :بائن بينونة صغرى ،وبائن بينونة كبرى . فأمّا البائن بينونة صغرى فيكون بالطّلقة البائنة الواحدة ،وبالطّلقتين البائنتين ،فإذا كان الطّلق ثلثا ،كانت البينونة به كبرى مطلقا ،سواء كان أصل كلّ من الثّلث بائنا أم رجعيّا بالتّفاق . فإذا طلّق الزّوج زوجته رجعيّا حلّ له العود إليها في العدّة بالرّجعة ،دون عقد جديد ،فإذا مضت العدّة عاد إليها بعقد جديد فقط . فإذا طلّق زوجته طلقةً بائنةً واحدةً أو اثنتين جاز له العود إليها في العدّة وبعدها ،ولكن ليس بالرّجعة ،وإنّما بعقد جديد .
فإذا طلّقها ثلثا كانت البينونة كبرى ،ولم يحلّ له العود إليها حتّى تنقضي عدّتها وتتزوّج من غيره ،ويدخل بها ،ثمّ تبين منه بموت أو فرقة ،وتنقضي عدّتها ،فإن حصل ذلك حلّ حلّ َل ُه مِن َبعْ ُد حَ ّتىَ تَن ِكحَ ل َت ِ له العود إليها بعقد جديد ،وذلك لقوله سبحانه { :فَإِن طَّلقَهَا فَ َ ك حُدُودُ ح عَلَ ْي ِهمَا أَن يَ َترَاجَعَا إِن ظَنّا أَن ُيقِيمَا حُدُودَ الّل ِه وَتِلْ َ َزوْجا غَيْرَهُ فَإِن طَّل َقهَا َفلَ جُنَا َ الّلهِ يُبَيّ ُنهَا ِل َقوْ ٍم َيعْ َلمُونَ } .
البينونة الكبرى والصّغرى :
38
-البينونة عند إطلقها تنصرف للصّغرى ،ول تكون كبرى إلّ إذا كانت ثلثا .
إلّ أنّ طرق وقوع الثّلث اختلف الفقهاء في بعضها ،واتّفقوا في بعضها الخر حسب التي :اتّفق الفقهاء على أنّ الزّوج إذا طلّق زوجته مرّ ًة واحدةً رجع ّيةً أو بائن ًة ،ثمّ عاد إليها بعقد أو رجعة ،ثمّ طلّقها مرّةً أخرى رجعيّا أو بائنا ،ثمّ عاد إليها بعقد أو رجعة ،ثمّ طلّقها للمرّة الثّالثة كان ثلثا ،وبانت منه بينون ًة كبرى ،وذلك لقوله سبحانه { :الطّلَقُ حسَانٍ } . ف َأوْ َتسْرِيحٌ بِ ِإ ْ مَرّتَانِ َفِإ ْمسَاكٌ ِب َمعْرُو ٍ حلّ َلهُ مِن َبعْدُ حَ ّتىَ تَن ِكحَ َزوْجا غَ ْيرَهُ } . وقوله { :فَإِن طَّل َقهَا َفلَ َت ِ كما اتّفقوا على أنّه إذا طلّقها مرّ ًة واحدةً ،ثمّ طلّقها ثانيةً بعد انقضاء عدّتها ،أنّ الثّانية ل ل للطّلق ،لنقضاء الزّوجيّة بالكلّيّة ،والطّلق خاصّ تقع عليها ،لعدم كونها مح ً بالزّوجات ،وكذلك إذا طلّقها ثالثةً بعد ذلك ،فإنّها ل تقع عليها ،وفي هذه الحال تكون البينونة صغرى ويحلّ له العود إليها بعقد جديد . ن الحكم يختلف باختلف اللّفظ . والمطلّقة قبل الدّخول بها إذا طلّقها :فإ ّ فذهب المالكيّة والحنابلة إلى وقوع الثّانية والثّالثة عليها -كالمدخول بها -إذا عطفهنّ ن العطف بالواو يقتضي المغايرة ، ن بالواو فقال :أنت طالق وطالق وطالق ،ل ّ على بعضه ّ ن كالكلمة الواحدة . فتكون الولى غير الثّانية ،وه ّ وذهب الحنفيّة إلى أنّه لو قال لغير الموطوءة :أنت طالق واحدةً وواحدةً بالعطف ،أو قبل واحدة ،أو بعدها واحدة ،تقع واحدة بائنة ،ول تلحقها الثّانية لعدم العدّة ،وكذلك إذا عطفها بالفاء وثمّ . وفي أنت طالق واحدةً بعد واحدة ،أو قبلها أو مع واحدة أو معها واحد ثنتان ،الصل : ن اليقاع في الماضي إيقاع في الحال أنّه متى أوقع بالوّل لغا الثّاني ،أو بالثّاني اقترنا ،ل ّ .ويقع بأنت طالق واحد ًة وواحدةً إن دخلت الدّار ثنتان لو دخلت لتعلّقهما بالشّرط دفعةً ، ن المعلّق كالمنجّز . وتقع واحدة إن قدّم الشّرط ،ل ّ
وقال الشّافعيّة :لو قال لغير موطوءة :أنت طالق وطالق وطالق وقعت طلقة ،لنّها تبين بالولى ،فل يقع ما بعدها ،ولو قال لها :إن دخلت الدّار فأنت طالق وطالق فدخلت وقعت ثنتان في الصحّ لنّهما متعلّقان بالدّخول ول ترتيب بينهما ،وإنّما يقعان معا ،والثّاني مقابل الصحّ ل يقع إلّ واحدة كالمنجّز ،ولو عطف بثمّ أو نحوها ممّا يقتضي التّرتيب لم يقع بالدّخول إلّ واحدة . ولو قال لها :أنت طالق إحدى عشرة طلقةً طلقت ثلثا ،بخلف إحدى وعشرين ،فل يقع إلّ طلقة للعطف . ولو قال لها :أنت طالق طلقةً مع طلقة ،أو معها طلقة ،فثنتان معا في الصحّ ،وقيل على التّرتيب واحدة تبين بها . ولو قال لها :أنت طالق طلقةً قبل طلقة أو طلقةً بعدها طلقة ،فطلقة واحدة ،لنّها تبين بالولى ،فل تصادف الثّانية نكاحا . أمّا المدخول بها إن طلّقها طلقةً واحدةً ،ثمّ طلّقها ثانيةً في عدّتها ،فإن كانت الولى رجع ّيةً ،فقد ذهب الجماهير إلى وقوع الثّانية ،فإذا طلّقها ثالث ًة في العدّة -وكانت الثّانية رجع ّيةً أيضا -وقعت الثّالثة وبانت منه بينونةً كبرى ،هذا ما لم ينو بالثّانية والثّالثة تأكيد الولى ،فإن نوى تأكيد الولى صدّق ديان ًة ،ولم يصدّق قضاءً ،وأمضي عليه الثّلث ،ما لم تحفّ به قرائن أحوال ترجّح صحّة نيّته ،فإن حفّت به قرائن حال ترجّح صحّة نيّته صدّق ديانةً وقضاءً ،كما إذا طلّق زوجته فسئل :ماذا فعلت ؟ فقال :طلّقتها ،أو قلت : ص على ذلك الحنفيّة . هي طالق ،ن ّ ونصّ الشّافعيّة على قريب من ذلك ،قال في مغني المحتاج :وإن قال :أنت طالق ،أنت طالق ،أنت طالق وتخلّل فصل ،فثلث ،سواء أقصد التّأكيد أم ل ،لنّه خلف الظّاهر ، لكن إذا قال :قصدت التّأكيد ،فإنّه يديّن ،فإن تكرّر لفظ الخبر فقط ،كأنت طالق طالق طالق ،فكذا عند الجمهور خلفا للقاضي في قوله :يقع واحدة ،وإن لم يتخلّل فصل ،فإن قصد تأكيدا -أي قصد تأكيد الولى بالخيرتين -فواحدة ،أو قصد استئنافا فثلث ،وكذا إذا أطلق بأن لم يقصد تأكيدا ول استئنافا يقع ثلث في الظهر . والحنابلة في هذا مع الشّافعيّة . والمالكيّة مذهبهم ل يخرج عن ذلك .قال الدّردير :وإن كرّره ثلثا بل عطف لزمه ثلث في المدخول بها كغيرها ،أي غير المدخول بها يلزمه الثّلث إن نسّقه ولو حكما ،كفصله بسعال ،إلّ لنيّة تأكيد فيهما -أي في المدخول بها وغيرها -فيصدّق بيمين في القضاء ،
ن العطف وبغيرها في الفتوى ،بخلف العطف فل تنفعه نيّة التّأكيد مطلقا كما تقدّم ،ل ّ ينافي التّأكيد . 39
-فإذا طلّقها بائنا واحدةً ،أو اثنتين معا ،ثمّ طلّقها ثانيةً وثالثةً في عدّتها ،لم تقع
الثّانية أو الثّالثة عند الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة لخروجها عن الزّوجيّة بالولى ،فلم تعد محلً للطّلق بعد ذلك . ن الولى أو الثّانية إذا كانتا بلفظ صريح ،لحقتها الثّانية والثّالثة ،بلفظ وذهب الحنفيّة إلى أ ّ صريح كانت أو كنائيّ ،فإذا كانت الولى أو الثّانية بائنا لحقتها الثّانية والثّالثة إذا كانت بلفظ صريح فقط ،فإذا كانت بائنا لم تلحقها إذا أمكن جعلها إخبارا عنها لحتمال ذلك ، كقوله لها :أنت بائن بائن فإن لم يمكن جعلها إخبارا عنها لحقتها أيضا ،كقوله لها :أنت بائن ثمّ قوله :أنت بائن بأخرى ،فإنّها تلحقها لتعذّر جعلها إخبارا عنها . فإذا طلّقها وذكر أنّه ثلث لفظا وقع ثلث عند جمهور الفقهاء وكذلك إذا قال :اثنتين ،فإنّه يقع عليه اثنتان ،كأن يقول لها :أنت طالق ثلثا ،أو أنت طالق اثنتين . فإذا قال لها :أنت طالق وأشار بأصابعه الثّلث ،فقد ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه إن قال لها " :هكذا " مع الشارة وقع الثّلث ،وإن قال :مثل هذه ،مع الشارة بالثّلث وقع ثلث إن نواها ،وإلّ وقعت واحدة ،فإن لم يقل شيئا مع الشارة بالصابع وقعت واحدة ولغت الشارة . فإن كتب لها ثلثا بدل الشارة بالصابع ،فمثل الشارة . فإن قال لها :أنت طالق أكبر الطّلق أو أغلظه ..فإن نوى به ثلثا ،فثلث لحتمال اللّفظ ذلك ،وإلّ وقع به واحدة بائن . إلّ أنّ الشّافعيّة نصّوا على أنّه لو قال لها :أنت طالق ،ونوى عددا وقع ما نواه ،فإن قال :أنت طالق واحدةً ،ونوى عددا ،وقع ما نواه واحدةً به على الرّاجح ،لنّ الملفوظ يناقض المنويّ ،واللّفظ أقوى ،فالعمل به أولى . وقيل :يقع المنويّ عملً بالنّيّة . والحنابلة مع الحنفيّة والشّافعيّة فيما تقدّم ،إلّ أنّه روي عن المام أحمد قوله :وإذا قال لها :أنت بريّة ،أو أنت بائن أو حبلك على غاربك ،أو الحقي بأهلك ،فهو عندي ثلث ، ولكن أكره أن أفتي به ،سواء دخل بها أم لم يدخل . أمّا الحنفيّة والشّافعيّة فيوقعون بذلك ثلثا إن نواها ،لحتمال اللّفظ لها ،فإذا لم ينو الثّلث لم يقع به ثلث .
والمالكيّة مع الجمهور في كلّ ما تقدّم ،إلّ أنّهم في المسألة الخيرة يقولون :يقع ثلث مطلقا ،إلّ في الخلع أو قبل الدّخول ،فيكون واحدةً . فإذا قال لها :أنت طالق واحدةً ،ونوى به ثلثا ،وقع واحدة ،وبطلت النّيّة ،لعدم احتمال اللّفظ لها ،فإن قال لها :أنت طالق ثلثا ونوى به واحدةً ،وقع عليه ثلث عند الجميع ، لصراحة اللّفظ ،فل تعمل النّيّة بخلفه .فإن قال لها :أنت طالق ونوى به ثلثا ،وقع به واحدة عند الحنفيّة ،وهو إحدى روايتين عند الحنابلة ،وفي الرّواية الثّانية يقع ثلث ، وهو قول مالك والشّافعيّ .
س ّنيّ والبدعيّ : ثالثا :ال ّ
40
-قسّم الفقهاء الطّلق من حيث وصفه الشّرعيّ إلى سنّيّ وبدعيّ .
ي :ما وافق السّنّة في طريقة إيقاعه ،والبدعيّ :ما خالف السّنّة في ذلك ، يريدون بالسّنّ ّ ول يعنون بالسّنّيّ أنّه سنّة ،لما تقدّم من النّصوص المنفّرة من الطّلق ،وأنّه أبغض الحلل إلى اللّه تعالى . وقد اختلف الفقهاء في بعض أحوال كلّ من السّنّيّ والبدعيّ ،واتّفقوا في بعضها الخر ، كما يلي : ي ،وقسّموا السّنّيّ إلى قسمين :حسن وأحسن . قسّم الحنفيّة الطّلق إلى سنّيّ وبدع ّ فالحسن عندهم :أن يوقع المطلّق على زوجته طلقةً واحدةً رجع ّيةً في طهر لم يطأها فيه ، ول في حيض أو نفاس قبله ،ولم يطأها غيره فيه بشبهة أيضا ،فإن زنت في حيضها ثمّ طهرت ،فطلّقها لم يكن بدعيّا . وأمّا الحسن :فأن يطلّقها واحدةً رجع ّيةً في طهر لم يطأها فيه ول في حيض أو نفاس قبله ،ثمّ يطلّقها طلقتين أخريين في طهرين آخرين دون وطء ،هذا إن كانت من أهل الحيض ،وإلّ طلّقها ثلث طلقات في ثلثة أشهر ،كمن بلغت بالسّنّ ولم تر الحيض . وهذا في المدخول أو المختلى بها ،أمّا غير المدخول أو المختلى بها ،فالحسن :أن ن طلقها يكون يطلّقها واحدةً فقط ،ول يهمّ أن يكون ذلك في حيض أو غيره ،ول يضرّ أ ّ بائنا ،لنّه ل يكون إلّ كذلك . وما سوى ذلك فبدعيّ عندهم ،كأن يطلّقها مرّتين أو ثلثا في طهر واحد معا أو متفرّقات ، أو يطلّقها في الحيض أو النّفاس ،أو يطلّقها في طهر مسّها فيه ،أو في طهر مسّها في الحيض قبله . فإن طلّقها في الحيض ،ثمّ طلّقها في الطّهر الّذي بعده ،كان الثّاني بدعيّا أيضا ،لنّهما بمثابة طهر واحد ،وعليه أن ينتظر حيضها الثّاني ،فإذا طهرت منه طلّقها إن شاء ،
ويكون سنّيّا عند ذلك ،ولو طلّقها في الحيض ،ثمّ ارتجعت ،ثمّ طلّقها في الطّهر الّذي بعده كان بدعيّا في الرجح ،وهو ظاهر المذهب ،وقال القدوريّ :يكون سنّيّا . وهذا كلّه ما لم تكن حاملً ،أو صغير ًة دون سنّ الحيض ،أو آيسةً ،فإن كانت كذلك كان طلقها سنّيّا ،سواء مسّها أم لم يمسّها ،لنّها في طهر مستم ّر ،ولكن ل يزيد على واحدة ،فإن زاد كان بدعيّا . واستثنى الحنفيّة من البدعيّ عا ّمةً :الخلع ،والطّلق على مال ،والتّفريق للعلّة ،فإنّه ل يكون بدعيّا ولو كان في الحيض ،لما فيه من الضّرورة ،وكذلك تخييرها في الحيض سواء اختارت نفسها في الحيض أم بعده وكذلك اختيارها نفسها في الحيض ،سواء أخيّرها في الحيض أم قبله ،فإنّه ل يكون بدعيّا لنّه ليس من فعله المحض . ي ،ولم يذكروا ي إلى سنّيّ وبدع ّ وقسّم جمهور الفقهاء الطّلق من حيث وصفه الشّرع ّ ن بعض الشّافعيّة قسّموا الطّلق ي تقسيما ،فهو عندهم قسم واحد خلفا للحنفيّة ،إلّ أ ّ للسّنّ ّ إلى سنّيّ وبدعيّ ،وما ليس سنّيّا ول بدعيّا وهو المرجّح عندهم ،والّذي ليس سنّيّا ول ي كما تقدّم . بدعيّا هو ما استثناه الحنفيّة من البدع ّ والسّنّيّ عند الجمهور :هو ما يشمل الحسن والحسن عند الحنفيّة معا . ي عند الحنفيّة ،إلّ أنّهم خالفوهم في أمور ،أهمّها : والبدعيّ عندهم :ما يقابل البدع ّ ي عند الجمهور ،وكذلك ي عند الحنفيّة ،وهو بدع ّ أنّ الطّلق الثّلث في ثلث حيضات سنّ ّ الطّلق ثلثا في طهر واحد لم يصبها فيه ،فإنّه سنّيّ عند الشّافعيّة أيضا ،وهو رواية عند الحنابلة ،اختارها الخرقيّ . وذهب المالكيّة إلى أنّه محرّم كما عند الحنفيّة ،وهو رواية ثانية عند الحنابلة . هذا ،والمدار على معرفة السّنّيّ والبدعيّ من الطّلق القرآن والسّنّة ،أمّا القرآن فقوله تعالى { :يَا أَ ّيهَا النّبِيّ إِذَا طَّلقْ ُتمُ ال ّنسَاء َفطَّلقُوهُنّ ِلعِدّ ِتهِنّ } وقد فسّر ابن مسعود رضي ال عنه ذلك بأن يطلّقها في طهر ل جماع فيه ،ومثله عن ابن عبّاس رضي ال عنهما . وأمّا السّنّة فما رواه ابن عمر رضي ال عنهما أنّه طلّق امرأته وهي حائض ،فسأل عمر رضي ال عنه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن ذلك فقال له رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :مره فليراجعها ،ثمّ ليتركها حتّى تطهر ،ثمّ تحيض ،ثمّ تطهر ،ثمّ إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ ،فتلك العدّة الّتي أمر اللّه أن يطلّق لها النّساء « . وما ورد عن عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه قال :طلق السّنّة تطليقة وهي طاهر في غير جماع ،فإذا حاضت وطهرت طلّقها أخرى ،فإذا حاضت وطهرت طلّقها أخرى ،ثمّ تعتدّ بعد ذلك بحيضة .
ن السّنّيّ يمنع النّدم ،ويقصّر العدّة على المرأة فيقلّ والمعنى العامّ في السّنّيّ والبدعيّ ،أ ّ تضرّرها من الطّلق .
حكم الطّلق البدعيّ من حيث وقوعه ووجوب العدّة بعده :
41
ي ،مع اتّفاقهم على وقوع الثم فيه -اتّفق جمهور الفقهاء على وقوع الطّلق البدع ّ
على المطلّق لمخالفته السّنّة المتقدّمة . فإذا طلّق زوجته في الحيض وجب عليه مراجعتها ،رفعا للثم لدى الحنفيّة في الصحّ عندهم ،وقال القدوريّ من الحنفيّة :إنّ الرّجعة مستحبّة ل واجبة . ن مراجعة من طلّقها بدعيّا سنّة ،وعبّر الحنابلة عن ذلك بالستحباب وذهب الشّافعيّ إلى أ ّ .وذهب المالكيّة إلى تقسيم البدعيّ إلى :حرام ومكروه ،فالحرام :ما وقع في الحيض أو النّفاس من الطّلق مطلقا ،والمكروه :ما وقع في غير الحيض والنّفاس ،كما لو أوقعه في طهرها الّذي جامعها فيه ،وعلى هذا يجبر المطلّق في الحيض والنّفاس على الرّجعة رفعا للحرمة ،ول يجبر غيره على الرّجعة وإن كان بدعيّا . وهذا كلّه ما دامت الرّجعة ممكنةً ،بأن كان الطّلق رجعيّا ،فإذا كان بائنا بينونةً صغرى أو كبرى تعذّر الرّجوع واستقرّ الثم . دليل ذلك ما تقدّم من أمر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما باسترجاع زوجته ما دام ذلك ممكنا ،فإذا لم يكن ممكنا للبينونة امتنع الرّجوع ،فقد ورد عن ابن عمر رضي ال عنهما أنّه كان إذا سئل عن الرّجل يطلّق امرأته وهي حائض يقول :أمّا أنت طلّقتها واحدةً أو اثنتين ،إنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أمره أن يرجعها ،ثمّ يمهلها حتّى تحيض حيض ًة أخرى ،ثمّ يمهلها حتّى تطهر ،ثمّ يطلّقها قبل أن يمسّها ،وأمّا أنت طلّقتها ثلثا ،فقد عصيت ربّك فيما أمرك به من طلق امرأتك ،وبانت منك .
رابعا :الطّلق المنجّز والمضاف والمعلّق :
الصل في الطّلق التّنجيز ،إلّ أنّه يقبل التّعليق والضافة باتّفاق الفقهاء ،وله تفصيلت وأحكام كما يلي :
أ -الطّلق المنجّز :
42
-تعريفه :هو الطّلق الخالي في صيغته عن التّعليق والضافة ،كقوله :أنت طالق ،
أو اذهبي إلى بيت أهلك ،ينوي طلقها .
حكمه :أنّه ينعقد سببا للفرقة في الحال ،ويعقبه أثره بدون تراخ ما دام مستوفيا لشروطه، فإذا قال لها :أنت طالق ،طلقت للحال وبدأت عدّتها ،هذا مع ملحظة الفارق بين البائن والرّجعيّ كما تقدّم .
ب -الطّلق المضاف :
43
-تعريفه :هو الطّلق الّذي قرنت صيغته بوقت بقصد وقوع الطّلق عند حلول ذلك
الوقت ،كقوله :أنت طالق أوّل الشّهر القادم ،أو آخر النّهار ،أو أنت طالق أمس . حكمه :ذهب الجمهور إلى أنّ الطّلق المضاف إلى المستقبل ينعقد سببا للفرقة في الحال ، ولكن ل يقع به الطّلق إلّ عند حلول أجله المضاف إليه بعد استيفائه لشروطه الخرى ، فإذا قال لها :أنت طالق آخر هذا الشّهر ،لم تطلق حتّى ينقضي الشّهر ،ولو قال :في أوّله طلقت أوّله ،ولو قال :في شهر كذا ،طلقت في أوّله عند الكثر ،وخالف البعض وقالوا يقع في آخره . فإذا أضاف الطّلق إلى زمن سابق ،فإن قصد وقوعه للحال مستندا إلى ذلك الزّمن السّابق ،وقع للحال كالمنجّز مقتصرا على وقت إيقاعه ،وقيل :يلغو ،وإن قصد الخبار عن نفسه ،وأنّه طلّقها في ذلك الزّمن السّابق ،صدّق في ذلك بيمينه إن كان التّصديق ممكنا ،فإن كان مستحيلً ،كأن يقول لها :أنت طالق منذ خمسين سنةً وعمرها أقلّ من ذلك كان لغوا .هذا مذهب الحنفيّة . وذهب المالكيّة إلى أنّه إن أضاف طلقه إلى زمن مستقبل كأن قال لها :أنت طالق بعد سنة ،أو أنت طالق يوم موتي طلقت للحال منجّزا ،وكذلك إذا أضافه إلى زمن ماض قاصدا به النشاء ،كقوله :أنت طالق أمس ،فإنّها ،تطلق للحال ،فإن قصد به الخبار ديّن عند المفتي . ونصّ الحنابلة على أنّه إن قال :أنت طالق أمس ول نيّة له ،فظاهر كلم أحمد أنّ الطّلق ل يقع ،وقال القاضي في بعض كتبه :يقع الطّلق ،وإن قصد الخبار صدّق ،ووقع الطّلق . ومذهب الشّافعيّة كالحنفيّة ،إ ّل أنّهم خالفوهم فيما لو أضافه إلى زمن سابق محال ولم يكن له نيّة ،فإنّه يقع عندهم ،كما لو قال لها :أنت طالق قبل أن تخلقي ،فإنّه يقع للحال إذا لم يكن له نيّة .
ج :الطّلق المعلّق على شرط :
44
-التّعليق على شرط هنا هو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى
سواء أكان ذلك المضمون من قبل المطلّق أو المطلّقة أو غيرها ،أو لم يكن من فعل أحد .
فإن كان من فعل المطلّق أو المطلّقة أو غيرهما سمّي يمينا لدى الجمهور مجازا ،وذلك لما فيه من معنى القسم ،وهو :تقوية عزم الحالف أو عزم غيره على فعل شيء أو تركه ، كما إذا قال لزوجته :أنت طالق إن دخلت دار فلن ،أو :أنت طالق إن ذهبت أنا إلى فلن، أو :أنت طالق إن زارك فلن ...فإن كان الطّلق معلّقا ل على فعل أحد ،كما إذا قال لها :أنت طالق إن طلعت الشّمس مثلً ،كان تعليقا ،ولم يسمّ يمينا ،لنتفاء معنى اليمين فيه ،وإن كان في الحكم مثل اليمين ،وهنالك من الفقهاء من أطلق عليه اليمين أيضا . وأدوات الرّبط والتّعليق هي :إن ،وإذا ،وإ ْذمَا ،وكلّ ،وكلّما ،ومتى ،ومتى ما ،ونحو ذلك ،وكلّها تفيد التّعليق بدون تكرار إلّ :كلّما ،فإنّها تفيد التّعليق مع التّكرار . ي الطّلق سأفعل كذا ،فهو بمثابة قوله وقد يكون التّعليق بدون أداة ،كما إذا قال لها :عل ّ ي الطّلق إن لم أفعل كذا ،وهو التّعليق المعنويّ ،وقد جاء به العرف . :عل ّ حكمه :اتّفق جمهور الفقهاء على صحّة اليمين بالطّلق أو تعليق الطّلق على شرط مطلقا ،إذا استوفى شروط التّعليق التية : فإذا حصل الشّرط المعلّق عليه وقع الطّلق ،دون اشتراط الفور إلّ أن ينويه ،وإذا لم يحصل لم يقع ،سواء في ذلك أن يكون الشّرط المعلّق عليه من فعل الحالف أو المحلوف عليها ،أو غيرهما ،أو لم يكن من فعل أحد ،هذا إذا حصل الفعل المعلّق عليه طائعا ذاكرا التّعليق ،فإن حصل منه الفعل المعلّق عليه ناسيا أو مكرها وقع الطّلق به أيضا عند الجمهور . وعند الشّافعيّة فيه قولن أظهرهما :أنّها لم تطلق . ثمّ ما دام لم يحصل المعلّق عليه لم يمنع من قربان زوجته عند الجمهور ،وقال مالك : يضرب له أجل المولي . وذهب المالكيّة إلى أنّه إن علّق طلقه بأمر في زمن ماض ممتنع عقلً أو عادةً أو شرعا ل أو شرعا أو عادةً فل حنث عليه . حنث للحال ،وإن علّقه بأمر ماض واجب فعله عق ً وإن علّقه بأمر في زمن مستقبل ،فإن كان محقّق الوجود أو مظنون الوجود عقلً أو عادةً س السّماء ،أو هي طالق أو شرعا لوجوبه نجّز للحال ،كما إذا قال :هي طالق إن لم أم ّ إن قمت ،أو إن صلّيت . وإن كان المعلّق عليه مستحيلً ،أو نادرا ،أو مستبعدا عقلً أو عادةً أو شرعا لحرمته ، لم يحنث ،كما لو قال :أنت طالق لو جمعت بين الضّدّين ،أو إن لمست السّماء ،أو إن زنيت .
شروط صحّة التّعليق :
يشترط لوقوع الطّلق المعلّق على شرط ما يلي : 45
-أ -أن يكون الشّرط المعلّق عليه معدوما عند الطّلق وعلى خطر الوجود في
المستقبل ،فإذا كان الشّرط موجودا عند التّعليق ،كما إذا قال لها :أنت طالق إن كان أبوك معنا الن ،وهو معهما ،فإنّه طلق صحيح منجّز يقع للحال ،وليس معلّقا ،أمّا أنّه على خطر الوجود ،فمعناه :أن يكون الشّرط المعلّق عليه ممكن الحصول في المستقبل ،فإذا كان مستحيل الحصول لغا التّعليق ،ولم يقع به شيء ،ل في الحال ول في المستقبل ،كما إذا قال لها :إن عاد أبوك حيّا -وهو ميّت -في الحياة الدّنيا فأنت طالق ،فإنّه لغو . وهذا مذهب الحنفيّة ،وذهب المالكيّة إلى وقوعه منجّزا ،وللحنابلة فيه قولن . 46
ل بالكلم ،فإذا فصل عنه بسكوت ،أو بكلم أجنبيّ ،أو -ب -أن يكون التّعليق متّص ً
كلم غير مفيد ،لغا التّعليق ووقع الطّلق منجّزا ،كما لو قال لها :أنت طالق ،وسكت بره ًة ،ثمّ قال :إن دخلت دار فلن ،أو قال لها :أنت طالق ،ثمّ قال لها :أعطني ماءً ، ثمّ قال :إن لم تدخلي دار فلن . إلّ أنّه يغتفر الفاصل الضّروريّ ،كما إذا قال لها :أنت طالق ،ثمّ تنفّس لضرورة ،ثمّ قال :إن دخلت دار فلن ،فإنّه معلّق ،ول يقع إلّ بدخولها الدّار المحلوف عليها ،وكذلك : إساغة اللّقمة ،أو كلمة مفيدة ،كأن يقول لها :أنت طالق بائنا إن دخلت دار فلن ،فإنّه معلّق ويقع به بائنا عند الدّخول ،فإن قال لها :أنت طالق رجعيّا إن دخلت دار فلن ،لغا التّعليق ووقع الرّجعيّ منجّزا ،لنّ كلمة " رجعيّا " لم تفد شيئا ،فكانت قاطعا للتّعليق ، بخلف كلمة " بائن " فإنّها أفادت ،فلم تكن قاطعا ،وهذا المثال وفق مذهب الحنفيّة الّذين يوقعون بكلمة " بائن " طلقا بائنا . 47
-ج -أن ل يقصد به المجازاة ،فإذا قصد به المجازاة ،وقع منجّزا ولم يتعلّق بالشّرط
،كما إذا قالت له :يا خسيس ،فقال لها :إن كنت كذلك فأنت طالق ،يريد معاقبتها ،ل تعليق الطّلق على تحقّق الخساسة فيه ،فإنّه يقع الطّلق هنا منجّزا ،سواء أكان خسيسا أم ل ،فإن أراد التّعليق ل المجازاة تعلّق الطّلق ،ويديّن . 48
-د -أن يذكر المشروط في التّعليق ،وهو المعلّق عليه ،فلو لم يذكر شيئا ،كما إذا
قال لها :أنت طالق إن ،فإنّه لغو في الرّاجح لدى الحنفيّة ،وهو قول أبي يوسف ،وقال محمّد بن الحسن :تطلق للحال . 49
– هم – وجود رابط ،وهو أداة من أدوات الشّرط ،وقد تقدّمت ،إلّ أن يفهم الشّرط
ي الطّلق سأذهب إلى فلن ، من المعنى ،فإنّه يتعلّق بدون رابط ،كما إذا قال لها :عل ّ فإنّه تعليق صحيح مع عدم الرّابط .
50
-و -قيام الزّوجيّة بين الحالف والمحلوف عليها عند التّعليق ،حقيقةً أو حكما ،بأن
ي أو بائن ،فإذا لم تكن زوجته عند التّعليق ،ول معتدّته ، تكون زوجته أو معتدّته من رجع ّ لغا التّعليق ولم يقع عليها به شيء ،كما إذا قال لجنبيّة عنه :أنت طالق إن دخلت دار فلن ،فإنّه لغو ،إلّ أن تكون زوجةً لغيره ،فإنّه يتوقّف التّعليق عندها على إجازة زوجها ،لنّه فضوليّ ،فإن أجازه الزّوج صحّ التّعليق ،ثمّ إن دخلت بعد الجازة وقع الطّلق عليها ،وإلّ فل . ح التّعليق أيضا ولو لم تكن زوجته هذا ما لم يعلّق الطّلق على نكاحها ،فإن علّقه عليه ص ّ أو معتدّته عند التّعليق ،كأن يقول لجنبيّة عنه :إن تزوّجتك فأنت طالق ،ثمّ يتزوّجها ، فإنّها تطلق بذلك ،وكذلك قوله :كلّ امرأة أتزوّجها فهي طالق ،ثمّ يتزوّج امرأةً أجنب ّيةً ، ح التّعليق ،ويلغو فإنّها تطلق بذلك لصحّة التّعليق هنا ،فإذا علّق بغير نكاحها لم يص ّ الطّلق ،كما إذا قال لجنبيّة عنه :إن دخلت دار فلن فأنت طالق ،ثمّ دخلتها قبل زواجها منه أو بعده ،فإنّها ل تطلق .وهذا كلّه لدى المالكيّة ،وفي القول الرّاجح عند الحنفيّة ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف . ح التّعليق ،ويلغو الطّلق . وقال محمّد بن الحسن :ل يص ّ وقال الشّافعيّة والحنابلة :ل ينعقد الطّلق هنا ،كما لو علّقه على غير الزّواج . فإذا علّقه بمقارنة النّكاح ل عليه ،لغا بالتّفاق ،كأن يقول لجنبيّة :أنت طالق مع نكاحك ،فإنّه لغو ،وكذلك إذا علّقه على انتهاء النّكاح ،كأن يقول لها :أنت طالق مع موتي ،أو مع موتك ،فإنّه لغو أيضا لعدم الملك . 51
-ز -قيام الزّوجيّة بين الحالف والمحلوف عليها عند حصول الشّرط المعلّق عليه
ي أو بائن ،فإذا لم تكن كذلك حقيقةً أو حكما ،بأن تكون زوجةً له أو معتدّةً من طلق رجع ّ عند وقوع الشّرط لم يقع الطّلق به عليها ،فإذا قال لزوجته :إن دخلت دار فلن فأنت طالق ،فدخلتها وهي زوجته أو معتدّته طلقت ،وإن دخلتها بعد أن طلّقها وانقضت عدّتها، لم تقع عليها الطّلقة المعلّقة ،لعدم صلحيّتها لوقوع الطّلق عليها عندئذ . 52
ل ليقاع الطّلق عند التّعليق ،بأن يكون بالغا عاقلً عند -ح -كون الزّوج أه ً
الجمهور ،خلفا للحنابلة كما سبق ،ول يشترط كونه كذلك عند حصول الشّرط المعلّق ن ،ثمّ دخلت الدّار ل :إن دخلت دار فلن فأنت طالق ،ثمّ ج ّ عليه ،فلو قال لها الزّوج عاق ً المحلوف عليها ،فإنّها تطلق ،وكذلك إذا دخلتها قبل جنونه ،فإنّها تطلق أيضا ،بخلف ما لو علّق طلقها وهو مجنون ،فإنّه لغو .
انحلل الطّلق المعلّق على شرط :
53
-إذا علّق الزّوج الطّلق على شرط ،فإنّه ينحلّ بحصول الشّرط المعلّق عليه مرّةً
واحدةً ،مع وقوع الطّلق به على الزّوجة في هذه المرّة ،فإذا عادت إليه ثاني ًة في العدّة أو بعدها ،لم تقع عليها به طلقة أخرى لنحلله ،هذا ما لم يكن التّعليق بلفظ " كلّما " ، وإلّ وقع عليها به ثاني ًة وثالث ًة ،لنّ كلّما تفيد التّكرار دون غيرها . وعلى ذلك فلو قال لزوجته :أنت طالق ثلثا إن دخلت دار فلن ،ثمّ طلّقها منجّزا واحدةً قبل دخول الدّار ،ثمّ مضت عدّتها ،ث ّم دخلت الدّار المحلوف عليها ،ثمّ عادت إليه بزوجيّة أخرى ،جاز ،فإذا دخلت الدّار المحلوف عليها بعد ذلك لم يضرّها ،ولم يقع عليها بذلك شيء ،لنحلل الطّلق المعلّق بالدّخول الوّل بعد العدّة ،فإذا علّق طلقها الثّلث على دخول الدّار ،ثمّ نجّز طلقها مرّ ًة واحدةً ،وانقضت عدّتها دون أن تدخل الدّار المحلوف عليها ،ثمّ عادت إليه بعقد جديد ،ثمّ دخلتها ،وقع الثّلث عليها ،لعدم انحلل اليمين المعلّقة ،بخلف ما لو دخلتها بعد عدّتها ،فإنّها تنحلّ بذلك . وكذلك تنحلّ اليمين المعلّقة على شرط بزوال الحلّ بالكلّيّة ،كما إذا علّق طلقها الثّلث على دخول الدّار ،ثمّ طلّقها ثلثًا منجّز ًة ،ثمّ تزوّجها بعد التّحليل ،ثمّ دخلت الدّار ولم تكن دخلتها من قبل ،فإنّها ل تطلق هنا لنحلل اليمين المعلّقة بزوال الحلّ بالكلّيّة ،وذلك بوقوع الثّلث عليها ،على خلف وقوع ما دون الثّلث ،فإنّه ل يزيل الحلّ ،فل تنحلّ به اليمين المعلّقة إلّ بحصول الشّرط فعلً مرّةً . وهذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة ،وللشّافعيّة فيه أقوال ثلثة : الوّل :يقع مطلقا ،والثّاني :ل يقع مطلقا ،والثّالث :يقع بما دون الثّلث ،ول يقع بعد الثّلث ،وذهب الحنابلة إلى وقوعه في الكلّ . كما تنحلّ اليمين المعلّقة على شرط بردّة الحالف مع لحاقه بدار الحرب ،فلو طلّقها معلّقا ، ثمّ ارت ّد ولحق بدار الحرب ،ث ّم عاد إلى السلم ،وعاد إليها ،ثمّ فعلت المعلّق عليه ، فإنّها ل تطلق بذلك ،لنحلل اليمين المعلّقة بردّته ،وهذا قول المام أبي حنيفة ،وخالفه الصّاحبان :أبو يوسف ومحمّد ،وقال :ل ينحلّ التّعليق بالرّدّة مطلقًا . وتنحلّ اليمين المعلّقة على شرط أيضا بفوت محلّ البرّ ،فإذا قال لها :أنت طالق إن دخلت دار فلن ،ثمّ خربت الدّار ،أو إن كلّمت زيدا فمات زيد ،انحلّت اليمين المعلّقة ،حتّى لو ن اليمين المعلّقة ل تعود ،لنّها غير الدّار المحلوف عليها . أنّ الدّار الخربة بنيت ثانيةً فإ ّ
تعليق الطّلق على شرطين :
54
-إذا علّق طلقها على شرطين أو أكثر وقع الطّلق عليها بحصول المعلّق عليه كلّه في
النّكاح ،وكذلك بوقوع الثّاني أو الخير فقط في النّكاح ،وعلى هذا فإن حصل الشّرط الوّل
في النّكاح ،والشّرط الثّاني بعده ،كما إذا قال لها :إن جاء زيد وعمرو فأنت طالق ،فجاء زيد ،ث مّ طلّقها منجّزا واحدةً ،ث مّ جاء عمرو بعد انقضاء عدّتها ،لم تطلق ثاني ًة بمجيئه . فإن طلّقها منجّزا واحدةً إثر تعليقه ،ثمّ جاء الوّل زيد بعد انقضاء العدّة ،ثمّ تزوّجها فجاء عمرو وهي زوجته ،وقع عليها المعلّق ،فكانتا اثنتين ،نصّ على ذلك الحنفيّة .
الستثناء في الطّلق : تعريفه وحكمه :
55
-الستثناء في اللّغة :هو الخراج بإلّ أو بإحدى أخواتها ،بعضا ممّا يوجبه عموم
سابق ،تحقيقا أو تقديرا ،والوّل هو المتّصل ،والثّاني هو المنقطع ،والوّل هو المراد ي ،وهو التّعليق على هنا دون الثّاني لدى الفقهاء ،ويضاف إلى الوّل الستثناء الشّرع ّ ن ،وَل ص ِرمُ ّنهَا مُصْ ِبحِي َ سمُوا لَيَ ْ مشيئة اللّه تعالى ،أخذا من قوله سبحانه { :إِذْ أَ ْق َ َيسْتَثْنُونَ } .والستثناء الشّرعيّ -وهو التّعليق على مشيئة اللّه تعالى -مبطل للطّلق ، أي ل يقع به الطّلق -لدى الحنفيّة والشّافعيّة إذا استوفى شروطه للشّكّ فيما يشاؤهسبحانه ،وخالف الحنابلة والمالكيّة ،وقالوا :ل يبطل الطّلق به -أي يقع به الطّلق . - أمّا الستثناء اللّغويّ بإ ّل وأخواتها فمؤثّر وملغ للطّلق بحسبه إذا استوفى شروطه ،وعلى ذلك لو قال لزوجته :أنت طالق ثلثا إلّ واحدةً ،طلقت اثنتين فقط ،ولو قال :أنت طالق ثلثا إلّ اثنتين طلقت واحدةً فقط ،فإن قال :أنت طالق ثلثا إلّ ثلثا ،وقع الثّلث ،لنّه إلغاء ،وليس استثناء ،واللغاء باطل هنا .
شروطه :
يشترط لصحّة الستثناء من الطّلق ،سواء أكان استثنا ًء لغويّا أم تعليقا على مشيئة اللّه تعالى ،شروط هي : 56
-أ -اتّصاله بالكلم السّابق عليه ،أي اتّصال المستثنى بالمستثنى منه ،بحيث يعدّان
كلما واحدا عرفا ،فإن فصل بينهما بكلم أو سكوت لغا الستثناء ،وثبت حكم الطّلق ، ل ،طلقت ،أو قال :أنت فإذا قال لها :أنت طالق ،ثمّ قال :إن شاء اللّه تعالى منفص ً طالق اثنتين ،ثمّ سكت ،ثمّ قال :إلّ واحدةً وقع اثنتان ،ولغا الستثناء ،وكذلك إذا قال لها :أنت طالق ثلثا ،ثمّ سألها عن أمر ،ثمّ قال :إلّ اثنتين ،فإنّها تطلق ثلثا ،للغاء الستثناء بالكلم الفاصل . إلّ أنّه يعفى هنا عن الفاصل القصير الضّروريّ ،كالسّكوت للتّنفّس أو إساغة اللّقمة ،كما يعفى عن الكلم المفيد المتعلّق بالمستثنى منه ،كأن يقول لها :أنت طالق ثلثا يا زانية إلّ اثنتين ،فإنّها تطلق بواحدة ،لنّ لفظة زانية بيان لسبب الطّلق ،وكذلك قوله لها :أنت
طالق ثلثا بائنا إلّ اثنتين عند الحنفيّة ،فإنّه يقع به واحدة بائنة عندهم ،بخلف :أنت طالق ثنتين رجعيّتين إلّ واحدةً ،فإنّه يقع به اثنتان رجعيّتان ،ويلغو الستثناء لعدم إفادة هذا الفاصل . 57
-ب -نيّة الحالف الستثناء قبل الفراغ من التّلفّظ في الطّلق عند المالكيّة والشّافعيّة
في الصحّ ،فإن نواه بعده لم يصحّ ويقع الطّلق بدونه ،وفي قول ثان للشّافعيّة إن نواه بعده جاز ،وقال الحنفيّة :يصحّ بغير نيّة مطلقا ،ولم أر من نصّ على ذلك من الحنابلة ، ولعلّهم مع الحنفيّة في ذلك . 58
-ج -أن يكون الستثناء بصوت مسموع لنفسه على القلّ ،فلو كان دون ذلك لم
يصحّ الستثناء ،لنّه مجرّد نيّة ،وهي غير كافية لصحّته بالتّفاق . 59
-د -عدم استغراق المستثنى للمستثنى منه ،فإذا قال :أنت طالق ثلثا إلّ ثلثا لم
يصحّ ،لنّه رجوع وإلغاء ،وليس استثنا ًء . ص الحنابلة على عدم صحّته . وهل يجوز استثناء الكثر ؟ نصّ الجمهور على صحّته ،ون ّ ل لغا طلقه عند إلّ أنّه إن قال :طالق ثلثا إن شاء اللّه تعالى قاصدا الستثناء متّص ً الجمهور ،خلفا للحنابلة لما تقدّم . وهل يجب تقديم المستثنى منه على المستثنى ؟ نصّ الشّافعيّة والحنفيّة على عدم شرطيّة ذلك ،وسوّوا بين أن يقدّم المستثنى أو المستثنى منه ،فلو قال :أنت طالق ثلثا إلّ واحدةً وقع ثنتان ،وإذا قال :أنت إلّ واحدةً طالق ثلثا وقع ثنتان أيضا ،وإذا قال :أنت طالق إن شاء اللّه تعالى ،صحّ الستثناء أو قال :إن شاء اللّه تعالى فأنت طالق فكذلك ما دام أدخل الفاء على " أنت " فإن لم يدخلها فقولن ،المفتى به منهما :عدم الوقوع . ص الحنفيّة على عدم اشتراط ذلك ،وعلى وهل يجب التّلفّظ بالمستثنى والمستثنى منه ؟ ن ّ ل :إلّ واحدةً ،وقع اثنتان ،ولو هذا إذا قال لزوجته :أنت طالق ثلثا ،ثمّ كتب متّص ً كتب :أنت طالق ثلثا ،ث ّم قال متّصلً :إلّ واحدةً وقع اثنتان أيضا .فإن كتبهما معا ،ثمّ أزال الستثناء وقع اثنتان فقط ،ول قيمة لزالة الستثناء بعد كتابته ،لنّه رجوع عنه ، والرّجوع هنا غير صحيح . 60
– هم – أن ل يكون المستثنى جزء طلقة ،فإن استثنى جزء طلقة لم يصحّ الستثناء ،
وعلى ذلك إذا قال لزوجته :أنت طالق ثلثا إلّ نصف طلقة طلقت ثلثا ،ولو قال لها :أنت طالق اثنتين إلّ ثلثي طلقة ،طلقت اثنتين أيضا لدى الجمهور ،وهو الصّحيح لدى الشّافعيّة ،والثّاني :يصحّ الستثناء ،ويستثنى بجزء الطّلقة طلقة كاملة .
61
-وهل يكون الستثناء من المستثنى منه الملفوظ دون المملوك ؟ ذكر الحنفيّة ذلك ،
وذكر الشّافعيّة قولين ،الصحّ منهما :أنّ الستثناء من الملفوظ كالحنفيّة . والثّاني :أنّه يعتبر من المملوك ،وعلى ذلك فلو قال لزوجته :أنت طالق خمسا إلّ ثلثا طلقت اثنتين عند الحنفيّة والصحّ من قولي الشّافعيّة ،وفي قول الشّافعيّة الثّاني طلقت ثلثا ،لنّه يملك عليها ثلثا ،فلمّا استثنى منه ثلثا كان رجوعا فلغا .وكذلك إذا قال لها : أنت طالق عشرا إلّ تسعا ،فإنّها تطلق بواحدة على القول الوّل ،وبثلث على القول الثّاني .وللمالكيّة في ذلك قولن :الرّاجح منهما اعتبار الملفوظ فيستثنى منه ،ومقابل الرّاجح اعتبار المملوك ،فلو قال لها :أنت طالق خمسا إلّ اثنتين ،فعلى الرّاجح يلزمه ثلث ،وعلى المرجوح يلزمه واحدة .
النابة في الطّلق :
62
-الطّلق تصرّف شرعيّ قوليّ ،وهو حقّ الرّجل كما تقدّم ،فيملكه ويملك النابة فيه
كسائر التّصرّفات القوليّة الخرى الّتي يملكها ،كالبيع والجارة ...فإذا قال رجل لخر : وكّلتك بطلق زوجتي فلنة ،فطلّقها عنه ،جاز ،ولو قال لزوجته نفسها :وكّلتك بطلق نفسك ،فطلّقت نفسها ،جاز أيضا ،ول تكون في هذا أقلّ من الجنبيّ . وبيان المذاهب فيما يلي :
أوّلً :مذهب الحنفيّة :
63
-إذن الزّوج لغيره في تطليق زوجته ثلثة أنواع :تفويض وتوكيل ورسالة .
وقد ذكر الحنفيّة للتّفويض ثلثة ألفاظ ،وهي :تخيير ،وأمر بيد ،ومشيئة . فلو قال لها :طلّقي نفسك ،واختاري نفسك ،وأمرك بيدك ،فالولى يقع الطّلق بها صريحا بدون نيّة ،واللّفظان الخران من ألفاظ الكناية ،فل يقع بهما الطّلق بغير نيّة . كما يكون التّفويض عندهم بإنابة الزّوج أجنبيّا عنه بطلق زوجته إذا علّقه على مشيئته ، ل ل تفويضا . بأن قال له :طلّق زوجتي إن شئت ،فإن لم يقل له :إن شئت ،كان توكي ً هذا ،وبين التّفويض والتّوكيل عند الحنفيّة فروق في الحكام من حيثيّات متعدّدة ،أهمّها : أ -من حيث الرّجوع فيه ،فليس للزّوج الرّجوع في التّفويض ،لنّه تعليق على مشيئة ، والتّعليق يمين ل رجوع فيها ،فإذا قال له :طلّق زوجتي إن شئت ،أو قال لزوجته : اختاري نفسك ناويا طلقها ،لم يكن له أن يعزلها ،أمّا الوكيل فله عزله مطلقا ما دام لم يطلّق . ب -من حيث الحدّ بالمجلس :فللوكيل أن يطلّق عن موكّله في المجلس وغيره ،ما لم يحدّه الموكّل بالمجلس أو زمان ومكان معيّنين ،فإن حدّه بذلك تحدّد به ،أمّا التّفويض
فمحدود بالمجلس فإذا انقضى المجلس لغا التّفويض ،ما لم يبيّن له مدّةً ،أو يعلّقه على مشيئته ،فإن بيّن مدّ ًة تحدّد بالمدّة المبيّنة ،كأن قال لها :طلّقي نفسك خلل شهر ،أو يوم ،أو ساعة ،أو طلّقي نفسك متى شئت ،فإن قال ذلك تحدّد بما ذكر ،ل بالمجلس . ن التّفويض إذا كان بلفظ ج -من حيث نوع الطّلق الواقع به ،فقد ذهب الحنفيّة إلى أ ّ صريح كقوله لها :طلّقي نفسك فطلّقت ،وقع به الطّلق رجعيّا ،وإن قال لها :اختاري نفسك ،فقالت :اخترت نفسي ،وقع به بائنا ،هذا إذا نويا الطّلق ،وإلّ لم يقع به شيء لنّه كناية . د -من حيث تأثّره بجنون الزّوج ،فإذا فوّض الزّوج زوجته أو غيرها بالطّلق ،ثمّ جنّ ، ن التّفويض تمليك ،وهو ل فالتّفويض على حاله ،وإن وكّله بالطّلق فجنّ بطل التّوكيل ،ل ّ يبطل بالجنون ،على خلف التّوكيل ،فهو إنابة محضة ،وهي تبطل بالجنون . ن التّفويض يصحّ لعاقل ومجنون وصغير ،على هم – من حيث اشتراط أهليّة النّائب ،فإ ّ خلف التّوكيل ،فإنّه يشترط له أهليّة الوكيل ،وعلى هذا فلو فوّض زوجته الصّغيرة بطلق نفسها فطلّقت ،وقع الطّلق ،ولو وكّل أخاه الصّغير بطلقها ،فطلّقها لم يصحّ ،فلو فوّضها بالطّلق ،وهي عاقلة ،ثمّ جنّت فطلّقت نفسها ،لم يصحّ عند الحنفيّة استحسانا .
ثانيا :مذهب المالكيّة :
64
-النّيابة في الطّلق عند المالكيّة أربعة أنواع :توكيل وتخيير وتمليك ورسالة .
ق للزّوج فالتّوكيل عندهم هو :جعل الزّوج الطّلق لغيره -زوجةً أو غيرها -مع بقاء الح ّ ل. في منع الوكيل -بعزله -من إيقاع الطّلق ،كقوله لها :أمرك بيدك توكي ً والتّخيير عندهم هو :جعل الطّلق الثّلث حقّا للغير وملكا له نصّا كقوله لها :اختاريني أو اختاري نفسك . والتّمليك هو :جعل الطّلق حقّا للغير وملكا له راجحا في الثّلث ،كقوله لها :أمرك بيدك ،وبين هذه الثّلثة اتّفاق واختلف على ما يلي : ق عزل وكيله بالطّلق مطلقا ، أ -فمن حيث جواز الرّجوع فيه ،في التّوكيل للزّوج ح ّ ق للزّوجة زائد عن التّوكيل ، سواء أكان الوكيل هو الزّوجة أم غيرها ،إ ّل أن يتعلّق به ح ّ كقوله لزوجته :إن تزوّجت عليك فأمرك بيدك ،أو أمر الدّاخلة عليك بيدك ،فإنّه ل يملك عزلها في هذه الحال ،لتعلّق حقّها به ،وهو دفع الضّرر عنها ،ولول ذلك لمكنه عزلها . فإن فوّضه بالطّلق تخييرا أو تمليكا لم يكن له عزل المفوّض حتّى يطلّق أو يردّ التّفويض . ب -ومن حيث تحديده بمدّة ،فإن حدّد الزّوج النّيابة بأنواعها بالمجلس تحدّد مطلقا ،وإن حدّدها بزمان معيّن بعد المجلس لم تقتصر على المجلس ،ولكن إن مارس النّائب حقّه في
الطّلق خلل الزّمن المحدّد طلقت ،وإلّ فهو على حقّه ما دام الزّمان باقيا ،إلّ أن يعلم القاضي بذلك ،فإن علم به ،فإنّه يحضره ويأمره بالختيار ،فإن اختار الطّلق طلقت ، وإلّ أسقط القاضي حقّه في ذلك ،ول يمهله ولو رضي الزّوج بالمهال ،وذلك حمايةً لحقّ اللّه تعالى ،فإن أطلق ولم يحدّده بالمجلس ول بزمن آخر ،فللمالكيّة روايتان : الولى :يتحدّد بالمجلس كالحنفيّة ،والثّانية :ل يتحدّد به . ج -من حيث عدد الطّلقات ،إن كان التّفويض تخيّرا مطلقا -وقد دخل بزوجته - فللمفوّضة إيقاع ما شاءت من الطّلق ،واحدةً واثنتين وثلثا ،وإن كان لم يدخل بها ،أو كان التّفويض تمليكا ،فله منعها من أكثر من واحدة ،بشروط ستّة ،إن توفّرت لم يقع بقولها أكثر من واحدة ،وإن اختلّت وقع ما ذكرت . وهذه الشّروط هي : أ -أن ينوي ما هو أقلّ من الثّلث ،فإن نوى واحدةً لم تملك بذلك أكثر منها ،فإذا نوى اثنين ملكتهما ولم تملك الثّلث . ب -أن يبادر للنكار عليها فور إيقاعها الثّلث ،وإلّ سقط حقّه ووقع ثلث . ج -أن يحلف أنّه لم ينو بذلك أكثر من العدد الّذي يدّعيه ،واحدةً أو اثنتين ،فإن نكل قضي عليه بما أوقعت ،ول تر ّد اليمين عليها . د -عدم الدّخول بالزّوجة إن كان التّفويض تخيّرا ،وإلّ وقع الثّلث عليه إن أوقعها مطلقا. هم -أن ل يكرّر التّفويض ،فإن كرّره بأن قال لها :أمرك بيدك ،أمرك بيدك ،أمرك بيدك ،لم يقبل اعتراضه على طلقها الثّلث ،إلّ أن ينوي بالتّكرار التّأكيد ،فيقبل اعتراضه . و -أن ل يكون التّفويض مشروطا عليه في العقد ،فإن شرط في العقد ملكت الثّلث مطلقا .فإن خيّرها ودخل بها فطلّقت نفسها واحدةً فقط ،لم تقع وسقط تخييرها ،لنّها خرجت بذلك عمّا فوّضها ،وقد انقضى حقّها بإظهار مخالفتها ،فسقط خيارها في قول ،وفي قول آخر لم يسقط بذلك خيارها .
ثالثا :مذهب الشّافعيّة والحنابلة :
65
-أجاز الشّافعيّة والحنابلة للزّوج إنابة زوجته بالطّلق ،كما أجازوا له إنابة غيرها به
أيضا ،فإن أناب الغير كان توكيلً ،فيجري عليه من الشّروط والحكام ما يجري على التّوكيل من جواز التّقييد والرّجوع فيه .
وللزّوج تفويض طلقها إليها ،وهو تمليك في الجديد عند الشّافعيّة فيشترط لوقوعه تطليقها على الفور ،وفي قول توكيل ،فل يشترط فور في الصحّ ،وعلى القول بالتّمليك في اشتراط قبولها لفظا الخلف في الوكيل ،والمرجّح عدم اشتراط القبول لفظا . وعلى القولين -التّمليك والتّوكيل -له الرّجوع عن التّفويض . ولو قال لزوجته :طلّقي ونوى ثلثا ،فقالت :طلّقت ونوتهنّ ،وقد علمت نيّته ،أو وقع ذلك اتّفاقا فثلث ،لنّ اللّفظ يحتمل العدد ،وقد نوياه . وإذا نوى ثلثا ولم تنو هي عددا ،أو لم ينويا ،أو نوى أحدهما وقعت واحد ًة في الصحّ . وعند الحنابلة :من قال لمرأته :أمرك بيدك فهو توكيل منه لها بالطّلق ول يتقيّد ذلك بالمجلس ،بل هو على التّراخي لقول عليّ رضي ال عنه ،ولم يعرف له مخالف في الصّحابة ،فكان كالجماع . وفي المر باليد لها أن تطلّق نفسها ثلثا ،أفتى به أحمد مرارا ،كقوله :طلّقي نفسك ما شئت ،ول يقبل قوله :أردت واحدةً . وإن قال لها :اختاري نفسك لم يكن لها أن تطلّق أكثر من واحدة ،وتقع رجعيّة ،لنّ " اختاري " تفويض معيّن ،فيتناول أقلّ ما يقع عليه السم ،وهو طلقة رجعيّة ،إلّ أن يجعل إليها أكثر من واحدة ،كأن يقول :اختاري ما شئت ،أو اختاري الطّلقات إن شئت ، فإن نوى بقوله اختاري عددا ،فهو على ما نوى ،لنّه كناية .بخلف :أمرك بيدك ، فيتناول جميع أمرها . وليس للمقول لها :اختاري أن تطلّق إلّ ما داما في المجلس ،ولم يتشاغل بما يقطعه عرفا ،إلّ أن يقول لها :اختاري نفسك يوما أو أسبوعا أو شهرا ،فتملكه إلى انقضاء ذلك .
طلق الفارّ :
66
-طلق الفا ّر هو :طلق الزّوج زوجته بائنا في حال مرض موته ،وقد يعنون الفقهاء
له :بطلق المريض . وقد ذهب الفقهاء إلى صحّة طلق الزّوج زوجته إذا كان مريضا مرض موت ،كصحّته من الزّوج غير المريض ما دام كامل الهليّة . كما ذهبوا إلى إرثها منه إذا مات وهي في عدّتها من طلق رجعيّ ،سواء أكان بطلبها أم ل ،وأنّها تستأنف لذلك عدّة الوفاة .
فإذا كان الطّلق بائنا ومات وهي في العدّة ،فإن كان الزّوج صحيحا عند الطّلق غير مريض مرض الموت لم ترث منه بالتّفاق ،وتبني على عدّة الطّلق ،وإن كان مريضا مرض موت عند الطّلق فكذلك عند الشّافعيّة في الجديد . وذهب الحنفيّة ،والحنابلة في الصحّ ،وهو المذهب القديم للشّافعيّة ،إلى أنّها ترث منه معاملةً له بنقيض قصده ،وتعتدّ بأبعد الجلين ،ويعدّ فارّا بهذا الطّلق من إرثها ،واسمه طلق الفرار . واشترطوا له أن يكون بغير طلبها ول رضاها بالبينونة ،وأن تكون أهلً للميراث من وقت الطّلق إلى وقت الوفاة ،فإن كان الطّلق برضاها كالمخالعة لم ترث . وكذلك عند الحنفيّة إذا كانت البينونة بسبب تقبيلها ابن زوجها أو غيره ،فإنّها ل ترث أيضا ،لنّ سبب الفرقة ليس من الزّوج ،فل يعدّ بذلك فارّا من إرثها ،فإن طلبت منه الطّلق مطلقا ،أو طلبت طلقا رجعيّا فطلّقها بائنا واحدةً أو أكثر ثمّ مات وهي في عدّتها ورثت منه ،لنّها لم تطلب البينونة ولم ترض بها . فإذا مات بعد انقضاء عدّتها لم ترث منه ،ولم تتغيّر عدّتها لدى الجمهور ،ول يعدّ فارّا بطلقها ،وفي قول ثان للحنابلة أنّها ترث منه ما لم تتزوّج من غيره ،وهو خلف الصحّ عندهم . والمالكيّة على توريثها منه مطلقا ،أي سواء كان بطلبها كالمخيّرة والمملّكة والمخالعة ، أو بغير طلبها ،حتّى لو مات بعد عدّتها وزواجها من غيره .
مسألة الهدم :
67
ص بها لدى الفقهاء ،نظرا لختلفهم فيها وأهمّيّتها ، -هذه المسألة تميّزت بلقب خا ّ
ويتبيّن ذلك ممّا يلي : اتّفق الفقهاء على أنّ الزّوج إذا طلّق زوجته ثلثا ،ثمّ تزوّجت من غيره بعد عدّتها ودخل بها ،ثمّ عادت إليه بعد بينونتها من ذلك الغير وانقضاء عدّتها منه :أنّه يملك عليها ثلث تطليقات . كما اتّفقوا على أنّه إذا طلّقها بما دون الثّلث ،ثمّ تزوّجها -دون الزّواج من آخر -أنّه يملك عليها ما بقي له إلى الثّلث فقط . فإذا طلّقها بما دون الثّلث ،فتزوّجت من غيره بعد عدّتها ودخل بها ،ثمّ عادت إليه بعد بينونتها من ذلك الغير وانقضاء عدّتها منه : فذهب الجمهور وفيهم محمّد بن الحسن من الحنفيّة إلى أنّه يملك عليها ما بقي له إلى الثّلث ،فإن كان أبانها بواحدة ملك عليها اثنتين أخريين ،وإن كان أبانها باثنتين ملك
عليها ثالث ًة فقط ،وهو مذهب عدد من الصّحابة فيهم عمر ،وعليّ ،وعمران بن حصين ، وأبو هريرة وغيرهم رضي ال تعالى عنهم . وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّه يملك عليها ثلثا ،وقد انهدم ما أبانها به سابقا ، ومن هنا سمّيت هذه المسألة بمسألة الهدم ،وقول الشّيخين هذا هو مذهب عدد من الصّحابة ،فيهم ابن عمر وابن عبّاس رضي ال عنهم وهو قول للحنابلة ،والقول الثّاني وهو الرجح عندهم -مع الجمهور .ي ،فمنهم بل أكثرهم قالوا بترجيح قول محمّد ، وقد اختلف التّرجيح في المذهب الحنف ّ كالكمال بن الهمام ،بل إنّه قال عنه :إنّه الحقّ ،وتبعه في ذلك صاحب النّهر والبحر ي غيرهم ،ومنهم من رجّح قول الشّيخين كالعلمة قاسم ،وعليه مشت المتون والشّرنبلل ّ .
حكم جزء الطّلقة :
68
-إذا قال الزّوج لزوجته :أنت طالق نصف طلقة ،أو ربع طلقة ،أو ثلث طلقة أو أقلّ
من ذلك أو أكثر ،وقع عليه طلقة واحدة .لنّ الطّلقة تحريم ،وهو ل يتجزّأ . وفي المسألة تفصيل يحسن معه ذكر كلّ مذهب على حدة : قال الحنفيّة :وجزء الطّلقة ولو من ألف جزء تطليقة لعدم التّجزّؤ . فلو زادت الجزاء وقع أخرى ،وهكذا ما لم يقل :نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة ن المنكّر إذا أعيد منكّرا كان الثّاني غير الوّل ،فيتكامل كلّ جزء ،بخلف فيقع الثّلث ،ل ّ ن الثّاني والثّالث عين ما إذا قال :نصف تطليقة وثلثها وسدسها ،حيث تقع واحدةً ،ل ّ الوّل .فإن جاوز مجموع الجزاء تطليقةً -بأن قال :نصف تطليقة وثلثها وربعها -قيل :تقع واحدة ،وقيل ثنتان ،وهو المختار ،وصحّحه في الظّهيريّة . ولو بل واو بأن قال :نصف طلقة ،ثلث طلقة ،سدس طلقة ،فواحدة ،لدللة حذف العاطف على أنّ هذه الجزاء من طلقة واحدة ،وأنّ الثّاني بدل من الوّل ،والثّالث بدل من الثّاني . ن نصف التّطليقتين واحدة فثلثة وقال الحنفيّة أيضا ،ويقع بثلثة أنصاف طلقتين ثلثة ،ل ّ ن التّطليقتين إذا نصّفتا كانت أربعة أنصاف تطليقتين ثلث تطليقات ،وقيل ثنتان ،ل ّ أنصاف فثلثة منها طلقة ونصف ،فتكمل تطليقتين . ويقع بثلثة أنصاف طلقة أو نصفي طلقتين طلقتان في الصحّ وكذا في نصف ثلث تطليقات لنّها طلقة ونصف فيتكامل النّصف .وفي نصفي طلقتين يتكامل كلّ نصف فيحصل طلقتان . 69
-وقال المالكيّة :لو قال الزّوج لزوجته :أنت طالق نصف تطليقة أو نصف طلقتين
لزمه طلقة واحدة ،ولو قال لها :أنت طالق نصف وثلث طلقة لزمته واحدة لعدم إضافة الجزء للفظ طلقة ،ولو قال لها :أنت طالق نصف وثلث وربع طلقة لزمه اثنتان لزيادة الجزاء على واحدة . ولو أضاف الجزء للفظ طلقة ،فقال لها :أنت طالق ثلث طلقة وربع طلقة بحرف العطف لزمه اثنتان . وإن قال لها :أنت طالق ثلث طلقة وربع طلقة ونصف طلقة لزمه ثلث طلقات ،لنّ كلّ كسر أضيف لطلقة أخذ مميّزه ،فاستق ّل بنفسه ،أي :حكم بكمال الطّلقة فيه ،فالجزء الخر المعطوف يعدّ طلقةً . 70
-وقال الشّافعيّة :لو قال الزّوج لزوجته :أنت طالق بعض طلقة وقعت طلقة ،لنّ
الطّلق ل يتبعّض ،فإيقاع بعضه كإيقاع كلّه ،ولو قال لها :أنت طالق نصفي طلقة وقعت ن كلّ نصف من طلقة ،فتقع طلقتان عملً طلقة ،لنّ نصفي الطّلقة طلقة ،إ ّل أن يريد أ ّ ن قول الزّوج لزوجته :أنت طالق نصف طلقتين يقع به طلقة ، بقصده ،والصحّ عندهم :أ ّ لنّ ذلك نصفهما ،ما لم يرد كلّ نصف من طلقة فتقع طلقتان . ي الخطيب :حاصل ما ذكر أنّه إن كرّر لفظ " طلقة " مع وفي أجزاء الطّلقة قال الشّربين ّ العاطف ،ولم تزد الجزاء على طلقة ،كأنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة ،كان كلّ جزء طلقةً ،وإن أسقط لفظ طلقة كأنت طالق ربع وسدس طلقة ،أو أسقط العاطف كأنت طالق ثلث طلقة ،ربع طلقة ،كان الكلّ طلقةً ،فإن زادت الجزاء كنصف وثلث وربع طلقة كمل الزّائد من طلقة أخرى ووقع به طلقة ،ولو قال :نصف طلقة ونصفها ونصفها فثلث ،إلّ إن أراد بالنّصف الثّالث تأكيد الثّاني فطلقتان . 71
-وقال الحنابلة :إن قال الزّوج لزوجته :أنت طالق نصفي طلقة وقعت طلقة ،لنّ
نصفي الشّيء كلّه ،وإن قال :ثلثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين ،لنّ ثلثة أنصاف طلقة ونصف ،فكمل النّصف ،فصارا طلقتين . ن نصف الطّلقتين طلقة ،وإن قال : وإن قال :أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدةً ،ل ّ أنت طالق نصفي طلقتين وقعت طلقتان ،لنّ نصفي الشّيء جميعه ،فهو كما لو قال :أنت طالق طلقتين ،وإن قال :أنت طالق نصف ثلث طلقات طلقت طلقتين ،لنّ نصفها طلقة ونصف ،ثمّ يكمل النّصف فتصير طلقتين . وإن قال :أنت طالق نصف وثلث وسدس طلقة وقعت طلقة لنّها أجزاء الطّلقة ،ولو قال : أنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فقال أصحابنا :يقع ثلث ،لنّه عطف جزءا من طلقة على جزء من طلقة ،فظاهره أنّها طلقات متغايرة ،ولنّها لو كانت الثّانية
هي الولى لجاء بها فاللم التّعريف فقال :ثلث الطّلقة وسدس الطّلقة ،فإنّ أهل العربيّة قالوا :إذا ذكر لفظ ثمّ أعيد منكّرا فالثّاني غير الوّل ،وإن أعيد معرّفا باللف واللم فالثّاني هو الوّل . وإن قال :أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة طلقت طلقةً ،لنّه لم يعطف بواو العطف ،فيدلّ على أنّ هذه الجزاء من طلقة غير متغايرة ،ولنّه يكون الثّاني هاهنا بدلً من الوّل ،والثّالث من الثّاني ،والبدل هو المبدل أو بعضه ،فلم يقتض المغايرة وعلى هذا التّعليل لو قال :أنت طالق طلقةً نصف طلقة ،أو طلقةً طلقةً لم تطلق إلّ طلقةً ،فإن قال :أنت طالق نصفا وثلثا وسدسا لم يقع إلّ طلقة ،لنّ هذه أجزاء الطّلقة ،إلّ أن يريد من كلّ طلقة جزءا فتطلق ثلثا . ولو قال :أنت طالق نصفا وثلثا وربعا طلقت طلقتين ،لنّه يزيد على الطّلقة نصف سدس ثمّ يكمل ،وإن أراد من كلّ طلقة جزءا طلقت ثلثا .
الرّجعة في الطّلق :
72
-اتّفق الفقهاء على أنّ الزّوج إذا طلّق زوجته بائنا ل يعود إليها إ ّل بعقد جديد ،في
العدّة أم بعدها ،ما دامت البينونة صغرى وكذلك الحكم بعد فسخ الزّواج . فإذا كانت البينونة كبرى ،فل يعود إليها إ ّل بعقد جديد أيضا ،ولكن بعد أن تتزوّج من حلّ غيره ،ويدخل بها ،ثمّ يفارقها وتنقضي عدّتها ،وذلك لقوله تعالى { :فَإِن طَّل َقهَا َفلَ َت ِ َلهُ مِن َبعْدُ حَ ّتىَ تَن ِكحَ َز ْوجًا غَ ْيرَهُ } . كما اتّفقوا على أنّ الزّوج إذا طلّق زوجته رجعيّا واحد ًة أو اثنتين ،فإنّ له العود إليها ق بِرَدّ ِهنّ فِي ذَِلكَ إِنْ بالمراجعة بدون عقد ما دامت في العدّة لقوله تعالى { :وَ ُبعُولَ ُتهُنّ َأحَ ّ أَرَادُو ْا إِصْلَحا } . وقد اتّفق الفقهاء في بعض أحكام الرّجعة ،واختلفوا في بعضها الخر . وللتّفصيل انظر مصطلح ( :رجعة ج
22
).
التّفريق للشّقاق :
73
-الشّقاق هنا :هو النّزاع بين الزّوجين ،سواء أكان بسبب من أحد الزّوجين ،أو
بسببهما معا ،أو بسبب أمر خارج عنهما ،فإذا وقع الشّقاق بين الزّوجين ،وتعذّر عليهما الصلح ،فقد شرع بعث حكمين من أهلهما للعمل على الصلح بينهما وإزالة أسباب ق بَيْ ِن ِهمَا فَا ْبعَثُواْ حَكَما خفْتُ ْم شِقَا َ النّزاع والشّقاق ،بالوعظ وما إليه ،قال تعالى َ { :وإِنْ ِ ق الّل ُه بَيْ َن ُهمَا } . ن أَهْ ِلهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَحا ُيوَفّ ِ حكَما مّ ْ مّنْ أَ ْهِلهِ َو َ ومهمّة الحكمين هنا الصلح بين الزّوجين بحكمة ورويّة .
وقد اختلف الفقهاء في مهمّة الحكمين ،وفي شروطهما ،وذلك على الوجه التّالي :
أ -مهمّة الحكمين :
74
ن مهمّة الحكمين الصلح ل غير ،فإذا نجحا فيه فبها ،وإلّ تركا -ذهب الحنفيّة إلى أ ّ
الزّوجين على حالهما ليتغلّبا على نزاعهما بنفسيهما ،إمّا بالمصالحة ،أو بالصّبر ،أو بالطّلق ،أو بالمخالعة ،وليس للحكمين التّفريق بين الزّوجين إ ّل أن يفوّض الزّوجان إليهما ذلك ،فإن فوّضاهما بالتّفريق بعد العجز عن التّوفيق ،كانا وكيلين عنهما في ذلك ، وجاز لهما التّفريق بينهما بهذه الوكالة . وذهب المالكيّة إلى أنّ واجب الحكمين الصلح أ ّولً ،فإن عجزا عنه لتحكّم الشّقاق كان لهما التّفريق بين الزّوجين دون توكيل ،ووجب على القاضي إمضاء حكمهما بهذا التّفريق إذا اتّفقا عليه وإن لم يصادف ذلك اجتهاده . وإن طلّقا ،واختلف الحكمان في المال ،بأن قال أحدهما :الطّلق بعوض ،وقال الخر : بل عوض ،فإن لم تلتزمه المرأة فل طلق يلزم الزّوج ،ويعود الحال كما كان ،وإن التزمته وقع وبانت منه ،وإن اختلفا في قدره بأن قال أحدهما :طلّقنا بعشرة ،وقال الخر :بثمانية ،فيوجب ذلك الختلف للزّوج خلع المثل وكذلك لو اختلفا في صفته ،أو جنسه .وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن اشتدّ الشّقاق بين الزّوجين بعث القاضي حكما من أهله وحكما من أهلها ،وهما وكيلن لهما في الظهر ،وفي قول :هما حاكمان مولّيان من الحاكم ،فعلى الوّل :يشترط رضاهما ببعث الحكمين ،فيوكّل الزّوج حكمه بطلق وقبول عوض خلع ،وتوكّل الزّوجة حكمها ببذل عوض وقبول طلق ،ويفرّق الحكمان بينهما إن رأياه صوابا ،وإن اختلف رأيهما بعث القاضي اثنين غيرهما ،حتّى يجتمعا على شيء ، وعلى القول الثّاني :ل يشترط رضا الزّوجين ببعثهما ويحكّمان ،بما يريانه مصلحةً من الجمع أو التّفريق . ن مهمّة الحكمين الولى التّوفيق ،فإن عجزا عنه لم يكن لهما التّفريق وذهب الحنابلة إلى أ ّ في قول كالحنفيّة ،وفي قول آخر :لهما ذلك .
ب -شروط الحكمين :
75
-اشترط الفقهاء في الحكمين شروطا هي :
أ -كمال الهليّة ،وهي :العقل والبلوغ والرّشد ،فل يجوز تحكيم الصّغير والمجنون والسّفيه . ب -السلم ،فل يحكم غير المسلم في المسلم ،لما فيه من الستعلء عليه .
ج -الحرّيّة ،فل يحكم عبد ،وللحنابلة قول آخر بجواز جعل العبد محكّما ،ما دام التّحكيم وكالةً . د -العدالة ،وهي :ملزمة التّقوى . هم -الفقه بأحكام هذا التّحكيم . و -أن يكونا من أهل الزّوجين إن أمكن على سبيل النّدب ل الوجوب . ثمّ إن وكّل الزّوجان الحكمين بالتّفريق برضاهما كان لهما التّفريق أيضا بعد العجز عن الجمع والتّوفيق ،وفي حال التّوكيل في التّفريق يشترط إلى جانب ما تقدّم :أن يكون الزّوجان كاملي الهليّة راشدين ،لما في ذلك من احتمال ر ّد بعض المهر . فإن وكّل الزّوجان الحكمين بالتّفريق ،ثمّ جنّ أحدهما أو أغمي عليه قبل التّفريق ،لغا التّوكيل ،ولم يكن للحكمين غير التّوفيق ،فإن غاب أحد الزّوجين قبل التّفريق لم ينعزل ن الغيبة ل تبطل الوكالة ،بخلف الجنون الحكمان ،ويكون لهما التّفريق في غيبته ،ل ّ والغماء . واشترط المالكيّة في الحكمين ،ومعهم الشّافعيّة في مقابل الظهر ،والحنابلة في القول الثّاني :الذّكورة ،لنّ الحكمين هنا حاكمان ،ول يجوز جعل المرأة عندهم حاكما . والحكمان يحكمان بالتّفريق جبرا عن الزّوجين ،لنّهما حاكمان هنا ونائبان عن القاضي ، إلّ أن يسقط الزّوجان متّفقين دعوى التّفريق قبل حكم الحكمين ،فإن فعل سقط التّحكيم ولم ن شرط التّحكيم هنا الدّعوى ،وهذا إذا كانا محكّمين من يجز لهما الحكم بالتّفريق به ،ل ّ القاضي ،فإن كانا محكّمين من قبل الزّوجين من غير قاض ،فكذلك ينفذ حكمهما على الزّوجين وإن لم يقبل به ،ما داما لم يعزلهما قبل الحكم ،فإن عزلهما قبل الحكم انعزل ، ما لم يكن ذلك بعد ظهور رأيهما ،فإن كان بعد ظهور رأيهما لم ينعزل . كما أوجب المالكيّة كون الحكمين من أهل الزّوجين ،ولم يجيزا تحكيم غيرهما ،إلّ أن ل يوجد من أهلهما من يصلح للتّحكيم ،فإن لم يوجد جاز تحكيم جاريهما ،أو غيرهما ، وندب أن يكونا جارين للعلم بحالهما غالبا . ثمّ إذا وكّل الزّوجان الحكمين بالتّفريق مخالعةً ،كان لهما ذلك بحسب رأيهما ما لم يقيّداهما بشيء ،فإن قيّداهما تقيّدا به لدى الجميع . فإذا لم يوكّلهما بالتّفريق والمخالعة ،كان لهما التّفريق عند المالكيّة دون الجمهور كما تقدّم ،وهنا يملك الحكمان التّفريق بطلق أو مخالعة بحسب رأيهما ،فإن رأيا أنّ الضّرر كلّه من الزّوج طلّقا عليه ،وإن رأيا أنّه كلّه من الزّوجة فرّقا بينهما بمخالعة على أن تردّ
له كلّ المهر ،وربّما أكثر منه أيضا ،وإن كان الضّرر بعضه من الزّوجة وبعضه من الزّوج ،فرّقا بينهما مخالعةً على جزء من المهر يناسب مقدار الضّرر من كلّ .
قضاء القاضي بتفريق الحكمين بين الزّوجين :
76
-إن كان المحكّمان موكّلين من الزّوجين بالتّفريق ،فل حاجة لحكم القاضي بتفريقهما،
وتقع الفرقة بحكمهما مباشرةً . وإن كانا محكّمين من القاضي ،ألزما برفع حكمهما إليه لينفّذه ،إ ّل أنّه ل خيار له في إنفاذه ،بل هو مجبر عليه ،وإن خالف اجتهاده -كما تقدّم -فإذا اختلف الحكمان ولم يتّفقا على شيء عزلهما القاضي ،وعيّن حكمين آخرين بد ًل منهما ،وهكذا حتّى يتّفق حكمان على شيء ،فينفّذه .
نوع الفرقة الثّابتة بتفريق الحكمين :
77
-ذهب المالكيّة إلى أنّ التّفريق للشّقاق طلق بائن ،سواء أكان الحكمان من قبل
القاضي أم من قبل الزّوجين ،وهو طلقة واحدة ،حتّى لو أوقع الحكمان طلقتين أو ثلثا لم يقع بحكمهما أكثر من واحدة ،وسواء أكان تفريقهما طلقا أم مخالعةً على بدل . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّهما إن فرّقا بخلع فطلق بائن ،وإن فرّقا بطلق فهو ص عليه المالكيّة . طلق .وهل للزّوجين إقامة حكم واحد بدلً من اثنين ؟ والجواب نعم ،ن ّ وهل يكون ذلك لوليّ الزّوجين أيضا ؟ تردّد المالكيّة فيه . حكَما مّنْ أَهْ ِل ِه َوحَكَما } . والشّافعيّة يقولون بعدم الكتفاء بواحد للية { :فَا ْبعَثُواْ َ
التّفريق لسوء المعاشرة :
78
-نصّ المالكيّة على أنّ الزّوجة إذا أض ّر بها زوجها كان لها طلب الطّلق منه لذلك ،
سواء تكرّر منه الضّرر أم ل ،كشتمها وضربها ضربا مبرّحا . وهل تطلق بنفسها هنا بأمر القاضي أو يطلّق القاضي عنها ؟ قولن للمالكيّة ولم أر من الفقهاء الخرين من نصّ عليه بوضوح ،وكأنّهم ل يقولون به ما لم يصل الضّرر إلى حدّ إثارة الشّقاق ،فإن وصل إلى ذلك ،كان الحكم كما تقدّم .
التّفريق للعسار بالصّداق :
79
-إذا أعسر الزّوج بالصّداق فقد اختلف الفقهاء في هذا على أقوال :
فذهب الحنفيّة إلى أنّه ليس لها فراقه بسبب ذلك مطلقا ،ولكن منع نفسها منه ،والنّظرة إلى ميسرة ،ولها كامل نفقتها .
وذهب المالكيّة إلى أنّ لها طلب التّفريق إلى جانب مالها من :منع نفسها والنّفقة ما دام لم يدخل بها ،ويؤجّل الزّوج لثبات عسرته ،فإن ظهر عجزه طلّق عليه الحاكم ،فإن دخل بها الزّوج لم يكن لها طلب التّفريق . وعند الشّافعيّة والحنابلة وجوه وأقوال ثلثة : الوّل :الفسخ مطلقا . والثّاني :الفسخ ما لم يدخل بها ،وإلّ ليس لها ذلك ،وهو الظهر لدى الشّافعيّة . والثّالث :ليس لها الفسخ مطلقا ،وهي غريم كسائر الغرماء . وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح ( :إعسار ف
14
).
شروط التّفريق بالعسار عند من يقول به :
80
-يشترط للتّفريق بالعسار شروط ،هي :
أ -أن يكون الصّداق واجبا على الزّوج وجوبا حالً :فإذا لم يكن واجبا عليه أصلً ،كأن كان العقد فاسدا ولم يدخل بها ،أو كان وجوبه مؤجّلً كأن يشترط في العقد تأجيله ،لم يكن لها طلب التّفريق بسبب ذلك ،فإن سلّم البعض وأعسر بالبعض الباقي ،فللشّافعيّة قولن :القوى منهما :جواز التّفريق ،وهو مذهب المالكيّة والحنابلة . ب -أن ل تكون الزّوجة قد رضيت بتأجيل المهر قبل العقد ،أو بعده بطريق الدّللة ،فإذا تزوّجته عالمةً بإعساره بالمهر لم يكن لها طلب التّفريق بذلك ،وكذلك إذا علمت بإعساره بعد العقد وسكتت أو رضيت به صراحةً ،فإنّه ل يكون لها حقّ في طلب التّفريق للعسار بالمهر بعد ذلك قياسا على العنّة . وقد اتّفق القائلون بالتّفريق للعسار بالمهر على أنّ التّفريق ل ب ّد فيه من حكم قاض به ، أو محكّم ،لنّه فصل مجتهد فيه ،هذا إن قدرت الزّوجة على الرّفع إليهما ،فإن عجزت عن ذلك ،وفرّقت بنفسها جاز للضّرورة ،نصّ عليه الشّافعيّة . وإن ثبت إعساره طلّق القاضي عليه فورا ،وقيل :ينظره مدّةً يراها مناسبة ،وإن لم يثبت إعساره أنظره ،وقيل :يسجنه حتّى يدفع المهر ،أو يظهر ماله فينفّذه عليه ،أو يثبت إعساره فيطلّق عليه .
نوع الفرقة الثّابتة بالعسار بالمهر :
81
-ذهب المالكيّة إلى أنّ الفرقة للعسار بالمهر طلق بائن ،وذهب الشّافعيّة والحنابلة
إلى أنّها فسخ ،ل طلق .
التّفريق للعسار بالنّفقة :
82
-اتّفق الفقهاء على وجوب النّفقة للزّوجة على زوجها بالعقد الصّحيح ما لم تمتنع من
ق طلبها منه بالقضاء ، التّمكين ،فإذا لم يقم الزّوج بها لغير مانع من الزّوجة كان لها ح ّ وأخذها جبرا عنه . فإذا امتنع الزّوج عن دفع هذه النّفقة لمانع من الزّوجة ،كنشوزها ،لم يجبر عليها . ق طلب التّفريق منه إذا امتنع عنها بدون سبب من الزّوجة ؟ وهل يكون للزّوجة ح ّ اختلف الفقهاء في ذلك في بعض الحوال ،واتّفقوا في أحوال أخرى على ما يلي : أ -إن كان للزّوج الممتنع عن النّفقة مال ظاهر يمكن للزّوجة أخذ نفقتها منه ،بعلم الزّوج أو بغير علمه ،بنفسها أو بأمر القاضي ،لم يكن لها طلب التّفريق ،لوصولها إلى حقّها بغير الفرقة ،فل تمكّن منها . ويستوي هنا أن يكون الزّوج حاضرا أو غائبا ،وأن يكون مال الزّوج حاضرا أو غائبا أيضا ،وأن يكون المال نقودا أو منقولت أو عقارات ،لمكان الخذ منها . إلّ أنّ الشّافعيّة نصّوا في الظهر من قولين على أنّ ماله الظّاهر إن كان حاضرا فل تفريق ،وإن كان بعيدا عنه مسافة القصر ،فلها طلب الفسخ ،وإن كان دون ذلك أمره القاضي بإحضاره ،ول فسخ لها ،ولو غاب وجهل حاله في اليسار والعسار فل فسخ ، لنّ السّبب لم يتحقّق . ونصّ الحنابلة على أنّ ظاهر كلم أحمد ،وهو رواية الخرقيّ ،أنّه :إذا لم يكن في ن لها طلب التّفريق ،وإلّ فل ،وإن كان المال المكان أخذ النّفقة من المال الغائب ،فإ ّ حاضرا فل تفريق . ب -فإذا لم يكن للزّوج الممتنع عن النّفقة مال ظاهر ،سواء أكان ذلك لعساره ،أم للجهل بحاله ،أم لنّه غيّب ماله ،فرفعته الزّوجة إلى القاضي طالبةً التّفريق لذلك ،فقد اختلف الفقهاء في جواز التّفريق ،على قولين : فذهب الحنفيّة إلى أنّه ليس للزّوجة هنا طلب التّفريق ،والقاضي يأمرها بالستدانة على الزّوج ،ويأمر من تجب عليه نفقتها -لول زوجها -بإقراضها ،فإن امتنع حبسه وعزّره حتّى يقرضها ،ث ّم يعود بذلك على زوجها إذا أيسر إن شاء ،وهو مذهب عطاء ، والزّهريّ ،وابن شبرمة ،وحمّاد بن أبي سليمان ،وغيرهم . وذهب المالكيّة والحنابلة ،إلى أنّ الزّوج إذا أعسر بالنّفقة فالزّوجة بالخيار ،إن شاءت بقيت على الزّوجيّة واستدانت عليه ،وإن شاءت رفعت أمرها للقاضي طالبةً فسخ نكاحها ، والقاضي يجيبها إلى ذلك حا ًل ،أو بعد التّلوّم للزّوج ،رجاء مقدرته على النفاق ،على
اختلف بينهم في ذلك ،وهذا القول هو المرويّ عن عمر ،وعليّ ،وأبي هريرة رضي ال عنهم وهو مذهب سعيد بن المسيّب ،والحسن ،وعمر بن عبد العزيز وغيرهم .
شروط التّفريق لعدم النفاق عند من يقول به :
83
-يشترط للتّفريق لعدم النفاق -عند من يقول -به شروط ،هي :
أ -أن يثبت إعسار الزّوج بالنّفقة ،وذلك بتصادقهما أو بالبيّنة ،وذلك في الظهر عند الشّافعيّة والحنابلة . أمّا المالكيّة ،وهو قول آخر للشّافعيّة ،وهو مقابل الظهر والحنابلة فل يرد هذا الشّرط عندهم . ب -أن يكون العسار أو المتناع الموجب للفرقة هو امتناع عن أق ّل النّفقة ،وهي نفقة المعسرين ،ولو كانت الزّوجة غن ّي ًة ،أو الزّوج الممتنع غنيّا أيضا ،لنّ التّفريق إنّما يثبت هنا ضرورة دفع الهلك عن الزّوجة ،وهو إنّما يتحقّق بالعجز عن نفقة المعسرين ،ل النّفقة المستحقّة لها مطلقا . وعلى هذا فلو كان الزّوج غنيّا وامتنع عن النفاق إ ّل نفقة المعسرين -وهي الضّروريّ من الطّعام والكساء ولو خشنا -لم يفرّق . ن الحياة ل تقوم هذا والعسار والمتناع عن النفاق يشمل هنا الطّعام والكساء بالتّفاق ،ل ّ بدونهما . ن الصحّ أنّ لها الفسخ . أمّا العسار بالمسكن ،فقد ذهب الشّافعيّة إلى أ ّ ن النّوويّ صحّح عدم الفسخ بالعسار بالدم ،لنّه غير وكذلك العسار بالدم ،إلّ أ ّ ي لدامة الحياة . ضرور ّ أمّا الحنابلة فعندهم في التّفريق للعسار بالمسكن وجهان : ن لها التّفريق به كالطّعام والكساء . الوّل :أ ّ والثّاني :ل تفريق لها به ،لنّ البنية تقوم بدونه ،وهذا الوجه هو الّذي ذكره القاضي . وأمّا المالكيّة فل يرون التّفريق للعجز عن المسكن قولً واحدا ،لنّه غير ضروريّ . ج -أن ل يكون للزّوج مال ظاهر حاضر يمكنها أخذ نفقتها منه بنفسها أو بطريق القاضي ،وإلّ لم يكن لها التّفريق بالتّفاق ،فإذا كان المال غائبا ،فقد تقدّم الختلف فيه على أقوال. د -أن يكون امتناع الزّوج عن النّفقة الحاضرة بعد وجوبها عليه ،فإذا امتنع عن النّفقة الماضية دون الحاضرة لم يكن لها الفسخ بالتّفاق ،لنّها دين كسائر الدّيون ،وليست ضرور ّيةً للبقاء على الحياة .
فإذا امتنع الزّوج عن النّفقة المستقبلة ،فقد ذهب المالكيّة إلى أنّ الزّوج إذا أراد السّفر فعليه أن يؤمّن لزوجته نفقتها مدّة غيابه ،فإذا أعسر بذلك كان لها طلب الفرقة منه ،إلّ أنّ بعض المالكيّة قال :إنّ لها المطالبة بها فقط دون التّفريق ،فإذا سافر ونفّذ ما عندها من النّفقة كان لها طلب التّفريق آنئذ . ق للزّوجة في نفقة مستقبلة ،وبالتّالي فل حقّ لها في طلب فإذا كان الزّوج مقيما فل ح ّ التّفريق لمنعها منها . فإذا امتنع الزّوج عن النّفقة قبل وجوبها عليه أصلً ،كأن لم تخ ّل بينه وبينها ،أو سقط حقّها في النّفقة كنشوزها ،فإنّه ل حقّ لها في طلب التّفريق لعدم الحقّ في النّفقة أصلً . هم – أن ل تكون قد رضيت بالمقام معه مع عسرته أو ترك إنفاقه مطلقا ،صراح ًة أو ضمنا ،أو شرط عليها ذلك في العقد أو بعده ورضيت به ،فإن كان ذلك لم يكن لها حقّ في طلب التّفريق لدى المالكيّة والحنابلة في قول . وذهب الشّافعيّة والحنابلة في قول ثان إلى أنّ لها طلب فسخ النّكاح إذا أعسر الزّوج بالنّفقة ولو رضيت به قبل ذلك ،لنّ وجوب النّفقة يتجدّد في كلّ يوم .
نوع الفرقة بالمتناع عن النفاق وطريق وقوعها :
84
ن الفرقة لعدم النفاق فسخ ما دامت بحكم القاضي ، -ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ
فإن طلب القاضي من الزّوج طلقها فطلّقها كانت طلقا رجعيّا ما لم يبلغ الثّلث ،أو يكن قبل الدّخول ،وإلّ فبائن . ق مراجعتها في العدّة عندهم ، وذهب المالكيّة إلى أنّها طلق رجعيّ ،ولهذا كان للزّوج ح ّ إلّ أنّ المالكيّة اشترطوا هنا لصحّة الرّجعة أن يجد الزّوج يسارا لنفقتها الواجبة عليه ، وليس النّفقة الضّروريّة الّتي فرّق من أجلها ،فإذا راجعها دون ذلك لم تصحّ الرّجعة . وأمّا طريق وقوع الفرقة ،فقد اتّفق القائلون بالتّفريق لعدم النفاق على أنّها ل تكون بغير القاضي ،ذلك أنّها فصل مجتهد فيه ،وما كان كذلك ل يتمّ بغير القضاء ،إزالةً للخلف ، لكنّ الشّافعيّة قيّدوا ذلك بما إذا قدرت على الرّفع للقاضي ،فإن استقلّت بالفسخ لعدم حاكم أو محكّم ،أو عجزت عن الرّفع إلى القاضي نفذ ظاهرا وباطنًا للضّرورة . 85
-وأمّا وقت القضاء بها ،فقد اختلفوا فيه على أقوال :
ن القاضي ينجّز الفرقة بعد ثبوت العسار بالنّفقة فذهب الشّافعيّة في القديم إلى أ ّ بالتّصادق أو البيّنة -دون إنظار ،إلّ أنّ الظهر لديهم إمهال الزّوج ثلثة أيّام ولو لميطلب ذلك للتّحقّق من عجزه ،فإنّه قد يعجز لعارض ثمّ يزول ،وهي مدّة قريبة يتوقّع فيها القدرة بقرض أو غيره ،فإذا مضت دون القدرة ،فرّق القاضي عليه .
ن الفسخ يكون على الفور عند ثبوت العسار دون إمهال كخيار وذهب الحنابلة إلى أ ّ ن القاضي العيب .وفصّل المالكيّة في ذلك ،فقالوا :إذا رفعت الزّوجة أمرها للقاضي ،فإ ّ يسأل الزّوج ،فإن ادّعى العسار وأثبته تلوّم له القاضي باجتهاده ،فإن مضت المدّة ولم ينفق ،طلّق عليه ،وإن لم يثبت إعساره ،أو ادّعى اليسار ،أو سكت ولم يجب بشيء ، أمره القاضي بالنفاق أو الطّلق ،فإن أبى طلّق عليه حالً من غير تلوّم على المعتمد عندهم ،وقيل :يطلّق عليه بعد التّلوّم أيضا . وهذا كلّه إذا كان الزّوج حاضرا ،فإن كان غائبا غيبةً قريبةً يقلّ بعدها عن عشرة أيّام ، كتب القاضي إليه بالحضور والخيار بين النفاق أو الفراق ،فإن حضر واختار أحدهما فبها ،وإلّ طلّق عليه ،وكذلك إذا لم يحضر ،هذا إذا كان يعلم مكانه .فإذا كان ل يعلم مكانه ،أو كان مكانه بعيدا أكثر من عشرة أيّام فإنّه يطلّق عليه فورا .
التّفريق للغيبة والفقد والحبس :
86
-الغائب هو :من غادر مكانه لسفر ولم يعد إليه ،وحياته معلومة ،فإذا جهلت حياته
فهو المفقود ،أمّا المحبوس فهو :من قبض عليه وأودع السّجن بسبب تهمة أو جناية أو غير ذلك . وقد اختلف الفقهاء في زوجة الغائب والمفقود والمحبوس إذا طلبت التّفريق لذلك ،هل تجاب إلى طلبها ؟ على أقوال بيانها فيما يلي :
أ -التّفريق للغيبة :
87
-اختلف الفقهاء في جواز التّفريق للغيبة على أقوال مبناها اختلفهم في حكم استدامة
ق للزّوجة مثل ما هو حقّ للزّوج ؟ الوطء ،أهو ح ّ ن دوام الوطء قضاء حقّ فذهب الحنفيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة في قول القاضي ،إلى أ ّ للرّجل فقط ،وليس للزّوجة فيه حقّ ،فإذا ما ترك الزّوج وطء زوجته مدّ ًة لم يكن ظالما لها أمام القاضي ،سواء أكان في ذلك حاضرا أم غائباص ،طالت غيبته أم ل ،لنّ حقّها في الوطء قضاء ينقضي بالمرّة الواحدة ،فإذا استوفتها لم يعد لها في الوطء حقّ في القضاء ،وعلى هذا فإذا غاب الزّوج عن زوجته مدّةً ما مهما طالت ،وترك لها ما تنفق ن الحنابلة في قولهم هذا قيّدوا ق طلب التّفريق لذلك ،إلّ أ ّ منه على نفسها ،لم يكن لها ح ّ عدم وجوب الوطء بعدم قصد الضرار بالزّوجة ،فإذا قصد بذلك الضرار بها عوقب وعزّر ،لختلل شرط سقوط الوجوب . ن استدامة الوطء واجب للزّوجة على وذهب الحنابلة في قولهم الثّاني وهو الظهر إلى أ ّ زوجها قضا ًء ،ما لم يكن بالزّوج عذر مانع من ذلك كمرض أو غيره ،وعلى هذا فإذا
غاب الزّوج عن زوجته مدّ ًة بغير عذر ،كان لها طلب التّفريق منه ،فإذا كان تركه بعذر لم يكن لها ذلك . ن استدامة الوطء حقّ للزّوجة مطلقا ،وعلى ذلك فإنّ الرّجل أمّا المالكيّة ،فقد ذهبوا إلى أ ّ إذا غاب عن زوجته مدّ ًة ،كان لها طلب التّفريق منه ،سواء أكان سفره هذا لعذر أم لغير ن حقّها في الوطء واجب مطلقا عندهم . عذر ،ل ّ
شروط التّفريق للغيبة عند من يقول بها :
88
-يشترط في الغيبة ليثبت التّفريق بها للزّوجة شروط ،وهي :
أ -أن تكون غيبةً طويلةً ،وقد اختلف الفقهاء في مدّتها : فذهب الحنابلة إلى أنّ الزّوج إذا غاب عن زوجته مدّة ستّة أشهر فأكثر كان لها طلب التّفريق عليه إذا تحقّقت الشّروط الخرى ،وذلك استدللً بما روى أبو حفص بإسناده عن زيد بن أسلم رضي ال عنه ،قال :إنّ عمر بن الخطّاب رضي ال تعالى عنه بينما كان يحرس المدينة مرّ بامرأة في بيتها وهي تقول : تطاول هذا اللّيل واسودّ جانبه وطال عليّ أن ل حبيب ألعبه وواللّه لول خشية اللّه وحده َلحُرّك من هذا السّرير جوانبه فسأل عمر عنها فقيل له :هذه فلنة زوجها غائب في سبيل اللّه تعالى ،فأرسل إلى امرأة تكون معها ،وبعث إلى زوجها فأقفله ،ثمّ دخل على حفصة أمّ المؤمنين رضي ال تعالى عنها فقال :يا بنيّة كم تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت :سبحان اللّه أمثلك يسأل مثلي عن هذا ؟ فقال :لول أنّي أريد النّظر للمسلمين ما سألتك ،قالت :خمسة أشهر ،ستّة أشهر ،فوقّت للنّاس في مغازيهم ستّة أشهر ،يسيرون شهرا ،ويقيمون أربعة أشهر ويسيرون شهرا راجعين . ي وابن عرفة أنّ وذهب المالكيّة في المعتمد عندهم ،إلى أنّها سنة فأكثر ،وفي قول للغريان ّ ي منهم على الجتهاد السّنتين والثّلث ليست بطول ،بل ل ب ّد من الزّيادة عليها ،وهذا مبن ّ والنّظر . ب -أن تخشى الزّوجة على نفسها الضّرر بسبب هذه الغيبة ،والضّرر هنا هو خشية الوقوع في الزّنى كما نصّ عليه المالكيّة ،وليس اشتهاء الجماع فقط ،والحنابلة وإن أطلقوا الضّرر هنا إلّ أنّهم يريدون به خشية الزّنى كالمالكيّة .
إلّ أنّ هذا الضّرر يثبت بقول الزّوجة وحدها ،لنّه ل يعرف إلّ منها ،إلّ أن يكذّبها ظاهر الحال . ج -أن تكون الغيبة لغير عذر ،فإن كانت لعذر كالحجّ والتّجارة وطلب العلم لم يكن لها طلب التّفريق عند الحنابلة . ق طلب التّفريق عندهم إذا أمّا المالكيّة فل يشترطون ذلك كما تقدّم ،ولهذا يكون لها ح ّ طالت غيبته لعذر أو غير عذر على سواء . د -أن يكتب القاضي إليه بالرّجوع إليها أو نقلها إليه أو تطليقها ويمهله مدّ ًة مناسبةً ،إذا كان له عنوان معروف ،فإن عاد إليها ،أو نقلها إليه أو طلّقها فبها ،وإن أبدى عذرا لغيابه لم يفرّق عليه عند الحنابلة دون المالكيّة ،وإن أبى ذلك كلّه ،أو لم يردّ بشيء وقد انقضت المدّة المضروبة ،أو لم يكن له عنوان معروف ،أو كان عنوانه ل تصل الرّسائل إليه طلّق القاضي عليه بطلبها .
نوع الفرقة للغيبة ،وطريق وقوعها :
89
-اتّفق الفقهاء القائلون بالتّفريق للغيبة على أنّه ل بدّ فيها من قضاء القاضي لنّها
فصل مجتهد فيه ،فل تنفّذ بغير قضاء . ونصّ الحنابلة على أنّ الفرقة للغيبة فسخ ،ونصّ المالكيّة على أنّها طلق ،وهل هي ن إطلقاتهم تفيد أنّها طلق طلق بائن ؟ لم نر من المالكيّة من صرّح في ذلك بشيء ،إلّ أ ّ بائن ،فقد جاء في رسالة ابن أبي زيد القيروانيّ قوله :إنّ كلّ طلق يوقعه الحاكم طلق بائن إلّ طلق المولي وطلق المعسر بالنّفقة ،ثمّ إنّه طلق للضّرر – وهو بائن عندهم كما ن الدّسوقيّ أورد الفرقة للغيبة في ضمن الكلم عن الفرقة لليلء ،وهي طلق تقدّم – إلّ أ ّ رجعيّ ،فاحتمل أن تكون مثلها طلقا رجعيّا ،إلّ أنّ الحتمال الوّل هو الرجح .
ب -التّفريق للفقد :
90
-إذا غاب الزّوج عن زوجته غيبةً منقطعةً خفيت فيها أخباره ،وجهلت فيها حياته ،
ق طلب التّفريق عليه ؟ الفقهاء في ذلك على مذاهب تقدّم بيانها في الغائب ، فهل لزوجته ح ّ ذلك أنّ المفقود غائب وزيادة ،فيكون لزوجة المفقود ما لزوجة الغائب من أمر التّفريق عليه . فإذا لم تطلب زوجته المفارقة ،فهل تكون على زوجيّته عمرها كلّه ؟ في هذا الموضوع أحوال وشروط ،اتّفق الفقهاء في بعضها ،واختلفوا في بعضها الخر على أقوال بيانها فيما يلي :
أ -إذا كان ظاهر غيبة الزّوج السّلمة ،كما إذا غاب في تجارة أو طلب علم ،ولم يعد ، ي في الجديد ،وأحمد إلى أنّه حيّ وخفيت أخباره وانقطعت ،فقد ذهب أبو حنيفة ،والشّافع ّ في الحكم ،ول تنح ّل زوجيّته حتّى يثبت موته بالبيّنة الشّرعيّة أو بموت أقرانه ،وهو مذهب ابن شبرمة ،وابن أبي ليلى . وذهب الشّافعيّ في القديم إلى أنّ الزّوجة تتربّص في هذه الحال أربع سنين من غيبته ،ثمّ يحكم بوفاته ،فتعتدّ بأربعة أشهر وعشر ،وتحلّ بعدها للزواج . ب -وإن كان ظاهر غيبته الهلك ،كمن فقد بين أهله ليلً أو نهارا ،أو خرج إلى الصّلة ولم يعد ،أو فقد في ساحة القتال ،فقد ذهب أحمد في الظّاهر من مذهبه ،والشّافعيّ في القديم إلى أنّ زوجته تتربّص أربع سنين ،ث ّم يحكم بوفاته فتعتدّ بأربعة أشهر وعشر ،ثمّ ي ،وابن عبّاس رضي ال عنهم ، تحلّ للزواج ،وهو قول عمر ،وعثمان ،وعل ّ ي في الجديد ،إلى أنّها ل تتزوّج حتّى يتبيّن موته وغيرهم .وذهب الحنفيّة ،والشّافع ّ بالبيّنة أو بموت القران ،مهما طالت غيبته ،كمن غاب وظاهر غيبته السّلمة على سواء . ص في زوجة المفقود ،هو : وللمالكيّة تقسيم خا ّ أنّ المفقود إمّا أن يفقد في حالة حرب أو حالة سلم ،وقد يكون فقده في دار السلم ،أو دار الشّرك ،وقد يفقد في قتال بين طائفتين من المسلمين ،أو طائفة مسلمة وأخرى كافرة ،ولكلّ من هذه الحالت حكم خاصّ بها عندهم بحسب ما يلي : ن زوجته تؤجّل أربع سنين ،ثمّ تعتدّ عدّة أ -فإذا فقد في حالة السّلم في دار السلم ،فإ ّ الوفاة ،ث ّم تحلّ للزواج ،هذا إن دامت نفقتها من ماله ،وإلّ طلّق عليه لعدم النّفقة . ن زوجته تبقى مدّة التّعمير أي ب -وإذا فقد في دار الشّرك ،كالسير ل يعلم له خبر ،فإ ّ ن عندها موته ،ثمّ تعتدّ عدّة الوفاة ،ثمّ تحلّ للزواج ، موت أقرانه ،حيث يغلب على الظّ ّ وقدّروا ذلك ببلوغه السّبعين من العمر ،وقيل :الثّمانين ،وقيل غير ذلك ،وهذا إن دامت نفقتها ،وإلّ طلقت عليه . صفّين ج -فإن فقد في حالة حرب بين طائفتين من المسلمين ،فإنّها تعتدّ عقب انفصال ال ّ وخفاء حاله ،وتحلّ بعدها للزواج . د -وإن كانت الحرب بين طائفة مؤمنة وأخرى كافرة ،فإنّه يكشف عن أمره ،ويسأل عنه ،فإن خفى حاله أجّلت زوجته سنةً ،ث ّم اعتدّت للوفاة ،ث ّم حلّت للزواج .
نوع الفرقة للفقد ،وطريق وقوعها :
91
-إذا لم يرفع المفقود للقاضي من قبل زوجته أو أحد ورثته أو المستحقّين في تركته ،
فهو حيّ في حقّ زوجته العمر كلّه بالتّفاق . فإذا رفع إلى القاضي وقضى بموته ،بحسب ما تقدّم من الشّروط والحوال والختلف ، انقضت الزّوجيّة حكما من تاريخ الحكم بالوفاة ،وبانت زوجته واعتدّت للوفاة جبرا ،وهي بينونة وفاة ،ل بينونة طلق أو فسخ . هذا ول بدّ لحلول هذه الفرقة من قضاء القاضي بموته ،وإلّ فهي زوجته العمر كلّه ،وقد ص المالكيّة على أنّه يحلّ محلّ القاضي في الحكم بالوفاة هنا عند الحاجة الوالي ، ن ّ وجماعة المسلمين . فإذا ظهر المفقود حيّا بعد الحكم بوفاته ،فإن كانت زوجته لم تتزوّج غيره بعد عدّتها فهي له ،وإن تزوّجت غيره ،فإن كان الزّواج غير صحيح ،أو كان الزّوج الجديد يعلم بحياة الوّل ،فكذلك ،وإن كان الزّواج صحيحا ،ول يعلم الزّوج الثّاني بحياة الوّل ،فهي للثّاني إن دخل بها ،عند الجمهور ،وإلّ فهي للوّل أيضا .
ج -التّفريق للحبس :
92
-إذا حبس الزّوج مدّ ًة عن زوجته ،فهل لزوجته طلب التّفريق كالغائب ؟
الجمهور على عدم جواز التّفريق على المحبوس مطلقا ،مهما طالت مدّة حبسه ،وسواء أكان سبب حبسه أو مكانه معروفين أم ل ،أمّا عند الحنفيّة والشّافعيّة فلنّه غائب معلوم الحياة ،وهم ل يقولون بالتّفريق عليه كما تقدّم ،وأمّا عند الحنابلة فلنّ غيابه لعذر . وذهب المالكيّة إلى جواز التّفريق على المحبوس إذا طلبت زوجته ذلك وادّعت الضّرر ، ن الحبس غياب ،وهم يقولون بالتّفريق للغيبة مع عدم وذلك بعد سنة من حبسه ،ل ّ العذر ،كما يقولون بها مع العذر على سواء كما تقدّم .
التّفريق للعيب :
93
-اتّفق فقهاء المذاهب الربعة على جواز التّفريق بين الزّوجين للعيوب .
إلّ أنّ الحنفيّة خصّوا التّفريق هذا بعيوب الزّوج دون عيوب الزّوجة ،وجعلوا التّفريق به حقّا للزّوجة وحدها ،لمتلكه الطّلق دونها . أمّا المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة فقد ذهبوا إلى جواز التّفريق لعيب الرّجل والمرأة على ق لهما على سواء . سواء ،وأنّ التّفريق للعيب ح ّ إلّ أنّ الفقهاء جميعا اتّفقوا على تضييق دائرة التّفريق للعيب ،وعدم التّوسّع فيه ،ثمّ اختلفوا في العيوب المثبتة للتّفريق على أقوال :
فذهب الشّيخان من الحنفيّة -أبو حنيفة وأبو يوسف -إلى التّفريق بالجبّ ،والعنّة ، والخصاء فقط ،وزاد محمّد بن الحسن على ذلك :الجنون . وذهب الجمهور إلى التّفريق بعيوب اتّفقوا في بعضها ،واختلفوا في بعضها الخر على أقوال ،وقسّموها إلى ثلثة أنواع : قسم منها خاصّ بالرّجال ،وقسم خاصّ بالنّساء ،وقسم مشترك بين النّساء والرّجال . فعند المالكيّة يفرّق بالعيوب التّالية : عيوب الرّجال وهي :الجبّ ،والخصاء والعنّة ،والعتراض . وعيوب النّساء هي :الرّتق ،والقرن ،والعفل ،والفضاء ،والبخر . والعيوب المشتركة هي :الجنون ،والجذام ،والبرص ،والعذيطة والخناثة المشكلة . وعند الشّافعيّة يفرّق بالعيوب التّالية : عيوب الرّجال وهي :العنّة ،والجبّ . وعيوب النّساء هي :الرّتق ،والقرن . والعيوب المشتركة هي :الجنون ،والجذام والبرص . وعند الحنابلة يفرّق بالعيوب التّالية : عيوب خاصّة بالرّجال هي :العنّة ،والجبّ . وعيوب خاصّة بالنّساء هي :الفتق ،والقرن ،والعفل . وعيوب مشتركة ،هي :الجنون ،والبرص ،والجذام . إلّ أنّ أبا بكر ،وأبا حفص من الحنابلة زادا على العيوب المتقدّمة استطلق البطن ، وسلس البول ،وقال أبو الخطّاب :ويتخرّج على ذلك من به النّاسور والباسور ،والقروح السّيّالة في الفرج ،لنّها تثير النّفرة ،وتعدي بنجاستها ،وقال أبو حفص :الخصاء عيب ،وفي البخر والخناثة وجهان . 94
-وظاهر نصوص الفقهاء توحي بالحصر في هذه العيوب ،فقد جاء في المغني :أنّه ل
يثبت الخيار لغير ما ذكرناه . وجاء في مغني المحتاج قوله :واختصار المصنّف على ما ذكر من العيوب يقتضي أنّه ل خيار فيما عداها ،قال في الرّوضة :وهو الصّحيح الّذي قطع به الجمهور . وجاء في بداية المجتهد قوله :واختلف أصحاب مالك في العلّة الّتي من أجلها قصر الرّدّ ن ذلك ممّا يخفى ، على هذه العيوب الربعة ،فقيل :لنّ ذلك شرع غير معلّل ،وقيل :ل ّ ومحمل سائر العيوب على أنّها ممّا ل يخفى ،وقيل :لنّها يخاف سرايتها إلى البناء .
إلّ أنّنا إلى جانب هذه النّصوص نجد نصوصا لبعض الفقهاء تدلّ على عدم قصر الئمّة التّفريق على العيوب المتقدّمة ،فيلحق بها ما يماثلها في الضّرر . من ذلك ما قاله ابن تيميّة في الختيارات العلميّة :وتردّ المرأة بكلّ عيب ينفّر عن كمال الستمتاع . وما قاله ابن قيّم الجوزيّة في زاد المعاد :وأمّا القتصار على عيبين أو ستّة ،أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها أو مساو لها فل وجه له ،فالعمى والخرس والطّرش ، وكونها مقطوعة اليدين والرّجلين أو أحدهما ،أو كون الرّجل كذلك من أعظم المنفّرات . ن كلّ عيب ينفّر الزّوج الخر منه ،ول يحصل به مقصود النّكاح من وقوله :والقياس أ ّ الرّحمة والمودّة يوجب الخيار . وما قاله الكاسانيّ :وقال محمّد :خلوّه من كلّ عيب ل يمكنها المقام معه إلّ بضرر ، كالجنون ،والجذام ،والبرص شرط للزوم النّكاح ،حتّى يفسخ به النّكاح حيث جاءت هذه العيوب بصيغة التّمثيل . ن نصوص الفقهاء عامّة كانت تعلّل التّفريق للعيب بالضّرر الفاحش هذا إلى جانب أ ّ وبالعدوى ،وعدم القدرة على الوطء ،وهو ظاهر في جواز القياس عليها .
شروط التّفريق للعيب لدى الفقهاء :
اختلف الفقهاء في الشّروط المثبتة للتّفريق للعيب على مذهبين ،وفق ما يلي : ن التّفريق بالعيب يشترط فيه ما يلي : أ ّولً :ذهب الجمهور إلى أ ّ
أ -عدم الرّضا بالعيب :
95
-قبل الدّخول أو بعده ،في العقد أو بعده ،صراحةً أو دللةً ،فإن رضي السّليم من
الزّوجين ،كأن يقول :رضيت بعيب الخر ،أو يطأها ،أو تمكّنه من الوطء ،فإنّه ل خيار لهؤلء في الفسخ بعد ذلك . ن زوجته إذا رضيت هذا مذهب الحنابلة ،والشّافعيّة يوافقونهم فيه إلّ في مسألة العنّين ،فإ ّ بعنّته بعد الدّخول فل خيار لها عندهم خلفا للحنابلة . ومذهب المالكيّة يوافق مذهب الحنابلة أيضا إلّ في مسألة المعترض ،وهو العنّين عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إذا مكّنته من التّلذّذ بها بعد علمها باعتراضه ،فإنّه ل يسقط بذلك حقّها في التّفريق عند المالكيّة ،لحتمال أنّها كانت ترجو برأه بذلك . قال الدّردير في الشّرح الكبير :الخيار لحد الزّوجين بسبب وجود عيب من العيوب التي بيانها ،إن لم يسبق العلم ،أو لم يرض بعيب المعيب صريحا أو التزاما حيث اطّلع ،إلّ
امرأة المعترض إذا علمت قبل العقد أو بعده باعتراضه ومكّنته من التّلذّذ بها ،فلها الخيار ،حيث كانت ترجو برأه فيهما ولم يحصل . وهل يعدّ الرّضا بالعيب قبل النّكاح مسقطا للخيار ،كما لو أخبرها بعنّته فرضيت بذلك صراحةً أو دلل ًة ؟ الجمهور على أنّ ذلك مسقط للخيار ،وقال الشّافعيّ في الجديد كذلك ،إلّ في العنّين ،فإنّه قال :يؤجّل ،لنّه قد يكون عنّينا في نكاح دون نكاح ،ثمّ إنّ عجزه عن وطء امرأة ليس دليلً على عجزه عن وطء غيرها .
ب -سلمة طالب الفسخ من العيوب في الجملة :
96
-المبدأ العامّ لدى الجمهور :أنّه ل يشترط لطلب التّفريق بالعيب سلمة طالب التّفريق
من العيوب ،خلفا للحنفيّة ،كما تقدّم ،إ ّل أنّهم اختلفوا في ذلك في بعض الصّور ،على ما يلي : ي من مذهبهم -إلى أنّ طالب التّفريق للعيب إذا كان فيه فذهب المالكيّة -فيما فصّله اللّخم ّ ن للزّوج التّفريق دون المرأة لنّه بذل الصّداق لسالمة ،دونها هي ، عيب مماثل للخر ،فإ ّ قال اللّخميّ :وإن اطّلع كلّ واحد من الزّوجين على عيب في صاحبه ،فإن كانا من جنس ن له القيام دونها ،لنّه بذل صداقا واحد كجذام ،أو برص أو جنون صريح لم يذهب ،فإ ّ لسالمة ،فوجدها ممّن يكون صداقها أقلّ من ذلك . فإذا كان عيبه من جنس آخر كان لكلّ واحد من الزّوجين طلب التّفريق مطلقا وفي قول آخر للمالكيّة :له التّفريق مطلقا ،سواء أكان عيبه من جنس عيبه ،أم ل ،أم لم يكن معيبا ، وهو الظهر عندهم . ن للمعيب أن يطلب فسخ النّكاح لعيب الخر ،وسواء وذهب الشّافعيّة في الصحّ ،إلى أ ّ أكان عيبه من جنس عيبه أم ل ،وقيل :إن وجد به مثل عيبه من الجذام والبرص ،قدرا وفحشا مثلً ،فل خيار له لتساويهما . وذهب الحنابلة إلى أنّ طالب الفسخ ،إذا كان معيبا بعيب من غير جنس عيب الخر ، كالبرص يجد المرأة مجنونةً ،فلكلّ واحد منهما الخيار لوجود سببه ،إلّ أن يجد المجبوب المرأة رتقاء ،فل ينبغي ثبوت الخيار لهما ،لنّ عيبه ليس هو المانع لصاحبه من الستمتاع . فإن كان عيبه من جنس عيب صاحبه ،ففيه وجهان : أحدهما :ل خيار لهما ،لنّهما متساويان ،ول مزيّة لحدهما على صاحبه ،فأشبها الصّحيحين .
والثّاني :له الخيار لوجود سببه .
ج -وهل يشترط أن يكون العيب قديما ؟
97
– جمهور الفقهاء متّفقون على أنّ العيب القديم السّابق على العقد ،والمرافق له ،
والحادث بعده ،سواء في إثبات الخيار ،لنّه عقد على منفعة ،وحدوث العيب بها يثبت ن بينهم نوع اختلف في بعض ذلك على ما يلي : الخيار كما في الجارة ،إلّ أ ّ ن العيب القديم السّابق على العقد أو المقارن له هو المثبت للخيار ، فالمالكيّة يصرّحون بأ ّ أمّا العيب الطّارئ على العقد ،فإن كان في الزّوجة لم يكن للزّوج خيار مطلقا ،وهو مصيبة حلّت به ،وبإمكانه التّخلّص منها بالطّلق ،وأمّا العيب الحادث في الزّوج بعد العقد ،فإن كان فاحشا كثير الضّرر فإنّها تخيّر فيه ،لنّه ل تمكن معه العشرة ،وإن كان يسيرا لم تخيّر . والعيوب الفاحشة عند المالكيّة هي :الجذام البيّن المحقّق ولو كان يسيرا ،والبرص الفاحش دون اليسير ،والعذيطة ،فقد استظهر بعض المالكيّة أنّها عيب فاحش يثبت به الخيار ،والعتراض ،والخصاء ،وكبر الذّكر المانع من الوطء ،هذا إذا حدثت قبل الوطء ،فإذا حدثت بعد الوطء ولو مرّةً واحدةً فل خيار ،إلّ أن يكون ذلك بسبب من الزّوج ب نفسه ،فإن كان كذلك خيّرت الزّوجة . كأن ج ّ ن العيب القديم يخيّر به مطلقا ،أمّا العيب الحادث بعد العقد ،فإن كان وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ حادثا بالزّوج ،كالجبّ ،فإنّها تخيّر به إن كان قبل الدّخول جزما ،وبعد الدّخول على الصحّ ،وذلك لحصول الضّرر به كما في العيب المقارن للعقد ،ول خلص لها إلّ بالفسخ ، فتعيّن طريقا لذلك ،ويستوي هنا أن تجبّه هي أو غيرها . إلّ أنّ الشّافعيّة استثنوا من ذلك العنّين ،فقالوا :إن وصل إلى زوجته مرّ ًة ثمّ تعنّن ،لم يكن لها خيار . وإن كان حادثا بالزّوجة بعد العقد ،ففي القول القديم :أنّه ل يخيّر الزّوج لتمكّنه من الخلص منها بالطّلق ،بخلفها . وفي القول الجديد :أنّه يخيّر كالزّوجة ،لتضرّره بالعيب الطّارئ كتضرّره بالعيب القديم ، ول معنى لمكان تخلّصه منها بالطّلق دونها ،لنّه سيغرم نصف الصّداق لها قبل الدّخول ، دون الفسخ بالعيب . ي من الحنابلة إلى تأكيد ما تقدّم من المبدأ على إطلقه ،إلّ أنّ أبا بكر وابن وذهب الخرق ّ ن العقد يفسخ بالعيب السّابق على العقد ،والمرافق له ،دون حامد من الحنابلة قال :إ ّ ن العقد أصبح لزما ،فل ينفسخ ،فأشبه العيب الطّارئ على العيب الطّارئ عليه ،ل ّ
المبيع ،واستثنى الحنابلة -على رواية الخرقيّ -العنّة ،فإنّ العنّين إن وصل إلى زوجته مرّ ًة ثمّ تعنّن ،لم يكن لها خيار .
د -التّأجيل في العيوب الّتي يرجى البرء منها :
98
-اتّفق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على تأجيل العنّين سن ًة كالحنفيّة ،واختلفوا في
باقي العيوب على ما يلي : فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى عدم التّأجيل فيها . وذهب المالكيّة إلى التّأجيل فيما يرجى البرء منه ،فقالوا بالتّأجيل في الجنون ،والجذام والبرص ،والرّتق ،والقرن ،والعفل ،والبخر ،فإذا كان البرء منها مرجوّا يؤجّله القاضي بحسب ما يراه مناسبا ،شهرا أو شهرين ،ولم يحدّوا لذلك حدّا ،فإذا لم يكن البرء من ذلك مرجوّا ،كالجبّ ،فرّق القاضي عليه بدون تأجيل ،لعدم فائدته . 99
-هم – أن يطلب أحد الزّوجين التّفريق ويثبت عيب الخر ،لنّ التّفريق هنا حقّه ،
فإذا لم يطلبه لم يكن للقاضي التّفريق عليه جبرا ،وفي العنّين يجب طلب الزّوجة التّفريق قبل ضرب المدّة وبعدها . قال في المغني :ول يفسخ حتّى تختار الفسخ ،وتطلبه ،لنّه لحقّها ،فل تجبر على استيفائه كالفسخ بالعسار . وقال في مغني المحتاج :فإذا تمّت تلك السّنة المضروبة للزّوج ،ولم يطأ على ما يأتي ، ولم تعتزله فيها ،رفعته ثانيا إليه ،أي القاضي ،فل يفسخ بل رفع ،إذ مدار الباب على الدّعوى والقرار والنكار واليمين ،فيحتاج إلى نظر القاضي واجتهاده . وذهب الحنفيّة إلى أنّ للتّفريق بالعيب نوعين من الشّروط ،الوّل عا ّم في العيوب كلّها ، ص بعيوب معيّنة ،وذلك على الوجه التي : والثّاني خا ّ فالشّروط العامّة عند الحنفيّة ،هي : 100
-أن تكون الزّوجة جاهلةً بالعيب قبل العقد ،ولم ترض به بعده صراح ًة أو دللةً .
وعلى هذا فلو كانت الزّوجة عالم ًة بالعيب قبل العقد لم يكن لها طلب التّفريق به لرضاها به حكما ،وكذلك إذا علمت بالعيب بعد العقد فرضيت به صراحةً ،كأن قالت :رضيت بعيبه هذا ،أو دلل ًة بأن مكّنته من الوطء ،لم يكن لها طلب التّفريق ،قال السّمرقنديّ في التّحفة :وإذا خيّرها الحاكم فوجد فيها ما يدلّ على العراض ،يبطل خيارها كما في خيار المخيّرة .ولو علمت المرأة بالعنّة عند العقد ورضيت بالعقد ،فإنّه ل خيار لها ،كمن اشترى عبدا وهو عالم بعيبه .
وكذلك الحكم إذا خيّرها القاضي فاختارت المقام مع زوجها ،فإنّه يبطل حقّها في التّفريق ، وليس لها خصومة أبدا في هذا النّكاح ،ول في غيره على الصحّ ،لرضاها بالعيب . 101
ن التّفريق حقّها ،وليس للقاضي طلقها -أن تطلب الزّوجة إلى القاضي التّفريق ،ل ّ
دون طلب منها .وطلبها هذا شرط في العنّين قبل ضرب المدّة وبعدها . 102
-أن تكون المرأة خاليةً من أيّ عيب يمنع الوطء كالرّتق والقرن ،فإن كانت معيبةً
ن المنع من الوطء ليس من جهته بعيب من ذلك لم يكن لها طلب التّفريق لعيب الرّجل ،ل ّ فقط ،والمتناع قائم من جهتها على فرض سلمة الزّوج منه ،فكذلك مع عيبه . أمّا الشّروط الخاصّة بالعنّة فهي : 103
-أ -العجز عن اليلج في القبل ،وعلى هذا فل يخرج عن العنّة باليلج في الدّبر.
ب -العجز عن جماع زوجته نفسها ،فإذا قدر على وطء غيرها وعجز عن وطئها هي لم يخرج عن العنّة في حقّها ،لنّ العنّة مرض نفسيّ غالبا ،وهو قد يختلف من امرأة إلى أخرى . ج -العجز عن إيلج الحشفة كلّها ،فإذا كان مقطوع الحشفة لم يخرج عن العنّة إلّ ن صاحب البحر قال :وينبغي الكتفاء بقدرها من مقطوعها . بإدخال باقي الذّكر كلّه ،إلّ أ ّ د -أن ل يكون قد وصل إليها مرّ ًة في هذا النّكاح قبل العنّة ،لنّ حقّها في رفع المر إلى القضاء ينقضي بالمرّة الواحدة . فإن كان وصل إليها في نكاح سابق عليه ،كمن وطئها ثمّ طلّقها بائنا ،ثمّ عاد إليها بعقد جديد ،فأصيب بالعنّة قبل الوصول إليها فيه ،فالصحّ :أنّه يسقط حقّها أيضا بذلك ،وفي قول ثان :ل يسقط . ن القاضي إذا رفعته إليه طالبةً فراقه هم – أن يؤجّله القاضي سن ًة بعد الرّفع إليه ،فإ ّ لعنّته أجّله القاضي سن ًة وجوبا من تاريخ الخصومة ،فإذا مضت السّنة دون أن يطأها ، وعادت إلى طلبها التّفريق أجابها القاضي وفرّق بينهما . وعلى هذا فل تفريق بل رفع للقاضي ،فل يكون التّفريق بالرّفع إلى محكّم أو غيره ،ول ي السّنة تفريق قبل مرور السّنة أيضا ،كما ل تفريق ما لم تعد إلى طلب الفرقة بعد مض ّ بدون وطء . وأمّا الشّروط الخاصّة بالجبّ فهي : 104
-قطع الذّكر ،فإذا قطع الذّكر والخصيتان ثبت التّفريق من باب أولى ،فإذا لم يقطع
الذّكر ولكنّه كان قصيرا كال ّزرّ ،فهو كالمجبوب في الحكم ،لعدم إمكان إدخال مثله في
الفرج ،فإن كان صغيرا يمكن إدخاله في الفرج فليس بمجبوب ول تفريق ،وإن لم يدخل إلى آخر الفرج . فإن كان مقطوع الحشفة فقط وله ما يدخله في الفرج بعدها ،لم يكن مجبوبا ،ول تفريق . ولمزيد من التّفصيل ينظر مصطلح ( :جبّ ج
15
ف 7وما بعدها ) .
وأمّا الشّروط الخاصّة بالخصاء : 105
-فهي الشّروط الخاصّة بالعنّة لستوائهما في الحكم عند الحنفيّة ،هذا إذا نزعت
خصيتاه أو رضّتا أو سلّتا وعجز عن النتشار ،فإذا لم يعجز عن النتشار فليس خصيّا في الحكم ،ول تفريق .
طرق إثبات العيب :
106
-إذا أقرّ المعيب المدّعى عليه بعيبه المدّعى به ثبت عيبه بإقراره ،وقضي عليه
بموجبه . فإذا أنكر العيب وادّعى السّلمة منه ،فإن كان العيب ممّا يعرف بالجسّ من فوق الزار ، كالجبّ ،أمر القاضي من يجسّه من الرّجال من فوق الزار ،وأخذ بقوله إن كان عدلً ، لنّه إخبار . س أمره بالنّظر إليه ،وهو مباح هنا للضّرورة . فإن لم يعرف العيب بالج ّ وإن كان العيب في المرأة كالقرن والرّتق ،أمر القاضي امرأةً تنظر إليها ،وثبت بقولها ما دامت عدل ًة . فإن كان ل يعرف بالجسّ كالعنّة ،فإن قالت الزّوجة :إنّها بكر ،أريت النّساء ،فإن قالت ن ظاهر الحال امرأة ثقة -والمرأتان أوثق : -إنّها بكر ،فالقول قولها ،ويؤجّل سنةً ،ل ّ شاهد لها ،وكذلك الحكم عند انتهاء السّنة ،وإن قالت المرأة الثّقة :إنّها ثيّب حلف الزّوج ،فإن حلف صدّق بيمينه ،ول خيار لها ،وإن نكل قضي عليه بالعنّة ،وخيّرت المرأة بعد التّأجيل . وإن قالت الزّوجة :إنّها ثيّب ،حلف الزّوج ،فإن حلف صدّق ول خيار لها ،وإن نكل قضي عليه بالعنّة وأجّلت أو خيّرت . فإن قالت الزّوجة :إنّها بكر فوجدت ثيّبا ،فادّعت أنّه أزال بكارتها بأصبع أو غيره ،صدّق ص عليه الحنفيّة . الزّوج بيمينه ،لنّها تدّعي غير الصل هذا ما ن ّ ن لهم في قبول قول المرأة الواحدة فيه إذا كانت والحنابلة مثل الحنفيّة ،إلّ في العنّين ،فإ ّ بكرا أو ثيّبا روايتين :
ن ظاهر الحال شاهد له ،والثّانية : الولى :أنّ القول قول الزّوج مع يمينه كالحنفيّة ،ل ّ أنّه يخلّى معها ويقال :أخرج ماءك على شيء ،فإن أخرجه فالقول قوله ،لنّ العنّين يضعف عن النزال ،فإن أنزل تبيّن صدقه . وعن أحمد رواية ثالثة :أنّ القول قول المرأة مع يمينها ،حكاها القاضي في المجرّد . وقد رجّح ابن قدامة الرّواية الولى ،وضعّف ما عداها ،فقال :والصّحيح أنّ القول قوله ، كما لو ادّعى الوطء في اليلء . والشّافعيّة في هذا مع الحنفيّة والحنابلة ،إلّ في العنّين أيضا ،فإنّهم يرون أنّها إذا ادّعت البكارة أريت النّساء ،ولم يقبل بأقلّ من أربع ،فإن شهدن ببكارتها فالقول قولها للظّاهر ، وهل تحلّف ؟ وجهان ،رجّح في الشّرح الصّغير التّحليف ،وعليه أكثر علماء المذهب ،ما لم يدّع الزّوج عودة البكارة إليها فإن قال ذلك وطلب يمينها ،حلفت روايةً واحدةً . فإن قالت الزّوجة :إنّها ثيّب وأنكرت الوطء ،فالقول قوله بيمينه ،لنّ الظّاهر له ،فإن نكل حلّفت الزّوجة ،وفي رواية مرجوحة أنّ اليمين ل يردّ عليها . أمّا المالكيّة فقد ذهبوا إلى الجسّ فيما يعرف بالجسّ ،فإن كان ل يعرف بالجسّ ،وكان ن القول فيه قول المعيب ممّا ل يراه الرّجال ول النّساء كالعتراض ،وبرص الفرج ،فإ ّ بيمين ،وإن كان ممّا يراه الرّجال ،كالبرص في اليد أو الوجه في المرأة أو الرّجل على سواء ،لم يثبت إلّ بشهادة رجلين ،فإن كان في داخل جسم المرأة دون الفرج ،كفى فيه امرأتان .
نوع الفرقة الثّابتة بالعيب وطريق وقوعها :
107
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الفرقة للعيب طلق بائن ،وذهب الشّافعيّة والحنابلة
إلى أنّها فسخ وليست طلقا . كما ذهب الحنفيّة إلى أنّ الفرقة للعيب ل تقع بغير الرّفع إلى القاضي ثمّ القاضي يكلّف ن الفرقة تقع باختيار الزّوج بالطّلق ،فإن طلّق فبها ،وإ ّل طلّقها عليه ،وروي عنهم :أ ّ الزّوجة نفسها بانتهاء المدّة المضروبة في العنّة بدون قضاء ،وهو ظاهر الرّواية . وذهب المالكيّة إلى ما ذهب إليه الحنفيّة في روايتهم الثّانية ،إلّ أنّهم اشترطوا إذن القاضي لها بالتّطليق إذا كان بقولها ،وأن يحكم به القاضي بعد ذلك رفعا للخلف ،والحكم هنا إنّما هو للشهاد والتّوثيق ،ل لوقوع الطّلق ،لنّه وقع بقولها . وللشّافعيّة قولن ،الوّل :أنّها تستقلّ بالفسخ بعد ثبوت حقّها فيه لدى القاضي بيمينها أو إقراره . والثّاني :ل بدّ من فسخ القاضي رفعا للخلف .
ن الفسخ ل يتمّ إلّ بحكم القاضي . أمّا عند الحنابلة فإ ّ وهل تكون الحرمة الواقعة بالتّفريق للعيب مؤبّد ًة ؟ ذهب الجمهور إلى أنّها غير مؤبّدة ،ولهما العود إلى الزّوجيّة ثانيةً بعقد جديد . وذهب أبو بكر من الحنابلة إلى أنّ الحرمة الواقعة بالتّفريق للعيب مؤبّدة .
التّفريق لفوات الكفاءة :
108
-ذهب جمهور الفقهاء إلى العتداد بالكفاءة في الزّواج ،إلّ أنّهم اختلفوا فيما بينهم
في اعتبارها سببا للتّفريق بين الزّوجين ،على تفصيل ينظر في مصطلح ( :كفاءة ) .
صور أخرى من التّفريق :
109
ن بعضها طلق ،ومنها : -هناك صور أخرى من التّفريق يرى بعض الفقهاء أ ّ
أ -التّفريق بخيار البلوغ ،وينظر تفصيله في مصطلح ( :بلوغ ) ف
39
ب -التّفريق لختلف الدّين ،وينظر تفصيله في مصطلح ( :ردّة ) ف
وما بعدها .
44
.
ج -التّفريق للّعان ،وينظر تفصيله في مصطلحي ( :فرقة ،ولعان ) . د -التّفريق لفساد عقد النّكاح أو لتخلّف الوصف المرغوب فيه ،وينظر تفصيله في مصطلح ( :نكاح ) . هم – التّفريق للتّحريم الطّارئ بالرّضاع أو المصاهرة ،وينظر تفصيله في ( :رضاع ف ،27ومصاهرة ) . و -التّفريق لنقصان المهر ،وينظر تفصيله في مصطلح ( :مهر ) .
التّعريف : 1
طلَبُ العِلم * َ
-الطّلب في اللّغة :محاولة وجدان الشّيء وأخذه .
ول يخرج معناه الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ . والعلم لغةً :اليقين ،ويأتي بمعنى المعرفة . واصطلحا اختلفوا في تعريفه :فتارةً عرّفوه بأنّه معرفة الشّيء على ما هو به ،وهذا علم المخلوقين ،وأمّا علم الخالق فهو الحاطة والخبر على ما هو به . أ -الجهل : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الجهل لغةً :نقيض العلم ،ويطلق على السّفه والخطأ ،يقال جهل على غيره سفه
وأخطأ .
والجهل اصطلحا :هو اعتقاد الشّيء على خلف ما هو عليه . ب -المعرفة : 3
-المعرفة لغةً :العلم يقال عرّفه المر :أعلمه إيّاه ،وعرّفه بيته :أعلمه بمكانه .
والمعرفة اصطلحا :إدراك الشّيء على ما هو عليه ،قال صاحب التّعريفات :وهي ق تعالى بالعالم دون العارف . مسبوقة بجهل بخلف العلم ،ولذلك يسمّى الح ّ وفرّق صاحب الكلّيّات بين المعرفة والعلم بأنّ المعرفة تقال للدراك المسبوق بالعدم ، ي ،ولدراك البسيط . ولثاني الدراكين إذا تخلّلهما عدم ،ولدراك الجزئ ّ والعلم يقال لحصول صورة الشّيء عند العقل ،وللعتقاد الجازم المطابق الثّابت ،ولدراك الكلّيّ ،ولدراك المركّب .
حكم طلب العلم :
العلم إمّا أن يكون شرعيّا ،وهو المستفاد من الشّرع ،أو غير شرعيّ .
أ -طلب العلوم الشّرعيّة :
4
-طلب العلوم الشّرعيّة مطلوب من حيث الجملة ،ويختلف حكم طلبها باختلف الحاجة
إليها . فمنها ما طلبه فرض عين ،وهو تعلّم المكلّف ما ل يتأدّى الواجب الّذي تعيّن عليه فعله إلّ ي صلى به ،ككيفيّة الوضوء والصّلة ونحوها ،وحمل عليه بعضهم حديث أنس عن النّب ّ ال عليه وسلم » :طلب العلم فريضة على كلّ مسلم « . قال النّوويّ :وهذا الحديث وإن لم يكن ثابتا فمعناه صحيح . ثمّ إنّ هذه الشياء ل يجب طلبها إلّ بعد وجوبها ،ويجب من ذلك كلّه ما يتوقّف أداء الواجب عليه غالبا دون ما يطرأ نادرا ،فإن وقع وجب التّعلّم حينئذ ،فيجب على من أراد البيع أن يتعلّم أحكام ما يقدم عليه من المبايعات ،كما يجب معرفة ما يحلّ وما يحرم من المأكول ،والمشروب ،والملبوس ،ونحوها ممّا ل غنى له عنه غالبا ،وكذلك أحكام عشرة النّساء إن كان له زوجة ،ثمّ إذا كان الواجب على الفور كان تعلّم الكيفيّة على الفور ،وإن كان على التّراخي كالحجّ فعلى التّراخي عند من يقول بذلك . ومنها ما طلبه فرض كفاية ،وهو تحصيل ما ل بدّ للنّاس منه في إقامة دينهم من العلوم الشّرعيّة كحفظ القرآن ،والحاديث ،وعلومهما ،والصول ،والفقه ،والنّحو ،واللّغة ، والتّصريف ،ومعرفة رواة الحديث ،والجماع ،والخلف . والمراد بفرض الكفاية تحصيل ذلك الشّيء من المكلّفين به أو بعضهم ،ويعمّ وجوبه جميع المخاطبين به ،فإذا فعله من تحصل به الكفاية سقط الحرج عن الباقين ،وإذا قام به جمع
تحصل الكفاية ببعضهم فكلّهم سواء في حكم القيام بالفرض في الثّواب وغيره ،فإذا صلّى على جنازة جمع ثمّ جمع ثمّ جمع فالكلّ يقع فرض كفاية ،ولو أطبقوا كلّهم على تركه أثم كلّ من ل عذر له ممّن علم ذلك وأمكنه القيام به . ومنها ما طلبه نفل ،كالتّبحّر في أصول الدلّة ،والمعان فيما وراء القدر الّذي يحصل به فرض الكفاية .
ب -العلوم غير الشّرعيّة :
5
-يعتري طلب العلوم غير الشّرعيّة الحكام التّكليفيّة الخمسة ،إذ منها ما طلبه فرض
كفاية ،كالعلوم الّتي ل يستغنى عنها في قوام أمر الدّنيا ،كالطّبّ ،إذ هو ضروريّ لبقاء ي في المعاملت ،وقسمة الوصايا والمواريث وغيرها . البدان ،والحساب ،فإنّه ضرور ّ ومنها ما يعدّ طلبه فضيلةً وهو التّعمّق في دقائق الحساب ،والطّبّ ،وغير ذلك ممّا يستغنى عنه ،ولكنّه يفيد زيادة قوّة في القدر المحتاج إليه . ومنها ما طلبه محرّم ،كطلب تعلّم السّحر والشّعوذة ،والتّنجيم ،وك ّل ما كان سببا لثارة الشّكوك ،ويتفاوت في التّحريم .
فضل طلب العلم والحثّ عليه :
6
-تكاثرت اليات والخبار والثار في الحثّ على طلب العلم وفضله .
فمن اليات الّتي تحثّ على طلب العلم قوله تعالى { :فَ َل ْولَ َنفَ َر مِن ُكلّ فِرْ َق ٍة مّ ْن ُهمْ طَآ ِئ َفةٌ لّيَ َت َفقّهُواْ فِي الدّينِ } . قال القرطبيّ :هذه الية أصل في وجوب طلب العلم ،وقول مجاهد وقتادة يقتضي ندب طلب العلم والحثّ عليه دون الوجوب واللزام ،وإنّما لزم طلب العلم بأدلّته وهو أبين . ن آمَنُوا مِن ُكمْ وَالّذِينَ ومن اليات الواردة في فضل طلب العلم قوله تعالى َ { :يرْفَ ِع الّلهُ الّذِي َ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ دَ َرجَاتٍ } . ومن ذلك قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :من يرد اللّه به خيرا يفقّهه في الدّين « . ومن ذلك حديث أنس قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :من خرج في طلب العلم كان في سبيل اللّه حتّى يرجع « . وقوله صلى ال عليه وسلم » :من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل اللّه له به طريقا إلى الجنّة « . ن تعلّمه للّه خشية ،وطلبه ومن الثار قول معاذ رضي ال تعالى عنه :تعلّموا العلم ،فإ ّ عبادة ،ومذاكرته تسبيح ،والبحث عنه جهاد ،وتعليمه من ل يعلمه صدقة ،وبذله ، لهله قربة .
ومن الثار في ذلك أيضا قول أبي الدّرداء رضي ال تعالى عنه :من رأى أنّ الغدوّ إلى طلب العلم ليس بجهاد فقد نقص في رأيه وعقله . ي :طلب العلم أفضل من النّافلة . وقول الشّافع ّ قال القرطبيّ :طلب العلم فضيلة عظيمة ،ومرتبة شريفة ل يوازيها عمل .
ترجيح طلب العلم على العبادات القاصرة على فاعلها :
7
-حكى النّوويّ اتّفاق الفقهاء على أنّ طلب العلم والشتغال به أفضل من الشتغال بنوافل
الصّوم والصّلة والتّسبيح ،ونحو ذلك من نوافل عبادات البدن . فعن أبي أمامة الباهليّ رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم : » فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم « . ي رضي ال تعالى عنه قال :العالم أعظم أجرا من الصّائم القائم الغازي في سبيل وعن عل ّ اللّه ،وعن أبي ذرّ وأبي هريرة رضي ال تعالى عنهما قال :باب من العلم نتعلّمه أحبّ إلينا من ألف ركعة تطوّع ،ولنّ نفع العلم يعمّ صاحبه والمسلمين ،والنّوافل المذكورة ن العلم مصحّح ،فغيره من العبادات مفتقر إليه ،ول ينعكس ،ولنّ العلم مختصّة به ،ول ّ تبقى فائدته وأثره بعد صاحبه ،والنّوافل تنقطع بموت صاحبها . كما أنّ المثابرة على طلب العلم والتّفقّه فيه ،وعدم الجتزاء باليسير منه يج ّر إلى العمل به ،ويلجئ إليه ،وهو معنى قول الحسن :كنّا نطلب العلم للدّنيا فجرّنا إلى الخرة .
وقت طلب العلم :
8
-ليس لطلب العلم وقت محدّد ،بل هو مطلوب في جميع مراحل العمر ،لكنّ العلماء
فضّلوا الطّلب في مرحلة الصّغر على غيرها من المراحل ،لصفاء الذّهن في تلك المرحلة ممّا يؤدّي إلى رسوخ العلم في الذّاكرة ،قال العدويّ نقلً عن المناويّ :وهذا في الغالب ، فقد تفقّه القفّال والقدوريّ بعد الشّيب ففاقا الشّباب . وأوجب الفقهاء على الباء والمّهات تعليم الصّغار . قال النّوويّ :على الباء والمّهات تعليم أولدهم ما سيتعيّن عليهم بعد البلوغ ،فيعلّمه الوليّ الطّهارة والصّلة والصّوم ونحوها ،ويعرّفه تحريم الزّنا واللّواط والسّرقة وشرب المسكر والكذب والغيبة وشبهها ،ويعرّفه أنّ بالبلوغ يدخل في التّكليف ،ويعرّفه ما يبلغ ص الشّافعيّ . به ،وقيل :هذا التّعليم مستحبّ ،والصّحيح وجوبه ،وهو ظاهر ن ّ سكُ ْم َوأَهْلِيكُمْ نَارا } ن آمَنُوا قُوا أَن ُف َ ودليل تعليم الولد الصّغار قوله تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ وحديث ابن عمر رضي ال تعالى عنهما عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيّته « .
ن وجوب تعليم الصّغار يبدأ بعد استكمال سبع سنين ،لحديث : وقد صرّح الفقهاء بأ ّ » مروا أولدكم بالصّلة وهم أبناء سبع سنين ،واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرّقوا بينهم في المضاجع « . ن الوجوب بعد استكمال السّبع ،وينبغي أن يؤمر بجميع قال ابن عابدين :الظّاهر أ ّ المأمورات وينهى عن جميع المنهيّات . ل عن النّوويّ :يجب على الباء والمّهات تعليم أولدهم الطّهارة وقال زكريّا النصاريّ نق ً والصّلة والشّرائع بعد سبع سنين . ض العلماء على استدامة طلب العلم ولو مع التّقدّم في السّنّ ،أو التّقدّم في العلم ، كما ح ّ قيل لبن المبارك :إلى متى تطلب العلم ؟ قال :حتّى الممات إن شاء اللّه . ن الخطأ منه وسئل سفيان بن عيينة :من أحوج النّاس إلى طلب العلم ؟ قال :أعلمهم ،ل ّ أقبح .
الرّحلة في طلب العلم :
9
-الرّحلة في طلب العلم مشروعة من حيث الجملة ،لما روى عمران بن حصين قال :
ي صلى ال عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب ،فأتاه ناس من بني تميم » دخلت على النّب ّ فقال :اقبلوا البشرى يا بني تميم ،قالوا :بشّرتنا فأعطنا -مرّتين -فتغيّر وجهه ،ثمّ دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال :اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم . قالوا قبلنا يا رسول اللّه ،قالوا :جئناك لنتفقّه في الدّين ،ولنسألك عن أوّل هذا المر ، قال :كان اللّه ولم يكن شيء قبله ،وكان عرشه على الماء ،ثمّ خلق السّموات والرض ، وكتب في الذّكر كلّ شيء .ثمّ أتاني رجل فقال :يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت ،فانطلقت ،أطلبها ،فإذا السّراب ينقطع دونها ،وأيم اللّه فلوددت أنّها قد ذهبت ولم أقم « . قال ابن هبيرة :فيه الرّحلة في طلب العلم ،وجواز السّؤال عن كلّ ما ل يعلمه ،وجواز العدول عن سماع العلم إلى ما يخاف فواته ،وجواز إيثار العلم على ذلك . وعن أبي أيّوب أنّه رحل إلى عقبة بن عامر فلمّا قدم مصر أخبروا عقبة فخرج إليه ،قال أبو أيّوب :حدّثنا ما سمعته من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في ستر المسلم ،قال : سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول » :من ستر مؤمنا في الدّنيا على خزية ستره اللّه يوم القيامة « فأتى أبو أيّوب راحلته فركبها وانصرف إلى المدينة وما حلّ رحله . و سئل المام أح مد :ترى الرّ جل أن ير حل لطلب العلم ؟ قال :ن عم ،ر حل أ صحاب ر سول اللّه صلى ال عليه وسلم ومن بعدهم .
وقال سعيد بن المسيّب :إن كنت لسافر مسيرة اللّيالي واليّام في الحديث الواحد . وقال الشّعبيّ :لو أ نّ رجلً سافر من أقصى الشّام إلى أقصى اليمن فسمع كلمةً تنفعه فيما يستقبل من أمره ما رأيت سفره ضاع . قال الحطّاب :يجب الهروب من بلد ل علم فيه إلى بلد فيه العلم .
استئذان البوين لطلب العلم :
10
-أجاز الفقهاء الخروج لطلب العلم بغير إذن الوالدين من حيث الجملة .
ولهم في ذلك تفصيلت نذكرها فيما يلي : فرّق الحنفيّة في الخروج لطلب العلم والتّفقّه بين خوف الهلك بسبب هذا الخروج ،وعدم خوف الهلك . فإن كان ل يخاف عليه الهلك كان خروجه لطلب العلم بمنزلة السّفر للتّجارة ،ويختلف حكم السّفر للتّجارة بين الخوف من الضّيعة على البوين وعدمه ،فإن كان يخاف الضّيعة على أبويه بأن كانا معسرين ،ونفقتهما عليه ،وما له ل يفي بالزّاد والرّاحلة ونفقتهما ، فإنّه ل يخرج بغير إذنهما ،وإن كان ل يخاف الضّيعة عليهما بأن كانا موسرين ولم تكن نفقتهما عليه كان له أن يخرج بغير إذنهما . وإن كان يخاف عليه الهلك بسبب خروجه لطلب العلم كان بمنزلة خروجه للجهاد ،فل يباح له الخروج إن كره الوالدان أو أحدهما خروجه ،سواء كان يخاف عليهما الضّيعة أو ل يخاف عليهما الضّيعة . ولو كان عنده أولد فإن قدر على التّعلّم وحفظ العيال فالجمع بينهما أفضل . وذهب المالكيّة إلى أنّ للبوين منع ولدهما من الخروج لطلب العلم إن كان في سفره خطر .قال الدّسوقيّ :فروض الكفاية كالعلم الزّائد على الحاجة ،كالتّجارة ،فلهما منعه من السّفر لتحصيله إذا كان ليس في بلدهما من يفيده حيث كان السّفر في البحر أو الب ّر خطرا وإلّ فل منع . وصرّح العدويّ :بأنّ للولد أن يخرج بغير إذن والديه لطلب العلم الكفائيّ إن لم يكن في بلده من يفيده إيّاه بشرط أن يرجى أن يكون أهلً ،فإن كان في بلده من يفيده إيّاه فل يخرج إلّ بإذنهما . وأجاز الشّافعيّة السّفر لتعلّم الفرض وكلّ واجب عينيّ ،ولو كان وقته متّسعا وإن لم يأذن البوان ،كما أجازوا السّفر لطلب الفرض الكفائيّ ،كدرجة الفتوى ،وإن لم يأذن أبواه ، على أن يكون السّفر آمنا أو قليل الخطر ،ولم يجد ببلده من يصلح لكمال ما يريده ،أو رجا بغربته زيادة فراغ ،أو إرشاد أستاذ ،ويشترط لخروجه لفرض الكفاية أن يكون
رشيدا ،ولو لزمته كفاية أصله احتاج لذنه ،إن لم ينب من يمونه من مال حاضر ،ومثله الفرع لو لزمت أصله مؤنته امتنع سفر الصل إلّ بإذن فرعه إن لم ينب . ومذهب الحنابلة في ذلك كمذهب الشّافعيّة حيث صرّحوا بأنّه ل طاعة للوالدين في ترك تعلّم علم واجب يقوم به دينه من طهارة وصلة وصيام ،وإن لم يحصل ما وجب عليه من العلم ببلده فله السّفر لطلبه بل إذن أبويه .
آداب طلب العلم :
11
-لطلب العلم آداب كثيرة ينبغي مراعاتها حتّى يكون الطّلب في أفضل صورة وتكون
الفادة منه أكبر ،وهذه الداب بعضها يرجع إلى المعلّم ،وبعضها يرجع إلى طالب العلم ، وبعضها مشترك بينهما .
أ ّولً :آداب المعلّم :
وهي إمّا آداب في المعلّم نفسه ،أو في درسه ،أو مع طلبته .
أمّا آدابه في نفسه فهي :
12
-أ -دوام مراقبة اللّه تعالى في السّ ّر والعلن ،والمحافظة على خوفه من اللّه في
جميع أفعاله وأقواله ،فإنّه أمين على ما أودع من العلوم . قال الشّافعيّ :ليس العلم ما حفظ ،العلم ما نفع ،ومن ذلك دوام الخشوع والتّواضع للّه تعالى . ب -أن يصون العلم ويقوم له بما جعله اللّه تعالى له من العزّة والشّرف ،فل يذلّه بذهابه ومشيه إلى غير أهله من أبناء الدّنيا من غير ضرورة أو حاجة ،أو إلى من يتعلّم العلم من أبناء الدّنيا ،وإن عظم شأنه وكبر قدره . قال الزّهريّ :هوان العلم أن يحمله العالم إلى بيت المتعلّم ،فإن دعت حاجة إلى ذلك أو ضرورة أو اقتضته مصلحة دينيّة راجحة على مفسدة بذله وحسنت فيه نيّة صالحة فل بأس به . ج -أن يتخلّق بالزّهد في الدّنيا ،والتّقلّل منها بقدر المكان الّذي ل يض ّر بنفسه أو بعياله . د -أن ينزّه علمه عن جعله سلّما يتوصّل به إلى الغراض الدّنيويّة ،من جاه أو مال ،أو سمعة أو شهرة ،أو خدمة ،أو تقدّم على أقرانه . هم – أن يتنزّه عن دنيء المكاسب ورذيلها طبعا ،وعن مكروهها عادةً وشرعا ،وكذلك يتجنّب مواضع التّهم وإن بعدت .
و -أن يحافظ على القيام بشعائر السلم وظواهر الحكام ،كإمامة الصّلة في المساجد للجماعات ،والمر بالمعروف ،والنّهي عن المنكر ،والصّبر على الذى بسبب ذلك ، ق عند السّلطين باذ ًل نفسه للّه ،وكذلك القيام بإظهار السّنن ،وإخماد البدع ، صادعا بالح ّ والقيام للّه في أمور الدّين وما فيه مصالح المسلمين على الطّريق المشروع . ز -أن يحافظ على المندوبات الشّرعيّة القوليّة والفعليّة ،فيلزم تلوة القرآن ،وذكر اللّه تعالى بالقلب واللّسان ،ونوافل العبادات من الصّلة والصّيام وحجّ البيت الحرام . ح -أن يديم الحرص على الزدياد من طلب العلم والشتغال به ،وأن ل يستنكف أن يستفيد ما ل يعلمه ممّن هو دونه ،قال سعيد بن جبير :ل يزال الرّجل عالما ما تعلّم ،فإذا ترك العلم وظنّ أنّه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون ،وأن يشتغل بالتّصنيف والجمع والتّأليف لكن مع تمام الفضيلة وكمال الهليّة .
وآداب المعلّم في درسه هي :
13
-أن يتطهّر من الحدث والخبث ويتنظّف ويتطيّب ويلبس من أحسن ثيابه إذا جلس
للتّدريس ،وأن يجلس بارزا لجميع الحاضرين ،ويوقّر فاضلهم ،ويتلطّف بالباقين ، ويكرمهم بحسن السّلم ،وطلقة الوجه . وأن يقدم على الشّروع في البحث والتّدريس قراءة شيء من كتاب اللّه تعالى تبرّكا وتيمّنا .وإذا تعدّدت الدّروس قدّم الشرف فالشرف ،والهمّ فالهمّ ،ول يذكر شبهةً في الدّين في درس ويؤخّر الجواب عنها إلى درس آخر ،بل يذكرهما جميعا أو يدعهما جميعا ، وينبغي أن ل يطيل الدّرس تطويلً يم ّل ،ول يقصّره تقصيرا يخلّ . وأن يصون مجلسه عن اللّغط وعن رفع الصوات . وأن يلزم النصاف في بحثه وخطابه . وأن ل ينتصب للتّدريس إذا لم يكن أهلً له .
وآداب المعلّم مع طلبته هي :
14
-أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه اللّه تعالى ،ونشر العلم ،وإحياء الشّرع .
ن حسن النّيّة مرجوّ له ببركة العلم ، وأن ل يمتنع من تعليم الطّالب ،لعدم خلوص نيّته ،فإ ّ ن إخلص النّيّة لو قال بعض السّلف :طلبنا العلم لغير اللّه ،فأبى أن يكون إلّ للّه ،ول ّ شرط في تعليم المبتدئين فيه مع عسره على كثير منهم لدّى ذلك إلى تفويت العلم على كثير من النّاس ،لكنّ الشّيخ يحرّض المبتدئ على حسن النّيّة بالتّدريج . وأن يرغّب الطّالب في العلم وطلبه في أكثر الوقات .
وأن يتلطّف في تفهيمه ،ل سيّما إذا كان أهلً لذلك ،ويحرّضه على طلب الفوائد ،وحفظ الفرائد ول يدّخر عنه من أنواع العلوم ما يسأله عنه وهو أهل له ،وكذلك ل يلقي إليه من العلم ما لم يتأهّل له ،لنّ ذلك يبدّد ذهنه ويفرّق فهمه . وأن يحرص على تعليم الطّالب وتفهيمه ببذل جهده ،وتقريب المعنى له . وإذا سلك الطّالب في التّحصيل فوق ما يقتضيه حاله وخاف المعلّم ضجره أوصاه بالرّفق بنفسه ،والناة ،والقتصاد في الجتهاد ،وكذلك إذا ظهر له منه نوع سآمة أو ضجر أمره بالرّاحة وتخفيف الشتغال . وأن ل يظهر للطّلبة تفضيل بعضهم على بعض مع تساويهم في الصّفات ،فإنّ ذلك ربّما يوحش صدورهم وينفّر قلوبهم . وأن يسعى في مصالح الطّلبة وجمع قلوبهم ومساعدتهم بما يتيسّر عليه ،وإذا غاب بعض الطّلبة زائدا عن العادة سأل عنه ،فإن لم يخبر عنه بشيء أرسل إليه ،أو قصد منزله بنفسه ،وهو أفضل . وأن يتواضع مع الطّالب وكلّ مسترشد سائل ففي الحديث » :لينوا لمن تعلّمون ولمن تتعلّمون منه « .
ثانيا :آداب المتعلّم :
وهي إمّا آداب في نفسه ،أو مع معلّمه أو في درسه .
آدابه في نفسه :
15
-أ -أن يطهّر قلبه ليصلح بذلك لقبول العلم وحفظه ،وأن يطلب العلم يقصد به وجه
ن العلم اللّه تعالى والعمل به ،وإحياء الشّريعة ،ول يقصد به الغراض الدّنيويّة ،ل ّ عبادة ،فإن خلصت فيه النّيّة قبل ونمت بركته ،وإن قصد به غير وجه اللّه تعالى حبط وخسرت صفقته . ب -أن يبادر شبابه وأوقات عمره إلى التّحصيل ،وأن يقنع من القوت بما تيسّر وإن كان يسيرا ،ومن اللّباس بما يستر . ج -أن يقسم أوقات ليله ونهاره ويستفيد منها . د -أن يقلّل نومه ،ما لم يلحقه ضرر في بدنه وذهنه ،ول بأس أن يريح نفسه وقلبه وذهنه إذا كلّ شيء من ذلك أو ضعف ،وأن يأخذ نفسه بالورع في جميع شأنه ويتحرّى الحلل في طعامه وشرابه ولباسه ومسكنه .
آداب المتعلّم مع معلّمه :
16
ن العلم ،كما قال بعض -أ -ينبغي للطّالب أن يستخير اللّه في من يأخذ العلم عنه ،ل ّ
السّلف :هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم . ب -أن ينقاد لمعلّمه في أموره ،ويتحرّى رضاه فيما يعتمد ويبالغ في حرمته ،ويتقرّب إلى اللّه تعالى بخدمته ،ويعلم أنّ تواضعه لمعلّمه عزّ ،فقد أخذ ابن عبّاس مع نسبه وعلمه بركاب زيد بن ثابت رضي ال عنهم وقال :هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا ،وأن ل يخاطب شيخه بتاء الخطاب وكافه ،ول يناديه من بعد ،بل يقول يا أستاذي ،ويا شيخي ، وأن يدعو له مدّة حياته ويرعى ذرّيّته وأقاربه بعد وفاته . ج -أن يصبر على جفوة تصدر من شيخه أو سوء خلق ،ول يصدّه ذلك عن ملزمته ن الصّواب خلفها ،ويبدأ هو عند جفوة الشّيخ وحسن عقيدته ،ويتأوّل أفعاله الّتي يظهر أ ّ ن ذلك أبقى لمودّة شيخه وأنفع للطّالب . بالعتذار ،فإ ّ د -أن يجلس بين يدي المعلّم جلسة الدب ،ويصغي إليه ،وأن يحسن خطابه معه ،وأن ل يسبق إلى شرح مسألة أو جواب ،ول يقطع على المعلّم كلمه ،ويتخلّق بمحاسن الخلق بين يديه .
آداب المتعلّم في درسه :
17
-أ -أن يبدأ أ ّولً بكتاب اللّه العزيز فيتقنه حفظا ،ويجتهد في إتقان تفسيره وسائر
علومه . ب -أن ل يشتغل في أوّل أمره بمسائل الختلف بين العلماء فإنّه يحيّر الذّهن . ج -أن يصحّح ما يقرؤه قبل حفظه تصحيحا متقنا ،إمّا على معلّمه أو على غيره من أهل العلم ،ث ّم يحفظه بعد ذلك . د -أن يلزم معلّمه في التّدريس والقراء ،بل وجميع مجالسه إذا أمكن ،فإنّه ل يزيده إلّ خيرا وتحصيلً . هم -أن يتأدّب مع حاضري مجلس المعلّم فإنّه أدب معه واحترام لمجلسه . و -أن ل يستحي من سؤال ما أشكل عليه ويتفهّم ما لم يتعقّله بتلطّف وحسن خطاب وأدب.
ثالثا :الداب المشتركة بين المعلّم والمتعلّم :
18
-أ -ينبغي لكلّ واحد منهما أن ل يخلّ بوظيفته لطروء فرض خفيف ونحوه ممّا يمكن
معه الشتغال ،وأن ل يسأل أحدا تعنّتا وتعجيزا ،ففي الحديث :نهى عن الغلوطات .
ب -أن يعتني كلّ واحد منهما بتحصيل الكتب شرا ًء واستعار ًة ،فإن استعاره لم يبطئ به ل يمتنع من ل يفوت النتفاع به على صاحبه ،ولئلّ يكسل عن تحصيل الفائدة منه ،ولئ ّ لئ ّ إعارته غيره . قال النّوويّ :والمختار استحباب العارة لمن ل ضرر عليه في ذلك ،لنّه إعانة على العلم مع ما في مطلق العاريّة من الفضل ،ويستحبّ شكر المعير لحسانه .
طُلُوع *
انظر :أوقات الصّلة ،صوم
ط َم ْأنِينَة * ُ
التّعريف : 1
-الطّمأنينة لغ ًة :السّكون ،يقال :اطمأنّ الرّجل اطمئنانا وطمأنينةً :أي سكن ،واطمأنّ
القلب :إذا سكن ولم يقلق . طمَئِنّ َقلْبِي } أي ليسكن إلى المعاينة بعد اليمان بالغيب ، ومنه قوله تعالى { :وَلَمكِن لّ َي ْ طمَأْنَن ُتمْ فَأَقِيمُواْ الصّلَةَ } أي إذا سكنت قلوبكم . وقوله تعالى { :فَإِذَا ا ْ وفي المصباح المنير :اطمأ نّ بالموضع أقام به واتّخذه وطنا ،وموضع مطمئ نّ منخفض . والطّمأنينة اصطلحا :هي استقرار العضاء زمنا ما . وللفقهاء تفصيل في حدّ هذا الزّمن سيأتي بيانه في الحكم الجماليّ . التّعديل : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-التّعديل في اللّغة :إقامة الحكم ،والتّزكية ،وتسوية الميزان .
واصطلحا :استعمل الحنفيّة التّعديل بمعنى الطّمأنينة ،فيعدّون من واجبات الصّلة تعديل ن المفاصل . الركان ،ويقصدون بذلك تسكين الجوارح في الرّكوع والسّجود حتّى تطمئ ّ فالتّعديل بهذا المعنى مرادف للطّمأنينة .
الحكم الجماليّ :
3
-اختلف الفقهاء في حكم الطّمأنينة في الصّلة ،فذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف
من الحنفيّة وابن الحاجب من المالكيّة إلى أنّ الطّمأنينة ركن من أركان الصّلة ،لحديث المسيء صلته وهو » :أنّ رجلً دخل المسجد فصلّى ثمّ جاء فسلّم على النّبيّ صلى ال عليه وسلم فر ّد عليه ،ثمّ قال :ارجع فصلّ فإنّك لم تصلّ ،فعل ذلك ثلثا ،ثمّ قال :والّذي ق ما أحسن غيره ،فعلّمني ،فقال :إذا قمت إلى الصّلة فكبّر ،ثمّ اقرأ ما تيسّر بعثك بالح ّ
معك من القرآن ،ثمّ اركع حتّى تطمئنّ راكعا ،ثمّ ارفع حتّى تعتدل قائما ،ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا ،ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالسا ،ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا ،ثمّ افعل ذلك في صلتك كلّها « . ومحلّ الطّمأنينة عندهم :في الرّكوع ،والسّجود ،والعتدال من الرّكوع ،والجلوس بين السّجدتين . وذهب الحنفيّة -عدا أبي يوسف -إلى أنّ الطّمأنينة واجبة وليست بفرض ويسمّونها " تعديل الركان " وهي سنّة في تخريج الجرجانيّ ،والصّحيح الوجوب ،وهو تخريج الكرخيّ . قال ابن عابدين :حتّى تجب سجدتا السّهو بتركه ،كذا في الهداية وجزم به في الكنز والوقاية والملتقى وهو مقتضى الدلّة . ومحلّ التّعديل عندهم في الرّكوع والسّجود ،واختار بعض الحنفيّة وجوب التّعديل في الرّفع من الرّكوع ،والجلوس بين السّجدتين أيضا . قال ابن عابدين :الصحّ روايةً ودرايةً وجوب تعديل الركان ،وأمّا القومة والجلسة وتعديلهما فالمشهور في المذهب السّنّيّة ،وروي وجوبها وهو الموافق للدلّة وعليه الكمال ومن بعده من المتأخّرين . وقال أبو يوسف :بفرضيّة الكلّ ،واختاره في المجمع والعين ،ورواه الطّحاويّ عن أئمّة الحنفيّة الثّلثة ،وقال في الفيض :إنّه الحوط . وعند المالكيّة في الطّمأنينة خلف . قال الدّسوقيّ :القول بفرضيّتها صحّحه ابن الحاجب والمشهور من المذهب أنّها سنّة ، ي :من ترك الطّمأنينة أعاد في الوقت على المشهور وقيل :إنّها ولذا قال زرّوق والبنّان ّ فضيلة .
أقلّ الطّمأنينة :
4
ن أقلّ الطّمأنينة هو -ذهب جمهور الفقهاء - :المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى أ ّ
سكون العضاء . قال المالكيّة :أقلّها ذهاب حركة العضاء زمنا يسيرا . وقال الشّافعيّة :أقلّها أن يمكث المصلّي حتّى تستقرّ أعضاؤه وتنفصل حركة هويّه عن ارتفاعه . قال النّوويّ :ولو زاد في الهويّ ثمّ ارتفع والحركات متّصلة ولم يلبث لم تحصل الطّمأنينة ،ول يقوم زيادة الهويّ مقام الطّمأنينة بل خلف .
وقال الحنابلة :أقلّها حصول السّكون وإن قلّ ،وهذا على الصّحيح من المذهب ،وقيل : هي بقدر الذّكر الواجب ،قال المرداويّ :وفائدة الوجهين :إذا نسي التّسبيح في ركوعه ، أو في سجوده ،أو التّحميد في اعتداله ،أو سؤال المغفرة في جلوسه أو عجز عنه لعجمة أو خرس ،أو تعمّد تركه ،وقلنا :هو سنّة ،واطمأنّ قدرا ل يتّسع له فصلته صحيحة على الوجه الوّل ،ول تصحّ على الثّاني . ن أقلّ الطّمأنينة هو تسكين الجوارح قدر تسبيحة . وذهب الحنفيّة إلى أ ّ وتفصيل ذلك في مصطلح ( :صلة ) .
انظر :حيض .
التّعريف : 1
طمْث * َ طهارة *
ضمّ -الطّهارة في اللّغة :النّظافة ،يقال :طهر الشّيء بفتح الهاء وضمّها يطهر بال ّ
ضمّ ،وطهّره تطهيرا ،وتطهّر بالماء ،وهم قوم طهارةً فيهما ،والسم :الطّهر بال ّ يتطهّرون أي :يتنزّهون من الدناس ،ورجل طاهر الثّياب ،أي :منزّه . وفي الشّرع :هي عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة بصفة مخصوصة . وعرفت أيضا بأنّها :زوال حدث أو خبث ،أو رفع الحدث أو إزالة النّجس ،أو ما في معناهما أو على صورتهما . وقال المالكيّة :إنّها صفة حكميّة توجب للموصوف بها جواز استباحة الصّلة به ،أو فيه ، أو له .فالوّلن يرجعان للثّوب والمكان ،والخير للشّخص . أ -الغسل : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
ضمّ :اسم من الغَسل -بالفتح -ومن -الغَسل بالفتح :مصدر غسل ،والغُسل بال ّ
الغتسال ،وأكثر ما يستعمله الفقهاء من الغتسال . ويعرّفونه لغةً :بأنّه سيلن الماء على الشّيء مطلقا . وشرعًا :بأنّه سيلنه على جميع البدن بنيّة . والطّهارة أعمّ من الغسل . ب -التّيمّم :
3
-التّيمّم في اللّغة :مطلق القصد ،وفي الشّرع :قصد الصّعيد الطّاهر واستعماله بصفة
مخصوصة لزالة الحدث . ص من الطّهارة . والتّيمّم أخ ّ
ج -الوضوء : 4
-الوضوء بضمّ الواو :اسم للفعل ،وهو :استعمال الماء في أعضاء مخصوصة ،وهو
المراد هنا وبفتحها :اسم للماء الّذي يتوضّأ به ،وهو مأخوذ من الوضاءة ،وهي الحسن والنّظافة والضّياء من ظلمة الذّنوب . وفي الشّرع :أفعال مخصوصة مفتتحة بالنّيّة . والطّهارة أعمّ منه . 5
-الطّهارة تنقسم إلى قسمين :
تقسيم الطّهارة :
طهارة من الحدث ،وطهارة من النّجس ،أي :حكميّة وحقيقيّة . فالحدث هو :الحالة النّاقضة للطّهارة شرعا ،بمعنى أنّ الحدث إن صادف طهار ًة نقضها ، وإن لم يصادف طهار ًة فمن شأنه أن يكون كذلك . وينقسم إلى قسمين :الكبر والصغر ،أمّا الكبر فهو :الجنابة والحيض والنّفاس ،وأمّا ي بغير لذّة ،والهادي الصغر فمنه :البول والغائط والرّيح والمذي والودي وخروج المن ّ وهو :الماء الّذي يخرج من فرج المرأة عند ولدتها . وأمّا النّجس -ويعبّر عنه بالخبث أيضا -فهو عبارة عن النّجاسة القائمة بالشّخص أو الثّوب أو المكان . والولى منهما -وهي الطّهارة من الحدث الصغر والكبر -شرعت بقوله تعالى { :يَا غسِلُواْ ُوجُو َهكُ ْم َوأَيْدِيَ ُكمْ إِلَى ا ْلمَرَافِق } الية ، ن آمَنُواْ إِذَا ُقمْ ُتمْ إِلَى الصّلةِ فا ْ أَ ّيهَا الّذِي َ ولقوله صلى ال عليه وسلم » :ل تقبل صلة بغير طهور « . والثّانيمة منهمما -وهمي طهارة الجسمد والثّوب والمكان الّذي يصملّى عليمه ممن النّجمس - طهّرْ } . شرعت بقوله تعالى { :وَثِيَابَكَ َف َ طهّرُواْ } . وقوله تعالى َ { :وإِن كُنتُمْ جُنُبا فَا ّ ن وَالْعَا ِكفِينَ وَال ّركّعِ ي لِلطّا ِئفِي َ طهّرَا بَيْتِ َ سمَاعِيلَ أَن َ عهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ َوِإ ْ وقوله تعالى { :وَ َ سجُودِ } . ال ّ وبقوله عليه الصلة والسلم » :اغسلي عنك الدّم وصلّي « . والطّهارة من ذلك كلّه من شروط صحّة الصّلة .
ويرجع في تفصيل الطّهارة الحكميّة -وهي الطّهارة من الحدث -إلى مواطنها في مصطلحات ( :حدث ،وضوء ،جنابة ،حيض ،نفاس ) .
ما تشترط له الطّهارة الحقيقيّة :
6
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يشترط لصحّة الصّلة طهارة بدن المصلّي وثوبه ومكانه
من النّجاسة .لما مرّ في الفقرة السّابقة . ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم في حديث العرابيّ » :صبّوا عليه ذنوبا من ماء « . وقال المالكيّة :إنّها واجبة مع الذّكر والقدرة ،وسنّة مع النّسيان وعدم القدرة . ن من صلّى بالنّجاسة متعمّدا عالما بحكمها ،أو جاهلً وهو قادر والمعتمد في المذهب :أ ّ على إزالتها يعيد صلته أبدا ،ومن صلّى بها ناسيا أو غير عالم بها أو عاجزا عن إزالتها يعيد في الوقت . وأيضا تشترط الطّهارة الحقيقيّة لصلة الجنازة ،وهي شرط في الميّت بالضافة إلى المصلّي. وتشترط الطّهارة الحقيقيّة كذلك في سجدة التّلوة . واختلف الفقهاء في اشتراط الطّهارة الحقيقيّة في الطّواف ،فذهب جمهور الفقهاء ي صلى ال عليه وسلم : المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى اشتراطها ،لقول النّب ّن اللّه قد أحلّ فيه المنطق ،فمن نطق فل ينطق إلّ » الطّواف بالبيت بمنزلة الصّلة إلّ أ ّ بخير « . وذهب الحنفيّة إلى عدم اشتراط الطّهارة الحقيقيّة في الطّواف . قال الطّحاويّ :والكثر على أنّها سنّة مؤكّدة . وانفرد الشّافعيّة باشتراط الطّهارة الحقيقيّة في خطبة الجمعة .
تطهير النّجاسات :
7
ن ذاتها نجسة ،بخلف العيان المتنجّسة ، -النّجاسات العينيّة ل تطهر بحال ،إذ أ ّ
وهي الّتي كانت طاهر ًة في الصل وطرأت عليها النّجاسة ،فإنّه يمكن تطهيرها . والعيان منها ما اتّفق الفقهاء على نجاسته ،ومنها ما اختلفوا فيه . وممّا اتّفق الفقهاء على نجاسته :الدّم المسفوح ،والميتة ،والبول والعذرة من الدميّ . وممّا اختلف الفقهاء فيه :الكلب والخنزير ،حيث ذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى القول بنجاسة الخنزير كما ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى نجاسة ن الكلب ليس بنجس العين ،وإنّما لحمه نجس . الكلب ،وقال الحنفيّة في الصحّ :إ ّ ولمعرفة ما يعتبر نجسا أو غير نجس ينظر مصطلح ( :نجاسة ) .
: 8
ال ّنيّة في التّطهير من النّجاسات
ن التّطهير من النّجاسة ل يحتاج إلى نيّة ،فليست النّيّة بشرط في -اتّفق الفقهاء على أ ّ
طهارة الخبث ،ويطهر محلّ النّجاسة بغسله بل نيّة ،لنّ الطّهارة عن النّجاسة من باب التّروك ،فلم تفتقر إلى النّيّة كما علّله المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . ولنّ إزالة النّجاسة تعبّد غير معقول المعنى . ي من الحنفيّة :الماء طهور بطبعه ،فإذا لقى النّجس طهّره قصد المستعمل وقال البابرت ّ ذلك أو ل ،كالثّوب النّجس .
ما تحصل به الطّهارة :
9
-اتّفق الفقهاء على أنّ الماء المطلق رافع للحدث مزيل للخبث ،لقول اللّه تعالى :
طهّ َركُم ِبهِ } . سمَاء مَاء لّ ُي َ { وَيُنَ ّز ُل عَلَ ْيكُم مّن ال ّ ي صلى ال عليه وسلم ولحديث أسماء رضي ال تعالى عنها قالت » :جاءت امرأة إلى النّب ّ فقالت :إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة ،كيف تصنع به ؟ قال :تحتّه ثمّ تقرصه بالماء ،ث ّم تنضحه ،ثمّ تصلّي فيه « . وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّه يجوز تطهير النّجاسة بالماء المطلق ،وبكلّ مائع طاهر قالع ،كالخلّ وماء الورد ونحوه ممّا إذا عصر انعصر ،لما روت عائشة رضي ال تعالى عنها أنّها قالت :ما كان لحدانا إلّ ثوب واحد تحيض فيه ،فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها ،فقصعته بظفرها -أي حكّته . - ولنّه مزيل بطبعه ،فوجب أن يفيد الطّهارة كالماء بل أولى ،لنّه أقلع لها ،ولنّا نشاهد ونعلم بالضّرورة أنّ المائع يزيل شيئا من النّجاسة في كلّ مرّة ،ولهذا يتغيّر لون الماء به ،والنّجاسة متناهية ،لنّها مركّبة من جواهر متناهية ،فإذا انتهت أجزاؤها بقي المحلّ طاهرا لعدم المجاورة . ل بنفسها فإنّها تطهر ، واتّفق الفقهاء على طهارة الخمر بالستحالة ،فإذا انقلبت الخمر خ ً لنّ نجاستها لشدّتها المسكرة الحادثة لها ،وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها ،فوجب أن تطهر ،كالماء الّذي تنجّس بالتّغيّر إذا زال تغيّره بنفسه . وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ جلد الميتة يطهر بالدّباغة ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :إذا دبغ الهاب فقد طهر « . وقال المالكيّة والحنابلة بعدم طهارة جلد الميتة بالدّباغ .
لما روي عن عبد اللّه بن عكيم قال » :أتانا كتاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بأرض جهينة ،قال :وأنا غلم -قبل وفاته بشهر أو شهرين :أن ل تنتفعوا من الميتةبإهاب ول عصب « . وعدّ الحنفيّة من المطهّرات :الدّلك ،والفرك ،والمسح ،واليبس ،وانقلب العين ،فيطهر الخفّ والنّعل إذا تنجّس بذي جرم بالدّلك ،والمنيّ اليابس بالفرك ،ويطهر الصّقيل كالسّيف والمرآة بالمسح ،والرض المتنجّسة باليبس ،والخنزير والحمار بانقلب العين ،كما لو وقعا في المملحة فصارا ملحا .
المياه الّتي يجوز التّطهير بها ،والّتي ل يجوز :
10
-قسّم الفقهاء الماء من حيث جواز التّطهير به ورفعه للحدث والخبث ،أو عدم ذلك ،
إلى عدّة أقسام : أ -ماء طاهر مطهّر غير مكروه ،وهو الماء المطلق ،وهو الماء الباقي على خلقته ،أو هو الّذي لم يخالطه ما يصير به مقيّدا . والماء المطلق يرفع الحدث والخبث باتّفاق الفقهاء .ويلحق به عند جمهور الفقهاء ما تغيّر بطول مكثه ،أو بما هو متولّد منه كالطّحلب . ص كلّ مذهب هذا القسم بنوع من المياه :فخصّ ب -ماء طاهر مطهّر مكروه ،وخ ّ الحنفيّة ذلك بالماء الّذي شرب منه حيوان مثل الهرّة الهليّة والدّجاجة المخلة وسباع الطّير والحيّة والفأرة ،وكان قليلً ،والكراهة تنزيهيّة على الصحّ ،وهو ما ذهب إليه ل ذلك بعدم تحاميها النّجاسة ،ثمّ إنّ الكراهة إنّما هي عند وجود المطلق ،وإلّ الكرخيّ معلّ ً ل. فل كراهة أص ً ن الماء إذا استعمل في رفع حدث أو في إزالة حكم خبث فإنّه يكره وصرّح المالكيّة بأ ّ استعماله بعد ذلك في طهارة حدث كوضوء أو اغتسال مندوب ل في إزالة حكم خبث ، ل كآنية الوضوء والغسل ،وأن والكراهة مقيّدة بأمرين :أن يكون ذلك الماء المستعمل قلي ً يوجد غيره ،وإلّ فل كراهة ،كما يكره عندهم الماء اليسير -وهو ما كان قدر آنية الوضوء أو الغسل فما دونها -إذا حلّت فيه نجاسة قليلة كالقطرة ولم تغيّره ،قال الدّسوقيّ :الكراهة مقيّدة بقيود سبعة :أن يكون الماء الّذي حلّت فيه النّجاسة يسيرا ،وأن تكون النّجاسة الّتي حلّت فيه قطرة فما فوقها ،وأن ل تغيّره ،وأن يوجد غيره ،وأن ل يكون له مادّة كبئر ،وأن ل يكون جاريا ،وأن يراد استعماله فيما يتوقّف على طهور ، كرفع حدث حكم خبث ووضوء أو غسل مندوب ،فإن انتفى قيد منها فل كراهة .
ومن المكروه أيضا :الماء اليسير الّذي ولغ فيه كلب ولو تحقّقت سلمة فيه من النّجاسة ، وسؤر شارب الخمر . وعند الشّافعيّة الماء المكروه ثمانية :المشمّس ،وشديد الحرارة ،وشديد البرودة ،وماء ديار ثمود إلّ بئر النّاقة ،وماء ديار قوم لوط ،وماء بئر برهوت ،وماء أرض بابل ، وماء بئر ذروان . والمكروه عند الحنابلة :الماء المتغيّر بغير ممازج ،كدهن وقطران وقطع كافور ،أو ماء سخّن بمغصوب أو بنجاسة ،أو الماء الّذي اشت ّد حرّه أو برده ،والكراهة مقيّدة بعدم الحتياج إليه ،فإن احتيج إليه تعيّن وزالت الكراهة . وكذا يكره استعمال ماء البئر الّذي في المقبرة ،وماء في بئر في موضع غصب ،وما ظنّ تنجّسه ،كما نصّوا على كراهة استعمال ماء زمزم في إزالة النّجاسة دون طهارة الحدث تشريفا له . ج -ماء طاهر في نفسه غير مطهّر ،وهو عند الحنفيّة الماء المستعمل ،وعرّفوه بأنّه : ما أزيل به حدث أو استعمل في البدن على وجه القربة ،ول يجوز استعماله في طهارة الحداث ،بخلف الخبث ،ويصير مستعملً عندهم بمجرّد انفصاله عن الجسد ولو لم يستقرّ بمحلّ . وعند جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -هو :الماء المغيّر طعمه أو لونه أو ريحه بما خالطه من العيان الطّاهرة تغيّرا يمنع إطلق اسم الماء عليه ،وهو كذلك عند الشّافعيّة :الماء المستعمل في فرض الطّهارة ونفلها على الجديد . وصرّح جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -بأنّ هذا النّوع ل يرفع حكم الخبث أيضا ،وعند الحنفيّة يرفع حكم الخبث . د -ماء نجس ،وهو :الماء الّذي وقعت فيه نجاسة وكان قليلً ،أو كان كثيرا وغيّرته ، وهذا ل يرفع الحدث ول النّجس بالتّفاق . هم -ماء مشكوك في طهوريّته ،وانفرد بهذا القسم الحنفيّة ،وهو عندهم :ما شرب منه بغل أو حمار . و -ماء محرّم ل تصحّ الطّهارة به ،وانفرد به الحنابلة ،وهو عندهم :ماء آبار ديار ثمود -غير بئر النّاقة -والماء المغصوب ،وماء ثمنه المعيّن حرام . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :مياه ) .
تطهير محلّ النّجاسة :
11
-اختلف الفقهاء في ما يحصل به طهارة محلّ النّجاسة :
فذهب الحنفيّة إلى التّفريق بين النّجاسة المرئيّة وغير المرئيّة . فإذا كانت النّجاسة مرئ ّيةً فإنّه يطهر المحلّ المتنجّس بها بزوال عينها ولو بغسلة واحدة ن النّجاسة فيه على الصّحيح ولو كانت النّجاسة غليظةً ،ول يشترط تكرار الغسل ،ل ّ باعتبار عينها ،فتزول بزوالها . وعن أبي جعفر :أنّه يغسل مرّتين بعد زوال العين ،وعن فخر السلم :ثلثا بعده ، ويشترط زوال الطّعم في النّجاسة ،لنّ بقاءه يدلّ على بقاء العين ،ول يضرّ بقاء لون ق زواله . ق زواله ،وكذا الرّيح وإن لم يش ّ النّجاسة الّذي يش ّ ب الماء على النّجاسة ،أو غسلها في الماء الجاري . وهذا الحكم فيما إذا ص ّ أمّا لو غسلها في إجّانة فيطهر بالثّلث إذا عصر في كلّ مرّة . وإذا كانت النّجاسة غير مرئيّة فإنّه يطهر المح ّل بغسلها ثلثا وجوبا ،والعصر كلّ مرّة في ظاهر الرّواية ،تقديرا لغلبة الظّنّ في استخراجها . قال الطّحاويّ :ويبالغ في المرّة الثّالثة حتّى ينقطع التّقاطر ،والمعتبر قوّة كلّ عاصر دون غيره ،فلو كان بحيث لو عصر غيره قطّر طهر بالنّسبة إليه دون ذلك الغير ،ولو لم يصرف قوّته لرقّة الثّوب قيل :يطهر للضّرورة .وهو الظهر ،وقيل :ل يطهر وهو اختيار قاضي خان . وفي رواية :يكتفى بالعصر مرّةً . ثمّ إنّ اشتراط الغسل والعصر ثلثا إنّما هو إذا غمسه في إجّانة ،أمّا إذا غمسه في ماء جار حتّى جرى عليه الماء أو صبّ عليه ماء كثير ،بحيث يخرج ما أصابه من الماء ويخلف غيره ثلثا ،فقد طهر مطلقا بل اشتراط عصر وتكرار غمس . ويقصد بالنّجاسة المرئيّة عندهم :ما يرى بعد الجفاف ،وغير المرئيّة :ما ل يرى بعده . وذهب المالكيّة إلى أنّه يطهر محلّ النّجاسة بغسله من غير تحديد عدد ،بشرط زوال طعم ن بقاء الطّعم دليل على تمكّن النّجاسة من المحلّ فيشترط زواله ، النّجاسة ولو عسر ،ل ّ وكذلك يشترط زوال اللّون والرّيح إن تيسّر ذلك ،بخلف ما إذا تعسّر . وذهب الشّافعيّة إلى التّفريق بين أن تكون النّجاسة عينا أو ليست بعين . فإن كانت النّجاسة عينا فإنّه يجب إزالة الطّعم ،ومحاولة إزالة اللّون والرّيح ،فإن عسر ت أو قرص ثلث مرّات عفي عنه ما دام العسر ،ويجب إزالته زوال الطّعم ،بأن لم يزل بح ّ إذا قدر ،ول يضرّ بقاء لون أو ريح عسر زواله فيعفى عنه ،فإن بقيا معا ض ّر على الصّحيح ،لقوّة دللتهما على بقاء عين النّجاسة .
وإن لم تكن النّجاسة عينا -وهي ما ل يدرك لها عين ول وصف ،سواء أكان عدم الدراك لخفاء أثرها بالجفاف ،كبول جفّ فذهبت عينه ول أثر له ول ريح ،فذهب وصفه ، ل ل تثبت عليه النّجاسة كالمرآة والسّيف -فإنّه يكفي جري الماء أم ل ،لكون المحلّ صقي ً عليه مرّةً ،وإن لم يكن بفعل فاعل كمطر . وذ هب الحنابلة إلى أنّه تط هر المتنجّ سات ب سبع غسلت منقّ ية ،لقول ا بن ع مر رضي ال تعالى عنهما :أمرنا أن نغسل النجاس سبعا . وقد أمر به في نجاسة الكلب ،فيلحق به سائر النّجاسات ،لنّها في معناها ،والحكم ل يختصّ بمورد النّصّ ،بدليل إلحاق البدن والثّوب به . قال البهوتيّ :فعلى هذا يغسل محلّ الستنجاء سبعا كغيره ،صرّح به القاضي والشّيرازيّ ص عليه أحمد في رواية صالح ،لكن نصّ في رواية أبي داود ،واختاره وابن عقيل ،ون ّ في المغني :أنّه ل يجب فيه عدد ،اعتمادا على أنّه لم يصحّ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم في ذلك شيء ،ل في قوله ول فعله . ويضرّ عندهم بقاء الطّعم ،لدللته على بقاء العين ولسهولة إزالته ويضرّ كذلك بقاء اللّون أو الرّيح أو هما معا إن تيسّر إزالتهما ،فإن عسر ذلك لم يضرّ . وهذا في غير نجاسة الكلب والخنزير ،أمّا نجاستهما فللفقهاء فيها تفصيل آخر سيأتي بيانه .
تطهير ما تصيبه الغسالة قبل طهارة المغسول :
12
ي صلى ال عليه وسلم : -الغسالة المتغيّرة بأحد أوصاف النّجاسة نجسة ،لقول النّب ّ
» إنّ الماء ل ينجّسه شيء إلّ ما غلب على ريحه ولونه وطعمه « . قال الخرشيّ من المالكيّة :سواء كان تغيّرها بالطّعم أو اللّون والرّيح ولو المتعسّرين ، ومن ثمّ ينجس المحلّ الّذي تصيبه الغسالة المتغيّرة ،ويكون تطهيره كتطهير أيّ محلّ متنجّس عند الجمهور . لكنّ الحنابلة القائلين بأنّه ل يطهر المحلّ المتنجّس إلّ بغسله سبعا ،فيغسل عندهم ما نجس ل غسل ثلث ببعض الغسلت بعدد ما بقي بعد تلك الغسلة ،فلو تنجّس بالغسلة الرّابعة مث ً غسلت لنّها نجاسة تطهر في محلّها بما بقي من الغسلت ،فطهرت به في مثله . ن الغسالة غير المتغيّرة طاهرة ،قال الدّردير :لو غسلت قطرة بول مثلً وصرّح المالكيّة بأ ّ في جسد أو ثوب وسالت غير متغيّرة في سائره ولم تنفصل عنه كان طاهرا .
وعند الشّافعيّة :الغسالة غير المتغيّرة إن كانت قلّتين فطاهرة ،وإن كانت دونهما فثلثة ن حكمها حكم المحلّ بعد الغسل ،إن كان نجسا بعد أقوال عند الشّافعيّة ،أظهرها :أ ّ ي الجديد . فنجسة ،وإلّ فطاهرة غير مطهّرة ،وهو مذهب الشّافع ّ وعند الحنابلة :إن غسلت بالطّهور نجاسة فانفصل متغيّرا بها ،أو انفصل غير متغيّر قبل زوال النّجاسة ،كالمنفصل من الغسلة السّادسة فما دونها وهو يسير فنجس ،لنّه ملق لنجاسة لم يطهّرها . وإن انفصل القليل غير متغيّر بعد زوال النّجاسة ،كالمنفصل عن محلّ طهر أرضا كان المحلّ أو غيرها ،فطهور إن كان قلّتين فأكثر ،وإن كان دون قلّتين فطاهر .
تطهير البار :
13
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا تنجّس ماء البئر ،فإنّ تطهيره يكون بالتّكثير إلى أن
يزول التّغيّر ،ويكون التّكثير بالتّرك حتّى يزيد الماء ويصل إلى ح ّد الكثرة ،أو بصبّ ماء طاهر فيه حتّى يصل هذا الحدّ . كما ذهب المالكيّة والحنابلة إلى اعتبار النّزح طريقا للتّطهير أيضا . وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا تنجّس ماء البئر فإنّ تطهيره يكون بالنّزح فقط . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :آبار ف
21
وما بعدها ) .
الوضوء والغتسال في موضع نجس :
14
ن الوضوء والغتسال في موضع نجس مكروه خشية أن -ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
يتنجّس به المتوضّئ أو المغتسل ،وتوقّي ذلك كلّه أولى ،ولنّه يورث الوسوسة ففي الحديث » :ل يبولن أحدكم في مستحمّه ،ثمّ يغتسل أو يتوضّأ فيه ،فإنّ عامّة الوسواس منه « .
تطهير الجامدات والمائعات :
15
-ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا وقعت النّجاسة في جامد ،كالسّمن الجامد ونحوه ،فإنّ
تطهيره يكون برفع النّجاسة وتقوير ما حولها وطرحه ،ويكون الباقي طاهرا ،لما روت ميمونة رضي ال تعالى عنها » :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال :ألقوها ،وما حولها فاطرحوه ،وكلوا سمنكم « . وإذا وقعت النّجاسة في مائع فإنّه ينجّس ،ول يطهر عند جمهور الفقهاء ،ويراق ،لحديث ي صلى ال عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع في أبي هريرة رضي ال تعالى عنه :أنّ النّب ّ السّمن فقال » :إن كان جامدا فألقوها وما حولها ،وإن كان مائعا فل تقربوه « وفي رواية » :وإن كان مائعا فأريقوه « .
وذهب الحنفيّة إلى إمكان تطهيره بالغلي ،وذلك بأن يوضع في ماء ويغلي ،فيعلو الدّهن الماء ،فيرفع بشيء ،وهكذا ثلث مرّات . قال ابن عابدين :وهذا عند أبي يوسف ،وهو أوسع وعليه الفتوى ،خلفا لمحمّد . وقريب منه ما اختاره أبو الخطّاب من الحنابلة :أنّ ما يتأتّى تطهيره بالغلي -كالزّيت - يطهر به كالجامد ،وطريقة ذلك :جعله في ماء كثير يخاض فيه ،حتّى يصيب الماء جميع أجزائه ،ثمّ يترك حتّى يعلو على الماء ،فيؤخذ . وعند الحنابلة ،كما قاله ابن قدامة :ل يطهر غير الماء من المائعات بالتّطهير في قول القاضي وابن عقيل ،قال ابن عقيل :إلّ الزّئبق ،فإنّه لقوّته وتماسكه يجري مجرى ي صلى ال عليه وسلم سئل عن السّمن إذا وقعت فيه ن النّب ّ الجامد .واستدلّ ابن قدامة بأ ّ الفأرة ،فقال » :إن كان مائعا فل تقربوه ،ولو كان إلى تطهيره طريق لم يأمر بإراقته « .
تطهير المياه النّجسة :
16
ن تطهير المياه النّجسة يكون بصبّ الماء عليها -ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أ ّ
ومكاثرتها حتّى يزول التّغيّر . ن الماء يعود ولو زال التّغيّر بنفسه ،أو بنزح بعضه ،فعند المالكيّة قولن ،قيل :إ ّ طهورا ،وقيل :باستمرار نجاسته ،وهذا هو الرجح . ن النّجاسة ل تزال إلّ بالماء المطلق ،وليس حاصلً ،وحينئذ فيستمرّ قال الدّسوقيّ :ل ّ بقاء النّجاسة . ومحلّ القولين في الماء الكثير الّذي زال تغيّره بنفسه أو بنزح بعضه ،أمّا القليل فإنّه باق على تنجّسه بل خلف . كما يطهر الماء النّجس عند المالكيّة لو زال تغيّره بإضافة طاهر ،وبإلقاء طين أو تراب إن زال أثرهما ،أي لم يوجد شيء من أوصافهما فيما ألقيا فيه ،أمّا إن وجد فل يطهر ، لحتمال بقاء النّجاسة مع بقاء أثرهما . ن الماء إن بلغ قلّتين فإنّه ل ينجس إ ّل إذا غيّرته وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى :أ ّ ي صلى ال عليه وسلم » :إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل الخبث « . النّجاسة ،لقول النّب ّ وقوله صلى ال عليه وسلم » :إنّ الماء ل ينجّسه شيء إلّ ما غلب على ريحه وطعمه ولونه « وتطهيره حينئذ يكون بزوال التّغيّر ،سواء زال التّغيّر بنفسه :كأن زال بطول المكث ،أو بإضافة ماء إليه .
قال القليوبيّ :وهذا في التّغيّر الحسّيّ ،وأمّا التّقديريّ :كما لو وقع في الماء نجس ل وصف له فيقدّر مخالفا أشدّ ،كلون الحبر وطعم الخلّ وريح المسك ،فإن غيّره فنجس ، ويعتبر الوصف الموافق للواقع ،ويعرف زوال التّغيّر منه بزوال نظيره من ماء آخر ،أو بضمّ ماء إليه لو ضمّ للمتغيّر حسّا لزال ،أو بقي زمنا ذكر أهل الخبرة أنّه يزول به ن التّغيّر زال الحسّيّ .ول يطهر الماء إنّ زال التّغيّر بمسك أو زعفران أو خلّ ،للشّكّ في أ ّ أو استتر ،والظّاهر الستتار ،مثل ذلك زوال التّغيّر بالتّراب والجصّ . ونصّ الحنابلة على أنّه إن نزح من الماء المتنجّس الكثير ،وبقي بعد المنزوح كثير غير متغيّر ،فإنّه يطهر لزوال علّة تنجّسه ،وهي التّغيّر .وكذا المنزوح الّذي زال مع نزحه التّغيّر طهور إن لم تكن عين النّجاسة فيه . وإن كان الماء دون القلّتين فإنّه ينجس بملقاة النّجاسة وإن لم تغيّره ،وتطهيره يكون بإضافة الماء إليه حتّى يبلغ القلّتين ول تغيّر به ولو كوثر بإيراد طهور فلم يبلغ القلّتين لم يطهر . والتّفصيل في مصطلح ( :مياه ) .
تطهير الواني المتّخذة من عظام الميتات :
17
ى يحلّ استعمالها . -النية المتّخذة من عظم حيوان مأكول اللّحم مذكّ ً
وأمّا النية المتّخذة من حيوان غير مأكول اللّحم ففيها خلف وتفصيل ينظر في مصطلح : ( آنية ج 1ف
10
وما بعدها ) .
تطهير ما كان أملس السّطح :
18
ل -كالسّيف والمرآة- -ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا أصابت النّجاسة شيئا صقي ً
فإنّه ل يطهر بالمسح ،ول بدّ من غسله ،لعموم المر بغسل النجاس ،والمسح ليس ل. غس ً قال البهوتيّ من الحنابلة :لو قطع بالسّيف المتنجّس ونحوه بعد مسحه وقبل غسله ما فيه بلل كبطّيخ ونحوه نجّسه ،لملقاة البلل للنّجاسة ،فإن كان ما قطعه به رطبا ل بلل فيه كجبن ونحوه فل بأس به ،كما لو قطع به يابسا لعدم تعدّي النّجاسة إليه . قال النّوويّ :لو سقيت سكّينٌ ماءً نجسا ،ثمّ غسلها طهر ظاهرها ،وهل يطهر باطنها بمجرّد الغسل أم ل يطهر حتّى يسقيها مرّ ًة ثاني ًة بماء طهور ؟ وجهان :قطع القاضي ي الكتفاء بالغسل ،وهو حسين والمتولّي بأنّه يجب سقيها مرّةً ثانيةً واختار الشّاش ّ ي. المنصوص عن الشّافع ّ
ن ما كان أملس السّطح ،كالسّيف والمرآة ونحوهما ،إن أصابه نجس وذهب الحنفيّة إلى أ ّ ن أصحاب رسول اللّه صلى ال ن تطهيره يكون بالمسح بحيث يزول أثر النّجاسة ،ل ّ فإ ّ عليه وسلم كانوا يقتلون الكفّار بسيوفهم ثمّ يمسحونها ويصلّون وهم يحملونها ،ولنّه ل يتشرّب النّجاسة ،وما على ظاهره يزول بالمسح . قال الكمال :وعليه فلو كان على ظفره نجاسة فمسحها طهرت . فإن كان بالصّقيل صدأ يتشرّب معه النّجاسة ،أو كان ذا مسامّ تتشرّبها ،فإنّه ل يطهر إلّ بالماء . وذهب المالكيّة إلى أنّ ما كان صلبا صقيلً ،وكان يخشى فساده بالغسل كالسّيف ونحوه ، فإنّه يعفى عمّا أصابه من الدّم المباح ولو كان كثيرا ،خوفا من إفساد الغسل له . قال الدّردير :وسواء مسحه من الدّم أم ل على المعتمد ،أي خلفا لمن علّله بانتفاء النّجاسة بالمسح . قال الدّسوقيّ :فهذا التّعليل يقتضي أنّه ل يعفى عمّا أصاب السّيف ونحوه من الدّم المباح إلّ إذا مسح ،وإلّ فل ،وعلى القول الوّل :ل يعفى عمّا أصاب الظّفر والجسد من الدّم المباح لعدم فسادهما بالغسل ،وعلى القول الثّاني :يعفى عمّا أصابها منه إذا مسح . وقيّد المالكيّة العفو بأن يكون الدّم مباحا ،أمّا الدّم العدوان فيجب الغسل منه . ن المراد بالمباح غير المحرّم ،فيدخل فيه دم قال الدّسوقيّ :قال العدويّ :والمعتمد أ ّ مكروه الكل إذا ذكّاه بالسّيف ،والمراد :المباح أصالةً ،فل يض ّر حرمته لعارض كقتل مرت ّد به ،وقتل زان أحصن بغير إذن المام . كما قيّدوا العفو بأن يكون مصقولً ل خربشة فيه ،وإلّ فل عفو .
تطهير الثّوب والبدن من المنيّ :
19
-اختلف الفقهاء في نجاسة المنيّ ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى نجاسته ،وذهب
الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه طاهر . واختلف الحنفيّة والمالكيّة في كيفيّة تطهيره : ي يكون بغسله إن كان رطبا ،وفركه إن كان يابسا ، فذهب الحنفيّة إلى أنّ تطهير محلّ المن ّ لحديث عائشة رضي ال تعالى عنها قالت » :كنت أفرك المنيّ من ثوب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا كان يابسا ،وأغسله إذا كان رطبا « . ي صلى ال عليه وسلم خصوصا إذا تكرّر منها مع ن ذلك بعلم النّب ّ قال ابن الهمام :الظّاهر أ ّ التفاته صلى ال عليه وسلم إلى طهارة ثوبه وفحصه عن حاله .
ي المرأة ،قال ابن ول فرق في طهارة محلّه بفركه يابسا وغسله طريّا بين منيّ الرّجل ومن ّ ت المنيّ من عابدين :ويؤيّده ما صحّ عن عائشة رضي ال تعالى عنها » :أنّها كانت تح ّ ثوب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وهو يصلّي « ،ول خفاء أنّه كان من جماع ،لنّ ي المرأة به ،فيدلّ على طهارة منيّها بالفرك بالثر ،ل النبياء ل تحتلم ،فيلزم اختلط من ّ باللحاق . كما أنّه ل فرق في ذلك بين الثّوب والبدن على الظّاهر من المذهب . ي يكون بالغسل ل غير . وذهب المالكيّة إلى أنّ تطهير محلّ المن ّ والتّفصيل في مصطلح ( :منيّ ) .
طهارة الرض بالماء :
20
-إذا تنجّست الرض بنجاسة مائعة -كالبول والخمر وغيرهما -فتطهيرها أن تغمر
بالماء بحيث يذهب لون النّجاسة وريحها ،وما انفصل عنها غير متغيّر بها فهو طاهر . بهذا قال جمهور الفقهاء ،وذلك لما رواه أنس رضي ال عنه قال » :جاء أعرابيّ فبال في طائفة ناحية من المسجد ،فزجره النّاس فنهاهم النّبيّ صلى ال عليه وسلم فلمّا قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه « وفي لفظ » :فدعاه فقال :إنّ هذه المساجد ل تصلح لشيء من هذا البول ول القذر ،وإنّما هي لذكر اللّه عزّ وجلّ والصّلة وقراءة القرآن وأمر رجلً فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه « . ن ذلك يغمر البول ،ويستهلك فيه البول وإن أصاب الرض ماء المطر وإنّما أمر بالذّنوب ل ّ أو السّيول فغمرها وجرى عليها فهو كما لو صبّ عليها ،لنّ تطهير النّجاسة ل تعتبر فيه ي وما جرى بغير صبّه . نيّة ول فعل ،فاستوى ما صبّه الدم ّ ول تطهر الرض حتّى يذهب لون النّجاسة ورائحتها ،ولنّ بقاءهما دليل على بقاء النّجاسة ،فإن كانت ممّا ل يزول لونها إلّ بمشقّة سقط عنه إزالتها كالثّوب ،وكذا الحكم في الرّائحة . ويقول الحنفيّة :إذا أصابت النّجاسة أرضا رخوةً فيصبّ عليها الماء فتطهر ،لنّها تنشّف الماء ،فيطهر وجه الرض ،وإن كانت صلب ًة يصبّ الماء عليها ،ثمّ تكبس الحفيرة الّتي اجتمع فيها الغسالة . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :أرض ف . ) 3
ما تطهر به الرض سوى المياه :
21
ن الرض إذا أصابها نجس ،فجفّت بالشّمس أو الهواء -ذهب الحنفيّة عدا زفر إلى أ ّ
أو غيرهما وذهب أثره طهرت وجازت الصّلة عليها ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :أيّما أرض جفّت فقد ذكت « . وذهب المالكيّة والحنابلة ،والشّافعيّة في الصحّ عندهم ،وزفر من الحنفيّة إلى أنّها ل ي ذنوب ماء ، ب على بول العراب ّ تطهر بغير الماء ،لمره صلى ال عليه وسلم أن يص ّ ل من ماء « وقوله صلى ال عليه وسلم » :أهريقوا على بوله ذنوبا من ماء ،أو سج ً والمر يقتضي الوجوب ،ولنّه مح ّل نجس فلم يطهر بغير الغسل .
طهارة النّجاسة بالستحالة :
22
-اتّفق الفقهاء على طهارة الخمر بالستحالة ،فإذا انقلبت الخمر خلً صارت طاهرةً .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :تحليل ف
13
،
14
).
واختلف الفقهاء فيما عدا الخمر من نجس العين هل يطهر بالستحالة أم ل ؟ ن النّبيّ صلى ال فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل يطهر نجس العين بالستحالة ،ل ّ عليه وسلم » :نهى عن أكل الجللة وألبانها « لكلها النّجاسة ،ولو طهرت بالستحالة لم ينه عنه . ي :ول يطهر نجس العين بالغسل مطلقا ،ول بالستحالة ،كميتة وقعت في قال الرّمل ّ ملحة فصارت ملحا ،أو أحرقت فصارت رمادا . ي من الحنابلة :ول تطهر نجاسة بنار ،فالرّماد من الرّوث النّجس نجس وقال البهوت ّ وصابون عمل من زيت نجس نجس ،وكذا لو وقع كلب في ملحة فصار ملحا ،أو في صبّانة فصار صابونا . لكن نصّ الحنابلة على أنّه إذا تحوّلت العلقة إلى مضغة ،فإنّها تصير طاهر ًة بعد أن كانت نجسةً ،وذلك لنّ نجاستها بصيرورتها علقةً ،فإذا زال ذلك عادت إلى أصلها ،كالماء الكثير المتغيّر بالنّجاسة . ن نجس العين يطهر بالستحالة ،لنّ الشّرع رتّب وصف وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أ ّ النّجاسة على تلك الحقيقة ،وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها ،فكيف بالكلّ ؟ . ونظيره في الشّرع النّطفة نجسة ،وتصير علقةً وهي نجسة ،وتصير مضغةً فتطهر ، ن استحالة العين والعصير طاهر فيصير خمرا فينجس ،ويصير خلً فيطهر ،فعرفنا أ ّ تستتبع زوال الوصف المرتّب عليها . ونصّ الحنفيّة على أنّ ما استحالت به النّجاسة بالنّار ،أو زال أثرها بها يطهر .
كما تطهر النّجاسة عندهم بانقلب العين ،وهو قول محمّد وأبي حنيفة ،وعليه الفتوى ، واختاره أكثر المشايخ ،خلفا لبي يوسف . ومن تفريعات ذلك ما نقله ابن عابدين عن المجتبى أنّه إن جعل الدّهن النّجس في صابون يفتى بطهارته ،لنّه تغيّر ،والتّغيّر يطهّر عند محمّد ،ويفتى به للبلوى ،وعليه يتفرّع ما لو وقع إنسان أو كلب في قدر الصّابون فصار صابونا يكون طاهرا لتبدّل الحقيقة . قال ابن عابدين :العلّة عند محمّد هي التّغيّر وانقلب الحقيقة ،وإنّه يفتى به للبلوى ، ومقتضاه :عدم اختصاص ذلك الحكم بالصّابون ،فيدخل فيه كلّ ما كان فيه تغيّر وانقلب حقيقةً ،وكان فيه بلوى عامّة . ص المالكيّة على أنّ الخمر إذا تحجّرت فإنّها تطهر ،لزوال السكار منها ،وأنّ رماد كما ن ّ ن النّار تطهر . النّجس طاهر ،ل ّ ل قويّا أو ل ،فالخبز المخبوز بالرّوث النّجس قال الدّسوقيّ :سواء أكلت النّار النّجاسة أك ً طاهر ولو تعلّق به شيء من الرّماد ،وتصحّ الصّلة قبل غسل الفم من أكله ،ويجوز حمله في الصّلة .
ما يطهر من الجلود بالدّباغة :
23
-اتّفق الفقهاء على نجاسة جلود ميتة الحيوانات قبل الدّباغ ،واختلفوا في طهارة
جلود الميتة بالدّباغة على تفصيل في مصطلح ( :دباغة ج
20
ف 8وما بعدها ) .
تطهير الخفّ من النّجاسة :
24
-ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا أصابت أسفل الخفّ أو النّعل نجاسة فإنّ تطهيره
يكون بغسله ،ول يجزئ لو دلكه كالثّوب والبدن ،ول فرق في ذلك بين أن تكون النّجاسة رطبةً أو جا ّفةً ،وعند الشّافعيّة قولن في العفو عن النّجاسة الجافّة إذا دلكت ،أصحّهما : القول الجديد للشّافعيّ ،وهو أنّه ل يجوز حتّى يغسله ،ول تصحّ الصّلة به ،والثّاني : ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يجوز لما روى أبو سعيد الخدريّ رضي ال تعالى عنه أ ّ قال » :إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر ،فإن رأى في نعليه قذرا أو أذىً فليمسحه ، وليصلّ فيهما « . قال الرّافعيّ :إذا قلنا بالقديم وهو العفو فله شروط : أحدها :أن يكون للنّجاسة جرم يلتصق بالخفّ ،أمّا البول ونحوه فل يكفي دلكه بحال . الثّاني :أن يدلكه في حال الجفاف ،وأمّا ما دام رطبا فل يكفي دلكه قطعا . ف بها وجب الثّالث :أن يكون حصول النّجاسة بالمشي من غير تعمّد ،فلو تعمّد تلطيخ الخ ّ الغسل قطعا .
ونقل البهوتيّ عن النصاف أنّ يسير النّجاسة إذا كانت على أسفل الخفّ والحذاء بعد الدّلك يعفى عنه على القول بنجاسته . وذهب أبو حنيفة إلى أنّه إذا أصاب الخفّ نجاسة لها جرم ،كالرّوث والعذرة ،فجفّت ، فدلكه بالرض جاز ،والرّطب وما ل جرم له كالخمر والبول ل يجوز فيه إ ّل الغسل ،وقال أبو يوسف :يجزئ المسح فيهما إلّ البول والخمر ،وقال محمّد :ل يجوز فيهما إ ّل الغسل كالثّوب . ي صلى ال عليه وسلم » :إذا أصاب خفّ أحدكم أو نعله ولبي يوسف إطلق قول النّب ّ ن ذلك طهور لهما « من غير فصل بين أذىً فليدلكهما في الرض ،وليصلّ فيهما ،فإ ّ الرّطب واليابس ،والمتجسّد وغيره ،وللضّرورة العامّة . ولبي حنيفة هذا الحديث .إلّ أنّ الرّطب إذا مسح بالرض يتلطّخ به الخفّ أكثر ممّا كان ، فل يطهّره بخلف اليابس ،لنّ الخفّ ل يتداخله إلّ شيء يسير وهو معفوّ عنه ،ول كذلك البول والخمر لنّه ليس فيه ما يجتذب مثل ما على الخفّ ،فيبقى على حاله ،حتّى لو ف ،ثمّ دلكه جاز ،كالّذي له جرم ،وبخلف الثّوب لنّه متخلّل لصق عليه طين رطب فج ّ فتتداخله أجزاء النّجاسة ،فل تزول بالمسح ،فيجب الغسل . ولمحمّد القياس على الثّوب والبساط ،بجامع أنّ النّجاسة تداخلت في الخفّ تداخلها فيهما . قال الكمال :وعلى قول أبي يوسف أكثر المشايخ ،وهو المختار لعموم البلوى . وقال السّرخسيّ عن قول أبي يوسف :وهو صحيح ،وعليه الفتوى للضّرورة . وفرّق المالكيّة بين أرواث الدّوابّ وأبوالها وبين غيرها من النّجاسات ،فإذا أصاب الخفّ شيء من روث الدّوابّ وأبوالها فإنّه يعفى عنه إن دلك بتراب أو حجر أو نحوه حتّى زالت العين ،وكذا إن جفّت النّجاسة بحيث لم يبق شيء يخرجه الغسل سوى الحكم . وقيّد بعضهم العفو بأن تكون إصابة الخفّ أو النّعل بالنّجاسة بموضع يطرقه الدّوابّ كثيرا كالطّرق -لمشقّة الحتراز عنه .قال الدّسوقيّ نقلً عن البنانيّ :وهذا القيد نقله في التّوضيح ،والظّاهر اعتباره ،وفي كلم ن العفو إنّما هو لعسر الحتراز ، ابن الحاجب إشارة إليه لتعليله بالمشقّة ،كما ذكر خليل أ ّ وعلى هذا فل يعفى عمّا أصاب الخفّ والنّعل من أرواث الدّوابّ بموضع ل تطرقه الدّوابّ كثيرا ولو دلكا . وإن أصاب الخفّ أو النّعل شيء من النّجاسات غير أرواث الدّوابّ وأبوالها ،كخرء الكلب أو فضلة الدميّ أو دم ،فإنّه ل يعفى عنه ،ول بدّ من غسله .
قال الحطّاب نقلً عن ابن العربيّ :والعلّة ندور ذلك في الطّرقات ،فإن كثر ذلك فيها صار كروث الدّوابّ .
تطهير ما تصيبه النّجاسة من ملبس النّساء في الطّرق :
25
-ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا تنجّس ذيل ثوب المرأة فإنّه يجب غسله كالبدن ،
ول يطهّره ما بعده من الرض . وذهب المالكيّة إلى أنّه يعفى عمّا يصيب ذيل ثوب المرأة اليابس من النّجاسة إذا مرّت بعد الصابة على موضع طاهر يابس ،سواء كان أرضا أو غيره . وقيّدوا هذا العفو بعدّة قيود هي : أ -أن يكون الذّيل يابسا وقد أطالته للسّتر ،ل للزّينة والخيلء . قال الدّسوقيّ :من المعلوم أنّه ل تطيله للسّتر إلّ إذا كانت غير لبسة لخفّ أو جورب ، فعلى هذا لو كانت لبسةً لهما فل عفو ،كان ذلك من زيّها أم ل . ب -وأن تكون النّجاسة الّتي أصابت ذيل الثّوب مخفّفة جافّة ،فإن كانت رطبةً فإنّه يجب الغسل ،إلّ أن يكون معفوّا عنه كالطّين . ج -وأن يكون الموضع الّذي تم ّر عليه بعد الصابة طاهرا يابسا .
التّطهير من بول الغلم وبول الجارية :
26
ن التّطهير من بول الغلم وبول الجارية الصّغيرين أكل -ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أ ّ
أو ل ،يكون بغسله لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :استنزهوا من البول « . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجزئ في التّطهير من بول الغلم الّذي لم يطعم الطّعام ش الماء على المكان المصاب وغمره به بل سيلن ،فقد روت أمّ قيس النّضح ،ويكون بر ّ بنت محصن رضي ال عنها » :أنّها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطّعام إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فأجلسه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في حجره ،فبال على ثوبه ، فدعا بماء فنضحه ،ولم يغسله « . أمّا بول الجارية الصّغيرة فل يجزئ في تطهيره النّضح ،ول ب ّد فيه من الغسل ،لخبر ن الئتلف التّرمذيّ » :ينضح بول الغلم ،ويغسل بول الجارية « ،وفرّق بينهما :بأ ّ ق من بولها ،فل يلصق بالمحلّ بحمل الصّبيّ يكثر ،فيخفّف في بوله ،وبأنّ بوله أر ّ كلصق بولها به . ي إذا طعم الطّعام وأراده واشتهاه غسل بوله ،وليس إذا طعم ،لنّه قد قال أحمد :الصّب ّ يلعق العسل ،وما يطعمه لغذائه وهو يريده ويشتهيه يوجب الغسل . ( ر :أنوثة ف
16
).
تطهير أواني الخمر :
27
-الصل في تطهير أواني الخمر هو غسلها ،بهذا قال الحنفيّة والمالكيّة في الصّحيح
ي فيما كان مزفّتا من النية . عندهم والشّافعيّة والشّيخ أبو الفرج المقدسيّ الحنبل ّ وفي هذا يقول الحنفيّة :تطهر بغسلها ثلثا بحيث ل تبقى فيها رائحة الخمر ول أثرها ، فإن بقيت رائحتها ل يجوز أن يجعل فيها من المائعات سوى الخلّ ،لنّه بجعله فيها تطهر ن ما فيها من الخمر يتخلّل بالخلّ . وإن لم تغسل ،ل ّ وفي الخلصة :الكوز إذا كان فيه خمر تطهيره أن يجعل فيه الماء ثلث مرّات ،كلّ مرّة ساعةً ،وإن كان جديدا عند أبي يوسف يطهر ،وعند محمّد ل يطهر أبدا . ويقول الشّافعيّة :تطهر بغسلها مرّةً واحدةً إذا زال أثر النّجاسة ،ويندب غسلها ثلث ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :إذا استيقظ أحدكم من نومه فل مرّات ،لما ورد أ ّ يغمس يده في الناء حتّى يغسلها ثلثا ،فإنّه ل يدري أين باتت يده « . ن ذلك يستحبّ إذا تيقّن ويجوز القتصار ك في النّجاسة ،فدلّ على أ ّ فندب إلى الثّلث للشّ ّ على الغسل مرّةً واحدةً . والغسل الواجب في ذلك :أن يكاثر بالماء حتّى تستهلك النّجاسة . وعند المالكيّة ،كما جاء في القوانين الفقهيّة :في طهارة الفخّار من نجس غوّاص كالخمر قولن ،قال الموّاق نقلً عن النّوادر في أواني الخمر :تغسل وينتفع بها ،ول تضرّها الرّائحة .وتطهر أوانيه إذا تحجّرت الخمر فيها أو خلّلت ،ويطهر إناؤها تبعا لها ولو فخّارا بغوّاص . ويقول الحنابلة :إذا كان في الناء خمر يتشرّبها الناء ،ثمّ متى جعل فيه مائع ،سواء ظهر فيه طعم الخمر أو لونه ،لم يطهر بالغسل ،لنّ الغسل ل يستأصل أجزاءه من جسم الناء ،فلم يطهّره كالسّمسم إذا ابتلّ بالنّجاسة ،قال أبو الفرج المقدسيّ :آنية الخمر منها المزفّت ،فتطهر بالغسل ،لنّ الزّفت يمنع وصول النّجاسة إلى جسم الناء ،ومنها ما ليس بمزفّت ،فيتشرّب أجزاء النّجاسة ،فل يطهر بالتّطهير ،فإنّه متى ترك فيه مائع ظهر فيه طعم الخمر ولونه .
تطهير آنية الكفّار وملبسهم :
28
ن المختلط به -يقول الحنفيّة في آنية الكفّار :إنّها طاهرة لنّ سؤرهم طاهر ،ل ّ
ن رسول اللّه صلى ال اللّعاب ،وقد تولّد من لحم طاهر ،فيكون طاهرا ،فقد روي » :أ ّ عليه وسلم أنزل وفد ثقيف في المسجد وكانوا مشركين « .
ولو كان عين المشرك نجسا لما فعل ذلك :ول يعارض بقوله تعالى { :إِ ّنمَا ا ْل ُمشْ ِركُونَ ن المراد به النّجس في العقيدة ،فمتى تنجّست أوانيهم فإنّه يجري عليها ما َنجَسٌ } ل ّ يجري على ما تنجّس من أواني المسلمين من غسل وغيره ،إذ لهم ما لنا وعليهم ما علينا وثيابهم طاهرة ،ول يكره منها إلّ السّراويل المتّصلة بأبدانهم لستحللهم الخمر ،ول يتّقونها كما ل يتوقّون النّجاسة والتّنزّه عنها ،فلو أمن ذلك بالنّسبة لها وكان التّأكّد من طهارتها قائما ،فإنّه يباح لبسها ،وإذا تنجّست جرى عليها ما يجري على تطهير ملبس المسلمين عندما تصيبها نجاسة ،سواء بالغسل أو غيره . وكره الشّافعيّة استعمال أوانيهم وثيابهم لما روى أبو ثعلبة الخشنيّ رضي ال عنه قال : قلت :يا رسول اللّه إنّا بأرض أهل الكتاب ،ونأكل في آنيتهم فقال » :ل تأكلوا في آنيتهم إلّ أن ل تجدوا بدّا ،فإن لم تجدوا بدّا فاغسلوها وكلوا فيها « .ولنّهم ل يتجنّبون النّجاسة فكره لذلك . فإن توضّأ من أوانيهم نظرت :فإن كانوا ممّن ل يتديّنون باستعمال النّجاسة صحّ ي صلى ال عليه وسلم توضّأ من مزادة مشركة . الوضوء ،لنّ النّب ّ ن الصل في أوانيهم الطّهارة . وتوضّأ عمر رضي ال عنه من جرّة نصرانيّ ،ول ّ وإن كانوا ممّن يتديّنون باستعمال النّجاسة ففيه وجهان : ن الصل في أوانيهم الطّهارة ،والثّاني :ل يصحّ لنّهم ح الوضوء ل ّ أحدهما :أنّه يص ّ يتديّنون باستعمال النّجاسة كما يتديّن المسلمون بالماء الطّاهر ،فالظّاهر من أوانيهم وثيابهم النّجاسة . وأجاز المالكيّة استعمال أوانيهم إلّ إذا تيقّن عدم طهارتها ،وصرّح القرافيّ في الفروق بأنّ جميع ما يصنعه أهل الكتاب والمسلمون الّذين ل يصلّون ول يستنجون ول يتحرّزون من النّجاسات من الطعمة وغيرها محمول على الطّهارة ،وإن كان الغالب عليه النّجاسة ،فإذا تنجّست أوانيهم فإنّها تطهر بزوال تلك النّجاسة بالغسل بالماء أو بغيره ممّا له صفة الطّهوريّة . وكذلك الحال بالنّسبة لملبسهم ،فإنّ الصل فيها الطّهارة ما لم يصبها النّجس ،ولذا ل ن الغالب نجاستها ،فحمل عليها عند الشّكّ ،أمّا إن يصلّى في ملبسهم أي ما يلبسونه ،ل ّ علمت أو ظنّت طهارتها فإنّه يجوز أن يصلّى فيها . ويقول الحنابلة في ثيابهم وأوانيهم :إنّها طاهرة مباحة الستعمال ما لم تعلم نجاستها ، وأضافوا :إنّ الكفّار على ضربين -أهل الكتاب وغيرهم -فأمّا أهل الكتاب فيباح أكل طعامهم وشرابهم واستعمال آنيتهم ما لم تعلم نجاستها ،قال ابن عقيل :ل تختلف الرّواية
طعَامُ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْلكِتَابَ في أنّه ل يحرم استعمال أوانيهم ،لقول اللّه تبارك وتعالى َ { :و َ حلّ ّل ُكمْ } . ِ وعن عبد اللّه بن مغفّل رضي ال عنه قال » :أصبت جرابا من شحم يوم خيبر ،قال فالتزمته ،فقلت :واللّه ل أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا .قال :فالتفتّ فإذا رسول اللّه ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أضافه يهوديّ صلى ال عليه وسلم متبسّما « .وروي » :أ ّ بخبز وإهالة سنخة « ،وتوضّأ عمر من جرّة نصرانيّة . وأمّا غير أهل الكتاب -وهم المجوس وعبدة الوثان ونحوهم -ومن يأكل لحم الخنزير سنّ والظّفر فحكم من أهل الكتاب في موضع يمكنهم أكله ،أو يأكل الميتة ،أو يذبح بال ّ ل بالصل ،وأمّا أوانيهم فقال أبو الخطّاب :حكمها حكم ثيابهم حكم ثياب أهل ال ّذمّة عم ً ي صلى ال عليه ن النّب ّ أواني أهل الكتاب ،يباح استعمالها ما لم يتحقّق نجاستها » ،ل ّ وسلم وأصحابه توضّئوا من مزادة مشركة « . ك. ولنّ الصل الطّهارة ،فل تزول بالشّ ّ وقال القاضي :هي نجسة ،ل يستعمل ما استعملوه منها إلّ بعد غسله ،لحديث أبي ثعلبة ن أوانيهم ل تخلو من أطعمتهم ،وذبائحهم ميتة ،فتتنجّس بها وهذا ظاهر المتقدّم ،ول ّ كلم أحمد ،فإنّه قال في المجوس :ل يؤكل من طعامهم إلّ الفاكهة ،لنّ الظّاهر نجاسة آنيتهم المستعملة في أطعمتهم ،ومتى شكّ في الناء هل استعملوه أم ل ؟ فهو طاهر ،لنّ الصل طهارته .
تطهير المصبوغ بنجس :
29
ن الحنفيّة يقولون : ن المصبوغ بنجس يطهر بغسله ،إلّ أ ّ -ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
يغسل حتّى يصير الماء صافيا ،وقيل :يغسل بعد ذلك ثلث مرّات . ويقول المالكيّة :يطهر بغسله حتّى يزول طعم النّجس ،ومتى زال طعمه فقد طهر ولو بقي شيء من لونه وريحه . ويقول الشّافعيّة :يغسل حتّى ينفصل النّجس منه ولم يزد المصبوغ وزنا بعد الغسل على وزنه قبل الصّبغ ،وإن بقي اللّون لعسر زواله ،فإن زاد وزنه ضرّ ،فإن لم ينفصل عنه لتعقّده به لم يطهر ،لبقاء النّجاسة فيه . ويقول الحنابلة :يطهر بغسله وإن بقي اللّون لقوله عليه الصلة والسلم في الدّم » :ول يضرّك أثره « .
رماد النّجس المحترق بالنّار :
30
-المعتمد عند المالكيّة والمختار للفتوى ،وهو قول محمّد بن الحسن من الحنفيّة وبه
يفتى ،والحنابلة في غير الظّاهر :أنّ رماد النّجس المحترق بالنّار طاهر ،فيطهر بالنّار الوقود المتنجّس والسّرقين والعذرة تحترق فتصير رمادا تطهر ،ويطهر ما تخلّف عنها . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :رماد ج
23
،ف.)3
تطهير ما يتشرّب النّجاسة :
31
-اختلف الفقهاء في اللّحم الّذي طبخ بنجس ،هل يطهر أم ل ؟
ن اللّحم الّذي طبخ بنجس ل يمكن فذهب الحنفيّة – عدا أبي يوسف – والحنابلة إلى أ ّ ب الطّبّاخ في القدر مكان الخلّ خمرا ل عن الخانيّة :إذا ص ّ تطهيره ،قال ابن عابدين نق ً غلطا ،فالكلّ نجس ل يطهر أبدا ،وما روي عن أبي يوسف أنّه يغلى ثلثا ل يؤخذ به . وذهب المالكيّة إلى أنّ اللّحم الّذي طبخ بنجس من ماء ،أو وقعت فيه نجاسة حال طبخه قبل نضجه ،فإنّه ل يقبل التّطهير ،أمّا إن وقعت فيه نجاسة بعد نضجه فإنّه يقبل التّطهير ،وذلك بأن يغسل ما تعلّق به من المرق . ن أنّها سرت فيه ،وإلّ فل ي ذلك بما إذا لم تطل إقامة النّجاسة فيه ،بحيث يظ ّ وقيّد الدّسوق ّ يقبل التّطهير . ن اللّحم الّذي طبخ بنجس يمكن تطهيره ،وفي كيفيّة طهارته وجهان وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ :أحدهما :يغسل ثمّ يعصر كالبساط ،الثّاني :يشترط أن يغلي بماء طهور . وقطع القاضي حسين والمتولّي بوجوب السّقي مرّ ًة ثانيةً والغلي ،واختار الشّاشيّ الكتفاء بالغسل . واختلف الفقهاء أيضا في الفخّار الّذي يتشرّب النّجاسة ،هل يطهر أم ل ؟ ن الفخّار الّذي يتشرّب النّجاسة ل يطهر . فذهب المالكيّة والحنابلة ومحمّد من الحنفيّة إلى أ ّ ي أنّ الفخّار البالي إذا حلّت فيه نجاسة غوّاصة يقبل التّطهير ، ونقل الدّسوقيّ عن البنان ّ والّذي ل يقبل التّطهير هو الفخّار الّذي لم يستعمل قبل حلول الغوّاص فيه ،أو استعمل ي :وهو أولى . قليلً ،قال الدّسوق ّ ن مثل الفخّار أواني الخشب الّذي يمكن سريان النّجاسة إلى داخله . وصرّح المالكيّة بأ ّ وذهب أبو يوسف إلى أنّه يمكن تطهير الخزف الّذي يتشرّب النّجاسة ،وذلك بأن ينقع في الماء ثلثا ،ويجفّف كلّ مرّة . قال ابن عابدين :قول محمّد أقيس ،وقول أبي يوسف أوسع . ونصّ الحنابلة على أنّه ل يطهر باطن حبّ تشرّب النّجاسة .
وعند الحنفيّة :لو طبخت الحنطة في الخمر ،قال أبو يوسف :تطبخ ثلثا بالماء وتجفّف في كلّ مرّة ،وقال أبو حنيفة :إذا طبخت في الخمر ل تطهر أبدا ،وبه يفتى ،إلّ إذا صبّ فيه الخلّ ،وترك حتّى صار الكلّ خلً . ونصّ المالكيّة على أنّ الزّيتون الّذي ملّح بنجس ،بأن جعل عليه ملح نجس يصلحه ،إمّا وحده أو مع ماء ل يقبل التّطهير ،أمّا لو طرأت عليه النّجاسة بعد تمليحه واستوائه ،فإنّه يقبل التّطهير ،وذلك بغسله بالماء المطلق . قال الدّسوقيّ :ومثل ذلك يقال في الجبن واللّيمون والنّارنج والبصل والجزر الّذي يتخلّل ، ن أنّها سرت فيه ،وإلّ فل يقبل التّطهير . ومحلّ عدم الضّرر إذا لم تمكث النّجاسة مدّةً يظ ّ ص المالكيّة على أنّ البيض الّذي سلق بنجس ل يقبل التّطهير . كما ن ّ قال الدّسوقيّ :ول فرق بين أن يكون الماء المسلوق فيه متغيّرا بالنّجاسة أم ل . ن الماء إذا حلّته نجاسة ولم تغيّره ،ثمّ سلق وقال البنانيّ :الظّاهر -كما قاله بعضهم -أ ّ فيه البيض ،فإنّه ل ينجّسه ،حيث إنّ الماء حينئذ طهور ولو قلّ على المشهور . أمّا لو طرأت على البيض المسلوق نجاسة بعد سلقه واستوائه فإنّه ل يتنجّس ،كما أنّه لو شوي البيض المتنجّس قشره فإنّه ل ينجس . ن اللّبن المختلط بنجاسة جامدة -كالرّوث وعظام الميتة -نجس ، ونصّ الشّافعيّة على أ ّ ول طريق إلى تطهيره لعين النّجاسة . قال النّوويّ :فإن طبخ فالمذهب -وهو الجديد -أنّه على نجاسته . أمّا اللّبن غير المختلط بنجاسة جامدة ،بأن نجس بسبب عجنه بماء نجس أو بول ،فيطهر ظاهره بإفاضة الماء عليه ،ويطهر باطنه بأن ينقع في الماء حتّى يصل الماء إلى جميع أجزائه . ونصّ الحنابلة على أنّه ل يطهر عجين تنجّس ،لنّه ل يمكن غسله .
التّعريف : 1
طهْر * ُ
-الطّهر في اللّغة هو النّقاء من الدّنس والنّجس والتّطهّر :الغتسال ،يقال :تطهّرت
المرأة إذا انقطع عنها الدّم واغتسلت ،وجمع الطّهر :أطهار . وفي الشّرع :زمان نقاء المرأة من دم الحيض والنّفاس . القرء : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-القرء في اللّغة -بفتح القاف وضمّها -يقع على ،الطّهر وعلى الحيض .
الحيض : 3
-الحيض في اللّغة السّيلن ،تقول العرب :حاضت الشّجرة إذا سال صمغها ،وحاض
الوادي إذا سال ماؤه ،وحاضت المرأة إذا خرج دمها من رحمها . صحّة من غير سبب وشرعا :هو دم يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها على سبيل ال ّ في أوقات معلومة . والحيضة المرّة ،وهي الدّفعة الواحدة من دفعات دم الحيض .
الحكم الجماليّ :
وردت أحكام الطّهر في أبواب الحيض والطّلق والعدّة من كتب الفقهاء كما يلي :
الطّهر في باب الحيض :
4
-ذهب الفقهاء إلى أنّه ل حدّ لكثر الطّهر ،فقد ل تحيض المرأة في عمرها إلّ مرّةً ،
وقد ل تحيض أصلً ،فحينئذ تصلّي وتصوم أبدا ،ويأتيها زوجها ،وتنقضي عدّتها بالشهر. ن غالب الطّهر أربعة وعشرون أو ثلثة وعشرون يوما بلياليها ،لنّ غالب قالوا :وإ ّ الحيض ستّة أيّام بلياليها أو سبعة ،وباقي الشّهر وهو أربع وعشرون أو ثلث وعشرون يكون غالب الطّهر ،لقوله صلى ال عليه وسلم لحمنة بنت جحش » :إنّما هي ركضة من الشّيطان ،فتحيّضي ستّة أيّام أو سبعة أيّام في علم اللّه ،ثمّ اغتسلي ،فإذا رأيت أنّك قد طهرت واستنقأت فصلّي أربعا وعشرين ليل ًة أو ثلثا وعشرين ليل ًة وأيّامها « . إلّ أنّهم اختلفوا في أقلّ الطّهر بين الحيضتين ،وتفصيل ذلك في مصطلح ( :حيض ف
24
وما بعدها ) . كما اختلفوا في حكم الطّهر أو النّقاء الّذي يحدث أثناء فترة الحيض ،كأن رأت يوما وليلةً دما ،ويوما وليلةً نقا ًء ،أو يومين دما ويومين نقاءً أو أكثر أو أقلّ ما لم يتجاوز أكثر الحيض ،وتفصيل ذلك في مصطلح ( :تلفيق ف - 4
9
).
واختلفوا كذلك في الطّهر من الحيض ،أو النّفاس الّذي يحلّها لزوجها ،فقال جمهور الفقهاء :هو أن تغتسل بعد انقطاع الدّم عنها . وقال الحنفيّة :إذا انقطع دمها لكثر الحيض جاز لزوجها الوطء قبل الغسل ،وإن انقطع لقلّ من ذلك لم يجز له الوطء حتّى تغتسل ،أو يدخل عليها وقت الصّلة فتتيمّم لها . وينظر تفصيل هذه الحكام في مصطلح ( :حيض ف
44
).
الطّهر في باب الطّلق :
5
-اتّفق الفقهاء على أنّ الرّجل إذا طلّق امرأته -وكانت من ذوات القراء -في طهر لم
يمسّها فيه ثمّ تركها حتّى تنقضي عدّتها فإنّ طلقه يكون سنّيّا . ي :أن يطلّق زوجته وهي من ذوات القراء في كما اتّفقوا على أنّ من أقسام الطّلق البدع ّ ن فيه تطويل العدّة على المرأة فتتضرّر بذلك ،ولنّها قد تحمل من طهر جامعها فيه ،ل ّ ن ِلعِدّ ِتهِنّ } ن في ذلك مخالفةً لقوله تعالى َ { :فطَّلقُوهُ ّ ذلك الجماع فيحصل النّدم منه ،ول ّ الية .وتفصيله في مصطلحي ( :طلق ،وحيض ف
45
).
الطّهر في العدّة :
6
سهِنّ -اختلف الفقهاء في معنى القرء الوارد في قوله تعالى { :وَا ْل ُمطَّلقَاتُ يَ َترَبّصْنَ ِبأَنفُ ِ
ثَلَ َثةَ قُ ُروَءٍ } بعد أن اتّفقوا على أنّ عدّة المرأة المطلّقة إن كانت من ذوات القراء هي ثلثة قروء : فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ القراء هي :الطهار . وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ القراء هي الحيض . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :قرء ) .
انظر :طهارة
التّعريف : 1
طهُور * طوَاف * َ
-الطّواف لغةً :الدّوران حول الشّيء ،يقال :طاف حول الكعبة وبها يطوف طوفا
وطوفانا بفتحتين ،والمطاف :موضع الطّواف . صفَا وَا ْلمَ ْروَ َة مِن شَعَآ ِئرِ الّلهِ وتطوّف وطوّف :بمعنى طاف ،ومنه قوله تعالى { :إِنّ ال ّ طوّفَ ِب ِهمَا } أصله يتطوّف ،قلبت التّاء طاءً علَ ْيهِ أَن َي ّ ل جُنَاحَ َ حجّ الْبَيْتَ َأ ِو اعْ َتمَرَ فَ َ ن َ َفمَ ْ ثمّ أدغمت . وفي الصطلح :الطّواف :هو الدّوران حول البيت الحرام . السّعي : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-السّعي في اللّغة :المشي ،وأيضا القصد إلى الشّيء ،والعدو ،والتّصرّف في
العمال . واصطلحا :المشي بين الصّفا والمروة .
ح عَلَ ْي ِه أَن وقد يطلق على السّعي الطّواف ،والتّطوّف ،كما سبق في الية { :فَلَ جُنَا َ طوّفَ ِب ِهمَا } . َي ّ
أنواع الطّواف :
3
-يتنوّع الطّواف بحسب سبب مشروعيّته إلى سبعة أنواع ،وهي :طواف القدوم ،
طواف الزّيارة ،طواف الوداع ،طواف العمرة ،طواف النّذر ،طواف تحيّة المسجد الحرام ،طواف التّطوّع . كذا عدّها الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . وعدّها الشّافعيّة س ّتةً :طواف القدوم ،طواف الرّكن ،طواف الوداع ،طواف ما يتحلّل به في الفوات ،طواف النّذر ،طواف التّطوّع . وقولهم " طواف الرّكن " :يشمل طواف ركن الحجّ وركن العمرة ،وقولهم " :طواف التّطوّع " يشمل تحيّة المسجد ،أي المسجد الحرام ،لعتبار أنّ تحيّة المسجد بالصّلة تنوب عن الطّواف . ص مذهب الشّافعيّة بطواف ما يتحلّل به في الفوات ،فإنّه يدخل في العمرة عند واخت ّ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،لنّ من فاته الحجّ يتحلّل بعمرة عندهم ،ويتحلّل بطواف وسعي وحلق عند الشّافعيّة ،حتّى لو سعى بعد طواف القدوم سقط عنه السّعي ،ول ينقلب عمله هذا إلى عمرة عند الشّافعيّة . ولكلّ نوع من هذه النواع أحكامه على التّفصيل التّالي :
أوّلً :طواف القدوم :
4
-ويسمّى طواف القادم ،وطواف الورود ،وطواف التّحيّة ،لنّه شرع للقادم والوارد
من غير مكّة لتحيّة البيت ،ويسمّى أيضا طواف اللّقاء ،وأوّل عهد بالبيت ،وطواف ي القادم إلى مكّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة تحيّة للبيت العتيق ، القدوم سنّة للفاق ّ لذلك يستحبّ البدء به دون تأخير . وسوّى الشّافعيّة بين داخلي مكّة ،المحرم منهم وغير المحرم في سنّيّة طواف القدوم ، بناءً على مذهبهم في جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن قصده لحاجة غير النّسك . ولم يجز غيرهم دخول الحرم إلّ بنسك :يحرم حجّا أو عمرةً ،لذلك كان طواف القدوم ن المعتمر يبدأ بطواف العمرة . صةً ،ل ّ عندهم من مناسك الحجّ خا ّ وذهب المالكيّة إلى أنّ طواف القدوم واجب ،من تركه يجب عليه الدّم . وفي بيان من يجب عليه طواف القدوم ،ودليل الوجوب ،وكيفيّة طواف القدوم ووقته ، ومن يسقط عنه :تفصيل سبق في مصطلح ( :حجّ ف
88
وما بعدها ) .
ثانيا :طواف الفاضة :
5
-طواف الفاضة ركن من أركان الحجّ المجمع عليها ،ل يتحلّل الحاجّ بدونه التّحلّل
الكبر ،ول ينوب عنه شيء ألبتّة ،ويؤدّيه الحاجّ بعد أن يفيض من عرفة ،ويبيت بالمزدلفة ،فيأتي منىً يوم العيد ،فيرمي وينحر ويحلق ،ويأتي مكّة ،فيطوف بالبيت طواف الفاضة ،ويسمّى أيضا طواف الزّيارة ،ويسمّى طواف الفرض ،والرّكن ،لنّه فرض وركن من أركان الحجّ . وفي فرضيّة طواف الفاضة وكيفيّته وعدد أشواطه ،وشروطه الخاصّة به ،ووقته ،وما يسنّ فيه ،وما يترتّب على تأخيره أو تركه :في ذلك كلّه تفصيل سبق في مصطلح ( :حجّ من ف
إلى
52
55
وف
124
).
ثالثا :طواف الوداع :
6
-ويسمّى طواف الصّدر ،وطواف آخر العهد .
وهو واجب عند الجمهور -الحنفيّة والحنابلة وهو الظهر عند الشّافعيّة -ومستحبّ عند المالكيّة . ي صلى ال واستدلّ الجمهور على وجوبه بما روى ابن عبّاس رضي ال عنهما عن النّب ّ عليه وسلم » :أنّه أمر النّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت « ،إلّ أنّه خفّف عن المرأة الحائض . واستدلّ المالكيّة على أنّه مستحبّ ،بأنّه جاز للحائض تركه دون فداء ،ولو وجب لم يجز للحائض تركه . وفي شروط وجوبه ومن يجب عليه وشروط صحّته ووقته تفصيل سبق في مصطلح : ( حجّ ف
70
إلى
74
).
رابعا :طواف العمرة :
7
-وهو ركن فيها ،وأوّل وقته بعد الحرام بالعمرة ،ول آخر له .
وينظر التّفصيل في مصطلح ( :عمرة ) .
خامسا :طواف النّذر :
8
-وهو واجب ،ول يختصّ بوقت إذا لم يعيّن النّاذر في نذره للطّواف وقتا .
والتّفصيل في مصطلح ( :نذر ) .
سادسا :طواف تحيّة المسجد الحرام :
9
-وهو مستحبّ لكلّ من دخل المسجد الحرام ،إلّ إذا كان عليه طواف آخر ،فيقوم
مقامه ،كالمعتمر ،فإنّه يطوف طواف فرض العمرة ،ويندرج فيه طواف تحيّة المسجد ،
ن تحيّة هذا كما ارتفع به طواف القدوم ،وهو أقوى من طواف تحيّة المسجد ،وذلك ل ّ المسجد الشّريف هي الطّواف إلّ إذا كان مانع فحينئذ يصلّي تحيّة المسجد .
سابعا :طواف التّطوّع :
10
-ومنه طواف تحيّة المسجد الحرام ،وزمنه -كما سبق -عند الدّخول ،أمّا طواف
التّطوّع غير طواف التّحيّة ،فل يختصّ بزمان دون زمان ،ويجوز في أوقات كراهة الصّلة عند جمهور الفقهاء . ول ينبغي له أن يتطوّع ويكون عليه غيره من سائر الفروض . ح من كلّ مسلم عاقل مميّز -ولو من الصّغار -إذا كان طاهرا . ويص ّ ويلزم بالشّروع فيه وكذا في طواف القدوم والتّحيّة ،أي بمجرّد النّيّة عند الحنفيّة ،على الخلف في مسألة لزوم إتمام النّافلة بالشّروع فيها . والتّفصيل في مصطلح ( :شروع ف . ) 5
أحكام الطّواف العامّة :
ذكر الفقهاء أمورا ل بدّ منها في الطّواف بصفة عامّة ،لكنّهم اختلفوا في عدّها ركنا أو واجبا أو شرطا على النّحو التّالي :
أ ّولً :حصول الطّائف حول الكعبة العدد المطلوب من الشواط :
11
-ذهب الفقهاء إلى أنّ على كلّ طائف أن يطوف حول الكعبة العدد المطلوب من
الشواط سواء كان حصوله هذا بفعل نفسه ،أو بفعل غيره ،بأن حمله الغير وطاف به ، وسواء كان قادرا على الطّواف بنفسه فأمر شخصا أن يحمله في الطّواف أو حمله الخر بغير أمره ،فإنّ هذا كاف في أداء فرض الطّواف ،وسقوطه عن ال ّذمّة ،لنّ الفرض هو حصول الطّواف حول البيت ،وقد حصل .
ثانيا :عدد أشواط الطّواف :
12
ن الفقهاء اختلفوا بعد ذلك في ن عدد أشواط الطّواف المطلوبة سبعة ،لك ّ -ل خلف أ ّ
ركنيّة السّبعة : فالجمهور على أنّ الرّكن سبعة أشواط ل يجزئ عن الفرض أقلّ منها . وقسّم الحنفيّة السّبعة إلى ركن وواجب . أمّا العدد الرّكن فأكثر هذه السّبعة ،وأمّا الواجب فهو القلّ الباقي بعد أكثر الطّواف . ن الية تفيد التّكثير ،لنّه ت ا ْلعَتِيق } فإ ّ طوّفُوا بِالْبَيْ ِ واستدلّ الجمهور بقوله تعالى { :وَلْ َي ّ عبّر بصيغة التّفعيل ،وقد جاء فعله صلى ال عليه وسلم مبيّنا القدر الّذي يحصل به امتثال طوّفُوا } وهو سبعة أشواط ،فتكون هي الفرض . قوله { :وَلْ َي ّ
ك ما ا ستدلّوا بأ نّ مقاد ير العبادات ل تعرف بالرّأي والجتهاد ،وإنّ ما تعرف بالتّوق يف ،أي التّعل يم من الشّارع ،والرّ سول صلى ال عل يه و سلم طاف سبعا ،وفعله هذا بيان لمنا سك الحجّ ،كما قال » :خذوا عنّي مناسككم « . فالفرض طواف سبعة أشواط ول يعتدّ بما دونها . واستدلّ الحنفيّة بأدلّة ،منها : 1
ت ا ْلعَتِيق } وهذا أمر مطلق عن أيّ قيد ،والمر المطلق طوّفُوا بِالْبَيْ ِ -قوله تعالى { :وَلْ َي ّ
يوجب مرّ ًة واحدةً ،ول يقتضي التّكرار ،فالزّيادة على شوط من الطّواف تحتاج إلى دليل آخر ،والدّليل قائم على فرضيّة أكثر السّبع ،وهو الجماع ،فتكون فرضا ،ول إجماع على فرضيّة الباقي ،فل يكون فرضا بل واجبا . 2
ن الطّائف قد أتى بأكثر السّبع ،والكثر يقوم مقام الكلّ ،فكأنّه أدّى الكلّ . -أّ
وقال كمال الدّين بن الهمام من الحنفيّة :الّذي ندين به أنّه ل يجزئ أقلّ من سبع ،ول يجبر بعضه بشيء .
الشّكّ في عدد الشواط :
13
-لو شكّ في عدد أشواط طوافه وهو في الطّواف بنى على اليقين ،وهو القلّ عند
جمهور الفقهاء -الشّافعيّة والحنابلة . - قال ابن المنذر :أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك ولنّها عبادة ،فمتى شكّ فيها وهو فيها بنى على اليقين كالصّلة . وأجرى المالكيّة ذلك في غير المستنكح ،فقالوا :يبني الشّاكّ غير المستنكح على القلّ ، ك مطلق التّردّد الشّامل للوهم ،أمّا الشّاكّ المستنكح فيبني على الكثر . والمراد بالشّ ّ وفصّل الحنفيّة في الشّكّ في عدد الشواط بين طواف الفرض والواجب وغيره :أمّا طواف الفرض كالعمرة والزّيارة والواجب كالوداع فقالوا :لو شكّ في عدد الشواط فيه أعاده ، ول يبني على غالب ظنّه ،بخلف الصّلة ،ولعلّ الفرق بينهما كثرة الصّلوات المكتوبة وندرة الطّواف . أمّا غير طواف الفرض والواجب وهو النّفل فإنّه إذا شكّ فيه يتحرّى ،ويبني على غالب ظنّه ،ويبني على الق ّل المتيقّن في أصله . ك بعد الفراغ من الطّواف فل يلتفت إليه عند الجمهور ،وسوّى المالكيّة بينه أمّا إذا ش ّ وبين ما إذا كان في الطّواف ،وأطلق الحنفيّة عباراتهم في الشّكّ . وإن أخبره ثقة بعدد طوافه أخذ به إن كان عدلً عند الكثر ،وصرّح المالكيّة بشرط كونه معه في الطّواف ،ولم يشرط ذلك الشّافعيّة والحنابلة .
وقال الحنفيّة :لو أخبره عدل بعدد مخصوص مخالف لما في ظنّه أو علمه ،يستحبّ له أن يأخذ بقوله احتياطا فيما فيه الحتياط فيكذّب نفسه ،لحتمال نسيانه ويصدّقه ،لنّه عدل ل ك ; لنّ علمين غرض له في خبره ،ولو أخبره عدلن وجب العمل بقولهما ،وإن لم يش ّ خير من علم واحد ،ولنّ إخبارهما بمنزلة شاهدين على إنكاره في فعله أو إقراره . واستحبّ الشّافعيّة له الخذ بقول العدل المخالف لعلمه ،خلفا للصّلة .
ثالثا :ال ّنيّة :
14
-مجرّد إرادة الدّوران حول الكعبة ل لقصد شيء آخر يكفي في هذا الشّرط ،دون
تعيينه للفرض أو الوجوب أو السّنّة ،ول تعيين كونه للفاضة أو للصّدر أو للقدوم ونحو ذلك ،كما صرّح به الحنفيّة في الرّاجح . ومن قام بعمل الطّواف لطلب غريم أو فرارا من ظالم ل يعتدّ به ما لم ينو مع عمله هذا الطّواف وفي شرح مختصر الطّحاويّ :نيّة الحجّ عند الحرام كافية عن نيّة الطّواف . وقال الحنفيّة :لو طاف طوافا في وقته الّذي عيّن الشّارع وقوعه فيه وقع عنه ،نواه بعينه أو ل ،أو نوى طوافا آخر ،فلو قدم معتمرا وطاف بأيّ نيّة كانت من نيّات الطّواف كأن نواه تطوّعا يقع طوافه عن العمرة ،أو قدم حاجّا وطاف قبل يوم النّحر وقع عن طواف القدوم . ي :إنّ نيّة الحرام بالحجّ يندرج فيها الوقوف كالطّواف والسّعي وتطلب النّيّة وقال الدّسوق ّ من المارّ دون غيره . ن نيّة الطّواف شرط إن استقلّ بأن لم يشمله نسك ،كالطّواف المنذور وقرّر الشّافعيّة :أ ّ والمتطوّع به ،قال ابن الرّفعة :وطواف الوداع ل ب ّد له من نيّة ،لنّه يقع بعد التّحلّل ، لنّه ليس من المناسك عند الشّيخين ،بخلف الطّواف الّذي يشمله نسك وهو طواف الرّكن للحجّ أو العمرة وطواف القدوم فل يحتاج ذلك إلى نيّة في الصحّ ،لشمول نيّة النّسك له ، وقالوا :ما لم يصرف الطّواف إلى غرض آخر من طلب غريم أو نحوه . وقال الحنابلة :ل ب ّد لصحّة الطّواف من النّيّة لحديث » :إنّما العمال بالنّيّات « . ي صلى ال عليه وسلم سمّاه صل ًة والصّلة ل تصحّ إلّ بالنّيّة اتّفاقا ،وفي طواف ولنّ النّب ّ الفاضة يعيّن في نيّته هذا الطّواف .
طواف المغمى عليه :
15
-لو طاف بالمغمى عليه رفاقه محمولً ،أجزأ ذلك الطّواف الواحد عن الحامل
والمحمول إن نواه الحامل عن نفسه وعن المحمول ،وإن كان بغير أمر المغمى عليه ، بنا ًء على أنّ عقد الرّفقة متضمّن لفعل هذه المنفعة ،وسواء اتّفق طوافهما بأن كان
لعمرتهما ،أو لزيارتهما ،ونحوهما ،أو اختلف طوافهما ،فيكون طواف الحامل عمّا أوجبه إحرامه ،وطواف المحمول كذلك . وانظر المسألة في مصطلح ( :إحرام ف
137
-
143
).
طواف النّائم والمريض :
16
-لو طاف أحد بمريض وهو نائم من غير إغماء ففيه تفصيل عند الحنفيّة :إن كان
الطّواف بأمره وحملوه على فوره أي ساعته عرفا وعاد ًة يجوز ،وإلّ بأن طافوا به من غير أن يأمرهم بالطّواف به أو فعلوا لكن ل على فوره فل يجزيه الطّواف . ففرّقوا في الحكم بين الوقوف والطّواف لعدم اشتراط النّيّة في الوقوف بعرفة ،وفرّقوا بين المغمى عليه والنّائم فاكتفوا في المغمى عليه بعقد الرّفقة ،وفي المريض النّائم اعتبروا ن أقرب إلى الشّعور من حال المغمى عليه . المر الصّريح لقيام نيّتهم مقام نيّته ،ل ّ وعند غير الحنفيّة ينتظر حتّى يفيق المغمى عليه والنّائم ويستوفي شروط الطّواف الّتي منها الطّهارتان .
رابعا :وقوع الطّواف في المكان الخاصّ :
17
-مكان الطّواف هو حول الكعبة المشرّفة داخل المسجد الحرام ،قريبا من البيت أو
طوّفوا بالبيت العتيق } . بعيدا عنه ،وهذا شرط متّفق عليه ،لقوله تعالى { :ولي ّ فلو طاف من وراء مقام إبراهيم عليه السلم ،أو من وراء حائل كمنبر أو غيره كالعمدة ،أو على سطح المسجد الحرام أجزأه ذلك ،لنّه قد حصل حول البيت ،ما دام ضمن المسجد ،وإن وسع المسجد ،ومهما توسّع ما لم يبلغ الحلّ عند الجمهور . وقال المالكيّة :يجوز الطّواف بسقائف المسجد ،وهي محلّ كان به قباب معقودة ،ومن وراء زمزم وقبّة الشّراب حذاء زمزم ،ول يض ّر حيلولة السطوانات وزمزم والقبّة بين الطّائف والبيت بسبب زحمة انتهت إليها ،لنّ الزّحام يصيّر الجميع متّصلً بالبيت ،وإن لم تكن زحمة بل طاف تحت السّقائف اعتباطا ،أو لحرّ ،أو لبرد ،أو مطر أعاد وجوبا ما دام ن الظّاهر أنّ بمكّة ،ولم يرجع له من بلده أو ممّا يتعذّر منه الرّجوع ،وعليه الدّم ،لك ّ الحرّ والبرد الشّديدين كالزّحمة ،كما قرّر الدّسوقيّ ،وعلى هذا لو طاف في السّقائف لزحمة ث ّم قبل كماله زالت الزّحمة وجب إكماله في المحلّ المعتاد ،سواء كان الباقي قليلً أو كثيرا ،فلو كمل الباقي في السّقائف فالظّاهر أنّه يعيد ذلك الّذي كمّله في السّقائف .
خامسا :أن يكون الطّواف حول البيت كلّه :
18
-وذلك يشمل الشّاذروان ،وهو الجزء السّفليّ الخارج عن جدار البيت مرتفعا على
وجه الرض على القول بأنّه من الكعبة .
وقد اختلف فيه هل هو من الكعبة أو ليس من الكعبة ؟ فقال جماعة :هو من الكعبة تركته قريش لضيق النّفقة ،وقال الحنفيّة :ليس من الكعبة وعليه المحقّقون .
سادسا :أن يكون الحجر داخلً في طوافه :
19
حجْر -بكسر الحاء وسكون الجيم -هو الموضع المحاط بجدار مقوّس تحت -ال ِ
ميزاب الكعبة ،في الجهة الشّماليّة من الكعبة ،ويسمّى الحطيم أيضا . والحجر هو جزء من البيت ،تركته قريش لضيق النّفقة ،وأحاطته بالجدار ،وقيل :الّذي منها ستّة أذرع أو سبعة أذرع ،فالنّظر في القدر الزّائد إلى طواف النّبيّ صلى ال عليه وسلم من ورائه ،وهو ما قطع به أكثر الشّافعيّة كما صرّح به النّوويّ في المجموع . ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال لها » :ألم تري أنّ وعن عائشة رضي ال عنها أ ّ قومك لمّا بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم ؟ فقلت :يا رسول اللّه ،أل تردّها على قواعد إبراهيم ؟ قال :لول حدثان قومك بالكفر لفعلت فقال عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما :لئن كانت عائشة رضي ال عنها سمعت هذا من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ما أرى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ترك استلم الرّكنين اللّذين يليان الحجر إلّ أنّ البيت لم يتمّم على قواعد إبراهيم « . وعنها قالت » :سألت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن الجدر أمن البيت هو ؟ قال : نعم « . ن الطّواف من وقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وعطاء وأبو ثور وابن المنذر :إلى أ ّ وراء الحطيم فرض ،من تركه لم يعتدّ بطوافه ،حتّى لو مشى على جداره لم يجزئه ،لنّه ل في الطّواف . جزء من الكع بة ،ك ما ث بت ذلك بال سّنّة ال صّحيحة ،وي جب أن يكون داخ ً ي صلى ال عليه وسلم على الطّواف من وراء الحجر ،وفعله واستدلّوا أيضا بمواظبة النّب ّ بيان للقرآن ،فيلتحق به ،فيكون فرضا . ن كونه جزءا من البيت ثبت بخبر أمّا الحنفيّة فقالوا :دخول الحجر في الطّواف واجب ل ّ الواحد ،وخبر الواحد يثبت به الوجوب عندهم ل الفرض . ح طوافه عند الجمهور ،ولم يعتدّ به ، وعلى ذلك فمن ترك الطّواف خلف الحجر لم يص ّ لنّه لم يطف بجميع البيت . أمّا عند الحنفيّة فيجب عليه إعادة الطّواف ما دام بمكّة ،فإن رجع إلى بلده بغير إعادة فعليه هدي يرسله إلى مكّة ،والفضل عند الحنفيّة إعادة كلّ الطّواف ليؤدّيه على الوجه الحسن ،وللخروج من الخلف .
أمّا الواجب في العادة :فيجزيه أن يأخذ عن يمينه خارج الحجر مبتدئا من أوّل أجزاء الفرجة أو قبله بقليل احتياطا ،ويطوف حتّى ينتهي إلى آخره ،ثمّ يدخل الحجر من الفرجة الّتي وصل إليها ويخرج من الجانب الخر ،أو ل يدخل الحجر ،بل يرجع ويبتدئ من أوّل الحجر .
سابعا :ابتداء الطّواف من الحجر السود :
20
ن ابتداء الطّواف من الحجر -ذهب الشّافعيّة والحنابلة وهو قول عند المالكيّة إلى أ ّ
السود شرط لصحّة الطّواف ،وهو رواية في مذهب الحنفيّة ،فل يعتدّ بالشّوط الّذي بدأه بعد الحجر السود . ي صلى ال عليه وسلم وجعلوها دليل الفرضيّة ،لنّها بيان لجمال واستدلّوا بمواظبة النّب ّ القرآن . ول بدّ عندهم من محاذاة الحجر السود بجميع البدن ،لنّ ما وجب فيه محاذاة البيت وجبت محاذاته بجميع البدن ،كالستقبال في الصّلة . ن ابتداء الطّواف من الحجر السود وذهب الحنفيّة والمالكيّة على الرّاجح في المذهبين إلى أ ّ ي صلى ال عليه وسلم واظب على ذلك ،والمواظبة دليل الوجوب ،ل واجب ،لنّ النّب ّ سيّما وقد قال صلى ال عليه وسلم » :خذوا عنّي مناسككم « فيلزم الدّم بترك البداية منه في طواف الرّكن . ن المواظبة من غير ترك ي القارئ :ولو قيل :إنّه واجب ل يبعد ،ل ّ قال المحقّق الشّيخ عل ّ مرّة دليله ،فيأثم به ويجزيه ،ولو كان في الية إجمال لكان شرطا كما قال محمّد ،لكنّه ق البتداء ،فيكون مطلق التّطوّف فرضا ،وافتتاحه -أي من الحجر السود - منتف في ح ّ واجبا للمواظبة .وهو الشبه والعدل ،فينبغي أن يكون هو المعوّل .
ثامنا :التّيامن :
21
-التّيامن :سير الطّائف عن يمين الكعبة ،وجعل يساره لجانب الكعبة ،وهذا شرط
عند جمهور الفقهاء وقرّروا أنّ الطّواف على عكس ذلك باطل . ي صلى ال عليه وسلم جعل البيت في الطّواف على يساره « ،ولنّها واستدلّوا » :بأنّ النّب ّ عبادة متعلّقة بالبيت فيجب فيها التّرتيب كالصّلة . وقال الحنفيّة :التّيامن واجب في الطّواف ،والطّواف على عكسه صحيح مع الكراهة التّحريميّة ،وتجب إعادته ما دام بمكّة ،وإن رجع إلى أهله من غير إعادة يجب عليه الدّم طوّفُوا .واستدلّوا بأنّه هيئة متعلّقة بالطّواف ،فل تمنع صحّته ،وجعلوا الية { :وَلْ َي ّ
ن المر مطلق ، ت ا ْلعَتِيق } دليلً على إجزاء الطّواف وصحّته على أيّ هيئة ،ل ّ بِالْبَيْ ِ ي صلى ال عليه وسلم على الوجوب . فيتأدّى الرّكن بدون تلك الهيئة ،وحملوا فعل النّب ّ
تاسعا :الطّهارة من الحدث والخبث :
22
-ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى :أنّ الطّهارة من الحداث ومن النجاس شرط
لصحّة الطّواف ،فإذا طاف فاقدا أحدها فطوافه باطل ل يعتدّ به . وقال الحنفيّة :الطّهارة من الحدث ومن الخبث واجب للطّواف ،وهو رواية عن أحمد . ن الطّهارة من النّجاسة الحقيقيّة سنّة مؤكّدة . وإن كان أكثر الحنفيّة على أ ّ استدلّ الجمهور بحديث ابن عبّاس عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :الطّواف بالبيت صلة فأقلّوا من الكلم « . وإذا كان صل ًة والصّلة ل تجوز بدون الطّهارة من الحداث ،فكذلك الطّواف ل بدّ فيه من الطّهارة . طوّفُوا بِالْبَيْتِ ا ْلعَتِيق } . واستدلّ الحنفيّة بقوله تعالى { :وَلْ َي ّ ووجه الستدلل بها أنّ المر بالطّواف مطلق لم يقيّده الشّارع بشرط الطّهارة ،وهذا نصّ قطعيّ ،والحديث خبر آحاد ويفيد غلبة الظّنّ فل يقيّد نصّ القرآن ،لنّه دون رتبته ، فحملنا الحديث على الوجوب وعملنا به . وعلى ذلك :فمن طاف محدثا فطوافه باطل عند الجمهور ،وعليه العود لدائه إن كان طوافا واجبا ،ول تحلّ له النّساء إن كان طواف إفاضة حتّى يؤدّيه . أمّا عند الحنفيّة فهو صحيح لكن تجب إعادته ما دام بمكّة ،وإلّ وجب عليه الفداء . ومن أحدث في أثناء الطّواف يذهب فيتوضّأ ويتمّم الشواط ول يعيدها عند الحنفيّة والشّافعيّة ،وهو رواية عن مالك . والمشهور عن مالك :أنّه يعيد الطّواف من أوّله ،ول يبني على الشواط السّابقة ،وذلك لنّ الموالة في أشواط الطّواف شرط في صحّة الطّواف . ن الطّهارة شرط له ،وإن وذهب الحنابلة إلى أنّه إن أحدث عمدا فإنّه يبتدئ الطّواف ،ل ّ سبقه الحدث ففيه روايتان : إحداهما :يبتدئ أيضا ،والرّواية الثّانية :يتوضّأ ويبني ،قال حنبل عن أحمد فيمن طاف ثلثة أشواط أو أكثر ،يتوضّأ فإن شاء بنى ،وإن شاء استأنف ،قال أبو عبد اللّه :يبني إذا لم يحدث حدثا إلّ الوضوء ،فإن عمل عملً غير ذلك استقبل الطّواف ،وذلك لنّ الموالة تسقط عند العذر في إحدى الرّوايتين ،وهذا معذور ،فجاز البناء ،وإن اشتغل
بغير الوضوء فقد ترك الموالة لغير عذر فلزمه البتداء إذا كان الطّواف فرضا ،فأمّا المسنون فل تجب إعادته كالصّلة المسنونة إذا بطلت .
عاشرا :ستر العورة :
23
-ذهب الجمهور إلى أنّ ستر العورة شرط في صحّة الطّواف ،وقال الحنفيّة :هو
ن الطّواف عند الجمهور كالصّلة يجب فيه واجب في الطّواف ليس شرطا لصحّته ،وذلك ل ّ ستر العورة لقوله صلى ال عليه وسلم » :الطّواف بالبيت صلة « ،ولحديث » :ل يطوف بالبيت عريان « . فمن أخلّ بستر العورة الخلل المفسد للصّلة بحسب المذاهب ،فسد طوافه عند الجمهور ، وعند الحنفيّة عليه الدّم .
حادي عشر :موالة أشواط الطّواف :
24
-اشتراط الموالة بين أشواط الطّواف مذهب المالكيّة والحنابلة ،وعند الحنفيّة
والشّافعيّة سنّة للتّباع ،لنّه صلى ال عليه وسلم والى في طوافه ،وفي قول عند الشّافعيّة أنّ الموالة واجبة . ودليل شرط الموالة ووجوبها حديث » :الطّواف بالبيت صلة « فيشترط له الموالة ي صلى ال عليه وسلم . كسائر الصّلوات ،ودليل السّنّيّة فعل النّب ّ
ثاني عشر :المشي للقادر عليه :
25
ن المشي للقادر عليه واجب مطلقا في أيّ -ذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى أ ّ
طواف ،وعند المالكيّة واجب في الطّواف الواجب ،وأمّا الطّواف غير الواجب فالمشي فيه سنّة عندهم . ن المشي في الطّواف سنّة . وذهب الشّافعيّة وهو رواية عن أحمد إلى أ ّ فلو طاف راكبا مع قدرته على المشي لزمه دم عند الحنفيّة والمذهب عند الحنابلة لتركه واجب المشي ،إلّ إذا أعاده ماشيا ،أمّا عند الشّافعيّة والرّواية الخرى عن أحمد فيجوز طوافه بل كراهية . أمّا إذا كان عاجزا عن المشي وطاف محمولً فل فداء عليه اتّفاقا ول إثم .
ثالث عشر :فعل طواف الفاضة في أيّام النّحر :
26
ن أداء طواف الفاضة في أيّام النّحر واجب فلو أخّره حتّى أدّاه -ذهب أبو حنيفة إلى أ ّ
ح ووجب عليه دم ،جزاء تأخيره عنها وهو المفتى به في المذهب . بعدها ص ّ والمشهور عند المالكيّة :أنّه ل يلزمه بالتّأخير شيء إلّ بخروج ذي الحجّة فإذا خرج لزمه دم ،وذهب الشّافعيّة والحنابلة والصّاحبان إلى أنّه ل يلزمه شيء بالتّأخير .
جف وفي تفصيل ذلك ينظر مصطلح ( :ح ّ
55
).
رابع عشر -ركعتا الطّواف بعد كلّ سبعة أشواط :
27
ل صلة ركعتين ،وهو رواية -ذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب بعد كلّ طواف فرضا أو نف ً
عن أحمد وقول عند الشّافعيّة ،ووافقهم المالكيّة في الطّواف الرّكن ،أو الواجب في المشهور عندهم . ي صلى ال عليه وسلم وبما ورد في حديث جابر » :أنّه صلى ال واستدلّوا بمواظبة النّب ّ عليه وسلم تقدّم إلى مقام إبراهيم فقرأ { :وَاتّخِذُواْ مِن ّمقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَّلىً } فجعل المقام ي صلى ال عليه وسلم - بينه وبين البيت ،فكان أبي يقول -ول أعلمه ذكره إلّ عن النّب ّ كان يقرأ في الرّكعتين ُ { :قلْ ُه َو الّلهُ َأحَدٌ } و { ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَا ِفرُونَ } « . ن صلته بعد الطّواف امتثال لهذا المر ،والمر للوجوب ،إلّ أنّ استنباط وهذا إشارة إلى أ ّ ذلك من الحديث ظنّيّ ،وذلك يثبت الوجوب الّذي هو دون الفرض وفوق السّنّة . والمذهب عند الشّافعيّة والحنابلة أنّ ركعتي الطّواف سنّة . واستدلّوا بما ورد من الحاديث بتحديد الصّلة المفترضة بالصّلوات الخمس ،وصلة الطّواف -كما قال الشّيرازيّ -صلة زائدة على الصّلوات الخمس ،فلم تجب بالشّرع على العيان كسائر النّوافل . وعند الشّافعيّة والحنابلة إذا صلّى المكتوبة بعد طوافه أجزأته عن ركعتي الطّواف . وعند المالكيّة في غير طواف الفرض والواجب تردّد بين الوجوب والسّنّيّة ،واستظهر الحطّاب أنّ الرّكعتين سنّة كما قال الدّسوقيّ .
سنن الطّواف : أ -الضطباع :
28
-هو أن يجعل وسط الرّداء تحت إبطه اليمنى عند الشّروع في الطّواف ويردّ طرفيه
على كتفمه اليسمرى وتبقمى كتفمه اليمنمى مكشوفةً ،واللّفمظ مأخوذ ممن الضّبمع وهمو عضمد النسان . ن النّبيّ وهو سنّة عند الجمهور للرّجال دون النّساء ،لما روي عن يعلى بن أميّة » :أ ّ ن رسول صلى ال عليه وسلم طاف مضطبعا « ،وعن ابن عبّاس رضي ال عنهما » :أ ّ اللّه صلى ال عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم اليسرى « .
ويسنّ الضطباع عند الحنفيّة والشّافعيّة في كلّ طواف بعده سعي كطواف القدوم لمن أراد أن يسعى بعده ،وطواف العمرة ،وطواف الزّيارة إن أخّر السّعي إليه ،وزاد الحنفيّة طواف النّفل إذا أراد أن يسعى بعده من لم يعجّل السّعي بعد طواف القدوم . وقال الحنابلة :ل يضطبع في غير طواف القدوم . والضطباع سنّة في جميع أشواط الطّواف ،فإذا فرغ من الطّواف ترك الضطباع ،حتّى أنّه تكره صلة الطّواف مضطبعا كما صرّح الحنفيّة والشّافعيّة . ( ر :اضطباع ف . ) 4
ب -ال ّرمَل :
29
-الرّمل هو :إسراع المشي مع تقارب الخطى وه ّز الكتفين من غير وثب .
والرّمل سنّة في ك ّل طواف بعده سعي ،فعن ابن عبّاس رضي ال عنهما قال » :قدم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وأصحابه مكّة وقد وهنتهم حمّى يثرب .فقال المشركون : إنّه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمّى ،ولقوا منها شدّةً ،فجلسوا ممّا يلي الحجر ، وأمرهم النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن يرملوا ثلثة أشواط ،ويمشوا ما بين الرّكنين ليرى ن الحمّى قد وهنتهم ،هؤلء المشركون جلدهم ،فقال المشركون :هؤلء الّذين زعمتم أ ّ أجلد من كذا وكذا « . لكنّ الرّمل ظلّ س ّنةً في الشواط الثّلثة الولى بتمامها ،فقد فعله النّبيّ صلى ال عليه وسلم في حجّته ،وكانت بعد فتح مكّة ودخول النّاس في دين اللّه أفواجا ،كما سبق في حديث جابر » :فرمل ثلثا ومشى أربعا « . وسار على ذلك ال صّحابة أبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء من بعده صلى ال عليه وسلم . ث مّ الرّ مل كالضطباع سنّة في ح قّ الرّجال ،أمّا النّ ساء فل ي سنّ له نّ ر مل ول اضطباع . ن ل هم الرّ مل وا ستثنى الحنابلة من سنّيّة الرّ مل أ هل مكّة و من أحرم من ها أيضا ،فل ي س ّ عندهم .
ج -ابتداء الطّواف من جهة الرّكن اليمانيّ :
30
ي ،ثمّ يستقبل ن أن يبدأ الطّواف قريبا من الحجر السود من جهة الرّكن اليمان ّ -يس ّ
الحجر مهلّلً رافعا يديه ،وذلك ليتحقّق ابتداء الطّواف من الحجر السود ،وهو واجب . لكنّ المرور بجميع البدن على الحجر السود ليس واجبا عند الحنفيّة والمالكيّة ،وهو واجب عند الشّافعيّة والحنابلة ،لذلك صرّح المحقّقون في المذهب الحنفيّ باستحباب هذه الكيفيّة خروجا من الخلف ،فلوا استقبل الحجر مطلقا ونوى الطّواف كفى في حصول المقصود الّذي هو البتداء من الحجر عند الحنفيّة والمالكيّة .
قال الحطّاب :يستقبل الحجر بجميع بدنه وتكون يده اليسرى محاذيةً ليمين الحجر ثمّ يقبّله ويمشي على جهة يده اليمنى .
د -استقبال الحجر عند ابتداء الطّواف :
31
-استقبال الحجر عند ابتداء الطّواف ،ورفع اليدين عند التّكبير مقابلة الحجر ،نصّ
على هذه السّنّة الحنفيّة .
هم – استلم الحجر وتقبيله :
32
– استلم الحجر وتقبيله في ابتداء الطّواف وفي كلّ شوط ،وبعد ركعتي الطّواف ،ذهب
ن المالكيّة قيّدوا السّنّيّة بأوّل الطّواف وجعلوا ذلك مستحبّا في إلى ذلك جمهور الفقهاء ،لك ّ باقيه ،واستحبّ الحنفيّة تقبيل الحجر . وصفة الستلم :أن يضع كفّيه على الحجر ،ويضع فمه بين كفّيه ويقبّله . عن ابن عمر :أنّ عمر رضي ال عنه قبّل الحجر وقال :إنّي لعلم أنّك حجر ،ولول أنّي رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقبّلك ما قبّلتك . ي عن ابن عمر قال » :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ل وأخرج أبو داود والنّسائ ّ ي والحجر في كلّ طوفة « وكان ابن عمر يفعله . يدع أن يستلم الرّكن اليمان ّ
و -استلم الرّكن اليمانيّ :
33
-استلمه يكون بوضع اليدين عليه ،وهو الرّكن الواقع قبل ركن الحجر السود .
ي والحجر ،مذ عن ابن عمر رضي ال عنهما قال :ما تركت استلم هذين الرّكنين :اليمان ّ رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يستلمهما ،في شدّة ول رخاء . والسّنّيّة مذهب الجمهور ،وقول محمّد من الحنفيّة ،لكنّه عند المالكيّة سنّة في الشّوط الوّل مندوب في غيره ،وقال الشّيخان :أبو حنيفة وأبو يوسف :هو مندوب . وذهب الفقهاء إلى أنّه ل يقبّله ول يسجد عليه . وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يقبّل ما استلم به الرّكن اليمانيّ ول يشير إليه . ي ويشير إليه عند العجز عن الوصول إليه ، وعند الشّافعيّة يقبّل ما استلم به الرّكن اليمان ّ وعند المالكيّة يضع يده على فمه من غير تقبيل . ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يستلم هذين ن استلمه ،ل ّ أمّا غير هذين الرّكنين فل يس ّ الرّكنين ول يستلم غيرهما ،عن عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما قال » :لم أر النّبيّ صلى ال عليه وسلم يستلم من البيت إلّ الرّكنين اليمانيّين « . ي فقال :والسّبب في وقد أبدى العلماء لذلك التّفاوت بين أركان البيت سببا وضّحه الرّمل ّ اختلف الركان في هذه الحكام :أنّ الرّكن الّذي فيه الحجر السود فيه فضيلتان :كون
الحجر فيه ،وكونه على قواعد سيّدنا إبراهيم ،واليمانيّ فيه فضيلة واحدة :وهي كونه على قواعد أبينا إبراهيم ،وأمّا الشّاميّان فليس لهما شيء من الفضيلتين .
ز -الدّعاء :
34
-وهو مخيّر فيه غير محدود عند المالكيّة ،وصرّح الشّافعيّة بأنّه يسنّ في أوّل
الطّواف ،وفي كلّ طوفة الدّعاء بالمأثور وهو " :بسم اللّه واللّه أكبر ،اللّهمّ إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ،ووفاءً بعهدك ،واتّباعا لسنّة نبيّك محمّد صلى ال عليه وسلم " والدّعاء المأثور في بقيّة جوانب البيت وهو مندوب ،ومنه :
الدّعاء عند رؤية الكعبة :
35
-اللّهمّ زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابةً ،وزد من شرّفه وكرّمه ممّن
حجّه واعتمره تشريفا وتعظيما وبرّا . اللّهمّ أنت السّلم ،ومنك السّلم ،فحيّنا ربّنا بالسّلم .
دعاء افتتاح الطّواف واستلم الحجر السود أو المرور به :
36
-بسم اللّه واللّه أكبر ،اللّهمّ إيمانا بك ،وتصديقا بكتابك ،ووفاءً بعهدك واتّباعا لسنّة
نبيّك صلى ال عليه وسلم .وحكمه كما سبق . والمعنى :أطوف باسم اللّه ،وأطوف اللّهمّ إيمانا بك .
الدّعاء في الشواط الثّلثة الولى :
37
-اللّهمّ اجعله حجّا مبرورا ،وسعيا مشكورا ،وذنبا مغفورا ،اللّهمّ ل إله إلّ أنت وأنت
ت. تحيي بعدما أم ّ وإذا كان يؤدّي عمرةً دعا فقال :اجعلها عمرةً مبرور ًة ،وإن كان طوافا نفلً دعا :اجعله طوافا مبرورا أي مقبولً وسعيا مشكورا -وسعي الرّجل عمله -كما قال تعالى َ { :وأَن سعَى } . ن إِل مَا َ س لِلِنسَا ِ لّيْ َ
الدّعاء في الشواط الربعة الباقية :
38
-اللّهمّ اغفر وارحم ،واعف عمّا تعلم ،وأنت الع ّز الكرم .
الدّعاء عند الرّكن اليمانيّ :
39
-بسم اللّه واللّه أكبر ،والسّلم على رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته ،اللّهمّ إنّي أعوذ
بك من الكفر والفقر وال ّذلّ ،ومواقف الخزي في الدّنيا والخرة ،ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الخرة حسنةً وقنا عذاب النّار .
الدّعاء بين الرّكن اليمانيّ والحجر السود :
40
-ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الخرة حسنةً وقنا عذاب النّار .
ربّ قنّعني بما رزقتني ،وبارك لي فيه ،واخلف على كلّ غائبة لي بخير .
الدّعاء بعد ركعتي الطّواف :
41
-اللّهمّ إنّك تعلم سريرتي وعلنيتي فاقبل معذرتي ،وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي ،
وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي ،اللّهمّ إنّي أسألك إيمانا يباشر قلبي ،ويقينا صادقا حتّى أعلم أنّه ل يصيبني إلّ ما كتبت لي ،ورضا بما قسمت .
دعاء لعامّة الطّواف :
42
-اللّهمّ اغفر لي ذنوبي وخطاياي ،وعمدي ،وإسرافي في أمري ،إنّك إن ل تغفر لي
تهلكني . اللّهمّ البيت بيتك ،ونحن عبيدك ،ونواصينا بيدك ،وتقلّبنا في قبضتك ،فإن تعذّبنا فبذنوبنا ،وإن تغفر لنا فبرحمتك ،فرضت حجّك لمن استطاع إليه سبيلً ،فلك الحمد على ما جعلت لنا من السّبيل ،اللّهمّ ارزقنا ثواب الشّاكرين .
دعاء الشّرب من ماء زمزم :
43
ل ،وشفا ًء من كلّ داء . -اللّهمّ إنّي أسألك علما نافعا ،ورزقا واسعا ،وعملً متقبّ ً
ح -القرب من البيت الحرام :
44
-القرب في الطّواف من البيت للرّجال والبعد للنّساء ،وعدّه الشّافعيّة س ّنةً .
فلو فات الرّمل بمراعاة القرب من البيت فالرّمل مع البعد أولى ،إ ّل إذا كان الزّحام شديدا أو خاف صدم النّساء لو بعد عن البيت ،فالقرب حينئذ مع ترك الرّمل أولى .
ط -حفظ البصر عن كلّ ما يشغله :
45
ن الطّواف عبادة ، -على الطّائف أن يحفظ بصره ،عن ك ّل ما يشغله عن الطّواف :ل ّ
وهو بمنزلة الصّلة ،فينبغي أن يتمّ فيه التّفرّغ لدائه .
ى -السرار بالذّكر والدّعاء :
46
-السرار بالذكار والدعية مطلوب في الطّواف ،لنّ اللّه تعالى سميع ،حتّى ل يؤذي
غيره إن جهر .
ك -التزام الملتزم :
47
-يستحبّ عند جمهور الفقهاء بعد طواف الوداع أن يلتزم الطّائف الملتزم وهو الجدار
الّذي بين الحجر السود وباب الكعبة المشرّفة ،اقتداءً بالرّسول صلى ال عليه وسلم والتزامه أن يلصق صدره وخدّه اليمن ،ويداه وكفّاه مبسوطتان قائمتان ،وهو متذلّل
مستجير بربّ البيت ،والملتزم من المواضع الّتي يستجاب فيها الدّعاء ،ويدعو بالمأثور من الدّعاء إن حفظه وإلّ فيما تيسّر .
ل -قراءة القرآن الكريم :
48
-قراءة القرآن من غير رفع صوت عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .
وعند الحنفيّة تجوز قراءة القرآن ،والذّكر أفضل عند الحنفيّة والمالكيّة . أمّا الشّافعيّة فقالوا :مأثور الدّعاء أفضل من القراءة ،وهي أفضل من غير مأثوره . ي صلى ال عليه وسلم هو الفضل ،ولم يثبت عنه في استدلّ الحنفيّة بأنّ هدي النّب ّ الطّواف قراءة قرآن ،بل الذّكر ،وهو المتوارث من السّلف والمجمع عليه فكان أولى . واستدلّ الشّافعيّة على أفضليّة الدّعاء بالمأثور في الطّواف على القراءة باتّباع النّبيّ صلى ال عليه وسلم وأفضليّة القرآن على غير المأثور في الطّواف ،بأنّ الموضع موضع ذكر ، والقرآن أفضل الذّكر . واستدلّوا بالحديث القدسيّ » :من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين ،وفضل كلم اللّه على سائر الكلم كفضل اللّه تعالى على خلقه « .
مباحات الطّواف :
49
-أ -الكلم المباح الّذي يحتاج إليه .
صرّح بعض الحنفيّة بكراهة الكلم ،لكنّه محمول على ما ل حاجة إليه . ن الفضل ألّ يتكلّم لقوله صلى ال عليه وسلم » :الطّواف صلة ولذلك صرّح الشّافعيّة أ ّ فأقلّوا فيه الكلم « وفي رواية » :إلّ أنّكم تتكلّمون فيه فمن تكلّم فل يتكلّم إلّ بخير « . ب -السّلم على من ل يكون مشغولً بالذّكر . ج -الفتاء والستفتاء ،ونحوه من تعليم جاهل أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر . د -الخروج من الطّواف لحاجة ضروريّة . هم -الشّرب ،لعدم إخلله بالموالة لقلّة زمانه ،بخلف الكل . و -لبس نعل أو خفّ إذا كانا طاهرين .
محرّمات الطّواف :
50
-أ -ترك ركن من أركان الطّواف ،وحكمه :أنّه ل يتحلّل التّحلّل الكبر إ ّل بالعود
وأدائه إن كان الطّواف فرضا ،أو واجبا . ن الطّواف غير صحيح ،ويجب أن يعيده ب -ترك شرط من شروط الطّواف ،وحكمه :أ ّ إن كان فرضا ،أو واجبا .
فإن كان بمكّة أعاده ول إشكال ،وإن سافر من مكّة ،فل بدّ له من الرّجوع إلى مكّة وإعادته ،كما في ترك ركن من أركان الطّواف . ج -ترك واجب من واجبات الطّواف ،وهو غير مجزئ عند الجمهور ،مكروه كراهةً تحريم ّيةً عند الحنفيّة حسب اصطلحهم ،ويلزمه الثم ،ويجب عليه الدّم .
مكروهات الطّواف :
51
-نصّ الفقهاء على أمور تكره في الطّواف ،منها :
أ -رفع الصّوت بالذّكر والدّعاء والقرآن بما يشوّش على الطّائفين . ب -الكلم غير المحتاج إليه ،لقول ابن عمر رضي ال عنهما :أقلّوا الكلم فإنّما أنتم في صلة . ج -إنشاد شعر ليس من قبيل الذّكر والثّناء على اللّه . د -ترك سنّة من سنن الطّواف ،حسبما هو مقرّر في كلّ مذهب ،كترك الرّمل في طواف بعده سعي ،وكترك استلم الحجر السود والشارة إليه . هم -الجمع بين أكثر من طواف كامل من غير صلة بعد كلّ طواف ،إلّ إذا وقعت الصّلة في وقت كراهة فيؤخّرها عند الحنفيّة . و -الطّواف وهو يدافع البول أو الغائط ،أو وهو شديد التّوقان إلى الكل ،ونحو ذلك ممّا يشغله عن الحضور في العبادة ،كما يكره في الصّلة . ز -الكل في الطّواف اتّفاقا بين الحنفيّة والشّافعيّة وكذا الشّرب عند الشّافعيّة ،وكراهة الشّرب أخفّ عندهم ،قال الشّافعيّ :ل بأس بشرب الماء في الطّواف ول أكرهه ،بمعنى المأثم ،لكنّي أحبّ تركه ،لنّ تركه أحسن في الدب ،وقال الشّافعيّ في الملء :روي عن ابن عبّاس رضي ال عنهما أنّه شرب وهو يطوف . ح -وضع الطّائف يده على فيه ،إلّ أن يحتاج إليه مثل دفع التّثاؤب . ط -تشبيك الصابع أو فرقعتها ،كما يكره ذلك في الصّلة .
كيفيّة الطّواف :
52
-إذا أراد شخص الطّواف فيستعدّ لذلك بتطهير بدنه وثيابه من النّجاسة ،ويغتسل إن
كان جنبا ،ويتوضّأ ويضبط ثياب إحرامه حتّى يأمن أن تنكشف عورته في أثناء الطّواف وزحامه ،وإذا أراد أداء طواف بعده سعي مثل طواف القدوم في حال تقديم السّعي إليه ، وطواف الزّيارة إذا لم يقدّم السّعي عليه ،وطواف العمرة ،فيسنّ له في هذه الطوفة الضطباع في الشواط كلّها .
كيفيّة الضطباع :
53
-وكيفيّة الضطباع :أن يجعل الطّائف وسط الرّداء تحت إبطه اليمنى ،ويردّ طرفيه
على كتفه اليسرى ،ويترك كتفه اليمنى مكشوفةً . ل إلى جهة الرّكن اليمانيّ ،ويقطع التّلبية إن ثمّ يتّجه إلى الحجر السود حتّى يتجاوزه قلي ً كان محرما ،ينوي الطّواف الّذي يريده ،ويجعل يساره إلى البيت ،ثمّ يستقبل الحجر السود ويستلمه ،بأن يضع عليه يديه ويضع وجهه بين كفّيه ،ويقبّله ثلثا . لكن إذا وجد الطّائف زحاما فيجتنب اليذاء ،ويكتفي بالشارة إلى الحجر بيديه ،لنّ استلم الحجر سنّة ،وإيذاء النّاس حرام يجب تركه ،ول يجوز ارتكاب الحرام لجل السّنّة ،وقد قال صلى ال عليه وسلم لعمر رضي ال عنه » :يا عمر ،إنّك رجل قويّ ، ل تزاحم على الحجر ،فتؤذي الضّعيف ،إن وجدت خلو ًة فاستلمه ،وإلّ فاستقبله فهلّل وكبّر « . وكيفيّة الشارة :أن يرفع الطّائف يديه حذاء منكبيه ،ويجعل باطنهما نحو الحجر السود يشير بهما إليه . 54
-ويرمل الطّائف في الشواط الثّلثة الولى إن كان سيسعى بعد الطّواف .
وكيفيّة الرّمل :إسراع المشي مع مقاربة الخطى وه ّز الكتفين من غير وثب ،ويمشي بقيّة الشواط ،ويكون في طوافه على غاية الدب والحضور والتّعظيم ،مع غضّ البصر وخفض الصّوت بالذّكر والدّعاء ،فإذا وصل إلى الحطيم وهو المكان المحاط بجدار دائريّ ، جهة شمال الكعبة حيث الميزاب فيجعل الحطيم في ضمن طوافه ،ول يدخل في داخله ،فإذا وصل إلى الرّكن اليمانيّ فيستلمه ،وذلك بأن يضع يديه عليه فقط ،دون سجود ول تقبيل له ول ليديه ،حتّى يصل إلى الحجر السود ،فيكون بذلك قد أدّى شوطا ،فيستلم الحجر ويقبّله ،أو يشير إليه إذا كان زحام . ويتابع الطّواف حتّى تكمل سبعة أشواط عند الحجر السود فيستلمه ويقبّله ختاما لشواط الطّواف ،أو يشير إليه إذا كان هناك زحام ،ثمّ يتّجه نحو مقام إبراهيم الخليل عليه السلم فيجعله بينه وبين الكعبة ،ويصلّي ركعتي الطّواف ،ولكن ليس هذا الوضع شرطا لصحّتهما كما يتوهّم العامّة ،فل يزاحم ويصلّي ركعتي الطّواف أينما تيسّر ،فحيثما أدّاهما جائز ،لكنّ الحرم أفضل ،ويقرأ في الرّكعة الولى سورة { ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَا ِفرُونَ } وفي الثّانية { ُقلْ ُهوَ الّل ُه َأحَدٌ } اتّباعا لفعله صلى ال عليه وسلم ،ث ّم يدعو بعدهما بما يحبّ له ولمن يحبّ .
التّعريف :
طوَى * ُ
1
-الطّوى من الطّيّ ،من معاني الطّيّ في اللّغة :بناء البئر بالحجارة ،يقال طويت البئر
فهو طوىً ،فعيل بمعنى مفعول . وفي اللّسان :طوى جبل بالشّام ،وقيل :هو واد في أصل الطّور ،وفي التّنزيل العزيز : ك بِا ْلوَادِ ا ْل ُمقَدّسِ طُوىً } . { إِنّ َ و في معجمم ياقوت الحمويّم :الطّوى بئر حفر ها ع بد شممس بن ع بد مناف ،وهمي الّ تي بأعلى مكّة عند البيضاء دار محمّد بن سيف . وذو طوًى واد بمكّة ،قال الزّبيديّ :يعرف الن بالزّاهر . وقال الشّربينيّ الخطيب :طوىً -بالقصر وتثليث الطّاء والفتح أجود -واد بمكّة بين الثّنيّتين -كداء العليا والسّفلى -وأقرب إلى السّفلى ،سمّي بذلك لشتماله على بئر مطويّة -مبنيّة -بالحجارة . والمقصود بهذا المصطلح الموضع الّذي في مكّة دون غيره من المعاني اللّغويّة .
الحكم الجماليّ :
2
-ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى استحباب الغسل في ذي طوىً عند دخول مكّة للطّواف ،
لما روى نافع قال :كان ابن عمر رضي ال عنهما إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التّلبية ي صلى ال عليه وسلم ن النّب ّ ثمّ يبيت بذي طوىً ،ثمّ يصلّي به الصّبح ويغتسل ويحدّث أ ّ كان يفعل ذلك . ب هذا الغسل بذي طوىً إن كانت في طريقه ،وإلّ اغتسل في غير وذهبوا إلى أنّه يستح ّ طريقها من نحو مسافتها . قال الدّسوقيّ :إن لم يأت من جهتها فيقدّر ما بينهما . ي من غير طريق المدينة كاليمن فيغتسل من نحو تلك المسافة . وقال الشّربينيّ :والجائ ّ وفي المجموع :وهذا الغسل مستحبّ لكلّ داخل محرم سواء كان محرما بحجّ أو عمرة أو قران بل خلف . وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى استحباب الغسل عند دخول مكّة مطلقا من غير تحديد موضع .
التّعريف : 1
طوْل * َ
-الطّول في اللّغة -بفتح الطّاء -الفضل يقال :لفلن على فلن طول :أي زيادة
وفضل ،ويقال :طال على القوم يطول طولً إذا أفضل ،وطول الحرّة في الصل مصدر من هذا لنّه إذا قدر على صداقها وكلفتها فقد طال عليها ،والصل أن يعدّى بإلى فيقال : وجدت طولً إلى الحرّة ،ثمّ كثر استعماله فقالوا :طول الحرّة .
ن. ويأتي بمعنى الفضل والم ّ وأمّا في الصطلحّ :فهو السّعة والغنى على قول ،وقال آخرون :الطّول كلّ ما يقدر به على النّكاح من نقد أو عرض أو دين على مليء ،قال القرطبيّ :الطّول :هو القدرة على المهر في قول أكثر أهل العلم . المهر : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-المهر :صداق المرأة ،وهو ما وجب لها بنكاح أو وطء ،أو تفويت بضع ،وسمّي
المهر صداقا ،لشعاره بصدق رغبة باذله في النّكاح الّذي هو الصل في إيجاب المهر .
الحكم التّكليفيّ :
3
-اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز لواجد الطّول الح ّر أن ينكح أمة غيره ،حتّى ل يفضي
ذلك إلى إرقاق ولده مع الغنى عنه ،لقول عمر رضي ال عنه :أيّما حرّ تزوّج أمةً فقد ن من الطّول المحرّم ق نصفه -أي ولده -وأيّما عبد تزوّج حرّ ًة فقد أعتق نصفه ،وأ ّ أر ّ ن وجود الحرّة تحته أعظم من لنكاح المة أن تكون تحته حرّة صالحة للستمتاع ،ل ّ استطاعة طولها ،ولنّه حينئذ لم يخش العنت ،ولقوله صلى ال عليه وسلم » :ل يتزوّج المة على الحرّة « ،فإن لم تكن صالحةً للستمتاع ،بأن كانت تحته صغيرة ل تطيق الوطء ،أو هرمة ،أو مجنونة ،أو مجذومة ،أو برصاء ،أو رتقاء ،أو قرناء فيجوز له ن وجودها كعدمها ،وهذا نكاح المة عند المالكيّة والحنابلة وهو الصحّ عند الشّافعيّة ،ل ّ إذا خاف الزّنى . واتّفقوا كذلك على أنّ طول الحرّة ل يمنع العبد من نكاح المة ،لنّ نكاحه ليس فيه إرقاق حرّ ،ولنّهما متساويان في الرّقّ . كما اتّفقوا على أنّه يجوز لفاقد الطّول أن ينكح أمة غيره المسلمة بشروط اختلفوا فيها ، ط ْولً تبعا لختلفهم في تحديد معنى الطّول الوارد في قوله تعالى َ { :ومَن ّل ْم َيسْ َتطِعْ مِن ُكمْ َ ت ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ َفمِن مّا مَ َلكَتْ أَ ْيمَا ُنكُم مّن فَتَيَا ِتكُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ } الية . أَن يَن ِكحَ ا ْل ُمحْصَنَا ِ فذهب الحنفيّة إلى أنّ الطّول معناه وجود حرّة تحته ،فإذا لم تكن في عصمته حرّة جاز له الزّواج من أمة الغير عند أبي يوسف ومحمّد ،وزاد أبو حنيفة :أن ل تكون عنده حرّة تعتدّ من طلقه البائن . وذهب علماء السّلف وفقهاء المذاهب الثّلثة -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى أنّ الطّول معناه القدرة على نكاح الحرّة ،سواء أكانت مسلم ًة أم كتاب ّيةً .
وعليه فل يجوز لحرّ مسلم أن ينكح أمة غيره إلّ بشروط ،ينظر تفصيلها في مصطلح : قف (رّ 4
75
).
-واتّفق الفقهاء على أنّ من الفضل والخير للرّجل الحرّ الّذي اجتمعت له شروط الباحة
أن يترك نكاح المة وأن يصبر عنها لقوله تعالى َ { :وأَن تَصْبِرُواْ خَيْ ٌر ّل ُكمْ } حتّى ل يسبّب ق لولده حيث إنّ ولده من المة يكون رقيقا يملكه سيّدها ،إلّ أن يشترط الزّوج على الرّ ّ مالكها حرّيّته فيكون ولده منها حرّا لقوله صلى ال عليه وسلم » :المسلمون على شروطهم إلّ شرطا حرّم حللً أو أحلّ حراما « . ولقول عمر رضي ال عنه :مقاطع الحقوق عند الشّروط . ولهذا استثنوا من هذا صورتين : إحداهما :إذا كان الزّوج ل يولد له ،كالخصيّ مثلً ،لنتفاء محذور رقّ الولد . الثّانية :أن تكون المة ملكا لصله الحرّ .
انظر :تطيّب .
انظر :تطيّر .
التّعريف : 1
طِيب * طيَرة * ِ طيُور * ُ
-الطّيور في اللّغة :جمع طير ،وهو جمع طائر ،والطّائر :ك ّل ذي جناح يسبح في
الهواء . وتطيّر فلن أصله التّفاؤل بالطّير ،ث ّم استعمل في ك ّل ما يتفاءل به أو يتشاءم ،لنّ العرب ي لمهمّ مرّت بمجاثم الطّير وأثارتها ،لتستفيد هل تمضي أو ترجع ؟ كانت إذا أرادت المض ّ فنهى الشّارع عن ذلك ،وقال » :ل عدوى ول طيرة « . وقال أيضا » :أقرّوا الطّير على وكناتها « . ول يخرج معناه الصطلحيّ عن معناه اللّغويّ .
ما يتعلّق بالطّيور من أحكام :
وردت أحكام الطّيور في عدّة أماكن من كتب الفقهاء منها :
أ -بيع الطّيور :
2
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يجوز بيع ما يؤكل لحمه من الطّيور كالحمام والعصافير
وغيرهما ،لنّه ينتفع به ،فيجوز بيعه كالبل والبقر والغنم . كما يجوز بيع ما يصاد به من الطّيور ،كالصّقر والبازي والشّاهين والعقاب ونحوها إذا كان معلّما أو يقبل التّعليم ،لنّه حيوان أبيح اقتناؤه وفيه نفع مباح ،فأبيح بيعه ،أمّا إذا كان غير قابل للتّعليم فل يجوز بيعه . ويجوز أيضا بيع ما ينتفع بلونه كالطّاووس ،أو ينتفع بصوته كالبلبل والهزار والببّغاء والزّرزور والعندليب ونحوها . أمّا بيع الطّيور الّتي ل تؤكل ول يصطاد بها ،كالرّخمة والحدأة والنّعامة والغراب الّذي ل يؤكل فل يجوز بيعها ،لنّ ما ل منفعة فيه ل قيمة له ،فأخذ العوض عنه من أكل المال بالباطل ،وبذل العوض فيه من السّفه . وقال الحنفيّة :يجوز بيع ك ّل ذي مخلب من الطّير ،معلّما كان أو غير معلّم . ي :ويصحّ بيع ما يصاد عليه من الطّير ،كبومة يجعلها شباكا ،وهو :طائر وقال البهوت ّ تخاط عيناه ويربط لينزل عليه الطّير فيصاد ،ولكن يكره ذلك لما فيه من تعذيب الحيوان . وأجمع الفقهاء على أنّه ل يجوز بيع الطّير في الهواء ،سواء كان مملوكا له أو غير مملوك له . أمّا المملوك فلنّه غير مقدور عليه ،ومن شروط صحّة البيع :أن يكون البائع قادرا على تسليم المبيع عند العقد ،وهو متعذّر هنا . وغير المملوك ل يجوز بيعه لعلّتين : إحداهما :العجز عن تسليمه ،والثّانية :أنّه غير مملوك له . ي صلى ال عليه وسلم عن بيع الغرر « ،وقد فسّر بأنّه بيع والصل في هذا » :نهى النّب ّ الطّير في الهواء والسّمك في الماء ،إلّ أنّهم اختلفوا في الطّائر الّذي يألف الرّجوع ،هل يصحّ بيعه في حال ذهابه إلى الرّعي أو غيره أم ل ؟ فذهب الجمهور من الشّافعيّة – وهو المذهب عندهم – والحنابلة إلى أنّه ل يجوز بيعه وإن تعوّد العود إلى محلّه ،لما فيه من الغرر ،ولنّه ل يوثق بعودته لعدم عقله . وذهب إمام الحرمين من الشّافعيّة إلى جواز بيعه ،كالعبد المبعوث في شغل . واتّفق العلماء كذلك على أنّ الطّير إذا كان في مكان مغلق ،ويمكن أخذه منه بل تعب كبرج صغير -جاز بيعه .أمّا إذا لم يمكن أخذه إلّ بتعب ومشقّة ،فذهب الجمهور -وهو مقابل الصحّ عند الشّافعيّة -إلى صحّة بيعه ،كما يصحّ بيع ما يحتاج في نقله إلى مؤنة كبيرة .
ح بيعه لعدم قدرة البائع على تسليمه ،وإلى هذا ذهب والصحّ عند الشّافعيّة أنّه ل يص ّ القاضي من الحنابلة . ح بيع الطّيور الموجودة فيه ،لنّ الطّير إذا قدر وأمّا إذا كان البرج ونحوه مفتوحا فل يص ّ على الطّيران لم يمكن تسليمه .
ب -الصطياد بالطّيور :
3
-ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز الصطياد بكلّ ما يقبل التّعليم ويمكن الصطياد به من
جوارح الطّير ،كالبازي والصّقر والعقاب والشّاهين ونحوها من ذوات المخالب من الطّيور ،وأنّ ما أخذته هذه الجوارح من الصّيد وجرحته وأمسكته وأدركه صاحبها ميّتا أو في حركة المذبوح أو لم يتمكّن من ذبحه حلّ أكله ،لقوله صلى ال عليه وسلم في البازي » :ما أمسك عليك فكل « . ضحّاك والسّدّيّ فقالوا :ل يجوز وخالفهم في ذلك ابن عمر رضي ال عنهما ومجاهد وال ّ جوَارِحِ ُمكَلّبِينَ } الية ،حيث خصّ ن ا ْل َ الصّيد إلّ بالكلب ،لقوله تعالى َ { :ومَا عَّلمْتُم مّ َ الصطياد بالكلب . ثمّ اختلف الفقهاء في شروط تعليم جوارح الطّير وما يكون به . وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح ( :صيد ) .
ج -اصطياد الطّيور وذبحها :
4
ن الطّير إذا كان مقدورا عليه فذكاته بالذّبح ،وتفصيله في -اتّفق الفقهاء على أ ّ
مصطلح ( :ذبائح ف
11
وما بعدها ) .
وإن لم يكن مقدورا عليه فذكاته بعقر مزهق للرّوح في أيّ موضع كان ،وفي صور هذا العقر وما يحلّ منها الطّير أو الصّيد خلف ينظر في مصطلح ( :صيد ) .
التّعريف : 1
ظئْر * ِ
-الظّئر -بهمزة ساكنة ويجوز تخفيفها -المرضعة لغير ولدها ،ويطلق على زوجها
أيضا ،والجمع أظؤر وآظار ،يقال :ظأرت المرأة اتّخذت ولدا ترضعه . ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ . الحضانة :
اللفاظ ذات الصّلة :
2
-الحضانة في اللّغة مصدر حضن ،ومنه حضن الطّائر بيضه إذا ضمّه إلى نفسه تحت
جناحيه ،وحضنت المرأة صبيّها إذا جعلته في حضنها أو ربّته . ي وحفظه وجعله في سريره وربطه ودهنه وما أشبه ذلك . وفي الشّرع تربية الصّب ّ وسمّيت التّربية حضانةً تجوّزا من حضانة الطّير لبيضه وفراخه .
الحكام المتعلّقة بالظّئر :
3
-اتّفق الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -على جواز إجارة الظّئر
ح عَلَ ْي ُكمْ إِذَا ل جُنَا َ ضعُواْ َأ ْولَدَ ُكمْ فَ َ بأجرة معلومة ،لقوله تعالى َ { :وإِنْ أَرَد ّتمْ أَن َتسْتَرْ ِ سَّلمْتُم مّا آتَيْتُم بِا ْل َمعْرُوفِ } فقد نفى سبحانه وتعالى الجناح في السترضاع مطلقا ،ولنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :استرضع لولده إبراهيم « . ن الحا جة تد عو إل يه فإ نّ الطّ فل في العادة إنّ ما يع يش بالرّضاع و قد يتعذّر رضا عه من ول ّ أمّه فجاز ذلك كالجارة في سائر المنافع . 4
-ولعقد الظّئر شروط ذكرها الفقهاء ،وهي :
أ ّولً :العلم بمدّة الرّضاعة ،لنّه ل يمكن تقدير الجرة إلّ به . ي وصغره ،وقال الشّافعيّة ثانيا :معرفة الصّبيّ بالمشاهدة ،لنّ الرّضاع يختلف بكبر الصّب ّ في المعتمد عندهم والقاضي من الحنابلة :يعرف كذلك بالوصف . ثالثا :موضع الرّضاع ،لنّه يختلف ،فيشقّ عليها في بيته ،والرضاع فيه أشدّ وثوقا بتمامه ،ويسهل عليها في بيتها . رابعا :معرفة العوض .
المعقود عليه في إجارة الظّئر :
5
-اختلف الفقهاء في المعقود عليه ،فقال الحنابلة وبعض الحنفيّة :هو المنافع وهي
ن اللّبن عين فل يعقد عليه في خدمة الصّبيّ والقيام به واللّبن تابع كالصّبغ في الثّوب ،ول ّ الجارة . وقال المالكيّة وبعض الحنفيّة :المعقود عليه هو اللّبن والخدمة تابعة ،فلو أرضعته بلبن شاة ل تستحقّ الجر وكما لو خدمته بدون الرّضاع لم تستحقّ شيئا ،وأمّا كونه عينا فإنّ ي ،وهو اختيار شمس الئمّة السّرخسيّ العقد مرخّص فيه في الجارة للضّرورة لحفظ الدم ّ ن العقد يرد على اللّبن لنّه هو المقصود ،وما سوى ذلك من الحنفيّة حيث قال :والصحّ أ ّ من القيام بمصالحه تبع والمعقود عليه هو منفعة الثّدي فمنفعة كلّ عضو على حسب ما يليق به .
وقال الشّافعيّة :تصحّ الجارة لحضانة الولد وإرضاعه معا ،وتصحّ لحدهما ،والصحّ عندهم أنّه ل يستتبع أحدهما الخر في الجارة ،لنّهما منفعتان يجوز إفراد كلّ منهما بالعقد فأشبه سائر المنافع ،ومقابل الصحّ أنّه يستتبع أحدهما الخر للعادة بتلزمهما . والتّفصيل في مصطلح ( :إجارة ف
116
-
117
).
أجرة الظّئر :
6
-يشترط في العوض أن يكون معلوما ،ويجوز أن يشرط الجير أو الظّئر نفقةً معلومةً
موصوفةً كما يوصف في السّلم بالتّفاق . أمّا إذا استأجر الظّئر أو الجير بطعامه وكسوته ،أو جعل له أجرا وشرط له طعامه وكسوته ،فقد اختلفوا فيه : فقال جمهور الفقهاء :المالكيّة وأبو حنيفة وهو رواية عن أحمد بجوازه ،لنّ هذه الجهالة ل تفضي إلى المنازعة ولنّ العادة جرت بالتّوسعة على الظار وعدم المماكسة معهنّ وإعطائهنّ ما يشتهين شفقةً على الولد . وقال أبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة وأحمد في الرّواية الثّانية وأبو ثور وابن المنذر :ل يجوز ،لنّ ذلك يختلف اختلفا متباينا فيكون مجهولً ،والجر من شرطه أن يكون معلوما .وعلى المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدرّ لبنها ويصلح به ،وللمكتري مطالبتها بذلك لنّه من تمام التّمكين من الرّضاع وفي تركه إضرار بالصّبيّ .
فسخ إجارة الظّئر :
7
ي ل يرضع لبنها أو -ذهب الفقهاء في الجملة إلى فسخ إجارة الظّئر إذا كان الصّب ّ
ن كلّ ذلك يقذفه ،أو يتقيّؤه أو تكون الظّئر سارق ًة أو فاجر ًة أو أراد أهل الرّضيع السّفر ،ل ّ ن المقصود ل يحصل متى كانت هذه الحالة ، ن الصّبيّ يتضرّر بلبنها ،ول ّ أعذار ،ول ّ ي أو الظّئر أو انقطع اللّبن . وكذلك تفسخ الجارة إذا مرضت أو مات الصّب ّ وإن صامت الظّئر فتغيّر لبنها بالصّوم أو نقص خيّر المستأجر بين فسخ الجارة وإمضائها ،وإن قصدت الظّئر الضرار بالرّضيع بصومها أثمت وكان للحاكم إلزامها بالفطر بطلب المستأجر . وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :إجارة ف
التّعريف : 1
116
-
119
).
ظَاهِر *
-الظّاهر فاعل من الظّهور ،ومن معانيه :الوضوح والنكشاف .
يقال :ظهر الشّيء ظهورا :برز بعد الخفاء ،ومنه قيل :ظهر لي رأي :إذا علمت ما لم تكن علمته . وفي الصطلح :الظّاهر اسم لكلم ظهر المراد به للسّامع بصيغته ،ول يحتاج إلى الطّلب والتّأمّل ،بشرط أن يكون السّامع من أهل اللّسان ،مثل قوله تعالى { :فَان ِكحُواْ مَا طَابَ َلكُم مّنَ ال ّنسَاء } فإنّه ظاهر في الطلق . حلّ الّلهُ الْبَ ْيعَ } وهذا ظاهر في إحلل البيع . وقوله سبحانه وتعالى َ { :وَأ َ العرفيم ،ويحتممل غيره احتمالً ّ وقيمل :الظّاهمر مما د ّل على معنىً بالوضمع الصمليّ أو مرجوحا ،كال سد في ن حو قولك :رأ يت اليوم ال سد ،فإنّه را جح في الحيوان المفترس ، الحقيقيم المتبادر إلى ّ مجازيم ،والوّل ّ محتممل ومرجوح فمي الرّجمل الشّجاع ،لنّه معنىً الذّهن . واشترط بعض الصوليّين في الظّاهر أن ل يكون معناه مقصودا بالسّوق أصلً فرقا بينه ص ،ورجّح بعضهم عدم هذا الشتراط . وبين النّ ّ أ -الخفيّ : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الخفيّ مقابل الظّاهر ،وهو :ما خفي المراد منه بعارض في غير الصّيغة ،ل ينال إلّ
بالطّلب والتّأمّل ،كآية السّرقة بالنّسبة للطّرّار والنّبّاش . ب -النّصّ : 3
ص هو :اللّفظ الدّالّ في محلّ النّطق يفيد معنىً ل يحتمل غيره ،كزيد فإنّه مفيد -النّ ّ
للذّات المشخّصة ،من غير احتمال لغيرها . والنّصّ هو :ما زاد وضوحا على الظّاهر بمعنىً من المتكلّم ،ل في نفس الصّيغة ،ومثاله ث وَرُبَاعَ } فإنّ هذا ظاهر في ن ال ّنسَاء مَثْنَى وَثُلَ َ قوله تعالى { :فَان ِكحُواْ مَا طَابَ َلكُم مّ َ ص في بيان العدد ،لنّه سيق الكلم للعدد وقصد به ،فازداد ظهورا على الطلق ،ن ّ الوّل. ج -المفسّر : 4
-المفسّر هو :المكشوف معناه الّذي وضع الكلم له ،وازداد وضوحا على النّصّ ،
سجَدَ ا ْلمَلئِ َكةُ على وجه ل يبقى معه احتمال التّأويل والتّخصيص ،مثل قوله تعالى َ { :ف َ ج َمعُونَ } فالملئكة اسم ظاهر عامّ ،ولكن يحتمل الخصوص ،فلمّا فسّره بقوله : كُّلهُمْ َأ ْ { كُّل ُهمْ } انقطع هذا الحتمال ،لكنّه بقي احتمال الجمع والتّفرّق ،فانقطع احتمال تأويل جمَعُونَ } . التّفرقة بقوله َ { :أ ْ
د -المحكم : 5
-المحكم هو :ما أحكم المراد به عن احتمال النّسخ والتّبديل ،مأخوذ من قولهم :بناء
ن ُأمّ حكَمَاتٌ هُ ّ ت ّم ْ محكم ،أي متقن مأمون النتقاض ،يقول اللّه تعالى { :مِ ْنهُ آيَا ٌ علِيمٌ } وكذا سائر آيات التّوحيد يءٍ َ ا ْلكِتَابِ } .ومثال المحكم قوله تعالى { :وَ ُهوَ ِب ُكلّ شَ ْ والصّفات ،فإنّها ل تحتمل النّسخ أبدا .
العلقة بين هذه اللفاظ :
6
-للعلماء في بيان العلقة بين هذه اللفاظ اتّجاهان :
التّجاه الوّل :ذهب المتقدّمون إلى أنّ المعتبر في الظّاهر ظهور المراد منه ،سواء أكان ص كونه مسوقا للمراد ،سواء احتمل التّخصيص والتّأويل أم ل ، مسوقا له أم ل ،وفي النّ ّ وفي المفسّر عدم احتمال التّخصيص والتّأويل ،سواء احتمل النّسخ أم ل ،وفي المحكم عدم احتمال شيء من ذلك . وعلى ذلك فهذه الربعة القسام متمايزة بحسب المفهوم ،متداخلة بحسب الوجود . ن هذه اللفاظ أقسام متباينة ، التّجاه الثّاني :ذهب المتأخّرون من علماء الصول إلى أ ّ وأنّه يشترط في الظّاهر عدم كونه مسوقا للمعنى الّذي يجعل ظاهرا فيه ،وفي النّصّ احتمال التّخصيص أو التّأويل ،وفي المفسّر احتمال النّسخ .
الحكم الجماليّ :
7
-حكم الظّاهر هو وجوب العمل بالّذي ظهر منه على سبيل القطع واليقين حتّى صحّ
إثبات الحدود والكفّارات بالظّاهر ،لنّه واضح المراد بالصّيغة ،غايته أنّه محتمل للمجاز ، وهذا احتمال مرجوح غير ناشئ من دليل ،فل يعتبر . ص أو المفسّر أو المحكم يترك العمل بالظّاهر ،ويؤخذ بما لكن إذا تعارض الظّاهر مع النّ ّ هو أقوى وأوضح منه ،يقول التّفتازانيّ :الكلّ يوجب الحكم ،أي يثبته قطعا ويقينا ،إلّ ص على الظّاهر ،والمفسّر عليهما ،والمحكم أنّه يظهر التّفاوت عند التّعارض ،فيقدّم النّ ّ ن العمل بالوضح والقوى أولى وأحرى . على الكلّ ،ل ّ وتفصيل الموضوع في الملحق الصوليّ .
انظر :أطعمة .
انظر :أظفار .
ظبْي * َ ظفُر * ُ
ظَ َف ٌر بالحقّ *
التّعريف : 1
-الظّفر بفتح الظّاء في اللّغة الفوز بالمطلوب ،وقال اللّيث :الظّفر الفوز بما طلبت
والفلح على من خاصمت ،فيكون معنى الظّفر بالحقّ في اللّغة فوز النسان بحقّ له على غيره ،قال في المصباح :ويقال لمن أخذ حقّه من غريمه فاز بما أخذ ،أي سلّم له ص به . واخت ّ ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الستيفاء : 2
-الستيفاء مصدر استوفى ،وهو أخذ المستحقّ حقّه كاملً .
وقد يكون برضى من عليه الحقّ ،وقد يكون بغير رضاه ،كما قد يكون بنا ًء على حكم ق. ي ،وقد يكون من غير قضاء ،فهو أعمّ من الظّفر بالح ّ قضائ ّ ب -الستيلء : 3
-الستيلء لغةً وضع اليد على الشّيء والغلبة عليه والتّمكّن منه .
ول يخرج في الصطلح عن هذا المعنى . ويختلف عن الظّفر بالحقّ من حيث إنّه يختصّ بالعيان المادّيّة ،والظّفر يقع على الحقوق، سواء أكان محلّها عينا أم ل ،كما يختلف عنه أيضا من حيث إنّه قد يكون بحقّ ،وقد ل يكون بحقّ ،بينما الظّفر ل يكون إلّ بحقّ .
الحكم التّكليفيّ :
ق عند الفقهاء باختلف الحقوق ،فيحرم في بعضها ،ويجوز في يختلف حكم الظّفر بالح ّ بعضها ،واختلفوا في بعضها .
أوّلً :ما يحرم فيه الظّفر :
ذهب الفقهاء إلى تحريم الظّفر بالحقّ -من حيث الجملة -في المواضع التّالية :
أ -تحصيل العقوبات :
4
ن الصل في استيفاء العقوبات من قصاص وحدود وتعزير -ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
ن هذه المور عظيمة الخطر ،حيث إنّها توقع على النّفس ، أن يكون عن طريق القضاء ل ّ والفائت فيها ل يستدرك ،فوجب الحتياط في إثباتها واستيفائها ،وذلك ل يتحقّق إلّ بالرّفع إلى الحاكم ،لينظر فيها وفي أسبابها وشروطها ،والحتياط فيها ل يقدر عليه صاحب
الحقّ ،الّذي ينقاد في الغالب لعاطفته ،ثمّ إنّه ليس لديه من الوسائل اللزمة للتّحرّي ما يقدر عليه القاضي بما وضع تحت يديه ممّا يمكنه من تقصّي الواقع وكشف الحقائق ، ولنّه لو جعل للنّاس استيفاء ما لهم من عقوبات لكان في ذلك ذريعة إلى تعدّي بعض النّاس على بعض ،ثمّ ادّعاؤهم بعد ذلك أنّهم يستوفون حقوقهم ،فيكون هذا سببا في تحريك الفتنة ،ولنّ كثيرا من العقوبات ل ينضبط إلّ بحضرة المام ،سواء في شدّة إيلمها كالجلد ،أو في قدرها كالتّعزير . واستثنى فقهاء الشّافعيّة ممّا تقدّم حالة عجز صاحب الحقّ في العقوبة عن تحصيلها بواسطة الحاكم ،بسبب البعد عنه ،فأجازوا لمن وجب له تعزير أو حدّ قذف أو قصاص ن الحقّ يحتمل وكان في بادية بعيدة عن السّلطان أن يستوفي ذلك بنفسه ،للضّرورة ،ل ّ ي عن العزّ بن عبد السّلم ضياعه إذا لم يستوفه صاحبه في مثل هذه الحالة ،ونقل الشّروان ّ أنّه لو انفرد -أي بالقود -بحيث ل يرى ،فينبغي أن ل يمنع منه ،ول سيّما إذا عجز عن إثباته . وكذلك قال بعض الفقهاء :يجوز للمشتوم أن يردّ على الشّاتم بمثل قوله ،والفضل له أن ل يفعل ،ولكن ليس له أن يردّ عليه بما هو معصية ،لنّ المعصية ل تقابل بمثلها ،وإلى مثل هذا ذهب القرطبيّ في تفسير قوله تعالى َ { :فمَنِ اعْتَدَى عَلَ ْي ُكمْ فَاعْتَدُو ْا عَلَ ْيهِ ِبمِ ْث ِل مَا اعْتَدَى عَلَ ْي ُكمْ } . سهُ } أي : حيث قال :العتداء هو التّجاوز ،قال تعالى َ { :ومَن يَ َتعَدّ حُدُودَ الّلهِ َفقَدْ ظَ َلمَ َن ْف َ يتجاوز ،ومن ظلمك فخذ حقّك منه بقدر مظلمتك ،ومن شتمك فردّ عليه مثل قوله ،ول تتعدّ إلى أبويه ،ول إلى ابنه أو قريبه ،وليس لك أن تكذب عليه وإن كذب عليك ،فإنّ المعصية ل تقابل بالمعصية . ق أن يضرب من ضربه ،ولو فعل يعزّر ولكن قال ابن نجيم :ل يجوز لمن ضرب بغير ح ّ الثنان ،ويبدأ بإقامة التّعزير على البادئ ،لنّه أظلم ،والوجوب عليه أسبق .
ب -تحصيل الحقوق المتعلّقة بالنّكاح :
5
-ذهب الفقهاء إلى عدم جواز استيفاء الحقوق المتعلّقة بالنّكاح واللّعان واليلء والطّلق
ن هذه أمور خطيرة ،فيجب الحتياط في بالعسار والضرار من غير طريق القضاء ،ل ّ إثباتها وتحصيلها ،ولنّها تحتاج إلى الجتهاد والتّحرّي في تحقيق أسبابها ،وكلّ ذلك يختصّ به الحاكم .
ج -ما يؤدّي تحصيله من الحقوق إلى فتنة :
6
-ذهب الفقهاء إلى أنّه ل يجوز استيفاء الحقّ من غير قضاء إذا ترتّب على ذلك فتنة أو
ق ،كفساد عضو أو عرض أو نحو ذلك ،ونصّ مفسدة تزيد على مفسدة ضياع الح ّ المالكيّة على أنّ من ظفر بالعين المغصوبة أو المشتراة أو الموروثة وخاف من أخذها بنفسه أن ينسب إلى السّرقة فل يأخذها إلّ بعد الرّفع للحاكم . ق من غير رفع إلى الحاكم إذا ترتّب عليه وقال بعض فقهاء الشّافعيّة :إنّه ل يجوز أخذ الح ّ إرعاب المسلم وترويعه ،فل يجوز لمستحقّ العين أخذها إذا كانت مودعةً عند آخر ،لما ن ضياع الوديعة . في ذلك من ترويع المودع عنده بظ ّ
د -تحصيل الدّين المبذول :
7
-ذهب الفقهاء إلى أنّه ل يجوز تحصيل الدّيون بغير قضاء إذا كان من عليه الحقّ باذلً
له غير ممتنع عن أدائه ، ،وسيأتي تفصيل ذلك .
ثانيا :ما يشرع فيه الظّفر بالحقّ :
ذهب الفقهاء إلى أنّه يشرع الظّفر بالحقّ ،ول يشترط الرّفع إلى القضاء في المواضع التّالية :
أ -تحصيل العيان المستحقّة :
8
-يجوز تحصيل العيان المستحقّة بغير قضاء ،كالعين المغصوبة ،حيث أجاز الفقهاء
استردادها من الغاصب قهرا ،ومثل ذلك كلّ عين مستحقّة بأيّ سبب من أسباب الستحقاق، ق أخذها دون قضاء ،فمن وجد عين سلعته الّتي اشتراها أو ورثها أو أوصى بها فللمستح ّ له فله أخذها ول يشترط الرّفع إلى الحاكم . وذكر بعض الحنفيّة أنّ المستأجر لو غاب بعد السّنة ولم يسلّم المفتاح إلى المؤجّر ،فله أن يتّخذ مفتاحا آخر ويفتح العين المؤجّرة ويسكن فيها أو يؤجّرها لمن يشاء ،وأمّا المتاع فيرحّله في ناحية إلى حين حضور صاحبه ،ول يتوقّف الفتح على إذن القاضي . كما ذكر فقهاء الشّافعيّة أنّ للشّخص تحصيل منافعه المستحقّة بغير إذن الحاكم ،فجعلوا للمستأجر والموقوف عليه والموصى له بالمنفعة أخذ العيان الّتي تعلّقت منافعهم بها من أجل تحصيل هذه المنافع ،ول يشترط في ذلك دعوى ول قضاء . ويشترط في تحصيل العيان المستحقّة بغير قضاء أن ل يؤدّي ذلك إلى تحريك فتنة أو مفسدة أعظم من مفسدة ضياع الحقّ ،وأضاف بعض فقهاء الشّافعيّة شرطا آخر لذلك ، ق لشخص آخر ،وذلك كأن يشتري شخص وهو أن ل يكون قد تعلّق بالعين المستحقّة ح ّ عينا من آخر كان قد أجّرها أو رهنها فليس له بناءً على هذا الشّرط أن يأخذها قهرا ، ق غير البائع بها . لتعلّق ح ّ
ولكنّ بعضهم لم يشترط هذا الشّرط ،فأجاز أخذها ،وإن تعلّق بها حقّ لشخص آخر .
ب -تحصيل نفقة الزّوجة والولد :
9
-يجوز للزّوجة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها ويكفي أولدها منه من غير إذنه ول
إذن الحاكم ،وذلك لما ورد عن عائشة رضي ال عنها أنّها قالت » :دخلت هند بنت عتبة ن أبا امرأة أبي سفيان على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقالت :يا رسول اللّه ،إ ّ ي إلّ ما أخذت من ماله بغير سفيان رجل شحيح ل يعطيني من النّفقة ما يكفيني ويكفي بن ّ علمه ،فهل عليّ في ذلك جناح ؟ فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك « فجعل لها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم الحقّ في أخذ نفقتها ونفقة ولدها من مال زوجها .
ثالثا :ما اختلف الفقهاء في جواز الظّفر به من الحقوق :
10
-اختلف الفقهاء في الظّفر بالحقوق المترتّبة في ال ّذمّة :فمنهم من أجاز ذلك ومنهم
من منعه . فأجاز الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة تحصيل الحقوق بغير دعوى ول حكم في حالت معيّنة وبشروط خاصّة . أمّا الحنابلة فالصل عندهم اشتراط إذن الحاكم في كلّ مرّة يريد صاحب الحقّ أن يستوفي حقّه بغير إذن المدين ،ولهم على هذا الصل استثناءات . وفيما يلي تفصيل ذلك :
مذهب الحنفيّة :
11
-ذهب فقهاء الحنفيّة إلى أنّ من كان له دين على آخر ،ولم يوفه إيّاه برضاه ،فله أن
يأخذ مقدار دينه من مال الغريم بشرط أن يكون هذا المال من جنس حقّه ،وأن يكون بنفس صفته ،ول يجوز لصاحب الدّين أن يأخذ من دراهم غريمه بقدر حقّه إن كان حقّه دنانير ، ول أن يأخذ عينا من أعيان غريمه ،ول أن يستوفي منفعةً من منافعه مقابل تلك الدّنانير الّتي له ،وكذلك ليس له أن يأخذ الصّحيح مقابل المنكسر ،بل يأخذ مثل ماله من حيث الصّفة أيضا . ويروى عن أبي بكر الرّازيّ من الحنفيّة أنّه رأى جواز أخذ الدّراهم بالدّنانير استحسانا . ق أن يأخذ جنس حقّه من المدين مقرّا كان أو منكرا ،وسواء وظاهر قولهم أنّ لصاحب الح ّ أكان للدّائن بيّنة أم لم يكن ،كما يجوز له أن يتوصّل إليه ليأخذه بنحو كسر الباب وثقب الجدار ،بشرط أن ل تكون هناك وسيلة غير ذلك ،وأن ل يمكن تحصيل الحقّ بواسطة القضاء .
قال ابن نجيم :إذا ظفر بمال مديون مديونه والجنس واحد فيهما ينبغي أنّه يجوز أن يأخذ منه مقدار حقّه . ثمّ إذا أخذ الدّائن من مال مدينه من غير جنس حقّه ،وبغير إذنه وبغير قضاء ،فتلف في يده ،فإنّه يضمن ما أخذ ضمان الرّهن .
مذهب المالكيّة :
12
-ذهب المالكيّة إلى أنّ من كان له حقّ على غيره ،وكان ممتنعا عن أدائه ،فله أن
يأخذ من مال المدين قدر حقّه ،إذا كان هذا المال من جنس حقّ الدّائن ،وكذا من غير جنسه ،على المشهور من مذهب مالك . ن صاحب الحقّ ليس له أن يأخذ من مال الغريم وهناك أقوال أخرى في المذهب ،منها :أ ّ ن له أن يأخذ مقدار حقّه من مال غريمه من الجنس أو غيره ، غير جنس حقّه ،ومنها :أ ّ بشرط أن ل يكون المال المأخوذ وديعةً عند الخذ ،لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم : » أدّ المانة إلى من ائتمنك ول تخن من خانك « . وقد ذكر في منح الجليل أنّ هذا القول ضعيف غير معتمد ،وأنّ المعتمد جواز أخذ الحقّ من الوديعة . ق من مال الغريم بغير إذن القاضي يشترط له أن ل يقدر وقال المالكيّة :إنّ جواز أخذ الح ّ ق على أخذ حقّه بطريق الشّرع الظّاهر ،وذلك بأن ل يكون معه بيّنة ،وأن صاحب الح ّ يكون الّذي عليه الحقّ منكرا . ق بدون رفع إلى القاضي مقيّد بأن يكون ن جواز أخذ الح ّ وأضاف صاحب تهذيب الفروق :إ ّ الحقّ مجمعا على ثبوته ،وأن يتعيّن فيه بحيث ل يحتاج إلى الجتهاد والتّحرير في تحقيق سببه ومقدار مسبّبه ،وأن ل يؤدّي أخذه إلى فتنة وشحناء ،وأن ل يؤدّي إلى فساد عرض أو عضو . واستدلّ المالكيّة على المعتمد من مذهبهم بما يلي : علَ ْيكُمْ } ول شكّ ن اعْتَدَى عَلَ ْي ُكمْ فَاعْتَدُواْ عَلَ ْي ِه ِبمِ ْثلِ مَا اعْتَدَى َ أ -قول اللّه تعالى َ { :فمَ ِ في أنّ من كان عليه حقّ فأنكره وامتنع عن بذله فقد اعتدى ،فيجوز أخذ الحقّ من ماله بغير إذنه وبغير حكم القضاء ،فإنّ الشّارع قد أذن بذلك . ب -حديث هند زوجة أبي سفيان ،حيث أجاز لها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أخذ ما يكفيها ويكفي بنيها بالمعروف من غير إذن زوجها ،وبدون رفع إلى الحاكم ،وقالوا :إنّ ق أن يأخذ حقّه من غريمه بغير هذا منه عليه الصلة والسلم تشريع عامّ يجيز لكلّ ذي ح ّ
إذن الحاكم إذا امتنع من عليه الحقّ من أدائه ،لنّه عليه الصلة والسلم قال ما قاله لهند على سبيل الفتيا والتّشريع ،وليس على سبيل القضاء . ن أخذ ج -قول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :انصر أخاك ظالما أو مظلوما « ،وإ ّ الحقّ من الظّالم نصر له .
مذهب الشّافعيّة :
13
-ذهب الشّافعيّة :إلى أنّ ما يستحقّه الشّخص على غيره إمّا أن يكون عينا وإمّا أن
يكون دينا ،والدّين إمّا أن يكون على غير ممتنع من الداء أو ل ،وكذلك إمّا أن يكون الدّين على منكر أو على مقرّ ،وإمّا أن تكون مع الدّائن بيّنة أو ل ،وفي ذلك تفصيل على النّحو التّالي :
أوّلً :إذا كان المستحقّ عينا :
14
-قال الشّافعيّة إذا استحقّ شخص عينا تحت يد عادية فله أو وليّه -إن لم يكن كامل
الهليّة -أخذ العين المستحقّة بل رفع للقاضي وبل علم من هي تحت يده للضّرورة إن لم يخف من أخذها فتنةً أو ضررا ،وإلّ رفع المر إلى قاض أو نحوه ممّن له إلزام الحقوق ق ل يتخلّص إلّ عنده . كمحتسب وأمير ل سيّما إن علم أنّ الح ّ
ثانيا :إذا كان المستحقّ دينا على غير ممتنع من الداء :
15
-قال الشّافعيّة :إذا كان المستحقّ دينا حالً على غير ممتنع من الداء طالبه به ليؤدّي
ما عليه ول يحلّ أخذ شيء للمدين لنّه مخيّر في الدّفع من أيّ مال شاء فليس للمستحقّ أخذ مال معيّن له جبرا عنه ،فإن أخذه لم يملكه ولزمه ردّه ،فإن تلف عنده ضمنه .
ثالثا :إذا كان المستحقّ على منكر ول بيّنة :
16
-ذهب الشّافعيّة إلى أنّ من استحقّ دينا على منكر له ول بيّنة للمستحقّ للدّين فإنّه
يجوز له أخذ جنس حقّه من مال المدين أو من مال من عليه الحقّ إن ظفر به استقللً ، لعجزه عن أخذه إلّ بهذه الطّريقة ،وكذلك يجوز أخذ غير جنسه إن فقد جنس حقّه على المذهب وذلك للضّرورة ،وفي قول يمتنع ،لنّه ل يتمكّن من تملّكه .
رابعا :إذا كان المستحقّ على مقرّ ممتنع أو على منكر وله عليه بيّنة :
17
-قال الشّافعيّة :إن كان المستحقّ دينا على مقرّ ممتنع من الداء أو على منكر وللدّائن
عليه بيّنة فإنّه يجوز له أن يأخذ حقّه استقللً من جنس ذلك الدّين إن وجده ومن غيره إن فقده على الصحّ في الصّورتين . وقيل يرفع المر فيهما إلى قاض كما لو أمكنه تخليص الحقّ بالمطالبة والتّقاضي .
خامسا :إذا كان المستحقّ دينا للّه تعالى :
18
-قال الشّافعيّة :إن كان المستحقّ دينا للّه تعالى كالزّكاة إذا امتنع المالك من أدائها
وظفر المستحقّ بجنسها من مال المالك فليس له الخذ .
سادسا :كسر الباب ونحوه للوصول إلى المستحقّ :
19
-قال الشّافعيّة :إذا جاز للمستحقّ الخذ من غير رفع لقاض فله حينئذ كسر باب ونقب
ق شيئا استحقّ الوصول إليه ول يضمن ن من استح ّ جدار ل يصل إلى المستحقّ إ ّل به ،ل ّ ما فوّته كمن لم يقدر على دفع الصّائل إلّ بإتلف ماله فأتلفه ل يضمن ،وأضافوا :محلّ ق المرتهن به وألّ يكون محجوزا عليه ذلك إذا كان الحرز للدّين ،وغير مرهون ،لتعلّق ح ّ ق الغير ،وقيّد بعضهم جواز الكسر ونحوه بأن ل يوكّل غيره فإن بفلس ،وألّ يتعلّق به ح ّ فعل ضمن .
سابعا :تملّك ما يظفر به صاحب الحقّ :
20
ق ظفرا بحقّه إن كان من جنس الحقّ يتملّكه -ذهب الشّافعيّة :إلى أنّ ما يأخذه المستح ّ
بدلً عن حقّه ،أمّا المأخوذ من غير جنس الحقّ أو أعلى من صفته فإنّه يبيعه للحاجة ، وقيل يجب رفعه إلى قاض يبيعه ،لنّه ل يتصرّف في مال غيره لنفسه ،وقالوا :المأخوذ مضمون عليه في الصحّ إن تلف قبل تملّكه وبيعه . ق فوق حقّه إن أمكنه القتصار على قدر حقّه لحصول وقال الشّافعيّة :ل يأخذ المستح ّ المقصود به فإن أخذه ضمن الزّائد ،لتعدّيه بأخذه ،وإن لم يمكنه بأن لم يظفر إ ّل بما تزيد قيمته على حقّه أخذه ول يضمن الزّيادة ،ثمّ إن تعذّر بيع قدر حقّه فقط باع الجميع وأخذ من ثمنه قدر حقّه ور ّد ما زاد عليه على غريمه ،وإن لم يتعذّر باع منه بقدر حقّه ور ّد ما زاد .
ثامنا :الظّفر بمال غريم الغريم :
21
-قال الشّافعيّة :للمستحقّ أخذ مال غريم غريمه بشروط هي :
ق الغريم ألّ يظفر بمال الغريم ،وأن يكون غريم الغريم جاحدا أو ممتنعا ،وأن يعلم المستح ّ أنّه أخذ حقّه من مال غريمه ،وأن يعلم غريم الغريم .
مذهب الحنابلة :
22
-ذهب الحنابلة -كما قال ابن قدامة -إلى أنّه إذا كان لرجل على غيره حقّ وهو مقرّ
به باذل له لم يكن له أن يأخذ من ماله إ ّل ما يعطيه ،فإن أخذ من ماله شيئا بغير إذنه لزمه ردّه إليه وإن كان قدر حقّه ،لنّه ل يجوز أن يملك عليه عينا من أعيان ماله بغير اختياره لغير ضرورة ،وإن كانت من جنس حقّه ،لنّه قد يكون للنسان غرض في
العين ،فإن أتلفها أو تلفت فصارت دينا في ذمّته وكان الثّابت في ذمّته من جنس حقّه تقاصّا في قياس المذهب ،وإن كان مانعا له لمر يبيح المنع كالتّأجيل والعسار لم يجز أخذ شيء من ماله ،وإن أخذ شيئا لزمه ردّه إن كان باقيا أو عوضه إن كان تالفا ،ول ن الدّين الّذي له ل يستحقّ أخذه في الحال ،وإن كان مانعا له بغير يحصل التّقاصّ هاهنا ل ّ حقّ وقدر على استخلصه بالحاكم أو السّلطان لم يجز له الخذ أيضا بغيره ،لنّه قدر على استيفاء حقّه بمن يقوم مقامه ،فأشبه ما لو قدر على استيفائه من وكيله وإن لم يقدر على ذلك لكونه جاحدا له ول بيّنة له به ،أو لكونه ل يجيبه إلى المحاكمة ول يمكنه إجباره على ذلك ،أو نحو هذا ،فالمشهور في المذهب أنّه ليس له أخذ قدر حقّه ،وقال ابن عقيل : جعل أصحابنا المحدّثون لجواز الخذ وجها في المذهب من حديث هند حين قال لها النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
» خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف « .
وقال أبو الخطّاب :ويتخرّج لنا جواز الخذ فإن كان المقدور عليه من جنس حقّه أخذ بقدره وإن كان من غير جنسه تحرّى واجتهد في تقويمه . قال ابن قدامة :ولنا قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :أدّ المانة إلى من ائتمنك ول تخن من خانك « ومتى أخذ منه قدر حقّه من ماله بغير علمه فقد خانه فيدخل في عموم الخبر ، وقال صلى ال عليه وسلم » :ل يحلّ مال امرئ مسلم إلّ عن طيب نفس منه « . ولنّه إن أخذ من غير جنس حقّه كان معاوضةً بغير تراض ،وإن أخذ من جنس حقّه فليس له تعيين الحقّ بغير رضا صاحبه ،فإنّ التّعيين إليه . وأباح أحمد :في رواية عنه أخذ الضّيف من مال من نزل به ولم يقرّه بقدر قراه ،لظهور سبب الخذ ،ومتى ظهر السّبب لم ينسب الخذ إلى الخيانة ،لما ورد عن عقبة بن عامر رضي ال عنه أنّه قال :قلنا يا رسول اللّه إنّك تبعثنا فننزل بقوم فل يقروننا ،فما ترى ؟ فقال لنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضّيف فاقبلوا ،فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حقّ الضّيف الّذي ينبغي لهم « . وقال طائفة من الحنابلة :إذا ظهر السّبب لم يجز الخذ بغير إذن لمكان البيّنة عليه ، بخلف ما إذا خفي عليه فإنّه يتعذّر وصول حقّه إليه حينئذ بدون الخذ خفيةً .
التّعريف : 1
ظلّ * ِ
ضحّ -الشّمس أو ضوءها ، -قال الفيّوميّ :كلّ ما كانت ظلّ في اللّغة :نقيض ال ّ -ال ّ
ظلّ ضوء شعاع عليه الشّمس فزالت عنه فهو ظ ّل ،مثله ما في اللّسان ،وقال بعضهم :ال ّ الشّمس إذا استترت عنك بحاجز .
ي :الظّ ّل أصله السّتر ،ومنه :أنا في ظلّ فلن ،وظلّ اللّيل وفي الصطلح ،قال الشّربين ّ :سواده ،وهو يشمل ما قبل الزّوال وما بعده ،ومثله ما ذكره ابن عابدين .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الفيء : 2
ظلّ من الزّوال إلى الغروب ،ويقال للفيء التّبع ، -الفيء :هو الرّجوع .ويطلق على ال ّ
لنّه يتبع الشّمس . ن كلّ ما كانت عليه الشّمس فزالت عنه فهو ظلّ ظلّ والفيء :بأ ّ ويفرّق بعضهم بين ال ّ وفيء ،وما لم يكن عليه الشّمس فهو ظلّ ،وهذا قريب ممّا ذكره أبو هلل العسكريّ في ظلّ يكون ليلً ونهارا ،ول يكون الفيء إلّ بالنّهار . الفروق :بأنّ ال ّ ظلّ بالغداة ،والفيء بالعشيّ . وقيل :ال ّ ص بما ظلّ :يشمل ما قبل الزّوال وما بعده ،والفيء :مخت ّ ن ال ّ ويفرّق الفقهاء بينهما بأ ّ بعده . ب -الزّوال : 3
-الزّوال لغ ًة :التّنحية ،وفي الصطلح الفقه يّ :هو ميل الشّمس عن كبد ال سّماء أي
ظلّ في الزّيادة فالشّ مس قد ظلّ من النتقاص ،وإذا أ خذ ال ّ و سطها ،ويعرف ب عد توقّف ال ّ ظلّ والفيء . زالت ،وعلى هذا فالزّوال سبب لطول ال ّ
الحكم الجماليّ : ظلّ وأوقات الصّلة : أوّلً :ال ّ
4
-ل خلف بين الفقهاء في أنّ وقت صلة الظّهر يدخل بزوال الشّمس ،واختلفوا في
آخر وقت الظّهر وأوّل وقت العصر : ن آخر وقت الظّهر هو بلوغ ظلّ كلّ شيء مثله غير ظلّ الزّوال ، فقال جمهور الفقهاء :إ ّ وهذا هو أوّل وقت العصر أيضا . ن آخر وقت الظّهر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثليه ،سوى ظلّ والمشهور عن أبي حنيفة أ ّ ظلّ عنده . الزّوال ،كما أنّ وقت العصر يدخل بهذا المقدار من ال ّ وتفصيل الموضوع في مصطلح ( :أوقات الصّلة ف . ) 9 ، 8
ظلّ : ثانيا :التّبوّل والتّخلّي في ال ّ
5
-اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز التّبوّل والتّخلّي في ظلّ ينتفع به النّاس ،وذلك لما
روى معاذ رضي ال عنه قال قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :اتّقوا الملعن ظلّ « . الثّلث :البراز في الموارد ،وقارعة الطّريق ،وال ّ
وفي حديث آخر قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :اتّقوا الّلعّانين ،قالوا وما الّلعّنان يا رسول اللّه ؟ قال :الّذي يتخلّى في طريق النّاس أو في ظلّهم « . ي التّحريم حيث قال :والظّاهر ن النّهي للكراهة واستظهر الدّسوق ّ والظّاهر من كلم الفقهاء أ ّ ظلّ وما ألحق به حرام . أنّ قضاء الحاجة في المورد والطّريق وال ّ ي من كلم النّوويّ في المجموع من أنّه ينبغي حرمته للخبار ومثله ما نقله الشّربين ّ الصّحيحة ،وليذاء المسلمين . ظلّ في الصّيف محلّ الجتماع في الشّمس في الشّتاء ،كما صرّح به الفقهاء . ويلحق بال ّ قال ابن عابدين :وينبغي تقييده بما إذا لم يكن محلً للجتماع على محرّم أو مكروه .
ثالثا :استظلل المحرم :
6
-ل خلف بين الفقهاء في جواز استظلل المحرم بما ل يلمس الوجه ،كبناء من حائط
وسقف وقبو وخيمة ونحوها كالمحمل فيجوز الستظلل بظلّه الخارج ،كما يستظلّ بالحائط، ناز ًل أو سائرا ،سواء بجانبه أو تحته عند الجمهور . وجواز الستظلل بما إذا كان ما يتظلّل به ثابتا في أصل تابع له متّفق عليه بين الفقهاء ، ودليل الجواز هو ما ورد في حديث جابر رضي ال عنه حيث قال في حديث حجّة النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :وأمر بقبّة من شعر فضربت له بنمرة ،حتّى أتى عرفة فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ،حتّى إذا زاغت الشّمس . « . . أمّا إذا لم يكن المظلّ ثابتا في أصل يتبعه ففيه خلف وتفصيل ينظر في مصطلح : ( إحرام ف
63
).
ظلّ : ضحّ وال ّ رابعا :الجلوس بين ال ّ
7
ي صلى ال عليه وسلم نهى » :أن ظلّ ،لحديث أنّ النّب ّ ضحّ وال ّ -يكره الجلوس بين ال ّ
ظلّ وقال :مجلس الشّيطان « . ضحّ وال ّ يجلس بين ال ّ ظلّ والشّمس ؟ قال :هذا مكروه ، وقال ابن منصور لبي عبد اللّه :يكره الجلوس بين ال ّ ي صلى ال عليه ح النّهي فيه عن النّب ّ أليس قد نهي عن ذا ؟ قال إسحاق بن راهويه :ص ّ وسلم . قال سعيد :حدّثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال » :رأى ظلّ « . رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أبي في الشّمس فأمره أن يتحوّل إلى ال ّ وفي رواية عن قيس عن أبيه » :أنّه جاء ورسول اللّه صلى ال عليه وسلم يخطب ،فقام ظلّ « . في الشّمس ،فأمر به فحوّل إلى ال ّ
ظلْم * ُ
التّعريف : 1
-أصل الظّلم في اللّغة :وضع الشّيء في غير موضعه ،والجور ومجاوزة الحدّ والميل
عن القصد ،ثمّ كثر استعماله حتّى سمّي كلّ عسف ظلما . ول يخرج في الصطلح عن معناه اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -البغي : 2
-من معاني البغي في اللّغة :الظّلم والفساد والستطالة على النّاس .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ في الجملة عن المعنى اللّغويّ . ب -الكراه : 3
ض ّم -بمعنى القهر ،أو من الكَره -بالفتح -بمعنى -الكراه لغةً :من الكُره -بال ّ
المشقّة ،وأكرهته على المر إكراها :حملته عليه قهرا . وعرّفه الفقهاء :بأنّه فعل يفعله المرء بغيره فينتفي به رضاه أو يفسد به اختياره . انظر مصطلح ( :إكراه ف
98
).
ن الكراه يكون صور ًة من صور الظّلم إذا كان بغير حقّ . والصّلة بين الظّلم والكراه :أ ّ
الحكم التّكليفيّ :
4
-الظّلم محرّم ،د ّل على حرمته الكتاب والسّنّة والجماع .
ن َكفَرُو ْا َوظَ َلمُواْ َل ْم َيكُنِ الّل ُه لِ َيغْفِ َر َل ُهمْ َولَ لِ َيهْدِ َيهُمْ أمّا الكتاب فمنه قوله تعالى { :إِنّ الّذِي َ علَى الّل ِه َيسِيرا } . جهَ ّنمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا َوكَانَ ذَِلكَ َ طَرِيقا ِ ،إلّ طَرِيقَ َ سكُمُ النّارُ َومَا َلكُم مّن دُونِ الّل ِه مِنْ َأوْلِيَاء ن ظَ َلمُواْ فَ َت َم ّ وقوله تعالى َ { :و َل تَ ْركَنُواْ إِلَى الّذِي َ صرُونَ } . ُثمّ لَ تُن َ ي صلى ال عليه وسلم فيما روي وأمّا السّنّة فمنها :حديث أبي ذ ّر رضي ال عنه عن النّب ّ عن اللّه تعالى أنّه قال » :يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم مح ّرمًا فل تظالموا « ..الحديث ،وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :من كانت له مظلمة لخيه من عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم قبل أن ل يكون دينار ول درهم ،وإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ،وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه « . وأج مع الفقهاء على تحر يم الظّلم ،قال ا بن الجوز يّ :الظّلم يشت مل على مع صيتين :أ خذ ب بالمخالفة ،والمعصية فيه أشدّ من غيرها ،لنّه ل يقع مال الغير بغير حقّ ،ومبارزة الرّ ّ
غالبا إلّ بالضّعيف الّذي ل يقدر على النتصار ،وإنّما ينشأ الظّلم عن ظلمة القلب ،لنّه لو اسمتنار بنور الهدى لعتمبر ،فإذا سمعى المتّقون بنورهمم الّذي حصمل لهمم بسمبب التّقوى اكتنفت ظلمات الظّلم الظّالم ،حيث ل يغني عنه ظلمه شيئا .
أثر الظّلم في ترك الجمعة والجماعة :
5
-ذهب الفقهاء إلى اعتبار الخوف من الظّالم عذرا من العذار المبيحة لترك صلة
الجمعة والجماعة ،لنّ المن من الظّالم شرط فيهما ،فكلّ من خاف على نفسه أو عرضه أو ماله ،أو مال غيره ممّن يلزمه الذّبّ عنه ،أو خاف على دينه كخوفه إلزام قتل رجل أو ضربه ،أو أن يحبس بحقّ ل وفاء له عنده -لنّ حبس المعسر ظلم -فكلّ من كان هذا حاله يعذر في تخلّفه عن الجمعة والجماعة . ق هو ظالم في منعه ،بل عليه الحضور للجمعة ،وعليه توفية ذلك ول عذر لمن يطالب بح ّ الحقّ ،ول عذر لمن وجب عليه حدّ لجناية ارتكبها .
أخذ المال ظلما من الحاجّ :
6
-اعتبر بعض الفقهاء أمن الطّريق من شروط وجوب الحجّ ،واعتبره آخرون شرطا
للداء ،ل شرطا لنفس الوجوب . انظر التّفصيل في مصطلح ( :أمن ف ، 9ومصطلح حجّ ف
21
).
ي بالمال ،وأثر ذلك في تحقّق شرط وجوب الحجّ وهو واختلفوا في وجوب دفع الرّصد ّ " أمن الطّريق " ،على اعتبار أنّ ترصّد الحاجّ لخذ ماله أو التّعدّي على نفسه وحمله على دفع رشوة أو مكس أو خفارة من الظّلم المانع من تحقّق هذا الشّرط . فذهب الحنفيّة في المعتمد ،والمالكيّة في الظهر ،والشّافعيّة في الوجه المعتمد ،والحنابلة في مقابل الصّحيح من المذهب :إلى عدم سقوط الوجوب إذا اندفع شرّ الرّصديّ بدفع الرّشوة أو المكس أو الخفارة ،وهذا من حيث الجملة ،ولكلّ منهم تفصيل في مذهبه . فذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يسقط وجوب أداء الحجّ إذا اندفع الشّرّ بدفع الرّشوة ،فيتحقّق ن المعطي مضطرّ للدّفع ضرورة بذلك شرط المن ،والثم على الخذ ل على المعطي ،ل ّ الدّفع عن نفسه أو ماله ،كما أنّه مضط ّر لسقاط الفرض عن نفسه . وعند المالكيّة :يستثنى من شرط أمن الطّريق الظّالم الّذي يأخذ المكوس على الحجّاج ، ن الحجّ ل يسقط وجوبه بأخذ المكس بشرطين : فإ ّ الوّل :أن ل ينكث ،والثّاني :أن يكون المكس قليلً ل يجحف . ووجه جواز الدّفع للمكّاس :أنّ الرّجل بإجماع المّة يجوز له أن يمنع عرضه ممّن يهتكه بماله ،وقالوا :كلّ ما وقى به المرء عرضه فهو صدقة ،فكذلك ينبغي أن يشتري دينه
ممّن يمنعه إيّاه ولو كان ظالما ،كما لو قال الرّجل لخر :ل أمكّنك من الوضوء والصّلة إلّ بجُعل َل َوجَب عليه أن يعطيه إيّاه . وحاصل مذهب المالكيّة :أنّ وجوب الحجّ يسقط بأخذ الظّالم مالً من الحاجّ في صورتين : ل غير مجحف ،وكان ينكث . الولى :أن يأخذ قلي ً والثّانية :أن يأخذ كثيرا مجحفا ،نكث أم لم ينكث . وعند الشّافعيّة أنّ وجوب الحجّ ل يسقط إذا كان من يدفع المال للرّصديّ هو المام أو نائبه ،بخلف الجنبيّ ،وذلك للمنّة . ي ولو كان يسيرا ،إذا لم يكن كما يسقط الوجوب إذا تعيّن على الحاجّ أن يعطي مالً للرّصد ّ له طريق سوى طريق الرّصديّ ،ويكره له إعطاء المال للرّصديّ ،لنّه يحرّضه على التّعرّض للنّاس ،سواء أكان مسلما أم كافرا . ومحلّ الكراهة إذا كان قبل الحرام ،إذ ل حاجة لرتكاب ال ّذ ّل حينئذ ،أمّا بعد الحرام فل يكره ،لنّه أسهل من القتال أو التّحلّل . ج يلزمه السّعي للحجّ وإن كان مضطرّا لدفع الظّالم عن نفسه وعند الحنابلة أنّ الحا ّ بالرّشوة أو المكس أو الخفارة ،بشرط أن تكون يسيرةً ل تجحف بماله ،لنّها غرامة يقف إمكان الحجّ على بذلها ،فلم يمنع وجوب الحجّ مع إمكان بذلها ،كثمن الماء وعلف البهائم ،وبشرط أن يأمن غدر المبذول له . ومذهب الحنابلة متّفق مع مذهب المالكيّة في اشتراط عدم الجحاف وعدم النّكث والغدر . وذهب الحنفيّة في قول آخر ،والمالكيّة في مقابل الظهر ،والحنابلة في الصّحيح من ج والسّعي إليه إذا المذهب إلى أنّه ل يجوز إعطاء الرّصديّ الظّالم ما ًل ،ويسقط وجوب الح ّ اضطرّ الحاجّ لدفع الرّشوة لمنع الظّلم عن ماله ونفسه ،وذلك لفقده شرط المن ،وحتّى ل تكون الطّاعة سببا للمعصية ،ويأثم بالدّفع ،لنّه هو الّذي ألزم نفسه بالعطاء ،ولنّ ما يعطيه خسران لدفع الظّلم ،فما يؤخذ منه في ذلك بمنزلة ما زاد عن ثمن المثل وأجرته . ويستوي في ذلك كثير الرّشوة ويسيرها .
الظّلم في القسم بين الزّوجات :
7
-ذهب الفقهاء إلى وجوب العدل بين الزّوجات في المبيت .
واختلفوا في لزوم القضاء إذا جار الزّوج فلم يقسم لحدى زوجاته ،أو قسم إحداهنّ أكثر من الخرى . وفي تفصيل ذلك ينظر مصطلح ( :قسم بين الزّوجات ) .
أخذ الظّالم الوديعة قهرا :
8
ن الظّالم إذا أخذ الوديعة قهرا من المودع فإنّه ل يضمن . -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
وفي ذلك تفصيل ينظر في ( :ضمان ،غصب ،وديعة ) .
المتناع عن دفع مال فرض ظلما :
9
-لم نجد للحنفيّة نصّا صريحا في المسألة ،لكن يفهم من كلمهم أنّ المام إذا فرض
على النّاس ما ًل ظلما ل شبهة فيه ل يجب عليهم الدّفع . قال الكمال بن الهمام :يجب على كلّ من أطاق أن يقاتل مع المام ،إلّ إن أبدى من يقاتلهم المام ما يجوّز لهم القتال ،كأن ظلمهم أو ظلم غيرهم ظلما ل شبهة فيه ،بل يجب أن يعينوهم حتّى ينصفهم ويرجع عن جوره ،بخلف ما إذا كان الحال مشتبها أنّه ظلم ،مثل تحميل بعض الجبايات الّتي للمام أخذها وإلحاق الضّرر بها لدفع ضرر أعمّ منه . وعند المالكيّة :إذا كلّف المام أو نائبه النّاس بمال ظلما فامتنعوا عن إعطائه ،فاستظهر ن تعريف ابن عرفة للبغي يقتضي أنّهم بغاة لنّه لم يأمرهم بمعصية ،وإن البنانيّ منهم أ ّ حرم عليه قتالهم لنّه جائر . أمّا تعريف خليل للبغاة فيقتضي أنّهم غير بغاة لنّهم لم يمنعوا حقّا ول أرادوا خلعه . ن ما كلّفهم به من مال ظلما لم يتوجّه عليهم ،فل يعتبر امتناعهم عن وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ دفعه بغيا ،لكن يتوجّه عليهم وجوب دفعه فيما إذا ترتّب على عدمه ضرر أعظم ممّا طلبه ،فإنّ المام إذا أكره أحدا من الرّعيّة على حرام أو مكروه -مجمع عليه ،أو عند المأمور فقط -فل لوم على فاعله ،وإن كانت مفسدة ما أكره عليه أقلّ امتنعت المخالفة . ويدلّ على وجوب الدّفع في هذه الحالة حديث أبي داود » :سيأتيكم ركيب مبغضون ،فإن جاءوكم فرحّبوا بهم وخلّوا بينهم وبين ما يبتغون ،فإن عدلوا فلنفسهم ،وإن ظلموا ن تمام زكاتكم رضاهم ،وليدعوا لكم « فد ّل على وجوب الدّفع ، فعليها ،وأرضوهم فإ ّ ف ألسنتنا عنهم . وعدم منازعتهم ،وك ّ
عزل الحاكم بسبب ظلمه :
10
ن المام ل يعزل بالجور والظّلم ،ولهم في ذلك خلف وتفصيل -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
ينظر في مصطلح ( :المامة الكبرى ف
12
،
23
).
ومصطلح ( :عزل ) .
أثر القتل ظلما في شهادة المقتول :
11
-ذهب الفقهاء إلى أنّ للظّلم أثرا في الحكم على المقتول بأنّه شهيد ،ويقصد به غير
شهيد المعركة مع الكفّار ،ومن صور القتل ظلما :قتيل اللّصوص والبغاة وقطّاع الطّرق ،
أو من قتل مدافعا عن نفسه أو ماله أو دمه أو دينه أو أهله أو المسلمين أو أهل ال ّذمّة ،أو من قتل دون مظلمة ،أو مات في السّجن وقد حبس ظلما . واختلفوا في اعتباره شهيد الدّنيا والخرة ،أو شهيد الخرة فقط ؟ ن من قتل ظلما يعتبر شهيد الخرة فقط ،له حكم شهيد فذهب جمهور الفقهاء :إلى أ ّ المعركة مع الكفّار في الخرة من الثّواب ،وليس له حكمه في الدّنيا ،فيغسّل ويصلّى ن من قتل ظلما فهو شهيد يلحق بشهيد المعركة عليه .وذهب الحنابلة في المذهب :إلى أ ّ في أنّه ل يغسّل ول يصلّى عليه ،لقول سعيد بن زيد رضي ال عنه :سمعت النّبيّ صلى ال عليه وسلم يقول » :من قتل دون ماله فهو شهيد ،ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ،ومن قتل دون أهله فهو شهيد « . ق فأشبهوا من قتلهم الكفّار . ولنّهم مقتولون بغير ح ّ
أثر القتل ظلما في إيجاب القصاص :
12
ن القتل العمد ظلما ن قتل المؤمن ظلما من الكبائر ،واتّفقوا على أ ّ -اتّفق الفقهاء على أ ّ
عدوانا موجب للقصاص ،وخرج بقيد الظّلم :القتل بحقّ أو بشبهة من غير تقصير . واشترط الفقهاء لصحّة القصاص أن يكون المقتول معصوما محقون الدّم ليتحقّق الظّلم ، ن القصاص إنّما شرع لقوله تعالى َ { :ومَن قُ ِتلَ َمظْلُوما } أي بغير سبب يوجب القتل ،ول ّ حفظا للدّماء المعصومة وزجرا عن إتلف البنية المطلوب بقاؤها ،فل يجب قصاص ول ي ،ول مرت ّد قبل التّوبة ،ول بقتل زان محصن ،ول محارب قاطع دية ول كفّارة بقتل حرب ّ طريق تحتّم قتله ول تارك الصّلة بعد أمر المام له بها . وللتّفصيل انظر مصطلح ( :قصاص ) .
نسبة الظّلم إلى اللّه سبحانه وأثرها في الرّدّة :
13
ن نسبة الظّلم إلى اللّه سبحانه وتعالى من موجبات الحكم بالرّدّة -اتّفق الفقهاء على أ ّ
فلو قال شخص لغيره :ل تترك الصّلة فإنّ اللّه تعالى يؤاخذك فقال :لو آخذني اللّه بها مع ما بي من المرض والشّدّة ظلمني ،فإنّه يكون مرتدّا . وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :ردّة ف
14
).
الغيبة للشّكوى من الظّلم :
14
-ل تباح الغيبة إلّ عند الضّرورة ،ومن بينها التّظلّم عند الحاكم والقاضي وغيرهما
ممّن له ولية أو قدرة على إنصافه ممّن ظلمه ،فيقول :ظلمني فلن ،أو فعل بي كذا . سوَءِ ِمنَ ا ْل َق ْولِ ِإلّ مَن ظُ ِلمَ } . جهْ َر بِال ّ ب الّلهُ ا ْل َ وذلك لقوله تعالى { :لّ ُيحِ ّ
و من ب ين الضّرورات المبي حة للغي بة ال ستفتاء ،بأن يقول للمف تي :ظلم ني فلن بكذا وكذا ف ما طر يق الخلص ؟ وال سلم أن يقول :ما قولك في ر جل ظل مه أبوه أو اب نه أو أ حد من ن التّ صريح مباح بهذا القدر ،ل نّ المف تي قد يدرك مع تعيي نه ما ل النّاس كذا وكذا ،ولك ّ يدرك مع إبهامه ،وقد جاء في الحديث المتّفق عليه :أ نّ هند بنت عتبة رضي ال عنها ن أبا سفيان رجل شحيح ،وليس يعطيني ما يكفيني قالت للنّبيّ صلى ال عليه وسلم :إ ّ وولدي إلّ ما أخذت منه وهو ل يعلم ،فقال » :خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف « . وانظر مصطلح ( :غيبة ) .
الدّعاء على الظّالم :
15
-للمظلوم أن يدعو على ظالمه بقدر ما يوجبه ألم ظلمه ،ول يجوز له الدّعاء على من
شتمه أو أخذ ماله بالكفر لنّه فوق ما يوجبه ألم الظّلم ،ولو كذب ظالم عليه فل يجوز له أن يفتري عليه ،بل يدعو اللّه فيمن يفتري عليه نظير افترائه عليه ،وكذا إن أفسد عليه دينه فل يفسد عليه دينه ،بل يدعو اللّه عليه فيمن يفسد عليه دينه ،هذا مقتضى التّشبيه ،والتّورّع عنه أفضل ،قال المام أحمد :الدّعاء قصاص ومن دعا على من ظلمه فما صبر يريد أنّه انتصر لنفسه لقوله صلى ال عليه وسلم » :من دعا على من ظلمه فقد انتصر « .وذهب العلمة ابن قاسم من الشّافعيّة إلى جواز الدّعاء على الظّالم بسوء الخاتمة .وللتّفصيل انظر مصطلح ( دعاء
18
).
ولية المظالم :
16
-ولية المظالم هي إحدى وظائف الدّولة ،وتختصّ بالنّظر في المظالم وردّها إلى
أصحابها . قال الماورديّ :ونظر المظالم هو قود المتظالمين إلى التّناصف بالرّهبة ،وزجر المتنازعين عن التّجاحد بالهيبة . فمدار المر في العمل بهذه الولية قائم على قوّة السّلطان ومنعته ،ولذا يشترط في النّاظر في المظالم :أن يكون جليل القدر مهابا ،نافذ المر ،ظاهر العفّة ،قليل الطّمع ،كثير الورع ،لنّه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة وثبت القضاة ،وإذا كان النّاظر في المظالم ممّن يملك المور العامّة كالوزراء والمراء لم يحتج النّظر فيها إلى تقليد وتولية ،فإن كان ممّن لم يفوّض إليه النّظر العامّ احتاج إلى تقليد وتولية . يقول ابن خلدون في بيان هذه الوظيفة :النّظر في المظالم وظيفة ممتزجة من سطوة السّلطنة ونصفة القضاء ،وتحتاج إلى عل ّو يد وعظيم رهبة تقمع الظّالم من الخصمين وتزجر المعتدي ،وكأنّه يمضي ما عجز القضاة أو غيرهم عن إمضائه .
وقد تولّى النّبيّ صلى ال عليه وسلم النّظر في المظالم بنفسه ،وذلك في الشّرب الّذي تنازع فيه الزّبير بن العوّام رضي ال عنه ورجل من النصار فقال صلى ال عليه وسلم : » اسق يا زبير ،ثمّ أرسل الماء إلى جارك فغضب النصاريّ ،فقال :يا رسول اللّه أن كان ابن عمّتك؟ فتلوّن وجه النّبيّ صلى ال عليه وسلم ثمّ قال :يا زبير اسق ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر « . وإنّما قال له هذا أدبا له لجرأته عليه . وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :ولية المظالم ) .
تكريم الظّالم وإعانته :
17
-يقصد بذلك التّصرّفات الّتي تد ّل على تكريم الظّالم وإعانته على ظلمه ،كإجابة
دعوته ،وتقبيل يده ،ودفع رشوة له ،وإعانته على ظلمه ،فتنظر أحكامها في مصطلحاتها ( :دعوة ف
27
،تقبيل ف ، 8رشوة ف
التّعريف : 1
7
إعانة ف
11
،ردء ف - 4
7
).
ظنّ * َ
-الظّنّ في اللّغة :مصدر ظنّ ،من باب قتل وهو خلف اليقين ،وقد يستعمل بمعنى
ن أَ ّنهُم مّلَقُوا رَ ّب ِهمْ } ومنه ال َمظِنّة بكسر الظّاء للمعلم اليقين ،كقوله تعالى { :الّذِينَ َيظُنّو َ وهو حيث يعلم الشّيء ،والجمع المظانّ ،قال ابن فارس مظنّة الشّيء موضعه ومألفه ، والظّنّة بالكسر :التّهمة . والظّنّ في الصطلح -كما عرّفه الجرجانيّ -هو :العتقاد الرّاجح مع احتمال النّقيض ، ك بصفة الرّجحان ،وذكر صاحب ن أحد طرفي الشّ ّ ويستعمل في اليقين والشّكّ ،وقيل :الظّ ّ ن الظّنّ من الضداد ،لنّه يكون يقينا ويكون شكّا ،كالرّجاء يكون أمنا وخوفا ، الكلّيّات :أ ّ ن الظّنّ عند الفقهاء من قبيل الشّكّ ،لنّهم يريدون به التّردّد بين وجود الشّيء ثمّ ذكر أ ّ وعدمه ،سواء استويا أو ترجّح أحدهما . ومثله ما قاله ابن نجيم . ونقل أبو البقاء أنّ الزّركشيّ أورد ضابطين للفرق بين الظّنّ الوارد في القرآن بمعنى ن الوارد فيه بمعنى الشّكّ : اليقين ،والظّ ّ أحدهما :أنّه حيث وجد الظّنّ محمودا مثابا عليه فهو اليقين ،وحيث وجد مذموما متوعّدا ك. عليه بالعذاب فهو الشّ ّ ك نحو قوله تعالى َ { :بلْ ظَنَن ُتمْ أَن لّن ن كلّ ظنّ يتّصل به " أن " المخفّفة فهو ش ّ الثّاني :أ ّ يَنقَلِبَ ال ّرسُولُ وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ إِلَى أَهْلِي ِهمْ أَبَدا } .
ت أَنّي مُلقٍ ن " المشدّدة فهو يقين ،كقوله تعالى { :إِنّي ظَنَن ُ وك ّل ظنّ يتّصل به " إ ّ حسَابِيهْ} . ِ أ -الشّكّ : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الشّكّ في اللّغة :الرتياب .
وفي الصطلح :هو التّردّد بين النّقيضين بل ترجيح لحدهما على الخر عند الشّاكّ . ك ما استوى طرفاه ،وهو الوقوف بين شيئين ل يميل ك :أنّ الشّ ّ والصّلة بين الظّنّ والشّ ّ القلب إلى أحدهما ،فإذا ترجّح أحدهما ولم يطرح الخر فهو ظنّ ،فإذا طرحه فهو غالب الظّنّ وهو بمنزلة اليقين . ب -الوهم : 3
-الوهم في اللّغة :سبق القلب إلى الشّيء مع إرادة غيره .
وفي الصطلح :هو إدراك الطّرف المرجوح ،أي ما يقابل الظّنّ . ج -اليقين : 4
-اليقين في اللّغة :العلم الحاصل عن نظر واستدلل ،ولهذا ل يسمّى علم اللّه يقينا .
وأمّا في الصطلح فهو :جزم القلب بوقوع الشّيء أو عدم وقوعه .
الحكم التّكليفيّ :
5
-الظّنّ على أضرب :محظور ،ومأمور به ،ومندوب إليه ،ومباح .
ن حسن الظّنّ باللّه تعالى فرض وواجب فأمّا المحظور :فمنه سوء الظّنّ باللّه تعالى ،ل ّ ن به تعالى محظور منهيّ عنه ،فعن جابر رضي ال عنه قال : مأمور به ،وسوء الظّ ّ سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قبل موته بثلث يقول » :ل يموتنّ أحدكم إ ّل وهو يحسن الظّنّ باللّه ع ّز وجلّ « . وعن أبي هريرة رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :حسن الظّنّ من حسن العبادة « . ن المحظور المنهيّ عنه سوء الظّنّ بالمسلمين الّذين ظاهرهم العدالة ،فعن صفيّة ومن الظّ ّ رضي ال عنها قالت » :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم معتكفا ،فأتيته أزوره ليلً ، فحدّثته ثمّ قمت فانقلبت ،فقام معي ليقلبني ،وكان سكنها في دار أسامة بن زيد رضي ال ي صلى ال عليه وسلم أسرعا ،فقال النّبيّ عنهما ،فمرّ رجلن من النصار ،فلمّا رأيا النّب ّ صلى ال عليه وسلم :على رسلكما ،إنّها صفيّة بنت حييّ ،فقال :سبحان اللّه يا رسول
اللّه ،قال :إنّ الشّيطان يجري من النسان مجرى الدّم ،وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا أو قال :شيئا « . ن فيما له سبيل إلى معرفته ممّا تعبّد بعلمه فهو محظور ،لنّه لمّا كان متعبّدا ثمّ إنّ كلّ ظ ّ بعلمه ،ونصب له الدّليل عليه ،فلم يتبع الدّليل وحصل على الظّنّ كان تاركا للمأمور به . وأمّا ما لم ينصب له عليه دليل يوصله إلى العلم به ،وقد تعبّد بتنفيذ الحكم فيه ،فالقتصار على غالب الظّنّ وإجراء الحكم عليه واجب ،وذلك نحو ما تعبّدنا به من قبول شهادة العدول ،وتحرّي القبلة ،وتقويم المستهلكات وأروش الجنايات الّتي لم يرد بمقاديرها توقيف ،فهذه وما كان من نظائرها قد تعبّدنا فيها بتنفيذ أحكام غالب الظّنّ . وأمّا الظّنّ المندوب إليه فهو :حسن الظّنّ بالخ المسلم ،وهو مندوب إليه مثاب عليه ، وإنّما كان هذا الضّرب من الظّنّ مندوبا ولم يكن واجبا كما كان سوء الظّنّ محظورا لوجود ن به شيئا فكان مندوبا . الواسطة بينهما ،وهي احتمال أن ل يظ ّ ك في الصّلة ،فإنّه مأمور بالتّحرّي والعمل على ما يغلب وأمّا الظّنّ المباح فمنه :ظنّ الشّا ّ في ظنّه ،فإن عمل بما غلب عليه ظنّه كان مباحا ،وإن عدل عنه إلى البناء على اليقين كان جائزا . ن الظّنّ ينقسم في الشّرع إلى واجب ومندوب وحرام ومباح ، وذكر الرّمليّ من الشّافعيّة :أ ّ فالواجب حسن الظّنّ باللّه تعالى ،والحرام سوء الظّنّ به تعالى ،وبكلّ من ظاهره العدالة ن بمن اشتهر بين المسلمين بمخالطة الرّيب والمجاهرة من المسلمين ،والمباح الظّ ّ ن من ستر على نفسه لم ن السّوء به ،لنّه قد دلّ على نفسه ،كما أ ّ بالخبائث فل يحرم ظ ّ يظنّ النّاس به إ ّل خيرا ،ومن دخل مدخل السّوء اتّهم ،ومن هتك نفسه ظننّا به السّوء ، ن الشّاهدان في التّقويم وأروش الجنايات ،وما ومن الظّنّ الجائز بإجماع المسلمين ما يظ ّ يحصل بخبر الواحد في الحكام بالجماع .
الحكم بالظّنّ :
6
ن للظّنّ حالتين :حالة تعرف وتقوى بوجه من وجوه الدلّة فيجوز -ذكر القرطبيّ أ ّ
ن ،كالقياس وخبر الواحد ،وغير الحكم بها ،وأكثر أحكام الشّريعة مبنيّة على غلبة الظّ ّ ذلك من قيم المتلفات وأروش الجنايات . والحالة الثّانية أن يقع في النّفس شيء من غير دللة ،فل يكون ذلك أولى من ضدّه ،فهذا ك ،فل يجوز الحكم به ،وهو المنهيّ عنه في قوله تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا هو الشّ ّ اجْتَنِبُوا كَثِيرا مّنَ الظّنّ } ،وفي قوله صلى ال عليه وسلم » :إيّاكم والظّنّ ،فإنّ الظّنّ أكذب الحديث « .
وذكر النّوويّ والخطّابيّ أنّه ليس المراد ترك العمل بالظّنّ الّذي تناط به الحكام غالبا ،بل ن الّذي يض ّر بالمظنون به ،وكذا ما يقع في القلب بغير دليل ،وذلك أنّ المراد تحقيق الظّ ّ أوائل الظّنون إنّما هي خواطر ل يمكن دفعها ،وما ل يقدر عليه ل يكلّف به ،ويؤيّده ن اللّه تجاوز لمّتي ما حدّثت به أنفسها « . حديث » :إ ّ
عدم اعتبار الظّنّ إذا ظهر خطؤه :
7
ن الّذي يظهر ن البيّن خطؤه ،ومعناها أنّ الظّ ّ -من القواعد الفقهيّة أنّه :ل عبرة بالظّ ّ
خطؤه ل أثر له ول يعتدّ به . ومن الفروع الّتي تتخرّج على هذه القاعدة عند الشّافعيّة أنّ المكلّف لو ظنّ في الواجب الموسّع أنّه ل يعيش إلى آخر الوقت تضيّق عليه ،فلو لم يفعله ثمّ عاش وفعله فأداء على الصّحيح . ومن فروعها عند الحنفيّة ما ذكروه في باب قضاء الفوائت من أنّ من لم يصلّ العشاء في ن أنّ وقت الفجر ضاق ،فصلّى الفجر ،ثمّ تبيّن أنّه كان في الوقت سعة بطل وقتها ،وظ ّ الفجر ،فإذا بطل ينظر ،فإن كان في الوقت سعة يصلّي العشاء ثمّ يعيد ،فإن لم يكن فيه سعة يعيد الفجر فقط . ويستثنى من هذه القاعدة مسائل : منها :لو صلّى خلف من يظنّه متطهّرا ،ثمّ بان أنّه كان محدثا فصلته صحيحة عملً ن أنّ معهم ما ًء بطل تيمّمه وإن لم يكن معهم ماء بظنّه .ومنها :ما لو رأى المتيمّم ركبا فظ ّ ،لتوجّه الطّلب عليه . وذكر الزّركشيّ في المنثور أنّ القادر على اليقين ليس له أن يأخذ بالظّنّ فيما يتعبّد فيه ص قطعا ،كالمجتهد القادر على النّصّ ل يجتهد ،وكذا إن كان بمكّة ل يجتهد في بالنّ ّ ص ،كالجتهاد بين الطّاهر والنّجس من القبلة ،وله أن يأخذ بالظّنّ فيما لم يتعبّد فيه بالنّ ّ الثّياب والواني ،مع القدرة على طاهر بيقين في الصحّ ،ولو اجتهد في دخول الوقت جازت الصّلة مع تمكّنه من علمه في الصحّ .
ظنّ في التّعارض والتّرجيح بين الدلّة : أثر ال ّ
8
-ذهب جمهور الصوليّين من غير الحنفيّة إلى أنّ التّعارض ل يقع بين دليلين قطعيّين
اتّفاقا ،سواء كانا عقليّين أو نقليّين ،وكذلك التّرجيح ل يجوز في الدلّة اليقينيّة . وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يشترط في التّعارض تساوي الدّليلين قوّةً ،ويثبت التّعارض في دليلين قطعيّين . وتفصيل ذلك في الملحق الصوليّ .
استعمال الماء المظنون نجاسته :
9
-ذكر الحنفيّة أنّه لو توضّأ بماء ظ نّ نجاسته ث مّ تبيّن له بعد ذلك أنّه كان طاهرا جاز
وضوءه . ن أنّ الّذي غيّره ممّا يسلب وذكر المالكيّة أنّه إذا تغيّر ماء البئر ونحوها ،وتحقّق أو ظ ّ الطّهوريّة والطّاهريّة لقربها من المراحيض ورخاوة أرضها فإنّه يض ّر ،وإن تحقّق أو ظنّ أنّ مغيّره ممّا ل يسلب الطّهوريّة فالماء طهور . ك هل هو قلّتان أم ل ؟ فالّذي ن الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة ،وش ّ وذكر الشّافعيّة أ ّ جزم به صاحب الحاوي وآخرون أنّه نجس ،لتحقّق النّجاسة ،ولمام الحرمين فيه احتمالن ،والمختار بل الصّواب الجزم بطهارته ،لنّ الصل طهارته وشككنا في نجاسة منجّسه – أي في تنجّس الماء الّذي وقعت فيه النّجاسة – ول يلزم من النّجاسة التّنجيس . ك في نجاسته فل وذكر الحنابلة أنّ استعمال الماء الّذي ظنّ نجاسته مكروه ،بخلف ما ش ّ يكره . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :نجاسة ) .
الظّنّ في دخول وقت الصّلة :
10
ك في دخول وقت العبادة فأتى بها ،فبان أنّه فعلها في الوقت لم -قال الحنفيّة :لو ش ّ
يجزه ،ويكفي في ذلك أذان الواحد لو عدلً ،وإلّ تحرّى ،وبنى على غالب ظنّه . وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا تردّد المصلّي هل دخل وقت الصّلة أو ل على حدّ سواء ؟ أو ي ،أو ظنّ عدم الدّخول وتوهّم الدّخول ،سواء حصل له ما ذكر ظنّ دخوله ظنّا غير قو ّ قبل الدّخول في الصّلة أو طرأ له ذلك بعد الدّخول فيها فإنّ صلته ل تجزيه ،لتردّد النّيّة وعدم تيقّن براءة ال ّذمّة ،سواء تبيّن بعد فراغ الصّلة أنّها وقعت قبله أو وقعت فيه أو لم يتبيّن شيء ،اللّهمّ إ ّل أن يكون ظنّه بدخول الوقت قويّا ،فإنّها تجزئ إذا تبيّن أنّها وقعت فيه ،كما ذكر صاحب الرشاد ،وهو المعتمد . ن من اشتبه عليه وقت الصّلة لغيم أو حبس في مظلم أو غيرهما اجتهد ، وذكر الشّافعيّة أ ّ مستدلً بالدّرس والعمال والوراد وشبهها ،وحيث لزم الجتهاد فصلّى بل اجتهاد وجبت العادة وإن صادف الوقت ،وإذا لم تكن دللة أو كانت فلم يغلب على ظنّه شيء صبر إلى أن يغلب على قلبه دخول الوقت ،والحتياط أن يؤخّر إلى أن يغلب على ظنّه أنّه لو أخّر خرج الوقت .
وذكر الحنابلة أنّ من شكّ في دخول وقت الصّلة لم يص ّل حتّى يغلب على ظنّه دخوله ،لنّ ك فعليه العادة وإن وافق الوقت ،لعدم صحّة الصل عدم دخوله ،فإن صلّى مع الشّ ّ صلته ،كما لو صلّى من اشتبهت عليه القبلة من غير اجتهاد . وأمّا الصّلة على ظنّ بقاء الوقت فإنّها صحيحة نظرا للصل ،إذ الصل بقاء الوقت .
ظنّ في جهة القبلة : الخذ بال ّ
11
-من اشتبهت عليه القبلة فإنّه يجتهد ويصلّي إلى الجهة الّتي يغلب على ظنّه أنّها
القبلة ،فإن تغيّر رأيه بعد الدّخول في الصّلة إلى جهة أخرى فإنّه يتوجّه إليها ،حتّى لو ن الجتهاد ل صلّى أربع ركعات إلى أربع جهات بالجتهاد صحّت صلته ول إعادة عليه ل ّ ينقض بالجتهاد ،لما ورد » :أنّ أهل قباء كانوا متوجّهين إلى بيت المقدس في صلة ي صلى ال عليه وسلم الفجر ،فأخبروا بتحويل القبلة فاستداروا إلى القبلة ،وأقرّهم النّب ّ على ذلك « . ن أنّها ويلزمه عند الحنفيّة في حال تغيّر ظنّه الستدارة على الفور إلى الجهة الّتي يظ ّ القبلة ،فإن لم يفعل ومكث قدر ركن فسدت صلته . وتبطل الصّلة إن أدّاه اجتهاده إلى جهة وخالفها بصلته لغيرها عامدا عند المالكيّة إن لم يصادف القبلة في الّتي صلّى إليها ،بل وإن صادفها في الجهة الّتي صلّى إليها ،فيعيدها أبدا ،لدخوله على الفساد وتعمّده إيّاه . وذكر النّوويّ ثلثة أحوال للمجتهد في جهة القبلة إذا ظهر له الخطأ في اجتهاده : أحدها :أن يظهر له الخطأ قبل الشّروع في الصّلة ،فإن تيقّن الخطأ في اجتهاده أعرض ن أنّ الصّواب جهة عنه واعتمد الجهة الّتي يعلمها أو يظنّها الن ،وإن لم يتيقّن ،بل ظ ّ أخرى ،فإن كان دليل الجتهاد الثّاني عنده أوضح من الوّل الن اعتمد الثّاني ،وإن كان الوّل أوضح اعتمده ،وإن تساويا فله الخيار فيهما على الصحّ ،وقيل :يصلّي إلى الجهتين مرّتين . الثّاني :أن يظهر له الخطأ بعد الفراغ من الصّلة ،فإن تيقّنه وجبت العادة على الظهر ، سواء تيقّن الصّواب أيضا أم ل ،وقيل :القولن إذا تيقّن الخطأ وتيقّن الصّواب ،أمّا إذا لم يتيقّن الصّواب فل إعادة قطعا ،والمذهب الوّل . وأمّا إذا لم يتيقّن الخطأ بل ظنّه فل إعادة عليه ،فلو صلّى أربع صلوات إلى أربع جهات باجتهادات فل إعادة على الصّحيح ،وعلى وجه شا ّذ يجب إعادة الربع ،وقيل :يجب إعادة غير الخيرة . الثّالث :أن يظهر له الخطأ في أثناء الصّلة ،وهو ضربان :
الوّل :أن يظهر الصّواب مقترنا بظهور الخطأ فإن كان الخطأ متيقّنا فيبني على القولين في تيقّن الخطأ بعد الفراغ من الصّلة ،وإن لم يكن متيقّنا بل مظنونا فالصحّ أنّه ينحرف ويبني حتّى لو صلّى أربع ركعات إلى أربع جهات فل إعادة كالصّلوات ،وخصّ ذلك بما إذا كان الدّليل الثّاني أوضح من الوّل ،فإن استويا تمّم صلته إلى الجهة الولى ول إعادة . الضّرب الثّاني :أن ل يظهر الصّواب مع الخطأ فإن عجز عن الصّواب بالجتهاد على القرب بطلت صلته وإن قدر عليه على القرب ،فهل ينحرف ويبني أم يستأنف ؟ فيه خلف مرتّب على الضّرب الوّل ،والولى الستئناف ،قال النّوويّ وهو الصّواب . وذكر الحنابلة أنّ من اشتبهت عليه القبلة فإن كان في قرية ففرضه التّوجّه إلى محاريبهم ، فإن لم تكن لهم محاريب لزمه السّؤال عن القبلة ،فإن كان جاهلً بأدلّتها ففرضه الرّجوع إلى من يخبره عن يقين إن وجده ،ول يجتهد قياسا على الحاكم إذا وجد النّصّ ،وإن كان الّذي وجده يخبره عن ظنّ ففرضه تقليده إن كان من أهل الجتهاد وكان عالما بأداتها وضاق الوقت وإلّ لزمه التّعلّم والعمل باجتهاده .وإن اشتبهت عليه القبلة في السّفر وكان عالما بأداتها -ففرضه الجتهاد في معرفتها لنّ ما وجب اتّباعه عند وجودهوجب الستدلل عليه عند خفائه كالحكم في الحادثة فإذا اجتهد وغلب على ظنّه جهة أنّها القبلة صلّى إليها لتعيّنها قبلةً له ،إقامةً للظّنّ مقام اليقين لتعذّره ،فإن تركها -أي الجهة الّتي غلبت على ظنّه -وصلّى إلى غيرها أعاد ما صله إلى غيرها وإن أصاب لنّه ترك فرضه ،كما لو ترك القبلة المتيقّنة ،وإن تعذّر عليه الجتهاد -لغيم ونحوه كما لو كان مطمورا أو كان به مانع من الجتهاد كرمد ونحوه أو تعادلت عنده المارات -صلّى على حسب حاله بل إعادة . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :استقبال ف
28
،واشتباه ف
20
).
القتداء بمن ظنّ أنّه مسافر :
12
-قال الحنفيّة :إذا اقتدى بإمام ل يدري أمسافر هو أم مقيم ؟ ل يصحّ ،لنّ العلم بحال
المام شرط الداء بجماعة . ن أنّهم مسافرون فظهر خلفه ،أعاد أبدا إن وذكر المالكيّة أنّه إذا دخل مصلّ على قوم ظ ّ كان الدّاخل مسافرا ،لمخالفة إمامه ن ّي ًة وفعلً إن سلّم من اثنتين ،وإن أتمّ فقد خالفه ن ّيةً ، وفعل خلف ما دخل عليه ،وتبطل صلته أيضا إذا لم يظهر شيء ،لحصول الشّكّ في صحّة وهو يوجب البطلن . ال ّ أمّا إذا كان الدّاخل مقيما فإنّه يت ّم صلته ،ول يضرّه كونهم على خلف ظنّه ،لموافقته للمام ن ّي ًة وفعلً كعكسه وهو أن يظنّهم مقيمين فينوي التمام فيظهر أنّهم مسافرون أو لم
يتبيّن شيء فإنّه يعيد أبدا إن كان مسافرا ،وهو ظاهر إن قصر لمخالفة فعله لنيّته ،وأمّا صحّة كاقتداء مقيم بمسافر . إن أتمّ فكان مقتضى القياس ال ّ وفرّق بأنّ المسافر لمّا دخل على الموافقة فتبيّن له المخالفة لم يغتفر له ذلك ،بخلف المقيم فإنّه داخل على المخالفة من أوّل المر فاغتفر له ،وإن كان الدّاخل مقيما صحّت ول إعادة ،لنّه مقيم اقتدى بمسافر . وذكر الشّافعيّة أنّه لو اقتدى بمن ظنّه مسافرا فنوى القصر الّذي هو الظّاهر من حال المسافر أن ينويه فبان مقيما أتمّ لتقصيره في ظنّه إذ شعار القامة ظاهر ،أو اقتدى ناويا ك في أنّه مسافر أو مقيم أتمّ -وإن بان مسافرا قاصرا ، القصر بمن جهل سفره -أي ش ّ لتقصيره في ذلك ،لظهور شعار المسافر والمقيم ،والصل التمام ،وقيل :يجوز له القصر إذا بان كما ذكر . وذكر الحنابلة أنّ من أحرم مع من يظنّه مقيما أو شكّ فيه لزمه التمام وإن قصر إمامه اعتبارا بالنّيّة ،وإن غلب على ظنّه أنّه مسافر لدليل فله أن ينوي القصر ويتبع إمامه ، ن الظّاهر فيقصر بقصره ويتمّ بإتمامه ،وإن أحدث إمامه قبل علمه بحاله فله القصر ،ل ّ أنّه مسافر .
ظنّ الخوف المرخّص في صلة الخوف :
13
-لو رأى المسلمون سوادا فظنّوه عدوّا فصلّوا صلة الخوف ،ثمّ تبيّن خلف ذلك ،
فذهب الحنفيّة إلى أنّ اشتداد الخوف ليس شرطا في أداء صلة الخوف ،بل الشّرط حضور عدوّ أو سبع فلو رأوا سوادا ظنّوه عدوّا صلّوها ،فإن تبيّن كما ظنّوا جازت لتبيّن سبب الرّخصة ،وإن ظهر خلفه لم تجز إلّ إن ظهر بعد أن انصرفت الطّائفة من نوبتها في الصّلة قبل أن تتجاوز الصّفوف ،فإنّ لهم أن يبنوا استحسانا ،كمن انصرف على ظنّ الحدث يتوقّف الفساد إذا ظهر أنّه لم يحدث على مجاوزة الصّفوف . ويكفي عند المالكيّة في عدم العادة مجرّد الخوف ،سواء أكان محقّقا أم مظنونا ،وهو ن برؤية أو بإخبار قول للشّافعيّة في مقابل الظهر ،لوجود الخوف عند الصّلة ،كسواد ظ ّ ثقة أنّه عدوّ فصلّوا صلة التحام أو صلة قسم ثمّ ظهر خلف ذلك فل إعادة ،والظّنّ البيّن خطؤه ل عبرة به إذا أدّى إلى تعطيل حكم ،ل إلى تغيّر كيفيّة ،وهذا بخلف المتيمّم ص ونحوه ثمّ يظهر خلفه ،فإنّه يعيد ،لنّه أخ ّل بشرط . الخائف من ل ّ وذكر الشّافعيّة أنّهم لو صلّوا لسواد ظنّوه عدوّا فبان بخلف ظنّهم كإبل أو شجر قضوا في الظهر ،لتركهم فروضا من الصّلة بظنّهم الّذي تبيّن خطؤه ،والثّاني :ل يجب القضاء خفْتُمْ فَ ِرجَا ًل َأوْ ُركْبَانا } وسواء في ن ِ لوجود الخوف عند الصّلة وقد قال تعالى { :فَإ ْ
جريان القولين أكانوا في دار الحرب أم دار السلم ،استند ظنّهم إلى إخبار أم ل ،وقيل : إن كانوا في دار السلم أو لم يستند ظنّهم إلى إخبار وجب القضاء قطعا . وذكر الحنابلة أنّ من رأى سوادا فظنّه عدوّا فصلّى صلة الخوف ،ثمّ بان أنّه غير عدوّ ، أو بينه وبينه ما يمنع العبور أعاد ،لنّه لم يوجد المبيح ،فأشبه من ظنّ أنّه متطهّر فصلّى ثمّ علم بحدثه .
ظنّ الصّائم غروب الشّمس أو طلوع الفجر :
14
ن أنّ الفجر لم يطلع فإذا هو قد طلع ،أو أفطر -يرى الفقهاء أنّ من تسحّر وهو يظ ّ
ن صومه يبطل . ن أنّ الشّمس قد غربت فإذا هي لم تغرب فإ ّ وهو يظ ّ وفي ذلك تفصيل ينظر في ( :صوم ) .
ظنّ في المسروق الّذي يقطع به السّارق : ال ّ
15
ن ظنّ السّارق في تعيين نوع ما سرقه ل يؤثّر في القطع ، -ذكر المالكيّة والشّافعيّة أ ّ
فلو سرق دنانير ظنّها فلوسا ،أو سرق ثلثة دراهم وهو يظنّها حين أخرجها من الحرز أنّها فلوس ل تساوي قيمتها النّصاب قطع ول يعذر بظنّه . وعند الحنابلة الشّكّ في قيمة المسروق في كونه هل يبلغ نصابا أو ل ل يوجب القطع .
ظنّ المكره سقوط القصاص والدّية :
16
-قال النّوويّ :لو أكره رجل رجلً على أن يرمي إلى طلل علم المر أنّه إنسان ،وظنّه
المأمور حجرا أو صيدا ،أو أكرهه على أن يرمي إلى سترة وراءها إنسان وعلمه المر دون المأمور ،فل قصاص على المأمور ،ويجب القصاص على المر على الصّحيح ،فإنّه آلة له ،ووجه المنع أنّه شريك مخطئ ،فإن آل المر إلى الدّية فوجهان : أحدهما تجب كلّها على المر واختاره البغويّ ،والثّاني :عليه نصفها وعلى عاقلة المأمور ،نصفها .
ل أثر للظّنّ في المور الثّابتة بيقين :
17
ن ما ثبت بيقين ل يرتفع إلّ بيقين ،وقد استنبط الشّافعيّ هذه -من القواعد الفقهيّة أ ّ
القاعدة من الحديث المرويّ عن عبّاد بن تميم عن عمّه » :أنّه شكا إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم الرّجل الّذي يخيّل إليه أنّه يجد الشّيء في الصّلة فقال :ل ينفتل أو ل ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا « . ومن فروعها :أنّ من تيقّن طهار ًة أو حدثا وشكّ في ضدّه فإنّه يعمل بيقينه .
ومنها :ما لو نسي صل ًة من الخمس وجب عليه الخمس ،لشتغال ذمّته بكلّ منها يقينا . ك هل طلّق أم ل ؟ لم يقع ن النّكاح مستيقن ،فإذا ش ّ شكّ ،ل ّ ومنها :أنّ الطّلق ل يقع بال ّ شيء ،وهل طلّق ثنتين أو واحدةً فواحدةً . ومنها :أنّ المفقود ل يقسم ماله ول تنكح زوجته ما لم تمض مدّة يتيقّن أنّه ل يعيش أمثاله فيها ،لنّ بقاء الحياة متيقّن ،فل نرفعه إلّ بيقين .
أثر الظّنّ في مصارف الزّكاة :
18
-إذا دفع الزّكاة لمن ظنّه من أهلها ،فبان خطؤه :اختلف فيه على قولين :
أحدهما :الجزاء ول تجب عليه العادة . والخر :ل يجزئه ،وفي السترداد قولن . يراجع مصطلح ( :خطأ ف
11
).
ظنّ في الوقوف بعرفة : أثر ال ّ
19
-لو وقف الحجيج العاشر من ذي الحجّة ظنّا منهم أنّه التّاسع ،ففي ذلك تفصيل ينظر
في مصطلح ( :خطأ ف
التّعريف : 1
42
).
ظهَار * ِ
-الظّهار بكسر الظّاء المعجمة لغ ًة :مأخوذ من الظّهر ،لنّ صورته الصليّة أن يقول
الرّجل لزوجته :أنت عليّ كظهر أمّي ،وإنّما خصّوا الظّهر -دون البطن والفخذ وغيرهما -لنّ الظّهر من الدّابّة موضع الرّكوب . وفي الصطلح هو تشبيه الرّجل زوجته ،أو جزءا شائعا منها ،أو جزءا يعبّر به عنها بامرأة محرّمة عليه تحريما مؤبّدا ،أو بجزء منها يحرم عليه النّظر إليه ،كالظّهر والبطن والفخذ . ص باسم الظّهار تغليبا للظّهر ،لنّه كان الصل في استعمالهم . وفي فتح القدير إنّما خ ّ أ -الطّلق : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الطّلق لغةً :حلّ القيد والطلق ،وشرعا :ح ّل عقدة النّكاح بلفظ الطّلق ،ونحوه .
وكان الظّهار طلقا في الجاهليّة فجاء السلم بأحكام خاصّة بكلّ منهما . ب -اليلء :
3
-اليلء لغةً :الحلف مطلقا سواء أكان على ترك قربان الزّوجة أم على شيء آخر .
وشرعا :أن يحلف الزّوج باللّه تعالى أو بصفة من صفاته الّتي يحلف بها ألّ يقرب زوجته أربعة أشهر أو أكثر . وكان اليلء طلقا في الجاهليّة ،فغيّر الشّرع حكمه ،وخصّه بأحكام غير أحكام الظّهار .
مشروعيّة أحكام الظّهار :
4
-كان النّاس قبل السلم إذا غضب الرّجل على زوجته لمر من المور ،ولم يرد أن
ي كظهر أمّي ،فتحرم عليه تحريما مؤبّدا ل تتزوّج بغيره آلى منها ،أو قال لها :أنت عل ّ تحلّ له بحال ،وتبقى كالمعلّقة ،ل هي بالمتزوّجة ول بالمطلّقة . واستمرّوا على ذلك في صدر السلم حتّى » :غضب أوس بن الصّامت رضي ال عنه ي كظهر أمّي ،فذهبت إلى على زوجته خولة بنت ثعلبة رضي ال عنها فقال لها :أنت عل ّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم تشكو إليه ما صنع زوجها ،فقالت :إنّ أوسا تزوّجني وأنا شابّة مرغوب في ،فلمّا كبرت سنّي ونثرت له بطني جعلني عليه كظهر أمّه ،فقال لها النّبيّ صلى ال عليه وسلم :قد حرمت عليه فقالت :إنّ لي منه أولدا إن ضممتهم إليه ي جاعوا ،فقال صلى ال عليه وسلم :ما أراك إلّ وقد حرمت ضاعوا ،وإن ضممتهم إل ّ سمِ َع الّلهُ َق ْولَ عليه ،فقالت :أشكو إلى اللّه فاقتي ووجدي .فنزل قول اللّه تعالى { :قَدْ َ سمِي ٌع بَصِي ٌر ،الّذِينَ ن الّلهَ َ سمَ ُع َتحَاوُ َر ُكمَا إِ ّ جهَا وَ َتشْ َتكِي إِلَى الّل ِه وَالّلهُ َي ْ الّتِي ُتجَادُِلكَ فِي َز ْو ِ ن مِنكُم مّن ّنسَا ِئهِم مّا ُهنّ ُأ ّمهَا ِت ِهمْ إِنْ ُأ ّمهَا ُت ُهمْ إِل اللئِي وَلَدْ َن ُهمْ َوإِ ّنهُمْ لَ َيقُولُونَ ُيظَاهِرُو َ ن مِن ّنسَا ِئ ِهمْ ُثمّ َيعُودُونَ ِلمَا ن ُيظَاهِرُو َ غفُورٌ ،وَالّذِي َ ن ا ْلقَ ْولِ َوزُورا َوإِنّ الّل َه َل َع ُفوّ َ مُنكَرا مّ َ عظُونَ ِب ِه وَالّلهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ َ ،فمَن ّلمْ قَالُوا فَ َتحْرِيرُ َرقَ َبةٍ مّن قَ ْب ِل أَن يَ َتمَاسّا ذَ ِل ُكمْ تُو َ ن ِمسْكِينا ذَلِكَ طعَامُ سِتّي َ ن مُتَتَا ِبعَيْنِ مِن قَ ْب ِل أَن يَ َتمَاسّا َفمَن ّلمْ َيسْ َتطِعْ فَ ِإ ْ شهْرَيْ ِ َيجِدْ فَصِيَامُ َ لِ ُت ْؤمِنُوا بِالّل ِه وَ َرسُو ِلهِ وَتِ ْلكَ حُدُودُ الّل ِه وَلِ ْلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } «
الحكم التّكليفيّ :
5
-الظّهار محرّم ،ول يعتبر طلقا ،وصرّح بعض الفقهاء بأنّه من الكبائر لكونه منكرا
ن ُأ ّمهَا ِتهِ ْم إِنْ ن مِنكُم مّن ّنسَا ِئهِم مّا هُ ّ من القول وزورا ،لقوله تعالى { :الّذِينَ ُيظَاهِرُو َ غفُورٌ } . ُأ ّمهَا ُتهُمْ إِل اللئِي وَلَدْ َن ُهمْ َوإِ ّن ُهمْ لَ َيقُولُونَ مُنكَرا مّنَ ا ْل َق ْولِ وَزُورا َوإِنّ الّلهَ َلعَ ُفوّ َ ولحديث أوس بن الصّامت حين ظاهر من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة فجاءت إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم تشتكي فأنزل اللّه أوّل سورة المجادلة .
التّوقيت والتّأبيد في الظّهار :
6
-الظّهار يصحّ أن يكون مؤبّدا ،مثل أن يقول الرّجل لزوجته :أنت عليّ كظهر أمّي ول
يذكر مدّ ًة معيّنةً كأسبوع أو شهر أو سنة ،ويصحّ أن يكون مؤقّتا بمدّة معيّنة ،مثل أن ي كظهر أمّي شهرا ،فإذا قال لها ذلك كان مظاهرا منها في يقول الرّجل لزوجته :أنت عل ّ تلك المدّة ،فإذا عزم على قربانها فيها وجبت عليه الكفّارة ،فإذا مضى الوقت زال الظّهار وحلّت المرأة بل كفّارة ،وهذا عند الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة في الظهر . وذهب المالكيّة ،وهو قول للشّافعيّة ،وقول ابن عبّاس رضي ال عنهما ،وعطاء وقتادة والثّوريّ وإسحاق وأبي ثور إلى أنّه ل يصحّ الظّهار إلّ مؤبّدا ،فإن ذكر الوقت فيه كان ذكره لغوا ،فإذا قال الرّجل لزوجته :أنت عليّ كظهر أمّي هذا الشّهر كان الظّهار مؤبّدا ، ص بذلك الشّهر الّذي عيّنه ،وعلى هذا تحرم المرأة على زوجها في ذلك الشّهر ول يخت ّ وبعده ،ول تحلّ له حتّى يكفّر . وفي قول ثالث للشّافعيّة وابن أبي ليلى واللّيث :إنّ التّوقيت في الظّهار ل يعتبر ظهارا . قد استد ّل الجمهور بما روي في حديث سلمة بن صخر » :أنّه ظاهر من امرأته حتّى ي صلى ال عليه وسلم أنّه أصابها في الشّهر فأمره ينسلخ شهر رمضان ،وأنّه أخبر النّب ّ ن الظّهار يصحّ أن يكون مؤقّتا بالشّهر ونحوه ،ولو كان بالكفّارة « ،فإنّه يدلّ على أ ّ الظّهار ل يصحّ إلّ إذا كان مؤبّدا لبيّن النّبيّ صلى ال عليه وسلم هذا الحكم ،ولنّ الظّهار شبيه باليمين من ناحية أنّ المنع من قربان الزّوجة ينتهي بالكفّارة في كلّ منهما ،واليمين يصحّ فيه التّأبيد والتّوقيت ،فيكون الظّهار مثله في هذا الحكم . ن كلً منهما يقتضي ن الظّهار يشبه الطّلق من ناحية أ ّ واستدلّ المالكيّة ومن وافقهم بأ ّ ح أن يكون مؤقّتا ،ولو أقّت بوقت كان التّوقيت لغوا ، تحريم الزّوجة ،والطّلق ل يص ّ فكذلك الظّهار . ن التّأقيت في الظّهار ل يعتبر ظهارا بأنّه لم يؤبّد التّحريم ،فأشبه ما إذا واستدلّ من قال :إ ّ شبّهها بامرأة ل تحرم على التّأبيد .
أركان الظّهار :
7
-ركن الظّهار -عند الحنفيّة -اللّفظ الدّالّ عليه ،وهو التّعبير المشتمل على تشبيه
الزّوجة بامرأة محرّمة على الزّوج تحريما مؤبّدا كأنت عليّ كظهر أمّي أو ما يقوم مقامه ، فالظّهار ل يقوم إلّ بالتّعبير المنشئ له عندهم . وأركان الظّهار عند المالكيّة والشّافعيّة أربعة هي : أ -مشبّه وهو الزّوج المظاهر . ب -مشبّه وهو الزّوجة المظاهر منها .
ج -مشبّه به وهو المحرّم بطريق الصالة . د -الصّيغة . يشترط في الظّهار ما يلي :
شروط الظّهار : الشّرط الوّل :
8
-أن يكون التّشبيه موجّها إلى الزّوجة كلّها أو إلى جزء منها ،فإن كان التّشبيه موجّها
إلى المرأة كلّها صحّ الظّهار باتّفاق الفقهاء ،وصورته :أن يقول الرّجل لزوجته :أنت ي كظهر أمّي . عل ّ أمّا إن كان التّشبيه موجّها إلى جزء من المرأة ،فإن كان من الجزاء الشّائعة كالنّصف والرّبع ،أو كان من الجزاء الّتي يعبّر بها عن الكلّ مجازا فالظّهار يكون صحيحا . وإن كان الجزء المشبّه ل يعبّر به عن الكلّ مجازا مثل اليد والرّجل ونحوهما فل يصحّ الظّهار عند الحنفيّة ،وقال المالكيّة يصحّ الظّهار سواء كان ذلك الجزء المشبّه جزءا حقيقةً كاليد والرّجل ،أو كان جزءا حكما كالشّعر والرّيق والكلم . ح الظّهار إذا كان الجزء المشبّه كاليد والرّجل ، وقال الشّافعيّة في الجديد والحنابلة يص ّ وأضاف الحنابلة أنّه ل يصحّ الظّهار إذا كان من الجزاء المنفصلة غير الثّابتة كالدّمع والرّيق والكلم .
الشّرط الثّاني :
9
-أن يكون التّشبيه بامرأة محرّمة على الزّوج .
والمرأة المحرّمة على الرّجل إمّا أن يكون تحريمها عليه مؤبّدا ،وإمّا يكون مؤقّتا . فإن شبّه الزّوج زوجته بامرأة محرّمة عليه على سبيل التّأبيد بلفظ يدلّ على الظّهار ،بأن ي كظهر أمّي ،فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ ذلك ظهار . قال لها :أنت عل ّ أمّا إذا شبّهها بمن تحرم عليه على سبيل التّأقيت ،كأخت الزّوجة ،فقد اختلف الفقهاء : ن تشبيه الزّوج زوجته بمن تحرم عليه فذهب الحنفيّة والشّافعيّة ،ورواية عن أحمد :إلى أ ّ على سبيل التّأقيت لغو وليس بظهار . وذهب المالكيّة إلى أنّه يكون كناية ظهار ،إن نوى به ظهارا وقع ،وإلّ فل ،وعند الحنابلة كما ذكر البهوتيّ ،ورواية عن أحمد أوردها ابن قدامة أنّه يكون ظهارا . 10
-وإذا شبّه الرّجل زوجته بعضو يحرم النّظر إليه من امرأة محرّمة عليه تحريما مؤبّدا
ي كظهر أمّي ،فل خلف بين فإن كان هذا العضو هو ظهر المّ مثل أن يقول لها :أنت عل ّ ن صريح الظّهار أن الفقهاء في صحّة الظّهار به ،قال ابن المنذر :أجمع أهل العلم على أ ّ
ي كظهر أمّي ،وفي حديث خولة امرأة أوس بن الصّامت أنّه قال لها :أنت يقول :أنت عل ّ ي كظهر أمّي ،فذكر ذلك لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم فأمره بالكفّارة ،ومثل المّ عل ّ في هذا الجدّة ،لنّها أمّ أيضا . وإن كان العضو المشبّه به " ظهر " غير المّ والجدّة ،ممّن تحرم على الرّجل تحريما مؤبّدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة ،كأخته وخالته وعمّته نسبا أو رضاعا ،وزوجة أبيه وابنه ، فالظّهار يكون صحيحا . أمّا إن كان العضو المشبّه به ليس هو الظّهر فالتّشبّه به يكون ظهارا إذا كان من العضاء الّتي يحرم النّظر إليها مثل البطن والفخذ ،فإن كان من العضاء الّتي يحلّ النّظر إليها ن المشبّه كالرّأس والوجه واليد فل يكون ظهارا ،وهذا عند الحنفيّة ،وحجّتهم في ذلك :أ ّ به إذا كان يحلّ النّظر إليه ل يتحقّق بالتّشبيه به معنى الظّهار . وقال المالكيّة :التّشبيه بغير الظّهر يكون ظهارا مطلقا ،سواء أكان المشبّه به جزءا حقيقةً كالرّأس واليد والرّجل أم كان جزءا حكما كالشّعر والرّيق والدّمع والعرق ،فلو قال الرّجل ي كرأس أمّي أو كيدها أو رجلها ،أو قال لها :أنت عليّ كشعر أمّي أو لزوجته :أنت عل ّ كريقها كان ظهارا ،لنّ هذه الجزاء وإن كان يحلّ النّظر إليها إلّ أنّها ل يحلّ التّلذّذ أو الستمتاع بها ،والتّلذّذ أو الستمتاع هو المستفاد بعقد الزّواج ،فيكون التّشبيه بجزء منها ظهارا ،مثل التّشبيه بالظّهر والبطن والفخذ وغيرها ممّا ل يحلّ النّظر إليه . وقال الشّافعيّة :إذا شبّبها ببعض أجزاء ال ّم -غير الظّهر -فإن كان ممّا ل يذكر في معرض الكرامة والعزاز ،كاليد والرّجل والصّدر والبطن والفرج والشّعر ،فقولن : أظهرهما -وهو الجديد -أنّه ظهار ،وإن كان ممّا يذكر في معرض العزاز والكرام ، ي كعين أمّي ،فإن أراد الكرامة فليس بظهار ،وإن أراد الظّهار وقع ظهارا كقوله :أنت عل ّ قطعا . وقال الحنابلة :إنّ التّشبيه بجزء غير الظّهر يكون ظهارا متى كان من الجزاء الثّابتة كاليد والرّجل والرّأس ،أمّا لو كان من الجزاء غير الثّابتة كالرّيق والعرق والدّمع والكلم أو كالشّعر والسّنّ والظّفر فل يصحّ الظّهار إذا كان التّشبيه بواحد منها ،لنّها ليست من العضاء الثّابتة ،ول يقع الطّلق إذا أضيف إلى شيء منها فكذلك الظّهار .
الشّرط الثّالث :
11
-أن يكون التّشبيه مشتملً على معنى التّحريم .
ي كظهر أمّي مثلً ،يقصد من ذلك تحريم إتيان زوجته فإذا قال الرّجل لزوجته :أنت عل ّ كتحريم إتيان أمّه ،أو تحريم التّلذّذ والستمتاع بها كتحريم التّلذّذ بالمّ والستمتاع بها ، ن ذلك يكون ظهارا . فإ ّ وإذا كان التّشبيه ل يشتمل على التّحريم ل يكون ظهارا ،وذلك كما إذا كان لرجل ن كلً من الزّوجتين يحلّ للزّوج قربانها ،فل زوجتان ،فشبّه إحداهما بظهر الخرى ،ل ّ يكون تشبيه واحدة منهما بالخرى متضمّنا للتّحريم حتّى يكون ظهارا . وكذا إذا قالت الزّوجة لزوجها :أنت عليّ كظهر أمّي ،أو :أنا عليك كظهر أمّك فهو لغو ، لنّ التّحريم ليس إليها . 12
-وإن شبّه الرّجل زوجته بشيء محرّم من غير النّساء فقال الحنفيّة :ل يكون ظهارا ،
كأن يقول لها :أنت عليّ كالخمر أو الخنزير أو الميتة ،فإنّه ل يكون ظهارا ،ولكن يرجع فيه إلى نيّته وقصده ،فإن قال :قصدت الطّلق كان طلقا بائنا ،وإن قال :قصدت التّحريم ل كان إيلءً . أو :لم أقصد شيئا أص ً ي ككلّ شيء حرّمه الكتاب تطلق عليه طلقا بائنا وقال المالكيّة :إن قال لزوجته :أنت عل ّ وهو مذهب ابن القاسم وابن نافع ،وفي المدوّنة :قال ربيعة :من قال :أنت عليّ مثل كلّ شيء حرّمه الكتاب ،فهو مظاهر ،وعندهم يلزم الظّهار بأيّ كلم نوى به الظّهار ،نحو : كلي ،أو اشربي ،أو اسقني ،أو اخرجي . ي كالميتة ،أو الدّم ففيه وقال الحنابلة :إن شبّه زوجته بشيء محرّم :كأن يقول :أنت عل ّ روايتان عن أحمد :إحداهما أنّه ظهار ،والرّواية الثّانية :أنّه ليس بظهار ،وقال ابن قدامة :وهو قول أكثر العلماء ،لنّه تشبيه بما ليس بمحلّ للستماع ،فأشبه ما لو قال : أنت عليّ كمال زيد ،وهل فيه كفّارة ؟ على روايتين : إحداهما :فيه كفّارة ،لنّه نوع تحريم ،وإن لم يكن ظهارا ،فأشبه ما لو حرّم ماله ، ي كالميتة والدّم :إن نوى والثّانية :ليس فيه شيء وقال أبو الخطّاب :في قوله :أنت عل ّ به الطّلق كان طلقا ،وإن نوى الظّهار كان ظهارا ،وإن نوى يمينا كان يمينا ،وإن لم ينو شيئا ففيه روايتان : إحداهما :هو ظهار ،والخرى :هو يمين .
الشّرط الرّابع :
13
-أن تكون صيغة الظّهار داّلةً على إرادته :الظّهار الّذي تترتّب عليه أحكامه هو ما
يكون بصيغة تدلّ على إرادة وقوعه .
والصّيغة :إمّا أن تكون صريحةً أو كنايةً ،وإمّا أن تكون تنجيزا أو تعليقا أو إضافةً . فصريح الظّهار عند الفقهاء ما دلّ على الظّهار دللةً واضحةً ول يحتمل شيئا آخر سواه ، ومثاله أن يقول الرّجل لزوجته :أنت عليّ كظهر أمّي ،فالظّهار يفهم من هذا الكلم بوضوح ،بحيث يسبق إلى أفهام السّامعين بدون احتياج إلى نيّة أو دللة حال . وحكم الصّريح وقوع الظّهار به بدون توقّف على القصد والرادة ،فلو قال الرّجل هذه العبارة ولم يقصد الظّهار كان ظهارا ،ولو قال :إنّه نوى به غير الظّهار ل يصدّق قضاءً ، ويصدّق ديانةً ،لنّه إذا نوى غير الظّهار فقد أراد صرف اللّفظ عمّا وضع له إلى غيره فل ينصرف إليه ،فإذا ادّعى إرادة غير الظّهار ل يسمع القاضي دعواه ،لنّها خلف الظّاهر ، ولكن يصدّق ديان ًة أي :فيما بينه وبين اللّه تعالى ،لنّه نوى ما يحتمله كلمه . والكناية عند جمهور الفقهاء ما يحتمل الظّهار وغيره ولم يغلب استعماله في الظّهار ي كأمّي أو :مثل أمّي ،فإنّه كناية في عرفا ،ومثاله أن يقول الرّجل لزوجته :أنت عل ّ الظّهار ،لنّه يحتمل أنّها مثل أمّه في الكرامة والمنزلة ،ويحتمل أنّها مثلها في التّحريم ، فإن قصد أنّها مثلها في الكرامة والمنزلة فل يكون ظهارا ول شيء عليه ،وإن نوى به الطّلق كان طلقا ،وإن نوى به الظّهار كان ظهارا ،لنّ اللّفظ يحتمل كلّ هذه المور ، فأي واحد منها أراده كان صحيحا وحمل اللّفظ عليه ،وإن قال :لم أقصد شيئا ل يكون ن هذا اللّفظ يستعمل في التّحريم وغيره فل ينصرف إلى التّحريم إلّ بنيّة . ظهارا ،ل ّ 14
-والظّهار تار ًة يكون خاليا من الضافة إلى زمن مستقبل ،ومن التّعليق على حصول
أمر في المستقبل ،وتار ًة يكون مشتملً على التّعليق على حصول أمر في المستقبل أو الضافة إلى زمن مستقبل ،فإذا خل التّعبير عن التّعليق والضافة كان الظّهار منجّزا ،وإن اشتمل على الضافة إلى زمن مستقبل كان مضافا ،وإن اشتمل على التّعليق كان معلّقا . فالظّهار المنجّز هو :ما خلت صيغة إنشائه عن الضافة إلى زمن مستقبل وعن التّعليق ي كظهر أمّي ،وهذا على حصول أمر في المستقبل مثل أن يقول الرّجل لزوجته :أنت عل ّ يعتبر ظهارا في الحال ،ويترتّب عليه أثره بمجرّد صدوره بدون توقّف على حصول شيء آخر . والظّهار المعلّق هو :ما رتّب حصوله على أمر في المستقبل بأداة من أدوات الشّرط المعروفة مثل " إن " " وإذا " " ولو " " ومتى " ونحوها . ومن أمثلة الظّهار المعلّق :أن يقول الرّجل :لزوجته :أنت عليّ كظهر أمّي إن سافرت إلى بلد أهلك .
وفي هذه الحالة ل يعتبر ما صدر عن الرّجل ظهارا قبل وجود الشّرط المعلّق عليه ،لنّ التّعليق يجعل وجود التّصرّف المعلّق مرتبطا بوجود الشّرط المعلّق عليه ،ففي المثال المتقدّم ل يكون الرّجل مظاهرا قبل أن تسافر زوجته إلى بلد أهلها ،فإذا سافرت إلى ذلك البلد صار مظاهرا ،ولزمه حكم الظّهار . وإذا علّق الظّهار بمشيئة اللّه تعالى بطل عند الحنفيّة والحنابلة ،ووجه عند الحنابلة :أنّ الظّهار يمين مكفّرة ،فصحّ فيها الستثناء . وإذا علّقه بمشيئة فلن ،أو بمشيئتها ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه يقع في التّعليق على المشيئة في المجلس . وذهب الحنابلة إلى عدم وقوع الظّهار إذا علّق على مشيئة فلن ،وتقدّم توجيه قولهم . 15
-والظّهار المضاف هو :ما كانت صيغة إنشائه مقرونةً بوقت مستقبل يقصد الزّوج
ي كظهر أمّي بعد تحريم زوجته عند حلوله ،وذلك مثل أن يقول الرّجل لزوجته :أنت عل ّ الشّهر القادم ،وفي هذه الحالة يعتبر ما صدر عن الزّوج ظهارا من وقت صدوره ،ولكنّ الحكم ل يترتّب عليه إلّ عند وجود الوقت الّذي أضيف الظّهار إليه ،لنّ الضافة ل تمنع انعقاد التّصرّف سببا لحكمه ،ولكنّها تؤخّر حكمه ،إلى الوقت الّذي أضيف إليه ،ففي قول الرّجل لزوجته :أنت عليّ كظهر أمّي بعد الشّهر القادم يعتبر مظاهرا من الوقت الّذي صدرت فيه هذه الصّيغة ،ولهذا لو كان الرّجل قد حلف باللّه تعالى :ألّ يظاهر من زوجته ،وقال لها هذه العبارة السّابقة حكم بحنثه في اليمين ،ووجبت عليه كفّارة يمين بمجرّد صدور الصّيغة المضافة ،ولكن ل يحرم عليه معاشرة زوجته إلّ عند حلول الزّمن الّذي أضاف الظّهار إليه ،وهذا عند جمهور الفقهاء . ح أن يكون ن الظّهار مثل الطّلق في تحريم المرأة على زوجها ،والطّلق يص ّ ووجهه :أ ّ مضافا ومعلّقا ،فكذلك الظّهار . ن الظّهار إذا كان مضافا إلى زمن مستقبل ،أو كان معلّقا على حصول أمر ويرى المالكيّة أ ّ في المستقبل ،وكان المعلّق عليه محقّق الحصول أو غالب الحصول في المستقبل ،فإنّه يكون منجّزا ويترتّب عليه حكمه في الحال ،فإذا قال الرّجل لزوجته :أنت عليّ كظهر أمّي بعد سنة ،أو قال لها :أنت عليّ كظهر أمّي إن جاء شهر رمضان أو هبّت الرّيح ،كان ن الظّهار كالطّلق مظاهرا في الحال ،وحرمت عليه زوجته بمجرّد صدور الصّيغة ،ل ّ كلهما يترتّب عليه تحريم الزّوجة ،والطّلق المضاف أو المعلّق على أمر محقّق الوقوع في المستقبل ،أو غالب الوقوع فيه ،يكون منجّزا ،فكذلك الظّهار .
الشّرط الخامس :
16
-أن يكون المظاهر قاصدا الظّهار .
ويتحقّق هذا الشّرط بإرادة الزّوج النّطق بالعبارة الدّالّة على الظّهار أو ما يقوم مقامها ، ى صحيح ،وإن فإذا كان مع هذه الرادة رغبة في الظّهار كان الظّهار صادرا عن رض ً وجدت الرادة وحدها ،وانتفت الرّغبة في الظّهار لم يتحقّق الرّضا ،وذلك كأن يكون الزّوج مكرها على الظّهار بتهديده بالقتل أو الضّرب الشّديد أو الحبس المديد ،فيصدر ن صدور الصّيغة من الزّوج في هذه الظّهار عنه خوفا من وقوع ما هدّد به لو امتنع ،فإ ّ الحالة يكون عن قصد لكنّه ليس عن رضىً صحيح . والظّهار في هذه الحالة -حالة الكراه -يكون معتبرا عند الحنفيّة تترتّب عليه آثاره ، لنّ الظّهار من التّصرّفات الّتي تصحّ مع الكراه كالطّلق ،واستدلّوا على ذلك بقياس ل منهما تصدر عنه صيغة التّصرّف عن قصد واختيار ،لكنّه ل المكره على الهازل ،لنّ ك ً يريد الحكم الّذي يترتّب عليه . ن جدّ ، وظهار الهازل معتبر كطلقه ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :ثلث جدّه ّ وهزلهنّ جدّ :النّكاح ،والطّلق ،والرّجعة « فيكون ظهار المكره معتبرا بالقياس على الهازل . ح ظهار المكره واستدلّوا على ذلك بما روي عن وقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :ل يص ّ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :إنّ اللّه وضع عن ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما أ ّ أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه « . 17
-وإذا صدرت صيغة الظّهار من الزّوج ،لكنّه لم يرد موجبها ،بل أراد اللّهو واللّعب -
ن الظّهار يكون معتبرا عند الفقهاء . وهذا هو الهازل -فإ ّ ن جدّ :النّكاح والطّلق ن جدّ وهزله ّ وذلك لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :ثلث جدّه ّ والرّجعة « والظّهار كالطّلق فيكون حكمه حكمه ،ولنّ الهازل يصدر عنه السّبب -وهو الصّيغة -وهو قاصد مختار ،إلّ أنّه ل يريد الحكم الّذي يترتّب عليه ،وترتيب الحكام على أسبابها موكول إلى الشّارع ل إلى العاقد . 18
-ولو أراد الزّوج أن يتكلّم بغير الظّهار ،فجرى على لسانه الظّهار من غير قصد أصلً
وهذا هو المخطئ -فل يعتبر ظهارا ديان ًة ،ويعتبر ظهارا قضا ًء ،ومعنى اعتباره فيالقضاء دون الدّيانة أنّه إذا لم يعلم بالظّهار إلّ الزّوج كان له أن يستمرّ في معاشرة زوجته بدون حرج ول كفّارة عليه في ذلك ،وإذا سأل فقيها عمّا صدر منه جاز له أن يفتيه بألّ شيء عليه ،متى علم صدقه فيما يقول ،فإذا تنازع الزّوجان ،ورفع المر إلى القاضي حكم بتحريم المرأة على الرّجل حتّى يكفّر ،لنّ القاضي يبني أحكامه على الظّاهر ،واللّه
يتولّى السّرائر ،ولو قبل في القضاء دعوى أنّ ما جرى على لسانه لم يكن مقصودا ، وإنّما المقصود شيء آخر لنفتح الباب أمام المحتالين الّذين يقصدون النّطق بالصّيغة الدّالّة على الظّهار ،ثمّ يدّعون أنّه كان سبق لسان ،وهذا مذهب الحنفيّة . ومذهب المالكيّة والشّافعيّة -كما يؤخذ ممّا نصّوا عليه في الطّلق -إذا ثبت أنّ الزّوج لم يقصد النّطق بصيغة الظّهار ،بل قصد التّكلّم بشيء آخر ،فز ّل لسانه وتكلّم بالصّيغة الدّالّة على الظّهار ل يكون ظهارا في القضاء ،كما ل يكون ظهارا في الدّيانة والفتوى . ويتّضح ممّا تقدّم الفرق بين الكراه والهزل والخطأ ،وهو أنّه في الكراه تكون العبارة صادرةً عن قصد واختيار ،ولكنّه اختيار غير سليم لوجود الكراه ،وهو يؤثّر في الرادة ويجعلها ل تختار ما ترغب فيه وترتاح إليه ،بل تختار ما يدفع الذى والضّرر . ن حكمها ل وفي الهزل تكون العبارة مقصودةً ،لنّها تصدر برضا الزّوج واختياره ،ولك ّ يكون مقصودا ،لنّ الزّوج ل يريد هذا الحكم ،بل يريد شيئا آخر هو اللّهو واللّعب . وفي الخطأ ل تكون العبارة الّتي نطق بها الزّوج مقصود ًة أصلً ،بل المقصود عبارة أخرى وصدرت هذه بدلً عنها .
الشّرط السّادس :
19
-قيام الزّوجيّة بينهما حقيقةً أو حكما .
قيام الزّواج حقيقةً يتحقّق بعقد الزّواج الصّحيح بين الرّجل والمرأة وعدم حصول الفرقة بينهما من غير توقّف على الدّخول ،فإذا تزوّج رجل امرأةً زواجا صحيحا ،ثمّ ظاهر منها كان الظّهار صحيحا ،دخل بها قبل الظّهار أو لم يدخل ،وهذا عند جمهور الفقهاء . ن مِن وحجّة الجمهور على عدم اشتراط الدّخول :قول اللّه تعالى { :وَالّذِينَ ُيظَا ِهرُو َ ّنسَا ِئ ِهمْ } فإنّه يد ّل دللةً واضحةً على أنّ الشّرط في الظّهار :أن تكون المرأة المظاهر منها من نساء الرّجل ،والمرأة تعتبر من نساء الرّجل بالعقد الصّحيح ،دخل بها أو لم يدخل . وقيام الزّواج حكما يتحقّق بوجود العدّة من الطّلق الرّجعيّ ،فإذا طلّق الرّجل زوجته طلقا رجعيّا كان الزّواج بعده قائما طوال مدّة العدّة ،لنّ الطّلق الرّجعيّ ل يزيل رابطة الزّوجيّة إلّ بعد انقضاء العدّة ،فالمطلّقة طلقا رجعيّا تكون محلً للظّهار ،كما تكون محلً للطّلق ما دامت في العدّة . ي :أنت عليّ وعلى هذا لو قال الرّجل لمرأة ليست زوجته ول معتدّةً له من طلق رجع ّ كظهر أمّي ل يكون ظهارا ،حتّى لو تزوّجها بعد ذلك حلّ له وطؤها ،ول يلزمه شيء وهذا هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء .
ن الظّهار إنّما ن مِن ّنسَا ِئ ِهمْ } وهو يفيد أ ّ ن ُيظَاهِرُو َ ن اللّه تعالى قال { :وَالّذِي َ ووجهه :أ ّ يكون من نساء الرّجل ،والجنبيّة أو المعتدّة من طلق غير رجعيّ ل تعتبر من نسائه ،فل يكون الظّهار منها صحيحا . ي كظهر أمّي كان ظهارا ،فلو وقال الحنابلة :إذا قال الرّجل لمرأة أجنبيّة :أنت عل ّ ن الظّهار يمين تنتهي بالكفّارة ، تزوّجها ل يحلّ له وطؤها حتّى يأتي بالكفّارة ،ووجهه :أ ّ فصحّ انعقاده قبل النّكاح كاليمين باللّه تعالى . 20
-وإذا علّق الظّهار من الجنبيّة على الزّواج بها ،مثل أن يقول رجل لمرأة أجنبيّة :
أنت عليّ كظهر أمّي إن تزوّجتك ،فقد اختلف الفقهاء في انعقاده : فقال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة :إنّه ينعقد ،وعلى هذا لو تزوّج الرّجل المرأة الّتي علّق الظّهار منها على الزّواج بها كان مظاهرا ،فل تحلّ له حتّى يكفّر ،وحجّتهم في ذلك ما رواه أحمد بإسناده عن عمر بن الخطّاب أنّه قال في رجل قال :إن تزوّجت فلنة فهي عليّ كظهر أمّي فتزوّجها ،قال :عليه كفّارة الظّهار . ولنّ المعلّق بالشّرط كالمنجّز عند وجود الشّرط ،والمرأة عند وجود الشّرط زوجة ،فتكون محلً للظّهار كما تكون محلً للطّلق . وقال الشّافعيّة :الظّهار المعلّق على الزّواج ل ينعقد ،وتأسيسا على هذا :لو تزوّج الرّجل المرأة الّتي علّق الظّهار منها على الزّواج بها ل يكون مظاهرا ،فيحلّ له قربانها ،ول يلزمه شيء ،وحجّتهم في ذلك : ن مِن ّنسَا ِئ ِهمْ } فهو سبحانه إنّما جعل الظّهار من أ ّولً :قول اللّه تعالى { :وَالّذِينَ ُيظَا ِهرُو َ نساء الرّجل ،والمرأة الّتي يعلّق الظّهار منها على الزّواج بها ل تعتبر من نساء الرّجل عند إنشاء الظّهار ،فل يكون الظّهار منها صحيحا . ي صلى ال عليه وسلم » :ل طلق قبل نكاح ول عتق قبل ملك « م فإنّه ثانيا :قول النّب ّ يدلّ على بطلن الطّلق قبل الزّواج على سبيل العموم ،فيشمل ك ّل طلق قبل الزّواج سواء كان منجّزا أو معلّقا ،والظّهار مثل الطّلق كلهما يفيد تحريم الزّوجة ،فل يصحّ قبل الزّواج منجّزا كان أو معلّقا ،اعتبارا بالطّلق .
الشّرط السّابع :
21
-التّكليف :يشترط في الرّجل لكي يكون ظهاره صحيحا أن يكون مكلّفا ،وذلك يتحقّق
بأمور : ي ولو كان مميّزا ،لنّ حكم الظّهار التّحريم ، أ -البلوغ :فل يصحّ الظّهار من الصّب ّ ي صلى ال عليه ي حتّى يبلغ ،يدلّ على ذلك قول النّب ّ وخطاب التّحريم مرفوع عن الصّب ّ
وسلم » :رفع القلم عن ثلثة :عن المجنون حتّى يبرأ ،وعن النّائم حتّى يستيقظ ،وعن الصّبيّ حتّى يعقل « . يل ويترتّب على الظّهار تحريم الزّوجة ،فهو كالطّلق من هذه النّاحية ،وطلق الصّب ّ يعتبر ،فكذلك ظهاره ل يعتبر . ي الّذي ل يعقل ، ب -العقل :فل يصحّ الظّهار من المجنون حال جنونه ،ول من الصّب ّ لنّ العقل أداة التّفكير ومناط التّكليف وهو غير متحقّق في المجنون والصّبيّ غير العاقل . ومثل المجنون في الحكم :المعتوه والمبرسم والمدهوش والمغمى عليه والنّائم . ن ظهاره ل يعتبر إن كان سكره من طريق غير وأمّا السّكران فقد اتّفق الفقهاء على أ ّ ن السّكران ل وعي محرّم ،وذلك كما إذا شرب المسكر للضّرورة أو تحت ضغط الكراه ،ل ّ عنده ،ول إدراك فهو كالمجنون أو كالنّائم ،فكما ل يعتبر الظّهار الصّادر من المجنون والنّائم فكذلك ل يعتبر الظّهار الصّادر من السّكران في هذه الحالة . أمّا إذا كان سكره من طريق محرّم ،بأن شرب المسكر باختياره من غير حاجة أو ضرورة حتّى سكر ،فقد اختلف الفقهاء في اعتبار ظهاره بنا ًء على اختلفهم في اعتبار طلقه ، فمن قال منهم باعتبار طلقه قال باعتبار ظهاره ،وهم أكثر الحنفيّة ،ومالك ،والشّافعيّ وأحمد في رواية . ووجهه :أنّه لمّا تناول المحرّم باختياره كان متسبّبا في زوال عقله ،فيجعل عقله موجودا حكما عقوبةً له وزجرا عن ارتكاب المعصية . ومن قال من الفقهاء بعدم اعتبار طلق السّكران قال ل يعتبر ظهاره ،وهم زفر من الحنفيّة وأحمد في رواية ،وهو منقول عن عثمان بن عفّان وعمر بن عبد العزيز ،وحجّتهم في ذلك أنّ صحّة التّصرّف تعتمد على القصد والرادة الصّحيحة ،والسّكران قد غلب السّكر على عقله فل يكون عنده قصد ول إرادة صحيحة ،فل يعتدّ بالعبارة الصّادرة منه ،كما ل يعتدّ بالعبارة الصّادرة من المجنون والنّائم والمغمى عليه . ح ظهاره سواء كان كتابيّا أم غير كتابيّ . ج -السلم :فلو كان الزّوج غير مسلم ل يص ّ وهذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة وروايةً عن أحمد . وقال الشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة :إسلم الزّوج ليس بشرط في صحّة الظّهار ، فيصحّ الظّهار من المسلم وغير المسلم . ن الخطاب ن ُيظَا ِهرُونَ مِنكُم مّن ّنسَا ِئهِم } فإ ّ وحجّة الحنفيّة والمالكيّة قول اللّه تعالى { :الّذِي َ ن الظّهار مخصوص بهم دون غيرهم من الكافرين . فيه للمسلمين ،فيدلّ على أ ّ
ن مِنكُم مّن ّنسَا ِئهِم} والزواج المذكورون في الية التّالية لهذه الية وهي { :الّذِينَ ُيظَاهِرُو َ ل يراد بهم المسلمون وغير المسلمين بل المراد بهم الزواج المذكورون في الية السّابقة ،لنّ هذه الية إنّما جاءت لبيان حكم الظّهار المذكور في الية الّتي قبلها ،وهو الظّهار الّذي يكون من المسلمين ل من غيرهم . وأيضا فإنّ الظّهار يقتضي تحريم الزّوجة تحريما ينتهي بالكفّارة ،والكافر ليس أهلً ح العبادة منه . للكفّارة ،لنّها عبادة ،والكافر ل تص ّ ن مِنكُم مّن ّنسَا ِئهِم } فإنّه وحجّة الشّافعيّة والحنابلة :قول اللّه تعالى { :الّذِينَ ُيظَاهِرُو َ عامّ ،فيشمل المسلمين وغير المسلمين ،وتوجيه الخطاب للمسلمين في الية السّابقة ل ن المسلمين هم الصل في التّكاليف الشّرعيّة ، يدلّ على أنّ الظّهار مخصوص بهم ،ل ّ وغيرهم تابع لهم في ذلك ،ول يثبت التّخصيص إ ّل بدليل يدلّ عليه ،ول يوجد هذا الدّليل هنا . ح منه ح منه بعض أنواع الكفّارة وهو العتق والطعام ،وإن كان ل يص ّ والكافر يص ّ الصّيام ،وامتناع صحّة بعض النواع من الكافر ل يجعله غير أهل للظّهار ،قياسا على الرّقيق ،فإنّه أهل للظّهار مع أنّه يمتنع منه العتاق .
أثر الظّهار :
إذا تحقّق الظّهار وتوافرت شروطه ترتّب عليه الثار التية : 22
-أ -حرمة المعاشرة الزّوجيّة قبل التّكفير عن الظّهار ،وهذه الحرمة تشمل حرمة
الوطء ودواعيه من تقبيل أو لمس أو مباشرة فيما دون الفرج . أمّا حرمة الوطء قبل التّكفير فل خلف فيها بين الفقهاء ،وذلك لتّفاقهم ،على إرادة ن مِن ّنسَا ِئ ِهمْ ُثمّ َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا فَ َتحْرِيرُ ن ُيظَاهِرُو َ الوطء في قول اللّه تعالى { :وَالّذِي َ رَقَ َب ٍة مّن قَ ْبلِ أَن يَ َتمَاسّا } . ولما روي » :أنّ رجلً ظاهر من امرأته ث ّم واقعها قبل أن يكفّر ،فسأل النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن ذلك ؟ فقال صلى ال عليه وسلم :استغفر اللّه ول تعد حتّى تكفّر « أمره بالستغفار من الوقاع ،وهو إنّما يكون من الذّنب ،فد ّل هذا على حرمة الوطء قبل التّكفير ،كما أنّه صلى ال عليه وسلم نهاه عن العود إلى الوقاع حتّى يكفّر ،ومطلق النّهي ل على حرمة الوقاع قبل التّكفير ،وكذلك يحرم ي عنه ،فيكون دلي ً يدلّ على تحريم المنه ّ عليها تمكينه من نفسها قبل ذلك . وأمّا حرمة دواعي الوطء فهو مذهب الحنفيّة وأكثر المالكيّة وإحدى الرّوايتين عن المام أحمد ،وذلك لقول اللّه تعالى { :فَ َتحْرِيرُ رَقَ َبةٍ مّن قَ ْبلِ أَن يَ َتمَاسّا } فإنّه أمر المظاهر
س يصدق على المسّ باليد وغيرها من أجزاء الجسم ،كما س " والتّما ّ بالكفّارة قبل " التّما ّ يصدق على الوطء ،والوطء قبل التّكفير حرام بالتّفاق ،فالمسّ باليد وما في معناه يكون س والتّقبيل بشهوة والمباشرة فيما دون الفرج تدعو إلى الوطء ، حراما مثله ،ولنّ الم ّ ومتى كان الوطء حراما كانت الدّواعي إليه حراما أيضا ،بناءً على القاعدة الفقهيّة " :ما أدّى إلى الحرام حرام " . وذهب الشّافعيّة في الظهر وبعض المالكيّة وأحمد في رواية إلى إباحة الدّواعي في س في قول اللّه تعالى { :مّن قَ ْبلِ أَن يَ َتمَاسّا } الوطء ،ووجه ذلك :أنّ المراد من الم ّ ن مِن قَ ْبلِ أَن َت َمسّوهُنّ } فل يحرم الجماع ،وذلك كما في قول اللّه تعالى َ { :وإِن طَّلقْتُمُوهُ ّ س بشهوة والمباشرة فيما دون الفرج ،ولنّ تحريم الوطء بالظّهار ما عداه من التّقبيل والم ّ ل منهما وطء محرّم ول يخلّ بالنّكاح ، يشبه تحريم الوطء بالحيض ،من ناحية أنّ ك ً وتحريم الوطء في الحيض ل يقتضي تحريم الدّواعي إليه ،فكذلك تحريم الوطء بالظّهار ل يقتضي تحريم الدّواعي إليه بالقياس عليه . ولو وطئ المظاهر المرأة الّتي ظاهر منها قبل التّكفير أو استمتع بها بغير الوطء عصى ربّه ،لمخالفة أمره الوارد في قوله تعالى { :فَ َتحْرِيرُ رَقَ َبةٍ مّن قَ ْبلِ أَن يَ َتمَاسّا } ول يلزمه إ ّل كفّارة واحدة ،وتبقى زوجته حراما عليه كما كانت حتّى يكفّر ،وهذا قول جمهور الفقهاء ،ووجهه ما روي عن عكرمة عن ابن عبّاس رضي ال عنهما » :أنّ رجلً أتى النّبيّ صلى ال عليه وسلم قد ظاهر من امرأته فوقع عليها ،فقال :يا رسول اللّه إنّي قد ظاهرت من زوجتي فوقعت عليها قبل أن أكفّر ،فقال :وما حملك على ذلك يرحمك اللّه ؟ قال :رأيت خلخالها في ضوء القمر ،قال :فل تقربها حتّى تفعل ما أمرك اللّه به « . ن المظاهر إذا وطئ قبل أن يكفّر لزمته الكفّارة ول تسقط عنه فالحديث واضح الدّللة على أ ّ ن زوجته تبقى حراما كما كانت حتّى يكفّر . بالوطء قبل التّكفير ،وأ ّ 23
-ب -إنّ للمرأة الحقّ في مطالبة الزّوج بالوطء ،وعليها أن تمنع الزّوج من الوطء
حتّى يكفّر ،فإن امتنع عن التّكفير كان لها أن ترفع المر إلى القاضي ،وعلى القاضي أن يأمره بالتّكفير ،فإن امتنع أجبره بما يملك من وسائل التّأديب حتّى يكفّر أو يطلّق ،وهذا عند الحنفيّة ،ووجهه :أنّ الزّوج قد أض ّر بزوجته بتحريمها عليه بالظّهار ،حيث منعها حقّها في الوطء مع قيام الزّواج بينهما ،فكان للزّوجة المطالبة بإيفاء حقّها ودفع الضّرر عنها ،والزّوج في وسعه إيفاء حقّ الزّوجة بإزالة الحرمة بالكفّارة ،فيكون ملزما بذلك شرعا ،فإذا امتنع من القيام بذلك أجبره القاضي على التّكفير أو الطّلق .
وقال المالكيّة :إذا عجز المظاهر عن الكفّارة كان لزوجته أن تطلب من القاضي الطّلق ، لتضرّرها من ترك الوطء ،وعلى القاضي أن يأمر الزّوج بالطّلق ،فإن امتنع طلّق القاضي عليه في الحال ،وكان الطّلق رجعيّا ،فإن قدر الزّوج على الكفّارة قبل انقضاء العدّة كفّر وراجعها . وإذا كان المظاهر قادرا على الكفّارة وامتنع عن التّكفير ،فللزّوجة طلب الطّلق ،فإن طلبت الطّلق من القاضي ل يطلّقها إلّ إذا مضت أربعة أشهر كما في اليلء ،فإن مضت الربعة أشهر أمر القاضي الزّوج بالطّلق أو التّكفير ،فإن امتنع طلّق القاضي عليه ،وكان الطّلق رجعيّا . وتأجيل الطّلق إلى مضيّ الربعة أشهر ل خلف فيه ،ولكنّ الخلف في ابتداء هذه الربعة ،ففي قول تبدأ من يوم الظّهار ،وعليه اقتصر أبو سعيد البراذعيّ في اختصاره للقوال بالمدوّنة ،وفي قول تبدأ من يوم الحكم وهو لمالك أيضا والرجح عند ابن يونس ، وفي قول ثالث :تبدأ من وقت تبيّن الضّرر ،وهو يوم المتناع من التّكفير وعليه تؤوّلت المدوّنة . 24
-ج -وجوب الكفّارة على المظاهر قبل وطء المظاهر منها ودواعي الوطء ،وذلك لنّ
اللّه تعالى أمر المظاهرين بالكفّارة إذا عزموا على معاشرة زوجاتهم اللتي ظاهروا منهنّ حرِيرُ رَقَ َب ٍة مّن ن ِلمَا قَالُوا فَ َت ْ ن مِن ّنسَا ِئ ِهمْ ُثمّ َيعُودُو َ في قوله جلّ شأنه { :وَالّذِينَ ُيظَا ِهرُو َ ن الظّهار معصية لما فيه من قَ ْبلِ أَن يَ َتمَاسّا } والمر يدلّ على وجوب المأمور به ،ول ّ المنكر والزّور ،فأوجب اللّه الكفّارة على المظاهر حتّى يغطّي ثوابها وزر هذه المعصية . والكلم عن كفّارة الظّهار يتناول المور التية :
المر الوّل :سبب وجوب الكفّارة :
26
-اختلف الفقهاء في سبب وجوب الكفّارة ،فقال بعض الحنفيّة والحنابلة :سبب
وجوبها الظّهار . وقال بعض الحنفيّة والحنابلة :إنّها تجب بالظّهار ،والعود شرط لتقرير وجوب الكفّارة ، ووجه أنّ السّبب يتكرّر الحكم بتكرّره ،والكفّارة تكرّر بتكرّر الظّهار ،فدلّ هذا على أنّ الظّهار هو سبب وجوب الكفّارة . وقال بعض الفقهاء :سبب وجوب الكفّارة هو العزم على وطء المظاهر منها ،وإلى هذا ن اللّه تعالى أوجب الكفّارة بالعود وقبل ذهب المالكيّة ،وبعض الحنفيّة ،ووجهه :أ ّ ن مِن ّنسَا ِئ ِهمْ ُثمّ َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا فَ َتحْرِيرُ ن ُيظَاهِرُو َ التّماسّ ،وذلك بقوله سبحانه { :وَالّذِي َ س الّذي هو الوطء ،وذلك رَقَ َب ٍة مّن قَ ْبلِ أَن يَ َتمَاسّا } وهو صريح في أنّ العود غير التّما ّ
إنّما هو العزم عليه ،فيكون هو السّبب في وجوب الكفّارة ،ولنّ الزّوج قصد تحريم الزّوجة بالظّهار ،فالعزم على وطئها عود فيما قصده . وقال بعض الحنفيّة ،والشّافعيّة في أحد الوجه ،رجّحه الشّربينيّ الخطيب ،وهو ما رجّحه ابن قدامة في مذهب الحنابلة :سبب وجوب الكفّارة هو الظّهار والعود معا ،ووجهه :أنّ اللّه تعالى أوجب الكفّارة بأمرين :ظهار وعود ،وذلك في قوله ع ّز وجلّ { :وَالّذِينَ ن مِن ّنسَا ِئ ِهمْ ُثمّ َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا فَ َتحْرِيرُ رَقَ َبةٍ } فل تثبت الكفّارة بأحدهما دون ُيظَاهِرُو َ الخر .
المر الثّاني :استقرار الكفّارة في ال ّذمّة :
26
-كفّارة الظّهار تثبت في ذمّة المظاهر حتّى يؤدّيها فإن مات قبل أن يؤدّيها سقطت عند
الحنفيّة والمالكيّة إ ّل إذا أوصى بها فتخرج من ثلث التّركة عندهما . وزاد المالكيّة أنّ المظاهر إن أشهد في صحّته أنّها بذمّته فإنّها تخرج من التّركة ،سواء أوصى بإخراجها أم لم يوص ،وهذا إن لم يطأ ،فإن وطئ فل تسقط بالموت عند جميع الفقهاء . وقال الشّافعيّة والحنابلة :إنّ كفّارة الظّهار ل تسقط بالموت ،بل يؤدّيها الوارث عن الميّت من التّركة .
المر الثّالث :شروط كفّارة الظّهار :
27
-يشترط لجزاء الكفّارة عن الظّهار أمران :
ن الحكم إذا كان له سبب فل الوّل :أن يكون التيان بالكفّارة بعد تحقّق سبب وجوبها ،ل ّ يجوز أن يتقدّم على سببه ،وتأسيسا على هذا :لو أطعم رجل ستّين مسكينا ،وقال :هذا الطعام عن ظهاري إن ظاهرت ،ثمّ ظاهر من امرأته لم يجزئه عن ظهاره ،لنّه قدّم الكفّارة على سبب وجوبها ،والحكم ل يجوز تقديمه على سبب وجوبه ،كما لو كفّر عن اليمين قبل الحلف ،أو كفّر عن القتل قبل القدام عليه . ي كظهر أمّي ،لم يجز له التّكفير قبل وإذا قال رجل لمرأته :إن دخلت دار فلن فأنت عل ّ ن الظّهار معلّق على شرط وهو دخول الدّار ،والمعلّق على أن تدخل زوجته تلك الدّار ،ل ّ شرط ل يوجد قبل وجود ذلك الشّرط . الثّاني :النّيّة :وذلك بأن يقصد العتاق أو الصّيام أو الطعام عن الكفّارة الّتي عليه ،وأن يكون هذا القصد مقارنا لفعل أيّ نوع منها ،أو سابقا على فعله بزمن يسير ،وذلك لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :إنّما العمال بالنّيّات « .
ن كلّ نوع من النواع الواجبة في الكفّارة يحتمل أن يكون التيان به للتّكفير ،ويحتمل ول ّ أن يكون لغيره ،فل يتعيّن التّكفير إلّ بالنّيّة ،وعلى هذا لو أعتق المظاهر أو صام أو أطعم بدون نيّة ،ثمّ نوى أن يكون العتق أو الصّوم أو الطعام عن الكفّارة الّتي عليه فل يجزئه ، وكذلك لو نوى الصمّيام ولم يقصمد أنّه عمن كفّارة الظّهار الّتمي عليمه لم يجزه عمن الصمّيام ن الو قت الّذي صام ف يه ي صلح لل صّيام عن الكفّارة و عن غير ها ، الوا جب في الكفّارة ،ل ّ مثل النّذر المطلق وقضاء رمضان ،فل يتعيّن الصّوم للكفّارة إلّ بالنّيّة .
المر الرّابع :خصال كفّارة الظّهار :
28
-خصال كفّارة الظّهار ثلثة ،وهي واجبة باتّفاق الفقهاء على التّرتيب التي :
أ -العتاق . ب -الصّيام . ج -الطعام . ن ِلمَا قَالُوا ن مِن ّنسَا ِئ ِهمْ ُثمّ َيعُودُو َ والصل في ذلك قول اللّه تعالى { :وَالّذِينَ ُيظَا ِهرُو َ ن ِبهِ وَالّلهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ َ ،فمَن ّلمْ َيجِدْ عظُو َ فَ َتحْرِيرُ رَقَ َبةٍ مّن قَ ْبلِ أَن يَ َتمَاسّا ذَ ِل ُكمْ تُو َ سكِينا ذَِلكَ طعَا ُم سِتّينَ ِم ْ ن مِن قَ ْبلِ أَن يَ َتمَاسّا َفمَن ّلمْ َيسْ َتطِعْ فَ ِإ ْ شهْرَ ْينِ مُتَتَا ِبعَيْ ِ فَصِيَامُ َ لِ ُت ْؤمِنُوا بِالّل ِه وَ َرسُو ِلهِ } . ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لوس بن الصّامت حين ظاهر من امرأته » :يعتق رقب ًة ،قيل له :ل يجد قال :يصوم « . وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح ( :كفّارة ) .
انتهاء الظّهار :
29
-ينتهي الظّهار بعد انعقاده موجبا لحكمه بواحد من المور التية :
أ -الكفّارة . ب -الموت . ج -مضيّ المدّة .
أ -انتهاء الظّهار بالكفّارة :
30
-إذا ظاهر الرّجل من زوجته ،وتحقّق ركن الظّهار ،وتوافرت شروطه ترتّب عليه
تحريم المرأة على زوجها ،ول ينتهي هذا التّحريم إ ّل بالكفّارة متى كان الظّهار مطلقا عن ي صلى ال عليه وسلم لمن وطئ زوجته الّتي ظاهر التّقييد بزمن معيّن ،وذلك لقول النّب ّ منها قبل أن يكفّر » :ل تقربها حتّى تفعل ما أمرك اللّه ع ّز وجلّ « ،إذ نهاه عن العود إلى ن الظّهار ل ينتهي حكمه إلّ وطئها ،وجعل لهذا النّهي غايةً هي التّكفير ،فد ّل هذا على أ ّ
بالكفّارة ،ولهذا قال الفقهاء :إنّ الرّجل إذا ظاهر من زوجته وفارقها بطلق بائن بينونةً صغرى ،ثمّ عادت إليه بعقد جديد ل يحلّ له وطؤها حتّى يكفّر ،سواء رجعت إليه بعد زوج آخر أو قبله ،وكذلك إذا طلّقها ثلثا وتزوّجت برجل آخر ،ثمّ عادت إليه ،ل يحلّ له ن الظّهار قد انعقد موجبا لحكمه ي في البدائع بأ ّ وطؤها قبل أن يكفّر ،وعلّل ذلك الكاسان ّ ي إذا انعقد مفيدا لحكمه فإنّه يبقى متى كان في وهو الحرمة والصل أنّ التّصرّف الشّرع ّ بقائه فائدة محتملة ،واحتمال عودة المرأة بعد الطّلق إلى زوجها الوّل قائم ،فيبقى الظّهار ،وإذا بقي فإنّه يبقى على ما انعقد عليه ،وهو ثبوت الحرمة الّتي ترتفع بالكفّارة .
ب -انتهاء الظّهار بالموت :
31
-وينتهي الظّهار أيضا بموت الزّوجين أو أحدهما ،فلو ظاهر الرّجل من زوجته ثمّ مات
أو ماتت زوجته انتهى الظّهار وانتهى حكمه باتّفاق الفقهاء جميعا ،لنّ موجب الظّهار الحرمة ،وهي متعلّقة بالرّجل والمرأة ،فالرّجل يحرم عليه الستمتاع بالمرأة الّتي ظاهر منها ،والمرأة عليها أ ّل تمكّنه من نفسها حتّى يكفّر ،ول يتصوّر بقاء الحكم بدون من تعلّق به . هذا بالنّسبة للظّهار وأثر الموت فيه ،أمّا بالنّسبة للكفّارة والمطالبة بها بعد الموت ،فقد سبق بيانه ف
26
.
ج -مضيّ المدّة :
32
-وينحلّ الظّهار المؤقّت بمضيّ مدّته عند جمهور الفقهاء ،وقد سبق بيان التّوقيت
والتّأبيد في الظّهار في فقرة ( . ) 6
انظر :الصّلوات الخمس المفروضة .
انظر :أسرة .
انظر :عين .
التّعريف :
ظهْر * ُ عَائِلَة * عَائِن * عَاج *
1
-العاج في اللّغة :أنياب الفيل ،ول يسمّى غير النّاب عاجا .
والعوّاج :بائع العاج ،حكاه سيبويه ،وفي الصّحاح :والعاج :عظم الفيل ،الواحدة عاجة ،وقال شمر :ويقال للمسك عاج . ي :والدّليل على صحّة ما قال شمر في العاج :إنّه المسك ،ما جاء في حديث قال الزهر ّ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال لثوبان » :اشتر لفاطمة قلد ًة من عصب مرفوع أ ّ ن أنيابها ميتة ،وإنّما وسوارين من عاج « ،لم يرد بالعاج ما يخرط من أنياب الفيلة ،ل ّ العاج الذّبل ،وهو ظهر السّلحفاة البحريّة ،فأمّا العاج الّذي هو للفيل فنجس عند الشّافعيّ وطاهر عند أبي حنيفة . ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ ،فالشّافعيّة قالوا عن العاج :إنّه الذّبل وهو عظم السّلحفاة البحريّة ،والحنفيّة والمالكيّة والحنابلة قالوا إنّه المأخوذ من ناب الفيل .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الذّبل : 2
-في لسان العرب :الذّبل :ظهر السّلحفاة ،وفي المحكم :جلد السّلحفاة البرّيّة ،وقيل:
البحريّة يجعل منه المشاط ،ويجعل منه المسك أيضا ،وقيل :الذّبل :عظام ظهر دابّة من دوابّ البحر تتّخذ منه نساء أسورةً ،وقال ابن شميل :الذّبل القرون يسوّى منه المسك . وفي المصباح :الذّبل :شيء كالعاج . ب -المسك : 3
-في اللّسان :المسك :الذّبل ،والمسك :السورة والخلخيل من الذّبل والقرون
والعاج ،واحدته مسكة . قال الجوهريّ :المسك بالتّحريك أسورة من ذبل أو عاج .
الحكام المتعلّقة بالعاج : أوّلً :حكمه من حيث الطّهارة والنّجاسة :
اختلفت أقوال الفقهاء في طهارة العاج أو نجاسته على ثلثة أقوال : 4
-الوّل :أنّه نجس ،وهو المذهب عند الحنابلة ،والصّحيح عند الشّافعيّة ،وقول محمّد
ن عظمه نجس ، بن الحسن من الحنفيّة ،قالوا :إنّ العاج المتّخذ من عظم الفيل نجس ل ّ ن ما أبين من حيّ فهو ميّت ، ي أو وهو ميّت ،ل ّ وسواء أخذ العظم من الفيل وهو ح ّ وسواء أخذ منه بعد ذكاته أو بعد موته .
واستدلّوا على نجاسته بقول اللّه تعالى { :حُ ّرمَتْ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَيْ َتةُ } والعظم من جملتها فيكون محرّما والفيل ل يؤكل لحمه ،فهو نجس على ك ّل حال . واحتجّ الشّافعيّ كذلك بما روى عمرو بن دينار عن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما أنّه كره أن يدهن في عظم فيل ،لنّه ميتة ،والسّلف يطلقون الكراهة ويريدون بها التّحريم ، ولنّه جزء متّصل بالحيوان اتّصال خلقة فأشبه العضاء . ي صلى ال عليه وسلم امتشط بمشط من عاج « ،وما روي وأمّا ما روي من » :أنّ النّب ّ من » :أنّه صلى ال عليه وسلم طلب من ثوبان أن يشتري لفاطمة رضي ال تعالى عنها قلد ًة من عصب وسوارين من عاج « ،فل دليل في ذلك على الطّهارة ،لنّ العاج هو الذّبل وهو عظم ظهر السّلحفاة البحريّة ،كذا قاله الصمعيّ وابن قتيبة وغيرهما من أهل ي البغداديّ :العرب تسمّي كلّ عظم عاجا . اللّغة ،وقال أبو عل ّ -5القول الثّاني :أنّه طاهر ،قال بذلك الحنفيّة -غير محمّد بن الحسن -وهو طريق عند الشّافعيّة ،وهو رواية عن أحمد ،ذكرها صاحب الفروع ،وخرّج أبو الخطّاب من الحنابلة أيضا الطّهارة ،قال في الفائق واختاره الشّيخ تقيّ الدّين بن تيميّة ،قال ابن تيميّة :القول بالطّهارة هو الصّواب . وهو قول ابن وهب من المالكيّة . ن الميتة من الحيوان في عرف الشّرع اسم لما زالت واستدلّوا بأنّ العظم ليس بميّت ،ل ّ حياته ل بصنع أحد من العباد ،أو بصنع غير مشروع ول حياة في العظم فل يكون ميتةً ، كما أنّ نجاسة الميتات ليست لعيانها ،بل لما فيها من الدّماء السّائلة والرّطوبات النّجسة ،ولم توجد في العظم . واستدلّوا من السّنّة بما رواه عبد اللّه بن عبّاس قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه ط َع ُمهُ } ،أل كلّ شيء من عمٍ َي ْ ي إِلَيّ ُمحَرّما عَلَى طَا ِ وسلم قال { » :قُل ّل َأجِدُ فِي مَا ُأوْحِ َ الميتة حلل إ ّل ما أكل منها « . ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يمتشط بمشط من عاج « . وبما روي عن أنس » :أ ّ -6القول الثّالث :وهو التّفصيل بين ذكاة الحيوان المأخوذ منه العاج -وهو الفيل -أو عدم ذكاته ،وهو ما ذهب إليه المالكيّة في المشهور عندهم ،جاء في الدّردير وحاشية الدّسوقيّ :الظّاهر ما ذكّي من الحيوان ذكاةً شرع ّيةً ،وكذلك جزؤه من عظم لحم وظفر ن الذّكاة ل تنفع فيها ، وسنّ وجلد إلّ محرّم الكل كالخيل والبغال والحمير والخنزير ،فإ ّ والنّجس ما أبين من حيوان نجس الميتة حيّا أو ميّتا من قرن وعظم وظلف وظفر وعاج أي سنّ فيل .
وفي الموّاق :قال ابن شاس :كلّ حيوان غير الخنزير يطهر بذكاته كلّ أجزائه من لحم وعظم وجلد . ك فهو نجس ،وإذا وعلى ذلك فإذا أخذ العاج من عظام الفيل وهو حيّ ،أو وهو ميّت لم يذ ّ أخذ بعد ذكاته فهو طاهر هذا هو المشهور عند المالكيّة . وهو وجه شا ّذ عند الشّافعيّة . ن الفيل يؤكل لحمه ،فعلى هذا إذا ذكّي كان قال النّوويّ في باب الطعمة :وجه شاذّ أ ّ عظمه طاهرا .
ثانيا :حكم النتفاع بالعاج : أ -اتّخاذ النية منه :
7
-القائلون بطهارة عظم الفيل -الّذي يتّخذ منه العاج -وهم الحنفيّة ومن معهم يجوز
ي صلى ال عليه وسلم كان يمتشط بمشط من عاج ، عندهم اتّخاذ النية منه ،لنّ النّب ّ وهذا يدلّ على جواز اتّخاذ النية من عظم الفيل . والمستفاد من كلم الشّافعيّة وهم القائلون بنجاسته أنّه يجوز اتّخاذ النية منه ،لكن ل ن الوضوء يجوز استعماله في شيء رطب ويجوز في يابس مع الكراهة ،ولذلك قالوا :إ ّ من الناء المعوّج -أي المضبّب بقطعة من عظم الفيل -إن أصاب الماء تعويجه لم يجز ، وإلّ فيجوز ،والصّورة فيما دون القلّتين . وقالوا :لو اتّخذ مشطا من عظم الفيل فاستعمله في رأسه أو لحيته فإن كانت رطوبة من أحد الجانبين تنجّس شعره وإلّ فل ،ولكنّه يكره ول يحرم ولو جعل الدّهن في عظم الفيل للستصباح أو غيره من الستعمال في غير البدن فالصّحيح جوازه . وكره المام مالك الدهان في أنياب الفيل والمشط بها . وقال النّفراويّ في الفواكه الدّواني :وقع الخلف بين الشّيوخ في نجاسة الزّيت الموضوع في إناء العاج ،والّذي تحرّر من كلم أهل المذهب أنّه إن كان ل يتحلّل منه شيء يقينا فإنّه باق على طهارته ،وإن كان يمكن أن يتحلّل منه شيء فل شكّ في نجاسته .
ب -حكم بيعه والتّجارة فيه :
8
-القائلون بطهارة عظم الفيل أجازوا بيعه والنتفاع به .
جاء في ابن عابدين :يجوز بيع عظم الفيل والنتفاع به في الحمل والرّكوب والمقاتلة . وفي النصاف :وعلى القول بطهارته يجوز بيعه .
وفي المغني :ورخّص في النتفاع به محمّد بن سيرين وغيره وابن جريج لما روى أبو ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم اشترى لفاطمة رضي ال داود بإسناده عن ثوبان » :أ ّ تعالى عنها قلد ًة من عصب وسوارين من عاج « . -9أمّا القائلون بنجاسته وهم الشّافعيّة والمذهب عند الحنابلة فل يجوز بيعه عندهم . قال النّوويّ في المجموع :ل يجوز بيعه ول يحلّ ثمنه ،وبهذا قال طاوس وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز . 10
-واختلفت أقوال المالكيّة في النتفاع به وسبب اختلفهم ما جاء في المدوّنة عن مالك
أنّه كره الدهان في أنياب الفيل والمشط بها والتّجارة فيها أي بيعها وشراءها ولم يحرّمه فحمل بعضهم الكراهة على التّحريم وحملها بعضهم الخر على التّنزيه ،قال الدّسوقيّ : حمل الكراهة على التّنزيه أحسن خصوصا وقد نقل حملها على ذلك أبو الحسن عن ابن رشد ،ونقله ابن فرحون عن ابن الموّاز وابن يونس وغيرهم من أهل المذهب . ن العاج وإن كان من ميتة لكن ألحق بالجواهر في التّزيّن فأعطي وسبب هذه الكراهة أ ّ حكما وسطا وهو كراهة التّنزيه مراعاةً لما قاله ابن شهاب وربيعة وعروة من جواز المتشاط به .وهذا الخلف في الحرمة والكراهة إنّما هو في العاج المتّخذ من فيل ميّت بغير ذكاة أمّا المذكّى فل خلف في جواز استعماله عند المالكيّة .
عَادَة *
التّعريف : 1
-العادة مأخوذة من العود ،أو المعاودة ،بمعنى التّكرار ،وهي في اللّغة :المور
المتكرّرة من غير علقة عقليّة . وعرّفها بعضهم :بأنّها تكرار الشّيء وعوده مرّةً بعد أخرى تكرارا كثيرا يخرج عن كونه واقعا بطريق الصّدفة والتّفاق . وفي الصطلح :عبارة عمّا استقرّ في النّفوس من المور المتكرّرة المقبولة عند الطّبائع السّليمة . أ -العرف : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-العرف في اللّغة :ضدّ النّكر .
وفي الصطلح :ما استق ّر في النّفوس من جهة شهادة العقول وتلقّته الطّباع بالقبول . والصّلة بين العادة والعرف ،أنّهما بمعنىً واحد من حيث الما صدق ،وإن اختلفا في المفهوم .
الحكام المتعلّقة بالعادة :
3
ن العادة مستند لكثير من الحكام العمليّة واللّفظيّة ،وأنّها -ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
تحكّم فيما ل ضابط له شرعا ،كأق ّل مدّة الحيض والنّفاس ،وفي أق ّل سنّ الحيض والبلوغ ،وفي حرز المال المسروق ،وفي ضابط القليل والكثير في الضّبّة من الفضّة والذّهب ،وفي قصر الزّمان وطوله عند موالة الوضوء ،وفي البناء على الصّلة ،وكثرة الفعال المنافية للصّلة ،وفي التّأخير المانع من الرّ ّد بالعيب ،وفي الشّرب وسقي الدّوابّ من الجداول والنهار المملوكة المجرى إذا كان ل يضير مالكها ،فتحكّم العادة في هذه المسائل إقامةً لها مقام الذن اللّفظيّ ،وكذا الثّمار السّاقطة من الشجار المملوكة ،وفي عدم ردّ ظرف الهديّة إذا لم تجر العادة بردّه . وما جهل حاله في الوزن والكيل في عهد رسول اللّه رجع فيه إلى عادة بلد البيع . ي :العوائد الجارية ضروريّة العتبار شرعا ،سواء كانت شرع ّيةً في أصلها ، وقال الشّاطب ّ أو غير شرعيّة .
دليل اعتبار العادة في الحكام :
4
-الصل في اعتبار العادة ما روي عن ابن مسعود رضي ال عنه موقوفا :ما رآه
المسلمون حسنًا فهو عند اللّه حسن . وفي كتب أصول الفقه ،وكتب القواعد ما يدلّ على أنّ العادة من المعتبر في الفقه ،ومن ذلك : أ -قولهم :العادة محكّمة . ب -الممتنع عاد ًة كالممتنع حقيقةً . ج -الحقيقة تترك بدللة العادة . د -إنّما تعتبر العادة إذا اطّردت أو غلبت . وقلّما يوجد باب من أبواب الفقه ليس للعادة مدخل في أحكامه .
أقسام العادة :
تنقسم العادة إلى أقسام باعتبارات مختلفة : 5
-فباعتبار مصدرها تنقسم إلى :عادة شرعيّة ،وعادة جارية بين الخلئق .
فالعادة الشّرعيّة :هي الّتي أقرّها الشّارع أو نفاها ،أي :أن يكون الشّارع أمر بها إيجابا أو ندبا ،أو نهى عنها تحريما أو كراهيةً ،أو أذن فيها فعلً أو تركا . والثّانية :هي العادة الجارية بين الخلئق بما ليس في نفيه ول إثباته دليل شرعيّ .
فالعادة الشّرعيّة :ثابتة أبدا ،كسائر المور الشّرعيّة كالمر بإزالة النّجاسات ،والطّهارة للصّلة ،وستر العورة ،وما أشبه ذلك من العوائد الجارية بين النّاس :أمر الشّارع بها أو نهى عنها ،فهي من المور الدّاخلة تحت أحكام الشّرع ،فل تبديل لها ،وإن اختلفت آراء المكلّفين فيها ،فل ينقلب الحسن منها قبيحا للمر به ،ول القبيح حسنا للنّهي عنه حتّى ل :إنّ كشف العورة ليس بعيب الن ول قبيح ،إذ لو صحّ ذلك لكان نسخا للحكام يقال مث ً المستقرّة المستمرّة ،والنّسخ بعد موت النّبيّ صلى ال عليه وسلم باطل . أمّا الثّانية فقد تكون ثابتةً ،وقد تتبدّل ،ومع ذلك فهي أسباب تترتّب عليها أحكام . فالثّابتة هي الغرائز الجبلّيّة كشهوة الطّعام ،والوقاع ،والكلم ،والبطش ،وأشباه ذلك . والمتبدّلة منها ما يكون متب ّد ًل من حسن إلى قبيح وبالعكس ،مثل :كشف الرّأس ،فإنّه يختلف باختلف البقاع ،فهو لذوي المروآت قبيح في بعض البلد ،وغير قبيح في بعضها ،فيختلف الحكم الشّرعيّ باختلف ذلك ،فيكون في بعض البلدان قادحا في العدالة ، مسقطا للمروءة ،وفي بعضها غير قادح لها ،ول مسقط للمروءة . ى إلى معنى عبارة ومنها ما يختلف في التّعبير عن المقاصد ،فتنصرف العبارة عن معن ً أخرى ،ومنها ما يختلف في الفعال في المعاملت . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :عرف ) . 6
-وتنقسم العادة باعتبار وقوعها إلى :عامّة وخاصّة .
فالعادة العامّة :هي الّتي تكون فاشيةً في جميع البقاع بين جميع النّاس ،ول تختلف باختلف الماكن ،كالستصناع في كثير من الشياء الّتي يحتاج إليها النّاس في كلّ الماكن -وفي جميع البلدان -كالحذية واللبسة والدوات الّتي ل يمكن الستغناء عنها في بلد من البلدان ول في زمن من الزمان . صةً في بلد ،أو بين فئة خاصّة من النّاس ،كاصطلح أمّا الخاصّة :فهي الّتي تكون خا ّ أهل الحرف المختلفة بتسمية شيء باسم معيّن في محيطهم المهنيّ ،أو تعاملهم في بعض المعاملت بطريقة معيّنة حتّى تصير هذه الطّريقة هي المتعارف فيما بينهم ،وهذه تختلف الحكام فيها باختلف الماكن والبقاع .
ما تستقرّ به العادة :
7
-يرى الفقهاء أنّ العادة يختلف استقرارها بحسب الشّيء ،فالعادة في الحيض والطّهر
تستقرّ بمرّة عند بعض الفقهاء ،وبثلث مرّات عند آخرين . انظر مصطلح ( :حيض فقرة
16
).
واختبار الجارحة في الصّيد ل بدّ من تكرار عدم الكل من الصّيد تكرارا يغلب على الظّنّ حصول التّعلّم ،وقيل :يشترط ثلث مرّات ،والصحّ أنّ مرجع ذلك أهل الخبرة . انظر مصطلح ( :صيد ) ومصطلح ( :كلب ) . وللعادة جملة أحكام مرتبطة بالعرف ينظر تفصيلها في مصطلح ( :عرف ) .
انظر :أهليّة .
انظر :إعارة .
انظر :عُشر .
التّعريف : 1
عَارِض * عَارِية * عَاشِر * عَاشُورَاء *
-عاشوراء :هو اليوم العاشر من المحرّم ،لما روي عن ابن عبّاس رضي ال عنهما :
» أمر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بصوم عاشوراء :يوم العاشر « . تاسوعاء : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-تاسوعاء :هو اليوم التّاسع من شهر المحرّم .
والصّلة بين تاسوعاء وعاشوراء أنّ صوم كلّ منهما مستحبّ ،استدللً بالحديث الصّحيح : ن اليهود والنّصارى تعظّمه ،فقال » أنّه صلى ال عليه وسلم صام عاشوراء ،فقيل له :إ ّ :فإذا كان العام المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التّاسع « .
الحكم الجماليّ :
3
-صوم يوم عاشوراء مسنون ،أو مستحبّ ،كصوم يوم تاسوعاء ،فقد روي أنّ النّبيّ
صلى ال عليه وسلم كان يصوم عاشوراء ،وقال عليه الصلة والسلم » :صيام يوم عرفة أحتسب على اللّه أن يكفّر السّنة الّتي قبله والسّنة الّتي بعده ،وصيام يوم عاشوراء أحتسب على اللّه أن يكفّر السّنة الّتي قبله « ،وفي رواية لمسلم :أنّ رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم قال » :فإذا كان العام المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التّاسع « قال ابن عبّاس :فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم . وفي فضل يوم عاشوراء ،وحكمة مشروعيّة الصّيام فيه قال ابن عبّاس رضي ال عنهما : ي صلى ال عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ،فقال :ما هذا » قدم النّب ّ قالوا :هذا يوم صالح ،هذا يوم نجّى اللّه بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى ،قال : فأنا أحقّ بموسى منكم ،فصامه وأمر بصيامه « . ومعنى تكفير سنة :أي ذنوب سنة من الصّغائر ،فإن لم يكن صغائر خفّف من كبائر السّنة وذلك التّخفيف موكول لفضل اللّه ،فإن لم يكن كبائر رفع له درجات . وعن عطاء أنّه سمع ابن عبّاس رضي ال عنهما يقول في يوم عاشوراء :خالفوا اليهود وصوموا التّاسع والعاشر . وقد ذكر العلماء في حكمة استحباب صيام تاسوعاء مع صيام عاشوراء أوجها : ن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر . أحدها :أ ّ ن المراد وصل يوم عاشوراء بصوم . والثّاني :أ ّ والثّالث :الحتياط في صوم العا شر خش ية ن قص الهلل ووقوع غلط ،فيكون التّا سع في العدد هو العاشر في نفس المر . وللمزيد من التّفصيل في ذلك ( :ر :صوم التّطوّع ) .
التّوسعة في عاشوراء :
4
-قال بعض الفقهاء تستحبّ التّوسعة على العيال والهل في عاشوراء ،واستدلّوا بما
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال » :من وسّع روي عن أبي هريرة رضي ال عنه أ ّ على أهله يوم عاشوراء وسّع اللّه عليه سائر سنته « . قال ابن عيينة :قد جرّبناه منذ خمسين سن ًة أو ستّين فما رأينا إ ّل خيرا . 5
-أمّا غير التّوسعة على العيال ممّا يحدث من الحتفال والكتحال والختضاب يوم العاشر
أنم وليلتمه :فقمد ذهمب جمهور الفقهاء ممن الحنفي ّة والمالكي ّة والشّافعي ّة والحنابلة إلى ّ الحتفال في ليلة العاشر من محرّم أو في يومه بدعة ،وأنّه ل يستحبّ شيء منه ،بل ما روي في هذا الباب إنّما هو من وضع الوضّاعين أهل البدع تشجيعا لبدعتهم الّتي يصنعونها في هذا اليوم . ولم يثبت في فضل هذا اليوم إلّ الصّيام فقط .
انظر :عصبة .
عَاصِب *
انظر :عقم
التّعريف : 1
عَاقِر * عَاقِلة *
-العاقلة :جمع عاقل ،وهو دافع الدّية ،وسمّيت الدّية عقلً تسميةً بالمصدر ،لنّ
البل كانت تعقل بفناء وليّ المقتول ،ثمّ كثر الستعمال حتّى أطلق العقل على الدّية وإن لم تكن من البل . ل لنّها تعقل لسان وليّ المقتول ،أو من العقل وهو المنع ،لنّ وقيل :إنّما سمّيت عق ً العشيرة كانت تمنع القاتل بالسّيف في الجاهليّة ،ثمّ منعت عنه في السلم بالمال .
حكم تحمّل العاقلة للدّية :
2
ن دية الخطأ تجب على العاقلة . -اتّفق الفقهاء على أ ّ
والصل في وجوب الدّية على العاقلة قضاء النّبيّ صلى ال عليه وسلم بدية المرأة الهذليّة ودية جنينها على عصبة القاتلة ،فقد روي عن أبي هريرة رضي ال عنه أنّه قال : » اقتتلت امرأتان من هذيل ،فرمت إحداهما الخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها ، فاختصموا إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّ دية جنينها غرّة عبد أو وليدة ،وقضى بدية المرأة على عاقلتها ،وورثها ولدها ومن معهم « . ن الخطأ يعذر فيه النسان ،وإيجاب الدّية في وأنّ النّفس محترمة فل وجه لهدارها ،وأ ّ ماله ضرر كبير عليه من غير ذنب تعمّده ،فل ب ّد من إيجاب بدله ،فكان من محاسن الشّريعة السلميّة وقيامها بمصالح العباد أن أوجبت بدله على من عليه نصرة القاتل ، فأوجبت عليهم إعانته على ذلك كإيجاب النّفقات على القارب .
عاقلة النسان :
3
-عاقلة النسان عصبته ،وهم القرباء من جهة الب كالعمام وبنيهم ،والخوة
وبنيهم ،وتقسم الدّية على القرب فالقرب ،فتقسم على الخوة وبنيهم ،والعمام وبنيهم ، ثمّ أعمام الب وبنيهم ،ثمّ أعمام الج ّد وبنيهم ،وذلك لنّ العاقلة هم العصبة » وأنّ الرّسول صلى ال عليه وسلم قضى بالدّية على العصبة « .
روى أبو هريرة رضي ال عنه قال » :اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الخرى بحجر فقتلتها فاختصموا إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقضى بدية المرأة على عاقلتها ،وورثها ولدها ومن معهم « . وفي رواية » :ثمّ إنّ المرأة الّتي قضى عليها بالغرّة توفّيت ،فقضى رسول اللّه صلى ال ن العقل على عصبتها « . عليه وسلم بأنّ ميراثها لبنيها وزوجها ،وأ ّ وقضى عمر بن الخطّاب رضي ال عنه على عليّ رضي ال عنه بأن يعقل عن موالي صفيّة بنت عبد المطّلب رضي ال عنها لنّه ابن أخيها دون ابنها الزّبير ،واشتهر ذلك بينهم ،وأنّ أقاربه أخصّ ،إذ لهم غنم الرث فيلزمهم الغرم ،وبهذا قال الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة . ن العاقلة هم أهل الدّيوان إن كان القاتل منهم ،وتؤخذ الدّية وذهب الحنفيّة إلى القول :إ ّ ن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه عندما من عطاياهم في ثلث سنين ،وحجّتهم في ذلك أ ّ دوّن الدّواوين جعل الدّية على أهل الدّيوان فإن لم يكن القاتل من أهل الدّيوان فعاقلته قبيلته من النّسب . ول يؤدّي الجاني من الدّية شيئا مع العاقلة لنّ الرّسول صلى ال عليه وسلم قضى بالدّية على العاقلة ولم يكن الجاني من ضمنها ،وهذا ما ذهب إليه الشّافعيّة والحنابلة . ن الجاني يلزمه من الدّية مثل ما يلزم أحد العاقلة ،لنّ الوجوب وقال الحنفيّة والمالكيّة :إ ّ عليهم باعتبار النّصرة ،ول شكّ أنّه ينصر نفسه كما ينصر غيره ،وأنّ العاقلة تتحمّل جنايةً وجدت منه وضمانا وجب عليه ،فكان هو أحقّ بالتّحمّل . ن العقل ويدخل الباء والبناء مع العاقلة ،لنّهم من العصبة فأشبهوا الخوة والعمام ول ّ موضوع على التّناصر وهم من أهله ،وإنّ العصبة في تحمّل العقل مرتّبون كما هم في الميراث في تقديم القرب فالقرب ،والباء والبناء أحقّ العصبات بميراثه فكانوا أولى بتحمّل عقله ،وهذا ما ذهب إليه المالكيّة ،الحنفيّة في قول لهم ،والحنابلة في إحدى الرّوايتين . وقال الشّافعيّة -وهو الرّواية الثّانية عند الحنابلة -وقول عند الحنفيّة :ل يدخل الباء والبناء مع العاقلة لنّهم أصوله وفروعه فكما ل يتحمّل الجاني ل يتحمّلون .
مقدار الدّية الّتي تتحمّلها العاقلة فيما دون النّفس :
4
-قال الحنفيّة :تتحمّل العاقلة كلّ ما كان أرشه نصف عشر الدّية فأكثر » لقضاء
الرّسول صلى ال عليه وسلم بالغرّة في الجنين على العاقلة « ومقدارها نصف عشر الدّية
.وقال الشّافعيّة :تتحمّل العاقلة القليل والكثير ،لنّ من حمل الكثير حمل القليل كالجاني في العمد . ي سنة ،فإن كان أكثر من الثّلث فعليها أن تؤدّي وتلزم العاقلة بدفع الثّلث فما دونه في مض ّ الثّلث في مضيّ سنة وما زاد على الثّلث تؤدّيه في مضيّ السّنة الثّانية إلى الثّلثين ،فما ي السّنة الثّالثة . جاوز الثّلثين فيؤدّي في مض ّ وقال الحنابلة :ل تتحمّل العاقلة إذا كان الواجب أق ّل من ثلث الدّية ،لنّ الصل وجوب الضّمان على الجاني ،لنّه موجب جنايته وبدل متلفه ،فكان عليه كسائر المتلفات ،ولما روي عن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه أنّه قضى في الدّية أن ل يحمل منها شيء حتّى تبلغ عقل المأمومة وأنّ الصل في الضّمان أنّه يجب على المتلف ،وإنّما خولف في الثّلث ي صلى ال عليه وسلم » :الثّلث كثير « فصاعدا تخفيفا عن الجاني لكونه كثيرا ،قال النّب ّ فيبقى ما دون الثّلث على الصل .
القتل الّذي ل تتحمّل العاقلة ديته :
5
-ل تحمل العاقلة دية القتل العمد ،ول دية القتل الخطأ وشبه العمد الّذي يقرّ به الجاني
على نفسه ،ول القتل الّذي ينكره الجاني ويصالح المدّعي على مال عليه ،لحديث ابن عبّاس رضي ال عنهما عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :ل تحمل العاقلة عمدا ول عبدا ول صلحا ول اعترافا « ولنّه لو وجب عليهم بإقراره لوجب بإقرار غيره ول يقبل إقرار شخص على غيره ،ولنّه يتّهم في أن يكون متواطئا مع من يقرّ له ،فيأخذ الدّية من ن بدل الصّلح ثبت بمصالحته واختياره ،فل تحمله العاقلة كالمال عاقلته فيقاسمه إيّاها ،ول ّ الّذي يثبت بالعتراف . ول تحمل العاقلة شيئا عن القتل العمد ،لنّه عامد فل يستحقّ التّخفيف ول المعاونة .
مقدار ما يؤخذ من كلّ واحد من العاقلة :
6
ص فيه ،بل يرجع ذلك إلى -قال المالكيّة والحنابلة :ليس هناك مقدار معيّن ،لنّه ل ن ّ
اجتهاد الحاكم ،فيفرض على كلّ واحد منهم حسب حالته الماليّة كالنّفقة قال تعالى { :لَ سعَهَا } . ُيكَلّفُ الّلهُ َنفْسا ِإلّ ُو ْ ج َعلَ ولنّ تعيين مقدار فيه حرج عليهم ،فربّما تحمّلوا ما ل يطيقونه ،قال تعالى َ { :ومَا َ حرَجٍ } . ن مِنْ َ عَلَ ْي ُكمْ فِي الدّي ِ وقال الحنفيّة :يؤخذ من كلّ واحد من العاقلة ثلثة دراهم أو أربعة دراهم ،ول يزاد على ن الخذ منهم على وجه الصّلة والتّبرّع تخفيفا عن القاتل ،فل يجوز التّغليظ عليهم ذلك ،ل ّ
يضمم ّ بالزّيادة ،ويجوز أن ينقمص عمن هذا القدر إذا كانمت العاقلة كثيرةً ،فإن قلت العاقلة إليهم أقرب القبائل إليهم من النّسب ،حتّى ل يصيب الواحد أكثر من ذلك . وقال الشّافعيّة يؤ خذ من كلّ وا حد ن صف دينار إذا كانوا أغنيا ًء ،و في الو سط ر بع دينار ، لنّ ما دون ذلك تافه . وقال الفقهاء :ل يؤ خذ من النّ ساء وال صّبيان والمجان ين ،ل نّ الدّ ية الّ تي تحمل ها العاقلة ن الدّ ية صلة و تبرّع بالعا نة في ها مع نى التّنا صر ،وهؤلء لي سوا من أ هل النّ صرة ،ول ّ والصّبيان والمجانين ليسوا من أهل التّبرّع . س َعهَا } . وكذلك ل يؤخذ من الفقير لقوله تعالى { :لَ ُيكَلّفُ الّل ُه َنفْسا ِإلّ ُو ْ سعَ ِتهِ } . س َعةٍ مّن َ ق ذُو َ وقوله تعالى { :لِيُنفِ ْ ول نّ تحمّل الدّية مواساة فل يلزم الفقير كالزّكاة ،ولنّها وجبت للتّخفيف عن القاتل ،فل يجوز التّثقيل بها على من ل جناية منه ،وفي إيجابها على الفقير تثقيل عليه وتكليف بما ل يقدر عليه ،وربّما كان الواجب عليه جميع ماله أو أكثر منه ،وقد ل يكون عنده شيء . عاقلة اللّقيط وال ّذمّيّ الّذي يسلم : 7
-إذا لم يكن للجاني عاقلة كاللّقيط وال ّذمّيّ الّذي أسلم فعاقلته بيت المال لقول النّبيّ
صلى ال عليه وسلم { أنا وارث من ل وارث له أعقل عنه وأرثه }
انظر :سنة
التّعريف : 1
عامٌ * عَامِل *
-العامل في اللّغة بوزن فاعل من عمل ،يقال :عملت على الصّدقة :سعيت في جمعها.
ويطلق العامل ويراد به :الوالي ،والجمع عمّال وعاملون ،ويتعدّى إلى المفعول الثّاني ل ،أو سألته أن يعمل ،وعمّلته بالهمزة ،فيقال :أعملته كذا ،واستعملته أي :جعلته عام ً على البلد بالتّشديد :ولّيته عمله . والعمالة -بضمّ العين : -أجرة العامل ،والكسر لغة . وفي الصطلح :العامل على الزّكاة هو :المتولّي على الصّدقة والسّاعي لجمعها من أرباب المال ،والمفرّق على أصنافها إذا فوّضه المام بذلك .
والعامل بمعنى الوالي :هو من يقلّده الخليفة أميرا على إقليم أو بلد ،أو يستعمله في عمل معيّن . صةً بعامل الزّكاة ،أمّا العامل بمعنى الوالي فتنظر أحكامه في : وأحكام هذا المصطلح خا ّ ( إمارة ،وولية ) .
اللفاظ ذات الصّلة :
العاشر : 2
-العاشر :هو من نصّبه المام على الطّريق ليأخذ الصّدقات من ال ّتجّار ممّا يمرّون به
عليه عند اجتماع شرائط الوجوب ،وهو مأخوذ من :عشرت المال عشرا -من باب قتل -وعشورا :أخذت عشره واسم الفاعل عاشر وعشّار .
الحكم التّكليفيّ :
3
-تعيين العمّال لقبض الزّكاة وتفريقها على مستحقّيها واجب على المام ،لنّ » رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم كان يولّي العمّال ذلك ،ويبعثهم إلى أصحاب الموال « ،وقد استعمل عمر بن الخطّاب رضي ال عنه عليها وكذلك الخلفاء الرّاشدون كانوا يرسلون ن في النّاس من يملك المال ول يعرف ما يجب عليه فيه ،ومنهم من عمّالهم لقبضها ،ول ّ يبخل بالزّكاة .
من يشمله لفظ العامل :
4
ن العامل على الزّكاة مصرف من مصارفها الثّمانية لقوله تعالى : -أجمع الفقهاء على أ ّ
ن عَلَ ْيهَا } . { وَا ْلعَامِلِي َ وقالوا :إنّه يدخل في اسم العامل : السّاعي :وهو الّذي يجبي الزّكاة ويسعى في القبائل لجمعها . والحاشر :وهو اثنان ،أحدهما :من يجمع أرباب الموال . وثانيهما :من يجمع ذوي السّهام من الصناف . والعريف :وهو كالنّقيب للقبيلة ،وهو الّذي يعرّف السّاعي أهل الصّدقات إذا لم يعرفهم . والكاتب :وهو الّذي يكتب ما أعطاه أرباب الصّدقات من المال ،ويكتب لهم براءةً بالداء ، ويكتب كذلك ما يدفع للمستحقّين . والقاسم :وهو الّذي يقسم أموال الزّكاة بين مستحقّيها . ويدخل في اسم العامل كذلك :الحاسب ،والخازن ،وحافظ المال ،والعدّاد ،والكيّال ، والوزّان ،والرّاعي لمواشي الصّدقة ،والحمّال ،وكلّ من يحتاج إليه في شأن الصّدقة ،
حتّى إذا لم تقع الكفاية بساع واحد ،أو كاتب واحد ،أو حاسب واحد ،أو حاشر أو نحوه زيد في العدد بقدر الحاجة .
مؤنة جمع الزّكاة :
5
-أجرة كيل أموال الصّدقة ووزنها ،ومؤنة دفعها من المالك إلى السّاعي على ربّ
المال ،وكذا أجرة الكيّال والوزّان والعادّ الّذي يميّز الزّكاة من المال ،لنّها لتوفية الواجب ، كالبائع عليه مؤنة الكيل والوزن عند البيع . أمّا أجرة الكيّال والوزّان والعادّ الّذي يميّز بين مستحقّات الصناف فعلى سهم العامل بل خلف .إذ لو ألزمناها المالك لزدنا في قدر الواجب عليه
شروط العامل :
6
-يشترط في العامل أن يكون مسلما عاقلً بالغا عدلً سميعا ذكرا ،وأن يكون عالما
ل يأخذ غير الواجب ،أو يسقط بأبواب الزّكاة ،ليعلم ما يأخذه ،ومن يأخذ منه ،ولئ ّ ق ،وهذا إذا كان مفوّضا من المام الواجب ،ولئلّ يدفع لغير مستحقّ ،أو يمنع عن مستح ّ لعموم أمر الزّكاة ،أي :أخذها من أرباب الموال وتوزيعها على مستحقّيها وغير ذلك ممّا تدعو إليه الحاجة في جمع الزّكاة ،أمّا إذا لم يكن مفوّضا تفويضا عامّا ،كأن يكون منفّذا فقط ،عيّن له المام ما يأخذه ومن يعطيه ،فل يشترط أن يكون عالما بأبواب الزّكاة ،لنّ النّبيّ كان يبعث العمّال ويكتب لهم ما يأخذون ،وكذلك فعل أبو بكر رضي ال عنه لعمّاله ، ولنّ هذه رسالة ل ولية . واختلف الفقهاء في شرطين : أحدهما :الحرّيّة ،فقد ذهب الجمهور إلى اشتراط الحرّيّة ،فل يصحّ عندهم أن يكون العامل عبدا ،لعدم الولية . وذهب الحنابلة إلى عدم اشتراط الحرّيّة ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد « الحديث . ثانيهما :أن ل يكون هاشميّا ،وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح ( :زكاة ف وجباية ف
13
144
،
).
ما يأخذه العامل :
7
-إذا تولّى المزكّي إخراج زكاة ماله بنفسه سقط حقّ العامل منها ،لنّ العامل يستحقّ
ق له فيها ،وتوزّع الزّكاة حينئذ على الصناف الزّكاة بعمله ،فإذا لم يعمل فيها شيئا فل ح ّ السّبعة الخرى .
والمام مخيّر في العامل ،إن شاء أرسله لخذ الزّكاة من غير عقد ول تسمية شيء ،بل يدفع إليه أجرة مثله ،لما رواه ابن السّاعديّ قال :استعملني عمر بن الخطّاب رضي ال عنه على الصّدقة ،فلمّا فرغت منها وأدّيتها إليه أمر لي بعمالة ،فقلت :إنّما عملت للّه وأجري على اللّه ،قال :خذ ما أعطيت ،فإنّي عملت على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فعمّلني ،فقلت مثل قولك ،فقال لي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدّق « . وإن شاء عقد له عقدا واستأجره إجار ًة صحيحةً سمّى له فيها قدر أجرته ،ثمّ دفع إليه ما سمّى له من أموال الزّكاة . -8وإذا زاد سهم العاملين على أجرته ر ّد الفاضل على سائر الصناف ،وقسم على سهامهم . أمّا إن كان سهم العاملين أق ّل من أجرته ،فقد اختلف الفقهاء في ذلك فذهب الحنفيّة إلى أنّه يكمّل له من أموال الزّكاة الّتي بيده ،بشرط ألّ يزيد على نصف ما قبضه ،لنّ التّنصيف هو عين النصاف ،ول يعطى من بيت المال شيئا . وذهب المالكيّة إلى أنّه يتمّم له من أموال الزّكاة وإن استغرق جميع أموال الزّكاة الّتي بيده لنّها أجرة عمله . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يتمّم له ،ولكنّهم اختلفوا من أين يتمّم له ؟ فالمذهب عندهم :أنّه يتمّم من حقّ سائر الصناف ،لنّه يعمل لهم ،فكانت أجرته عليهم ،وقيل :يتمّم من سهم ن اللّه تعالى جعل لك ّل صنف سهما ،فلو قسمنا ذلك على الصناف ونقصنا المصالح ،ل ّ حقّهم فضّلنا العامل عليهم . وقيل :المام بالخيار ،إن شاء تمّمه من سهم المصالح وإن شاء تمّمه من سهام الصناف الخرى ،لنّه يشبه الحاكم حيث يستوفي به حقّ الغير على وجه المانة ،ويشبه الجير ، فخيّر بين حقّيهما . وقيل :إن كان المام بدأ بنصيب العامل ،فوجده ينقص تمّم من سهام الصناف الخرى ، وإن كان بدأ بسهام الصناف الخرى فأعطاهم ،ثمّ وجد سهم العامل ينقص تمّمه من سهم المصالح ،لنّه يشقّ عليه استرجاع ما دفع إليهم . وقيل :إن فضل عن قدر حاجة الصناف شيء تمّم من الفضل ،فإن لم يفضل عنهم شيء تمّم من سهم المصالح . قال النّوويّ :والخلف في جواز التّكميل من أموال الزّكاة ،ولكنّهم اتّفقوا على جواز التّكميل من سهم المصالح مطلقا ،بل لو رأى المام أن يجعل أجرة العامل كلّها في بيت
ن بيت المال لمصالح المسلمين ،وهذا المال ،ويقسم الزّكاة على سائر الصناف جاز ،ل ّ من المصالح . وذهب الحنابلة إلى أنّه يتمّم له من أموال الزّكاة وإن كانت أجرته أكثر من ثمن أموال الزّكاة ،لنّ ما يأخذه العامل أجرة ،إلّ أنّ المام إذا رأى إعطاء العامل أجرته من بيت المال ،ويوفّر الزّكاة على باقي الصناف جاز له ،وإن رأى أن يجعل له رزقا ثابتا في بيت المال نظير عمالته ،ول يعطيه من أموال الزّكاة شيئا جاز كذلك .
تلف مال الزّكاة في يد العامل :
9
-لو تلف مال الزّكاة في يد العامل بل تفريط أو تقصير لم يضمن ،لنّه أمين كالوكيل :
وناظر مال اليتيم إذا تلف في يده شيء بل تفريط لم يضمن . أمّا إذا تلف المال بتفريط منه ،بأن قصّر في حفظه أو عرف المستحقّين وأمكنه التّفريق عليهم فأخّر من غير عذر ضمنه ،لنّه متعدّ بذلك . واختلفوا في دفع أجرته إذا تلف المال بدون تفريط منه : فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يستحقّ أجرته ،وتعطى من بيت المال ،لنّه أجير ،ولنّ بيت المال لمصالح المسلمين ،وهذا منها . وعندهم أيضا :يستحقّ العامل الزّكاة بعمله على سبيل الجرة ،وإلى هذا ذهب كلّ من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . ن حقّه يسقط ،كنفقة المضارب تكون في مال المضاربة ،فإذا هلك وذهب الحنفيّة إلى أ ّ ن العامل عندهم يستحقّ الزّكاة بعمله على سبيل الكفاية لشتغاله بها ،ل سقطت نفقته ،ل ّ ن الجرة مجهولة . على سبيل الجرة ،ل ّ
بيع العامل مال الزّكاة :
10
-قال الفقهاء :ل يجوز للسّاعي بيع شيء من مال الزّكاة من غير ضرورة ،بل
يوصلها إلى المستحقّين بأعيانها إذا كان مفوّضا للتّفريق عليهم ،لنّ أهل الزّكاة أهل رشد ل ولية عليهم ،فلم يجز بيع مالهم بدون إذنهم ،أو يوصلها إلى المام إذا لم يكن مفوّضا للتّفريق عليهم ،وإن باع بل ضرورة ضمن . فإن وقعت ضرورة البيع ،كأن خاف هلك بعض الماشية ،أو كان في الطّريق خطر ،أو احتاج إلى ردّ جبران ،أو إلى مؤنة النّقل ،أو ما أشبه ذلك جاز البيع للضّرورة .
ما يستحبّ في جمع الزّكاة وتفريقها :
11
-يستحبّ للمام أو العامل أن يعيّن للنّاس شهرا يأتيهم فيه لخذ الزّكاة من أموالهم
الّتي يشترط في وجوب الزّكاة فيها حولن الحول عليها ،كالمواشي والنّقود وعروض التّجارة ونحوها . ويستحبّ أن يكون ذلك الشّهر من السّنة هو شهر المحرّم ،لقوله صلى ال عليه وسلم : » هذا شهر زكاتكم « ولنّه أوّل السّنة القمريّة ،وليتهيّأ أرباب الموال لدفع زكاة أموالهم ، ويتهيّأ المستحقّون لخذ الزّكاة ،والفضل أن يخرج إليهم قبل شهر المحرّم ،ليصل إليهم في أوّله . أمّا فيما ل يعتبر فيه الحول من أموال الزّكاة كالزّروع والثّمار ،فيبعث المام العمّال لخذ زكواتها وقت وجوبها ،وهو وقت الجذاذ والحصاد . ويستحبّ للسّاعي كذلك :أن يعدّ الماشية على الماء إن كانت ترد الماء ،وفي أفنيتهم إن لم تكن ترد الماء ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :تؤخذ صدقات المسلمين عند مياههم أو عند أفنيتهم « . فإن أخبره صاحب المال بعددها -وهو ثقة -فله أن يصدّقه ويعمل بقوله ،لنّه أمين ، وإن لم يصدّقه ،أو أراد الحتياط بعدها عدّها . فإن اختلفا في العدّ بعد العدّ ،وكان الفرض يختلف بذلك ،أعاد العدّ ثاني ًة . ب المال في حولن الحول كأن يقول المالك :لم يحلّ الحول بعد ، وإن اختلف السّاعي ور ّ ويقول السّاعي :بل حال الحول ،أو قال المالك :هذه السّخال تولّدت بعد الحول ،وقال السّاعي :بل تولّدت قبله ،أو قال السّاعي :كانت ماشيتك نصابا ثمّ توالدت ،وقال المالك :بل ماشيتي تمّت نصابا بالتّوليد ،فالقول قول المالك في جميع هذه الصّور ونظائرها ممّا ن الصل براءته ،ولنّ الزّكاة موضوعة على الرّفق . ل يخالف الظّاهر ،ل ّ وإن رأى السّاعي -المفوّض في قبض الزّكاة وتفريقها -المصلحة في أن يوكّل من يأخذها من المزكّي عند حلولها ويفرّقها على أهلها فعل . وإن وثق بصاحب المال ،ورأى أن يفوّض إليه تفريقها على المستحقّين فعل أيضا ،لنّ المالك يجوز له أن يفرّق زكاته على المستحقّين بغير إذن العامل ،فمع إذنه أولى . ويستحبّ أن يخرج مع السّاعي -لخذ زكاة الزّروع والثّمار -من يخرص ما يحتاج إلى خرصه ،وينبغي أن يكون معه خارصان ذكران حرّان . كما يستحبّ للمام -أو العامل إن كان مفوّضا للقسمة -أن يكون عارفا عدد المستحقّين وقدر حاجتهم ،ليتعجّل حقوقهم ،وليأمن هلك المال عنده .
ويبدأ في القسمة بالعاملين ،لنّ استحقاقهم أقوى ،لكونهم يأخذون على وجه العوض ، وغيرهم يأخذ على وجه المواساة .
عامّ *
انظر :عموم .
عَانِس *
انظر :عنوس .
عَانَة *
التّعريف : 1
-العانة في اللّغة :هي الشّعر النّابت فوق الفرج ،وتصغيرها عوينة وقيل :هي
المنبت . ول يخرج المعنى الصطلحيّ لهذا اللّفظ عن معناه اللّغويّ ،قال العدويّ والنّفراويّ : العانة :هي ما فوق العسيب والفرج وما بين الدّبر والنثيين . ّوويم :المراد بالعانمة الشّعمر الّذي فوق ذكمر الرّجمل وحواليمه وكذلك الشّعمر الّذي ّ وقال الن حوالي فرج المرأة .
الحكام المتعلّقة بالعانة : حلق العانة :
2
ن حلق العانة سنّة ،ويرى الشّافعيّة على أصحّ القولين وجوب -اتّفق الفقهاء على أ ّ
حلق العانة على الزّوجة إذا أمرها زوجها بذلك .
المفاضلة بين حلق العانة وغيره من طرق الزالة :
3
ص ونتف ي مزيل من حلق وق ّ -ل خلف بين الفقهاء في جواز إزالة شعر العانة بأ ّ
ن الحلق ن أصل السّنّة يتأدّى بالزالة بأيّ مزيل ،كما أنّه ل خلف بينهم في أ ّ ونورة ،ل ّ أفضل لزالة شعر العانة في حقّ الرّجل . ن الولى في حقّها النّتف . أمّا المرأة فيرى الحنفيّة والشّافعيّة أ ّ وذهب جمهور المالكيّة والنّوويّ في قول إلى ترجيح الحلق في حقّ المرأة ،لحديث جابر ل حتّى تمتشط الشّعثة وتستحدّ المغيّبة « . في » النّهي عن طروق النّساء لي ً ي شيء ويؤخذ من عباراتهم أنّهم يرون أفضليّة الحلق . قال الحنابلة :ل بأس بالزالة بأ ّ
توقيت حلق العانة :
4
ب حلق العانة في كلّ أسبوع مرّةً ،وجاز في كلّ خمسة عشر ،وكره تركه وراء -يستح ّ
ص الشّارب وتقليم الظفار ونتف الربعين ،لحديث أنس رضي ال عنه » :وُقّت لنا في ق ّ البط وحلق العانة أن ل نترك أكثر من أربعين ليلةً « . قال القرطبيّ في المفهم :ذكر الربعين تحديد لكثر المدّة ،ول يمنع تفقّد ذلك من الجمعة إلى الجمعة ،والضّابط في ذلك :الحتياج . وقال النّوويّ :ينبغي أن يختلف ذلك باختلف الحوال والشخاص ،والضّابط :الحاجة في هذا وفي جميع الخصال المذكورة -أي خصال الفطرة . -
دفن شعر العانة :
5
-يستحبّ دفن ما أخذ من شعر العانة ومواراته في الرض .
قال مهنّا :سألت أحمد عن الرّجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه ؟ قال يدفنه ، قلت :بلغك فيه شيء ؟ قال :كان ابن عمر يدفنه . ي صلى ال عليه وسلم » :أنّه أمر بدفن الشّعر والظفار « . وروي عن النّب ّ قال ابن حجر :وقد استحبّ أصحابنا دفنها لكونها أجزاءً من الدميّ .
حلق عانة الميّت :
6
-قال الحنفيّة :ل يؤخذ شيء من شعر الميّت ،وهذا ما يفهم من عبارات المالكيّة ،فقد
أورد الزّرقانيّ أثرا بلفظ :يصنع بالميّت ما يصنع بالعروس غير أنّه ل يحلق ول ينوّر . وذهب الحنابلة إلى تحريم حلق شعر عانته لما فيه من لمس عورته وربّما احتاج إلى نظرها وهو محرّم فل يرتكب من أجل مندوب . ويرى الشّافعيّة على الجديد استحباب أخذ شعر عانة الميّت ،وعلى القول الثّاني يقولون بكراهته . وللتّفصيل ( ر :شعر ) .
النظر إلى العانة للضرورة :
7
– يجوز النظ ُر إلى العانةِ وإلى العورة عامةً لحاجةٍ ملجئةٍ ،قال ابن قدامة :يباح للطبيب
النظرُ إلى ما تدعو إليه الحاجة من بدنِها – بدن المراة – من العورة وغيرها فإنه موضعُ حاجةٍ – ومثل ذلك النظر إلى عورة الرجل – لحديث عطيةَ القرظي قال » :كنتُ من سبي بني قُريظة ،ومَن لم يُنبت لم يُقتل فكنتُ فيمن لم يُنبت ،وزاد في رواية :فكشفوا عانتي فوجدوها لم تُنبت ،فجعلوني مِن السبي « . ن أ نه أُ تي بغل مٍ قد سرق فقال انظروا إلى مؤتزرِه فلم يجدوه أن بت الشع َر فلم و عن عثما َ يقطعه .
وقال الشربيني الخطيبُ :وأما عند الحاجةِ فالنظ ُر واللمسُ مباحان لفصدٍ وحجامةٍ وعلجٍ ج للحاجةِ الملجئة إلى ذلك ،لنّ في التحريم حينئذٍ حرَجا ،فللرجلِ مداواة المرأةِ ولو في فر ٍ وعكسه ،وليكنْ ذلك بحضر ِة مَحرمٍ أو زوجٍ أو امرأة ثقةٍ . وللتفصيل في شروطِ جَواز معالجةِ الطبيبِ امرأةً أجنبية ينظرُ ( :عورة ) . ق العانةِ لمن ل يُحسنه ضمنَ الضروراتِ التي تجيزُ النظ َر إلى هذا وقد ذكر الحنابلةُ حل َ العورةِ .
دللة ظهور شعر العانة على البلوغ :
8
ن النبات -وهو -يرى المالكيّة على المذهب والحنابلة واللّيث وإسحاق وأبو ثور أ ّ
ظهور الشّعر الخشن للعانة -علمة البلوغ مطلقا . ولم يعتبر أبو حنيفة النبات علمة البلوغ مطلقا . وأمّا الشّافعيّ فقد اعتبر النبات أمارةً على البلوغ في حقّ الكافر ،واختلف قوله في المسلم . وللتّفصيل ( ر :بلوغ فقرة
10
).
الجناية على العانة :
9
-تجب حكومة العدل في قطع عانة المرأة وكذلك عانة الرّجل ،لنّه جناية ليس فيها
أرش مقدّر من جهة الشّرع ول يمكن إهدارها فتجب فيها حكومة العدل . وللتّفصيل في شروط وجوب حكومة العدل وكيفيّة تقديرها ينظر مصطلح ( :حكومة عدل ف 5وما بعدها ) .
التّعريف : 1
عَا َهةٌ *
-العاهة لغةً :الفة ،يقال :عيه الزّرع على ما لم يسمّ فاعله -فهو معيوه .
وعاه المال يعيه :أصابته العاهة -أي الفة -وأرض معيوهة :ذات عاهة ،وأعاهوا وأعوهوا وعوّهوا :أصابت ماشيتهم أو زرعهم العاهة . ول يخرج معنى العاهة الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ . أ -المرض : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
صحّة ،وقال الفيّوميّ :المرض -المرض في اللّغة كما قال ابن منظور :السّقم نقيض ال ّ
حالة خارجة عن الطّبع ضارّة بالفعل ،واللم والورام أعراض عن المرض .
وفي الصطلح :ما يعرض للبدن فيخرجه عن حالة العتدال الخاصّ . والعلقة بين المرض والعاهة عموم وخصوص مطلق ،يجتمعان فيما نزل بالنسان من اضطراب شأنه أنّه يزول ،سواء أكان ذلك في شخصه أم كان في المال ،يقول الجوهريّ : يقال :أمرض الرّجل إذا وقع في ماله عاهة . وتنفرد العاهة بما من شأنه أن يبقى ،كالقطع في حدّ مثلً ،فهي عاهة ليست بسبب مرض ،ويترتّب عليها أحكامها في الشّريعة . ب -العيب : 3
-العيب يستعمل بمعنى :الشّين ،وبمعنى الوصمة ،وبمعنى العاهة ،وقد استعمله
الفقهاء في المعنى الخير كثيرا ،سواء أكان في النسان أم الحيوان أم الزّرع أم غيرها . فالعيب أعمّ من العاهة . ج -الجائحة : 4
-الجائحة :كلّ شيء ل يستطاع دفعه لو علم به كسماويّ كالبرد والحرّ والجراد
والمطر والعلقة بين العاهة والجائحة علقة المسبّب بالسّبب ،فالجائحة سبب لبعض أنواع العاهات وليست هي العاهة ذاتها .
الحكام المتعلّقة بالعاهة : العاهة وأثرها في أحكام الطّهارة : أ ّولً :استعانة من به عاهة بمن يصبّ عليه كالقطع والشلّ :
5
ن من به عاهة تمنعه من استعمال الماء بنفسه ،كالقطع والشلّ ، -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
ووجد من يستعين به للوضوء أو الغسل متبرّعا يجب عليه الستعانة . كما ذهبوا إلى أنّه إذا وجد من يستعين به بأجرة مثل ،وهو قادر عليها ،لزمه الستعانة ، إلّ ما قاله ابن عقيل من الحنابلة :أنّه ل يلزمه كما لو عجز عن القيام في الصّلة لم يلزمه استئجار من يقيمه ويعتمد عليه . واختلفوا في مسائل استعانة ذي العاهة في الحضر والسّفر : ن حكم الستعانة في السّفر -6ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ والحضر سواء ،لنّه عاجز عن الستعانة ،فهو عاجز عن استعمال الماء فيجوز له التّيمّم ي :إنّه ظاهر مذهب الحنفيّة . لتحقّق عجزه عن الوضوء ،وقال السّرخس ّ ويفرّق محمّد بن الحسن بينهما حيث قال :إن لم يجد من يعينه في الوضوء من الخدم فليس له أن يتيمّم في الحضر إلّ أن يكون مقطوع اليد .
ن الظّاهر أنّه في الحضر يجد من يستعين به من قريب أو من بعيد ،والعجز ووجهه :أ ّ بعارض على شرف الزّوال ،فإن لم يجد من يوضّئه جاز له التّيمّم . أمّا من لم يجد من يستعين به في الوضوء وتيمّم وصلّى ،ففي إعادة الصّلة قولن للفقهاء :أحدهما :أنّه ل يعيد وهو ما ذهب إليه الجمهور من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وينقل العدويّ عن مالك أنّه يعيد إذا تمكّن من استعمال الماء في الوقت . ي في المّ ،وقاسه ثانيهما :أنّه يعيد الصّلة وهو قول الشّافعيّة ،أو نصّ عليه الشّافع ّ الشّيرازيّ على فاقد الطّهورين وعبارته :وإن لم يقدر القطع على الوضوء ووجد من يوضّئه بأجرة المثل لزمه ،كما يلزمه شراء الماء بثمن المثل ،وإن لم يجد صلّى وأعاد ، كما لو لم يجد ماءً ول ترابا . ومن لم يجد معينا يعينه على استعمال الماء أو التّراب فإنّه يعامل معاملة فاقد الطّهورين .
ثانيا :غسل مكان القطع من القطع :
7
ن المكلّف إذا -ذهب جمهور الفقهاء :الحنفيّة والشّافعيّة والمذهب عند المالكيّة إلى أ ّ
كان على طهارة وقطع منه عضو أو شعر أو ظفر ل يلزمه غسل ما ظهر ،إلّ إذا أراد ابتداء طهارة جديدة ،لنّ الفرض قد سقط بغسله أو مسحه فل يعود بزواله ،كما إذا مسح وجهه في التّيمّم أو غسله في الوضوء ثمّ قطع أنفه ،وفي قول عند المالكيّة يعيد الطّهارة ،واتّفقوا على أنّه إذا قطع محلّ الفرض بكماله أو أكثر منه لم يجب عليه شيء . وذهبوا إلى أنّه إذا بقي شيء من محلّ الفرض وجب غسله إذا كان ممّا يغسل ومسحه إذا كان ممّا يمسح . ولكن هل يدخل عظم المرفق بتمامه في محلّ الفرض ؟ وهل يدخل عظم الكعبين كذلك ؟ 8
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في المشهور إلى أنّه إذا تيمّم وهو مقطوع اليدين
من المرفقين فعليه مسح موضع القطع من المرفق خلفا لزفر ،وإن كان القطع من فوق المرفق لم يكن عليه مسحه ،فإنّ ما فوق المرفق ليس بموضع للطّهارة ،وينصّ ي على أنّ المرفقين والكعبين يدخلن في الغسل خلفا لزفر ،وحكى النّوويّ أنّه المرغينان ّ إن فكّ عظام المرفق فأصبح عظم الذّراع منفصلً عن عظم العضد ،وجب غسل رأس العضد على المشهور في مذهب الشّافعيّة ،ومقابله يقول :ل ،وإنّما وجب غسله حالة التّصال لضرورة غسل المرفق ومنهم من قطع بالوجوب ،وصحّحه في أصل الرّوضة . أمّا المالكيّة :فيفرّقون بين المرفقين والكعبين تبعا لنصّ مالك وابن القاسم في المدوّنة : قال مالك فيمن قطعت رجله إلى الكعبين :إذا توضّأ غسل ما بقي من الكعبين وغسل موضع القطع أيضا .
وقال سحنون لبن القاسم :أيبقى من الكعبين شيء ؟ قال نعم ،إنّما يقطع من تحت الكعبين . ويسأل سحنون ابن القاسم فيقول :فإن هو قطعت يداه من المرفقين ،أيغسل ما بقي من المرفقين ،ويغسل موضع القطع ؟ قال :ل يغسل موضع القطع ولم يبق من المرفقين ن القطع قد أتى على شيء ،فليس عليه أن يغسل شيئا من يديه إذا قطعتا من المرفق ل ّ جميع الذّراعين ،ولنّ المرفقين في الذّراعين فلمّا ذهب المرفقان مع الذّراعين ،لم يكن عليه أن يغسل موضع القطع .
ثالثا :العضاء الزّائدة :
9
-العضاء الزّائدة يجب غسلها في رفع الحدث الكبر لجنابة أو حيض أو غيرهما ،وكذا
في الغسل المسنون ،وهذا ممّا ل خلف فيه بين العلماء . أمّا غسلها أو مسحها في رفع الحدث الصغر :فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ من خلق له عضوان متماثلن كاليدين على منكب واحد ولم يمكن تمييز الزّائدة من الصليّة ،وجب غسلهما جميعا للمر به في قوله تعالى َ { :وأَيْدِ َيكُمْ إِلَى ا ْلمَرَافِق } . أمّا إذا أمكن تمييز الزّائدة من الصليّة ،وجب غسل الصليّة باتّفاق وكذا الزّائدة إذا نبتت على محلّ الفرض . أمّا إذا نبتت في غير محلّ الفرض ولم تحاذ محلّ الفرض فالتّفاق واقع على عدم وجوب غسلها في الوضوء ول مسحها في التّيمّم . أمّا إذا كانت الزّائدة نابت ًة في غير محلّ الفرض وحاذت كلّها أو بعضها محلّ الفرض ، فجمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والقاضي أبو يعلى من الحنابلة يوجبون غسل ما حاذى محلّ الفرض منها ،أو كلّها عند المالكيّة إذا كان لها مرفق ،أمّا الحنابلة فلهم فيها قولن : أحدهما :مع الجمهور وهو قول أبي يعلى ،والثّاني :قول ابن حامد وابن عقيل :إنّ النّابتة في غير محلّ الفرض ل يجب غسلها ،قصيرةً أو طويل ًة ،لنّها أشبهت شعر الرّأس ي ،حيث قال :فيما يجب غسله منهما :ويد في إذا نزل عن حدّ الوجه ،ورجّحه الفتوح ّ محلّ الفرض أو بغيره ولم تتميّز .
الجلدة الّتي كشطت :
10
-إذا كشطت الجلدة وانفصلت عن الجسم عومل ما ظهر من الجسم بعد كشطها معاملة
الظّاهر مطلقا .
أمّا إذا كشطت وبقيت متعلّقةً متّصلةً بالجسم ،ففي الغسل يجب غسلها ،وتعامل كسائر البشرة . أمّا في الوضوء فإن تقلّع الجلد من الذّراع وتدلّى منها لزم المكلّف غسله مع غسل اليد ، لنّه في محلّ الفرض فأشبه الصبع الزّائدة . وإن تقلّع من الذّراع وبلغ التّقلّع العضد ثمّ تدلّى منه ،لم يلزمه غسله ،لنّه صار من العضد . وإن تقلّع من العضد ،وبلغ التّقلّع إلى الذّراع ثمّ تدلّى منه ،لزمه ،لنّه صار من الذّراع فهو في محلّ الفرض . وإن تقلّع من أحدهما والتحم بالخر ،لزمه غسل ما حاذى محلّ الفرض لنّه بمنزلة الجلد الّذي على الذّراع ،فإن كان ذلك متجافيا عن ذراعه لزمه غسل ما تحته مع غسله .
رابعا :الصابع الملتفّة ونحوها :
11
-إذا كانت هذه الصابع الملتفّة يصل الماء إلى باطنها فجمهور الفقهاء من الحنفيّة
ن تخليل الصابع في هذه الحالة يكون س ّن ًة سواء أصابع والشّافعيّة والحنابلة يقولون :إ ّ اليدين أو أصابع الرّجلين . وخالف المالكيّة فقالوا بوجوب تخليل أصابع اليدين قولً واحدا ،وبوجوب تخليل أصابع الرّجلين على الرّاجح ،وإن كان المشهور أنّ تخليل أصابع الرّجلين سنّة . أمّا إذا كانت الصابع الملتفّة ل يصل الماء إلى باطنها إلّ بالتّخليل وجب التّخليل عند الجميع .فإن كانت هذه الصابع ملتصقةً وملتحمةً فل يجوز فتقها لتخلّل ،بل يحرم ذلك ، لنّه مضرّة ،وقد صارت كالصبع الواحدة .
خامسا :سلس البول ونحوه :
12
-من عاهته سلس بول ونحوه كاستحاضة وسلس مذي وخروج ريح دائم وناصور
وباسور وغيرها من الجروح الدّائمة الفوران :فقد اختلف الفقهاء في حكم هذه المسائل ، وينظر تفصيله في مصطلح ( سلس ف ، 5واستحاضة ف
30
).
سادسا :الخارج من فتحة قامت مقام السّبيلين :
13
-إذا كانت العاهة تتمثّل في فتحة غير السّبيلين ،يخرج منها ما يخرج من السّبيلين من
بول أو غائط أو دم أو دود أو غير ذلك ممّا هو معتاد أو غير معتاد فقد اختلف الفقهاء فيه : فالمالكيّة والشّافعيّة :قصروا التّعميم بالقول بنقض الوضوء على صورة واحدة متّفق عليها بينهم وهي ما إذا انسدّ المخرج الصليّ وكانت الفتحة تحت السّرّة ،لنّه ل بدّ للنسان من
مخرج تخرج منه هذه الفضلت ،فأقيم المنفتح تحت السّرّة مكان المخرج وهو القبل والدّبر ،فأخذ الخارج من هذا المخرج حكم الخارج منهما فنقض الوضوء قولً واحدا . أمّا ما عدا هذه الصّورة فلهم فيها خلف ينظر في مصطلح ( :نواقض الوضوء ) . والحنفيّة عمّموا القول بنقض الوضوء من كلّ خارج نجس ،سواء خرج من السّبيلين أم من غيرهما بشروطه ،وسواء كان منفذا منفتحا كالنف والفم أم لم يكن ،كالفتحة تحت السّرّة أم فوقها ،حيث قاسوا ما خرج من غير السّبيلين على الخارج منهما . والحنابلة يوافقون الحنفيّة في نقض الوضوء بما خرج من بول أو غائط من أيّ مكان في الجسم ،سواء كانت الفتحة تحت السّرّة أو فوقها ،لنّ الخارج بول وغائط بصرف النّظر عن المحلّ ،ولكنّهم فارقوهم في غير البول والغائط ،كالرّيح والدّم وغيرهما إذا خرج من غير السّبيلين .فقالوا :إن كان الخارج من غير السّبيلين طاهرا فل ينقض الوضوء بحال ،وإن كان نجسا ينقض الوضوء في الجملة روايةً واحد ًة إن كان كثيرا دون اليسير .
سابعا :البول قائما لمن به عاهة :
14
ن من به عاهة تمنعه من القعود له أن يبول قائما ،كمن -ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
به عاهة في رجله ل يستطيع الجلوس أو به باسور فإذا جلس مرّات كثير ًة ضايقه ذلك ونزف منه باسوره أو غير ذلك من العاهات والعلل . وقد فعل ذلك رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فبال قائما فيما رواه حذيفة رضي ال عنه : ي صلى ال عليه وسلم انتهى إلى سباطة قوم فبال قائما « . » أنّ النّب ّ وما ورد عن جابر رضي ال عنه أنّه قال » :نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن يبول الرّجل قائما « . وقد جمع العلماء المحدّثون والفقهاء بين الحديثين بأوجه كثيرة ،منها :أنّه صلى ال عليه وسلم فعل ذلك لجرح كان في مأبضه كما رواه ابن الثير ،فقد روى أبو هريرة رضي ال ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بال قائما من جرح كان بمأبضه « والمأبض عنه » :أ ّ ما تحت الرّكبة . وقيل :إنّما بال صلى ال عليه وسلم قائما لوجع في صلبه ،روي ذلك عن الشّافعيّ ،أمّا غير صاحب العاهة فالبول قائما مكروه له تنزيها .
ثامنا :من به عاهة تمنعه من استعمال الماء :
15
ن من به مرض يمنعه من استعمال الماء فإنّه يتيمّم لقوله سبحانه -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
غسِلُواْ ُوجُو َه ُكمْ َوأَيْدِيَ ُكمْ إِلَى ا ْلمَرَا ِفقِ ن آمَنُواْ إِذَا ُقمْ ُت ْم إِلَى الصّلةِ فا ْ وتعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
علَى طهّرُواْ َوإِن كُنتُم مّرْضَى َأوْ َ سكُمْ َوأَ ْرجُ َل ُكمْ إِلَى ا ْل َكعْبَينِ َوإِن كُن ُتمْ جُنُبا فَا ّ سحُواْ بِ ُرؤُو ِ وَامْ َ صعِيدا طَيّبا } . سفَرٍ َأوْ جَاء َأحَدٌ مّنكُم مّنَ ا ْلغَا ِئطِ َأوْ َل َمسْ ُتمُ ال ّنسَاء َفَلمْ َتجِدُو ْا مَاء فَتَ َي ّممُواْ َ َ قال الشّافعيّ :فد ّل حكم اللّه ع ّز وجلّ على أنّه أباح التّيمّم في حالتين ،أحدهما :السّفر والعواز من الماء ،والخر :للمريض في حضر كان أو سفر . وقد اختلفوا بعد ذلك في المرض المبيح وغيره من الفروع ( ر :تيمّم ف
21
-
22
).
العاهة وأثرها في أحكام الصّلة : أ ّولً :أذان العمى :
16
ن أذان العمى جائز إذا علم دخول الوقت ،وذلك على التّفصيل -ذهب الفقهاء :إلى أ ّ
التي : ن أذان البصير أفضل من أذان العمى ،فيكره كراهة تنزيه أذان العمى ، قال الحنفيّة :إ ّ إلّ إذا كان معه بصير يعلمه أوقات الصّلة فل كراهة . وقال المالكيّة :يجوز أذان العمى إن كان تابعا لغيره في أذانه أو قلّد ثقةً في دخول الوقت .وقال الشّافعيّة :يكره أن يكون المؤذّن أعمى ،لنّه ربّما غلط في الوقت ،فإن كان معه بصير لم يكره لنّ ابن أمّ مكتوم وهو أعمى كان يؤذّن مع بلل . ن العمى ل يعرف الوقت فربّما غلط ، وقال الحنابلة :يستحبّ أن يكون المؤذّن بصيرا ،ل ّ فإن أذّن العمى صحّ أذانه ،قال في المبدع :كره ابن مسعود وابن الزّبير رضي ال عنهما أذان العمى ،وكره ابن عبّاس إقامته .
ثانيا :استقبال العمى للقبلة :
17
-ذهب جمهور الفقهاء :الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ العمى عليه أن يسأل
ن معظم الدلّة تتعلّق بالمشاهدة ،قال الحنفيّة :فإن لم يجد من يسأله عنها عن القبلة ،ل ّ تحرّى ،وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :استقبال ف
36
).
وقال المالكيّة :ل يجوز للعمى المجتهد أن يقلّد غيره بل يسأل عن الدلّة ليهتدي بها إلى القبلة . أمّا غير المجتهد ،وهو الجاهل بالدلّة أو يكفيه الستدلل بها ،فيجب عليه أن يقلّد مكلّفا عدلً عارفا بطريق الجتهاد أو محرابا ،فإن لم يجد من يرشده إلى القبلة فإنّه يتخيّر جهةً من الجهات الربع ويصلّي إليها مرّ ًة واحدةً . 18
-أمّا من به عاهة أخرى كالمشلول ومن ل يستطيع مفارقة سريره لعاهة في عينيه ،
أو لجرح في جسده لو حرّك لنزف ،فإنّ هؤلء ونحوهم إذا وجدوا من يوجّههم إلى القبلة
دون ضرر يلحق بهم وجب عليهم التّوجّه إلى القبلة ،فلو صلّوا إلى غير القبلة في هذه الحالة بطلت صلتهم وهذا باتّفاق الفقهاء . أمّا من لم يجد من يوجّهه إلى القبلة ،أو وجد ولكن ل يمكن تحويله إلى القبلة لعاهة تمنع من ذلك ،يخشى عليه من الضّرر إن تحرّك سريره ،فقد اختلف الفقهاء فيه على ثلثة أقوال : أوّل ها :أنّه ي صلّي على حاله ويع يد ،و هو قول الشّافعيّة ،ومحمّد بن مقا تل الرّاز يّ من الحنفيّة . ودليلهم أنّ اللّه سبحانه أوجب التّوجّه إلى القبلة على العموم بقوله تعالى َ { :وحَيْثُ مَا شطْرَهُ } ولم يبح للمريض أن يترك استقبال القبلة بحال من الحوال ، جوِ َهكُمْ َ كُنتُمْ َفوَلّواْ ُو ُ فيلزمه أن يصلّي على حسب حاله ،وإذا وجد من يحوّله إلى القبلة أعاد . وثانيها :قول المالكيّة الّذين يرون أنّ من هذه حاله ول يستطيع التّوجّه إلى القبلة ل بنفسه ول بمساعد صلّى على حسب حاله ،ويعيد إذا وجد من يحوّله إلى جهة القبلة في الوقت وجاء في المدوّنة في المريض الّذي ل يستطاع تحويله إلى القبلة لمرض به أو جرح أنّه ل يصلّي إلّ إلى القبلة ،ويحتال له في ذلك ،فإن هو صلّى إلى غير القبلة أعاد في الوقت ، وهو في ذلك بمنزلة الصّحيح . ثالثها :قول الحنفيّة والحنابلة وهو :أنّ العاجز عن استقبال القبلة يصلّي على حسب حاله ،ول يعيد صلته ما دام ل يستطيع التّحوّل إلى القبلة ول يجد من يحوّله إليها ،نقله السّرخسيّ عن ظاهر الرّواية . ن التّوجّه إلى القبلة شرط جواز الصّلة ،والقيام والقراءة والرّكوع واستدلّ لذلك بأ ّ والسّجود أركان ،ثمّ ما سقط عنه من الركان بعذر المرض ل يجب عليه إعادة الصّلة ، فكذلك ما سقط عنه من الشّروط بعذر المرض ل يجب عليه إعادة الصّلة . س َعهَا } . ولقوله تعالى { :لَ ُيكَلّفُ الّل ُه َنفْسا ِإلّ ُو ْ ولقوله صلى ال عليه وسلم » :إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم « .
ثالثًا :من به عاهة تمنعه من التيان بركن من أركان الصّلة :
19
-من به عاهة تمنعه من التيان بركن من أركان الصّلة ،كالعاجز عن القيام أو
الجلوس أو السّجود أو غيرها من الركان صلّى كيف أمكنه ،وهذا باتّفاق الفقهاء ،سواء في ذلك الفرض أو النّفل . واختلفوا بعد ذلك في مسائل .
المسألة الولى :في العاجز عن السّجود :
20
-إذا كان عاجزا عن السّجود وأمكن رفع وسادة ونحوها ليسجد عليها :
فعند الحنفيّة والمالكيّة أنّه يومئ بالرّكوع والسّجود ،ول يرفع إلى وجهه شيئا يسجد ي صلى ال عليه وسلم عاد عليه ،واستدلّوا بما رواه جابر رضي ال عنه » :أنّ النّب ّ مريضا فرآه يصلّي على وسادة ،فأخذها فرمى بها ،فأخذ عودا ليصلّي عليه ،فأخذه فرمى به وقال :صلّ على الرض إن استطعت وإلّ فأومئ إيما ًء ،واجعل سجودك أخفض من ركوعك « . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز له ذلك ،أو يومئ بال سّجود ،فهو بالخيار بين هذا وذاك ،ل نّ الكلّ مرو يّ عن ر سول اللّه صلى ال عل يه و سلم لقول ع بد اللّه بن أح مد بن حن بل :سألت أ بي عن المر يض يو مئ أو ي سجد على مرف قة ؟ قال :كلّ ذلك قد روي ،ل بأس به إن شاء اللّه . ي عن ابن عمر وابن مسعود رضي ال عنهم موقوفا وروي عن جابر واليماء مرو ّ مرفوعا ،والسّجود على المرفقة مرويّ عن ابن عبّاس وأمّ سلمة رضي ال عنهم .
المسألة الثّانية :كيفيّة قعود من عجز عن القيام :
21
ن من عجز عن القيام في الصّلة المفروضة يؤدّيها قاعدا إن -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم دخل على عمران بن حصين رضي ال عنه استطاع ،ل ّ يعوده في مرضه فقال كيف أصلّي ؟ فقال صلى ال عليه وسلم » :صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب « . واختلف الفقهاء في أفضليّة القعود : ب ،لنّ القعود في حالة فذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ القعود على هيئة التّربّع مستح ّ العجز بدل عن القيام والقيام يخالف قعود الصّلة ،فينبغي أن يكون بدله مخالفا له . وذهب الشّافعيّة -في الظهر عندهم -إلى أنّ الفتراش في القعود أفضل من التّربّع لنّ الفتراش قعود عبادة بخلف التّربّع .
المسألة الثّالثة :حكم من عجز عن القعود :
22
-ذهب الجمهور إلى أنّ من عجز عن القعود صلّى على جنبه مستقبلً القبلة وندب على
الجنب اليمن واستدلّوا بقوله صلى ال عليه وسلم في حديث عمران السّابق » :فإن لم تستطع فعلى جنب « . وظاهر كلم مالك في المدوّنة وأحمد أنّه لو صلّى مستلقيا مع إمكان الصّلة على جنبه أنّه يصحّ ،والدّليل يقتضي ألّ يصحّ ،لنّه خالف أمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :فعلى جنب « ولنّه نقله إلى الستلقاء عند عجزه عن الصّلة على جنب ،فهي مرتّبة كما جاء
في الحديث الّذي رواه عمران بن حصين رضي ال عنه قال :كانت بي بواسير ،فسألت النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال » :صلّ قائما ،فإن لم تستطع فقاعدا ،فإن لم تستطع فعلى جنب « . ن من لم يستطع القعود استلقى على قفاه ،ورجله إلى القبلة ، وذهب الحنفيّة :إلى أ ّ وأومأ بالرّكوع والسّجود ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :يصلّي المريض قائما ،فإن لم يستطع فقاعدا ،فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماءً « . وقد جوّز المرغينانيّ أنّه إذا استلقى على جنبه ووجهه إلى القبلة جاز . ن الّلهَ قِيَاما فالصل في صلة المريض كما يقول السّرخسيّ قوله تعالى { :الّذِينَ يَ ْذكُرُو َ وَ ُقعُودا وَعَ َلىَ جُنُو ِب ِهمْ } . ضحّاك في تفسيره :هو بيان حال المريض في أداء الصّلة على حسب الطّاقة . قال ال ّ
المسألة الرّابعة :من كان عاجزا فقدر أو كان قادرا فعجز في أثناء الصّلة : 23
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من كان عاجزا فاستطاع في أثناء الصّلة ،أو كان
مستطيعا فعجز ،صلّى كلّ حسب الحالة الّتي صار إليها ،واللّه أولى بعذره وأعلم ،فمن كان عاجزا عن القيام ثمّ استطاعه انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلته ،ول يستأنفها ،وكذلك من كان قادرا على القيام ثمّ عجز عنه في أثناء صلته انتقل إلى الجلوس ،وبنى على ما مضى من صلته ،واللّه أعلم به وبحاله الّتي صار إليها ،لنّه يجوز أن يؤدّي صلته كلّها قاعدا عند العجز ،ويؤدّيها جميعا قائما عند القدرة ،فتأخذ كلّ حالة حكمها .وذهب الحنفيّة إلى التّفرقة بين صور ثلث في الحكم : أولها :إن صلّى الصّحيح بعض صلته قائما ،ث ّم حدث به مرض يتمّها قاعدا ،يركع ويسجد أو يومئ إن لم يقدر ،أو مستلقيا إن لم يقدر ،لنّه بناء الدنى على العلى ، فصار كالقتداء ،فيبني على ما مضى من صلته . وثانيتها :من صلّى قاعدا يركع ويسجد لمرض ،ثمّ صحّ ،بنى على صلته قائما عند أبي حنيفة وأبي يوسف ،وقال محمّد بن الحسن استقبل . وثالثتها :إن صلّى بعض صلته بإيماء ،ثمّ قدر على الرّكوع والسّجود ،استأنف عند الثّلثة ،لنّه ل يجوز اقتداء الرّاكع بالمومئ ،فكذا البناء . أمّا زفر فجوّزه بنا ًء على أصله من تجويز اقتداء الرّاكع بالمومئ .
المسألة الخامسة :من عجز عن اليماء برأسه :
24
-من عجز عن اليماء برأسه يومئ بطرفه ،فإن عجز أجرى أفعال الصّلة على قلبه ،
ول يترك الصّلة ما دام عقله ثابتا ،وهذا هو قول الجمهور ،مستدلّين على ذلك بما رواه
ي صلى ال عليه وسلم قال » :فإن لم يستطع الحسين بن عليّ رضي ال عنهما أنّ النّب ّ أومأ بطرفه « ول تسقط عنه الصّلة ،لنّه مسلم بالغ عاقل ،أشبه القادر على اليماء برأسه . ي الدّين . وفي رواية عن أحمد تسقط الصّلة في هذه الحالة ،واختاره الشّيخ تق ّ والرّاجح من مذهب الحنفيّة :أنّه إن لم يستطع اليماء برأسه أخّرت الصّلة عنه ،ول يومئ بعينه ول بقلبه ول بحاجبيه ،خلفا لزفر ورواي ًة عن أبي يوسف ،وعن محمّد قال : ك أنّ اليماء برأسه يجزئه ،ول أشكّ أنّه بقلبه ل يجزئه ،وأشكّ فيه بالعين . ل أش ّ والمختار عند الحنفيّة أنّ الصّلة ل تسقط عنه ،حتّى ولو زادت عن أكثر من يوم وليلة إذا كان مفيقا ،وصحّح قاضي خان أنّه ل يلزمه القضاء إذا كثر ،لنّ مجرّد العقل ل يكفي لتوجّه الخطاب .
رابعا :إمامة من به عاهة تمنعه من ركن من الصّلة :
25
-ذهب الفقهاء إلى صحّة إمامة من به عاهة تمنعه من ركن من الصّلة إذا كان إماما
بمثله في هذه العاهة ،واختلفوا في إمامة ذي العاهة للصّحيح ،فجوّزها بعضهم ،ومنعها آخرون ،على تفصيل ينظر في مصطلح ( :اقتداء ف
40
).
خامسا :من به عاهة على صورة مبطل من مبطلت الصّلة :
العاهة هنا تنقسم إلى قسمين :عاهة عارضة كالتّنحنح والسّعال ونحوهما ،وعاهة خلقيّة كالتّأتأة والفأفأة ونحوها . 26
-أمّا القسم الوّل :فقد اتّفق الفقهاء على أنّه إذا لم يظهر بالسّعال والتّنحنح ونحوهما
حرفان فالصّلة صحيحة ،وكذا إذا ظهر حرفان أو أكثر ،وكان مغلوبا عليه بحيث ل يستطيع دفعه . أمّا إذا استطاع دفعه وفعله لتحسين الصّوت فقد وقع فيه الخلف بين الفقهاء : ن ما كان فجمهور الحنفيّة والشّافعيّة يرون أنّه ل بأس بذلك للتّمكّن من القراءة الواجبة ل ّ لمصلحة القراءة يلحق بها . ل ،أمّا السّعال ونحوه فالشبه أمّا الحنابلة ففرّقوا بين التّنحنح وغيره كالسّعال والتّأوّه مث ً ن الحكم ل يثبت بأصولهم -وهو ظاهر المدوّنة -أنّ من فعله مختارا أفسد صلته ،ول ّ ص أو إجماع أو قياس ،والنّصوص العامّة تمنع من الكلم كلّه ،ولم يرد ما يخصّصه إلّ بن ّ ن النّحنحة ل تسمّى ،ولهم في التّنحنح قولن ،وظاهر قول أحمد أنّه لم يعتبر ذلك ،ل ّ كلما ،وتدعو الحاجة إليها في الصّلة . ن ذلك كلّه مبطل للصّلة إن لم يكن مغلوبا عليه . وذهب إسماعيل الزّاهد من الحنفيّة إلى أ ّ
27
-وأمّا القسم الثّاني :وهو العاهة الخلقيّة كصاحب التّأتأة والفأفأة واللثغ ونحوهم فهذه
ي ،في أنّه تصحّ صلتهم إذا معفوّ عنها في حال الصّلة منفردا ،ويعامل هؤلء معاملة المّ ّ لم يمكنهم إصلح هذا المرض وعلجه ،وصلتهم صحيحة فرادى ومأمومين لقارئ ،وهذا محلّ اتّفاق . أمّا إمامة كلّ منهم للقارئ فهي محلّ خلف بين الفقهاء : فالشّافعيّة والحنابلة يفرّقون بين التّأتأة ونحوها ممّا فيه زيادة حرف ،فيكرهون المامة لصاحبها إ ّل لمثله ،وذلك لنّ في قراءتهم نقصا عن حال الكمال بالنّسبة لمن ل يفعل ذلك ، وصحّت الصّلة بإمامتهم لنّهم يأتون بالواجب ويزيدون عليه حركةً أو حرفا ،وذلك غير مؤثّر كتكرير الية . وأمّا الرتّ ،وهو الّذي يدغم حرفا في غيره ،واللثغ وهو الّذي يبدّل حرفا بغيره ،فهذان وأمثالهما ل يصحّ اقتداء القارئ بهما ،لنّهم كالمّيّ ،والمّيّ ل يصحّ اقتداء القارئ به . وأمّا المالكيّة فلم يفرّقوا بين ما فيه زيادة حرف كالتّأتأة ،وما فيه تغيير حرف بحرف ،أو إدغامه به ،ويسمّي خليل صاحب كلّ هذا " ألكن " ،ويعلّق عليه الخرشيّ بقوله :يعني أنّه يجوز القتداء بألكن ،وظاهره ولو كانت اللّكنة في الفاتحة ،وهو الصّحيح ،واللكن هو : من ل يستطيع إخراج بعض الحروف من مخارجها ،سواء كان ل ينطق بالحرف ألبتّة ،أو ينطق به مغيّرا ،فيشمل التّمتام ،وهو الّذي ينطق في أوّل كلمه بتاء مكرّرة ،والرتّ وهو الّذي يجعل اللم تا ًء أو من يدغم حرفا في حرف ،واللثغ وهو من يحوّل اللّسان من السّين إلى الثّاء ،أو من الرّاء إلى الغين ،أو اللم أو الياء ،أو من حرف إلى حرف ،أو من ل يتمّ رفع لسانه لثقل فيه ،والطّمطام وهو من يشبه كلمه كلم العجم ونحوهم .
سادسا :أثر العاهة في إسقاط فرض الجمعة :
28
-من العاهات الّتي تسقط عن المكلّف فرض الجمعة -عند جمهور الفقهاء -العاهة
الّتي تعجز عن حضور الصّلة كالشّلل ،والعمى فيمن ل يجد قائدا ،وقطع اليد والرّجل من خلف ،وقطع الرّجلين لمن ل يجد من يحمله ،وكذلك العاهة المنفّرة كالجذام والبرص ونحو ذلك . وللتّفصيل انظر ( :صلة الجمعة ف
13
وما بعدها ) .
أثر العاهة في الزّكاة :
أثر العاهة قد تكون مؤثّرةً في الزّكاة من حيث الوجوب أو الجزاء على النّحو التّالي :
أوّلً :من حيث الوجوب :
29
-اختلف الفقهاء فيمن عاهته الجنون ،سواء كان جنونه مطبقا أو متقطّعا ،هل تجب
عليه الزّكاة وتخرج لوقتها ،ولو كان أثناء جنونه أم ل ؟ وتفصيل ذلك في مصطلح ( :زكاة ف
11
) ومصطلح ( :جنون فقرة
14
).
ثانيا :أثر العاهة في الجزاء في الزّكاة :
30
-الحيوان الّذي أصيب بعاهة ،كالعمى والعور والهرم وغيرها من العاهات ،اختلف
الفقهاء في أخذه في الزّكاة ،بعد أن اتّفقوا على عدّه على ربّ المال : ن حيوانات النّصاب إذا كانت كلّها معوه ًة مئوفةً ،فإنّ فرض الزّكاة فذهب الجمهور إلى أ ّ ب المال شراء صحيحة لخراجها في يؤخذ من المعيب ،ويراعى الوسط ،ول يكلّف ر ّ الزّكاة . ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم واستدلّوا على هذا بما رواه ابن عبّاس رضي ال عنهما :أ ّ لمّا بعث معااً إلى اليمن قال له » :إيّاك وكرائم أموالهم « . وقوله صلى ال عليه وسلم » :ولكن من وسط أموالكم ،فإنّ اللّه لم يسألكم خيرها ،ولم يأمركم بشرّها « . وأيضا فإنّ تكليف الصّحيحة عن المراض إخلل بالمواساة ،ومبنى الزّكاة عليها ،وهذا هو ي وأبي يوسف ومحمّد ،والصّحيح من مذهب الحنابلة . قول الشّافع ّ ن أحمد قال :ل وذهب أبو بكر عبد العزيز غلم الخلل إلى أنّه ل تجزئ إلّ صحيحة ،ل ّ يؤخذ إلّ ما يجوز في الضاحيّ ،وللنّهي عن أخذ ذات العاهة في حديث » :ول يخرج في الصّدقة هرمةً ،ول ذات عوار « . وعلى هذا ،فيشتري شاةً صحيحةً يخرجها عن غنمه المراض والمعوهات ،وقد ذهب إلى ب الغنم كلّ ذات عوار ،ول يأخذ منها ، هذا مالك ،قد نقلت المدوّنة قوله :يحسب على ر ّ والعمياء من ذوات العوار ،ول تؤخذ فيها ،ول من ذوات العوار ،وسئل مالك :إن كانت الغنم كلّها قد جربت ؟ فقال :على ربّ المال أن يأتيه بشاة فيها وفاء من حقّه ،وسئل : وكذلك ذوات العوار إذا كانت الغنم ذوات عوار كلّها ؟ قال :نعم . واستثنى مالك ما استثناه الرّسول صلى ال عليه وسلم في حديثه السّابق فقال :ل يأخذ المصدّق من ذوات العوار إلّ إذا رأى في ذلك خيرا وأفضل . هذا كلّه إذا كانت حيوانات النّصاب كلّها مريض ًة معوهةً ،أمّا إذا كانت صحيح ًة فقد اتّفقوا على أنّه ل يجوز إخراج المعيبة عن الصّحيحة للحديث السّابق . وإن كان بعضها معيبا ،وبعضها صحيحا ،فل يقبل عنها في الزّكاة إلّ الصّحيح .
وقد روى ابن قدامة عن ابن عقيل :أنّه إذا كان نصف ماله صحيحا ،ونصفه الخر معيبا ،كان له إخراج صحيحة ومعيبة ،قال :والصّحيح في المذهب خلفه .
ثالثا :أثر عاهة الزّرع في الزّكاة :
31
-اختلف الفقهاء في أثر عاهة الزّرع في الزّكاة ،واختلفهم هذا مبنيّ على اختلفهم
في وقت وجوب الزّكاة . فعند أبي حنيفة تجب الزّكاة بنفس الخروج ،كما قال تعالى َ { :و ِممّا َأخْ َرجْنَا َلكُم مّنَ الَرْضِ } . وعند أبي يوسف رحمه ال تعالى بالدراك . ح ّقهُ َي ْومَ حَصَادِهِ } . قال اللّه تعالى { :وَآتُواْ َ وعند مالك :تجب الزّكاة في الزّرع إذا أفرك واستغنى عن الماء إذا بلغ نصابا . وعند الشّافعيّة :ل يجب العشر إلّ بعد بدوّ الصّلح ،وهو معنى قول مالك إذا أفرك ،وهو ب يوم حصاده . الصّحيح عند الحنابلة خلفا لبن أبي موسى الّذي قال :تجب زكاة الح ّ ح ّقهُ َي ْومَ حَصَادِهِ } . لقوله تعالى { :وَآتُواْ َ فإذا هلكت الزّروع والثّمار بعاهة قبل وقت الوجوب فل شيء عليه من الزّكاة . وإذا هلكت بعد وقت الوجوب ،فالحنفيّة ل يوجبون الزّكاة فيما هلك ،سواء كان هلكه بعد حصاده أو قبله ولم يشترط أبو حنيفة النّصاب ،واشترطه الصّاحبان وقالوا بعدم الوجوب ، لنّ الواجب يسقط بهلك محلّه ،والقول ببقاء الواجب بعد هلكه يحيله إلى صفة العسر . وعند مالك إذا هلكت الثّمار والزّروع قبل أن يدخلها بيته ،سواء كان ذلك قبل حصاده وبعد وقت الوجوب ،أو بعد حصادها ،فإنّه ل شيء عليه في هذا كلّه ،إلّ إذا بقي بعد الهلك نصاب . وإذا جمعه بعد حصاده في مكان ،وعزل منه العشر ليفرّقه على المساكين فتلف فل شيء عليه إذا لم يفرّط في حفظه . وذهب الشّافعيّ إلى اعتبار التّفريط مقياسا ،فإذا حصل الهلك بعد أن حلّت زكاة فمن فرّط في الحفظ أو في تأخير الدّفع يعامل بتفريطه ،وما هلك من ماله يحسب عليه ،وتلزمه زكاته ،ومن لم يفرّط :فإن هلك من ماله ل يحسب عليه في الزّكاة ول تلزمه زكاته ،كما ل يحسب عليه ما هلك من أمواله قبل الحول . ول يستقرّ الوجوب عند الحنابلة إلّ بجعل الثّمار في الجرين ،وبجعل الزّرع في البيدر ، فإن تلفت قبل ذلك بغير تعدّ منه سقطت ،ول يحاسب على ما هلك ،لنّ الزّكاة لم تستقرّ ، فأشبه ما لو لم تتعلّق به الزّكاة ابتداءً .
وإذا كان الهلك بفعله أو بتفريطه ضمن حقّ الفقراء فيما هلك من الموال ،فيحاسب عليها ويخرج عنها زكاتها ،سواء تلف الكلّ أم البعض . أمّا إذا كان التّلف لبعضها بدون تفريط ،فالمذهب أنّه إن كان التّلف قبل الوجوب فل شيء عليه فيما تلف وتلزمه الزّكاة في الباقي إذا كان نصابا ،وإن كان بعد وقت الوجوب وجب في الباقي بقدره مطلقا ،سواء خرص أو لم يخرص .
أثر العاهة في الحجّ : أوّلً :من به عاهة تمنعه من الحجّ :
32
-من أصيب بعاهة تمنعه من الحجّ كالمشلول والمقطوع ونحوهما :
فقد ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا مات قبل التّمكّن من الداء سقط الحجّ عنه ،أمّا إذا مات بعد التّمكّن من الداء ففيه تفصيل ينظر في مصطلح ( :حجّ ف
19
).
ثانيا :ما ل يقبل في الهدي لعاهة فيه :
33
-ذهب الفقهاء إلى أنّه ل يجزئ في الهدي ما ل يجزئ في الضحيّة من ذوات العاهات
،على خلف وتفصيل ينظر في ( :أضحيّة فقرة
26
،وهدي ) .
أثر العاهة في المعاملت :
34
-قد يصاب العاقدان أو أحدهما ببعض العاهات الّتي تسقط الهليّة للتّعاقد كالجنون ،أو
تقصرها على بعض أنواع التّعامل ،وقد شرح الصوليّون هذه العاهات وعبّروا عنها بعوارض الهليّة . ر ( :أهليّة ،وبيع فقرة
26
ي. ) ،والملحق الصول ّ
ومن الفروع الّتي يبحث تأثير العاهات فيها ما يلي :
أ ّو ًل :بيع الثّمرة قبل بدوّ صلحها أو بعده فتصيبها العاهة :
35
-اختلف الفقهاء في الثّمرة تصيبها عاهة بسبب جائحة ،فتتلف الثّمرة كلّها أو بعضها،
وتفصيل ذلك في مصطلح ( :ثمار -فقرة
17
وجائحة - 6
10
).
ثانيا :أثر العاهة في استحقاق المعقود عليه من الجرة في المساقاة :
36
-ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا أصيبت الثّمرة أو الزّرع بآفة أو جائحة فأتت على المحصول
كلّه فل شيء للعامل ،وإذا أهلكت البعض جرى فيه الشّرط المتّفق عليه بين العامل وصاحب الرض .
ثالثا :أثر العاهة تصيب المسلم فيه :
37
-إذا لم يوجد المسلم فيه عند حلول الجل ،بأن أصابته عاهة أو جائحة فانقطع جنس
المسلم فيه عند المحلّ ولم يمكن تحصيله ،فالحنفيّة يرون أنّ العقد باطل ،لنّهم يشترطون لصحّة عقد المسلم وجود المسلم فيه عند العقد ،وعند حلول الجل ،وفيما بينهما . ن المسلم فيه يتعلّق بال ّذمّة ، والجمهور يرجّحون تخيير المسلم مع بقاء العقد صحيحا ،ل ّ فأشبه ما إذا أفلس المشتري بالثّمن ل ينفسخ العقد ،ولكن للبائع الخيار . وأيضا فإنّ العقد ورد على مقدور في الظّاهر ،وهذا يستوجب صحّة العقد وعروض النقطاع كإباق العبد ،وذلك ل يقتضي إلّ الخيار . وقد وافق الحنفيّة -غير زفر -الجمهور فيما إذا كان النقطاع بعد حلول الجل وقبل ب المال :إن شاء فسخ ،وإن شاء صبر التّسليم ،فقالوا :ل يبطل العقد ،والخيار لر ّ وانتظر وجوده . ن العقد ينفسخ ،وبه قال زفر وروايةً عن وللشّافعيّة والحنابلة وجه آخر ،وهو :أ ّ الكرخيّ ،وذلك قياسا على ما لو هلك المبيع المعيّن قبل التّسليم ،لعدم إمكان التّسليم في كلّ ن الشّيء كما ل يثبت في غير محلّه ل يبقى عند فواته . ،فإ ّ
رابعا :أثر العاهة في النّكاح :
38
-قد يصاب الزّوج أو الزّوجة بعاهة قبل عقد الزّواج أو بعده ،وقبل الدّخول أو بعده ،
وقد تناول الفقهاء أثر العاهة في هذه الحوال في فسخ النّكاح أو إمضائه . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :نكاح ،وفرق النّكاح ) .
خامسا :أثر العاهة في أحكام الجهاد :
39
-يشترط الفقهاء فيمن يفرض عليه أحكام الجهاد أن يكون قادرا عليه ،فمن ل قدرة له
ل جهاد عليه ،لنّ الجهاد بذل الجهد -وهو الوسع والطّاقة -في قتال أعداء اللّه ، لعلء كلمة اللّه ،ومن ل وسع له ول طاقة عنده ل يكلّف بالجهاد . وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :جهاد ف
21
).
الفرار ممّن ابتلي بعاهة :
40
-اختلفت الرّوايات عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم في حكم اجتناب من ابتلي بعاهة
الجذام ونحوه من المراض الّتي تنتقل من المريض إلى السّليم . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :جذام ف 5وما بعدها ) .
التّعريف :
عبَادَةُ * ِ
1
-العبادة في اللّغة :الخضوع ،والتّذلّل للغير لقصد تعظيمه ول يجوز فعل ذلك إلّ للّه ،
وتستعمل بمعنى الطّاعة . وفي الصطلح :ذكروا لها عدّة تعريفات متقاربة :منها : أ -هي أعلى مراتب الخضوع للّه ،والتّذلّل له . ب -هي المكلّف على خلف هوى نفسه تعظيما لربّه . ج -هي فعل ل يراد به إلّ تعظيم اللّه بأمره . د -هي اسم لما يحبّه اللّه ويرضاه من القوال ،والفعال ،والعمال الظّاهرة والباطنة . أ -القربة : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-القربة هي :ما يتقرّب به إلى اللّه فقط ،أو مع الحسان للنّاس كبناء الرّباط
والمساجد ،والوقف على الفقراء والمساكين . ب -الطّاعة : 3
-الطّاعة هي :موافقة المر بامتثاله سواء أكان من اللّه أم من غيره ،قال تعالى :
{ َأطِيعُواْ الّل َه َوَأطِيعُواْ ال ّرسُولَ َوُأوْلِي ا َلمْ ِر مِنكُمْ } 4
-قال ابن عابدين :بين هذه اللفاظ " العبادة -القربة -الطّاعة " عموم وخصوص
مطلق . فالعبادة :ما يثاب على فعله ،وتتوقّف صحّته على نيّة ،والقربة :ما يثاب على فعله بعد معرفة من يتقرّب إليه به ،ولم يتوقّف على نيّة ،والطّاعة :ما يثاب على فعله توقّف على نيّة أم ل ،عرف من يفعله لجله ،أم ل . فالصّلوات الخمس ،والصّوم ،والزّكاة ،وك ّل ما تتوقّف صحّته على نيّة :عبادة ، وطاعة ،وقربة ،وقراءة القرآن ،والوقف ،والعتق ،والصّدقة ،ونحو ذلك ممّا ل تتوقّف على نيّة :قربة ،وطاعة ،ل عبادة . ن المعرفة تحصل بعدها ،ول والنّظر المؤدّي إلى معرفة اللّه تعالى :طاعة ،ل قربة ،ل ّ ي من الشّافعيّة :إنّ العبادة مشتقّة من التّعبّد ، عبادة لعدم توقّفه على نيّة ،وقال الزّركش ّ وعدم النّيّة ل يمنع كون العمل عبادةً ،وقال :وعندي أنّ العبادة ،والقربة ،والطّاعة ل وتركا ،والعمل المطلوب شرعا يسمّى عبادةً إذا فعله المكلّف تعبّدا ،أو تركه تكون فع ً تعبّدا أمّا إذا فعله ل بقصد التّعبّد ،بل لغرض آخر ،أو ترك شيئا من المحرّمات لغرض جهَ الّلهِ } . ن َو ْ ن يُرِيدُو َ ك خَيْرٌ لّلّذِي َ آخر غير التّعبّد فل يكون عبادةً لقوله تعالى { :ذَلِ َ
الحكام المتعلّقة بالعبادة :
العبادة ل تصدر إلّ عن وحي :
5
-المقصود من العبادة :تهذيب النّفس بالتّوجّه إلى اللّه ،والخضوع له ،والنقياد
لحكامه بالمتثال لمره ،فل تصدر إلّ عن طريق الوحي بنوعيه :الكتاب الكريم ،وسنّة النّبيّ المعصوم الّذي ل ينطق عن الهوى ،قال تعالى َ { :ومَا يَنطِقُ عَنِ ا ْل َهوَى ،إِنْ ُهوَ إِل َوحْيٌ يُوحَى } . أو بما يقرّه اللّه من اجتهاده صلى ال عليه وسلم فقد جاء في الصّحيح » :من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ر ّد « . أمّا المور العاديّة الّ تي تجري ب ين النّاس لتنظ يم م صالحهم الدّنيويّة ،فالمق صود من ها : التّوجيه إلى إقامة العدل بينهم ،ودفع الضّرر ،فيجوز فيها الجتهاد فيما لم يرد فيه نصّ ، لتحقيق العدل ،ودفع الضّرر . والتّفصيل في الملحق الصوليّ .
اشتراط ال ّنيّة في العبادات :
6
-ل خلف بين الفقهاء في اشتراط النّيّة في العبادات لخبر » :إنّما العمال بالنّيّات «
والحكمة في إيجاب النّيّة فيها :تميّز العبادة عن العادة ،وتمييز رتب بعض العبادات بعضها عن بعض ،ولهذا قالوا :تجب النّيّة في العبادة الّتي تلتبس بعادة ،فالوضوء والغسل يتردّدان بين التّنظيف والتّبرّد والعبادة ،والمساك عن المفطرات قد يكون للّحميّة والتّداوي ،وقد يكون لعدم الحاجة إليه ،وقد يكون للصّوم الشّرعيّ ،والجلوس في المسجد يكون للستراحة ويكون للعتكاف ،ودفع المال للغير قد يكون صدقة تطوّع وقد يكون فرض الزّكاة ،فشرعت النّيّة لتمييز العبادة عن غيرها ،والصّلة قد تكون فرضا ،أو نفلً ،فشرعت النّيّة لتمييز الفرض عن النّفل . أمّا الّتي ل تلتبس بعادة ،كاليمان باللّه والخوف ،والرّجاء ،والذان ،والقامة ،وخطبة الجمعة ،وقراءة القرآن والذكار فل تجب فيها النّيّة لنّها متميّزة بصورتها .
النّيابة في العبادات :
7
-قسّم الفقهاء العبادة في هذا الصّدد إلى أقسام ثلثة :
1
-عبادة بدنيّة محضة .
2
-عبادة ماليّة محضة .
3
-عبادة متردّدة بينهما .
فالعبادة البدنيّة المحضة :كالصّلة والصّوم ،والوضوء ،والغسل ..فالصل فيها امتناع النّيابة ،إلّ ما أخرج بدليل ،كالصّوم عن الميّت ،لنّ المقصود من التّكاليف البدنيّة
البتلء ،والمشقّة ،وهي تحصل بإتعاب النّفس والجوارح بالفعال المخصوصة ،وهو أمر ل يتحقّق بفعل نائبه ،فلم تجزئ النّيابة ،إلّ في ركعتي الطّواف تبعا للنّسك ،ولو استناب ح. فيهما وحدهما لم يص ّ أمّا الصّوم عن الميّت فقد أخرج عن هذه القاعدة لدليل ورد فيه :فقد قال ابن عبّاس رضي ال عنهما » :جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقالت :يا رسول اللّه إنّ أمّي ماتت ،وعليها صوم نذر أفأصوم عنها ؟ فقال :أرأيت لو كان على أمّك دين فقضيته أكان ذلك يؤدّى عنها ؟ قالت :نعم ،قال :فصومي عن أمّك « . ( ر :صوم ) . العبادة الماليّة :أمّا العبادات الماليّة المحضة كالصّدقة ،والزّكاة ،والكفّارات ،والنّذر ، والضحيّة ،ونحو ذلك فتصحّ فيها النّيابة ،لنّ دفع الزّكاة إلى المام إمّا واجب ،أو مندوب ،ومعلوم أنّه ل يفرّقها على المستحقّين إلّ عن طريق النّيابة . وأمّا العبادة المتردّدة بين الماليّة والبدنيّة فتصحّ فيها النّيابة عند العجز الدّائم إلى الموت ، أو بعد الموت ،وذلك كالحجّ .
وصف العبادة بالداء ،أو القضاء ،أو العادة :
8
-العبادة :إن كان لها وقت محدود الطّرفين ،ووقعت في الوقت ،ولم يسبق فعلها مرّةً
أخرى في الوقت فأداء ،وإن سبق فعلها فيه فإعادة ،وإن وقعت بعد الوقت فقضاء ،أو قبله فتعجيل ،فالصّلوات الخمس ،وصوم رمضان ،والحجّ ،والعمرة ،والنّوافل المؤقّتة كلّها توصف بالداء ،وبالقضاء ،وإن لم يكن لها وقت محدود الطّرفين ،كالمر بالمعروف ،والنّهي عن المنكر ،والتّوبة عن الذّنوب ،وردّ المظالم ،فل توصف بأداء ، ول قضاء وكذا الوضوء ،والغسل ل يوصفان بأداء ول قضاء ،والزّكاة إن أخرجها قبل الحول يسمّى تعجيلً . والتّفصيل في الملحق الصوليّ .
جعل ثواب ما فعله من العبادات لغيره :
9
-ذهب علماء أهل السّنّة والجماعة :إلى أنّ للنسان أن يجعل ثواب ما فعله من عبادة
لغيره ،وهذا محلّ اتّفاق في العبادات غير البدنيّة المحضة كالصّدقة ،والدّعاء ، والستغفار ،والوقف عن الميّت ،وبناء المسجد عنه ،والحجّ عنه ،إذا فعلها وجعل خوَانِنَا غفِ ْر لَنَا وَل ْ ثوابها للميّت لقوله تعالى { :وَالّذِينَ جَاؤُوا مِن َبعْدِ ِهمْ َيقُولُونَ رَبّنَا ا ْ الّذِينَ سَ َبقُونَا بِاليمَانِ } . ن وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ } . وقوله ج ّل شأنه { :وَاسْتَ ْغفِرْ لِذَن ِبكَ وَلِ ْل ُم ْؤمِنِي َ
ودعاء النّبيّ صلى ال عليه وسلم لكلّ ميّت صلّى عليه ،وسأل رجل النّبيّ صلى ال عليه وسلم :فقال » :يا رسول اللّه ،إنّ أمّي ماتت أفينفعها إن تصدّقت عنها ؟ قال :نعم « . واختلفوا في العبادات البدنيّة المحضة :فقال الحنفيّة ،والحنابلة :له أن يجعل ثواب عبادته لغيره ،سواء صحّت فيها النّيابة ،أم لم تصحّ فيها ،كالصّلة ،والتّلوة ونحوها ممّا ل تجوز فيها النّيابة ،وقالوا :وردت أحاديث صحيحة ،في الصّوم ،والحجّ ،والدّعاء ،والستغفار وهي :عبادات بدنيّة ،وقد أوصل اللّه نفعها إلى الميّت ،وكذلك ما سواها ، مع ما روي في التّلوة . ي :ما عدا الصّدقة ،ونحوها ممّا يقبل النّيابة كالدّعاء ،والستغفار ،ل وقال المام الشّافع ّ يفعل عن الميّت كالصّلة عنه قضا ًء ،أو غيرها ،وقراءة القرآن ،لقوله تعالى َ { :وأَن سعَى } هذا هو المشهور عن المام وهو مذهب المالكيّة . ن إِل مَا َ س لِلنسَا ِ لّيْ َ ولكنّ المتأخّرين من الشّافعيّة ذهبوا إلى أنّ ثواب القراءة يصل إلى الميّت وحكى النّوويّ ن ثواب القراءة يصل إلى الميّت . في شرح مسلم والذكار وجها أ ّ ي ،وصاحب واختاره جماعة من أصحاب الشّافعيّ منهم ابن الصّلح والمحبّ الطّبر ّ الذّخائر ،وعليه عمل النّاس ،و » ما رأى المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن « . هل يكون الكافر مسلما بإتيان العبادة ؟ : 10
ن الكافر إذا أتى بعبادة ،فإن كانت موجودةً في سائر الديان – قال ابن نجيم :الصل أ ّ
; ل يكون بها مسلما كالصّلة ،منفردا ،والصّدقة ،والصّوم ،والحجّ الّذي ليس بكامل ، وإن أتى ما يختصّ بشرعنا ،ولو من الوسائل كالتّيمّم ،أو من المقاصد ،أو من الشّعائر كالصّلة بجماعة ،والحجّ الكامل ،والذان في المسجد وقراءة القرآن وسجود التّلوة عند سماع آيات السّجدة ،يكون بذلك مسلما . والتّفصيل في مصطلح ( :إسلم ) .
التّعريف : 1
عبَارَة * ِ
-العبارة في اللّغة :البيان واليضاح ،يقال :عبّر عمّا في نفسه :أعرب وبيّن ،وعبّر
عن فلن :تكلّم عنه ،واللّسان يعبّر عمّا في الضّمير :أي يبيّن ،وتعبير الرّؤيا تفسيرها : يقال :عبرت الرّؤيا عبرا وعبارةً :فسّرتها ،وفي التّنزيل { :إِن كُنتُمْ لِل ّرؤْيَا َتعْبُرُونَ } . وفي الصطلح :العبارة هي اللفاظ الدّالّة على المعاني ،لنّها تفسير ما في الضّمير الّذي هو مستور .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -القول : 2
-القول لغةً :الكلم أو كلّ لفظ ينطق به اللّسان تامّا أو ناقصا ،وقد يطلق القول على
الراء والعتقادات ،فيقال :هذا قول أبي حنيفة وقول الشّافعيّ ،يراد به رأيهما وما ذهبا إليه . ول يخرج استعمال الفقهاء لهذه الكلمة عن المعنى اللّغويّ . ن القول أعمّ من العبارة لنّ العبارة تكون داّل ًة على معنىً والصّلة بين القول والعبارة هي أ ّ . ب -الصّيغة : 3
-الصّيغة لغةً :العمل والتّقدير ،يقال :هذا صوغ هذا إذا كان على قدره ،وصيغة
القول كذا ،أي مثاله وصورته على التّشبيه بالعمل والتّقدير . والصّيغة اصطلحا :اللفاظ الّتي تدلّ على مراد المتكلّم ونوع التّصرّف . والعبارة أعمّ من الصّيغة في استعمال الفقهاء .
الحكم الجماليّ : أ ّولً :عند الصوليّين :
4
-قسّم الصوليّون من الحنيفة اللفاظ من حيث دللتها على المعنى إلى أربعة أقسام :
ص ،ودللة النّصّ ،واقتضاء النّصّ . عبارة النّصّ ،وإشارة النّ ّ ووجه ضبطه أنّ الحكم المستفاد من النّظم إمّا أن يكون ثابتا بنفس النّظم أو ل ،فإن كان ثابتا بنفس النّظم وكان النّظم مسوقا له فهو العبارة ،وإن لم يكن مسوقا له فهو الشارة . أمّا إن كان الحكم المستفاد من النّظم غير ثابت بنفس النّظم فإن كان الحكم مفهوما منه لغةً فهو الدّللة ،أو شرعا فهو القتضاء . فعبارة النّصّ هي دللة الكلم على المعنى المقصود منه أصالةً أو تبعا ،كما في قوله حلّ الّل ُه الْبَيْ َع َوحَ ّرمَ الرّبَا } فإنّه يد ّل بلفظه وعبارته على معنيين : تعالى َ { :وأَ َ ي ،لنّها نزلت للرّ ّد على الّذين أحدهما التّفرقة بين البيع والرّبا ،وهو المقصود الصل ّ قالوا { :إِ ّنمَا الْبَيْعُ مِ ْثلُ الرّبَا } ،وثانيهما :إباحة البيع ومنع الرّبا ،وهو مقصود تبعا ليتوصّل به إلى إفادة المعنى المقصود أصالةً ،فالحكم الثّابت بالعبارة يجب أن يكون ثابتا بالنّظم ،ويكون سوق الكلم له . وفي هذا القسم وسائر القسام تفصيل ينظر في الملحق الصوليّ .
ثانيا :عند الفقهاء :
5
ن النسان المكلّف مؤاخذ بما يصدر منه من ألفاظ وعبارات، -ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
لما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي ال عنه أنّه قال » :يا نبيّ اللّه وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به ؟ فقال ثكلتك أمّك يا معاذ ،وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم ،أو على منخرهم إلّ حصائد ألسنتهم « . ي غير المميّز والمجنون فعبارتهما غير معتبرة ول يترتّب عليها وأمّا غير المكلّف كالصّب ّ حكم . ( ر :أهليّة ف
17
،
27
).
ي المميّز والسّكران والمعتوه ينظر في مصطلح : وللفقهاء تفصيل في الصّب ّ ( أهليّة ف 6
20 ،19
،
21
).
-ومن القواعد الفقهيّة أنّه إذا اجتمعت الشارة والعبارة واختلف موجبهما غلّبت
الشارة . ي :لو قال :زوّجتك فلنة :هذه ،وسمّاها بغير اسمها صحّ قطعا ،ولو قال قال السّيوط ّ زوّجتك هذه العربيّة فكانت عجم ّيةً ،أو هذه العجوز فكانت شا ّبةً أو هذه البيضاء فكانت سوداء أو عكسه ،وكذا المخالفة في جميع وجوه النّسب والصّفات والعلوّ والنّزول ففي صحّة تعويلً على الشارة . صحّة ،وقال ابن نجيم :بال ّ صحّة النّكاح قولن والصحّ ال ّ
انظر ِ :رقّ
انظر :عتق .
انظر :عتق .
التّعريف : 1
عبْد * َ عَتاق * عتَاقة * َ عتْق * ِ
-العتق لغةً :خلف ال ّرقّ وهو الحرّيّة ،وعتق العبد يعتق عتقا وعتقا ،وأعتقته فهو
عتيق ،ول يقال :عتق السّيّد عبده ،بل أعتق . ومن معانيه :الخلوص .وسمّي البيت الحرام البيت العتيق :لخلوصه من أيدي الجبابرة فلم يملكه جبّار .
ق. واصطلحا :هو تحرير الرّقبة وتخليصها من الرّ ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الكتابة : 2
-الكتابة مشتقّة من الكتاب ،بمعنى الجل المضروب .
واصطلحا :عقد يوجب عتقا على مال مؤجّل من العبد موقوف على أدائه فإذا أدّى ما عليه من المال صار العبد حرّا . والكتابة أخصّ من العتق ،لنّها عتق على مال . ب -التّدبير : 3
-التّدبير لغةً :النّظر في عاقبة المور لتقع على الوجه الكمل ،وأن يعتق الرّجل عبده
عن دبره ،فيقول :أنت ح ّر بعد موتي ،لنّ الموت دبر الحياة . واصطلحا :تعليق مكلّف رشيد عتق عبده بموته . والتّدبير عتق بعد موت السّيّد . ج -الستيلد : 4
-الستيلد لغةً :طلب الولد ،وهو مصدر استولد الرّجل المرأة :إذا أحبلها حرّ ًة أو أمةً
واصطلحا :تصيير الجارية أمّ ولد . والستيلد عتق بسبب ،وهو حمل المة من سيّدها وولدتها .
مشروعيّة العتق :
5
-شرع العتق بالكتاب والسّنّة والجماع .
أمّا الكتاب :فقول اللّه تعالى َ { :أوْ َتحْرِيرُ َرقَ َبةٍ } . وقوله ج ّل شأنه { :فَ َتحْرِيرُ رَقَ َبةٍ مّن قَ ْبلِ أَن يَ َتمَاسّا } . وقوله { :فَكّ َرقَ َبةٍ } . ي صلى ال عليه وسلم أنّه وأمّا السّنّة :فقد ورد عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النّب ّ قال » :من أعتق رقبةً مسلم ًة أعتق اللّه بكلّ عضو منه عضوا من النّار ،حتّى فرجه بفرجها « وقد أعتق النّبيّ صلى ال عليه وسلم الكثير من الرّقاب ،وأعتق أبو بكر وعمر الكثير من الرّقاب . وقد أجمعت المّة على صحّة العتق وحصول القربة به .
حكمة مشروعيّة العتق :
6
-العتق من أفضل القرب إلى اللّه تعالى ،فقد جعله كفّار ًة لجنايات كثيرة منها :
القتل ،والظّهار ،والوطء في شهر الصّيام ،والحنث في اليمان ،وجعله الرّسول صلى ن فيه تخليصا للدميّ المعصوم من ضرر الرّقّ ال عليه وسلم فكاكا لمعتقه من النّار ،ل ّ وملك نفسه ومنافعه وتكميل أحكامه وتمكّنه من التّصرّف في نفسه على حسب إرادته واختياره .
الحكم التّكليفيّ :
7
-حكم العتق :الستحباب ،وهو العتاق لوجه اللّه تعالى من غير إيجاب .
وقد يكون مكروها إذا كان العبد يتضرّر بالعتق ،كمن ل كسب له فتسقط نفقته عن سيّده ، أو يصير كلً على النّاس ويحتاج إلى المسألة ،أو يخاف المعتق على العبد الخروج إلى دار الحرب ،أو يخاف عليه أن يسرق ،أو تكون جاريةً فيخاف منها الزّنا والفساد . وقد يكون حراما ،إذا غلب على الظّنّ الخروج إلى دار الحرب أو الرّجوع عن السلم ،أو ن ما يؤدّي إلى الحرام حرام ،ولكن إذا أعتقه صحّ -لنّه إعتاق الزّنا من الجارية -ل ّ صادر من أهله في محلّه . ن النّذر كغيره وقد يكون واجبا بالنّذر وفي الكفّارات والنّذور ،سواء أكان معيّنا أم ل ،ل ّ من أنواع البرّ ل يقضى به على النّاذر ،بل يجب عليه تنفيذه من نفسه من غير قضاء ،إلّ إذا كان العتق ناجزا وتعيّن متعلّقه ،كعبدي هذا ،أو عبدي فلن ح ّر . فيقضى عليه بتنجيز العتق إن امتنع .
أركان العتق وشروطه :
8
-ذهب الحنفيّة إلى أنّ للعتق ركنا واحدا ،وهو اللّفظ الّذي جعل دلل ًة على العتق .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ للعتق أركانا ثلثةً تتوقّف عليها صحّة العتق هي : المعتِق بالكسر ،والمعتَق بالفتح ،والصّيغة .
الوّل :المعتق :
9
-ويشترط في العتق كونه مطلق التّصرّف الماليّ ،بالغا عاقلً حرّا رشيدا مالكا فل يصحّ
ي والمجنون والمحجور العتق من غير مالك بل إذن ،ول من غير مطلق التّصرّف كالصّب ّ ق ،وعتق السّكران كطلقه ، عليه بفلس أو سفه ،ول من مبعّض ومكاتب ومكره بغير ح ّ وفيه خلف ينظر في مصطلح ( :طلق ف
18
) ،ويصحّ العتق ويلزم من مسلم وكافر
ويثبت ولؤه على عتيقه المسلم ،سواء أعتقه مسلما ،أو كافرا ثمّ أسلم .
الثّاني :المعتَق :
10
ق ،أو تعلّق -ويشترط فيه :أن ل يتعلّق به حقّ لزم يمنع عتقه ،فإن لم يتعلّق به ح ّ
ق للسّيّد إسقاطه ،فإنّه ل يضرّ ،لعدم لزومه لعينه ،كما لو أوصى به سيّده لفلن ثمّ به ح ّ
نجّز عتقه فإنّ عتقه صحيح ماض ،لنّه وإن تعلّق به حقّ للغير -وهو الموصى له به - ن للموصى أن يرجع في وصيّته وينجّز العتق ،وكذلك لو إلّ أنّ هذا الحقّ غير لزم ،ل ّ ح العتق ،وعجّل كان مرتهنا ،أو كان ربّه مدينا ،أو تعلّقت به جناية وكان ربّه مليّا ص ّ ح إن كان معسرا . الدّين والرش ،ول يص ّ
الثّالث :الصّيغة :
11
-ويشترط في الصّيغة أن تكون باللّفظ ،سواء أكان صريحا أو كنايةً ،ظاهرةً أو خف ّيةً
،فالصّريح مثل :أنت حرّ ،أو عتيق أو معتق أو أعتقتك . والكناية الظّاهرة مثل :قول السّيّد لعبده :ل سبيل عليك ول سلطان لي عليك ،واذهب حيث شئت ،وقد خلّيتك . والكناية الخفيّة :كاذهب أو اغرب عنّي أو اسقني فل ينصرف للعتق إلّ بالنّيّة .
أسباب العتق :
للعتق أسباب ستّة هي : أ -التّقرّب إلى اللّه تعالى . ب -النّذر والكفّارات . ج -القرابة . د -المثلة بالعبد . هم -التّبعيض . و -العتق بسبب محظور .
أ ّولً :العتق للتّقرّب إلى اللّه من غير إيجاب :
12
-وقد ندب الشّرع إلى ذلك :لما روي عن ابن عبّاس رضي ال عنهما عن رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم :أنّه قال » :أيّما امرئ مسلم أعتق امرأً مسلما استنقذ اللّه بكلّ عضو منه عضوا من النّار « .
ثانيا :عتق واجب بالنّذر والكفّارات :
13
-وذلك كالقتل والظّهار وإفساد الصّوم في شهر رمضان والحنث في اليمين ،إ ّل أنّه في
القتل الخطأ والظّهار واجب على التّعيين عند القدرة عليه ،وفي اليمين على التّخيير .
ثالثا :القرابة :
14
-فمن ملك قريبا له بميراث أو بيع أو وصيّة عتق عليه ،وقد اختلف الفقهاء في
القريب الّذي يعتق على من ملكه :
ن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه لحديث » :من ملك ذا فذهب الحنفيّة والحنابلة :إلى أ ّ رحم محرم فهو ح ّر « وهم الوالدان وإن علوا من قبل الب والمّ جميعا ،والولد وإن سفل من ولد البنين والبنات ،والخوات والخوة وأولدهم وإن سفلوا ،والعمام والعمّات والخوال والخالت دون أولدهم ،وروي هذا عن عمر وابن مسعود رضي ال عنهما ، وقال به الحسن وجابر بن زيد وعطاء والحكم وحمّاد وابن أبي ليلى والثّوريّ واللّيث . وذهب المالكيّة :إلى أنّ الّذي يعتق بالقرابة البوان وإن علوا ،والمولودون وإن سفلوا ، والخ والخت مطلقا شقيقين أو لب أو لمّ ،وعلى هذا فالّذي يعتق بالملك عندهم الصول والفروع والحاشية القريبة فقط ،فل عتق للعمام والعمّات ،ول للخوال والخالت . وذهب الشّافعيّة :إلى أنّ الّذي يعتق إذا ملك بالقرابة عمود النّسب -أي الصول والفروع -ويخرج من عداهم من القارب كالخوة والعمام ،فإنّهم ل يعتقون بالملك لقوله ح َمةِ } والصول والفروع يعتقون خفِضْ َل ُهمَا جَنَاحَ ال ّذلّ ِمنَ ال ّر ْ تعالى في الصول { :وَا ْ عليه سواء ملكوا اختيارا أو ل ،اتّحد دينهما أو ل ،لنّه حكم تعلّق بالقرابة ،فاستوى فيه من ذكرناه .ووجه الستدلل من الية :أنّه ل يتأتّى خفض الجناح مع السترقاق ،ولما في صحيح مسلم » :ل يجزي ولد والدا ،إلّ أن يجده مملوكا ،فيشتريه فيعتقه « أي فيعتقه الشّراء ،ل أنّ الولد هو المعتق بإنشائه العتق ،بدليل رواية » :فيعتق عليه « . سمَاوَاتِ ن أَن يَ ّتخِ َذ وَلَدا ،إِن ُكلّ مَن فِي ال ّ حمَ ِ وأمّا الفروع فلقوله تعالى َ { :ومَا يَن َبغِي لِل ّر ْ حمَنِ عَبْدا } . وَالَرْضِ إِل آتِي ال ّر ْ ن وَلَدا سُ ْبحَا َنهُ َبلْ عِبَادٌ ّمكْ َرمُونَ } تد ّل على نفي اجتماع حمَ ُ وقال تعالى { :وَقَالُوا ا ّتخَذَ ال ّر ْ الولديّة والعبديّة .
رابعا :المثلة بالعبد :
15
-ذهب الفقهاء إلى أنّه ل يجب إعتاق شيء من العبد بما يفعله سيّده فيه من المر
الخفيف كاللّطم والدب والخطأ ،واختلفوا فيما كثر من ذلك وشنع ،من ضرب مبرّح لغير موجب ،أو تحريق بنار ،أو قطع عضو أو إفساده ،أو نحو ذلك ،على مذهبين : الوّل :ذهب المالكيّة واللّيث والوزاعيّ إلى أنّ من مثّل بعبده عتق عليه وجوبا بالحكم ،ل بمجرّد التّمثيل ،إن تعمّد السّيّد التّمثيل بالعبد ،واستدلّوا بحديث » :من مثّل بعبده أو حرقه بالنّار فهو حرّ ،وهو مولى اللّه ورسوله « . الثّاني :ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من مثّل بعبده ل يعتق عليه .
خامسا :التّبعيض :
16
-من أعتق جزءا من رقيقه المملوك له ،فإنّ مذهب الجمهور أنّه يعتق كلّه عليه
بالسّراية ،لنّ العتاق ل يتجزّأ ،وقال أبو حنيفة :إنّ العتاق يتجزّأ . وإذا أعتق نصيبه من العبد المشترك مع غيره فاختلف الفقهاء في الحكم تبعا لكون المعتق موسرا أو معسرا . فإن كان موسرًا :فذهب المالكيّة والشّافعيّة ،وهو ظاهر مذهب الحنابلة إلى أنّ العبد يعتق كلّه ،وعليه قيمة باقيه لشريكه . وإن كان معسرا عتق نصيبه فقط . وقال أبو حنيفة :إن كان المعتق موسرا فشريكه بالخيار :إن شاء أعتق ،وإن شاء ضمّن المعتق قيمة نصيبه إذا لم يكن بإذنه . وفي المسألة تفصيل ينظر في موضعه في مصطلح ( :تبعيض ف
40
).
سادسا :العتق بسبب محظور :
17
-إذا قال السّيّد لعبده :أنت حرّ لغير وجه اللّه يقع العتق بالتّفاق لوجود ركنه ،ولكن
اختلف الفقهاء في ولء المعتق وميراثه من المعتَق -فتح التّاء -على مذهبين : فيرى الحنفيّة والشّافعيّة :أنّه يثبت الولء للمعتق ،لنّ الولء ثمرة العتق ،فحيث وجد هذا ثبت ذلك كما أنّه متى وجد السّبب تحقّق المسبّب لحديث » :الولء لمن أعتق « . وذهب المالكيّة والحنابلة :إلى أنّه ل يثبت الولء للمعتِق -بكسر التّاء . - وينظر التّفصيل في مصطلح ( :ولء ) .
تعليق العتق بالصّفات :
18
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا علّق السّيّد عتق عبده أو أمته على مجيء وقت أو
فعل ،كأنت حرّ في رأس الحول ،أو إن فعلت ذلك فعبدي ح ّر لم يعتق حتّى يأتي الوقت أو ي وأحمد وابن المنذر ،لما روي عن أبي ذرّ ي والشّافع ّ يحصل الفعل ،وبهذا قال الوزاع ّ رضي ال عنه أنّه قال لعبده :أنت عتيق إلى رأس الحول ،فلول أنّ العتق يتعلّق بالحول لم يعلّقه لعدم فائدته ،فإذا جاء الوقت المضاف إليه أو حصل الفعل المعلّق وهو في ملكه عتق بغير خلف ،وإن خرج عن ملكه ببيع أو هبة لم يعتق عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم » :ل طلق إلّ فيما تملك ول عتق إلّ فيما تملك ،ول بيع إلّ فيما تملك « . ولنّه ل ملك له ،فلم يقع عتاقه كما لو لم يكن له مال متقدّم . وقال النّخعيّ وابن أبي ليلى :عتق ،وينتقض البيع والجارة . وعند المالكيّة :تنقسم صيغة تعليق العتق إلى قسمين :صيغة برّ ،وصيغة حنث .
فأمّا صيغة البرّ فصورتها :أن يقول السّيّد :إن دخلت الدّار فعبدي فلن حرّ ،أو أمتي فلنة حرّة . وأمّا صيغة الحنث فصورتها :أن يقول السّيّد :إن لم أفعل كذا فعبدي ح ّر ،أو أمتي حرّة .فإذا علّق العتق بصيغة البرّ فللسّيّد البيع والوطء ،لنّه على ب ّر حتّى يحصل المحلوف عليه ،سواء قيّد العتق بأجل أو أطلق ،وإن مات السّيّد لم يخرج العبد ول المة من ثلث ول غيره ،بل يكون ميراثا . وإذا علّق السّيّد العتق بصيغة الحنث فل يجوز له بيع العبد ول وطء المة ،وإذا باع فسخ البيع ،وإن مات قبل فعل المعلّق عليه عتق من الثّلث . وإن كانت صيغة الحنث مقيّدةً بأجل ،مثل :إن لم أدخل الدّار في هذا الشّهر فعبدي حرّ وأمتي حرّة ،فيمنع من البيع دون الوطء . والفرق أنّ البيع يقطع العتق ويضادّه ،بخلف الوطء . فإن عاد العبد المعلّق عتقه على صفة إلى ملك السّيّد ،بعد أن باعه وتحقّقت الصّفة ،عتق عند الحنفيّة والحنابلة ،لنّ التّعليق حدث والعبد في ملك السّيّد ،وتحقّق الشّرط وهو في ملكه ،فوجب أن يعتق . ن التّعليق السّابق يسقط بالبيع . وقال الشّافعيّة :ل يعتق العبد في هذه الحالة ل ّ
الثار المترتّبة على العتق : أ ّولً :إرث المعتق من عتيقه :
19
ل أو امرأةً -يرث جميع مال من أعتقه ،أو ن المعتق -رج ً -اتّفق الفقهاء على أ ّ
الباقي منه إن لم يكن له وارث بالنّسب ،ويسمّى العتيق :مولى العتاقة ومولى النّعمة أو العصوبة السّببيّة . فإذا أعتق السّيّد عبده فإنّه يكتسب صفةً تجعله مستحقّا لرث عتيقه لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم » :الولء لحمة كلحمة النّسب « . فالولد ين سب إلى أب يه وأ سرته ،والعت يق ين سب إلى معت قه وأ سرته ،إلّ أ نّ النّ سب يترتّب عل يه الرث لكل الجا نبين ،فك ما يرث ال بن أباه يرث الب اب نه ،أمّا العتاق فيقرّر الرث لجانب واحد ،وهو المعتق ،فل إرث للعتيق من سيّده ،لنّه لم يفعل ما يستوجب المكافأة بعكس السّيّد . لما روي عن عائشة رضي ال عنها قالت :اشتريت بريرة ،فاشترط أهلها ولءها فذكرت ن الولء لمن أعطى الورِق « . ذلك للنّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال » :أعتقيها فإ ّ
ي صلى ال عليه وسلم قال » :الولء للكبر من الذّكور ،ول ترث النّساء من ولنّ النّب ّ الولء إلّ ولء من أعتقن أو أعتقه من أعتقن « . والسّبب في ذلك أنّ الرث هنا بطريق العصوبة ،وهي قاصرة على الرّجال ،لنّهم الّذين ن من الولء إلّ ما كنّ تتحقّق بهم النّصرة ،وهي سبب للخلفة ،وأمّا النّساء فليس له ّ سببا فيه ،بإعتاقهنّ مباشرةً ،أو بواسطة إعتاق من أعتقن . وإذا كان للعتيق عصبة من النّسب ،أو كان له ورثة أصحاب فروض ،واستوعبت ن لهؤلء أولويّةً عليه . أنصباؤهم كلّ التّركة ،فإنّه ل شيء للمعتق ،ل ّ
مرتبة العصبة السّببيّة بين الورثة :
20
ن العاصب السّببيّ مؤخّر في الرث عن العاصب النّسبيّ ،أمّا -اتّفق الفقهاء على أ ّ
تحديد مرتبته بين الورثة فقد ذهب الحنفيّة والحنابلة ومتأخّرو المالكيّة والشّافعيّة ،وهو مذهب جمهور الصّحابة والتّابعين إلى أنّ مرتبة العاصب السّببيّ في الرث تلي العاصب النّسبيّ مباشر ًة ،فهو وإن كان مؤخّرا عن أصحاب الفروض والعصبات النّسبيّة ،إلّ أنّه مقدّم على الرّ ّد على أصحاب الفروض وإرث ذوي الرحام ،فلو مات العتيق عن بنته وموله ،فلبنته النّصف والباقي لموله ،وإن خلّف ذا رحم وموله فالمال لموله دون ذي الرّحم ،وذلك لما روي عن عبد اللّه بن شدّاد عن بنت حمزة قالت » :مات مولي وترك ابنةً ،فقسم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ماله بيني وبين ابنته فجعل لي النّصف ولها النّصف « . وما روي عن يونس عن الحسن قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :الميراث للعصبة ،فإن لم يكن عصبة فالولء « . وذهب بعض الصّحابة ومنهم ابن مسعود وابن عبّاس رضي ال عنهم إلى أنّ إرث العصبة السّببيّة مؤخّر عن الرّدّ على أصحاب الفروض وعن توريث ذوي الرحام ،فل إرث ي مع وجود وارث آخر ،سواء كان صاحب فرض أو عاصبا نسبيّا أو ذا للعاصب السّبب ّ ض ُهمْ َأوْلَى بِ َبعْضٍ } . رحم لظاهر قول اللّه تعالى َ { :وُأوْلُو الَ ْرحَامِ َبعْ ُ
ثانيا :مال العتيق :
21
-إذا أعتق السّيّد عبده وله مال فجمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة وهو قول أحمد
على أنّ ماله لسيّده ،لما روى الثرم بإسناده عن ابن مسعود رضي ال عنه أنّه قال لغلمه عمير :يا عمير إنّي أعتقتك عتقا هنيئا ،إنّي سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول » :أيّما رجل أعتق غلما ولم يسمّ ماله فالمال له فأخبرني ما مالك « ،ولنّ العبد وماله كانا للسّيّد ،فأزال ملكه عن أحدهما ،فبقي ملكه في الخر كما لو باعه .
وقال بعض الفقهاء :إنّ مال العبد تبع له ،روي هذا عن ابن عمر وعائشة رضي ال عنهم والحسن وعطاء والشّعبيّ والنّخعيّ ومالك وأهل المدينة وقد استدلّ هؤلء بما روى ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :من أعتق عبدا وله مال فمال نافع عن ابن عمر عن النّب ّ العبد
له « .
والقاعدة عند المالكيّة :أنّ مال العبد يتبعه في العتق ،دون البيع ،ما لم يستثن ماله السّيّد ،فإنّه يكون للسّيّد .
عتق المكاتب :
22
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المكاتب ل يعتق حتّى يؤدّي ما عليه من الكتابة ،إذ هو
عبد ما بقي عليه درهم واحد ،واستدلّوا بما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه : ي صلى ال عليه وسلم قال » :المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم « . أنّ النّب ّ وقوله عليه الصلة والسلم » :أيّما عبد كاتب على مائة أوقيّة فأدّاها إلّ عشر أواق فهو عبد « فعلى هذا إن أدّى العبد عتق وإن لم يؤدّ لم يعتق . وفي رواية عن أحمد :أنّه إذا ملك ما يؤدّي عتقه عتق ويعتق معه ولده ،لما روي عن أمّ ي صلى ال عليه وسلم قال » :إذا كان لحداكنّ مكاتب ، سلمة رضي ال عنها أنّ النّب ّ وكان عنده ما يؤدّي ،فلتحتجب منه « . فالرّسول صلى ال عليه وسلم أمرهنّ بالحجاب بمجرّد ملكه لما يؤدّي ،ولنّه مالك لوفاء مال الكتابة ،أشبه ما لو أدّاه ،فعلى هذه الرّواية يصير حرّا بملك الوفاء ،وإن هلك ما في يديه قبل الداء صار دينا في ذمّته ،وقد أصبح حرّا .
عتق المدبّر :
23
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المدبّر يعتق من ثلث المال بعد موت المولى ،لنّه تبرّع
ن التّدبير لم صحّة ،فإ ّ بعد الموت ،فكان من الثّلث كالوصيّة ،ويفارق التّدبير العتق في ال ّ يتعلّق به حقّ غير المعتق ،فينفذ في الجميع كالهبة المنجّزة . وإن ضاق الثّلث عن قيمة المدبّر عتق منه مقدار الثّلث وبقي سائره رقيقا .
عتق المستولدة :
24
-ذهب الفقهاء :إلى أنّه ل يجوز للسّيّد في أمّ ولده التّصرّف بما ينقل الملك ،فل يجوز
له بيعها ول وقفها ول رهنها ول تورث ،بل تعتق بموت السّيّد من كلّ المال ويزول الملك عنها . انظر مصطلح ( :استيلد ف
10
).
عتَه * َ
التّعريف : 1
-العته في اللّغة :نقص العقل من غير جنون أو دهش ،والمعتوه المدهوش من غير
مسّ أو جنون . ل في العقل ،ويصير صاحبه والعته في الصطلح :آفة ناشئة عن الذّات ،توجب خل ً مختلط العقل ،فيشبه بعض كلمه كلم العقلء ،وبعضه كلم المجانين . أ -الخبل : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الخبل -بالتّسكين : -الفساد والجنون ،ويكون في الفعال والبدان والعقول فيؤثّر
فيها ،ويلحق الحيوان فيورثه اضطرابا كالجنون والمرض . والخبل -بالتّحريك : -الجنّ ،والخابل :الشّيطان ،والخبال :الفساد ،ومنه قوله تعالى في التّنزيل { :مّا زَادُو ُكمْ ِإلّ خَبَالً } . وفي الحديث » :بين يدي السّاعة خبل « أي :فساد الفتنة والهرج والمرج والقتل . والخبل والعته يشتركان في معنىً وهو نقصان العقل في كلّ منهما . ب -الحمق : 3
-الحمق :فساد العقل ،أو هو وضع الشّيء في غير موضعه مع العلم بقبحه .
والحمق والعته يشتركان في فساد العقل وسوء التّصرّف . ج -الغماء : 4
-الغماء :مصدر أغمي على الرّجل ،مبنيّ للمفعول ،والغماء :مرض يزيل القوى
ويستر العقل ،وقيل :فتور عارض -ل بمخدّر -يزيل عمل القوى . ول يخرج التّعريف الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ . والفرق بين العته والغماء :أنّ الغماء مؤقّت ،والعته مستم ّر غالبا ،والغماء يزيل القوى كلّها ،والعته يضعف القوى المدركة .
الحكم الجماليّ :
5
ن العته يسلب التّكليف من صاحبه ،وأنّه نوع من الجنون ، -اعتبر جمهور الفقهاء أ ّ
وينطبق على المعتوه ما ينطبق على المجنون من أحكام ،سواء في أمور العبادات ،أو في أمور المال والمعاملت المتّصلة به ،أو في العقود الخرى كعقود النّكاح والطّلق وغير ذلك من التّصرّفات الخرى .
واستدلّوا بقوله صلى ال عليه وسلم » :رفع القلم عن ثلثة :عن النّائم حتّى يستيقظ ، وعن الصّبيّ حتّى يحتلم ،وعن المجنون حتّى يعقل « . وفي رواية » :عن الصّبيّ حتّى يبلغ ،وعن النّائم حتّى يستيقظ ،وعن المجنون حتّى يبرأ « . وفي رواية » :وعن المعتوه حتّى يعقل « . وخالف في ذلك الدّبوسيّ من الحنفيّة ،فقال :تجب على المعتوه العبادات احتياطا ،قال ابن عابدين في حاشيته :وصرّح الصوليّون :بأنّ حكم المعتوه كالصّبيّ المميّز العاقل في ي مثل ذلك دون أن ينسبه إلى الصوليّين . تصرّفاته وفي رفع التّكليف عنه وذكر الزّيلع ّ انظر مصطلح ( :أهليّة وحجر وجنون ) .
عتِيرَة * َ
التّعريف : 1
-العتيرة في اللّغة :لها معان متعدّدة منها :
أ -أوّل ما ينتج ،كانوا يذبحونها للهتهم . ب -ذبيحة كانت تذبح في رجب يتقرّب بها أهل الجاهليّة والمسلمون فنسخ ذلك . ي :العتيرة في رجب ،وذلك أنّ العرب في الجاهليّة كانت إذا طلب أحدهم أمرا قال الزهر ّ نذر :لئن ظفر به ليذبحنّ من غنمه في رجب كذا وكذا ،فإذا ظفر به ،فربّما ضاقت نفسه عن ذلك وضنّ بغنمه ،فيأخذ عددها ظباءً ،فيذبحها في رجب مكان تلك الغنم ،فكأنّ تلك عتائره . وفي الحديث » :أنّه صلى ال عليه وسلم قال :ل فرع ول عتيرة « . ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ . ص ،قال :العتيرة :الطّعام الّذي يبعث لهل وقد انفرد ابن يونس من المالكيّة بتفسير خا ّ الميّت ،قال مالك :أكره أن يرسل لمناحة ،واستبعده غيره من فقهاء المالكيّة . أ -الفَرَع : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-من معاني الفرع لغةً :أنّه أوّل نتاج البل والغنم ،كان أهل الجاهليّة يذبحونه للهتهم
ويتبرّكون به ،تقول :أفرع القوم إذا ذبحوا الفرع . أو هو :بعير كان يذبح في الجاهليّة ،إذا كان للنسان مائة بعير نحر منها بعيرا كلّ عام ، فأطعم النّاس ،ول يذوقه هو ول أهله . وقيل :الفرع :طعام يصنع لنتاج البل ،كالخرس لولدة المرأة .
وفسّره الفقهاء بالمعنى الوّل ،وهو :أنّه أوّل ولد تلده النّاقة أو الشّاة ،كانوا يذبحونه للهتهم . وهي تشترك مع العتيرة في كونها ممّا تعوّده العرب في الجاهليّة من الذّبح تقرّبا لللهة أو لسبب آخر . غير أنّ العتيرة اشتهر كونها في شهر رجب . ب -الضحيّة : 3
-الضحيّة في اللّغة :هي الشّاة الّتي تذبح ضحوةً ،أي وقت ارتفاع النّهار ،أو هي
الشّاة الّتي تذبح يوم الضحى . وشرعا :هي ما يذكّى تقرّبا إلى اللّه تعالى في أيّام النّحر بشرائط مخصوصة . وهي تشترك مع العتيرة في أنّها ذبيحة بقصد التّقرّب ،فقد كان المسلمون يفعلون العتيرة في أوّل السلم . ج -العقيقة : 4
-العقيقة :ما يذكّى من النّعم ،شكرا للّه تعالى على ما أنعم به من ولدة مولود ،ذكرا
كان أو أنثى .
الحكم الجماليّ :
5
-جاء السلم والعرب يذبحون في شهر رجب ما يسمّى بالعتيرة أو الرّجبيّة ،وصار
ي صلى ال عليه وسلم » :على أهل كلّ بيت معمولً بذلك في أوّل السلم ،لقول النّب ّ أضحيّة وعتيرة « . لكنّ الفقهاء اختلفوا بعد ذلك في نسخ هذا الحكم ،فذهب الجمهور -الحنفيّة والمالكيّة ن طلب العتيرة منسوخ . والحنابلة -إلى أ ّ ي صلى ال عليه وسلم » :ل فرع ل عتيرة « ،وبما روي عن السّيّدة واستدلّوا بقول النّب ّ عائشة رضي ال تعالى عنها أنّها قالت " :نسخ صوم رمضان كلّ صوم كان قبله ، ونسخت الضحيّة كلّ ذبح كان قبلها ،ونسخ غسل الجنابة كلّ غسل كان قبله " ،والظّاهر ن انتساخ الحكم ممّا ل يدرك أنّها قالت ذلك سماعا من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ل ّ بالجتهاد .واختلفوا في المراد بالنّهي في حديث » :ل فرع ول عتيرة « فذهب الحنابلة ، ن المراد ي وغيرهم إلى أ ّ وبعض المالكيّة ،وهو قول وكيع بن عويس وابن كجّ والدّارم ّ بالخبر نفي كونها س ّنةً ،ل تحريم فعلها ،ول كراهته ،فلو ذبح إنسان ذبيحةً في رجب ، أو ذبح ولد النّاقة لحاجته إلى ذلك أو للصّدقة أو إطعامه لم يكن ذلك مكروها .
قال ابن قدامة :وهو قول علماء المصار سوى ابن سيرين ،وعند بعض المالكيّة هو نسخ للوجوب ،لكنّهم جميعا متّفقون على الباحة . واستدلّوا على الباحة بما روى الحارث بن عمرو التّميميّ » :أنّه لقي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في حجّة الوداع فقال رجل من النّاس :يا رسول اللّه ،العتائر والفرائع ؟ قال :من شاء عتر ومن شاء لم يعتر ،ومن شاء فرّع ومن شاء لم يفرّع « . وما روي عن لقيط بن عامر أنّه سأل النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال » :إنّا كنّا نذبح في رجب ذبائح فنأكل منها ونطعم منها من جاءنا ؟ فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :ل بأس بذلك ،فقال وكيع :ل أتركها أبدا « . ومن القائلين بالنّسخ الحنفيّة ،لكنّهم لم يبيّنوا حكم العتيرة ،هل هو حرام أو مكروه أو مباح ؟ . وذهب الشّافعيّة إلى عدم نسخ طلب العتيرة ،وقالوا تستحبّ العتيرة ،وهو قول ابن ي وابن ماجه وصحّحه الحاكم سيرين .قال ابن حجر :ويؤيّده ما أخرجه أبو داود والنّسائ ّ وابن المنذر عن نبيشة قال » :نادى رجل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :إنّا كنّا نعتر عتيرةً في الجاهليّة في رجب ،فما تأمرنا ؟ قال :اذبحوا للّه في أيّ شهر كان « ...إلخ الحديث .قال ابن حجر فلم يبطل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم العتيرة من أصلها ، وإنّما أبطل خصوص الذّبح في شهر رجب . ي ،واقتضته الحاديث :أنّهما ل يكرهان ، قال النّوويّ :الصّحيح الّذي نصّ عليه الشّافع ّ بل يستحبّان - ،أي الفرع والعتيرة . -
التّعريف : 1
عُجْب *
ضمّ -في اللّغة :الزّهو . -من معاني العُجب -بال ّ
ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغويّ ،قال الرّاغب الصفهانيّ : العجب :ظنّ النسان في نفسه استحقاق منزلة هو غير مستحقّ لها . ي :العجب هو استعظام النّعمة والرّكون إليها ،مع نسيان إضافتها إلى المنعم . وقال الغزال ّ قال ابن عبد السّلم :العجب فرحة في النّفس بإضافة العمل إليها وحمدها عليه ،مع نسيان أنّ اللّه تعالى هو المنعم به ،والمتفضّل بالتّوفيق إليه ،ومن فرح بذلك لكونه م ّنةً من اللّه تعالى واستعظمه ،لما يرجو عليه من ثوابه ،ولم يضفه إلى نفسه ،ولم يحمدها عليه ، فليس بمعجب .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الكِبْرُ : 2
ن النسان بنفسه أنّه أكبر من غيره ،والتّكبّر إظهار لذلك ،وصفة -الكبر :هو ظ ّ
" المتكبّر " ل يستحقّها إلّ اللّه تعالى ،ومن ادّعاها من المخلوقين فهو فيها كاذب ،ولذلك ق الباري سبحانه وتعالى وذمّا في البشر ،وإنّما شرف المخلوق في صار مدحا في ح ّ إظهار العبوديّة . والصّلة بين الكبر والعجب هي :أنّ الكبر يتولّد من العجاب . ب -الدلل : 3
-الدلل :من أدلّ ،والدلّ :المنّان بعمله ،والدلل وراء العجب ،فل مدلّ إلّ وهو
معجب ،وربّ معجب ل يدلّ . قال ابن قدامة :العجب إنّما يكون بوصف كمال من علم أو عمل ،فإن انضاف إلى ذلك أن يرى حقّا له عند اللّه سمّي إدللً ،فالعجب يحصل باستعظام ما عجب به ،والدلل يوجب توقّع الجزاء ،مثل أن يتوقّع إجابة دعائه وينكر ردّه .
الحكم التّكليفيّ :
4
-العجب مذموم في كتاب اللّه تعالى وسنّة رسوله صلى ال عليه وسلم قال اللّه تعالى :
عجَبَ ْتكُمْ كَثْرَ ُت ُكمْ َفَلمْ ُتغْنِ عَن ُكمْ شَيْئا } ذكر ذلك في موضع النكار ،وقال ن إِذْ أَ ْ { وَ َي ْومَ حُنَيْ ٍ صلى ال عليه وسلم » :ثلث مهلكات :شحّ مطاع ،وهوًى متّبع ،وإعجاب المرء بنفسه «. وقال صلى ال عليه وسلم » :لو لم تكونوا تذنبون لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك : العُجب العُجب « فجعل العجب أكبر الذّنوب . وروي عن ابن مسعود رضي ال عنه أنّه قال :الهلك في شيئين : ن السّعادة ل تنال إلّ بالطّلب ،والقانط ل يطلب ، العجب والقنوط ،وإنّما جمع بينهما ،ل ّ ن أنّه قد ظفر بمراده فل يسعى . والمعجب يظ ّ ي بن أبي طالب رضي ال عنه :العجاب ضدّ الصّواب ،وآفة اللباب . وقال عل ّ ن العجب وصف رديء يسلب الفضائل ويجلب الرّذائل ،ويوجب وقال الشّيرازيّ :اعلم أ ّ المقت ويخفي المحاسن ويشهر المساوئ ويفضي إلى المهالك . 5
-ما به العجب ثمانية أقسام :
أنواع العجب :
الوّل :أن يعجب ببدنه فيلتفت إلى جمال نفسه وينسى أنّه نعمة من اللّه تعالى ،وأنّه عرضة للزّوال في كلّ حال .
وينفي هذا العجب :النّظر في بدء خلقه وإلى ما يصير إليه . الثّاني :القوّة ،استعظاما لها مع نسيان شكرها ،وترك العتماد على خالقها ،كما حكي ن َأشَدّ مِنّا ُقوّةً } . عن قوم حين قالوا فيما أخبر اللّه تعالى عنهم { :مَ ْ وين في هذا الع جب اعترا فه بمطال بة الشّ كر علي ها ،وأنّ ها عر ضة لل سّلب ،في صبح أض عف العباد . الثّالث :العقل ،استحسانا له واستبدادا به . وينفي العجب فيه ترديد الشّكر عليه ،وتجويز أن يسلب منه كما فعل بغيره ،وأنّه إن ل. اتّسع في العلم به فما أوتي منه إلّ قلي ً الرّابع :النّسب الشّريف افتخارا به واعتقادا للفضل به على كثير من العباد . ن أكرم النّاس عند اللّه وينفي هذا العجب علمه بأنّه ل يجلب ثوابا ول يدفع عذابا ،وأ ّ أتقاهم ،وأنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال لكلّ من ابنته فاطمة وعمّته صفيّة رضي ال عنهما » :ل أغني عنك من اللّه شيئا « . ومن العجب التّكبّر بالنساب عموما ،فمن اعتراه العجب من جهة النّسب فليعلم أنّ هذا ن أباه القريب نطفة قذرة ،وأباه البعيد تراب . تعزّز بكمال غيره ،ثمّ يعلم أ ّ الخامس :النتساب إلى ظلمة الملوك وفسقة أعوانهم تشرّفا بهم . قال الغزاليّ :وهذا غاية الجهل وعلجه أن يتفكّر في مخازيهم وأنّهم الممقوتون عند اللّه تعالى . السّادس :كثرة الولد والقارب والتباع اعتمادا عليهم ونسيانا للتّوكّل على ربّ العالمين . وينفي العجب به تحقّقه أنّ النّصر من عند اللّه ،وأنّ كثرتهم ل تغني عند حضور الموت شيئا . السّابع :المال ،اعتدادا به وتعويلً عليه كما قال اللّه تعالى إخبارا عن صاحب الجنّتين إذ ك مَالً َوأَعَ ّز َنفَرا } . قال { :أَنَا أَكْثَ ُر مِن َ ل غنيّا جلس بجنبه فقير فكأنّه وروي » :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رأى رج ً قبض من ثيابه فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :أخشيت يا فلن أن يعدو غناك عليه ،وأن يعدو إليك فقره « وذلك للعجب بالغنى . ن المال فتنة ،وأنّ له آفات متعدّدةً . وينفيه علمه أ ّ الثّامن :الرّأي الخطأ ،توهّما أنّه نعمة ،وهو في نفس المر نقمة ،قال تعالى { :أَ َفمَن حسَنا } . ع َمِلهِ َفرَآ ُه َ ن َل ُه سُوءُ َ زُيّ َ
وعلج هذا العجب أشدّ من علج غيره ،لنّ صاحب الرّأي الخطأ جاهل بخطئه ،وعلجه على الجملة :أن يكون متّهما لرأيه أبدا ل يغت ّر به ،إلّ أن يشهد له قاطع من كتاب أو سنّة أو دليل عقليّ صحيح .
أسباب العجب :
6
-من أقوى أسباب العجب كثرة مديح المتقرّبين ،وإطراء المتملّقين الّذين جعلوا النّفاق
ي صلى ل ذكر عند النّب ّ عاد ًة ومكسبا ،فقد ورد عن أبي بكرة رضي ال عنه » :أنّ رج ً ال عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيرا ،فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم :ويحك ،قطعت عنق صاحبك -يقوله مرارا -إن كان أحدكم مادحا ل محالة فليقل :أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنّه كذلك ،واللّه حسيبه ،ول يزكّي على اللّه أحدا « . وقال عمر بن الخطّاب رضي ال عنه :المدح ذبح . ولذا ينبغي للعاقل أن يسترشد إخوان الصّدق ،الّذين هم أصفياء القلوب ،ومرايا المحاسن والعيوب ،على ما ينبّهونه عليه من مساويه الّتي صرفه حسن الظّنّ عنها . ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :المؤمن وقد روى أنس بن مالك رضي ال عنه عن النّب ّ مرآة المؤمن ،إذا رأى فيه عيبا أصلحه « . ي عيوبي . وكان عمر بن الخطّاب رضي ال عنه يقول :رحم اللّه امرأً أهدى إل ّ ويجب على النسان إذا رأى من غيره سيّئةً أن يرجع إلى نفسه ،فإن رأى فيها مثل ذلك أزاله ول يغفل عنه .
التّعريف : 1
عَجْز *
-العجز لغ ًة :مصدر الفعل عجز ،يقال :عجز عن المر يعجز عجزا ،وعجّز فلن
رأي فلن :إذا نسبه إلى خلف الحزم ،كأنّه نسبه إلى العجز . والعجز :الضّعف ،والتّعجيز :التّثبيط . وفي المصباح :أعجزه الشّيء :فاته . وفي مفردات الرّاغب :العجز :أصله التّأخّر عن الشّيء ،وصار في التّعارف اسما للقصور عن فعل الشّيء ،وهو ضدّ القدرة . وهو في الصطلح قال الرّافعيّ :ل نعني بالعجز عدم المكان فقط ،بل في معناه خوف الهلك . والّذي اختاره المام في ضبط العجز أن تلحقه مشقّة تذهب خشوعه ويقول الصوليّون : ي على القدرة الّتي يوجد بها الفعل المأمور به ،وهذا شرط في أداء حكم جواز التّكليف مبن ّ
ن الطّهارة بالماء ل تجب على العاجز عنها ببدنه ،بأن لم كلّ أمر ،حتّى أجمعوا على أ ّ يقدر على استعماله حقيقةً ،ول على من عجز عن استعماله إلّ بنقصان يحلّ به ،أو مرض يزاد به . أ -الرّخصة : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الرّخصة لغةً :التّسهيل في المر والتّيسير ،يقال :رخّص الشّرع لنا في كذا :إذا
يسّره وسهّله . وفي الصطلح :اسم لما بني على أعذار العباد ،وهو ما يستباح بعذر مع قيام المحرّم ، ي إلى تخفيف ويسر ،ترفيها وذكر في الميزان :أنّ الرّخصة اسم لما تغيّر عن المر الصل ّ وتوسعةً على أصحاب العذار . وعلى ذلك فالعجز سبب من أسباب الرّخصة . ب -التّيسير : 3
-التّيسير لغةً :مصدر يسّر ،يقال :يسّر المر إذا سهّله ولم يعسّر ،ولم يشقّ على
غيره أو نفسه . وفي الصطلح يوافق معناه اللّغويّ . والعجز سبب من أسباب التّيسير . ج -القدرة : 4
-القدرة لغةً :القوّة على الشّيء والتّمكّن منه .
وفي الصطلح :هي الصّفة الّتي تمكّن الحيّ من الفعل وتركه بالرادة . والقدرة ض ّد العجز ،فهما ضدّان .
أسباب العجز :
5
-للعجز أسباب متعدّدة ومتنوّعة ،إذ هي تختلف باختلف ما هو مطلوب ،سواء أكان
المطلوب من العبادات أم من المعاملت أم غير ذلك ،وكلّ تصرّف له وسائل لتحصيله ، وفقدان هذه الوسائل يعتبر سببا للعجز عن تحصيل المطلوب . فعدم وجود الماء مثلً سبب من أسباب العجز عن الطّهارة المائيّة -الوضوء والغسل . - وفقدان القدرة البدنيّة -مثلً -سبب من أسباب العجز عن أداء الصّلة على الوجه الكمل ،وسبب أيضا من أسباب العجز عن أداء الصّوم والحجّ . وفقدان الزّاد والرّاحلة سبب من أسباب العجز عن أداء الحجّ . والعسار سبب من أسباب العجز عن النفاق .
ق المدّعي سبب من أسباب العجز عن إقامة البيّنة ...وهكذا . وعدم وجود ما يثبت ح ّ وفقدان هذه السباب يسمّى عذرا ،فالعذار في الجملة أسباب للعجز . ويذكر الصوليّون جمل ًة من أسباب العجز عند الكلم على عوارض الهليّة كالصّبا والجنون والعته ...إلخ باعتبار أنّ الهليّة يبنى عليها التّكليف بالحكام الشّرعيّة ،فما يعرض للهليّة يكون سببا من أسباب العجز عن أداء ما كلّف به النسان . كما ذكر الفقهاء الكثير من أسباب العجز في القواعد الفقهيّة كقاعدة :المشقّة تجلب التّيسير . وذكر الصوليّون بعض أسباب العجز أثناء الكلم على الحكم ،وحكم التّكليف بما ل يطاق ، وذكروا أنّ القدرة شرط التّكليف ،أو هي شرط وجوب الداء ،أخذا من قوله تعالى : سعَهَا } ويقسمون القدرة إلى قدرة ممكّنة وقدرة ميسّرة . { َل ُيكَلّفُ الّلهُ َنفْسا ِإلّ ُو ْ ن كلّ تصرّف له وسائله الخاصّة الّتي ومع ذلك فمن العسير استقصاء أسباب العجز ،ل ّ تحقّقه ،والّتي يعتبر فقدانها سببا من أسباب العجز عن تحصيله ويرجع لكلّ تصرّف في بابه . 6
-العجز نوعان :حقيقيّ وحكميّ .
أنواع العجز :
جاء في الدّرّ المختار :من تعذّر عليه القيام في الصّلة لمرض حقيقيّ ،وحدّه :أن يلحقه بالقيام ضرر ،وسواء كان المرض قبل الصّلة أو فيها ،أو حكميّ :بأن خاف زيادة المرض أو بطء برء بقيامه . ي -بقوله :الحقيقيّ والحكميّ وصفان وقد علّق ابن عابدين على قول الدّ ّر -لمرض حقيق ّ للتّعذّر ،وليس للمرض . وفي الهداية في باب التّيمّم جاء :خائف السّبع والعدوّ والعطش على نفسه أو دابّته عاجز حكما ،فيباح له التّيمّم مع وجود الماء . وفي الشّرح الكبير مع حاشية الدّسوقيّ ،قال الدّردير :يتيمّم ذو مرض ،ولو حكما ، كصحيح خاف باستعمال الماء حدوثه ،قال الدّسوقيّ قوله " :أو حكما -وهو الصّحيح الّذي خاف باستعمال الماء حدوث مرض ،فهو بسبب خوفه المذكور في حكم غير القادر على استعماله ،ومثل ذلك ما قاله الشّافعيّة . ي على القدرة الّتي يوجد بها الفعل المأمور به ،حتّى وقال البزدويّ :جواز التّكليف مبن ّ أجمعوا على أنّ الطّهارة بالماء ل تجب على العاجز عن استعمال الماء حقيقةً لعجزه عن استعماله ببدنه ،أو حكما بأن كان يحلّ باستعماله نقص ببدنه أو مرض يزداد به .
أثر العجز :
7
-العجز سبب من أسباب التّخفيف والتّيسير في العبادات والمعاملت والحدود والقضاء
ل من اللّه سبحانه وتعالى وغير ذلك ،فكلّ ما عجز عنه النسان يسّرته له الشّريعة ،تفضّ ً ورحمةً بعباده ،ورفعا للحرج والمشقّة عنهم . س َعهَا } . والصل في ذلك قول اللّه سبحانه وتعالى { :لَ ُيكَلّفُ الّل ُه َنفْسا ِإلّ ُو ْ ن اللّه تعالى ل يكلّف أحدا ما ل يقدر عليه ول قال الجصّاص :في هذه الية نصّ على أ ّ يطيقه ،ولو كلّف أحدا ما ل يقدر عليه ول يستطيعه لكان مكلّفا له ما ليس في وسعه . وقد وضع الفقهاء والصوليّون من القواعد ما يجمع الكثير من أسباب العجز ووضّحوا التّخفيفات الّتي تنبني على كلّ سبب ،ومن هذه القواعد :
المشقّة تجلب التّيسير :
8
سرَ -قال الفقهاء :الصل في هذه القاعدة قول اللّه سبحانه وتعالى ُ { :يرِيدُ الّل ُه ِبكُمُ الْ ُي ْ
َولَ يُرِي ُد ِب ُكمُ ا ْل ُعسْرَ } . جعَلَ عَلَ ْي ُكمْ فِي الدّينِ ِمنْ حَرَجٍ } . وقول اللّه تعالى َ { :ومَا َ ويتخرّج على هذه القاعدة رخص الشّارع وتخفيفاته ،وأسباب التّخفيف هي :السّفر والمرض والكراه والنّسيان والجهل والعسر وعموم البلوى والنّقص ..إلخ . وذكر الفقهاء ما يترتّب على هذه السباب من آثار . ومنها بالنّسبة للمرض :التّيمّم عند مشقّة استعمال الماء ،والقعود في صلة الفرض ، والتّخلّف عن الجماعة والجمعة مع حصول الفضيلة ،والفطر في رمضان ،وترك الصّوم للشّيخ الهرم مع الفدية . ومن أمثلة ما ذكروه بالنّسبة للنّقص :عدم تكليف الصّبيّ والمجنون . وما سبق من المثلة يوضّح أثر العجز في العبادات . أمّا في المعاملت فأثر العجز يختلف من تصرّف إلى تصرّف ،ومن ذلك : 1
-إذا عجز الزّوج عمّا وجب عليه من النّفقة ،وطلبت الزّوجة التّفريق بينها وبين
زوجها ،فعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة يفرّق بينهما ،وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يفرّق بينهما بذلك بل تستدين عليه ،ويؤمر بالداء من تجب عليه نفقتها لول الزّوج . ( ر :نفقة ) . 2
-ذكر الماورديّ في الحكام السّلطانيّة موانع عقد المامة وموانع استدامتها ،فقال :ما
يمنع من عقد المامة ومن استدامتها هو ما يمنع من العمل كذهاب اليدين ،أو من
النّهوض كذهاب الرّجلين ،فل تصحّ معه المامة في عقد ،ول استدامة ،لعجزه عمّا يلزمه من حقوق المّة . أمّا ما يمنع من عقد المامة مع الختلف في منعه من استدامتها ،فهو ما ذهب به بعض ح معه العمل أو فقد به بعض النّهوض ،كذهاب إحدى اليدين أو إحدى الرّجلين ،فل يص ّ عقد المامة لعجزه عن كمال التّصرّف ،فإن طرأ بعد عقد المامة ،ففي خروجه منها مذهبان : أحدهما :يخرج من المامة ،لنّه عجز يمنع من ابتدائها فمنع من استدامتها . والمذهب الثّاني :أنّه ل يخرج به من المامة وإن منع من عقدها . ر ( :المامة الكبرى ) . 3
-الدّعوى إذا صحّت ،سأل القاضي المدّعى عليه عنها لينكشف له وجه الحكم ،فإن
ي صلى ال عليه وسلم : اعترف قضى عليه ،وإن أنكر سأل المدّعي البيّنة ،لقول النّب ّ » ألك بيّنة ؟ فقال :ل ،فقال :فلك يمينه « فإن أحضر المدّعي البيّنة قضى بها وإن عجز عن ذلك وطلب يمين خصمه استحلفه عليها . ق :لي بيّنة بأنّي قضيته ،أو :لي بيّنة بأنّه أبرأني ،وطلب وإن قال المدّعى عليه بح ّ النظار لزم إنظاره ثلثة أيّام ،فإن عجز عن التيان بالبيّنة الّتي تشهد له بالقضاء أو البراء حلف المدّعي على نفي ما ادّعاه المدّعى عليه من قضاء أو إبراء ،واستحقّ ما ادّعى به . ر ( :دعوى ف 4
68
،وقضاء ) .
-قال الحنفيّة :تفسخ الجارة بالعذار عندنا ،لنّ المنافع غير مقبوضة وهي المعقود
عليها فصار العذر في الجارة كالعيب قبل القبض في البيع ،فتفسخ به ،إذ المعنى يجمعهما ،وهو عجز العاقد عن المضيّ في موجبه إلّ بتحمّل ضرر زائد لم يستحقّ به . وكذا من استأجر دكّانا في السّوق ليتّجر فيه ،فذهب ماله ،أو أجّر دكّانا أو دارا ثمّ أفلس ولزمته ديون ل يقدر على قضائها ،فسخ القاضي العقد وباعها في الدّيون ،لنّ في ق بالعقد . الجري على موجب العقد إلزام ضرر زائد لم يستح ّ ( ر :إجارة ) .
أنواع التّخفيف الّتي تترتّب على العجز :
تختلف أنواع التّخفيف المترتّبة على العجز وذلك على الوجه التي :
أوّلً :سقوط المطلوب إن لم يكن له بدل :
9
-إذا عجز النسان عن أداء المطلوب ،ولم يكن له بدل فإنّه يسقط ،ويسمّى ذلك
تخفيف إسقاط ،ومن أمثلة ذلك إسقاط الحجّ عن الفقير .
ثانيا :النتقال إلى بدل المطلوب :
10
-إذا عجز النسان عن فعل المطلوب وكان له بدل فإنّه ينتقل إلى البدل ،كالعاجز عن
استعمال الماء للوضوء أو الغسل فإنّه ينتقل إلى التّيمّم ،وقد جاء ال ّنصّ بذلك في قوله سفَ ٍر َأوْ جَاء َأحَدٌ مّنكُم مّن ا ْلغَآ ِئطِ َأوْ َل َمسْ ُتمُ ال ّنسَاء فَ َلمْ تعالى َ { :وإِن كُنتُم مّرْضَى َأوْ عَلَى َ صعِيدا طَيّبا } . َتجِدُو ْا مَاء فَتَ َي ّممُواْ َ وكذلك من لم يقدر على القيام في الصّلة انتقل إلى القعود ،ومن لم يقدر على القعود انتقل إلى الضطجاع ،ومن لم يقدر على الرّكوع والسّجود انتقل إلى اليماء ،وقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم لعمران بن حصين » :صلّ قائما ،فإن لم تستطع فقاعدا ،فإن لم تستطع فعلى جنب « . ومن عجز عن الصّيام انتقل إلى الطعام . وذكر الزّركشيّ أنّ المطلوب إن كان غير مؤقّت بوقت ولم يجده ،ل يتركه بالعجز عنه مع القدرة على ثمنه ،وإن كان المطلوب مؤقّتا بوقت ،فإنّه ينتقل إلى البدل ،كالمتمتّع إذا كان معه مال إلّ أنّه لم يجد هديا يشتريه ،فعليه النتقال إلى الصّوم ،لنّه مؤقّت ،فإنّ عليه أن يصوم الثّلثة في الحجّ ،وكما لو عدم الماء يصلّي بالتّيمّم ول يؤخّر الصّلة ،وكذا لو وجده وكان ماله غائبا ،بخلف جزاء الصّيد إذا كان ماله غائبا فإنّه يؤخّر ،لنّه يقبل التّأخير .وقال الع ّز بن عبد السّلم في القواعد :البدال إنّما تقوم مقام المبدلت في وجوب التيان بها عند تعذّر مبدلتها في براءة ال ّذمّة ،والظّاهر أنّهما ليسا في الجر سواء ،فإنّ الجر بحسب المصالح ،وليس الصّوم في الكفّارة كالعتاق ،ول الطعام كالصّيام ،كما أنّه ليس التّيمّم كالوضوء ،إذ لو تساوت البدال والمبدلت لما شرط في النتقال إلى البدل فقد المبدل .
وجود الصل بعد الشّروع في البدل :
11
-من تلبّس بالبدل في العبادة لعجزه عن الصل ،ثمّ قدر على الصل في أثناء أداء
البدل فقد قال الزّركشيّ :إن كان البدل مقصودا في نفسه ،ليس يراد لغيره ،استقرّ حكمه ،كما لو قدر المتمتّع على الهدي بعد صيام ثلثة أيّام ورجوعه ،فإنّه يتمادى في إتمام العشرة ،ول أثر لوجود الهدي بعد ،وإذا لم يكن البدل مقصودا في نفسه بل يراد لغيره ،لم يستقرّ حكمه ،كما إذا قدر على الماء في أثناء التّيمّم أو بعد الفراغ منه وقبل ن التّيمّم يراد لغيره ،فل يستق ّر إلّ بالشّروع في المقصود . الشّروع في الصّلة ل ّ
12
-وإذا شرع في البدل ،ث ّم وجد الصل بعد النتهاء من البدل ،فقد قال الزّركشيّ :إذا
فرغ منه ثمّ قدر على الصل نظر ،فإن كان الوقت مضيّقا فقد مضى المر كما لو كان ماله غائبا وتيمّم لعدم القدرة وصلّى ،ثمّ رجع المال فل إعادة عليه ،وكذا المتمتّع إذا لم يجد ن وقته مضيّق كالصّلة ،وإن كان الوقت موسّعا فقولن ، الهدي وصام ،ثمّ عاد المال ،ل ّ كما لو عاد ماله بعد الصّوم في كفّارة الظّهار .
العجز عن بعض المطلوب :
13
ن من كلّف بشيء من الطّاعات فقدر على بعضه وعجز عن -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
بعضه ،فإنّه يأتي بما قدر عليه ،ويسقط عنه ما عجز عنه ،لقول اللّه سبحانه وتعالى : سعَهَا } . { َل ُيكَلّفُ الّلهُ َنفْسا ِإلّ ُو ْ ي صلى ال عليه وسلم » :إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم « . وقول النّب ّ ي من الشّافعيّة وابن رجب من الحنابلة فقالوا :إذا كانت وفصّل بعض الفقهاء كالزّركش ّ العبادة مشروع ًة في نفسها وعجز عن بعضها ،فإنّه يأتي بالمقدور عليه ،ومن ذلك :من ن كلّ آية من الفاتحة تجب قراءتها قدر على بعض الفاتحة فإنّه يأتي بما قدر عليه ،ل ّ بنفسها ،كمن انتهى في الكفّارة إلى الطعام ،فقدر على إطعام ثلثين ،فيتعيّن إطعامهم . وكذا لو وجد بعض الصّاع من الفطرة لزمه إخراجه في الصحّ . وإن كان المقدور عليه ليس مقصودا في العبادة ،بل هو وسيلة محضة إليها ،كتحريك اللّسان في القراءة ،وإمرار الموسى في الحلق والختان ،فهذا ليس بواجب ،لنّه إنّما وجب ضرورة القراءة والحلق والقطع ،وقد سقط الصل فسقط ما هو من ضرورته ،لكن في تحريك اللّسان من الخرس خلفا . ر ( :خرس ف
30
).
قال الزّركشيّ :وذكر المام ضابطا لبعض هذه الصّور ،فقال :كلّ أصل ذي بدل فالقدرة على بعض الصل ل حكم لها ،وسبيل القادر على البعض كسبيل العاجز عن الكلّ ،إلّ في القادر على بعض الماء ،أو القادر على إطعام بعض المساكين إذا انتهى المر إلى الطعام .وإن كان ل بدل له كالفطرة لزمه الميسور منهما ،وكستر العورة إذا وجد بعض السّاتر يجب المقدور منه ،وكما لو قطع بعض يده يجب عليه غسل الباقي . وذكر الزّركشيّ ضابطا آخر فقال :العجز عن بعض الصل إن كان في نفس المستعمل سقط حكم الموجود منه ،كوجدان بعض الرّقبة في الكفّارة ،وإن كان العجز في نفس المكلّف لم يسقط حكم المقدور منه ،كما لو كان بعض أعضائه جريحا ،وكما يكفّر المبعّض بالمال . وذكر السّيوطيّ مسائل العجز عن بعض المطلوب تحت قاعدة :الميسور ل يسقط
بالمعسور ،قال ابن السّبكيّ :هي من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى ال عليه وسلم » :إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم « .
عَجُز *
انظر :ألية
عَجْفَاء *
انظر :أضحيّة
عِجْل *
انظر :بقر
عَجَم *
انظر :أعجميّ
جمَاء * عَ ْ
التّعريف : 1
-العجماء في اللّغة :البهيمة ،وإنّما سمّيت عجماء لنّها ل تتكلّم ،فكلّ من ل يقدر
ل فهو أعجم ومستعجم . على الكلم أص ً والعجم أيضا :الّذي ل يفصح ول يبيّن كلمه وإن كان من العرب ،والمرأة عجماء . والعجم أيضا :الّذي في لسانه عجمة وإن أفصح بالعجميّة . وتطلق العجماء والمستعجم على كلّ بهيمة ،كما ورد في لسان العرب . وفي الصطلح :عرّف بعض الفقهاء العجماء بأنّها :البهيمة . أ -الحيوان : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الحيوان :مأخوذ من الحياة ،ويطلق على كلّ ذي روح ،ناطقا كان أو غير ناطق .
وعرّفه بعضهم :بأنّه جسم نام حسّاس متحرّك بالرادة . والحيوان أع ّم من العجماء . ب -الدّابّة : 3
-تطلق الدّابّة على :كلّ ما يدبّ على الرض ،فكلّ حيوان في الرض دابّة .
والدّابّة أعمّ من العجماء .
الحكم الجماليّ : أ -جناية العجماء :
4
ن من كان مع البهيمة ضمن إتلفها نفسا أو مالً ،ليلً -اتّفق الفقهاء في الجملة على أ ّ
أو نهارا ،سواء أكان مالكا للبهيمة أم ل ،كالمستأجر والمستعير ونحوهما ،وسواء أكان راكبا أم سائقا أم قائدا ،واشترط بعضهم التّعدّي ،ووضع آخرون قيودا أخرى ،لنّ البهيمة إذا كانت بيد إنسان فعليه تعهّدها وحفظها ،وجنايتها تنسب إليه . أمّا إذا لم يكن مع البهيمة شخص يمكن أن تنسب إليه جنايتها ،فقد ذهب جمهور الفقهاء ل ،ول يضمن ما أتلفته ل فعلى صاحبها ضمانه لتقصيره بإرسالها لي ً إلى أنّ ما أتلفته لي ً نهارا . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :ضمان ف
102
وما بعدها ) .
ب -أكل العجماء :
5
ن الصل في العجماء حلّ الكل إلّ ما استثني ،وتفصيل ذلك في -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
مصطلح ( :حيوان ف ، 5أطعمة :ف
57
وما بعدها ) .
ج -زكاة العجماء :
6
-ذهب الفقهاء إلى أنّه تجب الزّكاة في النّعم ،وهي البقر والبل والغنم ،واختلفوا في
غيرها . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :زكاة ف
38
).
د -الرّفق بالعجماء :
7
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب على من يملك عجماء إطعامها وسقيها والرّفق بها ،
لحديث » :عذّبت امرأة في هرّة سجنتها حتّى ماتت فدخلت فيها النّار ،ل هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ،ول هي تركتها تأكل من خشاش الرض « . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :حيوان ف ، 5ورفق ف
10
).
وللعجماء أحكام أخرى كبيعها وإجارتها ورهنها وإعارتها واقتنائها ونحو ذلك . وينظر تفصيل هذه الحكام في مصطلحاتها .
انظر :أعجمي ولغة .
عُجمة *
التّعريف : 1
عجوز *
-العجوز لغةً :المرأة المسنّة ،وقد عجزت تعجز عجزا ،وعجّزت تعجيزا :أي طعنت
في السّنّ ،وسمّيت عجوزا لعجزها في كثير من المور . سكّيت :ول يؤنّث بالهاء ،وقال ابن النباريّ : ي العجوز بالشّيخة ،قال ابن ال ّ وفسّر القرطب ّ ويقال أيضا :عجوزة -بالهاء -لتحقيق التّأنيث ،وروي عن يونس أنّه قال :سمعت العرب تقول عجوزة -بالهاء -والجمع عجائز وعجز . ول يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ . أ -المتجالّة : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-المتجالّة هي العجوز الفانية الّتي ل أرب للرّجال فيها .
ب -البرزة : 3
-البرزة :المرأة العفيفة الّتي تبرز للرّجال وتتحدّث معهم وهي الّتي أسنّت وخرجت عن
حدّ المحجوبات . ج -القاعد : 4
-القاعد -بغير هاء -هي الّتي قعدت عن التّصرّف من السّنّ وعن الولد والمحيض .
النّظر إلى العجوز :
5
-يباح النّظر من العجوز إلى ما يظهر غالبا عند جمهور الفقهاء لقول اللّه تعالى :
ن ثِيَا َبهُنّ غَيْرَ ضعْ َ ح أَن يَ َ ن جُنَا ٌ س عَلَ ْيهِ ّ ن ال ّنسَاء اللتِي ل يَ ْرجُونَ ِنكَاحا فَلَيْ َ { وَا ْل َقوَاعِ ُد مِ َ سمِي ٌع عَلِيمٌ } . ن وَالّلهُ َ ت بِزِي َن ٍة َوأَن َيسْ َتعْ ِففْنَ خَيْ ٌر ّلهُ ّ مُتَبَ ّرجَا ٍ ن اللّه من قوله تعالى { :وَقُل لّ ْل ُم ْؤمِنَاتِ قال ابن عبّاس رضي ال عنهما :استثناه ّ ن أَبْصَارِ ِهنّ } ،ولنّ ما حرم النّظر لجله معدوم في جهتها ،فأشبهت ذوات َيغْضُضْنَ مِ ْ المحارم .وألحق الحنابلة -على الصّحيح من المذهب -بالعجوز كلّ من ل تشتهى في صةً . جواز النّظر إلى الوجه خا ّ ي -من الشّافعيّة -إلى إلحاق العجوز بالشّابّة ،لنّ الشّهوة ل تنضبط ،وهي وذهب الغزال ّ محلّ الوطء .
الخلوة بالعجوز :
6
-يرى جمهور الفقهاء أنّه ل يجوز أن يخلو رجل بامرأة أجنبيّة ،لنّ الشّيطان يكون
ي صلى ال عليه وسلم : ثالثهما ،يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما ل يحلّ ،قال النّب ّ
ن رجل بامرأة إلّ كان ثالثهما الشّيطان « ولفظ الرّجل في الحديث يتناول الشّيخ » ل يخلو ّ ن لفظ المرأة يتناول الشّابّة والمتجالّة . والشّابّ ،كما أ ّ وذهب بعض الحنفيّة إلى جواز الخلوة بالعجوز الشّوهاء ،نقل ابن عابدين :العجوز الشّوهاء والشّيخ الّذي ل يجامع مثله بمنزلة المحارم . ي من المالكيّة خلوة الشّيخ الهرم بالمرأة شا ّب ًة أو متجاّلةً وخلوة الشّابّ وأجاز الشّاذل ّ بالمتجالّة . وضابط الخلوة اجتماع ل تؤمن معه الرّيبة عادةً ،بخلف ما لو قطع بانتفائها عادةً ،فل يعدّ خلوةً . وللتّفصيل ( ر :خلوة ف . ) 6
مصافحة العجوز :
7
-ل خلف بين الفقهاء في عدم جواز مسّ وجه الجنبيّة وكفّيها وإن كان يأمن
س كفّ امرأة ليس منها بسبيل وضع الشّهوة ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم » :من م ّ على كفّه جمرة يوم القيامة « . س وجهها وكفّيها ،لنّه أبيح النّظر إلى الوجه والكفّ -عند من ولنعدام الضّرورة إلى م ّ يقول به -لدفع الحرج ،ول حرج في ترك مسّها ،فبقي على أصل القياس . هذا إذا كانت الجنبيّة شا ّب ًة تشتهى . أمّا إذا كانت عجوزا فل بأس بمصافحتها ومسّ يدها ،لنعدام خوف الفتنة . بهذا صرّح صاحب الهداية من الحنفيّة ،والحنابلة في قول إن أمن على نفسه الفتنة . س الجنبيّة من غير تفرقة بين الشّابّة والعجوز . وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى تحريم م ّ
السّلم على العجوز :
8
-يرى الفقهاء -في الجملة -أنّه يجوز السّلم على العجوز الخارجة عن مظنّة الفتنة
.وتفصيل ذلك في مصطلح ( :سلم ف
19
).
تشميت العجوز :
9
-ل يجوز تشميت الجنبيّة الشّابّة الّتي يخشى منها الفتنة ،أمّا العجوز إذا عطست
فحمدت اللّه شمّتها الرّجل ،وكذلك إذا عطس فشمّتته العجوز ردّ عليها . وللتّفصيل ر ( :تشميت ف . ) 8
مداواة العجائز الجرحى في الغزو :
10
-يجوز للمتجالت من النّساء مداواة الجرحى والمرضى الجانب وما شاكلها ونقل
الموتى ،وأمّا غير المتجالت فيعالجن بغير مباشرة منهنّ للرّجال ،فيصفن الدّواء ، ويضعه غيرهنّ على الجرح ،وقد يمكن أن يضعنه من غير مسّ شيء من جسده .
وضع العجوز ثيابها :
11
ح أَن ن جُنَا ٌ س عَلَ ْيهِ ّ ن ال ّنسَاء اللتِي ل يَ ْرجُونَ ِنكَاحا فَلَيْ َ -قال اللّه تعالى { :وَا ْل َقوَاعِ ُد مِ َ
ضعْنَ ثِيَا َبهُنّ } وإنّما خصّ القواعد بهذا الحكم لنصراف النفس عنهنّ ،إذ ل مذهب يَ َ للرّجال فيهنّ ،فأبيح لهنّ ما لم يبح لغيرهنّ ،وأزيل عنهنّ كلفة التّحفّظ المتعب لهنّ . وللعلماء في تفسير قوله تعالى { :ثِيَا َبهُنّ } قولن : أحدهما :تضع خمارها ،وذلك في بيتها ،ومن وراء سترها من ثوب أو جدار ،قال القرطبيّ :قال قوم :الكبيرة الّتي أيست من النّكاح لو بدا شعرها فل بأس ،فعلى هذا يجوز لها وضع الخمار . ن وهو قول ابن مسعود رضي ال عنه وابن جبير وغيرهما ،يعني به والثّاني :جلبابه ّ الرّداء أو المقنّعة الّتي فوق الخمار ،تضعه عنها إذا سترها ما بعده من الثّياب . ن الكبيرة تضع الجلباب الّذي فوق قال القرطبيّ :والصّحيح أنّها كالشّابّة في التّستّر ،إلّ أ ّ الدّرع والخمار .
التّعريف : 1
عدَالَة *
-العدالة في اللّغة التّوسّط ،والعتدال الستقامة ،والتّعادل التّساوي ،والعدالة صفة
توجب مراعاتها الحتراز عمّا يخلّ بالمروءة عاد ًة ظاهرا . وفي الصطلح :اجتناب الكبائر وعدم الصرار على الصّغائر . قال البهوتيّ :العدالة هي استواء أحوال الشّخص في دينه واعتدال أقواله وأفعاله . وقد ذكر الفقهاء أحكام العدالة في مواطن منها :الخبار عن نجاسة الماء أو طهارته ودخول وقت الصّلة ،وجهة القبلة ،والمامة في الصّلة ،وشروط عامل الزّكاة ،وشروط الشّاهدين لرؤية هلل رمضان ،وشروط الوصيّ وناظر الوقف ،ووليّ النّكاح والمامة الكبرى ،والقضاء والشّهادة . وللتّفصيل انظر مصطلح ( :عدل ) .
التّعريف :
عَدَاوة *
1
-العداوة في اللّغة :الظّلم وتجاوز الحدّ ،يقال :عدا فلن عدوا وعدوّا وعدوانا وعداءً
أي :ظلم ظلما جاوز فيه القدر ،وعدا بنو فلن على بني فلن أي :ظلموهم . والعادي :الظّالم ،والعدوّ :خلف الصّديق الموالي ،والجمع أعداء . وفي التّعريفات ودستور العلماء :العداوة هي ما يتمكّن في القلب من قصد الضرار والنتقام . أ -الصّداقة : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الصّداقة في اللّغة :مشتقّة من الصّدق في الودّ والنّصح ،يقال :صادقته مصادقةً
وصداقا ،والسم الصّداقة :أي خاللته . وفي الكلّيّات :الصّداقة صدق العتقاد في المودّة وذلك مختصّ بالنسان دون غيره . فالصّداقة ضدّ العداوة . وفي الصطلح :هي اتّفاق الضّمائر على المودّة ،فإذا أضمر كلّ واحد من الرّجلين مودّة صاحبه ،فصار باطنه فيها كظاهره سمّيا صديقين . فالصّداقة ضدّ العداوة . ب -الخصومة : 3
-الخصومة لغةً :المنازعة ،والجدل ،والغلبة بالحجّة .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ للفقهاء عن المعنى اللّغويّ . ن الخصومة من قبيل القول ،والمعاداة من أفعال والصّلة بين العداوة والخصومة هي :أ ّ القلوب . ج -الكره : 4
-الكره في اللّغة :القبح والقهر ،وهو ض ّد الحبّ ،تقول :كرهته أكرهه كرها فهو
مكروه ،وأكرهته على المر إكراها :حملته عليه قهرا ،وكره المر والمنظر كراه ًة فهو كريه ،مثل قبح قباحةً فهو قبيح وزنا ومعنىً . ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
الحكم الجماليّ : أ -العداوة في الشّهادة :
5
ن من شروط قبول الشّهادة عدم التّهمة في الشّاهد ،ومن التّهم -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
الّتي ل تقبل الشّهادة من أجلها :العداوة ،فل تقبل شهادة العدوّ على عدوّه ،لما روى عبد
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال » :ل تجوز شهادة اللّه بن عمرو رضي ال تعالى عنه أ ّ خائن ول خائنة ،ول ذي غمر على أخيه ،ول تجوز شهادة القانع لهل بيته « . والغمر :الحقد . والمراد بالعداوة الّتي ل تقبل الشّهادة من أجلها :العداوة الدّنيويّة ل الدّينيّة ،لنّ المعاداة من أجل الدّنيا محرّمة ومنافية لعدالة الشّاهد والّذي يرتكب ذلك ل يؤمن منه أن يشهد في حقّ المشهود عليه كذبا . والعداوة الدّنيويّة هي العداوة الّتي تنشأ عن أمور دنيويّة كالمال والجاه ،فلذلك ل تقبل شهادة المجروح على الجارح وورثة المقتول على القاتل ،والمقذوف على القاذف ، ي من الحنفيّة :العدوّ والمشتوم على الشّاتم ،وللفقهاء تفصيل في ضابطها ،فقال الشّلب ّ من يفرح بحزنه ويحزن بفرحه ،وقيل :يعرف بالعرف ،واقتصر صاحب درر الحكّام على العرف . وقال الشّافعيّة :العداوة الّتي تر ّد بها الشّهادة :أن تبلغ حدّا يتمنّى زوال نعمته ويفرح لمصيبته ويحزن لمسرّته ،وذلك قد يكون من الجانبين ،وقد يكون من أحدهما ،فيخصّ بر ّد شهادته على الخر . وقال الحنابلة :من سرّه مساءة أحد ،أو غمّه فرحه ،وطلب له الشّ ّر ونحوه ،فهو عدوّه ،ل تقبل شهادته عليه للتّهمة . أمّا العداوة الدّينيّة فل تمنع قبول الشّهادة ،فتقبل شهادة المسلم على الكافر والمتّبع على المبتدع ،ولو تجاوز أحد الحدّ بارتكاب المناهي والمعاصي وصار أحد عدوّا له بسبب ذلك ، فتقبل شهادة ذلك العدوّ عليه ،إلّ إذا كانت العداوة الدّينيّة قد سبّبت إفراط الذى على الفاسق ومرتكب المعاصي ،ففي هذه الحالة تمنع العداوة الدّينيّة قبول الشّهادة . ن عقد النّكاح تقبل فيه شهادة العدوّ على عدوّه ،سواء أكان وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ الشّاهد عدوّا للزّوجين أم أحدهما . وجمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة -على قبول شهادة العدوّ لعدوّه ،إذ ل تهمة ،وعند بعض الحنفيّة ل تقبل وهي رواية عن أحمد .
ب -العداوة في القضاء :
6
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ القاضي ل يقضي على من بينه وبينه عداوة ،كالشّهادة
عليه ،للحوق التّهمة له في ذلك ،وصرّح الحنابلة بعدم نفوذ حكمه على عدوّه ،وقال المالكيّة بنقضه . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :قضاء ) .
ج -العداوة في النّكاح :
7
ن من شروط تزويج الب لبنته بغير إذنها أن ل يكون بينه -صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأ ّ
وبينها عداوة ظاهرة بأن يطّلع عليها أهل محلّها ،فإن كان بينه وبينها عداوة ظاهرة ي يحتاط لمولّيته ن الول ّ فليس له تزويجها إلّ بإذنها ،بخلف العداوة غير الظّاهرة ،ل ّ لخوف العار وغيره . ي :وينبغي أن يعتبر في الجبار أيضا :انتفاء العداوة بينها وبين الزّوج ، قال الوليّ العراق ّ ول يعتبر هاهنا ظهور العداوة لظهور الفرق بين الزّوج والوليّ المجبر ،أمّا مجرّد كراهة المرأة للرّجل من غير ضرر فل تؤثّر ،لكن يكره لوليّها أن يزوّجها منه . ن شفقة الوليّ تدعوه قال صاحب شرح الرّوض :ول حاجة لشتراط عدم عداوة الزّوج ،ل ّ إلى أنّه ل يزوّجها من عدوّها . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :نكاح ) .
التّعريف : 1
عُدّة *
ضمّ -في اللّغة :الستعداد والتّأهّب وما أعددته من مال أو سلح . -العُدّة -بال ّ
وفي الصطلح هي :جميع ما يتقوّى به في الحرب على العدوّ .
الحكام المتعلّقة بالعدّة :
2
-العدّة -أي الستعداد للحرب -فريضة تلزم فريضة الجهاد ،فالحرب بل عدّة إلقاء
للنّفس إلى التّهلكة ،والعدّة للحرب في سبيل إعلء كلمة اللّه بأنواعها فرض على المسلمين . قال تعالى َ { :وأَعِدّواْ َلهُم مّا اسْ َتطَعْتُم مّن ُقوّةٍ َومِن رّبَاطِ ا ْلخَ ْيلِ تُ ْرهِبُونَ ِب ِه عَ ْدوّ الّلهِ ن مِن دُو ِن ِهمْ َل َتعْ َلمُونَ ُهمُ الّل ُه َيعْ َل ُمهُمْ } ،والخطاب لكافّة المسلمين ،وقال وَعَ ُد ّوكُمْ وَآخَرِي َ سبحانه َ { :وأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الّل ِه َولَ تُ ْلقُواْ بِأَيْدِي ُكمْ إِلَى ال ّتهُْل َكةِ } أي بترك النفاق في سبيل اللّه ،والخطاب أيضا لكافّتهم ،وعدّ سبحانه وتعالى :ترك النفاق في سبيل اللّه وعدم الستعداد للحرب باتّخاذ العدّة اللزمة للنّصر تهلكةً للنّفس ،وتهلكةً للجماعة ،فالدّعوة إلى الجهاد في التّوجيهات القرآنيّة والنّبويّة تلزمها في الغلب العمّ دعوة إلى النفاق . جاء في تفسير الماورديّ َ { :و َل تُ ْلقُواْ ِبأَيْدِيكُمْ إِلَى ال ّتهْلُ َكةِ } بأن تتركوا النّفقة في سبيل اللّه فتهلكوا ،ثمّ قال :هذا قول ابن عبّاس ،وقيل :ل تقحموا أنفسكم في الحرب بغير نكاية في العدوّ ،وقال ابن كثير :التّهلكة أن تمسك يدك عن النّفقة في سبيل اللّه .
والعدّة بما في الطّوق من فروض الكفاية على المسلمين ،فإن تركوها أثموا جميعا ،وهي ي :من المور الواجبة على المام : من المور المنوطة بالمام وتلزم عليه ،قال الماورد ّ تحصين الثّغور بالعدّة المانعة ،والقوّة الدّافعة حتّى ل يظفر العداء بغرّة ينتهكون فيها محرّما ،أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دما ،وعدّ القرآن ترك العدّة للحرب إعل ًء لكلمة ي صلى ال اللّه من علمات النّفاق ،فقال تعالى :في شأن المنافقين الّذين استأذنوا النّب ّ ن ُي ْؤمِنُونَ ك الّذِي َ عليه وسلم لعذار واهية في عدم الخروج معه في الجهاد { :لَ َيسْتَأْذِنُ َ سهِ ْم وَالّلهُ عَلِيمٌ بِا ْلمُ ّتقِينَ ،إِ ّنمَا َيسْتَأْذِ ُنكَ الّذِينَ بِالّل ِه وَالْ َيوْمِ الخِ ِر أَن ُيجَاهِدُواْ بِ َأ ْموَا ِل ِهمْ َوأَن ُف ِ ن ،وَ َلوْ أَرَادُواْ ا ْلخُرُوجَ ن بِالّل ِه وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وَارْتَابَتْ قُلُو ُب ُهمْ َف ُهمْ فِي رَيْ ِب ِهمْ يَتَرَدّدُو َ لَ ُي ْؤمِنُو َ لَعَدّواْ َل ُه عُدّةً } . وانظر مصطلح ( :سلح ) .
ما تكون به العدّة :
3
طعْتُم -بيّن القرآن العدّة :بأنّها القوّة ،ورباط الخيل ،قال تعالى َ { :وأَعِدّو ْا َلهُم مّا اسْ َت َ
ط ا ْلخَ ْيلِ } . مّن ُقوّةٍ َومِن رّبَا ِ واختلف المفسّرون في المراد من القوّة :وقال الماورديّ فيه خمسة أقوال : أ -القوّة :ذكور الخيل ،ورباط الخيل إناثها . ب -القوّة :السّلح ،قاله الكلبيّ . ج -التّصافي ،واتّفاق الكلمة . د -الثّقة باللّه . هم – الرّمي . وقال صاحب تفسير الخازن بعد أن ذكر أقوالً في معنى القوّة : ن المراد بالقوّة جميع ما يتقوّى به في الحرب على العدوّ ،فك ّل ما هو آلة القول الرّابع :إ ّ يستعان بها في الجهاد فهو من جملة القوّة المأمور بإعدادها ،وقوله صلى ال عليه وسلم: » أل إنّ القوّة الرّمي « ل ينفي كون غير الرّمي من القوّة المأمور بإعدادها فهو كقوله صلى ال عليه وسلم » :الحجّ عرفة « وكقوله » :النّدم توبة « فهذا ل ينفي اعتبار غيره ،بل يدلّ على أنّ المذكور هو من أجلّ المقصود ،ولنّ الرّمي كان من أنجع وسائل الحرب نكاي ًة في العدوّ في زمنه صلى ال عليه وسلم فهكذا هنا يحمل معنى الية على الستعداد للقتال في الجهاد بجميع ما يمكن من اللت ،كالرّمي بالنّبل ،والنّشاب ، والسّيف ،وتعلّم الفروسيّة ،والتّصافي ،واتّفاق الكلمة ،والثّقة باللّه وكلّ ذلك مأمور به ، وقال الشّهاب :إنّما ذكر هذا هنا ،لنّه صلى ال عليه وسلم :لم يكن له استعداد تامّ في
بدر ،فنبّهوا على أنّ النّصر بدون استعداد ل يتأتّى في كلّ زمان ،ودلّت الية على وجود القوّة الحربيّة اتّقاء بأس العدوّ . وخصّ رباط الخيل بالذّكر -مع أنّ المر بإعداد القوّة في الية يتناول جميع ما يتقوّى به للحرب على اختلف صنوفها وألوانها وأسبابها -لنّها الداة الّتي كانت بارزةً عند من كان يخاطبهم القرآن أوّل مرّة ،ولو أمرهم بأسباب غير معروفة لديهم ،ول يطيقون إعدادها لكان تكليفا بما ل يطاق .
عِدّة *
التّعريف : 1
-العدّة لغةً :مأخوذة من العدّ والحساب ،والعدّ في اللّغة :الحصاء ،وسمّيت بذلك
لشتمالها على العدد من القراء أو الشهر غالبا ،فعدّة المرأة المطلّقة والمتوفّى عنها زوجها هي ما تعدّه من أيّام أقرائها ،أو أيّام حملها ،أو أربعة أشهر وعشر ليال ،وقيل : تربّصها المدّة الواجبة عليها ،وجمع العدّة :عدد ،كسدرة ،وسدر . والعُدّة بضمّ العين :الستعداد أو ما أعددته من مال وسلح ،والجمع عدد ،مثل غرفة وغرف . والعِدّ :الماء الّذي ل ينقطع ،كماء العين وماء البئر . وفي الصطلح :هي اسم لمدّة تتربّص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها ،أو للتّعبّد أو لتفجّعها على زوجها . أ -الستبراء : 2
اللفاظ ذات الصّلة :
-الستبراء لغةً :طلب البراءة أي التّخلّص ،أو التّنزّه والتّباعد أو العذار والنذار أو
طلب براءة المرأة من الحبل ،أو هو الستقصاء والبحث عن كلّ أمر غامض . وفي الصطلح :يطلق على معنيين : المعنى الوّل :الستبراء في الطّهارة :وهو إزالة ما بالمخرجين من الذى . المعنى الثّاني :الستبراء في النّسب :وهو تربّص المة مدّةً بسبب ملك اليمين حدوثا أو زوالً لمعرفة براءة الرّحم أو للتّعبّد . ل منهما مدّة تتربّص فيها المرأة لتحلّ للستمتاع بها ، فالستبراء يشترك مع العدّة في أنّ ك ً ي منها : ويفترقان في عدّة أمور ذكرها القراف ّ أنّ العدّة واجبة على كلّ حال ،حتّى ولو تيقّن براءة الرّحم ،لتغليب جانب التّعبّد فيها ، بخلف الستبراء .
وأنّه يكفي القرء الواحد في الستبراء ل في العدّة . ب -الحداد : 3
-الحداد لغةً :المنع ،ومنه :امتناع المرأة عن الزّينة وما في معناها إظهارا للحزن
والسف . وفي الصطلح :هو امتناع المرأة عن الزّينة وما في معناها مدّةً مخصوصةً في أحوال مخصوصة ومنه امتناع المرأة من البيتوتة في غير منزلها . ن العدّة ظرف للحداد ،ففي العدّة تترك المرأة زينتها لموت والعلقة بين العدّة والحداد :أ ّ زوجها . ج -التّربّص : 4
-التّربّص لغ ًة :النتظار ،يقال :تربّصت المر تربّصا انتظرته ،وتربّصت المر بفلن
توقّعت نزوله به . واصطلحا هو التّثبّت والنتظار قال تعالى { :فَتَرَبّصُوا ِب ِه حَتّى حِينٍ } . والعلقة بين التّربّص والعدّة أنّ التّربّص ظرف للعدّة فإذا انتهت العدّة انتهى التّربّص ،وأنّه أعمم ممن العدّة ،فكلّ عدّة ّ يوجمد فمي العدّة وفمي غيرهما كالجال فمي باب الدّيون ،فهمو تربّص ،وليس كلّ تربّص عدّة .
الحكم التّكليفيّ : مشروعيّة العدّة والدّليل عليها :
5
-اتّفق الفقهاء على مشروعيّة العدّة ووجوبها على المرأة عند وجود سببها واستدلّوا
على ذلك بالكتاب والسّنّة والجماع . ن ثَلَ َثةَ قُ ُروَءٍ } . سهِ ّ أ -أمّا الكتاب فمنه قول اللّه تعالى { :وَا ْل ُمطَّلقَاتُ يَ َترَبّصْنَ ِبأَنفُ ِ شهُرٍ ن ارْتَبْ ُتمْ َفعِدّ ُتهُنّ ثَل َثةُ َأ ْ ض مِن ّنسَا ِئ ُكمْ إِ ِ ن مِنَ ا ْل َمحِي ِ وقوله تعالى { :وَاللئِي يَ ِئسْ َ حمْ َلهُنّ } . ضعْنَ َ حمَالِ َأجَُلهُنّ أَن يَ َ وَاللئِي َلمْ َيحِضْنَ َوُأوْلتُ ا َل ْ شهُرٍ ن أَرْ َب َعةَ َأ ْ ُسمهِ ّ ّصمنَ ِبأَنف ِ ُونم أَ ْزوَاجا يَ َترَب ْ ُمم وَيَذَر َ ْنم مِنك ْ ِينم يُ َتوَ ّفو َ وقوله تعالى { :وَالّذ َ عشْرا } . وَ َ ن رسول اللّه صلى ال عليه ب -وأمّا السّنّة فمنها ما ورد عن أمّ عطيّة رضي ال عنها أ ّ وسلم قال » :ل تحدّ امرأة على ميّت فوق ثلث إلّ على زوج أربعة أشهر وعشرا « . وما ورد أنّه صلى ال عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس » :اعتدّي في بيت ابن أمّ مكتوم « وعن عائشة رضي ال عنها قالت » :أمرت بريرة أن تعتدّ بثلث حيض « .
ج -الجماع :أجم عت المّة على مشروعيّة العدّة ووجوب ها من ع صر الرّ سول صلى ال عليه وسلم إلى يومنا هذا دون نكير من أحد .
سبب وجوب العدّة :
6
-تجب العدّة على المرأة بالفرقة بين الزّوجين بعد الدّخول بسبب الطّلق أو الموت أو
الفسخ أو اللّعان ،كما تجب بالموت قبل الدّخول وبعد عقد النّكاح الصّحيح . وأمّا الخلوة فقد اختلف الفقهاء في وجوب العدّة بها : فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه تجب العدّة على المطلّقة بالخلوة الصّحيحة في النّكاح الصّحيح دون الفاسد ،فل تجب في الفاسد إلّ بالدّخول ،وذهب الشّافعيّة إلى أنّ العدّة ل تجب بالخلوة المجرّدة عن الوطء . والتّفصيل ينظر ( :بطلن ف
30
وخلوة ف
19
).
انتظار الرّجل مدّة العدّة :
7
ن العدّة ل تجب على الرّجل حيث يجوز له بعد فراق زوجته أن -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
يتزوّج غيرها دون انتظار مضيّ مدّة عدّتها إلّ إذا كان هناك مانع يمنعه من ذلك ،كما لو أراد الزّواج بعمّتها أو خالتها أو أختها أو غيرها ممّن ل يح ّل له الجمع بينهما ،أو طلّق رابعةً ويريد الزّواج بأخرى ،فيجب عليه النتظار في عدّة الطّلق الرّجعيّ بالتّفاق ،أو البائن عند الحنفيّة ،خلفا لجمهور الفقهاء فإنّه ل يجب عليه النتظار . ي ول بالمعنى ومنع الرّجل من الزّواج هنا ل يطلق عليه عدّة ،ل بالمعنى اللّغو ّ الصطلحيّ ،وإن كان يحمل معنى العدّة ،قال النّفراويّ :المراد من حقيقة العدّة منع ن مدّة منع من طلّق رابعةً من نكاح غيرها ل يقال له عدّة ،ل لغ ًة ،ول شرعا ، المرأة ل ّ لنّه ل يمكّن من النّكاح في مواطن كثيرة ،كزمن الحرام أو المرض ول يقال فيه أنّه معتدّ .
حكمة تشريع العدّة :
8
-شرعت العدّة لمعان وحكم اعتبرها الشّارع منها :العلم ببراءة الرّحم ،وأن ل يجتمع
ماء الواطئين فأكثر في رحم واحد فتختلط النساب وتفسد ،ومنها :تعظيم خطر الزّواج ورفع قدره وإظهار شرفه ،ومنها :تطويل زمان الرّجعة للمطلّق لعلّه يندم ويفيء فيصادف زمنا يتمكّن فيه من الرّجعة ،ومنها قضاء حقّ الزّوج وإظهار تأثير فقده في المنع من التّزيّن والتّجمّل ،ولذلك شرع الحداد عليه أكثر من الحداد على الوالد والولد ،ومنها : ق الولد ،والقيام بحقّ اللّه الّذي أوجبه ، الحتياط لحقّ الزّوج ،ومصلحة الزّوجة ،وح ّ
ففي العدّة أربعة حقوق ،وقد أقام الشّارع الموت مقام الدّخول في استيفاء المعقود عليه ، فليس المقصود من العدّة مجرّد براءة الرّحم ،بل ذلك من بعض مقاصدها وحكمها .
أنواع العدّة :
9
ن أنواع العدد في الشّرع ثلثة : -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
أ -عدّة القروء . ب -عدّة الشهر . ج -عدّة وضع الحمل .
أ ّولً :العدّة بالقروء .
10
-قال الفيّوميّ :القرء فيه لغتان :الفتح وجمعه قروء وأقرؤ ،مثل فلس وفلوس
ضمّ ويجمع على أقراء مثل قفل وأقفال ،قال أئمّة اللّغة :ويطلق على الطّهر وأفلس ،وال ّ والحيض . 11
-واختلف الفقهاء في معنى القرء اصطلحا على قولين :
القول الوّل :وهو قول كثير من الصّحابة رضوان ال عليهم ،وفقهاء المدينة ،ومالك ي وأحمد في إحدى الرّوايتين عنه :أنّ المراد بالقراء في العدّة :الطهار ، ، والشّافع ّ والطّهر عندهم هو المحتوش بين دمين -وهو الظهر عند الشّافعيّة -ل مجرّد النتقال إلى الحيض ،واستدلّوا على قولهم بما يلي : ن ِلعِدّ ِتهِنّ } أي في عدّتهنّ ي إِذَا طَّلقْتُمُ ال ّنسَاء َفطَّلقُوهُ ّ أ -بقول اللّه تعالى { :يَا أَ ّيهَا النّبِ ّ ن اللّه ع ّز وجلّ أمر أو في الزّمان الّذي يصلح لعدّتهنّ ،فاللم بمعنى في ،ووجه الدّللة :أ ّ بالطّلق في الطّهر ،ل في الحيض لحرمته بالجماع ،فيصرف الذن إلى زمن الطّهر ، ففيه دليل على أنّ القرء هو الطّهر الّذي يسمّى عدّةً ،وتطلق فيه النّساء . ي صلى ال عليه وسلم » :مره فليراجعها ،ثمّ ليتركها حتّى تطهر ،ثمّ ب -وبقول النّب ّ تحيض ثمّ تطهر ،ثمّ إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ ،فتلك العدّة الّتي أمر اللّه عزّ وجلّ أن يطلّق لها النّساء « . فالرّ سول صلى ال عل يه و سلم أشار إلى الطّ هر وأ خبر أنّه العدّة الّ تي أ مر اللّه تعالى أن ح أنّ القرء هو الطّهر . تطلق لها النّساء ،فص ّ كما أنّ العدّة واجبة فرضا إثر الطّلق بل مهلة فصحّ أنّها الطّهر المتّصل بالطّلق ل الحيض الّذي ل يتّصل بالطّلق ،ولو كان القرء هو الحيض لوجب عندهم على أصلهم فيمن طلّق حائضا أن تعتدّ بتلك الحيضة قرءا ،ولكن ل يعتدّ بها . ج -وبحديث عائشة رضي ال عنها قالت » :إنّما القراء الطهار « .
مشتقم ممن الجممع ،فيقال :قرأت كذا فمي كذا إذا جمعتمه فيمه ،وإذا كان ّ ولنم القرء ّ د- ال مر كذلك كان بالطّ هر أح قّ من الح يض ،ل نّ الطّ هر اجتماع الدّم في الرّ حم ،والح يض خروجمه منمه ،ومما وافمق الشتقاق كان اعتباره أولى ممن مخالفتمه ،ويجممع على أقراء وقروء وأقرؤ . القول الثّاني :المراد بالقرء :الحيض ،وهو ما ذهب إليه جماعة من السّلف كالخلفاء الربعة وابن مسعود رضي ال عنهم وطائفة كثيرة من الصّحابة والتّابعين وبه قال أئمّة الحديث والحنفيّة وأحمد في رواية أخرى حيث نقل عنه أنّه قال :كنت أقول :إنّها الطهار ،وأنا اليوم أذهب إلى أنّها الحيض . وقال ابن القيّم :إنّه رجع إلى هذا ،واستقرّ مذهبه عليه فليس له مذهب سواه . واستدلّوا على قولهم بالكتاب والسّنّة والمعقول . سهِنّ ثَلَ َثةَ ُق ُروَءٍ } فقد أمر اللّه ن بِأَن ُف ِ ت يَتَرَبّصْ َ أ -أمّا الكتاب فقوله تعالى { :وَا ْل ُمطَلّقَا ُ تعالى بالعتداد بثلثة قروء ،ولو حمل القرء على الطّهر لكان العتداد بطهرين وبعض الثّالث ،لنّ بقيّة الطّهر الّذي صادفه الطّلق محسوب من القراء عند القول الوّل ، والثّلثة اسم لعدد مخصوص ،والسم الموضوع لعدد ل يقع على ما دونه ،فيكون ترك ن ما بقي من العمل بالكتاب ،ولو حمل على الحيض يكون العتداد بثلث حيض كوامل ،ل ّ الطّهر غير محسوب من العدّة عندهم فيكون عملً بالكتاب ،فكان الحمل على ذلك أولى ص وهو أولى من مخالفته . لموافقته لظاهر النّ ّ ب -وأمّا السّنّة فما روي عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :طلق المة اثنتان ،وعدّتها حيضتان « ومعلوم أنّه ل تفاوت بين الحرّة والمة في العدّة فيما يقع به ق الحرّة ل في تغيير أصل النقضاء ،إذ ال ّرقّ أثره في تنقيص العدّة الّتي تكون في ح ّ ن أصل ما تنقضي به العدّة هو الحيض . العدّة ،فدلّ على أ ّ ي صلى ال ن المعهود في لسان الشّرع استعمال القرء بمعنى الحيض ،قال النّب ّ ج -ول ّ عليه وسلم » :تدع الصّلة أيّام أقرائها « . وقال لفاطمة بنت أبي حبيش » :انظري إذا أتى قرؤك فل تصلّي ،فإذا مرّ قرؤك فتطهّري ثمّ صلّي ما بين القرء إلى القرء « فهذا دليل على أنّه لم يعهد في لسان الشّرع استعماله بمعنى الطّهر في موضع ،فوجب أن يحمل كلمه على المعهود في لسانه . ن هذه العدّة وجبت للتّعرّف على براءة الرّحم ،والعلم ببراءة د -وأمّا المعقول :فهو أ ّ الرّحم يحصل بالحيض ل بالطّهر ،فكان العتداد بالحيض ل بالطّهر .
عدّة الحرّة ذات القراء في الطّلق أو الفسخ :
12
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ عدّة المرأة الحرّة ذات القراء وهي من لها حيض وطهر
صحيحان ثلثة قروء ،فتعتدّ بالقراء وإن تباعد حيضها وطال طهرها ،لقوله تعالى{ : سهِنّ ثَلَ َثةَ ُق ُروَءٍ } وذلك في المدخول بها في النّكاح الصّحيح أو ن بِأَن ُف ِ ت يَتَرَبّصْ َ وَا ْل ُمطَلّقَا ُ الفاسد عند جمهور الفقهاء خلفا للشّافعيّة في الجديد . ( ر :خلوة ) . وقد سبق بيان اختلف الفقهاء في معنى القرء ،وقول بعضهم :إنّه الطّهر ،وقول غيره : إنّه الحيض ،ويترتّب على هذا اختلف في حساب العدّة ،وبيان ذلك فيما يأتي :
أ -العدّة على القول بأنّ القرء هو الطّهر :
13
ن المرأة لو طلقت طاهرا ،وبقي من -ذهب المالكيّة والشّافعيّة وأحمد في رواية إلى أ ّ
ن بعض الطّهر وإن قلّ يصدق عليه اسم زمن طهرها شيء ولو لحظةً حسبت قرءا ،ل ّ ن الجمع قد أطلق في كلمه تعالى على معظم المدّة كقوله قرء ،فتنزّل منزلة طهر كامل ،ل ّ شهُرٌ ّمعْلُومَاتٌ } مع أنّه في شهرين وعشر ليال ،ولذلك تنقضي عدّتها في حجّ َأ ْ تعالى { :ا ْل َ هذه الحالة برؤية الدّم من الحيضة الثّالثة وذلك عند المالكيّة والشّافعيّة . وعلى الرّواية عن أحمد -بأنّ القرء هو الطّهر -ل تنقضي عدّتها برؤية الدّم من الحيضة الثّالثة ،وإنّما تنقضي بانقطاع دم تلك الحيضة واغتسالها في المعتمد من المذهب ،ومقابل المعتمد :أنّه ل يشترط الغسل لنقضاء العدّة ،بل يكفي انقطاع دم الحيضة الثّالثة . ولم يخالف في ذلك -كما قال ابن قدامة -إلّ الزّهريّ حيث قال :تعت ّد بثلثة قروء سوى الطّهر الّذي طلّقها فيه ،وحكي عن أبي عبيد أنّه إن كان جامعها في الطّهر لم يحتسب ببقيّته ،لنّه زمن حرم فيه الطّلق ،فلم يحتسب به من العدّة كزمن الحيض . وإن طلّقها حائضا انقضت عدّتها برؤية الدّم من الحيضة الرّابعة وهذا قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة رضي ال عنهم والقاسم بن محمّد وسالم بن عبد اللّه وأبان بن عثمان ل تزيد العدّة على ثلثة أشهر . وأبي ثور لئ ّ
ب -العدّة على القول بأنّ القرء هو الحيض :
14
-ذهب الحنفيّة ،وهو المذهب عند الحنابلة ،إلى أنّ العدّة ل تنقضي ما لم تحض
المرأة ثلث حيض كوامل تالية للطّلق ،فلو طلّقها في طهر فل يحتسب ذلك الطّهر من العدّة عندهم ،أو طلّقها في حيضها فإنّها ل تحسب من عدّتها بغير خلف بين أهل العلم ، ن اللّه تعالى أمر بثلثة لحرمة الطّلق في الحيض لما فيه من تطويل العدّة عليها ،ول ّ قروء كاملة ،فل تعتدّ بالحيضة الّتي طلّق فيها .
يقول الكاسانيّ :وفائدة الختلف أنّ من طلّق امرأته في حالة الطّهر ل يحتسب بذلك الطّهر من العدّة عندنا ،حتّى ل تنقضي عدّتها ما لم تحض ثلث حيض بعده . 15
-ولكن هل العدّة تنقضي بالغسل من الحيضة الثّالثة ،أم بانقطاع الدّم منها ؟
ي إلى أنّ العدّة تنقضي بانقطاع الدّم من الحيضة الثّالثة دون اغتسال ، ذهب الحنفيّة والثّور ّ إن كانت أيّامها في الحيض عشرةً ،لنقطاع الدّم بيقين ،إذ ل مزيد للحيض على عشرة ، لنّها إذا رأت أكثر من عشرة لم يكن الزّائد على العشرة حيضا بانقضاء العدّة ،لعدم احتمال عود دم الحيض بعد العشرة أيّام ،فيزول الحيض ضرور ًة ويثبت الطّهر . وعلى ذلك فل يجوز رجعتها وتحلّ للزواج بانقضاء الحيضة الثّالثة . أمّا إذا كانت أيّام حيضها دون العشرة ،فإنّها في العدّة ما لم تغتسل ،فيباح لزوجها ارتجاعها ،ول يحلّ لغيره نكاحها ،بشرط أن تجد ماءً فلم تغتسل ول تيمّمت وصلّت به ول مضى عليها وقت كامل من أوقات أدنى الصّلوات إليها . واستدلّوا بالكتاب والسّنّة والجماع والمعقول : طهُرْنَ } أي يغتسلن . ن حَ ّتىَ َي ْ أمّا الكتاب فقوله تعالى { َولَ َتقْرَبُوهُ ّ وأمّا السّنّة :فما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :تحلّ لزوجها الرّجعة عليها حتّى تغتسل من الحيضة الثّالثة « . وأمّا الجماع فقد أجمع الصّحابة رضوان ال عليهم على اعتبار الغسل شرطا لنقضاء العدّة حيث روى علقمة عن عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه أنّه قال :كنت عند عمر رضي ال ع نه فجاء ر جل وامرأة ،فقال الرّ جل :زوج تي طلّقت ها وراجعت ها ،فقالت :ما يمنع ني ما صنع أن أقول ما كان ،إنّه طلّق ني وترك ني حتّى ح ضت الحي ضة الثّال ثة وانق طع الدّم ، وغلّ قت با بي ،ووض عت غ سلي ،وخل عت ثيا بي ،فطرق الباب فقال :قد راجع تك ،فقال عمر رضي ال عنه :قل فيها يا ابن أمّ عبد ،فقلت :أرى الرّجعة قد صحّت ما لم تحلّ لها الصّلة ،فقال عمر :لو قلت غير هذا لم أره صوابا . وروي عن مكحول أنّ أبا بكر وعمر وعليّا وابن مسعود وأبا الدّرداء وعبادة بن الصّامت وعبد اللّه بن قيس الشعريّ رضي ال عنهم كانوا يقولون في الرّجل يطلّق امرأته تطليقةً أو تطليقتين :إنّه أحقّ بها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة ،ترثه ويرثها ما دامت في العدّة ،فاتّفقت كلمة الصّحابة رضي ال عنهم على اعتبار الغسل . وأمّا المعقول فلنّ أيّامها إذا كانت أق ّل من عشرة لم تستيقن بانقطاع دم الحيض ،لحتمال المعاودة في أيّام الحيض ،إذ الدّم ل يدرّ درّا واحدا ،ولكنّه يدرّ مرّ ًة وينقطع أخرى فكان احتمال العود قائما ،والعائد يكون دم حيض إلى العشرة ،فلم يوجد انقطاع دم الحيض
بيقين ،فل يثبت الطّهر بيقين ،فتبقى العدّة لنّها كانت ثابت ًة بيقين ،والثّابت بيقين ل يزول ك. بالشّ ّ وعلى هذا إذا اغتسلت انقطعت الرّجعة ،لنّه ثبت لها حكم من أحكام الطّاهرات وهو إباحة أداء الصّلة ،إذ ل يباح أداؤها للحائض ،فتقرّر النقطاع بقرينة الغتسال فتنقطع الرّجعة لنتهاء العدّة به . وكذا إذا لم تغتسل ،لكن مضى عليها وقت الصّلة ،أو إذا لم تجد الماء ،بأن كانت مسافرةً فتيمّمت وصلّت . أمّا إذا تيمّمت ولم تصلّ فهل تنتهي العدّة وتنقطع الرّجعة ؟ قال أبو حنيفة وأبو يوسف :ل تنقضي العدّة ول تنقطع الرّجعة للعلّة السّابقة ،وقال محمّد: تنتهي العدّة وتنقطع الرّجعة ،لنّها لمّا تيمّمت ثبت لها حكم من أحكام الطّاهرات وهو إباحة الصّلة فل يبقى الحيض ضرورةً . وللحنابلة في انقضاء العدّة وإباحة المعتدّة للزواج بالغسل من الحيضة الثّالثة بناءً على القول بأنّ القرء هو الحيض قولن : القول الوّل :أنّها في العدّة ما لم تغتسل ،فيباح لزوجها ارتجاعها ،ول يحلّ لغيره نكاحها لنّها ممنوعة من الصّلة بحكم حدث الحيض فأشبهت الحائض . ن العدّة تنقضي بطهرها من الحيضة الثّالثة وانقطاع دمها ،اختاره أبو القول الثّاني :أ ّ سهِنّ ثَلَ َثةَ ُق ُروَءٍ } وقد كملت القروء ،بدليل ن بِأَن ُف ِ ن اللّه تعالى قال { :يَتَرَبّصْ َ الخطّاب ل ّ وجوب الغسل عليها ووجوب الصّلة وفعل الصّيام وصحّته منها ،ولنّه لم يبق حكم العدّة في الميراث ووقوع الطّلق فيها واللّعان والنّفقة ،قال القاضي :إذا شرطنا الغسل أفاد عدمه إباحة الرّجعة وتحريمها على الزواج ،فأمّا سائر الحكام فإنّها تنقطع بانقطاع دمها .
عدّة المة :
16
-عدّة المة تختلف باختلف نوع الفرقة الّتي تعتدّ منها ،وباختلف حالها باعتبارها
من ذوات الحمل أو القراء أو الشهر . قف وتفصيل ذلك في مصطلح ( :ر ّ
99
).
ثانيا :العدّة بالشهر :
17
ن العدّة بالشهر تجب في حالتين : -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
الحالة الولى :وهي ما تجب بد ًل عن الحيض في المرأة المطلّقة أو ما في معناها الّتي لم تر دما ليأس أو صغر ،أو بلغت سنّ الحيض ،أو جاوزته ولم تحض ،فعدّتها ثلثة أشهر
ن ا ْل َمحِيضِ مِن ّنسَا ِئ ُكمْ إِنِ ارْتَبْ ُتمْ َفعِدّ ُتهُنّ ن مِ َ ص القرآن ،لقوله تعالى { :وَاللئِي يَ ِئسْ َ بن ّ ن الشهر هنا بدل عن القراء ، شهُ ٍر وَاللئِي َلمْ َيحِضْنَ } أي فعدّتهنّ كذلك ،ول ّ ثَل َثةُ َأ ْ والصل مقدّر بثلثة فكذلك البدل . واشترط المالكيّة في الصّغيرة الّتي لم تحض أن تكون مطيقةً للوطء ،وفي الكبيرة اليسة من المحيض أن تكون قد جاوزت السّبعين سن ًة . وسنّ اليأس محلّ خلف بين الفقهاء انظر مصطلح ( :إياس ف . ) 6 وإذ اعتدّت المرأة بالشهر ثمّ حاضت بعد فراغها فقد انقضت العدّة ول تلزمها العدّة بالقراء . ولو حاضت في أثناء الشهر انتقلت إلى القراء ول يحسب ما مضى قرءا عند جمهور الفقهاء لقدرتها على الصل قبل الفراغ من البدل ،كالمتيمّم يجد الماء أثناء تيمّمه . الحالة الثّانية :عدّة الوفاة الّتي وجبت أصلً بنفسها ،وسبب وجوبها الوفاة بعد زواج صحيح سواء أكانت الوفاة قبل الدّخول أم بعده ،وسواء أكانت ممّن تحيض أم ل ،بشرط ن مِن ُكمْ ل ومدّتها أربعة أشهر وعشر لعموم قوله تعالى { :وَالّذِينَ يُ َتوَ ّفوْ َ ألّ تكون حام ً عشْرا } . شهُ ٍر وَ َ سهِنّ أَرْ َب َعةَ َأ ْ ن بِأَن ُف ِ ن أَ ْزوَاجا يَتَرَبّصْ َ وَيَذَرُو َ وقول الرّسول صلى ال عليه وسلم » :ل يحلّ لمرأة تؤمن باللّه واليوم الخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلث ليال ،إلّ على زوج أربعة أشهر وعشرا « . وقدّرت عدّة الوفاة بهذه المدّة ،لنّ الولد يكون في بطن أمّه أربعين يوما نطفةً ،ثمّ أربعين يوما علقةً ،ث مّ أربع ين يوما مضغةً ،ث مّ ين فخ ف يه الرّوح في الع شر ،فأمرت بتربّص هذه المدّة ليستبين الحمل إن كان بها حمل . وصرّح المالكيّة خلفا لجمهور الفقهاء بأنّ العدّة من الوفاة واجبة من النّكاح الفاسد المختلف فيه دون النّكاح المتّفق على فساده كخامسة فل عدّة إ ّل إن كان الزّوج البالغ قد دخل بها وهي مطيقة فتعت ّد كالمطلّقة .
كيفيّة حساب أشهر العدّة :
18
ن حساب أشهر العدّة في الطّلق أو الفسخ أو الوفاة يكون بالشّهور القمريّة ل -إّ
الشّمسيّة ،فإذا كان الطّلق أو الوفاة في أوّل الهلل اعتبرت الشهر بالهلّة ،لقوله تعالى حجّ } حتّى ولو نقص عدد اليّام ،لنّ ت لِلنّاسِ وَا ْل َ ي َموَاقِي ُ عنِ الهِّلةِ ُقلْ هِ َ ك َ َ { :يسْأَلُونَ َ ن ثَل َث ُة َأشْهُرٍ } وقال تعالى { :أَرْ َب َعةَ اللّه أمرنا بالعدّة بالشهر ،فقال سبحانه َ { :فعِدّتُهُ ّ عشْرا } فلزم اعتبار الشهر ،سواء أكانت ثلثين يوما أو أقلّ ،ولما روي عن شهُرٍ وَ َ َأ ْ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال » :الشّهر هكذا وهكذا وهكذا « وأشار بأصابعه العشر
مرّتين وهكذا في الثّالثة وأشار بأصابعه كلّها وحبس أو خنس إبهامه وهذا عند جمهور الفقهاء . ن الفقهاء قد اختلفوا في ذلك على قولين : وإن كانت الفرقة في أثناء الشّهر ،فإ ّ القول الوّل :ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو رواية عن أبي يوسف إلى أنّها لو طلقت أو حدثت الوفاة في أثناء الشّهر ولو في أثناء أوّل يوم أو ليلة منه اعتبر شهران بالهلل ،ويكمل المنكسر ثلثين يوما من الشّهر الرّابع ،ولو كان المنكسر ناقصا . وكذلك في عدّة الوفاة بالشهر ،فإنّها تعتدّ بقيّة الشّهر المنكسر باليّام وباقي الشّهور بالهلّة ،ويكمل الشّهر الوّل من الشّهر الخير . واستدلّوا بأنّ المأمور به هو العتداد بالشّهر ،والشهر اسم الهلّة ،فكان الصل في ت لِلنّاسِ ي َموَاقِي ُ عنِ الهِّلةِ ُقلْ هِ َ ك َ العتداد هو الهلّة ،قال اللّه تعالى َ { :يسْأَلُونَ َ وَا ْلحَجّ } ،جعل الهلل لمعرفة المواقيت ،وإنّما يعدل إلى اليّام عند تعذّر اعتبار الهلّة ، وقد تعذّر اعتبار الهلل في الشّهر الوّل فعدلنا عنه إلى اليّام ،ول تعذّر في بقيّة الشهر فلزم اعتبارها بالهلّة . القول الثّاني :ذهب أبو حنيفة ورواية عن أبي يوسف وابن بنت الشّافعيّ إلى أنّ العدّة تحتسب باليّام ،فتعتدّ من الطّلق وغيره تسعين يوما ،ومن الوفاة مائةً وثلثين يوما ، لنّه إذا انكسر شهر انكسر جميع الشهر ،قياسا على صوم الشّهرين المتتابعين إذا ابتدأ الصّوم في نصف الشّهر . ولنّ العدّة يراعى فيها الحتياط ،فلو اعتبرناها في اليّام لزادت على الشّهور ولو اعتبرناها بالهلّة لنقصت عن اليّام ،فكان إيجاب الزّيادة أولى احتياطا .
بدء حساب أشهر العدّة :
19
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ عدّة الشهر تبدأ من السّاعة الّتي فارقها
زوجها فيها ،فلو فارقها في أثناء اللّيل أو النّهار ابتدئ حساب الشّهر من حينئذ ،واعتدّت ن ثَل َث ُة َأشْهُرٍ } وقال تعالى : من ذلك الوقت إلى مثله ،واستدلّوا بقوله تعالى َ { :فعِدّتُهُ ّ عشْرًا } فل تجوز الزّيادة عليها بغير دليل ،وحساب السّاعات ممكن :إمّا شهُ ٍر وَ َ { أَرْ َب َعةَ َأ ْ يقينا وإمّا استظهارا ،فل وجه للزّيادة على ما أوجبه اللّه تعالى . وقال المالكيّة :ل يحسب يوم الطّلق إن طلقت بعد فجره ،ول يوم الوفاة .
العشر المعتبرة في عدّة الوفاة بالشهر :
20
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العشر المعتبرة في عدّة الوفاة هي عشر ليال بأيّامها
عشْرا } شهُ ٍر وَ َ سهِنّ أَرْ َب َعةَ َأ ْ ن بِأَن ُف ِ فتجب عشرة أيّام مع اللّيل ،لقوله تعالى { :يَتَرَبّصْ َ
ص ًة على المذكّر فتطلق لفظ اللّيالي وتريد اللّيالي فالعرب تغلّب صيغة التّأنيث في العدد خا ّ سوِيّا } ث لَيَالٍ َ س ثَل َ ك أَل ُتكَّلمَ النّا َ بأيّامها كقوله تعالى لسيّدنا زكريّا عليه السلم { :آيَتُ َ س ثَلَ َثةَ أَيّامٍ ِإلّ ك َألّ ُتكَّلمَ النّا َ ن اللّه تعالى قال في آية أخرى { :آيَتُ َ يريد بأيّامها بدليل أ ّ َرمْزاً } يريد بلياليها ولو نذر اعتكاف العشر الخير من رمضان لزمه اللّيالي واليّام وبهذا ي والصمّ اللّذين قال :تعت ّد بأربعة أشهر وعشر قال أبو عبيد وابن المنذر خلفا للوزاع ّ ن العشر تستعمل في اللّيالي دون اليّام ،وإنّما دخلت اليّام اللتي في ليال وتسعة أيّام ،ل ّ أثناء اللّيالي تبعا ،وعلى ذلك فلو تزوّجت في اليوم العاشر جاز ،أخذا من تذكير العدد العشر -في الكتاب والسّنّة ،لقوله صلى ال عليه وسلم » :ل يحلّ لمرأة تؤمنباللّه واليوم الخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلثة أيّام إلّ على زوج أربعة أشهر وعشرا « فيجب كون المعدود اللّيالي وإ ّل لنّثه .
ثالثا :العدّة بوضع الحمل :
21
ن الحامل تنقضي عدّتها بوضع الحمل ،سواء أكانت عن طلق أم -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
ن القصد من حمْ َلهُنّ } ول ّ ضعْنَ َ حمَالِ َأجَُلهُنّ أَن يَ َ وطء شبهة لقوله تعالى َ { :وُأوْلتُ ا َل ْ العدّة براءة الرّحم ،وهي تحصل بوضع الحمل . واختلف الفقهاء في عدّة المتوفّى عنها زوجها إذا كانت حاملً : فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ عدّتها تنقضي بوضع الحمل ،قلّت المدّة أو كثرت ،حتّى ولو وضعت بعد ساعة من وفاة زوجها ،فإنّ العدّة تنقضي وتحلّ للزواج . حمْ َلهُنّ } فقد ن َ ضعْ َ ن أَن يَ َ حمَالِ َأجَُلهُ ّ ت الَ ْ واستدلّوا على قولهم بعموم قوله تعالى َ { :وُأوْل ُ ل. جاءت عا ّمةً في المطلّقات ومن في حكمهنّ والمتوفّى عنها زوجها وكانت حام ً ن مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا يَ َترَبّصْنَ ن يُ َتوَ ّفوْ َ والية مخصّصة لعموم قوله تعالى { :وَالّذِي َ عشْرا } . شهُرٍ َو َ سهِنّ أَرْ َب َعةَ َأ ْ بِأَن ُف ِ كما استدلّوا بما روي عن عمر وعبد اللّه بن مسعود وزيد بن ثابت وعبد اللّه بن عمر وأبي هريرة رضي ال عنهم أنّهم قالوا في المتوفّى عنها زوجها :إذا ولدت وزوجها على سريره جاز لها أن تتزوّج . ن سبيعة السلميّة نفست بعد وفاة واستدلّوا كذلك بما روي عن المسور بن مخرمة » :أ ّ ي صلى ال عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأذن لها زوجها بليال ،فجاءت إلى النّب ّ ي :ول أرى بأسا فنكحت « وقيل :إنّها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلةً ،قال الزّهر ّ أن تتزوّج وهي في دمها غير أنّه ل يقربها زوجها حتّى تطهر .
ن الحامل المتوفّى عنها زوجها تنقضي عدّتها وإن لم يمض عليها أربعة ووجه الدّللة أ ّ أشهر وعشر ،بل ولو بعد الوفاة بساعة ،ثمّ تحلّ للزواج ،ولنّ المقصود من العدّة من ي المدّة ، ذوات القراء العلم ببراءة الرّحم ،ووضع الحمل في الدّللة على البراءة فوق مض ّ فكان انقضاء العدّة به أولى من النقضاء بالمدّة . ي وابن عبّاس -في إحدى الرّوايتين عنه -رضي ال عنهم وابن أبي ليلى وذهب عل ّ ن الحامل المتوفّى عنها زوجها تعت ّد بأبعد الجلين :وضع الحمل أو مضيّ وسحنون إلى أ ّ أربعة أشهر وعشر ،أيّهما كان أخيرا تنقضي به العدّة . سهِنّ ن بِأَن ُف ِ ن أَ ْزوَاجا يَتَرَبّصْ َ ن مِن ُكمْ وَيَذَرُو َ واستدلّوا على هذا بقوله تعالى { :وَالّذِينَ يُ َتوَ ّفوْ َ عشْرا } فالية الكريمة فيها عموم وخصوص من وجه ،لنّها عامّة تشمل شهُرٍ وَ َ أَرْ َب َعةَ َأ ْ عشْرا } وقوله شهُرٍ وَ َ ص ًة في المدّة { أَرْ َب َعةَ َأ ْ المتوفّى عنها زوجها حاملً كانت أو حائلً وخا ّ حمْ َلهُنّ } فيها عموم وخصوص أيضا ،لنّها ن َ ضعْ َ ن أَن يَ َ حمَالِ َأجَُلهُ ّ ت الَ ْ تعالى َ { :وُأوْل ُ صةً في وضع الحمل ،والجمع بين اليتين والعمل بهما تشمل المتوفّى عنها وغيرها وخا ّ أولى من التّرجيح باتّفاق أهل الصول ،لنّها إذا اعتدّت بأقصى الجلين فقد عملت بمقتضى اليتين ،وإن اعتدّت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدّة الوفاة ،فإعمال النّصّين معا خير من إهمال أحدهما .
الحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه :
22
-ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه هو ما
يتبيّن فيه شيء من خلق النسان ولو كان ميّتا أو مضغةً تصوّرت ،ولو صور ًة خف ّيةً تثبت بشهادة الثّقات من القوابل . أمّا إذا كان مضغ ًة لم تتصوّر لكن شهدت الثّقات من القوابل أنّها مبدأ خلقة آدميّ لو بقيت لتصوّرت ففي هذه الحالة تنقضي بها العدّة عند الشّافعيّة في المذهب وروايةً عند الحنابلة لحصول براءة الرّحم به . خلفا للحنفيّة وقول للشّافعيّة ورواية للحنابلة القائلين بعدم انقضاء العدّة في هذه الحالة ن الحمل اسم لنطفة متغيّرة ،فإذا كان مضغةً أو علقةً لم تتغيّر ولم تتصوّر فل بالوضع ل ّ يعرف كونها متغيّر ًة إلّ باستبانة بعض الخلق ،أمّا إذا ألقت المرأة نطفةً أو علقةً أو دما أو وضعت مضغةً ل صورة فيها فل تنقضي العدّة بالوضع عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . وصرّح المالكيّة بأنّه إن كان الحمل دما اجتمع تنقضي به العدّة ،وعلمة كونه حملً أنّه إذا صبّ عليه الماء الحا ّر لم يذب .
واشترط المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في رواية في الحمل الّذي تنقضي به العدّة أن يكون الولد منسوبا لصاحب العدّة إمّا ظاهرا وإمّا احتما ًل كالمنفيّ باللّعان ،فإذا لعن حاملً ونفى الحمل انقضت عدّتها بوضعه لمكان كونه منه ،والقول قولها في العدّة إذا تحقّق المكان ، يل أمّا إذا لم يمكن أن يكون منسوبا إليه فل تنقضي العدّة بوضع الحمل ،كما إذا مات صب ّ يتصوّر منه النزال أو ممسوح عن زوجة حامل ،وهكذا كلّ من أتت زوجته الحامل بولد ل يمكن كونه منه . 23
-اتّفق الفقهاء على أنّ عدّة الحامل تنقضي بانفصال جميع الولد إذا كان الحمل واحدا
حمْ َلهُنّ } . ن َ ضعْ َ ن أَن يَ َ حمَالِ َأجَُلهُ ّ ت الَ ْ لقوله تعالى َ { :وُأوْل ُ واختلفوا في مسألتين : 24
-المسألة الولى :فيما لو خرج أكثر الولد هل تنقضي العدّة أم ل ؟
ذهب الحنفيّة في ظاهر الرّواية والشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في المعتمد عندهم إلى أنّه إذا خرج أكثر الولد لم تنقض العدّة ،ولذلك يجوز مراجعتها ول تحلّ للزواج إلّ بانفصاله كلّه عن أمّه ،خلفا لبن وهب من المالكيّة القائل إنّها تحلّ بوضع ثلثي الحمل بناءً على تبعيّة القلّ للكثر . وصرّح الحنفيّة في قول إلى أنّه لو خرج أكثر الولد تنقضي به العدّة من وجه دون وجه فل ن الكثر يقوم مقام الكلّ في انقطاع الرّجعة تصحّ الرّجعة ول تحلّ للزواج احتياطا ،ل ّ احتياطا ،ول يقوم في انقضاء العدّة حتّى ل تحلّ للزواج احتياطا . ن العدّة ل تنقضي بخروج بعض الولد ،ولو خرج بعضه منفصلً أو غير وصرّح الشّافعيّة بأ ّ منفصل ولم يخرج الباقي بقيت الرّجعة ،ولو طلّقها وقع الطّلق ،ولو مات أحدهما ورثه الخر . 25
-المسألة الثّانية :إذا كان الحمل اثنين فأكثر :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين : ن الحمل إذا كان القول الوّل :ذهب فقهاء الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،إلى أ ّ اثنين فأكثر لم تنقض العدّة إلّ بوضع الخر ،لنّ الحمل اسم لجميع ما في الرّحم ،ولنّ العدّة شرعت لمعرفة البراءة من الحمل ،فإذا علم وجود الولد الثّاني أو الثّالث فقد تيقّن وجود الموجب للعدّة وانتفت البراءة الموجبة لنقضائها ،ولنّها لو انقضت عدّتها بوضع الوّل لبيح لها النّكاح كما لو وضعت الخر ،وكذلك لو وضعت ولدا وشكّت في وجود ثان لم تنقض عدّتها حتّى تزول الرّيبة وتتيقّن أنّها لم يبق معها حمل لنّ الصل بقاؤه فل يزول ك ،وعلى هذا القول فلو وضعت أحدهما وكانت رجع ّيةً فلزوجها الرّجعة قبل أن تضع بالشّ ّ
الثّاني أو الخر لبقاء العدّة ،وإنّما يكونان توأمين إذا وضعتهما معا أو كان بينهما دون ستّة أشهر ،فإن كان بينهما ستّة أشهر فصاعدا فالثّاني حمل آخر . القول الثّاني :ذهب عكرمة وأبو قلبة والحسن البصريّ إلى أنّ العدّة تنقضي بوضع الوّل حمَالِ َأجَُلهُنّ ولكن ل تتزوّج حتّى تضع الولد الخر ،واستدلّوا بقوله تعالى َ { :وُأوْلتُ ا َل ْ حمْ َلهُنّ } ولم يقل أحمالهنّ فإذا وضعت أحدهما فقد وضعت حملها . ن َ ضعْ َ أَن يَ َ وعلى هذا القول ل يجوز مراجعتها بعد وضع الولد الوّل لعدم بقاء العدّة إ ّل أنّها ل تحلّ ن انقضاء مراجعة للزواج إلّ بعد أن تضع الخير من التّوائم ،خلفا لجمهور الفقهاء فإ ّ الحامل يتوقّف على وضع كلّ الحمل وهذا هو قول عامّة العلماء .
متى يجوز للمعتدّة بوضع الحمل الزّواج :بالوضع أم بالطّهر ؟
26
– اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الوّل :ذهب جمهور العلماء وأئمّة الفتوى إلى أنّ المرأة تتزوّج بعد وضع الحمل ن العدّة تنقضي بوضع الحمل كلّه فتح ّل للزواج إلّ أنّ زوجها حتّى وإن كانت في دمها ،ل ّ طهُرْنَ } . ن حَ ّتىَ َي ْ ل يقربها حتّى تطهر لقوله تعالى َ { :ولَ َتقْرَبُوهُ ّ القول الثّاني :ذهب الحسن والشّعبيّ والنّخعيّ وحمّاد إلى أنّه ل تنكح النّفساء ما دامت في دم نفاسها لما ورد في الحديث » :فلمّا تعلّت من نفاسها تجمّلت للخطّاب « ومعنى تعلّت يعني طهرت .
ارتياب المعتدّة في وجود حمل :
27
-معناه أن ترى المرأة أمارات الحمل وهي في عدّة القراء أو الشهر من حركة أو
نفخة ونحوهما وشكّت هل هو حمل أم ل . وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلثة أقوال : القول الوّل :قال المالكيّة إن ارتابت المعتدّة أي شكّت وتحيّرت بالحمل إلى أقصى أمد الحمل هل تتربّص خمسا من السّنين أو أربعا ؟ فيه خلف :إن مضت المدّة ولم تزد الرّيبة حلّت للزواج لنقضاء العدّة ،أمّا إن مضت وزادت الرّيبة لكبر بطنها مكثت حتّى ترتفع ، وفي رواية إذا مضت الخمسة أو الربعة حلّت ولو بقيت الرّيبة ،ولو تزوّجت المرتابة بالحمل قبل تمام الخمس سنين بأربعة أشهر فولدت لخمسة أشهر من نكاح الثّاني لم يلحق الولد بواحد منهما ،ويفسخ نكاح الثّاني لنّه نكح حاملً ،أمّا عدم لحوقه بالوّل فلزيادته على الخمس سنين بشهر ،وأمّا الثّاني فلولدته لقلّ من ستّة أشهر . القول الثّاني :قال الشّافعيّة :لو ارتابت في العدّة في وجود حمل أم ل بثقل وحركة تجدهما ن العدّة قد لم تنكح آخر حتّى تزول الرّيبة بمرور زمن تزعم النّساء أنّها ل تلد فيه ،ل ّ
لزمتها بيقين فل تخرج عنها إلّ بيقين ،فإن نكحت فالنّكاح باطل للتّردّد في انقضائها ن الشّكّ في المعقود عليه يبطل العقد ،فإن ارتابت بعد العدّة والحتياط في البضاع ،ول ّ ونكاح الخر استمرّ نكاحها إلى أن تلد لدون ستّة أشهر من وقت عقده فإنّه يحكم ببطلن عقد النّكاح لتحقّق كونها حاملً يوم العقد والولد للوّل إن أمكن كونه منه ،بخلف ما لو ولدته لستّة أشهر فأكثر فالولد للثّاني ،وإن ارتابت بعد العدّة قبل نكاح بآخر تصبر على النّكاح لتزول الرّيبة للحتياط لخبر » :دع ما يريبك إلى ما ل يريبك « . القول الثّالث :قال الحنابلة إ نّ المرتابمة في العدّة في وجود حممل أم ل ل ها ثل ثة أحوال : الوّل :أن تحدث ب ها الرّي بة ق بل انقضاء عدّت ها فإنّ ها تب قى في ح كم العتداد حتّى تزول الرّي بة ،فإن بان ح مل انق ضت عدّت ها بوض عه ،وإن بان أنّه ل يس بح مل تبيّنّا أ نّ عدّت ها انقضت بالقروء ،أو بالشّهور ،فإن زوّجت قبل زوال الرّيبة فالنّكاح باطل ،لنّها تزوّجت ح النّكاح ،لبيان وهي في حكم المعتدّات في الظّاهر ،ويحتمل إذا تبيّن عدم الحمل أنّه يص ّ أنّها تزوّجت بعد انقضاء عدّتها . الثّاني :إن ظهرت الرّيبة بعد قضاء عدّتها والتّزوّج فالنّكاح صحيح لنّه وجد بعد قضاء عدّتها في الظّاهر والحمل مع الرّيبة مشكوك فيه ول يزول به ما حكم بصحّته لكن ل يحلّ ك في صحّة النّكاح ،ولنّه ل يحلّ لمن يؤمن باللّه واليوم الخر أن لزوجها وطؤها للشّ ّ يسقي ماءه زرع غيره ،ثمّ ننظر فإن وضعت الولد لقلّ من ستّة أشهر منذ تزوّجها الثّاني ووطئها فنكاحه باطل لنّه نكحها وهي حامل ،وإن أتت به لكثر من ذلك فالولد لحق به ونكاحه صحيح . الثّالث :أن تظهر الرّيبة بعد قضاء العدّة وقبل النّكاح فل يحلّ لها أن تتزوّج ،وإن تزوّجت فالنّكاح باطل ،وفي وجه آخر يحلّ لها النّكاح ويصحّ .
تحوّل العدّة أو انتقالها :
أنواع العدّة ثلثة :عدّة بالقراء أو بالشهر أو بوضع الحمل ،وقد تنتقل من حالة إلى أخرى كما يلي :
الحالة الولى :
انتقال العدّة أو تحوّلها من الشهر إلى القراء ،كالصّغيرة الّتي لم تحض ،وكذلك اليسة : 28
ن الصّغيرة أو البالغة الّتي لم تحض إذا اعتدّت بالشهر فحاضت -اتّفق الفقهاء على أ ّ
قبل انقضاء عدّتها ولو بساعة لزمها استئناف العدّة ،فتنتقل عدّتها من الشهر إلى القراء، لنّ الشهر بدل عن القراء فإذا وجد المبدل بطل حكم البدل كالتّيمّم مع الماء .
أمّا إن انقضت عدّتها بالشهر ثمّ حاضت بعدها ولو بلحظة لم يلزمها استئناف العدّة لنّه معنىً حدث بعد انقضاء العدّة ،كالّتي حاضت بعد انقضائها بزمن طويل ،ول يمكن منع هذا الصل ،لنّه لو صحّ منعه لم يحصل لمن لم تحض العتداد بالشهر بحال . واليسة إذا اعتدّت ببعض الشهر ،ثمّ رأت الدّم ،فتتحوّل عدّتها إلى القراء عند الشّافعيّة والحنفيّة في ظاهر الرّواية لنّها لمّا رأت الدّم دلّ على أنّها لم تكن آيس ًة وأنّها أخطأت في الظّنّ فل يعتدّ بالشهر في حقّها لنّها بدل فل يعتبر مع وجود الصل ،وذهب الحنفيّة - على الرّواية الّتي وقّتوا للياس فيها وقتا -إلى أنّه إذا بلغت ذلك الوقت ثمّ رأت بعده الدّم لم يكن ذلك الدّم حيضا كالدّم الّذي تراه الصّغيرة الّتي ل يحيض مثلها ،إلّ إذا كان دما خالصا فحيض حتّى يبطل به العتداد بالشهر . ي عن الجصّاص أنّه قال :إنّ ذلك في الّتي ظنّت أنّها آيسة ،فأمّا اليسة فما ونقل الكاسان ّ ن وجود الحيض منها كان معجزة نبيّ من النبياء ترى من الدّم ل يكون حيضا ،أل ترى أ ّ عليهم الصلة والسلم ؟ فل يجوز أن يؤخذ إلّ على وجه المعجزة ،كذا علّل الجصّاص ن اليسة إذا رأت الدّم بعد الخمسين وقبل السّبعين ،والحنابلة خلفا للمالكيّة القائلين بأ ّ القائلين بعد الخمسين وقبل السّتّين ،فإنّه يكون دما مشكوكا فيه يرجع فيه إلى النّساء لمعرفة هل هو حيض أم ل ؟ ن المرأة إذا رأت الدّم بعد الخمسين على العادة الّتي كانت تراه إلّ أنّ الحنابلة صرّحوا بأ ّ ن دليل الحيض الوجود في زمن المكان ،وهذا يمكن فيها فهو حيض في الصّحيح ،ل ّ وجود الحيض فيه وإن كان نادرا ،وإن رأته بعد السّتّين فقد تيقّن أنّه ليس بحيض ،فعند ذلك ل تعتدّ به ،وتعتدّ بالشهر ،كالّتي ل ترى دما . ( ر :مصطلح إياس ف . ) 6 ن اليسة إذا رأت الدّم بعد تمام الشهر فثلثة أقوال : وصرّح الشّافعيّة بأ ّ أحدها :ل يلزمها العود إلى القراء ،بل انقضت عدّتها ،كما لو حاضت الصّغيرة بعد الشهر ،وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء . الثّاني :يلزمها ،لنّه بان أنّها ليست آيسةً بخلف الصّغيرة فإنّها برؤية الحيض ل تخرج عن كونها وقت العتداد من اللئي لم يحضن . الثّالث :وهو الظهر إن كان نكحت بعد الشهر فقد تمّت العدّة والنّكاح صحيح ،وإلّ لزمها القراء . انتقال العدّة من القراء إلى الشهر :
الحالة الثّانية :
29
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العدّة تنتقل من القراء إلى الشهر في حقّ من حاضت
حيضةً أو حيضتين ثمّ يئست من المحيض فتستقبل العدّة بالشهر لقوله ع ّز وجلّ : شهُرٍ } . ن ارْتَبْ ُتمْ َفعِدّ ُتهُنّ ثَل َثةُ َأ ْ ض مِن ّنسَا ِئ ُكمْ إِ ِ ن مِنَ ا ْل َمحِي ِ { وَاللئِي يَ ِئسْ َ والشهر بدل عن الحيض فلو لم تستقبل وثبتت على الوّل لصار الشّيء الواحد أصلً وبدلً ن العدّة ل تلفّق من جنسين وقد تعذّر إتمامها بالحيض فوجبت وهذا ل يجوز ،كما أ ّ بالشهر . وإياس المرأة أن تبلغ من السّنّ ما ل يحيض فيه مثلها عادةً ،فإذا بلغت هذه السّنّ مع ن اليأس اختلف انقطاع الدّم كان الظّاهر أنّها آيسة من الحيضة حتّى يتّضح لنا خلفه .وس ّ فيه الفقهاء على أقوال . أمّا إذا انقطع الدّم قبل سنّ اليأس فقد اختلف الفقهاء في الحكم ،وسيأتي بيانه . ( ر :مصطلح إياس ) .
الحالة الثّالثة :
تحوّل المعتدّة من عدّة الطّلق إلى عدّة الوفاة : 30
-اتّفق الفقهاء على أنّه إذا طلّق الرّجل زوجته طلقا رجعيّا ،ث ّم توفّي وهي في العدّة ،
سقطت عنها عدّة الطّلق ،واستأنفت عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشرا من وقت الوفاة ،لنّ ن يُ َتوَ ّفوْنَ المطلّقة الرّجعيّة زوجة ما دامت في العدّة ويسري عليها قوله تعالى { :وَالّذِي َ عشْرا } . شهُرٍ وَ َ سهِنّ أَرْ َب َعةَ َأ ْ ن بِأَن ُف ِ مِنكُمْ وَيَ َذرُونَ أَ ْزوَاجا يَ َترَبّصْ َ ولذلك قال ابن المنذر :أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك ،وذلك لنّ الرّجعيّة زوجة يلحقها طلقه وينالها ميراثه ،فاعتدّت للوفاة كغير المطلّقة . وذهب الفقهاء إلى أنّه إذا طلّق الرّجل زوجته طلقا بائنا في حال صحّته ،أو بناءً على طلبها ،ثمّ توفّي وهي في العدّة ،فإنّها تكمل عدّة الطّلق ول تنتقل إلى عدّة الوفاة ، لنقطاع الزّوجيّة بينهما من وقت الطّلق بالبانة ،فل توارث بينهما لعدم وجود سببه ، فتعذّر إيجاب عدّة الوفاة فبقيت عدّة الطّلق على حالها . وأمّا لو طلّق الرّجل زوجته طلقا بائنا في مرض موته دون طلب منها ،ثمّ توفّي وهي في العدّة فذهب أبو حنيفة وأحمد والثّوريّ ومحمّد بن الحسن إلى أنّها تعتدّ بأبعد الجلين -من عدّة الطّلق وعدّة الوفاة -احتياطا ،لشبهة قيام الزّوجيّة لنّها ترثه ،فلو فرضنا بأنّها حاضت قبل الموت حيضتين ،ولم تحض الثّالثة بعد الموت حتّى انتهت عدّة الوفاة ،فإنّها تكمل عدّة الطّلق ،بخلف ما لو حاضت الثّالثة بعد الوفاة وقبل انتهاء عدّة الوفاة فإنّها تكمل هذه العدّة .
ص ًة لتهمة الفرار فلن ن النّكاح لمّا بقي في حقّ الرث خا ّ ي :وجه قولهم أ ّ ويقول الكاسان ّ يبقى في حقّ وجوب العدّة أولى ،لنّ العدّة يحتاط في إيجابها فكان قيام النّكاح من وجه كافيا لوجوب العدّة احتياطا فيجب عليها العتداد أربعة أشهر وعشرا فيها ثلث حيض . وذهب مالك والشّافعيّ وأبو عبيد وأبو ثور وأبو يوسف وابن المنذر إلى أنّ المعتدّة تبني على عدّة الطّلق لنقطاع الزّوجيّة من كلّ وجه لنّها بائن من النّكاح فل تكون منكوحةً ، ولنّ الرث الّذي ثبت معاملةً بنقيض القصد ل يقتضي بقاء زوجيّة موجبة للسف والحزن والحداد على المتوفّى .
الحالة الرّابعة :
تحوّل العدّة من القروء أو الشهر إلى وضع الحمل : 31
-ذهب جمهور الفقهاء -من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى أنّه لو ظهر
ن العدّة تتحوّل في أثناء العدّة بالقروء أو الشهر أو بعدها أنّ المرأة حامل من الزّوج ،فإ ّ إلى وضع الحمل ،وسقط حكم ما مضى من القروء أو الشهر ،وتبيّن أنّ ما رأته من الدّم ن الحامل ل تحيض ولنّ وضع الحمل أقوى دللةً على براءة الرّحم من لم يكن حيضا ،ل ّ حمْ َلهُنّ } . ن َ ضعْ َ ن أَن يَ َ حمَالِ َأجَُلهُ ّ ت الَ ْ آثار الزّوجيّة الّتي انقضت ،ولقوله تعالى َ { :وُأوْل ُ
ابتداء العدّة وانقضاؤها :
32
ن العدّة تبدأ في الطّلق عقيب الطّلق ،وفي الوفاة عقيب الوفاة ، -ذهب الحنفيّة إلى أ ّ
لنّ سبب وجوب العدّة الطّلق أو الوفاة ،فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السّبب ،فإن لم تعلم بالطّلق أو الوفاة حتّى مضت مدّة العدّة فقد انقضت مدّتها ،لكن قال في الهداية : ومشايخنا يفتون في الطّلق أنّ ابتداءها من وقت القرار نفيا لتهمة المواضعة ،قال ي :لجواز أن يتواضعا على الطّلق وانقضاء العدّة ليصحّ إقرار المريض لها بالدّين البابرت ّ ووصيّته لها بشيء ،ويتواضعا على انقضاء العدّة ليتزوّج أختها أو أربعا سواها . وذهب المالكيّة :إلى أنّ العدّة تبدأ من وقت العلم بالطّلق ،فلو أق ّر في صحّته بطلق متقدّم ،وقد مضى مقدار العدّة قبل إقراره ،استأنفت عدّتها من وقت القرار ،وترثه لنّها في عدّتها ،ول يرثها لنقضاء عدّتها بإقراره ،إلّ إذا قامت بيّنة فتعتدّ من الوقت الّذي ذكرته البيّنة ،وهذا في الطّلق الرّجعيّ ،أمّا البائن فل يتوارثان ،أمّا عدّة الوفاة فتبدأ من وقت الوفاة . وقال الشّافعيّة :تبدأ عدّة الوفاة من حين الموت ،وتبدأ عدّة القراء من حين الطّلق ،لنّ كلً منهما وقت الوجوب ،ولو بلغتها وفاة زوجها أو طلقها بعد مدّة العدّة كانت منقضيةً ، ن الصّغيرة تعتدّ مع عدم قصدها . فل يلزمها شيء منها ،ل ّ
وقال الحنابلة :من طلّقها زوجها أو مات عنها وهو بعيد عنها ،فعدّتها من يوم الموت أو الطّلق ل من يوم العلم ،وهذا هو المشهور عند الحنابلة . وروي عن أحمد أنّه إن قامت بذلك بيّنة فالحكم كذلك ،وإن لم تكن هناك بيّنة فعدّتها من يوم يأتيها الخبر . 33
ل فإنّ عدّتها تنتهي -وانقضاء العدّة يختلف باختلف نوعها فإن كانت المرأة حام ً
بوضع الحمل كلّه ،وإذا كانت العدّة بالقروء فإنّها تنتهي بثلثة قروء ،وإذا كانت العدّة بالشهر فإنّها تحسب من وقت الفرقة أو الوفاة حتّى تنتهي بمضيّ ثلثة أشهر أو أربعة أشهر وعشر . ي ما تنقضي به العدّة فقال :انقضاء العدّة نوعان :الوّل بالقول ،والثّاني وبيّن الكاسان ّ بالفعل . أمّا القول فهو :إخبار المعتدّة بانقضاء العدّة في مدّة يحتمل النقضاء في مثلها ،فإن كانت حرّةً من ذوات الشهر فإنّها ل تصدّق في أق ّل من ثلثة أشهر في عدّة الطّلق أو أربعة أشهر وعشر في عدّة الوفاة ،وإن كانت حرّ ًة من ذوات القراء ومعتدّةً من وفاة ،فإنّها ل تصدّق في أقلّ من أربعة أشهر وعشر ،أو معتدّةً من طلق فإن أخبرت بانقضاء عدّتها في مدّة تنقضي في مثلها العدّة يقبل قولها ،وإن أخبرت في مدّة ل تنقضي في مثلها العدّة ل يقبل قولها ،لنّ قول المين إنّما يقبل فيما ل يكذّبه الظّاهر ،والظّاهر هنا يكذّبها ،فل ن الظّاهر ل يكذّبها يقبل قولها إلّ إذا فسّرت مع يمينها ،فيقبل قولها مع هذا التّفسير ،ل ّ مع التّفسير ،وأقلّ ما تصدّق فيه المعتدّة بالقراء عند أبي حنيفة ستّون يوما ،وعند أبي يوسف ومحمّد تسعة وثلثون يوما . وأمّا الفعل :فيتمثّل في أن تتزوّج بزوج آخر بعد مضيّ مدّة تنقضي في مثلها العدّة ،حتّى لو قالت :لم تنقض عدّتي لم تصدّق ،ل في حقّ الزّوج الوّل ول في حقّ الزّوج الثّاني ، ي مدّة يحتمل النقضاء في ونكاح الزّوج الثّاني جائز ،لنّ إقدامها على التّزوّج بعد مض ّ مثلها دليل على النقضاء . عدّة المستحاضة : 34
-الستحاضة في الشّرع هي :سيلن الدّم في غير أوقاته المعتادة من مرض وفساد
من عرق في أدنى الرّحم يسمّى العاذل . فإذا كانت المرأة المطلّقة المعتدّة من ذوات الحيض ،واستمرّ نزول الدّم عليها بدون انقطاع فهي مستحاضة ،والحال ل يخلو من أمرين :
35
-المر الوّل :إن استطاعت أن تميّز بين الحيض والستحاضة برائحة أو لون أو كثرة
أو قلّة أو عادة -ويطلق عليها غير المتحيّرة -فتعتدّ بالقراء لعموم الدلّة الواردة في سهِنّ ثَلَ َثةَ ُق ُروَءٍ } ولنّها تردّ إلى أيّام ن بِأَن ُف ِ ت يَتَرَبّصْ َ ذلك ،ومنها قوله تعالى { :وَا ْل ُمطَلّقَا ُ عادتها المعروفة لها ولنّ الدّم المميّز بعد طهر تامّ يعدّ حيضا ،فتعتدّ بالقراء ل بالشهر . 36
-المر الثّاني المستحاضة المتحيّرة الّتي لم تستطع التّمييز بين الدّمين ونسيت قدر
عادتها ،أو ترى يوما دمًا ويوما نقا ًء ،وسواء أكانت مبتدأةً أم غيرها ،فقد اختلف الفقهاء في عدّتها على ثلثة أقوال : القول الوّل :ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة في الصحّ ،والحنابلة في قول ن الغالب وعكرمة وقتادة وأبو عبيد إلى أنّ عدّة المستحاضة هنا ثلثة أشهر ،بنا ًء على أ ّ نزول الحيض مرّ ًة في كلّ شهر ،أو لشتمال كلّ شهر على طهر وحيض غالبا ،ولعظم ن اليأس ،ولنّها في هذه الحالة مرتابة ،فدخلت في قوله تعالى : مشقّة النتظار إلى س ّ شهُرٍ } . ن ثَلَا َثةُ َأ ْ ن ارْتَبْ ُتمْ َفعِدّ ُتهُ ّ { إِ ِ ي صلى ال عليه وسلم قال لحمنة بنت جحش » :تلجّمي وتحيّضي في كلّ شهر ولنّ النّب ّ في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام « فجعل لها حيضةً في كلّ شهر تترك فيها الصّلة والصّيام ،ويثبت فيها سائر أحكام الحيض ،فيجب أن تنقضي به العدّة ،لنّ ذلك من أحكام الحيض . القول الثّاني :ذهب المالكيّة والحنابلة في قول وإسحاق إلى أنّ عدّة المستحاضة المتحيّرة سنة كاملة ،لنّها بمنزلة من رفعت حيضتها ول تدري ما رفعها ،ولنّها لم تتيقّن لها حيضا مع أنّها من ذوات القروء ،فكانت عدّتها سن ًة ،كالّتي ارتفع حيضها . وصرّح المالكيّة بأنّها تتربّص تسعة أشهر استبرا ًء لزوال الرّيبة ،لنّها مدّة الحمل غالبا ، ن السّنة كلّها عدّة ،والصّواب ثمّ تعتدّ بثلثة أشهر ،وتحلّ للزواج بعد السّنة ،وقيل :بأ ّ أنّ الخلف لفظيّ عندهم . ن المعتدّة المتحيّرة تعت ّد بثلثة أشهر بعد سنّ القول الثّالث :وهو قول للشّافعيّة :بأ ّ اليأس ،أو تتربّص أربع سنين أو تسعة أشهر للحتياط ،قياسا على من تباعد حيضها وطال طهرها ،أو لنّها قبل اليأس متوقّعة للحيض المستقيم .
عدّة المرتابة أو ممتدّة الطّهر :
37
ن المرتابة أو الممتدّ طهرها هي :المرأة الّتي كانت تحيض ثمّ -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
ارتفع حيضها دون حمل ول يأس ،فإذا فارقها زوجها ،وانقطع دم حيضها لعلّة تعرف ، كرضاع ونفاس أو مرض يرجى برؤه ،فإنّها تصبر وجوبا ،حتّى تحيض ،فتعتدّ بالقراء ،
أو تبلغ سنّ اليأس فتعتدّ بثلثة أشهر كاليسة ،ول تبالي بطول مدّة النتظار ،لنّ العتداد بالشهر جعل بعد اليأس بال ّنصّ ،فلم يجز العتداد بالشهر قبله وهو مذهب عليّ وعثمان وزيد بن ثابت رضي ال عنهم ،وقد روى البيهقيّ عن عثمان رضي ال عنه أنّه حكم بذلك في المرضع . وأمّا إذا حاضت ثمّ ارتفع حيضها دون علّة تعرف ،فقد ذهب عمر وابن عبّاس رضي ال ي في القديم ،والمذهب عند الحنابلة ي والمالكيّة ،وهو قول للشّافع ّ عنهم والحسن البصر ّ إلى أنّ المرتابة في هذه الحالة تتربّص غالب مدّة الحمل :تسعة أشهر ،لتتبين براءة ن الغالب أنّ الحمل ل يمكث في البطن أكثر من ذلك ،ث ّم تعتدّ الرّحم ،ولزوال الرّيبة ،ل ّ بثلثة أشهر ،فهذه سنة تنقضي بها عدّتها وتحلّ للزواج . واحتجّوا بما روي عن عمر رضي ال عنه أنّه قال في رجل طلّق امرأته فحاضت حيضةً أو حيضتين فارتفع حيضها ل يدرى ما رفعه :تجلس تسعة أشهر ،فإذا لم يستبن بها حمل تعتدّ بثلثة أشهر ،فذلك سنة ،ول يعرف له مخالف . قال ابن المنذر :قضى به عمر رضي ال عنه بين المهاجرين والنصار ،ولم ينكره منكر ،وقال الثرم :سمعت أبا عبد اللّه يسأل عن الرّجل يطلّق امرأته فتحيض حيض ًة ثمّ يرتفع حيضها قال :أذهب إلى حديث عمر رضي ال عنه :إذا رفعت حيضتها فلم تدر ممّا ارتفعت ،فإنّها تنتظر سن ًة ،لنّ العدّة ل تبنى على عدّة أخرى . وصرّح الشّافعيّة في الجديد :بأنّها تصبر حتّى تحيض فتعتدّ بالقراء أو تيأس فتعتدّ بالشهر ،كما لو انقطع الدّم لعلّة ،لنّ اللّه تعالى لم يجعل العتداد بالشهر إلّ للّتي لم تحض واليسة ،وهذه ليست واحد ًة منهما ،لنّها ترجو عود الدّم ،فأشبهت من انقطع دمها لعارض معروف . وفي قول للشّافعيّة في القديم :أنّ المرتابة تتربّص أكثر مدّة الحمل :أربع سنين لتعلم براءة الرّحم بيقين ،وقيل في القديم أيضا :تتربّص ستّة أشهر أقلّ مدّة الحمل ،فحاصل المذهب القديم :أنّها تتربّص مدّة الحمل غالبه أو أكثره أو أقلّه ،ثمّ تعتدّ بثلثة أشهر في حالة عدم وجود حمل . وجاء في مغني المحتاج وفقا للمذهب الجديد -وهو التّربّص لسنّ اليأس : -لو حاضت بعد اليأس في الشهر الثّلثة وجبت القراء ،للقدرة على الصل قبل الفراغ من البدل ، ويحسب ما مضى قرءا قطعا ،لنّه طهر محتوش بدمين ،أو بعد تمام الشهر فأقوال أظهرها :إن نكحت بعد الشهر فقد تمّت العدّة والنّكاح صحيح ،وإلّ فالقراء واجبة في عدّتها ،لنّه ظهر أنّها ليست آيسةً ،وقيل :تنتقل إلى القراء مطلقا تزوّجت أم ل ،وقيل
:المنع مطلقا ،لنقضاء العدّة ظاهرا ،قياسا على الصّغيرة الّتي حاضت بعد الشهر . والمعتبر في اليأس يأس عشيرتها ،وفي قول :يأس كلّ النّساء للحتياط وطلبا لليقين .
عدّة زوجة الصّغير أو من في حكمه :
38
-ذهب الفقهاء إلى أنّ عدّة زوجة الصّغير المتوفّى عنها هي أربعة أشهر وعشر ،كعدّة
زوجة الكبير سواء بسواء إذا لم تكن حاملً . واختلفوا فيما لو مات عن امرأته وهي حامل على قولين : القول الوّل :ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في قول وأبي يوسف إلى أنّ الصّغير الّذي مات عن امرأته وهي حامل -ول يولد لمثله -عدّة زوجته أربعة ن هذا الحمل ليس منه بيقين ،بدليل أنّه ل يثبت نسبه إليه ،فل تنقضي أشهر وعشر ،ل ّ به العدّة ،كالحمل من الزّنا أو الحادث بعد موته ،والحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه هو الّذي ينسب إلى صاحب العدّة ولو احتما ًل . قال المالكيّة :لو كان الزّوج صبيّا أو مجبوبا فل تنقضي عدّة زوجته بوضع حملها ،ل من موت ول طلق ،بل ل ب ّد من ثلثة أقراء في الطّلق ،ويعدّ نفاسها حيضةً ،وعليها في الوفاة أقصى الجلين ،وهو المتأخّر من الوضع أو تمام الربعة أشهر وعشر . وقال الحنفيّة :تجب العدّة بدخول زوجها الصّبيّ المراهق الّذي يتصوّر منه العلق ، وكذلك بخلوته الصّحيحة أو الفاسدة ،وإذا لم يمكن منه الوطء لصغره ،أو لم تحصل خلوة فل تجب عليها العدّة في الطّلق . ي -وإن كان في سنّ ل يولد لمثله -يوجب عدّة الطّلق ن وطء الصّب ّ وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ ن النزال الّذي يحصل به العلوق لمّا كان لعموم الدلّة ،ولنّ الوطء شاغل في الجملة ،ول ّ خفيّا يختلف بالشخاص والحوال ،ولعسر تتبّعه أعرض الشّارع عنه ،واكتفى بسببه ، وهو الوطء أو استدخال المنيّ كما اكتفى في التّرخّص بالسّفر ،وأعرض عن المشقّة . ي تهيّؤه للوطء وأفتى به الغزاليّ . وقال الزّركشيّ :يشترط في وجوب العدّة من وطء الصّب ّ القول الثّاني :ذهب أبو حنيفة ومحمّد ،وأحمد في رواية إلى أنّ عدّة زوجة الصّغير الّذي ن أَن حمَالِ َأجَُلهُ ّ ت الَ ْ مات وهي حامل تكون بوضع الحمل لعموم قوله تعالى َ { :وُأوْل ُ ن وجوب العدّة للعلم بحصول فراغ الرّحم ،والولدة دليل فراغ الرّحم حمْ َلهُنّ } ،ول ّ ضعْنَ َ يَ َ بيقين ،والشّهر ل يدلّ على الفراغ بيقين ،فكان إيجاب ما دلّ على الفراغ بيقين أولى ،إلّ إذا ظهر الحمل بعد موته لم تعتدّ به ،بل تعتدّ بأربعة أشهر وعشر ،لقوله تعالى { : عشْرا } ولنّ الحمل شهُ ٍر وَ َ سهِنّ أَرْ َب َعةَ َأ ْ ن بِأَن ُف ِ ن أَ ْزوَاجا يَتَرَبّصْ َ ن مِن ُكمْ وَيَذَرُو َ وَالّذِينَ يُ َتوَ ّفوْ َ إذا لم يكن موجودا وقت الموت وجبت العدّة بالشهر ،فل تتغيّر بالحمل الحادث ،وإذا كان
موجودا وقت الموت وجبت عدّة الحبل ،فكان انقضاؤها بوضع الحمل ،ول يثبت نسب ن الولد ل يحصل عاد ًة إلّ من الماء ،والصّبيّ ل ماء له الولد في الوجهين جميعا ،ل ّ حقيقةً ،ويستحيل وجوده عاد ًة فيستحيل تقديره .
عدّة زوجة المجبوب والخصيّ والممسوح :
39
-ذهب المالكيّة إلى أنّ زوجة المجبوب كزوجة الصّبيّ ،ل عدّة عليها من طلقه ،
كالمطلّقة قبل الدّخول ،وقيل :عليها العدّة إن كان يعالج وينزل ،وعلى الوّل خليل ، وعلى الثّاني عياض ،ولو طلقت زوجته أو مات عنها وهي حامل فل تنقضي عدّتها بوضع الحمل ،ل من موت ول طلق ،بل ل بدّ من ثلثة أقراء في الطّلق ،ويعدّ نفاسها حيضةً ، وعليها في الوفاة أقصى الجلين ،وهو المتأخّر من الوضع أو تمام الربعة أشهر وعشر . وصرّح بعض المالكيّة بأنّ الزّوج إذا كان مجبوب الذّكر والخصيتين فل تعتدّ امرأته ،وأمّا إن كان مجبوب الخصيتين قائم الذّكر فعلى امرأته العدّة ،لنّه يطأ بذكره ،وإن كان مجبوب الذّكر قائم الخصيتين :فهذا إن كان يولد لمثله فعليها العدّة ،وإلّ فل ،وقيل :يرجع في المقطوع ذكره أو أنثياه إلى أهل المعرفة كالطبّاء أو النّساء . والممسوح ذكره وأنثياه كالصّبيّ الّذي ل يولد لمثله ،فل عدّة على زوجته في المعتمد في طلق أو فسخ ،وإنّما تجب عليها عدّة الوفاة ،لنّ فيها ضربا من التّعبّد ،فإذا مات وظهر ن الحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه هو بها حمل فل يلحقه ،ول تنقضي عدّتها بوضعه ،ل ّ الّذي ينسب لبيه ،وإنّما تنتهي بأقصى الجلين :الوضع أو أربعة أشهر وعشر . ي ل مقطوع الذّكر ولو دون النثيين لعدم وقال الشّافعيّة :تعتدّ المرأة من وطء خص ّ الدّخول ،لكن إن بانت حاملً لحقه الولد ،لمكانه إن لم يكن ممسوحا ،واعتدّت بوضعه ن الولد ل يلحقه على المذهب ،ول تجب العدّة من طلقه وإن نفاه ،بخلف الممسوح ،ل ّ . وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا طلّق الخصيّ المجبوب امرأته أو مات عنها فأتت بولد لم يلحقه نسبه ،ولم تنقض عدّتها بوضعه وتستأنف بعد الوضع عدّة الطّلق :ثلثة قروء ،أو عدّة الوفاة :أربعة أشهر وعشرا ،وذكر القاضي :أنّ ظاهر كلم أحمد أنّ الولد يلحق به ،لنّه ك موضع ذكره بفرجها فينزل ،فعلى هذا القول يلحق به الولد قد يتصوّر منه النزال بأن يح ّ ن هذا ل يلحق به ولد ،لنّه لم تجر به عادة ،فل يلحق به وتنقضي به العدّة ،والصّحيح أ ّ ولدها ،كالصّبيّ الّذي لم يبلغ عشر سنين . وذكر الحنفيّة في باب العنّين وغيره :أنّ المجبوب أو الخصيّ كالعنّين في وجوب العدّة على الزّوجة عند الفرقة بناءً على طلبها .
وصرّح السّرخسيّ بأنّ الخصيّ كالصّحيح في وجوب العدّة على زوجته عند الفرقة ،وكذلك المجبوب بشرط النزال .
عدّة زوجة المفقود ومن في حكمه :
40
-المفقود :هو الّذي غاب وانقطع خبره مع إمكان الكشف عنه ،فخرج السير الّذي ل
ينقطع خبره ،والمحبوس الّذي ل يستطاع الكشف عنه ،فإذا غاب الرّجل عن امرأته لم يخل من حالين : أحدهما :إذا غاب ولم ينقطع خبره ،فل يجوز لمرأته أن تتزوّج باتّفاق العلماء ،فتظلّ على عصمته ،وإذا تعذّر النفاق عليها من ماله ،أو لحقها ضرر من غيبته أو كانت تخشى على نفسها الفتنة ففي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح ( :غيبة ) . ثانيهما :إذا غاب الزّوج عن زوجته وانقطع خبره ول يعرف مكانه ،ففي هذه الحالة قولن للفقهاء في الجملة : القول الوّل :ذهب ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثّوريّ وأبو حنيفة والشّافعيّ في الجديد ، وهو قول للحنابلة -فيما لو كان ظاهر غيبته السّلمة -إلى أنّ الزّوجة باقية على عصمته ،فل تزول الزّوجيّة حتّى يتيقّن موته أو طلقه ،أو تمضي مدّة ل يعيش أكثر منها ،وهذه سلطة تقديريّة للقاضي ،ث ّم تعتدّ بعد ذلك وتحلّ للزواج واستدلّوا بما رواه الشّافعيّ عن عليّ رضي ال عنه موقوفا " :امرأة المفقود امرأة ابتليت ،فلتصبر حتّى يأتيها يقين موته " ،وعن المغيرة بن شعبة رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » :امرأة المفقود امرأته حتّى يأتيها البيان « لنّ عقدها ثابت بيقين فل يرتفع ن الصل بقاء الحياة حتّى يثبت موته . إلّ بيقين ،ول ّ وروي عن أبي حنيفة أنّه يحكم بموت المفقود إذا بلغ سنّه مائ ًة وعشرين سنة من وقت ولدته ،وعن أبي يوسف تقدّر بمائة سنة ،وقيل :تسعون سن ًة ،أو يحكم بموته إذا مات آخر أقرانه سنّا ،أو يفوّض القاضي في ذلك ،ثمّ تعتدّ عدّة الوفاة من وقت الحكم بموته ، وتحلّ للزواج . ونقل أحمد بن أصرم عن أحمد :إذا مضى عليه تسعون سنةً من يوم ولدته قسم ماله ، ن الظّاهر أنّه ل يعيش أكثر من هذا ن زوجته تعتدّ عدّة الوفاة ثمّ تتزوّج ،ل ّ وهذا يقتضي أ ّ العمر ،فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته ،كما لو كان فقده بغيبة ظاهرها الهلك . ي في القديم القول الثّاني :ذهب عمر وغيره من الصّحابة رضي ال عنهم ،ومالك والشّافع ّ وهو رواية أخرى عن الحنابلة -في حالة ما لو كانت غيبته ظاهرها الهلك -إلى أنّ
زوجة المفقود تتربّص أربع سنين إن دامت نفقتها من ماله ث ّم تعتدّ للوفاة أربعة أشهر وعشرا ،ثمّ تحلّ للزواج ،واستدلّوا بما روي عن عمر رضي ال عنه قال في امرأة المفقود :تتربّص أربع سنين ثمّ تعتدّ أربعة أشهر وعشرا ،ووافقه في ذلك عثمان وعليّ وابن عبّاس وابن الزّبير رضي ال عنهم ،وبه قال عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن ي وعبد العزيز بن أبي سلمة ،فالتّربّص بأربع والزّهريّ وقتادة واللّيث وعليّ بن المدين ّ سنين أمر تعبّديّ ،أو أنّه أكثر الحمل عندهم . صفّين في القتال تتربّص سنةً فقط ،لنّ ن امرأة المفقود بين ال ّ وقال سعيد بن المسيّب :إ ّ غلبة هلكه في هذه الحالة أكثر من غلبته في غيرها ،لوجود سببه وهو القتال . وذهب المالكيّة إلى أنّه يحكم بموت المفقود بالنّسبة لزوجته بعد أربع سنين من حين العجز عن خبره ،وقيل :من حين رفع المر إلى القاضي أو الوالي أو لجماعة المسلمين ثمّ تعتدّ عدّة الوفاة . وللحنابلة روايتان : إحداهما :يعتبر ابتداء المدّة من ضرب القاضي أو الحاكم لها ،لنّها مدّة مختلف فيها ، فافتقرت إلى ضرب الحاكم كمدّة العنّة . وثانيتهما :ابتداء المدّة من وقت انقطاع الخبر وبعد الثر ،لنّ هذا ظاهر في موته ،فكان ابتداء المدّة منه ،كما لو شهد به شاهدان ،وهذا التّفصيل على القديم من مذهب الشّافعيّة .
عدّة زوجة السير :
41
ن زوجة السير ل تنكح حتّى تعلم بيقين وفاته ،وهذا قول النّخعيّ -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
والزّهريّ ويحيى النصاريّ ومكحول .
عدّة زوجة المرتدّ :
42
-ذهب الفقهاء إلى وجوب عدّة زوجة المرت ّد بعد الدّخول أو ما في حكمه بسبب
التّفريق بينهما ،فإن جمعها السلم في العدّة دام النّكاح ،وإلّ فالفرقة من الرّدّة وعدّتها تكون بالشهر ،أو بالقروء ،أو بالوضع كعدّة المطلّقة . ولو مات المرت ّد أو قتل حدّا وامرأته في العدّة ،فقد اختلف الفقهاء على قولين : القول الوّل :ذهب المالكيّة والشّافعيّة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه ل يجب عليها إلّ عدّة الطّلق ،لنّ الزّوجيّة قد بطلت بالرّدّة ،وعدّة الوفاة ل تجب إلّ على الزّوجات . القول الثّاني :ذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى أنّ المرتدّ إذا مات أو قتل وهي في العدّة وورثته قياسا على طلق الفارّ ،فإنّه يجب عليها عدّة الوفاة :أربعة أشهر وعشر فيها ثلث
حيض ،حتّى إنّها لو لم تر في مدّة الربعة أشهر والعشر ثلث حيض تستكمل بعد ذلك ، ن النّكاح لمّا بقي في حقّ لنّ كلّ معتدّة ورثت تجب عليها عدّة الوفاة ،ووجه قولهما :بأ ّ الرث ،فلن يبقى في حقّ وجوب العدّة أولى ،لنّ العدّة يحتاط في إيجابها ،فكان قيام النّكاح من وجه كافيا لوجوب العدّة احتياطا ،فيجب عليها العتداد أربعة أشهر وعشرا فيها ثلث حيض ،قياسا على المطلّقة طلقا بائنا الّتي مات زوجها قبل أن تنقضي العدّة ،وذكر القدوريّ روايتين في هذه المسألة عن أبي حنيفة .
عدّة الكتابيّة أو ال ّذ ّميّة :
43
ي وأبو عبيد إلى أنّ عدّة الكتابيّة -ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والثّور ّ
أو ال ّذمّيّة في الطّلق أو الفسخ أو الوفاة كعدّة المسلمة لعموم الدلّة الموجبة للعدّة بل فرق ق اللّه وبحقّ الزّوج ،قال تعالى : ن العدّة تجب بح ّ بينهما بشرط أن يكون الزّوج مسلما ،ل ّ ن عِدّ ٍة َتعْتَدّو َنهَا } فهي حقّه ،والكتابيّة أو ال ّذمّيّة مخاطبة بحقوق علَ ْيهِنّ مِ ْ { َفمَا َل ُكمْ َ العباد ،فتجب عليها العدّة ،وتجبر عليها لجل حقّ الزّوج والولد ،لنّها من أهل إيفاء حقوق العباد . واختلف الفقهاء فيما لو كانت ال ّذمّيّة تحت ذمّيّ على قولين : القول الوّل :ذهب أبو حنيفة والشّافعيّة والمالكيّة إلى أنّه لو طلّق ال ّذمّيّ ال ّذمّيّة أو مات عنها ،فل عدّة عليها إذا كان دينهم ل يقرّ ذلك ،ويجوز لها أن تتزوّج فور طلقها ،لنّ العدّة لو وجبت عليها إمّا أن تجب بحقّ اللّه تعالى أو بحقّ الزّوج ،ول سبيل إلى إيجابها ن العدّة فيها بحقّ الزّوج ،لنّه ل يعتقد حقّا لنفسه ،ول وجه ليجابها بحقّ اللّه تعالى ،ل ّ معنى القربة ،وهي غير مخاطبة بالقربات ،إلّ إذا كانت حاملً ،فإنّها تمنع من النّكاح ، ق الولد ،فل يجوز إبطال لنّ وطء الزّوج الثّاني يوجب اشتباه النّسب ،وحفظ النّسب ح ّ ن المالكيّة حقّه ،فكان على الحاكم استيفاء حقّه بالمنع من الزّواج حتّى تضع الحمل ،إلّ أ ّ ن ال ّذمّيّة الحرّة غير الحامل إذا كانت تحت زوج ذمّيّ مات عنها أو طلّقها ، قد صرّحوا بأ ّ وأراد مسلم أن يتزوّجها أو ترافعا إلينا -وقد دخل بها -فعدّتها ثلثة قروء ،وإن لم يكن دخل بها حلّت مكانها من غير شيء . القول الثّاني :ذهب الحنابلة وأبو يوسف ومحمّد إلى أنّ العدّة واجبة على ال ّذمّيّة حتّى ولو ن ال ّذمّيّة من أهل دار السلم ،فجرى عليها ما يجري على المسلمين كانت تحت ذمّيّ ،ل ّ من أحكام السلم ،ولعموم اليات الواردة في العدّة ،ولنّها بائن بعد الدّخول أشبهت المسلمة ،فعدّتها كعدّة المسلمة ،ولنّها معتدّة من الوفاة أشبهت المسلمة .
عدّة المختلعة :
44
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في المذهب إلى أنّ عدّة المختلعة عدّة
المطلّقة ،وهو قول سعيد بن المسيّب وسالم بن عبد اللّه وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والحسن والشّعبيّ والنّخعيّ والزّهريّ وغيرهم ،واستدلّوا بقوله تعالى { : سهِنّ ثَلَ َثةَ ُق ُروَءٍ } ولنّ الخلع فرقة بين الزّوجين في الحياة بعد ن بِأَن ُف ِ ت يَتَرَبّصْ َ وَا ْل ُمطَلّقَا ُ الدّخول ،فكانت العدّة ثلثة قروء كعدّة المطلّقة . ي عن عثمان بن عفّان وابن عمر وفي قول عن أحمد :أنّ عدّتها حيضة ،وهو المرو ّ وابن عبّاس رضي ال عنهم وأبان بن عثمان وإسحاق وابن المنذر ،واستدلّوا بما روي ن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه ،فجعل النّبيّ عن ابن عبّاس رضي ال عنهما » :أ ّ صلى ال عليه وسلم عدّتها حيضةً « . كما أنّ عثمان رضي ال عنه قضى به . ( ر :مصطلح خلع ) .
عدّة الملعنة :
45
-عدّة الملعنة كعدّة المطلّقة ،لنّها مفارقة في الحياة ،فأشبهت المطلّقة عند جمهور
الفقهاء ،خلفا لبن عبّاس رضي ال عنهما فالمرويّ عنه أنّ عدّتها تسعة أشهر .
عدّة الزّانية :
46
-اختلف الفقهاء في عدّة الزّانية على ثلثة أقوال :
القول الوّل :ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والثّوريّ إلى أنّ الزّانية ل عدّة عليها ،حاملً كانت أو غير حامل وهو المرويّ عن أبي بكر وعمر وعليّ رضي ال عنهم ،واستدلّوا بقول الرّسول صلى ال عليه وسلم » :الولد للفراش وللعاهر الحجر « ولنّ العدّة شرعت لحفظ النّسب ،والزّنا ل يتعلّق به ثبوت النّسب ،ول يوجب العدّة . وإذا تزوّج الرّجل امرأةً وهي حامل من الزّنا جاز نكاحه عند أبي حنيفة ومحمّد ،ولكن ل يجوز وطؤها حتّى تضع ،لئلّ يصير ساقيا ماءه زرع غيره ،لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم » :ل يحلّ لمرئ يؤمن باللّه واليوم الخر أن يسقي ماءه زرع غيره « . وقوله صلى ال عليه وسلم » :ل توطأ حامل حتّى تضع « فهذا دليل على امتناع وطئها حتّى تضع حملها . خلفا للشّافعيّة الّذين يقولون بجواز النّكاح والوطء للحامل من زنا على الصحّ ،إذ ل حرمة له . القول الثّاني :وهو المعتمد لدى المالكيّة والحنابلة في المذهب وهو ما ذهب إليه الحسن ي بها تعتدّ عدّة المطلّقة ،لنّه وطء يقتضي شغل الرّحم ،فوجبت العدّة والنّخعيّ :أنّ المزن ّ
منه ،ولنّها حرّة فوجب استبراؤها بعدّة كاملة قياسا على الموطوءة بشبهة ،ولنّ المزنيّ بها إذا تزوّجت قبل العتداد اشتبه ولد الزّوج بالولد من الزّنا ،فل يحصل حفظ النّسب ، قال الدّسوقيّ :إذا زنت المرأة أو غصبت وجب عليها الستبراء من وطئها بثلث حيض إن كانت حرّ ًة . أمّا الحامل من زنا أو من غصب فيحرم على زوجها وطؤها قبل الوضع اتّفاقا ،وإذا كانت الزّانية غير متزوّجة فإنّه ل يجوز العقد عليها زمن الستبراء ،فإن عقد عليها وجب فسخه . القول الثّالث :ذهب المالكيّة في قول ،والحنابلة في رواية أخرى إلى أنّ الزّانية تستبرأ بحيضة واحدة ،واستدلّوا بحديث » :ل توطأ حامل حتّى تضع ،ول غير ذات حمل حتّى تحيض حيض ًة « . ولمزيد من التّفصيل يراجع مصطلح ( :استبراء ف
24
).
عدّة المنكوحة نكاحا فاسدا :
47
-ذهب الفقهاء إلى وجوب العدّة بالدّخول في النّكاح الفاسد المختلف فيه بين المذاهب ،
ي ،وذهبوا أيضا إلى بسبب الفرقة الكائنة بتفريق القاضي ،كالنّكاح بدون شهود أو ول ّ وجوب العدّة في النّكاح المجمع على فساده بالوطء ،أي بالدّخول ،مثل :نكاح المعتدّة وزوجة الغير ،والمحارم إذا كانت هناك شبهة تسقط الحدّ ،بأن كان ل يعلم بالحرمة ،أمّا إذا كان يعلم بالحرمة فقد ذهب المالكيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة إلى وجوب العدّة ،ويطلق ق النّكاح ،إذ ل حقّ عليها استبراء ،لنّها وجبت للتّعرّف على براءة الرّحم ،ل لقضاء ح ّ للنّكاح الفاسد أيّا كان نوعه ،أمّا الشّافعيّة وبعض الحنفيّة فقالوا بعدم وجوب العدّة عند العلم بالحرمة ،لعدم وجود الشّبهة المسقطة للحدّ ،ولعدم ثبوت النّسب ،جاء في فتح القدير :والمنكوحة نكاحا فاسدا ،وهي المنكوحة بغير شهود ،ونكاح امرأة الغير عليها العدّة إذا لم يعلم الزّوج الثّاني بأنّها متزوّجة ،فإن كان يعلم -أي الزّوج الثّاني -ل تجب العدّة بالدّخول ،حتّى ل يحرم على الزّوج وطؤها لنّه زنا ،وإذا زنى بامرأة حلّ لزوجها وطؤها ،وبه يفتى . ( ر :مصطلح بطلن ف
30
).
وذهب الفقهاء إلى عدم وجوب عدّة الوفاة في النّكاح المجمع على فساده ،واختلفوا في وجوب عدّة الوفاة في النّكاح الفاسد المختلف فيه على قولين : القول الوّل :ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في قول إلى عدم وجوب عدّة الوفاة في النّكاح الفاسد المختلف فيه كالمجمع عليه ،واستدلّوا بأنّ عدّة الوفاة تجب في النّكاح
ن مِنكُمْ ن يُ َتوَ ّفوْ َ الصّحيح ،لنّ اللّه تعالى أوجبها على الزواج ،لقوله تعالى { :وَالّذِي َ ن أَ ْزوَاجا } ول يصير زوجا حقيقةً إلّ بالنّكاح الصّحيح ،كما أنّها تجب إظهارا للحزن وَيَذَرُو َ والتّأسّف لفوات نعمة النّكاح ،والنّعمة في النّكاح الصّحيح دون الفاسد . القول الثّاني :ذهب المالكيّة وهو قول للحنابلة إلى وجوب عدّة الوفاة في النّكاح الفاسد المختلف فيه ،لنّه نكاح يلحق به النّسب ،فوجبت به عدّة الوفاة كالنّكاح الصّحيح .
عدّة الموطوءة بشبهة :
48
-عدّة الموطوءة بشبهة وهي الّتي زفّت إلى غير زوجها ،والموجودة ليلً على فراشه
إذا ادّعى الشتباه كعدّة المطلّقة باتّفاق الفقهاء ،للتّعرّف على براءة الرّحم لشغله ولحقوق النّسب فيه ،كالوطء في النّكاح الصّحيح ،فكان مثله فيما تحصل البراءة منه ،ولنّ الشّبهة تقام مقام الحقيقة في موضع الحتياط ،وإيجاب العدّة من باب الحتياط . وإن وطئت المزوّجة بشبهة لم يحلّ لزوجها وطؤها قبل انقضاء عدّتها ،كي ل يفضي إلى اختلط المياه واشتباه النساب ،وله الستمتاع منها فيما دون الفرج في أحد وجهي الحنابلة ،لنّها زوجة حرم وطؤها لعارض مختصّ بالفرج ،فأبيح الستمتاع منها بما دونه كالحائض ،ول يجب عليها عدّة وفاة أيضا باتّفاق الفقهاء كالمنكوحة نكاحا فاسدا مجمعا على فساده ،لنّ وجوب العدّة هنا على سبيل الستبراء .
عدّة الزّوجة المطلّقة دون تعيين أو بيان :
49
-إذا طلّق الرّجل إحدى زوجتيه أو زوجاته دون تعيين أو بيان فللفقهاء في ذلك تفصيل
كما يلي : ذهب الحنفيّة إلى أنّ لفظ الطّلق إذا كان مضافا إلى زوجة مجهولة فهو طلق مبهم ، والجهالة إمّا أن تكون أصل ّيةً ،وإمّا أن تكون طارئةً ،فالصليّة :أن يكون لفظ الطّلق فيها من البتداء مضافا إلى المجهول ،والطّارئة :أن يكون مضافا إلى معلومة ثمّ تجهل ، كما إذا طلّق الرّجل امرأةً بعينها من نسائه ثلثا ثمّ نسي المطلّقة . وعدّة المرأة في الطّلق المبهم كعدّة غيرها من المطلّقات ،لقوله تعالى { :وَا ْل ُمطَلّقَاتُ سهِنّ ثَلَ َثةَ ُق ُروَءٍ } ولكنّهم اختلفوا في ابتداء عدّتها هل من وقت الطّلق أم ن بِأَن ُف ِ يَتَرَبّصْ َ من وقت البيان : فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّها تعتدّ من وقت البيان ل من وقت الطّلق ،لنّ الطّلق لم يكن واقعا قبل البيان ،وذهب محمّد إلى أنّها تعتدّ من وقت الطّلق كغيرها من ن الطّلق نازل في غير المعيّن . المطلّقات ل ّ
وإذا مات الزّوج قبل بيان الطّلق المبهم لحدى زوجتيه ،فإنّه يجب على كلّ واحدة منهما عدّة الوفاة وعدّة الطّلق ،لنّ إحداهما منكوحة والخرى مطلّقة ،وعلى المنكوحة عدّة الوفاة ل عدّة الطّلق ،وعلى المطلّقة عدّة الطّلق ل عدّة الوفاة ،فدارت كلّ واحدة من ق كلّ واحدة من المرأتين بين الوجوب وعدمه ،والعدّة يحتاط في إيجابها ، العدّتين في ح ّ ومن الحتياط القول بوجوبها على كلّ واحدة منهما . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لو طلّق إحدى امرأتيه معيّنةً أو مبهمةً ،كقوله :إحداكما طالق : ونوى معيّنةً أم ل ومات قبل البيان للمعيّنة أو التّعيين للمبهمة ،فإن كان قبل موته لم يطأ واحد ًة منهما اعتدّتا لوفاته بأربعة أشهر وعشرة أيّام احتياطا ،لنّ كلّ واحدة منهما كما يحتمل أن تكون مفارقةً بالطّلق يحتمل أن تكون مفارقةً بالموت وكذا إن وطئ كلً منهما ي ،أو هما ذواتا أقراء والطّلق رجعيّ ،فتعتدّ كلّ وهما ذواتا أشهر في طلق بائن أو رجع ّ منهما عدّة وفاة ،فإن كان الطّلق بائنا في ذوات القراء اعتدّت كلّ واحدة منهما بالكثر ن كلّ واحدة وجب عليها عدّة ،واشتبهت عليها بعدّة من عدّة وفاة وثلثة قروء ،ل ّ أخرى ،فوجب أن تأتي بذلك لتخرج عمّا عليها بيقين ،وتحتسب عدّة الوفاة من الموت جزما ،وتحسب القراء من وقت الطّلق على الصّحيح ،وقيل :من حين الموت ،وعدّة الحامل منهما بوضع الحمل ،لنّ عدّتها ل تختلف بالتّقديرين . ولو اختلف حال المرأتين ،بأن كانت إحداهما ممسوسةً أو حاملً أو ذات أقراء والخرى بخلفها ،عملت ك ّل واحدة بمقتضى الحتياط في حقّها . وقال الحنابلة :لو طلّق واحدةً من نسائه ل بعينها ،أخرجت بالقرعة ،وعليها العدّة دون غيرها ،من وقت الطّلق ل من وقت القرعة ،وإن طلّق واحدةً بعينها وأنسيها ،فالصّحيح أنّه يحرم عليه الجميع ،فإن مات فعلى الجميع العتداد بأقصى الجلين من عدّة الطّلق والوفاة ،وهذا إن كان الطّلق بائنا ،فإن كان رجعيّا فعليها عدّة الوفاة من وقت الموت ، أمّا ذات القراء فمن وقت الطّلق . ن كلّهنّ تكميل عدّة الطّلق من وقت طلقهنّ ثلثا . وإن طلّق الجميع ثلثا بعد ذلك ،فعليه ّ وصرّح المالكيّة بأنّه لو طلّق واحدةً ل بعينها طلقتا أو طلقن معا طلقا منجّزا على المشهور ،وإن نوى واحدةً بعينها ونسيها فالطّلق للجميع ،وإن قال لحداهما :أنت طالق ،وللخرى أو أنت ول نيّة خيّر في طلق أيّتهما أحبّ كما ذهب إليه الحنابلة .
تداخل العدد :
50
-تداخل العدد معناه :أن تبتدئ المرأة المعتدّة عدّةً جديد ًة وتندرج بقيّة العدّة الولى في
العدّة الثّانية ،والعدّتان إمّا أن تكونا من جنس واحد فقط أو من جنسين مختلفين ،لشخص
واحد أو شخصين ،ولذلك فإنّ الفقهاء اختلفوا في جواز التّداخل وعدمه وفقا لك ّل حالة على حدة . ن المرأة إذا لزمتها عدّتان من فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ جنس واحد ،وكانتا لرجل واحد ،فإنّهما تتداخلن لتّحادهما في الجنس والقصد ،مثل :ما لو طلّق الرّجل زوجته ثلثا ،ثمّ تزوّجها في العدّة ووطئها ،وقال :ظننت أنّها تحلّ لي ، أو طلّقها بألفاظ الكناية فوطئها في العدّة فإنّ العدّتين تتداخلن ،فتعتدّ بثلثة أقراء ابتداءً من الوطء الواقع في العدّة ،ويندرج ما بقي من العدّة الولى في العدّة الثّانية ،قال النّوويّ :إذا كانت العدّتان لشخص ،وكانتا من جنس واحد بأن طلّقها وشرعت في العدّة بالقراء ل أو عالما إن كان ل إن كان الطّلق بائنا ،وجاه ً أو الشهر ثمّ وطئها في العدّة جاه ً رجعيّا ،تداخلت العدّتان ،ومعنى التّداخل :أنّها تعتدّ بثلثة قروء ،أو ثلثة أشهر من وقت الوطء ويندرج فيها بقيّة عدّة الطّلق ،وقدر تلك البقيّة يكون مشتركا واقعا عن الجهتين ، وله الرّجعة في قدر البقيّة إن كان الطّلق رجعيّا ،ول رجعة بعدها ،ويجوز تجديد النّكاح ى هذا هو الصّحيح ،وإن كانت العدّتان في تلك البقيّة وبعدها إذا لم يكن عدد الطّلق مستوف ً من جنسين لشخص واحد ،بأن كانت إحداهما بالحمل والخرى بالقراء ،سواء طلّقها ن الحنفيّة ،وهو الصحّ عند الشّافعيّة ،ورواية حاملً ث ّم وطئها ،أو حائلً ث ّم أحبلها ،فإ ّ للحنابلة :يرون تداخل العدّتين ،لنّهما لرجل واحد ،كما لو كانتا من جنس واحد . ومقابل الصحّ عند الشّافعيّة ،والحنابلة في رواية أخرى :عدم التّداخل لختلفهما في الجنس . ن العدّتين تنقضيان بالوضع ،وللزّوج الرّجعة في الطّلق ويترتّب على القول هنا بالتّداخل أ ّ الرّجعيّ إلى أن تضع إن كانت عدّة الطّلق بالحمل ،أو كانت بالقراء على الصحّ عند الشّافعيّة . ويترتّب على عدم التّداخل إذا كان الحمل لعدّة الطّلق اعتدّت بعد وضعه بثلثة أقراء ،ول رجعة إلّ في مدّة الحمل ،وإن كان الحمل لعدّة الوطء ،أتمّت بعد وضعه بقيّة عدّة الطّلق ،وله الرّجعة قبل الوضع في تلك البقيّة على الصحّ عند الشّافعيّة . وإذا كانت العدّتان لشخصين ،سواء أكانتا من جنسين ،كالمتوفّى عنها زوجها إذا وطئت بشبهة ،أو كانتا من جنس واحد ،كالمطلّقة الّتي تزوّجت في عدّتها فوطئها الثّاني وفرّق بينهما ،فإنّ الشّافعيّة والحنابلة يرون عدم التّداخل ،لنّهما حقّان مقصودان لدميّين ،فلم يتداخل كالدّينين .
ولنّ العدّة احتباس يستحقّه الرّجال على النّساء ،فلم يجز أن تكون المرأة المعتدّة في احتباس رجلين كاحتباس الزّوجة ،فعليها أن تعتدّ للوّل لسبقه ،ثمّ تعتدّ للثّاني ،ول تتقدّم عدّة الثّاني على عدّة الوّل إلّ بالحمل . ن كلً منهما أجل ،والجال تتداخل ولذلك يجب على وقال الحنفيّة :تتداخل العدّتان ،ل ّ المرأة أن تعتدّ من وقت التّفريق ،ويندرج ما بقي من العدّة الولى في العدّة الثّانية ،لنّ المقصود التّعرّف على فراغ الرّحم ،وقد حصل بالواحدة ،فتتداخلن ،ولذلك صرّح الحنفيّة ن المعتدّة عن وفاة إذا وطئت بشبهة تعتدّ بالشّهور ،وتحتسب بما تراه من الحيض بأ ّ فيها ،تحقيقا للتّداخل بقدر المكان ،فلو لم تر فيها دما يجب أن تعتدّ بعد الشهر بثلث حيض .أمّا المالكيّة فقد ذكر ابن جزيّ فروعا في تداخل العدّتين : الفرع الوّل :من طلقت طلقا رجعيّا ثمّ مات زوجها في العدّة ،انتقلت إلى عدّة الوفاة ، لنّ الموت يهدم عدّة الرّجعيّ ،بخلف البائن . الفرع الثّاني :إن طلّقها رجعيّا ،ثمّ ارتجعها في العدّة ،ثمّ طلّقها ،استأنفت العدّة من الطّلق الثّاني ،سواء أكان قد وطئها أم ل ،لنّ الرّجعة تهدم العدّة ،ولو طلّقها ثانيةً في العدّة من غير رجعة بنت اتّفاقا ،ولو طلّقها طلق ًة ثانيةً ثمّ راجعها في العدّة أو بعدها ثمّ طلّقها قبل المسيس بنت على عدّتها الولى ،ولو طلّقها بعد الدّخول استأنفت من الطّلق الثّاني . الفرع الثّالث :إذا تزوّجت في عدّتها من الطّلق ،فدخل بها الثّاني ،ثمّ فرّق بينهما اعتدّت بقيّة عدّتها من الوّل ،ثمّ اعتدّت من الثّاني ،وقيل تعتدّ من الثّاني وتجزيها عنهما ،وإن كانت حاملً فالوضع يجزئ عن العدّتين اتّفاقا . وصرّح المالكيّة بأنّه لو طرأ موجب لعدّة مطلقا -لوفاة أو طلق -قبل تمام عدّة انهدم الوّل ،أي :بطل حكمه مطلقا ،كان الموجبان من رجل واحد أو رجلين ،بفعل سائغ أم ل ،واستأنفت حكم الطّارئ في الجملة ،إذ قد تمكث أقصى الجلين ،مثل الرّجل الّذي تزوّج بائنته وطلّقها بعد البناء ،فتستأنف عدّ ًة من طلقه الثّاني وينهدم الوّل ،أمّا لو طلّقها قبل البناء فإنّها تبقى على عدّة الطّلق الوّل ،ولو مات بعد تزوّجها -بنى بها أو ل -فإنّها تستأنف عدّة الوفاة ،وتنهدم الولى . والمرتجع لمطلّقته الرّجعيّة قبل تمام عدّتها ،سواء وطئها بعد ارتجاعها أو ل ثمّ طلّقها أو مات عنها قبل تمام عدّة الطّلق الرّجعيّ ،فإنّ المعتدّة تستأنف عدّة طلق من يوم طلقه لها ثانيا أو عدّة وفاة من يوم موته ،لنّ ارتجاعها يهدم العدّة الولى الكائنة من الطّلق الرّجعيّ .
الطّلق في العدّة :
51
-ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة إلى أنّ الطّلق يلحق
المعتدّة من طلق رجعيّ ،لبقاء أحكام الزّوجيّة في عدّة الطّلق الرّجعيّ . فالرّجعيّة في حكم الزّوجات ،لبقاء الولية عليها بملك الرّجعة ،قال الشّافعيّ :الرّجعيّة زوجة في خمس آيات من كتاب اللّه ،يريد بذلك لحوق الطّلق وصحّة الظّهار واللّعان واليلء والميراث . ن الطّلق ل يلحق المعتدّة من طلق بائن بينونةً صغرى أو وذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ كبرى كخلع وفسخ لعدم بقاء المحلّ وهي الزّوجة ،أو لزوال الزّوجيّة حقيقةً وحكما كما لو ن المعتدّة من طلق بائن بينونةً كبرى ل انتهت عدّتها ،ووافق الحنفيّة الجمهور في أ ّ يلحقها الطّلق . أمّا المعتدّة من طلق بائن بينونةً صغرى فيلحقها صريح الطّلق . وأمّا طلق الكناية الواقع في عدّة المبانة أو المختلعة فإنّه يلحقها في ظاهر الرّواية عند ن الواقع بهذا النّوع من الكناية الحنفيّة ،إن كانت الكناية تحمل معنى الطّلق الرّجعيّ ،ل ّ رجعيّ ،فكان في معنى الطّلق الصّريح ،فيلحقها الخلع والبانة في العدّة كالصّريح ،خلفا لما روي عن أبي يوسف أنّه ل يلحقها لنّ هذه كناية والكناية ل تعمل إلّ في حال قيام الملك كسائر الكنايات ،وإن كانت الكناية تحمل معنى الطّلق البائن ،كقوله :أنت بائن ونحوه ،ونوى الطّلق ،ل يلحقها بل خلف عند الحنفيّة ،لنّ البانة قطع الوصلة ، ن البانة تحريم شرعا ،وهي محرّمة والوصلة منقطعة ،فل يتصوّر قطعها ثانيا ،أو ل ّ وتحريم المحرّم محال . ن المعتدّة من طلق بائن بينون ًة كبرى ل تكون محلً للطّلق ،لنعدام واتّفق الفقهاء على أ ّ العلقة الزّوجيّة ولزوال الملك وزوال حلّ المحلّيّة .
خطبة المعتدّة :
52
ن التّصريح بخطبة معتدّة الغير أو المواعدة بالنّكاح حرام سواء -اتّفق الفقهاء على أ ّ
أكانت العدّة من طلق رجعيّ أم بائن أم وفاة أم فسخ أو معتدّة عن وطء شبهة ،وفي التّعريض بخطبة المعتدّة تفصيل ينظر في مصطلح ( :خطبة ف - 9 4
13
وتعريض
.)5-
عقد الجنبيّ على المعتدّة :
53
-اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز للجنبيّ نكاح المعتدّة أيّا كانت عدّتها من طلق أو
موت أو فسخ أو شبهة ،وسواء أكان الطّلق رجعيّا أم بائنا بينون ًة صغرى أو كبرى .
ف
وذلك لحفظ النساب وصونها من الختلط ومراعاةً لحقّ الزّوج الوّل ،فإن عقد النّكاح على المعتدّة في عدّتها فرّق بينها وبين من عقد عليها ،واستدلّوا بقوله تعالى َ { :ولَ ى يَبْلُ َغ ا ْلكِتَابُ َأجَ َلهُ } والمراد تمام العدّة ،والمعنى :ل تعزموا على عقْدَةَ ال ّنكَاحِ حَ ّت َ َتعْ ِزمُواْ ُ عقدة النّكاح في زمان العدّة ،أو ل تعقدوا عقدة النّكاح حتّى ينقضي ما كتب اللّه عليها من ي :ولنّ النّكاح بعد الطّلق الرّجعيّ قائم من كلّ وجه ،وبعد الثّلث العدّة .يقول الكاسان ّ والبائن قائم من وجه حال قيام العدّة ،لقيام بعض الثار ،والثّابت من وجه كالثّابت من كلّ وجه في باب الحرمات احتياطا ،ويجوز لصاحب العدّة أن يتزوّجها في عدّتها إذا لم يكن الطّلق ثلثا لنّ النّهي عن التّزوّج للجانب ل للزواج ،لنّ عدّة الطّلق إنّما لزمتها حقّا ق التّحريم على الجنبيّ للزّوج ،لكونها باقيةً على حكم نكاحه من وجه ،وهذا يظهر في ح ّ ل على الزّوج إذ ل يجوز أن يمنع حقّه . ي وطلّقها ،فنكحت في عدّتها ، وفي الموطّأ :أنّ طليحة السدية كانت زوجة رشيد الثّقف ّ فضربها عمر بن الخطّاب وضرب زوجها بخفقة ضربات ،وفرّق بينهما ثمّ قال عمر :أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن كان الّذي تزوّجها لم يدخل بها فرّق بينهما ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من زوجها الوّل ،ثمّ إن شاء كان خاطبا من الخطّاب ،وإن كان دخل بها فرّق بينهما ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من الوّل ،ث ّم اعتدّت من الخر ،ث ّم ل ينكحها أبدا .
مكان العدّة :
54
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ مكان العدّة من طلق أو فسخ أو موت هو بيت الزّوجيّة
الّتي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها ،وقبل موته ،أو عندما بلغها خبر موته ،وتستتر فيه عن سائر الورثة ممّن ليس بمحرم لها . فإذا كانت في زيارة أهلها ،فطلّقها أو مات ،كان عليها أن تعود إلى منزلها الّذي كانت تسكن فيه للعتداد وإن كانت في غيره ،فالسّكنى في بيت الزّوجيّة وجبت بطريق التّعبّد ، فل تسقط ول تتغيّر إلّ بالعذار ،واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى { :وَاتّقُوا الّلهَ رَ ّبكُ ْم ل شةٍ مّبَيّ َنةٍ } . ن ِبفَاحِ َ ن إِل أَن يَأْتِي َ ن وَل َيخْ ُرجْ َ ن مِن بُيُو ِتهِ ّ ُتخْ ِرجُوهُ ّ ووجه الدّللة :أنّ اللّه سبحانه وتعالى أضاف البيت إليها ،والبيت المضاف إليها هو الّذي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها أو موته ،وبحديث الفريعة بنت مالك رضي ال عنها : » أنّها جاءت إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فأخبرته :أنّ زوجها خرج في طلب أعبد له ،فقتلوه بطرف القدوم ،قالت :فسألت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي ،فإنّ زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ول نفقة ؟ فقالت :قال الرّسول صلى ال عليه وسلم :نعم .قالت :فانصرفت حتّى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني ،
أو أمر بي فنوديت له فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :كيف قلت ؟ فرددت عليه القصّة ،فقال :امكثي في بيتك حتّى يبلغ الكتاب أجله ،قالت :فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ،قالت :فلمّا كان عثمان بن عفّان أرسل إليّ فسألني عن ذلك ،فأخبرته ،فاتّبعه وقضى
به « .
ووجه الدّللة :أنّ الرّسول صلى ال عليه وسلم ألزمها أن تعتدّ في بيت الزّوجيّة حتّى تنقضي العدّة ويبلغ الكتاب أجله ،وبه قضى عثمان ،في جماعة الصّحابة رضي ال عنهم فلم ينكروه ،وروي عن عمر وابن عمر وابن مسعود وأمّ سلمة رضي ال عنهم والثّوريّ والوزاعيّ ،فإذا ثبت هذا فإنّه يجب العتداد عليها في المنزل الّذي مات زوجها وهي ساكنة به ،أو طلّقها . ويرى الحنابلة أنّه يستحبّ سكنى المعتدّة المبتوتة في الموضع الّذي طلّقها فيه . وقال جابر بن زيد والحسن البصريّ وعطاء من التّابعين :إنّ المتوفّى عنها زوجها تعتدّ ي وابن عبّاس وجابر وعائشة رضي ال عنهم ، حيث شاءت ،وهذا ما روي عن عل ّ سهِنّ أَرْ َب َعةَ ن بِأَن ُف ِ ن أَ ْزوَاجا يَتَرَبّصْ َ ن مِن ُكمْ وَيَذَرُو َ واستدلّوا بأنّ قوله تعالى { :وَالّذِينَ يُ َتوَ ّفوْ َ عشْرا } نسخت الية الّتي جعلت العدّة للمتوفّى عنها زوجها حولً كاملً وهي قوله شهُرٍ وَ َ َأ ْ ح ْولِ غَيْرَ جهِم مّتَاعا إِلَى ا ْل َ ن أَ ْزوَاجا وَصِ ّيةً لَ ْزوَا ِ ن مِن ُكمْ وَيَذَرُو َ تعالى { :وَالّذِينَ يُ َتوَ ّفوْ َ ِإخْرَاجٍ } والنّسخ إنّما وقع على ما زاد على أربعة أشهر وعشر ،فبقي ما سوى ذلك من الحكام ثمّ جاء الميراث فنسخ السّكنى ،وتعلّق حقّها بالتّركة ،فتعتدّ حيث شاءت .
خروج أو إخراج المعتدّة من مكان العدّة :
55
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب على المعتدّة من طلق أو فسخ أو موت ملزمة السّكن في
العدّة ،فل تخرج منه إلّ لحاجة أو عذر ،فإن خرجت أثمت وللزّوج في حال الطّلق أو الفسخ منعها ،ولورثته كذلك من بعده ،ول يجوز للزّوج أو ورثته إخراجها من مسكن النّكاح ما دامت في العدّة ،وإلّ أثموا بذلك لضافة البيوت إليهنّ في قوله تعالى { :ل ن مِن بُيُو ِتهِنّ } وقوله تعالى { :ل ُتخْ ِرجُو ُهنّ } يقتضي أن يكون حقّا على ُتخْ ِرجُوهُ ّ الزواج ،وقوله تعالى { :وَل َيخْ ُرجْنَ } يقتضي أنّه حقّ على الزّوجات للّه تعالى ولزواجهنّ ،فالعدّة حقّ اللّه تعالى ،والحقّ الّذي للّه تعالى ل يسقط بالتّراضي ،لعدم قابليّته للسقاط ،وهذا هو الصل ،إلّ للعذار وقضاء الحاجات كما سيأتي . ولكنّ الفقهاء اختلفوا في مدى جواز خروج المعتدّة ،وذلك باختلف أحوالها وباختلف الوقات والعذار .
خروج المطلّقة الرّجعيّة :
56
ن المطلّقة الرّجعيّة ل يجوز لها الخروج من مسكن العدّة -ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أ ّ
ن وَل ن مِن بُيُو ِتهِ ّ ل ليلً ول نهارا واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى { :ل ُتخْ ِرجُوهُ ّ َيخْ ُرجْنَ } إلخ .فقد نهى اللّه تعالى الزواج عن الخراج والمعتدّات عن الخروج ،إلّ إذا ارتكبن فاحشةً ،أي :الزّنا . سكَنتُم } والمر بالسكان نهي عن الخراج والخروج ن حَيْثُ َ سكِنُوهُنّ مِ ْ وبقوله تعالى َ { :أ ْ .قال النّوويّ :إن كانت رجع ّيةً فهي زوجته ،فعليه القيام بكفايتها ،فل تخرج إلّ بإذنه . ي لقيام ملك النّكاح من كلّ وجه ،فل يباح ي :ولنّها زوجته بعد الطّلق الرّجع ّ وقال الكاسان ّ لها الخروج كما قبل الطّلق ،إلّ أنّ بعد الطّلق ل يباح لها الخروج وإن أذن لها به ، ق اللّه تعالى ن حرمة الخروج بعد الطّلق لمكان العدّة وفيها ح ّ بخلف ما قبل الطّلق ،ل ّ صةً فيملك إبطال فل يملك إبطاله ،بخلف ما قبل الطّلق ،لنّ الحرمة ثمّة لحقّ الزّوج خا ّ حقّ نفسه بالذن بالخروج . وخالف المالكيّة والحنابلة فقالوا بجواز خروج المطلّقة الرّجعيّة نهارا لقضاء حوائجها ، وتلزم منزلها باللّيل لنّه مظنّة الفساد ،واستدلّوا بحديث جابر بن عبد اللّه رضي ال عنهما قال » :طلقت خالتي ثلثا ،فخرجت تجدّ نخلً لها ،فلقيها رجل فنهاها ،فأتت النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقالت ذلك له ،فقال لها :اخرجي فجدّي نخلك لعلّك أن تصدّقي منه أو تفعلي خيرا « . ن خروج المعتدّة لقضاء حوائجها يجوز لها في الوقات المأمونة وذلك وصرّح المالكيّة بأ ّ يختلف باختلف البلد والزمنة ،ففي المصار وسط النّهار ،وفي غيرها في طرفي النّهار ،ولكن ل تبيت إ ّل في مسكنها .
خروج المطلّقة البائن :
57
-اختلف الفقهاء في جواز خروج المعتدّة من طلق بائن على قولين :
القول الوّل :ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والثّوريّ والوزاعيّ واللّيث بن سعد إلى جواز خروجها نهارا لقضاء حوائجها ،أو طرفي النّهار لشراء ما يلزمها من ملبس ومأكل ودواء أو بيع غزل ،أو كانت تتكسّب من شيء خارج عن محلّها كالقابلة والماشطة أو لداء عملها سواء أكان الطّلق بائنا بينون ًة صغرى أم كبرى ،لحديث جابر رضي ال عنه السّابق » :طلقت خالتي ثلثا :فخرجت « ...إلخ . قال الشّافعيّ :والجداد ل يكون إلّ نهارا غالبا ،والضّابط عنده :كلّ معتدّة ل تجب نفقتها ولم يكن لها من يقضيها حاجتها لها الخروج ،أمّا من وجبت نفقتها فل تخرج إلّ بإذن أو ن مكفيّات بنفقة أزواجهنّ . ضرورة كالزّوجة ،لنّه ّ
ل إن لم يمكنها نهارا ،وكذا إلى دار جارة لها لغزل بل أجاز الشّافعيّة للبائن الخروج لي ً وحديث ونحوهما للتّأنّس ،بشرط :أن تأمن الخروج ،ولم يكن عندها من يؤنسها ،وأن ترجع وتبيت في بيتها ،لما روي عن مجاهد قال » :استشهد رجال يوم أحد فآم نساؤهم ي صلى ال عليه وسلم فقلن :يا رسول اللّه ،إنّا وكنّ متجاورات في دار فجئن النّب ّ نستوحش باللّيل فنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا تبدّرنا إلى بيوتنا فقال النّبيّ صلى ال عليه ن النّوم فلتؤب كلّ امرأة منكنّ إلى ن ما بدا لكنّ ،فإذا أردت ّ وسلم :تحدّثن عند إحداك ّ بيتها « . ل أو نهارا ،لعموم وقال الحنفيّة :ل يجوز خروج المعتدّة من الطّلق الثّلث أو البائن لي ً النّهي ومسيس الحاجة إلى تحصين الماء .
خروج المعتدّة المتوفّى عنها زوجها :
58
ن المتوفّى عنها زوجها ل تخرج ليلً ،ول بأس بأن تخرج نهارا -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
لقضاء حوائجها . قال الكاسانيّ :لنّها تحتاج إلى الخروج بالنّهار لكتساب ما تنفقه ،لنّه ل نفقة لها من الزّوج المتوفّى بل نفقتها عليها ،فتحتاج إلى الخروج لتحصيل النّفقة ،ول تخرج باللّيل لعدم الحاجة إلى الخروج باللّيل ،وإذا خرجت بالنّهار في حوائجها ل تبيت خارج منزلها الّذي تعتدّ فيه . ق النّفقة ،فل يباح لها الخروج إلّ لضرورة وقال المتولّي :إلّ أن تكون حاملً وتستح ّ واستدلّوا بحديث الفريعة السّابق ،وبما روى علقمة أنّ نسوةً من همدان نعي إليهنّ ن ،فسألن ابن مسعود رضي ال عنه فقلن :إنّا نستوحش ،فأقرّهنّ أن يجتمعن أزواجه ّ بالنّهار ،فإذا كان باللّيل فلترح كلّ امرأة إلى بيتها .
خروج المعتدّة من شبهة أو نكاح فاسد :
59
-المعتدّة من شبهة أو نكاح فاسد في الخروج من مسكنها كالمعتدّة من وفاة وهذا عند
الحنفيّة والشّافعيّة . وفصّل الحنفيّة فقالوا :المعتدّة من النّكاح الفاسد لها أن تخرج ،إلّ إذا منعها الزّوج لتحصين مائه ،والصّغيرة لها أن تخرج من منزلها إذا كانت الفرقة ل رجعة فيها ،سواء ق اللّه تعالى ن وجوب السّكنى في البيت على المعتدّة لح ّ أذن الزّوج لها أو لم يأذن ،ل ّ وحقّ الزّوج ،وحقّ اللّه ع ّز وجلّ ل يجب على الصّبيّ ،وحقّ الزّوج في حفظ الولد ول ولد منها ،وإن كانت الفرقة رجع ّيةً فل يجوز لها الخروج دون إذن زوجها لنّها زوجته ، وله أن يأذن لها بالخروج ،والمجنونة لها أن تخرج من منزلها لنّها غير مخاطبة
ن لزوجها أن يمنعها من الخروج لتحصين مائه ،والكتابيّة لها أن تخرج كالصّغيرة ،إلّ أ ّ ق اللّه تعالى من وجه فتكون عباد ًة من هذا الوجه والكفّار ل لنّ السّكنى في العدّة ح ّ يخاطبون بشرائع هي عبادات ،إلّ إذا منعها الزّوج من الخروج لصيانة مائه عن الختلط ،فإذا أسلمت في العدّة لزمها ما يلزم المسلمة فيما بقي من العدّة .
ما يبيح للمعتدّة الخروج والنتقال من مكان العدّة :
60
-ذهب الفقهاء إلى أنّه يجوز للمعتدّة من طلق أو فسخ أو وفاة الخروج والنتقال من
مكان العدّة إلى مكان آخر في حالة الضّرورة . قال الكاسانيّ :إن اضطرّت إلى الخروج من بيتها ،بأن خافت سقوط منزلها أو خافت على متاعها أو كان المنزل بأجرة ول تجد ما تؤدّيه في أجرته في عدّة الوفاة ،أو كان المنزل ملكا لزوجها وقد مات ،أو كان نصيبها ل يكفيها ،أو خافت على متاعها منهم -الورثة - ن السّكنى وجبت بطريق العبادة حقّا للّه تعالى عليها ،والعبادات فل بأس أن تنتقل ،ل ّ تسقط بالعذار ،وإذا انتقلت لعذر :يكون سكناها في البيت الّذي انتقلت إليه بمنزلة كونها ن النتقال من الوّل إليه كان لعذر ، في المنزل الّذي انتقلت منه في حرمة الخروج عنه ،ل ّ فصار المنزل الّذي انتقلت إليه كأنّه منزلها من الصل ،فلزمها المقام فيه حتّى تنقضي العدّة . وصرّح المالكيّة بأنّه يجوز انتقالها من مكان العدّة في حالة العذر ،كبدويّة معتدّة ارتحل أهلها فلها الرتحال معهم حيث كان يتعذّر لحوقها بهم بعد العدّة ،أو لعذر ل يمكن المقام معه بمسكنها كسقوطه أو خوف جار سوء أو لصوص إذا لم يوجد الحاكم الّذي يزيل الضّرر ،فإذا وجد الحاكم الّذي يزيل الضّرر إذا رفع إليه فل تنتقل ،سواء أكانت حضر ّيةً أم بدو ّيةً ،وإذا انتقلت لزمت الثّاني إلّ لعذر ،وهكذا ،فإذا انتقلت لغير عذر ردّت بالقضاء قهرا عنها ،لنّ بقاءها في مكان العدّة حقّ للّه تعالى . وصرّح الشّافعيّة بأنّها تعذر للخروج في مواضع هي :إذا خافت على نفسها أو مالها من هدم أو حريق أو غرق أو لصوص أو فسقة أو جار سوء . وتتحرّى القرب من مسكن العدّة ،أو لو لزمها عدّة وهي في دار الحرب فيلزمها أن تهاجر إلى دار السلم ،قال المتولّي :إلّ أن تكون في موضع ل تخاف على نفسها ول على دينها ق واحتيج إلى استيفائه ولم يمكن استيفاؤه في فل تخرج حتّى تعتدّ ،أو إذا لزمها ح ّ مسكنها كح ّد أو يمين في دعوى ،فإن كانت برز ًة خرجت وحدّت أو حلفت ثمّ تعود إلى المسكن وإن كانت مخدّرةً بعث الحاكم إليها نائبا أو أحضرها بنفسه أو إذا كان المسكن مستعارا أو مستأجرا فرجع المعير أو طلبه المالك أو مضت المدّة فل بدّ من الخروج .
ومذهب الحنابلة في الجملة ل يخرج عمّا سبق . واستدلّ الفقهاء بما روي عن عائشة رضي ال عنها أنّها نقلت أختها أمّ كلثوم بنت أبي بكر رضي ال عنه لمّا قتل طلحة رضي ال عنه فدلّ ذلك على جواز النتقال للعذر .
خروج المعتدّة من وفاة للحجّ أو للسّفر أو العتكاف :
61
-ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل يجوز خروج المعتدّة
من وفاة إلى الحجّ ،لنّ الحجّ ل يفوت ،والعدّة تفوت . وقال المالكيّة :إذا أحرمت المتوفّى عنها زوجها بحجّ أو عمرة بقيت على ما هي فيه ،ول ترجع إلى مسكنها لتعتدّ فيه . كما ذهب الفقهاء إلى أنّه ل يجوز للمعتدّة أن تنشئ سفرا لغير الحجّ أو العمرة ،فإن طرأت العدّة على المسافرة ففي مضيّها على سفرها أو رجوعها تفصيل ينظر في ( :إحداد ف ،
24
ورجوع ف
25
22
).
ي وهذا ما أمّا المرأة المعتكفة فيلزمها العودة إلى مسكنها لقضاء العدّة لنّها أمر ضرور ّ ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،خلفا للمالكيّة القائلين :تمضي المعتكفة على اعتكافها إن طرأت عليها عدّة من وفاة أو طلق ،وبهذا قال ربيعة وابن المنذر ،أمّا إذا طرأ اعتكاف على عدّة فل تخرج له ،بل تبقى في بيتها حتّى تتمّم عدّتها ،فل تخرج للطّارئ بل تستم ّر على السّابق . ( ر :مصطلح إحداد ،ف
24
).
إحداد المعتدّة :
62
-الحداد هو :ترك التّزيّن بالثّياب والحليّ والطّيب مدّ ًة مخصوصةً في أحوال
مخصوصة ،وحكم الحداد يختلف باختلف أحوال المعتدّة من وفاة أو طلق رجعيّ أو بائن . وقد اتّفق الفقهاء على وجوب الحداد على المعتدّة في عدّة الوفاة من نكاح صحيح ،حتّى ولو لم يدخل بها الزّوج المتوفّى بخلف المنكوحة نكاحا فاسدا إذا مات عنها زوجها أمّا المطلّقة طلقا رجعيّا فل إحداد عليها لبقاء أكثر أحكام النّكاح فيها ،بل يستحبّ لها التّزيّن بما يدعو الزّوج إلى رجعتها والعودة لها ،لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرا . واختلفوا في المعتدّة من طلق بائن بينون ًة صغرى أو كبرى وتفصيل ذلك في مصطلح : ( إحداد ف . ) 4
نفقة المعتدّة :
63
ن المطلّقة طلقا رجعيّا لها السّكنى والنّفقة والكسوة وما يلزمها -اتّفق الفقهاء على أ ّ
ل أم حائلً ،لبقاء آثار الزّوجيّة مدّة العدّة . لمعيشتها ،سواء أكانت حام ً كما اتّفقوا على وجوب السّكنى للمعتدّة من طلق بائن إذا كانت حاملً حتّى تضع حملها . ل ،كما اختلفوا في وجوب السّكنى واختلفوا فيما لو كانت المعتدّة من طلق بائن حائ ً والنّفقة للمعتدّة عن وفاة . وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح ( :سكنى ف
12
-
15
).
الرث في العدّة :
64
ن المعتدّة من طلق رجعيّ إذا ماتت ،أو مات زوجها وهي في -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
العدّة ورث أحدهما الخر لبقاء آثار الزّوجيّة ما دامت العدّة قائمةً ،وقالوا :إنّ المعتدّة من طلق بائن في حالة صحّة الزّوج ،برضاها أو بغير رضاها ،ل توارث بينهما . واختلف الفقهاء في إرث المعتدّة من طلق بائن في حالة مرض الموت وهو ما يسمّيه الفقهاء " :طلق الفارّ " : فذهب الحنفيّة والشّافعيّة في القديم إلى القول بإرث المعتدّة من طلق بائن في حالة مرض الموت ،بشرط أ ّل يكون الطّلق برضاها ،وأن يموت في مرضه الّذي وقع فيه الطّلق قبل انقضاء العدّة ،وأن تكون مستح ّقةً للميراث وقت الطّلق ،وتظلّ أهليّتها لذلك حتّى وفاة المطلّق . أمّا إذا ماتت هذه الزّوجة في العدّة فل يرث المطلّق منها عملً بقصده السّيّئ ،فبطلقه ن المطلّقة البائن ترث زوجها لو البائن لها أسقط حقّه في الرث منها ،ويرى المالكيّة أ ّ طلّقها أو لعنها أو خالعها في مرض الموت المخوف ومات فيه ،سواء أكان الطّلق برضاها أم ل ،حتّى ولو انقضت العدّة وتزوّجت غيره ولو أزواجا ،ول يرثها الزّوج في حالة موتها في مرضه المخوف الّذي طلّقها فيه ،ولو كانت هي مريضةً أيضا ،لنّه الّذي أخرج نفسه وأسقط ما كان يستحقّه لنّ العصمة كانت بيده ويرى الشّافعيّة في القول الجديد أنّها ل ترث لنقطاع الزّوجيّة ،ولنّها لو ماتت لم يرثها بالتّفاق . أمّا على القول القديم عندهم بأنّ البائن ترث ففيه أقوال :ترث ما لم تنقض العدّة أو ما لم تتزوّج ،أو أبدا ،إلّ أنّ للقول القديم شروطا :كون الزّوجة وارثةً ،وعدم اختيارها البينونة في مرض مخوف ونحوه ومات بسببه ،وكونها بطلق ل بلعان وفسخ ،وكونه منشأً ليخرج ما إذا أق ّر به ،وكونه منجّزا . ويرى الحنابلة أنّ المعتدّة من الطّلق البائن إن كان في المرض المخوف ث ّم مات الزّوج من مرضه ذلك في عدّتها ورثته بشرط ألّ يكون الطّلق في المرض برغبتها أو اختيارها ،ولم
يرثها إن ماتت ،والمشهور عن أحمد أنّها ترثه بعد العدّة أيضا ما لم تتزوّج ،وروي عنه ما يد ّل على أنّها ل ترثه إن مات بعد العدّة . وينظر ( مصطلح طلق ف
66
).
معاشرة المعتدّة ومساكنتها :
65
ن المعتدّة من طلق بائن حكمها حكم الجنبيّة ،فل يجوز للمطلّق -ذهب الفقهاء إلى أ ّ
معاشرتها ومساكنتها أو الخلوة بها أو النّظر إليها ،لنقطاع آثار الزّوجيّة ،فل تحلّ له إلّ بعقد ومهر جديدين في البينونة الصّغرى ،أو أن تنكح زوجا غيره ثمّ يفارقها في البينونة الكبرى . واختلفوا في معاشرة المعتدّة من طلق رجعيّ أو مساكنتها والستمتاع أو الخلوة بها على قولين : فذهب المالكيّة والشّافعيّة وفي رواية للحنابلة إلى أنّه ل يجوز للمطلّق لزوجته طلقا رجعيّا معاشرتها ومساكنتها في الدّار الّتي تعتدّ فيها ،لنّه يؤدّي إلى الخلوة بها وهي محرّمة ن لِتُضَ ّيقُوا عَلَ ْيهِنّ } عليه ،ولنّ في ذلك إضرارا بها وقد قال تعالى { :وَل تُضَارّوهُ ّ فالطّلق رفع لحلّ النّكاح ومقدّماته ،فل يجوز الدّخول عليها أو الكل معها أو لمسها أو النّظر إليها ،بل يجب عليه الخروج من المسكن ،إلّ إذا كانت الدّار واسع ًة ومعها محرم مميّز يستحى منه ويكون بصيرا . وذهب الحنفيّة ،وهو ظاهر المذهب للحنابلة إلى أنّه يجوز الستمتاع بالرّجعيّة والخلوة بها ولمسها والنّظر إليها بنيّة المراجعة ،وكذلك بدونها مع الكراهة التّنزيهيّة عند الحنفيّة ، لنّها في العدّة كالزّوجة يملك مراجعتها بغير رضاها .
الرّجعة في العدّة والدّعاوى المتعلّقة بها :
66
-اتّفق الفقهاء على أنّ الرّجعة ل تكون إلّ في عدّة الطّلق الرّجعيّ ،وهذا ثابت
بالكتاب والسّنّة والجماع . ( ر :مصطلح رجعة ) . ويتعلّق بذلك عدّة دعاوى أهمّها ما يتعلّق باختلف الزّوجين في تاريخ انقضاء العدّة ،أو تاريخ الرّجعة . وفي ذلك صور ذكرت بالتّفصيل في مصطلح ( :رجعة ،ف
23
).
وهناك صور أخرى ذكرها بعض الفقهاء منها ما يأتي : قال المالكيّة :إن ادّعت الرّجعيّة انقضاء عدّتها بعد زمن يمكن انقضاؤها فيه صدّقت في إخبارها بانقضاء عدّتها بالقرء ،وانقضاء عدّتها بالوضع لحملها -اللحق لزوجها ،أو
ح رجعتها وتحلّ الّذي يصحّ استلحاقه -بل يمين منها على انقضائها ،وعليه فل تص ّ للزواج ،وإن ادّعت انقضاء عدّة القروء فيما يمكن النقضاء فيه نادرا ،كحضت ثلثا في شهر ،سئل النّساء فإن صدّقنها أي :شهدن أنّ النّساء تحيض لمثله عمل به . وقال الشّافعيّة :إذا ادّعى الزّوج أنّه راجع المعتدّة في العدّة وأنكرت ،فإمّا أن يختلفا قبل أن تنكح زوجا غيره ،وإمّا بعد النّكاح فإذا كان الختلف قبل النّكاح :فإمّا أن تكون العدّة منقضيةً ،وإمّا أن تكون باقيةً .فإن اتّفقا على وقت انقضاء العدّة كيوم الجمعة ،وقال : راجعت يوم الخميس ،فقالت :بل السّبت ،صدّقت بيمينها على الصّحيح بأنّها ل تعلمه راجع يوم الخميس ،لنّ الصل عدم الرّجعة إلى يوم السّبت وقيل :القول قوله بيمينه . وإذا لم يتّفقا على وقت النقضاء ،بل على وقت الرّجعة كيوم الجمعة ،وقالت هي : انقضت الخميس ،وقال هو :بل انقضت السّبت ،صدّق في الصحّ بيمينه :أنّها ما انقضت الخميس ،لنّ الصل عدم انقضائها قبله ،وقيل :هي المصدّقة ،وقيل :المصدّق السّابق الدّعوى . وقال الحنابلة :إن راجع الزّوج مطلّقته فادّعت انقضاء عدّتها بالقروء ،فإن قيل :هي الحيض ،وأقلّ الطّهر ثلثة عشر يوما فأقلّ ما يعرف به انقضاء العدّة تسعة وعشرون يوما ولحظة ،وإن قيل :القروء هي الطهار فإنّ عدّتها تنقضي بثمانية وعشرين يوما ولحظتين ،ومتى ادّعت المطلّقة عدّتها بالقروء في أق ّل من هذا لم يقبل قولها ،وإن ادّعت انقضاء عدّتها في أقلّ من شهر لم يقبل قولها إلّ ببيّنة ،فإن ادّعت ذلك في أكثر من شهر صدّقت بل بيّنة . وإن ادّعت انقضاء عدّتها بالشّهور فل يقبل قولها فيه ،والقول قول الزّوج فيه ،لنّ الخلف في ذلك ينبني على الخلف في وقت الطّلق . وإن ادّعت انقضاء عدّتها بوضع الحمل لتمامه فل يقبل قولها في أق ّل من ستّة أشهر من حين إمكان الوطء بعد العقد .
ثبوت النّسب في العدّة :
67
-ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى ثبوت نسب الولد في العدّة
،ما دام قد ولد في نطاق الح ّد القصى لمدّة الحمل من وقت الطّلق أو الموت ،فيثبت نسبه ول ينتفي عنه إلّ باللّعان -سواء أقرّت المعتدّة بانقضاء عدّتها أو لم تقرّ خلفا للحنفيّة فإنّهم يفرّقون في ثبوت النّسب بين المعتدّة الّتي أقرّت بانقضاء عدّتها أو لم تقرّ ، وبين البائن والرّجعيّة والمتوفّى عنها . ( ر :مصطلح نسب ) .
فإذا أقرّت بانقضاء العدّة ،ثمّ جاءت بولد لق ّل من ستّة أشهر ثبت نسبه اتّفاقا ،لنّه ظهر عكسه بيقين ،فصارت كأنّها لم تق ّر به . وإن جاءت به لستّة أشهر فأكثر ل يثبت نسبه عند الحنفيّة ،والحنابلة ،لنّه لم يظهر عكسه ،فيكون من حمل حادث بعده كما يقول الحنفيّة ولنّها أتت به بعد الحكم بقضاء عدّتها وح ّل النّكاح لها بمدّة الحمل ،فلم يلحق به كما لو أتت به بعد انقضاء عدّتها بوضع حملها لمدّة الحمل ،كما يعلّله الحنابلة . وقال المالكيّة والشّافعيّة يثبت نسبه ما لم تتزوّج أو يبلغ أربع سنين ،لنّه ولد يمكن كونه منه في هذه المدّة ،وهي أقصى مدّة الحمل ،وليس معه من هو أولى منه .
دفع الزّكاة للمعتدّة :
68
-المعتدّة إذا وجبت نفقتها على زوجها مدّة العدّة فل يجوز إعطاؤها من الزّكاة وفي
حالة عدم وجوبها عليه في العدّة أو بعدها فإنّه يجوز إعطاؤها من الزّكاة لعدم وجوب النّفقة عليه . ( ر :نفقة ،زكاة ) .
ر :مِثْليّات .
عَدَديّات * الموسوعة الفقهية /نهاية الجزء التاسع والعشرون ******