027

  • Uploaded by: B.I
  • 0
  • 0
  • December 2019
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View 027 as PDF for free.

More details

  • Words: 109,718
  • Pages: 272
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫الموسوعة الفقهية ‪ /‬الجزء السابع والعشرون‬ ‫*‬

‫‪.‬‬

‫صرُورة‬ ‫َ‬

‫‪ :‬التّعريف‬

‫الصّرورة بصاد مهملة وبتخفيف الرّاء ‪ :‬من لم‬

‫يحجّ ‪1 -‬‬

‫والمراد به في اصطلح الفقهاء ‪ :‬الشّخص الّذي لم يحجّ عن نفسه حجّة السلم ‪ ،‬كما نصّ‬ ‫‪.‬‬

‫عليه أكثر الفقهاء‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬فهو أع ّم من المعنى اللّغويّ ‪ ،‬لنّه يشمل من لم يحجّ أصلً ‪ ،‬ومن حجّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫عن غيره ‪ ،‬أو عن نفسه نفلً أو نذرا‬

‫وقال بعض المالكيّة ‪ :‬هو من لم يحجّ قطّ ‪ ،‬وهذا هو المعنى اللّغويّ‬

‫قال النّوويّ ‪ :‬سمّي بذلك ‪ ،‬لنّه صرّ بنفسه عن إخراجها في الحجّ وكره الشّافعيّ وابن‬ ‫عقيل من الحنابلة تسمية من لم يحجّ صرور ًة ‪ ،‬لما روى ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل صرورة في السلم » قال النّوويّ ‪ :‬أي‬ ‫ج ‪ ،‬ول يحلّ لمستطيع تركه ‪ ،‬فكراهة تسمية من لم يحجّ‬ ‫ل يبقى أحد في السلم بل ح ّ‬ ‫صرور ًة ‪ ،‬واستدللهم بهذا الحديث فيه نظر ‪ ،‬لنّه ليس في الحديث تعرّض للنّهي عن ذلك‬

‫‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫الحكم الجماليّ‬

‫ن الحجّ من العبادات البدنيّة والماليّة معا ‪ ،‬فيقبل‬ ‫ذكر الفقهاء في بحث الحجّ ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫النّيابة ‪2 -‬‬

‫في الجملة‬

‫ثمّ فصّلوا بين حجّ الفرض وحجّ النّفل ‪ ،‬وبيّنوا شروط الحجّ عن الغير ‪ ،‬كما بيّنوا شروط‬ ‫المر والمأمور أي النّائب ‪ ،‬وهل يصحّ الحجّ عن الغير من قبل من لم يحجّ عن نفسه حجّة‬ ‫‪:‬‬

‫ح أخذ الجرة في ذلك ؟ وبيانه فيما يلي‬ ‫السلم ‪ ،‬وهو المسمّى بصرورة أم ل ؟ وهل يص ّ‬ ‫‪:‬‬

‫أوّلً ‪ :‬نيابة الصّرورة في حجّة السلم‬

‫يرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ من شروط النّائب في حجّة السلم أن يكون قد حجّ‬

‫عن ‪3 -‬‬

‫نفسه حجّة السلم ‪ ،‬فليس للصّرورة أن يحجّ عن غيره ‪ ،‬فإن فعل وقع إحرامه عن حجّة‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫السلم لنفسه لما روى ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ « -‬أ ّ‬ ‫ل يقول ‪ :‬لبّيك عن شبرمة ‪ ،‬قال ‪ :‬من شبرمة ؟ قال ‪ :‬أخ لي أو قريب لي ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫سمع رج ً‬ ‫‪».‬‬

‫حججت عن نفسك ؟ قال ‪ :‬ل ‪ :‬قال ‪ :‬حجّ عن نفسك ثمّ حجّ عن شبرمة‬

‫وعلى ذلك ‪ :‬فإن أحرم عن غيره وقع عن نفسه ل عن الغير ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ :‬إذا ثبت هذا‬ ‫ج عنه فأشبه ما لو لم يحجّ قال النّوويّ ‪:‬‬ ‫فإنّ عليه ردّ ما أخذ من النّفقة ‪ ،‬لنّه لم يقع الح ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وبه قال ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬والوزاعيّ وإسحاق‬

‫ل ‪ ،‬ول يصحّ ذلك عنه ول عن غيره‬ ‫وفي المغني ‪ :‬قال أبو بكر عبد العزيز ‪ :‬يقع الحجّ باط ً‬ ‫‪-.‬‬

‫‪ ،‬وروي ذلك عن ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما‬

‫ج الصّرورة ‪،‬‬ ‫وقال الحنفيّة ‪ :‬ل يشترط في النّائب أن يكون قد حجّ عن نفسه ‪ ،‬فيصحّ ح ّ‬ ‫لكن الفضل أن يكون قد حجّ عن نفسه حجّة السلم خروجا عن الخلف ‪ ،‬فيكره عندهم‬ ‫‪.‬‬

‫حجّ الصّرورة ‪ .‬وهل الكراهة تحريميّة أم تنزيهيّة ؟ اختلفت عباراتهم‬

‫وذكر ابن عابدين نقلً عن الفتح ‪ :‬والّذي يقتضيه النّظر ‪ :‬أنّ حجّ الصّرورة عن غيره إن‬ ‫كان بعد تحقّق الوجوب عليه بملك الزّاد والرّاحلة والصّحّة فهو مكروه كراهة تحريم ‪ ،‬لنّه‬ ‫تضييق عليه في أوّل سني المكان فيأثم بتركه ‪ ،‬وكذا لو تنفّل لنفسه ‪ ،‬ومع ذلك يصحّ ‪،‬‬ ‫ن النّهي ليس لعين الحجّ المفعول ‪ ،‬بل لغيره وهو الفوات إذ الموت في سنة غير نادر ‪.‬‬ ‫لّ‬ ‫ق أنّها تنزيهيّة على المر لقولهم ‪ :‬والفضل ‪ ..‬إلخ ‪،‬‬ ‫ثمّ نقل عن البحر قوله ‪ :‬والح ّ‬ ‫تحريميّة على الصّرورة ‪ ،‬أي المأمور الّذي اجتمعت فيه شروط الحجّ ‪ ،‬ولم يحجّ عن‬ ‫‪.‬‬

‫نفسه ‪ ،‬لنّه أثم بالتّأخير ‪ .‬ا هـ ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬وهذا ل ينافي كلم الفتح ‪ ،‬لنّه في المأمور‬

‫واستدلّ الحنفيّة بصحّة حجّ الصّرورة بإطلق « قوله صلى ال عليه وسلم للخثعميّة ‪ :‬حجّي‬ ‫عن أبيك » من غير استخبارها عن حجّها لنفسها قبل ذلك ‪ .‬قال في الفتح ‪ :‬وترك‬ ‫الستفصال في وقائع الحوال ينزل منزلة عموم الخطاب ‪ ،‬فيفيد جوازه عن الغير مطلقا ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وحديث شبرمة يفيد استحباب تقديم حجّة نفسه ‪ ،‬وبذلك يحصل الجمع‬

‫أمّا المالكيّة ‪ :‬فقد منعوا استنابة صحيح مستطيع في فرض لحجّة السلم أو حجّة منذورة ‪.‬‬ ‫قال الحطّاب ‪ :‬ل خلف في ذلك ‪ ،‬والظّاهر أنّها ل تصحّ ‪ ،‬وتفسخ إذا عثر عليها ‪ .‬أمّا‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الصّرورة ‪ :‬فيكره عندهم حجّه عن الغير‬

‫ثانيا ‪ -‬حكم الجرة في حجّ الصّرورة‬

‫صرّح الحنفيّة ‪ :‬بعدم جواز أخذ الجرة لمن يحجّ عن غيره ‪ ،‬فلو استأجر رجلً على‬

‫أن ‪4 -‬‬

‫يحجّ عنه بكذا لم يجز حجّه ‪ ،‬وإنّما يقول ‪ :‬أمرتك أن تحجّ عنّي بل ذكر إجارة ‪ ،‬وله نفقة‬ ‫‪.‬‬

‫المثل‬

‫ونقل ابن عابدين عن الكفاية ‪ :‬أنّه يقع الحجّ من المحجوج عنه في رواية الصل عن أبي‬ ‫‪.‬‬

‫حنيفة‬

‫وعدم جواز الجرة في الحجّ هو الرّواية المشهورة عن أحمد ‪ -‬أيضا ‪ -‬قال ابن قدامة في‬ ‫الصّرورة الّذي يحجّ عن غيره ‪ :‬عليه ر ّد ما أخذ من النّفقة ‪ ،‬لنّه لم يقع الحجّ عنه ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ومذهب المالكيّة ‪ :‬الجواز مع الكراهة‬

‫قال الدّسوقيّ ‪ :‬لنّه أخذ العوض عن العبادة ‪ ،‬وليس ذلك من شيم أهل الخير‬ ‫‪ ) .‬وينظر مصطلح ‪ ( :‬حجّ ف‬

‫‪.‬‬

‫‪120/‬‬

‫قال الشّيخ زكريّا النصاريّ ‪ :‬ول أجرة له ‪ -‬يعني للصّرورة ‪ -‬لنّه لم ينتفع بما فعله‬

‫صرِيح‬ ‫َ‬

‫*‬

‫‪:‬‬

‫الصّريح في اللّغة ‪ :‬هو الّذي خلص من تعلّقات غيره ‪ ،‬وهو مأخوذ من صرح‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫التّعريف‬

‫الشّيء ‪1 -‬‬

‫ضمّ صراحةً وصروحةً‬ ‫بال ّ‬

‫والعربيّ الصّريح ‪ :‬هو خالص النّسب ‪ ،‬والجمع صرحاء‬

‫ويطلق الصّريح ‪ -‬أيضا ‪ -‬على كلّ خالص ‪ ،‬ومنه ‪ :‬القول الصّريح ‪ :‬وهو الّذي ل يفتقر‬ ‫‪.‬‬

‫إلى إضمار أو تأويل‬

‫وصرّح بما في نفسه بالتّشديد ‪ :‬أخلصه للمعنى المراد ‪ ،‬أو أذهب عنه احتمالت المجاز‬ ‫‪.‬‬

‫والتّأويل‬

‫وأمّا الصّريح في الصطلح ‪ :‬فهو كما في التّعريفات ‪ :‬اسم لكلم مكشوف المراد به بسبب‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫كثرة الستعمال حقيقةً كان أو مجازا‬

‫ن الصّريح ما ظهر المراد به ظهورا بيّنا بكثرة الستعمال‬ ‫وذكر صاحب العناية ‪ :‬أ ّ‬

‫وذكر صاحب فتح القدير ‪ :‬أنّ الصّريح ما غلب استعماله في معنى ‪ ،‬بحيث يتبادر حقيقةً أو‬ ‫‪.‬‬

‫مجازا‬

‫ي في الشباه ‪ :‬أنّ الصّريح هو اللّفظ الموضوع لمعنىً ل يفهم منه غيره عند‬ ‫وذكر السّيوط ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الطلق ‪ ،‬ويقابله ‪ :‬الكناية‬

‫اللفاظ ذات الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬الكناية‬

‫الكناية في اللّغة ‪ :‬أن يتكلّم بشيء يستدلّ به على المكنّى عنه كالرّفث والغائط ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وهي ‪2 -‬‬

‫اسم مأخوذ من كنّيت بكذا عن كذا من باب رمى‬

‫ي ‪ :‬كلم استتر المراد منه‬ ‫وأمّا الكناية في الصطلح ‪ :‬فهي كما في التّعريفات للجرجان ّ‬ ‫‪.‬‬

‫بالستعمال وإن كان معناه ظاهرا في اللّغة ‪ ،‬سواء أكان المراد به الحقيقة أم المجاز‬

‫وذكر صاحب فتح القدير ‪ :‬أنّ الكناية ما خفي المراد به لتوارد الحتمالت عليه بخلف‬ ‫الصّريح‬

‫‪.‬‬

‫ن الصّريح يدرك المراد منه بمجرّد النّطق به ول‬ ‫والفرق بين الكناية وبين الصّريح ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يحتاج إلى النّيّة ‪ ،‬بخلف الكناية ‪ ،‬فإنّ السّامع يتردّد فيها فيحتاج إلى النّيّة‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬التّعريض‬ ‫تعنيه‪3 - .‬‬

‫وهو في اللّغة ‪ :‬مأخوذ من عرضت له وعرّضت به تعريضا ‪ :‬إذا قلت قولً وأنت‬

‫فالتّعريض خلف التّصريح من القول ‪ ،‬كما إذا سألت رجلً ‪ :‬هل رأيت فلنا ‪ -‬وقد رآه ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ويكره أن يكذب ‪ -‬فيقول ‪ :‬إنّ فلنا ليرى ‪ ،‬فيجعل كلمه معراضا فرارا من الكذب‬

‫ن التّعريض في الكلم ما يفهم به السّامع مراده من غير‬ ‫ي في التّعريفات ‪ :‬أ ّ‬ ‫وذكر الجرجان ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫منشأ الصّريح‬

‫تصريح‬

‫مأخذ الصّريح ‪ :‬هل هو ورود الشّرع به أو شهرة الستعمال‬ ‫‪.‬‬

‫؟‪4-‬‬

‫قال السّيوطيّ ‪ :‬فيه خلف ‪ .‬وقال السّبكيّ ‪ :‬الّذي أقوله ‪ :‬إنّها مراتب‬

‫أحدها ‪ :‬ما تكرّر قرآنا وس ّنةً ‪ ،‬مع الشّياع عند العلماء والعامّة ‪ ،‬فهو صريح ‪ -‬قطعا ‪-‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫كلفظ الطّلق‬

‫الثّانية ‪ :‬المتكرّر غير الشّائع ‪ ،‬كلفظ الفراق والسّراح ‪ ،‬فيه خلف‬ ‫‪.‬‬

‫الثّالثة ‪ :‬الوارد غير الشّائع ‪ ،‬كالفتداء ‪ ،‬وفيه خلف أيضا‬

‫الرّابعة ‪ :‬وروده دون ورود الثّالثة ‪ ،‬ولكنّه شائع على لسان حملة الشّرع كالخلع‬ ‫‪.‬‬

‫والمشهور‪ :‬أنّه صريح‬

‫الخامسة ‪ :‬ما لم يرد ‪ ،‬ولم يشع عند العلماء ‪ ،‬ولكنّه عند العامّة ‪ ،‬مثل ‪ :‬حلل اللّه عليّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫حرام ‪ ،‬والصحّ أنّه كناية‬

‫ما يتعلّق بالصّريح من القواعد الفقهيّة‬ ‫‪.‬‬

‫القاعدة الولى ‪ :‬الصّريح فيه معنى‬

‫التّعبّد ‪5 -‬‬

‫وذكر هذه القاعدة الزّركشيّ في المنثور ‪ ،‬ولكون الصّريح فيه معنى التّعبّد فقد حصروه في‬ ‫مواضع ‪ :‬كالطّلق ونحوه ‪ ،‬ومن ثمّ لو عمّ في ناحية استعمال الطّلق في إرادة التّخلّص‬ ‫عن الوثاق ونحوه ‪ ،‬فخاطبها الزّوج بالطّلق ‪ ،‬وقال ‪ :‬أردت به ذلك ‪ -‬أي التّخلّص عن‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫الوثاق ‪ -‬لم يقبل ‪ ،‬لنّ الصطلح الخاصّ ل يرفع العامّ‬

‫القاعدة الثّانية ‪ :‬الصّريح يصير كنايةً بالقرائن‬

‫اللّفظيّة ‪6 -‬‬

‫وقد ذكر هذه القاعدة ‪ -‬أيضا ‪ -‬الزّركشيّ في المنثور ‪ ،‬ولهذا لو قال لزوجته ‪ :‬أنت طالق‬ ‫من وثاق ‪ ،‬أو فارقتك بالجسم ‪ ،‬أو سرّحتك من اليد ‪ ،‬أو إلى السّوق لم تطلق ‪ ،‬فإنّ أوّل‬ ‫‪.‬‬

‫اللّفظ مرتبط بآخره ‪ ،‬وهو يضاهي الستثناء كما قال إمام الحرمين‬

‫ن السّؤال ل يلحق‬ ‫وممّا يعارض هذه القاعدة ‪ -‬كما ذكر الزّركشيّ في المنثور ‪ -‬قولهم ‪ :‬إ ّ‬ ‫الكناية بالصّريح ‪ ،‬إلّ في مسألة واحدة ‪ ،‬وهي ما لو قالت له زوجته ‪ -‬واسمها فاطمة ‪:‬‬ ‫طلّقني ‪ ،‬فقال ‪ :‬طلقت فاطمة ‪ ،‬ثمّ قال ‪ :‬نويت فاطمة أخرى طلقت ‪ ،‬ول يقبل لدللة الحال ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫بخلف ما لو قال ابتداءً ‪ :‬طلقت فاطمة ‪ ،‬ثمّ قال ‪ :‬نويت أخرى‬

‫القاعدة الثّالثة ‪ :‬الصّريح ل يحتاج إلى نيّة ‪ ،‬والكناية ل تلزم إ ّل‬ ‫‪.‬‬

‫بنيّة ‪7 -‬‬

‫وقد ذكر هذه القاعدة الزّركشيّ في المنثور ‪ ،‬والسّيوطيّ في الشباه‬

‫ن اللّفظ موضوع له فاستغنى‬ ‫ومعنى قولهم ‪ :‬الصّريح ل يحتاج إلى نيّة ‪ :‬أي نيّة اليقاع ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫عن النّيّة ‪ ،‬وأمّا قصد اللّفظ فيشترط لتخرج مسألة سبق اللّسان‬

‫ومن هاهنا ‪ :‬يفترق الصّريح والكناية ‪ ،‬فالصّريح يشترط فيه أمر واحد وهو قصد اللّفظ ‪،‬‬ ‫والكناية يشترط فيها أمران ‪ :‬قصد اللّفظ ‪ ،‬ونيّة اليقاع وينبغي أن يقال ‪ :‬أن يقصد حروف‬ ‫‪.‬‬

‫الطّلق للمعنى الموضوع له ‪ ،‬ليخرج ‪ :‬أنت طالق من وثاق‬

‫ويستثنى من قولهم الصّريح ‪ :‬ل يحتاج إلى نيّة كما ذكر السّيوطيّ في الشباه ‪ :‬قصد‬ ‫ن اللّفظ ساقط بالكراه ‪،‬‬ ‫ن فيه وجهين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ل يقع ‪ ،‬ل ّ‬ ‫المكره إيقاع الطّلق ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫والنّيّة ل تعمل وحدها ‪ .‬والصحّ ‪ :‬يقع لقصده بلفظه‬

‫وعلى هذا فصريح لفظ الطّلق عند الكراه كناية إن نوى وقع ‪ ،‬وإلّ فل‬

‫‪.‬‬

‫ويستثنى من قولهم ‪ :‬الكناية تحتاج إلى نيّة ما إذا قيل له ‪ :‬طلّقت ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ .‬فقيل ‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫يلزمه وإن لم ينو طلقا ‪ .‬وقيل ‪ :‬يحتاج إلى نيّة‬

‫القاعدة الرّابعة ‪ :‬الصّرائح تعمل بنفسها من غير استدعاء بل‬

‫خلف ‪8 -‬‬

‫وقد ذكر هذه القاعدة الزّركشيّ في المنثور ‪ ،‬ويستثنى منها مسألة واحدة ‪ ،‬وهي ‪ :‬ما إذا‬ ‫قيل للكافر ‪ :‬قل ‪ :‬أشهد أن ل إله إلّ اللّه ‪ .‬فقالها حكم بإسلمه بل خلف ‪ ،‬وإن قالها من‬ ‫‪.‬‬

‫غير استدعاء فوجهان ‪ :‬أصحّهما يحكم بإسلمه ‪ .‬ووجه المنع احتمال قصد الحكاية‬

‫القاعدة الخامسة ‪ :‬ك ّل ترجمة " عنوان " نصبت على باب من أبواب الشّريعة‬ ‫‪.‬‬

‫فالمشتقّ ‪9 -‬‬

‫منها صريح بل خلف‬

‫ي في الشباه ‪ ،‬ويستثنى منها‬ ‫وقد ذكر هذه القاعدة الزّركشيّ في المنثور ‪ ،‬والسّيوط ّ‬ ‫صحّة ‪ -‬والتّيمّم فإنّه ل يكفي فيه مجرّد النّيّة في‬ ‫الوضوء على وجه ‪ -‬والصحّ فيه ال ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الصحّ ‪ ،‬بل ل بدّ من ذكر الفرض ‪ .‬والشّركة ‪ :‬فإنّه ل يكفي فيها مجرّد ‪ :‬اشتركنا‬

‫‪.‬‬

‫والخلع ‪ :‬فإنّه ل يكون صريحا إلّ بذكر المال‬

‫القاعدة السّادسة ‪ :‬الصّريح في بابه إذا وجد نفاذا في موضوعه ل يكون كنايةً‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫في ‪10 -‬‬

‫غيره ‪ ،‬ومعنى وجد نفاذا ‪ :‬أي أمكن تنفيذه صريحا‬

‫وقد ذكر هذه القاعدة الزّركشيّ في المنثور ‪ ،‬وذكرها السّيوطيّ في الشباه‬

‫ومن فروع هذه القاعدة ‪ :‬الطّلق ‪ ،‬فإنّه ل يكون فسخا أو ظهارا بالنّيّة وبالعكس‬

‫ن كلّا منهما صريح في بابه ‪،‬‬ ‫ن الظّهار ل يكون طلقا أو فسخا بالنّيّة ‪ -‬أيضا ‪ ، -‬ل ّ‬ ‫أي ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ووجد نفاذا في موضوعه ‪ ،‬فل يكون كنايةً في غيره‬

‫ح ‪ ،‬لنّ البيع موضوع‬ ‫ومن فروعها ‪ -‬أيضا ‪ -‬ما لو قال في الجارة ‪ :‬بعتك منفعتها لم تص ّ‬ ‫لملك العيان فل يستعمل في المنافع ‪ ،‬كما ل ينعقد البيع بلفظ الجارة ‪ ،‬ويستثنى من هذه‬ ‫القاعدة صور ذكرها الزّركشيّ في قواعده ‪ ،‬وذكرها السّيوطيّ ‪ -‬أيضا ‪ -‬في الشباه نقلً‬ ‫ن الصّريح فيها لم يجد نفاذا‬ ‫عن الزّركشيّ واعترض على بعضها وقال ‪ :‬إنّها ل تستثنى ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪:‬‬

‫في موضوعه ‪ .‬ومن هذه الصّور ما يأتي‬

‫الولى ‪ :‬إذا جعلنا الخلع صريحا في الفسخ ‪ ،‬ففي كونه كنايةً في الطّلق ينقص به العدد إذا‬ ‫‪.‬‬

‫نوياه وجهان ‪ :‬أصحّهما من حيث النّقل يكون طلقا‬

‫الثّانية ‪ :‬لو قال لزوجته ‪ :‬أنت عليّ حرام ‪ ،‬ونوى الطّلق وقع ‪ ،‬مع أنّ التّحريم صريح في‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫إيجاب الكفّارة‬

‫الثّالثة ‪ :‬لو قال ‪ :‬بعتك نفسك بكذا ‪ .‬وقالت ‪ :‬اشتريت فكناية خلع‬

‫وقال السّيوطيّ في الشباه ‪ :‬إنّ هذه الصّورة ل تستثنى ‪ ،‬لنّ البيع فيها لم يجد نفاذا في‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫موضوعه‬

‫الرّابعة ‪ :‬لو قال ‪ :‬مالي طالق ‪ ،‬فإن لم ينو الصّدقة لم يلزمه شيء‬ ‫‪.‬‬

‫وإن نوى صدقة ماله فوجهان ‪ :‬أصحّهما يلزمه أن يقصد قربةً‬

‫وعلى هذا ‪ :‬فهل يلزمه أن يتصدّق بجميعه ‪ ،‬أو يتخيّر بين الصّدقة وكفّارة يمين واحدة ؟‬ ‫وجهان‬

‫‪.‬‬

‫ن الصّريح فيها لم يجد‬ ‫وذكر السّيوطيّ في الشباه ‪ :‬أنّ هذه المسألة ل تستثنى ‪ -‬أيضا ‪ -‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫نفاذا في موضوعه‬

‫الخامسة ‪ :‬أتى بلفظ الحوالة وقال ‪ :‬أردت التّوكيل ‪ :‬قبل عند الكثرين‬

‫السّادسة ‪ :‬لو راجع بلفظ النّكاح ‪ ،‬أو التّزويج فالصحّ أنّه كناية تنفذ بالنّيّة لشعاره‬ ‫بالمعنى‪ .‬السّابعة ‪ :‬إذا قال من ثبت له الفسخ ‪ :‬فسخت نكاحك وأطلق ‪ ،‬أو نواه حصل‬ ‫‪.‬‬

‫الفسخ‬

‫‪.‬‬

‫وإن نوى بالفسخ الطّلق طلقت في الصحّ ‪ .‬وعلى هذا يكون الفسخ كناي ًة في الطّلق‬

‫الثّامنة ‪ :‬قال ‪ :‬أعرتك حماري لتعيرني فرسك فإجارة فاسدة غير مضمونة ‪ ،‬وهذا تصريح‬ ‫‪.‬‬

‫بأنّ العارة كناية في عقد الجارة ‪ ،‬والفساد إنّما جاء من اشتراط العاريّة في العقد‬ ‫‪:‬‬

‫الصّريح في أبواب الفقه‬

‫قال السّيوطيّ في الشباه ‪ :‬اعلم أنّ الصّريح وقع في البواب كلّها ‪ ،‬وكذا الكناية ‪،‬‬

‫إلّ ‪11 -‬‬

‫في الخطبة ‪ .‬فلم يذكروا فيها كنايةً بل ذكروا التّعريض ‪ ،‬ول في النّكاح ‪ ،‬فلم يذكروا الكناية‬ ‫للتّفاق على عدم انعقاد النّكاح بالكناية ‪،‬ووقع الصّريح والكناية والتّعريض جميعا في‬ ‫‪.‬القذف‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫أ ‪ -‬البيع‬

‫صريح البيع في اليجاب ‪ :‬بعتك ‪ .‬وفي القبول ‪ :‬اشتريت‬

‫وقبلت ‪12 -‬‬

‫ن البيع ينعقد بكلّ ما يدلّ على الرّضا من قول‬ ‫وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ‬

‫كما اتّفقوا ‪ -‬أيضا ‪ -‬على أنّه ينعقد بلفظ الماضي ‪ ،‬وفي انعقاده بغير لفظ الماضي ‪،‬‬ ‫‪ ) .‬وبالفعل خلف ينظر في مصطلح ( بيع ف ‪-‬‬

‫ب ‪ -‬الوقف‬

‫‪:‬‬

‫‪10‬‬

‫‪-‬‬

‫‪21‬‬

‫من صريح لفظ الوقف عند الجمهور قول الشّخص ‪ :‬وقفت ‪ ،‬أو سبّلت ‪ ،‬أو حبست‬

‫‪-‬‬

‫‪22‬‬

‫كذا ‪13 -‬‬

‫ن هذه اللفاظ ثبت لها عرف الستعمال بين النّاس لهذا المعنى وانضمّ إلى ذلك‬ ‫على كذا ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬لعمر ‪ « :‬إن شئت حبست أصلها‬ ‫عرف الشّرع بقول النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وسبّلت ثمرتها » فصارت هذه اللفاظ في الوقف كلفظ التّطليق في الطّلق‬

‫وذهب بعض المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ هذه اللفاظ من كنايات الوقف ‪ ،‬كما ذهبوا إلى أنّ‬ ‫قوله ‪ :‬تصدّقت ‪ ،‬أو حرّمت ‪ ،‬أو أبّدت هذا المال على فلن إذا قيّد بلفظة أخرى ‪ ،‬كأن يقول‬ ‫‪ :‬تصدّقت صدقةً موقوف ًة ‪ ،‬أو محبّسةً ‪ ،‬أو مسبّلةً ‪ ،‬أو محرّم ًة ‪ ،‬أو مؤبّدةً ‪ ،‬أو إذا وصف‬ ‫الصّدقة بصفات الوقف ‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬تصدّقت صدقةً ل تباع ول توهب ول تورث تكون هذه‬ ‫الصّدقة وقفا صريحا بهذا القيد أو الوصف ‪ ،‬أمّا إذا لم يقيّدها بهذا القيد ‪ ،‬ولم يصفها بهذا‬ ‫‪.‬‬

‫الوصف فيكون الوقف كنايةً ‪ ،‬فيرجع في ذلك إلى النّيّة‬

‫ن الصّريح في الوقف ينقسم إلى ‪ :‬صريح بنفسه ‪ ،‬وصريح مع غيره ‪ ،‬وهو‬ ‫وبهذا يتّضح أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ل كما ذكر السّيوطيّ في الشباه نقلً عن السّبكيّ‬ ‫نوع غريب لم يأت مثله إلّ قلي ً‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫ج ‪ -‬الهبة‬

‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬وقف‬

‫ن قول المالك للموهوب له ‪ :‬وهبتك ‪ ،‬أو منحتك ‪ ،‬أو أعطيتك‬ ‫اتّفق الفقهاء على أ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ملّكتك ‪ ،‬أو جعلت هذا الشّيء لك ‪ :‬هو من صريح الهبة‬

‫وأمّا إذا قال ‪ :‬كسوتك هذا الثّوب ‪ ،‬أو حملتك على هذه الدّابّة فكناية‬ ‫‪.‬‬

‫وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في باب الهبة‬

‫د ‪ -‬الخِطبة‬

‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫أو ‪14 -‬‬

‫هي ‪ :‬التماس نكاح امرأة ‪ ،‬وتكون باللّفظ الصّريح أو‬

‫بالتّعريض ‪15 -‬‬

‫والمراد بالصّريح ‪ -‬هنا ‪ -‬التّعبير صراحةً عمّا في النّفس ‪ ،‬وهو بخلف التّعريض الّذي‬ ‫هو‪ :‬لفظ استعمل في معناه ليلوح بغيره ‪ .‬فمن صريح الخطبة أن يقول ‪ :‬أريد نكاحك إذا‬ ‫انقضت عدّتك ‪ ،‬وأمّا قوله ‪ :‬ربّ راغب فيك ‪ ،‬من يجد مثلك ؟ أنت جميلة ‪ ،‬إذا حللت‬ ‫‪.‬‬

‫فآذنيني‪ ،‬ل تبقين أيّما ‪ ،‬لست بمرغوب عنك ‪ ،‬إنّ اللّه سائق إليك خيرا ‪ :‬فكلّه تعريض‬

‫هـ ‪ -‬النّكاح‬

‫‪:‬‬

‫صريحه في اليجاب لفظ ‪ :‬التّزويج ‪ ،‬والنكاح ‪ .‬وفي القبول ‪ :‬قبلت نكاحها ‪،‬‬

‫أو ‪16 -‬‬

‫ن النّكاح ينعقد بلفظ ‪ :‬النكاح والتّزويج ‪ ،‬والجواب‬ ‫تزويجها ‪ ،‬أو تزوّجت ‪ ،‬أو نكحت ‪ .‬ثمّ إ ّ‬ ‫‪}.‬‬

‫ص الكتاب في قوله سبحانه ‪َ { :‬ز ّوجْنَا َكهَا‬ ‫عنهما إجماعا وهما اللّذان ورد بها ن ّ‬

‫ن ال ّنسَاء } وسواء اتّفقا من الجانبين ‪ ،‬أو‬ ‫وقوله سبحانه ‪َ { :‬ولَ تَن ِكحُواْ مَا َن َكحَ آبَا ُؤكُم مّ َ‬ ‫‪.‬‬

‫اختلفا مثل أن يقول ‪ :‬زوّجتك بنتي هذه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬قبلت هذا النّكاح ‪ ،‬أو هذا التّزويج‬

‫وفي انعقاده بغيرهما من اللفاظ كالهبة والصّدقة والبيع والتّمليك والجارة ‪ -‬وهي من‬ ‫‪.‬‬

‫ألفاظ الكناية عند من يقول بها خلف يذكره الفقهاء في النّكاح‬ ‫‪:‬‬

‫و ‪ -‬الخلع‬

‫ألفاظ الخلع تنقسم إلى ‪ :‬صريح ‪ ،‬وكناية ‪ ،‬فالصّريح لفظ الخلع والمفاداة‬ ‫‪).‬‬

‫لورود ‪17 -‬‬

‫المفاداة في القرآن الكريم ‪ .‬وتفصيل الصّريح والكناية ينظر في مصطلح ( خلع‬ ‫‪:‬‬

‫ز ‪ -‬الطّلق‬

‫اتّفق الفقهاء على أنّ صريح الطّلق هو لفظ الطّلق ومشتقّاته ‪ ،‬وكذلك ترجمته‬ ‫‪.‬‬

‫إلى ‪18 -‬‬

‫اللّغات العجميّة ‪ ،‬لنّ الطّلق وضع لحلّ قيد النّكاح خصّيصا ‪ ،‬ول يحتمل غيره‬

‫ن لفظي ‪ :‬الفراق والسّراح ‪ ،‬وما‬ ‫ي من الحنابلة إلى أ ّ‬ ‫وذهب الشّافعيّة في المشهور ‪ ،‬والخرق ّ‬ ‫تصرّف منهما من صريح الطّلق لورودهما بمعنى الطّلق في القرآن الكريم ‪ ،‬فقد ورد لفظ‬ ‫حكِيما } وفي‬ ‫ن الّلهُ وَاسِعا َ‬ ‫سعَ ِتهِ َوكَا َ‬ ‫ن الّلهُ كُلّ مّن َ‬ ‫الفراق في قوله تعالى ‪َ { :‬وإِن يَ َتفَرّقَا ُيغْ ِ‬ ‫ن ِب َمعْرُوفٍ } وورد لفظ السّراح في آيات منها قوله تعالى ‪ { :‬الطّلَقُ‬ ‫قوله ‪َ { :‬أوْ فَا ِرقُوهُ ّ‬

‫حسَانٍ } وقوله تعالى ‪َ { :‬وإِذَا طَّلقْ ُتمُ ال ّنسَاء فَبَ َلغْنَ‬ ‫ح بِ ِإ ْ‬ ‫ك ِب َمعْرُوفٍ َأوْ َتسْرِي ٌ‬ ‫َمرّتَانِ فَ ِإ ْمسَا ٌ‬ ‫‪}.‬‬

‫ن ِب َمعْرُوفٍ َأوْ سَ ّرحُو ُهنّ ِب َمعْرُوفٍ‬ ‫سكُوهُ ّ‬ ‫َأجَ َلهُنّ فَ َأ ْم ِ‬

‫ن الجمهور يرى أنّ لفظ الفراق ‪ ،‬ولفظ السّراح ليسا من صريح الطّلق ‪ ،‬لنّهما‬ ‫إلّ أ ّ‬ ‫جمِيعا َولَ‬ ‫صمُواْ ِبحَ ْب ِل الّلهِ َ‬ ‫يستعملن في غير الطّلق كثيرا ‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى ‪ { :‬وَاعْتَ ِ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫َتفَرّقُواْ ‪ . } ...‬ولذلك فهما من كنايات الطّلق‬

‫ح ‪ -‬الظّهار‬

‫ن اللّفظ الصّريح في الظّهار هو أن يقول الرّجل لزوجته ‪:‬‬ ‫اتّفق الفقهاء على ‪ :‬أ ّ‬

‫أنت ‪19 -‬‬

‫ن ُيظَا ِهرُونَ مِنكُم مّن ّنسَا ِئهِم مّا هُنّ ُأ ّمهَا ِت ِهمْ إِنْ‬ ‫ي كظهر أمّي لقوله تعالى ‪ { :‬الّذِي َ‬ ‫عل ّ‬ ‫ُأ ّمهَا ُتهُمْ إِلّا اللّائِي وَلَدْ َن ُهمْ } ‪ .‬ولحديث خولة امرأة أوس بن الصّامت ‪ ،‬حيث قال لها زوجها‬ ‫‪:‬‬

‫أوس‬

‫‪.‬‬

‫ي كظهر أمّي » وكذا قوله ‪ :‬أنت عندي أو معي أو منّي كظهر‬ ‫أنت عل ّ‬

‫أمّي «‬

‫‪.‬‬

‫ي كظهر أمّي‬ ‫وكذلك لو قال لزوجته ‪ :‬جسمك أو بدنك أو جملتك أو نفسك عل ّ‬

‫ومثل ذلك ‪ :‬ما لو شبّه زوجته بظهر من تحرم عليه من النّساء حرمةً مؤبّدةً ‪ ،‬كالجدّة‬ ‫والعمّة والخالة والخت وابنتها وبنت الخ فإنّه يكون ‪ -‬أيضا ‪ -‬صريحا في الظّهار عند‬ ‫الجمهور ‪ ،‬وهو قول الشّافعيّ في الجديد وأحد قولي القديم ‪ ،‬والقول الثّاني في القديم ‪ :‬أنّه‬ ‫ص بالمّ دون‬ ‫ل يكون ظهارا للعدول عن المعهود ‪ ،‬إذ اللّفظ الّذي ورد به القرآن مخت ّ‬ ‫‪).‬‬

‫غيرها من المحارم ‪ .‬وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في ( ظهار‬ ‫‪:‬‬

‫ط ‪ -‬القذف‬

‫امتازت صيغة القذف عن غيرها من الصّيغ بمجيء الصّريح والكناية والتّعريض‬

‫فيها‪20 - ،‬‬

‫فالقذف الصّريح المتّفق على صراحته من قبل العلماء هو أن يقول لرجل ‪ :‬زنيت ‪ ،‬أو يا‬ ‫زاني ‪ ،‬أو لمرأة ‪ :‬زنيت ‪ ،‬أو يا زانية فهذه اللفاظ ل تحتمل معنىً آخر غير القذف ‪ ،‬ومثل‬ ‫ذلك اللّفظ المركّب من النّون والياء والكاف ‪ ،‬وكذا ك ّل لفظ صريح في الجماع فإنّه يكون‬ ‫‪.‬‬

‫قذفا إذا انضمّ إليه وصف الحرمة ‪ ،‬وكذا نفي الولد عن أبيه بقوله ‪ :‬لست لبيك‬

‫ومن صريح القذف كما في الرّوضة ‪ :‬الرّمي بالصابة في الدّبر كقوله ‪ :‬لطت ‪ ،‬أو لط بك‬ ‫فلن ‪ ،‬سواء خوطب به رجل أو امرأة ‪ .‬وأمّا الرّمي بإتيان البهائم فقد ذكر النّوويّ في‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫الرّوضة أنّه قذف إن قلنا ‪ :‬يوجب الحدّ ‪ ،‬وإلّ فل‬

‫وأمّا الكناية ‪ :‬فكقوله للرّجل ‪ :‬يا فاجر ‪ ،‬وللمرأة ‪ :‬يا خبيثة‬

‫وأمّا التّعريض ‪ :‬فكقوله ‪ :‬أمّا أنا فلست بزان ‪ ،‬وأمّي ليست بزانية‬ ‫‪).‬‬

‫وتفصيل ذلك محلّه ( قذف‬

‫‪:‬‬

‫ك ‪ -‬النّذر‬

‫ن قول الشّخص ‪ :‬للّه عليّ نذر كذا من صريح النّذر واختلفوا‬ ‫اتّفق الفقهاء على أ ّ‬

‫في ‪21 -‬‬

‫ي كذا دون ذكر لفظ النّذر ‪ ،‬فذهب الجمهور إلى أنّه من صريح النّذر أيضا ‪،‬‬ ‫قوله ‪ :‬للّه عل ّ‬ ‫ويرى بعض الفقهاء ومنهم سعيد بن المسيّب والقاسم بن محمّد ‪ :‬أنّه ل بدّ من ذكر لفظ‬ ‫‪).‬‬

‫ح النّذر بدونه ‪ .‬والتّفصيل يذكره الفقهاء في ( نذر‬ ‫النّذر ‪ ،‬وأنّه ل يص ّ‬ ‫*‬

‫صَعِيد‬

‫*‬

‫صَغَائِر‬

‫انظر ‪ :‬تيمّم‬

‫‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫الصّغائر لغةً ‪ :‬من صغر الشّيء فهو صغير وجمعه صغار ‪ ،‬والصّغيرة صفة‬ ‫‪.‬‬

‫التّعريف‬

‫وجمعها ‪1 -‬‬

‫صغار أيضا ‪ ،‬ول تجمع على صغائر إلّ في الذّنوب والثام‬

‫أمّا اصطلحا ‪ :‬فقد اختلفت عبارات العلماء فيه فقال بعضهم ‪ :‬الصّغيرة ‪ -‬من الذّنوب ‪-‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫هي كلّ ذنب لم يختم بلعنة أو غضب أو نار‬

‫ومنهم من قال ‪ :‬الصّغيرة ما دون الحدّين حدّ الدّنيا ‪ ،‬وحدّ الخرة‬

‫ومنهم من قال ‪ :‬الصّغيرة هي ما ليس فيها حدّ في الدّنيا ول وعيد في الخرة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ومنهم من قال ‪ :‬الصّغيرة هي كلّ ما كره كراهة تحريم‬

‫اللفاظ ذات الصّلة‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫أ ‪ -‬الكبائر‬

‫الكبيرة في اللّغة ‪ :‬الثم وجمعها‬

‫كبائر ‪2 -‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬قال بعض العلماء ‪ :‬هي ما كان حراما محضا ‪ ،‬شرعت عليه عقوبة‬ ‫‪.‬‬

‫ص قاطع في الدّنيا والخرة‬ ‫محضة‪ ،‬بن ّ‬

‫وقيل ‪ :‬إنّها ما يترتّب عليها حدّ ‪ ،‬أو توعّد عليها بالنّار أو اللّعنة أو الغضب ‪ ،‬وهذا أمثل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫القوال‬

‫ب ‪ -‬اللّمم‬

‫واللّمم ‪ -‬بفتحتين ‪ -‬مقاربة المعصية ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هي الصّغائر ‪ ،‬أو هي فعل‬

‫الرّجل ‪3 -‬‬

‫الصّغيرة ثمّ ل يعاودها ‪ ،‬ويقال ‪ :‬أَلمّ بالذّنب فعله ‪ ،‬وأَلمّ بالشّيء قرب منه ‪ ،‬ويعبّر به عن‬ ‫ن كَبَائِ َر الْإِ ْثمِ وَالْ َفوَاحِشَ إِلّا الّل َممَ } وقال‬ ‫الصّغيرة ‪ .‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬الّذِينَ َيجْتَنِبُو َ‬ ‫‪.‬‬

‫بعضهم ‪ :‬اللّمم ‪ :‬هو ما دون الزّنى الموجب للحدّ ‪ ،‬من القبلة ‪ ،‬والنّظرة‬

‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫وقال آخرون ‪ :‬اللّمم هو صغائر الذّنوب‬

‫حكم الصّغائر‬

‫اختلف العلماء في انقسام الذّنوب إلى كبائر‬

‫وصغائر ‪4 -‬‬

‫فقال معظم علماء السّلف وجمهور الفقهاء ‪ :‬إنّ الذّنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر ‪ ،‬وأنّ‬ ‫ن عَ ْنهُ ُن َكفّ ْر عَنكُمْ‬ ‫الصّغائر تغفر باجتناب الكبائر لقوله تعالى ‪ { :‬إِن َتجْتَنِبُو ْا كَبَآئِرَ مَا تُ ْن َهوْ َ‬ ‫ن َيجْتَنِبُونَ كَبَائِ َر الْإِ ْثمِ وَا ْل َفوَاحِشَ ِإلّ‬ ‫سَيّئَا ِتكُمْ وَنُ ْدخِ ْلكُم مّ ْدخَلً كَرِيما } وقوله تعالى ‪ { :‬الّذِي َ‬ ‫ك وَاسِعُ ا ْل َم ْغفِرَةِ } ولقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬الصّلوات الخمس ‪،‬‬ ‫الّل َممَ إِنّ رَبّ َ‬ ‫‪».‬‬

‫ن إذا اجتنبت الكبائر‬ ‫والجمعة إلى الجمعة ‪ ،‬ورمضان إلى رمضان ‪ :‬مكفّرات ما بينه ّ‬

‫وقال بعضهم ‪ :‬إنّ الذّنوب والمعاصي كلّها كبائر ‪ ،‬وإنّما يقال لبعضها صغيرة بالضافة إلى‬ ‫‪.‬‬

‫ما هو أكبر منها‬

‫فالمضاجعة مع الجنبيّة كبيرة بالضافة إلى النّظرة ‪ ،‬صغيرة بالضافة إلى الزّنى ‪ .‬وقطع يد‬ ‫المسلم كبيرة بالضافة إلى ضربه ‪ ،‬صغيرة بالضافة إلى قتله ‪ ،‬كما صرّح الغزاليّ بذلك في‬ ‫‪.‬‬

‫الحياء‬

‫وقالوا ‪ :‬ل ذنب عندنا يغفر باجتناب آخر ‪ ،‬بل كلّ الذّنوب كبيرة ‪ ،‬ومرتكبها في المشيئة ‪،‬‬ ‫ك ِلمَن َيشَاء } ‪.‬‬ ‫ن ذَلِ َ‬ ‫ك ِبهِ وَ َي ْغفِرُ مَا دُو َ‬ ‫غير الكفر لقوله تعالى { إِنّ الّل َه لَ َي ْغفِرُ أَن ُيشْرَ َ‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من اقتطع‬ ‫ولحديث أبي أمامة رضي ال عنه أ ّ‬ ‫حقّ امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب اللّه له النّار وحرّم عليه الجنّة ‪ ،‬فقال له رجل ‪ :‬يا‬ ‫رسول اللّه وإن كان شيئا يسيرا ؟ قال ‪ :‬وإن قضيبا من أراك » فقد جاء الوعيد الشّديد‬ ‫على اليسير كما جاء على الكثير ‪ ،‬وممّن ذهب إلى هذا القاضي أبو بكر الطّيّب وأبو إسحاق‬ ‫‪.‬‬

‫السفرايينيّ وأبو المعالي وعبد الرّحيم القشيريّ وغيرهم‬

‫وذكر بعض العلماء أنواعا من صغائر الذّنوب منها ‪ :‬النّظر المحرّم ‪ ،‬والقبلة ‪ ،‬والغمزة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ولمس الجنبيّة‬

‫ق الشّرع ‪.‬‬ ‫ومنها ‪ :‬هجر المسلم فوق ثلثة أيّام ‪ ،‬وكثرة الخصومات إلّ إن راعى فيها ح ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬الشراف على بيوت النّاس ‪ ،‬والجلوس بين الفسّاق إيناسا لهم ‪ ،‬والغيبة لغير أهل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫العلم وحملة القرآن‬

‫وقد تعظم الصّغائر من الذّنوب ‪ ،‬فتصير كبيرةً لعدّة أسباب‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫منها ‪ :‬الصرار والمواظبة‬ ‫ومنها ‪ :‬أن يستصغر الذّنب‬

‫ومنها ‪ :‬السّرور بالصّغيرة والفرح والتّبجّح بها ‪ ،‬واعتداد التّمكّن من ذلك نعمة ‪ ،‬والغفلة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫عن كونه سبب الشّقاوة‬

‫والتّفاصيل في ‪ :‬مصطلح ( كبيرة ‪ ،‬وشهادة ‪ ،‬وعدالة ‪ ،‬ومعصية‬ ‫*‬

‫صِغَر‬

‫التّعريف‬

‫‪:‬‬

‫الصّغر في اللّغة ‪ :‬مأخوذ من صغر صغرا ‪ :‬قلّ حجمه أو سنّه فهو صغير ‪ ،‬والجمع‬ ‫‪.‬‬

‫صغار ‪ .‬وفيه ‪ -‬أيضا ‪ -‬الصغر اسم تفضيل‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫والصّغر ض ّد الكبر ‪ ،‬والصّغارة خلف ا ْلعِظَم‬

‫واصطلحا ‪ :‬هو وصف يلحق بالنسان منذ مولده إلى بلوغه الحلم‬ ‫‪:‬‬

‫اللفاظ ذات الصّلة‬

‫أ ‪ -‬الصّبا‬

‫‪:‬‬

‫يطلق الصّبا على معان عدّة منها ‪ :‬الصّغر والحداثة ‪ ،‬والصّبيّ الصّغير دون الغلم ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫أو ‪2 -‬‬

‫من لم يفطم بعد ‪ ،‬وفي لسان العرب ‪ :‬الصّبيّ منذ ولدته إلى أن يفطم‬ ‫‪.‬‬

‫وعلى هذا فالصّبا أخصّ من الصّغر‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫ب ‪ -‬التّمييز‬

‫هو أن يصير للصّغير وعي وإدراك يفهم به الخطاب‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫‪1-:‬‬

‫إجمالً ‪3 -‬‬

‫ج ‪ -‬المراهقة‬

‫ال ّرهَق ‪ :‬جهل في النسان وخفّة في عقله ‪ .‬يقال ‪ :‬فيه رهق أي حدّة‬ ‫‪.‬‬

‫وراهق الغلم ‪ :‬قارب الحلم‬ ‫د ‪ -‬ال ّرشَد‬

‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫ال ّرشَد ‪ :‬أن يبلغ الصّبيّ ح ّد التّكليف صالحا في دينه مصلحا‬ ‫‪:‬‬

‫مراحل الصّغر‬ ‫‪:‬‬

‫تنقسم مراحل الصّغر إلى‬ ‫‪.‬‬

‫المرحلة الولى ‪ :‬عدم التّمييز‬ ‫‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫مرحلتين ‪6 -‬‬

‫ب ‪ -‬مرحلة التّمييز‬

‫تبدأ هذه المرحلة منذ الولدة إلى‬

‫المرحلة الثّانية ‪ :‬مرحلة التّمييز‬

‫لماله ‪5 -‬‬

‫أ ‪ -‬مرحلة عدم التّمييز‬ ‫‪:‬‬

‫‪:‬‬

‫وخفّة ‪4 -‬‬

‫التّمييز ‪7 -‬‬

‫تبدأ هذه المرحلة منذ قدرة الصّغير على التّمييز بين الشياء ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬أن يكون‬

‫له ‪8 -‬‬

‫إدراك يفرّق به بين النّفع والضّرر‬

‫‪.‬‬

‫ن معيّنة يعرف بها ‪ ،‬ولكن تد ّل على التّمييز أمارات التّفتّح‬ ‫ن التّمييز ليس له س ّ‬ ‫ويلحظ ‪ :‬أ ّ‬ ‫والنّضوج ‪ ،‬فقد يصل الطّفل إلى مرحلة التّمييز في سنّ مبكّرة ‪ ،‬وقد يتأخّر إلى ما قبل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫البلوغ‪ ،‬وتنتهي هذه المرحلة بالبلوغ‬

‫أهليّة الصّغير‬

‫تنقسم أهليّة الصّغير إلى قسمين‬

‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬أهليّة وجوب‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ب ‪ -‬أهليّة أداءً‬

‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬أهليّة الوجوب‬

‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬أهليّة الداء‬

‫هي صلحية النسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه ‪ ،‬ومناطها النسانيّة‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫ويستوي في ذلك الصّغير والكبير‬

‫هي صلحية النسان لصدور الفعل عنه على وجه يعتدّ به شرعا ‪ ،‬ومناطها‬ ‫‪:‬‬ ‫‪).‬‬

‫التّمييز ‪10 -‬‬

‫أهليّة الصّغير المميّز‬

‫اختلف الفقهاء في مدى هذه الهليّة ‪ ،‬وتفصيل ذلك في ‪ :‬مصطلح (‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫‪9-،‬‬

‫أهليّة ‪11 -‬‬

‫أحكام تتعلّق بالصّغير‬

‫أوّلً ‪ -‬التّأذين في أذن المولود‬

‫يستحبّ الذان في أذن المولود اليمنى ‪ ،‬والقامة في أذنه اليسرى ‪ ،‬لما روى أبو‬

‫رافع ‪12 -‬‬

‫ي حين ولدته‬ ‫أنّه قال ‪ « :‬رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أذّن في أذن الحسين بن عل ّ‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تحنيك المولود‬

‫فاطمة » انظر مصطلح ( أذان‬

‫يستحبّ تحنيك المولود ‪ ،‬والتّحنيك ‪ :‬هو دلك حنك المولود بتمرة ممضوغة ‪،‬‬

‫ومن ‪13 -‬‬

‫الحاديث الّتي استدلّ بها الفقهاء على استحباب التّحنيك ‪ ،‬ما روى أنس « أنّ أمّ سليم‬ ‫ولدت غلما ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال لي أبو طلحة ‪ :‬احفظه حتّى تأتي به النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬ ‫فأتيته به ‪ -‬وأرسل معي بتمرات ‪ -‬فأخذها النّبيّ صلى ال عليه وسلم فمضغها ‪ ،‬ثمّ أخذها‬ ‫)‬

‫ي وحنّكه به وسمّاه ‪ :‬عبد اللّه » ‪ .‬انظر ‪ ( :‬تحنيك‬ ‫من فيه فجعلها في في الصّب ّ‬ ‫‪:‬‬

‫ثالثا ‪ -‬تسمية المولود‬

‫تستحبّ تسميته باسم مستحبّ ‪ ،‬لما رواه سمرة عن رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫‪».‬‬

‫وسلم ‪14 -‬‬

‫«أنّه قال ‪ :‬الغلم مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السّابع ‪ ،‬ويسمّى ويحلق رأسه‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫رابعا ‪ -‬عقيقة المولود‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫انظر ‪ ( :‬تسمية‬

‫العقيقة لغةً ‪ :‬معناها‬

‫القطع ‪15 -‬‬

‫وشرعا ‪ :‬ما يذبح عن المولود شكرا للّه تعالى‬

‫وذلك لما رواه البخاريّ في صحيحه عن سلمان بن عامر الضّبّيّ قال ‪ :‬قال رسول اللّه‬ ‫‪».‬‬

‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬مع الغلم عقيقة فأهريقوا عنه دما ‪ ،‬وأميطوا عنه الذى‬

‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أمرهم عن الغلم‬ ‫ولما روته عائشة رضي ال عنها « أ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫‪ :‬شاتان متكافئتان ‪ ،‬وعن الجارية شاة‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫واختلف الفقهاء في حكمها‬

‫ي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجماعة إلى استحبابها‬ ‫فذهب مالك والشّافع ّ‬

‫ن العقيقة نسخت بالضحيّة ‪ ،‬فمن شاء فعل ‪ ،‬ومن شاء لم يفعل‬ ‫وقال الحنفيّة ‪ :‬إ ّ‬

‫خامسا ‪ :‬الختان‬

‫‪:‬‬

‫ن الختان سنّة في حقّ الرّجال‬ ‫ذهب الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬وأحمد في رواية عنه إلى أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫‪16 - ،‬‬

‫ن الختان واجب على الرّجال والنّساء‬ ‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬في المعتمد ‪ -‬إلى أ ّ‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪).‬‬

‫حقوق الصّغير‬

‫من حقوق الصّغير ما يأتي‬

‫أ ‪ -‬أن ينسب إلى أبيه ‪ ،‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح (‬ ‫‪).‬‬

‫‪).‬‬

‫انظر ‪ ( :‬ختان‬

‫نسب ‪17 -‬‬

‫ب ‪ -‬أن ينفق عليه ‪ ،‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( نفقة‬

‫ج ‪ -‬تعليمه وتأديبه ‪ ،‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلحي ‪ ( :‬تعليم ‪ ،‬وتأديب‬ ‫‪:‬‬

‫ما يتعلّق بذمّه الصّغير ماليّا‬

‫يتعلّق بذمّته ما يلي ‪ :‬قيمة المتلفات ‪ ،‬والنّفقة الواجبة عليه ‪ ،‬والعشر ‪ ،‬والخراج‬

‫‪18 - ،‬‬

‫وزكاة المال ‪ ،‬وصدقة الفطر ‪ ،‬والضحيّة ‪ ،‬على تفصيل وخلف ينظر في المصطلحات‬ ‫‪.‬‬

‫ي أو الوصيّ بتنفيذ هذه اللتزامات من مال الصّغير‬ ‫الخاصّة بها ‪ ،‬ويطالب الول ّ‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫الولية على الصّغير‬

‫الولية في اللّغة ‪ :‬القيام بالمر أو عليه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هي النّصرة‬

‫والمعونة ‪19 -‬‬

‫ن الولية ‪ :‬هي سلطة شرعيّة يتمكّن بها صاحبها من القيام‬ ‫والّذي يفهم من كلم الفقهاء أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫على شؤون الصّغار الشّخصيّة والماليّة‬

‫وتبدأ الولية الشّرعيّة على الصّغير منذ ولدته إلى أن يبلغ رشيدا ‪ ،‬ومن هذا يتبيّن أنّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫الولية تكون على الصّغير غير المميّز وعلى الصّغير المميّز‬

‫وبالجملة فالولية واجبة لمصلحة كلّ قاصر ‪ ،‬سواء كان صغيرا أو غير صغير‬ ‫‪:‬‬

‫أقسام الولية‬

‫تنقسم الولية بحسب السّلطة المخوّلة للوليّ إلى قسمين ‪ :‬ولية على النّفس ‪ ،‬وولية على‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬الولية على النّفس‬

‫يقوم الوليّ بمقتضاها بالشراف على شؤون الصّغير الشّخصيّة ‪ ،‬مثل ‪ :‬التّأديب‬

‫المال‬

‫والتّعليم ‪20 -‬‬

‫والتّطبيب إلى آخر ما يتعلّق بذلك من أمور ‪ ،‬وكذا تزويج الصّغير والصّغيرة ‪ ،‬فالتّزويج من‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫باب الولية على النّفس‬

‫ب ‪ -‬الولية على المال‬

‫يقوم الوليّ بمقتضاها بالشراف على شؤون الصّغير الماليّة ‪ :‬من إنفاق ‪ ،‬وإبرام‬ ‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫عقود ‪21 -‬‬

‫‪ ،‬والعمل على حفظ ماله واستثماره وتنميته‬

‫وللفقهاء خلف وتفصيل في تقسيم الولياء ومراتبهم ‪ ،‬ينظر في مصطلح ‪ ( :‬ولية‬ ‫‪:‬‬

‫تأديب الصّغار وتعليمهم‬

‫يجب على الوليّ تأديب الصّغار بالداب الشّرعية ‪ ،‬الّتي تغرس في نفس الطفل‬

‫الخلق ‪22 -‬‬

‫الكريمة والسّلوك القويم ‪ ،‬كالمر بأداء الصّلة وغيرها مما هو في طوقه ‪ :‬ينظر التفصيل‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫تطبيب الصّغير‬

‫في ‪ ( :‬تأديب ‪ ،‬تعليم‬

‫ن هذه الشياء من‬ ‫ي على النّفس ولية علج الصّغير وتطبيبه وختانه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫للول ّ‬

‫أهمّ ‪23 -‬‬

‫المور اللّزمة للصّغار لتعلقها بصحته ويتحقق هذا بالذن للطبيب في تقديم العلج اللّزم‬ ‫‪.‬‬

‫للصّغار ‪ ،‬والذن في إجراء العمليات الجراحية لهم‬

‫ي على النّفس ‪ ،‬وليس للوليّ على المال ذلك ‪ ،‬فلو أذن الوليّ‬ ‫قال الفقهاء ‪ :‬هذا خاصّ بالول ّ‬ ‫على المال للطبيب بإجراء عمليّة للصّغير فهلك ‪ ،‬فعلى الوليّ الدّية لتعديه ‪ ،‬أما إن كانت‬ ‫ي على النّفس‬ ‫هناك ضرورة ملحّة في إجراء العمليّة لنقاذ حياة الصّغير ‪ ،‬وتغيّب الول ّ‬ ‫ن إنقاذ‬ ‫فللوليّ على المال الذن في إجراء العمليّة ‪ ،‬أو ليّ أحد من عموم المسلمين ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الدميّ واجب على كلّ مسلم ‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫تصرّفات الوليّ الماليّة‬

‫اتّفق الفقهاء على أنّ الوليّ يتصرّف وجوبا في مال الصّغير بمقتضى المصلحة‬ ‫‪}.‬‬

‫وعدم ‪24 -‬‬

‫حسَنُ‬ ‫الضّرر ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ { :‬و َل َتقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ ِإلّ بِالّتِي هِيَ َأ ْ‬

‫خوَا ُنكُمْ وَالّلهُ‬ ‫ن ُتخَا ِلطُو ُهمْ فَ ِإ ْ‬ ‫ن الْيَتَامَى ُق ْل إِصْلَحٌ ّل ُهمْ خَ ْيرٌ َوإِ ْ‬ ‫وقال سبحانه ‪ { :‬وَ َيسْأَلُونَكَ عَ ِ‬ ‫‪}.‬‬

‫َيعْ َلمُ ا ْلمُ ْفسِدَ ِمنَ ا ْلمُصْ ِلحِ‬

‫ن الغنيّ ل يأكل من مال اليتيم ‪ ،‬وللفقير أن يأكل بالمعروف من غير‬ ‫كما أنّهم اتّفقوا على أ ّ‬ ‫ن غَنِيّا فَلْ َيسْ َت ْعفِفْ َومَن كَانَ َفقِيرا فَلْيَ ْأ ُكلْ بِا ْل َمعْرُوفِ } ‪.‬‬ ‫إسراف لقوله تعالى ‪َ { :‬ومَن كَا َ‬ ‫وروى الشّيخان عن عائشة ‪ « :‬أنّها نزلت في مال اليتيم إذا كان فقيرا ‪ ،‬أنّه يأكل منه مكان‬ ‫قيامه عليه بالمعروف » ‪ .‬وورد « أنّ رجلً سأل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال ‪:‬‬ ‫إنّي فقير ليس لي شيء ‪ ،‬ولي يتيم ؟ قال ‪ :‬كل من مال يتيمك غير مسرف ‪ ،‬ول مباذر ‪،‬‬ ‫ول متأثّل ‪ ،‬ول تخلط مالك بماله » ‪ .‬وفي المسألة خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ‪:‬‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫( ولية‬

‫أحكام الصّغير في العبادات‬ ‫‪:‬‬

‫الطّهارة‬

‫تجب الطّهارة على ك ّل من وجبت عليه الصّلة إذا تحقّق سببها ‪ ،‬أمّا الصّغير فل‬ ‫‪.‬‬

‫تجب ‪25 -‬‬

‫عليه الطّهارة ‪ ،‬وإنّما يأمره الوليّ بها أمر تأديب وتعليم‬ ‫‪:‬‬

‫بول الصّغير‬

‫ن بولهما‬ ‫اتّفق الفقهاء على أنّ الصّغير والصّغيرة إذا أكل الطّعام وبلغا عامين فإ ّ‬

‫نجس ‪26 -‬‬

‫كنجاسة بول الكبير ‪ ،‬يجب غسل الثّوب إذا أصابه هذا البول ‪ ،‬والدّليل على نجاسة البول ما‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬استنزهوا من البول ‪ ،‬فإنّ عامّة عذاب القبر‬ ‫روي عن النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫منه‬

‫أمّا بول الصّغير والصّغيرة إذا لم يأكل الطّعام ‪ ،‬وكانا في فترة الرّضاعة ‪ ،‬فعند الحنفيّة‬ ‫‪.‬‬

‫والمالكيّة ‪ :‬أنّه كغيره من النّجاسات في وجوب التّطهّر منه ‪ ،‬لعموم الحديث السّابق‬

‫إلّ أنّ المالكيّة قالوا ‪ :‬يعفى عمّا يصيب ثوب المرضعة أو جسدها من بول أو غائط الطّفل ‪،‬‬ ‫سواء أكانت أمّه أم غيرها ‪ ،‬إذا كانت تجتهد في درء النّجاسة عنها حال نزولها ‪ ،‬بخلف‬ ‫‪.‬‬

‫المفرّطة ‪ ،‬لكن يندب غسله إن كثر‬

‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى التّفريق بين بول الصّغير والصّغيرة ‪ ،‬فإذا أصاب الثّوب بول‬ ‫الصّغير اكتفى بنضحه بالماء ‪ ،‬وإذا أصاب الثّوب بول الصّغيرة وجب غسله ‪ ،‬لحديث « أمّ‬ ‫قيس بنت محصن أنّها ‪ :‬أتت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل‬

‫الطّعام ‪ ،‬فبال في حجر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فدعا رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫ل » ولحديث ‪ « :‬يغسل من بول الجارية‬ ‫وسلم بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله غس ً‬ ‫‪.‬‬

‫ش من بول الغلم‬ ‫وير ّ‬

‫وكلّ ما ذكر من اتّفاق واختلف بين الفقهاء في بول الصّغير والصّغيرة ‪ ،‬ينطبق تماما على‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫قيء الصّغير والصّغيرة‬

‫أذان الصّبيّ‬

‫اتّفق الفقهاء على عدم صحّة أذان الصّبيّ غير المميّز ‪ ،‬لنّه ل يدرك ما يفعله ‪،‬‬ ‫‪:‬‬

‫ثمّ ‪27 -‬‬

‫ي المميّز‬ ‫اختلفوا في أذان الصّب ّ‬

‫ح أذانه إلّ إذا اعتمد على بالغ في إخباره بدخول الوقت فإن أذّن‬ ‫فقال المالكيّة ‪ :‬ل يص ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫الصّغير بل اعتماد على بالغ وجب على البالغين إعادة الذان‬

‫ح أذان الصّبيّ المميّز ‪ .‬وينظر التّفصيل في ‪ ( :‬أذان‬ ‫أمّا عند الجمهور ‪ :‬فيص ّ‬

‫صلة الصّغير‬

‫‪:‬‬

‫ل تجب الصّلة على الصّبيّ لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬رفع القلم عن ثلثة ‪:‬‬

‫عن ‪28 -‬‬

‫المجنون المغلوب على عقله حتّى يفيق ‪ ،‬وعن النّائم حتّى يستيقظ ‪ ،‬وعن الصّبيّ حتّى‬ ‫‪» .‬يحتلم‬ ‫ولكن يؤمر الصّغير ذكرا كان أو أنثى بالصّلة تعويدا له إذا بلغ سبع سنين ‪ ،‬ويضرب عليها‬ ‫لعشر سنين ‪ ،‬زجرا له لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬مروا أولدكم بالصّلة وهم أبناء‬ ‫‪».‬‬

‫سبع سنين ‪ ،‬واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ‪ ،‬وفرّقوا بينهم في المضاجع‬ ‫‪:‬‬

‫عورة الصّغير‬

‫من شروط صحّة الصّلة ستر العورة ‪ ،‬ولقد تكلّم الفقهاء عن تحديد عورة الكبار‬

‫من ‪29 -‬‬

‫الرّجال والنّساء وكيفيّة سترها ‪ ،‬كما تكلّموا عن تحديد عورة الصّغار من الذّكور والناث‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫في الصّلة وخارجها‬

‫ولقد اختلف الفقهاء في تحديد عورة الصّغار وفيما يلي بيان أقوالهم من خلل مذاهبهم‬

‫أ ّولً ‪ -‬الحنفيّة‬

‫‪:‬‬

‫ل عورة للصّغير الّذي لم يبلغ أربع سنين ‪ ،‬فيباح النّظر إلى بدنه ومسّه ‪ ،‬أمّا من بلغ أربعا‬ ‫فأكثر ‪ ،‬ولم يشته فعورته القبل والدّبر ‪ ،‬ثمّ تغلظ عورته إلى عشر سنين ‪ .‬أي تعتبر عورته‬ ‫‪ :‬الدّبر وما حوله من الليتين ‪ ،‬والقبل وما حوله ‪ .‬وبعد العاشرة ‪ :‬تعتبر عورته من‬ ‫السّرّة إلى الرّكبة كعورة البالغ في الصّلة وخارجها ‪ ،‬إذا كان ذكرا ‪ .‬وإن كانت أنثى بالغةً‬ ‫‪.‬‬

‫فجسدها كلّه عورة إلّ الوجه والكفّين وباطن القدمين‬

‫‪:‬‬

‫ثانيا ‪ -‬المالكيّة‬

‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬في الصّلة‬

‫‪:‬‬

‫يفرّق المالكيّة بين الذّكر والنثى‬

‫عورة الصّغير المأمور بالصّلة ‪ ،‬وهو بعد تمام السّبع هي ‪ :‬السّوأتان ‪ ،‬والليتان ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫والعانة ‪ ،‬والفخذ ‪ ،‬فيندب له سترها كحالة السّتر المطلوب من البالغ‬

‫وعورة الصّغيرة المأمورة بالصّلة ‪ :‬ما بين السّرّة والرّكبة ‪ ،‬ويندب لها سترها كالسّتر‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫المطلوب من البالغة‬

‫ب ‪ -‬خارج الصّلة‬

‫ابن ثمان سنين فأقلّ ل عورة له ‪ ،‬فيجوز للمرأة النّظر إلى جميع بدنه وتغسيله ميّتا‬

‫وابن تسع إلى اثنتي عشرة سنةً يجوز لها النّظر إلى جميع بدنه ‪ ،‬ولكن ل يجوز تغسيله ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وابن ثلث عشرة سنةً فأكثر عورته كعورة الرّجال‬

‫وبنت سنتين وثمانية أشهر ل عورة لها وبنت ثلث سنين إلى أربع ل عورة لها في‬ ‫النّظر ‪ ،‬فينظر إلى بدنها ولها عورة في المسّ ‪ ،‬فليس للرّجل أن يغسّلها ‪ ،‬والمشتهاة بنت‬ ‫‪.‬‬

‫سبع سنوات ل يجوز للرّجل النّظر إلى عورتها ‪ ،‬ول تغسيلها‬ ‫‪:‬‬

‫ثالثا ‪ -‬الشّافعيّة‬

‫‪:‬‬

‫رابعا ‪ -‬الحنابلة‬

‫عورة الصّغير ولو غير مميّز كالرّجل " ما بين السّرّة والرّكبة " ‪ ،‬وعورة الصّغيرة كالكبيرة‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫أيضا في الصّلة وخارجها‬

‫ل عورة للصّغير الّذي لم يبلغ سبع سنين ‪ ،‬فيباح النّظر إليه ومسّ جميع بدنه‬ ‫‪.‬‬

‫وابن سبع إلى عشر عورته الفرجان فقط ‪ ،‬في الصّلة وخارجها‬

‫وبنت سبع إلى عشر ‪ :‬عورتها في الصّلة ما بين السّرّة والرّكبة ‪ ،‬ويستحبّ لها الستتار‬ ‫وستر الرّأس كالبالغة احتياطا ‪ ،‬وأمام الجانب ‪ :‬عورتها جميع بدنها إ ّل الوجه ‪ ،‬والرّقبة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫والرّأس ‪ ،‬واليدين إلى المرفقين ‪ ،‬والسّاق ‪ ،‬والقدم ‪ .‬وبنت عشر كالكبيرة تماما‬ ‫‪:‬‬

‫انعقاد الجماعة والمامة بالصّغير‬

‫ذهب الحنفيّة والشّافعيّة وأحمد ‪ -‬في إحدى الرّوايتين عنه ‪ -‬إلى انعقاد الجماعة‬

‫بإمام ‪30 -‬‬

‫ي في التّهجّد‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم أمّ ابن عبّاس وهو صب ّ‬ ‫وصبيّ فرضا ونفلً ‪ « ،‬لنّ النّب ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫أمّا عند المالكيّة ‪ ،‬والرّواية الثّانية عن أحمد ‪ :‬فل تنعقد الجماعة بصغير في فرض‬

‫أمّا إمامة الصّغير المميّز فقد اختلف الفقهاء في حكمها ‪ .‬وينظر التّفصيل في ‪ ( :‬إمامة‬

‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫غسل المولود والصّلة عليه‬

‫اتّفق الفقهاء على وجوب غسل الصّغير إن ولد حيّا ثمّ‬ ‫‪).‬‬

‫وينظر ‪ :‬التّفصيل في ( تغسيل الميّت ‪ ،‬استهلل‬

‫الزّكاة في مال الصّبيّ‬

‫‪:‬‬

‫مات ‪31 -‬‬

‫اختلف الفقهاء في هذه المسألة ‪ :‬فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى وجوبها‬ ‫‪.‬‬

‫في ‪32 -‬‬

‫مال الصّغير مطلقا‬

‫وذهب الحنفيّة ‪ :‬إلى وجوبها في مال الصّغير إذا كان المال زروعا وثمارا وعدم وجوبها‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫في بقيّة أمواله‬

‫صوم الصّغير‬

‫ن الصّوم عبادة فيها مشقّة عظيمة‬ ‫ل يجب الصّوم إلّ ببلوغ الصّغير والصّغيرة ‪ ،‬ل ّ‬

‫على ‪33 -‬‬

‫الصّغار ‪ ،‬ولم يكلّفوا بأدائها شرعا لعدم صلحيتهم لذلك ‪ ،‬فإن صام الصّغير صحّ صومه‪،‬‬ ‫وينبغي للوليّ أن يأمره بالصّوم إذا بلغ سبع سنوات ‪ ،‬ويضربه إذا بلغ عشر سنوات لكي‬ ‫يعتاد على الصّوم ‪ ،‬بشرط أن يكون الصّغير يتحمّل أداء الصّوم بل مشقّة ‪ ،‬فإن كان ل‬ ‫‪).‬‬

‫يطيقه فل يجب على وليّه أمره بالصّوم ‪ .‬وينظر التّفصيل في ‪ ( :‬صوم‬ ‫‪:‬‬

‫حجّ الصّبيّ‬

‫ح‬ ‫ج غير واجب على الصّبيّ وإن كان مستطيعا إلّ أنّه يص ّ‬ ‫ن الح ّ‬ ‫اتّفق الفقهاء على أ ّ‬ ‫‪).‬‬

‫منه ‪34 -‬‬

‫ويقع نفلً ‪ ،‬ول يجزئ عن حجّة السلم ‪ ( .‬ينظر التّفصيل في حجّ‬ ‫‪:‬‬

‫يمين الصّغير ونذره‬

‫ي ول نذره ‪ ،‬لنّه غير مكلّف ‪ ،‬يستوي في هذا الحكم الصّبيّ‬ ‫ل ينعقد يمين الصّب ّ‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫المميّز ‪35 -‬‬

‫وغير المميّز ‪ .‬انظر ‪ ( :‬أيمان ‪ ،‬ونذر‬

‫استئذان الصّغير‬

‫ذهب الجمهور ‪ :‬عبد اللّه بن عبّاس ‪ ،‬وعبد اللّه بن مسعود ‪ ،‬وعطاء بن أبي رباح‬

‫‪36 - ،‬‬

‫وطاوس بن كيسان ‪ ،‬والحنفيّة ‪ ،‬والمالكيّة وغيرهم " إلى وجوب أمر الصّغير المميّز‬ ‫بالستئذان قبل الدّخول ‪ ،‬في الوقات الثّلثة الّتي هي مظنّة كشف العورات ‪ ،‬لنّ العادة‬ ‫‪.‬‬

‫جرت بتخفّف النّاس فيها من الثّياب‬

‫ول حرج عليه في ترك الستئذان في غير هذه الوقات الثّلثة ‪ ،‬لما في ذلك من الحرج في‬ ‫طوّافين‬ ‫الستئذان عند كلّ خروج ودخول ‪ .‬والصّغير ممّن يكثر دخوله وخروجه ‪ ،‬فهو من ال ّ‬ ‫ن مَ َلكَتْ أَ ْيمَا ُن ُكمْ وَالّذِينَ َلمْ يَ ْبُلغُوا‬ ‫ن آمَنُوا لِ َيسْتَأْذِن ُكمُ الّذِي َ‬ ‫‪ .‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِي َ‬

‫ظهِيرَ ِة َومِن َبعْدِ‬ ‫ن ثِيَا َبكُم مّنَ ال ّ‬ ‫ضعُو َ‬ ‫ث مَرّاتٍ مِن قَ ْبلِ صَلَا ِة ا ْل َفجْرِ َوحِينَ تَ َ‬ ‫ا ْلحُُلمَ مِن ُكمْ ثَلَا َ‬ ‫ضكُمْ‬ ‫طوّافُونَ عَلَ ْيكُم َبعْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ح َبعْدَهُ ّ‬ ‫س عَلَ ْي ُكمْ وَلَا عَلَ ْي ِهمْ جُنَا ٌ‬ ‫عوْرَاتٍ ّل ُكمْ لَيْ َ‬ ‫صَلَاةِ ا ْل ِعشَاء َثلَاثُ َ‬ ‫‪}.‬‬

‫حكِيمٌ‬ ‫علِيمٌ َ‬ ‫ت وَالّلهُ َ‬ ‫ك يُبَيّنُ الّل ُه َل ُكمُ الْآيَا ِ‬ ‫عَلَى َبعْضٍ كَذَلِ َ‬

‫ن استئذان هؤلء في هذه الوقات الثّلثة مندوب غير واجب ‪ ،‬فكان‬ ‫وذهب أبو قلبة إلى أ ّ‬ ‫‪".‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫يقول ‪ " :‬إنّما أمروا بهذا نظرا لهم‬

‫أحكام الصّغير في المعاملت‬

‫أ ‪ -‬وقت تسليم الصّغير أمواله‬

‫ن اللّه تعالى‬ ‫اتّفق الفقهاء على أنّه ل تسلّم للصّغير أمواله حتّى يبلغ راشدا ‪ ،‬ل ّ‬

‫علّق ‪37 -‬‬

‫دفع المال إليه على شرطين ‪ :‬هما البلوغ ‪ ،‬والرّشد في قوله تعالى ‪ { :‬وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَ ّتىَ‬ ‫إِذَا بَ َلغُواْ ال ّنكَاحَ فَإِنْ آ َنسْتُم مّ ْن ُهمْ ُرشْدا فَادْ َفعُواْ إِلَ ْي ِهمْ َأ ْموَا َل ُهمْ } والحكم المعلّق على شرطين‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ل يثبت بدونهما‬

‫فإذا بلغ الصّغير فإمّا أن يبلغ رشيدا أو غير رشيد‬

‫فإن بلغ رشيدا مصلحا للمال دفع إليه ماله ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فَإِنْ آ َنسْتُم مّ ْن ُهمْ ُرشْدا فَا ْد َفعُواْ‬ ‫إِلَ ْي ِهمْ َأ ْموَا َلهُمْ } وفي سنن أبي داود ‪ « :‬ل يُتْم بعد احتلم » ‪ .‬وإذا دفع إليه ماله أشهد‬ ‫‪}.‬‬

‫شهِدُواْ عَلَ ْي ِهمْ‬ ‫عليه عند الدّفع لقوله تعالى ‪ { :‬فَإِذَا َد َفعْتُ ْم إِلَ ْيهِمْ َأ ْموَا َل ُهمْ فَ َأ ْ‬ ‫‪).‬‬

‫وللصّغيرة أحكام من حيث وقت ترشيدها وينظر في ‪ ( :‬حجر ‪ ،‬ورشد‬

‫وإن بلغ الصّغير غير رشيد فل تسلّم إليه أمواله بل يحجر عليه بسبب السّفه‬

‫باتّفاق ‪38 -‬‬

‫ج َعلَ الّلهُ َلكُمْ قِيَاما وَارْزُقُو ُهمْ‬ ‫س َفهَاء َأ ْموَا َل ُكمُ الّتِي َ‬ ‫المذاهب ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ { :‬و َل ُتؤْتُواْ ال ّ‬ ‫‪}.‬‬

‫فِيهَا وَا ْكسُو ُهمْ َوقُولُواْ َل ُهمْ َق ْولً ّمعْرُوفا‬

‫ن أبا حنيفة قال ‪ :‬يستم ّر الحجر على البالغ غير الرّشيد إلى بلوغه خمسا وعشرين‬ ‫إلّ أ ّ‬ ‫ن في الحجر عليه بعد هذه السّنّ إهدارا لكرامته‬ ‫سنةً ثمّ يسلّم إليه ماله ولو لم يرشد ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪}.‬‬

‫حسَنُ حَتّى يَبُْلغَ َأشُدّهُ‬ ‫ي َأ ْ‬ ‫النسانيّة ولقوله تعالى { َولَ َتقْرَبُواْ مَا َل الْيَتِيمِ ِإلّ بِالّتِي هِ َ‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫وتمام هذه المسألة يعرف في مصطلح ‪ ( :‬حجر ‪ ،‬ورشد‬

‫ب ‪ -‬الذن للصّغير بالتجارة‬

‫اتّفق الفقهاء على اختبار المميّز في التّصرفات ‪ ،‬لمعرفة رشده ‪ ،‬لقوله تعالى ‪:‬‬

‫{ ‪39 -‬‬

‫وَابْتَلُوا اليَتَامَى } أي اختبروهم ‪ ،‬واختباره بتفويض التّصرفات الّتي يتصرف فيها أمثاله ‪،‬‬ ‫فإن كان من أولد التّجار اختبر بالمماكسة في البيع والشّراء ‪ ،‬وإن كان من أولد الزّراع‬ ‫اختبر بالزّراعة ‪ ،‬وإن كان من أولد أصحاب الحرف اختبر بالحرفة ‪ ،‬والمرأة تختبر في‬ ‫‪.‬‬

‫شئون البيت من غزل وطهي طعام وصيانته وشراء لوازم البيت ونحوها‬

‫‪.‬‬

‫واختلفوا في إذن الوليّ للصّغير بالتّجارة وفي أثر الذن على التّصرفات‬

‫قال الحنفيّة والمالكيّة ‪ -‬في المعتمد عندهم ‪ -‬والحنابلة ‪ -‬في الرواية الرّاجحة ‪ -‬يجوز‬ ‫ي المال الذن للصّغير في التّجارة إذا أنس منه الخبرة لتدريبه على طرق المكاسب ‪،‬‬ ‫لول ّ‬ ‫لقوله تعالى ‪ { :‬وَابْتَلُوا اليَتَامَى } أي اختبروهم لتعلموا رشدهم ‪ ،‬وإنّما يتحقق الختبار‬ ‫بتفويض التّصرف إليهم في البيع والشّراء ‪ ،‬ولنّ المميّز عاقل محجور عليه فيرتفع حجره‬ ‫بإذن وليّه ‪ ،‬ويصح تصرفه بهذا الذن فلو تصرف بل إذن لم يصح عند الحنابلة ‪ -‬في‬ ‫‪.‬‬

‫إحدى الروايات عنهم ‪ -‬ولم ينفذ عند المالكيّة والحنفيّة والرواية الخرى عند الحنابلة‬

‫والذن عند الحنفيّة والمالكيّة قد يكون صريحا ‪ ،‬مثل ‪ :‬أذنت لك في التّجارة ‪ ،‬أو دللة كما‬ ‫ن سكوته دليل الرضا ‪ ،‬ولو لم يعتبر سكوته لدى إلى‬ ‫لو رآه يبيع ويشتري فسكت ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الضرار بمن يعاملونه‬

‫‪.‬‬

‫ن سكوته محتمل للرضا‬ ‫وقال الحنابلة وزفر ‪ -‬من الحنفيّة ‪ : -‬ل يثبت الذن بالدللة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ولعدم الرضا‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ليجوز الذن له في التّجارة ‪ ،‬وإنّما يسلّم إليه المال ويمتحن في المماكسة‬ ‫ي ع نه ‪ ،‬ل نّ ت صرفاته وعقوده باطلة لعدم توا فر الع قل الكا في‬ ‫‪ .‬فإذا أراد الع قد ع قد الول ّ‬ ‫لتقد ير الم صلحة في مباشرة التّ صرف ‪ ،‬فل يث بت له أحكام العقلء ق بل وجود مظنّة كمال‬ ‫العقل ‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الوصيّة من الصّغير‬

‫اتّفق الحنفيّة والشّافعيّة ‪ - :‬في أرجح القولين عندهم ‪ -‬على اشتراط البلوغ‬

‫لصحّة ‪40 -‬‬

‫الوصيّة ‪ ،‬فل تصحّ وصيّة الصّبيّ المميّز وغير المميّز ‪ ،‬ولو كان مميّزا مأذونا له في‬ ‫التّجارة ‪ ،‬لنّ الوصيّة من التّصرّفات الضّارّة ضررا محضا ‪ ،‬إذ هي تبرّع ‪ ،‬كما أنّها ليست‬ ‫‪.‬‬

‫من أعمال التّجارة‬

‫وأجاز الحنفيّة وصيّة المميّز وهو من أتمّ السّابعة إذا كانت لتجهيزه وتكفينه ودفنه ‪ ،‬لنّ‬ ‫ي من غسّان له عشر سنين أوصى لخواله ‪ ،‬ولنّه ل‬ ‫عمر رضي ال عنه أجاز وصيّة صب ّ‬ ‫ن المال سيبقى على ملكه مدّة حياته وله الرّجوع‬ ‫ي في جواز وصيّته ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ضرر على الصّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫عن وصيّته‬

‫وأجاز المالكيّة والحنابلة وصيّة المميّز ‪ ،‬وهو ابن عشر سنين فأقلّ ممّا يقاربها ‪ ،‬دون غير‬ ‫المميّز ‪ ،‬إذا عقل المميّز القربة ‪ ،‬لنّها تصرّف يحقّق نفعا له في الخرة بالثّواب ‪ ،‬فصحّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫قبول الصّغير للوصيّة‬

‫منه كالسلم والصّلة‬

‫ق القبول‬ ‫ن الموصى له إن كان صغيرا غير مميّز فليس له ح ّ‬ ‫اتّفق الفقهاء على أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫أو ‪41 -‬‬

‫الرّدّ ‪ ،‬لنّ عبارته ملغاة ‪ ،‬وإنّما يقبل عنه وليّه أو يردّ عنه‬

‫ي المميّز ‪ -‬فقال الحنفيّة ‪ :‬له القبول ‪ ،‬لنّ‬ ‫واختلف الفقهاء في ناقص الهليّة ‪ -‬وهو الصّب ّ‬ ‫الوصيّة نفع محض له كالهبة والستحقاق في الوقف ‪ ،‬وليس له ول لوليّه الرّ ّد ‪ ،‬لنّه‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ضرر محض فل يملكونه‬

‫وقال الجمهور ‪ :‬أمر القبول والرّدّ عن ناقص الهليّة لوليّه يفعل ما فيه المصلحة‬ ‫‪:‬‬

‫تزويج الصّغير‬

‫للصّغير سواء كان ذكرا أو أنثى الزّواج قبل البلوغ ‪ ،‬ولكن ل يباشر عقد الزّواج‬

‫بنفسه ‪42 -‬‬

‫‪ ،‬بل يقوم وليّه بمباشرة العقد وتزويجه ‪ ،‬فإن كان المزوّج ذكرا يجب على وليّه تزويجه‬ ‫بمهر المثل ‪ ،‬وإن كانت أنثى زوّجت من إنسان صالح يحافظ عليها ويدبّر شؤونها ‪ .‬انظر‬ ‫‪):‬‬ ‫‪:‬‬

‫طلق الصّغير‬

‫مصطلح ‪ ( :‬نكاح‬

‫ح طلق‬ ‫الطّلق رفع قيد الزّواج ويترتّب عليه التزامات ماليّة ‪ ،‬فلذلك ل يص ّ‬

‫الصّبيّ ‪43 -‬‬

‫مميّزا أو غير مميّز ‪ ،‬وأجاز الحنابلة طلق مميّز يعقل الطّلق ولو كان دون عشر سنين ‪،‬‬ ‫بأن يعلم أنّ زوجته تبين منه وتحرّم عليه إذا طلّقها ‪ ،‬ويصحّ توكيل المميّز في الطّلق‬ ‫ح منه مباشرة شيء ‪ ،‬صحّ أن يوكّل وأن يتوكّل فيه ‪ ،‬ول يصحّ‬ ‫ن من ص ّ‬ ‫وتوكّله فيه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫عند الفقهاء أن يطلّق الوليّ على الصّبيّ بل عوض لنّ الطّلق ضرر‬ ‫‪:‬‬

‫عدّة الصّغيرة من طلق أو وفاة‬

‫العدّة واجبة على كلّ امرأة فارقها زوجها بطلق أو وفاة ‪ ،‬كبير ًة أو صغيرةً ‪ ،‬ولمّا‬

‫كان ‪44 -‬‬

‫ح إيقاع الطّلق عليها ‪ ،‬فإذا طلقت الصّغيرة فإنّ العدّة تلزمها ‪،‬‬ ‫زواج الصّغيرة جائزا ص ّ‬ ‫ن بعض الصّحابة سألوا‬ ‫وتعتدّ ثلثة أشهر إن كانت العدّة من طلق ‪ .‬والدّليل على ذلك ‪ « :‬أ ّ‬ ‫ن مِنَ‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن عدّة الصّغيرات فنزل قوله تعالى ‪ { :‬وَاللّائِي يَ ِئسْ َ‬ ‫‪}».‬‬

‫شهُ ٍر وَاللّائِي َل ْم َيحِضْنَ‬ ‫ن ارْتَبْ ُتمْ َفعِدّ ُتهُنّ َثلَا َثةُ َأ ْ‬ ‫ض مِن ّنسَا ِئ ُكمْ إِ ِ‬ ‫ا ْل َمحِي ِ‬

‫فقوله تعالى ‪ { :‬وَاللّائِي َلمْ َيحِضْنَ } محمول على الصّغيرات فتكون عدّتهنّ ثلثة أشهر ‪،‬‬ ‫وهذا باتّفاق الفقهاء ‪ .‬وإن كانت العدّة من وفاة ‪ :‬تكون أربعة أشهر وعشرا بدليل قوله‬ ‫‪}.‬‬

‫عشْرا‬ ‫شهُ ٍر وَ َ‬ ‫سهِنّ أَرْ َب َعةَ َأ ْ‬ ‫ن بِأَن ُف ِ‬ ‫ن أَ ْزوَاجا يَتَرَبّصْ َ‬ ‫ن مِن ُكمْ وَيَذَرُو َ‬ ‫تعالى‪ { :‬وَالّذِينَ يُ َتوَ ّفوْ َ‬

‫فقوله تعالى ‪ { :‬أَ ْزوَاجا } لفظ عا ّم يشمل الكبيرات والصّغيرات ‪ ،‬فتكون عدّة الصّغيرات‬ ‫ق النّفقة والسّكنى على زوجها المطلّق على‬ ‫أربعة أشهر وعشرا ‪ .‬وللصّغيرة في العدّة ح ّ‬ ‫‪).‬‬

‫تفصيل في المذاهب يعرف في مصطلح ‪ ( :‬عدّة‬

‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫قضاء الصّغير‬

‫اتّفق الفقهاء على عدم صحّة تولية الصّغير القضاء ‪ ،‬وبالتّالي ل يصحّ‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫قضاؤه ‪45 -‬‬

‫انظر ‪ ( :‬قضاء‬

‫شهادة الصّغير‬

‫ل ‪46 -‬‬

‫يشترط أن يكون الشّاهد عاقلً بالغا باتّفاق الفقهاء ‪ ،‬فل تقبل شهادة الطّفل ‪ ،‬لنّه‬

‫تحصل الثّقة بقوله ‪ ،‬ول تقبل شهادة الصّغير غير البالغ ‪ ،‬لنّه ل يتمكّن من أداء الشّهادة‬ ‫‪}.‬‬

‫شهِيدَيْنِ من ّرجَا ِلكُمْ‬ ‫شهِدُواْ َ‬ ‫على الوجه المطلوب ‪ ،‬ولقوله تعالى ‪ { :‬وَاسْتَ ْ‬

‫شهَدَاء } والصّغير‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن مِ َ‬ ‫ضوْ َ‬ ‫ي عَ ْدلٍ مّن ُكمْ } وقوله ‪ِ { :‬ممّن تَرْ َ‬ ‫شهِدُوا َذ َو ْ‬ ‫وقوله ‪َ { :‬وَأ ْ‬ ‫‪.‬‬

‫ن الصّغير ل يأثم بكتمان الشّهادة ‪ ،‬فد ّل على أنّه ليس بشاهد‬ ‫ممّن ل ترضى شهادته ‪ ،‬ول ّ‬ ‫وأمّا شهادة الصّبيان بعضهم على بعض فتجوز عند المام مالك في الجراح ‪ ،‬وفي القتل ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫أحكام الصّغير في العقوبات‬ ‫‪:‬‬

‫خلفا لجمهور الفقهاء‬

‫لقد قسّم الفقهاء مراحل الصّغر إلى قسمين‬

‫رئيسيّين ‪47 -‬‬

‫الوّل ‪ :‬الصّغير غير المميّز وهذا ل تطبّق عليه عقوبة من العقوبات البدنيّة أصلً ‪ ،‬لنعدام‬ ‫‪.‬‬

‫مسئوليّته‬

‫ي المميّز ل تطبّق عليه الحدود والقصاص ‪ ،‬ولكن يؤدّب على ما ارتكب بما‬ ‫الثّاني ‪ :‬الصّب ّ‬ ‫يتناسب مع صغر سنّه ‪ ،‬بالتّوبيخ والضّرب غير المتلف أمّا إذا ارتكب الصّغير فعلً من شأنه‬ ‫إتلف مال الغير ‪ ،‬وجب عليه ضمان ما أتلفه من ماله ‪ ،‬وكذا لو قتل إنسانا خطأً وجبت‬ ‫‪.‬‬

‫الدّية في ماله ‪ ،‬هذا هو المبدأ العامّ الّذي يحدّد علقة الصّغار بالعقوبات‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬جناية ‪ -‬دية ‪ -‬قصاص‬

‫حقّ الصّغير في استيفاء القصاص‬

‫حقّ استيفاء القصاص يثبت لولياء المقتول " ورثته " والولياء قد يكونون جماع ًة ‪،‬‬

‫أو ‪48 -‬‬

‫يكون واحدا منفردا ‪ ،‬والجماعة قد يكونون جميعا كبارا ‪ ،‬أو كبارا وصغارا ‪ .‬والواحد‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫المنفرد قد يكون كبيرا أو صغيرا‬

‫أ ّولً ‪ -‬إذا كان وليّ الدّم صغيرا منفردا‬

‫اختلف الفقهاء في انتظار بلوغه ‪ :‬فعند الحنفيّة روايتان إحداهما ‪ :‬ينتظر بلوغه‬ ‫‪.‬‬

‫‪49 - .‬‬

‫والثّانية ‪ :‬يستوفي القاضي القصاص نياب ًة عن الصّغير‬

‫ي الصّغير أو وصيّه النّظر بالمصلحة في استيفاء‬ ‫أمّا عند المالكيّة ‪ :‬ل ينتظر البلوغ ‪ ،‬ولول ّ‬ ‫‪.‬‬

‫القصاص أو في أخذ الدّية كاملةً‬

‫ن القصاص للتّشفّي ‪ ،‬فحقّه التّفويض‬ ‫وقال الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬ينتظر بلوغ الصّغير ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ي أو حاكم أو بقيّة الورثة‬ ‫إلى اختيار المستحقّ ‪ ،‬فل يحصل المقصود باستيفاء غيره من ول ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ثانيا ‪ -‬إذا كان الصّغير مشتركا مع جماعة كبار‬

‫فللكبار استيفاء القصاص عند أبي حنيفة ومالك ‪ ،‬ول ينتظر بلوغ الصّغير لثبوت حقّ‬ ‫القصاص للورثة ابتداءً على سبيل الكمال والستقلل ‪ ،‬ولنّ القصاص حقّ ل يتجزّأ ‪،‬‬ ‫‪).‬‬

‫لثبوته بسبب ل يتجزّأ ‪ ،‬وهو القرابة ‪ .‬انظر ‪ ( :‬قصاص‬ ‫*‬

‫صغير‬ ‫‪.‬‬

‫*‬

‫صفا‬

‫*‬

‫صفّ‬

‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬صغر‬

‫انظر ‪ :‬سعي‬

‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫الصّفّ في اللّغة ‪ :‬السّطر المستقيم من كلّ شيء ‪ ،‬والقوم المصطفّون وجعل الشّيء‬

‫‪1--‬‬

‫ب الّذِينَ‬ ‫ن الّلهَ ُيحِ ّ‬ ‫كالنّاس والشجار ونحو ذلك ‪ -‬على خطّ مستو ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬إِ ّ‬ ‫ف الجيش عدوّه ‪ :‬قاتله صفوفا ‪،‬‬ ‫ن مّرْصُوصٌ } وصا ّ‬ ‫صفّا كَأَ ّنهُم بُنيَا ٌ‬ ‫ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِي ِل ِه َ‬ ‫‪.‬‬

‫ف القوم ‪ :‬وقفوا صفوفا متقابل ًة ‪ .‬ول يخرج معناه الصطلحيّ عن معناه اللّغويّ‬ ‫وتصا ّ‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫صفّ‬ ‫الحكام المتعلّقة بال ّ‬

‫صفّ في صلة الجماعة‬ ‫أوّلً ‪ :‬تسوية ال ّ‬

‫ب تسوية الصّفوف في صلة الجماعة بحيث ل يتقدّم‬ ‫ذهب الجمهور إلى أنّه يستح ّ‬

‫بعض ‪2 -‬‬

‫ف على سمت واحد مع التّراصّ ‪،‬‬ ‫المصلّين على البعض الخر ‪ ،‬ويعتدل القائمون في الصّ ّ‬ ‫وهو تلصق المنكب بالمنكب ‪ ،‬والقدم بالقدم ‪ ،‬والكعب بالكعب حتّى ل يكون في الصّفّ خلل‬ ‫ب للمام أن يأمر بذلك لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬سوّوا صفوفكم‬ ‫ول فرجة ‪ ،‬ويستح ّ‬ ‫ن تسوية الصّفوف من إقامة‬ ‫ن تسوية الصّفّ من تمام الصّلة » ‪ .‬وفي رواية ‪ « :‬فإ ّ‬ ‫فإ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ف من حسن الصّلة‬ ‫ن إقامة الصّ ّ‬ ‫الصّلة » وفي رواية ‪ « :‬وأقيموا الصّفّ فإ ّ‬

‫ولما رواه أنس رضي ال عنه قال ‪ « :‬أقيمت الصّلة فأقبل علينا رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫‪».‬‬

‫وسلم بوجهه فقال ‪ :‬أقيموا صفوفكم ‪ ،‬وتراصّوا فإنّي أراكم من وراء ظهري‬

‫‪».‬‬

‫وفي رواية ‪ « :‬وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه‬

‫وذهب بعض العلماء ‪ -‬منهم ابن حجر وبعض المحدّثين ‪ -‬إلى وجوب تسوية الصّفوف‬ ‫ن ورود‬ ‫ن اللّه بين وجوهكم » فإ ّ‬ ‫لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالف ّ‬ ‫هذا الوعيد دليل على وجوب التّسوية ‪ ،‬والتّفريط فيها حرام ‪ ،‬ولمره صلى ال عليه وسلم‬ ‫‪.‬‬

‫بذلك وأمره للوجوب ما لم يصرفه صارف ‪ ،‬ول صارف هنا‬

‫ف واجبة فصلة من خالف ولم يسوّ‬ ‫ي ‪ :‬ومع القول بأنّ تسوية الصّ ّ‬ ‫قال ابن حجر العسقلن ّ‬ ‫‪.‬‬

‫صحيحة ‪ ،‬ويؤيّد ذلك ‪ :‬أنّ أنسًا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصّلة‬

‫ف الوّل فالوّل ‪ ،‬وأن ل يشرع في إنشاء الصّفّ‬ ‫ومن تسوية الصّفوف إكمال الصّ ّ‬

‫الثّاني ‪3 -‬‬

‫إلّ بعد كمال الوّل ‪ ،‬وهكذا ‪ .‬وهذا موضع اتّفاق الفقهاء لقوله صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬ ‫‪».‬‬ ‫‪».‬‬

‫ف المقدّم ثمّ الّذي يليه ‪ ،‬فما كان من نقص فليكن في الصّفّ المؤخّر‬ ‫أتمّوا الصّ ّ‬

‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من وصل صفّا وصله اللّه ومن قطع صفّا قطعه اللّه‬

‫وعليه فل يقف في صفّ وأمامه صفّ آخر ناقص أو فيه فرجة ‪ ،‬بل يشقّ الصّفوف لسدّ‬ ‫‪.‬‬

‫الخلل أو الفرجة الموجودة في الصّفوف الّتي أمامه ‪ ،‬للحاديث السّابقة‬ ‫‪.‬‬

‫ي اصطفّا خلفه‬ ‫فإذا حضر مع المام رجلن أو أكثر ‪ ،‬أو رجل وصب ّ‬

‫ولو حضر معه رجلن وامرأة اصطفّ الرّجلن خلفه والمرأة خلفهما ‪ ،‬ولو اجتمع الرّجال‬ ‫والنّساء والصّبيان والصّبيّات المراهقات وأرادوا أن يصطفّوا للجماعة وقف الرّجال في‬ ‫ف أو صفّين أو صفوف ممّا يلي المام ‪ ،‬ث ّم الصّبيان بعدهم ‪ ،‬وفي وجه عند الشّافعيّة‬ ‫ص ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ي ليتعلّم أفعال الصّلة‬ ‫يقف بين كلّ رجلين صب ّ‬

‫ثمّ يقف النّساء ول فرق عند المالكيّة والشّافعيّة بين الكبيرة والصّبيّة المراهقة‬

‫أمّا الحنفيّة والحنابلة فيرون أنّ الصّبيّات المراهقات يقفن وراء النّساء الكبيرات‬

‫ويتقدّم بالنّسبة لهؤلء جميعا في الصّفوف الول الفضل فالفضل لما رواه أبو مسعود‬ ‫رضي ال عنه قال ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يمسح مناكبنا في الصّلة‬ ‫ويقول ‪ :‬استووا ول تختلفوا فتختلف قلوبكم ‪ ،‬ليلينّي منكم أولو الحلم والنّهى ‪ ،‬ثمّ الّذين‬ ‫يلونهم ‪ ،‬ثمّ الّذين يلونهم » ‪ .‬ولما رواه عبد الرّحمن بن غنم من حديث أبي مالك الشعريّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬فأقام الصّلة وصفّ الرّجال‬ ‫قال ‪ « :‬أل أحدّثكم بصلة النّب ّ‬ ‫وصفّ خلفهم الغلمان ثمّ صلّى بهم ‪ ،‬فذكر صلته ثمّ قال ‪ :‬هكذا صلة ‪ .‬قال عبد العلى ‪-‬‬ ‫‪».‬‬

‫راوي الحديث‪ : -‬ل أحسبه إلّ قال ‪ :‬صلة أمّتي‬

‫وإن لم يحضر مع المام إلّ جمع من النّساء صفّهنّ خلفه ‪ ،‬وكذا الثنتان والواحدة ‪.‬‬

‫يتمـ الوّل ‪ ،‬وأن‬ ‫الصـفّ أن تسـدّ الفرج والخلل ‪ ،‬وأن ل يشرع فـي صـفّ حتّى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومـن أدب‬ ‫ف إذا كا نت هناك سعة ‪ ،‬ويقف المام وسط ال صّفّ والم صلّون‬ ‫يف سح ل من ير يد دخول ال صّ ّ‬ ‫خلفه لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬وسّطوا المام وسدّوا الخلل » ‪.‬‬ ‫ومقا بل المام أف ضل من الجوا نب ‪ ،‬وج هة يم ين المام أف ضل من ج هة ي ساره لقوله صلى‬ ‫ن اللّه وملئكته يصلّون على ميامن الصّفوف » ‪.‬‬ ‫ال عليه وسلم ‪ « :‬إ ّ‬ ‫‪:‬‬

‫صفّ الوّل‬ ‫فضل ال ّ‬

‫غيرهم ‪4 -‬‬

‫اتّفق الفقهاء على أنّ أفضل صفوف الرّجال ‪ -‬سواء كانوا يصلّون وحدهم أو مع‬

‫من الصّبيان والنّساء ‪ -‬هو الصّفّ الوّل ‪ ،‬ثمّ الّذي يليه ‪ ،‬ثمّ القرب فالقرب ‪ ،‬وكذا أفضل‬ ‫‪.‬‬

‫صفوف النّساء إذا لم يكن معهنّ رجال‬

‫أمّا النّساء مع الرّجال فأفضل صفوفهنّ آخرها ‪ ،‬لنّ ذلك أليق وأستر لقوله صلى ال عليه‬ ‫وسلم ‪ « :‬خير صفوف الرّجال أوّلها وشرّها آخرها ‪ ،‬وخير صفوف النّساء آخرها وشرّها‬ ‫أوّلها » ‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬لو يعلم النّاس ما في النّداء والصّفّ الوّل ثمّ لم‬ ‫‪».‬‬

‫يجدوا إلّ أن يستهموا عليه لستهموا‬

‫قال العلماء ‪ :‬من فوائد الحثّ على الصّفّ الوّل المسارعة إلى خلص ال ّذمّة‬

‫والسّبق ‪5-‬‬

‫لدخول المسجد ‪ ،‬والفرار من مشابهة المنافقين ‪ ،‬والقرب من المام ‪ ،‬واستماع قراءته‬ ‫والتّعلّم منه والفتح عليه والتّبليغ عنه ومشاهدة أحواله ‪ ،‬والسّلمة من اختراق المارّة بين‬ ‫يديه ‪ ،‬وسلمة البال من رؤية من يكون أمامه وسلمة موضع سجوده من أذيال المصلّين ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫والتّعرّض لصلة اللّه وملئكته ‪ ،‬ودعاء نبيّه صلى ال عليه وسلم وغير ذلك‬

‫ن‬ ‫ف الوّل فذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫ولكن العلماء اختلفوا في المراد من الصّ ّ‬

‫الصّفّ ‪6-‬‬

‫الوّل الممدوح الّذي وردت الحاديث بفضله هو الصّفّ الّذي يلي المام سواء تخلّله منبر أو‬ ‫مقصورة أو أعمدة أو نحوها ‪ ،‬وسواء جاء صاحبه مقدّما أو مؤخّرا لقوله صلى ال عليه‬ ‫ف المقدّم لكانت قرعة » ‪ ،‬ولقوله صلى ال عليه وسلم‬ ‫وسلم ‪ « :‬لو يعلمون ما في الصّ ّ‬ ‫عندما رأى في أصحابه تأخّرا ‪ « :‬تقدّموا فائتمّوا بي وليأتمّ بكم من بعدكم ‪ ،‬ل يزال قوم‬ ‫‪».‬‬

‫يتأخّرون حتّى يؤخّرهم اللّه‬

‫ن الصّفّ الوّل الفاضل هو أوّل صفّ تامّ يلي‬ ‫وذهب بعض العلماء ومنهم الغزاليّ إلى أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ن ما فيه خلل فهو ناقص‬ ‫المام ول يتخلّله شيء ممّا ذكر ‪ ،‬ل ّ‬

‫ن المطلق ينصرف إلى الكامل ‪،‬‬ ‫ي ‪ :‬وكأنّ صاحب هذا القول لحظ أ ّ‬ ‫قال ابن حجر العسقلن ّ‬ ‫واستدلّ أصحاب هذا القول بما رواه أصحاب السّنن من حديث عبد الحميد بن محمود قال ‪:‬‬

‫{ « صلّينا خلف أمير من المراء فاضطرّنا النّاس فصلّينا بين السّاريتين ‪ ،‬فلمّا صلّينا قال‬ ‫‪».‬‬

‫أنس بن مالك كنّا نتّقي هذا على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬

‫ن المراد بالصّفّ‬ ‫وذهب بعض العلماء الخرين ومنهم بشر بن الحارث وابن عبد البرّ إلى أ ّ‬ ‫الوّل هو من سبق إلى مكان الصّلة وجاء أ ّولً وإن صلّى في آخر الصّفوف ‪ ،‬واحتجّوا‬ ‫باتّفاق العلماء على أنّ من جاء أوّل الوقت ولم يدخل في الصّفّ الوّل أفضل ممّن جاء في‬ ‫‪.‬‬

‫آخر الوقت وزاحم إلى الصّفّ الوّل‬

‫ن صاحب هذا القول لحظ المعنى في تفضيل‬ ‫ي ‪ -‬أيضا ‪ : -‬وكأ ّ‬ ‫قال ابن حجر العسقلن ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الصّفّ الوّل دون مراعاة لفظه‬

‫صفّ في القتال مع الكفّار‬ ‫الفرار من ال ّ‬

‫اتّفق العلماء على أنّه يحرم على من لزمه الجهاد ‪ -‬وهو المسلم الذّكر الح ّر‬

‫المكلّف ‪7 -‬‬

‫المستطيع ‪ -‬النصراف عن الصّفّ عند التقاء صفوف المسلمين والكفّار ‪ ،‬وإن غلب على‬ ‫ظنّه أنّه إن ثبت قتل لقوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا َلقِيتُ ُم الّذِينَ َكفَرُواْ َزحْفا فَلَ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم عدّ التّولّي يوم الزّحف من‬ ‫ُتوَلّو ُهمُ الَدْبَا َر } الية ‪ ،‬ولنّ « النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫السّبع الموبقات‬

‫وذلك بشرط أن ل يزيد عدد الكفّار على مثلي المسلمين ‪ ،‬بأن كانوا مثلهم أو أقلّ لقوله‬ ‫تعالى‪ { :‬فَإِن َيكُن مّنكُم مّ َئةٌ صَا ِبرَةٌ َيغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ } ‪ ،‬إلّ أن يكون متحرّفا لقتال أو متحيّزا‬ ‫إلى فئة من المسلمين ينضمّ إليهم محاربا لقوله تعالى ‪َ { :‬ومَن ُيوَّل ِهمْ َي ْومَئِذٍ دُ ُبرَهُ ِإلّ‬ ‫‪}.‬‬

‫س ا ْلمَصِيرُ‬ ‫جهَ ّنمُ وَبِئْ َ‬ ‫ن الّلهِ َومَ ْأوَاهُ َ‬ ‫مُ َتحَرّفا ّلقِتَالٍ َأوْ مُ َتحَيّزا إِلَى فِ َئةٍ َفقَدْ بَاء ِبغَضَبٍ مّ َ‬ ‫‪.‬‬

‫فإن زاد عدد الكفّار عن مثلي المسلمين جاز النصراف عن الصّفّ‬ ‫‪:‬‬

‫صفّ في صلة الجنازة‬ ‫ال ّ‬

‫ن « النّبيّ صلى‬ ‫ف في الصّلة على الجنازة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫قال الفقهاء ‪ :‬يستحبّ تسوية الصّ ّ‬

‫ال ‪8 -‬‬

‫ف بهم وكبّر‬ ‫عليه وسلم نعى النّجاشيّ في اليوم الّذي مات فيه وخرج إلى المصلّى فص ّ‬ ‫‪».‬أربعا‬ ‫ن أبا بكّار الحكم بن فرّوخ قال ‪ :‬صلّى بنا أبو المليح على جنازة فظننّا أنّه قد كبّر‬ ‫وورد أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫فأقبل علينا بوجهه فقال ‪ :‬أقيموا صفوفكم ولتحسن شفاعتكم‬

‫ب أن ل تنقص الصّفوف عن ثلثة لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من صلّى عليه‬ ‫كما يستح ّ‬ ‫ثلثة صفوف فقد أوجب » وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ما من ميّت يصلّى عليه أمّة من‬ ‫‪».‬‬

‫المسلمين يبلغون مائةً كلّهم يشفعون له إلّ شفّعوا فيه‬

‫فإن كان وراء المام أربعة جعلهم صفّين في كلّ صفّ رجلين ‪ ،‬وإذا كانوا سبعةً أقاموا‬ ‫ثلثة صفوف يتقدّم واحد منهم إماما وثلثة بعده واثنان بعدهم وواحد بعدهما ‪ ،‬لما روي‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم صلّى على جنازة فكانوا سبعةً فجعل الصّفّ الوّل ثلثةً‬ ‫من « أنّ النّب ّ‬ ‫والثّاني اثنين والثّالث واحدا » ‪ .‬إلّ أنّ بعض العلماء كره أن يكون الواحد صفّا ‪ ،‬كما‬ ‫‪.‬‬

‫ل واحدا‬ ‫كرهوا إذا كانوا ثلثةً أن يجعلوا ثلثة صفوف بحيث يكون ك ّل صفّ رج ً‬ ‫‪).‬‬

‫أمّا مسألة صفّ الموتى إذا اجتمعوا فينظر في مصطلح ‪ ( :‬جنائز‬ ‫*‬

‫صِفَة‬ ‫‪:‬‬

‫الصّفة لغةً ‪ :‬الحلية ‪ ،‬قال اللّيث ‪ :‬الوصف ‪ :‬وصفك الشّيء بحليته ونعته ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫التّعريف‬

‫واتّصف ‪1 -‬‬

‫الشّيء ‪ :‬أمكن وصفه‬

‫والصّفة في اصطلح أهل النّحو ‪ :‬هي السم الدّالّ على بعض أحوال الذّات ‪ ،‬وذلك نحو ‪:‬‬ ‫طويل وقصير وعاقل وأحمق وغيرها ‪،‬وهي المارة اللّازمة لذات الموصوف الّذي يعرف‬ ‫‪.‬بها‬ ‫والصّفة في اصطلح الفقهاء ‪ :‬أن ينضبط الموصوف على وجه فل يبقى بعد الوصف إلّ‬ ‫‪.‬‬

‫تفاوت يسير‬

‫ص ليس بشرط ول‬ ‫والصّفة عند الصوليّين ‪ :‬تقييد لفظ مشترك المعنى بلفظ آخر مخت ّ‬ ‫غاية ‪ ،‬ول يريدون بها النّعت فقط كالنّحاة ‪ ،‬ويشهد لذلك تمثيلهم بمطل الغنيّ ظلم ‪ ،‬مع أنّ‬ ‫التّقييد به إنّما هو بالضافة ‪ -‬فقط ‪ -‬وقد جعلوه صفةً‬

‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الحكم الجماليّ‬

‫تدخل الصّفة في شروط بيع السّلم ‪ ،‬وفي البيع على الصّفة ‪ ،‬فيثبت بتخلّفها خيار‬

‫فوات ‪2 -‬‬

‫الوصف ‪ .‬ومناط الصّفة في الفقه ‪ ،‬أن تكون منضبطةً على وجه ل يبقى بعد الوصف إلّ‬ ‫تفاوت يسير ‪ ،‬فإن كان ممّا ل يمكن ويبقى بعد الوصف تفاوت فاحش فل يجوز العمل فيه ‪،‬‬ ‫بسبب بقاء العين مجهولة القدر جهالةً فاحشةً مفضيةً إلى المنازعة ‪ ،‬وعدمها مطلوب‬ ‫شرعا‪ ،‬وليس للصّفة مقابل في الثّمن ‪ ،‬لكونها تابعةً في العقد تدخل من غير ذكر ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وللمشتري الخيار في الرّ ّد أو الخذ بجميع الثّمن‬

‫وتفصيله في مصطلح ( سلم ‪ ،‬وربا ) ‪ .‬وراجع مصطلح ( خيار فوات الصّفة‬ ‫‪ ) .‬وأيضا ف‬

‫‪10/‬‬

‫‪159/ 20‬‬

‫ص‬

‫‪،‬‬

‫‪162/‬‬

‫وفي أصول الفقه ‪ :‬يدخل مفهوم الصّفة ‪ :‬وهو تعليق الحكم على الذّات بأحد‬

‫الوصاف ‪3 -‬‬

‫في نحو ‪ :‬في سائمة الغنم زكاة ‪ ،‬وكتعليق نفقة البينونة على الحمل ‪ ،‬وشرط ثمرة النّخل‬ ‫‪.‬‬

‫*‬

‫للبائع إذا كانت مؤبّرةً‬

‫صَفْقَة‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫الصّفقة ‪ :‬المرّة من الصّفق ‪ ،‬وهي في اللّغة ‪ :‬الضّرب الّذي يسمع له‬ ‫‪».‬‬

‫التّعريف‬ ‫صوت ‪1 -‬‬

‫وفي الحديث ‪ « :‬التّسبيح للرّجال ‪ ،‬والتّصفيق للنّساء‬

‫وتطلق الصّفقة في الصطلح ‪ :‬على عقد البيع ‪ ،‬يقال ‪ :‬صفّق يده بالبيعة والبيع ‪ :‬وعلى‬ ‫يده صفقًا إذا ضرب بيده على يد صاحبه ‪ ،‬وذلك عند وجوب البيع ‪ ،‬ويقال ‪ :‬تصافق القوم‬ ‫إذا تبايعوا ‪ .‬وفي حديث ابن مسعود رضي ال عنه ‪ « :‬الصّفقتان في صفقة ربا » ‪ .‬أي‬ ‫‪:‬‬

‫بيعتان في بيعة الحكام المتعلّقة بالصّفقة‬ ‫‪:‬‬

‫الجمع بين شيئين في صفقة‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫ضربان ‪2 -‬‬

‫أ ‪ -‬أن يجمع بينهما في عقد واحد‬

‫ب ‪ -‬أن يجمعهما في عقدين مختلفي الحكم‬

‫فالوّل ‪ :‬إن جمع في الصّفقة بين ما يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع ‪ ،‬كأن جمع بين‬ ‫أختين أو خمس نسوة في عقد نكاح بطل العقد في الجميع ‪ ،‬لتحريم الجمع بين الختين ‪،‬‬ ‫وبين الخمس ‪ ،‬فالبطال في واحدة ‪ ،‬والتّصحيح في غيرها ليس بأولى من العكس ‪ ،‬وإن لم‬ ‫يكن كذلك ‪ ،‬فإن جمع في الصّفقة بين شيئين ‪ :‬ك ّل واحد منهما قابل للعقد ‪ ،‬بأن يجمع‬ ‫ح العقد فيهما ‪ ،‬ثمّ إن كانا من جنسين ‪ :‬كشاة‬ ‫عينين له قابلتين للبيع في صفقة واحدة ص ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وثوب ‪ ،‬أو كانا من جنس لكنّهما مختلفا القيمة وزّع الثّمن عليهما باعتبار القيمة‬ ‫‪.‬‬

‫وإن كانا من جنس واحد ‪ :‬كشاتين متّفقتي القيمة وزّع عليهما باعتبار الجزاء‬

‫وإن جمع في الصّفقة شيئين غير قابلين للعقد ‪ :‬كخمر ‪ ،‬وميتة فالعقد باطل ‪ ،‬وهذا محلّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫اشتمال الصّفقة على ما يجوز بيعه وما ل يجوز‬

‫اتّفاق بين الفقهاء‬

‫إذا اشتملت الصّفقة على ما يجوز العقد عليه ‪ ،‬وما ل يجوز ‪ ،‬فإن كان لما ل يجوز‬

‫فيه ‪3 -‬‬

‫العقد قيمة ‪ ،‬كأن يبيع داره ودار غيره صحّ العقد في داره بالقسط من المسمّى ‪ ،‬إذا وزّع‬ ‫ن الصّفقة اشتملت على‬ ‫على قيمتيهما ‪ ،‬وبطل في دار غيره إعطا ًء لكلّ منهما حكمه ‪ ،‬ول ّ‬ ‫صحيح وفاسد ‪ ،‬فالعدل التّصحيح في الصّحيح ‪ ،‬وقصر الفساد على الفاسد ‪ ،‬وهذا محلّ‬ ‫‪.‬‬

‫اتّفاق بين جمهور الفقهاء ‪ ،‬وهو قول للمالكيّة والمذهب عندهم بطلن الصّفقة كلّها‬

‫أمّا إذا لم يكن له قيمة ‪ ،‬بأن اشتملت على خلّ وخمر ‪ ،‬أو ميتة ومذكّاة ‪ ،‬فقد اختلف فيها ‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫فذهب الحنفيّة إلى أنّه يبطل فيهما إن لم يسمّ لكلّ واحد منهما ثمنا باتّفاق أئمّتهم‬

‫ن البيع يبطل فيهما ‪ ،‬لنّ الميتة‬ ‫أمّا إذا سمّى لكلّ واحد منهما ثمنا فقد ذهب أبو حنيفة إلى أ ّ‬ ‫والخمر ليسا بمال ‪ ،‬والبيع صفقة واحدة ‪ ،‬فكان القبول في الميتة ‪ ،‬والخمر كالمشروط‬ ‫‪.‬‬

‫للبيع فيهما ‪ ،‬وهو شرط فاسد مفسد للعقد‬

‫ح العقد إن سمّي لكلّ واحد منهما قسط من الثّمن ‪ ،‬وقال الشّافعيّة‬ ‫وقال الصّاحبان ‪ :‬يص ّ‬ ‫‪.‬‬

‫والحنابلة ‪ :‬تفرّق الصّفقة فيهما فيصحّ في الحلل ويبطل في الحرام‬ ‫‪).‬‬

‫والتّفصيل في ( تفريق ‪ ،‬وبيع‬

‫وإن اشتملت الصّفقة على عقدين مختلفي الحكم ‪ :‬كبيع وإجارة ‪ ،‬أو بيع وسلم ‪ ،‬أو بيع‬ ‫ونكاح ‪ ،‬صحّ كلّ منهما ‪ ،‬لصحّته منفردا فل يضرّ الجمع ‪ ،‬ول أثر لختلف الحكم في ذلك ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫كما ل أثر له في بيع مشفوع ‪ ،‬وغير مشفوع‬

‫وصورة الجارة ‪ ،‬والبيع أن يقول ‪ :‬بعتك هذا الثّوب ‪ ،‬وآجرتك داري سن ًة بكذا ‪ .‬وصورة‬ ‫النّكاح والبيع ‪ ،‬أن يقول ‪ :‬زوّجتك بنتي ‪ ،‬وبعتك دارها ‪ ،‬وهي في حجره ‪ ،‬أو رشيدة وكّلته‬ ‫ح النّكاح والبيع ‪ ،‬ويوزّع المسمّى على قيمة المبيع ‪ ،‬ومهر المثل ‪.‬‬ ‫في بيع دارها فيص ّ‬ ‫‪).‬‬

‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬تفريق ‪ ،‬ونكاح ‪ ،‬وصداق‬ ‫*‬

‫صَ ِفيّ‬ ‫‪:‬‬

‫الصّفيّ ‪ :‬من الصّفو ‪ ،‬والصّفاء نقيض الكدر ‪ ،‬وهو الخالص من كلّ شيء ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫التّعريف‬

‫واستصفى ‪1 -‬‬

‫الشّيء واصطفاه ‪ :‬اختاره‬

‫قال أبو عبيدة ‪ :‬الصّفيّ من الغنيمة ‪ :‬ما اختاره الرّئيس من المغنم واصطفاه لنفسه قبل‬ ‫‪.‬‬

‫القسمة ‪ :‬من فرس ‪ ،‬أو سيف ‪ ،‬أو غيره ‪ ،‬وهو الصّفيّة ‪ -‬أيضا ‪ -‬وجمعه صفايا‬ ‫‪:‬‬

‫ومنه قول عبد اللّه بن عنمة يخاطب بسطام بن قيس‬ ‫وحكمك والنّشيطة والفضول‬

‫لك المرباع فيها والصّفايا‬

‫ي تعني صفيّة بنت حييّ‬ ‫ومنه حديث عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ « -‬كانت صفيّة من الصّف ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫كانت من غنيمة خيبر‬

‫ول يخرج التّعريف الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ‬

‫فالصّفيّ ‪ :‬شيء يختار من المغنم قبل القسمة ‪:‬كالجارية والعبد والثّوب والسّيف أو غير‬ ‫‪.‬ذلك‬ ‫‪:‬‬

‫الحكم الجماليّ‬

‫وليس ‪2 -‬‬

‫صةً ‪،‬‬ ‫ن الصّفيّ كان لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم خا ّ‬ ‫ذهب الجمهور إلى أ ّ‬

‫للّذين من بعده ‪ ،‬ول يعلم مخالف لهذا ‪ ،‬إلّ أبو ثور فإنّه قال ‪ :‬إن كان الصّفيّ ثابتا للنّبيّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫صلى ال عليه وسلم فللمام أن يأخذه على نحو ما كان يأخذه النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم من خمس الخمس‬ ‫ويجعله مجعل سهم النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫قال ابن المنذر ‪ :‬ل أعلم أحدا سبق أبا ثور إلى هذا القول‬

‫ي صلى ال عليه وسلم كتب إلى بني زهير بن أقيش‬ ‫وقد روى أبو داود بإسناده ‪ « :‬أنّ النّب ّ‬ ‫‪ :‬إنّكم إن شهدتم أن ل إله إلّ اللّه ‪ ،‬وأنّ محمّدا رسول اللّه ‪ ،‬وأقمتم الصّلة ‪ ،‬وآتيتم الزّكاة‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم الصّفيّ أنتم آمنون بأمان‬ ‫‪ ،‬وأدّيتم الخمس من المغنم ‪ ،‬وسهم النّب ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪».‬‬

‫اللّه ورسوله‬

‫ومن حديث عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬أنّها قالت ‪ « :‬كانت صفيّة من الصّفيّ‬

‫ي صلى ال عليه وسلم فثابت بإجماع المّة ‪ -‬قبل أبي ثور‬ ‫وأمّا انقطاعه بعد النّب ّ‬

‫وبعده ‪3 -‬‬

‫ وكون أبي بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم لم يأخذوه ‪ ،‬ول ذكره أحد منهم ‪ ،‬ول يجمعون‬‫‪.‬‬

‫*‬

‫صَقْر‬

‫*‬

‫صَكّ‬

‫على ترك سنّة النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬

‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬أطعمة ‪ ،‬صيد‬

‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫الصّكّ في اللّغة ‪ :‬الضّرب الشّديد بالشّيء العريض ‪ ،‬يقال ‪ :‬صكّه صكّا ‪ :‬إذا ضربه‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫في ‪1 -‬‬

‫ي شيء كان‬ ‫قفاه ووجهه بيده مبسوطةً ‪ .‬وقيل ‪ :‬الضّرب عا ّمةً بأ ّ‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬هو الكتاب الّذي يكتب فيه المعاملت ‪ ،‬والقارير ووقائع الدّعوى‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫اللفاظ ذات الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬السّجلّ‬

‫السّجلّ ‪ :‬هو في اللّغة ‪ :‬الكتاب ‪ ،‬وفي الصطلح ‪ :‬هو ما تضمّن حكم‬

‫القاضي ‪2 -‬‬

‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬المحضر‬

‫المحضر ‪ :‬هو ما يكتب فيه ما جرى بين الخصمين من إقرار ‪ ،‬وإنكار وإقامة بيّنة‬ ‫‪.‬‬

‫‪3-،‬‬

‫ونكول عن يمين وغير ذلك من وقائع الدّعوى ‪ ،‬على وجه يرفع الشتباه بل حكم‬ ‫‪:‬‬

‫ج ‪ -‬الدّيوان‬

‫الدّيوان ‪ :‬هو مجمع الصّحف ‪ ،‬وهو الخرائط الّتي يحفظ فيها السّجلّات والمحاضر‬ ‫‪.‬‬

‫‪4-،‬‬

‫وغيرها ‪ ،‬ويطلق على الكتاب الّذي يكتب فيه أسماء أفراد الجيش وأصحاب العطيّة‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫د ‪ -‬الوثيقة‬

‫الوثيقة ‪ :‬هي في اللّغة ‪ :‬الحكام في المر والخذ‬

‫بالثّقة ‪5 -‬‬

‫ك ‪ ،‬والمحضر ‪ ،‬والسّجلّ ‪ ،‬والرّهن ‪ ،‬وكلّ ما يتوثّق به‬ ‫وفي الصطلح هي ‪ :‬ما يشمل الصّ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الحكام المتعلّقة بكتابة الصّكوك والسّجلّات‬

‫النسان في حقّه‬

‫ن كتابة الصّكوك ‪ ،‬والسّجلّات من فروض الكفاية ‪ ،‬في كلّ‬ ‫صرّح الشّافعيّة ‪ :‬أ ّ‬

‫تصرّف ‪6 -‬‬

‫ماليّ ‪ ،‬وغيره ‪ :‬كطلق وإقرار ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬وذلك للحاجة إليه لتمهيد إثبات الحقوق عند‬ ‫‪.‬‬

‫التّنازع ‪ ،‬ولما لها من أثر ظاهر في التّذكّر للوقائع ‪ ،‬وفيها حفظ الحقوق عن الضّياع‬ ‫‪:‬‬

‫وجوب كتابة الصّكوك والسّجلّات على القاضي‬

‫قال الشّافعيّة ‪ :‬ل يجب على القاضي عينا كتب الصّكوك ‪ ،‬والسّجلّات ‪ ،‬إذ يجب‬

‫عليه ‪7 -‬‬

‫ن النّبيّ‬ ‫ق إلى أهله ‪ ،‬وهذا يحصل بالشّهود ل بالصّكوك وكتابة السّجلّات ‪ ،‬ول ّ‬ ‫إيصال الح ّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم ومن بعده من الئمّة كانوا يحكمون ‪ ،‬ول يكتبون المحاضر‬ ‫ك ‪ ،‬أو السّجلّ ليحتجّ به عند الحاجة‬ ‫والسّجلّات ‪ ،‬ولكنّه إن سأل أحد الخصمين كتابة الصّ ّ‬ ‫يستحبّ للقاضي إجابته إن أحضر قرطاسا أو كان هناك قرطاس معدّ لذلك من بيت المال ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وهذا رأي الحنفيّة والمالكيّة‬

‫ك والسّجلّ إذا طلب منه من له مصلحة في‬ ‫وقال الحنابلة ‪ :‬يجب على القاضي كتابة الصّ ّ‬ ‫كتابته وأتى بكاغد ‪ ،‬أو كان في بيت المال كاغد معدّ لذلك ‪ ،‬لنّه وثيقة للطّالب ‪ ،‬فلزمه‬ ‫ل يطالبه عامل آخر ‪،‬‬ ‫كتابته‪ ،‬كعامل الزّكاة ‪ ،‬إذا طلب المزكّي منه كتابة صكّ منه ‪ ،‬لئ ّ‬ ‫وكمعشّر تجارة أهل حرب أو ذمّة في دار السلم ‪ ،‬طلبوا منه كتابة صكّ بأداء العشر ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ليكون ذلك لهم براءة ذمّة إذا م ّر بهم معشّر آخر‬

‫أخذ الجرة بالكتابة‬

‫ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز أخذ الجرة على كتب الصّكوك ‪ ،‬وجميع الوثائق ‪،‬‬

‫لقوله ‪8 -‬‬

‫ن من استبيح عمله ‪ ،‬وكدّ خاطره كلّما‬ ‫شهِيدٌ } ‪ .‬وقالوا ‪ :‬إ ّ‬ ‫ب َولَ َ‬ ‫تعالى ‪َ { :‬ولَ يُضَآرّ كَاتِ ٌ‬ ‫احتاج إنسان إلى ذلك ‪ ،‬فإنّ ذلك يض ّر به ‪ ،‬ويستغرق مدّة حياته من غير عوض ‪ ،‬وفي‬ ‫ذلك غاية الضّرر ‪ ،‬فإن لم يكن أجرة الكاتب من بيت المال ‪ ،‬فليس للقاضي منع الفقهاء من‬ ‫كتابة العقود ‪ ،‬والحجج ‪ ،‬وما يتعلّق بأمور الشّرع فيما أباحه اللّه ورسوله ‪ ،‬إذا كان الكاتب‬ ‫‪.‬‬

‫فقيها عالما بأمور الشّرع ‪ ،‬وشروط انعقاد العقود‬

‫‪.‬‬

‫وإذا منع القاضي ذلك لتصير إليه هذه المور كان هذا من المكس‬

‫ل يعقد عقدا فاسدا فالطّريق إلى ذلك أن‬ ‫وإذا كان القاضي يريد منع من ل يصلح لذلك ‪ ،‬لئ ّ‬ ‫يفعل كما كان يفعل الخلفاء الرّاشدون ‪ ،‬وهو تعزير من عقد عقدا فاسدا ‪ .‬وينبغي أن يسمّي‬ ‫الجرة ‪ ،‬ويعيّن العمل ‪ ،‬فإن اتّفقا على شيء ‪ ،‬وجاء العمل على ما اتّفق عليه فهي إجارة‬ ‫صحيحة ‪ ،‬ويجوز للكاتب أن يأخذ ما اتّفق عليه ‪ .‬من قليل أو كثير ‪ ،‬ما لم يكن المكتوب له‬ ‫مضطرّا إلى قبول ما يطلبه الكاتب ‪ ،‬لعدم وجود غيره في الموضع ‪ ،‬أو قصر الكتابة عليه ‪،‬‬ ‫ففي هذه الحالة ‪ ،‬على الكاتب ألّ يرفع الجرة على النّاس فوق ما يستحقّه ‪ ،‬لما علم من‬ ‫‪.‬‬

‫ضرورتهم إليه ‪ ،‬فإن فعل ذلك فهي جرحة في حقّه ‪ ،‬لنّه قد تعيّن عليه القيام بذلك‬

‫هذا إذا لم يكن للكاتب رزق في بيت المال ‪ ،‬أو لم يكن شيء في بيت المال ‪ ،‬وإلّ فرزقه في‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ن الكتابة من المصالح العامّة‬ ‫بيت المال ‪ ،‬ل ّ‬

‫ثمن أوراق الصّكّ والسّجلّ‬

‫ك والسّجلّ من بيت المال ‪ ،‬لنّ ذلك من المصالح العامّة ‪ ،‬فإن لم‬ ‫ثمن أوراق الصّ ّ‬

‫يكن ‪9 -‬‬

‫في بيت المال شيء ‪ ،‬أو احتيج لما هو أهمّ من ذلك فالثّمن على من سأل الكتابة من‬ ‫أصحاب الشّأن كمدّع ‪ ،‬ومدّعىً عليه ‪ ،‬إن شاء كتابة ما جرى في خصومته ‪ ،‬وإن لم يشأ‬ ‫‪.‬‬

‫لم يجبر عليه ‪ ،‬ولكن يعلمه القاضي أنّه إذا لم يكتب فقد ينسى شهادة الشّهود ‪ ،‬والحكم‬ ‫‪:‬‬

‫استناد القاضي إلى الخطّ في حكمه‬

‫ك‪،‬‬ ‫ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يجوز للقاضي الستناد في حكمه إلى خطّ الصّ ّ‬

‫أو ‪10 -‬‬

‫السّجلّ المجرّد ‪ ،‬فإذا وجد ورقةً فيها حكمه وطلب منه إمضاؤه ‪ ،‬أو تنفيذه ‪ ،‬فإن ت ّذكّره‬ ‫أمضاه ‪ ،‬ونفّذه ‪ ،‬فإن لم يتذكّر الواقعة ‪ ،‬مفصّلةً فل يعمل به ‪ ،‬حتّى يتذكّر الوقائع مفصّلةً ‪.‬‬ ‫ول يكفيه معرفته أنّ هذا خطّه ‪ -‬فقط ‪ -‬حتّى يتذكّر الواقعة ‪ .‬وإن كان السّجلّ في حفظه‬ ‫وتحت يده ‪ ،‬لحتمال التّزوير ‪ ،‬ومشابهة الخطّ للخطّ ‪ ،‬ولنّ قضاءه ‪ :‬فعله ‪ ،‬والرّجوع إلى‬ ‫‪.‬‬

‫العلم هو الصل في فعل النسان ‪ ،‬لهذا يأخذ عند الشّكّ في عدد الرّكعات بالعلم‬

‫وقال أبو يوسف ‪ ،‬ومحمّد من الحنفيّة ‪ ،‬وأحمد في رواية ‪ -‬وهو وجه عند الشّافعيّة ‪ -‬إن‬ ‫كان السّجلّ تحت يده في خريطة والخريطة مختومة بختمه ‪ ،‬إلّ أنّه ل يتذكّر الواقعة عمل‬ ‫‪.‬به‬ ‫‪:‬‬

‫شهادة الشّهود على السّجلّ على أنّه حكمه‬

‫ك من عمله والسّجلّ حكمه ‪ ،‬وإن لم يتذكّر‬ ‫ن هذا الصّ ّ‬ ‫إن شهد شاهدان عدلن على أ ّ‬

‫هو ‪11 -‬‬

‫الواقعة فقد اختلف الفقهاء فيه ‪ :‬فذهب الشّافعيّة وأبو حنيفة إلى ‪ :‬أنّ الشّهادة لم تؤثّر ‪،‬‬ ‫فل يعتمد عليها حتّى يتذكّر ‪،‬لنّ حكمه فعله ‪ ،‬والرّجوع إلى العلم هو الصل في فعل‬

‫النسان‪ .‬وقال المالكيّة والحنابلة ‪ ،‬وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة ‪ :‬إن شهد عنده شاهدان‬ ‫ن هذا حكمه ‪ ،‬قبل شهادتهما ‪ ،‬وأمضاه معتمدا على شهادتهما لقدرته على‬ ‫عدلن أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫إمضائه ‪ ،‬ولنّهما إذا شهدا عنده بحكم غيره قبلهما ‪ ،‬فأولى إن شهدا بحكمه‬ ‫‪:‬‬

‫الشّهادة على مضمون الصّكّ ‪ ،‬والسّجلّ‬

‫ك استنادا على خطّه ‪ ،‬ما لم يتذكّر‬ ‫ل تجوز شهادة الشّاهد على مضمون ص ّ‬

‫الواقعة ‪12 -‬‬

‫ك في حفظه وتحت يده ‪ ،‬ويأتي ‪ -‬هنا أيضا ‪ -‬الخلف في ما‬ ‫كالقاضي ‪ ،‬وإن كان الصّ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ك القاضي‬ ‫سبق في ص ّ‬

‫العمل بالصّكّ وحده‬

‫استثنى الحنفيّة من عدم جواز الستناد لثبوت الحقوق على الصّكّ المجرّد ‪ :‬ما‬

‫جرى ‪13 -‬‬

‫العرف بقبوله بمجرّد كتابته ‪ ،‬كالبراءات السّلطانيّة لصحاب الوظائف ونحوها كمنشور‬ ‫القاضي ‪ ،‬والوالي ‪ ،‬وعامّة الوامر السّلطانيّة ‪ ،‬ودفاتر البيّاعين ‪ ،‬والسّماسرة ‪،‬‬ ‫والصّرّافين‪ ،‬وصكوك الوقف الّتي تقادم عليها الزّمن ‪ ،‬وذلك لجريان العرف والعادة بقبول‬ ‫كتب البيّاعين والصّرّافين ‪ ،‬والسّماسرة وأوامر السّلطان بمجرّد كتابته ‪ ،‬وندرة إمكان‬ ‫التّزوير على السّلطان ‪ ،‬وتعذّر إقامة بيّنة على صكوك الوقاف إذا تقادم عليها الزّمن ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ولضرورة إحياء الوقاف‬

‫كتابة الصّكوك والسّجلّات‬

‫ك ل يكون معتبرا إلّ إذا كانت الكتابة مستبينةً مرسومةً‬ ‫ن الصّ ّ‬ ‫صرّح الحنفيّة ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫معنونةً ‪14 -‬‬

‫‪ ،‬فإن لم تكن مستبينةً كالكتابة على الهواء والرّقم على الماء فل يعتبر‬ ‫‪).‬‬

‫*‬

‫صَكّاء‬

‫*‬

‫صَلَح‬

‫والتّفصيل في مصطلح ( كتاب‬

‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬أضحيّة‬

‫‪:‬‬

‫الصّلح ‪ :‬ض ّد الفساد ‪ ،‬ورجل صالح في نفسه من قوم صلحاء ومصلح في‬ ‫‪.‬‬

‫التّعريف‬

‫أعماله ‪1 -‬‬

‫وأموره ‪ ،‬وقد أصلحه اللّه ‪ ،‬وأصلح الشّيء بعد فساده ‪ :‬أقامه‬ ‫‪:‬‬

‫الحكم الجماليّ‬ ‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬صلح النسان‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬الصّالح ما كان مستورا ولم يكن مهتوكا ‪ ،‬ول صاحب ريبة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وكان ‪2 -‬‬

‫شرّ ‪ ،‬ليس معروفا بالكذب‬ ‫مستقيم الطّريقة ‪ ،‬سليم النّاحية ‪ ،‬قليل ال ّ‬

‫وقال البهوتيّ ‪ :‬الصّلح في الدّين هو أداء الفرائض بسننها الرّاتبة واجتناب المحرّم فل‬ ‫‪.‬‬

‫يرتكب كبير ًة ول يدمن على صغيرة‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬بدوّ صلح الثّمار‬

‫وهو ظهور مبادئ النّضج والحلوة فيما ل يتلوّن ‪ ،‬وفي غيره بأن يأخذ في الحمرة‬

‫أو ‪3 -‬‬

‫السّواد ‪ .‬وأمّا في نحو القثّاء فهو أن يجنى غالبا للكل ‪ ،‬وفي الزّرع اشتداده بأن يتهيّأ لما‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫هو المقصود منه وفي الورد انفتاحه‬

‫مواطن البحث‬

‫يدخل مصطلح صلح في أمور كثيرة منها في الشّهادة ‪ ،‬وقبول شهادة الشّاهد الّتي‬

‫من ‪4 -‬‬

‫شروطها العدالة ‪ ،‬والصّلح من صفاتها ‪ ،‬وفي الوقف والوصيّة حيث يتمّ التّقييد بصلح‬ ‫‪.‬‬

‫الرّجل‬

‫‪ ) .‬ويدخل في بيع الثّمار قبل بدوّ صلحها ( ر ‪ :‬بيع الثّمار ‪ :‬الموسوعة الفقهيّة‬

‫‪21/ 9‬‬

‫‪.‬‬

‫وفي زكاة الثّمار والزّروع وخرصها إذا بدا صلحها‬

‫‪ ) .‬ر ‪ :‬خرص الثّمار ‪ :‬الموسوعة الفقهيّة ج‬ ‫‪.‬‬

‫‪19/‬‬

‫‪،‬ص‬

‫‪،‬ف‬

‫‪99/‬‬

‫‪( 3/‬‬

‫ووقت وجوب الزّكاة في الحبّ والثّمر‬

‫ر ‪ :‬وقت وجوب الزّكاة في الحبّ والثّمر ‪ :‬الموسوعة الفقهيّة ج‬

‫‪23/‬‬

‫‪،‬ص‪/‬‬

‫‪283‬‬

‫‪،‬ف‬

‫‪(/‬‬

‫‪106 ) .‬‬ ‫‪.‬‬

‫وللتّفصيل يرجع إلى كلّ موضوع من المواضيع السّالفة في مصطلحه‬ ‫*‬

‫صَلَة‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫التّعريف‬

‫صلّ عَلَ ْي ِهمْ } أي ادع‬ ‫الصّلة أصلها في اللّغة ‪ :‬الدّعاء ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬وَ َ‬

‫لهم ‪1 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم « إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما‬ ‫وفي الحديث قول النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫فليصلّ‪ ،‬وإن كان مفطرا فليطعم » أي ليدع لرباب الطّعام‬

‫و في ال صطلح ‪ :‬قال الجمهور ‪ :‬هي أقوال وأفعال مفتت حة بالتّ كبير مختت مة بالتّ سليم مع‬ ‫النّيّة بشرائط مخصوصة ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وقال الحنفيّة ‪ :‬هي اسم لهذه الفعال المعلومة من القيام والرّكوع والسّجود‬ ‫‪:‬‬

‫مكانة الصّلة في السلم‬

‫للصّلة مكانة عظيمة في السلم ‪ .‬فهي آكد الفروض بعد الشّهادتين وأفضلها ‪،‬‬

‫وأحد ‪2 -‬‬

‫أركان السلم الخمسة ‪ .‬قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬بني السلم على خمس ‪:‬‬ ‫شهادة أن ل إله إلّ اللّه ‪ ،‬وأنّ محمّدا رسول اللّه ‪ ،‬وإقام الصّلة ‪ ،‬وإيتاء الزّكاة ‪ ،‬والحجّ ‪،‬‬ ‫وصوم رمضان » وقد نسب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم تاركها إلى الكفر فقال ‪ « :‬إنّ‬ ‫ي قال ‪ :‬كان‬ ‫بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلة » وعن عبد اللّه شقيق العقيل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ل يرون شيئا من العمال تركه كفر غير الصّلة‬ ‫أصحاب النّب ّ‬

‫فالصّلة عمود الدّين الّذي ل يقوم إلّ به ‪ ،‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬رأس‬ ‫المر السلم ‪ ،‬وعموده الصّلة ‪ ،‬وذروة سنامه الجهاد في سبيل اللّه » وهي أوّل ما‬ ‫يحاسب العبد عليه ‪ .‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أوّل ما يحاسب عليه العبد‬ ‫يوم القيامة الصّلة ‪ ،‬فإن صلحت فقد أفلح ونجح ‪ ،‬وإن فسدت فقد خاب وخسر » ‪ ،‬كما‬ ‫أنّها آخر وصيّة وصّى بها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أمّته عند مفارقته الدّنيا فقال‬ ‫»‬

‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬الصّلة وما ملكت أيمانكم‬

‫وهي آخر ما يفقد من الدّين ‪ ،‬فإن ضاعت ضاع الدّين كلّه ‪ .‬قال رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫وسلم ‪ « :‬لتنقضنّ عرى السلم عروةً عروةً ‪ ،‬فكلّما انتقضت عروة تشبّث النّاس بالّتي‬ ‫‪».‬‬

‫ن الصّلة‬ ‫تليها‪ .‬فأوّلهنّ نقضا الحكم ‪ ،‬وآخره ّ‬

‫كما أنّها العبادة الوحيدة الّتي ل تنفكّ عن المكلّف ‪ ،‬وتبقى ملزمةً له طول حياته ل تسقط‬ ‫‪.‬‬

‫عنه بحال‬

‫وقد ورد في فضلها والحثّ على إقامتها ‪ ،‬والمحافظة عليها ‪ ،‬ومراعاة حدودها آيات‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وأحاديث كثيرة مشهورة‬

‫فرض الصّلوات الخمس وعدد ركعاتها‬

‫أصل وجوب الصّلة كان في مكّة في أوّل السلم ‪ ،‬لوجود اليات المكّيّة الّتي نزلت‬ ‫‪.‬‬

‫في ‪3 -‬‬

‫بداية الرّسالة تحثّ عليها‬

‫وأمّا الصّلوات الخمس بالصّورة المعهودة فإنّها فرضت ليلة السراء والمعراج على خلف‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫بينهم في تحديد زمنه‬

‫وقد ثبتت فرضيّة الصّلوات الخمس بالكتاب والسّنّة‬

‫والجماع ‪4 -‬‬

‫أمّا الكتاب فقوله تعالى في غير موضع من القرآن ‪َ { .‬وأَقِيمُواْ الصّلَةَ } ‪ ،‬وقوله تعالى ‪{ :‬‬ ‫إِنّ الصّلَ َة كَانَتْ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ كِتَابًا ّموْقُوتا } أي فرضا مؤقّتا ‪ .‬وقوله تعالى ‪ { :‬حَا ِفظُواْ‬ ‫علَى الصّ َلوَاتِ والصّلَ ِة ا ْل ُوسْطَى } ومطلق اسم الصّلة ينصرف إلى الصّلوات المعهودة ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وهي الّتي تؤدّى في كلّ يوم وليلة ‪ .‬وقوله تعالى ‪َ { :‬وأَ ِقمِ الصّلَ َة طَرَ َفيِ ال ّنهَا ِر وَزُ َلفًا مّنَ‬

‫اللّ ْيلِ } يجمع الصّلوات الخمس ‪ ،‬لنّ صلة الفجر تؤدّى في أحد طرفي النّهار ‪ ،‬وصلة‬ ‫الظّهر والعصر يؤدّيان في الطّرف الخر ‪ ،‬إذ النّهار قسمان غداة وعشيّ ‪ ،‬والغداة اسم‬ ‫لوّل النّهار إلى وقت الزّوال ‪ ،‬وما بعده العشيّ ‪ ،‬فدخل في طرفي النّهار ثلث صلوات‬ ‫ودخل في قوله ‪ { :‬وَزُ َلفًا مّنَ اللّ ْي ِل } المغرب والعشاء ‪ ،‬لنّهما يؤدّيان في زلف من اللّيل‬ ‫ن ا ْلفَجْ ِر إِنّ‬ ‫غسَقِ اللّ ْي ِل وَقُرْآ َ‬ ‫شمْسِ إِلَى َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫وهي ساعاته‪ .‬وقوله تعالى ‪ { :‬أَ ِقمِ الصّلَ َة لِدُلُو ِ‬ ‫شهُودًا } قيل ‪ :‬دلوك الشّمس زوالها وغسق اللّيل أوّل ظلمته ‪ ،‬فيدخل‬ ‫ن َم ْ‬ ‫قُرْآنَ ا ْل َفجْرِ كَا َ‬ ‫ن ا ْل َفجْرِ } أي وأقم قرآن الفجر وهو صلة‬ ‫فيه صلة الظّهر والعصر ‪ ،‬وقوله ‪ { :‬وَ ُقرْآ َ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫الفجر‬

‫فثبتت فرضيّة ثلث صلوات بهذه الية وفرضيّة صلتي المغرب والعشاء ثبتت بدليل آخر‬

‫وقيل ‪ :‬دلوك الشّمس غروبها فيدخل فيها صلة المغرب والعشاء ‪ ،‬وفرضيّة الظّهر والعصر‬ ‫‪.‬‬

‫ثبتت بدليل آخر‬

‫وأمّا السّنّة فما روي عن « رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال عام حجّة الوداع ‪:‬‬ ‫اعبدوا ربّكم ‪ ،‬وصلّوا خمسكم ‪ ،‬وصوموا شهركم ‪ ،‬وحجّوا بيتكم ‪ ،‬وأدّوا زكاة أموالكم طيّبةً‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫بها أنفسكم تدخلوا جنّة ربّكم‬

‫وقد انعقد إجماع المّة على فرضيّة هذه الصّلوات الخمس وتكفير منكرها‬ ‫‪:‬‬

‫حكم تارك الصّلة‬

‫لتارك الصّلة حالتان ‪ :‬إمّا أن يتركها جحودا لفرضيّتها ‪ ،‬أو تهاونا وكسلً ل جحودا‬

‫‪5-.‬‬

‫ن تارك الصّلة جحودا لفرضيّتها كافر مرتدّ‬ ‫فأمّا الحالة الولى ‪ :‬فقد أجمع العلماء على أ ّ‬ ‫يستتاب ‪ ،‬فإن تاب وإلّ قتل كفرا كجاحد كلّ معلوم من الدّين بالضّرورة ‪ ،‬ومثل ذلك ما لو‬ ‫‪.‬‬

‫جحد ركنا أو شرطا مجمعا عليه‬

‫واستثنى الشّافعيّة والحنابلة من ذلك من أنكرها جاهلً لقرب عهده بالسلم أو نحوه فليس‬ ‫‪.‬‬

‫مرتدّا ‪ ،‬بل يعرف الوجوب ‪ ،‬فإن عاد بعد ذلك صار مرتدّا‬

‫وأمّا الحالة الثّانية ‪ :‬فقد اختلف الفقهاء فيها ‪ -‬وهي ‪ :‬ترك الصّلة تهاونا وكسلً ل‬ ‫ن حكمه بعد الموت حكم المسلم‬ ‫جحودا‪ -‬فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه يقتل حدّا أي أ ّ‬ ‫فيغسّل ‪ ،‬ويصلّى عليه ‪ ،‬ويدفن مع المسلمين ‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أمرت‬ ‫أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن ل إله إلّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه ويقيموا الصّلة‬ ‫ويؤتوا الزّكاة ‪ ،‬فإن فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إ ّل بحقّ السلم وحسابهم‬ ‫على اللّه » ولنّه تعالى أمر بقتل المشركين ثمّ قال ‪ { :‬فَإِن تَابُواْ َوأَقَامُواْ الصّلَ َة وَآ َت ُواْ‬ ‫ال ّزكَاةَ َفخَلّواْ سَبِي َل ُهمْ } وقال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬خمس صلوات كتبهنّ اللّه على العباد‬

‫ن شيئا استخفافا بحقّهنّ كان له عند اللّه عهد أن يدخله الجنّة ‪،‬‬ ‫ن لم يضيّع منه ّ‬ ‫فمن جاء به ّ‬ ‫ومن لم يأت بهنّ فليس له عند اللّه عهد إن شاء عذّبه وإن شاء أدخله الجنّة » فلو كفر لم‬ ‫يدخل تحت المشيئة ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّ تارك الصّلة تكاسلً عمدا فاسق ل يقتل بل‬ ‫‪.‬‬

‫يعزّر ويحبس حتّى يموت أو يتوب‬

‫ل يدعى إلى فعلها ويقال له ‪ :‬إن صلّيت وإلّ‬ ‫وذهب الحنابلة ‪ :‬إلى أنّ تارك الصّلة تكاس ً‬ ‫قتلناك ‪ ،‬فإن صلّى وإلّ وجب قتله ول يقتل حتّى يحبس ثلثا ويدعى في وقت كلّ صلة ‪،‬‬ ‫فإن صلّى وإلّ قتل حدّا ‪ ،‬وقيل كفرا ‪ ،‬أي ل يغسّل ول يصلّى عليه ول يدفن في مقابر‬ ‫ق ول يسبى له أهل ول ولد كسائر المرتدّين ‪ .‬لما روى جابر عن‬ ‫المسلمين ‪ .‬لكن ل ير ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬إنّ بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلة »‬ ‫النّب ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬من تركها فقد كفر » وروى عبادة‬ ‫وروى بريدة « أنّ النّب ّ‬ ‫مرفوعا « من ترك الصّلة متعمّدا فقد خرج من الملّة » وكلّ شيء ذهب آخره لم يبق منه‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫شيء‬

‫ولنّه يدخل بفعلها في السلم ‪ ،‬فيخرج بتركها منه كالشّهادتين‬

‫وقال عمر رضي ال عنه ‪ " :‬ل حظّ في السلم لمن ترك الصّلة " ‪ ،‬وكذا عندهم لو ترك‬ ‫‪.‬‬

‫ركنا أو شرطا مجمعا عليه كالطّهارة والرّكوع والسّجود ‪ ،‬ول يقتل بترك صلة فائتة‬ ‫‪.‬‬

‫كما اختلف القائلون بالقتل في محلّه‬

‫ي إن كان عليه فرض واحد‬ ‫فمحلّه عند المالكيّة هو بقاء ركعة بسجدتيها من الوقت الضّرور ّ‬ ‫فقط ‪ .‬قال مالك ‪ :‬إن قال ‪ :‬أصلّي ولم يفعل قتل بقدر ركعة قبل طلوع الشّمس للصّبح ‪،‬‬ ‫وغروبها للعصر ‪ ،‬وطلوع الفجر للعشاء ‪ ،‬فلو كان عليه فرضان مشتركان أخّر لخمس‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ركعات في الظّهرين ‪ ،‬ولربع في العشاءين‬

‫وهذا في الحضر ‪ ،‬أمّا في السّفر فيؤخّر لثلث في الظّهرين وأربع في العشاءين‬

‫ن محلّ القتل هو إخراجها عن وقتها الضّروريّ فيما له وقت ضرورة‬ ‫وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ‬ ‫ بأن يجمع مع الثّانية في وقتها ‪ -‬فل يقتل بترك الظّهر حتّى تغرب الشّمس ‪ ،‬ول بترك‬‫المغرب حتّى يطلع الفجر ‪ ،‬ويقتل في الصّبح بطلوع الشّمس ‪ ،‬وفي العصر بغروبها ‪ ،‬وفي‬ ‫العشاء بطلوع الفجر ‪ ،‬فيطالب بأدائها إذا ضاق الوقت ويتوعّد بالقتل إن أخّرها عن‬ ‫الوقت ‪ ،‬فإن أخّر وخرج الوقت استوجب القتل ‪ ،‬وصرّحوا بأنّه يقتل بعد الستتابة ‪ ،‬لنّه‬ ‫‪.‬‬

‫ليس أسوأ حالً من المرتدّ‬

‫والستتابة تكون في الحال ‪ ،‬لنّ تأخيرها يفوّت صلوات ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يمهل ثلثة أيّام ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫والقولن في النّدب ‪ ،‬وقيل في الوجوب‬

‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫شروط الصّلة‬

‫تقسيمات الشّروط عند الفقهاء‬

‫قسّم الحنفيّة ‪ ،‬والمالكيّة ‪ ،‬والشّافعيّة شروط الصّلة إلى ‪ :‬شروط وجوب ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وشروط ‪6 -‬‬

‫صحّة ‪ ،‬وزاد المالكيّة قسما ثالثا هو ‪ :‬شروط وجوب وصحّة معا‬ ‫‪:‬‬

‫شروط وجوب الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬السلم‬

‫تجب الصّلة على كلّ مسلم ذكر أو أنثى ‪ .‬ول تجب على الكافر الصليّ ‪ ،‬لنّها لو‬

‫وجبت ‪7 -‬‬

‫ن وجوب الداء يقتضي وجوب القضاء ‪ ،‬واللّازم‬ ‫عليه حال كفره لوجب عليه قضاؤها ‪ ،‬ل ّ‬ ‫منتف ‪ ،‬ويترتّب على هذا أنّا ل نأمر الكافر بالصّلة في كفره ول بقضائها إذا أسلم ‪ ،‬لنّه‬ ‫أسلم خلق كثير في عهد النّبيّ ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ومن بعده فلم يؤمر أحد بقضاء‬ ‫الصّلة ‪ ،‬ولما فيه من التّنفير عن السلم ‪ ،‬ولقول اللّه تعالى ‪ { :‬قُل لِلّذِينَ َكفَرُواْ إِن يَن َتهُواْ‬ ‫ُيغَفَ ْر َلهُم مّا قَ ْد سَلَفَ } قال الشّيخ العدويّ ‪ :‬هذا بنا ًء على أنّ الكفّار غير مكلّفين ‪ .‬وعلى‬ ‫‪.‬‬

‫القول بتكليفهم وهو المعتمد فهو شرط صحّة‬

‫ي وجوب مطالبة بها‬ ‫وقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ الصّلة ل تجب على الكافر الصل ّ‬ ‫في الدّنيا ‪ ،‬لعدم صحّتها منه ‪ ،‬لكن يعاقب على تركها في الخرة زياد ًة على كفره ‪ ،‬لتمكّنه‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫من فعلها بالسلم‬

‫واختلف الفقهاء في وجوب الصّلة على المرتدّ‬

‫ن الصّلة ل تجب على‬ ‫فذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ - :‬إلى أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫المرتدّ فل يقضي ما فاته إذا رجع إلى السلم ‪ ،‬لنّه بالرّدّة يصير كالكافر الصليّ‬

‫وذهب الشّافعيّة إلى وجوب الصّلة على المرت ّد على معنى أنّه يجب عليه قضاء ما فاته‬ ‫زمن الرّدّة بعد رجوعه إلى السلم تغليظا عليه ‪ ،‬ولنّه التزمها بالسلم فل تسقط عنه‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬العقل‬

‫ق الدميّ‬ ‫بالجحود كح ّ‬

‫يشترط لوجوب الصّلة على المرء أن يكون عاقلً ‪ ،‬فل تجب على المجنون‬

‫باتّفاق ‪8 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬رفع القلم عن ثلث ‪ :‬عن النّائم حتّى‬ ‫الفقهاء ‪ .‬لقول النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ي حتّى يكبر‬ ‫يستيقظ‪ ،‬وعن المبتلى وفي رواية ‪ :‬المعتوه حتّى يبرأ ‪ ،‬وعن الصّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫واختلفوا فيمن تغطّى عقله أو ستر بمرض أو إغماء أو دواء مباح‬

‫فذهب الحنفيّة ‪ :‬إلى التّفريق بين أن يكون زوال العقل بآفة سماويّة ‪ ،‬أو بصنع العبد‬

‫ن أو أغمي عليه ولو بفزع من سبع أو آدميّ نظر ‪ ،‬فإن كانت‬ ‫فإن كان بآفة سماويّة كأن ج ّ‬ ‫فترة الغماء يوما وليلةً فإنّه يجب عليه قضاء الخمس ‪ ،‬وإن زادت عن ذلك فل قضاء‬ ‫عليه للحرج ‪ ،‬ولو أفاق في زمن السّادسة إلّ أن تكون إفاقته في وقت معلوم فيجب عليه‬ ‫قضاء ما فات إن كان أقلّ من يوم وليلة مثل أن يخفّ عنه المرض عند الصّبح مثلً فيفيق‬ ‫ل ثمّ يعاوده فيغمى عليه ‪ ،‬فتعتبر هذه الفاقة ‪ ،‬ويبطل ما قبلها من حكم الغماء إذا كان‬ ‫قلي ً‬ ‫أق ّل من يوم وليلة ‪ ،‬وإن لم يكن لفاقته وقت معلوم لكنّه يفيق بغتةً فيتكلّم بكلم الصحّاء ثمّ‬ ‫‪.‬‬

‫يغمى عليه فل عبرة بهذه الفاقة‬

‫وإن كان زوال العقل بصنع الدميّ كما لو زال عقله ببنج أو خمر أو دواء لزمه قضاء ما‬ ‫فاته وإن طالت المدّة ‪ ،‬وقال محمّد ‪ :‬يسقط القضاء بالبنج والدّواء ‪ ،‬لنّه مباح فصار‬ ‫‪.‬‬

‫كالمريض‬

‫ن المراد شرب البنج لجل الدّواء ‪ ،‬أمّا لو شربه للسّكر فيكون معصيةً‬ ‫وقال ابن عابدين ‪ :‬إ ّ‬ ‫بصنعه كالخمر ‪ .‬ومثل ذلك النّوم فإنّه ل يسقط القضاء ‪ ،‬لنّه ل يمت ّد يوما وليلةً غالبا ‪ ،‬فل‬ ‫‪.‬‬

‫حرج في القضاء‬

‫وذهب المالكيّة ‪ :‬إلى سقوط وجوب الصّلة على من زال عقله بجنون أو إغماء ونحوه ‪ ،‬إلّ‬ ‫إذا زال العذر وقد بقي من الوقت الضّروريّ ما يسع ركعةً بعد تقدير تحصيل الطّهارة‬ ‫‪.‬‬

‫المائيّة أو التّرابيّة ‪ ،‬فإذا كان الباقي ل يسع ركعةً سقطت عنه الصّلة‬

‫ويستثنى من ذلك من زال عقله بسكر حرام فإنّه تجب عليه الصّلة مطلقا ‪ ،‬وكذا النّائم‬ ‫والسّاهي تجب عليهما الصّلة ‪ ،‬فمتى تنبّه السّاهي أو استيقظ النّائم وجبت عليهما الصّلة‬ ‫على ك ّل حال سواء أكان الباقي يسع ركعةً مع فعل ما يحتاج إليه من الطّهر أم ل ‪ ،‬بل ولو‬ ‫‪.‬‬

‫خرج الوقت ولم يبق منه شيء‬

‫وعند الشّافعيّة ‪ :‬ل تجب الصّلة على من زال عقله بالجنون أو الغماء أو العته أو السّكر‬ ‫بل تعدّ في الجميع ‪ ،‬لحديث عائشة ‪ « :‬رفع القلم عن ثلث ‪ :‬عن النّائم حتّى يستيقظ ‪،‬‬ ‫‪».‬‬

‫ي حتّى يكبر‬ ‫وعن المعتوه حتّى يبرأ ‪ ،‬وعن الصّب ّ‬

‫ص في المجنون ‪ ،‬وقيس عليه من زال عقله بسبب يعذر فيه ‪ ،‬وسواء قلّ زمن‬ ‫فورد النّ ّ‬ ‫ذلك أو طال ‪ .‬إلّ إذا زالت هذه السباب وقد بقي من الوقت الضّروريّ قدر زمن تكبيرة‬ ‫فأكثر ‪ ،‬لنّ القدر الّذي يتعلّق به اليجاب يستوي فيه الرّكعة وما دونها ‪ ،‬ول تلزمه بإدراك‬ ‫دون تكبيرة ‪ .‬وهذا بخلف السّكر أو الجنون أو الغماء المتعدّى به إذا أفاق فإنّه يجب‬ ‫‪.‬‬

‫عليه قضاء ما فاته من الصّلوات زمن ذلك لتعدّيه‬

‫قالوا ‪ :‬وأمّا النّاسي للصّلة أو النّائم عنها والجاهل لوجوبها فل يجب عليهم الداء ‪ ،‬لعدم‬ ‫تكليفهم ‪ ،‬ويجب عليهم القضاء ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬من نسي صل ًة أو نام عنها فكفّارتها أن‬ ‫يصلّيها إذا ذكرها » ويقاس على النّاسي والنّائم ‪ :‬الجاهل إذا كان قريب عهد بالسلم‬

‫‪.‬‬

‫وقصر الحنابلة عدم وجوب الصّلة على المجنون الّذي ل يفيق ‪ ،‬لحديث عائشة ‪ -‬رضي‬ ‫ال عنها ‪ -‬مرفوعا ‪ « :‬رفع القلم عن ثلث ‪ :‬عن النّائم حتّى يستيقظ ‪ ،‬وعن المعتوه‬ ‫ي حتّى يكبر » ولنّه ليس من أهل التّكليف أشبه الطّفل ‪ ،‬ومثله‬ ‫حتّى يفيق ‪ ،‬وعن الصّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫البله الّذي ل يفيق‬

‫وأمّا من تغطّى عقله بمرض أو إغماء أو دواء مباح فيجب عليه الصّلوات الخمس ‪ ،‬لنّ‬ ‫ن عمّارا ‪ -‬رضي ال عنه ‪ " -‬غشي عليه ثلثا ‪،‬‬ ‫ذلك ل يسقط الصّوم ‪ ،‬فكذا الصّلة ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ثمّ أفاق فقال ‪ :‬هل صلّيت ؟ فقالوا ‪ :‬ما صلّيت منذ ثلث ‪ ،‬ثمّ توضّأ وصلّى تلك الثّلث " ‪،‬‬ ‫وعن عمران بن حصين وسمرة بن جندب نحوه ‪ ،‬ولم يعرف لهم مخالف ‪ ،‬فكان‬ ‫ن مدّة الغماء ل تطول ‪ -‬غالبا ‪ -‬ول تثبت عليه الولية ‪ ،‬وكذا من تغطّى‬ ‫كالجماع ‪ ،‬ول ّ‬ ‫‪.‬‬

‫عقله بمحرّم ‪ -‬كمسكر ‪ -‬فيقضي ‪ ،‬لنّ سكره معصية فل يناسب إسقاط الواجب عنه‬

‫وكذا تجب الصّلوات الخمس على النّائم ‪ :‬بمعنى يجب عليه قضاؤها إذا استيقظ لقوله صلى‬ ‫ال عليه وسلم ‪ « :‬من نسي صل ًة أو نام عنها فكفّارتها أن يصلّيها إذا ذكرها » ولو لم‬ ‫‪.‬‬

‫تجب عليه حال نومه لم يجب عليه قضاؤها كالمجنون ‪ ،‬ومثله السّاهي‬ ‫‪:‬‬

‫ج ‪ -‬البلوغ‬

‫ل خلف بين الفقهاء في أنّ البلوغ شرط من شروط وجوب الصّلة ‪ ،‬فل تجب‬

‫الصّلة ‪9 -‬‬

‫ي حتّى يبلغ ‪ ،‬للخبر التي ‪ ،‬ولنّها عبادة بدنيّة ‪ ،‬فلم تلزمه كالحجّ ‪ ،‬لكن على‬ ‫على الصّب ّ‬ ‫وليّه أن يأمره بالصّلة إذا بلغ سبع سنوات ‪ ،‬ويضربه على تركها إذا بلغ عشر سنوات ‪،‬‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬مروا‬ ‫لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ‪ ،‬أنّ النّب ّ‬ ‫أولدكم بالصّلة وهم أبناء سبع سنين ‪ ،‬واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ‪ ،‬وفرّقوا بينهم‬ ‫‪».‬‬

‫في المضاجع‬

‫وقد حمل جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬المر في الحديث على‬ ‫‪.‬‬

‫الوجوب ‪ ،‬وحمله المالكيّة على النّدب‬

‫وقد صرّح الحنفيّة بأنّ الضّرب يكون باليد ل بغيرها كالعصا والسّوط ‪ ،‬وأن ل يجاوز‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم لمرداس المعلّم ‪ :‬إيّاك أن تضرب فوق ثلث ‪،‬‬ ‫الثّلث‪ « ،‬لقول النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫فإنّك إذا ضربت فوق الثّلث اقتصّ اللّه منك‬

‫ويفهم من كلم المالكيّة جوازه بغير اليد ‪ ،‬قال الشّيخ الدّسوقيّ ‪ :‬ول يحدّ بعدد كثلثة‬ ‫‪.‬‬

‫أسواط بل يختلف باختلف حال الصّبيان‬

‫ومحلّ الضّرب عند المالكيّة إن ظنّ إفادته ‪ ،‬قالوا ‪ :‬الضّرب يكون مؤلما غير مبرّح إن ظنّ‬ ‫‪.‬‬

‫إفادته وإلّ فل‬

‫وقد ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ وجوب المر بها يكون بعد استكمال السّبع والمر‬ ‫بالضّرب يكون بعد العشر بأن يكون المر في أوّل الثّامنة وبالضّرب في أوّل الحادية عشرة‬ ‫‪.‬‬

‫‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬يكون المر عند الدّخول في السّبع والضّرب عند الدّخول في العشر‬ ‫‪.‬‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬يضرب في أثناء العشر ‪ ،‬ولو عقب استكمال التّسع‬

‫قال الشّربينيّ الخطيب ‪ :‬وصحّحه السنويّ ‪ ،‬وجزم به ابن المقري ‪ ،‬وينبغي اعتماده ‪ ،‬لنّ‬ ‫‪.‬‬

‫ذلك مظنّة البلوغ ‪ .‬وأمّا المر بها فل يكون إلّ بعد تمام السّبع‬ ‫‪:‬‬

‫شروط صحّة الصّلة‬

‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬الطّهارة الحقيقيّة‬

‫وهي طهارة البدن والثّوب والمكان عن النّجاسة الحقيقيّة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪{ :‬‬ ‫‪:‬‬

‫وَثِيَابَكَ ‪10 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫طهّرْ } وإذا وجب تطهير الثّوب فتطهير البدن أولى ‪ ،‬ولقول النّب ّ‬ ‫َف َ‬ ‫تنزّهوا من البول ‪ ،‬فإنّ عامّة عذاب القبر منه » وقوله صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬

‫إذا «‬

‫أقبلت الحيضة فدعي الصّلة ‪ ،‬وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدّم وصلّي » فثبت المر باجتناب‬ ‫‪.‬‬

‫النّجاسة‪ ،‬والمر بالشّيء نهي عن ضدّه ‪ ،‬والنّهي في العبادات يقتضي الفساد‬

‫ن وَال ّركّعِ‬ ‫ي لِلطّا ِئفِينَ وَا ْلعَاكِفِي َ‬ ‫طهّرَا بَيْتِ َ‬ ‫وأمّا طهارة مكان الصّلة فلقوله تعالى ‪ { :‬أَن َ‬ ‫طهّرْ } فهي تدلّ بدللة النّصّ على وجوب طهارة المكان‬ ‫سجُودِ} وقوله تعالى ‪ { :‬وَثِيَابَكَ َف َ‬ ‫ال ّ‬ ‫‪.‬‬

‫كما استدلّ بها على وجوب طهارة البدن كما سبق‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أنّه نهى عن الصّلة في المزبلة والمجزرة‬ ‫ولما روي عن النّب ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫ومعاطن البل وقوارع الطّريق والحمّام والمقبرة ‪ ...‬إلخ‬

‫ومعنى النّهي عن الصّلة في المزبلة والمجزرة كونهما موضع النّجاسة‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬الطّهارة الحكميّة‬

‫وهي طهارة أعضاء الوضوء عن الحدث ‪ ،‬وطهارة جميع العضاء عن الجنابة ‪،‬‬

‫لقول ‪11 -‬‬

‫غسِلُواْ ُوجُو َه ُكمْ َوأَيْدِيَ ُكمْ إِلَى‬ ‫ن آمَنُواْ إِذَا ُقمْ ُت ْم إِلَى الصّلةِ فا ْ‬ ‫اللّه تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِي َ‬ ‫طهّرُواْ } ‪ .‬وقول النّبيّ‬ ‫ن َوإِن كُن ُتمْ جُنُبا فَا ّ‬ ‫سحُواْ ِب ُرؤُوسِ ُكمْ َوأَ ْرجُ َلكُ ْم إِلَى ا ْلكَعْبَي ِ‬ ‫ا ْلمَرَا ِفقِ وَا ْم َ‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل تقبل صلة بغير طهور » وقوله صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬

‫مفتاح الصّلة الطّهور ‪ ،‬وتحريمها التّكبير ‪ ،‬وتحليلها التّسليم » ‪ ،‬وقوله صلى ال عليه‬ ‫‪.‬‬

‫وسلم ‪ « :‬تحت ك ّل شعرة جنابة فاغسلوا الشّعر وأنقوا البشرة » والنقاء هو التّطهير‬ ‫‪).‬‬

‫وتفصيل ذلك في المصطلحات ‪ ( :‬طهارة ‪ ،‬ووضوء ‪ ،‬وغسل‬

‫ج ‪ -‬ستر العورة‬

‫‪:‬‬

‫سجِدٍ } قال ابن عبّاس ‪-‬‬ ‫لقول اللّه تعالى ‪ { :‬يَا بَنِي آ َدمَ خُذُواْ زِينَ َت ُكمْ عِن َد كُ ّل َم ْ‬ ‫‪.‬‬

‫رضي ‪12 -‬‬

‫ال عنهما ‪ : -‬المراد به الثّياب في الصّلة‬

‫ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل يقبل اللّه صلة حائض إلّ بخمار » ‪ ،‬ولنّ ستر‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫العورة حال القيام بين يدي اللّه تعالى من باب التّعظيم‬

‫د ‪ -‬استقبال القبلة‬

‫جوِ َهكُمْ‬ ‫سجِدِ ا ْلحَرَامِ َوحَيْثُ مَا كُنتُمْ َفوَلّواْ ُو ُ‬ ‫شطْرَ ا ْل َم ْ‬ ‫ك َ‬ ‫جهَ َ‬ ‫لقوله تعالى ‪َ {:‬ف َولّ َو ْ‬

‫شطْرَهُ} ‪13 -‬‬ ‫َ‬

‫وقال ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ « -‬بينما النّاس بقباء في صلة الصّبح ‪ ،‬إذ جاءهم آت‬ ‫فقال ‪ :‬إنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قد أنزل عليه اللّيلة قرآن ‪ ،‬وقد أمر أن يستقبل‬ ‫‪».‬‬

‫القبلة فاستقبلوها ‪ .‬وكان وجوههم إلى الشّام فاستداروا إلى الكعبة‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ( استقبال‬

‫هـ – العلم بدخول الوقت‬

‫ن ا ْلفَجْ ِر إِنّ‬ ‫غسَقِ اللّ ْي ِل وَقُرْآ َ‬ ‫شمْسِ إِلَى َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫لقول اللّه تعالى ‪ { :‬أَ ِقمِ الصّلَ َة لِدُلُو ِ‬

‫قُرْآنَ – ‪14‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أمّني جبريل عند البيت‬ ‫شهُودًا } ولقول النّب ّ‬ ‫ن َم ْ‬ ‫ا ْل َفجْرِ كَا َ‬ ‫مرّتين ‪ ،‬فصلّى الظّهر في الولى منهما حين كان الفيء مثل الشّراك ‪ ،‬ثمّ صلّى العصر حين‬ ‫كان كلّ شيء مثل ظلّه ‪ ،‬ثمّ صلّى المغرب حين وجبت الشّمس وأفطر الصّائم ‪ ،‬ثمّ صلّى‬ ‫العشاء حين غاب الشّفق ‪ ،‬ثمّ صلّى الفجر ‪ ،‬حين برق الفجر وحرم الطّعام على الصّائم ‪.‬‬ ‫وصلّى المرّة الثّانية الظّهر حين كان ظلّ كلّ شيء مثله لوقت العصر بالمس ‪ ،‬ثمّ صلّى‬ ‫العصر حين كان ظلّ كلّ شيء مثليه ‪ ،‬ث ّم صلّى المغرب لوقته الوّل ‪ ،‬ثمّ صلّى العشاء‬ ‫ي جبريل‬ ‫الخرة حين ذهب ثلث اللّيل ‪ ،‬ثمّ صلّى الصّبح حين أسفرت الرض ‪ ،‬ثمّ التفت إل ّ‬ ‫‪».‬‬

‫وقال ‪ :‬يا محمّد هذا وقت النبياء من قبلك ‪ ،‬والوقت فيما بين هذين الوقتين‬ ‫‪.‬‬

‫وقد اتّفق الفقهاء على أنّه يكفي في العلم بدخول الوقت غلبة الظّنّ‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬أوقات الصّلة‬

‫تقسيم أقوال وأفعال الصّلة‬

‫قسّم الحنفيّة والحنابلة أقوال الصّلة وأفعالها إلى أركان ‪ ،‬وواجبات ‪ ،‬وسنن ‪.‬‬

‫فالركان ‪15 -‬‬

‫ح الصّلة بدونها بل عذر ‪ ،‬وتركها يوجب البطلن سواء كان عمدا أو سهوا‬ ‫هي الّتي ل تص ّ‬ ‫‪.‬‬

‫والواجبات عند الحنفيّة هي ما ل تفسد الصّلة بتركه ‪ ،‬وتعاد وجوبا إن تركه عمدا بل عذر‬ ‫‪.‬‬

‫‪ ،‬أو سهوا ولم يسجد للسّهو‬

‫فترك الواجب عمدا يوجب العادة ‪ ،‬وسهوا يوجب سجود السّهو ‪ ،‬وإن لم يعدها يكن آثما‬ ‫‪.‬‬

‫فاسقا ‪ ،‬ويستحقّ تارك الواجب العقاب بتركه ولكن ل يكفر جاحده‬

‫ن تركه سهوا أو‬ ‫ومذهب الحنابلة كمذهب الحنفيّة في حالة ترك الواجب سهوا ‪ ،‬حيث إ ّ‬ ‫جهلً يوجب سجود السّهو عندهم ‪ ،‬ويخالفونهم في حالة التّرك عمدا حيث إنّ ترك الواجب‬ ‫‪.‬‬

‫عمدا يوجب بطلن الصّلة عندهم‬

‫والسّنن ‪ ،‬وهي الّتي ل يوجب تركها البطلن ولو عمدا قال الحنفيّة ‪ :‬السّنّة ‪ :‬هي الّتي ل‬ ‫يوجب تركها فسادا ول سجودا للسّهو ‪ ،‬بل يوجب تركها عمدا إساء ًة ‪ ،‬وأمّا إن كان غير‬ ‫‪.‬‬

‫عامد فل إساءة أيضا ‪ ،‬وتندب إعادة الصّلة‬

‫والساءة هنا أفحش من الكراهة ‪ ،‬وصرّحوا بأنّه لو ترك السّنّة استخفافًا فإنّه يكفر ‪ .‬ويأثم‬ ‫لو ترك السّنّة بل عذر على سبيل الصرار ‪ ،‬وقال محمّد ‪ :‬في المصرّين على ترك السّنّة‬ ‫القتال ‪ ،‬وأبو يوسف بالتّأديب ‪ ،‬وعند الحنابلة يباح السّجود للسّهو عند ترك السّنّة سهوا‬ ‫‪.‬‬

‫من غير وجوب ول استحباب‬

‫وزاد الحنفيّة قسما رابعا هو الداب ‪ ،‬وهو في الصّلة ‪ :‬ما فعله الرّسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم مرّ ًة أو مرّتين ولم يواظب عليه كالزّيادة على الثّلث في تسبيحات الرّكوع والسّجود ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫كما قسّم الحنابلة السّنن إلى ضربين ‪ :‬سنن أقوال ‪ ،‬وسنن أفعال وتسمّى هيئات‬ ‫وقسّم المالكيّة والشّافعيّة أقوال وأفعال الصّلة إلى أركان وسنن من حيث الجملة‬ ‫‪).‬‬

‫وزاد المالكيّة الفضائل ( المندوبات‬

‫والسّنن عند الشّافعيّة على ضربين ‪ :‬أبعاض ‪ :‬وهي السّنن المجبورة بسجود السّهو ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫سواء تركها عمدا أو سهوا ‪ ،‬سمّيت أبعاضا لتأكّد شأنها بالجبر تشبيها بالبعض حقيقةً‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫وهيئات ‪ :‬وهي السّنن الّتي ل تجبر بسجود السّهو‬

‫أركان الصّلة عند الفقهاء‬

‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أنّ أركان الصّلة هي‬ ‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ال ّنيّة‬

‫النّيّة وهي العزم على فعل العبادة تقرّبا إلى اللّه تعالى ‪ ،‬فل تصحّ الصّلة بدونها‬ ‫‪}.‬‬

‫بحال‪16 - ،‬‬

‫ن َل ُه الدّينَ‬ ‫والصل فيها قوله تعالى ‪َ { :‬ومَا ُأمِرُوا إِلّا لِ َيعْبُدُوا الّلهَ ُمخْلِصِي َ‬

‫‪».‬‬

‫وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إنّما العمال بالنّيّات ‪ ،‬وإنّما لكلّ امرئ ما نوى‬

‫وقد انعقد الجماع على اعتبارها في الصّلة ‪ .‬ول بدّ في النّيّة من تعيين الفرضيّة ونوعيّة‬ ‫‪).‬‬

‫الصّلة ‪ ،‬هل هي ظهر أم عصر ؟ وتفصيل الكلم عن النّيّة في مصطلح ( نيّة‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬تكبيرة الحرام‬

‫ودليل فرضيّتها حديث عائشة ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يستفتح‬ ‫‪».‬‬

‫الصّلة ‪17 -‬‬

‫بالتّكبير » وحديث المسيء صلته « إذا قمت إلى الصّلة فكبّر‬

‫وحديث عليّ ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬يرفعه قال ‪ « :‬مفتاح الصّلة الطّهور ‪ ،‬وتحريمها‬ ‫‪».‬‬

‫التّكبير ‪ ،‬وتحليلها التّسليم‬

‫‪ ) .‬وقد سبق تفصيل الكلم على تكبيرة الحرام في مصطلح ( تكبيرة الحرام‬ ‫‪:‬‬

‫ج ‪ -‬القيام للقادر في الفرض‬

‫لقوله تعالى ‪ { :‬وَقُومُواْ ِلّلهِ قَانِتِينَ } ولخبر البخاريّ عن عمران بن حصين « كانت‬

‫‪217/ 13‬‬

‫بي ‪18 -‬‬

‫بواسير ‪ ،‬فسألت النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الصّلة ؟ فقال ‪ :‬صلّ قائما ‪ ،‬فإن لم‬ ‫‪».‬‬

‫تستطع فقاعدا ‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنب‬

‫وقد أجمعت المّة على ذلك ‪ ،‬وهو معلوم من الدّين بالضّرورة ‪.‬‬ ‫قال الشّافعيّة ‪ :‬من أركان الصّلة القيام في فرض القادر عليه ولو بمعين بأجرة فاضلة عن‬ ‫مؤنته ومؤنة من يعوله يومه وليلته‬

‫‪.‬‬

‫ويقسّم المالكيّة ركن القيام إلى ركنين ‪ :‬القيام لتكبيرة الحرام ‪ ،‬والقيام لقراءة الفاتحة ‪.‬‬ ‫قالوا ‪ :‬والمراد بالقيام القيام استقللً ‪ ،‬فل يجزئ إيقاع تكبيرة الحرام في الفرض للقادر‬ ‫‪.‬‬

‫على القيام جالسا أو منحنيا ‪ ،‬ول قائما مستندا لعماد ‪ ،‬بحيث لو أزيل العماد لسقط‬

‫ل بحيث ل‬ ‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬شرطه نصب فقاره للقادر على ذلك ‪ ،‬فإن وقف منحنيا أو مائ ً‬ ‫‪.‬‬

‫يسمّى قائما لم يصحّ ‪ ،‬والنحناء السّالب للسم ‪ :‬أن يصير إلى الرّكوع أقرب‬

‫قالوا ‪ :‬لو استند إلى شيء كجدار أجزأه مع الكراهة ‪ .‬وكذا لو تحامل عليه بحيث لو رفع ما‬ ‫استند إليه لسقط ‪ ،‬لوجود اسم القيام ‪ ،‬وإن كان بحيث يرفع قدميه إن شاء وهو مستند لم‬ ‫يصحّ ‪ ،‬لنّه ل يسمّى قائما بل معلّقا نفسه ‪ .‬ولو أمكنه القيام متّكئا على شيء أو القيام‬ ‫‪.‬‬

‫على ركبتيه لزمه ذلك لنّه ميسوره‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬حدّ القيام ما لم يصر راكعا ‪ ،‬وركنه النتصاب بقدر تكبيرة الحرام وقراءة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الفاتحة في الرّكعة الولى ‪ ،‬وفيما بعدها بقدر قراءة الفاتحة فقط‬

‫وركن القيام خاصّ بالفرض من الصّلوات دون النّوافل ‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫‪».‬‬

‫من صلّى قائما فهو أفضل ‪ ،‬ومن صلّى قاعدا فله نصف أجر‬

‫القائم «‬

‫وقد سبق في مصطلح تطوّع ( ف‬

‫‪16/‬‬

‫‪،‬‬

‫‪12‬‬

‫‪/‬‬

‫‪157‬‬

‫) وأمّا بقيّة تفصيلت القيام في الصّلة‬ ‫‪).‬‬

‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫فتأتي في مصطلح ( قيام‬

‫د ‪ -‬قراءة الفاتحة‬

‫وهي ركن في ك ّل ركعة من كلّ صلة فرضا أو نفلً جهر ّي ًة كانت أو‬

‫سرّ ّيةً ‪19 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » وفي رواية « ل‬ ‫لقول النّب ّ‬ ‫تجزئ صلة ل يقرأ الرّجل فيها بفاتحة الكتاب » ‪ « ،‬ولفعله صلى ال عليه وسلم » ‪،‬‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫ولخبر البخاريّ‪ « :‬صلّوا كما رأيتموني أصلّي‬

‫وقراءة الفاتحة فرض في صلة المام والفذّ دون المأموم عند المالكيّة ‪ ،‬والحنابلة‬ ‫‪).‬‬

‫وقال الشّافعيّة بفرضيّتها في الجميع ‪ .‬تفصيل ذلك في مصطلح ( قراءة‬ ‫‪:‬‬

‫هـ – الرّكوع‬

‫وقد انعقد الجماع على ركنيّته ‪ ،‬وسنده قوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْركَعُوا }‬

‫‪20 – .‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم دخل‬ ‫وحديث المسيء صلته ‪ ،‬وهو ما رواه أبو هريرة ‪ « :‬أنّ النّب ّ‬ ‫ي صلى ال‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم فردّ النّب ّ‬ ‫المسجد فدخل رجل فصلّى ثمّ جاء فسلّم على النّب ّ‬ ‫عليه وسلم عليه السّلم ثمّ قال ‪ :‬ارجع فصلّ ‪ ،‬فإنّك لم تصلّ ‪ .‬فعل ذلك ثلثا ‪ .‬ثمّ قال ‪:‬‬ ‫ق فما أحسن غيره ‪ ،‬فعلّمني ‪ .‬فقال ‪ :‬إذا قمت إلى الصّلة فكبّر ‪ ،‬ثمّ اقرأ‬ ‫والّذي بعثك بالح ّ‬ ‫ن راكعا ‪ ،‬ثمّ ارفع حتّى تعتدل قائما ‪ ،‬ثمّ‬ ‫ما تيسّر معك من القرآن ‪ .‬ثمّ اركع حتّى تطمئ ّ‬ ‫ن جالسا ‪ ،‬ث ّم اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا ‪ ،‬ثمّ‬ ‫ن ساجدا ‪ ،‬ثمّ ارفع حتّى تطمئ ّ‬ ‫اسجد حتّى تطمئ ّ‬ ‫افعل ذلك في صلتك كلّها » ‪ .‬فدلّ على أنّ الفعال المسمّاة في الحديث ل تسقط بحال ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫فإنّها لو سقطت لسقطت عن العرابيّ لجهله بها‬

‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫وتفصيل مباحث الرّكوع في مصطلح ‪ ( :‬ركوع‬

‫و ‪ -‬العتدال‬

‫هو القيام مع الطّمأنينة بعد الرّفع من الرّكوع ‪ ،‬وهو ركن في الفرض والنّافلة ‪« ،‬‬

‫لقول ‪21 -‬‬

‫ي صلى‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم للمسيء صلته ثمّ ارفع حتّى تعتدل قائما » ‪ ،‬ولنّ النّب ّ‬ ‫النّب ّ‬ ‫ال عليه وسلم داوم عليه ‪ .‬لقول أبي حميد في « صفة صلة النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬ ‫فإذا رفع رأسه استوى حتّى يعود كلّ فقار مكانه » ولقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلّوا‬ ‫‪».‬‬

‫كما رأيتموني أصلّي‬

‫ويدخل في ركن العتدال الرّفع منه لستلزامه له ‪ ،‬وفرّق المالكيّة وبعض الحنابلة بينهما‬ ‫‪.‬‬

‫فعدّوا كلّا منهما ركنا‬

‫قال المالكيّة ‪ :‬وتبطل الصّلة بتعمّد ترك الرّفع من الرّكوع ‪ ،‬وأمّا إن تركه سهوا فيرجع‬ ‫محدودبا حتّى يصل لحالة الرّكوع ثمّ يرفع ‪ ،‬ويسجد بعد السّلم إلّ المأموم فل يسجد لحمل‬ ‫المام لسهوه ‪ ،‬فإن لم يرجع محدودبا ورجع قائما لم تبطل صلته مراعا ًة لقول ابن حبيب ‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫ن تارك الرّفع من الرّكوع سهوا يرجع قائما ل محدودبا كتارك الرّكوع‬ ‫إّ‬

‫ن أكثر المالكيّة على نفي ركنيّة العتدال ‪ ،‬وأنّه سنّة ‪ .‬قالوا ‪ :‬فيسجد لتركه سهوا ‪،‬‬ ‫ثمّ إ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وتبطل الصّلة بتركه عمدا قطعا ‪ ،‬لنّه سنّة شهرت فرضيّتها‬

‫قال الدّسوقيّ ‪ :‬قال شيخنا أبو الحسن العدويّ ‪ -‬هذا هو الرّاجح كما يستفاد من كلم‬ ‫الحطّاب ‪ ،‬وحدّ العتدال عند المالكيّة ‪ :‬أن ل يكون منحنيا ‪ ،‬وعند الحنابلة ‪ :‬ما لم يصر‬ ‫راكعا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬والكمال منه الستقامة حتّى يعود كلّ عضو إلى محلّه ‪ ،‬وعلى هذا فل يضرّ‬ ‫بقاؤه منحنيا يسيرا حال اعتداله واطمئنانه ‪ ،‬لنّ هذه الهيئة ل تخرجه عن كونه قائما ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وسبق حدّه عند الشّافعيّة في ركن القيام‬

‫وقد صرّح الفقهاء بأنّه ل بدّ من الطّمأنينة في العتدال‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬الطّمأنينة في العتدال ‪ :‬أن تستق ّر أعضاؤه على ما كان قبل ركوعه ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫بحيث ينفصل ارتفاعه عن عوده إلى ما كان عليه‬

‫وصرّح الشّافعيّة بأنّه يجب أن ل يقصد غير العتدال ‪ ،‬فلو رفع فزعا من شيء كحيّة لم‬ ‫‪.‬‬

‫يحسب رفعه اعتدالً لوجود الصّارف ‪ ،‬فالواجب أن ل يقصد برفعه شيئا آخر‬ ‫‪:‬‬

‫ز ‪ -‬السّجود‬

‫من أركان الصّلة السّجود في كلّ ركعة مرّتين ‪ .‬وقد انعقد الجماع على ذلك‬

‫لقوله ‪22 -‬‬

‫سجُدُوا } ولحديث المسيء صلته « ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا » ‪،‬‬ ‫تعالى ‪ { :‬ا ْركَعُوا وَا ْ‬ ‫وحدّ المالكيّة السّجود بأنّه مسّ الرض ‪ ،‬أو ما اتّصل بها من ثابت بالجبهة ‪ ،‬فل يجزئ‬ ‫السّجود على نحو السّرير المعلّق ‪ ،‬ويتحقّق السّجود عندهم بوضع أيسر جزء من الجبهة‬ ‫بالرض أو ما اتّصل بها ‪ ،‬ويشترط استقرارها على ما يسجد عليه ‪ ،‬فل يصحّ على تبن أو‬ ‫قطن ‪ .‬وأمّا وضع النف فهو مستحبّ ‪ ،‬لكن تعاد الصّلة لتركه عمدا أو سهوا في الظّهرين‬ ‫للصفرار ‪ ،‬وفي غيرهما للطّلوع مراعاةً للقول بوجوبه ‪ .‬ووضع بقيّة العضاء ‪ -‬اليدين‬ ‫والرّكبتين والقدمين ‪ -‬فهو سنّة ‪ .‬قال الدّسوقيّ ‪ .‬قال في التّوضيح ‪ :‬وكون السّجود عليها‬ ‫ن ابن القصّار قال ‪ :‬الّذي يقوى في نفسي أنّه سنّة‬ ‫س ّنةً ليس بصريح في المذهب ‪ .‬غايته أ ّ‬ ‫ن السّجود عليها واجب ‪ ،‬وصرّحوا بعدم اشتراط ارتفاع العجيزة عن‬ ‫في المذهب ‪ .‬وقيل ‪ :‬إ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الرّأس بل يندب ذلك‬

‫ن أقلّ السّجود يتحقّق بمباشرة بعض جبهته مكشوفة مصلّاه ‪،‬‬ ‫وذهب الشّافعيّة ‪ :‬إلى أ ّ‬ ‫لحديث خبّاب بن الرتّ قال ‪ « :‬شكونا إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم شدّة الرّمضاء‬ ‫‪.‬‬

‫في جباهنا وأكفّنا فلم يشكنا » أي لم يزل شكوانا‬

‫ووجه الدّللة من الحديث ‪ :‬أنّه لو لم يجب كشف الجبهة لرشدهم إلى سترها ‪ ،‬وإنّما اعتبر‬ ‫كشفها دون بقيّة العضاء لسهولته فيها دون البقيّة ‪ ،‬ولحصول مقصود السّجود وهو غاية‬ ‫التّواضع بكشفها ‪ .‬ويجب ‪ -‬أيضا ‪ -‬وضع جزء من الرّكبتين ‪ ،‬ومن باطن الكفّين ‪ ،‬ومن‬ ‫باطن القدمين على مصلّاه لخبر الصّحيحين ‪ « :‬أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ‪ :‬على‬ ‫‪».‬‬

‫الجبهة ‪ -‬وأشار بيده إلى أنفه ‪ -‬واليدين ‪ ،‬والرّكبتين ‪ ،‬وأطراف القدمين‬

‫ول يجب كشف هذه العضاء ‪ ،‬بل يكره كشف الرّكبتين ‪ ،‬لنّه قد يفضي إلى كشف العورة ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وقيل ‪ :‬يجب كشف باطن الكفّين‬

‫ن محلّ وجوب الوضع إذا لم يتعذّر وضع شيء منها ‪ ،‬وإ ّل فيسقط الفرض ‪ ،‬فلو قطعت‬ ‫ثمّ إ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يده من الزّند لم يجب وضعه ‪ ،‬لفوت محلّ الفرض‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬ ‫ويجب ‪ -‬أيضا ‪ -‬أن ينال محلّ سجوده ثقل رأسه ‪ ،‬لقول النّب ّ‬ ‫إذا سجدت فأمكن جبهتك » قالوا ‪ :‬ومعنى الثّقل أن يتحامل بحيث لو فرض تحته قطن أو‬ ‫حشيش لنكبس وظهر أثره في يده لو فرضت تحت ذلك ‪ ،‬ول يشترط التّحامل في غير‬ ‫‪.‬‬

‫الجبهة من العضاء‬

‫ويجب كذلك أن ل يهوي لغير السّجود ‪ ،‬فلو سقط لوجهه من العتدال وجب العود إلى‬ ‫ي في السّقوط ‪ .‬وإن سقط من الهويّ لم يلزمه العود بل‬ ‫العتدال ليهوي منه ‪ ،‬لنتفاء الهو ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يحسب ذلك سجودا‬

‫ويجب أيضا أن ترتفع أسافله ‪ -‬عجيزته وما حولها ‪ -‬على أعاليه لخبر « صلّوا كما‬ ‫رأيتموني أصلّي » فل يكتفي برفع أعاليه على أسافله ول بتساويهما ‪ ،‬لعدم اسم السّجود‬ ‫كما لو أكبّ ومدّ رجليه ‪ ،‬إلّ إن كان به علّة ل يمكنه السّجود إلّ كذلك فيصحّ ‪ ،‬فإن أمكنه‬ ‫السّجود على وسادة بتنكيس لزمه ‪ ،‬لحصول هيئة السّجود بذلك ‪ ،‬ول يلزمه بل تنكيس ‪.‬‬ ‫ل ولم يتمكّن من ارتفاع ذلك لميلنها صلّى على حاله ولزمه‬ ‫وإذا صلّى في سفينة مث ً‬ ‫‪.‬‬

‫العادة‪ ،‬لنّ هذا عذر نادر‬

‫ن السّجود على العضاء السّبعة ‪ :‬الجبهة مع النف ‪ ،‬واليدين ‪،‬‬ ‫وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬ ‫والرّكبتين ‪ ،‬والقدمين ‪ ،‬ركن مع القدرة ‪ ،‬لحديث ابن عبّاس مرفوعا « أمرت أن أسجد على‬ ‫سبعة أعظم على الجبهة ‪ -‬وأشار بيده إلى أنفه ‪ -‬واليدين ‪ ،‬والرّكبتين ‪ ،‬وأطراف القدمين‬

‫» ولقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب ‪ :‬وجهه ‪ ،‬وكفّاه ‪،‬‬ ‫‪».‬‬

‫وركبتاه ‪ ،‬وقدماه‬

‫ثمّ إنّه يجزئ بعض كلّ عضو في السّجود عليه ‪ ،‬لنّه لم يقيّد في الحديث الكلّ ‪ ،‬ولو كان‬ ‫سجوده على ظهر كفّ ‪ ،‬وظهر قدم ‪ ،‬وأطراف أصابع يدين ‪ ،‬ول يجزئه إن كان بعضها‬ ‫‪.‬‬

‫فوق بعض كوضع جبهته على يديه ‪ ،‬لنّه يفضي إلى تداخل أعضاء السّجود‬

‫ومتى عجز المصلّي عن السّجود بجبهته سقط عنه لزوم باقي العضاء ‪ ،‬لنّ الجبهة هي‬ ‫الصل في السّجود ‪ ،‬وغيرها تبع لها ‪ ،‬فإذا سقط الصل سقط التّبع ‪ ،‬ودليل التّبعيّة ‪ ،‬ما‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إنّ اليدين‬ ‫روى ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬أ ّ‬ ‫تسجدان كما يسجد الوجه ‪ ،‬فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه ‪ ،‬وإذا رفعه فليرفعهما »‬ ‫وباقي العضاء مثلهما في ذلك لعدم الفارق ‪ ،‬وأمّا إن قدر على السّجود بالجبهة فإنّه يتبعها‬ ‫الباقي من العضاء ‪ ،‬وصرّحوا بأنّه ل يجزئ السّجود مع عدم استعلء السافل إن خرج‬ ‫عن صفة السّجود ‪ ،‬لنّه ل يعدّ ساجدا ‪ ،‬وأمّا الستعلء اليسير فل بأس به ‪ -‬بأن عل‬ ‫‪.‬‬

‫موضع رأسه على موضع قدميه بل حاجة يسيرا ‪ -‬ويكره الكثير‬ ‫‪:‬‬

‫ح ‪ -‬الجلوس بين السّجدتين‬

‫من أركان الصّلة الجلوس بين السّجدتين ‪ ،‬سواء أكان في صلة الفرض أم النّفل ‪،‬‬

‫« ‪23 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم للمسيء صلته ‪ :‬ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالسا » ولحديث‬ ‫لقول النّب ّ‬ ‫عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬قالت ‪ « :‬كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا رفع رأسه من‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫السّجدة لم يسجد حتّى يستوي جالسا‬

‫وزاد المالكيّة والحنابلة قبل هذا الرّكن ركنا آخر وهو الرّفع من السّجود‬

‫‪.‬‬

‫وما سبق من نفي أكثر المالكيّة العتدال من الرّكوع يجري أيضا في العتدال من السّجود‬

‫‪.‬‬

‫وقد صرّح المالكيّة بصحّة صلة من لم يرفع يديه عن الرض حال الجلوس بين السّجدتين‬ ‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يجب أن ل يقصد برفعه غير الجلوس ‪ ،‬كما في الرّكوع ‪ .‬فلو رفع‬ ‫‪.‬‬

‫فزعا من شيء لم يكف ‪ ،‬ويجب أن يعود إلى السّجود‬

‫وهذا هو مذهب الحنابلة أيضا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ويشترط في نحو ركوع وسجود ورفع منهما ‪ :‬أن‬ ‫ل يقصد غيره ‪ ،‬فلو ركع أو سجد ‪ ،‬أو رفع خوفا من شيء لم يجزئه ‪ ،‬كما ل يشترط أن‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫يقصده‪ ،‬اكتفاءً بنيّة الصّلة المستصحب حكمها‬

‫قال الشّيخ الرّحيبانيّ ‪ :‬بل ل ب ّد من قصد ذلك وجوبا‬

‫ط ‪ -‬الجلوس للتّشهّد الخير‬

‫وهو ركن عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬لمداومة الرّسول صلى ال عليه وسلم عليه‬

‫‪24 - ،‬‬

‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلّوا كما رأيتموني أصلّي » ولنّ التّشهّد فرض والجلوس‬ ‫‪.‬‬

‫له محلّه فيتبعه‬

‫وذهب المالكيّة ‪ :‬إلى أنّ الرّكن هو الجلوس للسّلم فقط ‪ .‬فالجزء الخير من الجلوس الّذي‬ ‫يوقع فيه السّلم فرض ‪ ،‬وما قبله سنّة ‪ ،‬وعليه فلو رفع رأسه من السّجود واعتدل جالسا‬ ‫وسلّم كان ذلك الجلوس هو الواجب ‪ ،‬وفاتته السّنّة ‪ ،‬ولو جلس ثمّ تشهّد ‪ ،‬ثمّ سلّم كان آتيا‬ ‫‪.‬‬

‫بالفرض والسّنّة ‪ ،‬ولو جلس وتشهّد ثمّ استقلّ قائما وسلّم كان آتيا بالسّنّة تاركا للفرض‬ ‫‪:‬‬

‫ى ‪ -‬التّشهّد الخير‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا قعد‬ ‫ويقول بركنيّته الشّافعيّة والحنابلة لقول النّب ّ‬ ‫‪... » .‬‬

‫أحدكم ‪25 -‬‬

‫في الصّلة فليقل ‪ :‬التّحيّات للّه‬

‫وعن ابن مسعود ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬كنّا نقول في الصّلة قبل أن يفرض التّشهّد ‪:‬‬ ‫السّلم على اللّه السّلم على جبريل وميكائيل ‪ .‬فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ل‬ ‫تقولوا هذا ‪ .‬فإنّ اللّه هو السّلم ‪ ،‬ولكن قولوا ‪ :‬التّحيّات للّه ‪ » ...‬الحديث ‪ ،‬وقال عمر ‪-‬‬ ‫‪.‬‬

‫رضي ال عنه ‪ -‬ل تجزئ صلة إلّ بتشهّد‬

‫ي ورحمة اللّه وبركاته ‪.‬‬ ‫وأقلّ التّشهّد عند الشّافعيّة ‪ :‬التّحيّات للّه ‪ .‬سلم عليك أيّها النّب ّ‬ ‫ن محمّدا رسول اللّه ‪.‬‬ ‫سلم علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين ‪ ،‬أشهد أن ل إله إلّ اللّه ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫وهو أقلّه عند الحنابلة ‪ -‬أيضا ‪ -‬بدون لفظ ‪ " :‬وبركاته " ‪ .‬مع التّخيير بين " وأنّ محمّدا‬ ‫‪.‬‬

‫ن محمّدا عبده ورسوله " لتّفاق الرّوايات على ذلك‬ ‫رسول اللّه " " وأ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫والتّشهّد الخير عند المالكيّة سنّة وليس بركن‬

‫ك ‪ -‬الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم بعد التّشهّد الخير‬

‫هي ركن عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا‬

‫عَلَ ْيهِ ‪26 -‬‬

‫َوسَّلمُوا َتسْلِيما } ‪ ،‬ولحديث ‪ « :‬قد علمنا كيف نسلّم عليك ‪ ،‬فكيف نصلّي عليك ؟ فقال ‪:‬‬ ‫قولوا ‪ :‬اللّه ّم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ‪،‬‬ ‫‪».‬‬

‫اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد‬

‫ي صلى ال عليه وسلم على نفسه في الوتر » ‪ .‬وقال ‪ « :‬صلّوا كما‬ ‫وقد « صلّى النّب ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪".‬‬

‫رأيتموني أصلّي‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬اللّهمّ ص ّل على محمّد‬ ‫وأقلّ الصّلة على النّب ّ‬

‫ي أو عليه ‪،‬‬ ‫قال الشّافعيّة ‪ :‬ونحوه كصلّى اللّه على محمّد أو على رسوله أو على النّب ّ‬ ‫ي صلى‬ ‫ي بعد التّشهّد ‪ ،‬فلو صلّى على النّب ّ‬ ‫وصرّحوا بأنّه ل ب ّد من أن تكون الصّلة على النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ال عليه وسلم قبل التّشهّد لم تجزئه‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ركنا مستقلّا ‪ ،‬وبعضهم يجعلها‬ ‫وبعض الحنابلة يع ّد الصّلة على النّب ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ل ‪ -‬السّلم‬

‫من جملة التّشهّد الخير‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬ ‫اتّفق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على ركنيّته ‪ ،‬لقول النّب ّ‬

‫« ‪27 -‬‬

‫تحريمها التّكبير ‪ ،‬وتحليلها التّسليم » وقالت عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ « : -‬كان النّبيّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪".‬‬

‫صلى ال عليه وسلم يختم الصّلة بالتّسليم‬

‫ولفظه المجزئ عند المالكيّة والشّافعيّة " السّلم عليكم‬

‫قال المالكيّة ‪ :‬فل يجزئ سلم اللّه ‪ ،‬أو سلمي ‪ ،‬أو سلم عليكم ‪ ،‬ول بدّ ‪ -‬أيضا ‪ -‬من‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫تأخّر " عليكم " وأن يكون بالعربيّة‬

‫وأجاز الشّافعيّة تقدّم " عليكم " فيجزئ عندهم " عليكم السّلم " مع الكراهة‬

‫قالوا ‪ :‬ول يجزئ السّلم عليهم ‪ ،‬ول تبطل به الصّلة ‪ ،‬لنّه دعاء للغائب ‪ ،‬ول عليك ول‬ ‫عليكما ‪ ،‬ول سلمي عليكم ‪ ،‬ول سلم اللّه عليكم ‪ .‬فإن تعمّد ذلك مع علمه بالتّحريم بطلت‬ ‫‪.‬‬

‫صلته ‪ ،‬ول تجزئ ‪ -‬أيضا ‪ -‬سلم عليكم‬

‫وذهب الحنابلة إلى أنّ صيغته المجزئة ‪ :‬السّلم عليكم ورحمة اللّه فإن لم يقل " ورحمة‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم كان يقوله ‪ .‬وقال ‪:‬‬ ‫اللّه " في غير صلة الجنازة لم يجزئه ‪ ،‬لنّ النّب ّ‬ ‫« صلّوا كما رأيتموني أصلّي » وهو سلم في صلة ورد مقرونا بالرّحمة فلم يجزئه بدونها‬ ‫كالسّلم في التّشهّد ‪ .‬فإن نكّر السّلم ‪ ،‬كقوله ‪ :‬سلم عليكم ‪ ،‬أو عرّفه بغير اللّام ‪ ،‬كسلمي‬ ‫‪ ،‬أو سلم اللّه عليكم ‪ ،‬أو نكّسه فقال عليكم سلم أو عليكم السّلم ‪ ،‬أو قال ‪ :‬السّلم عليك‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلّوا كما رأيتموني أصلّي » ومن‬ ‫لم يجزئه لمخالفته لقول النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫تعمّد ذلك بطلت صلته ‪ ،‬لنّه يغيّر السّلم الوارد ‪ ،‬ويخلّ بحرف يقتضي الستغراق‬

‫والواجب تسليمة واحدة عند المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬بوجوب التّسليمتين ‪.‬‬ ‫واستحبّ الشّافعيّة والحنابلة أن ينوي بالسّلم الخروج من الصّلة ‪ ،‬فل تجب نيّة الخروج‬ ‫ن النّيّة السّابقة منسحبة على جميع الصّلة ‪.‬‬ ‫من الصّلة ‪ ،‬قياسا على سائر العبادات ‪ ،‬ول ّ‬ ‫‪:‬‬

‫واختلف المالكيّة في اشتراط نيّة الخروج على قولين‬

‫الوّل ‪ :‬أنّه يشترط أن يجدّد نيّة الخروج من الصّلة بالسّلم لجل أن يتميّز عن جنسه‬ ‫كافتقار تكبيرة الحرام إليها لتميّزها عن غيرها ‪ ،‬فلو سلّم من غير تجديد نيّة لم يجزه ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫قال سند ‪ :‬وهو ظاهر المذهب‬

‫الثّاني ‪ :‬ل يشترط ذلك وإنّما يندب فقط ‪ ،‬لنسحاب النّيّة الولى ‪ .‬قال ابن الفاكهانيّ ‪ :‬هو‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫المشهور ‪ ،‬وكلم ابن عرفة يفيد أنّه المعتمد‬

‫م ‪ -‬الطّمأنينة‬

‫هي ‪ :‬استقرار العضاء زمنا ما ‪ .‬قال الشّافعيّة ‪ :‬أقلّها أن تستقرّ‬

‫العضاء ‪28 -‬‬

‫وعند الحنابلة وجهان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬حصول السّكون وإن ق ّل ‪ .‬وهو الصّحيح في المذهب‬ ‫‪.‬‬

‫والثّاني ‪ :‬بقدر الذّكر الواجب‬

‫وفائدة الوجهين ‪ :‬إذا نسي التّسبيح في ركوعه أو سجوده ‪ ،‬أو التّحميد في اعتداله ‪ ،‬أو‬ ‫سؤال المغفرة في جلوسه ‪ ،‬أو عجز عنه لعجمة أو خرس ‪ ،‬أو تعمّد تركه وقلنا هو سنّة‬ ‫‪.‬‬

‫واطمأنّ قدرا ل يتّسع له ‪ ،‬فصلته صحيحة على الوجه الوّل ‪ ،‬ول تصحّ على الثّاني‬ ‫‪.‬‬

‫وهي ركن عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وصحّح ابن الحاجب من المالكيّة فرضيّتها‬

‫والمشهور من مذهب المالكيّة أنّها سنّة ‪ ،‬ولذا قال زرّوق ‪ :‬من ترك الطّمأنينة أعاد في‬ ‫‪.‬‬

‫الوقت على المشهور ‪ .‬وقيل ‪ :‬إنّها فضيلة‬

‫لل‬ ‫ودليل ركنيّة الطّمأنينة حديث المسيء صلته المتقدّم ‪ .‬وحديث حذيفة ‪ « :‬أنّه رأى رج ً‬ ‫ت متّ على غير الفطرة الّتي فطر اللّه‬ ‫يتمّ الرّكوع ول السّجود فقال له ‪ :‬ما صلّيت ‪ ،‬ولو م ّ‬ ‫‪.‬‬

‫عليها محمّدا صلى ال عليه وسلم » وهي ركن في جميع الركان‬ ‫‪:‬‬

‫ن ‪ -‬ترتيب الركان‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يصلّيها مرتّبةً ‪ ،‬مع قوله صلى ال‬ ‫لمّا ثبت أ ّ‬

‫عليه ‪29 -‬‬

‫وسلم ‪ « :‬صلّوا كما رأيتموني أصلّي » وعلّمها للمسيء صلته مرتّبةً " بثمّ " ولنّها عبادة‬ ‫تبطل بالحدث كان التّرتيب فيها ركنا كغيره ‪ .‬والتّرتيب واجب في الفرائض في أنفسها فقط‬ ‫‪.‬‬

‫‪ .‬وأمّا ترتيب السّنن في أنفسها ‪ ،‬أو مع الفرائض فليس بواجب‬ ‫‪:‬‬

‫أركان الصّلة عند الحنفيّة‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬القيام‬

‫أركان الصّلة عند الحنفيّة ستّة‬

‫وهو ركن في فرض للقادر عليه ‪ ،‬ويشمل التّامّ منه وهو ‪ :‬النتصاب مع العتدال‬

‫‪30 - ،‬‬

‫وغير التّامّ وهو ‪ :‬النحناء القليل بحيث ل تنال يداه ركبتيه ‪ ،‬ويسقط عن العاجز عنه حقيقةً‬ ‫‪.‬‬

‫ي هو ‪ :‬كما لو حصل له به ألم شديد ‪ ،‬أو خاف زيادة المرض‬ ‫أو حكما ‪ ،‬والعجز الحكم ّ‬

‫ومن العجز الحكمي أيضا ‪ :‬كمن يسيل أو جرحه إذا قام ‪ ،‬أو يسلس بوله ‪ ،‬أو يبدو ربع‬ ‫ل ‪ -‬أمّا لو قدر على بعض القراءة إذا قام فإنّه يلزمه‬ ‫عورته ‪ ،‬أو يضعف عن القراءة أص ً‬ ‫أن يقرأ مقدار قدرته ‪ ،‬والباقي قاعدا ‪ ،‬أو عن صوم رمضان ‪ ،‬فيتحتّم القعود عليه في هذه‬ ‫المسائل لعجزه عن القيام حكما إذ لو قام لزم فوت الطّهارة أو السّتر أو القراءة أو الصّوم‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬القراءة‬

‫ويتحقّق ركن القراءة بقراءة آية من القرآن ‪ ،‬ومحلّها ركعتان في الفرض‬ ‫‪.‬‬

‫بل خلف‬

‫وجميع ‪31 -‬‬

‫ركعات النّفل والوتر‬

‫قال الكاسانيّ ‪ :‬عن أبي حنيفة في قدر القراءة ثلث روايات ‪ .‬في ظاهر الرّواية قدّر أدنى‬ ‫ن } وقوله ‪ُ { :‬ثمّ‬ ‫المفروض بالية التّامّة طويل ًة كانت أو قصير ًة كقوله تعالى ‪ { :‬مُدْهَامّتَا ِ‬ ‫‪}.‬‬

‫س وَ َبسَرَ‬ ‫َنظَرَ } وقوله ‪ُ { :‬ثمّ عَبَ َ‬

‫وفي رواية ‪ :‬الفرض غير مقدّر ‪ ،‬بل هو على أدنى ما يتناوله السم سواء كانت آي ًة أو ما‬ ‫‪.‬‬

‫دونها بعد أن قرأها على قصد القراءة‬

‫وفي رواية ‪ :‬قدر الفرض بآية طويلة كآية الكرسيّ وآية الدّين ‪ ،‬أو ثلث آيات قصار ‪ ،‬وبه‬ ‫‪.‬‬

‫أخذ أبو يوسف‬

‫ن ا ْلقُرْآنِ } فهما يعتبران العرف‪ ،‬ويقولن ‪:‬‬ ‫وأصله قوله تعالى ‪ { :‬فَاقْ َرؤُوا مَا تَ َيسّ َر مِ َ‬ ‫مطلق الكلم ينصرف إلى المتعارف ‪ ،‬وأدنى ما يسمّى المرء به قارئا في العرف أن يقرأ‬ ‫‪:‬‬

‫ج بالية من وجهين‬ ‫آي ًة طويلةً‪ ،‬أو ثلث آيات قصار ‪ ،‬وأبو حنيفة يحت ّ‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫أحدهما ‪ :‬أنّه أمر بمطلق القراءة ‪ ،‬وقراءة آية قصيرة قراءة‬

‫والثّاني ‪ :‬أنّه أمر بقراءة ما تيسّر من القرآن ‪ ،‬وعسى أن ل يتيسّر إ ّل هذا القدر‬

‫وقد أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسيّة سواء كان يحسن القراءة بالعربيّة أو ل يحسن‬

‫وقال أبو يوسف ومحمّد ‪ :‬إن كان يحسن ل يجوز ‪ ،‬وإن كان ل يحسن يجوز ‪ ،‬وإلى قولهما‬ ‫رجع أبو حنيفة كما جاء في ابن عابدين ‪ ،‬وأمّا قراءة الفاتحة فسيأتي أنّها واجبة وليست‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ج ‪ -‬الرّكوع‬

‫وأقلّه طأطأة الرّأس مع انحناء الظّهر ‪ ،‬لنّه هو المفهوم من موضوع اللّغة‬ ‫‪.‬‬

‫بركن‬

‫فيصدق ‪32 -‬‬

‫عليه قوله تعالى ‪ { :‬ا ْر َكعُوا } ‪ ،‬وفي السّراج الوهّاج ‪ :‬هو بحيث لو م ّد يديه نال ركبتيه‬ ‫‪:‬‬

‫د ‪ -‬السّجود‬

‫ويتحقّق بوضع جزء من جبهته وإن ق ّل ‪ ،‬ووضع أكثرها واجب للمواظبة ‪ ،‬كما‬

‫يجب ‪33 -‬‬

‫وضع النف مع الجبهة ‪ ،‬وفي وضع القدمين ثلث روايات ‪ :‬الولى ‪ :‬فرضيّة وضعهما ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫والثّانية ‪ :‬فرضيّة إحداهما ‪ .‬والثّالثة ‪ :‬عدم الفرضيّة ‪ :‬أي أنّه سنّة‬

‫ن المشهور في كتب المذهب اعتماد الفرضيّة ‪ ،‬والرجح من حيث الدّليل‬ ‫قال ابن عابدين ‪ :‬إ ّ‬ ‫ق ‪ ،‬ث ّم الوجه حمل عدم‬ ‫والقواعد عدم الفرضيّة ‪ ،‬ولذا قال في العناية والدّرر ‪ :‬إنّه الح ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الفرضيّة على الوجوب‬

‫هـ ‪ -‬القعدة الخيرة قدر التّشهّد‬ ‫‪.‬‬

‫وهي محلّ خلف عندهم ‪ .‬فقال بعضهم ‪ :‬هي ركن‬

‫أصليّ ‪34 -‬‬

‫وقال بعضهم ‪ :‬إنّها واجبة ل فرض ‪،‬لكن الواجب ‪ -‬هنا ‪ -‬في قوّة الفرض في العمل‬ ‫‪.‬‬

‫ي بل هي شرط للتّحليل‬ ‫كالوتر‪ .‬وعند بعضهم ‪ :‬إنّها فرض وليست بركن أصل ّ‬ ‫‪:‬‬

‫و ‪ -‬الخروج بصنعه‬

‫ي ‪ -‬بأيّ وجه كان من قول أو فعل ‪،‬‬ ‫أي بصنع المصلّي ‪ -‬فعله الختيار ّ‬

‫والواجب ‪35 -‬‬

‫الخروج بلفظ السّلم ويكره تحريما الخروج بغيره كأن يضحك قهقهةً ‪ ،‬أو يحدث عمدا ‪ ،‬أو‬ ‫‪.‬‬

‫يتكلّم ‪ ،‬أو يذهب ‪ ،‬واحترز ( بصنعه ) عمّا لو كان سماويّا كأن سبقه الحدث‬

‫قال الحصكفيّ شارح تنوير البصار ‪ :‬وبقي من الفروض ‪ :‬تمييز المفروض ‪،‬‬

‫وترتيب ‪36 -‬‬

‫القيام على الرّكوع ‪ ،‬والرّكوع على السّجود ‪ ،‬والقعود الخير على ما قبله ‪ ،‬وإتمام‬ ‫الصّلة ‪ ،‬والنتقال من ركن إلى آخر ‪ ،‬ومتابعته لمامه في الفروض ‪ ،‬وصحّة صلة إمامه‬ ‫في رأيه ‪ ،‬وعدم تقدّمه عليه ‪ ،‬وعدم مخالفته في الجهة ‪ ،‬وعدم تذكّر فائتة ‪ ،‬وعدم محاذاة‬ ‫‪".‬‬

‫امرأة بشرطهما ‪ ،‬وتعديل الركان عند الثّاني " وهو أبو يوسف‬

‫واختلفوا في تفسير تمييز المفروض ‪ ،‬ففسّره بعضهم ‪ :‬بأن يميّز السّجدة الثّانية عن‬ ‫ن المراد‬ ‫ل أو يكون إلى القعود أقرب ‪ ،‬وذهب آخرون إلى أ ّ‬ ‫الولى‪ ،‬بأن يرفع ولو قلي ً‬ ‫بالتّمييز تمييز ما فرض عليه من الصّلوات عمّا لم يفرض عليه ‪ ،‬حتّى لو لم يعلم فرضيّة‬ ‫‪.‬‬

‫الخمس ‪ ،‬إلّ أنّه كان يصلّيها في وقتها ل يجزيه‬

‫ولو علم أنّ البعض فرض والبعض سنّة ونوى الفرض في الكلّ ‪ ،‬أو لم يعلم ونوى صلة‬ ‫المام عند اقتدائه في الفرض جاز ‪ ،‬ولو علم الفرض دون ما فيه من فرائض وسنن جازت‬ ‫صلته أيضا ‪ ،‬فليس المراد المفروض من أجزاء كلّ صلة ‪ ،‬أي كأن يعلم أنّ القراءة فيها‬ ‫فرض وأنّ التّسبيح سنّة وهكذا ‪ .‬والمراد بترتيب القيام على الرّكوع ‪،‬والرّكوع على‬ ‫السّجود‪ ،‬والقعود الخير على ما قبله ‪ ،‬تقديمه عليه حتّى لو ركع ث ّم قام لم يعتبر ذلك‬ ‫الرّكوع ‪ ،‬فإن ركع ثانيا صحّت صلته ‪ ،‬لوجود التّرتيب المفروض ‪ ،‬ولزمه سجود السّهو‬

‫لتقديمه الرّكوع المفروض ‪ ،‬وكذا تقديم الرّكوع على السّجود ‪ ،‬وأمّا القعود الخير فيفترض‬ ‫إيقاعه بعد جميع الركان ‪ ،‬حتّى لو تذكّر بعده سجدةً صلب ّي ًة سجدها وأعاد القعود وسجد‬ ‫‪.‬‬

‫للسّهو ‪ ،‬ولو تذكّر ركوعا قضاه مع ما بعده من السّجود ‪ ،‬أو قياما أو قراء ًة صلّى ركعةً‬ ‫ن‬ ‫ومن الفرائض ‪ -‬أيضا ‪ -‬إتمام الصّلة ‪ ،‬والنتقال من ركن إلى ركن ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫النّصّ ‪37 -‬‬

‫الموجب للصّلة يوجب ذلك ‪ ،‬إذ ل وجود للصّلة بدون إتمامها وذلك يستدعي المرين‬

‫ن المراد بالتمام عدم القطع ‪ .‬وبالنتقال النتقال عن الرّكن‬ ‫قال ابن عابدين ‪ :‬والظّاهر أ ّ‬ ‫للتيان بركن بعده إذ ل يتحقّق ما بعده إلّ بذلك ‪ ،‬وأمّا النتقال من ركن إلى آخر بل فاصل‬ ‫بينهما فواجب حتّى لو ركع ثمّ ركع يجب عليه سجود السّهو ‪ ،‬لنّه لم ينتقل من الفرض‬ ‫‪.‬‬

‫وهو الرّكوع إلى السّجود ‪ ،‬بل أدخل بينهما أجنبيّا ‪ ،‬وهو الرّكوع الثّاني‬ ‫‪).‬‬

‫والنّيّة عندهم شرط وليست بركن ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬نيّة‬

‫وكذا تكبيرة الحرام ‪ ،‬فهي عندهم شرط في الصّلة عمومًا غير صلة الجنازة ‪ ،‬أمّا في‬ ‫‪.‬‬

‫الجنازة فهي ركن اتّفاقا‬

‫‪ ) .‬تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬تكبيرة الحرام ‪ ،‬ف ‪، 3 /‬‬ ‫‪:‬‬

‫‪13‬‬

‫‪/‬‬

‫‪218‬‬

‫واجبات الصّلة‬

‫قد سبق أنّه لم يقل بواجبات الصّلة سوى الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬وواجبات الصّلة عند الحنفيّة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫تختلف عن واجبات الصّلة عند الحنابلة‬

‫أ ‪ -‬واجبات الصّلة عند الحنفيّة‬

‫قراءة الفاتحة ‪ .‬وهي من واجبات الصّلة لثبوتها بخبر الواحد الزّائد على قوله تعالى‬ ‫‪.‬‬

‫{ ‪38 -‬‬

‫ن ا ْلقُرْآنِ } والزّيادة وإن كانت ل تجوز لكن يجب العمل بها‬ ‫فَاقْ َرؤُوا مَا تَ َيسّ َر مِ َ‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا قمت إلى الصّلة‬ ‫ومن أجل ذلك قالوا بوجوبها ‪ .‬ولقول النّب ّ‬ ‫فأسبغ الوضوء ث ّم استقبل القبلة ‪ ،‬فكبّر ‪ ،‬ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن » ولو كانت‬ ‫ي صلى ال عليه‬ ‫قراءة الفاتحة ركنا لعلّمه إيّاها لجهله بالحكام وحاجته إليه ‪ ،‬وقول النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وسلم ‪ « :‬ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » محمول على نفي الفضيلة‬

‫ن كلّ آية منها واجبة ‪ ،‬ويسجد للسّهو بتركها ‪ .‬وهذا على قول المام القائل إنّها واجبة‬ ‫ثمّ إ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫بتمامها ‪ ،‬وأمّا عند الصّاحبين ‪ :‬فالواجب أكثرها ‪ ،‬فيسجد للسّهو بترك أكثرها ل أقلّها‬ ‫‪.‬‬

‫ي ‪ :‬وهو ‪ -‬أي قول المام ‪ -‬أولى ‪ ،‬وعليه فكلّ آية واجبة‬ ‫قال الحصكف ّ‬

‫ضمّ أقصر سورة إلى الفاتحة ‪ -‬كسورة الكوثر ‪ -‬أو ما يقوم مقامها من ثلث‬

‫آيات ‪39 -‬‬

‫ظرَ ‪ُ ،‬ثمّ عَ َبسَ وَ َبسَ َر ‪ُ ،‬ثمّ أَدْبَ َر وَاسْ َتكْبَ َر } أو آية طويلة‬ ‫قصار نحو قوله تعالى ‪ُ { :‬ثمّ َن َ‬ ‫‪.‬‬

‫تعدل ثلث آيات قصار ‪ ،‬وقدّروها بثلثين حرفا‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ضمّ في الوليين من الفرض ‪ ،‬وجميع ركعات النّفل والوتر‬ ‫ومحلّ هذا ال ّ‬

‫ويجب تعيين القراءة في الوليين عينا من الفرض من الثّلثيّة‬

‫والرّباعيّة ‪40 -‬‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬وهو المشهور في المذهب الّذي عليه المتون ‪ ،‬وهو المصحّح‬

‫ن محلّ القراءة ركعتان من الفرض غير عين ‪ ،‬وكونهما في الوليين أفضل‬ ‫وقيل ‪ :‬إ ّ‬

‫وثمرة الخلف تظهر في وجوب سجود السّهو إذا تركها في الوليين أو في إحداهما سهوا‬ ‫‪.‬‬

‫لتأخير الواجب سهوا عن محلّه ‪ ،‬وعلى القول بالسّنّيّة ل يجب‬

‫ويجب تقديم الفاتحة على كلّ السّورة ‪ ،‬حتّى قالوا ‪ :‬لو قرأ حرفا من السّورة ساهيا‬

‫ثمّ ‪41 -‬‬

‫تذكّر يقرأ الفاتحة ث ّم السّورة ويلزمه سجود السّهو ‪ ،‬وقيّده في فتح القدير بأن يكون مقدار‬ ‫ن الظّاهر أنّ العلّة هي تأخير‬ ‫ما يتأدّى به ركن ‪ .‬وهو ما مال إليه ابن عابدين قال ‪ :‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫البتداء بالفاتحة ‪ ،‬والتّأخير اليسير وهو ما دون ركن معفوّ عنه‬

‫وكذا يجب ترك تكريرها قبل سورة الوليين ‪ ،‬فلو قرأها في ركعة من الوليين مرّتين وجب‬ ‫سجود السّهو ‪ ،‬لتأخير الواجب وهو السّورة ‪ ،‬ومثله ما لو قرأ أكثرها ثمّ أعادها ‪ .‬أمّا لو‬ ‫قرأها قبل السّورة مرّةً وبعدها مرّ ًة فل تجب ‪ ،‬لعدم التّأخير ‪ ،‬لنّ الرّكوع ليس واجبا بإثر‬ ‫‪.‬‬

‫السّورة ‪ ،‬فإنّه لو جمع بين سور بعد الفاتحة ل يجب عليه شيء‬

‫ن القتصار على مرّة في الخريين ليس بواجب حتّى‬ ‫ول يجب ترك التّكرار في الخريين ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ل يلزمه ‪ -‬سجود السّهو بتكرار الفاتحة فيها سهوا ‪ ،‬ولو تعمّده ل يكره ما لم يؤدّ إلى‬ ‫‪.‬‬

‫التّطويل على الجماعة ‪ ،‬أو إطالة الرّكعة على ما قبلها‬

‫رعاية التّرتيب بين القراءة والرّكوع وفيما يتكرّر ‪ ،‬ومعنى كونه واجبا ‪ :‬أنّه لو‬

‫ركع ‪42 -‬‬

‫ح ركوع هذه الرّكعة ‪ ،‬لنّه ل يشترط في الرّكوع أن يكون مترتّبا على قراءة‬ ‫قبل القراءة ص ّ‬ ‫في كلّ ركعة ‪ ،‬بخلف التّرتيب بين الرّكوع والسّجود مثلً فإنّه فرض حتّى لو سجد قبل‬ ‫الرّكوع لم يصحّ سجود هذه الرّكعة ‪ ،‬لنّ أصل السّجود يشترط ترتّبه على الرّكوع في كلّ‬ ‫ركعة كترتّب الرّكوع على القيام كذلك ‪ ،‬لنّ القراءة لم تفرض في جميع ركعات الفرض بل‬ ‫‪.‬‬

‫في ركعتين منه بل تعيين ‪ .‬أمّا القيام والرّكوع والسّجود فإنّها معيّنة في كلّ ركعة‬

‫والمراد بقوله فيما يتكرّر ‪ :‬السّجدة الثّانية من كلّ ركعة وعدد الرّكعات ‪ .‬أمّا السّجدة الثّانية‬ ‫من كلّ ركعة ‪ :‬فالتّرتيب بينها وبين ما بعدها واجب ‪ ،‬حتّى لو ترك سجدةً من ركعة ثمّ‬ ‫تذكّرها فيما بعدها من قيام أو ركوع أو سجود فإنّه يقضيها ‪ ،‬ول يقضي ما فعله قبل‬ ‫قضائها ممّا هو بعد ركعتها من قيام أو ركوع أو سجود ‪ ،‬بل يلزمه سجود السّهو فقط ‪،‬‬ ‫لكن اختلف في لزوم قضاء ما إذا تذكّرها فقضاها فيه ‪ ،‬كما لو تذكّر وهو راكع أو ساجد‬

‫أنّه لم يسجد في الرّكعة الّتي قبلها فإنّه يسجدها ‪ ،‬وهل يعيد الرّكوع أو السّجود المتذكّر فيه‬ ‫‪.‬‬

‫؟‬

‫ن التّرتيب ليس بفرض بين ما يتكرّر من‬ ‫ففي الهداية أنّه ل تجب إعادته بل تستحبّ معلّلً بأ ّ‬ ‫ل بأنّه ارتفض بالعود إلى ما قبله‬ ‫الفعال ‪ ،‬وفي الخانيّة أنّه يعيده وإلّ فسدت صلته ‪ ،‬معلّ ً‬ ‫من الركان ‪ ،‬لنّه قبل الرّفع منه يقبل الرّفض ‪ ،‬بخلف ما لو تذكّر السّجدة بعدما رفع من‬ ‫الرّكوع ‪ ،‬لنّه بعدما تمّ بالرّفع ل يقبل الرّفض‬

‫‪.‬‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬والمعتمد ما في الهداية ‪ ،‬ولو نسي سجد ًة من الرّكعة الولى قضاها ولو‬ ‫بعد السّلم قبل إتيانه بمفسد ‪ ،‬لكنّه يتشهّد ‪ ،‬ثمّ يسجد للسّهو ‪ ،‬ثمّ يتشهّد ‪ ،‬لبطلن التّشهّد‬ ‫والقعدة الخيرة بالعود إلى السّجدة ‪ ،‬لشتراطها التّرتيب ‪ ،‬والتّقييد بالتّرتيب بينها وبين ما‬ ‫ن التّرتيب بين الرّكوع والسّجود من ركعة واحدة‬ ‫بعدها للحتراز عمّا قبلها من ركعتها ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫شرط‬

‫وأمّا الرّكعات فإنّ التّرتيب فيها واجب إلّ لضرورة القتداء حيث يسقط به التّرتيب ‪ ،‬فإنّ‬ ‫‪.‬‬

‫المسبوق يصلّي آخر الرّكعات قبل أوّلها‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬فإن قلت وجوب الشّيء إنّما يصحّ إذا أمكن ضدّه ‪ ،‬وعدم التّرتيب بين‬ ‫ن المصلّي كلّ ركعة أتى بها أ ّولً فهي الولى ‪ ،‬وثانيا فهي الثّانية‬ ‫الرّكعات غير ممكن فإ ّ‬ ‫وهكذا ‪ .‬فإنّه يمكن ذلك لنّه من المور العتباريّة الّتي يبتنى عليها أحكام شرعيّة إذا وجد‬ ‫معها ما يقتضيها ‪ ،‬فإذا صلّى من الفرض الرّباعيّ ركعتين ‪ ،‬وقصد أن يجعلهما الخيرتين‬ ‫فهو لغو ‪ ،‬إ ّل إذا حقّق قصده بأن ترك فيهما القراءة ‪ ،‬وقرأ فيما بعدهما فحينئذ يبتنى عليه‬ ‫أحكام شرعيّة وهي وجوب العادة والثم ‪ ،‬لوجود ما يقتضي تلك الحكام ولهذا اعتبر‬ ‫الشّارع صلة المسبوق غير مرتّبة من حيث القوال ‪ ،‬فأوجب عليه عكس التّرتيب بأن أمره‬ ‫‪.‬‬

‫بأن يفعل ما يبتنى على ذلك من قراءة وجهر‬

‫كذلك أمر غيره بالتّرتيب بأن يفعل ما يقتضيه بأن يقرأ أ ّولً ويجهر أو يس ّر ‪ ،‬وإذا خالف‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫تعديل الركان‬

‫يكون قد عكس التّرتيب حكما‬

‫وهو ‪ :‬تسكين الجوارح في الرّكوع والسّجود حتّى تطمئنّ مفاصله ‪ ،‬وأدناه قدر‬

‫تسبيحة ‪43 -‬‬

‫ي ‪ ،‬ووجهه أنّه شرع لتكميل ركن فيكون واجبا كقراءة‬ ‫‪ ،‬وهو واجب في تخريج الكرخ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫الفاتحة‬

‫ي أنّه سنّة لنّه شرع لتكميل الركان وليس بمقصود لذاته‬ ‫وفي تخريج الجرجان ّ‬

‫ي صلى ال عليه وسلم لمن أخفّ الصّلة ‪:‬‬ ‫وذهب أبو يوسف إلى أنّه فرض « لقول النّب ّ‬ ‫صلّ فإنّك لم تصلّ » وقوله صلى ال عليه وسلم في حديث رفاعة بن رافع ‪ « :‬إنّها ل تتمّ‬ ‫صلة أحدكم حتّى يسبغ الوضوء كما أمره اللّه ع ّز وجلّ ‪ :‬فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين‬ ‫ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ‪ ،‬ثمّ يكبّر اللّه عزّ وجلّ ويحمده ‪ ،‬ثمّ يقرأ من القرآن ما‬ ‫ن مفاصله ثمّ يقول ‪ :‬سمع اللّه‬ ‫أذن له فيه وتيسّر ‪ ،‬ثمّ يقول ‪ :‬اللّه أكبر ثمّ يركع حتّى تطمئ ّ‬ ‫لمن حمده حتّى يستوي قائما ثمّ يقول ‪ :‬اللّه أكبر ‪ .‬قال ‪ :‬ثمّ يكبّر فيسجد فيمكّن وجهه ‪ -‬أو‬ ‫جبهته ‪ -‬من الرض حتّى تطمئنّ مفاصله وتسترخي ‪ ،‬ثمّ يكبّر فيستوي قاعدا على مقعده ‪،‬‬ ‫ويقيم صلبه » فوصف الصّلة هكذا أربع ركعات حتّى فرغ « ل تتمّ صلة أحدكم حتّى يفعل‬ ‫‪».‬‬

‫ذلك‬

‫واستدلّ على الوجوب بقوله تعالى ‪ { :‬وَا ْركَعُوا واسْجُدُوا } حيث أمر بالرّكوع ‪ ،‬وهو ‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫النحناء لغةً ‪ ،‬وبالسّجود ‪ ،‬وهو ‪ :‬النخفاض لغةً ‪ ،‬فتتعلّق الرّكنيّة بالدنى منهما‬

‫ي صلى ال عليه وسلم سمّاه صلةً ‪ .‬فقال له ‪ « :‬إذا‬ ‫وفي آخر الحديث الّذي روي عن النّب ّ‬ ‫فعلت ذلك فقد تمّت صلتك ‪ ،‬وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلتك » ول حجّة في‬ ‫الحديث الثّاني ‪ -‬أيضا ‪ -‬لنّ فيه وضع اليدين على الرّكبتين والثّناء والتّسميع وليست هذه‬ ‫‪.‬‬

‫الشياء فرضا بالجماع‬

‫وكذا تجب الطّمأنينة في الرّفع من الرّكوع والسّجود ‪ ،‬وكذا نفس الرّفع من الرّكوع‬ ‫ج حتّى قال‬ ‫والجلوس بين السّجدتين ‪ ،‬وهو اختيار المحقّق ابن الهمام وتلميذه ابن أمير حا ّ‬ ‫‪ :‬إنّه الصّواب ‪ ،‬للمواظبة على ذلك كلّه ‪ ،‬وللمر في حديث المسيء صلته ‪ ،‬ولما ذكره‬ ‫‪.‬‬

‫قاضي خان من لزوم سجود السّهو بترك الرّفع من الرّكوع ساهيا‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬والحاصل أنّ الصحّ روايةً ودرايةً وجوب تعديل الركان ‪ ،‬وأمّا القومة‬ ‫والجلسة وتعديلها فالمشهور في المذهب السّنّيّة ‪ ،‬وروي وجوبها ‪ ،‬وهو الموافق للدلّة‬ ‫وعليه الكمال بن الهمام ومن بعده من المتأخّرين ‪ .‬وقال أبو يوسف بفرضيّة الكلّ ‪،‬‬ ‫واختاره في المجمع والعينيّ ورواه الطّحاويّ عن أئمّتنا الثّلثة ‪ .‬وقال في الفيض ‪ :‬إنّه‬ ‫‪.‬‬

‫الحوط‬

‫القعود الوّل ‪ :‬يجب القعود الوّل قدر التّشهّد إذا رفع رأسه من السّجدة الثّانية‬

‫في ‪44 -‬‬

‫الرّكعة الثّانية في ذوات الربع والثّلث ‪ ،‬ولو في النّفل في الصحّ خلفا لمحمّد في افتراضه‬ ‫‪.‬‬

‫ي أنّها في غير النّفل سنّة‬ ‫قعدة كلّ شفع نفلً ‪ ،‬وللطّحاويّ والكرخ ّ‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬قال في البدائع ‪ :‬وأكثر مشايخنا يطلقون عليه اسم السّنّة ‪ ،‬إمّا لنّ‬ ‫‪.‬‬

‫وجوبه عرف بها ‪ ،‬أو لنّ المؤكّدة في معنى الواجب ‪ ،‬وهذا يقتضي رفع الخلف‬

‫التّشهّدان ‪ :‬أي تشهّد القعدة الولى وتشهّد الخيرة ‪ ،‬ويجب سجود السّهو بترك‬

‫بعضه‪45 - ،‬‬

‫لنّه ذكر واحد منظوم فترك بعضه كترك كلّه ‪ ،‬وأفضل صيغ التّشهّد هي المرويّة عن ابن‬ ‫‪.‬‬

‫مسعود ‪ ،‬وستأتي في سنن الصّلة‬

‫السّلم ‪ :‬واستدلّوا على وجوبه وعدم فرضيّته بحديث عبد اللّه بن مسعود رضي‬

‫ال ‪46 -‬‬

‫تعالى عنه أنّه عليه الصلة والسلم « قال له حين علّمه التّشهّد ‪ :‬إذا قلت هذا أو قضيت‬ ‫‪».‬‬

‫هذا فقد قضيت صلتك‬

‫وعن عبد اللّه بن عمرو ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫‪».‬‬

‫وسلم ‪ « :‬إذا أحدث الرّجل وقد جلس في آخر صلته قبل أن يسلّم فقد جازت صلته‬

‫ي ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪ « : -‬إذا قعد قدر التّشهّد ث ّم أحدث فقد تمّت صلته »‬ ‫وعن عل ّ‬ ‫حل‬ ‫وأمّا قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬تحريمها التّكبير ‪ ،‬وتحليلها التّسليم » فإنّه إن ص ّ‬ ‫يفيد الفرضيّة ‪ ،‬لنّها ل تثبت بخبر الواحد ‪ ،‬وإنّما يفيد الوجوب ‪ .‬ثمّ إنّه يجب مرّتين ‪،‬‬ ‫‪".‬‬ ‫‪.‬‬

‫والواجب منه لفظ " السّلم " فقط دون " عليكم‬

‫إتيان كلّ فرض أو واجب في محلّه ‪ ،‬فلو أخّره عن محلّه سهوا سجد‬ ‫‪.‬‬

‫للسّهو ‪47 -‬‬

‫ومثال تأخير الفرض ‪ :‬ما لو أتمّ الفاتحة ث ّم مكث متفكّرا سهوا ثمّ ركع‬

‫ومثال تأخير الواجب ‪ :‬ما لو تذكّر السّورة وهو راكع فضمّها قائما وأعاد الرّكوع سجد‬ ‫للسّهو ‪ .‬وكذا يجب ترك تكرير الرّكوع وتثليث السّجود ‪ -‬لنّ في زيادة ركوع أو سجود‬ ‫تغيير المشروع ‪ ،‬لنّ الواجب في كلّ ركعة ركوع واحد وسجدتان فقط ‪ ،‬فإذا زاد على ذلك‬ ‫فقد ترك الواجب ‪ ،‬ويلزم منه أيضًا ترك واجب آخر ‪ ،‬وهو إتيان الفرض في غير محلّه ‪،‬‬ ‫لنّ تكرير الرّكوع فيه تأخير السّجود عن محلّه وتثليث السّجود فيه تأخير القيام أو القعدة ‪،‬‬ ‫وكذا القعدة في آخر الرّكعة الولى أو الثّالثة فيجب تركها ‪ ،‬ويلزم من فعلها ‪ -‬أيضا ‪-‬‬ ‫تأخير القيام إلى الثّانية أو الرّابعة عن محلّه‬

‫‪.‬‬

‫وهذا إذا كانت القعدة طويلةً ‪ ،‬أمّا الجلسة الخفيفة الّتي استحبّها الشّافعيّة فتركها غير‬ ‫واجب‪ ،‬بل هو الفضل ‪ .‬وهكذا كلّ زيادة بين فرضين أو بين فرض وواجب يكون فيها ترك‬ ‫واجب بسبب تلك الزّيادة ‪ ،‬ويلزم منها ترك واجب آخر ‪ ،‬وهو تأخير الفرض الثّاني عن‬ ‫‪.‬‬

‫محلّه ‪ .‬ويدخل في الزّيادة السّكوت ‪ ،‬حتّى لو شكّ فتفكّر سجد للسّهو‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬إنّ ترك هذه المذكورات واجب لغيره ‪ ،‬وهو إتيان كلّ واجب أو فرض في‬ ‫ن ذلك الواجب ل يتحقّق إلّ بترك هذه المذكورات ‪ ،‬فكان تركها واجبا لغيره ‪،‬‬ ‫محلّه ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫لنّه يلزم من الخلل بهذا الواجب الخلل بذاك الواجب فهو نظير عدّهم من الفرائض‬ ‫‪.‬‬

‫النتقال من ركن إلى ركن فإنّه فرض لغيره‬

‫وبقي من واجبات الصّلة ‪ :‬قراءة قنوت الوتر ‪ ،‬وتكبيرات العيدين ‪ ،‬والجهر والسرار فيما‬ ‫‪.‬‬

‫يجهر فيه ويسرّ ‪ .‬وتنظر في مصطلحاتها‬

‫ب ‪ -‬واجبات الصّلة عند الحنابلة‬

‫‪:‬‬

‫تكبيرات النتقال في محلّها ‪ :‬ومحلّها ما بين بدء النتقال وانتهائه لحديث أبي‬

‫موسى ‪48 -‬‬

‫الشعريّ ‪ « :‬فإذا كبّر يعني المام وركع ‪ ،‬فكبّروا واركعوا ‪ ، ...‬وإذا كبّر وسجد ‪ ،‬فكبّروا‬ ‫واسجدوا » وهذا أمر ‪ ،‬وهو يقتضي الوجوب ‪ ،‬ولو شرع المصلّي في التّكبير قبل انتقاله‬ ‫كأن يكبّر للرّكوع أو السّجود قبل هويّه إليه ‪ ،‬أو كمّله بعد انتهائه بأن كبّر وهو راكع أو‬ ‫‪.‬‬

‫وهو ساجد بعد انتهاء هويّه ‪ ،‬فإنّه ل يجزئه ذلك التّكبير ‪ ،‬لنّه لم يأت به في محلّه‬

‫وإن شرع فيه قبله أو كمّله بعده فوقع بعضه خارجا منه فهو كتركه ‪ ،‬لنّه لم يكمله في‬ ‫محلّه فأشبه من تعمّد قراءته راكعا أو أخذ في التّشهّد قبل قعوده‬

‫‪.‬‬

‫قال البهوتيّ ‪ :‬هذا قياس المذهب ‪ ،‬ويحتمل أن يعفى عن ذلك ‪ ،‬لنّ التّحرّز يعسر ‪ ،‬والسّهو‬ ‫‪.‬‬

‫به يكثر ففي البطال به والسّجود له مشقّة‬

‫ويستثنى من ذلك تكبيرة ركوع مسبوق أدرك إمامه راكعا ‪ ،‬فكبّر للحرام ثمّ ركع معه فإنّ‬ ‫تكبيرة الحرام ركن ‪ ،‬وتكبيرة الرّكوع هنا سنّة للجتزاء عنها بتكبيرة الحرام ‪ .‬قالوا ‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫وإن نوى تكبيرة الرّكوع مع تكبيرة الحرام لم تنعقد صلته‬ ‫‪:‬‬

‫التّسميع‬

‫وهو قول ‪ " :‬سمع اللّه لمن حمده " ‪ ،‬وهو واجب للمام والمنفرد دون المأموم ‪،‬‬

‫لنّ ‪49 -‬‬

‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يقول ذلك ‪ .‬ولقوله صلى ال عليه وسلم لبريدة « يا‬ ‫‪».‬‬

‫بريدة ‪ ،‬إذا رفعت رأسك من الرّكوع فقل ‪ :‬سمع اللّه لمن حمده ‪ ،‬اللّهمّ ربّنا لك الحمد‬ ‫‪.‬‬

‫ويجب أن يأتي بها مرتّبةً ‪ ،‬فلو قال ‪ :‬من حمد اللّه سمع له ‪ ،‬لم يجزئه‬

‫وأمّا المأموم فإنّه يحمد فقط في حال رفعه من الرّكوع ول يسمع ‪ ،‬لما روى أبو هريرة‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا قال يعني المام سمع اللّه لمن‬ ‫رضي ال عنه أنّ النّب ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫التّحميد‬

‫حمده ‪ ،‬فقولوا ‪ :‬ربّنا ولك الحمد‬

‫وهو قول ‪ " :‬ربّنا ولك الحمد " وهو واجب على المام والمأموم والمنفرد ‪ .‬لحديث‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫أنس ‪50 -‬‬

‫وأبي هريرة المتقدّم ‪ ،‬ويجزئه أن يقول ‪ :‬ربّنا لك الحمد بل واو‬

‫وبالواو أفضل ‪ ،‬كما يجزئه أن يقول ‪ " :‬اللّهمّ ربّنا لك الحمد " بل واو‬ ‫‪".‬‬ ‫‪:‬‬

‫وأفضل منه مع الواو ‪ ،‬فيقول ‪ " :‬اللّهمّ ربّنا ولك الحمد‬

‫التّسبيح في الرّكوع‬

‫وهو قول ‪ « :‬سبحان ربّي العظيم " والواجب منه مرّة واحدة ‪ ،‬لما روى حذيفة «‬

‫أنّه ‪51 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم فكان يقول في ركوعه ‪ :‬سبحان ربّي العظيم ‪ .‬وفي‬ ‫صلّى مع النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫سجوده ‪ :‬سبحان ربّي العلى‬

‫ي صلى ال‬ ‫سمِ رَبّكَ ا ْل َعظِي ِم } قال النّب ّ‬ ‫وعن عقبة بن عامر قال ‪ « :‬لمّا نزلت { َفسَ ّبحْ بِا ْ‬ ‫ك الْأَعْلَى } قال ‪ :‬اجعلوها‬ ‫سمَ رَبّ َ‬ ‫عليه وسلم ‪ :‬اجعلوها في ركوعكم ‪ .‬فلمّا نزلت { سَ ّبحِ ا ْ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫في سجودكم‬

‫التّسبيح في السّجود‬

‫وهو قول ‪ " :‬سبحان ربّي العلى " ‪ ،‬والواجب منه مرّة واحدة لحديث حذيفة وعقبة‬ ‫‪.‬‬ ‫"‬

‫بن ‪52 -‬‬

‫عامر المتقدّمين‬

‫قول ‪ " :‬ربّ اغفر لي‬

‫في الجلوس بين السّجدتين ‪ :‬وهو واجب مرّةً واحدةً على المام والمأموم والمنفرد‬

‫‪53 - ،‬‬

‫ب اغفر لي »‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يقول بين السّجدتين ‪ :‬ر ّ‬ ‫لما روى حذيفة « أ ّ‬ ‫‪.‬قالوا ‪ :‬وإن قال ‪ " :‬ربّ اغفر لنا " أو " اللّهمّ اغفر لنا " فل بأس‬ ‫‪:‬‬

‫التّشهّد الوّل‬

‫ي صلى ال عليه وسلم فعله وداوم على فعله وأمر به وسجد للسّهو حين‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫لّ‬

‫نسيه ‪54 -‬‬

‫‪ .‬قالوا ‪ :‬وهذا هو الصل المعتمد عليه في سائر الواجبات ‪ ،‬لسقوطها بالسّهو وانجبارها‬ ‫ي ورحمة اللّه ‪،‬‬ ‫بالسّجود ‪ ،‬والمجزئ من التّشهّد الوّل " التّحيّات للّه ‪ ،‬سلم عليك أيّها النّب ّ‬ ‫ن محمّدا رسول اللّه ‪،‬‬ ‫سلم علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين ‪ ،‬أشهد أن ل إله إلّ اللّه ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ن محمّدا عبده ورسوله " فمن ترك حرفا من ذلك عمدا لم تصحّ صلته ‪ ،‬للتّفاق عليه‬ ‫أو أ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫في كلّ الحاديث‬

‫الجلوس للتّشهّد الوّل‬

‫وهو واجب على غير من قام إمامه سهوا ولم ينبّه ‪ ،‬فيسقط عنه حينئذ التّشهّد‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫أنواع السّنن في الصّلة‬

‫ويتابع إمامه وجوبا‬

‫قسّم جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ -‬سنن الصّلة باعتبار‬ ‫‪:‬‬

‫الوّل‪55 - ،‬‬

‫تأكّدها ‪56 -‬‬

‫وعدمه وما يترتّب على تركها إلى نوعين‬

‫فقسّمها الحنفيّة إلى ‪ :‬سنن وآداب ‪ ،‬والمقصود بالسّنن ‪ :‬هي السّنن المؤكّدة الّتي واظب‬ ‫عليها الرّسول صلى ال عليه وسلم أو الخلفاء الرّاشدون من بعده ‪ ،‬وتركها يوجب الساءة‬ ‫‪.‬‬

‫‪ ،‬والثم إذا أصرّ على التّرك‬

‫‪.‬‬

‫والداب ‪ :‬وهي السّنن غير المؤكّدة ‪ ،‬وتركها ل يوجب إساءةً ول عتابا لكن فعلها أفضل‬ ‫‪.‬‬

‫كما قسّمها المالكيّة إلى ‪ :‬سنن ومندوبات ‪ .‬فالسّنن ‪ :‬هي السّنن المؤكّدة‬

‫والمندوبات ‪ :‬هي السّنن غير المؤكّدة ويسمّونها ‪ -‬أيضا ‪ -‬نوافل وفضائل ومستحبّات ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وعند الشّافعيّة تنقسم إلى ‪ :‬أبعاض ‪ ،‬وهيئات‬

‫فالبعاض ‪ :‬هي السّنن المجبورة بسجود السّهو ‪ ،‬سواء تركها عمدا أو سهوا ‪ ،‬وسمّيت‬ ‫‪.‬‬

‫أبعاضا لتأكّد شأنها بالجبر تشبيها بالبعض حقيقةً ‪ ،‬والهيئات ‪ :‬هي السّنن الّتي ل تجبر‬

‫ولم يقسّمها الحنابلة بهذا العتبار وإنّما قسّموها باعتبار القول والفعل ‪ ،‬فهي تنقسم عندهم‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫إلى ‪ :‬سنن أقوال ‪ ،‬وسنن أفعال وهيئات‬

‫سنن الصّلة‬

‫أ ‪ -‬رفع اليدين عند تكبيرة الحرام‬

‫اتّفق الفقهاء على أنّه يسنّ للمصلّي عند تكبيرة الحرام أن يرفع يديه ‪ ،‬لما روى‬ ‫‪».‬‬

‫ابن ‪57 -‬‬

‫ن رسول صلى ال عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصّلة‬ ‫عمر ‪ « :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وقد نقل ابن المنذر وغيره الجماع على ذلك ‪ .‬واختلفوا في كيفيّة الرّفع‬

‫فذهب الحنفيّة إلى أنّه يرفع يديه حذاء أذنيه حتّى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه‬

‫‪58 - ،‬‬

‫وبرءوس الصابع فروع أذنيه ‪ ،‬ويستقبل ببطون كفّيه القبلة ‪ ،‬وينشر أصابعه ويرفعهما ‪،‬‬ ‫فإذا استقرّتا في موضع محاذاة البهامين شحمتي الذنين يكبّر ‪ ،‬فالرّفع يكون قبل التّكبير ‪.‬‬ ‫وهذا في الرّجل ‪ ،‬أمّا المرأة فإنّها ترفع يديها حذاء المنكبين ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ول يطأطئ المصلّي‬ ‫‪.‬‬

‫رأسه عند التّكبير ‪ ،‬فإنّه بدعة‬

‫ضمّ ‪ ،‬ول يفرّج كلّ التّفريج بل يتركها على‬ ‫ولو رفع المصلّي يديه فإنّه ل يضمّ أصابعه كلّ ال ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ضمّ والتّفريج‬ ‫ما كانت عليه بين ال ّ‬

‫وصرّحوا بأنّه لو كبّر ولم يرفع يديه حتّى فرغ من التّكبير لم يأت به ‪ ،‬وإن ذكره في أثناء‬ ‫التّكبير رفع ‪ ،‬وإن لم يمكنه الرّفع إلى الموضع المسنون رفعهما قدر ما يمكن ‪ ،‬وإن أمكنه‬ ‫‪.‬‬

‫رفع إحداهما دون الخرى رفعها وإن لم يمكنه الرّفع إلّ بزيادة على المسنون رفعهما‬

‫كما صرّحوا بأنّه لو اعتاد المصلّي ترك رفع اليدين عند تكبيرة الحرام فإنّه يأثم ‪ ،‬وإثمه ل‬ ‫لنفس التّرك ‪ ،‬بل لنّه استخفاف وعدم مبالة بسنّة واظب عليها النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫مدّة عمره ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬الستخفاف بمعنى التّهاون وعدم المبالة ‪ ،‬ل بمعنى‬ ‫‪.‬‬

‫الستهانة والحتقار ‪ ،‬وإلّ كان كفرا‬

‫وذهب المالكيّة إلى أنّ المصلّي يرفع يديه عند شروعه في الحرام ‪ ،‬فيكره رفعهما‬

‫قبل ‪59 -‬‬

‫التّكبير أو بعده ‪ ،‬والرّفع يكون بحيث تكون ظهور يديه إلى السّماء وبطونهما إلى الرض‬

‫وبحيث ينتهي رفعهما إلى حذو المنكبين على المشهور ‪ ،‬وقيل ‪ :‬انتهاؤها إلى الصّدر ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬يرفعهما حذو الذنين ‪ ،‬وهما مقابلن للمشهور‬

‫وتسمّى صفة هذا الرّفع عندهم صفة الرّاهب ‪ -‬وهي المذهب ‪ -‬ومقابله صفتان ‪ :‬صفة‬ ‫الرّاغب ‪ :‬وهي بأن يجعل بطون يديه للسّماء ‪ ،‬وصفة النّابذ ‪ :‬وهي أن يحاذي بكفّيه منكبيه‬ ‫‪.‬‬

‫قائمتين ورءوس أصابعهما ممّا يلي السّماء على صورة النّابذ للشّيء‬

‫والدّليل على أنّ اليدين تكون حذو المنكبين في الرّفع ما في حديث ابن عمر ‪ « :‬من أنّ‬ ‫‪.‬‬

‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصّلة‬

‫والدّليل على أنّها تكون حذو الصّدر ما في حديث وائل بن حجر قال ‪ « :‬رأيت أصحاب‬ ‫‪».‬‬

‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصّلة‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫والدّليل على كونها حذو الذنين حديث مالك بن الحويرث ‪ « :‬أ ّ‬ ‫رفع يديه حتّى حاذى بهما أذنيه » وهذا في رفع الرّجل ‪ ،‬أمّا المرأة فدون ذلك إجماعا‬ ‫‪.‬‬

‫ب كشفهما عند الحرام وإرسالهما بوقار فل يدفع بهما أمامه‬ ‫عندهم‪ ،‬قالوا ‪ :‬ويستح ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ورفع اليدين عند المالكيّة من الفضائل على المعتمد وليس من السّنن‬

‫وعند الشّافعيّة يكون الرّفع حذو المنكبين ‪ ،‬لحديث ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪: -‬‬

‫« ‪60 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصّلة » قالوا ‪ :‬ومعنى‬ ‫أنّ النّب ّ‬ ‫حذو منكبيه ‪ :‬أن تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه ‪ ،‬وإبهاماه شحمتي أذنيه ‪ ،‬وراحتاه‬ ‫ي ‪ :‬بل معناه كون رءوس أصابعه حذو منكبيه ‪ ،‬فإن لم يمكن الرّفع‬ ‫منكبيه ‪ ،‬وقال الذرع ّ‬ ‫إلّ بزيادة على المشروع أو نقص منه أتى بالممكن منهما ‪ ،‬فإن أمكنه التيان بكلّ منهما‬ ‫‪.‬‬

‫فالزّيادة أولى ‪ ،‬لنّه أتى بالمأمور وزيادة‬

‫فإن لم يمكنه رفع إحدى يديه رفع الخرى ‪ ،‬وأقطع الكفّين يرفع ساعديه ‪ ،‬وأقطع المرفقين‬ ‫يرفع عضديه تشبيها برفع اليدين ‪ ،‬وزمن الرّفع يكون مع ابتداء التّكبير في الصحّ للتّباع‬ ‫‪.‬‬

‫كما في الصّحيحين ‪ ،‬سواء انتهى التّكبير مع الحطّ أو ل‬

‫وفي وجه ‪ :‬يرفع يديه قبل التّكبير ويكبّر مع ابتداء الرسال وينهيه مع انتهائه ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫يرفع غير مكبّر ‪ ،‬ثمّ يكبّر ويداه مرتفعتان ‪ ،‬فإذا فرغ أرسلهما من غير تكبير‬ ‫‪.‬‬

‫وإن ترك الرّفع حتّى شرع في التّكبير أتى به في أثنائه ل بعده لزوال سببه‬

‫ومذهب الحنابلة ‪ :‬يرفع المصلّي يديه حذو منكبيه برءوسهما ‪ ،‬ويستقبل‬

‫ببطونهما ‪61 -‬‬

‫القبلة ‪ ،‬وهذا إذا لم يكن للمصلّي عذر يمنعه من رفعهما ‪ ،‬أو رفع إحداهما إلى حذو‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫المنكبين‪ ،‬لما روى ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬قال ‪ « :‬كان النّب ّ‬ ‫إذا قام إلى الصّلة رفع يديه حتّى يكونا حذو منكبيه ثمّ يكبّر » وتكون اليدان حال الرّفع‬

‫ي صلى ال عليه‬ ‫ممدودتي الصابع ‪ ،‬لحديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ « : -‬كان النّب ّ‬ ‫وسلم إذا دخل في الصّلة يرفع يديه مدّا » مضمومةً ‪ ،‬لنّ الصابع إذا ضمّت تمتدّ ‪ ،‬ويكون‬ ‫ابتداء الرّفع مع ابتداء التّكبير وانتهاؤه مع انتهائه ‪ ،‬لما روى وائل بن حجر أنّه ‪ « :‬رأى‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم يرفع يديه مع التّكبير » ولنّ الرّفع للتّكبير فكان معه ‪ ،‬وإذا‬ ‫عجز عن رفع إحداهما رفع اليد الخرى ‪ .‬وللمصلّي أن يرفعهما أقلّ من حذو المنكبين ‪ ،‬أو‬ ‫‪».‬‬

‫أكثر منه لعذر يمنعه لحديث ‪ « :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‬

‫ويسقط ندب رفع اليدين مع فراغ التّكبير كلّه ‪ ،‬لنّه سنّة فات محلّها ‪ ،‬وإن نسيه في ابتداء‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫التّكبير ثمّ ذكره في أثنائه أتى به فيما بقي لبقاء محلّ الستحباب‬

‫ن كشفهما أدلّ على المقصود ‪ ،‬وأظهر في الخضوع‬ ‫والفضل أن تكون يداه مكشوفتين ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪":‬‬

‫ب ‪ -‬القبض " وضع اليد اليمنى على اليسرى‬

‫ن من سنن الصّلة‬ ‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫القبض ‪62 -‬‬

‫‪ ،‬وهو ‪ :‬وضع اليد اليمنى على اليسرى‬

‫وخالف في ذلك المالكيّة فقالوا ‪ :‬يندب الرسال وكراهة القبض في صلة الفرض‬

‫‪ ) .‬وجوّزوه في النّفل وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬إرسال ‪ ،‬ف ‪، 4/‬‬ ‫‪.‬‬

‫وقد اختلف الفقهاء في كيفيّة القبض ‪ ،‬ومكان وضع اليدين‬ ‫‪:‬‬

‫كيفيّة القبض‬

‫فرّق الحنفيّة في كيفيّة القبض بين الرّجل والمرأة ‪ ،‬فذهبوا إلى أنّ الرّجل يأخذ‬ ‫‪.‬‬

‫‪94/ 3‬‬

‫بيده ‪63 -‬‬

‫اليمنى رسغ اليسرى بحيث يحلّق الخنصر والبهام على الرّسغ ويبسط الصابع الثّلث‬

‫وقال الكاسانيّ ‪ :‬يحلّق إبهامه وخنصره وبنصره ويضع الوسطى والمسبّحة على معصمه ‪،‬‬ ‫وأمّا المرأة فإنّها تضع الكفّ على الكفّ وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه يقبض بيده اليمنى‬ ‫‪».‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم وضع اليمنى على اليسرى‬ ‫على كوع اليسرى ‪ « ،‬لنّ النّب ّ‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬يقبض بكفّه اليمنى على كوع اليسرى والرّسغ وبعض السّاعد ‪ ،‬ويبسط‬ ‫أصابعها في عرض المفصل أو ينشرها صوب السّاعد ‪ ،‬لما روى وائل بن حجر قال ‪« :‬‬ ‫قلت لنظرنّ إلى صلة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كيف يصلّي فنظرت إليه وضع يده‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫اليمنى على ظهر كفّه اليسرى والرّسغ والسّاعد‬

‫مكان الوضع‬

‫ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ مكان وضع اليدين تحت السّرّة ‪ ،‬فيسنّ للمصلّي‬

‫أن ‪64 -‬‬

‫يضعهما تحت سرّته ‪ ،‬لقول عليّ ‪ -‬رضي ال عنه ‪ « : -‬من السّنّة وضع الكفّ على الكفّ‬ ‫‪».‬‬

‫تحت السّرّة‬

‫قال الحنابلة ‪ :‬ومعنى وضع كفّه اليمن على كوعه اليسر وجعلها تحت سرّته أنّ فاعل ذلك‬ ‫‪.‬‬

‫ذو ذلّ بين يدي ذي ع ّز ‪ ،‬ونقلوا نصّ المام أحمد على كراهة جعل يديه على صدره‬ ‫‪.‬‬

‫لكن الحنفيّة خصّوا هذا بالرّجل ‪ ،‬أمّا المرأة فتضع يدها على صدرها عندهم‬

‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يسنّ وضع اليدين تحت الصّدر وفوق السّرّة ‪ ،‬وهو مذهب المالكيّة‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫في القبض في النّفل ‪ ،‬لحديث وائل بن حجر ‪ « :‬صلّيت مع النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره‬

‫قالوا ‪ :‬أي آخره فتكون اليد تحته بقرينة رواية « تحت صدره » ‪ ،‬والحكمة في جعلهما‬ ‫‪.‬‬

‫تحت صدره ‪ :‬أن يكون فوق أشرف العضاء وهو القلب ‪ ،‬فإنّه تحت الصّدر‬

‫قال المام ‪ :‬والقصد من القبض المذكور تسكين الجوارح ‪ ،‬فإن أرسلهما ولم يعبث بهما‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ص عليه في المّ‬ ‫فل بأس ‪ ،‬كما ن ّ‬

‫ج ‪ -‬دعاء الستفتاح والتّعوّذ والبسملة‬

‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أنّ من سنن الصّلة‬

‫دعاء ‪65 -‬‬

‫الستفتاح بعد تكبيرة الحرام ‪ .‬لحديث عائشة ‪ -‬رضي ال تعالى عنها ‪ -‬قالت ‪ « :‬كان‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا استفتح الصّلة قال ‪ :‬سبحانك اللّهمّ وبحمدك ‪ ،‬وتبارك‬ ‫ي بن أبي طالب ‪ -‬رضي ال تعالى‬ ‫اسمك ‪ ،‬وتعالى جدّك ول إله غيرك » ‪ ،‬ولما رواه عل ّ‬ ‫عنه ‪ -‬عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « أنّه كان إذا قام للصّلة قال ‪ :‬وجّهت وجهي‬ ‫للّذي فطر السّموات والرض حنيفا وما أنا من المشركين ‪ .‬إنّ صلتي ونسكي ومحياي‬ ‫ومماتي للّه ربّ العالمين ‪ .‬ل شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ‪ .‬اللّهمّ أنت الملك ل‬ ‫إله إلّ أنت ‪ .‬أنتَ ربّي وأنا عبدُك ‪ .‬ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا ‪،‬‬ ‫إنّه ل يغفر الذّنوب إلّ أنت ‪ ،‬واهدني لحسن الخلق ل يهدي لحسنها إ ّل أنت ‪ .‬واصرف‬ ‫عنّي سيّئها ل يصرف عنّي سيّئها إلّ أنت ‪ .‬لبّيك وسعديك والخير كلّه بيديك ‪ ،‬والشّرّ ليس‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫إليك ‪ ،‬أنا بك وإليك ‪ ،‬تباركت وتعاليت وأستغفرك وأتوب إليك‬

‫وقد ورد في السّنّة الصّحيحة صيغ كثيرة في دعاء الستفتاح غير هاتين الصّيغتين‬

‫وذهب المالكيّة إلى كراهة دعاء الستفتاح ‪ ،‬لحديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪-‬‬ ‫« كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وأبو بكر وعمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬يفتتحون‬ ‫‪.‬‬

‫الصّلة بالحمد للّه ربّ العالمين » وحديث ‪ « :‬المسيء صلته » وليس فيه استفتاح‬ ‫‪ ) .‬وتفصيل الكلم على دعاء الستفتاح في مصطلح ‪ :‬استفتاح ( ‪/ 4‬‬

‫‪46‬‬

‫أمّا التّعوّذ بعد دعاء الستفتاح وقبل القراءة فهو سنّة عند جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة‬ ‫ن الشّ ْيطَانِ‬ ‫ت الْقُرْآنَ فَاسْ َتعِذْ بِالّلهِ مِ َ‬ ‫والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬لقوله تعالى ‪ {:‬فَإِذَا قَ َرأْ َ‬

‫ال ّرجِيمِ }‪ .‬وذهب المالكيّة إلى كراهته في الفرض دون النّفل وتفصيله في مصطلح ‪:‬‬ ‫وما بعدها‬

‫‪11/ 4‬‬

‫‪ ( ) .‬استعاذة ‪ ،‬ف‬

‫‪18/‬‬

‫‪).‬أمّا البسملة فللفقهاء في حكمها خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ‪ :‬بسملة( ف ‪/ 5‬‬

‫‪86/ 8‬‬

‫د ‪ -‬قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة‬

‫‪:‬‬

‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أنّه يسنّ للمصلّي أن‬ ‫‪.‬‬

‫يقرأ ‪66 -‬‬

‫شيئا من القرآن بعد الفاتحة‬

‫وقد اختلفوا في القراءة الّتي يحصل بها أصل السّنّة ‪ ،‬فذهب المالكيّة إلى حصول السّنّة‬ ‫بقراءة ما زاد على الفاتحة ‪ ،‬ولو آيةً ‪ -‬سواء كانت طويلةً أم قصير ًة ك { مُدْهَامّتَانِ } ‪-‬‬ ‫كما تحصل السّنّة بقراءة بعض آية على أن يكون لها معنىً تامّ في كلّ ركعة بانفرادها ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ب أن يقرأ سور ًة كاملةً‬ ‫والمستح ّ‬

‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى حصول السّنّة بقراءة آية واحدة ‪ ،‬واستحبّ المام أحمد أن‬ ‫‪.‬‬

‫تكون الية طويلةً ‪ :‬كآية الدّين وآية الكرسيّ لتشبه بعض السّور القصار‬

‫ظرَ } ‪ ،‬أو {‬ ‫قال البهوتيّ ‪ :‬والظّاهر عدم إجزاء آية ل تستقلّ بمعنىً أو حكم نحو { ُثمّ َن َ‬ ‫‪}.‬‬ ‫‪.‬‬

‫مُدْهَامّتَانِ‬

‫قال الشّافعيّة ‪ :‬والولى أن تكون ثلث آيات لتكون قدر أقصر سورة‬

‫ول خلف بينهم في أنّ السّورة الكاملة أفضل ‪ ،‬وأنّه ل تجزئه السّورة ما لو قرأها قبل‬ ‫‪.‬‬

‫الفاتحة ‪ ،‬لعدم وقوعها موقعها‬

‫وصرّح الشّافعيّة ‪ :‬بأنّه ل يجزئه تكرار الفاتحة عن السّورة ‪ ،‬لنّه خلف ما ورد في‬ ‫ن الشّيء الواحد ل يؤدّى به فرض ونفل في محلّ واحد ‪ ،‬إلّ إذا كان ل يحسن‬ ‫السّنّة ‪ ،‬ول ّ‬ ‫‪.‬‬

‫غير الفاتحة وأعادها فإنّه يتّجه ‪ -‬كما قال الذرعيّ ‪ -‬الجزاء‬

‫وقد اتّفق الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬على أنّه يسنّ للمصلّي أن‬ ‫ي صلى ال عليه‬ ‫يقرأ في صلة الصّبح بطوال المفصّل ‪ .‬لحديث جابر بن سمرة « أنّ النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ن ا ْل َمجِيدِ } ونحوها ‪ ،‬وكانت صلته بعد تخفيفا‬ ‫وسلم كان يقرأ في الفجر ب { ق وَا ْلقُرْآ ِ‬

‫وهو مذهب الحنفيّة في الظّهر فيسنّ عندهم للمصلّي أن يقرأ في الظّهر بطوال المفصّل ‪،‬‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان‬ ‫لحديث أبي سعيد الخدريّ ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ « -‬أ ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫يقرأ في صلة الظّهر في الرّكعتين الوليين في كلّ ركعة قدر ثلثين‬

‫ن القراءة في الظّهر تكون دون قراءة الفجر قليلً‬ ‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ‬

‫قال الدّسوقيّ ‪ :‬يقرأ في الصّبح من أطول طوال المفصّل ‪ ،‬وفي الظّهر من أقصر طوال‬ ‫‪.‬‬

‫المفصّل‬

‫وذهب الحنابلة إلى أنّه يقرأ في الظّهر من أوساط المفصّل ‪ ،‬لما روي أنّ عمر كتب إلى أبي‬ ‫موسى " أن اقرأ في الصّبح بطوال المفصّل ‪ ،‬واقرأ في الظّهر بأوساط المفصّل ‪ ،‬واقرأ في‬ ‫المغرب بقصار المفصّل ‪ .‬وأمّا صلة العصر ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه‬ ‫‪.‬‬

‫يقرأ فيها بأوساط المفصّل ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬يقرأ فيها بقصار المفصّل‬

‫واتّفقوا على أنّه يقرأ في المغرب بقصار المفصّل وفي العشاء بأوساطه ‪ ،‬لما روى سليمان‬ ‫بن يسار عن أبي هريرة قال ‪ « :‬ما صلّيت وراء أحد أشبه صل ًة برسول اللّه صلى ال‬ ‫عليه وسلم من فلن ‪ .‬قال سليمان ‪ :‬كان يطيل الرّكعتين الوليين في الظّهر ‪ ،‬ويخفّف‬ ‫الخريين ‪ ،‬ويخفّف العصر ‪ ،‬ويقرأ في المغرب بقصار المفصّل ‪ ،‬ويقرأ في العشاء بأوساط‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫واختلف في بيان المفصّل طواله وأوساطه وقصاره‬ ‫)‬

‫‪:‬‬

‫المفصّل ‪ ،‬ويقرأ في الصّبح بطوال المفصّل‬

‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬سورة ‪ ،‬وقراءة‬

‫محلّ القراءة‬

‫اتّفق الفقهاء على أنّ محلّ القراءة المسنونة هو الرّكعتان الوليان من صلة‬

‫الفرض‪67 - ،‬‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يقرأ في‬ ‫لحديث أبي قتادة ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ « -‬أ ّ‬ ‫الرّكعتين الوليين من الظّهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة ‪ ،‬ويسمعنا الية أحيانا ‪ ،‬ويقرأ‬ ‫‪».‬‬

‫في الرّكعتين الخريين بفاتحة الكتاب‬

‫ن السّورة في الفرض الوقتيّ المتّسع وقته ‪ ،‬أمّا إذا ضاق الوقت‬ ‫قال المالكيّة ‪ :‬وإنّما تس ّ‬ ‫‪.‬‬

‫بحيث يخشى خروجه بقراءتها فإنّه يجب عليه ترك القراءة محافظةً على الوقت‬

‫وانظر تفصيل محلّ القراءة في صلة النّفل في مصطلح ‪ ( :‬صلة التّطوّع ) وقراءة المأموم‬ ‫‪).‬‬

‫في ( صلة الجماعة‬

‫كما يسنّ تطويل القراءة في الرّكعة الولى على الثّانية في الصّلوات المفروضة عند جمهور‬ ‫‪".‬‬

‫الفقهاء " المالكيّة ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬ومحمّد بن الحسن‬

‫ن إطالة الرّكعة الولى على الرّكعة الثّانية في صلة الفجر‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أنّه إنّما تس ّ‬

‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫فقط دون بقيّة الصّلوات المفروضة ‪ ،‬فل تسنّ إطالتها‬

‫‪:‬‬

‫هـ – التّأمين‬

‫اتّفق الفقهاء على أنّ التّأمين بعد قراءة الفاتحة سنّة ‪ ،‬لحديث أبي هريرة‬

‫مرفوعا ‪68 -‬‬

‫إذا قال المام ‪ { :‬غَيرِ المَغضُوبِ عَلَي ِهمْ َولَ الضّالّينَ } فقولوا آمين ‪ .‬فإنّه من وافق‬ ‫‪».‬‬

‫قوله «‬

‫قول الملئكة غفر ما تقدّم له من ذنبه‬

‫وقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ المصلّي يأتي بالتّأمين بعد سكتة لطيفة ليتميّز عن‬ ‫‪.‬‬

‫القراءة‪ ،‬فيعلم أنّها ليست من القرآن ‪ ،‬وإنّما هي طابع الدّعاء‬

‫وقالوا ‪ :‬ل يفوت التّأمين إلّ بالشّروع في غيره ‪ ،‬فإن ترك المصلّي التّأمين حتّى شرع في‬ ‫‪.‬‬

‫قراءة السّورة لم يعد إليه ‪ ،‬لنّه سنّة فات محلّها ‪ ،‬وعند الشّافعيّة قول بفواته بالرّكوع‬

‫ن التّأمين سنّة للمصلّي ‪ -‬عموما ‪ -‬سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا ‪ ،‬واستثنى‬ ‫ثمّ إ ّ‬ ‫المالكيّة من ذلك المام في الصّلة الجهريّة ‪ ،‬فإنّه ل يندب له التّأمين ‪ ،‬وكذا المأموم إن لم‬ ‫يسمع إمامه يقول ‪َ { :‬و َل الضّالّينَ } وإن سمع ما قبله ‪ ،‬ونصّوا على كراهته حينئذ ول‬ ‫يتحرّى على الظهر ‪ ،‬لنّه لو تحرّى لربّما أوقعه في غير موضعه ‪ ،‬ولربّما صادف آية‬ ‫عذاب‪ ،‬ومقابله يتحرّى ‪ ،‬وهو قول ابن عبدوس‬

‫‪.‬‬

‫والسّنّة عند الحنفيّة والمالكيّة أن يأتي المصلّي بالتّأمين سرّا سواء كان إماما أم مأموما أم‬ ‫منفردا ‪ ،‬فالتيان بالتّأمين سنّة ‪ ،‬والسرار بها سنّة أخرى ‪ ،‬قال الحنفيّة ‪ :‬وعلى هذا‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫فتحصل سنّيّة التيان بها ولو مع الجهر بها‬

‫قال المالكيّة ‪ :‬لنّه دعاء ‪ ،‬والصل فيه الخفاء‬

‫ن المام والمأموم والمنفرد يجهرون بالتّأمين في الصّلة‬ ‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الجهريّة ويسرّون به في الصّلة السّرّيّة‬

‫وصرّحوا ‪ :‬بأنّه إذا ترك المام التّأمين ‪ ،‬أو أسرّه عمدا أو سهوا أتى به المأموم ليذكّره‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫و ‪ -‬تكبيرات النتقال‬

‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ -‬إلى أنّ تكبيرات النتقال‬

‫فيأتي به‬ ‫سنّة ‪69 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم لم يأمره‬ ‫من سنن الصّلة ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬المسيء صلته » فإنّ النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫بتكبيرات النتقالت وأمره بتكبيرة الحرام‬

‫أمّا الحنابلة فيرون أنّ تكبيرات النتقال من الواجبات ‪ .‬وينظر مصطلح ‪ ( :‬تكبير ) ‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ز ‪ -‬هيئة الرّكوع المسنونة‬

‫أقلّ الواجب في الرّكوع ‪ :‬أن ينحني قدر بلوغ راحتيه ركبتيه ‪ ،‬وكمال السّنّة فيه ‪:‬‬

‫أن ‪70 -‬‬

‫يسوّي ظهره وعنقه وعجزه ‪ ،‬وينصب ساقيه وفخذيه ‪ ،‬ويأخذ ركبتيه بيديه معتمدا باليدين‬ ‫‪.‬‬

‫على الرّكبتين ‪ ،‬مفرّقا أصابعه ‪ ،‬ويجافي مرفقيه عن جنبيه‬

‫لحديث عقبة بن عمرو ‪ « :‬أنّه ركع فجافى يديه ‪ ،‬ووضع يديه على ركبتيه ‪ ،‬وفرّج بين‬ ‫‪».‬‬

‫أصابعه من وراء ركبتيه وقال ‪ :‬هكذا رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يصلّي‬

‫وزاد الحنفيّة ‪ :‬إلصاق الكعبين ‪ ،‬ثمّ إنّهم خصّوا هذه الهيئة بالرّجل ‪ ،‬أمّا المرأة فتنحني في‬ ‫الرّكوع يسيرا ‪ ،‬ول تفرّج ‪ ،‬ولكن تضمّ وتضع يديها على ركبتيها وضعا ‪ ،‬وتحني ركبتيها ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫ول تجافي عضديها ‪ ،‬لنّ ذلك أستر لها‬

‫وهو واجب عند الحنابلة ‪ ،‬وسبق تفصيل هيئات الرّكوع وأذكاره في مصطلح ‪ ( :‬ركوع‬ ‫‪:‬‬

‫ح ‪ -‬التّسميع والتّحميد‬

‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ -‬إلى سنّيّة التّسميع عند‬ ‫‪.‬‬

‫من الرّكوع ‪ ،‬والتّحميد عند الستواء قائما‬

‫والسّنّة عند المالكيّة التّسميع فقط ‪ ،‬أمّا التّحميد فهو مندوب عندهم‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫الرّفع ‪71 -‬‬

‫وذهب الحنابلة إلى وجوب التّسميع والتّحميد ‪ ،‬كما سبق بيانه في واجبات الصّلة‬ ‫‪.‬‬

‫ثمّ إنّ الفقهاء اختلفوا في المصلّي الّذي يسنّ له التّسميع والتّحميد‬

‫ن المام يسمّع فقط ‪ ،‬والمأموم يحمد فقط ‪ ،‬والمنفرد يجمع‬ ‫فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أ ّ‬ ‫بينهما ‪ ،‬فل يحمد المام ول يسمّع المأموم ‪ ،‬لما روى أبو هريرة ‪ -‬رضي ال تعالى عنه‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا قال المام ‪ :‬سمع اللّه لمن حمده ‪ ،‬فقولوا ‪:‬‬ ‫ أنّ النّب ّ‬‫‪.‬‬

‫ربّنا لك الحمد » فالنّبيّ صلى ال عليه وسلم قسم بينهما ‪ ،‬والقسمة تنافي الشّركة‬

‫قال المالكيّة ‪ :‬فالمام مخاطب بسنّة فقط ‪ ،‬والمأموم مخاطب بمندوب فقط ‪ ،‬والفذّ مخاطب‬ ‫ن المام يجمع بين التّسميع والتّحميد‬ ‫بسنّة ومندوب وخالف صاحبا أبي حنيفة ‪ ،‬فذهبا إلى أ ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم كان يجمع‬ ‫لحديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ « -‬أنّ النّب ّ‬ ‫بينهما » ‪ ،‬ولنّه حرّض غيره فل ينسى نفسه ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬المتون على قول المام‬ ‫‪ .‬وصرّحوا بأنّ أفضل صيغ التّحميد ‪ :‬اللّهمّ ربّنا ولك الحمد ‪ ،‬قال الحنفيّة ‪ :‬ثمّ اللّهمّ ربّنا‬ ‫‪.‬‬

‫لك الحمد ‪ ،‬ثمّ ربّنا ولك الحمد ‪ ،‬ثمّ ربّنا لك الحمد‬

‫وصيغة اللّهمّ ربّنا ولك الحمد هي ما اختاره المام مالك وابن القاسم ‪ ،‬وروى أشهب عن‬ ‫مالك ‪ :‬اللّهمّ ربّنا لك الحمد ‪ ،‬وعنده رواية ثالثة ‪ :‬ربّنا ولك الحمد ‪ ،‬ورابعة ‪ :‬ربّنا لك‬ ‫‪.‬‬

‫ن التّسميع والتّحميد سنّة للجميع ‪ :‬المام والمأموم والمنفرد‬ ‫الحمد‪ .‬وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وصرّحوا بأنّ أفضل صيغ التّحميد ربّنا لك الحمد ‪ ،‬لورود السّنّة به‬

‫ي ‪ ،‬أي لنّه جمع معنيين‬ ‫ي الخطيب ‪ :‬لكن قال في المّ ‪ :‬ربّنا ولك الحمد أحبّ إل ّ‬ ‫قال الشّربين ّ‬ ‫‪.‬‬

‫‪ :‬الدّعاء والعتراف ‪ .‬أي ربّنا استجب لنا ‪ ،‬ولك الحمد على هدايتك إيّانا‬

‫قالوا ‪ :‬ولو قال ‪ :‬من حمد اللّه سمع له كفى في تأدية أصل السّنّة ‪ ،‬لنّه أتى باللّفظ‬ ‫‪.‬‬

‫والمعنى‪ ،‬لكن التّرتيب أفضل‬

‫ن التّسميع واجب على المام والمنفرد دون المأموم ‪ ،‬والتّحميد واجب‬ ‫ومذهب الحنابلة أ ّ‬ ‫على الجميع ‪ -‬إمام ومأموم ومنفرد ‪ -‬وأفضل صيغ التّحميد عندهم ‪ :‬ربّنا ولك الحمد ‪ ،‬ثمّ‬ ‫ربّنا لك الحمد ‪ .‬قالوا ‪ :‬وإن شاء قال ‪ :‬اللّهمّ ربّنا لك الحمد ‪ ،‬وأفضل منه ‪ :‬اللّهمّ ربّنا ولك‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الحمد ‪ ،‬ولو قال ‪ :‬من حمد اللّه سمع له لم يجزئه ‪ ،‬لتغيير المعنى‬

‫الذكار الواردة في الستواء بعد الرّفع من الرّكوع‬

‫صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه يسنّ للمصلّي بعد التّحميد أن يقول ‪ " :‬ملء‬

‫السّموات ‪72 -‬‬

‫وملء الرض وملء ما شئت من شيء بعد " لما روى عبد اللّه بن أبي أوفى قال ‪ « :‬كان‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم إذا رفع رأسه من الرّكوع قال ‪ :‬سمع اللّه لمن حمده ‪ ،‬اللّهمّ‬ ‫النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ربّنا لك الحمد ‪ ،‬ملء السّموات ‪ ،‬وملء الرض وملء ما شئت من شيء بعد‬

‫وله أن يزيد ‪ " :‬أهل الثّناء والمجد أحقّ ما قال العبد ‪ ،‬وكلّنا لك عبد ‪ ،‬ل مانع لما أعطيت‬ ‫ول معطي لما منعت ‪ ،‬ول ينفع ذا الجدّ منك الجدّ " ‪ ،‬لما روى أبو سعيد الخدريّ قال ‪« :‬‬ ‫كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا رفع رأسه من الرّكوع ‪ .‬قال اللّهمّ ربّنا لك الحمد‬ ‫ق ما قال‬ ‫ملء السّموات والرض وملء ما شئت من شيء بعد ‪ ،‬أهل الثّناء والمجد ‪ .‬أح ّ‬ ‫العبد ‪ -‬وكلّنا لك عبد ‪ -‬اللّهمّ ل مانع لما أعطيت ‪ ،‬ول معطي لما منعت ‪ ،‬ول ينفع ذا الجدّ‬ ‫‪» .‬منك الجدّ‬ ‫ن له أن يقول غير ذلك ممّا ورد ‪ ،‬كما جاء في حديث عبد اللّه بن أبي‬ ‫ونصّ الحنابلة بأ ّ‬ ‫أوفى « عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ،‬وفي لفظ ‪ :‬يدعو إذا رفع رأسه من الرّكوع‬ ‫اللّهمّ لك الحمد ملء السّماء وملء الرض ‪ ،‬وملء ما شئت من شيء بعد ‪ .‬اللّهمّ طهّرني‬ ‫بالثّلج والبرد والماء البارد ‪ .‬اللّهمّ طهّرني من الذّنوب والخطايا ‪ ،‬كما ينقّى الثّوب البيض‬ ‫‪».‬‬

‫من الوسخ‬

‫وصرّح الشّافعيّة باستحباب زيادة ‪ :‬حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه ‪ .‬لحديث رفاعة بن رافع‬ ‫قال‪ « :‬كنّا نصلّي يوما وراء النّبيّ صلى ال عليه وسلم فلمّا رفع رأسه من الرّكعة قال ‪:‬‬ ‫سمع اللّه لمن حمده ‪ ،‬قال رجل وراءه ‪ :‬ربّنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه ‪ .‬فلمّا‬ ‫انصرف قال ‪ :‬من المتكلّم ؟ قال ‪ :‬أنا ‪ ،‬قال ‪ :‬لقد رأيت بضعةً وثلثين ملكا يبتدرونها أيّهم‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫يكتبها أوّل‬

‫ح م ‪ -‬رفع اليدين عند الرّكوع والرّفع منه ‪ ،‬والقيام للرّكعة الثّالثة‬

‫اختلف الفقهاء في مشروعيّة رفع اليدين عند الرّكوع والرّفع منه ‪ ،‬وعند القيام‬

‫من ‪73 -‬‬

‫التّشهّد الوّل للرّكعة الثّالثة ‪ ،‬فاتّفق الشّافعيّة والحنابلة على مشروعيّة رفع اليدين عند‬ ‫الرّكوع والرّفع منه ‪ ،‬وأنّه من سنن الصّلة ‪ ،‬لما روى ابن عمر ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما‬

‫ قال ‪ « :‬رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا قام في الصّلة رفع يديه حتّى يكونا‬‫‪».‬‬

‫حذو منكبيه ‪ ،‬وكان يفعل ذلك حين يكبّر للرّكوع ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الرّكوع‬ ‫‪».‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك‬ ‫وعن الحسن ‪ « :‬أنّ أصحاب النّب ّ‬

‫ل ل يرفع يديه حصّبه ‪ ،‬وأمره أن يرفع ‪.‬‬ ‫وكان عمر " إذا رأى رج ً‬ ‫‪.‬‬

‫قال البخاريّ ‪ :‬رواه سبعة عشر من الصّحابة ‪ ،‬ولم يثبت عن أحد منهم عدم الرّفع‬

‫ي صلى ال عليه وسلم من رواية خمسين صحابيّا ‪.‬‬ ‫وقال السّيوطيّ ‪ :‬الرّفع ثابت عن النّب ّ‬ ‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يندب رفع اليدين عند القيام من التّشهّد للرّكعة الثّالثة ‪ ،‬وهي رواية‬ ‫ن ابن عمر كان إذا دخل في الصّلة كبّر ورفع يديه ‪،‬‬ ‫عن المام أحمد ‪ ،‬لما روى نافع ‪ « :‬أ ّ‬ ‫وإذا ركع رفع يديه ‪ ،‬وإذا قال سمع اللّه لمن حمده رفع يديه ‪ ،‬وإذا قام من الرّكعتين رفع‬ ‫‪».‬‬

‫يديه ‪ .‬ورفع ذلك ابن عمر إلى نبيّ اللّه صلى ال عليه وسلم‬

‫والرّواية الثّانية عن أحمد هي عدم الرّفع ‪ .‬قال في النصاف ‪ :‬وهو المذهب ‪ ،‬وعليه‬ ‫‪.‬‬

‫جماهير الصحاب وقطع به كثير منهم‬

‫وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى عدم مشروعيّة رفع اليدين إلّ عند تكبيرة الحرام ‪ ،‬فل يشرع‬ ‫رفعهما عند الرّكوع أو الرّفع منه ‪ ،‬أو القيام للثّالثة ‪ .‬لحديث البراء ‪ -‬رضي ال تعالى‬ ‫عنه‪ -‬أنّه قال ‪ « :‬رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يرفع يديه حين افتتح الصّلة ‪ ،‬ثمّ‬ ‫لم يرفعهما حتّى انصرف » وعن جابر بن سمرة قال ‪ « :‬خرج علينا رسول اللّه صلى ال‬ ‫عليه وسلم فقال ‪ :‬مالي أراكم رافعي أيديكم كأنّها أذناب خيل شمس ‪ ،‬اسكنوا في الصّلة »‬ ‫ي صلى‬ ‫وقال عبد اللّه بن مسعود ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ « : -‬أل أصلّي بكم صلة النّب ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫ال عليه وسلم فصلّى ولم يرفع يديه إلّ في أوّل مرّة‬

‫ط ‪ -‬كيفيّة ال ُه ِويّ للسّجود والنّهوض منه‬

‫ن عند الهويّ‬ ‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أنّه يس ّ‬

‫إلى ‪74 -‬‬

‫السّجود أن يضع المصلّي ركبتيه أ ّولً ‪ ،‬ثمّ يديه ‪ ،‬ثمّ جبهته وأنفه ‪ ،‬لما روى وائل بن حجر‬ ‫رضي ال عنه قال ‪ « :‬رأيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ي ‪ :‬والعمل عليه عند أكثرهم‬ ‫وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه » قال التّرمذ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫ولنّ هذه الكيفيّة أرفق بالمصلّي ‪ .‬وأحسن في الشّكل ورأي العين‬

‫والمعتمد عند الحنفيّة أنّه يضع جبهته ثمّ أنفه ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬أنفه ثمّ جبهته‬

‫وعند النّهوض من السّجود يسنّ العكس عند الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬وذلك بأن يرفع جبهته أ ّولً‬ ‫‪.‬‬

‫ثمّ يديه ث ّم ركبتيه لحديث وائل بن حجر المتقدّم‬

‫سمَنٍ‬ ‫ضعْفٍ أو مرض ‪ ،‬أو ِ‬ ‫قال الحنابلة ‪ :‬إ ّل أن يشقّ عليه العتماد على ركبتيه ‪ِ ،‬لكِبَر أو َ‬ ‫ونحوه ‪ ،‬فيعتمد بالرض ‪ ،‬لما روى الثرم عن عليّ قال ‪ « :‬من السّنّة في الصّلة المكتوبة‬ ‫‪».‬‬

‫إذا نهض أن ل يعتمد بيديه على الرض إلّ أن يكون شيخا كبيرا ل يستطيع‬

‫ن أن يعتمد في قيامه من السّجود على يديه ‪ ،‬مبسوطتين على‬ ‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يس ّ‬ ‫الرض ‪ ،‬لنّه أبلغ خشوعا وتواضعا ‪ ،‬وأعون للمصلّي ‪ ،‬وسواء في ذلك القويّ والضّعيف‬ ‫‪ .‬وذهب المالكيّة إلى ندب تقديم اليدين عند الهُويّ إلى السّجود ‪ ،‬وتأخيرهما عند القيام ‪،‬‬ ‫لما روى أبو هريرة مرفوعا ‪ « :‬إذا سجد أحدكم فل يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل‬ ‫‪».‬‬

‫ركبتيه‬

‫قالوا ‪ :‬ومعناه أنّ المصلّي ل يقدّم ركبتيه عند هويّه للسّجود كما يقدّمهما البعير عند بروكه‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫‪ ،‬ول يؤخّرهما في القيام كما يؤخّرهما البعير في قيامه‬

‫ى ‪ -‬هيئة السّجود المسنونة‬

‫كيفيّة السّجود المسنونة ‪ :‬أن يسجد المصلّي على العضاء السّبعة ‪ :‬الجبهة مع‬

‫النف‪75 - ،‬‬

‫واليدين والرّكبتين ‪ ،‬والقدمين ‪ -‬ممكّنا جبهته وأنفه من الرض ‪ ،‬وينشر أصابع يديه‬ ‫مضمومةً للقبلة ‪ ،‬ويفرّق ركبتيه ‪ ،‬ويرفع بطنه عن فخذيه ‪ ،‬وفخذيه عن ساقيه ‪ ،‬ويجافي‬ ‫‪.‬‬

‫عضديه عن جنبيه ‪ ،‬ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة‬ ‫‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫وقد تقدّم بيان ذلك عند الكلم على الركان‬

‫ك ‪ -‬التّشهّد الوّل وقعوده‬

‫ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى سنّيّة التّشهّد الوّل وقعوده لخبر الصّحيحين ‪ « :‬أنّ‬

‫النّبيّ ‪76 -‬‬

‫صلى ال عليه وسلم قام من ركعتين من الظّهر ولم يجلس ‪ ،‬فلمّا قضى صلته كبّر وهو‬ ‫‪.‬‬

‫جالس فسجد سجدتين قبل السّلم ثمّ سلّم » فدلّ عدم تداركهما على عدم وجوبها‬ ‫‪.‬‬

‫وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى وجوبهما كما سبق في واجبات الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫ل ‪ -‬صيغة التّشهّد‬

‫سبق خلف الفقهاء في التّشهّد الخير ‪ ،‬فهو عند الشّافعيّة والحنابلة ركن ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬ ‫"‬

‫وعند ‪77 -‬‬

‫الحنفيّة واجب ‪ ،‬وعند المالكيّة سنّة‬

‫واختلفوا ‪ -‬أيضا ‪ -‬في صيغته المسنونة ‪ ( .‬ر ‪ :‬تشهّد‬

‫م ‪ -‬الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم بعد التّشهّد " الصّلة البراهيميّة‬ ‫ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم في‬

‫التّشهّد ‪78 -‬‬

‫الخير سنّة ‪ ،‬وعند المالكيّة خلف في أنّ المشهور ‪ :‬هل هي سنّة أو فضيلة ؟‬

‫وأفضل صيغ الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم عند الحنفيّة هي ‪ :‬اللّهمّ صلّ على‬ ‫محمّد وعلى آل محمّد ‪ ،‬كما صلّيت على إبراهيم ‪ ،‬وعلى آل إبراهيم ‪ ،‬إنّك حميد مجيد ‪،‬‬ ‫وبارك على محمّد ‪ ،‬وعلى آل محمّد ‪ ،‬كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في‬ ‫‪.‬‬

‫العالمين‪ ،‬إنّك حميد مجيد‬

‫وهي ‪ -‬أيضا ‪ -‬أفضل صيغ الصّلة عند المالكيّة لكن بحذف ( إنّك حميد مجيد ) الولى ‪.‬‬ ‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم بعد التّشهّد الخير‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪".‬‬

‫ركن كما سبق بيانه‬

‫وقد أخذ الحنابلة بصيغة « حديث كعب بن عجرة » ‪ ،‬وهي أفضل الصّيغ عندهم‬

‫ي صلى ال عليه وسلم بقول ‪ " :‬اللّهمّ ص ّل على محمّد‬ ‫ولكن يتحقّق ركن الصّلة على النّب ّ‬

‫ن أهل الرّجل أقاربه أو زوجته ‪ ،‬وآله أتباعه على‬ ‫وصرّحوا بأنّه ل يجوز إبدال آل بأهل ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫دينه‬

‫ي ‪ :‬اللّه ّم صلّ على محمّد وآله في التّشهّد الخير ‪،‬‬ ‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬أق ّل الصّلة على النّب ّ‬ ‫والسّنّة ‪ :‬اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ‪ ،‬كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‬ ‫وبارك على محمّد وعلى آل محمّد ‪ ،‬كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد‬ ‫‪.‬‬

‫مجيد ‪ .‬وقد وردت الحاديث بكلّ هذه الصّيغ‬

‫وقد سبق حكم تسويد النّبيّ صلى ال عليه وسلم في مصطلح ‪ ( :‬تسويد ف ‪/ 7 /‬‬

‫‪11‬‬

‫‪/‬‬

‫‪346 ) .‬‬ ‫‪:‬‬

‫ن ‪ -‬الدّعاء بعد التّشهّد الخير‬

‫يسنّ للمصلّي بعد التّشهّد الخير أن يدعو بما شاء لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬

‫« ‪79 -‬‬

‫إذا قعد أحدكم في الصّلة فليقل ‪ :‬التّحيّات للّه ‪ -‬إلى آخره ‪ ،‬ث ّم يتخيّر من المسألة ما شاء‪،‬‬ ‫‪».‬‬

‫أو ما أحبّ » ‪ .‬وفي رواية للبخاريّ ‪ « :‬ثمّ يتخيّر من الدّعاء أعجبه إليه فيدعو به‬ ‫‪».‬‬

‫وفي رواية أخرى لمسلم « ثمّ ليتخيّر بعد من المسألة ما شاء‬ ‫‪.‬‬

‫وهو عند المالكيّة مندوب وليس بسنّة‬

‫ن المصلّي يدعو بالدعية المذكورة في الكتاب والسّنّة ‪ ،‬على أنّه ل ينوي‬ ‫وصرّح الحنفيّة بأ ّ‬ ‫القراءة إذا دعا بأدعية القرآن لكراهة قراءة القرآن في الرّكوع والسّجود والتّشهّد ‪ .‬ول‬ ‫‪.‬‬

‫يدعو بما يشبه كلم النّاس‬

‫والفضل الدّعاء بالمأثور ‪ ،‬ومن ذلك ما روي عن أبي بكر ‪ -‬رضي ال تعالى عنه أنّه قال‬ ‫لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬علّمني دعا ًء أدعو به في صلتي فقال ‪ :‬قل ‪ :‬اللّهمّ‬ ‫إنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا وإنّه ل يغفر الذّنوب إلّ أنت ‪ .‬فاغفر لي مغفرةً من عندك ‪،‬‬ ‫‪».‬‬

‫وارحمني إنّك أنت الغفور الرّحيم‬

‫وما روى أبو هريرة مرفوعا ‪ « :‬إذا فرغ أحدكم من التّشهّد الخر فليتعوّذ باللّه من أربع ‪،‬‬ ‫من عذاب جهنّم ‪ ،‬ومن عذاب القبر ‪ ،‬ومن فتنة المحيا والممات ‪ ،‬ومن ش ّر المسيح‬ ‫‪».‬ال ّدجّال‬

‫س ‪ -‬كيفيّة الجلوس‬

‫‪:‬‬

‫اختلف الفقهاء في هيئة الجلوس المسنونة في الصّلة ‪ .‬فذهب الحنفيّة إلى التّفريق‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫بين ‪80 -‬‬

‫ن لها التّورّك‬ ‫ن له الفتراش ‪ ،‬والمرأة يس ّ‬ ‫الرّجل والمرأة ‪ ،‬فالرّجل يس ّ‬

‫ل فرق في ذلك بين التّشهّد الوّل أو الخير ‪ ،‬أو الجلسة بين السّجدتين‬

‫ن هيئة الجلوس المسنونة في جميع جلسات الصّلة هي التّورّك سواء‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫في ذلك الرّجل أو المرأة‬

‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يسنّ التّورّك في التّشهّد الخير ‪ ،‬والفتراش في بقيّة‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم كان إذا جلس في‬ ‫جلسات الصّلة ‪ ،‬لحديث أبي حميد ‪ « :‬أنّ النّب ّ‬ ‫الرّكعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى ‪ ،‬وإذا جلس في الرّكعة الخرة قدّم رجله‬ ‫اليسرى ونصب الخرى ‪ ،‬وقعد على مقعدته » وفي رواية « فإذا كانت الرّابعة أفضى‬ ‫‪».‬‬

‫بوركه اليسرى إلى الرض ‪ ،‬وأخرج قدميه من ناحية واحدة‬

‫والحكمة في المخالفة بين الخير وغيره من بقيّة الجلسات ‪ :‬أنّ المصلّي مستوفز فيها‬ ‫للحركة ‪ ،‬بخلفه في الخير ‪ ،‬والحركة عن الفتراش أهون‬

‫‪.‬‬

‫والفتراش ‪ :‬أن ينصب قدمه اليمنى قائمةً على أطراف الصابع بحيث تكون متوجّهةً نحو‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫القبلة ‪ ،‬ويفرش رجله اليسرى بحيث يلي ظهرها الرض ‪ ،‬جالسا على بطنها‬

‫والتّورّك ‪ :‬كالفتراش ‪ .‬لكن يخرج يسراه من جهة يمينه ‪ ،‬ويلصق وركه بالرض‬ ‫‪ ) .‬انظر مصطلح تورّك (‬ ‫‪:‬‬

‫‪14‬‬

‫‪/‬‬

‫‪148‬‬

‫) ومصطلح ‪ :‬جلوس ( ف‬

‫‪11‬‬

‫‪-‬‬

‫‪13‬‬

‫‪،‬‬

‫ع ‪ -‬جلسة الستراحة‬

‫ن بعد السّجدة الثّانية جلسة للستراحة في كلّ ركعة‬ ‫ذهب الشّافعيّة إلى أنّه يس ّ‬

‫‪15‬‬

‫‪/‬‬

‫‪267‬‬

‫يقوم ‪81 -‬‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يجلس إذا رفع‬ ‫منها ‪ ،‬لما روى مالك بن الحويرث ‪ « :‬أ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫رأسه من السّجود قبل أن ينهض في الرّكعة الولى‬

‫وذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ -‬إلى كراهة فعلها تنزيها لمن ليس‬ ‫‪ ) .‬به عذر ‪ ،‬وقد سبق تفصيل الكلم عليها في مصطلح ‪ ( :‬جلوس ف‬ ‫‪:‬‬

‫ف ‪ -‬كيفيّة وضع اليدين أثناء الجلوس‬

‫‪12/‬‬

‫‪،‬‬

‫‪266/ 15‬‬

‫يسنّ للمصلّي أثناء الجلوس أن يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ‪ ،‬ويده اليسرى‬

‫على ‪82 -‬‬

‫فخذه اليسرى بحيث تساوي رءوس أصابعه ركبتيه ‪،‬وتكون أصابعه منشورةً إلى القبلة‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫قال الحنفيّة ‪ :‬مفرّجةً قليلً ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬مضمومةً‬

‫وقد اتّفق الفقهاء على أنّه يسنّ للمصلّي أن يشير بسبّابته أثناء التّشهّد ‪ ،‬وإن اختلفوا في‬ ‫‪.‬‬

‫كيفيّة قبض اليد والشارة‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬ليس لنا سوى قولين ‪ :‬الوّل ‪ :‬وهو المشهور في المذهب بسط الصابع‬ ‫بدون إشارة ‪ .‬الثّاني ‪ :‬بسط الصابع إلى حين الشّهادة فيعقد عندها ويرفع السّبّابة عند‬ ‫‪.‬‬

‫النّفي ويضعها عند الثبات‬

‫ويرى الشّافعيّة أن يقبض المصلّي أصابع يده اليمنى ويضعها على طرف ركبته إلّ المسبّحة‬ ‫فيرسلها ‪ ،‬ويقبض البهام بجنبها بحيث يكون تحتها على حرف راحته ‪ ،‬لحديث ابن عمر‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم إذا قعد وضع يده اليسرى على‬ ‫رضي ال تعالى عنهما ‪ « :‬كان النّب ّ‬ ‫ركبته اليسرى ‪،‬ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلث ًة وخمسين وأشار‬ ‫‪».‬بالسّبّابة‬ ‫وذهب الحنابلة ‪ -‬وهو قول عند الشّافعيّة ‪ -‬إلى أنّ المصلّي يحلّق بين الوسطى والسّبّابة‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم وضع حدّ مرفقه اليمن على‬ ‫لما روى وائل بن حجر ‪ « :‬أ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫فخذه اليمنى ‪ ،‬وعقد ثلثين ‪ ،‬وحلّق واحدةً ‪ ،‬أشار بأصبعه بالسّبّابة‬

‫ومحلّ الرّفع عند الشّافعيّة عند قوله ‪ :‬إلّ اللّه ‪ ،‬فيرفع المسبّحة عند ذلك للتّباع كما في‬ ‫‪.‬‬

‫صحيح مسلم ‪ ،‬ويميلها قليلً كما قاله المحامليّ وغيره ‪ .‬ويقيمها ول يضعها‬

‫ن ‪ -‬أيضا ‪ -‬أن يكون رفعها إلى القبلة ناويا بذلك التّوحيد والخلص ‪ ،‬وفي تحريكها‬ ‫ويس ّ‬ ‫‪.‬‬

‫عندهم روايتان‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬يشير بسبّابته مرارا ‪ ،‬كلّ مرّة عند ذكر لفظ ( اللّه ) تنبيها على التّوحيد ‪،‬‬ ‫ول يحرّكها لفعله صلى ال عليه وسلم قالوا ‪ :‬ول يشير بغير سبّابة اليمنى ولو عدمت ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬بكراهة الشارة بسبّابة اليسرى ولو من مقطوع اليمنى‬ ‫‪.‬‬

‫وعدّ المالكيّة الشارة بالسّبّابة من المندوبات‬

‫ويندب تحريك السّبّابة يمينا وشمالً دائما ‪ -‬ل لعلى ول لسفل ‪ -‬في جميع التّشهّد ‪ .‬وأمّا‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫اليسرى فيبسطها مقرونة الصابع على فخذه‬

‫سنن السّلم‬

‫ن السّلم ركن عند جمهور الفقهاء ‪ .‬واجب عند الحنفيّة ‪،‬‬ ‫سبق في أركان الصّلة أ ّ‬ ‫‪:‬‬

‫وقد ‪83 -‬‬

‫ذكر الفقهاء للسّلم سننا منها‬

‫أن يسلّم مرّتين ‪ :‬مرّةً عن يمينه ومرّةً عن يساره ‪ ،‬ويسلّم عن يمينه أ ّولً ‪ ،‬بحيث يرى‬ ‫‪.‬‬

‫بياض خدّه اليمن ‪ ،‬وعن يساره ثانيا ‪ ،‬بحيث يرى بياض خدّه اليسر ‪ ،‬يراه من خلفه‬ ‫وقد قال الحنابلة ‪ :‬بفرضيّة التّسليمتين ‪ ،‬وقال الحنفيّة ‪ :‬بوجوبهما ‪ ،‬وذهب المالكيّة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪".‬‬

‫والشّافعيّة إلى أنّه يتأدّى الفرض بتسليمة واحدة‬

‫والسّنّة أن يقول ‪ " :‬السّلم عليكم ورحمة اللّه " مرّتين‬

‫وقد صرّح الحنفيّة بكراهة كلّ صيغة تخالف هذه الصّيغة ‪ ،‬وزاد بعضهم لفظ " وبركاته‬ ‫‪".‬‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ل تسنّ زيادة " وبركاته‬

‫ي صلى‬ ‫وقال الحنفيّة ‪ :‬الولى تركه ‪ ،‬لحديث ابن مسعود رضي ال تعالى عنه ‪ « :‬أنّ النّب ّ‬ ‫ال عليه وسلم كان يسلّم عن يمينه وعن يساره ‪ :‬السّلم عليكم ورحمة اللّه ‪ ،‬السّلم عليكم‬ ‫‪».‬‬

‫ورحمة اللّه ‪ ،‬حتّى يرى بياض خدّيه‬

‫ي صلى ال‬ ‫ولحديث ابن أبي وقّاص ‪ -‬رضي ال تعالى عنه عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬كنت أرى النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫عليه وسلم يسلّم عن يمينه ويساره ‪ ،‬حتّى أرى بياض خدّه‬

‫وصرّح المالكيّة والشّافعيّة بأنّه يبتدئ السّلم مستقبل القبلة ‪ ،‬ثمّ يلتفت ويتمّ سلمه بتمام‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫القنوت في صلة الفجر‬ ‫‪.‬‬

‫اختلف الفقهاء في مشروعيّة القنوت في صلة‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫التفاته‬

‫الفجر ‪84 -‬‬

‫انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( صلة الفجر ‪ :‬قنوت‬

‫مكروهات الصّلة‬

‫صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة السّدل في الصّلة ‪ ،‬لما روى أبو هريرة‬

‫قال ‪85 -‬‬

‫‪ «:‬نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن السّدل في الصّلة ‪ ،‬وأن يغطّي الرّجل فاه»‪.‬‬ ‫واختلفوا في تفسير السّدل ‪ .‬فقال الحنفيّة ‪ :‬هو إرسال الثّوب بل لبس معتاد ‪ ،‬وفسّره‬ ‫الكرخيّ بأن يجعل ثوبه على رأسه أو على كتفيه ‪ ،‬ويرسل أطرافه من جانبه إذا لم يكن‬ ‫‪.‬‬

‫عليه سراويل ‪ ،‬فكراهته لحتمال كشف العورة ‪ ،‬والكراهة تحريميّة‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬السّدل ‪ :‬هو أن يرسل الثّوب حتّى يصيب الرض ‪ ،‬وهو قول ابن عقيل من‬ ‫‪.‬‬

‫الحنابلة‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬السّدل ‪ :‬هو أن يطرح ثوبا على كتفيه ‪ ،‬ول ير ّد أحد طرفيه على الكتف‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫الخرى‬

‫وقيل ‪ :‬وضع الرّداء على رأسه وإرساله من ورائه على ظهره‬

‫ي ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ « -‬أنّ‬ ‫صمّاء لما روى أبو سعيد الخدر ّ‬ ‫كما يكره اشتمال ال ّ‬ ‫صمّاء ‪ ،‬وأن يحتبي الرّجل في ثوب‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬نهى عن اشتمال ال ّ‬ ‫‪».‬‬

‫واحد ليس على فرجه منه شيء‬

‫وصرّح المالكيّة بأنّ محلّ الكراهة إن كان معها ستر كإزار تحتها وإلّ منعت لحصول كشف‬ ‫‪).‬‬

‫صمّاء‬ ‫العورة ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ( اشتمال ال ّ‬

‫ويكره التّلثّم ‪ ،‬لما روى أبو هريرة ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ « : -‬أنّ رسول اللّه‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫صلى ‪86 -‬‬

‫ال عليه وسلم نهى أن يغطّي الرّجل فاه في الصّلة‬

‫قال المالكيّة ‪ :‬هو ما يصل لخر الشّفة السّفلى ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬هو تغطية الفم‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬التّلثّم على الفم والنف ‪ ،‬والمرأة كالرّجل في هذا ‪ .‬كما يكره كفّ الكمّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أمرت أن أسجد على سبعة‬ ‫والثّوب والعبث فيه ‪ ،‬لقول النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫أعظم‪ ،‬ول أكفّ ثوبا ول شعرا‬

‫ل ‪ ،‬وأجازوه للتّذلّل ‪ .‬قالوا ‪:‬‬ ‫وصرّح الحنفيّة بكراهة صلة حاسر رأسه تكاس ً‬ ‫‪.‬‬

‫وإن ‪87 -‬‬

‫سقطت قلنسوته فالفضل إعادتها إلّ إذا احتاجت لتكوير أو عمل كثير‬ ‫‪.‬‬

‫ويكره تنزيها ‪ :‬الصّلة في ثياب بذلة ومهنة ‪ ،‬إن كان له غيرها‬

‫كما يكره العتجار ‪ ،‬وهو ‪ :‬شدّ الرّأس بالمنديل ‪ ،‬أو تكوير عمامته على رأسه وترك‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم عن العتجار في الصّلة » ‪ .‬وقيل ‪:‬‬ ‫وسطها مكشوفا « لنهي النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫العتجار ‪ :‬أن ينتقب بعمامته فيغطّي أنفه‬

‫ل خلف بين الفقهاء في كراهة القتصار على الفاتحة في الرّكعتين الوليين‬ ‫‪.‬‬

‫من ‪88 -‬‬

‫المكتوبة ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬يكره تحريما أن ينقص شيئا من القراءة الواجبة‬

‫وقد ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ -‬إلى كراهة تنكيس السّور ‪ -‬أي‬ ‫أن يقرأ في الثّانية سورةً أعلى ممّا قرأ في الولى ‪ -‬لما روي عن ابن مسعود ‪ -‬رضي ال‬ ‫‪".‬‬

‫تعالى عنه ‪ -‬أنّه سئل عمّن يقرأ القرآن منكوسا فقال ‪ " :‬ذلك منكوس القلب‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬لنّ ترتيب السّور في القراءة من واجبات التّلوة ‪ ،‬وإنّما جوّز للصّغار‬ ‫‪.‬‬

‫تسهيلً لضرورة التّعليم‬

‫واستثنى الحنفيّة والمالكيّة من قرأ في الرّكعة الولى بسورة النّاس ‪ ،‬فإنّه يقرأ في الثّانية‬ ‫أوّل سورة البقرة ‪ .‬لكن الحنفيّة خصّوا ذلك بمن يختم القرآن في الصّلة ‪ ،‬واستدلّوا بقول‬ ‫‪.‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬خير النّاس الحالّ والمرتحل » أي الخاتم والمفتتح‬ ‫النّب ّ‬

‫ن تنكيس السّور خلف الولى ‪ ،‬وصرّح المالكيّة بحرمة تنكيس اليات‬ ‫وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫المتلصقة في ركعة واحدة ‪ ،‬وأنّه يبطل الصّلة‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬بحرمة تنكيس الكلمات ‪ ،‬وأنّه يبطل الصّلة ‪ .‬أمّا تنكيس اليات فقيل ‪:‬‬ ‫ص إجماعا ‪،‬‬ ‫ي الدّين ‪ :‬ترتيب اليات واجب ‪ ،‬لنّ ترتيبها بالنّ ّ‬ ‫مكروه ‪ ،‬وقال الشّيخ تق ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وترتيب السّور بالجتهاد ل بال ّنصّ في قول جمهور الفقهاء‬

‫وصرّح الحنابلة ‪ :‬بأنّه ل يكره جمع سورتين فأكثر في ركعة ‪ ،‬ولو في فرض ‪ .‬روي عن‬ ‫ل من النصار كان يؤمّهم ‪ ،‬فكان يقرأ قبل كلّ سورة { ُقلْ ُه َو الّلهُ‬ ‫أنس بن مالك ‪ « :‬أنّ رج ً‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ما يحملك على‬ ‫َأحَدٌ } ‪ ،‬ثمّ يقرأ سور ًة أخرى معها ‪ ،‬فقال له النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫لزوم هذه السّورة ؟ فقال ‪ :‬إنّي أحبّها ‪ .‬فقال ‪ :‬حبّك إيّاها أدخلك الجنّة‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى كراهة قراءة سورتين في ركعة واحدة‬

‫وقيّد الحنفيّة الكراهة بما إذا كان بين السّورتين سور أو سورة واحدة‬

‫ومحلّ الكراهة عندهما ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة ‪ -‬صلة الفرض ‪ .‬أمّا في صلة النّفل فجائز من‬ ‫غير كراهة ‪ .‬واستثنى المالكيّة من ذلك المأموم إذا خشي من سكوته تفكّرا مكروها ‪ ،‬فل‬ ‫‪.‬‬

‫كراهة في حقّه إذا قرأ سورتين في ركعة‬

‫ص المالكيّة والحنابلة على أنّه ل يكره التزام سورة مخصوصة ‪ .‬لما تقدّم من ملزمة‬ ‫كما ن ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ي على { ُقلْ ُه َو الّلهُ َأحَدٌ } قال الحنابلة ‪ :‬مع اعتقاده جواز غيرها‬ ‫النصار ّ‬

‫وصرّح الحنفيّة بكراهة تعيين شيء من القرآن ‪ .‬وقيّد الطّحاويّ الكراهة بما إذا رأى ذلك‬ ‫حتما ل يجوز غيره ‪ ،‬أمّا لو قرأه للتّيسير عليه أو تبرّكا بقراءته ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪-‬‬ ‫ل يظنّ الجاهل أنّ غيرها ل يجوز ‪ ،‬ومال‬ ‫فل كراهة ‪ ،‬لكن بشرط أن يقرأ غيرها أحيانا لئ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫إلى هذا القيد ابن عابدين‬

‫ول يكره ‪ -‬أيضا ‪ -‬عند الحنابلة تكرار سورة في ركعتين ‪ ،‬لما روى زيد بن ثابت ‪ « :‬أنّ‬ ‫‪».‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم قرأ في المغرب بالعراف في الرّكعتين كلتيهما‬ ‫النّب ّ‬

‫كما ل يكره تفريقها في الرّكعتين ‪ ،‬لما روي عن عائشة ‪ -‬رضي ال تعالى عنها ‪ « -‬أنّ‬ ‫‪».‬‬

‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬كان يقسم البقرة في الرّكعتين‬

‫وقال الحنفيّة ‪ :‬ل ينبغي تفريق السّورة ‪ ،‬ولو فعل ل بأس به ‪ ،‬ول يكره على الصّحيح ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫)‬

‫وقيل ‪ :‬يكره‬

‫وذهب المالكيّة إلى كراهة تكرير السّورة في الرّكعتين ‪ ( .‬ر ‪ :‬قراءة‬

‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة ‪ -‬إلى‬

‫كراهة ‪89 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا قام أحدكم في الصّلة‬ ‫تغميض العينين في الصّلة لقول النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫فل يغمض عينيه‬

‫ن السّنّة أن‬ ‫واحتجّ له ‪ -‬أيضا ‪ -‬بأنّه فعل اليهود ‪ ،‬ومظنّة النّوم ‪ .‬وعلّل في البدائع ‪ :‬بأ ّ‬ ‫يرمي ببصره إلى موضع سجوده وفي التّغميض تركها ‪ .‬والكراهة عند الحنفيّة تنزيهيّة ‪.‬‬ ‫واستثنوا من ذلك التّغميض لكمال الخشوع ‪ ،‬بأن خاف فوت الخشوع بسبب رؤية ما يفرّق‬ ‫‪.‬‬

‫الخاطر فل يكره حينئذ ‪ ،‬بل قال بعضهم ‪ :‬إنّه الولى ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬وليس ببعيد‬ ‫قال المالكيّة ‪ :‬ومحلّ كراهة التّغميض ما لم يخف النّظر لمحرّم ‪،‬أو يكون فتح بصره‬ ‫‪.‬‬

‫يشوّشه‪ ،‬وإلّ فل يكره التّغميض حينئذ‬

‫واختار النّوويّ ‪ :‬أنّه ل يكره ‪ -‬أي تغميض العينين ‪ -‬إن لم يخف منه ضررا على نفسه ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫أو غيره فإن خاف منه ضررا كره‬

‫كما صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة رفع البصر إلى السّماء أثناء الصّلة لحديث‬ ‫أنس ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ما بال أقوام‬ ‫يرفعون أبصارهم إلى السّماء في صلتهم ‪ .‬فاشتدّ قوله في ذلك حتّى قال ‪ :‬لينتهنّ عن‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫ذلك‪ ،‬أو لتخطفنّ أبصارهم‬

‫قال الذرعيّ ‪ :‬والوجه تحريمه على العامد العالم بالنّهي المستحضر له‬

‫وروي « أنّه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬كان إذا صلّى رفع بصره إلى السّماء ‪ -‬فنزلت {‬ ‫‪».‬‬

‫شعُونَ } فطأطأ رأسه‬ ‫صلَا ِت ِهمْ خَا ِ‬ ‫الّذِينَ ُهمْ فِي َ‬

‫قال الحنابلة ‪ :‬ول يكره رفع بصره إلى السّماء حال التّجشّي إذا كان في جماعة لئلّ يؤذي‬ ‫‪.‬‬

‫من حوله بالرّائحة‬

‫ويكره ‪ -‬أيضا ‪ -‬النّظر إلى ما يلهي عن الصّلة ‪ ،‬لحديث عائشة ‪ -‬رضي ال تعالى عنها‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬صلّى في خميصة لها أعلم ‪ ،‬فنظر إلى أعلمها نظرةً‬ ‫ « أنّ النّب ّ‬‫‪ ،‬فلمّا انصرف قال ‪ :‬اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانيّة أبي جهم ‪ ،‬فإنّها‬ ‫‪.‬‬

‫ألهتني آنفا عن صلتي » ‪ ،‬ولنّه يشغله عن إكمال الصّلة‬

‫اتّفق الفقهاء على كراهة التّخصّر ‪ -‬وهو أن يضع يده على خاصرته في القيام ‪-‬‬

‫لقول ‪90 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم أن يصلّي الرّجل‬ ‫أبي هريرة ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ « : -‬نهى النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫متخصّرا‬

‫ن هذه الهيئة تنافي‬ ‫قال الدّسوقيّ ‪ :‬الخصر ‪ :‬هو موضع الحزام من جنبه ‪ ،‬وإنّما كره ذلك ل ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫هيئة الصّلة‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬والّذي يظهر أنّ الكراهة تحريميّة في الصّلة للنّهي المذكور‬ ‫‪.‬‬

‫وصرّح الشّافعيّة بجواز ذلك عند الضّرورة والحاجة‬

‫كما اتّفق الفقهاء على كراهة ما كان من العبث واللّهو كفرقعة الصابع وتشبيكها‬ ‫‪».‬‬

‫لقول ‪91 -‬‬

‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل ُت َفقّع أصابعك وأنت تصلّي‬

‫ولحديث أبي هريرة ‪ « :‬إذا توضّأ أحدكم في بيته ث ّم أتى المسجد كان في صلة حتّى يرجع‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫فل يقل هكذا ‪ ،‬وشبّك بين أصابعه‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬وينبغي أن تكون الكراهة تحريم ّيةً للنّهي المذكور‬

‫واتّفق الفقهاء ‪ -‬أيضا ‪ -‬على كراهة العبث باللّحية أو غيرها من جسده ‪ ،‬لما روي‬

‫‪92 - :‬‬

‫ل يعبث في الصّلة ‪ ،‬فقال ‪ :‬لو خشع قلب هذا‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم رأى رج ً‬ ‫«أّ‬ ‫‪».‬‬

‫لخشعت جوارحه‬

‫واستثني من ذلك ما كان لحاجة ‪ :‬كحكّ بدنه لشيء أكله وأضرّه ‪ ،‬وسلت عرق يؤذيه‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ويشغل قلبه ‪ ،‬وهذا إذا كان العمل يسيرا‬

‫وصرّح الشّافعيّة بأنّه لو سقط رداؤه أو طرف عمامته كره له تسويته إلّ‬

‫لضرورة ‪93 -‬‬

‫وصرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة تقليب الحصى ومسّه ‪ ،‬لحديث أبي ذرّ‬

‫‪94 - -‬‬

‫رضي ال تعالى عنه ‪ -‬مرفوعا ‪ « :‬إذا قام أحدكم إلى الصّلة فإنّ الرّحمة تواجهه فل‬ ‫ن النّبيّ‬ ‫يمسح الحصى » كما يكره مسح الحصى ونحوه حيث يسجد ‪ ،‬لحديث معيقيب « أ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫صلى ال عليه وسلم قال في الرّجل يسوّي التّراب حيث يسجد ‪ :‬إن كنت فاعلً فواحدةً‬ ‫‪.‬‬

‫وقيّد الحنابلة الكراهة بعدم العذر‬

‫ورخّص الحنفيّة تسوية الحصى مرّ ًة للسّجود التّامّ ‪ ،‬بأن كان ل يمكنه تمكين جبهته على‬ ‫‪.‬‬

‫وجه السّنّة إلّ بذلك‬

‫قالوا ‪ :‬وتركها أولى ‪ .‬وصرّحوا بأنّه لو كان ل يمكنه وضع القدر الواجب من الجبهة إلّ به‬ ‫‪.‬‬

‫تعيّن ولو أكثر من مرّة‬

‫ونصّ الشّافعيّة على كراهة وضع اليد على الفم في الصّلة من غير حاجة ‪ ،‬لثبوت النّهي‬ ‫‪.‬‬

‫عنه ‪ ،‬ولمنافاته لهيئة الخشوع‬

‫وصرّح الحنفيّة بكراهة ع ّد الي والسّور ‪ ،‬والتّسبيح بأصابع اليد أو بسبحة يمسكها‬ ‫‪.‬‬

‫في ‪95 -‬‬

‫الصّلة مطلقا ولو كانت نفلً‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬وهذا باتّفاق أصحابنا في ظاهر الرّواية ‪ ،‬وعن الصّاحبين في غير ظاهر‬ ‫‪.‬‬

‫الرّواية عنهما أنّه ل بأس به‬

‫وقيل ‪ :‬الخلف في الفرائض ول كراهة في النّوافل اتّفاقا ‪ .‬وقيل ‪ :‬في النّوافل ول خلف في‬ ‫الكراهة في الفرائض ‪ .‬والكراهة عندهم تنزيهيّة وعلّلوها بأنّه ليس من أفعال الصّلة ‪.‬‬ ‫وذهب الحنابلة إلى جواز ع ّد الي والتّسبيح بأصابعه من غير كراهة ‪ ،‬لما روى أنس ‪-‬‬

‫رضي ال تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬رأيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم يعقد الي بأصابعه » ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وعدّ التّسبيح في معنى عدّ الي‬

‫قال البهوتيّ ‪ :‬وتوقّف أحمد في ع ّد التّسبيح لنّه يتوالى لقصره ‪ ،‬فيتوالى حسابه فيكثر‬ ‫‪.‬‬

‫العمل بخلف عدّ الي‬

‫وصرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة تروّحه ‪ -‬جلب نسيم الرّيح ‪-‬‬ ‫‪.‬‬

‫بمروحة ‪96 -‬‬

‫ونحوها ‪ ،‬لنّه من العبث‬

‫قال الحنابلة ‪ :‬إ ّل لحاجة كغمّ شديد فل يكره ما لم يكثر من التّروّح ‪ ،‬فيبطل الصّلة إن‬ ‫‪.‬توالى‬ ‫ب بيده الذّباب أو البعوض إلّ عند الحاجة بعمل‬ ‫وفي الهنديّة عن التّتارخانيّة يكره أن يذ ّ‬ ‫‪.‬قليل‬ ‫‪97‬‬

‫‪ -‬وصرّح الشّافعيّة بكراهة القيام على رجل واحدة ‪ ،‬لنّه تكلّف ينافي الخشوع ‪ ،‬إلّ إن‬

‫كان لعذر كوجع الخرى فل كراهة ‪.‬‬ ‫كما نصّ المالكيّة على كراهة رفع الرّجل عن الرض إلّ لضرورة كطول القيام ‪ ،‬كما يكره‬ ‫‪.‬‬

‫عندهم وضع قدم على أخرى لنّه من العبث ‪ ،‬ويكره أيضا إقرانهما‬

‫ي صلى ال عليه‬ ‫ونصّ الحنابلة على كراهة كثرة المراوحة بين القدمين ‪ ،‬لما روي أنّ النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫وسلم قال ‪ « :‬إذا قام أحدكم في صلته فليسكن أطرافه ‪ ،‬ول يتميّل كما يتميّل اليهود‬

‫قال في شرح المنتهى ‪ :‬وهو محمول على ما إذا لم يطل قيامه ‪ ،‬أمّا قلّة المراوحة فتستحبّ‬ ‫عندهم ول تكره ‪ .‬لما روى الثرم عن أبي عبادة قال ‪ « :‬رأى عبد اللّه رجلً يصلّي صافّا‬ ‫بين قدميه فقال ‪ :‬لو راوح هذا بين قدميه كان أفضل » ‪ ،‬وفي رواية ‪ « :‬أخطأ السّنّة ‪ ،‬ولو‬ ‫‪».‬‬

‫راوح بينهما كان أعجب‬

‫اتّفق الفقهاء على كراهة القعاء في جلسات الصّلة ‪ .‬انظر مصطلح ‪( :‬‬

‫إقعاء ‪98 -‬‬

‫ل خلف بين الفقهاء في كراهة اللتفات في الصّلة ‪ ،‬لحديث عائشة ‪ -‬رضي ال‬

‫تعالى ‪99 -‬‬

‫‪).‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم عن اللتفات في الصّلة ؟ فقال ‪ :‬هو‬ ‫عنها ‪ -‬قالت ‪ « :‬سألت النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫اختلس يختلسه الشّيطان من صلة العبد‬

‫والكراهة مقيّدة بعدم الحاجة أو العذر ‪ ،‬أمّا إن كانت هناك حاجة ‪ :‬كخوف على نفسه أو‬ ‫ماله لم يكره ‪ ،‬لحديث سهل بن الحنظليّة قال ‪ُ « :‬ثوّب بالصّلة يعني صلة الصّبح فجعل‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يصلّي وهو يلتفت إلى الشّعب ‪ .‬قال ‪ :‬وكان أرسل فارسا‬ ‫‪».‬‬

‫إلى الشّعب يحرس‬

‫وعليه يحمل ما روى ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪ « : -‬كان صلى ال عليه وسلم‬ ‫‪».‬‬

‫يلتفت في صلته يمينا وشمالً ‪ ،‬ول يلوي عنقه خلف ظهره‬ ‫‪:‬‬

‫وهناك تفصيل في المذاهب نذكره فيما يلي‬

‫قال الحنفيّة ‪ :‬اللتفاف بالوجه كلّه أو بعضه مكروه تحريما ‪ ،‬وبالبصر ‪ -‬أي من غير‬ ‫تحويل الوجه أصلً ‪ -‬مكروه تنزيها ‪ .‬وعن الزّيلعيّ والباقانيّ ‪ :‬أنّه مباح ‪ « ،‬لنّه صلى ال‬ ‫عليه وسلم كان يلحظ أصحابه في صلته بموق عينيه » ‪ ،‬أمّا اللتفات بالصّدر فإنّه مفسد‬ ‫‪.‬‬

‫للصّلة وسيأتي‬

‫وعند المالكيّة ‪ :‬اللتفات مكروه في جميع صوره ‪ ،‬ولو بجميع جسده ‪ ،‬ول يبطل الصّلة ما‬ ‫بقيت رجله للقبلة ‪ ،‬وبعضه أخفّ بالكراهة من بعض ‪ ،‬فاللتفات بالخدّ أخفّ من ليّ‬ ‫ي البدن كلّه ‪ ،‬وقريب من هذا‬ ‫ي الصّدر ‪ ،‬والصّدر أخفّ من ل ّ‬ ‫العنق ‪ ،‬وليّ العنق أخفّ من ل ّ‬ ‫مذهب الحنابلة حيث صرّحوا بعدم بطلن الصّلة لو التفت بصدره ووجهه ‪ ،‬وذلك لنّه لم‬ ‫‪.‬‬

‫يستدر بجملته‬

‫ي صلى ال عليه‬ ‫وقال المتولّي من الشّافعيّة ‪ :‬بحرمة اللتفات بالوجه ‪ ،‬لما روي عن النّب ّ‬ ‫وسلم أنّه قال ‪ « :‬ل يزال اللّه ع ّز وجلّ مقبلً على العبد وهو في صلته ما لم يلتفت ‪ .‬فإذا‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫التفت انصرف عنه‬

‫قال الذرعيّ ‪ :‬والمختار ‪ :‬أنّه إن تعمّد مع علمه بالخبر حرم ‪ ،‬بل تبطل إن فعله لعبا‬

‫ي بن‬ ‫وقد صرّح الشّافعيّة بجواز اللّمح بالعين دون اللتفات فإنّه ل بأس به ‪ ،‬لحديث عل ّ‬ ‫شيبان قال ‪ «:‬خرجنا حتّى قدمنا على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فبايعناه وصلّينا‬ ‫خلفه‪ .‬فلمح بمؤخّر عينه رجلً ل يقيم صلته ‪ -‬يعني صلبه ‪ -‬في الرّكوع والسّجود ‪ ،‬فلمّا‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬يا معشر المسلمين ل صلة لمن ل يقيم صلبه في‬ ‫قضى النّب ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫الرّكوع والسّجود‬

‫أمّا إن حوّل صدره عن القبلة فإنّه تبطل صلته‬

‫ل خلف بين الفقهاء في كراهة الصّلة مع مدافعة الخبثين ‪ ،‬لما روت عائشة‬

‫‪100 - -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ل صلة بحضرة طعام ‪ ،‬ول‬ ‫رضي ال تعالى عنها ‪ -‬أنّ النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫هو يدافع الخبثين » ‪ .‬ويسمّى مدافع البول حاقنا ‪ ،‬ومدافع الغائط حاقبا‬

‫وألحق الشّافعيّة والحنابلة بذلك من تاقت نفسه إلى طعام أو شراب ‪ ،‬لنّه في معناه ‪ .‬قالوا‬ ‫‪ :‬فيبدأ بالخلء ليزيل ما يدافعه من بول أو غائط أو ريح ‪ ،‬ويبدأ ‪ -‬أيضا ‪ -‬بما تاق إليه‬ ‫من طعام أو شراب ‪ ،‬ولو فاتته الجماعة ‪ ،‬لما روى البخاريّ ‪ :‬كان ابن عمر يوضع له‬ ‫‪.‬‬

‫الطّعام ‪ ،‬وتقام الصّلة ‪ ،‬فل يأتيها حتّى يفرغ ‪ ،‬وإنّه ليسمع قراءة المام‬

‫إلّ إذا ضاق الوقت فل تكره الصّلة على هذه الحال ‪ ،‬بل يجب فعلها قبل خروج وقتها في‬ ‫‪.‬‬

‫جميع الحوال‬

‫صةً بالبتداء ‪ ،‬بل تكره صلة الحاقن مطلقا ‪ ،‬سواء‬ ‫وصرّح الحنفيّة بأنّ الكراهة ليست مخت ّ‬ ‫كان قبل شروعه أو بعده ‪ .‬قالوا ‪ :‬فإن شغله قطعها إن لم يخف فوت الوقت ‪ ،‬وإن أتمّها‬ ‫أثم‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل يحلّ لرجل يؤمن باللّه واليوم الخر أن يصلّي‬ ‫‪».‬‬

‫وهو حقن حتّى يتخفّف‬

‫ن ترك سنّة‬ ‫ويقطعها ‪ -‬أيضا ‪ -‬ولو خشي فوت الجماعة ‪ ،‬ول يجد جماعةً أخرى ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الجماعة أولى من التيان بالكراهة‬

‫وصرّح المالكيّة ‪ :‬بأنّه إذا وصل الحقن إلى حدّ ل يقدر معه التيان بالفرض أصلً ‪ ،‬أو يأتي‬ ‫‪.‬‬

‫به معه لكن بمشقّة ‪ ،‬فإنّه يبطل الصّلة‬

‫قال العدويّ ‪ :‬أو أتى به على حالة غير مرضيّة ‪ ،‬بأن يضمّ وركيه أو فخذيه ‪ ،‬ومحلّ‬ ‫‪).‬‬

‫البطلن إذا دام ذلك الحقن ‪ ،‬وأمّا إن حصل ثمّ زال فل إعادة ‪ ( .‬ر ‪ :‬حاقن‬

‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ -‬إلى كراهة السّجود على‬

‫كور ‪101 -‬‬

‫العمامة من حيث الجملة ‪ .‬وقيّدوا الكراهة بما إذا كان السّجود على كور العمامة بدون عذر‬ ‫من حرّ أو برد أو مرض ‪ .‬قال البهوتيّ ‪ :‬ليخرج من الخلف ويأتي بالعزيمة ‪ .‬ودليل ذلك‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫ما روى أنس ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬كنّا نصلّي مع النّب ّ‬ ‫في شدّة الحرّ ‪ ،‬فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الرض بسط ثوبه فسجد عليه » ‪.‬‬ ‫والكراهة عند الحنفيّة تنزيهيّة ‪ ،‬وشرط الحنفيّة لصحّة السّجود على المكوّر كون الكور‬ ‫الّذي يسجد عليه على الجبهة أو بعضها ‪ ،‬أمّا إذا كان على الرّأس ‪ -‬فقط ‪ -‬وسجد عليه‬ ‫‪.‬‬

‫ولم تصب جبهته الرض فإنّه ل يصحّ سجوده ‪ ،‬لعدم السّجود على محلّه‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬إذا كان كور العمامة فوق الجبهة ومنعت لصوق الجبهة بالرض فباطلة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وإن كان الكور أكثر من الطّاقتين أعاد في الوقت‬

‫وألحق المالكيّة والحنابلة بكور العمامة كلّ ما اتّصل بالمصلّي من غير أعضاء السّجود‬ ‫‪.‬‬

‫كطرف كمّه وملبوسه‬

‫وعند الحنفيّة يجوز السّجود على كمّه وفاضل ثوبه لو كان المكان المبسوط عليه ذلك‬ ‫‪.‬‬

‫طاهرا‪ ،‬وإلّ ل‬

‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن حال دون الجبهة حائل متّصل به ككور عمامته ‪ ،‬أو طرف‬ ‫كمّه ‪ ،‬وهما يتحرّكان بحركته في القيام والقعود ‪ ،‬أو غيرهما لم تصحّ صلته بل خلف‬ ‫ت ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬شكونا إلى رسول‬ ‫عندهم ‪ ،‬لما روى خبّاب بن الر ّ‬

‫اللّه صلى ال عليه وسلم حرّ الرّمضاء في جباهنا وأكفّنا فلم يشكنا » ‪ ،‬وفي رواية قال ‪« :‬‬ ‫فما أشكانا ‪ ،‬وقال ‪ :‬إذا زالت الشّمس فصلّوا » ‪ .‬وإن سجد على ذيله أو كمّه أو طرف‬ ‫ن هذا‬ ‫عمامته ‪ ،‬وهو طويل ل يتحرّك بحركته فوجهان ‪ :‬الصّحيح أنّه تصحّ صلته ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ح به كما لو كان على ذلك الطّرف نجاسة ‪،‬‬ ‫الطّرف في معنى المنفصل ‪ ،‬والثّاني ‪ :‬ل تص ّ‬ ‫فإنّه ل تصحّ صلته وإن كان ل يتحرّك بحركته ‪ ،‬ث ّم إنّه إن سجد على كور عمامته أو كمّه‬ ‫ونحوهما متعمّدا عالما بالتّحريم بطلت صلته ‪ ،‬وإن كان ساهيا لم تبطل ‪ ،‬لكن يجب إعادة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫السّجود‬

‫وهناك مكروهات كثيرة للسّجود تنظر في مصطلح ‪ ( :‬سجود‬

‫واتّفق الفقهاء على أنّه يكره للمصلّي أن يصلّي مستقبلً لرجل أو امرأة ‪ .‬قال‬

‫البخاريّ ‪102 -‬‬

‫في صحيحه ‪ :‬كره عثمان ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬أن يستقبل الرّجل وهو يصلّي ‪ .‬وحكاه‬ ‫ي ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ « -‬أنّ‬ ‫القاضي عياض عن عامّة العلماء ‪ ،‬وروى البزّار عن عل ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ل يصلّي إلى رجل فأمره أن يعيد الصّلة‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم رأى رج ً‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬والظّاهر أنّها كراهة تحريميّة ‪ ،‬ويكون المر بالعادة لزالة الكراهة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫لنّه الحكم في كلّ صلة أدّيت مع الكراهة وليس للفساد‬

‫وعن أبي يوسف قال ‪ :‬إن كان جاهلً علّمته ‪ ،‬وإن كان عالما أدّبته‬

‫كما صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة الصّلة إلى متحدّث ‪ ،‬لنّه يشغله عن حضور‬ ‫‪.‬‬

‫قلبه في الصّلة ‪ ،‬لكن الحنفيّة قيّدوا الكراهة بما إذا خيف الغلط بحديثه‬

‫وزاد الحنابلة ‪ :‬النّائم ‪ ،‬فتكره الصّلة إليه لحديث ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما أنّ‬ ‫‪».‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ل تصلّوا خلف النّائم ول المتحدّث‬ ‫النّب ّ‬

‫وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى عدم الكراهة لحديث عائشة ‪ -‬رضي ال تعالى عنها ‪ -‬قالت‬ ‫‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يصلّي وأنا راقدة معترضة على فراشه فإذا أراد‬ ‫‪.‬‬

‫أن يوتر أيقظني فأوترت » ‪ .‬وهو يقتضي أنّها كانت نائمةً‬

‫وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه ل تكره الصّلة إلى ظهر إنسان ‪ ،‬واستثنى الحنابلة من‬ ‫‪.‬‬

‫ذلك الكافر‬

‫وفصّل المالكيّة فقالوا ‪ :‬إن كانت امرأةً أجنب ّيةً أو كافرا فالكراهة ‪ ،‬وإن كان رجلً غير كافر‬ ‫‪.‬‬

‫جاز من غير كراهة ‪ ،‬وإن كانت امرأةً محرما فقولن ‪ :‬والرّاجح الجواز‬

‫وصرّح المالكيّة والحنابلة بكراهة استقبال شيء من النّار في الصّلة ‪ -‬ولو سراجا‬ ‫‪.‬‬

‫أو ‪103 -‬‬

‫ن فيه تشبيها بعبدة النّار‬ ‫قنديلً أو شمعةً موقد ًة ‪ -‬ل ّ‬

‫وذهب الحنفيّة إلى عدم كراهة استقبال هذه الشياء ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لنّ المجوس تعبد الجمر ل‬ ‫‪.‬‬

‫النّار الموقدة ‪ ،‬ولذا قالوا بكراهة الصّلة إلى تنّور أو كانون فيه جمر‬

‫كما يكره أن يكتب في القبلة شيء ‪ ،‬أو يعلّق فيها شيء ‪ ،‬لنّه يشغل المصلّي ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ويكره ‪104 -‬‬

‫‪ -‬أيضا ‪ -‬تزويق المسجد‬

‫قال المام أحمد ‪ :‬كانوا يكرهون أن يجعلوا في القبلة شيئا ‪ ،‬قال البهوتيّ ‪ :‬حتّى المصحف‬ ‫قال المالكيّة ‪ :‬يكره أن يتعمّد جعل المصحف في قبلته ليصلّي إليه ‪ ،‬أمّا إذا كان هذا مكانه‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫الماكن الّتي تكره الصّلة فيها‬

‫الّذي يعلّق فيه فإنّه ل يكره‬

‫اختلف الفقهاء في الماكن الّتي تكره الصّلة فيها ‪ ،‬وإليك تفصيل‬

‫أقوالهم ‪105 -‬‬

‫ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى كراهة الصّلة في الطّريق ‪ ،‬والحمّام ‪ ،‬والمزبلة ‪ ،‬والمجزرة ‪،‬‬ ‫والكنيسة ‪ ،‬وعطن البل ‪ ،‬والمقبرة ‪ ،‬لما روى ابن عمر ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪« : -‬‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬نهى أن يصلّى في سبعة مواطن ‪ :‬في المزبلة والمجزرة‬ ‫أّ‬ ‫‪».‬‬

‫والمقبرة وقارعة الطّريق وفي الحمّام وفي معاطن البل وفوق ظهر بيت اللّه‬

‫قال الخطيب الشّربينيّ ‪ :‬قارعة الطّريق هي أعله ‪ ،‬وقيل ‪ :‬صدره ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ما برز منه ‪،‬‬ ‫والكلّ متقارب ‪ ،‬والمراد هنا نفس الطّريق ‪ ،‬والعلّة في النّهي عن الصّلة في قارعة الطّريق‬ ‫ق العامّة ‪ ،‬ومنعهم من المرور ‪ ،‬ولشغل البال عن الخشوع فيشتغل بالخلق‬ ‫هي لشغله ح ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ن الكراهة في البنيان دون البرّيّة‬ ‫ق ‪ .‬قال الخطيب الشّربينيّ ‪ :‬المعتمد أ ّ‬ ‫عن الح ّ‬

‫وتكره الصّلة ‪ -‬أيضا ‪ -‬في معاطن البل ولو طاهر ًة ‪ .‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬ ‫« صلّوا في مرابض الغنم ول تصلّوا في أعطان البل » ‪ .‬والمراد بالمعاطن ‪ -‬هنا ‪-‬‬ ‫ص الكراهة بالعطن ‪ ،‬بل مأواها ومقيلها‬ ‫ي ‪ :‬ول تخت ّ‬ ‫مباركها مطلقا ‪ .‬قال الخطيب الشّربين ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ومباركها ‪ ،‬بل مواضعها كلّها كذلك‬

‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫ول تكره الصّلة في مرابض الغنم للحديث المتقدّم ‪ « ،‬وسئل النّب ّ‬ ‫عن الصّلة في مرابض الغنم ‪ ،‬فقال ‪ :‬صلّوا فيها فإنّها خلقت بركةً » ‪ .‬وألحقوا مرابض‬ ‫ن أماكن‬ ‫ي ‪ :‬ومعلوم أ ّ‬ ‫البقر بمرابض الغنم فل تكره الصّلة فيها ‪ ،‬قال الخطيب الشّربين ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ح الصّلة فيها بل حائل ‪ ،‬وتصحّ بالحائل مع الكراهة‬ ‫المواشي مطلقا إن تنجّست لم تص ّ‬ ‫ووافق المالكيّة الحنفيّة والشّافعيّة في حكم الصّلة في الكنيسة ومعطن البل ‪ ،‬فكرهوا‬ ‫الصّلة فيهما ‪ .‬وألحقوا بالكنيسة كلّ متعبّد للكفّار كالبيعة وبيت النّار ‪ ،‬وخصّوا كراهة‬ ‫الصّلة في الكنيسة بما إذا دخلها مختارا سواء كانت عامر ًة أم دارسةً ‪ ،‬أمّا إن دخلها‬

‫مضطرّا فل كراهة‪ ،‬عامرةً كانت أم دارسةً ‪ .‬وقالوا بإعادة الصّلة في الوقت إذا نزلها‬ ‫‪.‬‬

‫باختياره وصلّى على أرضها أو على فرشها‬

‫وتكره الصّلة في معطن البل ولو مع أمن النّجاسة ‪ .‬وعندهم في إعادة الصّلة قولن ‪:‬‬ ‫ل أو ناسيا ‪ ،‬وقول يعيد النّاسي في الوقت ‪،‬‬ ‫قول يعيد في الوقت مطلقا عامدا كان أو جاه ً‬ ‫‪.‬‬

‫والعامد والجاهل بالحكم أبدا ندبا‬

‫وأجازوا الصّلة بل كراهة بمربض الغنم والبقر من غير فرش يصلّى عليه ‪ ،‬وبالمقبرة بل‬ ‫حائل ولو على القبر ‪ ،‬ولو لمشرك ‪ ،‬وسواء كانت المقبرة عامرةً أم دارس ًة منبوشةً ‪،‬‬ ‫وبالمزبلة والمجزرة والحال أنّه لم يصلّ على الزّبل أو الدّم ‪ ،‬بل في محلّ ل زبل فيه ‪ ،‬أو ل‬ ‫دم فيه من غير أن يفرش شيئا طاهرا يصلّي عليه ‪ .‬وبالمحجّة " وسط الطّريق " وبقارعة‬ ‫‪".‬‬

‫الطّريق " جانبه‬

‫‪.‬‬

‫وقيّدوا جواز الصّلة في المقبرة والمزبلة والمجزرة والمحجّة بأمن النّجاسة‬

‫‪.‬‬

‫ن بولها ورجيعها طاهران‬ ‫أمّا مربض البقر والغنم فدائما مأمون النّجاسة ‪ ،‬ل ّ‬

‫ثمّ إنّه متى أمنت هذه الماكن من النّجس ‪ -‬بأن جزم أو ظنّ طهارتها ‪ -‬كانت الصّلة‬ ‫جائز ًة ول إعادة أصلً وإن تحقّقت نجاستها أو ظنّت فل تجوز الصّلة فيها ‪ ،‬وإذا صلّى أعاد‬ ‫‪.‬‬

‫أبدا‬

‫وإن شكّ في نجاستها وطهارتها أعاد في الوقت على الرّاجح ‪ ،‬بنا ًء على ترجيح الصل‬ ‫على الغالب ‪ ،‬وهو قول مالك ‪ .‬وقال ابن حبيب ‪ :‬يعيد أبدا إن كان عامدا أو جاهلً ترجيحا‬ ‫للغالب على الصل ‪ .‬وهذا في غير محجّة الطّريق إذا صلّى فيها لضيق المسجد ‪ ،‬فإنّ‬ ‫‪.‬‬

‫الصّلة فيها حينئذ جائزة ‪ .‬ول إعادة مع الشّكّ في الطّهارة وعدمها‬

‫وخالف الحنابلة في كلّ ذلك فقالوا بعدم صحّة الصّلة في المقبرة مطلقا ‪ ،‬لحديث جندب‬ ‫مرفوعا ‪ « :‬ل تتّخذوا القبور مساجد ‪ ،‬فإنّي أنهاكم عن ذلك » ‪ .‬والمقبرة ثلثة قبور‬ ‫‪.‬‬

‫فصاعدا‪ ،‬فل يعتبر قبر ول قبران مقبرة‬

‫ول تصحّ الصّلة في الحمّام ‪ ،‬داخله وخارجه وأتونه " موقد النّار " وكلّ ما يغلق عليه‬ ‫الباب ويدخل في البيع ‪ ،‬لشمول السم لذلك كلّه ‪ ،‬لحديث أبي سعيد مرفوعا ‪ « :‬الرض‬ ‫كلّها مسجد إلّ الحمّام والمقبرة » ‪ .‬ومثله الحشّ ‪ -‬وهو ما أعدّ لقضاء الحاجة ‪ -‬ولو مع‬ ‫‪.‬‬

‫طهارته من النّجاسة‬

‫ول تصحّ الصّلة عندهم في أعطان البل ‪ -‬وهي ما تقيم فيه وتأوي إليه ‪ ، -‬لما روى‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬صلّوا في مرابض الغنم ول تصلّوا‬ ‫البراء بن عازب أنّ النّب ّ‬

‫في مبارك البل » ول تدخل في النّهي المواضع الّتي تناخ فيها البل لعلفها ‪ ،‬أو ورودها‬ ‫‪.‬‬

‫الماء ‪ ،‬ومواضع نزولها في سيرها ‪ ،‬لعدم تناول اسم العطان لها‬

‫ول تصحّ الصّلة ‪ -‬أيضا ‪ -‬في المجزرة والمزبلة وقارعة الطّريق ‪ ،‬سواء كان فيه سالك‬ ‫‪.‬‬

‫أو ل ‪ ،‬لحديث ابن عمر المتقدّم‬

‫ص أحمد على جواز الصّلة بل كراهة بطريق البيوت القليلة ‪ ،‬وبما عل عن جادّة‬ ‫ون ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الطّريق يمنةً ويسرةً‬

‫ح الصّلة فيه بل كراهة ‪ ،‬لنّه ليس بمحجّة ‪ ،‬وصرّحوا بأنّ كلّ مكان ل‬ ‫قال البهوتيّ ‪ :‬فتص ّ‬ ‫ن الهواء تابع للقرار ‪ ،‬دليل أنّ الجنب‬ ‫تصحّ الصّلة فيه ‪ ،‬فكذا ل تصحّ على سطحه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يمنع من اللّبث على سطح المسجد ‪ ،‬وأنّ من حلف ل يدخل دارا يحنث بدخول سطحها‬

‫ويستثنى من ذلك وجود عذر ‪ :‬كأن حبس بحمّام ‪ ،‬أو حشّ فإنّه يصلّي في تلك الماكن من‬ ‫غير إعادة ‪ ،‬وانفرد الحنابلة بعدم صحّة الصّلة في الرض المغصوبة ‪ ،‬لنّها عبادة أتي بها‬ ‫‪.‬‬

‫ي عنه ‪ ،‬فلم تصحّ ‪ ،‬كصلة الحائض‬ ‫على الوجه المنه ّ‬

‫وصرّح فقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة التّثاؤب في الصّلة لقول‬

‫النّبيّ ‪106 -‬‬

‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إنّ اللّه يحبّ العطاس ‪ ،‬ويكره التّثاوب ‪ ، ..‬فإذا تثاءب أحدكم‬ ‫ن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشّيطان » ‪ .‬وفي رواية ‪ « :‬فليمسك‬ ‫فليردّه ما استطاع ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ن الشّيطان يدخل » ‪ .‬ولنّه من التّكاسل والمتلء‬ ‫بيده على فمه فإ ّ‬

‫قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬فإن غلبه فليكظم ما استطاع ولو بأخذ شفته بسنّه ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وبوضع يده أو كمّه على فمه‬

‫ويكره ‪ -‬أيضا ‪ -‬عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وضع شيء في فمه ل يمنعه من القراءة‬ ‫سكّر‬ ‫; لنّه يشغل باله ‪ ،‬وصرّح الحنفيّة بأن يكون هذا الشّيء ل يذوب ‪ ،‬فإن كان يذوب كال ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يكون في فيه ‪ ،‬فإنّه تفسد صلته إذا ابتلع ذوبه‬

‫ويكره ‪ -‬كذلك ‪ -‬عند الشّافعيّة والحنابلة النّفخ ‪ .‬هذا إذا لم يظهر به حرفان ‪ ،‬فإن ظهر به‬ ‫حرفان بطلت الصّلة ‪ .‬قالوا ‪ :‬لنّه عبث ‪ ،‬كما صرّحوا بكراهة البصق في الصّلة قبل‬ ‫وجهه أو عن يمينه ‪ ،‬لحديث أنس ‪ « :‬إذا كان أحدكم في الصّلة فإنّه يناجي ربّه فل يبزقنّ‬ ‫‪».‬‬

‫بين يديه ‪ ،‬ول عن يمينه ولكن عن شماله تحت قدمه اليسرى‬

‫وصرّح الحنفيّة بأنّه يكره في الصّلة شمّ طيب قصدا ‪ ،‬كأن يدلّك موضع سجوده بطيب ‪ ،‬أو‬ ‫يضع ذا رائحة طيّبة عند أنفه في موضع سجوده ليستنشقه ‪ ،‬لنّه ليس من فعل الصّلة ‪،‬‬ ‫أمّا لو دخلت الرّائحة أنفه بغير قصد فل كراهة ‪ .‬قال الطّحطاويّ ‪ :‬أمّا إذا أمسكه بيده‬

‫وشمّه فالظّاهر الفساد ‪ ،‬لنّ من رآه يجزم أنّه في غير الصّلة ‪ ،‬وأفاد بعض شرّاح المنية ‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫أنّها ل تفسد بذلك أي ‪ :‬إذا لم يكن العمل كثيرا‬

‫مبطلت الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬الكلم‬

‫ن الصّلة تبطل بالكلم ‪ ،‬لما روى زيد بن أرقم ‪ -‬رضي ال‬ ‫اتّفق الفقهاء على أ ّ‬

‫تعالى ‪107 -‬‬

‫عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬كنّا نتكلّم في الصّلة ‪ ،‬يكلّم الرّجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصّلة حتّى‬ ‫‪».‬‬

‫نزلت { وَقُومُواْ لِّلهِ قَانِتِينَ } فأمرنا بالسّكوت ونهينا عن الكلم‬

‫وعن معاوية بن الحكم السّلميّ ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬بينا أنا أصلّي مع رسول‬ ‫اللّه صلى ال عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يرحمك اللّه ‪ .‬فرماني القوم‬ ‫ي ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على‬ ‫بأبصارهم ‪ ،‬فقلت‪ :‬واثكل ُأمّياه ما شأنكم تنظرون إل ّ‬ ‫أفخاذهم ‪ ،‬فلمّا رأيتهم يصمّتونني لكنّي سكتّ ‪ ،‬فلمّا صلّى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫فبأبي هو وأمّي ما رأيت معلّما قبله ول بعده أحسن تعليما منه ‪ .‬فواللّه ما كهرني ول‬ ‫ضربني ول شتمني ‪ ،‬قال ‪ :‬إنّ هذه الصّلة ل يصلح فيها شيء من كلم النّاس إنّما هو‬ ‫‪».‬‬

‫التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن‬

‫ن الكلم المبطل للصّلة ما‬ ‫وذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أ ّ‬ ‫انتظم منه حرفان فصاعدا ‪ ،‬لنّ الحرفين يكونان كلمةً كأب وأخ ‪ ،‬وكذلك الفعال‬ ‫والحروف ‪ ،‬ول تنتظم كلمة في أق ّل من حرفين ‪ ،‬قال الخطيب الشّربينيّ ‪ :‬الحرفان من‬ ‫ن أقلّ ما يبنى عليه الكلم حرفان للبتداء والوقف ‪ ،‬أو حرف مفهم نحو "‬ ‫جنس الكلم ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ق " من الوقاية ‪ ،‬و " ع " من الوعي و " ف " من الوفاء ‪ ،‬وزاد الشّافعيّة مدّ ًة بعد حرف‬ ‫وإن لم يفهم نحو " آ " لنّ الممدود في الحقيقة حرفان وهذا على الصحّ عندهم ‪ .‬ومقابل‬ ‫‪.‬‬

‫الصحّ أنّها ل تبطل ‪ ،‬لنّ المدّة قد تتّفق لشباع الحركة ول تعدّ حرفا‬

‫ن الكلم المبطل للصّلة هو حرف أو صوت ساذج ‪ ،‬سواء صدر من‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬ ‫المصلّي بالختيار أم بالكراه ‪ ،‬وسواء وجب عليه هذا الصّوت كإنقاذ أعمى أو لم يجب ‪،‬‬ ‫واستثنوا من ذلك الكلم لصلح الصّلة فل تبطل به إلّ إذا كان كثيرا ‪ ،‬وكذا استثنوا الكلم‬ ‫‪.‬‬

‫حالة السّهو إذا كان كثيرا فإنّه تبطل به الصّلة أيضا‬

‫ولم يفرّق الحنفيّة ببطلن الصّلة بالكلم بين أن يكون المصلّي ناسيا أو نائما أو جاهلً ‪ ،‬أو‬ ‫مخطئا أو مُكرها ‪ ،‬فتبطل الصّلة بكلم هؤلء جميعا ‪ .‬قالوا ‪ :‬وأمّا حديث ‪ « :‬إنّ اللّه وضع‬ ‫‪.‬‬

‫عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » ‪ .‬فمحمول على رفع الثم‬

‫ن إكمالها فل يفسد ‪ ،‬وأمّا إن‬ ‫واستثنوا من ذلك السّلم ساهيا للتّحليل قبل إتمامها على ظ ّ‬ ‫كان عمدا فإنّه مفسد ‪ .‬وكذا نصّوا على بطلن الصّلة بالسّلم على إنسان للتّحيّة ‪ ،‬وإن لم‬ ‫‪.‬‬

‫يقل ‪ :‬عليكم ‪ ،‬ولو كان ساهيا ‪ .‬وبر ّد السّلم بلسانه أيضا‬

‫وذهب الشّافعيّة إلى عدم بطلن الصّلة بكلم النّاسي ‪ ،‬والجاهل بالتّحريم إن قرب عهده‬ ‫بالسلم أو نشأ بعيدا عن العلماء ‪ ،‬ومن سبق لسانه ‪،‬إن كان الكلم يسيرا عرفا ‪ ،‬فيعذر‬ ‫به‪ ،‬واستدلّوا للنّاسي بما روى أبو هريرة ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬صلّى بنا‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم الظّهر أو العصر فسلّم من ركعتين ‪ ،‬ثمّ أتى خشبة المسجد‬ ‫واتّكأ عليها كأنّه غضبان ‪ ،‬فقال له ذو اليدين ‪ :‬أقصرت الصّلة أم نسيت يا رسول اللّه ؟‬ ‫فقال لصحابه ‪ :‬أحقّ ما يقول ذو اليدين ؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ .‬فصلّى ركعتين أخريين ثمّ سجد‬ ‫سجدتين‬ ‫‪».‬‬

‫ووجه الدّللة ‪ :‬أنّه تكلّم معتقدا أنّه ليس في الصّلة ‪ ،‬وهم تكلّموا مجوّزين النّسخ ثمّ بنى‬ ‫هو وهم عليها ‪ .‬ول يعذر في كثير الكلم ‪ ،‬لنّه يقطع نظم الصّلة وهيئتها ‪ ،‬والقليل يحتمل‬ ‫‪.‬‬

‫ن السّبق والنّسيان في كثير نادر‬ ‫لقلّته ول ّ‬

‫قال الخطيب الشّربينيّ ‪ :‬ومرجع القليل والكثير إلى العرف على الصحّ ‪ .‬وأمّا المكره على‬ ‫الكلم فإنّه تبطل صلته على الظهر ولو كان كلمه يسيرا ‪ ،‬ومقابل الظهر ل تبطل‬ ‫‪.‬‬

‫كالنّاسي‪ .‬وأمّا إن كان كلمه كثيرا فتبطل به جزما‬

‫وذهب الحنابلة إلى بطلن الصّلة بكلم السّاهي والمكره ‪ ،‬وبالكلم لمصلحة الصّلة ‪،‬‬ ‫والكلم لتحذير نحو ضرير ‪ .‬ول تبطل عندهم بكلم النّائم إذا كان النّوم يسيرا ‪ ،‬فإذا نام‬ ‫المصلّي قائما أو جالسا ‪ ،‬فتكلّم فل تبطل صلته ‪ ،‬وكذا إذا سبق الكلم على لسانه حال‬ ‫القراءة فل تبطل صلته ‪ ،‬لنّه مغلوب عليه فأشبه ما لو غلط في القراءة فأتى بكلمة من‬ ‫‪.‬‬

‫غيره‬

‫وقال ابن قدامة ‪ :‬إن تكلّم ظانّا أنّ صلته تمّت ‪،‬فإن كان سلما لم تبطل الصّلة رواية‬ ‫واحدة‪ ،‬أمّا إن تكلّم بشيء ممّا تكمل به الصّلة أو شيء من شأن الصّلة مثل كلم النّبيّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫صلى ال عليه وسلم ذا اليدين لم تفسد صلته‬

‫ب ‪ -‬الخطاب بنظم القرآن والذّكر‬

‫اختلف الفقهاء في بطلن صلة من خاطب أحدا بشيء من القرآن وهو يصلّي ‪،‬‬

‫كقوله ‪108 -‬‬

‫ك بِ َيمِينِكَ يَا‬ ‫لمن اسمه يحيى أو موسى ‪ { :‬يَا َيحْيَى خُذِ ا ْلكِتَابَ ِب ُقوّةٍ } أو { َومَا تِلْ َ‬ ‫ن آمِنا } ‪ .‬فذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة‬ ‫مُوسَى } ‪ ،‬أو لمن بالباب { َومَن َدخَ َلهُ كَا َ‬

‫والمالكيّة والشّافعيّة ‪ -‬إلى بطلن الصّلة بكلّ ما قصد به الخطاب من القرآن ‪ ،‬قال ابن‬ ‫‪.‬‬

‫عابدين ‪ :‬والظّاهر أنّها تفسد وإن لم يكن المخاطب مس ّمىً بهذا السم إذا قصد خطابه‬

‫وقيّد المالكيّة بطلن الصّلة بالخطاب بالقرآن بما إن قصد به التّفهيم بغير محلّه ‪ .‬وذلك كما‬ ‫لمٍ آمِنِينَ } ‪ ،‬أمّا‬ ‫لو كان في الفاتحة أو غيرها فاستؤذن عليه فقطعها إلى آية { ا ْدخُلُوهَا ِبسَ َ‬ ‫إن قصد التّفهيم به بمحلّه فل تبطل به الصّلة كأن يستأذن عليه شخص وهو يقرأ { إِنّ‬ ‫لمٍ آمِنِينَ } لقصد الذن في‬ ‫ت وَعُيُونٍ } فيرفع صوته بقوله ‪ { :‬ا ْدخُلُوهَا ِبسَ َ‬ ‫ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّا ٍ‬ ‫‪.‬‬

‫الدّخول ‪ ،‬أو يبتدئ ذلك بعد الفراغ من الفاتحة‬

‫وقيّد الشّافعيّة بطلن الصّلة بالخطاب بالقرآن بما إذا قصد التّفهيم فقط ‪ ،‬أو لم يقصد‬ ‫شيئا ‪ ،‬لنّه فيهما يشبه كلم الدميّين فل يكون قرآنا إلّ بالقصد ‪ ،‬وأمّا إن قصد مع التّفهيم‬ ‫القراءة لم تبطل الصّلة ‪ ،‬لنّه قرآن فصار كما لو قصد القرآن وحده ‪ ،‬ولنّ عليّا ‪ -‬رضي‬ ‫ال تعالى عنه ‪ -‬كان يصلّي فدخل رجل من الخوارج فقال ‪ :‬ل حكم إلّ للّه ولرسوله ‪ ،‬فتل‬ ‫‪}.‬‬

‫ن وَعْدَ الّل ِه حَقّ‬ ‫عليّ { فَاصْ ِبرْ إِ ّ‬

‫قال الخطيب الشّربينيّ ‪ :‬وهذا التّفصيل يجري في الفتح على المام بالقرآن ‪ ،‬والجهر‬ ‫بالتّكبير أو التّسميع ‪ ،‬فإنّه إن قصد الرّدّ مع القراءة أو القراءة ‪ -‬فقط ‪ -‬أو قصد التّكبير أو‬ ‫التّسميع ‪ -‬فقط ‪ -‬مع العلم لم تبطل وإلّ بطلت ‪ ،‬وإن كان في كلم بعض المتأخّرين ما‬ ‫‪.‬‬

‫يوهم خلف ذلك‬

‫وذهب الحنابلة إلى صحّة صلة من خاطب بشيء من القرآن ‪ ،‬لما روى الخلّال عن عطاء‬ ‫بن السّائب قال ‪ :‬استأذنّا على عبد الرّحمن بن أبي ليلى وهو يصلّي فقال { ا ْدخُلُواْ مِصْ َر إِن‬ ‫شَاء الّل ُه آمِنِينَ } فقلنا ‪ :‬كيف صنعت ؟ قال ‪ :‬استأذنّا على عبد اللّه بن مسعود وهو يصلّي‬ ‫فقال ‪ { :‬ا ْدخُلُواْ مِصْ َر إِن شَاء الّل ُه آمِنِينَ } ‪ ،‬ولنّه قرآن فلم تفسد به الصّلة ‪ ،‬كما لو لم‬ ‫يقصد التّنبيه ‪ .‬وقال القاضي ‪ :‬إذا قصد بالحمد الذّكر أو القرآن لم تبطل ‪ ،‬وإن قصد خطاب‬ ‫ي بطلت ‪ ،‬وإن قصدهما فوجهان ‪ ،‬فأمّا إن أتى بما ل يتميّز به القرآن من غيره كقوله‬ ‫آدم ّ‬ ‫لرجل اسمه إبراهيم ‪ :‬يا إبراهيم ونحوه فسدت صلته ‪ ،‬لنّ هذا كلم النّاس ‪ ،‬ولم يتميّز‬ ‫عن كلمهم بما يتميّز به القرآن ‪ ،‬أشبه ما لو جمع بين كلمات مفرّقة من القرآن فقال ‪ :‬يا‬ ‫‪.‬‬

‫إبراهيم خذ الكتاب الكبير‬

‫كما ذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى بطلن الصّلة بكلّ ما قصد به الجواب من الذّكر والثّناء‬ ‫خلفا لبي يوسف ‪ ،‬كأن قيل ‪ :‬أمع اللّه إله ؟ فقال ‪ :‬ل إله إلّ اللّه ‪ .‬أو ما مالك ؟ فقال ‪:‬‬ ‫الخيل والبغال والحمير ‪ ،‬وأمّا إن كان الجواب بما ليس بثناء فإنّها تفسد اتّفاقا ‪ ،‬كأن قيل ‪:‬‬ ‫ل ‪ ،‬لنّه ليس بثناء ‪ ،‬ومثله ما لو أخبر بخبر سوء‬ ‫ما مالك ؟ فقال ‪ :‬البل والبقر والعبيد مث ً‬

‫فاسترجع وهو في الصّلة فإنّها تفسد عند أبي حنيفة ومحمّد خلفا لبي يوسف ‪ ،‬قال ابن‬ ‫عابدين ‪ :‬لنّ الصل عنده أنّ ما كان ثنا ًء أو قرآنًا ل يتغيّر بالنّيّة ‪ ،‬وعندهما يتغيّر ‪ ،‬وذكر‬ ‫في البحر ‪ :‬أنّه لو أخبر بخبر يسرّه فقال ‪ :‬الحمد للّه فهو على الخلف ‪ ،‬وصرّحوا بأنّ‬ ‫تشميت العاطس في الصّلة لغيره يفسد الصّلة ‪ .‬فلو عطس شخص فقال له المصلّي ‪:‬‬ ‫يرحمك اللّه فسدت صلته ‪ ،‬لنّه يجري في مخاطبات النّاس فكان من كلمهم ‪ ،‬بخلف ما‬ ‫إذا قال العاطس أو السّامع ‪ :‬الحمد للّه فإنّه ل تفسد صلته ‪ ،‬لنّه لم يتعارف جوابا إلّ إذا‬ ‫أراد التّعليم فإنّ صلته تفسد ‪ ،‬وأمّا إذا عطس فشمّت نفسه فقال ‪ :‬يرحمك اللّه يا نفسي ل‬ ‫تفسد صلته ‪ ،‬لنّه لمّا لم يكن خطابا لغيره لم يعتبر من كلم النّاس كما إذا قال ‪ :‬يرحمني‬ ‫اللّه ‪ .‬وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل تبطل الصّلة بالذّكر والدّعاء إلّ أن يخاطب‬ ‫كقوله لعاطس ‪ :‬يرحمك اللّه ويستثنى من ذلك الخطاب للّه تعالى ولرسوله صلى ال عليه‬ ‫وسلم فل تبطل به الصّلة ‪ .‬وأمّا إذا كان الذّكر ل خطاب فيه فل تبطل به الصّلة ‪ ،‬كما لو‬ ‫عطس فقال‪ :‬الحمد للّه ‪ .‬أو سمع ما يغمّه فقال ‪ :‬إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ‪ ،‬أو رأى ما‬ ‫‪.‬‬

‫يعجبه فقال ‪ :‬سبحان اللّه ‪ ،‬أو قيل له ‪ :‬ولد لك غلم فقال ‪ :‬الحمد للّه‬ ‫‪.‬‬

‫وصرّح الحنابلة بكراهة ذلك ‪ ،‬للختلف في إبطاله الصّلة‬

‫وذهب المالكيّة إلى جواز الحمد للعاطس ‪ ،‬والسترجاع من مصيبة أخبر بها ونحوه إلّ أنّه‬ ‫يندب تركه كما صرّحوا بجواز التّسبيح والتّهليل والحوقلة بقصد التّفهيم في أيّ محلّ من‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ن الصّلة كلّها محلّ لذلك‬ ‫الصّلة ‪ ،‬ل ّ‬

‫ج ‪ -‬التّأوّه والنين والتّأفيف والبكاء والنّفخ والتّنحنح‬

‫ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ النين " وهو قول ‪ :‬أه بالقصر " والتّأوّه " وهو‬ ‫‪.‬‬

‫قول‪109 - :‬‬

‫آه بالمدّ " والبكاء ونحوه إن ظهر به حرفان بطلت الصّلة‬

‫واستثنى الحنفيّة المريض الّذي ل يملك نفسه فل تبطل صلته بالنين والتّأوّه والتّأفيف‬ ‫‪.‬‬

‫والبكاء ‪ ،‬وإن حصل حروف للضّرورة‬

‫قال أبو يوسف ‪ :‬إن كان النين من وجع ‪ ،‬ممّا يمكن المتناع عنه يقطع الصّلة ‪ ،‬وإن كان‬ ‫ممّا ل يمكن ل يقطع ‪ ،‬وعن محمّد إن كان المرض خفيفا يقطع ‪ ،‬وإلّ فل ‪ ،‬لنّه ل يمكنه‬ ‫‪.‬‬

‫القعود إلّ بالنين‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يتكلّف إخراج حروف زائدة ‪ ،‬كما استثنى‬ ‫الحنفيّة البكاء من خوف الخرة وذكر الجنّة والنّار فإنّه ل تفسد به الصّلة ‪ ،‬لدللته على‬ ‫الخشوع ‪ .‬فلو أعجبته قراءة المام فجعل يبكي ويقول ‪ :‬بلى أو نعم ل تفسد صلته ‪ ،‬قال‬ ‫ن النين ونحوه إذا كان بذكرهما صار كأنّه قال ‪ :‬اللّهمّ إنّي‬ ‫ابن عابدين نقلً عن الكافي ‪ :‬ل ّ‬

‫أسألك الجنّة وأعوذ بك من النّار ‪ ،‬ولو صرّح به ل تفسد صلته ‪ ،‬وإن كان من وجع أو‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫مصيبة صار كأنّه يقول ‪ :‬أنا مصاب فعزّوني ولو صرّح به تفسد‬

‫ولم يفرّق الشّافعيّة بين أن يكون البكاء من خوف الخرة أم ل في بطلن الصّلة‬

‫وذهب المالكيّة إلى جواز النين لجل وجع غلبه ‪ ،‬والبكاء لجل الخشوع ‪ ،‬سواء كان قليلً‬ ‫أو كثيرا ‪ ،‬فإن لم يكن النين والبكاء من غلبة فيفرّق بين عمده وسهوه ‪ ،‬قليله وكثيره ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫فالعمد مبطل مطلقا قلّ أو كثر ‪ ،‬والسّهو يبطل إن كان كثيرا ويسجد له إن قلّ‬

‫قال الدّردير ‪ :‬وهذا في البكاء الممدود وهو ما كان بصوت ‪ ،‬وأمّا المقصور ‪ ،‬وهو ما كان‬ ‫‪.‬‬

‫بل صوت فل يضرّ ولو اختيارا ما لم يكثر‬

‫ومثل المالكيّة مذهب الحنابلة فصرّحوا بعدم بطلن الصّلة بالبكاء خشيةً من اللّه تعالى ‪،‬‬ ‫لكونه غير داخل في وسعه ‪ ،‬ومثله ما لو غلبه نحو سعال وعطاس وتثاؤب وبكاء ‪ ،‬ولو‬ ‫بان منه حرفان ‪ ،‬قال مهنّا ‪ :‬صلّيت إلى جنب أبي عبد اللّه فتثاءب خمس مرّات وسمعت‬ ‫لتثاؤبه‪ :‬هاه ‪ ،‬هاه ‪ .‬وذلك لنّه ل ينسب إليه ول يتعلّق به حكم من أحكام الكلم ‪ .‬تقول ‪:‬‬ ‫ل يظهر‬ ‫تثاءبت ‪ ،‬على تفاعلت ‪ ،‬ول تقل ‪ :‬تثاوبت ‪ ،‬إلّ أنّه يكره استدعاء بكاء وضحك لئ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫حرفان فتبطل صلته‬

‫ن التّنحنح " هو أن‬ ‫وذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أ ّ‬

‫يقول ‪110 -‬‬

‫ضمّ " لغير عذر مبطل للصّلة إن ظهر حرفان ‪ ،‬فإن كان لعذر نشأ من طبعه ‪،‬‬ ‫أح بالفتح وال ّ‬ ‫أو غلبه فل تفسد صلته ‪ .‬قال الحنفيّة ‪ :‬ومثله ما لو فعله لغرض صحيح ‪ ،‬كتحسين‬ ‫الصّوت ‪ ،‬لنّه يفعله لصلح القراءة ‪ ،‬ومن الغرض الصّحيح ما لو فعله ليهتدي إمامه إلى‬ ‫الصّواب ‪ ،‬أو للعلم أنّه في الصّلة ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬والقياس الفساد في الكلّ إلّ في‬ ‫المدفوع إليه كما هو قول أبي حنيفة ومحمّد ‪ ،‬لنّه كلم ‪ ،‬والكلم مفسد على كلّ حال ‪،‬‬ ‫وكأنّهم عدلوا بذلك عن القياس وصحّحوا عدم الفساد به إذا كان لغرض صحيح لوجود‬ ‫نصّ‪ ،‬ولعلّه ما في الحلية من سنن ابن ماجه عن عليّ ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬قال ‪« :‬‬ ‫كان لي من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم مدخلن ‪ :‬مدخل باللّيل ومدخل بالنّهار ‪ ،‬فكنت‬ ‫‪».‬‬

‫إذا أتيته وهو يصلّي يتنحنح لي‬

‫وبمثل هذا صرّح الحنابلة فأجازوا النّحنحة لحاجة ولو بان حرفان ‪ .‬قال المرّوذيّ ‪ :‬كنت‬ ‫‪.‬‬

‫آتي أبا عبد اللّه فيتنحنح في صلته لعلم أنّه يصلّي‬

‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إنّما يعذر من التّنحنح وغيره ‪ :‬كالسّعال والعطاس اليسير عرفا‬ ‫للغلبة ‪ ،‬وإن ظهر به حرفان لعدم التّقصير ‪ ،‬وكذا التّنحنح لتعذّر القراءة الواجبة وغيرها‬ ‫من الركان القوليّة للضّرورة ‪ ،‬أمّا إذا كثر التّنحنح ونحوه للغلبة كأن ظهر منه حرفان من‬

‫ن صلته تبطل ‪ ،‬وصوّب السنويّ عدم البطلن في التّنحنح والسّعال والعطاس‬ ‫ذلك وكثر فإ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫للغلبة وإن كثرت إذ ل يمكن الحتراز عنها‬

‫ي ‪ :‬وينبغي أن يكون محلّ الوّل ما إذا لم يصر السّعال ونحوه مرضا‬ ‫قال الخطيب الشّربين ّ‬ ‫ملزما له ‪،‬أمّا إذا صار السّعال ونحوه كذلك فإنّه ل يضرّ كمن به سلس بول ونحوه بل‬ ‫ن الجهر سنّة ‪ ،‬ل ضرورة إلى التّنحنح‬ ‫أولى‪ .‬ول يعذر لو تنحنح للجهر وإن كان يسيرا ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫له ‪ .‬وفي معنى الجهر سائر السّنن‬

‫قال الخطيب الشّربينيّ ‪ :‬لو جهل بطلنها بالتّنحنح مع علمه بتحريم الكلم فمعذور لخفاء‬ ‫‪.‬‬

‫حكمه على العوّام‬

‫ن التّنحنح لحاجة ل يبطل الصّلة ‪ ،‬ول سجود فيه من غير خلف ‪،‬‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬ ‫وأمّا التّنحنح لغير حاجة ‪ ،‬بل عبثا ففيه خلف ‪ ،‬والصّحيح أنّه ل تبطل به الصّلة ‪ -‬أيضا‬ ‫ ول سجود فيه ‪ ،‬وهو أحد قولي مالك وأخذ به ابن القاسم واختاره البهريّ واللّخميّ‬‫وخليل ‪ .‬والقول الثّاني لمالك ‪ :‬أنّه كالكلم ‪ ،‬فيفرّق بين العمد والسّهو ‪ .‬وفسّر ابن عاشر‬ ‫الحاجة بضرورة الطّبع ‪ ،‬وقيّدوا عدم بطلن الصّلة بالتّنحنح لغير الحاجة بما إذا قلّ وإلّ‬ ‫‪.‬‬

‫أبطل ‪ ،‬لنّه فعل كثير من غير جنس الصّلة‬

‫وصرّح المالكيّة ببطلن الصّلة بتعمّد النّفخ بالفم وإن لم يظهر منه حرف ‪.‬‬

‫قال ‪111 -‬‬

‫ل ‪ ،‬ظهر معه حرف أم ل ‪ ،‬لنّه كالكلم في الصّلة ‪.‬‬ ‫ي ‪ :‬وسواء كان كثيرا أو قلي ً‬ ‫الدّسوق ّ‬ ‫وهذا هو المشهور ‪ .‬وقيل ‪ :‬إنّه ل يبطل مطلقا ‪ .‬وقيل ‪ :‬إن ظهر منه حرف أبطل وإلّ فل ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫أمّا النّفخ بالنف فل تبطل به الصّلة ما لم يكثر أو يقصد عبثا‬

‫قال الدّسوقيّ ‪ :‬فإن كان عبثا جرى على الفعال الكثيرة ‪ ،‬لنّه فعل من غير جنس الصّلة‬

‫وقيّد الحنابلة بطلن الصّلة بالنّفخ فيما إذا بان حرفان لقول ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال تعالى‬ ‫‪-.‬‬

‫عنهما ‪ " -‬من نفخ في صلته فقد تكلّم وروي نحوه عن أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه‬ ‫‪:‬‬

‫د ‪ -‬الضّحك‬

‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ -‬إلى بطلن الصّلة بالضّحك‬

‫إن ‪112 -‬‬

‫ي صلى‬ ‫كان قهقهةً ‪ ،‬ولو لم تَبِن حروف ‪ ،‬لما روى جابر ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬أنّ النّب ّ‬ ‫ال عليه وسلم قال ‪ « :‬القهقهة تنقض الصّلة ول تنقض الوضوء » ولنّه تعمّد فيها ما‬ ‫‪.‬‬

‫ينافيها ‪ ،‬أشبه خطاب الدميّ‬

‫قال المالكيّة ‪ :‬وسواء قلّت أم كثرت ‪ ،‬وسواء وقعت عمدا أم نسيانا ‪ -‬لكونه في الصّلة ‪-‬‬ ‫‪.‬‬

‫أو غلب ًة ‪ ،‬كأن يتعمّد النّظر في صلته أو الستماع لما يضحك فيغلبه الضّحك فيها‬

‫قال الحنفيّة ‪ :‬والقهقهة اصطلحا ‪ :‬ما يكون مسموعا له ولجيرانه بدت أسنانه أو ل ‪ ،‬وإن‬ ‫عري عن ظهور القاف والهاء أو أحدهما ‪ ،‬كما صرّحوا ببطلن الصّلة بالضّحك دون‬ ‫‪.‬‬

‫قهقهة‪ ،‬وهو ما كان مسموعا له فقط‬

‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن ظهر بالضّحك حرفان بطلت الصّلة وإلّ فل ‪ ،‬وأمّا التّبسّم فل‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم تبسّم فيها فلمّا سلّم قال ‪ :‬مرّ بي ميكائيل‬ ‫تبطل الصّلة به « لنّ النّب ّ‬ ‫فضحك لي فتبسّمت له‬

‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬الكل والشّرب‬

‫اتّفق الفقهاء على بطلن الصّلة بالكل والشّرب من حيث‬

‫الجملة ‪113 -‬‬

‫قال الحنفيّة ‪ :‬ولو سمسمةً ناسيا ‪ .‬واستثنوا من ذلك ما كان بين أسنانه وكان دون‬ ‫الحمّصة فإنّه ل تفسد به الصّلة إذا ابتلعه ‪ ،‬وصرّحوا بفساد الصّلة بالمضغ إن كثر ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫سكّر إذا كان في فيه يبتلع ذوبه‬ ‫وتقديره بالثّلث المتواليات‪ .‬وكذا تفسد بال ّ‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬إنّ المفسد ‪ :‬إمّا المضغ ‪ ،‬أو وصول عين المأكول إلى الجوف بخلف‬ ‫الطّعم ‪ .‬قال في البحر عن الخلصة ‪ :‬ولو أكل شيئا من الحلوة وابتلع عينها فدخل في‬ ‫سكّر في‬ ‫الصّلة فوجد حلوتها في فيه وابتلعها ل تفسد صلته ‪ ،‬ولو أدخل الفاينذ أو ال ّ‬ ‫‪.‬‬

‫فيه ‪ ،‬ولم يمضغه ‪ ،‬لكن يصلّي والحلوة تصل إلى جوفه تفسد صلته‬

‫وفرّق المالكيّة بين عمد الكل والشّرب وسهوه ‪ ،‬فإن أكل أو شرب المصلّي عمدا بطلت‬ ‫‪.‬‬

‫صلته اتّفاقا ‪ ،‬وأمّا إن أكل أو شرب سهوا لم تبطل صلته ‪ ،‬وانجبر بسجود السّهو‬

‫ل ‪ ،‬وإن كان مكرها عليه ‪ ،‬لشدّة‬ ‫وذهب الشّافعيّة إلى بطلن الصّلة بالكل ولو كان قلي ً‬ ‫منافاته للصّلة مع ندرته ‪ ،‬واستثنوا من ذلك ‪ :‬النّاسي أنّه في الصّلة ‪ ،‬والجاهل بالتّحريم‬ ‫لقرب عهده بالسلم ‪ ،‬أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء فل تبطل صلته بالكل إلّ إذا كثر‬ ‫عرفا ‪ ،‬ول تبطل ما لو جرى ريقه بباقي طعام بين أسنانه وعجز عن تمييزه ومجّه كما في‬ ‫‪.‬‬

‫الصّوم‬

‫وصرّحوا ‪ :‬بأنّه لو كان بفمه سكّرة فذابت فبلع ذوبها عمدا ‪ ،‬مع علمه بالتّحريم ‪ ،‬أو‬ ‫تقصيره في التّعلّم فإنّ صلته تبطل ‪ .‬كما صرّحوا ببطلن الصّلة بالمضغ إن كثر ‪ ،‬وإن لم‬ ‫‪.‬‬

‫يصل إلى جوفه شيء‬

‫وفرّق الحنابلة في ذلك بين صلة الفرض والنّفل ‪ ،‬فصلة الفرض تبطل بالكل والشّرب‬ ‫عمدا‪ ،‬ق ّل الكل أو الشّرب أو كثر ‪ ،‬لنّه ينافي الصّلة ‪ .‬وأمّا صلة النّفل فل تبطل بالكل‬ ‫‪.‬‬

‫والشّراب إ ّل إذا كثر عرفا لقطع الموالة بين الركان‬

‫قال البهوتيّ ‪ :‬وهذا رواية ‪ ،‬وعنه أنّ النّفل كالفرض ‪ ،‬قال في المبدع وبه قال أكثرهم ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫لنّ ما أبطل الفرض أبطل النّفل ‪ ،‬كسائر المبطلت‬

‫وكلّ ما سبق فيما إذا كان الكل والشّرب عمدا ‪ ،‬فإن كان سهوا أو جهلً فإنّه ل يبطل‬ ‫ن اللّه‬ ‫ل إذا كان يسيرا ‪ ،‬لعموم قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إ ّ‬ ‫الصّلة فرضا كانت أو نف ً‬ ‫ن تركهما عماد الصّوم ‪ ،‬وركنه‬ ‫وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » ول ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الصليّ ‪ ،‬فإذا لم يؤثّر في حالة السّهو في الصّيام فالصّلة أولى‬

‫قالوا ‪ :‬ول بأس ببلع ما بقي في فيه من بقايا الطّعام من غير مضغ ‪ ،‬أو بقي بين أسنانه‬ ‫ن ذلك ل يسمّى أكلً ‪ ،‬وأمّا‬ ‫من بقايا الطّعام بل مضغ ممّا يجري به ريقه وهو اليسير ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ما ل يجري به ريقه بل يجري بنفسه ‪ -‬وهو ما له جرم ‪ -‬فإنّ الصّلة تبطل ببلعه لعدم‬ ‫‪.‬‬

‫مشقّة الحتراز‬

‫قال المجد ‪ :‬إذا اقتلع من بين أسنانه ما له جرم وابتلعه بطلت صلته عندنا ‪ ،‬وصرّحوا بأنّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫بلع ما ذاب بفيه من سكّر ونحوه كالكل‬

‫و ‪ -‬العمل الكثير‬

‫اتّفق الفقهاء على بطلن الصّلة بالعمل الكثير ‪ ،‬واختلفوا في‬

‫حدّه ‪114 -‬‬

‫ك النّاظر في فاعله أنّه‬ ‫فذهب الحنفيّة إلى أنّ العمل الكثير الّذي تبطل الصّلة به هو ما ل يش ّ‬ ‫ليس في الصّلة ‪ .‬قالوا ‪ :‬فإن شكّ أنّه فيها أم ل فقليل ‪ ،‬وهذا هو الصحّ عندهم ‪ ،‬وقيّدوا‬ ‫العمل الكثير ألّ يكون لصلحها ليخرج به الوضوء والمشي لسبق الحدث فإنّهما ل‬ ‫يفسدانها‬ ‫قال ابن عابدين ‪ :‬وينبغي أن يزاد ‪ :‬ول فعل لعذر احترازا عن قتل الحيّة والعقرب بعمل‬ ‫‪.‬‬

‫كثير على قول ‪ ،‬إلّ أن يقال ‪ :‬إنّه لصلحها ‪ ،‬لنّ تركه قد يؤدّي إلى إفسادها‬

‫ومذهب المالكيّة قريب من مذهب الحنفيّة ‪ ،‬فالعمل الكثير عندهم هو ما يخيّل للنّاظر أنّه‬ ‫‪.‬‬

‫ليس في صلة ‪ ،‬والسّهو في ذلك كالعمد‬

‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المرجع في معرفة القلّة والكثرة هو العرف ‪ ،‬فما يعدّه‬ ‫النّاس قليلً فقليل ‪ ،‬وما يعدّونه كثيرا فكثير ‪ ،‬قال الشّافعيّة ‪ :‬فالخطوتان المت ّوسّطتان ‪،‬‬ ‫والضّربتان ‪ ،‬ونحوهما قليل ‪ ،‬والثّلث من ذلك أو غيره كثير إن توالت ‪ .‬سواء أكانت من‬ ‫جنس الخطوات ‪ ،‬أم أجناس ‪ :‬كخطوة ‪ ،‬وضربة ‪ ،‬وخلع نعل ‪ .‬وسواء أكانت الخطوات‬ ‫‪.‬‬

‫الثّلث بقدر خطوة واحدة أم ل‬

‫وصرّحوا ببطلن الصّلة بالفعلة الفاحشة ‪ ،‬كالوثبة الفاحشة لمنافاتها للصّلة ‪ ،‬وعلى ذلك‬ ‫فالفعال العمديّة عندهم تبطل الصّلة ولو كانت قليلةً ‪ ،‬سواء أكانت من جنس أفعال الصّلة‬

‫أم من غير جنسها ‪ .‬أمّا السّهو فإن كانت الفعال من غير جنس الصّلة فتبطل بكثيرها ‪،‬‬ ‫ن الحاجة ل تدعو إليها ‪ ،‬أمّا إذا دعت الحاجة إليها كصلة شدّة الخوف فل تض ّر ولو‬ ‫لّ‬ ‫كثرت ‪ .‬أمّا إذا كانت الفعال من جنسها ‪ -‬كزيادة ركوع أو سجود سهوا ‪ -‬فل تبطل ‪« ،‬‬ ‫‪».‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم صلّى الظّهر خمسا وسجد للسّهو ‪ ،‬ولم يعدها‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫لّ‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل يتقدّر اليسير بثلث ول لغيرها من العدد ‪ ،‬بل اليسير ما عدّه العرف‬ ‫يسيرا‪ ،‬لنّه ل توقيف فيه فيرجع للعرف كالقبض والحرز ‪ .‬فإن طال عرفا ما فعل فيها ‪،‬‬ ‫ل ما لم تكن‬ ‫وكان ذلك الفعل من غير جنسها غير متفرّق أبطلها عمدا كان أو سهوا أو جه ً‬ ‫ضرورة ‪ ،‬فإن كانت ضرور ًة ‪ ،‬كحالة خوف ‪ ،‬وهرب من عد ّو ونحوه كسيل لم تبطل ‪ ،‬وعدّ‬ ‫ابن الجوزيّ من الضّرورة الحكّة الّتي ل يصبر عليها ‪ ،‬وأمّا العمل المتفرّق فل يبطل‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم أمّ النّاس في المسجد ‪ ،‬فكان إذا قام حمل‬ ‫الصّلة لما ثبت « أنّ النّب ّ‬ ‫أمامة بنت زينب ‪ ،‬وإذا سجد وضعها » ‪ « ،‬وصلّى النّبيّ صلى ال عليه وسلم على المنبر‬ ‫‪».‬‬

‫ز ‪ -‬تخلّف شرط من شروط صحّة الصّلة‬

‫‪:‬‬ ‫‪115‬‬

‫وتكرّر صعوده ونزوله عنه‬

‫‪ -‬ل تصحّ الصّلة إ ّل إذا كانت مستوفيةً شروطها ‪ .‬فإذا تخلّف شرط من شروط صحّتها‬

‫‪ :‬كالطّهارة ‪ ،‬وستر العورة بطلت ‪ ،‬وكذلك لو طرأ ما ينافيها كما لو نزلت على ثوبه نجاسة‬ ‫وهو يصلّي ‪ ،‬أو تذكّر وهو في الصّلة أنّه على غير طهارة ‪ ...‬والتّفصيل كما يلي ‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫أوّلً ‪ :‬تخلّف شرط طهارة الحدث‬

‫فإنّ ‪116 -‬‬

‫إذا أحدث المصلّي أثناء الصّلة ‪ ،‬أو كان محدثا قبل الصّلة وتذكّر ذلك في الصّلة‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل تقبل صلة بغير طهور » ‪.‬‬ ‫صلته ل تصحّ ‪ ،‬لقول النّب ّ‬ ‫‪ ) .‬وتفصيل ذلك في ( حدث ف ‪/‬‬ ‫‪:‬‬

‫‪23‬‬

‫‪،‬‬

‫‪124/ 17‬‬

‫‪ ،‬ورعاف ف ‪، 5 /‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تخلّف شرط الطّهارة من النّجاسة‬ ‫‪.‬‬

‫طهارة بدن المصلّي وثوبه ومكانه شرط لصحّة‬

‫‪265/ 22‬‬

‫الصّلة ‪117 -‬‬

‫‪ ) .‬وسبق تفصيل ذلك في فقرة (‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫صلة فاقد الطّهورين‬

‫الطّهوران هما ‪ :‬الماء والصّعيد ‪ ،‬واختلف الفقهاء في حكم‬

‫‪10‬‬

‫فاقدهما ‪118 -‬‬

‫فذهب الجمهور ‪ -‬الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة ‪ -‬إلى وجوب أداء الفرض‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫عليه فقط‬

‫وذهب المالكيّة إلى سقوط الصّلة على فاقد الطّهورين‬ ‫‪).‬‬

‫وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬فاقد الطّهورين‬

‫‪:‬‬

‫صلة العاجز عن ثوب طاهر ومكان طاهر‬ ‫‪.‬‬

‫اختلف الفقهاء في صلة العاجز عن ثوب‬

‫طاهر ‪119 -‬‬

‫فذهب الحنفيّة إلى أنّه يتخيّر بين أن يصلّي بالثّوب النّجس أو عاريّا من غير إعادة ‪،‬‬ ‫ن كلّ واحد منهما مانع من جواز الصّلة حالة‬ ‫والصّلة بالثّوب النّجس حينئذ أفضل ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الختيار ‪ .‬فيستويان في حكم الصّلة ‪ .‬وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف‬

‫ن الصّلة فيه أقرب إلى الجواز من‬ ‫وعند محمّد ل تجزئه الصّلة إ ّل في الثّوب النّجس ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن القليل من النّجاسة ل يمنع الجواز ‪،‬وكذلك الكثير في قول بعض‬ ‫الصّلة عريانا ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫العلماء‪ .‬قال عطاء ‪ -‬رحمه ال ‪ : -‬من صلّى وفي ثوبه سبعون قطرةً من دم جازت‬ ‫صلته ‪ .‬ولم يقل أحد بجواز الصّلة عريانا في حال الختيار ‪ .‬قال في السرار ‪ :‬وقول‬ ‫‪.‬‬

‫محمّد ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬أفضل‬

‫وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ العاجز عن ثوب طاهر يصلّي في ثوبه النّجس ‪ ،‬وعند‬ ‫الحنابلة يعيد الصّلة إذا وجد غيره أو ما يطهّر به أبدا ‪ .‬وعند المالكيّة يعيد في الوقت فقط‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يجب عليه أن يصلّي عريانا ول إعادة عليه‬

‫وكذلك اختلف الفقهاء في العاجز عن مكان طاهر ‪ ،‬كأن يحبس في مكان نجس‬

‫فذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أنّه يجب عليه أن يصلّي مع‬ ‫ن النّبيّ‬ ‫وجود النّجاسة ول يترك الصّلة ‪ ،‬لما روى أبو هريرة ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬أ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم‬

‫قال الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬ويجب أن يتجافى عن النّجاسة بيديه وركبتيه وغيرهما القدر‬ ‫الممكن ‪ ،‬ويجب أن ينحني للسّجود إلى القدر الّذي لو زاد عليه لقى النّجاسة‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫زاد الحنابلة ‪ :‬أنّه يجلس على قدميه ‪ .‬ومذهب المالكيّة ‪ :‬أنّه يعيد في الوقت‬ ‫‪.‬‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬بوجوب العادة عليه أبدا ‪ .‬وعند الحنابلة ‪ :‬ل إعادة عليه‬ ‫وقال الحنفيّة ‪ :‬إن وجد مكانا يابسا سجد عليه وإلّ فيومئ قائما‬

‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تخلّف شرط ستر العورة‬

‫ستر العورة شرط من شروط صحّة الصّلة كما تقدّم ‪ ،‬فل تصحّ الصّلة إلّ بسترها‬

‫‪120 - ،‬‬

‫وقد اتّفق الفقهاء على بطلن صلة من كشف عورته فيها قصدا ‪ ،‬واختلفوا فيما لو‬ ‫انكشفت بل قصد متى تبطل صلته ؟‬ ‫‪.‬‬

‫ن الصّلة تبطل لو انكشف ربع عضو قدر أداء ركن بل صنعه‬ ‫فذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬

‫ويدخل في أداء الرّكن سنّته أيضا ‪ .‬وهذا قول أبي يوسف ‪ .‬واعتبر محمّد أداء الرّكن‬ ‫‪.‬حقيقةً‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬والوّل المختار للحتياط ‪ .‬وعليه لو انكشف ربع عضو ‪ -‬أق ّل من أداء‬ ‫ن النكشاف الكثير في الزّمان القليل‬ ‫ركن ‪ -‬فل يفسد باتّفاق الحنفيّة ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬ل ّ‬ ‫عفو كالنكشاف القليل في الزّمن الكثير ‪ .‬وأمّا إذا أدّى مع النكشاف ركنا فإنّها تفسد باتّفاق‬ ‫الحنفيّة ‪ ،‬وهذا كلّه في النكشاف الحادث في أثناء الصّلة ‪ .‬أمّا المقارن لبتدائها فإنّه يمنع‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫انعقادها مطلقا اتّفاقا بعد أن يكون المكشوف ربع العضو‬

‫ن مطلق النكشاف يبطل الصّلة‬ ‫ولم يقيّد المالكيّة والشّافعيّة البطلن بقيود ‪ ،‬وعندهم أ ّ‬

‫قال النّوويّ ‪ :‬فإن انكشف شيء من عورة المصلّي لم تصحّ صلته سواء أكثر المنكشف أم‬ ‫‪.‬‬

‫ق ّل ‪ ،‬ولو كان أدنى جزء ‪ ،‬وهذا إذا لم يسترها في الحال‬

‫وذهب الحنابلة إلى أنّه ل يض ّر انكشاف يسير من العورة بل قصد ‪ ،‬ولو كان زمن‬ ‫النكشاف طويلًا لحديث عمرو بن سلمة الجرميّ قال ‪ « :‬انطلق أبي وافدا إلى رسول اللّه‬ ‫صلى ال عليه وسلم في نفر من قومه فعلّمهم الصّلة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يؤمّكم أقرؤكم ‪ ،‬وكنت‬ ‫أقرأهم لما كنت أحفظ ‪ ،‬فقدّموني ‪ ،‬فكنت أؤمّهم وعليّ بردة لي صغيرة صفراء ‪ ،‬فكنت إذا‬ ‫سجدت انكشفت عنّي ‪ .‬فقالت امرأة من النّساء ‪ :‬واروا عنّا عورة قارئكم ‪ .‬فاشتروا لي‬ ‫ي صلى ال عليه‬ ‫قميصا عمّانيّا فما فرحت بشيء بعد السلم فرحي به » ولم يبلغنا أنّ النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وسلم أنكر ذلك ول أحد من الصّحابة‬

‫واليسير هو الّذي ل يفحش في النّظر عرفا ‪ .‬قال البهوتيّ ‪ :‬ويختلف الفحش بحسب‬ ‫المنكشف ‪ ،‬فيفحش من السّوأة ما ل يفحش من غيرها ‪ .‬وكذا ل تبطل الصّلة إن انكشف‬ ‫من العورة شيء كثير في زمن قصير ‪ ،‬فلو أطارت الرّيح ثوبه عن عورته ‪ ،‬فبدا منها ما‬ ‫لم يعف عنه لم تبطل صلته ‪ ،‬وكذا لو بدت العورة كلّها فأعاد الثّوب سريعا بل عمل كثير‬ ‫فإنّها ل تبطل ‪ ،‬لقصر مدّته أشبه اليسير في الزّمن الطّويل ‪ .‬وكذا تبطل لو فحش وطال‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫صلة العاجز عن ساتر للعورة‬

‫الزّمن ‪ ،‬ولو بل قصد‬

‫اتّفق الفقهاء على أنّ الصّلة ل تسقط عمّن عدم السّاتر للعورة ‪ ،‬واختلفوا في‬

‫كيفيّة ‪121 -‬‬

‫صلته ؟ فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه مخيّر بين أن يصلّي قاعدا أو قائما ‪ ،‬فإن صلّى‬ ‫قاعدا فالفضل أن يومئ بالرّكوع والسّجود ‪ ،‬لما روى ابن عمر ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما‬ ‫‪ :‬أنّ قوما انكسرت بهم مركبهم ‪ ،‬فخرجوا عراةً ‪ .‬قال ‪ :‬يصلّون جلوسا ‪ ،‬يومئون إيماءً‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫برءوسهم فإن ركع وسجد جاز له ذلك‬

‫وعند الحنفيّة يكون قعوده كما في الصّلة فيفترش الرّجل وتتورّك المرأة‬

‫وعند الحنابلة يتضامّ ‪ ،‬وذلك بأن يقيم إحدى فخذيه على الخرى ‪ ،‬لنّه أق ّل كشفا‬

‫ن السّتر أه ّم من أداء‬ ‫وإن صلّى قائما فإنّه يومئ كذلك بالرّكوع والسّجود عند الحنفيّة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الركان ‪ ،‬لنّه فرض في الصّلة وخارجها ‪ ،‬والركان فرائض الصّلة ل غير ‪ ،‬وقد أتى‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ببدلها ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬إذا صلّى قائما لزمه أن يركع ويسجد بالرض‬

‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه يصلّي قائما ‪ ،‬ول يجوز له أن يجلس‬

‫وتجب عليه العادة في الوقت عند المالكيّة ‪ ،‬وقال الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬ل إعادة عليه‬

‫وذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أنّه إذا لم يجد عادم السّتر إلّ‬ ‫ثوب حرير ‪ ،‬أو ثوبا نجسا وجب عليه لبسه ‪ ،‬ول يصلّي عاريّا ‪ ،‬لنّ فرض السّتر أقوى‬ ‫‪.‬‬

‫من منع لبس الحرير والنّجس في هذه الحالة ‪ ،‬ويعيد في الوقت عند المالكيّة‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل يعيد إذا صلّى في ثوب حرير ‪ ،‬لنّه مأذون في لبسه في بعض الحوال‬ ‫كالحكّة والبرد ‪ ،‬ويعيد إذا صلّى في ثوب نجس‬

‫‪.‬‬

‫وفرّق الشّافعيّة بين الثّوب الحرير والثّوب النّجس ‪ ،‬فإذا لم يجد المصلّي إ ّل ثوبا نجسا ‪،‬‬ ‫ولم يقدر على غسله فإنّه يصلّي عاريّا ول يلبسه ‪ ،‬وإذا وجد حريرا وجب عليه أن يصلّي‬ ‫فيه ‪ ،‬لنّه طاهر يسقط الفرض به ‪ ،‬وإنّما يحرم في غير محلّ الضّرورة ‪ ،‬وتجب عليه‬ ‫‪.‬‬

‫العادة إذا صلّى في ثوب نجس‬

‫ل فيما إذا لم‬ ‫ن عند الفقهاء تفصي ً‬ ‫واختلفوا في وجوب التّطيّن إذا لم يجد إ ّل الطّين ‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫‪).‬‬

‫يجد إلّ ما يستر به أحد فرجيه أيّهما يستر ‪ ،‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬عورة‬ ‫‪:‬‬

‫رابعا ‪ :‬تخلّف شرط الوقت‬

‫ل خلف بين الفقهاء في أنّ من صلّى قبل دخول الوقت فإنّ صلته غير صحيحة‬

‫‪122 - ،‬‬

‫ويجب عليه أن يصلّي إذا دخل الوقت ‪ .‬أمّا لو خرج وقت الصّلة من غير أن يصلّي ‪ ،‬فإنّه‬ ‫يجب عليه أن يصلّي ول تسقط الصّلة بخروج وقتها ‪ ،‬وتكون صلته حينئذ قضاءً ‪ .‬مع‬ ‫‪.‬‬

‫ترتّب الثم عليه لو ترك الصّلة حتّى خرج وقتها عمدا‬

‫وقد أجاز الشّارع أداء الصّلة في غير وقتها في حالت معيّنة ‪ :‬كالجمع في السّفر والمطر‬ ‫‪.‬‬

‫والمرض ‪ ،‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلحاتها‬

‫واختلفوا في صحّة الصّلة لو وقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه ‪ ،‬وذلك كما لو دخل‬ ‫في صلة الصّبح أو العصر أو غيرها وخرج الوقت وهو فيها هل تبطل صلته أم ل ؟‬ ‫ن صلته صحيحة سواء‬ ‫فذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أ ّ‬ ‫صلّى في الوقت ركعةً أو أق ّل أو أكثر ‪ ،‬على خلف بينهم ‪ ،‬هل تكون أداءً أم قضا ًء ؟‬ ‫لحديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪« :‬‬

‫من أدرك من الصّبح ركعةً قبل أن تطلع الشّمس فقد أدرك الصّبح ‪ ،‬ومن أدرك ركعةً من‬ ‫»‬

‫العصر قبل أن تغرب الشّمس فقد أدرك العصر‬

‫ووافق الحنفيّة الجمهور فيما تقدّم فيما سوى صلة الصّبح وحدها فإنّها ل تدرك عندهم إلّ‬ ‫بأدائها كلّها قبل طلوع الشّمس ‪ ،‬وعلّلوا ذلك بطروء الوقت النّاقص على الوقت الكامل ولذا‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫عدّوا ذلك من مبطلت الصّلة‬

‫خامسا ‪ :‬تخلّف شرط الستقبال‬

‫‪ ) .‬سبق تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬استقبال‬ ‫‪:‬‬

‫ف‪10‬‬

‫‪/‬‬

‫‪11‬‬

‫‪،‬‬

‫‪123 - 63/ 4‬‬

‫ح ‪ -‬ترك ركن من أركان الصّلة‬

‫كلّ‪124 - .‬‬

‫ل ‪ ،‬ويختلف حكم‬ ‫ترك الرّكن في الصّلة ‪ :‬إمّا أن يكون عمدا ‪،‬أو سهوا ‪ ،‬أو جه ً‬

‫ن صلته‬ ‫أمّا تركه عمدا ‪ :‬فقد اتّفق الفقهاء على أنّ من ترك ركنا من أركان الصّلة عمدا فإ ّ‬ ‫ل فقد اتّفقوا على أنّه يجب عليه أن يأتي به‬ ‫ح منه ‪ .‬وأمّا تركه سهوا أو جه ً‬ ‫تبطل ول تص ّ‬ ‫إن أمكن تداركه ‪ ،‬فإن لم يمكن تداركه فإنّ صلته تفسد عند الحنفيّة ‪ ،‬أمّا الجمهور فقالوا‬ ‫‪ :‬تلغى الرّكعة الّتي ترك منها الرّكن فقط وذلك إذا كان الرّكن المتروك غير النّيّة وتكبيرة‬ ‫‪).‬‬

‫الحرام ‪ ،‬فإن كانا هما استأنف الصّلة ‪ ،‬لنّه غير مص ّل ‪ ( .‬ر ‪ :‬سجود السّهو‬ ‫*‬

‫صَلَةُ السْتِخَارة‬

‫*‬

‫صَلَةُ السْ ِتسْقَاء‬

‫انظر ‪ :‬استخارة ‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫*‬

‫انظر ‪ :‬استسقاء‬

‫صَلَةُ ا ِلشْراق‬ ‫‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫سبق تعريف الصّلة في بحث‬

‫صلة ‪1 -‬‬

‫وأمّا الشراق ‪ :‬فهو من شرق ‪ ،‬يقال ‪ :‬شرقت الشّمس شروقا ‪ ،‬وشرقا أيضا ‪ :‬طلعت ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وأشرقت ‪ -‬باللف ‪ -‬أضاءت ‪ ،‬ومنهم من يجعلهما بمعنىً‬

‫وصلة الشراق ‪ -‬بهذا السم ‪ -‬ذكرها بعض فقهاء الشّافعيّة على ما جاء في بعض‬ ‫‪.‬‬

‫كتبهم ‪ ،‬وذلك في أثناء الكلم على صلة الضّحى‬

‫ي قال ‪ :‬من النّوافل الّتي ل يسنّ لها الجماعة ‪ :‬الضّحى‬ ‫ففي منهاج الطّالبين وشرحه للمحلّ ّ‬ ‫‪ :‬وأقلّها ركعتان ‪ ،‬وأكثرها اثنتا عشرة ركعةً ‪ ،‬ويسلّم من كلّ ركعتين ‪ .‬قال القليوبيّ تعليقا‬

‫على قوله ‪ " :‬الضّحى " هي صلة الوّابين وصلة الشراق على المعتمد عند شيخنا الرّمليّ‬ ‫وشيخنا الزّياديّ ‪ ،‬وقيل ‪ :‬كما في الحياء ‪ :‬إنّها " أي صلة الشراق " صلة ركعتين عند‬ ‫‪.‬‬

‫ارتفاع الشّمس‬

‫وفي عميرة قال السنويّ ‪ :‬ذكر جماعة من المفسّرين ‪ .‬أنّ صلة الضّحى هي صلة‬ ‫ي وَالْ ِإشْرَاقِ } أي يصلّين ‪ ،‬لكن في‬ ‫الشراق المشار إليها في قوله تعالى ‪ُ { :‬يسَ ّبحْنَ بِا ْل َعشِ ّ‬ ‫الحياء أنّها غيرها ‪ ،‬وأنّ صلة الشراق ركعتان بعد طلوع الشّمس عند زوال وقت الكراهة‬ ‫‪.‬‬ ‫*‬

‫صَلَةُ ْا َلوّابِين‬ ‫‪).‬‬

‫‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫الصّلة ‪ ،‬ينظر تعريفها في مصطلح ‪( :‬‬

‫صلة ‪1 -‬‬

‫والوّابون جمع أوّاب ‪ ،‬وفي اللّغة ‪ :‬آب إلى اللّه رجع عن ذنبه وتاب‬ ‫‪.‬‬

‫والوّاب ‪ :‬ال ّرجّاع الّذي يرجع إلى التّوبة والطّاعة‬

‫‪.‬‬

‫ول يخرج استعمال الفقهاء للكلمة عن هذا المعنى‬

‫سمّيت بصلة الوّابين لحديث زيد بن أرقم مرفوعا ‪ « :‬صلة الوّابين حين ترمض الفصال‬ ‫» وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬أوصاني خليلي صلى ال عليه وسلم‬ ‫بثلث لست بتاركهنّ ‪ :‬أن ل أنام إلّ على وتر ‪ ،‬وأن ل أدع ركعتي الضّحى فإنّها صلة‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫الوّابين ‪ ،‬وصيام ثلثة أيّام من كلّ شهر‬

‫وقت صلة الوّابين وحكمها‬

‫قال الجمهور ‪ :‬هي صلة الضّحى ‪ ،‬والفضل فعلها بعد ربع النّهار إذا اشتدّ‬

‫الحرّ ‪2 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلة الوّابين حين ترمض الفصال »‬ ‫واستدلّوا بحديث النّب ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلة الوّابين » هو الّذي أعطاها هذه التّسمية ‪،‬‬ ‫فقول النّب ّ‬ ‫وكان ذلك واضحا في حديث أبي هريرة المتقدّم وفيه ‪ « ...‬وأن ل أدع ركعتي الضّحى فإنّها‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫صلة الوّابين‬

‫ولذلك يقول الفقهاء ‪ :‬من أتى بها " أي بصلة الضّحى " كان من الوّابين‬ ‫‪).‬‬

‫وينظر تفصيل أحكام صلة الضّحى في مصطلح ‪ ( :‬صلة الضّحى‬

‫ت ركعات بعد‬ ‫وتطلق أيضا على التّنفّل بعد المغرب ‪ .‬فقالوا ‪ :‬يستحبّ أداء س ّ‬

‫المغرب ‪3 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫ليكتب من الوّابين ‪ ،‬واستدلّوا على أفضليّة هذه الصّلة بحديث النّب ّ‬ ‫‪ « :‬من صلّى بعد المغرب ستّ ركعات لم يتكلّم فيما بينهنّ بسوء عدلن له عبادة اثنتي‬ ‫‪».‬‬

‫عشرة سنةً‬

‫قال الماورديّ ‪ « :‬كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يصلّيها ويقول ‪ :‬هذه صلة الوّابين » ‪.‬‬ ‫ن صلة الوّابين تطلق‬ ‫ويؤخذ ممّا جاء عن صلة الضّحى والصّلة بين المغرب والعشاء أ ّ‬ ‫على صلة الضّحى ‪ ،‬والصّلة بين المغرب والعشاء ‪ .‬فهي مشتركة بينهما كما يقول‬ ‫‪.‬‬

‫الشّافعيّة‬

‫وانفرد الشّافعيّة بتسمية التّطوّع بين المغرب والعشاء بصلة الوّابين ‪ ،‬وقالوا ‪:‬‬

‫تسنّ ‪4 -‬‬

‫صلة الوّابين ‪ ،‬وتسمّى صلة الغفلة ‪ ،‬لغفلة النّاس عنها ‪ ،‬واشتغالهم بغيرها من عشاء ‪،‬‬ ‫ونوم ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬وهي عشرون ركعةً بين المغرب والعشاء ‪ ،‬وفي رواية أخرى أنّها ستّ‬ ‫‪).‬‬

‫*‬

‫‪).‬‬

‫ركعات ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬نفل‬

‫صَلَةُ التّراوِيح‬ ‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫تقدّم تعريف الصّلة لغةً واصطلحًا في مصطلح ‪( :‬‬

‫صلة ‪1 -‬‬

‫والتّراويح ‪ :‬جمع ترويحة ‪ ،‬أي ترويحة للنّفس ‪ ،‬أي استراحة ‪ ،‬من الرّاحة وهي زوال‬ ‫المشقّة والتّعب ‪ ،‬والتّرويحة في الصل اسم للجلسة مطلقةً ‪ ،‬وسمّيت الجلسة الّتي بعد أربع‬ ‫ركعات في ليالي رمضان بالتّرويحة للستراحة ‪ ،‬ثمّ سمّيت كلّ أربع ركعات ترويحةً مجازا ‪،‬‬ ‫وسمّيت هذه الصّلة بالتّراويح ‪ ،‬لنّهم كانوا يطيلون القيام فيها ويجلسون بعد كلّ أربع‬ ‫‪.‬‬

‫ركعات للستراحة‬

‫وصلة التّراويح ‪ :‬هي قيام شهر رمضان ‪ ،‬مثنى مثنى ‪ ،‬على اختلف بين الفقهاء في عدد‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ركعاتها ‪ ،‬وفي غير ذلك من مسائلها‬

‫اللفاظ ذات الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إحياء اللّيل‬

‫إحياء اللّيل ‪ ،‬ويطلق عليه بعض الفقهاء أيضًا قيام اللّيل ‪ ،‬هو ‪ :‬إمضاء اللّيل ‪ ،‬أو‬

‫أكثره ‪2 -‬‬

‫في العبادة كالصّلة والذّكْر وقراءة القرآن الكريم ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ( .‬ر ‪ :‬إحياء اللّيل ) ‪.‬‬ ‫وإحياء اللّيل ‪ :‬يكون في كلّ ليلة من ليالي العام ‪ ،‬ويكون بأيّ من العبادات المذكورة أو‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫نحوها وليس بخصوص الصّلة‬

‫صةً‬ ‫أمّا صلة التّراويح فتكون في ليالي رمضان خا ّ‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬التّهجّد‬

‫التّهجّد في اللّغة ‪ :‬من الهجود ‪ ،‬ويطلق الهجود على النّوم وعلى السّهر ‪ ،‬يقال ‪:‬‬

‫هجد ‪3 -‬‬

‫إذا نام باللّيل ‪ ،‬ويقال أيضا هجد ‪ :‬إذا صلّى اللّيل ‪ ،‬فهو من الضداد ‪ ،‬ويقال ‪ :‬تهجّد إذا‬ ‫‪.‬‬

‫أزال النّوم بالتّكلّف‬

‫وهو في الصطلح ‪ :‬صلة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم‬

‫‪.‬‬

‫والتّهجّد ‪ -‬عند جمهور الفقهاء ‪ -‬صلة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم ‪ ،‬في أيّ ليلة من ليالي‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫العام‬

‫صةً‬ ‫أمّا صلة التّراويح فل يشترط لها أن تكون بعد النّوم ‪ ،‬وهي في ليالي رمضان خا ّ‬ ‫‪:‬‬

‫ج ‪ -‬التّطوّع‬

‫التّطوّع هو ‪ :‬ما شُرع زيادةً على الفرائض والواجبات من الصّلة وغيرها ‪ ،‬وسمّي‬

‫بذلك ‪4 -‬‬

‫‪ ،‬لنّه زائد على ما فرضه اللّه تعالى ‪ ،‬وصلة التّطوّع أو النّافلة تنقسم إلى نفل مقيّد ومنه‬ ‫‪.‬‬

‫صلة التّراويح ‪ ،‬وإلى نفل مطلق أي غير مقيّد بوقت‬ ‫‪).‬‬

‫وللتّفصيل ينظر مصطلح ‪ ( :‬تطوّع‬ ‫‪:‬‬

‫د ‪ -‬الوتر‬

‫ن عدد ركعاتها‬ ‫الوتر هو ‪ :‬الصّلة المخصوصة بعد فريضة العشاء ‪ ،‬سمّيت بذلك ل ّ‬

‫وتر ‪5 -‬‬

‫‪.‬‬

‫ل شفع‬

‫‪:‬‬

‫الحكم التّكليفيّ‬

‫اتّفق الفقهاء على سُنّ ّيةِ صلة التّراويح ‪ ،‬وهي عند الحنفيّة والحنابلة وبعض‬ ‫‪.‬‬

‫المالكيّة ‪6 -‬‬

‫سنّة مؤكّدة ‪ ،‬وهي سنّة للرّجال والنّساء ‪ ،‬وهي من أعلم الدّين الظّاهرة‬

‫وقد سنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم صلة التّراويح ورغّب فيها ‪ ،‬فقال صلى ال عليه‬ ‫‪... » .‬‬

‫وسلم ‪ « :‬إنّ اللّه فرض صيام رمضان عليكم ‪ ،‬وسننت لكم قيامه‬

‫وروى أبو هريرة ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫يرغّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول ‪ :‬من قام رمضان إيمانا‬ ‫ي وغيره ‪ :‬اتّفقوا على أنّ صلة‬ ‫غفِر له ما تقدّم من ذنبه » قال الخطيب الشّربين ّ‬ ‫واحتسابا ُ‬ ‫‪.‬‬

‫التّراويح هي المرادة بالحديث المذكور‬

‫ي صلى ال عليه وسلم بأصحابه صلة التّراويح في بعض اللّيالي ‪ ،‬ولم‬ ‫وقد صلّى النّب ّ‬ ‫يواظب عليها ‪ ،‬وبيّن العذر في ترك المواظبة وهو خشية أن تكتب فيعجزوا عنها ‪ ،‬فعن‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم صلّى في المسجد ‪،‬‬ ‫عائشة ‪ -‬رضي ال تعالى عنها ‪ « -‬أنّ النّب ّ‬ ‫فصلّى بصلته ناس ‪ ،‬ثمّ صلّى من القابلة فكثر النّاس ‪ ،‬ث ّم اجتمعوا من الثّالثة فلم يخرج‬ ‫إليهم ‪ ،‬فلمّا أصبح قال ‪ :‬قد رأيت الّذي صنعتم ‪،‬فلم يمنعني من الخروج إليكم إلّ أنّي خشيت‬ ‫أن تفرض عليكم »‪ ،‬وذلك في رمضان زاد البخاريّ فيه ‪ « :‬فتوفّي رسول اللّه صلى ال‬ ‫‪».‬‬

‫عليه وسلم والمر على ذلك‬

‫ي صلى ال عليه وسلم بأصحابه روى أبو ذرّ ‪ -‬رضي‬ ‫وفي تعيين اللّيالي الّتي قامها النّب ّ‬ ‫ال تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬صمنا مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا‬ ‫شيئا من الشّهر حتّى بقي سبع ‪ ،‬فقام بنا حتّى ذهب ثلث اللّيل ‪ ،‬فلمّا كانت السّادسة لم يقم‬ ‫بنا ‪ ،‬فلمّا كانت الخامسة قام بنا حتّى ذهب شطر اللّيل ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول اللّه لو نفلتنا قيام‬ ‫هذه اللّيلة؟ قال ‪ :‬فقال ‪ :‬إنّ الرّجل إذا صلّى مع المام حتّى ينصرف حسب له قيام ليلة قال‬ ‫‪ :‬فلمّا كانت الرّابعة لم يقم ‪ ،‬فلمّا كانت الثّالثة جمع أهله ونساءه والنّاس فقام بنا حتّى‬ ‫خشينا أن يفوتنا الفلح قال ‪ :‬قلت ‪ :‬وما الفلح ؟ قال ‪ :‬السّحور ‪ ،‬ثمّ لم يقم بنا بقيّة الشّهر‬ ‫‪».‬‬

‫وعن النّعمان بن بشير ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪ -‬قال ‪ « :‬قمنا مع رسول اللّه صلى ال‬ ‫عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلث وعشرين إلى ثلث اللّيل الوّل ‪ ،‬ث ّم قمنا معه ليلة‬ ‫خمس وعشرين إلى نصف اللّيل ‪ ،‬ثمّ قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتّى ظننّا أن ل ندرك‬ ‫‪».‬‬

‫الفلح وكانوا يسمّونه السّحور‬

‫وقد واظب الخلفاء الرّاشدون والمسلمون من زمن عمر ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬على‬ ‫صلة التّراويح جماع ًة ‪ ،‬وكان عمر ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬هو الّذي جمع النّاس فيها‬ ‫‪.‬‬

‫على إمام واحد‬

‫عن عبد الرّحمن بن عبد القاريّ ‪ ،‬قال ‪ :‬خرجت مع عمر بن الخطّاب ‪ -‬رضي ال تعالى‬ ‫عنه ‪ -‬ليلةً في رمضان إلى المسجد ‪ ،‬فإذا النّاس أوزاع متفرّقون ‪ ،‬يصلّي الرّجل لنفسه ‪،‬‬ ‫ويصلّي الرّجل فيصلّي بصلته الرّهط ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬إنّي أرى لو جمعت هؤلء على قارئ‬ ‫ي بن كعب ‪ ،‬ثمّ خرجت معه ليل ًة أخرى والنّاس‬ ‫واحد لكان أمثل ‪ ،‬ثمّ عزم فجمعهم على أب ّ‬ ‫يصلّون بصلة قارئهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬نعمت البدعة هذه ‪ ،‬والّتي ينامون عنها أفضل من الّتي‬ ‫‪.‬‬

‫يقومون ‪ .‬يريد آخر اللّيل ‪ ،‬وكان النّاس يقومون أوّله‬

‫وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال ‪ :‬سألت أبا حنيفة عن التّراويح وما فعله عمر ‪،‬‬ ‫فقال ‪ :‬التّراويح سنّة مؤكّدة ‪ ،‬ولم يتخرّص عمر من تلقاء نفسه ‪ ،‬ولم يكن فيه مبتدعا ‪،‬‬ ‫ولم يأمر به إلّ عن أصل لديه وعهد من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ولقد سنّ عمر‬ ‫هذا وجمع النّاس على أبيّ بن كعب فصلّاها جماعةً والصّحابة متوافرون من المهاجرين‬ ‫‪.‬‬

‫والنصار وما ردّ عليه واحد منهم ‪ ،‬بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك‬ ‫‪:‬‬

‫فضل صلة التّراويح‬ ‫‪.‬‬

‫بيّن الفقهاء منزلة التّراويح بين نوافل‬

‫الصّلة ‪7 -‬‬

‫قال المالكيّة ‪ :‬التّراويح من النّوافل المؤكّدة ‪،‬حيث قالوا ‪ :‬وتأكّد تراويح ‪ ،‬وهو قيام‬ ‫‪:‬‬

‫رمضان‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬التّطوّع قسمان‬

‫‪:‬‬

‫ن له الجماعة لتأكّده بسنّها له ‪ ،‬وله مراتب‬ ‫ن له الجماعة وهو أفضل ممّا ل تس ّ‬ ‫قسم تس ّ‬

‫فأفضله العيدان ثمّ الكسوف للشّمس ‪ ،‬ثمّ الخسوف للقمر ‪ ،‬ثمّ الستسقاء ‪ ،‬ثمّ التّراويح ‪...‬‬ ‫ن لها‬ ‫وقالوا ‪ :‬الصحّ أنّ الرّواتب وهي التّابعة للفرائض أفضل من التّراويح وإن س ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم واظب على الرّواتب دون التّراويح‬ ‫الجماعة‪ ،‬لنّ النّب ّ‬

‫ي ‪ :‬والمراد تفضيل الجنس على الجنس من غير نظر لعدد‬ ‫قال شمس الدّين الرّمل ّ‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬أفضل صلة تطوّع ما سنّ أن يصلّى جماع ًة ‪ ،‬لنّه أشبه بالفرائض ثمّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ن جماعةً ‪ :‬كسوف فاستسقاء فتراويح‬ ‫الرّواتب ‪ ،‬وآكد ما يس ّ‬

‫تاريخ مشروعيّة صلة التّراويح والجماعة فيها‬

‫ي صلى ال عليه‬ ‫روى الشّيخان عن عائشة ‪ -‬رضي ال تعالى عنها ‪ « : -‬أنّ النّب ّ‬

‫وسلم ‪8 -‬‬

‫خرج من جوف اللّيل ليالي من رمضان وصلّى في المسجد ‪ ،‬وصلّى النّاس بصلته ‪،‬‬ ‫وتكاثروا فلم يخرج إليهم في الرّابعة ‪ ،‬وقال لهم ‪ :‬خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها‬ ‫»‪ .‬قال القليوبيّ ‪ :‬هذا يشعر أنّ صلة التّراويح لم تشرع إلّ في آخر سني الهجرة لنّه لم‬ ‫‪.‬‬

‫يرد أنّه صلّاها مرّ ًة ثانيةً ول وقع عنها سؤال‬

‫وجمع عمر بن الخطّاب ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬النّاس في التّراويح على إمام واحد في‬ ‫السّنة الرّابعة عشرة من الهجرة ‪ ،‬لنحو سنتين خلتا من خلفته ‪ ،‬وفي رمضان الثّاني من‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫النّداء لصلة التّراويح‬

‫ذهب الفقهاء إلى أنّه ل أذان ول إقامة لغير الصّلوات المفروضة ‪ ،‬لما ثبت « أنّ‬

‫خلفته‬

‫رسول ‪9 -‬‬

‫اللّه صلى ال عليه وسلم أذّن للصّلوات الخمس والجمعة دون ما سواها من الوتر ‪،‬‬ ‫‪».‬‬

‫والعيدين‪ ،‬والكسوف ‪ ،‬والخسوف ‪ ،‬والستسقاء ‪ ،‬وصلة الجنازة ‪ ،‬والسّنن والنّوافل‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ينادى لجماعة غير الصّلوات المفروضة ‪ :‬الصّلة جامعة ‪ ،‬ونقل النّوويّ‬ ‫عن الشّافعيّ قوله ‪ :‬ل أذان ول إقامة لغير المكتوبة ‪ ،‬فأمّا العياد والكسوف وقيام شهر‬ ‫‪.‬‬

‫رمضان فأحبّ أن يقال ‪ :‬الصّلة جامعةً‬

‫واستدلّوا بما روى الشّيخان « أنّه لمّا كسفت الشّمس على عهد رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫وسلم نودي ‪ :‬إنّ الصّلة جامعة » وقيس بالكسوف غيره ممّا تشرع فيه الجماعة ومنها‬ ‫التّراويح ‪ .‬وكالصّلة جامعةً ‪ :‬الصّلة الصّلة ‪ ،‬أو هلمّوا إلى الصّلة ‪،‬أو الصّلة رحمكم‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫اللّه‪ ،‬أو حيّ على الصّلة خلفا لبعضهم‬

‫وذهب الحنابلة إلى أنّه ل ينادى على التّراويح " الصّلة جامعة " لنّه محدث‬ ‫‪:‬‬

‫تعيين ال ّنيّة في صلة التّراويح‬

‫ذهب الشّافعيّة وبعض الحنفيّة ‪ ،‬وهو المذهب عند الحنابلة إلى اشتراط تعيين النّيّة‬

‫في ‪10 -‬‬

‫التّراويح ‪ ،‬فل تصحّ التّراويح بنيّة مطلقة ‪ ،‬بل ينوي صلة ركعتين من قيام رمضان أو من‬ ‫‪.‬‬

‫التّراويح لحديث ‪ « :‬إنّما العمال بالنّيّات » وليتميّز إحرامه بهما عن غيره‬

‫ن التّراويح سنّة ‪ ،‬والسّنّة عندهم ل تتأدّى بنيّة مطلق‬ ‫وعلّل الحنفيّة القائلون بذلك قولهم بأ ّ‬ ‫الصّلة أو نيّة التّطوّع ‪ ،‬واستدلّوا بما روى الحسن عن أبي حنيفة أنّه ‪ :‬ل تتأدّى ركعتا‬ ‫‪.‬‬

‫الفجر إ ّل بنيّة السّنّة‬

‫لكنّهم اختلفوا في تجديد النّيّة لكلّ ركعتين من التّراويح ‪ ،‬قال ابن عابدين في الخلصة ‪:‬‬ ‫الصّحيح نعم ‪،‬لنّه صلة على حدة ‪ ،‬وفي الخانيّة ‪ :‬الصحّ ل ‪ ،‬فإنّ الكلّ بمنزلة صلة‬ ‫واحدة‪ ،‬ثمّ قال ويظهر لي " ترجيح " التّصحيح الوّل ‪ ،‬لنّه بالسّلم خرج من الصّلة‬ ‫‪.‬‬

‫ك أنّه الحوط خروجا من الخلف‬ ‫حقيقةً ‪ ،‬فل بدّ من دخوله فيها بالنّيّة ‪ ،‬ول ش ّ‬

‫ن التّراويح وسائر السّنن تتأدّى بنيّة مطلقة ‪ ،‬لنّها وإن كانت‬ ‫وقال عامّة مشايخ الحنفيّة ‪ :‬إ ّ‬ ‫ن الحتياط أن ينوي‬ ‫س ّنةً ل تخرج عن كونها نافل ًة ‪ ،‬والنّوافل تتأدّى بمطلق النّيّة ‪ ،‬إلّ أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫التّراويح أو سنّة الوقت أو قيام رمضان احترازا عن موضع الخلف‬

‫وذهب الحنابلة إلى أنّه يندب في كلّ ركعتين من التّراويح أن ينوي فيقول سرّا ‪ :‬أصلّي‬ ‫‪.‬‬

‫ركعتين من التّراويح المسنونة أو من قيام رمضان‬ ‫‪:‬‬

‫عدد ركعات التّراويح‬

‫قال السّيوطيّ ‪ :‬الّذي وردت به الحاديث الصّحيحة والحسان المر بقيام‬

‫رمضان ‪11 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم صلّى‬ ‫والتّرغيب فيه من غير تخصيص بعدد ‪ ،‬ولم يثبت أنّ النّب ّ‬ ‫التّراويح عشرين ركعةً ‪ ،‬وإنّما صلّى ليالي صل ًة لم يذكر عددها ‪ ،‬ثمّ تأخّر في اللّيلة الرّابعة‬ ‫‪.‬‬

‫خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها‬

‫ي صلى ال عليه وسلم صلّى التّراويح عشرين‬ ‫وقال ابن حجر الهيثميّ ‪ :‬لم يصحّ أنّ النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ركعةً ‪ ،‬وما ورد « أنّه كان يصلّي عشرين ركعةً » فهو شديد الضّعف‬

‫واختلفت الرّواية فيما كان يصلّى به في رمضان في زمان عمر بن الخطّاب رضي ال تعالى‬ ‫‪:‬‬

‫عنه‬

‫فذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬من الحنفيّة ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬وبعض المالكيّة ‪ -‬إلى أنّ‬ ‫التّراويح عشرون ركعةً ‪ ،‬لما رواه مالك عن يزيد بن رومان والبيهقيّ عن السّائب بن يزيد‬ ‫من قيام النّاس في زمان عمر ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬بعشرين ركعةً ‪ ،‬وجمع عمر‬ ‫ي ‪ :‬جمع عمر أصحاب رسول‬ ‫النّاس على هذا العدد من الرّكعات جمعا مستمرّا ‪ ،‬قال الكاسان ّ‬

‫اللّه صلى ال عليه وسلم في شهر رمضان على أبيّ بن كعب ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪-‬‬ ‫‪.‬‬

‫فصلّى بهم عشرين ركعةً ‪ ،‬ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعا منهم على ذلك‬ ‫‪.‬‬

‫وقال الدّسوقيّ وغيره ‪ :‬كان عليه عمل الصّحابة والتّابعين‬ ‫‪.‬‬

‫وقال ابن عابدين ‪ :‬عليه عمل النّاس شرقا وغربا‬

‫ي السّنهوريّ ‪ :‬هو الّذي عليه عمل النّاس واستم ّر إلى زماننا في سائر المصار‬ ‫وقال عل ّ‬ ‫وقال الحنابلة ‪ :‬وهذا في مظنّة الشّهرة بحضرة الصّحابة فكان إجماعا والنّصوص في ذلك‬ ‫‪.‬‬

‫كثيرة‬

‫ي بن كعب وتميما الدّاريّ أن‬ ‫وروى مالك عن السّائب بن يزيد قال ‪ :‬أمر عمر بن الخطّاب أب ّ‬ ‫يقوما للنّاس بإحدى عشرة ركعةً ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد كان القارئ يقرأ بالمئين ‪ ،‬حتّى كنّا نعتمد‬ ‫ي من طول القيام ‪ ،‬وما كنّا ننصرف إلّ في فروع الفجر ‪ .‬وروى مالك عن يزيد‬ ‫على العص ّ‬ ‫بن رومان أنّه قال ‪ :‬كان النّاس يقومون في زمان عمر بن الخطّاب في رمضان بثلث‬ ‫وعشرين ركعةً ‪ ،‬قال البيهقيّ والباجيّ وغيرهما ‪ :‬أي بعشرين ركعةً غير الوتر ثلث‬ ‫ركعات ‪ ،‬ويؤيّده ما رواه البيهقيّ وغيره عن السّائب بن يزيد ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪-‬‬ ‫قال ‪ :‬كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطّاب ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬في شهر رمضان‬ ‫‪.‬‬

‫بعشرين ركعةً‬

‫ي ‪ :‬يحتمل أن يكون عمر أمرهم بإحدى عشرة ركعةً ‪ ،‬وأمرهم مع ذلك بطول‬ ‫قال الباج ّ‬ ‫ن التّطويل في القراءة أفضل الصّلة ‪ ،‬فلمّا‬ ‫القراءة ‪ ،‬يقرأ القارئ بالمئين في الرّكعة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ضعف النّاس عن ذلك أمرهم بثلث وعشرين ركعةً على وجه التّخفيف عنهم من طول‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫القيام‪ ،‬واستدرك بعض الفضيلة بزيادة الرّكعات‬

‫وقال العدويّ ‪ :‬الحدى عشرة كانت مبدأ المر ‪ ،‬ثمّ انتقل إلى العشرين‬ ‫‪.‬‬

‫وقال ابن حبيب ‪ :‬رجع عمر إلى ثلث وعشرين ركعةً‬

‫وخالف الكمال بن الهمام مشايخ الحنفيّة القائلين بأنّ العشرين سنّة في التّراويح فقال ‪ :‬قيام‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ثمّ‬ ‫رمضان سنّة إحدى عشرة ركعةً بالوتر في جماعة ‪ ،‬فعله النّب ّ‬ ‫ك في تحقّق المن من‬ ‫تركه لعذر ‪ ،‬أفاد أنّه لول خشية فرضه عليهم لواظب بهم ‪ ،‬ول ش ّ‬ ‫ذلك بوفاته صلى ال عليه وسلم فيكون س ّن ًة ‪ ،‬وكونها عشرين سنّة الخلفاء الرّاشدين ‪،‬‬ ‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين » ندب إلى سنّتهم ‪،‬‬ ‫ول يستلزم كون ذلك سنّته ‪ ،‬إذ سنّته بمواظبته بنفسه أو إلّ لعذر ‪ ،‬وبتقدير عدم ذلك العذر‬ ‫كان يواظب على ما وقع منه ‪ ،‬فتكون العشرون مستحبّا ‪ ،‬وذلك القدر منها هو السّنّة ‪،‬‬ ‫كالربع بعد العشاء مستحبّة وركعتان منها هي السّنّة ‪ ،‬وظاهر كلم المشايخ أنّ السّنّة‬

‫عشرون ‪ ،‬ومقتضى الدّليل ما قلنا فيكون هو المسنون ‪ ،‬أي فيكون المسنون منها ثماني‬ ‫‪.‬‬

‫ركعات والباقي مستحبّا‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬القيام في رمضان بعشرين ركعةً أو بستّ وثلثين واسع أي جائز ‪ ،‬فقد كان‬ ‫السّلف من الصّحابة ‪ -‬رضوان ال عليهم ‪ -‬يقومون في رمضان في زمن عمر بن الخطّاب‬ ‫ رضي ال تعالى عنه ‪ -‬في المساجد بعشرين ركعةً ‪ ،‬ثمّ يوترون بثلث ‪ ،‬ثمّ صلّوا في‬‫‪.‬‬

‫زمن عمر بن عبد العزيز ستّا وثلثين ركعةً غير الشّفع والوتر‬

‫قال المالكيّة ‪ :‬وهو اختيار مالك في المدوّنة ‪ ،‬قال ‪ :‬هو الّذي لم يزل عليه عمل النّاس أي‬ ‫‪.‬‬

‫بالمدينة بعد عمر بن الخطّاب ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬كره مالك نقصها عمّا جعلت بالمدينة‬

‫وعن مالك ‪ -‬أي في غير المدوّنة ‪ -‬قال ‪ :‬الّذي يأخذ بنفسي في ذلك الّذي جمع عمر عليه‬ ‫النّاس ‪ ،‬إحدى عشرة ركعةً منها الوتر ‪ ،‬وهي صلة النّبيّ صلى ال عليه وسلم وفي‬ ‫‪.‬‬

‫المذهب أقوال وترجيحات أخرى‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ولهل المدينة فعلها ستّا وثلثين ‪ ،‬لنّ العشرين خمس ترويحات ‪ ،‬وكان‬ ‫أهل مكّة يطوفون بين كلّ ترويحتين سبعة أشواط ‪ ،‬فحمل أهل المدينة بدل كلّ أسبوع‬ ‫ترويحةً ليساووهم ‪ ،‬قال الشّيخان ‪ :‬ول يجوز ذلك لغيرهم ‪ ..‬وهو الصحّ كما قال الرّمليّ‬ ‫ن لهل المدينة شرفا بهجرته صلى ال عليه وسلم ومدفنه ‪ ،‬وخالف الحليميّ فقال ‪ :‬ومن‬ ‫لّ‬ ‫‪.‬‬

‫اقتدى بأهل المدينة فقام بستّ وثلثين فحسن أيضا‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل ينقص من العشرين ركعةً ‪ ،‬ول بأس بالزّيادة عليها نصّا ‪ ،‬قال عبد اللّه‬ ‫بن أحمد ‪ :‬رأيت أبي يصلّي في رمضان ما ل أحصي ‪ ،‬وكان عبد الرّحمن بن السود يقوم‬ ‫‪.‬‬

‫بأربعين ركعةً ويوتر بعدها بسبع‬

‫قال ابن تيميّة ‪ :‬والفضل يختلف باختلف أحوال المصلّين ‪ ،‬فإن كان فيهم احتمال لطول‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم يصلّي‬ ‫القيام ‪ ،‬فالقيام بعشر ركعات وثلث بعدها ‪ ،‬كما كان النّب ّ‬ ‫لنفسه في رمضان وغيره هو الفضل ‪ .‬وإن كانوا ل يحتملونه فالقيام بعشرين هو الفضل‬ ‫‪ .‬وهو الّذي يعمل به أكثر المسلمين ‪ ،‬فإنّه وسط بين العشر وبين الربعين ‪ ،‬وإن قام‬ ‫ص على ذلك غير واحد من الئمّة‬ ‫بأربعين وغيرها جاز ذلك ول يكره شيء من ذلك ‪ .‬وقد ن ّ‬ ‫‪.‬‬

‫كأحمد وغيره‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ل يزاد فيه‬ ‫ن قيام رمضان فيه عدد موقّت عن النّب ّ‬ ‫قال ‪ :‬ومن ظنّ أ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الستراحة بين ك ّل ترويحتين‬

‫ول ينقص منه فقد أخطأ‬

‫اتّفق الفقهاء على مشروعيّة الستراحة بعد كلّ أربع ركعات ‪ ،‬لنّه المتوارث‬

‫عن ‪12 -‬‬

‫السّلف ‪ ،‬فقد كانوا يطيلون القيام في التّراويح ويجلس المام والمأمومون بعد كلّ أربع‬ ‫‪.‬‬

‫ركعات للستراحة‬

‫وقال الحنفيّة ‪ :‬يندب النتظار بين كلّ ترويحتين ‪ ،‬ويكون قدر ترويحة ‪ ،‬ويشغل هذا‬ ‫‪.‬‬

‫النتظار بالسّكوت أو الصّلة فرادى أو القراءة أو التّسبيح‬

‫ن دعاء معيّن إذا‬ ‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل بأس بترك الستراحة بين كلّ ترويحتين ‪ ،‬ول يس ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫التّسليم في صلة التّراويح‬

‫استراح لعدم وروده‬

‫ذهب الفقهاء إلى أنّ من يصلّي التّراويح يسلّم من كلّ ركعتين ‪ ،‬لنّ التّراويح من‬

‫صلة ‪13 -‬‬

‫ن التّراويح تؤدّى‬ ‫اللّيل فتكون مثنى مثنى ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬صلة اللّيل مثنى مثنى » ول ّ‬ ‫ن ما كان أدوم تحريمةً‬ ‫بجماعة فيراعى فيها التّيسير بالقطع بالتّسليم على رأس الرّكعتين ل ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫كان أشقّ على النّاس‬

‫واختلفوا فيمن صلّى التّراويح ولم يسلّم من كلّ ركعتين‬

‫فقال الحنفيّة ‪ :‬لو صلّى التّراويح كلّها بتسليمة وقعد في كلّ ركعتين فالصّحيح أنّه تصحّ‬ ‫صلته عن الكلّ ‪ ،‬لنّه قد أتى بجميع أركان الصّلة وشرائطها ‪ ،‬لنّ تجديد التّحريمة لكلّ‬ ‫ركعتين ليس بشرط عندهم ‪ ،‬لكنّه يكره إن تعمّد على الصّحيح عندهم ‪ ،‬لمخالفته‬ ‫‪.‬‬

‫المتوارث ‪ ،‬وتصريحهم بكراهة الزّيادة على ثمانٍ في صلة مطلق التّطوّع فهنا أولى‬

‫وقالوا ‪ :‬إذا لم يقعد في كلّ ركعتين وسلّم تسليمةً واحدةً فإنّ صلته تفسد عند محمّد ‪ ،‬ول‬ ‫ن السّنّة أن‬ ‫تفسد عند أبي حنيفة وأبي يوسف ‪ ،‬والصحّ أنّها تجوز عن تسليمة واحدة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يكون الشّفع الوّل كاملً ‪ ،‬وكماله بالقعدة ولم توجد ‪ ،‬والكامل ل يتأدّى بالنّاقص‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬يندب لمن صلّى التّراويح التّسليم من كلّ ركعتين ‪ ،‬ويكره تأخير التّسليم بعد‬ ‫كلّ أربع ‪ ،‬حتّى لو دخل على أربع ركعات بتسليمة واحدة فالفضل له السّلم بعد كلّ ركعتين‬ ‫ح ‪ ،‬فتبطل إن كان‬ ‫‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬لو صلّى في التّراويح أربعا بتسليمة واحدة لم يص ّ‬ ‫ل مطلقا ‪ ،‬وذلك لنّ التّراويح أشبهت الفرائض في طلب‬ ‫عامدا عالما ‪ ،‬وإلّ صارت نف ً‬ ‫‪.‬‬

‫الجماعة فل تغيّر عمّا ورد ‪ .‬ولم نجد للحنابلة كلما في هذه المسألة‬ ‫‪:‬‬

‫القعود في صلة التّراويح‬

‫ن من يصلّي التّراويح قاعدا فإنّه يجوز مع الكراهة تنزيها‬ ‫جاء في مذهب الحنفيّة أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫لنّه ‪14 -‬‬

‫خلف السّنّة المتوارثة‬

‫وصرّح الحنفيّة بأنّه ‪ :‬يكره للمقتدي أن يقعد في صلة التّراويح ‪ ،‬فإذا أراد المام أن يركع‬ ‫قام ‪ ،‬واستظهر ابن عابدين أنّه يكره تحريما ‪ ،‬لنّ في ذلك إظهار التّكاسل في الصّلة‬ ‫والتّشبّه بالمنافقين ‪ ،‬قال اللّه تعالى ‪َ { :‬وإِذَا قَامُواْ إِلَى الصّلَةِ قَامُواْ ُكسَالَى } فإذا لم يكن‬ ‫‪.‬‬

‫ذلك لكسل بل لكبر ونحوه ل يكره ‪ ،‬ولم نجد مثل هذا لغير الحنفيّة‬ ‫‪:‬‬

‫وقت صلة التّراويح‬

‫ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ وقت صلة التّراويح من بعد صلة العشاء ‪ ،‬وقبل‬

‫الوتر ‪15 -‬‬

‫إلى طلوع الفجر ‪ ،‬لنقل الخلف عن السّلف ‪ ،‬ولنّها عرفت بفعل الصّحابة فكان وقتها ما‬ ‫صلّوا فيه ‪ ،‬وهم صلّوا بعد العشاء قبل الوتر ‪ ،‬ولنّها سنّة تبع للعشاء فكان وقتها قبل‬ ‫الوتر‪ .‬ولو صلّاها بعد المغرب وقبل العشاء فجمهور الفقهاء وهو الصحّ عند الحنفيّة على‬ ‫أنّها ل تجزئ عن التّراويح ‪ ،‬وتكون نافل ًة عند المالكيّة ‪ ،‬ومقابل الصحّ عند الحنفيّة أنّها‬ ‫ح ‪ ،‬لنّ جميع اللّيل إلى طلوع الفجر قبل العشاء وبعدها وقت للتّراويح ‪ ،‬لنّها سمّيت‬ ‫تص ّ‬ ‫‪.‬‬

‫قيام اللّيل فكان وقتها اللّيل‬

‫صحّة بأنّها تفعل بعد مكتوبة وهي العشاء فلم تصحّ قبلها كسنّة‬ ‫وعلّل الحنابلة عدم ال ّ‬ ‫ن سنّة‬ ‫ن التّراويح تصلّى بعد صلة العشاء وبعد سنّتها ‪ ،‬قال المجد ‪ :‬ل ّ‬ ‫العشاء‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫العشاء يكره تأخيرها عن وقت العشاء المختار ‪ ،‬فكان إتباعها لها أولى‬ ‫‪.‬‬

‫ولو صلّاها بعد العشاء وبعد الوتر فالصحّ عند الحنفيّة أنّها تجزئ‬

‫وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه يستحبّ تأخير التّراويح إلى ثلث اللّيل أو نصفه ‪ ،‬واختلف‬ ‫الحنفيّة في أدائها بعد نصف اللّيل ‪ ،‬فقيل يكره ‪ ،‬لنّها تبع للعشاء كسنّتها ‪ ،‬والصّحيح ل‬ ‫‪.‬‬

‫يكره لنّها من صلة اللّيل والفضل فيها آخره‬

‫ن النّاس كانوا يقومون على عهد عمر‬ ‫ن صلتها أوّل اللّيل أفضل ‪ ،‬ل ّ‬ ‫وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬ ‫ رضي ال تعالى عنه ‪ -‬أوّله ‪ ،‬وقد قيل لحمد ‪ :‬يؤخّر القيام أي في التّراويح إلى آخر‬‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ب إليّ‬ ‫اللّيل ؟ قال ‪ :‬سنّة المسلمين أح ّ‬

‫الجماعة في صلة التّراويح‬

‫ي صلى ال‬ ‫اتّفق الفقهاء على مشروعيّة الجماعة في صلة التّراويح ‪ ،‬لفعل النّب ّ‬

‫عليه ‪16 -‬‬

‫وسلم كما سبق ‪ ،‬ولفعل الصّحابة ‪ -‬رضوان اللّه تعالى عليهم ‪ -‬ومن تبعهم منذ زمن عمر‬ ‫‪.‬‬

‫بن الخطّاب ‪ -‬رضي ال عنه ‪ ; -‬ولستمرار العمل عليه حتّى الن‬ ‫‪.‬‬

‫ن الجماعة في صلة التّراويح سنّة‬ ‫وذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬

‫قال الحنفيّة ‪ :‬صلة التّراويح بالجماعة سنّة على الكفاية في الصحّ ‪ ،‬فلو تركها الكلّ‬ ‫أساءوا‪ ،‬أمّا لو تخلّف عنها رجل من أفراد النّاس وصلّى في بيته فقد ترك الفضيلة ‪ ،‬وإن‬ ‫‪.‬‬

‫صلّى في البيت بالجماعة لم ينل فضل جماعة المسجد‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬تندب صلة التّراويح في البيوت إن لم تعطّل المساجد ‪ ،‬وذلك لخبر ‪« :‬‬ ‫ن خير صلة المرء في بيته إلّ الصّلة المكتوبة » ولخوف‬ ‫عليكم بالصّلة في بيوتكم ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫الرّياء وهو حرام ‪ ،‬واختلفوا فيما إذا صلّاها في بيته ‪ ،‬هل يصلّيها وحده أو مع أهل بيته ؟‬ ‫‪.‬‬

‫ي ‪ :‬لعلّهما في الفضليّة سواء‬ ‫قولن ‪ ،‬قال الزّرقان ّ‬

‫وندب صلة التّراويح ‪ -‬في البيوت عندهم ‪ -‬مشروط بثلثة أمور ‪ :‬أن ل تعطّل المساجد ‪،‬‬ ‫وأن ينشط لفعلها في بيته ‪ ،‬ول يقعد عنها ‪ ،‬وأن يكون غير آفاقيّ بالحرمين ‪ ،‬فإن تخلّف‬ ‫شرط كان فعلها في المسجد أفضل ‪ ،‬وقال الزّرقانيّ ‪ :‬يكره لمن في المسجد النفراد بها عن‬ ‫‪.‬‬

‫الجماعة الّتي يصلّونها فيه ‪ ،‬وأولى إذا كان انفراده يعطّل جماعة المسجد‬

‫ن الجماعة في التّراويح على الصحّ ‪ ،‬لحديث عائشة ‪ -‬رضي ال‬ ‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬تس ّ‬ ‫تعالى عنها ‪ -‬الّذي سبق ذكره ‪،‬وللثر عن عمر ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬ولعمل النّاس‬ ‫ن النفراد بصلة التّراويح أفضل كغيرها من صلة اللّيل‬ ‫على ذلك‪ .‬ومقابل الصحّ عندهم أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫لبعده عن الرّياء‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬صلة التّراويح جماعةً أفضل من صلتها فرادى ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬كان عليّ‬ ‫‪.‬‬

‫وجابر وعبد اللّه ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬يصلّونها في الجماعة‬

‫ي صلى ال عليه وسلم جمع أهله‬ ‫وفي حديث أبي ذرّ ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ « -‬أنّ النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ونساءه ‪ ،‬وقال ‪ :‬إنّ الرّجل إذا صلّى مع المام حتّى ينصرف كتب له قيام ليلة‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من قام‬ ‫وقالوا ‪ :‬إن تعذّرت الجماعة صلّى وحده لعموم قول النّب ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه‬

‫القراءة وختم القرآن الكريم في التّراويح‬

‫ذهب الحنابلة وأكثر المشايخ من الحنفيّة وهو ما رواه الحسن عن أبي حنيفة إلى‬

‫أنّ ‪17 -‬‬

‫السّنّة أن يختم القرآن الكريم في صلة التّراويح ليسمع النّاس جميع القرآن في تلك الصّلة‬ ‫‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬السّنّة الختم مرّةً ‪ ،‬فل يترك المام الختم لكسل القوم ‪ ،‬بل يقرأ في كلّ‬ ‫ركعة عشر آيات أو نحوها ‪ ،‬فيحصل بذلك الختم ‪ ،‬لنّ عدد ركعات التّراويح في شهر‬ ‫‪.‬‬

‫رمضان ستّمائة ركعة ‪ ،‬أو خمسمائة وثمانون ‪ ،‬وآي القرآن الكريم ستّ آلف وشيء‬ ‫ن النّوافل مبنيّة على‬ ‫ويقابل قول هؤلء ما قيل ‪ :‬الفضل أن يقرأ قدر قراءة المغرب ل ّ‬

‫التّخفيف خصوصا بالجماعة ‪ ،‬وما قيل ‪ :‬يقرأ في كلّ ركعة ثلثين آيةً لنّ عمر ‪ -‬رضي‬

‫ن لكلّ عشر فضيلةً كما‬ ‫ال تعالى عنه ‪ -‬أمر بذلك ‪ ،‬فيقع الختم ثلث مرّات في رمضان ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪».‬‬

‫جاءت به السّنّة ‪ « ،‬أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النّار‬

‫ي ‪ :‬ما أمر به عمر ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬هو من باب الفضيلة ‪ ،‬وهو أن‬ ‫وقال الكاسان ّ‬ ‫يختم القرآن أكثر من مرّة ‪ ،‬وهذا في زمانهم ‪ ،‬وأمّا في زماننا فالفضل أن يقرأ المام على‬ ‫حسب حال القوم ‪ ،‬فيقرأ قدر ما ل ينفّرهم عن الجماعة ‪ ،‬لنّ تكثير الجماعة أفضل من‬ ‫‪.‬‬

‫تطويل القراءة‬

‫ب الختم ليلة السّابع والعشرين رجاء أن ينالوا ليلة القدر ‪ ،‬وإذا ختم‬ ‫ومن الحنفيّة من استح ّ‬ ‫قبل آخره ‪ ..‬قيل ‪ :‬ل يكره له التّراويح فيما بقي ‪ ،‬قيل ‪ :‬يصلّيها ويقرأ فيها ما يشاء ‪.‬‬ ‫وصرّح المالكيّة والشّافعيّة بأنّه يندب للمام الختم لجميع القرآن في التّراويح في الشّهر‬ ‫كلّه‪ ،‬وقراءة سورة في تراويح جميع الشّهر تجزئ ‪ ،‬وكذلك قراءة سورة في كلّ ركعة ‪ ،‬أو‬ ‫كلّ ركعتين من تراويح كلّ ليلة في جميع الشّهر تجزئ وإن كان خلف الولى إذا كان يحفظ‬ ‫غيرها أو كان هناك من يحفظ القرآن غيره ‪ ،‬قال ابن عرفة ‪ :‬في المدوّنة لمالك ‪ :‬وليس‬ ‫‪.‬‬

‫الختم بسنّة‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬يستحبّ أن يبتدئ التّراويح في أوّل ليلة بسورة القلم ‪ { :‬اقْ َرأْ بِاسْمِ رَبّكَ }‬ ‫بعد الفاتحة لنّها أوّل ما نزل من القرآن ‪ ،‬فإذا سجد للتّلوة قام فقرأ من البقرة نصّ عليه‬ ‫أحمد ‪ ،‬والظّاهر أنّه قد بلغه في ذلك أثر ‪ ،‬وعنه ‪ :‬أنّه يقرأ بسورة القلم في عشاء الخرة‬ ‫‪.‬‬

‫من اللّيلة الولى من رمضان‬

‫قال الشّيخ ‪ :‬وهو أحسن ممّا نقل عنه أنّه يبتدئ بها التّراويح ويختم آخر ركعة من‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫التّراويح قبل ركوعه ويدعو ‪ ،‬نصّ عليه‬

‫المسبوق في التّراويح‬

‫قال الحنفيّة ‪ :‬من فاته بعض التّراويح وقام المام إلى الوتر أوتر معه ثمّ صلّى ما‬

‫فاته ‪18 -‬‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬من أدرك مع المام ركعةً فل يخلو أن تكون من الرّكعتين الخيرتين من‬ ‫التّرويحة أو من الوليين ‪ ،‬فإن كانت من الخيرتين فإنّه يقضي الرّكعة الّتي فاتته بعد سلم‬ ‫المام في أثناء فترة الرّاحة ‪ ،‬وإن كانت من الرّكعتين الوليين فقد روى ابن القاسم عن‬ ‫مالك أنّه ل يسلّم سلمه ولكن يقوم فيصحب المام فإذا قام المام من الرّكعة الولى من‬ ‫الخريين تشهّد وسلّم ثمّ دخل معه في الرّكعتين الخريين فصلّى منهما ركعةً ثمّ قضى الثّانية‬ ‫‪.‬‬

‫منهما حين انفراده بالتّنفّل‬

‫وعند الحنابلة ‪ :‬سئل أحمد عمّن أدرك من ترويحة ركعتين يصلّي إليها ركعتين ؟ فلم ير‬ ‫‪.‬‬

‫ذلك‪ ،‬وقال ‪ :‬هي تطوّع‬

‫قضاء التّراويح‬

‫‪:‬‬

‫إذا فاتت صلة التّراويح عن وقتها بطلوع الفجر ‪ ،‬فقد ذهب الحنفيّة في الصحّ‬

‫عندهم‪19 - ،‬‬

‫والحنابلة في ظاهر كلمهم إلى أنّها ل تقضى ; لنّها ليست بآكد من سنّة المغرب‬ ‫‪.‬‬

‫والعشاء ‪ ،‬وتلك ل تقضى فكذلك هذه‬

‫وقال الحنفيّة ‪ :‬إن قضاها كانت نفلًا مستحبّا ل تراويح كرواتب اللّيل ‪ ،‬لنّها منها ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫والقضاء عندهم من خواصّ الفرض وسنّة الفجر بشرطها‬

‫ومقابل الصحّ عند الحنفيّة أنّ من لم يؤ ّد التّراويح في وقتها فإنّه يقضيها وحده ما لم يدخل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وقت تراويح أخرى ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ما لم يمض الشّهر‬

‫ولم نجد تصريحا للمالكيّة والشّافعيّة في هذه المسألة‬

‫لكن قال النّوويّ ‪ :‬لو فات النّفل المؤقّت ندب قضاؤه في الظهر‬ ‫*‬

‫صَلَة ال ّتسْبيح‬ ‫‪:‬‬

‫صلة التّسبيح نوع من صلة النّفل تفعل على صورة خاصّة يأتي بيانها ‪ .‬وإنّما‬ ‫‪.‬‬

‫التّعريف‬

‫سمّيت ‪1 -‬‬

‫صلة التّسبيح لما فيها من كثرة التّسبيح ‪ ،‬ففيها في كلّ ركعة خمس وسبعون تسبيحةً‬ ‫‪:‬‬

‫الحكم التّكليفيّ‬

‫اختلف الفقهاء في حكم صلة التّسبيح ‪ ،‬وسبب اختلفهم فيها اختلفهم في ثبوت الحديث‬ ‫‪:‬‬

‫الوارد فيها‬

‫القول الوّل ‪ :‬قال بعض الشّافعيّة ‪ :‬هي مستحبّة ‪ .‬وقال النّوويّ في بعض كتبه ‪:‬‬

‫هي ‪2 -‬‬

‫ن رسول اللّه صلى‬ ‫سنّة حسنة واستدلّوا بالحديث الوارد فيها ‪ ،‬وهو ما روى أبو داود « أ ّ‬ ‫ال عليه وسلم قال للعبّاس بن عبد المطّلب ‪ :‬يا عبّاس يا عمّاه ‪ ،‬أل أعطيك أل أمنحك ‪ ،‬أل‬ ‫أحبوك ‪ ،‬أل أفعل بك ‪ -‬عشر خصال ‪ -‬إذا أنت فعلت ذلك غفر اللّه لك ذنبك أوّله ‪،‬‬ ‫وآخره ‪ ،‬قديمه ‪ ،‬وحديثه ‪ ،‬خطأه ‪ ،‬وعمده ‪ ،‬صغيره ‪ ،‬وكبيره ‪ ،‬سرّه ‪ ،‬وعلنيته ‪ ،‬عشر‬ ‫خصال ‪ :‬أن تصلّي أربع ركعات ‪ :‬تقرأ في ك ّل ركعة فاتحة الكتاب وسورةً ‪ ،‬فإذا فرغت من‬ ‫القراءة في أوّل ركعة وأنت قائم قلت ‪ :‬سبحان اللّه ‪ ،‬والحمد للّه ‪ ،‬ول إله إ ّل اللّه ‪ ،‬واللّه‬ ‫أكبر ‪ ،‬خمس عشرة مرّةً ‪ ،‬ثمّ تركع وتقولها وأنت راكع عشرا ‪ ،‬ثمّ ترفع رأسك من الرّكوع‬ ‫فتقولها عشرا‪ ،‬ثمّ تهوي ساجدا فتقولها وأنت ساجد عشرا ‪ ،‬ثمّ ترفع رأسك من السّجود‬ ‫فتقولها عشرا ث ّم تسجد فتقولها عشرا ‪ ،‬ثمّ ترفع رأسك فتقولها عشرا ‪ ،‬فذلك خمس‬ ‫وسبعون في كلّ ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات ‪ ،‬إن استطعت أن تصلّيها في كلّ يوم مرّةً‬

‫فافعل ‪ ،‬فإن لم تفعل ففي كلّ جمعة مرّ ًة فإن لم تفعل ففي كلّ شهر مرّةً ‪ ،‬فإن لم تفعل ففي‬ ‫‪».‬‬

‫كلّ سنة مرّةً ‪ ،‬فإن لم تفعل ففي عمرك مرّةً‬

‫قالوا ‪ :‬وقد ثبت هذا الحديث من هذه الرّواية ‪ ،‬وهو وإن كان من رواية موسى بن عبد‬ ‫العزيز فقد وثّقه ابن معين وقال النّسائيّ ‪ :‬ليس به بأس ‪ .‬وقال الزّركشيّ ‪ :‬الحديث صحيح‬ ‫وليس بضعيف وقال ابن الصّلح ‪ :‬حديثها حسن ‪ ،‬ومثله قال النّوويّ في تهذيب السماء‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫واللّغات ‪ .‬وقال المنذريّ ‪ :‬رواته ثقات ا هـ‬

‫وقد روي من حديث العبّاس نفسه ومن حديث أبي رافع وأنس بن مالك‬

‫القول الثّاني ‪ :‬ذهب بعض الحنابلة إلى أنّها ل بأس بها ‪ ،‬وذلك يعني الجواز ‪ .‬قالوا ‪:‬‬

‫لو ‪3 -‬‬

‫لم يثبت الحديث فيها فهي من فضائل العمال فيكفي فيها الحديث الضّعيف ‪ .‬ولذا قال ابن‬ ‫‪.‬‬

‫ن النّوافل والفضائل ل يشترط صحّة الحديث فيها‬ ‫قدامة ‪ :‬إن فعلها إنسان فل بأس فإ ّ‬

‫والقول الثّالث ‪ :‬أنّها غير مشروعة ‪ .‬قال النّوويّ في المجموع ‪ :‬في استحبابها نظر‬

‫لنّ ‪4 -‬‬

‫حديثها ضعيف وفيها تغيير لنظم الصّلة المعروف فينبغي أ ّل يفعل بغير حديث وليس حديثها‬ ‫ن أحمد لم يثبت الحديث الوارد فيها ‪ ،‬ولم يرها مستح ّبةً ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫بثابت ‪ ،‬ونقل ابن قدامة أ ّ‬ ‫وقال أحمد ‪ :‬ما تعجبني ‪ .‬قيل له ‪ :‬لم ؟ قال ‪ :‬ليس فيها شيء يصحّ ‪ ،‬ونفض يده كالمنكر ‪.‬‬ ‫ي من الموضوعات ‪ .‬وقال ابن حجر في التّلخيص ‪:‬‬ ‫والحديث الوارد فيها جعله ابن الجوز ّ‬ ‫ق أنّ طرقه كلّها ضعيفة ‪ ،‬وإن كان حديث ابن عبّاس يقرب من شرط الحسن إلّ أنّه‬ ‫الح ّ‬ ‫شاذّ لشدّة الفرديّة فيه وعدم الشّاهد والمتابع من وجه معتبر ‪ ،‬ومخالفة هيئتها لهيئة باقي‬ ‫ي ‪ ،‬حكاه ابن عبد الهادي‬ ‫الصّلوات ‪ :‬قال ‪ :‬وقد ضعّفها ابن تيميّة والمزنيّ ‪ ،‬وتوقّف الذّهب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫في أحكامه ‪ .‬ا هـ‬

‫ولم نجد لهذه الصّلة ذكرا فيما اطّلعنا عليه من كتب الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬إلّ ما نقل في‬ ‫‪.‬‬

‫ي أنّه قال ‪ :‬ليس فيها حديث صحيح ول حسن‬ ‫التّلخيص الحبير عن ابن العرب ّ‬ ‫‪:‬‬

‫كيفيّة صلة التّسبيح ووقتها‬

‫الّذين قالوا باستحباب صلة التّسبيح أو جوازها راعوا في الكيفيّة ما ورد في‬

‫الحديث ‪5 -‬‬

‫من أنّها أربع ركعات ‪ ،‬وما يقال فيها من التّسبيح والتّكبير والتّهليل والحوقلة بالعداد‬ ‫الواردة ومواضعها وغير ذلك من الكيفيّة ‪ .‬وأضاف الشّافعيّة أنّها تصلّى أربع ركعات ل‬ ‫أكثر‪ ،‬وبتسليم واحد إن كانت في النّهار وتسليمين إن كانت في اللّيل ‪ .‬وأنّ الفضل فعلها‬ ‫‪.‬‬

‫كلّ يوم مرّةً ‪ ،‬وإلّ فجمعة ‪ ،‬وإلّ فشهر ‪ ،‬وإلّ فسنة ‪ ،‬وإ ّل ففي العمر مرّةً‬ ‫*‬

‫طوّع‬ ‫صَلةَ التّ َ‬ ‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫التّطوّع لغةً ‪ :‬التّبرّع ‪ ،‬يقال ‪ :‬تطوّع بالشّيء ‪ ،‬تبرّع به ‪ ،‬ومن معانيه في الصطلح‬

‫أنّه ‪1 -‬‬

‫اسم لما شرع زيادةً على الفرائض والواجبات ‪ .‬أو ما كان مخصوصا بطاعة غير واجبة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫أو هو الفعل المطلوب طلبا غير جازم‬

‫وتفصيل الصطلحات الفقهيّة في هذا الموضوع ينظر في مصطلح ‪ ( :‬تطوّع‬

‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫وصلة التّطوّع هي ما زادت على الفرائض والواجبات ‪ .‬لقول النّب ّ‬ ‫ي غيرها‬ ‫في حديث السّائل عن السلم « خمس صلوات في اليوم واللّيلة ‪ ،‬فقيل ‪ :‬هل عل ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫قال ‪ :‬ل‪ ،‬إ ّل أن تطوّع‬

‫أنواع صلة التّطوّع‬

‫الصل في صلة التّطوّع أن تؤدّى على انفراد ‪ ،‬وهي‬

‫أنواع ‪2 -‬‬

‫منها ‪ :‬السّنن الرّواتب ‪ ،‬وهي السّنن التّابعة للفرائض ‪ ،‬وهي عشر ركعات ‪ :‬ركعتان قبل‬ ‫الظّهر ‪ ،‬وركعتان بعده ‪ ،‬وركعتان بعد المغرب ‪ ،‬وركعتان بعد العشاء ‪ ،‬وركعتان قبل الفجر‬ ‫‪ .‬وقال أبو الخطّاب ‪ :‬وأربع قبل العصر ‪ ،‬لما روى ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال‬ ‫عليه وسلم ‪ « :‬رحم اللّه امرأً صلّى قبل العصر أربعا » وآكد هذه الرّكعات ركعتا الفجر ‪.‬‬ ‫حيث قالت عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ « : -‬لم يكن النّبيّ صلى ال عليه وسلم على شيء‬ ‫‪».‬‬

‫من النّوافل أشدّ منه تعاهدًا على ركعتي الفجر‬

‫ومن هذه السّنن ما يتقدّم على الفرائض ‪ ،‬ومنها ما يتأخّر عنها ‪ ،‬وفي ذلك معنىً لطيف‬ ‫‪:‬‬

‫مناسب‬

‫أمّا في التّقديم فلنّ النّفوس ‪ -‬لشتغالها بأسباب الدّنيا ‪ -‬بعيدة عن حال الخشوع‬ ‫‪.‬‬

‫والحضور الّتي هي روح العبادة ‪ ،‬فإذا قدّمت النّوافل على الفرائض أنست النّفس بالعبادة‬

‫ن النّوافل جابرة لنقص الفرائض ‪ ،‬فإذا وقع الفرض ناسب أن‬ ‫وأمّا تأخيرها عنها فقد ورد أ ّ‬ ‫يقع بعده ما يجبر الخلل الّذي قد يقع فيه ‪ .‬وللتّفصيل ينظر ‪ ( :‬راتب ‪ ،‬وسنن رواتب ) ‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ومن صلة التّطوّع صلوات معيّنة غير السّنن مع الفرائض والتّطوّعات المطلقة ومنها‬

‫صلة الضّحى ‪ :‬وهي مستحبّة ‪ ،‬لما روى أبو هريرة قال ‪ « :‬أوصاني خليلي صلى‬

‫ال ‪3 -‬‬

‫ن حتّى أموت ‪ :‬صوم ثلثة أيّام من كلّ شهر ‪ ،‬وصلة الضّحى ‪،‬‬ ‫عليه وسلم بثلث ل أدعه ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪).‬‬

‫ونوم على وتر‬

‫انظر ( صلة الضّحى ‪ ،‬وصلة الوّابين‬

‫صلة التّسبيح ‪ :‬لما روى ابن عبّاس « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم دعاه‬

‫إلى ‪4 -‬‬

‫صلتها مرّةً كلّ يوم ‪ ،‬أو كلّ جمعة ‪ ،‬أو كلّ شهر ‪ ،‬أو كلّ سنة ‪ ...‬أو في العمر مرّةً » ‪.‬‬

‫وقال أحمد عنها ‪ :‬ليس فيها شيء يصحّ ‪ ،‬ولم يرها مستح ّبةً ‪ ،‬وإن فعلها إنسان فل بأس ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ن النّوافل والفضائل ل يشترط صحّة الحديث فيها‬ ‫فإ ّ‬

‫وأمثلة الصّلة المتطوّع بها كثيرة كصلة الستخارة ‪ ،‬وصلة الحاجة ‪ ،‬وصلة التّوبة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وصلة تحيّة المسجد ‪ ،‬وركعتي السّفر وغيرها فليرجع إليها في مصطلحاتها الخاصّة‬ ‫‪:‬‬

‫الفرق بين أحكام صلة التّطوّع وأحكام الصّلة المفروضة‬ ‫‪:‬‬

‫صلة التّطوّع تفارق صلة الفرض في أشياء‬

‫‪:‬‬

‫الصّلة جلوسا‬

‫منها ‪5 -‬‬

‫يجوز التّطوّع قاعدًا مع القدرة على القيام ‪ ،‬ول يجوز ذلك في الفرض ‪ ،‬لنّ التّطوّع خير‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫دائم ‪ ،‬فلو ألزمناه القيام لتعذّر عليه إدامة هذا الخير‬

‫أمّا الفرض فإنّه يختصّ ببعض الوقات ‪ ،‬فل يكون في إلزامه مع القدرة عليه حرج‬ ‫‪:‬‬

‫القراءة‬

‫القراءة في التّطوّع تكون فيما سوى الفاتحة في الرّكعات كلّها ‪ ،‬وأمّا القراءة في الرّباعيّة‬ ‫والثّلثيّة من المكتوبات فهي في الرّكعتين الوليين فقط‬

‫‪.‬‬

‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫وينظر التّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬قراءة‬

‫الجلوس على رأس الرّكعتين‬

‫الجلوس على رأس الرّكعتين في الرّباعيّة والثّلثيّة في الفرائض ليس بفرض بل خلف ‪،‬‬ ‫‪).‬‬

‫ول يفسد الفرض بتركه ‪ ،‬وفي التّطوّع اختلف ‪ .‬انظر مصطلح ‪ ( :‬صلة‬ ‫‪:‬‬

‫الجماعة في التّطوّع‬

‫الجماعة في التّطوّع ليست بسنّة إلّ في قيام رمضان ‪ ،‬وفي الفرض واجبة أو سنّة مؤكّدة ‪،‬‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلة المرء في بيته أفضل من صلته في مسجدي‬ ‫لقول النّب ّ‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫هذا إلّ المكتوبة » ‪ .‬انظر ‪ ( :‬صلة الجماعة‬

‫الوقت والمقدار‬

‫التّطوّع المطلق غير مؤقّت بوقت خاصّ ‪ ،‬ول مقدّر بمقدار خاصّ ‪ ،‬فيجوز في أيّ وقت كان‬ ‫‪.‬‬

‫على أيّ مقدار كان ‪ ،‬إلّ أنّه يكره في بعض الوقات وعلى بعض المقادير‬

‫ص ‪ ،‬موقّت بأوقات مخصوصة ‪ ،‬فل تجوز الزّيادة على قدره ‪.‬‬ ‫والفرض مقدّر بمقدار خا ّ‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫ال ّنيّة‬

‫انظر ‪ ( :‬أوقات الصّلة‬

‫يتأدّى التّطوّع المطلق بمطلق النّيّة ‪ ،‬ول يتأدّى الفرض إلّ بتعيين النّيّة ‪ ،‬انظر تفصيل ذلك‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫في ‪ ( :‬نيّة‬

‫الصّلة على الرّاحلة وما في معناها‬

‫يجوز التّنفّل على الدّابّة مع القدرة على النّزول ‪ ،‬أمّا أداء الفرض على الدّابّة فإنّه ل يجوز‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫‪ .‬على تفصيل وخلف ينظر في ‪ ( :‬الصّلة على الرّاحلة‬

‫الصّلة في الكعبة وعلى ظهرها‬

‫ل تصحّ الفريضة في الكعبة ول على ظهرها عند الحنابلة لقوله تعالى ‪َ { :‬وحَيْثُ مَا كُنتُمْ‬ ‫شطْرَهُ } والمصلّي فيها أو على ظهرها غير مستقبل لها ‪ ،‬وإنّما هو مستقبل‬ ‫جوِ َه ُكمْ َ‬ ‫َفوَلّواْ ُو ُ‬ ‫‪.‬‬

‫لجزء منها‬

‫واستقبال القبلة شرط للصّلة مع القدرة إلّ في النّفل للمسافر السّائر ماشيا أو راكبا فيصلّي‬ ‫‪.‬‬

‫حيث توجّه ‪ ،‬وقيل ل يجوز ذلك إلّ للرّاكب‬

‫وجوّز أبو حنيفة والشّافعيّ صلة الفريضة في الكعبة وعلى ظهرها ‪ ،‬لنّه مسجد ‪ ،‬ولنّه‬ ‫محلّ لصلة النّفل ‪ ،‬فكان محلّا للفرض كخارجها ‪ .‬ولكن النّافلة مبناها على التّخفيف‬ ‫والمسامحة بدليل صلتها قاعدا وإلى غير القبلة ‪ ،‬وفي السّفر على الرّاحلة ‪ ،‬وقد « صلّى‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم في البيت ركعتين‬ ‫النّب ّ‬

‫ما يكره في صلة التّطوّع‬ ‫‪:‬‬

‫‪:‬‬

‫المكروه في صلة التّطوّع‬

‫نوعان ‪6 -‬‬

‫النّوع الوّل ‪ :‬وهو ما يرجع إلى القدر‬

‫تكره الزّيادة على أربع ركعات بتسليمة واحدة في النّهار ‪ ،‬ول يكره ذلك في صلة اللّيل ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫فللمصلّي أن يصلّي ستّا وثمانيا بتسليمة واحدة‬

‫ن النّوافل شرعت تبعا للفرائض ‪ ،‬والتّبع ل يخالف الصل فلو زيدت على‬ ‫والصل في ذلك أ ّ‬ ‫الربع في النّهار لخالفت الفرائض ‪ ،‬وهذا هو القياس في اللّيل ‪ ،‬إلّ أنّ الزّيادة على الربع‬ ‫ص ‪ ،‬وهو ما روي عن « النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫إلى الثّماني أو إلى السّتّ معروف بالنّ ّ‬ ‫أنّه كان يصلّي باللّيل خمس ركعات ‪ ،‬سبع ركعات ‪ ،‬تسع ركعات ‪ ،‬إحدى عشرة ركعةً ‪،‬‬ ‫‪».‬‬

‫ثلث عشرة ركعةً‬

‫والثّلث من ك ّل واحد من هذه العداد الوتر وركعتان من ثلثة عشر سنّة الفجر ‪ ،‬فيبقى‬ ‫‪.‬‬

‫ركعتان وأربع وستّ وثمان ‪ ،‬فيجوز إلى هذا القدر بتسليمة واحدة من غير كراهة‬ ‫‪:‬‬

‫واختلفوا في الزّيادة على الثّماني بتسليمة‬

‫واحدة ‪7-‬‬

‫قال بعضهم ‪ :‬يكره لنّ هذه الزّيادة على هذا لم ترو عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫ن فيه وصل العبادة بالعبادة فل‬ ‫وقال بعضهم ‪ :‬ل يكره ‪ ،‬وإليه ذهب السّرخسيّ ‪ .‬قال ‪ :‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يكره‬

‫ي أنّ منتهى صلة الضّحى ‪ -‬عند أهل المذهب المالكيّ ‪-‬‬ ‫وقد حكي عن ابن العربيّ المالك ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ثمان ‪ ،‬وأقلّها ركعتان ‪ ،‬وأوسطها ستّ ‪ ،‬فما زاد على الكثر يكره‬

‫النّوع الثّاني ‪ :‬وهو ما يرجع إلى الوقت‬

‫فيكره التّطوّع في الوقات المكروهة ‪ ،‬وهي اثنا عشر ‪ ،‬بعضها يكره التّطوّع فيها‬ ‫‪:‬‬

‫في الوقت ‪ ،‬وبعضها يكره التّطوّع فيها لمعنىً في غير الوقت‬ ‫‪:‬‬

‫فأمّا الّذي يكره التّطوّع فيها لمعنىً يرجع إلى الوقت فهي‬ ‫‪.‬‬

‫أ ‪ -‬ما بعد طلوع الشّمس إلى أن ترتفع وتبيضّ‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫لمعنىً ‪8-‬‬

‫ب ‪ -‬عند استواء الشّمس إلى أن تزول‬

‫ج ‪ -‬عند تغيّر الشّمس ‪ ،‬وهو احمرارها واصفرارها إلى أن تغرب‬ ‫‪).‬‬

‫وانظر تفصيل ذلك في ‪ ( :‬أوقات الصّلة‬

‫ومن الوقات الّتي يكره فيها التّطوّع لمعنىً في غير الوقت ما بعد الغروب ‪ ،‬لنّ‬ ‫‪.‬‬

‫فيه ‪9-‬‬

‫تأخير المغرب وهو مكروه‬

‫ومنها ما بعد شروع المام في الصّلة ‪ ،‬وقبل شروعه بعدما أخذ المؤذّن في القامة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ق الجماعة‬ ‫قضاءً لح ّ‬

‫ومنها وقت الخطبة يوم الجمعة ‪ ،‬لنّها سبب لترك استماع الخطبة‬

‫ومنها ما بعد خروج المام للخطبة يوم الجمعة قبل أن يشتغل بها وما بعد فراغه منها قبل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫أن يشرع في الصّلة‬

‫ويستثنى من ذلك تحيّة المسجد على خلف فيها انظر ‪ ( :‬تحيّة‬

‫ي صلى ال عليه وسلم لم يتطوّع قبل العيدين » مع‬ ‫ومنها ما قبل صلة العيد ‪ « ،‬لنّ النّب ّ‬ ‫شدّة حرصه على الصّلة ‪ ،‬وعن عبد اللّه بن مسعود وحذيفة أنّهما كانا ينهيان النّاس عن‬ ‫الصّلة قبل العيد ‪ ،‬لنّ المبادرة إلى صلة العيد مسنونة ‪ ،‬وفي الشتغال بالتّطوّع تأخيرها ‪،‬‬ ‫ولو اشتغل بأداء التّطوّع في بيته يقع في وقت طلوع الشّمس وكلهما مكروه ‪ ،‬وقيل إنّما‬ ‫يكره ذلك في المصلّى كي ل يشتبه على النّاس أنّهم يصلّون العيد قبل صلة العيد ‪ ،‬فأمّا في‬ ‫‪.‬‬

‫بيته فل بأس بأن يتطوّع بعد طلوع الشّمس‬

‫وعامّة الحنفيّة على أنّه ل يتطوّع قبل صلة العيد ‪ ،‬ل في المصلّى ول في بيته ‪ ،‬فأوّل‬ ‫‪.‬‬

‫الصّلة في هذا اليوم صلة العيد‬

‫الوقات المستحبّة للنّفل‬

‫‪:‬‬

‫النّوافل المطلقة تشرع في اللّيل كلّه وفي النّهار فيما سوى أوقات النّهي ‪ ،‬وتطوّع‬

‫اللّيل ‪10 -‬‬

‫أفضل من تطوّع النّهار ‪ .‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أفضل الصّلة بعد‬ ‫الفريضة صلة اللّيل ‪ ،‬وأفضل التّهجّد جوف اللّيل الخر » ولما روى عمرو بن عبسة قال ‪:‬‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫« قلت ‪ :‬يا رسول اللّه أيّ اللّيل أسمع ؟ قال ‪ :‬جوف اللّيل الخر‬

‫ويستحبّ الوتر قبل صلة الفجر ‪ ،‬روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر‬

‫والفضل فعل الوتر في آخر اللّيل ‪ ،‬فإذا غلب على ظنّه أنّه ل يقوم آخر اللّيل فليفعله في‬ ‫أوّله لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من خاف أن ل يقوم من آخر اللّيل فليوتر أوّله ‪ ،‬ومن‬ ‫‪».‬‬

‫طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر اللّيل ‪ ،‬فإنّ صلة آخر اللّيل مشهودة وذلك أفضل‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫انظر ‪ ( :‬صلة الوتر‬

‫الشّروع في صلة التّطوّع‬

‫يلزم النّفل بالشّروع فيه ‪ -‬عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ -‬لقوله تعالى ‪ { :‬وَل تُ ْبطِلُوا‬ ‫‪.‬‬

‫عمَا َل ُكمْ ‪11 -‬‬ ‫أَ ْ‬

‫} ولنّ ما أدّاه صار للّه تعالى فوجب صيانته بلزوم الباقي‬

‫وعند الشّافعيّة والحنابلة ل يلزم ‪ ،‬لنّه مخيّر فيما لم يفعل بعد ‪ ،‬فله إبطال ما أدّاه تبعا‬

‫‪.‬‬

‫وذهب الحنفيّة أنّه إذا شرع المتطوّع في الصّلة فقد قيل ‪ :‬ل يلزم بالفتتاح أكثر‬ ‫‪.‬‬

‫ركعتين وإن نوى أكثر من ذلك إلّ بعارض القتداء‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫من ‪12 -‬‬

‫وروي عن أبي يوسف ثلث روايات‬

‫الولى ‪ -‬أنّ من افتتح التّطوّع ينوي أربع ركعات ثمّ أفسدها فعليه أن يقضي أربعا‬

‫ن من افتتح النّافلة ينوي عددا يلزمه بالفتتاح ذلك وإن كان مائة ركعة ‪ ،‬وذلك‬ ‫الثّانية ‪ -‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ن الشّروع في كونه سببا للّزوم كالنّذر ‪ ،‬ثمّ يلزمه بالنّذر جميع ما تناوله كذا بالشّروع‬ ‫أّ‬ ‫الثّالثة ‪ -‬أنّ من نوى أربع ركعات لزمه ‪ ،‬وإن نوى أكثر من ذلك لم يلزمه ‪ .‬وكذا في‬

‫السّنن الرّاتبة أنّه ل يجب بالشّروع فيها إلّ ركعتان ‪ ،‬حتّى لو قطعها قضى ركعتين لنّه نفل‬ ‫‪.‬‬

‫‪ ،‬وعلى رواية أبي يوسف ومتأخّري الحنفيّة قضى أربعا‬

‫ن من وجب عليه ركعتان بالشّروع ففرغ منهما وقعد على رأس الرّكعتين‬ ‫وبناءً على ذلك فإ ّ‬ ‫وقام إلى الثّالثة على قصد الداء يلزمه إتمام ركعتين أخريين ويبنيهما على التّحريمة‬ ‫‪.‬‬

‫الولى‪ ،‬لنّ قدر المؤدّى صار عبادةً فيجب عليه إتمام الرّكعتين صيان ًة له عن البطلن‬ ‫‪:‬‬

‫الفضل في عدد الرّكعات في صلة التّطوّع‬

‫أفضل التّطوّع في النّهار أربع أربع في قول الحنفيّة ‪ ،‬فقد صلّى ابن عمر صلة‬

‫التّطوّع ‪13 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال‪« :‬‬ ‫أربع ركعات بالنّهار ‪،‬لما روي عن أبي أيّوب عن النّب ّ‬

‫ن مفهوم قول النّبيّ‬ ‫أربع قبل الظّهر ليس فيهنّ تسليم ‪ ،‬تفتح لهنّ أبواب السّماء » ول ّ‬ ‫ن صلة النّهار رباعيّة جوازا ل‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلة اللّيل مثنى مثنى » أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫تفضيلً‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬النّوافل باللّيل والنّهار مثنى مثنى يسلّم من كلّ ركعتين‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬الفضل للمتنفّل ليلً ونهارا أن يسلّم من كلّ ركعتين ‪ ،‬لخبر ‪ « :‬صلة اللّيل‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫والنّهار مثنى مثنى‬

‫وقد قال أبو يوسف ومحمّد في صلة اللّيل ‪ :‬إنّها مثنى ‪ ..‬مثنى‬

‫وصلة اللّيل ‪ -‬عند أبي حنيفة ‪ -‬أربع ‪ ،‬احتجاجا بما ورد عن « عائشة أنّها سئلت عن‬ ‫قيام رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في رمضان فقالت ‪ :‬ما كان يزيد في رمضان ‪ ،‬ول‬ ‫في غيره على إحدى عشرة ركعةً ‪ ،‬يصلّي أربعا ‪ ،‬فل تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ ‪ ،‬ثمّ‬ ‫يصلّي أربعا فل تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ ‪ ،‬ثمّ يصلّي ثلثا » وكلمة ‪ ( :‬كان ) عبارة عن‬ ‫العادة والمواظبة‪ ،‬وما كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يواظب إلّ على أفضل‬ ‫العمال ‪ ،‬وأحبّها إلى اللّه‪ .‬وعند الحنابلة ‪ :‬صلة التّطوّع في اللّيل ل تجوز إلّ مثنى مثنى ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫والفضل في تطوّع النّهار كذلك مثنى مثنى ‪ ،‬وإن تطوّع بأربع في النّهار فل بأس‬ ‫‪:‬‬

‫ما يقرأ من القرآن في صلة التّطوّع‬

‫ليس هناك ما يفيد توقيفا في القراءة في صلة التّطوّع ‪ ،‬ولكن هناك ما يفيد ندب آيات أو‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫سور معيّنة في صلوات معيّنة ‪ ،‬منها على سبيل المثال‬

‫الرّكعتان قبل الفجر‬

‫يستحبّ في هاتين الرّكعتين التّخفيف ‪ ،‬ومن صور التّخفيف عند مالك أن يقرأ فيهما‬

‫بأمّ ‪14 -‬‬

‫القرآن فقط ‪ ،‬وقد ورد عن « النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه كان يخفّف ركعتي الفجر على‬ ‫‪».‬‬

‫ما روته عائشة قالت ‪ :‬حتّى إنّي أقول ‪ :‬هل قرأ فيهما بأمّ القرآن ؟‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪}.‬‬

‫وظاهر هذا أنّه كان يقرأ فيهما بأمّ القرآن فقط‬

‫وقال الشّافعيّ ‪ :‬ل بأس بأن يقرأ فيهما بأمّ القرآن مع سورة قصيرة‬

‫ن السّورتين هما ‪ " :‬الكافرون " و { ُقلْ ُه َو الّلهُ َأحَدٌ‬ ‫وقد روي من طريق أبي هريرة أ ّ‬

‫وقال ابن عمر ‪ « :‬رمقت النبي صلى ال عليه وسلم شهرا فكان يقرأ في الرّكعتين قبل‬ ‫‪}».‬‬

‫الفجر بـ { ُقلْ يَأَ ّيهَا الكَافِرُونَ } و { ُقلْ ُه َو الّلهُ َأحَدٌ‬

‫وورد عن ابن عبّاس أنّه قال ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقرأ في ركعتي‬ ‫الفجر في الولى منهما ‪ { :‬قُولُواْ آمَنّا بِالّل ِه َومَا أُن ِز َل إِلَيْنَا ‪ } ...‬الية الّتي في البقرة منهما‬ ‫‪}».‬‬

‫شهَدْ بِأَنّا ُمسْ ِلمُونَ‬ ‫‪ { :‬آمَنّا بِالّلهِ وَا ْ‬

‫وروى أبو داود « أنّه قرأ في الثّانية ‪ { :‬رَبّنَا آمَنّا ِبمَا أَنزَلَتْ وَاتّ َبعْنَا ال ّرسُولَ فَاكْتُبْنَا َمعَ‬ ‫جحِيمِ } » ‪ ،‬فسنّ‬ ‫صحَابِ ا ْل َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫الشّاهِدِينَ } أو { إِنّا أَ ْرسَلْنَاكَ بِا ْلحَقّ َبشِيرا وَنَذِيرا َولَ ُتسْ َأ ُل عَ ْ‬ ‫‪.‬‬

‫الجمع بينهما ليتحقّق التيان بالوارد‬

‫والسّبب في اختلف الرّوايات اختلف قراءته صلى ال عليه وسلم في هذه الصّلة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫واختلفهم في تعيين القراءة في الصّلة‬

‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬ل توقيف في هاتين الرّكعتين في القراءة يستحبّ ‪ ،‬وأنّه يجوز أن يقرأ‬ ‫‪.‬‬

‫فيهما المرء حزبه من اللّيل‬

‫الرّكعتان بعد المغرب‬

‫‪:‬‬

‫يستحبّ أن يقرأ فيهما { ُقلْ يَأَ ّيهَا الكَافِرُونَ } و { ُقلْ ُه َو الّلهُ َأحَدٌ } لحديث ابن‬

‫مسعود ‪15 -‬‬

‫« ما أحصي ما سمعت من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقرأ في الرّكعتين بعد المغرب‬ ‫‪}».‬‬

‫وفي الرّكعتين قبل صلة الفجر بـ { ُقلْ يَأَ ّيهَا الكَافِرُونَ } و { ُقلْ ُه َو الّلهُ َأحَدٌ‬ ‫‪:‬‬

‫ركعات الوتر الثّلث‬

‫عن أبيّ بن كعب قال ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يوتر بـ { سَ ّبحِ‬ ‫‪}».‬‬

‫سمَ ‪16 -‬‬ ‫ا ْ‬

‫ك الْأَعْلَى } ‪ُ { ،‬قلْ َيأَ ّيهَا الكَا ِفرُونَ } ‪ُ { ،‬قلْ ُه َو الّلهُ َأحَدٌ‬ ‫رَبّ َ‬

‫وعن عائشة مثله ‪ ،‬وقالت ‪ « :‬في الثّالثة بـ { ُقلْ ُهوَ الّل ُه َأحَدٌ } والمعوّذتين » ‪.‬‬ ‫وهو قول مالك والشّافعيّ وقال مالك في الشّفع ‪ :‬لم يبلغني فيه شيء معلوم وقد روي عن‬ ‫أحمد أنّه سئل ‪ :‬يقرأ بالمعوّذتين في الوتر ؟ قال ‪ :‬ولم ل يقرأ ؟ ‪ ،‬وذلك لما روت عائشة «‬ ‫سمَ رَبّكَ الَْأعْلَى‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يقرأ في الرّكعة الولى بـ { سَ ّبحِ ا ْ‬ ‫أّ‬ ‫‪».‬‬

‫} وفي الثّانية { ُقلْ يَأَ ّيهَا الكَافِرُونَ } وفي الثّالثة { ُقلْ ُه َو الّلهُ َأحَدٌ } والمعوّذتين‬ ‫‪:‬‬

‫التّحوّل من المكان للتّطوّع بعد الفرض‬

‫من صلّى المكتوبة وأراد أن يتطوّع ‪ ،‬فإن كان إماما استحبّ له أن يتحوّل من‬ ‫‪.‬‬

‫مكانه ‪17 -‬‬

‫وإن كان غير إمام فهو بالخيار إن شاء تحوّل ‪ ،‬وإن شاء تطوّع في مكانه‬

‫ي إلى مشروعيّة التّحوّل بعد الفرض للمام وغيره ‪ ،‬وهو مرويّ‬ ‫وذهب أبو حنيفة والشّافع ّ‬ ‫ن الشّافعيّ قال ‪ :‬الفصل بين الفرض والتّطوّع‬ ‫عن ابن عبّاس والزّبير وغيرهما ‪ ،‬إلّ أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫بالكلم يقوم مقام التّحوّل‬

‫والحجّة في ذلك ما روي عن السّائب بن يزيد قال ‪ « :‬صلّيت مع معاوية الجمعة في‬ ‫المقصورة فلمّا سلّم المام قمت في مقامي فصلّيت ‪ ،‬فلمّا دخل أرسل إليّ فقال ‪ :‬ل تعد لما‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال‬ ‫فعلت إذا صلّيت الجمعة فل تَصِلْها بصلة حتّى تكلّم أو تخرج ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫عليه وسلم أمرنا بذلك‬

‫وقد روى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيّب والحسن أنّهما كان يعجبهما إذا سلّم المام‬ ‫ن مالكا‬ ‫أن يتقدّم ‪ .‬وقد روي ذلك عن ابن عمر وإسحاق ‪ ،‬وإليه ذهب مالك وأحمد ‪ ،‬إلّ أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫كره للمأموم ‪ -‬أيضا ‪ -‬التّطوّع بعد الجمعة من غير أن يتحوّل‬

‫وقد روى عطاء الخراسانيّ عن المغيرة بن شعبة قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫‪».‬‬

‫وسلم‪ « :‬ل يصلّ المام في الموضع الّذي صلّى فيه حتّى يتحوّل‬ ‫‪:‬‬

‫الجماعة في صلة التّطوّع‬

‫الجماعة سنّة في صلة العيدين عند المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وهي ليست بتطوّع‬ ‫‪).‬‬

‫عند ‪18 -‬‬

‫الحنفيّة والحنابلة ‪ ( .‬ر ‪ :‬صلة العيدين‬

‫واتّفق الفقهاء على أنّ الجماعة سنّة في الكسوف والخسوف ‪ ،‬وكذلك في صلة الستسقاء‬ ‫‪.‬‬

‫إلّ عند أبي حنيفة فإنّه ل جماعة فيها عنده ‪ ،‬لنّه ل صلة فيها‬

‫والجماعة في صلة التّراويح سنّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ومستحبّة عند المالكيّة‬ ‫‪ .‬والجماعة في صلة الوتر سنّة في شهر رمضان عند الحنابلة ومستحبّة عند الشّافعيّة‬ ‫‪.‬‬

‫وفي قول عند الحنفيّة‬

‫أمّا ما عدا ما ذكر ممّا تسنّ له الجماعة فالصل فيه أن يصلّى على انفراد لكن لو صلّى‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم فعل المرين كليهما وكان أكثر تطوّعه منفردا‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫جماعةً جاز ل ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وصلّى بأنس وأمّه واليتيم‬

‫الجهر والسرار في صلة التّطوّع‬

‫يستحبّ الجهر بالنّوافل ليلً ما لم يشوّش على مصلّ آخر ‪ ،‬والسرار نهارا ‪.‬‬

‫وإنّما ‪19 -‬‬

‫جهر في الجمعة والعيدين لحضور أهل البوادي والقرى كي يسمعوه فيتعلّموه ويتّعظوا به ‪.‬‬ ‫‪ ) .‬وانظر تفصيل ذلك في ‪ ( :‬جهر ف ‪/‬‬ ‫‪:‬‬

‫الوقوف والقعود في صلة التّطوّع‬

‫ن التّطوّع خير دائم ‪ ،‬فلو ألزمناه‬ ‫يجوز التّطوّع قاعدا مع القدرة على القيام ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫القيام ‪20 -‬‬

‫يتعذّر عليه إدامة هذا الخير‬

‫ن كثيرا من النّاس يشقّ عليه طول القيام ‪ ،‬فلو وجب في التّطوّع لترك أكثره ‪ ،‬فسامح‬ ‫ول ّ‬ ‫الشّارع في ترك القيام فيه ترغيبا في تكثيره كما سامح في فعله على الرّاحلة في السّفر ‪.‬‬ ‫ن رسول اللّه صلى‬ ‫والصل في جواز النّفل قاعدا مع القدرة على القيام ما روت عائشة « أ ّ‬ ‫ال عليه وسلم كان يصلّي جالسا ‪ ،‬فيقرأ وهو جالس ‪ ،‬فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون‬ ‫ثلثين أو أربعين آي ًة ‪ ،‬قام فقرأ وهو قائم ‪ ،‬ثمّ ركع ‪ ،‬ثمّ سجد ‪ ،‬ثمّ يفعل في الرّكعة الثّانية‬ ‫‪».‬‬

‫مثل ذلك‬

‫وقد روي من طريق آخر ما يفيد التّخيير في الرّكوع والسّجود بين القيام والقعود ‪ ،‬حيث‬ ‫فعل الرّسول صلى ال عليه وسلم المرين ‪ ،‬كما زادت عائشة ‪ « :‬أنّها لم تر رسول اللّه‬ ‫صلى ال عليه وسلم يصلّي صلة اللّيل قاعدا قطّ حتّى أسنّ ‪ ،‬فكان يقرأ قاعدا حتّى إذا أراد‬ ‫‪».‬‬

‫أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلثين آي ًة أو أربعين آيةً ثمّ ركع‬

‫ل طويلً‬ ‫ل طويلً قائما ‪،‬ولي ً‬ ‫وعنها « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يصلّي لي ً‬ ‫قاعدا‪ ،‬وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم ‪ ،‬وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو‬ ‫قاعد»‪ .‬ولو افتتح التّطوّع قائما ث ّم أراد أن يقعد من غير عذر فله ذلك عند الحنابلة ‪ ،‬وهو‬ ‫قول أبي حنيفة استحسانا ‪ ،‬لنّه متبرّع وهو مخيّر بين القيام والقعود في البتداء فكذا بعد‬ ‫‪.‬‬

‫الشّروع ‪ ،‬لنّه متبرّع أيضا‬

‫ن الشّروع ملزم كالنّذر ‪ ،‬ولو نذر أن‬ ‫وعند أبي يوسف ومحمّد ل يجوز ‪ ،‬وهو القياس ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يصلّي ركعتين قائما ل يجوز له القعود من غير عذر ‪ ،‬فكذا إذا شرع قائما‬

‫ولو افتتح التّطوّع قاعدا فأدّى بعضها قاعدا ‪ ،‬وبعضها قائما أجزأه لحديث عائشة المتقدّم ‪،‬‬ ‫فقد انتقل من القعود إلى القيام ‪ ،‬ومن القيام إلى القعود ‪ ،‬فدلّ على أنّ ذلك جائز في صلة‬ ‫‪.‬‬

‫التّطوّع‬

‫ن كلّا منهما سنّة‬ ‫وقد نقل عن أبي حنيفة عدم جواز صلة سنّة الفجر والتّراويح قاعدا ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫مؤكّدة‬

‫ي صلى‬ ‫وإذا لم يرو خلف في إباحة التّطوّع جالسا ‪ ،‬فقد روي تفضيل القيام حيث قال النّب ّ‬ ‫ال عليه وسلم ‪ « :‬من صلّى قائما فهو أفضل ‪ ،‬ومن صلّى قاعدا فله نصف أجر القائم » ‪.‬‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫وفي رواية « صلة الرّجل قاعدا نصف الصّلة‬

‫الصّلة مضطجعا‬

‫وأمّا صلة التّطوّع مضطجعا فظاهر قول أصحاب أبي حنيفة عدم الجواز لعموم‬ ‫‪.‬‬

‫الدلّة ‪21 -‬‬

‫على افتراض الرّكوع والسّجود والعتدال عنهما‬

‫ي لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من صلّى نائما‬ ‫وقول الجواز مرويّ عن الحسن البصر ّ‬ ‫فله نصف أجر القاعد » وقد قال الحسن ‪ :‬إن شاء الرّجل صلّى صلة التّطوّع قائما أو‬ ‫‪.‬‬

‫جالسا أو مضطجعا‬

‫وقال ابن تيميّة ‪ :‬التّطوّع مضطجعا لغير عذر لم يجوّزه إلّ طائفة قليلة من أصحاب الشّافعيّ‬ ‫وأحمد ‪ ،‬ولم يبلغنا عن أحد منهم أنّه صلّى مضطجعا بل عذر ‪،‬ولو كان هذا مشروعا‬ ‫‪.‬لفعلوه‬ ‫‪:‬‬

‫حكم سجود السّهو في صلة التّطوّع‬

‫قال جمهور العلماء ‪ :‬إنّ السّهو في التّطوّع كالسّهو في الفريضة يشرع له‬

‫سجود ‪22 -‬‬

‫السّهو ‪ ،‬وقد روى ابن أبي شيبة بسنده عن أبي عقيل أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول ‪:‬‬ ‫سجدتا السّهو في النّوافل كسجدتي السّهو في المكتوبة ‪ .‬وإلى ذلك ذهب الئمّة الربعة ‪.‬‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫انظر ‪ ( :‬سجود السّهو‬

‫حكم قضاء السّنن‬

‫يستحبّ قضاء النّوافل بعد وقتها المحدّد لها على خلف للفقهاء وتفصيل في ذلك‬

‫‪23 - .‬‬

‫وقال الجوينيّ في قضاء النّوافل ‪ :‬إنّ ما ل يجوز التّقرّب به ابتداءً ل يقضى كالكسوف‬ ‫والستسقاء فإنّه ل يجوز أن يتطوّع به النسان ابتداءً من غير وجود سببهما ‪ ،‬وما يجوز‬ ‫‪.‬‬

‫التّطوّع به ابتداءً كنافلة ركعتين مثلً ‪ ،‬هل تقضى ؟ فيه قولن‬ ‫‪).‬‬

‫*‬

‫صلة التّهجّد‬

‫*‬

‫صلة التّوبة‬

‫وانظر تفصيل ذلك في ‪ ( :‬قضاء‬

‫‪.‬‬

‫‪).‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬تهجّد‬

‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫الصّلة تقدّم تعريفها ( ر ‪:‬‬

‫صلة ‪1 -‬‬

‫والتّوبة لغةً ‪ :‬مطلق الرّجوع ‪ ،‬والرّجوع عن الذّنب‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬الرّجوع من أفعال مذمومة إلى أفعال محمودة شرعا‬ ‫‪:‬‬

‫الحكم التّكليفيّ‬ ‫‪.‬‬

‫صلة التّوبة مستحبّة باتّفاق المذاهب‬

‫الربعة ‪2 -‬‬

‫وذلك لما رواه أبو بكر رضي ال عنه قال ‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول ‪:‬‬ ‫« ما من رجل يذنب ذنبًا ثمّ يقوم فيتطهّر ثمّ يصلّي ثمّ يستغفر اللّه إلّ غفر اللّه له ‪ ..‬ثمّ قرأ‬ ‫س ُهمْ َذكَرُواْ الّلهَ فَاسْ َت ْغفَرُو ْا لِذُنُو ِبهِمْ ‪...‬‬ ‫شةً َأوْ ظَ َلمُواْ أَ ْنفُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫هذه الية ‪ { :‬وَالّذِينَ إِذَا َفعَلُواْ فَا ِ‬ ‫‪}».‬‬

‫*‬

‫صَلَةُ الجماعة‬

‫‪.‬‬

‫المقصود بصلة الجماعة ‪ :‬فعل الصّلة في‬

‫‪:‬‬

‫‪:‬‬

‫فضل صلة الجماعة‬

‫إلخ‬

‫التّعريف‬

‫جماعة ‪1 -‬‬

‫لصلة الجماعة فضل كبير ‪ ،‬وقد حثّ عليها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في‬

‫عدّة ‪2 -‬‬

‫أحاديث منها ‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلة الجماعة تفضل صلة الفذّ بخمس‬ ‫وعشرين درجةً » وفي رواية أخرى ‪ « :‬صلة الجماعة تفضل صلة الفذّ بسبع وعشرين‬ ‫‪».‬‬

‫درجةً‬

‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « لو يعلم‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أ ّ‬ ‫النّاس ما في النّداء والصّفّ الوّل ‪ ،‬ثمّ لم يجدوا إلّ أن يستهموا عليه لستهموا ‪ ،‬ولو‬ ‫يعلمون ما في التّهجير لستبقوا إليه‪ ،‬ولو يعلمون ما في العتمة والصّبح لتوهما ولو‬ ‫‪».‬حبوا‬ ‫وعن عثمان بن عفّان ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫يقول ‪ « :‬من صلّى العشاء في جماعة فكأنّما قام نصف اللّيل ‪ ،‬ومن صلّى الصّبح في‬ ‫‪».‬‬

‫جماعة فكأنّما صلّى اللّيل كلّه‬

‫ولهمّيّتها يقول الفقهاء ‪ :‬الصّلة في الجماعة معنى الدّين ‪ ،‬وشعار السلم ‪ ،‬ولو تركها‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫أهل مصر قوتلوا ‪ ،‬وأهل حارة جبروا عليها وأكرهوا‬

‫الحكم التّكليفيّ‬

‫للفقهاء في بيان حكم صلة الجماعة أقوال مختلفة ‪ ،‬وبيانها فيما يلي‬ ‫‪:‬‬

‫أوّلً ‪ :‬الجماعة في الفرائض‬

‫ذهب الحنفيّة ‪ -‬في الصحّ ‪ -‬وأكثر المالكيّة ‪ ،‬وهو قول للشّافعيّة ‪ ،‬إلى أنّ‬

‫صلة ‪3 -‬‬

‫الجماعة في الفرائض سنّة مؤكّدة للرّجال ‪ ،‬وهي شبيهة بالواجب في القوّة عند الحنفيّة ‪.‬‬ ‫ي صلى ال‬ ‫وصرّح بعضهم بأنّها واجبة ‪ -‬حسب اصطلحهم ‪ -‬واستدلّوا بما روي عن النّب ّ‬ ‫عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬صلة الجماعة تفضل على صلة الفذّ بسبع وعشرين درج ًة » وفي‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم الجماعة لحراز‬ ‫رواية ‪ « :‬بخمس وعشرين درجةً » ‪ ،‬فقد جعل النّب ّ‬ ‫الفضيلة ‪ ،‬وذا آية السّنن ‪ ،‬وقال عبد اللّه بن مسعود في الصّلوات ‪ :‬إنّها من سنن الهدي ‪.‬‬ ‫وذهب الشّافعيّة ‪ -‬في الصحّ عندهم ‪ ، -‬إلى أنّها فرض كفاية ‪ ،‬وهو قول بعض فقهاء‬ ‫‪.‬‬

‫ي عن بعض المالكيّة‬ ‫ي والطّحاويّ ‪ ،‬وهو ما نقله المازر ّ‬ ‫الحنفيّة ‪ ،‬كالكرخ ّ‬

‫واستدلّوا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ما من ثلثة في قرية ول بدو ل تقام فيهم‬ ‫‪».‬‬

‫الصّلة إلّ قد استحوذ عليهم الشّيطان ‪ ،‬فعليك بالجماعة فإنّما يأكل الذّئب القاصية‬

‫وقد فصّل بعض المالكيّة فقالوا ‪ :‬إنّها فرض كفاية من حيث الجملة أي بالبلد ‪ ،‬فيقاتل أهلها‬ ‫‪.‬‬

‫عليها إذا تركوها ‪ ،‬وسنّة في كلّ مسجد وفضيلة للرّجل في خاصّة نفسه‬

‫وذهب الحنابلة ‪ ،‬وهو قول للحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّها واجبة وجوب عين وليست شرطا‬ ‫لصحّة الصّلة ‪ ،‬خلفا لبن عقيل من الحنابلة ‪ ،‬الّذي ذهب إلى أنّها شرط في صحّتها قياسا‬ ‫‪.‬‬

‫على سائر واجبات الصّلة‬

‫ت َل ُهمُ الصّلَةَ فَلْ َت ُقمْ طَآ ِئ َفةٌ مّ ْنهُم‬ ‫واستدلّ الحنابلة بقول اللّه تعالى ‪َ { :‬وإِذَا كُنتَ فِي ِهمْ فَأَ َقمْ َ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ّمعَكَ } فأمر اللّه تعالى بالجماعة حال الخوف ‪ ،‬ففي غيره أولى‬

‫وبما رواه أبو هريرة ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال‬

‫والّذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب ‪ ،‬فيحطب ثمّ آمر بالصّلة فيؤذّن لها ‪ ،‬ثمّ‬ ‫‪».‬‬

‫آمر «‬

‫ل فيؤمّ النّاس ‪ ،‬ثمّ أخالف إلى رجال ل يشهدون الصّلة ‪ ،‬فأحرّق عليهم بيوتهم‬ ‫رج ً‬

‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬أتى النّبيّ صلى ال عليه وسلم رجل أعمى ‪،‬‬ ‫فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬إنّه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ‪ ،‬فسأل رسول اللّه صلى ال‬ ‫عليه وسلم أن يرخّص له ‪ ،‬فيصلّي في بيته فرخّص له ‪ ،‬فلمّا ولّى دعاه فقال ‪ :‬هل تسمع‬ ‫النّداء بالصّلة ؟ قال ‪ :‬نعم قال ‪ :‬فأجب » وإذا لم يرخّص للعمى الّذي لم يجد قائدا فغيره‬ ‫‪.‬‬

‫ن وجوبها على العيان‬ ‫ن تارك الجماعة يقاتل وإن أقامها غيره ‪ ،‬ل ّ‬ ‫أولى ‪ .‬ولذلك قالوا ‪ :‬إ ّ‬ ‫والجماعة في صلة الخوف عند الشّافعيّة أفضل من النفراد لعموم الخبار في‬

‫صلة ‪4 -‬‬

‫الجماعة ‪ ،‬كما في المن ‪ .‬وانظر مصطلح ‪ ( :‬صلة الخوف‬

‫‪).‬‬

‫ح بغير جماعة ‪،‬‬ ‫ن الجماعة شرط في صحّتها ‪ ،‬فل تص ّ‬ ‫أمّا بالنّسبة لصلة الجمعة فإ ّ‬ ‫‪).‬‬

‫باتّفاق الفقهاء ‪ ( .‬ر ‪ :‬صلة الجمعة‬

‫ن الجماعة‬ ‫والجماعة في صلة الجنازة ليست بشرط ‪ ،‬بل سنّة ‪ ،‬وقال ابن رشد ‪ :‬إ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫وهذا ‪5-‬‬ ‫شرط ‪6-‬‬

‫فيها كالجمعة ‪ ،‬والمشهور عند المالكيّة أنّها مندوبة‬

‫حكم صلة جماعة النّساء‬

‫ما سبق من حكم صلة الجماعة إنّما هو بالنّسبة‬

‫للرّجال ‪7 -‬‬

‫ن الجماعة منفردات عن الرّجال ‪،‬‬ ‫ن له ّ‬ ‫أمّا بالنّسبة للنّساء ‪ :‬فعند الشّافعيّة والحنابلة يس ّ‬ ‫سواء أأمّهنّ رجل أم امرأة ‪ ،‬لفعل عائشة وأمّ سلمة ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪ -‬وقد «‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم أمّ ورقة بأن تجعل لها مؤذّنا يؤذّن لها وأمرها أن تؤمّ أهل‬ ‫أمر النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫دارها» ولنّهنّ من أهل الفرض ‪ ،‬فأشبهن الرّجال‬

‫ن خروجهنّ إلى الجماعات قد يؤدّي‬ ‫ن الجماعة للنّساء عندهم مكروهة ‪ ،‬ول ّ‬ ‫أمّا الحنفيّة فإ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫إلى فتنة‬

‫ح إمامة المرأة‬ ‫ن من شروط المام أن يكون ذكرا فل تص ّ‬ ‫ومنع المالكيّة جماعة النّساء ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ح للمرأة حضور جماعة الرّجال إذا لم تكن مخشيّة‬ ‫لرجال ‪ ،‬ول لنساء مثلها ‪ ،‬وإنّما يص ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الجماعة في غير الفرائض‬

‫الجماعة في صلة العيدين شرط صحّة عند الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬وسنّة عند‬

‫المالكيّة ‪8 -‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫الفتنة‬

‫والشّافعيّة‬

‫ن الجماعة سنّة في صلة الكسوف‬ ‫واتّفق الفقهاء على أ ّ‬

‫وسوّى الشّافعيّة والحنابلة بين الكسوف والخسوف في سنّيّة الجماعة فيهما‬ ‫‪.‬‬

‫أمّا الحنفيّة والمالكيّة فل يرون صلة الجماعة في صلة الخسوف‬

‫والجماعة في صلة الستسقاء سنّة عند المالكيّة ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬ومحمّد ‪ ،‬وأبي‬ ‫‪.‬‬

‫يوسف خلفا لبي حنيفة ‪ ،‬فإنّه ل يرى فيها صل ًة أصلً‬

‫والجماعة في صلة التّراويح سنّة عند الحنفيّة ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة ومستحبّة عند‬ ‫المالكيّة ‪ .‬والجماعة في صلة الوتر سنّة في شهر رمضان عند الحنابلة ‪ ،‬ومستحبّة عند‬ ‫‪.‬‬

‫الشّافعيّة وفي قول عند الحنفيّة‬

‫وتجوز الجماعة في غير ما ذكر من صلة التّطوّع عند جمهور الفقهاء وقالوا ‪ :‬يجوز‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم فعل المرين كليهما ‪ ،‬وكان أكثر‬ ‫التّطوّع جماعةً وفرادى ‪ ،‬لنّ النّب ّ‬ ‫تطوّعه منفردا ‪ « ،‬وصلّى بحذيفة مرّةً ‪ ،‬وبأنس وأمّه واليتيم مرّ ًة ‪ ،‬وأمّ أصحابه في بيت‬ ‫‪».‬‬ ‫‪».‬‬

‫عتبان مرّ ًة كذلك‬

‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫وعن ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪ « -‬أنّه أمّه النّب ّ‬

‫والمالكيّة قيّدوا الجواز بما إذا كانت الجماعة قليل ًة ‪ ،‬وكان المكان غير مشتهر ‪ ،‬فإن كثر‬ ‫‪.‬‬

‫العدد كرهت الجماعة ‪ ،‬وكذلك تكره لو كانت الجماعة قليل ًة والمكان مشتهرا‬ ‫‪.‬‬

‫ن الجماعة في النّفل في غير رمضان مكروهة‬ ‫ويرى الحنفيّة أ ّ‬ ‫‪:‬‬

‫من يطالب بالجماعة‬

‫يطالب بصلة الجماعة ‪ -‬سواء كان الطّلب على سبيل الوجوب ‪ ،‬أو على سبيل‬

‫السّنّيّة‪9 - -‬‬

‫‪ :‬الرّجال الحرار العقلء القادرون عليها دون حرج ‪ ،‬فل تجب على النّساء والعبيد‬ ‫والصّبيان وذوي العذار ‪ .‬ومع ذلك تصحّ منهم صلة الجماعة ‪ ،‬وتنعقد بهم ‪ ،‬على ما هو‬ ‫مبيّن بعد ذلك ‪ ،‬وقد استحبّ الشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة جماعة النّساء ‪ ،‬وقرّر الحنابلة أنّه يكره‬ ‫‪.‬‬

‫للحسناء حضور الجماعة مع الرّجال ‪ ،‬خشية الفتتان بها ‪ ،‬ويباح لغيرها حضور الجماعة‬ ‫‪:‬‬

‫العدد الّذي تنعقد به الجماعة‬

‫ن أقلّ عدد تنعقد به الجماعة اثنان ‪ ،‬وهو أن يكون مع‬ ‫اتّفق الفقهاء على أ ّ‬

‫المام ‪10 -‬‬

‫واحد ‪ ،‬فيحصل لهما فضل الجماعة ‪ ،‬لما روى أبو موسى الشعريّ ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أنّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬اثنان فما فوقهما جماعة » ولقوله صلى ال عليه وسلم‬ ‫النّب ّ‬ ‫في حديث مالك بن الحويرث ‪ « :‬إذا حضرت الصّلة فليؤذّن أحدكما وليؤمّكما أكبركما »‬ ‫‪.‬‬

‫وسواء أكان ذلك في المسجد أم في غيره كالبيت والصّحراء‬

‫ل أم امرأةً ‪ .‬فمن صلّى إماما لزوجته حصل لهما‬ ‫وسواء أكان الّذي يصلّي مع المام رج ً‬ ‫‪.‬‬

‫فضل الجماعة‬

‫واختلف الفقهاء في انعقاد الجماعة في صلة الفريضة لو كان الواحد مع المام صبيّا‬ ‫‪.‬‬

‫مميّزا‪ ،‬إذ غير المميّز ل تنعقد به جماعة بالتّفاق‬

‫ي مع‬ ‫فذهب الحنفيّة والشّافعيّة ‪ -‬وهو رواية عن المام أحمد ‪ -‬إلى انعقادها باقتداء الصّب ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال في الرّجل الّذي فاتته الجماعة‬ ‫حصول فضل الجماعة « لنّ النّب ّ‬ ‫‪ :‬من يتصدّق على هذا » ‪ ،‬ولنّه يصحّ أن يكون إماما ‪ ،‬وهو متنفّل ‪ ،‬فجاز أن يكون‬ ‫‪.‬‬

‫مأموما بالمفترض كالبالغ‬

‫وعند المالكيّة ‪ -‬وهو رواية أخرى عن المام أحمد ‪ -‬ل يحصل فضل الجماعة باقتداء‬ ‫‪.‬‬

‫ن المام صلّى منفردا‬ ‫ن صلة الصّبيّ نفل ‪ ،‬فكأ ّ‬ ‫الصّبيّ في الفرض ‪ ،‬ل ّ‬

‫ي ‪ ،‬ويحصل فضل الجماعة ‪ ،‬وهذا باتّفاق ‪ « .‬لنّ‬ ‫وأمّا في التّطوّع فيصحّ باقتداء الصّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ي ‪ ،‬وأمّ حذيفة مرّةً أخرى‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم أمّ ابن عبّاس مرّةً وهو صب ّ‬ ‫النّب ّ‬

‫ويختلف العدد بالنّسبة لظهار الشّعيرة في البلدة أو القرية ‪ ،‬إذ أنّ صلة الجماعة من‬ ‫شعائر السلم ‪ ،‬ولو تركها أهل قرية قوتلوا عليها ‪ ،‬ولذلك قال المالكيّة ‪ :‬قوتلوا عليها‬ ‫لتفريطهم في الشّعيرة ‪ ،‬ول يخرج أهل البلد عن العهدة إلّ بجماعة أقلّها ثلثة ‪ :‬إمام‬ ‫‪.‬‬

‫ومأمومان ‪ ،‬ومؤذّن يدعو للصّلة ‪ ،‬وموضع معدّ لها ‪ ،‬وهو المسجد‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ما من‬ ‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬إن امتنع أهل القرية قوتلوا ‪ ،‬لقول النّب ّ‬ ‫ثلثة في قرية ول بدو ل تقام فيهم الصّلة إلّ استحوذ عليهم الشّيطان ‪ ،‬فعليك بالجماعة ‪،‬‬ ‫فإنّما يأكل الذّئب القاصية » فتجب بحيث يظهر الشّعار بإقامتها بمحلّ في القرية الصّغيرة‬ ‫‪.‬‬

‫والكبيرة بمحالّ يظهر بها الشّعار ‪ ،‬ويسقط الطّلب بطائفة وإن قلّت‬

‫ويرى المالكيّة ‪ :‬أنّ المام الرّاتب بمسجد أو غيره إذا جاء في وقته المعتاد له ‪ ،‬فلم يجد‬ ‫ل وحكما ‪،‬‬ ‫أحدًا يصلّي معه ‪ ،‬فصلّى منفردا ‪ ،‬بعد أن أذّن وأقام فإنّه يعتبر كالجماعة فض ً‬ ‫ويحصل له فضل الجماعة إن نوى المامة ‪ ،‬لنّه ل تتميّز صلته منفردا عن صلته إماما‬ ‫‪.‬‬

‫إلّ بالنّيّة ‪ ،‬ولذلك ل يعيد في أخرى ‪ ،‬ول يصلّي بعده جماعةً ‪ ،‬ويجمع ليلة المطر‬

‫والحكام الّتي سبقت بالنّسبة للعدد الّذي تنعقد به الجماعة إنّما هو في غير الجمعة والعيد ‪،‬‬ ‫إذ فيهما يختلف العدد ‪ -‬ولكلّ مذهب رأيه في تحديد العدد ‪ ،‬حسبما يستند إليه من أدلّة ‪.‬‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫وينظر تفصيل ذلك في ‪ ( :‬صلة الجمعة وصلة العيدين‬

‫أفضل مكان لصلة الجماعة‬

‫تجوز إقامة صلة الجماعة في أيّ مكان طاهر ‪ ،‬في البيت أو الصّحراء أو المسجد‬

‫‪11 - ،‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬جعلت لي الرض مسجدا وطهورا ‪ ،‬فأيّما رجل من‬ ‫لقول النّب ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم لرجلين ‪ :‬إذا صلّيتما في‬ ‫أمّتي أدركته الصّلة فليص ّل » ‪ « .‬وقال النّب ّ‬ ‫ن الجماعة‬ ‫رحالكما ‪ ،‬ثمّ أتيتما مسجد جماعة ‪ ،‬فصلّيا معهم ‪ ،‬فإنّها لكما نافلة » إلّ أ ّ‬ ‫للفرائض في المسجد أفضل منها في غير المسجد ‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬ ‫صلّوا أيّها النّاس في بيوتكم ‪ ،‬فإنّ أفضل صلة المرء في بيته إلّ الصّلة المكتوبة » ‪ ،‬ولنّ‬ ‫المسجد مشتمل على الشّرف والطّهارة ‪ ،‬كما أنّ إقامتها في المسجد فيه إظهار الشّعائر‬ ‫‪.‬‬

‫وكثرة الجماعة‬

‫والصّلة في المساجد الّتي يكثر فيها النّاس أفضل من الصّلة في المساجد الّتي يقلّ فيها‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلة الرّجل مع الرّجل أزكى من صلته‬ ‫النّاس ‪ ،‬لقول النّب ّ‬ ‫وحده‪ ،‬وصلة الرّجل مع الرّجلين أزكى من صلته مع الرّجل ‪ ،‬وما كانوا أكثر فهو أحبّ‬ ‫إلى اللّه ع ّز وجلّ » وإن كان في جواره أو غير جواره مسجد ل تنعقد فيه الجماعة إلّ‬ ‫بحضوره ‪ ،‬ففعلها فيه أفضل وأولى من فعلها في المسجد الّذي يكثر فيه النّاس ‪ ،‬لنّه‬ ‫‪.‬‬

‫يعمّره بإقامة الجماعة فيه وبذلك تحصل الجماعة في مسجدين‬

‫وإذا كانت الجماعة في المسجد أفضل من إقامتها في البيت فإنّه لو كان إذا ذهب النسان‬ ‫إلى المسجد ‪ ،‬وترك أهل بيته لصلّوا فرادى ‪ ،‬أو لتهاونوا أو تهاون بعضهم في الصّلة ‪ ،‬أو‬ ‫لو صلّى في بيته لصلّى جماعةً ‪ ،‬وإذا صلّى في المسجد صلّى وحده فصلته في بيته أفضل‬ ‫‪ .‬وإن كان البلد ثغرا فالفضل اجتماع النّاس في مسجد واحد ‪ ،‬ليكون أعلى للكلمة ‪ ،‬وأوقع‬ ‫للهيبة ‪ ،‬وإذا جاءهم خبر عن عدوّهم سمعه جميعهم ‪ ،‬وإن أرادوا التّشاور في أمر حضر‬ ‫‪.‬‬

‫جميعهم ‪ ،‬وإن جاء عين الكفّار رآهم فأخبر بكثرتهم‬

‫والصّلة في المساجد الثّلثة ‪ - :‬المسجد الحرام ‪ ،‬ومسجد المدينة ‪ ،‬والمسجد القصى ‪-‬‬ ‫وإن قلّت الجماعة فيها أفضل منها في غيرها من المساجد وإن كثرت الجماعة فيها ‪ ،‬بل‬ ‫‪.‬‬

‫قال بعض الفقهاء ‪ :‬النفراد فيها أفضل من الجماعة في غيرها‬

‫وأمّا النّوافل فصلتها في البيت أفضل من صلتها في المسجد ‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه‬ ‫ن أفضل صلة المرء في بيته إلّ الصّلة‬ ‫وسلم ‪ «:‬صلّوا أيّها النّاس في بيوتكم‪ ،‬فإ ّ‬

‫المكتوبة»‪ .‬لكن ما شرعت له الجماعة من السّنن فهو مستثنًى من الحديث ‪ ،‬وصلته في‬ ‫‪.‬‬

‫المسجد أفضل من صلته في البيت‬

‫وما سبق من أفضليّة صلة الجماعة في المسجد إنّما هو بالنّسبة للرّجال ‪ ،‬أمّا بالنّسبة‬ ‫ن في البيت أفضل منها في المسجد لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫للنّساء فالجماعة له ّ‬

‫‪:‬‬

‫صلة المرأة في بيتها أفضل من صلتها في حجرتها ‪ ،‬وصلتها في مخدعها أفضل‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫ما تدرك به الجماعة‬

‫من «‬

‫صلتها في بيتها‬

‫يفرّق بعض الفقهاء بين إدراك فضيلة الجماعة ‪ ،‬وبين ثبوت حكم الجماعة ‪،‬‬

‫ويختلفون ‪12 -‬‬

‫في القدر الّذي تدرك به فضيلة الجماعة ‪ .‬ويختلفون كذلك في القدر الّذي يثبت به حكم‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫الجماعة ‪ .‬وبيان ذلك فيما يلي‬

‫أوّلً ‪ :‬ما تدرك به فضيلة الجماعة‬

‫اختلف الفقهاء في القدر الّذي تدرك به فضيلة الجماعة ‪ ،‬فعند الحنفيّة والحنابلة ‪،‬‬

‫وهو ‪13 -‬‬

‫الصّحيح عند الشّافعيّة ‪ ،‬وهو قول ابن يونس وابن رشد من المالكيّة تدرك فضيلة الجماعة‬ ‫باشتراك المأموم مع المام في جزء من صلته ‪ ،‬ولو في القعدة الخيرة قبل السّلم‪ ،‬لنّه‬ ‫أدرك جزءا من الصّلة ‪ ،‬فأشبه ما لو أدرك ركعةً ‪ ،‬ولنّ من أدرك آخر الشّيء فقد أدركه ‪،‬‬ ‫ولنّه لو لم يدرك فضل الجماعة بذلك لمنع من القتداء ‪ ،‬لنّه يكون حينئذ زيادة بل فائدة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫لكن ثوابه يكون دون ثواب من أدركها من أوّلها‬

‫ومقابل الصّحيح عند الشّافعيّة ‪ -‬وهو قول خليل والدّردير وابن الحاجب من المالكيّة ‪ -‬ل‬ ‫‪.‬‬

‫تدرك فضيلة الجماعة إلّ بإدراك ركعة كاملة ‪ ،‬لنّ الصّلة كلّها ركعة مكرّرة‬

‫ويشترط لحصول فضل الجماعة نيّة القتداء من المأموم ‪ ،‬ليحوز فضل الجماعة وهذا‬ ‫‪).‬‬

‫باتّفاق‪ ،‬أمّا نيّة المام المامة ففيها خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬إمامة واقتداء‬ ‫‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ما يثبت به حكم الجماعة وما يترتّب عليه من أحكام‬

‫المقصود بحكم الجماعة ‪ -‬كما يفسّره المالكيّة ‪ -‬أنّ من ثبت له حكم الجماعة ل‬

‫يقتدى ‪14 -‬‬

‫به ‪ ،‬ول يعيد في جماعة ‪ ،‬ويصحّ استخلفه ‪ ،‬ويترتّب عليه سجود سهو المام ‪ .‬وحكم‬ ‫‪.‬‬

‫الجماعة هذا ل يثبت عند المالكيّة إلّ بإدراك ركعة كاملة بسجدتيها مع المام‬

‫أمّا عند الحنفيّة ‪ :‬فل تدرك الجماعة إلّ بإدراك ركعاتها كلّها في الجملة ‪ .‬يقول صاحب ال ّدرّ‬ ‫المختار وشرحه ‪ :‬ل يكون مصلّيا جماع ًة اتّفاقا ( أي بين فقهاء المذهب ) من أدرك ركعةً‬ ‫من ذوات الربع ‪ ،‬أو من الصّلة الثّنائيّة أو الثّلثيّة ‪ ،‬لنّه منفرد ببعضها ‪ ،‬لكنّه أدرك‬

‫فضلها ولو بإدراك التّشهّد ‪ .‬وكذا مدرك الثّلث ل يكون مصلّيا بجماعة على الظهر ‪ .‬وقال‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫السّرخسيّ ‪ :‬للكثر حكم الكلّ ‪ ،‬لكن صاحب البحر ضعّفه‬

‫إعادة الصّلة جماعةً لمن صلّى منفردا أو في جماعة‬

‫من أدّى الصّلة المكتوبة منفردا ث ّم وجد جماعةً استحبّ له أن يدخل مع‬

‫الجماعة ‪15 -‬‬

‫لتحصيل الفضل ‪ ،‬لما ورد عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « أنّه صلّى في مسجد‬ ‫ي بهما ‪ ،‬فجيء بهما ترعد‬ ‫الخيف‪ ،‬فرأى رجلين خلف الصّفّ لم يصلّيا معه ‪ ،‬فقال ‪ :‬عل ّ‬ ‫فرائصهما ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما منعكما أن تصلّيا معنا ؟ فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ :‬إنّا كنّا قد صلّينا في‬ ‫رحالنا ‪ ،‬قال ‪ :‬فل تفعل ‪،‬إذا صلّيتما في رحالكما ثمّ أتيتما مسجد جماعة ‪ ،‬فصلّيا معهم ‪،‬‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪« :‬‬ ‫فإنّها لكما نافلة » وعن أبي ذرّ ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أنّ النّب ّ‬ ‫كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخّرون الصّلة عن وقتها ‪ ،‬أو يميتون الصّلة عن وقتها ؟‬ ‫قال ‪ :‬قلت ‪ :‬فما تأمرني ؟ قال ‪ :‬ص ّل الصّلة لوقتها ‪ ،‬فإن أدركتها معهم فصلّ ‪ ،‬فإنّها لك‬ ‫‪».‬‬

‫نافلة‬

‫وهذا باتّفاق ‪ ،‬من حيث طلب العادة لتحصيل الفضل ‪ -‬وللفقهاء تفصيل في استثناء بعض‬ ‫الصّلوات من استحباب العادة ‪ -‬فعند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ل تعاد صلة المغرب ‪،‬‬ ‫لنّ التّنفّل بالثّلث بعد المغرب مكروه ‪ ،‬ول نظير له في الشّرع ‪ ،‬فإذا أعادها شفع بجعلها‬ ‫أربعا أو اقتصر على اثنتين ‪ ،‬وتصير نافلةً ‪ ،‬كمن دخل مع المام في ثانية المغرب ‪ ،‬أمّا إن‬ ‫أتمّ مع المام الثّلث سهوا ل يسلّم معه ‪ ،‬وأتى برابعة وجوبًا ‪ ،‬وسجد للسّهو ‪ .‬وزاد‬ ‫‪.‬‬

‫الحنفيّة عدم إعادة العصر والفجر ‪ ،‬لكراهة النّفل بعدهما ‪ ،‬وهو محكيّ عن بعض الشّافعيّة‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬لو أوتر بعد العشاء فل يعيد العشاء ‪ ،‬لنّه إن أعاد الوتر لزم مخالفة قوله‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل وتران في ليلة » ‪ ،‬وإن لم يعده لزم مخالفة قوله صلى ال‬ ‫‪».‬‬

‫عليه وسلم ‪ « :‬اجعلوا آخر صلتكم وترا‬

‫والصّلة المعادة تكون نافلةً ‪ ،‬وهذا قول الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو قول الشّافعيّ في الجديد ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫لنّ الفرض ل يتكرّر في وقت واحد‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬يفوّض في الثّانية أمره إلى اللّه تعالى في قبول أيّ من الصّلتين لفرضه ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وهو قول الشّافعيّ في القديم‬

‫وقال سعيد بن المسيّب وعطاء والشّعبيّ ‪ :‬تكون المعادة مع الجماعة هي المكتوبة ‪ ،‬لما‬ ‫ي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ « :‬إذا‬ ‫روي في حديث يزيد بن عامر بن السود أنّ النّب ّ‬ ‫جئت إلى الصّلة فوجدت النّاس فصلّ معهم ‪ ،‬وإن كنت قد صلّيت تكن لك نافلةً وهذه‬ ‫‪».‬‬

‫مكتوبة‬

‫هذا بالنّسبة لمن صلّى منفردا ‪ .‬أمّا بالنّسبة لمن صلّى المكتوبة في جماعة ث ّم وجد جماعةً‬ ‫أخرى فقد ذهب الشّافعيّة في الصحّ والحنابلة إلى استحباب إعادة الصّلة مرّ ًة أخرى في‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم صلّى الصّبح ‪ ،‬فرأى رجلين لم يصلّيا‬ ‫الجماعة الثّانية ‪ « ،‬لنّ النّب ّ‬ ‫معه فقال ‪ :‬ما منعكما أن تصلّيا معنا ؟ قال ‪ :‬صلّينا في رحالنا فقال ‪ :‬إذا صلّيتما في‬ ‫‪».‬‬

‫رحالكما ثمّ أتيتما مسجد جماعة فصلّيا معهم فإنّها لكما نافلة‬

‫فقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلّيتما » يصدق بالنفراد والجماعة ‪ .‬وروى الثرم عن‬ ‫المام أحمد قال ‪ :‬سألت أبا عبد اللّه عمّن صلّى في جماعة ثمّ دخل المسجد ‪ -‬وهم يصلّون‬ ‫ أيصلّي معهم ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬وقد روى أنس قال ‪ :‬صلّى بنا أبو موسى الغداة في المربد ‪،‬‬‫فانتهينا إلى المسجد الجامع ‪ ،‬فأقيمت الصّلة ‪ ،‬فصلّينا مع المغيرة بن شعبة ‪ .‬وعن صلة‬ ‫‪.‬‬

‫ن في جماعة‬ ‫عن حذيفة أنّه أعاد الظّهر والعصر والمغرب وكان قد صلّاه ّ‬

‫وذهب المالكيّة ‪ -‬وهو مقابل الصحّ عند الشّافعيّة ‪ -‬إلى أنّ من صلّى في جماعة فل‬ ‫يعيدها في جماعة أخرى ‪ ،‬لنّه حصّل فضيلة الجماعة فل معنى للعادة بخلف المنفرد ‪،‬‬ ‫واستثنى المالكيّة المسجد الحرام ‪ ،‬ومسجد المدينة وبيت المقدس ‪ .‬قالوا ‪ :‬يجوز لمن صلّى‬ ‫‪.‬‬

‫جماعةً في غير هذه المساجد أن يعيد فيها جماع ًة ‪ ،‬لفضل تلك البقاع‬ ‫‪:‬‬

‫تكرار الجماعة في مسجد واحد‬

‫يكره تكرار الجماعة في مسجد الحيّ الّذي له إمام وجماعة معلومون ‪ ،‬لما روى‬

‫أبو ‪16 -‬‬

‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أقبل من نواحي المدينة يريد الصّلة ‪ ،‬فوجد‬ ‫بكرة « أ ّ‬ ‫النّاس قد صلّوا فمال إلى منزله فجمع أهله فصلّى بهم » ولو لم يكره تكرار الجماعة في‬ ‫المسجد لما تركها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم مع علمه بفضل الجماعة في المسجد ‪،‬‬ ‫ن أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫وورد عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أ ّ‬ ‫كانوا إذا فاتتهم الجماعة صلّوا في المسجد فرادى ‪ ،‬ولنّ التّكرار يؤدّي إلى تقليل‬ ‫ن النّاس إذا علموا أنّهم تفوتهم الجماعة يستعجلون ‪ ،‬فتكثر الجماعة ‪ ،‬وإذا‬ ‫الجماعة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫علموا أنّها ل تفوتهم يتأخّرون ؛ فتق ّل الجماعة ‪ ،‬وتقليل الجماعة مكروه ‪ ،‬وهذا رأي‬ ‫جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ -‬في الجملة ‪ ،‬إذ هناك بعض القيود مع‬ ‫شيء من التّفصيل لكلّ مذهب ‪ .‬فالحنفيّة يقيّدون كراهة التّكرار بما إذا صلّى في مسجد‬ ‫الحيّ أهله بأذان وإقامة ‪ ،‬فإذا صلّى فيه أ ّولً غير أهله أو صلّى فيه أهله بدون أذان وإقامة‬ ‫ل يكره تكرار الجماعة فيه‪ .‬كذلك روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنّه يكره التّكرار إذا‬ ‫كانت الجماعة الثّانية كثيرةً ‪ ،‬فأمّا إذا كانوا ثلثةً أو أربعةً ‪ ،‬فقاموا في زاوية من زوايا‬

‫المسجد وصلّوا بجماعة فل يكره ‪ .‬وروي عن محمّد ‪ :‬أنّه يكره التّكرار إذا كانت الجماعة‬ ‫الثّانية على سبيل التّداعي والجتماع‪ ،‬فأمّا إذا لم يكن فل يكره‬

‫‪.‬‬

‫وروي عن أبي يوسف ‪ :‬أنّه إذا لم تكن الجماعة الثّانية على الهيئة الولى ل تكره ‪ ،‬وإلّ‬ ‫تكره ‪ -‬وهو الصّحيح ‪ -‬وبالعدول عن المحراب تختلف الهيئة‬

‫‪.‬‬

‫ويقول المالكيّة ‪ :‬يجوز للمام الرّاتب الجمع ‪ -‬يعني أن يصلّي جماعةً ‪ -‬إن جمع غيره‬ ‫قبله بغير إذنه إن لم يؤخّر عن عادته كثيرا ‪ ،‬فإن أذن لحد أن يصلّي مكانه ‪ ،‬أو أخّر عن‬ ‫عادته تأخيرا كثيرا يضرّ بالمصلّين فجمعوا ‪ ،‬كره للمام الجمع حينئذ ‪ .‬وبناءً على كراهة‬ ‫إعادة الصّلة جماعةً في المسجد الّذي له إمام راتب فإنّه إذا دخل جماعة المسجد بعدما‬ ‫صلّى أهله فيه ففي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة يصلّون وحدانا‬

‫‪.‬‬

‫وعند المالكيّة يندب خروجهم من المسجد ليجمعوا خارجه ‪ ،‬أو مع إمام راتب آخر ‪ ،‬ول‬ ‫يصلّون في هذا المسجد أفذاذا ؛ لفوات فضل الجماعة ‪ ،‬إلّ بالمساجد الثّلثة " مكّة والمدينة‬ ‫والقصى " ‪ ،‬فل يخرجون إذا وجدوا المام قد صلّى ويصلّون فيها أفذاذا ؛ لفضل فذّها على‬ ‫جماعة غيرها ‪ ،‬وهذا إن دخلوها فوجدوا الرّاتب قد صلّى ‪ ،‬وأمّا إن علموا بصلته قبل‬ ‫‪.‬‬

‫دخولهم فإنّهم يجمعون خارجها ‪ ،‬ول يدخلونها ليصلّوا أفذاذا‬

‫وبعد أن ذكر الشّافعيّة كراهة إعادة صلة الجماعة في المسجد الّذي له إمام راتب ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬ ‫ومن حضر ولم يجد إلّ من صلّى استحبّ لبعض من حضر أن يصلّي معه ؛ ليحصل له فضل‬ ‫الجماعة ‪ ،‬لما روى أبو سعيد الخدريّ ‪ -‬رضي ال عنه ‪ « -‬أنّ رجلً جاء ‪ ،‬وقد صلّى‬ ‫‪».‬‬

‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬من يتصدّق على هذا ؟ فقام رجل فصلّى معه‬

‫ن الجماعة الثّانية إنّما تكره إذا لم يأذن المام ‪ ،‬فإن أذن فل كراهة‬ ‫وهذا بناءً على قولهم بأ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫‪ .‬هذا بالنّسبة لمسجد الحيّ الّذي له إمام راتب‬

‫أمّا المسجد الّذي في سوق ‪ ،‬أو في الطّرق ومم ّر النّاس ‪ ،‬فإنّه يجوز تكرار‬ ‫‪.‬‬

‫الجماعة ‪17 -‬‬

‫ن النّاس فيه سواء ‪ ،‬ل اختصاص له بفريق دون فريق‬ ‫فيه ‪ ،‬ول تكره ؛ ل ّ‬

‫مثل ذلك المسجد الّذي ليس له إمام ول مؤذّن ‪ ،‬ويصلّي النّاس فيه فوجا فوجا ‪ ،‬فإنّ‬ ‫‪.‬‬

‫الفضل أن يصلّي كلّ فريق بأذان وإقامة ‪ ،‬وهذا باتّفاق‬

‫ي وله إمام‬ ‫وذهب الحنابلة إلى عدم كراهة إعادة الجماعة في المسجد ‪ ،‬ولو كان مسجد الح ّ‬ ‫ب لهم أن يصلّوا‬ ‫راتب ‪ ،‬بل قالوا ‪ :‬إذا صلّى إمام الحيّ ‪ ،‬حضر جماعة أخرى استح ّ‬ ‫جماع ًة ‪ ،‬وهو قول ابن مسعود وعطاء والحسن والنّخعيّ وقتادة وإسحاق ؛ لعموم قوله‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلة الجماعة تفضل صلة الفذّ بخمس وعشرين درجةً » وفي‬ ‫رواية ‪ « :‬بسبع وعشرين درج ًة » ‪ ،‬وروى أبو سعيد قال ‪ « :‬جاء رجل وقد صلّى رسول‬

‫اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬من يتصدّق على هذا ؟ فقام رجل فصلّى معه » ‪ ،‬وروى‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم مثله وزاد قال ‪ « :‬فلمّا صلّيا‬ ‫الثرم بإسناده عن أبي أمامة عن النّب ّ‬ ‫قال ‪ :‬وهذان جماعة » ‪ .‬ولنّه قادر على الجماعة ‪ ،‬فاستحبّ له فعلها ‪ ،‬كما لو كان‬ ‫المسجد في مم ّر النّاس وهذا فيما عدا إعادة الجماعة في المساجد الثّلثة ‪ ،‬فقد روي عن‬ ‫المام أحمد ‪ ،‬وبعض المالكيّة كراهة إعادة الجماعة فيها ‪ ،‬وفي رأي آخر عند الحنابلة ل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫تكره ‪ ،‬وخالف في ذلك بعض المالكيّة حيث أفتى بالجواز‬

‫الصّلة عند قيام الجماعة‬

‫من دخل المسجد ‪ ،‬وقد أخذ المؤذّن في إقامة الصّلة فل يجوز له النشغال‬

‫عنها ‪18 -‬‬

‫ن النّبيّ صلى ال‬ ‫بنافلة ‪ ،‬سواء أخشي فوات الرّكعة الولى أم لم يخش فواتها ؛ لما ورد أ ّ‬ ‫ن ما يفوته مع المام‬ ‫عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا أقيمت الصّلة فل صلة إلّ المكتوبة » ول ّ‬ ‫أفضل ممّا يأتي به ‪ ،‬فل يشتغل به ‪ ،‬وقد روت السّيّدة عائشة ‪ -‬رضي ال تعالى عنها ‪-‬‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم خرج حين أقيمت الصّلة ‪ ،‬فرأى ناسا يصلّون ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫« أنّ النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫أصلتان معا ؟ » ‪ .‬وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‬

‫وبهذا قال أبو هريرة ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬وعروة ‪ ،‬وابن سيرين ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وإسحاق ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وأبو ثور ‪ ،‬وهو مذهب الحنفيّة بالنّسبة لغير سنّة الفجر‬

‫وقال الحنفيّة في سنّة الفجر ‪ :‬إذا خاف فوت ركعتي الفجر لشتغاله بسنّتها تركها ؛ لكون‬ ‫الجماعة أكمل ‪ ،‬فل يشرع فيها ‪ .‬وإذا رجا إدراك ركعة مع المام فل يترك سنّة الفجر ‪ ،‬بل‬ ‫يصلّيها ‪ ،‬وذلك في ظاهر المذهب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إذا رجا إدراك التّشهّد مع المام فإنّه يصلّي‬ ‫السّنّة خارج المسجد عند بابه إن وجد مكانا ‪ ،‬فإن لم يجد مكانا تركها ول يصلّيها داخل‬ ‫‪.‬‬

‫ن التّنفّل في المسجد عند اشتغال المام بالفريضة مكروه‬ ‫المسجد ؛ ل ّ‬

‫وروي عن ابن مسعود ‪ :‬أنّه دخل والمام في صلة الصّبح فركع ركعتي الفجر ‪ ،‬وهذا‬ ‫‪.‬‬

‫مذهب الحسن ‪ ،‬ومكحول ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وحمّاد بن أبي سليمان‬

‫ومن كان يصلّي النّافلة ‪ ،‬ثمّ أقيمت صلة الجماعة فقد قال الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬إن‬

‫لم ‪19 -‬‬

‫يخش فوات الجماعة بسلم المام فإنّه يتمّ النّافلة ‪ ،‬ول يقطعها ؛ لقوله تعالى ‪ { :‬وَل‬ ‫‪.‬‬

‫عمَا َل ُكمْ } ث ّم يدخل في الجماعة‬ ‫تُ ْبطِلُوا أَ ْ‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬إن لم يخش فوات ركعة بإتمام النّافلة بأن تحقّق أو ظنّ أنّه يدرك المام في‬ ‫‪.‬‬

‫الرّكعة الولى عقب إتمام ما هو فيه أتمّها ‪ ،‬ثمّ دخل مع الجماعة‬

‫أمّا إن خشي فوات الجماعة ‪ -‬كما يقول الشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬أو خشي فوات ركعة ‪ -‬كما‬ ‫يقول المالكيّة ‪ -‬فإنّه يقطع النّافلة وجوبا عند المالكيّة ‪ ،‬وندبا في غير الجمعة عند‬

‫الشّافعيّة‪ ،‬ووجوبا في الجمعة " أي إن كانت الّتي يصلّيها المام هي الجمعة " ‪ ،‬وعند‬ ‫ن ما‬ ‫الحنابلة روايتان حكاهما ابن قدامة ‪ ،‬إحداهما ‪ :‬يت ّم النّافلة ‪ ،‬والثّانية ‪ :‬يقطعها ؛ ل ّ‬ ‫ن صلة الجماعة‬ ‫يدركه من الجماعة أعظم أجرا وأكثر ثوابا ممّا يفوته بقطع النّافلة ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫تزيد على صلة الرّجل وحده سبعا وعشرين درجةً‬

‫أمّا الحنفيّة ‪ :‬فلم يقيّدوا القطع أو التمام بإدراك الجماعة ‪ ،‬أو عدم إدراكها ؛ لنّ الشّروع‬ ‫في النّافلة عندهم يجعلها واجبةً ‪ ،‬ولذلك يقولون ‪ :‬الشّارع في نفل ل يقطع مطلقا إذا أقيمت‬ ‫الجماعة وهو في صلة النّافلة ‪ ،‬بل يتمّه ركعتين ‪ ،‬وإذا كان في سنّة الظّهر ‪ ،‬أو سنّة‬ ‫الجمعة ‪ ،‬إذا أقيمت الظّهر ‪ ،‬أو خطب المام ‪ ،‬فإنّه يتمّها أربعا على القول الرّاجح ؛ لنّها‬ ‫‪.‬‬

‫صلة واحدة‬

‫ونقل ابن عابدين عن الكمال في فتح القدير ما نصّه ‪ :‬وقيل ‪ :‬يقطع على رأس الرّكعتين في‬ ‫سنّة الظّهر والجمعة ‪ ،‬وهو الرّاجح ؛ لنّه يتمكّن من قضائها بعد الفرض ‪ .‬وهذا حيث لم‬ ‫يقم إلى الرّكعة الثّالثة ‪ .‬أمّا إن قام إليها وقيّدها بسجدة ففي رواية النّوادر يضيف إليها‬ ‫رابعةً ويسلّم ‪ ،‬وإن لم يقيّدها بسجدة فقيل ‪ :‬يتمّها أربعا ‪ ،‬ويخفّف القراءة ‪ .‬وقيل ‪ :‬يعود‬ ‫‪.‬‬

‫إلى القعدة ويسلّم ‪ ،‬وهذا أشبه ‪ ،‬قال في شرح المنية ‪ :‬والوجه أن يتمّها‬

‫وإن أقيمت الجماعة والمنفرد يصلّي الصّلة المفروضة الّتي يؤدّيها المام ‪ ،‬فإن لم‬

‫يكن ‪20 -‬‬

‫قيّد الرّكعة الولى بالسّجود قطع صلته ‪ ،‬واقتدى ‪ ،‬وإن كان قد عقد ركعةً بالسّجود ‪ ،‬فإن‬ ‫كان في صلة الصّبح أو المغرب قطع صلته واقتدى بالمام ‪ ،‬إلّ إذا كان قد قام إلى الرّكعة‬ ‫الثّانية ‪ ،‬وقيّدها بالسّجود فإنّه في هذه الحالة يتمّ صلته ‪ .‬ول يدخل مع المام ؛ لكراهة‬ ‫‪.‬‬

‫التّنفّل بعد الفجر وبالثّلث في المغرب‬

‫وهذا كما يقول الحنفيّة ‪ ،‬لكن المالكيّة قالوا ‪ :‬يدخل مع المام في صلة الصّبح ول يدخل‬ ‫‪.‬‬

‫معه في صلة المغرب‬

‫وإن كانت الصّلة رباع ّيةً ‪ ،‬وكان المنفرد قد قيّد الرّكعة الولى بالسّجود ‪ ،‬شفع بركعة‬ ‫أخرى‪ ،‬وسلّم واقتدى بالمام ‪ ،‬وكذلك إذا كان صلّى ركعتين وقام إلى الثّالثة ‪ ،‬ولكنّه لم‬ ‫يقيّدها بالسّجدة ‪ ،‬فإنّه يرجع للجلوس ‪ ،‬ويعيد التّشهّد ‪ ،‬ويسلّم ويدخل مع المام ‪ .‬وإن كان‬ ‫قد قيّد الثّالثة بالسّجدة فإنّه يتمّ صلته ‪ ،‬ويقتدي بالمام متنفّلً ‪ ،‬إلّ في العصر ‪ ،‬كما هو‬ ‫‪.‬‬

‫عند الحنفيّة ؛ لكراهة النّفل بعده‬

‫من شرع في صلة فائتة وأقيمت الحاضرة في المسجد فإنّه ل يقطع صلته ‪ ،‬لكنّه‬

‫لو ‪21 -‬‬

‫خاف فوت جماعة الحاضرة قبل قضاء الفائتة ‪ ،‬فإن كان صاحب ترتيب قضى ‪ ،‬وإن لم يكن‬ ‫‪.‬‬

‫فالظّاهر أنّه يقتدي ؛ لحراز فضيلة الجماعة ‪ ،‬مع جواز تأخير القضاء وإمكان تلفيه‬

‫ي ‪ :‬ووجهه ظاهر ؛ لنّ الجماعة واجبة‬ ‫قال ابن عابدين بعد أن نقل ذلك عن الخير الرّمل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫عندنا ‪ ،‬أو في حكم الواجب‬

‫أمّا إذا شرع في قضاء فرض ‪ ،‬وأقيمت الجماعة في ذلك الفرض بعينه ‪ ،‬فإنّه يقطع‬ ‫ويقتدي‪ .‬وعزي للخلصة ‪ :‬أنّه لو شرع في قضاء الفوائت ‪ ،‬ثمّ أقيمت ل يقطع ‪ ،‬هذا‬ ‫مذهب الحنفيّة ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬من شرع في فريضة ‪ ،‬وأقيمت الجماعة في غيرها ‪ ،‬بأن‬ ‫ل قطع صلته الّتي فيها إن خشي ‪ ،‬بأن تحقّق أو‬ ‫كان في ظهر ‪ ،‬فأقيمت عليه العصر مث ً‬ ‫ظنّ فوات ركعة مع المام ‪ ،‬وإن لم يخش فوات ركعة مع المام بأن تحقّق أو ظنّ إدراكه‬ ‫‪.‬‬

‫في الولى عقب إتمام ما هو فيه فل يقطع بل يتمّ صلته‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬من كان يصلّي فائت ًة ‪ ،‬والجماعة تصلّي الحاضرة فل يقلب صلته نفلً‬ ‫ليصلّيها جماعةً ‪ ،‬إذ ل تشرع فيها الجماعة حينئذ ‪ ،‬خروجا من خلف العلماء ‪ ،‬فإن كانت‬ ‫الجماعة في تلك الفائتة بعينها جاز ذلك ‪ ،‬لكنّه ل يندب ‪ ،‬أي جاز قطع صلته الّتي هو فيها‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ما يستحبّ لمن قصد الجماعة‬

‫‪ ،‬ويقتدي بالمام‬

‫يستحبّ للرّجل إذا أقبل إلى الصّلة ‪ :‬أن يقبل بخوف ووجل وخشوع وخضوع ‪،‬‬

‫وعليه ‪22 -‬‬

‫السّكينة والوقار ‪ ،‬وإن سمع القامة لم يسع إليها في عجلة ‪ ،‬لما روى أبو هريرة ‪ -‬رضي‬ ‫ال عنه ‪ -‬عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬إذا أقيمت الصّلة فل تأتوها تسعون‬ ‫‪ ،‬وأتوها تمشون ‪ ،‬وعليكم السّكينة ‪ ،‬فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتمّوا » وعن أبي قتادة‬ ‫قال‪ « :‬بينما نحن نصلّي مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال ‪ ،‬فلمّا‬ ‫صلّى قال ‪ :‬ما شأنكم ؟ قالوا ‪ :‬استعجلنا إلى الصّلة ‪ ،‬قال ‪ :‬فل تفعلوا ‪ ،‬إذا أتيتم الصّلة‬ ‫‪».‬‬

‫فعليكم بالسّكينة ‪ ،‬فما أدركتم فصلّوا ‪ ،‬وما فاتكم فأتمّوا » ‪ ،‬وفي رواية ‪ « :‬فاقضوا‬ ‫‪.‬‬

‫وهذا مذهب الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو الصحّ عند الشّافعيّة‬

‫وقال المام أحمد وأبو إسحاق ‪ :‬إن خاف فوات التّكبيرة الولى فل بأس أن يسرع إذا طمع‬ ‫أن يدركها ما لم يكن عجل ًة تقبح ‪ ،‬جاء الحديث عن أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫وسلم « أنّهم كانوا يعجّلون شيئا إذا خافوا فوات التّكبيرة الولى » ‪ ،‬وروي أنّ عبد اللّه بن‬ ‫‪.‬‬

‫مسعود اشت ّد إلى الصّلة وقال ‪ :‬بادروا حدّ الصّلة يعني التّكبيرة الولى‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬يجوز السراع في المشي للصّلة في جماعة لدراك فضلها إسراعا يسيرا‬ ‫بل خبب أي بل جري يذهب الخشوع ‪ ،‬فيكره ‪ ،‬ولو خاف فوات إدراكها ولو جمعةً ؛ لنّ‬ ‫ن الشّارع إنّما أذن في السّعي مع السّكينة ‪ ،‬فاندرجت الجمعة وغيرها ‪ ،‬إلّ أن‬ ‫لها بدلً؛ ول ّ‬ ‫يكون في محلّ ل تصحّ الصّلة فيه ويضيق الوقت ‪ ،‬بحيث يخشى فواته إن لم يسرع‪ ،‬فيجب‬

‫حينئذ‪ .‬كذلك قال الشّافعيّة ‪ :‬لو ضاق الوقت وخشي فواته فليسرع ‪ ،‬كما لو خشي فوات‬ ‫الجمعة وكذلك لو امتدّ الوقت ‪ ،‬وكانت ل تقوم إ ّل به ‪ ،‬ولو لم يسرع لتعطّلت ‪ ،‬قاله‬ ‫ن كلّ خطوة يكتب له بها حسنة‬ ‫ي ‪ .‬ويستحبّ أن يقارب بين خطوه لتكثر حسناته ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫الذرع ّ‬ ‫‪ ،‬وقد روى عبد بن حميد في مسنده بإسناده عن زيد بن ثابت قال ‪ « :‬أقيمت الصّلة ‪،‬‬ ‫فخرج رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يمشي وأنا معه فقارب في الخطى ثمّ قال ‪ :‬أتدري‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫لم فعلت هذا ؟ لتكثر خطانا في طلب الصّلة‬

‫كيفيّة انتظام المصلّين في صلة الجماعة‬

‫إذا انعقدت الجماعة بأقلّ ما تنعقد به ( واحد مع المام ) فالسّنّة أن يقف المأموم‬

‫عن ‪23 -‬‬

‫ل أو صبيّا يعقل ‪ ،‬فإن كانت امرأةً أقامها خلفه ‪ ،‬ولو كان مع المام‬ ‫يمين المام إذا كان رج ً‬ ‫ل وامرأةً أقام الرّجل عن يمينه والمرأة‬ ‫اثنان ‪ ،‬فإن كانا رجلين أقامهما خلفه ‪ ،‬وإن كانا رج ً‬ ‫‪.‬‬

‫خلف الرّجل‬

‫ولو كانت الجماعة كثير ًة وفيهم رجال ونساء وصبيان قام الرّجال في الصّفوف الولى خلف‬ ‫‪.‬‬

‫المام ‪ ،‬ث ّم قام الصّبيان من وراء الرّجال ‪ ،‬ثمّ قام النّساء من وراء الصّبيان‬ ‫‪.‬‬

‫وفي جماعة النّساء تقف الّتي تؤمّ النّساء وسطهنّ‬

‫ول يجوز أن يتأخّر المام عن المأمومين في الموقف ‪ ،‬ول يكون موقف المام أعلى من‬ ‫‪.‬‬

‫موقف المقتدين‬

‫‪ ).‬وهذا في الجملة‪ ،‬وتفصيل ذلك في ‪ :‬مصطلح ( إمامة الصّلة ج ‪، 6/‬ف‬ ‫‪:‬‬

‫أفضليّة الصّفوف وتسويتها‬

‫‪20‬‬

‫‪-‬‬

‫يستحبّ أن يتقدّم النّاس في الصّفّ الوّل ؛ لما ورد في ذلك من الحاديث الّتي‬

‫‪21‬‬

‫‪-‬‬

‫‪22‬‬

‫تحثّ ‪24 -‬‬

‫ي صلى ال‬ ‫على التّقدّم إلى الصّفّ الوّل ‪ ،‬فقد روى أبو هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أنّ النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ف الوّل لكانت قرعةً‬ ‫عليه وسلم قال ‪ « :‬لو يعلمون ما في الصّ ّ‬

‫ي بن كعب قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬الصّفّ الوّل على مثل‬ ‫وعن أب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ف الملئكة ‪ ،‬ولو تعلمون فضيلته لبتدرتموه‬ ‫ص ّ‬

‫ب إتمام الصّفوف ‪ ،‬ول يشرع في صفّ حتّى يت ّم ما قبله ‪ ،‬فيبدأ بإتمام الصّفّ‬ ‫كما يستح ّ‬ ‫الوّل‪ ،‬ثمّ الّذي يليه ‪ ،‬ثمّ الّذي يليه وهكذا إلى آخر الصّفوف ‪ ،‬فعن أنس أنّ رسول اللّه‬ ‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬أتمّوا الصّفّ المقدّم ثمّ الّذي يليه ‪ ،‬فما كان من نقص فليكن‬ ‫‪».‬‬

‫في الصّفّ المؤخّر‬

‫ويستحبّ العتدال في الصّفوف ‪ ،‬فإذا وقفوا في الصّفّ ل يتقدّم بعضهم بصدره أو غيره ول‬ ‫يتأخّر عن الباقين ‪ ،‬ويسوّي المام بينهم ففي صحيح ابن خزيمة عن البراء « كان النّبيّ‬

‫ف ويسوّي بين صدور القوم ومناكبهم ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ل‬ ‫صلى ال عليه وسلم يأتي ناحية الصّ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ن اللّه وملئكته يصلّون على الصّفوف الول‬ ‫تختلفوا فتختلف قلوبكم إ ّ‬

‫وروى مسلم عن جابر بن سمرة أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬أل تصفّون‬ ‫ف الملئكة عند ربّها ؟ قال‬ ‫كما تصفّ الملئكة عند ربّها ؟ فقلنا ‪ :‬يا رسول اللّه وكيف تص ّ‬ ‫‪ :‬يتمّون الصّفوف الول ‪ ،‬ويتراصّون في الصّفّ‬

‫‪».‬‬

‫ي من حديث أنس قال ‪ « :‬أقيموا صفوفكم فإنّي أراكم من وراء ظهري وكان‬ ‫وأخرج البخار ّ‬ ‫‪».‬‬

‫أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه‬

‫ب سدّ الفرج ‪ ،‬والفساح لمن يريد الدّخول في الصّفّ ‪ .‬فقد ورد عن ابن عمر ‪-‬‬ ‫كما يستح ّ‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬أقيموا الصّفوف ‪ ،‬وحاذوا‬ ‫رضي ال تعالى عنهما ‪ -‬أ ّ‬ ‫بين المناكب وسدّوا الخلل ‪ ،‬ولينوا بأيدي إخوانكم ‪ ،‬ول تذروا فرجات للشّيطان ‪ ،‬ومن‬ ‫‪».‬‬

‫وصل صفّا وصله اللّه ومن قطع صفّا قطعه اللّه‬

‫ف الوّل ث ّم الّذي يليه ث ّم الّذي يليه إلى آخرها ‪ -‬هذا الحكم‬ ‫قال النّوويّ ‪ :‬واستحباب الصّ ّ‬ ‫مستمرّ في صفوف الرّجال بكلّ حال ‪ ،‬وكذا في صفوف النّساء المنفردات بجماعتهنّ عن‬ ‫جماعة الرّجال ‪ ،‬أمّا إذا صلّت النّساء مع الرّجال جماع ًة واحدةً ‪ ،‬وليس بينهما حائل فأفضل‬ ‫‪.‬‬

‫صفوف النّساء آخرها‬

‫لحديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬خير‬ ‫‪».‬‬

‫صفوف الرّجال أوّلها وشرّها آخرها ‪ ،‬وخير صفوف النّساء آخرها ‪ ،‬وشرّها أوّلها‬ ‫‪:‬‬

‫صلة الرّجل وحده خلف الصّفوف‬

‫صةً ‪ -‬كما سبق بيانه‬ ‫الصل في صلة الجماعة أن يكون المأمومون صفوفا مترا ّ‬

‫‪25 - -‬‬

‫ولذلك يكره أن يصلّي واحد منفردًا خلف الصّفوف دون عذر ‪ ،‬وصلته صحيحة مع الكراهة‬ ‫‪.‬‬

‫‪ ،‬وتنتفي الكراهة بوجود العذر على ما سيأتي بيانه‬

‫وهذا عند جمهور الفقهاء ‪ - :‬الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ -‬والصل فيه ما رواه البخاريّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم وهو راكع ‪ ،‬فركع قبل أن يصل‬ ‫عن « أبي بكرة ‪ :‬أنّه انتهى إلى النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬زادك اللّه حرصا ول تعد‬ ‫إلى الصّفّ ‪ ،‬فذكر ذلك للنّب ّ‬

‫ن المر الّذي ورد في حديث وابصة بن‬ ‫قال الفقهاء ‪ :‬يؤخذ من ذلك عدم لزوم العادة ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ل يصلّي خلف‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم رأى رج ً‬ ‫معبد الّذي رواه التّرمذيّ من « أ ّ‬ ‫الصّفّ‪ ،‬فأمره أن يعيد الصّلة » ‪ .‬هذا المر بالعادة إنّما هو على سبيل الستحباب ؛ جمعا‬ ‫‪.‬‬

‫بين الدّليلين‬

‫وعند الحنابلة تبطل صلة من صلّى وحده ركعةً كامل ًة خلف الصّفّ منفردا دون عذر ؛‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم رأى رجلً يصلّي خلف الصّفّ‬ ‫لحديث وابصة بن معبد « أنّ النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫وحده فأمره أن يعيد‬

‫ي صلى ال عليه وسلم فانصرف ‪ ،‬ورجل فرد‬ ‫وعن عليّ بن شيبان ‪ « :‬أنّه صلّى بهم النّب ّ‬ ‫ي اللّه صلى ال عليه وسلم حين انصرف قال ‪ :‬استقبل‬ ‫خلف الصّفّ ‪ ،‬قال ‪ :‬فوقف عليه نب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫صلتك ‪ ،‬ل صلة للّذي خلف الصّفّ‬

‫ي صلى ال عليه وسلم قد نهاه فقال ‪ « :‬ل تعد » ‪ ،‬والنّهي‬ ‫فأمّا حديث أبي بكرة فإنّ النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يقتضي الفساد ‪ ،‬وعذره فيما فعله لجهله بتحريمه ‪ ،‬وللجهل تأثير في العفو‬

‫وفيما يلي بيان كيفيّة تصرّف المأموم ليجتنب الصّلة منفردا خلف الصّفّ ‪ ،‬حتّى تنتفي‬ ‫‪:‬‬

‫الكراهة ‪ ،‬كما يقول جمهور الفقهاء ‪ ،‬وتصحّ كما يقول الحنابلة‬

‫من دخل المسجد وقد أقيمت الجماعة ‪ ،‬فإن وجد فرج ًة في الصّفّ الخير وقف فيها‬

‫‪26 - ،‬‬

‫ن اللّه‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إ ّ‬ ‫أو وجد الصّفّ غير مرصوص وقف فيه ؛ لقول النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫وملئكته يصلّون على الّذين يصلون الصّفوف‬

‫ف متقدّم فله أن يخترق الصّفوف ليصل إليها لتقصير المصلّين في‬ ‫وإن وجد الفرجة في ص ّ‬ ‫ي صلى ال‬ ‫تركها ‪ ،‬يدلّ على ذلك ما روي عن ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬عن النّب ّ‬ ‫عليه وسلم ‪ « :‬من نظر إلى فرجة في صفّ فليسدّها بنفسه ‪ ،‬فإن لم يفعل ‪ ،‬فمرّ مارّ ‪،‬‬ ‫‪».‬‬

‫فليتخطّ على رقبته فإنّه ل حرمة له‬

‫ولنّ س ّد الفرجة الّتي في الصّفوف مصلحة عامّة له وللقوم بإتمام صلته وصلتهم ‪ ،‬فإنّ‬ ‫ي صلى ال عليه‬ ‫تسوية الصّفوف من تمام الصّلة ‪ ،‬كما ورد في الحديث ‪ .‬وقد أمر النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وسلم بس ّد الفرج‬

‫ن بعض المالكيّة يحدّد الصّفوف الّتي يجوز‬ ‫وهذا باتّفاق بين الفقهاء في الجملة إذ إ ّ‬ ‫اختراقها بصفّين غير الّذي خرج منه والّذي دخل فيه ‪ ،‬كذلك قال الحنابلة ‪ :‬لو كانت الفرجة‬ ‫ي صلى ال عليه‬ ‫بحذائه كره أن يمشي إليها عرضًا بين يدي بعض المأمومين ؛ لقول النّب ّ‬ ‫وسلم ‪ « :‬لو يعلم الما ّر بين يدي المصلّي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن‬ ‫‪» .‬يمرّ بين يديه‬ ‫‪.‬‬

‫ف فقد اختلف الفقهاء فيما ينبغي أن يفعله‬ ‫ومن لم يجد فرج ًة في أيّ ص ّ‬

‫حينئذ ‪27 -‬‬

‫قال الحنفيّة ‪ :‬من لم يجد فرجةً ينبغي أن ينتظر من يدخل المسجد ليصطفّ معه خلف‬ ‫ف إلى نفسه من يعرف منه‬ ‫الصّفّ‪ ،‬فإن لم يجد أحدا وخاف فوات الرّكعة جذب من الصّ ّ‬ ‫علما وخلقا لكي ل يغضب عليه ‪ ،‬فإن لم يجد وقف خلف الصّفّ بحذاء المام ‪ ،‬ول كراهة‬

‫حينئذ ‪ ،‬لنّ الحال حال العذر ‪ ،‬هكذا ذكر الكاسانيّ في البدائع ‪ ،‬لكن الكمال بن الهمام ذكر‬ ‫في الفتح ‪ :‬أنّ من جاء والصّفّ ملن يجذب واحدا منه ‪ ،‬ليكون معه صفّا آخر ‪ ،‬ثمّ قال ‪:‬‬ ‫وينبغي لذلك " أي لمن كان في الصّفّ " أن ل يجيبه ‪ ،‬فتنتفي الكراهة عن هذا ؛ لنّه فعل‬ ‫‪.‬‬

‫وسعه‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬من لم يمكنه الدّخول في الصّفّ ‪ ،‬فإنّه يصلّي منفردا عن المأمومين ‪ ،‬ول‬ ‫ن كلّا من الجذب والطاعة‬ ‫يجذب أحدًا من الصّفّ ‪ ،‬وإن جذب أحدا فل يطعه المجذوب ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫مكروه‬

‫ن من لم يجد فرج ًة ول سعةً فإنّه يستحبّ أن يج ّر إليه شخصا‬ ‫والصّحيح عند الشّافعيّة ‪ :‬أ ّ‬ ‫ف ليصطفّ معه ‪ ،‬لكن مع مراعاة أنّ المجرور سيوافقه ‪ ،‬وإلّ فل يجرّ أحدا منعا‬ ‫من الصّ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫للفتنة‪ ،‬وإذا جرّ أحدا فيندب للمجرور أن يساعده لينال فضل المعاونة على الب ّر والتّقوى‬

‫ص عليه في البويطيّ واختاره القاضي أبو الطّيّب ‪ -‬أنّه يقف‬ ‫ومقابل الصّحيح ‪ -‬وهو ما ن ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ف السّابق‬ ‫ل يحرم غيره فضيلة الصّ ّ‬ ‫منفردا ‪ ،‬ول يجذب أحدا ؛ لئ ّ‬

‫ف يقف فيه وقف عن يمين المام إن أمكنه ذلك‬ ‫وقال الحنابلة ‪ :‬من لم يجد موضعًا في الصّ ّ‬ ‫ل من الصّفّ‬ ‫; لنّه موقف الواحد ‪ ،‬فإن لم يمكنه الوقوف عن يمين المام فله أن ينبّه رج ً‬ ‫‪.‬‬

‫ليقف معه ‪ ،‬وينبّهه بكلم أو بنحنحة أو إشارة ويتبعه من ينبّهه‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫وظاهره وجوبا لنّه من باب ما ل يتمّ الواجب إلّ به‬

‫ويكره تنبيهه بجذبه نصّا ‪ ،‬واستقبحه أحمد وإسحاق لما فيه من التّصرّف فيه بغير إذنه‬

‫وقال ابن عقيل ‪ :‬جوّز أصحابنا جذب رجل يقوم معه صفّا ‪ ،‬وصحّح ذلك ابن قدامة ؛ لنّ‬ ‫الحالة داعية إليه ‪ ،‬فجاز كالسّجود على ظهره أو قدمه حال الزّحام ‪ ،‬وليس هذا تصرّفا فيه‬ ‫‪ ،‬إنّما هو تنبيهه ليخرج معه ‪ ،‬فجرى مجرى مسألته أن يصلّي معه ‪ ،‬وقد ورد عن النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬لينوا بأيدي إخوانكم » فإن امتنع من الخروج معه لم‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫يكرهه وصلّى وحده‬

‫العذار الّتي تبيح التّخلّف عن صلة الجماعة‬

‫العذار الّتي تبيح التّخلّف عن صلة الجماعة ‪ :‬منها ما هو عامّ ‪ ،‬ومنها ما هو خاصّ ‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫أوّلً ‪ :‬العذار العامّة‬

‫وبيان ذلك فيما يلي‬

‫ق معه الخروج للجماعة ‪ ،‬والّذي يحمل النّاس على‬ ‫أ ‪ -‬المطر الشّديد الّذي يش ّ‬

‫تغطية ‪28 -‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫رءوسهم‬

‫ب ‪ -‬الرّيح الشّديدة ليلً لما في ذلك من المشقّة‬

‫ل أو نهارا ‪ ،‬وكذلك الحرّ الشّديد ‪ .‬والمراد البرد أو الحرّ الّذي يخرج‬ ‫ج ‪ -‬البرد الشّديد لي ً‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫عمّا ألفه النّاس أو ألفه أصحاب المناطق الحارّة أو الباردة‬

‫د ‪ -‬الوحل الشّديد الّذي يتأذّى به النسان في نفسه وثيابه ‪ ،‬ول يؤمن معه التّلوّث‬

‫وعن أبي يوسف ‪ :‬سألت أبا حنيفة عن الجماعة في طين وردغة فقال ‪ :‬ل أحبّ تركها‬ ‫ي ‪ :‬اختلف في كون المطار‬ ‫قال ابن عابدين ‪ :‬وفي شرح الزّاهديّ عن شرح التّمرتاش ّ‬ ‫والثّلوج والوحال والبرد الشّديد عذرا ‪ ،‬وعن أبي حنيفة ‪ :‬إذا اشت ّد التّأذّي يعذر ‪ ،‬وفي‬

‫‪.‬‬

‫وجه عند الشّافعيّة ‪ -‬وهو مقابل الصّحيح ‪ -‬أنّ الوحل ليس بعذر ‪ ،‬والصّحيح أنّه عذر‬

‫هـ ‪ -‬الظّلمة الشّديدة ‪ ،‬والمراد بها كون النسان ل يبصر طريقه إلى المسجد ‪ ،‬قال ابن‬ ‫‪.‬‬

‫عابدين ‪ :‬والظّاهر أنّه ل يكلّف إيقاد نحو سراج وإن أمكنه ذلك‬

‫والدّليل على كون العذار السّابقة من مطر وغيره تبيح التّخلّف عن الجماعة الحاديث‬ ‫‪:‬‬

‫الواردة في ذلك ومنها‬

‫ن ابن عمر ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪ -‬أذّن بالصّلة في ليلة ذات برد وريح‬ ‫ما روي أ ّ‬ ‫فقال‪ :‬أل صلّوا في الرّحال ‪ ،‬ثمّ قال ‪ « :‬إنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يأمر‬ ‫المؤذّن إذا كانت ليلةً ذات برد ومطر يقول ‪ :‬أل صلّوا في رحالكم » وفي رواية ‪ « :‬كان‬ ‫‪».‬‬

‫يأمر مناديه في اللّيلة الممطرة واللّيلة الباردة ذات الرّيح أن يقول ‪ :‬أل صلّوا في رحالكم‬

‫عن عبد اللّه بن الحارث ‪ ،‬عن عبد اللّه بن عبّاس ‪ « :‬أنّه قال لمؤذّنه في يوم مطير ‪ :‬إذا‬ ‫ي على الصّلة ‪ .‬قل‬ ‫ن محمّدا رسول اللّه فل تقل ‪ :‬ح ّ‬ ‫قلت ‪ :‬أشهد أن ل إله إلّ اللّه ‪ .‬أشهد أ ّ‬ ‫‪ :‬صلّوا في بيوتكم ‪ .‬قال ‪ :‬فكأنّ النّاس استنكروا ذاك ‪ .‬فقال ‪ :‬أتعجبون من ذا ؟ قد فعل ذا‬ ‫ن الجمعة عَزْم ٌة ‪ .‬وإنّي كرهت أن أحرجكم ‪ ،‬فتمشوا في الطّين‬ ‫من هو خير منّي ‪ .‬إ ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬العذار الخاصّة‬ ‫‪:‬‬

‫‪29‬‬

‫والدّحض‬

‫أ ‪ -‬المرض‬

‫ق معه التيان إلى المسجد لصلة الجماعة ‪ .‬قال ابن المنذر ‪:‬‬ ‫ وهو المرض الّذي يش ّ‬‫ل أعلم خلفا بين أهل العلم ‪ :‬أنّ للمريض أن يتخلّف عن الجماعات من أجل المرض ‪،‬‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم لمّا مرض تخلّف عن المسجد ‪ ،‬وقال ‪ :‬مروا أبا بكر‬ ‫ولنّ « النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ق معه التيان إلى المسجد‬ ‫ن الّذي يش ّ‬ ‫فليصلّ بالنّاس » ‪ ،‬ومن ذلك كبر السّ ّ‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬الخوف‬

‫وهو عذر في ترك الجماعة ؛ لما روى ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬أنّ‬

‫النّبيّ ‪30 -‬‬

‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من سمع النّداء ‪ ،‬فلم يمنعه من اتّباعه عذر ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وما‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫العذر يا رسول اللّه ؟ قال ‪ :‬خوف أو مرض ‪ ،‬لم تقبل منه الصّلة الّتي صلّى‬

‫والخوف ثلثة أنواع ‪ :‬خوف على النّفس ‪ ،‬وخوف على المال ‪ ،‬وخوف على الهل‬

‫الوّل ‪ :‬أن يخاف على نفسه سلطانا يأخذه ‪ ،‬أو عدوّا أو لصّا أو سبعا أو دا ّبةً أو سيلً أو‬ ‫نحو ذلك ممّا يؤذيه في نفسه ‪ ،‬وفي معنى ذلك أن يخاف غريما له يلزمه ‪ ،‬ول شيء معه‬ ‫ن حبسه بدين هو معسر به ظلم له ‪ .‬فإن كان قادرا على أداء الدّين لم يكن عذرا‬ ‫يوفّيه ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫له ؛ لنّه يجب إيفاؤه‬

‫ومن ذلك ‪ :‬الخوف من توقيع عقوبة ‪ ،‬كتعزير وقود وحدّ قذف ممّا يقبل العفو ‪ .‬فإن كان‬ ‫يرجو العفو عن العقوبة إن تغيّب أيّاما عن الجماعة كان ذلك عذرا ‪ .‬فإن لم يرج العفو أو‬ ‫كان الحدّ‪ ،‬ممّا ل يقبل العفو كحدّ الزّنا لم يكن ذلك عذرا ‪ ،‬وهذا كما يقول الشّافعيّة‬ ‫والمالكيّة‪ .‬واختلف الحنابلة فيمن وجب عليه قصاص ‪ ،‬فلم يعتبره بعضهم عذرا ‪ ،‬واعتبره‬ ‫بعضهم عذرًا إن رجا العفو مجّانا أو على مال ‪ ،‬وقال القاضي ‪ :‬إن كان يرجو الصّلح على‬ ‫ي كح ّد القذف فالصّحيح‬ ‫مال فله التّخلّف حتّى يصالح ‪ .‬أمّا الحدود ‪ ،‬فما كان حقّا لدم ّ‬ ‫عندهم أنّه ليس عذرا في التّخلّف ‪ ،‬لكن ابن مفلح قال في كتابه الفروع ‪ :‬ويتوجّه فيه وجه‬ ‫‪.‬‬

‫‪ :‬إن رجا العفو ‪ ،‬قال في شرح منتهى الرادات ‪ :‬وجزم به في القناع‬ ‫‪.‬‬

‫أمّا الحدود الّتي ل تقبل العفو فل تعتبر عذرا‬

‫ص ‪ ،‬أو يخاف أن يسرق منزله أو يحرق منه‬ ‫الثّاني ‪ :‬أن يخاف على ماله من ظالم أو ل ّ‬ ‫شيء ‪ ،‬أو يكون له خبز في تنّور أو طبيخ على نار ‪ ،‬ويخاف حريقه باشتغاله عنه ‪ ،‬أو‬ ‫يكون له غريم إن ترك ملزمته ذهب بماله ‪ ،‬أو يكون له بضاعة أو وديعة عند رجل وإن‬ ‫لم يدركه ذهب ‪ ،‬أو كانت عنده أمانة كوديعة أو رهن أو عاريّة ممّا يجب عليه حفظه ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ويخاف تلفه بتركه ‪ .‬ويدخل في ذلك الخوف على مال الغير‬

‫الثّالث ‪ :‬الخوف على الهل ‪ :‬من ولد ووالد وزوج إن كان يقوم بتمريض أحدهم ‪ ،‬فإنّ ذلك‬ ‫‪.‬‬

‫عذر في التّخلّف عن الجماعة‬

‫ومثل ذلك ‪ :‬القيام بتمريضه الجنبيّ إذا لم يكن له من يقوم بتمريضه ‪ ،‬وكان يخشى عليه‬ ‫ن ابن عمر ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪ -‬استصرخ على سعيد‬ ‫الضّياع لو تركه ‪ ،‬وقد ثبت أ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫بن زيد ‪ ،‬وهو يتجمّر للجمعة ‪ ،‬فأتاه بالعقيق ‪ ،‬وترك الجمعة‬

‫ج ‪ -‬حضور طعام تشتاقه نفسه وتنازعه إليه‬

‫قال ابن قدامة ‪ :‬إذا حضر العشاء في وقت الصّلة فالمستحبّ أن يبدأ بالعشاء‬

‫قبل ‪31 -‬‬

‫ب أن يعجّل عن عشائه أو غدائه ‪،‬‬ ‫الصّلة ؛ ليكون أفرغ لقلبه وأحضر لباله ‪ ،‬ول يستح ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا قرب العشاء وحضرت الصّلة‬ ‫ن أنسا روى عن النّب ّ‬ ‫فإ ّ‬ ‫فابدءوا به قبل أن تصلّوا صلة المغرب ‪ ،‬ول تعجّلوا عن عشائكم » ‪ ،‬ول فرق بين أن‬ ‫يخاف فوت الجماعة أو ل يخاف ‪ ،‬فإنّ في بعض ألفاظ حديث أنس ‪ « :‬إذا حضر العشاء‬ ‫وأقيمت الصّلة فابدءوا بالعشاء » وعن ابن عمر ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪ -‬قال ‪ :‬قال‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصّلة فابدءوا‬ ‫‪.‬‬

‫بالعشاء ول يعجّلنّ حتّى يفرغ منه » ‪ .‬وتعشّى ابن عمر وهو يسمع قراءة المام‬

‫قال ابن قدامة ‪ :‬قال أصحابنا ‪ :‬إنّما يقدّم العشاء على الجماعة إذا كانت نفسه تتوق إلى‬ ‫الطّعام كثيرا ‪ ،‬ونحوه قال الشّافعيّ ‪ .‬وقال بظاهر الحديث عمر وابنه وإسحاق وابن المنذر‬ ‫‪.‬‬

‫‪ .‬وقال ابن عبّاس ‪ :‬ل نقوم إلى الصّلة وفي أنفسنا شيء‬

‫ن صلته تجزئه‬ ‫قال ابن عبد الب ّر ‪ :‬أجمعوا على أنّه لو صلّى بحضرة الطّعام فأكمل صلته أ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫د ‪ -‬مدافعة أحد الخبثين‬

‫ومثلهما الرّيح ‪ ،‬فإنّ ذلك عذر يبيح التّخلّف عن الجماعة ‪ ،‬قالت السّيّدة عائشة‬

‫‪32 - -‬‬

‫رضي ال تعالى عنها ‪ : -‬إنّي سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول ‪ « :‬ل صلة‬ ‫ن القيام إلى الصّلة مع مدافعة أحد الخبثين‬ ‫بحضرة طعام ‪ ،‬ول هو يدافعه الخبثان » ‪ ،‬ول ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫يبعده عن الخشوع فيها ويكون مشغولً عنها‬

‫هـ ‪ -‬أكل ذي رائحة كريهة‬

‫وذلك كبصل وثوم وكرّاث وفجل إذا تعذّر زوال رائحته ‪ ،‬فإنّ ذلك عذر يبيح التّخلّف‬

‫عن ‪33 -‬‬

‫الجماعة ‪ ،‬حتّى ل يتأذّى به النّاس والملئكة ؛ لحديث ‪ « :‬من أكل من هذه البقلة ‪ :‬الثّوم ‪-‬‬ ‫ن مسجدنا ؛ فإنّ الملئكة تتأذّى ممّا‬ ‫وقال مرّةً ‪ :‬من أكل البصل والثّوم والكرّاث ‪ -‬فل يقرب ّ‬ ‫يتأذّى منه بنو آدم » ‪ .‬والمراد أكل هذه الشياء نيئةً ‪ ،‬ويدخل في ذلك من كانت حرفته لها‬ ‫رائحة مؤذية ‪ ،‬كالجزّار والزّيّات ونحو ذلك ‪ .‬ومثل ذلك من كان به مرض يتأذّى به‬ ‫‪.‬‬

‫النّاس ‪ ،‬كجذام وبرص ‪ ،‬ففي كلّ ذلك يباح التّخلّف عن الجماعة‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫و ‪ -‬العري‬

‫سرّة والرّكبة فإنّه يباح له التّخلّف عن‬ ‫فمن لم يجد ما يستر ما بين ال ّ‬

‫الجماعة ‪34 -‬‬

‫وهذا إذا كان من عادة أمثاله الخروج بمثل ذلك ‪ ،‬قال الشّافعيّة وبعض المالكيّة ‪ :‬الليق‬ ‫‪.‬‬

‫بالحنيفيّة السّمحة ‪ :‬أنّه إن وجد ما يليق بأمثاله خرج للجماعة ‪ ،‬وإلّ فل‬

‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ز ‪ -‬العمى‬

‫اعتبر الحنفيّة أنّ العمى عذر يبيح التّخلّف عن الجماعة وإن وجد‬

‫قائدا ‪35 -‬‬

‫ولم يعتبره جمهور الفقهاء عذرا إلّ أن ل يجد قائدا ‪ ،‬ولم يهتد للطّريق بنفسه‬ ‫‪:‬‬

‫ح ‪ -‬إرادة السّفر‬

‫من تأهّب لسفر مباح مع رفقة ‪ ،‬ثمّ أقيمت الجماعة ‪ ،‬وكان يخشى إن حضر‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الجماعة ‪36 -‬‬

‫أن تفوته القافلة ‪ ،‬فإنّه يباح له التّخلّف عن الجماعة‬

‫ط ‪ -‬غلبة النّعاس والنّوم‬

‫فمن غلبه النّعاس والنّوم إن انتظر الجماعة صلّى وحده ‪ .‬وكذلك لو غلبه النّعاس‬

‫مع ‪37 -‬‬

‫المام ؛ لنّ « رجلً صلّى مع معاذ ‪ ،‬ثمّ انفرد فصلّى وحده عند تطويل معاذ ‪ ،‬وخوف‬ ‫النّعاس والمشقّة ‪ ،‬فلم ينكر عليه النّبيّ صلى ال عليه وسلم حين أخبره » ‪ ،‬والفضل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الصّبر والتّجلّد على رفع النّعاس والصّلة جماعةً‬

‫ي ‪ -‬زفاف الزّوجة‬

‫فزفاف الزّوجة عذر يبيح للزّوج التّخلّف عن صلة الجماعة ‪ ،‬وذلك كما يقول‬

‫الشّافعيّة ‪38 -‬‬

‫والحنابلة ‪ ،‬لكن الشّافعيّة قيّدوه بالتّخلّف عن الجماعة في الصّلوات اللّيليّة فقط ‪ ،‬وأمّا‬ ‫المالكيّة فلم يعتبروا ذلك عذرا ‪ ،‬وخفّف مالك للزّوج ترك بعض الصّلة في الجماعة‬ ‫‪.‬‬

‫للشتغال بزوجه والسّعي إلى تأنيسها واستمالتها‬

‫ك ‪ -‬ذكر الحنفيّة من العذار الّتي تبيح التّخلّف عن الجماعة ‪ :‬الشتغال بالفقه ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫*‬

‫ل ‪39 -‬‬

‫بغيره من العلوم‬

‫كما ذكر الشّافعيّة من العذار ‪ :‬السّمن المفرط‬

‫صلة الجمعة‬ ‫‪:‬‬

‫زمن مشروعيّتها‬

‫شرعت صلة الجمعة في أوّل الهجرة عند قدوم النّبيّ صلى ال عليه وسلم المدينة ‪،‬‬

‫قال ‪1 -‬‬

‫الحافظ ابن حجر ‪ :‬الكثر على أنّها فرضت بالمدينة ‪ .‬وهو مقتضى أنّ فرضيّتها ثبتت بقوله‬ ‫س َعوْا إِلَى ِذكْ ِر الّلهِ وَذَرُوا‬ ‫ج ُم َعةِ فَا ْ‬ ‫ن آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصّلَا ِة مِن َي ْومِ ا ْل ُ‬ ‫تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِي َ‬ ‫‪.‬‬

‫الْبَيْعَ } وهي مدنيّة ‪ ،‬وقال الشّيخ أبو حامد ‪ :‬فرضت بمكّة ‪ ،‬وهو غريب‬

‫ومن المتّفق عليه ‪ « :‬أنّ أوّل جمعة جمّعها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بأصحابه ‪،‬‬ ‫كانت في قبيلة بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتّخذ القوم لهم في ذلك الموضع‬ ‫‪».‬‬

‫مسجدا ‪ ،‬وذلك عندما قدم إلى المدينة مهاجرا‬

‫ن أسعد بن زرارة أوّل من جمع النّاس لصلة الجمعة في المدينة ‪،‬‬ ‫غير أنّه ثبت أيضا « أ ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم له قبل أن يهاجر من مكّة » ‪ ،‬فقد ورد عن كعب‬ ‫وكان ذلك بأمر النّب ّ‬ ‫بن مالك أنّه « كان إذا سمع النّداء ترحّم لسعد بن زرارة ‪ ،‬وكان يقول ‪ :‬إنّه أوّل من جمّع‬ ‫‪».‬‬

‫بنا في هزم النّبيت من حرّة بني بياضة في نقيع يقال له ‪ :‬نقيع الخضمات‬

‫فمن رجّح أنّها فرضت بالمدينة بعد الهجرة ‪ ،‬استدلّ بأنّه صلى ال عليه وسلم لم يقم أيّ‬ ‫جمعة في مكّة قبل الهجرة ‪ ،‬ومن قال ‪ :‬إنّها فرضت بمكّة قبل الهجرة استدلّ بأنّ الصّحابة‬ ‫قد صلّوها في المدينة قبل هجرته ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬فل ب ّد أن تكون واجب ًة إذ ذاك‬ ‫ن الّذي منع من أدائها‬ ‫على المسلمين كلّهم سواء من كان منهم في مكّة وفي المدينة ‪ ،‬إلّ أ ّ‬ ‫في مكّة عدم توافر كثير من شرائطها ‪ .‬قال البكريّ ‪ :‬فرضت بمكّة ولم تقم بها ؛ لفقد العدد‬ ‫‪ ،‬أو لنّ شعارها الظهار ‪ ،‬وكان صلى ال عليه وسلم مستخفيا فيها ‪ .‬وأوّل من أقامها‬ ‫‪.‬‬

‫بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة بقرية على ميل من المدينة‬ ‫‪:‬‬

‫الحكمة من مشروعيّتها‬

‫ي ‪ :‬إنّه لمّا كانت إشاعة الصّلة في البلد بحيث يجتمع لها أهلها متعذّر ًة‬ ‫قال الدّهلو ّ‬

‫كلّ ‪2 -‬‬

‫يوم ‪ ،‬وجب أن يعيّن لها ميقات ل يتكرّر دورانه بسرعة حتّى ل تعسر عليهم المواظبة على‬ ‫الجتماع لها ‪ ،‬ول يبطؤ دورانه بأن يطول الزّمن الفاصل بين المرّة والخرى ‪ ،‬كي ل يفوت‬ ‫المقصود وهو تلقي المسلمين واجتماعهم بين الحين والخر ‪ .‬ولمّا كان السبوع قدرا‬ ‫زمنيّا مستعملً لدى العرب والعجم وأكثر الملل ‪ - ،‬وهو قدر متوسّط الدّوران والتّكرار بين‬ ‫‪.‬‬

‫السّرعة والبطء ‪ -‬وجب جعل السبوع ميقاتا لهذا الواجب‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫فرضيّتها‬

‫دليل الفرضيّة‬

‫صلة الجمعة من الفرائض المعلوم فرضيّتها بالضّرورة ‪ ،‬وبدللة الكتاب والسّنّة ؛‬

‫فيكفر ‪3 -‬‬

‫ي ‪ :‬الجمعة فرض ل يسع تركها ‪ ،‬ويكفر جاحدها والدّليل على‬ ‫جاحدها ‪ .‬قال الكاسان ّ‬ ‫ن آمَنُوا‬ ‫فرضيّتها ‪ :‬الكتاب والسّنّة وإجماع المّة ‪ .‬أمّا الكتاب فقوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِي َ‬ ‫س َعوْا إِلَى ِذكْ ِر الّلهِ } قيل ‪ " :‬ذكر اللّه " هو صلة الجمعة‬ ‫ج ُم َعةِ فَا ْ‬ ‫إِذَا نُودِي لِلصّلَا ِة مِن َي ْومِ ا ْل ُ‬ ‫ن السّعي إلى الخطبة إنّما يجب لجل الصّلة ‪،‬‬ ‫‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو الخطبة ‪ ،‬وكلّ ذلك حجّة ؛ ل ّ‬ ‫ن من سقطت عنه الصّلة ل يجب عليه السّعي إلى الخطبة ‪ ،‬فكان فرض السّعي إلى‬ ‫بدليل أ ّ‬ ‫ن كلّ واحد‬ ‫ن ذكر اللّه يتناول الصّلة ويتناول الخطبة من حيث إ ّ‬ ‫الخطبة فرضا للصّلة ؛ ول ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫منهما ذكر اللّه تعالى‬

‫ي ‪ -‬أيضا ‪ -‬بالية المذكورة من وجهين‬ ‫وقد استدلّ المام السّرخس ّ‬

‫الوجه السّابق ‪ ،‬ووجه آخر حيث قال ‪ :‬اعلم أنّ الجمعة فريضة بالكتاب والسّنّة ‪ ،‬أمّا الكتاب‬ ‫س َعوْا إِلَى ِذكْ ِر الّلهِ وَذَرُوا الْبَ ْيعَ } والمر بالسّعي إلى الشّيء ل يكون إلّ‬ ‫فقوله تعالى ‪ { :‬فَا ْ‬ ‫‪.‬‬

‫لوجوبه ‪ ،‬والمر بترك البيع المباح لجله دليل على وجوبه أيضا‬

‫ن صلة الجمعة فرض على الكفاية ‪ ،‬وقال القرافيّ ‪:‬‬ ‫وحكى الخطّابيّ عن بعض الفقهاء ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫هو وجه لبعض أصحاب الشّافعيّة‬

‫ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪« :‬‬ ‫وأمّا السّنّة ‪ :‬فالحديث المشهور ‪ ،‬وهو ما روي عن النّب ّ‬ ‫ن اللّه تعالى قد فرض عليكم الجمعة في مقامي هذا ‪ ،‬في يومي هذا ‪ ،‬في شهري هذا ‪،‬‬ ‫إّ‬ ‫من عامي هذا إلى يوم القيامة ‪ ،‬فمن تركها في حياتي ‪ ،‬أو بعدي وله إمام عادل أو جائر‬ ‫استخفافا بها أو جحودا لها بحقّها فل جمع اللّه له شمله ول بارك له في أمره ‪ ،‬أل ول‬ ‫صلة له ‪ ،‬ول زكاة له ‪ ،‬ول حجّ له ‪ ،‬ول صوم له ‪ ،‬ول برّ له حتّى يتوب فمن تاب تاب‬ ‫اللّه عليه» وحديث ‪ « :‬الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلم في جماعة إلّ أربعةً ‪ :‬عبد مملوك‬ ‫‪».‬‬

‫‪ ،‬أو امرأة ‪ ،‬أو صبيّ ‪ ،‬أو مريض » وحديث ‪ « :‬رواح الجمعة واجب على كلّ محتلم‬ ‫‪:‬‬

‫فرض وقت الجمعة‬

‫ن الجمعة‬ ‫ذهب الئمّة الثّلثة ‪ -‬مالك والشّافعيّ في مذهبه الجديد وأحمد ‪ -‬إلى أ ّ‬

‫فرض ‪4 -‬‬

‫مستقلّ ‪ ،‬فليست بد ًل من الظّهر ‪ ،‬وليست ظهرا مقصورا ‪ .‬واستدلّ الرّمليّ لكونها صلةً‬ ‫مستقّلةً ‪ :‬بأنّه ل يغني الظّهر عنها ولقول عمر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ « : -‬الجمعة ركعتان ‪،‬‬ ‫‪».‬‬

‫تمام غير قصر على لسان نبيّكم صلى ال عليه وسلم وقد خاب من افترى‬

‫ن من‬ ‫وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ‪ :‬إنّ فرض وقت الجمعة في الصل إنّما هو الظّهر ‪ ،‬إلّ أ ّ‬ ‫تكاملت فيه شرائط الجمعة التي ذكرها فإنّه مأمور بإسقاطه وإقامة الجمعة في مكانه على‬ ‫سبيل الحتم ‪ ،‬أمّا من لم تتكامل فيه شرائطها ‪ ،‬فيبقى على أصل الظّهر إلّ أنّه يخاطب بأداء‬ ‫الجمعة في مكانها على سبيل التّرخيص ‪ ،‬أي فإذا أدّى الجمعة رغم عدم تكامل شروط‬ ‫ن لك ّل من محمّد وزفر أقوالً أخرى في كيفيّة‬ ‫وجوبها عليه سقط عنه الظّهر بذلك ‪ .‬على أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫فرضيّة الجمعة‬

‫وفائدة الخلف تظهر فيما لو صلّى الظّهر في بيته وحده قبل فوات الجمعة ‪ -‬وهو‬

‫غير ‪5-‬‬

‫ح ظهره ويقع فرضا ؛ لنّه أدّى فرض الوقت‬ ‫معذور ‪ ،‬فعند أبي حنيفة وأبي يوسف يص ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الصليّ فيجزئه‬

‫ي ‪ :‬من صلّى الظّهر في بيته وحده ‪ -‬وهو غير معذور ‪ -‬فإنّه يقع فرضا في‬ ‫قال السّمرقند ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ن عنده ل يجوز الظّهر‬ ‫قول أصحابنا الثّلثة ‪ -‬أبي حنيفة وصاحبيه ‪ -‬خلفا لزفر فإ ّ‬

‫وفي المذاهب الخرى ل تجزئه صلة الظّهر ويلزمه حضور الجمعة ‪ ،‬فإن حضرها فذاك‬ ‫وإلّ بأن فاتته لزمه قضاء الظّهر حينئذ ‪ .‬قال أبو إسحاق الشّيرازيّ في المهذّب ‪ :‬وأمّا من‬ ‫تجب عليه الجمعة ‪ ،‬ول يجوز له أن يصلّي الظّهر قبل فوات الجمعة ‪ ،‬فإنّه مخاطب بالسّعي‬ ‫إلى الجمعة ‪ ،‬فإن صلّى الظّهر قبل صلة المام ففيه قولن ‪ :‬قال في القديم ‪ :‬يجزئه ؛ لنّ‬ ‫‪.‬‬

‫الفرض هو الظّهر ‪ ...‬وقال في الجديد ‪ :‬ل تجزئه ‪ ،‬ويلزمه إعادتها وهو الصّحيح‬

‫وقال ابن قدامة في المغني ‪ :‬من وجبت عليه الجمعة إذا صلّى الظّهر قبل أن يصلّي المام‬ ‫‪.‬‬

‫الجمعة لم يصحّ ‪ ،‬ويلزمه السّعي إلى الجمعة إن ظنّ أنّه يدركها ؛ لنّها المفروضة عليه‬ ‫‪:‬‬

‫شروط صلة الجمعة‬ ‫‪.‬‬

‫لصلة الجمعة ثلثة أنواع من‬

‫الشّروط ‪6 -‬‬

‫صحّة‬ ‫صحّة والوجوب معا‪ ،‬والثّاني ‪ :‬للوجوب فقط ‪ ،‬والثّالث ‪ :‬لل ّ‬ ‫النّوع الوّل ‪ :‬شروط لل ّ‬ ‫فقط‪ .‬والفرق بين هذه النواع الثّلثة من الشّروط ‪ ،‬أنّ ما يعتبر شرطا لصحّة صلة الجمعة‬ ‫‪.‬‬

‫ووجوبها معا ‪ ،‬يلزم من فقده أمران اثنان ‪ :‬بطلنها ‪ ،‬وعدم تعلّق الطّلب بها‬

‫وما يعتبر شرطا للوجوب ‪ -‬فقط ‪ -‬يلزم من فقده عدم تعلّق الطّلب وحده ‪ ،‬مع ثبوت صحّة‬ ‫‪.‬‬

‫صحّة فقط يلزم من فقده البطلن مع استمرار المطالبة به‬ ‫الفعل ‪ ،‬وما يعتبر شرطا لل ّ‬ ‫‪:‬‬

‫النّوع الوّل شروط الصّحّة والوجوب معا وتنحصر في ثلثة‬

‫الشّرط الوّل ‪ :‬اشترطه الحنفيّة ‪ ،‬وهو أن يكون المكان الّذي تقام فيه " مصرا‬ ‫‪.‬‬

‫"‪7-‬‬

‫والمقصود بالمصر كلّ بلدة نصب فيها قاض ترفع إليه الدّعاوى والخصومات‬

‫قال في المبسوط ‪ :‬وظاهر المذهب في بيان حدّ المصر الجامع ‪ :‬أن يكون فيه سلطان ‪ ،‬أو‬ ‫‪.‬‬

‫قاض لقامة الحدود وتنفيذ الحكام‬

‫ويلحق بالمصر ضاحيته أو فناؤه ‪ ،‬وضواحي المصر هي القرى المنتشرة من حوله‬ ‫والمتّصلة به والمعدودة من مصالحه ‪ ،‬بشرط أن يكون بينها وبينه من القرب ما يمكّن‬ ‫‪.‬‬

‫أهلها من حضور الجمعة ‪ ،‬ثمّ الرّجوع إلى منازلهم في نفس اليوم بدون تكلّف‬

‫وعلى هذا ‪ ،‬فمن كانوا يقيمون في قرية نائية ‪ ،‬ل يكلّفون بإقامة الجمعة ‪ ،‬وإذا أقاموها لم‬ ‫ح منهم ‪ .‬قال صاحب البدائع ‪ :‬المصر الجامع شرط وجوب الجمعة ‪ ،‬وشرط صحّة‬ ‫تص ّ‬ ‫أدائها عند أصحابنا ‪ ،‬حتّى ل تجب الجمعة إلّ على أهل المصر ومن كان ساكنا في توابعه ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وكذا ل يصحّ أداء الجمعة إلّ في المصر وتوابعه‬

‫ح أداء الجمعة فيها‬ ‫فل تجب على أهل القرى الّتي ليست من توابع المصر ‪ ،‬ول يص ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ولم تشترط المذاهب الخرى هذا الشّرط‬

‫فأمّا الشّافعيّة ‪ :‬فاكتفوا باشتراط إقامتها في خطّة أبنية سواء كانت من بلدة أو قرية ‪ ،‬قال‬ ‫ح الجمعة إ ّل في أبنية يستوطنها من تنعقد بهم الجمعة من بلد أو‬ ‫صاحب المهذّب ‪ :‬ل تص ّ‬ ‫‪.‬‬

‫قرية‬

‫وأمّا الحنابلة ‪ :‬فلم يشترطوا ذلك أيضا ‪ ،‬وصحّحوا إقامتها في الصّحاري ‪ ،‬وبين مضارب‬ ‫الخيام ‪ .‬قال صاحب المغني ‪ :‬ول يشترط لصحّة الجمعة إقامتها في البنيان ويجوز إقامتها‬ ‫‪.‬‬

‫فيما قاربه من الصّحراء‬

‫وأمّا المالكيّة ‪ :‬فإنّما شرطوا أن تقام في مكان صالح للستيطان ‪ .‬فتصحّ إقامتها في‬ ‫ح في الخِيَم لعدم‬ ‫البنية ‪ ،‬أو الخصاص ؛ لصلحها للستيطان فيها مدّ ًة طويلةً ‪ .‬ول تص ّ‬ ‫‪.‬‬

‫صلحيّتها لذلك في الغالب‬

‫قال في الجواهر الزّكيّة في تعداد شروطها ‪ :‬موضع الستيطان ‪ ،‬ولو كان بأخصاص ل خيم‬ ‫‪.‬‬

‫‪ ،‬فل تقام الجمعة إلّ في موضع يستوطن فيه بأن يقيم فيه صيفًا وشتاءً‬

‫ويترتّب على هذا الخلف ‪ :‬أنّ أصحاب القرى الّتي ل تعتبر تابعةً لمصر إلى جانبها‬

‫يجب ‪8 -‬‬

‫عليهم ‪ -‬عند غير الحنفيّة ‪ -‬إقامة الجمعة في أماكنهم ‪ ،‬ول يكلّفون بالنتقال لها إلى أيّ‬ ‫‪.‬‬

‫بلدة كبيرة أخرى من حولهم‬

‫أمّا في المذهب الحنفيّ ‪ :‬فل يكلّفون بإقامة الجمعة في مثل هذه الحال ‪ ،‬وإذا أقاموها لم‬ ‫‪.‬‬

‫ح منهم ‪ .‬ويجب عليهم النتقال إلى البلدة المجاورة إذا سمع منها الذان‬ ‫تص ّ‬

‫الشّرط الثّاني ‪ :‬واشترطه الحنفيّة ‪ ،‬إذن السّلطان بذلك ‪ ،‬أو حضوره ‪ ،‬أو حضور‬

‫نائب ‪9 -‬‬

‫ي عنه ‪ ،‬إذ هكذا كان شأنها على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وفي عهود‬ ‫رسم ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الخلفاء الرّاشدين‬

‫هذا إذا كان ثمّة إمام أو نائب عنه في البلدة الّتي تقام فيها الجمعة ‪ ،‬فإذا لم يوجد أحدهما ‪،‬‬ ‫لموت أو فتنة أو ما شابه ذلك ‪ ،‬وحضر وقت الجمعة كان للنّاس حينئذ أن يجتمعوا على‬ ‫‪.‬‬

‫رجل منهم ليتقدّمهم فيصلّي بهم الجمعة‬

‫أمّا أصحاب المذاهب الخرى فلم يشترطوا لصحّة الجمعة أو وجوبها شيئا ممّا يتعلّق‬ ‫‪.‬‬

‫بالسّلطان ‪ ،‬إذنا أو حضورا أو إنابةً‬

‫الشّرط الثّالث من شروط صحّة الجمعة ووجوبها معا ‪ :‬دخول الوقت ‪ ،‬ووقتها‬

‫عند ‪10 -‬‬

‫الجمهور ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ -‬هو وقت الظّهر ‪ ،‬فل يثبت وجوبها ‪ ،‬ول يصحّ‬ ‫أداؤها إلّ بدخول وقت الظّهر ‪ ،‬ويستم ّر وقتها إلى دخول وقت العصر ‪ ،‬فإذا خرج وقت‬ ‫الظّهر سقطت الجمعة واستبدل بها الظّهر ؛ لنّ الجمعة صلة ل تقضى بالتّفويت ‪ .‬ويشترط‬

‫ح الجمعة ‪،‬‬ ‫دخول وقت الظّهر من ابتداء الخطبة ‪ ،‬فلو ابتدأ الخطيب الخطبة قبله لم تص ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وإن وقعت الصّلة داخل الوقت‬

‫وذهب الحنابلة إلى أنّ أوّل وقت صلة الجمعة هو أوّل وقت صلة العيد لحديث عبد اللّه بن‬ ‫سيدان ‪ « :‬شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلته قبل نصف النّهار » ‪ ،‬ولحديث‬ ‫جابر ‪ « :‬كان يصلّي الجمعة ثمّ نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشّمس » وكذلك‬ ‫روي عن ابن مسعود وجابر وسعد ومعاوية ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬أنّهم صلّوا قبل الزّوال‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ولم ينكر عليهم ‪ ،‬وفعلها بعد الزّوال أفضل‬

‫النّوع الثّاني من الشّروط وهي‬ ‫‪:‬‬

‫شروط الوجوب فقط‬

‫تتلخّص جملة هذه الشّروط في خمسة أمور ‪ ،‬وذلك بعد اعتبار الشّروط الّتي تتوقّف عليها‬ ‫‪:‬‬

‫أهليّة التّكليف بصورة عامّة ‪ ،‬من عقل وبلوغ‬

‫الوّل ‪ :‬القامة بمصر ‪ :‬فل تجب على مسافر ‪ .‬ث ّم ل فرق في القامة بين أن تكون‬

‫على ‪11 -‬‬

‫سبيل الستيطان أو دون ذلك ‪ ،‬فمن تجاوزت أيّام إقامته في بلدة ما الفترة الّتي يشرع له‬ ‫فيها قصر الصّلة وجبت عليه صلة الجمعة وإلّ فل على التّفصيل المبيّن في ( صلة‬ ‫‪).‬‬

‫المسافر‬

‫ودليل ذلك ما رواه جابر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ : -‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬ ‫من كان يؤمن باللّه واليوم الخر فعليه الجمعة إلّ مريض ‪ ،‬أو مسافر ‪ ،‬أو امرأة ‪ ،‬أو‬ ‫صبيّ ‪ ،‬أو مملوك ‪ ،‬فمن استغنى بلهو أو تجارة استغنى اللّه عنه واللّه غنيّ حميد » ‪ .‬قال‬ ‫السّرخسيّ ‪ :‬والمعنى ‪ :‬أنّ المسافر تلحقه المشقّة بدخول المصر وحضور الجمعة ‪ ،‬وربّما‬ ‫‪.‬‬

‫ل يجد أحدا يحفظ رحله ‪ ،‬وربّما ينقطع عن أصحابه ‪ ،‬فلدفع الحرج أسقطها الشّرع عنه‬

‫أمّا من كان مقيما في غير مصر ‪ ،‬كالقرى والبوادي ‪ ،‬فإن كان مكانه قريبا من بلدة هناك‬ ‫‪.‬‬

‫وجب عليه الذّهاب إليها وإقامة الجمعة فيها ‪ ،‬وإلّ لم تجب عليه‬

‫والمفتى به في ضابط القرب ‪ :‬أن تصل أصوات المؤذّنين إلى ذلك المكان عندما يؤذّنون في‬ ‫‪.‬‬

‫أماكن مرتفعة وبأصوات عالية مع توسّط حالة الجوّ من حيث الهدوء والضّجيج‬ ‫‪.‬‬

‫وهذا على ما سبق بيانه في الفقرة من اشتراط الحنفيّة المصر خلفا لغيرهم‬ ‫‪.‬‬

‫الشّرط الثّاني ‪ :‬الذّكورة ‪ :‬فل تجب صلة الجمعة على‬

‫النّساء ‪12 -‬‬

‫وذكر صاحب البدائع حكمة ذلك فقال ‪ :‬وأمّا المرأة فلنّها مشغولة بخدمة الزّوج ‪ ،‬ممنوعة‬ ‫من الخروج إلى محافل الرّجال ‪ ،‬لكون الخروج سببا للفتنة ولهذا ل جماعة عليهنّ أيضا ‪.‬‬

‫صحّة ‪ :‬ويقصد بها خلوّ البدن عمّا يتعسّر معه ‪ -‬عرفا ‪-‬‬ ‫الشّرط الثّالث ‪ :‬ال ّ‬

‫الخروج ‪13 -‬‬

‫لشهود الجمعة في المسجد ‪ ،‬كمرض وألم شديد ؛ فل تجب صلة الجمعة على من اتّصف‬ ‫‪.‬‬

‫بشيء من ذلك‬

‫وألحق بالمريض ممرّضه الّذي يقوم بأمر تمريضه وخدمته ‪ ،‬بشرط أن ل يوجد من يقوم‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫مقامه في ذلك لو تركه‬

‫الشّرط الرّابع ‪ :‬الحرّيّة ‪ :‬فل تجب على العبد المملوك ‪ ،‬لنشغاله بخدمة‬

‫المولى ‪14 -‬‬

‫غير أنّها تجب على المكاتب والمبعّض وتجب على الج ير ‪ ،‬بمعنى أنّه ل يجوز للم ستأجر‬ ‫منعه منها ‪ ،‬فإذا ترك العمل لصلتها ‪ ،‬وكان المسجد بعيدا عن مكان عمله في ‪ -‬العرف ‪-‬‬ ‫سقط من أجر ته ما يقا بل الزّ من الّذي ترك ف يه الع مل من أجل ها ب ما في ذلك مدّة ال صّلة‬ ‫نفسها‪ ،‬وإلّ لم يسقط شيء ‪.‬‬ ‫وهذه الشّريطة ‪ -‬أيضا ‪ -‬محلّ اتّفاق لدى مختلف المذاهب ‪ ،‬ثمّ إنّ السّيّد إذا أذن لعبده في‬ ‫‪.‬‬

‫الخروج لصلة الجمعة وجبت عليه حينئذ‬

‫الشّرط الخامس ‪ :‬السّلمة ‪ :‬والمقصود بها سلمة المصلّي من العاهات المقعدة ‪،‬‬

‫أو ‪15 -‬‬

‫المتعبة له في الخروج إلى صلة الجمعة ‪ ،‬كالشّيخوخة المقعدة والعمى ‪ ،‬فإن وجد العمى‬ ‫قائدًا متبرّعا أو بأجرة معتدلة ‪ ،‬وجبت عليه عند الجمهور ‪ -‬أبي يوسف ومحمّد والمالكيّة‬ ‫والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬؛لنّ العمى بواسطة القائد يعتبر قادرا على السّعي خلفا لبي‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫حنيفة‪ .‬وهناك صورتان أخريان تجب فيهما على العمى صلة الجمعة‬

‫الصّورة الولى ‪ :‬أن تقام الصّلة وهو في المسجد متطهّر متهيّئ للصّلة‬

‫الصّورة الثّانية ‪ :‬أن يكون ممّن أوتوا مهار ًة في المشي في السواق دون الحتياج إلى أيّ‬ ‫‪.‬‬

‫كلفة أو قيادة أو سؤال أحد ‪ .‬إذ ل حرج حينئذ عليه في حضور صلة الجمعة‬

‫ول تجب ‪ -‬أيضا ‪ -‬في حالة خوف من عد ّو أو سبع أو لصّ ‪ ،‬أو سلطان ‪ ،‬ول في حالة‬ ‫مطر شديد ‪ ،‬أو وحل ‪ ،‬أو ثلج ‪ ،‬يتعسّر معها الخروج إليها ‪ .‬إذ ل تعتبر السّلمة متوفّرةً‬ ‫‪.‬‬

‫في مثل هذه الحالت‬

‫ثمّ إنّ َمنْ حضر صلة الجمعة ممّن لم تتوفّر فيه هذه الشّروط الخمسة ينظر في‬

‫أمره‪16 - :‬‬

‫ي والمجنون ‪ ،‬صحّت صلة الصّبيّ واعتبرت له‬ ‫فإن كان فاقدا أهليّة التّكليف نفسها ‪ ،‬كالصّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫تطوّعا ‪ ،‬وبطلت صلة المجنون ؛ لعدم توفّر الدراك المصحّح لصل العبادة‬

‫أمّا إن تكاملت لديه أهليّة التّكليف ‪ ،‬كالمريض والمسافر والعبد والمرأة ‪ ،‬فمثل هؤلء إن‬ ‫حضروا الجمعة وصلّوها أجزأتهم عن فرض الظّهر ؛ لنّ امتناع الوجوب في حقّهم إنّما‬ ‫ن لهم النصراف ؛ إذ‬ ‫كان للعذر ‪ ،‬وقد زال بحضورهم لكن صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأ ّ‬

‫المانع من وجوبها عليهم ل يرتفع بحضورهم إلّ المريض ونحوه كالعمى فيحرم‬ ‫انصرافهما إن دخل الوقت قبل انصرافهما ؛ لنّ المانع في حقّهما مشقّة الحضور وقد زالت‬ ‫‪.‬‬

‫ويصحّ أن يؤمّ القوم من هؤلء كلّ من صحّت إمامته المطلقة في باب صلة‬

‫الجماعة ‪17 -‬‬

‫فتصحّ إمامة المريض والمسافر والعبد ‪ ،‬دون المرأة قال في تنوير البصار ‪ :‬ويصلح‬ ‫‪.‬‬

‫للمامة فيها من صلح لغيرها ؛ فجازت لمسافر وعبد ومريض‬

‫وأمّا صفة الّذين تنعقد بهم الجمعة فهي ‪ :‬أنّ كلّ من يصلح إماما للرّجال في الصّلوات‬ ‫المكتوبة تنعقد بهم الجمعة ‪ ،‬فيشترط صفة الذّكورة والعقل والبلوغ ل غير ‪ ،‬فتنعقد الجمعة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫بعبيد ومسافرين ‪ .‬وهذا عند الحنفيّة‬

‫ومذهب الحنابلة ‪ :‬أنّه ل تنعقد الجمعة بأحد من هؤلء ‪ ،‬ول تصحّ إمامته‬

‫أمّا الشّافعيّة ‪ :‬فصحّحوا المامة من هؤلء دون النعقاد به ‪ .‬فلو أمّ المصلّين مسافر وكان‬ ‫‪.‬‬

‫عددهم ل يتجاوز مع إمامهم المسافر أربعين رجلً ‪ ،‬لم تنعقد صلتهم‬

‫فمن توفّرت فيه هذه الشّروط ‪ ،‬حرّم عليه صلة الظّهر قبل فوات الجمعة ‪ ،‬لما في‬

‫ذلك ‪18 -‬‬

‫من مخالفة المر بإسقاط صلة الظّهر وأداء الجمعة في مكانها ‪ .‬أمّا بعد فواتها عليه فل‬ ‫مناص حينئذ من أداء الظّهر ‪ ،‬بل يجب عليه ذلك ‪ ،‬غير أنّه يعتبر آثما بسبب تفويت‬ ‫‪.‬‬

‫الجمعة بدون عذر‬

‫فإن سعى إليها بعد أدائه الظّهر والمام في الصّلة بطلت صلته الّتي كان قد أدّاها بمجرّد‬ ‫ن السّعي إلى صلة الجمعة‬ ‫انفصاله عن داره واتّجاهه إليها سواء أدركها أم ل ‪ .‬وذلك ل ّ‬ ‫معدود من مقدّماتها وخصائصها المأمور بها بنصّ كتاب اللّه تعالى ‪ ،‬والشتغال بفرائض‬ ‫الجمعة الخاصّة بها يبطل الظّهر وهذا عند أبي حنيفة ‪ ،‬أمّا عند الصّاحبين فل يبطل ظهره‬ ‫‪.‬‬

‫بمجرّد السّعي ‪ ،‬بل ل بدّ لذلك من إدراكه الجمعة وشروعه فيها‬

‫وقال المالكيّة والحنابلة ‪ :‬من وجبت عليه الجمعة إذا صلّى الظّهر قبل أن يصلّي المام‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ن أنّه يدركها‬ ‫الجمعة لم يصحّ ويلزمه السّعي إلى الجمعة إن ظ ّ‬

‫صحّة فقط‬ ‫النّوع الثّالث ‪ :‬شروط ال ّ‬ ‫‪:‬‬

‫وهي أربعة شروط‬

‫الوّل الخطبة ‪ :‬ويشترط تقدّمها على الصّلة ‪ ،‬وهي كلّ ذكر يسمّى في عرف‬

‫النّاس ‪19 -‬‬

‫خطبةً ‪ ،‬فمتى جاء المام بذلك بعد دخول الوقت ‪ ،‬فقد تأدّى الشّرط وصحّت الخطبة ‪ ،‬سواء‬ ‫كان قائما ‪ ،‬أو قاعدا أتى بخطبتين أو خطبة واحدة ‪ ،‬تل فيها قرآنا أم ل ‪ ،‬عرب ّي ًة كانت أو‬ ‫عجم ّي ًة ‪ ،‬إلّ أنّها ينبغي أن تكون قبل الصّلة ‪ ،‬إذ هي شرط ‪ ،‬وشرط الشّيء ل بدّ أن يكون‬ ‫‪.‬‬

‫سابقا عليه وهذا عند الحنفيّة‬

‫ي صلى‬ ‫واشترط لها المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة خطبتين مستدلّين على ذلك بمواظبة النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ال عليه وسلم‬

‫واعتبر الشّافعيّة للخطبة أركانا خمسةً ل بدّ من توافرها وهي ‪ :‬حمد اللّه ‪ ،‬والصّلة على‬ ‫رسوله ‪ ،‬والوصيّة بالتّقوى ‪ .‬وهذه الثّلثة أركان في كلّ من الخطبتين ‪ ،‬والرّابع ‪ :‬قراءة‬ ‫آية من القرآن في إحداهما ‪ ،‬والخامس ‪ :‬ما يقع عليه اسم الدّعاء للمؤمّنين في الخطبة‬ ‫الثّانية ‪ .‬واشترط الحنابلة من هذه الركان قراءة آية من القرآن ‪ .‬قال ابن قدامة ‪ ...‬قال‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم لم يقتصر‬ ‫أصحابنا ‪ :‬ول يكفي في القراءة أقلّ من آية ؛ لنّ النّب ّ‬ ‫‪).‬‬

‫على أقلّ من ذلك وما عدا ذلك مستحبّ ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ( خطبة‬

‫الثّاني ‪ :‬الجماعة ‪ :‬قال في البدائع ‪ :‬ودليل شرطيّتها ‪ ،‬أنّ هذه الصّلة تسمّى جمعةً‬

‫‪20 - ،‬‬

‫فل ب ّد من لزوم معنى الجمعة فيها ‪ ،‬اعتبارًا للمعنى الّذي أخذ اللّفظ منه ‪ ...‬ولهذا لم يؤدّ‬ ‫‪.‬‬

‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم الجمعة إلّ جماع ًة ‪ ،‬وعليه إجماع العلماء‬ ‫‪:‬‬

‫ويتعلّق ببيان كيفيّة هذا الشّرط ثلثة أبحاث‬

‫أوّلها ‪ :‬حضور واحد سوى المام ‪ -‬على الصّحيح من مذهب الحنفيّة ‪ -‬وقيل ‪:‬‬

‫ثلثة ‪21 -‬‬

‫سوى المام ‪ ،‬قال في مجمع النهر ‪ :‬لنّها أق ّل الجمع ‪ ،‬وقد ورد الخطاب للجمع ‪ ،‬وهو‬ ‫سعَوْا إِلَى ِذكْ ِر الّل ِه } فإنّه يقتضي ثلثةً سوى الخطيب ‪ ،‬هذا مذهب أبي‬ ‫قوله تعالى ‪ { :‬فَا ْ‬ ‫‪.‬‬

‫حنيفة ومحمّد‬

‫ل تجب في حقّهم الجمعة ‪.‬‬ ‫واشترط الشّافعيّة والحنابلة أن ل يقلّ المجمعون عن أربعين رج ً‬ ‫قال صاحب المغني ‪ :‬أمّا الربعون فالمشهور في المذهب أنّه شرط لوجوب الجمعة وصحّتها‬ ‫‪.‬‬

‫‪ ،‬ويشترط حضورهم الخطبتين‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬يشترط حضور اثني عشر من أهل الجمعة ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ثانيها ‪ :‬يجب حضور ما ل يقلّ عن هذا العدد من أوّل‬

‫الخطبة ‪22 -‬‬

‫قال في البدائع ‪ :‬لو نفروا قبل أن يخطب المام فخطب وحده ‪ ،‬ثمّ حضروا فصلّى بهم‬ ‫ن الجماعة كما هي شرط انعقاد الجمعة حال الشّروع في الصّلة ‪ ،‬فهي‬ ‫الجمعة ل يجوز ؛ ل ّ‬ ‫ن الخطبة بمنزلة شفع من الصّلة ‪ ،‬قالت عائشة ‪ -‬رضي ال‬ ‫شرط حال سماع الخطبة ؛ ل ّ‬ ‫عنها ‪ :‬إنّما قصرت الجمعة لجل الخطبة ‪ ،‬وجاء مثله عن عمر وعطاء وطاوس ومجاهد‬ ‫‪.‬‬

‫فتشترط الجماعة حال سماع الخطبة ‪ ،‬كما تشترط حال الشّروع في الصّلة‬

‫ثالثها ‪ :‬الجماعة في صلة الجمعة شرط أداء عند الحنفيّة ‪ ،‬وهو الصّحيح عند‬

‫المالكيّة ‪23 -‬‬

‫والشّافعيّة ‪ ،‬ول يتحقّق الداء إ ّل بوجود تمام الركان ‪ ،‬وهي ‪ :‬القيام ‪ ،‬والقراءة ‪ ،‬والرّكوع‬ ‫‪ ،‬والسّجود ‪ .‬وعلى هذا فلو تفرّقت الجماعة قبل سجود المام بطلت الجمعة ويستأنف‬

‫الظّهر ‪ ،‬والجماعة شرط انعقاد عند الصّاحبين ‪ ،‬والنعقاد يتمّ بدخول صحيح في الصّلة ‪،‬‬ ‫وعلى هذا فلو تفرّقت الجماعة عن المام قبل السّجود وبعد النعقاد صحّت جمعة كلّ منهم‬ ‫‪.‬‬

‫وقد صحّح صاحب " تنوير البصار " ما ذهب إليه أبو حنيفة‬

‫أمّا الحنابلة ‪ :‬فظاهر كلم أحمد أنّهم إن انفضّوا قبل كمالها لم يجز إتمامها جمعةً ‪ ،‬وقياس‬ ‫‪.‬‬

‫قول الخرقيّ أنّهم إن انفضّوا بعد ركعة أتمّوها جمعةً‬

‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن إلى أنّ من أدرك مع المام أق ّل من‬ ‫‪.‬‬

‫ركعة ‪ ،‬فإنّه ل يكون مدركا للجمعة ويصلّيها ظهرا‬

‫وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ‪ :‬صلة المقتدي صحيحة على أنّها جمعة إذا أدرك جزءا منها‬ ‫مع المام ‪ ،‬وإن قلّ ‪ .‬قال في المبسوط ‪ :‬ومن أدرك المام في التّشهّد في الجمعة أو في‬ ‫‪.‬‬

‫سجدتي السّهو فاقتدى به فقد أدركها ويصلّيها ركعتين‬

‫صحّة ‪ :‬واشترط الحنفيّة أن تؤدّى بإذن عامّ يستلزم الشتهار ‪،‬‬ ‫الثّالث من شروط ال ّ‬

‫وهو ‪24 -‬‬

‫يحصل بإقامة الجمعة في مكان بارز معلوم لمختلف فئات النّاس ‪ ،‬مع فتح البواب للقادمين‬ ‫إليه ‪ ،‬قال في تنوير البصار ‪ :‬فلو دخل أمير حصنا أو قصره وأغلق بابه ‪ ،‬وصلّى‬ ‫‪.‬‬

‫بأصحابه لم تنعقد‬

‫والحكمة من هذا الشّرط ما قاله صاحب البدائع ‪ :‬وإنّما كان هذا شرطا ؛ لنّ اللّه تعالى‬ ‫جمُ َعةِ‬ ‫شرع النّداء لصلة الجمعة بقوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصّلَا ِة مِن َي ْومِ ا ْل ُ‬ ‫‪}.‬‬

‫سعَوْا إِلَى ِذكْ ِر الّلهِ‬ ‫فَا ْ‬

‫والنّداء للشتهار ؛ ولذا يسمّى جمعةً ‪ ،‬لجتماع الجماعات فيها فاقتضى أن تكون الجماعات‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫كلّها مأذونين بالحضور إذنا عامّا تحقيقا لمعنى السم‬

‫الشّرط الرّابع ‪ :‬أن ل تتعدّد الجمعة في المصر الواحد‬

‫مطلقا ‪25 -‬‬

‫ذهب الجمهور إلى منع التّعدّد في أعمّ الحوال على اختلف يسير بينهم في ضابط المكان‬ ‫‪.‬‬

‫الّذي ل يجوز التّعدّد فيه‬

‫فمذهب الشّافعيّ وأحمد والمشهور من مذهب مالك هو منع التّعدّد في البلدة الواحدة كبيرةً‬ ‫‪.‬‬

‫كانت أو صغير ًة إلّ لحاجة‬

‫وهذا ‪ -‬أيضا ‪ -‬مذهب أبي حنيفة ‪ ،‬وصحّحه ابن عابدين وذكر أنّه اختيار الطّحاويّ‬ ‫ي ‪ ،‬ونقل عن شرح المنية أنّه أظهر الرّوايتين عن المام ‪ ،‬ونقل عن النّهر‬ ‫والتّمرتاش ّ‬ ‫ن الحكمة من مشروعيّتها هي الجتماع والتّلقي ‪،‬‬ ‫ن الفتوى عليه ‪ .‬قالوا ‪ :‬ل ّ‬ ‫والتّكملة ‪ :‬أ ّ‬ ‫وينافيه التّفرّق بدون حاجة في عدّة مساجد ‪ ،‬ولنّه لم يحفظ عن صحابيّ ول تابعيّ تجويز‬ ‫‪.‬‬

‫تعدّدها‬

‫ومقابله ما رواه في البدائع عن الكرخيّ ‪ :‬أنّه ل بأس بأن يجمعوا في موضعين أو ثلثة‬ ‫‪:‬‬

‫عند محمّد ‪ ،‬وعن أبي يوسف روايتان‬

‫إحداهما ‪ :‬ل يجوز إلّ إذا كان بين موضعي القامة نهر عظيم كدجلة ونحوها فيصير بمنزلة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫والثّانية ‪ :‬يجوز في موضعين إذا كان المصر عظيما‬

‫فهذه الشّروط الربعة إذا فقد واحد منها ‪ ،‬بطلت الصّلة ‪ ،‬مع استمرار تعلّق‬ ‫‪.‬‬

‫مصرين‬

‫الوجوب ‪26 -‬‬

‫بها ‪ ،‬حتّى إنّه يجب إعادتها إذا بقي وقت وأمكن تدارك الشّرط الفائت‬

‫صحّة فقط ‪ ،‬إ ّل ما يتعلّق بفقد الشّرط الخير ‪ ،‬فسنذكر حكم ذلك‬ ‫وهذا معنى أنّها شروط لل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫عند البحث عن مفسدات صلة الجمعة وما يترتّب على فسادها‬ ‫‪:‬‬

‫النصات للخطبة‬

‫إذا صعد المام المنبر للخطبة ‪ ،‬يجب على الحاضرين أن ل يشتغلوا عندئذ بصلة‬ ‫‪.‬‬

‫ول ‪27 -‬‬

‫كلم إلى أن يفرغ من الخطبة ‪ .‬فإذا بدأ الخطيب بالخطبة تأكّد وجوب ذلك أكثر‬

‫قال في تنوير البصار ‪ :‬كلّ ما حرّم في الصّلة حرّم في الخطبة ‪ ،‬وسواء أكان الجالس في‬ ‫المسجد يسمع الخطبة أم ل ‪ ،‬اللّهمّ إلّ أن يشتغل بقضاء فائتة لم يسقط التّرتيب بينها وبين‬ ‫‪.‬‬

‫الصّلة الوقتيّة فل تكره ‪ ،‬بل يجب فعلها‬

‫فلو خرج الخطيب ‪ ،‬وقد بدأ المصلّي بصلة نافلة ‪ ،‬كان عليه أن يخفّفها ويسلّم على رأس‬ ‫‪.‬‬

‫ركعتين ‪ ،‬وهذا محلّ اتّفاق بين الئمّة الربعة‬

‫غير أنّه جرى الخلف فيما إذا دخل الرّجل والخطيب يخطب فقد ذهب الحنفيّة ‪ ،‬والمالكيّة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫إلى أنّه يجلس ول يصلّي ‪ ،‬شأنه في ذلك كالجالسين دون أيّ فرق‬

‫ي وأحمد إلى أنّه يصلّي ركعتين خفيفتين ما لم يجلس ‪ ،‬تح ّيةً للمسجد وقال‬ ‫وذهب الشّافع ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الشّافعيّة ‪ :‬إن غلب على ظنّه أنّه إن صلّاها فاتته تكبيرة الحرام مع المام لم يصلّها‬ ‫‪:‬‬

‫الجهر بالقراءة في صلة الجمعة‬

‫ذهب الجمهور إلى أنّه يسنّ للمام الجهر في قراءة صلة الجمعة ‪ ،‬وعند الحنفيّة‬

‫يجب ‪28 -‬‬

‫الجهر فيها بالقراءة ‪ ،‬قال في البدائع ‪ :‬وذلك لورود الثر فيها بالجهر وهو ما روي عن‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم يقرأ في‬ ‫ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أنّه قال ‪ « :‬سمعت النّب ّ‬ ‫صلة الجمعة في الرّكعة الولى سورة الجمعة وفي الثّانية سورة المنافقين » ولو لم يجهر‬ ‫لما سمع ولنّ النّاس يوم الجمعة فرّغوا قلوبهم ‪ ،‬عن الهتمام بأمور التّجارة لعظم ذلك‬ ‫الجمع فيتأمّلون قراءة المام فتحصل لهم ثمرات القراءة ‪ ،‬فيجهر بها كما في صلة اللّيل ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وخالف بقيّة الئمّة في وجوب الجهر فذهبوا إلى استحبابه‬

‫‪:‬‬

‫السّعي لصلة الجمعة‬

‫من الواجبات المتعلّقة بهذه الشّعيرة ‪ :‬وجوب السّعي إليها ‪ ،‬وترك معاملت‬

‫البيع ‪29 -‬‬

‫ن آمَنُوا إِذَا‬ ‫والشّراء عند الذان الثّاني ‪ ،‬وهو قول الجمهور ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِي َ‬ ‫‪}.‬‬

‫س َعوْا إِلَى ِذكْ ِر الّلهِ وَ َذرُوا الْبَيْعَ‬ ‫ج ُم َعةِ فَا ْ‬ ‫نُودِي لِلصّلَا ِة مِن َي ْومِ ا ْل ُ‬

‫وقال الحنفيّة في الصحّ عندهم ‪ :‬إنّما يجب ذلك عند الذان الوّل ‪ ،‬ويترتّب على تأخير هذا‬ ‫‪.‬‬

‫السّعي الواجب عند سماع النّداء ما يترتّب على ترك الواجبات من الحرمة بسبب المعصية‬ ‫أمّا حكم العقد الّذي يباشره من بيع ‪ ،‬ونحوه بدلً من المبادرة إلى السّعي ففي بطلنه ‪ ،‬أو‬

‫ي عنه ج‬ ‫كراهته اختلف الفقهاء ويعرف ذلك بالرّجوع إلى أحكام البيع ‪ ( .‬ر ‪ :‬بيع منه ّ‬ ‫‪).‬ف ‪/‬‬ ‫‪:‬‬

‫المستحبّات من كيفيّة أداء الجمعة‬

‫أ ‪ -‬الذان بين يدي المنبر قبل البدء بالخطبة إذا جلس الخطيب على المنبر ‪،‬‬

‫‪9/‬‬

‫‪133‬‬

‫وهذا ‪30 -‬‬

‫الذان هو الّذي كان يؤذّن لك ّل من الوقت والخطبة على عهد رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫وسلم وفي زمن أبي بكر وعمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬ثمّ رأى عثمان ‪ -‬رضي ال عنه ‪-‬‬ ‫أن يؤذّن أذانا أوّل للعلم بدخول الوقت ‪ ،‬وذلك بسبب كثرة النّاس ‪ .‬وأبقى الذان الثّاني‬ ‫‪.‬‬

‫بين يدي المنبر التزاما للسّنّة‬

‫ب ‪ -‬أن يخطب الخطيب خطبتين قائما ‪ ،‬يفصل بينهما بجلسة خفيفة يفتتحها بحمد اللّه‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ويزيد على ذلك في‬ ‫والثّناء عليه ‪ ،‬والتّشهّد ‪ ،‬والصّلة على النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الخطبة الثّانية الدّعاء للمؤمنين والمؤمنات‬

‫وقد اختلف الفقهاء في حكم الطّهارة في الخطبة ‪ ،‬فذهب ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة‬

‫والحنابلة ‪31 -‬‬

‫ إلى أنّ الطّهارة سنّة في الخطبة ‪ ،‬وذهبت الشّافعيّة إلى اعتبارها شرطا فيها ‪ .‬ودليل‬‫ن الخطبة من باب الذّكر ‪ ،‬والمحدث والجنب ل يمنعان‬ ‫الّذين لم يشترطوا الطّهارة فيها ‪ :‬أ ّ‬ ‫من ذكر اللّه تعالى ‪ ،‬أمّا دليل الخرين ‪ :‬فهو مواظبة السّلف على الطّهارة فيها ‪ ،‬والقياس‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫استحباب كون الخطيب والمام واحدا‬

‫على الصّلة‬

‫يستحبّ أن ل يؤمّ القوم إ ّل من خطب فيهم ؛ لنّ الصّلة والخطبة كشيء واحد ‪،‬‬

‫قال ‪32 -‬‬

‫ي بإذن السّلطان وصلّى بالغ جاز ‪ ،‬غير أنّه‬ ‫في تنوير البصار ‪ :‬فإن فعل بأن خطب صب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يشترط في المام حينئذ أن يكون ممّن قد شهد الخطبة‬

‫قال في البدائع ‪ :‬ولو أحدث المام بعد الخطبة قبل الشّروع في الصّلة فقدّم رجلً يصلّي‬ ‫بالنّاس ‪ :‬إن كان ممّن شهد الخطبة أو شيئا منها جاز ‪ ،‬وإن لم يشهد شيئا من الخطبة لم‬ ‫‪.‬‬

‫يجز ‪ ،‬ويصلّي بهم الظّهر ‪ ،‬وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء‬

‫وخالف في ذلك المالكيّة ‪ ،‬فذهبوا إلى وجوب كون الخطيب والمام واحدا إلّ لعذر كمرض ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وكأن ل يقدر المام على الخطبة ‪ ،‬أو ل يحسنها‬

‫ما يقرأ في صلة الجمعة‬

‫اتّفق الفقهاء على أنّه ‪ :‬يستحبّ للمام أن يقرأ في الرّكعة الولى " سورة الجمعة "‬

‫‪33 - ،‬‬

‫وفي الرّكعة الثّانية " سورة المنافقين " ‪ .‬لما روى عبيد اللّه بن أبي رافع قال ‪ « :‬صلّى بنا‬ ‫أبو هريرة الجمعة فقرأ سورة الجمعة في الرّكعة الولى ‪ ،‬وفي الرّكعة الخرة { إِذَا جَا َءكَ‬ ‫المُنَا ِفقُونَ } فلمّا قضى أبو هريرة الصّلة أدركته فقلت ‪ :‬يا أبا هريرة إنّك قرأت بسورتين ‪،‬‬ ‫ي بن أبي طالب يقرأ بهما بالكوفة فقال أبو هريرة ‪ :‬إنّي سمعت رسول اللّه صلى‬ ‫كان عل ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ال عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة‬

‫كما استحبّ جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬أيضا قراءة سورة { سَ ّبحِ‬ ‫علَى } في الرّكعة الولى و { َهلْ أَتَاكَ } في الرّكعة الثّانية ‪ .‬لما روى النّعمان‬ ‫سمَ رَبّكَ الْأَ ْ‬ ‫ا ْ‬ ‫بن بشير قال ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة { سَ ّبحِ‬ ‫‪}».‬‬

‫ث الْغَاشِ َيةِ‬ ‫ك الْأَعْلَى } و { َهلْ أَتَاكَ حَدِي ُ‬ ‫اسْمَ رَبّ َ‬

‫قال الكاسانيّ ‪ :‬لكن ل يواظب على قراءتها بل يقرأ غيرها في بعض الوقات حتّى ل يؤدّي‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ل تظنّه العامّة حتما‬ ‫إلى هجر بعض القرآن ‪ ،‬ولئ ّ‬

‫وصرّح الماورديّ من الشّافعيّة بأنّ قراءة " الجمعة ‪ ،‬والمنافقين " أولى‬

‫قال النّوويّ ‪ :‬كان صلى ال عليه وسلم يقرأ بهاتين في وقت ‪ ،‬وهاتين في آخر فهما‬ ‫ي من الشّافعيّة ‪ :‬بأنّه لو ترك قراءة " سورة الجمعة " في الولى‬ ‫سنّتان‪ ،‬وصرّح المحلّ ّ‬ ‫قرأها مع " المنافقين " في الثّانية ‪ ،‬ولو قرأ " المنافقين " في الولى قرأ " الجمعة " في‬ ‫‪.‬‬

‫الثّانية ‪ .‬كي ل تخلو صلته عن هاتين السّورتين‬

‫ويندب عند المالكيّة أن يقرأ في الرّكعة الثّانية ‪ -‬أيضا ‪ -‬بسورة { َهلْ أَتَاكَ } ‪ ،‬أو { سَ ّبحِ‬ ‫‪}.‬‬

‫ك الْأَعْلَى‬ ‫اسْمَ رَبّ َ‬

‫ي ‪ :‬إنّه مخيّر في القراءة في الرّكعة الثّانية بين الثّلث ‪َ { -‬هلْ أَتَاكَ } أو {‬ ‫قال الدّسوق ّ‬ ‫سَ ّبحِ} أو " المنافقون " ‪ -‬وأنّ كلّا يحصل به النّدب ‪ ،‬لكن { َهلْ أَتَاكَ } أقوى في النّدب ‪،‬‬ ‫ن المسألة ذات قولين ‪،‬‬ ‫ي ‪ .‬وفي كلم بعضهم ما يفيد أ ّ‬ ‫وهذا ما اعتمده مصطفى الرّماص ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وأنّ القتصار على { َهلْ أَتَاكَ } مذهب المدوّنة ‪ ،‬وأنّ التّخيير بين الثّلث قول الكافي‬

‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‬

‫مفسدات الجمعة‬ ‫تنقسم إلى نوعين‬

‫مفسدات مشتركة ‪ ،‬ومفسدات خاصّة‬

‫فأمّا المفسدات المشتركة ‪ :‬فهي كلّ ما يفسد سائر الصّلوات ( ر ‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وأمّا مفسداتها الخاصّة بها فتنحصر في المور‬

‫صلة ‪34 -‬‬ ‫التّالية ‪35 -‬‬

‫أوّلها ‪ :‬خروج وقت الظّهر قبل الفراغ منها فيصلّيها ظهرا ‪ ،‬ويستوي في الفساد خروج‬ ‫الوقت قبل المباشرة بها ‪ ،‬وخروجه بعد المباشرة بها وقبل النتهاء منها هذا عند الحنفيّة ‪،‬‬ ‫ونحوه للشّافعيّة فإنّها تنقلب ظهرا ول تكون جمعةً ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬إن أحرموا بها في‬ ‫‪.‬‬

‫الوقت فهي جمعة‬

‫وهذا يعني ‪ :‬أنّ اشتراط وقت الظّهر لها مستمرّ في العتبار إلى لحظة الفراغ منها قال في‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ن الوقت شرط الداء ل شرط الفتتاح‬ ‫تنوير البصار ‪ :‬ل ّ‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬شرط الجمعة وقوع كلّها بالخطبة وقت الظّهر للغروب‬

‫ثانيها ‪ :‬انفضاض الجماعة أثناء أدائها ‪ ،‬قبل أن تقيّد الرّكعة الولى بالسّجدة فيصلّيها‬ ‫ظهرا‪ .‬وذلك على ما ذهب إليه الئمّة القائلون ‪ :‬بأنّ الجماعة شرط أداءً ‪ ،‬وأمّا على ما‬ ‫‪.‬‬

‫رجّحه الخرون ‪ ،‬فل أثر لنفساخها بعد النعقاد وإن لم تقيّد الرّكعة الولى جماعةً‬

‫وللشّافعيّة ثلثة أقوال ‪ :‬الظهر ‪ :‬يتمّها ظهرا ‪ ،‬والثّاني ‪ :‬إن بقي معه اثنان يتمّها جمعةً ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫والثّالث ‪ :‬إن بقي معه واحد يتمّها جمعةً‬

‫وسبب هذا الخلف ‪ :‬أنّ الجماعة شرط أدا ًء لصحّة الجمعة عند بعض الئمّة ‪ ،‬وهي عند‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫بعضهم شرط انعقاد‬

‫قضاء صلة الجمعة‬

‫صلة الجمعة ل تقضى بالفوات ‪ ،‬وإنّما تعاد الظّهر في مكانها ‪ .‬قال في البدائع ‪:‬‬

‫وأمّا ‪36 -‬‬

‫إذا فاتت عن وقتها ‪ ،‬وهو وقت الظّهر ‪ ،‬سقطت عند عامّة العلماء ; لنّ صلة الجمعة ل‬ ‫تقضى ؛ لنّ القضاء على حسب الداء ‪ ،‬والداء فات بشرائط مخصوصة يتعذّر تحصيلها‬ ‫‪.‬‬

‫على كلّ فرد ‪ ،‬فتسقط ‪ ،‬بخلف سائر المكتوبات إذا فاتت عن أوقاتها وهذا محلّ اتّفاق‬ ‫‪:‬‬

‫اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد‬

‫ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه إذا وافق العيد يوم الجمعة فل يباح لمن شهد‬

‫العيد ‪37 -‬‬

‫ي ‪ :‬وسواء من شهد العيد بمنزله في البلد ‪ ،‬أو خارجها ‪.‬‬ ‫التّخلّف عن الجمعة ‪ .‬قال الدّسوق ّ‬ ‫وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد فصلّوا العيد والظّهر جاز‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم صلّى العيد ‪ ،‬وقال ‪:‬‬ ‫وسقطت الجمعة عمّن حضر العيد ؛ لنّ « النّب ّ‬

‫من شاء أن يجمّع فليجمّع » وصرّحوا بأنّ إسقاط الجمعة حينئذ إسقاط حضور ل إسقاط‬ ‫وجوب ‪ ،‬فيكون حكمه كمريض ونحوه ممّن له عذر أو شغل يبيح ترك الجمعة ‪ ،‬ول يسقط‬ ‫‪.‬‬

‫عنه وجوبها فتنعقد به الجمعة ويصحّ أن يؤمّ فيها‬

‫والفضل له حضورها خروجا من الخلف ‪ .‬ويستثنى من ذلك المام فل يسقط عنه حضور‬ ‫الجمعة ‪ ،‬لحديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬قد‬ ‫‪».‬‬

‫اجتمع في يومكم هذا عيدان ‪ ،‬فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنّا مجمّعون‬

‫ولنّه لو تركها لمتنع فعلها في حقّ من تجب عليه ‪ ،‬ومن يريدها ممّن سقطت عنه ‪،‬‬ ‫وقالوا‪ :‬إن قدّم الجمعة فصلّاها في وقت العيد ‪ ،‬فقد روي عن أحمد قال ‪ :‬تجزئ الولى‬ ‫‪.‬‬

‫منهما‬

‫فعلى هذا ‪ :‬تجزيه عن العيد والظّهر ‪ ،‬ول يلزمه شيء إلى العصر عند من جوّز الجمعة في‬ ‫‪.‬‬

‫وقت العيد‬

‫وأجاز الشّافعيّة في اليوم الّذي يوافق فيه العيد يوم الجمعة لهل القرية الّذين يبلغهم النّداء‬ ‫لصلة العيد ‪ :‬الرّجوع وترك الجمعة ‪ ،‬وذلك فيما لو حضروا لصلة العيد ولو رجعوا إلى‬ ‫أهليهم فاتتهم الجمعة ؛ فيرخّص لهم في ترك الجمعة تخفيفا عليهم ‪ .‬ومن ث ّم لو تركوا‬ ‫المجيء للعيد وجب عليهم الحضور للجمعة ‪ ،‬ويشترط ‪ -‬أيضا ‪ -‬لترك الجمعة أن ينصرفوا‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫قبل دخول وقت الجمعة‬

‫آداب صلة الجمعة ويومها‬

‫اختصّ يوم الجمعة واختصّت صلتها بآداب تشمل مجموعة أفعال وتروك‪ ،‬مجملها فيما‬ ‫‪:‬يلي‬ ‫‪:‬‬

‫أوّلً ‪ :‬ما يسنّ فعله‬

‫س طيبا ويتجمّل ‪ ،‬ويلبس أحسن ثيابه ‪ ،‬لحديث عائشة‬ ‫ن له أن يغتسل ‪ ،‬وأن يم ّ‬ ‫يس ّ‬

‫‪38 - -‬‬

‫رضي ال عنها ‪ -‬مرفوعا ‪ « :‬لو أنّكم تطهّرتم ليومكم هذا » ‪ ،‬وفي رواية عن أحمد ‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫الغسل لها واجب‬

‫ن الجمعة من أعظم شعائر السلم ‪ ،‬فيستحبّ أن‬ ‫قال صاحب البدائع في بيان علّة ذلك ‪ :‬ل ّ‬ ‫ن التّبكير في الخروج إلى الجامع والشتغال‬ ‫يكون المقيم لها على أحسن وصف كما يس ّ‬ ‫‪.‬‬

‫بالعبادة إلى أن يخرج الخطيب‬

‫وهذا كلّه ممّا اتّفقت الئمّة على ندبه ‪ ،‬وانفرد المالكيّة ‪ -‬أيضا ‪ -‬فاشترطوا في الغسل أن‬ ‫يكون متّصلً بوقت الذّهاب إلى الجامع ‪ ،‬قال في الجواهر الزّكيّة ‪ :‬فإن اغتسل واشتغل‬ ‫بغذاء أو نوم أعاد الغسل على المشهور ‪ ،‬فإذا خفّ الكل ‪ ،‬أو النّوم فل شيء عليه في ذلك‬ ‫‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ما يسنّ تركه‬

‫أ ّولً ‪ :‬أكل كلّ ذي ريح كريهة ‪ :‬كثوم وبصل‬

‫ونحوهما ‪39 -‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تخطّي الرّقاب في المسجد ‪ ،‬وهو محرّم إذا كان الخطيب قد أخذ في الخطبة ‪،‬‬

‫إلّ ‪40 -‬‬

‫أن ل يجد إلّ فرجةً أمامه ول سبيل إليها إ ّل بتخطّي الرّقاب ‪ ،‬فيرخّص في ذلك للضّرورة ‪.‬‬ ‫‪41 .‬‬

‫‪ -‬ثالثا ‪ :‬تجنّب الحتباء والمام يخطب‬

‫وهذا ما ذهب إليه الشّافعيّة ‪ ،‬حيث صرّحوا بكراهته ‪ .‬قال النّوويّ ‪ :‬والصّحيح أنّه مكروه ؛‬ ‫ح « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والمام يخطب‬ ‫فقد ص ّ‬ ‫» وقال الخطّابيّ من أصحابنا ‪ :‬نهى عنه لنّه يجلب النّوم ‪ ،‬فيعرّض طهارته للنّقض ويمنعه‬ ‫‪.‬‬

‫من استماع الخطبة‬

‫ولم ير جمهور الفقهاء به بأسا حيث صرّحوا بجوازه ( ر ‪ :‬احتباء‬

‫‪).‬‬

‫كما صرّح الشّافعيّة بكراهة تشبيك الصابع ‪ .‬قال النّوويّ ‪ :‬يكره أن يشبّك بين أصابعه أو‬ ‫‪.‬‬

‫يعبث حال ذهابه إلى الجمعة وانتظاره لها‬

‫يحرم عند الجمهور إنشاء سفر بعد الزّوال " وهو أوّل وقت الجمعة " من المصر‬ ‫‪.‬‬

‫الّذي ‪42 -‬‬

‫هو فيه ‪ ،‬إذا كان ممّن تجب عليه الجمعة ‪ ،‬وعلم أنّه لن يدرك أداءها في مصر آخر‬ ‫‪.‬‬

‫فإن فعل ذلك فهو آثم على الرّاجح ما لم يتضرّر بتخلّفه عن رفقته‬

‫وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ -‬حيث صرّحوا بحرمة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫السّفر بعد الزّوال‬

‫كما صرّح المالكيّة والحنابلة بكراهة السّفر بعد طلوع فجر يوم الجمعة‬

‫ي في الجديد ‪ :‬إلى أنّ حرمة السّفر تبدأ من وقت الفجر وهو المفتى به في‬ ‫وذهب الشّافع ّ‬ ‫المذهب ‪ ،‬ودليله ‪ :‬أنّ مشروعيّة الجمعة مضافة إلى اليوم كلّه ل إلى خصوص وقت‬ ‫‪.‬‬

‫الظّهر ‪ ،‬بدليل وجوب السّعي إليها قبل الزّوال على بعيد الدّار‬ ‫*‬

‫صَلَةُ الْجنَازة‬

‫*‬

‫صَلَةُ الْحاجَة‬

‫‪.‬‬

‫‪).‬‬

‫انظر ‪ :‬جنائز‬

‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫الصّلة ينظر تعريفها في مصطلح (‬

‫صلة ‪1 -‬‬

‫والحاجة في اللّغة ‪ :‬المأربة ‪ ،‬والتّحوّج ‪ :‬طلب الحاجة بعد الحاجة ‪ ،‬والحوج ‪ :‬الطّلب ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫والحوج ‪ :‬الفقر‬

‫‪.‬‬

‫ول يخرج استعمال الفقهاء للفظ الحاجة عن المعنى اللّغويّ‬

‫ص للحاجة ‪ :‬فقد عرّفها الشّاطبيّ فقال ‪ :‬هي ما يفتقر إليه من حيث‬ ‫وللصوليّين تعريف خا ّ‬ ‫التّوسعة ورفع الضّيق المؤدّي في الغالب إلى الحرج والمشقّة اللّاحقة بفوت المصلحة ‪ ،‬فإذا‬ ‫لم تراع دخل على المكلّفين ‪ -‬على الجملة ‪ -‬الحرج والمشقّة ( ر ‪ :‬حاجة ف ‪ 1/‬من‬ ‫‪ ) .‬الموسوعة ج‬ ‫‪:‬‬

‫الحكم التّكليفيّ‬ ‫‪.‬‬

‫اتّفق الفقهاء على أنّ صلة الحاجة‬

‫‪16/‬‬

‫مستحبّة ‪2 -‬‬

‫واستدلّوا بما أخرجه التّرمذيّ عن عبد اللّه بن أبي أوفى قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال‬ ‫عليه وسلم ‪ « :‬من كانت له إلى اللّه حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضّأ فليحسن‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫الوضوء ‪ ،‬ثمّ ليصلّ ركعتين ‪ ،‬ثمّ ليثن على اللّه ‪ ،‬وليصلّ على النّب ّ‬ ‫ثمّ ليقل ‪ :‬ل إله إلّ اللّه الحليم الكريم ‪ ،‬سبحان اللّه ربّ العرش العظيم ‪ ،‬الحمد للّه ربّ‬ ‫العالمين ‪ ،‬أسألك موجبات رحمتك ‪ ،‬وعزائم مغفرتك والغنيمة من كلّ برّ ‪ ،‬والسّلمة من كلّ‬ ‫إثم ‪ ،‬ل تدع لي ذنبا إلّ غفرته ‪ ،‬ول همّا إلّ فرّجته ‪ ،‬ول حاجةً هي لك رضا إلّ قضيتها يا‬ ‫أرحم الرّاحمين »‪ .‬رواه ابن ماجه وزاد بعد قوله ‪ « :‬يا أرحم الرّاحمين ‪ :‬ثمّ يسأل من أمر‬ ‫‪».‬‬ ‫‪":‬‬

‫الدّنيا والخرة ما شاء فإنّه يقدّر‬

‫كيفيّة صلة الحاجة " عدد الرّكعات وصيغ الدّعاء‬

‫اختلف في عدد ركعات صلة الحاجة ‪ ،‬فذهب المالكيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو المشهور‬

‫عند ‪3 -‬‬

‫الشّافعيّة ‪ ،‬وقول عند الحنفيّة إلى أنّها ركعتان ‪ ،‬والمذهب عند الحنفيّة أنّها ‪ :‬أربع ركعات ‪،‬‬ ‫وفي قول عندهم وهو قول الغزاليّ ‪ :‬إنّها اثنتا عشرة ركعةً وذلك لختلف الرّوايات الواردة‬ ‫‪:‬‬

‫في ذلك ‪ ،‬كما تنوّعت صيغ الدّعاء لتعدّد الرّوايات ‪ .‬وبيان ذلك فيما يأتي‬ ‫‪:‬‬

‫أ ّولً ‪ :‬روايات الرّكعتين وفيها اختلف الدّعاء‬

‫رواية عبد اللّه بن أبي أوفى ‪ ،‬وفيها أنّ صلة الحاجة ركعتان مع ذكر الدّعاء الّذي‬

‫أرشد ‪4 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم وهي الرّواية الّتي سبق ذكرها في الحكم ( ف‬ ‫‪ ) .‬إليه النّب ّ‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬يا عليّ‬ ‫حديث أنس ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬ولفظه أ ّ‬

‫‪2/‬‬

‫‪5- :‬‬

‫أل أعلّمك دعا ًء إذا أصابك غ ّم أو همّ تدعو به ربّك فيستجاب لك بإذن اللّه ويفرج عنك ‪:‬‬ ‫توضّأ وصلّ ركعتين ‪ ،‬واحمد اللّه واثن عليه وصلّ على نبيّك واستغفر لنفسك وللمؤمنين‬ ‫والمؤمنات ثمّ قل ‪ :‬اللّهمّ أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ل إله إلّ اللّه العليّ‬ ‫ب العرش‬ ‫ب السّموات السّبع ‪ ،‬ور ّ‬ ‫العظيم ‪ ،‬ل إله إلّ اللّه الحليم الكريم ‪ ،‬سبحان اللّه ر ّ‬ ‫العظيم ‪ ،‬والحمد للّه ربّ العالمين ‪ ،‬اللّهمّ كاشف الغمّ ‪ ،‬مفرّج الهمّ مجيب دعوة المضطرّين‬

‫إذا دعوك ‪ ،‬رحمن الدّنيا والخرة ورحيمهما ‪ ،‬فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫رحم ًة تغنيني بها عن رحمة من سواك‬

‫ثانيا ‪ :‬رواية الربع‬

‫ن صلة‬ ‫وهي مرويّة عن الحنفيّة قال ابن عابدين نقلً عن التّجنيس وغيره ‪ :‬إ ّ‬

‫الحاجة ‪6 -‬‬

‫أربع ركعات بعد العشاء ‪ ،‬وأنّ في الحديث المرفوع ‪ « :‬يقرأ في الولى الفاتحة مرّ ًة وآية‬ ‫الكرسيّ ثلثا ‪ ،‬وفي كلّ من الثّلث الباقية يقرأ الفاتحة والخلص والمعوّذتين مرّةً مرّ ًة كنّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫له مثلهنّ من ليلة القدر‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬قال مشايخنا ‪ :‬صلّينا هذه الصّلة فقضيت حوائجنا‬

‫ثالثا ‪ :‬رواية الثنتي عشرة ركعةً والدّعاء الوارد فيها‬

‫روي عن وهيب بن الورد أنّه قال ‪ :‬إنّ من الدّعاء الّذي ل ير ّد أن يصلّي العبد‬

‫ثنتي ‪7 -‬‬

‫ي { ُقلْ ُه َو الّلهُ َأحَدٌ } ‪ ،‬فإن فرغ خرّ‬ ‫عشرة ركعةً يقرأ في كلّ ركعة بأ ّم الكتاب وآية الكرس ّ‬ ‫ساجدا ‪ ،‬ثمّ قال ‪ :‬سبحان الّذي لبس العزّ وقال به ‪ ،‬سبحان الّذي تعطّف بالمجد وتكرّم به ‪،‬‬ ‫سبحان الّذي أحصى كلّ شيء بعلمه ‪ ،‬سبحان الّذي ل ينبغي التّسبيح إ ّل له ‪ ،‬سبحان ذي‬ ‫ن والفضل ‪ ،‬سبحان ذي الع ّز والكرم ‪ ،‬سبحان ذي الطّول ‪ ،‬أسألك بمعاقد الع ّز من‬ ‫الم ّ‬ ‫عرشك‪ ،‬ومنتهى الرّحمة من كتابك وباسمك العظم وجدّك العلى ‪ ،‬وكلماتك التّامّات‬ ‫العامّات الّتي ل يجاوزهنّ برّ ول فاجر أن تصلّي على محمّد وعلى آل محمّد ‪ :‬ثمّ يسأل‬ ‫‪.‬‬

‫*‬

‫حاجته الّتي ل معصية فيها ‪ ،‬فيجاب إن شاء اللّه‬

‫صَلَةُ الْخُسوف‬ ‫‪.‬‬

‫*‬

‫انظر ‪ :‬صلة الكسوف‬

‫خوْف‬ ‫صَلَةُ ال َ‬ ‫‪).‬‬

‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫تعريف الصّلة ينظر في مصطلح (‬

‫صلة ‪1 -‬‬

‫أمّا الخوف ‪ :‬فهو توقّع مكروه عن أمارة مظنونة أو متحقّقة ‪ ،‬وهو مصدر بمعنى الخائف ‪،‬‬ ‫أو بحذف مضاف ‪ :‬الصّلة في حالة الخوف ويطلق على القتال ‪ ،‬وبه فسّر اللّحيانيّ قوله‬ ‫ف وَالْجُوعِ } الية كما فسّر قوله تعالى ‪َ { :‬وإِذَا جَاء ُهمْ‬ ‫ن ا ْلخَو ْ‬ ‫تعالى ‪ { :‬وَلَنَبُْلوَ ّن ُكمْ ِبشَيْ ٍء مّ َ‬ ‫‪}.‬‬

‫خوْفِ أَذَاعُواْ ِبهِ‬ ‫ن ا َلمْنِ َأوِ ا ْل َ‬ ‫َأمْرٌ مّ َ‬

‫ن الخوف يقتضي صل ًة مستقّل ًة كقولنا ‪ :‬صلة‬ ‫وليس المراد من إضافة الصّلة إلى الخوف أ ّ‬ ‫العيد ‪ ،‬ول أنّه يؤثّر في قدر الصّلة ووقتها كالسّفر ‪ ،‬فشروط الصّلة ‪ ،‬وأركانها ‪،‬‬

‫وسننها ‪ ،‬وعدد ركعاتها في الخوف كما في المن ‪ ،‬وإنّما المراد أنّ الخوف يؤثّر في كيفيّة‬ ‫إقامة الفرائض إذا صلّيت جماع ًة ‪ ،‬وأنّ الصّلة في حالة الخوف تحتمل أمورا لم تكن‬ ‫تحتملها في المن ‪ ،‬وصلة الخوف هي ‪ :‬الصّلة المكتوبة يحضر وقتها والمسلمون في‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫مقاتلة العدوّ أو في حراستهم‬

‫الحكم التّكليفيّ‬

‫وسلم ‪2 -‬‬

‫ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعيّة صلة الخوف في حياة النّبيّ صلى ال عليه‬

‫وبعد وفاته ‪ ،‬وإلى أنّها ل تزال مشروعةً إلى يوم القيامة ‪ ،‬وقد ثبت ذلك بالكتاب ‪ ،‬قال‬ ‫‪.‬‬

‫ت َل ُهمُ الصّلَةَ فَلْ َت ُقمْ طَآ ِئ َفةٌ مّ ْنهُم ّمعَكَ } الية‬ ‫تعالى‪َ { :‬وإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَ َقمْ َ‬

‫ن اللّه‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم خطاب لمّته ‪ ،‬ما لم يقم دليل على اختصاصه ؛ ل ّ‬ ‫وخطاب النّب ّ‬ ‫أمرنا باتّباعه ‪ ،‬وتخصيصه بالخطاب ل يقتضي تخصيصه بالحكم ‪ ،‬كما ثبت بالسّنّة‬ ‫‪.‬‬

‫القوليّة ‪ ،‬كقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلّوا كما رأيتموني أصلّي » وهو عامّ‬

‫ح أنّه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬صلّاها ‪ ،‬وبإجماع الصّحابة ‪ ،‬فقد‬ ‫والسّنّة الفعليّة فقد ص ّ‬ ‫ثبت بالثار الصّحيحة عن جماعة من الصّحابة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬أنّهم صلّوها في‬ ‫مواطن بعد وفاة الرّسول صلى ال عليه وسلم في مجامع بحضرة كبار من الصّحابة ‪،‬‬ ‫وممّن صلّاها عليّ بن أبي طالب ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬في حروبه بصفّين وغيرها ‪،‬‬ ‫وحضرها من الصّحبة خلئق كثيرون منهم ‪ :‬سعيد بن العاص ‪ ،‬وسعد بن أبي وقّاص وأبو‬ ‫موسى الشعريّ وغيرهم من كبار الصّحابة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬وقد روى أحاديثهم‬ ‫‪.‬‬

‫البيهقيّ وبعضها في سنن أبي داود‬

‫ولم يقل أحد من هؤلء الصّحابة الّذين رأوا صلة النّبيّ صلى ال عليه وسلم في الخوف‬ ‫‪.‬‬

‫بتخصيصها بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم‬

‫صةً بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم واحتجّ بالية‬ ‫وقال أبو يوسف من الحنفيّة ‪ :‬كانت مخت ّ‬ ‫‪.‬‬

‫السّابقة‬

‫وذهب المزنيّ من الشّافعيّة إلى أنّ صلة الخوف كانت مشروعةً ثمّ نسخت واحتجّ بأنّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم فاتته صلوات يوم الخندق ‪ ،‬ولو كانت صلة الخوف جائزةً‬ ‫النّب ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫مواطن جواز صلة الخوف‬

‫تجوز صلة الخوف عند شدّة الخوف في قتال الحربيّين ؛ لقوله تعالى ‪َ { :‬وإِذَا كُنتَ‬

‫لفعلها‬

‫همْ ‪3 -‬‬ ‫فِي ِ‬

‫سجَدُواْ فَلْ َيكُونُواْ مِن‬ ‫ك وَلْيَ ْأخُذُواْ َأسْ ِلحَتَ ُهمْ َفإِذَا َ‬ ‫فَ َأ َقمْتَ َل ُهمُ الصّلَةَ فَلْ َت ُقمْ طَآ ِئ َفةٌ مّ ْنهُم ّمعَ َ‬ ‫وَرَآ ِئكُمْ } الية ‪ ،‬وكذلك تجوز في كلّ قتال مباح ‪ ،‬كقتال أهل البغي ‪ ،‬وقطّاع الطّرق ‪ ،‬وقتال‬

‫من قصد إلى نفس شخص ‪ ،‬أو أهله أو ماله ‪ ،‬قياسا على قتال الحربيّين ‪ ،‬وجاء في الثر ‪:‬‬ ‫« من قتل دون ماله فهو شهيد ‪ .‬ومن قتل دون دينه فهو شهيد ‪ .‬ومن قتل دون دمه فهو‬ ‫‪».‬‬

‫شهيد ‪ .‬ومن قتل دون أهله فهو شهيد‬

‫والرّخصة في هذا النّوع ل تختصّ بالقتال ‪ ،‬بل متعلّق بالخوف مطلقا ‪ .‬فلو هرب من سيل ‪،‬‬ ‫أو حريق ولم يجد معدلً عنه ‪ ،‬أو هرب من سبع فله أن يصلّي صلة شدّة الخوف ‪ ،‬إذا‬ ‫ضاق الوقت وخاف فوت الصّلة ‪ ،‬وكذا المديون المعسر العاجز عن إثبات إعساره ‪ ،‬ول‬ ‫‪.‬‬

‫يصدّقه المستحقّ ‪ ،‬وعلم أنّه لو ظفر به حبسه‬

‫ول تجوز في القتال المحرّم كقتال أهل العدل ‪ ،‬وقتال أهل الموال لخذ أموالهم ‪ ،‬وقتال‬ ‫القبائل عصب ّيةً ‪ ،‬ونحو ذلك ؛ لنّها رخصة وتخفيف ‪ ،‬فل يجوز أن يتمتّع بها العصاة ؛ لنّ‬ ‫في ذلك إعانةً على المعصية ‪ ،‬وهو غير جائز ‪ ،‬وتجوز في السّفر والحضر ‪ ،‬والفرض ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫والنّفل غير المطلق ‪ ،‬والداء ‪ ،‬والقضاء‬

‫كيفيّة صلة الخوف‬

‫ي صلى ال عليه‬ ‫اختلف الفقهاء في كيفيّة صلة الخوف ؛ لتعدّد الرّوايات عن النّب ّ‬

‫وسلم ‪4 -‬‬

‫في كيفيّتها ‪ ،‬وأخذ كلّ صفة من الصّفات الواردة عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم طائفة من‬ ‫‪.‬‬

‫أهل العلم ‪ .‬كما اختلفوا في عدد النواع الواردة عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬

‫فقال الشّافعيّة ‪ :‬إنّ النواع الّتي جاءت في الخبار ستّة عشر نوعا ‪ ،‬كما ذكر النّوويّ ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وبعضها في صحيح مسلم ‪ ،‬وبعضها في سنن أبي داود ‪ ،‬وفي ابن حبّان منها تسعة‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم صلّاها في عشرة مواطن ‪،‬‬ ‫وقال ابن القصّار من المالكيّة ‪ :‬إ ّ‬ ‫وقال أحمد ‪ :‬أنّها وردت في ستّة أوجه أو سبعة ‪ ،‬ومنهم من أوصل أنواعها إلى أربعة‬ ‫وعشرين نوعا ‪ ،‬وكلّها جائز ‪ ،‬فقال أحمد ‪ :‬كلّ حديث يروى في أبواب صلة الخوف فالعمل‬ ‫ي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬صلّاها في مرّات ‪ ،‬وأيّام مختلفة وأشكال‬ ‫به جائز ؛ لنّ النّب ّ‬ ‫متباينة ‪ ،‬يتحرّى في كلّها ما هو أحوط للصّلة ‪ ،‬وأبلغ في الحراسة ‪ ،‬فهي على اختلف‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫عدد ركعات صلة الخوف‬

‫صورها متّفقة في المعنى‬

‫ل ينتقص عدد ركعات الصّلة بسبب الخوف ‪ ،‬فيصلّي المام بهم ركعتين ‪ ،‬إن‬

‫كانوا ‪5 -‬‬

‫مسافرين وأرادوا قصر الصّلة ‪ ،‬أو كانت الصّلة من ذوات ركعتين ‪ ،‬كصلة الفجر ‪ ،‬أو‬ ‫الجمعة ‪ ،‬ويصلّي بهم ثلثا أو أربعا إن كانت الصّلة من ذوات الثّلث ‪ ،‬أو الربع وكانوا‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫مقيمين ‪ ،‬أو مسافرين أرادوا التمام‬

‫وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء ‪ ،‬وهو قول عامّة الصّحابة‬

‫‪".‬‬

‫وروي عن ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬أنّه كان يقول ‪ " :‬إنّ صلة الخوف ركعة‬

‫بعض النواع المرويّة في صلة الخوف‬

‫‪:‬‬

‫الوّل ‪ :‬صلته صلى ال عليه وسلم ‪ :‬بذات الرّقاع ‪ ،‬فيفرّق المام الجيش إلى‬

‫فرقتين‪6 - :‬‬

‫فرقة تحمل في وجه العدوّ ‪ ،‬وفرقة ينحاز بها إلى حيث ل تبلغهم سهام العدوّ ‪ ،‬فيفتتح بهم‬ ‫الصّلة ‪ ،‬ويصلّي بهم ركعةً في الثّنائيّة ‪ :‬الصّبح والمقصورة ‪ ،‬وركعتين في الثّلثيّة‬ ‫‪.‬‬

‫والرّباعيّة ‪ ،‬هذا القدر من هذه الكيفيّة اتّفقت المذاهب الربعة عليه‬

‫واختلفوا فيما يفعل بعد ذلك ‪ ،‬فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا قام إلى الثّانية‬ ‫في الثّنائيّة ‪ ،‬وإلى الثّالثة في الثّلثيّة والرّباعيّة خرج المقتدون عن متابعته ‪ ،‬وأتمّوا‬ ‫الصّلة لنفسهم ‪ ،‬وذهبوا إلى وجه العدوّ ‪ ،‬وتأتي الطّائفة الحارسة ‪ .‬ويطيل المام إلى‬ ‫لحوقهم ‪ ،‬فإذا لحقوه صلّى بهم الرّكعة الثّانية في الثّنائيّة ‪ ،‬والثّالثة في الثّلثيّة ‪ ،‬والثّالثة‬ ‫والرّابعة في الرّباعيّة من صلته ‪ ،‬فإذا جلس للتّشهّد قاموا وأتمّوا الصّلة ‪ ،‬والمام‬ ‫‪.‬‬

‫ينتظرهم ‪ ،‬فإذا لحقوه سلّم بهم‬

‫إلّ أنّ مالكا قال ‪ :‬يسلّم المام ول ينتظرهم ‪ ،‬فإذا سلّم قضوا ما فاتهم من الصّلة من‬ ‫‪.‬‬

‫ركعة ‪ ،‬أو ركعتين بفاتحة وسورة جهرًا في الجهريّة‬

‫وقد اختار الشّافعيّ وأصحابه هذه الصّفة لسلمتها من كثرة المخالفة ولنّها أحوط لمر‬ ‫‪.‬‬

‫الحرب ‪ ،‬وأقلّ مخالفةً لقاعدة الصّلة‬

‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬إذا قام إلى الثّانية لم يتمّ المقتدون به الصّلة بل يذهبون إلى مكان الفرقة‬ ‫الحارسة وهم في الصّلة فيقفون سكوتا ‪ ،‬وتأتي تلك الطّائفة وتصلّي مع المام ركعته‬ ‫الثّانية فإذا سلّم ذهبت إلى وجه العدوّ ‪ ،‬وجاء الوّلون إلى مكان الصّلة وأتمّوا أفذاذا ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وجاءت الطّائفة الخرى ‪ ،‬وصلّوا ما بقي لهم من الصّلة وتشهّدوا وسلّموا‬ ‫‪.‬‬

‫وهو قول عند الشّافعيّة‬

‫الثّاني ‪ :‬أن يجعل المام الجيش فرقتين ‪ :‬فرق ًة في وجه العدوّ ‪ ،‬وفرق ًة يحرم بها‬

‫‪7- ،‬‬

‫ويصلّي بهم جميع الصّلة ‪ ،‬ركعتين كانت ‪ ،‬أم ثلثا ‪ ،‬أم أربعا ‪ ،‬فإذا سلّم بهم ذهبوا إلى‬ ‫وجه العدوّ وجاءت الفرقة الخرى فيصلّي بهم تلك الصّلة مرّ ًة ثاني ًة ‪ ،‬وتكون له نافلةً ‪،‬‬ ‫ولهم فريضة ‪ ،‬وهذه صلته صلى ال عليه وسلم ببطن نخل ‪ ،‬وتندب هذه الكيفيّة إذا كان‬ ‫العدوّ في غير جهة القبلة ‪ ،‬وكان في المسلمين كثرة والعدوّ قليل وخيف هجومهم على‬ ‫‪.‬‬

‫المسلمين ول يقول بهذه الكيفيّة من الئمّة من ل يجيز اقتداء المفترض بالمنتفل‬

‫الثّالث ‪ :‬أن يرتّبهم المام صفّين ‪ ،‬ويحرم بالجميع فيصلّون معا ‪ ،‬يقرأ ويركع ‪،‬‬

‫ويعتدل ‪8-‬‬

‫بهم جميعا ‪ ،‬ثمّ يسجد بأحدهما ‪ ،‬وتحرس الخرى حتّى يقوم المام من سجوده ‪ ،‬ثمّ يسجد‬

‫الخرون ‪ ،‬ويلحقونه في قيامه ‪ ،‬ويفعل في الرّكعة الثّانية كذلك ‪ ،‬ولكن يحرس فيها من‬ ‫‪.‬‬

‫سجد معه أ ّولً ‪ ،‬ويتشهّد ‪ ،‬ويسلّم بهم جميعا ‪ ،‬وهذه صلته بعسفان‬

‫ويشترط في استحباب هذه الكيفيّة ‪ :‬كثرة المسلمين ‪ ،‬وكون العدوّ في جهة القبلة غير‬ ‫‪.‬‬

‫مستتر بشيء يمنع رؤيته‬

‫وله أن يرتّبهم صفوفا ‪ ،‬ثمّ يحرس صفّان ‪ ،‬فإن حرس بعض كلّ صفّ بالمناوبة جاز ‪ ،‬وكذا‬ ‫لو حرست طائفة في الرّكعتين ؛ لحصول الغرض بكلّ ذلك ‪ ،‬والمناوبة أفضل ؛ لنّها الثّابتة‬ ‫في الخبر ‪ ،‬ولو تأخّر الصّفّ الثّاني الّذي حرس في الرّكعة الثّانية ليسجدوا ‪ ،‬وتأخّر الصّفّ‬ ‫الوّل الّذي سجد أ ّولً ليحرس ولم يمشوا أكثر من خطوتين كان أفضل ؛ لنّه الثّابت في خبر‬ ‫‪.‬‬

‫مسلم‬

‫هذه الصّفة رواها جابر ‪ ،‬قال ‪ « :‬شهدت مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم صلة‬ ‫الخوف‪ ،‬فصفّنا صفّين ‪ :‬صفّ خلف رسول اللّه صلى ال عليه وسلم والعدوّ بيننا وبين‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم وكبّرنا جميعا ‪ ،‬ثمّ ركع وركعنا جميعا ‪ ،‬ثمّ رفع‬ ‫القبلة ‪ ،‬فكبّر النّب ّ‬ ‫ف الّذي يليه ‪ ،‬وقام الصّفّ‬ ‫رأسه من الرّكوع‪ ،‬ورفعنا جميعا ‪ .‬ثمّ انحدر بالسّجود والصّ ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم السّجود وقام الصّفّ الّذي‬ ‫المؤخّر في نحر العدوّ‪ ،‬فلمّا قضى النّب ّ‬ ‫ف المتقدّم‬ ‫يليه ‪ ،‬انحدر الصّفّ المؤخّر بالسّجود وقاموا ‪ ،‬ثمّ تقدّم الصّفّ المؤخّر وتأخّر الصّ ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم وركعنا جميعا ‪ ،‬ثمّ رفع رأسه من الرّكوع ‪ ،‬ورفعنا‬ ‫‪ ،‬ثمّ ركع النّب ّ‬ ‫جميعا ‪ ،‬ثمّ انحدر بالسّجود ‪ ،‬والصّفّ الّذي يليه الّذي كان مؤخّرا في الرّكعة الولى ‪ ،‬وقام‬ ‫ف المؤخّر في نحور العدوّ‪ ،‬فلمّا قضى النّبيّ صلى ال عليه وسلم السّجود والصّفّ‬ ‫الصّ ّ‬ ‫ف المؤخّر بالسّجود فسجدوا ‪ ،‬ثمّ سلّم النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫الّذي يليه ‪ ،‬انحدر الصّ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫وسلّمنا جميعا‬

‫وهذه النواع الثّلثة مستحبّة ل واجبة ‪ ،‬فلو صلّوا فرادى أو انفردت طائفة من المام ‪ ،‬أو‬ ‫صلّى المام ببعضهم كلّ الصّلة ‪ ،‬وبالباقين غيره جاز ‪ ،‬ولكن تفوت فضيلة الجماعة على‬ ‫‪.‬‬

‫الرّابع ‪ :‬صلة شدّة الخوف ‪ :‬إذا اشت ّد الخوف فمنعهم من صلة الجماعة على‬

‫المنفرد‬

‫الصّفة ‪9 -‬‬

‫المتقدّمة ولم يمكن قسم الجماعة ؛ لكثرة العدوّ ‪ ،‬ورجوا انكشافه قبل خروج الوقت المختار‬ ‫‪.‬‬

‫‪ ،‬بحيث يدركون الصّلة فيه ‪ ،‬أخّروا استحبابا‬

‫فإذا بقي من الوقت ما يسع الصّلة صلّوا إيماءً ‪ ،‬وإلّ صلّوا فرادى بقدر طاقتهم ‪ ،‬فإن‬ ‫قدروا على الرّكوع والسّجود فعلوا ذلك ‪ ،‬أو صلّوا مشا ًة أو ركبانا ‪ ،‬مستقبلي القبلة وغير‬ ‫‪.‬‬

‫مستقبليها ‪ ،‬ثمّ ل إعادة عليهم إذا أمنوا ‪ ،‬ل في الوقت ول بعده‬

‫ن خِفْ ُتمْ َف ِرجَالً َأوْ ُركْبَانا } ‪ .‬وقال ابن عمر ‪ -‬رضي ال‬ ‫والصل فيما ذكر قوله تعالى ‪ { :‬فَإ ْ‬ ‫عنهما ‪ « : -‬فإن كان خوف أشدّ من ذلك صلّوا رجالً قياما على أقدامهم ‪ ،‬أو ركبانا‬ ‫‪.‬‬

‫مستقبلي القبلة ‪ ،‬أو غير مستقبليها » متّفق عليه‬

‫وزاد البخاريّ قال نافع ‪ :‬ل أرى عبد اللّه بن عمر قال ذلك إلّ عن رسول اللّه صلى ال‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫عليه وسلم‬

‫وإن عجزوا عن الرّكوع والسّجود أومئوا بهما ‪ ،‬وأتوا بالسّجود أخفض من الرّكوع‬ ‫‪.‬‬

‫وهذا القدر متّفق عليه بين الفقهاء‬

‫واختلفوا في جواز القتال في الصّلة ‪ ،‬فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز القتال‬

‫في ‪10 -‬‬

‫هذه الحالة الشّديدة في الصّلة ‪ ،‬ويعفى عمّا فيه من الحركات ‪ ،‬من الضّربات والطّعنات‬ ‫المتواليات ‪ ،‬والمساك بسلح ملطّخ بالدّم ؛ للحاجة ؛ وقوله تعالى ‪ { :‬وَلْيَ ْأخُذُواْ َأسْ ِلحَ َت ُهمْ }‬ ‫‪.‬‬

‫وأخذ السّلح ل يكون إ ّل للقتال ‪ ،‬وقياسا على المشي والرّكوب اللّذين جاءا في الية‬

‫وقال الحنفيّة ‪ :‬يشترط لجواز الصّلة بهذه الكيفيّة ‪ :‬ألّ يقاتل ‪ ،‬فإن قاتل فسدت صلته ‪،‬‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهنّ في‬ ‫وقالوا ‪ « :‬لنّ النّب ّ‬ ‫اللّيل وقال ‪ :‬شغلونا عن الصّلة الوسطى حتّى آبت الشّمس مل اللّه قبورهم نارا أو‬ ‫بيوتهم أو بطونهم » فلو جاز القتال في الصّلة لما أخّرها ؛ ولنّ إدخال عمل كثير ‪ -‬ليس‬ ‫من أعمال الصّلة ‪ -‬في الصّلة مفسد في الصل ‪ ،‬فل يترك هذا الصل إلّ في مورد‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫صلة الجمعة في الخوف‬

‫ص ‪ ،‬وهو المشي ل القتال‬ ‫النّ ّ‬

‫إذا حصل الخوف في بلد وحضرت صلة الجمعة فلهم أن يصلّوها على هيئة ذات‬ ‫‪:‬‬

‫الرّقاع ‪11 -‬‬

‫‪ ،‬وعسفان ‪ ،‬ويشترط في الصّلة على هيئة صلة ذات الرّقاع‬

‫أ ‪ -‬أن يخطب بجميعهم ‪ ،‬ثمّ يفرّقهم فرقتين ‪ ،‬أو يخطب بفرقة ‪ ،‬ويجعل منها مع ك ّل من‬ ‫‪.‬‬

‫الفرقتين أربعين فصاعدا ‪ ،‬فلو خطب بفرقة وصلّى بأخرى لم تصحّ‬

‫ب ‪ -‬أن تكون الفرقة الولى أربعين فصاعدا ‪ ،‬فلو نقصت عن أربعين لم تنعقد الجمعة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وإن نقصت الفرقة الثّانية لم يضرّ للحاجة ‪ ،‬والمسامحة في صلة الخوف‬

‫ولو خطب بهم وصلّى بهم على هيئة صلة الخوف بعسفان فهي أولى بالجواز ‪ ،‬ول تجوز‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫على هيئة صلة بطن نخل ؛ إذ ل تقام جمعة بعد جمعة‬

‫السّهو في صلة الخوف‬

‫يتحمّل المام سهو المأمومين إذا صلّى بهم صلة ذات الرّقاع على الهيئة الّتي‬

‫ذهب ‪12 -‬‬

‫إليها جمهور الفقهاء ‪ ،‬إلّ سهو الطّائفة الولى في الرّكعة الثّانية فل يتحمّله ؛ لنقطاع‬

‫قدوتها بالمفارقة ‪ ،‬وسهو المام في الرّكعة الولى يلحق الكلّ ‪ ،‬فيسجدون للسّهو في آخر‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫صلتهم ‪ ،‬وإن لم يسجد المام‬

‫وسهوه في الثّانية ل يلحق الوّلين لمفارقتهم قبل السّهو ‪ ،‬ويلحق الخرين‬ ‫‪:‬‬

‫حمل السّلح في هذه الصّلوات‬

‫حمل السّلح في هذه الصّلوات مستحبّ ‪ ،‬يكره تركه لمن ل عذر له من مرض ‪،‬‬

‫أو ‪13 -‬‬

‫أذًى من مطر أو غيره احتياطا لقوله تعالى ‪َ { :‬وإِذَا كُنتَ فِي ِهمْ َفأَ َقمْتَ َل ُهمُ الصّلَةَ فَلْ َتقُمْ‬ ‫علَ ْيكُمْ إِن كَانَ ِب ُكمْ‬ ‫طَآ ِئ َفةٌ مّ ْنهُم ّمعَكَ وَلْيَ ْأخُذُواْ َأسْ ِلحَ َتهُ ْم } إلى أن قال جلّ شأنه ‪َ { :‬و َل جُنَاحَ َ‬ ‫ضعُواْ َأسْ ِلحَتَ ُكمْ َوخُذُواْ حِذْ َر ُكمْ } وحملوا المر في قوله‬ ‫طرٍ َأوْ كُنتُم مّرْضَى أَن تَ َ‬ ‫أَذًى مّن ّم َ‬ ‫ن تركه ل يفسد الصّلة ‪ ،‬فل يجب حمله ‪،‬‬ ‫تعالى ‪ { :‬وَلْيَ ْأخُذُواْ َأسْ ِلحَتَ ُهمْ } على النّدب ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن الغالب السّلمة ‪ ،‬أمّا إذا كان المصلّي‬ ‫كسائر ما ل يفسد تركه ‪ ،‬وقياسا على المن ؛ ول ّ‬ ‫يتعرّض للهلك بترك السّلح وجب حمله ‪ ،‬أو وضعه بين يده بحيث يسهل تناوله عند‬ ‫‪.‬‬

‫*‬

‫صبْح‬ ‫صَلَةُ ال ّ‬

‫*‬

‫صَلَة الضّحَى‬

‫‪.‬‬

‫‪).‬‬

‫الحاجة‬

‫انظر ‪ :‬الصّلوات الخمس المفروضة‬

‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫الصّلة في اللّغة والصطلح سبق الكلم عنها في مصطلح (‬

‫صلة ‪1 -‬‬

‫وأمّا الضّحى في اللّغة ‪ :‬فيستعمل مفردا ‪ ،‬وهو فويق الضّحوة ‪ ،‬وهو حين تشرق الشّمس‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫إلى أن يمت ّد النّهار ‪ ،‬أو إلى أن يصفو ضوءها وبعده الضّحاء‬

‫والضّحاء ‪ -‬بالفتح والمدّ ‪ -‬هو إذا علت الشّمس إلى ربع السّماء فما بعده‬ ‫‪.‬‬

‫وعند الفقهاء الضّحى ‪ :‬ما بين ارتفاع الشّمس إلى زوالها‬ ‫‪:‬‬

‫اللفاظ ذات الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫صلة الوّابين‬

‫قيل ‪ :‬هي صلة الضّحى ‪ .‬وعلى هذا فهما مترادفتان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنّ صلة الوّابين ما‬ ‫‪.‬‬

‫بين ‪2 -‬‬

‫المغرب والعشاء وبهذا تفترقان‬ ‫‪:‬‬

‫صلة الشراق‬

‫بتتبّع ظاهر أقوال الفقهاء والمحدّثين يتبيّن ‪ :‬أنّ صلة الضّحى وصلة الشراق واحدة‬ ‫‪.‬‬

‫إذ ‪3 -‬‬

‫كلّهم ذكروا وقتها من بعد الطّلوع إلى الزّوال ولم يفصلوا بينهما‬

‫وقيل ‪ :‬إنّ صلة الشراق غير صلة الضّحى ‪ ،‬وعليه فوقت صلة الشراق بعد طلوع‬ ‫‪).‬‬

‫الشّمس ‪ ،‬عند زوال وقت الكراهة ‪ ( .‬ر ‪ :‬صلة الشراق‬ ‫‪:‬‬

‫الحكم التّكليفيّ‬

‫صلة الضّحى نافلة مستحبّة عند جمهور الفقهاء وصرّح المالكيّة والشّافعيّة بأنّها‬

‫سنّة ‪4 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬يصبح على كلّ‬ ‫مؤكّدة ‪ .‬فقد روى أبو ذرّ عن النّب ّ‬ ‫سلمى من أحدكم صدقة ‪ :‬فكلّ تحميدة صدقة ‪ ،‬وكلّ تهليلة صدقة ‪ :‬وأمر بالمعروف‬ ‫‪».‬‬

‫صدقة ‪ ،‬ونهي عن المنكر صدقة ‪ ،‬ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى‬

‫ن ما عشت ‪:‬‬ ‫وعن أبي الدّرداء ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬أوصاني حبيبي بثلث لن أدعه ّ‬ ‫بصيام ثلثة أيّام من ك ّل شهر ‪ ،‬وصلة الضّحى ‪ ،‬وأن ل أنام حتّى أوتر » ‪.‬‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬أوصاني خليلي بثلث ‪ :‬صيام ثلثة أيّام من‬ ‫‪».‬‬

‫كلّ شهر ‪ ،‬وركعتي الضّحى وأن أوتر قبل أن أرقد‬

‫وقال بعض الحنابلة ‪ :‬ل تستحبّ المداومة عليها ؛ كي ل تشتبه بالفرائض ‪ ،‬ونقل التّوقّف‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫فيها عن ابن مسعود وغيره‬

‫صلة الضّحى في حقّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬

‫اختلف العلماء في وجوب صلة الضّحى على رسول اللّه مع اتّفاقهم على عدم‬ ‫‪.‬‬

‫وجوبها ‪5 -‬‬

‫على المسلمين‬

‫فذهب الجمهور إلى أنّ صلة الضّحى ليست مفروضةً على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫‪ .‬وذكر الشّافعيّة وبعض المالكيّة وبعض الحنابلة أنّ صلة الضّحى ضمن ما اختصّ به‬ ‫‪.‬‬

‫رسول اللّه من الواجبات ‪ ،‬وأقلّ الواجب منها عليه ركعتان‬ ‫‪ ) .‬ر ‪ :‬اختصاص ف‬

‫‪:‬‬

‫المواظبة على صلة الضّحى‬

‫‪10/‬‬

‫‪ ،‬ج ‪ ، 2/‬ص‬

‫اختلف العلماء هل الفضل المواظبة على صلة الضّحى ‪ ،‬أو فعلها في وقت وتركها‬

‫‪( 259‬‬

‫في ‪6 -‬‬

‫وقت ؟‬ ‫فذهب الجمهور إلى أنّه تستحبّ المواظبة على صلة الضّحى ؛ لعموم الحاديث الصّحيحة‬ ‫من قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أحبّ العمل إلى اللّه تعالى ما داوم عليه صاحبه وإن قلّ‬ ‫» ‪ .‬ونحو ذلك ‪ .‬وروى الطّبرانيّ في الوسط من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪-‬‬ ‫عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬إنّ في الجنّة بابا يقال له الضّحى فإذا كان يوم‬ ‫القيامة نادى مناد ‪ :‬أين الّذين كانون يديمون صلة الضّحى ؟ هذا بابكم فادخلوه برحمة اللّه‬ ‫‪».‬‬

‫وروى ابن خزيمة في صحيحه عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل‬ ‫‪».‬‬

‫يحافظ على صلة الضّحى إلّ أوّاب ‪ ،‬قال ‪ :‬وهي صلة الوّابين‬

‫وقال الحنابلة على الصّحيح من المذهب ‪ -‬وهو ما حكاه صاحب الكمال عن جماعة ‪ :‬ل‬ ‫تستحبّ المداومة على صلة الضّحى بل تفعل غبّا ؛ لقول عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ « -‬ما‬ ‫‪».‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ .‬سبّح سبحة الضّحى قطّ‬ ‫رأيت النّب ّ‬

‫وروى أبو سعيد الخدريّ قال ‪ « :‬كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يصلّي الضّحى حتّى نقول‬ ‫‪ :‬ل يدعها ‪ ،‬ويدعها حتّى نقول ‪ :‬ل يصلّيها » ولنّ في المداومة عليها تشبيها بالفرائض ‪.‬‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أوصى بها‬ ‫وقال أبو الخطّاب ‪ :‬تستحبّ المداومة عليها ؛ ل ّ‬ ‫‪».‬‬

‫أصحابه وقال ‪ « :‬من حافظ على شفعة الضّحى غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫وقت صلة الضّحى‬

‫ر‪:‬‬

‫ن الفضل فعل صلة الضّحى إذا علت الشّمس واشتدّ حرّها‬ ‫ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬

‫نفل (‬

‫;‪7-‬‬

‫لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬صلة الوّابين حين ترمض الفصال » ومعناه أن‬ ‫‪.‬‬

‫تحمى الرّمضاء وهي الرّمل فتبرك الفصال من شدّة الحرّ‬

‫قال الطّحاويّ ‪ :‬ووقتها المختار إذا مضى ربع النّهار ‪ .‬وجاء في مواهب الجليل نقلً عن‬ ‫‪.‬‬

‫ي ‪ :‬أوّل وقتها ارتفاع الشّمس ‪ ،‬وبياضها وذهاب الحمرة ‪ ،‬وآخره الزّوال‬ ‫الجزول ّ‬

‫ل عن الشّيخ زرّوق ‪ :‬وأحسنه إذا كانت الشّمس من المشرق مثلها من‬ ‫قال الحطّاب نق ً‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫قال الماورديّ ‪ :‬ووقتها المختار إذا مضى ربع النّهار‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫المغرب وقت العصر‬

‫قال البهوتيّ ‪ :‬والفضل فعلها إذا اشتدّ الحرّ‬

‫ثمّ اختلف الفقهاء في تحديد وقت صلة الضّحى على الجملة‬

‫ن وقت صلة الضّحى من ارتفاع الشّمس إلى قبيل زوالها ما لم يدخل‬ ‫فذهب الجمهور إلى أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وقت النّهي‬

‫وقال النّوويّ في الرّوضة ‪ :‬قال أصحابنا " الشّافعيّة " ‪ :‬وقت الضّحى من طلوع الشّمس ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ويستحبّ تأخيرها إلى ارتفاعها‬

‫ويدلّ له خبر أحمد عن أبي مرّة الطّائفيّ قال ‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫يقول‪ « :‬قال اللّه ‪ :‬يا ابن آدم ل تعجزني من أربع ركعات من أوّل نهارك أكفك آخره » لكن‬ ‫ي ‪ :‬نقل ذلك عن الصحاب فيه نظر ‪ ،‬والمعروف من كلمهم الوّل " أي ما ذهب‬ ‫قال الذرع ّ‬ ‫‪".‬‬

‫إليه الجمهور‬

‫ي الكبير في حاشيته على شرح الرّوض ‪ ،‬بعد أن نقل قول النّوويّ السّابق ذكره‬ ‫وقال الرّمل ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪ :‬لم أر من صرّح به فهو وجه غريب أو سبق قلم‬

‫عدد ركعات صلة الضّحى‬

‫ل خلف بين الفقهاء القائلين ‪ :‬باستحباب صلة الضّحى في أنّ أقلّها‬

‫ركعتان ‪8 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬يصبح على كلّ سلمى من‬ ‫فقد روى أبو ذرّ عن النّب ّ‬ ‫أحدكم صدقة ‪ :‬فكلّ تسبيحة صدقة ‪ ،‬وكلّ تحميدة صدقة ‪ ،‬وكلّ تهليلة صدقة ‪ ،‬وكلّ تكبيرة‬ ‫صدقة ‪ ،‬وأمر بالمعروف صدقة ‪ ،‬ونهي عن المنكر صدقة ‪ ،‬ويجزئ من ذلك ركعتان‬ ‫‪.‬‬

‫يركعهما من الضّحى » ‪ .‬فأقلّ صلة الضّحى ركعتان لهذا الخبر‬

‫وإنّما اختلفوا في أقلّها وأكثرها ‪:‬‬ ‫ن أكثر صلة الضّحى ثمان لما روت أمّ‬ ‫فذهب المالكيّة والحنابلة ‪ -‬على المذهب ‪ -‬إلى أ ّ‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكّة وصلّى ثماني ركعات ‪ ،‬فلم‬ ‫هانئ « أ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫أر صل ًة قطّ أخفّ منها غير أنّه يتمّ الرّكوع والسّجود‬

‫وصرّح المالكيّة بكراهة ما زاد على ثماني ركعات ‪ ،‬إن صلّاها بنيّة الضّحى ل بنيّة نفل‬ ‫‪.‬‬

‫مطلق‪ ،‬وذكروا أنّ أوسط صلة الضّحى ستّ‬

‫ويرى الحنفيّة والشّافعيّة ‪ -‬في الوجه المرجوح ‪ -‬وأحمد ‪ -‬في رواية عنه ‪ -‬أنّ أكثر‬ ‫ن النّبيّ‬ ‫ي بسند فيه ضعف أ ّ‬ ‫صلة الضّحى اثنتا عشرة ركعةً ‪ ،‬لما رواه التّرمذيّ والنّسائ ّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من صلّى الضّحى ثنتي عشرة ركعةً بنى اللّه له قصرا من‬ ‫ل عن شرح المنية ‪ :‬وقد تقرّر أنّ الحديث الضّعيف‬ ‫ذهب في الجنّة» قال ابن عابدين نق ً‬ ‫‪.‬‬

‫يجوز العمل به في الفضائل‬

‫وقال الحصكفيّ من الحنفيّة ‪ ،‬نقلً عن الذّخائر الشرفيّة ‪ :‬وأوسطها ثمان وهو أفضلها ؛‬ ‫لثبوته بفعله وقوله عليه الصلة والسلم وأمّا أكثرها فبقوله فقط ‪ .‬وهذا لو صلّى الكثر‬ ‫‪.‬‬

‫بسلم واحد أمّا لو فصل فكلّما زاد أفضل‬

‫أمّا الشّافعيّة ‪ :‬فقد اختلفت عباراتهم في أكثر صلة الضّحى إذ ذكر النّوويّ في المنهاج أنّ‬ ‫ن أكثرها ثمان‬ ‫أكثرها اثنتا عشرة وخالف ذلك في شرح المهذّب ‪ ،‬فحكى عن الكثرين ‪ :‬أ ّ‬ ‫ركعات ‪ .‬وقال في روضة الطّالبين ‪ :‬أفضلها ثمان وأكثرها اثنتا عشرة ‪ ،‬ويسلّم من كلّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫السّور الّتي تقرأ في صلة الضّحى‬

‫قال ابن عابدين ‪ :‬يقرأ فيها سورتي الضّحى أي سورة { والشّمس }‬

‫ركعتين‬

‫وسورة ‪9 -‬‬

‫{ والضّحى } ‪ ،‬وظاهره القتصار عليهما ولو صلّاها أكثر من ركعتين ‪ .‬فقد روي عن عقبة‬

‫بن عامر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬أمرنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن نصلّي‬ ‫‪}».‬‬

‫ضحَى‬ ‫ضحَاهَا } ‪ { ،‬وَال ّ‬ ‫شمْسِ وَ ُ‬ ‫الضّحى بسور منها ‪ { :‬وَال ّ‬

‫وفي نهاية المحتاج ‪ :‬ويسنّ أن يقرأ فيهما ‪ -‬ركعتي الضّحى ‪ " -‬الكافرون ‪ ،‬والخلص "‬ ‫ضحَى } وإن وردتا أيضا ؛ إذ " الخلص " تعدل‬ ‫وهما أفضل في ذلك من الشّمس ‪ { ،‬وَال ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ثلث القرآن ‪ " ،‬والكافرون " تعدل ربعه بل مضاعفة‬

‫وقال الشبراملسي ‪ :‬ويقرؤهما أي " الكافرون ‪ ،‬والخلص " ‪ -‬أيضا ‪ -‬فيما لو صلّى أكثر‬ ‫من ركعتين ‪ ،‬ومحلّ ذلك ‪ -‬أيضا ‪ -‬ما لم يص ّل أربعا أو ستّا بإحرام فل يستحبّ قراءة‬ ‫شهّد فيها بتشهّدين فإنّه ل يقرأ السّورة فيما بعد‬ ‫سورة بعد التّشهّد الوّل ‪ ،‬ومثله كلّ سُنّة َت َ‬ ‫‪).‬‬

‫التّشهّد الوّل ( ر ‪ :‬قراءة ‪ ،‬ونافلة‬

‫هذا وفي قضاء صلة الضّحى إذا فاتت من وقتها ‪ ،‬وفي فعلها جماعةً تفاصيل للفقهاء تنظر‬ ‫‪).‬‬

‫*‬

‫في ‪ ( :‬تطوّع وصلة الجماعة‬

‫طوَاف‬ ‫صَلَةُ ال ّ‬ ‫‪.‬‬

‫*‬

‫ظهْر‬ ‫صَلَةُ ال ّ‬

‫*‬

‫صَلَةُ الْمرأَة‬

‫*‬

‫صَلَةُ ا ْل ِعشَاء‬

‫*‬

‫صَلَةُ الْ َعصْر‬

‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬الصّلوات الخمس المفروضة‬

‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫*"‬

‫انظر ‪ :‬طواف‬

‫انظر ‪ :‬ستر العورة ‪ ،‬صلة‬

‫انظر ‪ :‬الصّلوات الخمس المفروضة‬

‫انظر ‪ :‬الصّلوات الخمس المفروضة‬

‫الصّلة على الرّاحلة " أو الدّابّة‬ ‫‪).‬‬

‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫الصّلة ينظر تعريفها في مصطلح (‬

‫صلة ‪1 -‬‬

‫والرّاحلة من البل ‪ :‬البعير القويّ على السفار والحمال ‪ ،‬وهي الّتي يختارها الرّجل‬ ‫لمركبه ورحله على النّجابة وتمام الخلق وحسن المنظر ‪ ،‬وإذا كانت في جماعة البل تبيّنت‬ ‫وعرفت‪ .‬والرّاحلة عند العرب ‪ :‬كلّ بعير نجيب سواء أكان ذكرا أم أنثى ‪ ،‬والجمع رواحل ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ودخول الهاء في الرّاحلة للمبالغة في الصّفة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬سمّيت راحلةً ؛ لنّها ذات رحل‬

‫والدّابّة ‪ :‬كلّ ما يدبّ على الرض ‪ .‬وقد غلب هذا السم على ما يركب من الحيوان من إبل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وخيل وبغال وحمير‬

‫اللفاظ ذات الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫ن كلّا منهما يركب ‪ ،‬وكما أنّ‬ ‫السّفينة ‪ :‬الفلك ‪ ،‬والعلقة بينها وبين الرّاحلة أ ّ‬

‫السّفينة‬

‫للصّلة ‪2 -‬‬

‫صةً تنظر في مصطلح‬ ‫صةً ‪ ،‬فكذلك للصّلة في السّفينة أحكاما خا ّ‬ ‫على الرّاحلة أحكاما خا ّ‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫( سفينة‬

‫الحكام الّتي تتعلّق بالصّلة على الرّاحلة‬ ‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬صلة النّفل‬

‫اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز للمسافر صلة النّفل على الرّاحلة حيثما توجّهت به‬

‫‪3-.‬‬

‫جهُ الّلهِ }‬ ‫والدّليل على ذلك قول اللّه تعالى ‪ { :‬وَلِّلهِ ا ْل َمشْ ِرقُ وَا ْل َمغْرِبُ فَأَيْ َنمَا ُتوَلّواْ فَ َثمّ َو ْ‬ ‫ص ًة ‪ ،‬وعن ابن عمر‬ ‫قال ابن عمر ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪ : -‬نزلت في التّطوّع خا ّ‬ ‫رضي ال تعالى عنهما « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يسبّح على ظهر راحلته‬ ‫حيث كان وجهه » وعن جابر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ « -‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫‪».‬‬

‫يصلّي على راحلته حيث توجّهت ‪ ،‬فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة‬

‫أنـ صـلة التّطوّع على الرّاحلة فـي السـّفر الطّويـل الّذي تقصـر فيـه الصـّلة‬ ‫وأجمعواعلى ّ‬ ‫ن ال صّلة على الرّاحلة جائزة‬ ‫جائزة‪ .‬وأمّا ال سّفر الق صير ‪ ،‬و هو ما ل يباح ف يه الق صر فإ ّ‬ ‫عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو قول الوزاعيّ واللّيث والحسن بن حييّ ‪.‬‬ ‫ص بالطّويل كالقصر ‪.‬‬ ‫وقال مالك ‪ :‬ل يباح إ ّل في سفر طويل ؛ لنّه رخصة سفر فاخت ّ‬ ‫واستدلّ الوّلون بالية المذكورة ‪ ،‬وقول ابن عمر فيها ‪ ،‬وحديثه الّذي قال فيه ‪ « :‬إنّ‬ ‫‪».‬‬

‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يوتر على البعير‬

‫والمشهور عند الحنفيّة ‪ :‬أنّه ل يشترط السّفر وإنّما قيّدوا جواز النّفل على الرّاحلة بما إذا‬ ‫كان المصلّي خارج المصر محلّ القصر‪ ،‬أي في المحلّ الّذي يجوز للمسافر قصر الصّلة‬ ‫فيه‪ .‬وأجاز أبو يوسف من الحنفيّة التّنفّل على الرّاحلة في المصر وقال ‪ :‬حدّثني فلن ‪-‬‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫وسمّاه ‪ -‬عن سالم عن ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ « -‬أ ّ‬

‫ركب الحمار في المدينة يعود سعد بن عبادة ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪ -‬وكان يصلّي وهو‬ ‫‪.‬‬

‫راكب » ‪ .‬وأجاز ذلك محمّد مع الكراهة مخافة الغلط لما في المصر من كثرة اللّغط‬

‫كما أجاز التّنفّل على الدّابّة في المصر بعض الشّافعيّة كأبي سعيد الصطخريّ والقاضي‬ ‫حسين وغيرهما ‪ ،‬وكان أبو سعيد الصطخريّ محتسب بغداد يطوف السّكك وهو يصلّي‬ ‫‪.‬‬

‫على دابّته‬

‫والتّطوّع الجائز على الرّاحلة يشمل النّوافل المطلقة والسّنن الرّواتب والمعيّنة‬

‫والوتر ‪4 -‬‬

‫‪).‬‬

‫وسجود التّلوة ‪ ،‬وهذا عند جمهور الفقهاء ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يوتر على بعيره ‪ ،‬وكان يسبّح على بعيره‬ ‫واستدلّوا « بأ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫إلّ الفرائض‬

‫وعند الحنفيّة ما يعتبر واجبا عندهم من غير الفرائض كالوتر ل يجوز على الرّاحلة بدون‬ ‫‪.‬‬

‫عذر ‪ ،‬وكذلك سجدة التّلوة‬

‫وعن أبي حنيفة ‪ :‬أنّه ينزل عن دابّته لسنّة الفجر ؛ لنّها آكد من سائر السّنن الرّواتب ‪.‬‬ ‫وتجوز الصّلة للمسافر على البعير والفرس والبغل والحمار ونحو ذلك ‪ ،‬ولو كان الحيوان‬ ‫ي صلى ال‬ ‫ح « أنّ النّب ّ‬ ‫غير مأكول اللّحم ‪ ،‬ول كراهة هنا لمسيس الحاجة إليه ‪ ،‬ولنّه ص ّ‬ ‫عليه وسلم كان يصلّي على حماره النّفل » ‪ .‬غير أنّه يشترط أن يكون ما يلقي بدن‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫المصلّي على الرّاحلة وثيابه من السّرج ‪ ،‬والمتاع ‪ ،‬واللّجام طاهرا‬

‫وهذا كما يقول الشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬وعامّة مشايخ الحنفيّة كما ذكر في الصل‬

‫ي ومحمّد بن مقاتل الرّازيّ ‪ :‬أنّه إذا كانت النّجاسة في موضع‬ ‫وعن أبي حفص البخار ّ‬ ‫الجلوس أو في موضع الرّكابين أكثر من قدر الدّرهم ل تجوز ‪ ،‬ولو كان على السّرج‬ ‫‪.‬‬

‫نجاسة فسترها لم يضرّ‬

‫وتجوز الصّلة على الرّاحلة تطوّعًا في السّفر الواجب والمندوب والمباح ‪ ،‬كسفر‬ ‫‪.‬‬

‫التّجارة ‪5-‬‬

‫ونحوه ‪ ،‬عند أبي حنيفة ومالك والشّافعيّ‬

‫ول يباح في سفر المعصية ‪ :‬كقطع الطّريق ‪ ،‬والتّجارة في الخمر والمحرّمات عند مالك‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ي وأحمد ؛ لنّ التّرخّص شرع للعانة على تحصيل المباح فل يناط بالمعصية‬ ‫والشّافع ّ‬

‫وقال أبو حنيفة والثّوريّ والوزاعيّ ‪ :‬له ذلك ؛ لنّه مسافر ‪ ،‬فأبيح له التّرخّص كالمطيع‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬صلة الفريضة‬

‫ن صلة الفريضة على الرّاحلة ل تجوز إلّ لعذر ‪ ،‬فعن جابر بن عبد اللّه‬ ‫الصل أ ّ‬

‫‪6--‬‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يصلّي على راحلته نحو المشرق‬ ‫رضي ال عنه ‪ « -‬أ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫فإذا أراد أن يصلّي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة‬

‫قال ابن بطّال ‪ :‬أجمع العلماء على أنّه ل يجوز لحد أن يصلّي الفريضة على الدّابّة من غير‬ ‫عذر‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ولنّ أداء الفرائض على الدّابّة مع القدرة على النّزول ل يجوز‬

‫ولنّ شرط الفريضة المكتوبة أن يكون المصلّي مستقبل القبلة مستقرّا في جميعها ‪ ،‬فل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ح من الرّاكب المخلّ بقيام أو استقبال‬ ‫تص ّ‬

‫وقد عدّد الفقهاء العذار الّتي تبيح الصّلة على‬

‫الرّاحلة ‪7-‬‬

‫ومن ذلك ‪ :‬الخوف على النّفس أو المال من عد ّو أو سبع ‪ ،‬أو خوف النقطاع عن الرّفقة ‪،‬‬ ‫أو التّأذّي بالمطر والوحل ؛ ففي مثل هذه الحوال تجوز صلة الفريضة على الرّاحلة‬ ‫باليماء من غير ركوع وسجود ؛ لنّ عند اعتراض هذه العذار عجزا عن تحصيل هذه‬ ‫‪.‬‬

‫الركان‬

‫قال ابن قدامة ‪ :‬إذا اشتدّ الخوف ‪ ،‬بحيث ل يتمكّن من الصّلة إلى القبلة ‪ ،‬أو عجز عن‬ ‫بعض أركان الصّلة ‪ :‬إمّا لهرب مباح من عدوّ ‪ ،‬أو سيل ‪ ،‬أو سبع ‪ ،‬أو حريق ‪ ،‬أو نحو‬ ‫ذلك ممّا ل يمكنه التّخلّص منه إلّ بالهرب ‪ ،‬أو المسابقة ‪ ،‬أو التحام الحرب والحاجة إلى‬ ‫ل وراكبا إلى‬ ‫الك ّر والف ّر والطّعن والضّرب والمطاردة فله أن يصلّي على حسب حاله راج ً‬ ‫القبلة إن أمكن‪ ،‬أو إلى غيرها إن لم يمكن ‪ ،‬وإذا عجز عن الرّكوع والسّجود أومأ بهما‬ ‫وينحني إلى السّجود أكثر من الرّكوع على قدر طاقته ‪ ،‬وإن عجز عن اليماء سقط ‪ ،‬وإن‬ ‫عجز عن القيام ‪ ،‬أو القعود ‪ ،‬أو غيرهما سقط ‪ ،‬وإن احتاج إلى الطّعن والضّرب والكرّ‬ ‫}‬

‫ن خِفْ ُتمْ َف ِرجَالً َأوْ ُركْبَانا‬ ‫والف ّر فعل ذلك ول يؤخّر الصّلة عن وقتها لقول اللّه تعالى ‪ { :‬فَإ ْ‬ ‫‪.‬‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه‬ ‫وحديث يعلى بن أميّة ‪ « :‬أ ّ‬ ‫وهو على راحلته والسّماء من فوقهم والبلّة من أسفل منهم فحضرت الصّلة فأمر المؤذّن‬ ‫فأذّن وأقام ثمّ تقدّم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم على راحلته فصلّى بهم يومئ إيماءً‬ ‫‪».‬‬

‫يجعل السّجود أخفض من الرّكوع‬

‫‪ ) .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلحي ‪ ( :‬صلة الخوف ‪ ،‬واستقبال ف‬ ‫ن شرط الفريضة المكتوبة‬ ‫وإذا كانت صلة الفرض على الرّاحلة ل تجوز إلّ لعذر ؛ ل ّ‬

‫‪38/‬‬

‫أن ‪8-‬‬

‫ن من‬ ‫يكون المصلّي مستقبل القبلة مستقرّا في جميعها ومستوفيا شروطها وأركانها ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫أمكنه صلة الفريضة على الرّاحلة مع التيان بكلّ شروطها وأركانها ‪ ،‬ولو بل عذر صحّت‬ ‫‪-.‬‬

‫صلته وذلك كما يقول الشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬وهو الرّاجح المعتمد عند المالكيّة‬

‫قال الحنابلة ‪ :‬وسواء أكانت الرّاحلة سائرةً أم واقفةً ‪ ،‬لكن الشّافعيّة قيّدوا ذلك بما إذا كان‬ ‫في نحو هودج وهي واقفة ‪ ،‬وإن لم تكن معقولةً ‪ .‬أمّا لو كانت سائر ًة فل يجوز ؛ لنّ‬

‫سيرها منسوب إليه بدليل جواز الطّواف عليها ‪ .‬ولو كان للدّابّة من يلزم لجامها ويسيّرها ‪،‬‬ ‫بحيث ل تختلف الجهة جاز ذلك ‪ ،‬وقال سحنون من المالكيّة ‪ :‬ل يجزئ إيقاع الصّلة على‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الدّابّة قائما وراكعا وساجدا لدخوله على الغرر‬

‫قبلة المصلّي على الرّاحلة‬

‫مصلّي النّافلة على الرّاحلة ل يلزمه استقبال القبلة ‪ ،‬بل يصلّي حيثما توجّهت الدّابّة‬

‫أو ‪9 -‬‬

‫ي صلى ال‬ ‫صوب سفره كما يقول المالكيّة ‪ ،‬وتكون هذه عوضا عن القبلة ‪ ،‬وقد « كان النّب ّ‬ ‫عليه وسلم يصلّي على راحلته حيث توجّهت به ‪ ،‬أي جهة مقصده ‪ ،‬فإذا أراد الفريضة نزل‬ ‫‪».‬‬

‫فاستقبل القبلة‬

‫ن النّاس محتاجون إلى السفار ‪ .‬فلو شرط فيها‬ ‫والحكمة في التّخفيف على المسافر ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الستقبال لدّى إلى ترك أورادهم أو مصالح معايشهم‬

‫غير أنّ المصلّي إذا أمكنه افتتاح الصّلة إلى القبلة ‪ ،‬وهذا إذا كانت الدّابّة سهلةً‬

‫غير ‪10 -‬‬

‫مقطورة بأن كانت واقفةً أو سائرةً وزمامها بيده فإنّه يجب عليه استقبال القبلة عند‬ ‫الحرام‪ ،‬وهذا عند الشّافعيّة ‪ .‬وهو رواية عند الحنابلة ورأي ابن حبيب من المالكيّة ‪،‬‬ ‫ورواية ابن المبارك من الحنفيّة ‪ -‬واستدلّوا بما رواه أنس ‪ « :‬أنّ رسول اللّه صلى ال‬ ‫عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوّع استقبل بناقته القبلة فكبّر ثمّ صلّى حيث وجّهه‬ ‫‪.‬‬

‫ركابه » ؛ ولنّه أمكنه استقبال القبلة في ابتداء الصّلة فلزمه ذلك كالصّلة كلّها‬

‫وفي قول عند الشّافعيّة ‪ :‬يشترط الستقبال في السّلم ‪ -‬أيضا ‪ -‬لنّه آخر طرفي الصّلة‬ ‫فاشترط فيه ذلك‬

‫‪.‬‬

‫والرّواية الثّانية عند الحنابلة ‪ -‬وهو قول عند الشّافعيّة ‪ : -‬ل يلزمه ذلك يعني في السّلم‬ ‫ن الفتتاح جزء من أجزاء الصّلة فأشبه سائر أجزائها ؛ ولنّ ذلك ل يخلو من مشقّة‬ ‫لّ‬ ‫‪.‬‬

‫فسقط شرط الستقبال في السّلم‬

‫وعند الحنفيّة يستحبّ ذلك ول يجب ‪ ،‬وإن لم يسهل استقبال القبلة بأن كانت الدّابّة سائرةً‬ ‫وهي مقطورة ‪ ،‬ولم يسهل انحرافه عليها أو كانت جموحا ل يسهل تحريفها فل يجب‬ ‫‪.‬‬

‫الستقبال ؛ لما في ذلك من المشقّة واختلل أمر السّير عليه ‪ ،‬فيحرم إلى جهة سيره‬

‫وفي قول عند الشّافعيّة ‪ :‬يجب عليه الستقبال مطلقا سواء سهل عليه ذلك أم ل ‪ ،‬فإن تعذّر‬ ‫‪.‬‬

‫لم تصحّ صلته‬

‫وإن كان المصلّي على الرّاحلة في مكان واسع كمحمل واسع وهودج ويتمكّن‬

‫من ‪11 -‬‬

‫الصّلة إلى القبلة والرّكوع والسّجود فعليه استقبال القبلة في صلته ويسجد على ما هو‬ ‫عليه إن أمكنه ذلك ؛ لنّه كراكب السّفينة ‪ ،‬وقال أبو الحسن المديّ ‪ :‬يحتمل أن ل يلزمه‬

‫شيء من ذلك كغيره لنّ الرّخصة العامّة تع ّم ما وجدت فيه المشقّة وغيره ‪ .‬هذا بالنّسبة‬ ‫للتّطوّع ‪ ،‬أمّا بالنّسبة للفريضة فإنّه يجوز ترك الستقبال للعذر ‪ -‬فقط ‪ -‬على ما سبق‬ ‫‪.‬بيانه‬ ‫‪:‬‬

‫كيفيّة الصّلة على الرّاحلة‬

‫من جازت له الصّلة على الرّاحلة فإنّه يومئ في صلته بالرّكوع والسّجود ‪،‬‬

‫ويجعل ‪12 -‬‬

‫سجوده أخفض من ركوعه ‪ ،‬قال جابر ‪ « :‬بعثني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في‬ ‫‪».‬‬

‫حاجة فجئت وهو يصلّي على راحلته نحو المشرق ‪ ،‬والسّجود أخفض من الرّكوع‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يصلّي في السّفر على راحلته حيث‬ ‫وروى البخاريّ ‪ « :‬أ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫توجّهت به يومئ إيماء صلة اللّيل إلّ الفرائض‬

‫قال ابن عرفة من المالكيّة ‪ :‬من تنفّل في محمله فقيامه تربّع ‪ ،‬ويركع كذلك ويداه على‬ ‫‪.‬‬

‫ركبتيه فإذا رفع رفعهما ‪ ،‬ويومئ بالسّجود وقد ثنى رجليه ‪ ،‬فإن لم يقدر أومأ متربّعا‬

‫ومن افتتح التّطوّع راكبا ‪ ،‬ثمّ نزل في أثناء الصّلة فإنّه يستقبل القبلة ويبني على ما سبق‬ ‫من صلته ويتمّها بالرض راكعا وساجدا ‪ ،‬قال المالكيّة ‪ :‬إلّ على قول من يجوّز اليماء‬ ‫‪.‬‬

‫في النّافلة للصّحيح غير المسافر فإنّه يتمّ صلته على دابّته باليماء إذا دخل المدينة‬

‫ن أوّل صلته‬ ‫وقال أبو يوسف من الحنفيّة ‪ :‬يستقبل صلته ول يبني على ما سبق ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ي على الضّعيف‬ ‫باليماء وآخرها بركوع وسجود ؛ فل يجوز بناء القو ّ‬

‫ن ما قبل أداء الرّكعة مجرّد‬ ‫وروي عن محمّد ‪ :‬أنّه إذا نزل بعد ما صلّى ركعةً استقبل ؛ ل ّ‬ ‫تحريمة وهي شرط ‪ ،‬فالشّرط المنعقد للضّعيف كان شرطا للقويّ ‪ ،‬وأمّا إذا صلّى ركعةً فقد‬ ‫‪.‬‬

‫تأكّد فعل الضّعيف فل يبنى عليه القويّ‬

‫وإن ركب ماش وهو في صلة نفل أتمّه راكبا ‪ ،‬كما يقول الحنابلة وزفر من الحنفيّة‬

‫‪13 - .‬‬

‫وعند الحنفيّة ‪ :‬ل يبني ؛ لنّ الرّكوب عمل كثير ‪ .‬ومن افتتح التّطوّع خارج المصر ‪ ،‬ثمّ‬ ‫دخل المصر ‪ ،‬أو نوى النّزول ببلد دخله نزل عن دابّته لنقطاع سفره وأتمّ صلته مستقبلً‬ ‫القبلة ‪ .‬وهذا عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو ما عليه الكثر عند الحنفيّة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يتمّ على‬ ‫‪.‬‬

‫الدّابّة بإيماء‬

‫ولو ركب المسافر النّازل وهو في صلة نافلة بطلت صلته ؛ لنّ حالته إقامة فيكون ركوبه‬ ‫‪.‬‬

‫فيها كالعمل الكثير من المقيم ‪ ،‬وقال محمّد من الحنفيّة ‪ :‬يبني على صلته‬ ‫*‬

‫علَى ال ّن ِبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫الصّلَةُ َ‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬الدّعاء له بصيغة‬ ‫المقصود بالصّلة على النّب ّ‬

‫مخصوصة ‪1 -‬‬

‫ي من اللّه ‪ :‬رحمته ‪ ،‬ورضوانه ‪ ،‬وثناؤه‬ ‫ي ‪ :‬الصّلة على النّب ّ‬ ‫والتّعظيم لمره ‪ .‬قال القرطب ّ‬

‫عليه عند الملئكة ‪ ،‬ومن الملئكة ‪ :‬الدّعاء له والستغفار ‪ ،‬ومن المّة ‪ :‬الدّعاء له ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫والستغفار ‪ ،‬والتّعظيم لمره‬

‫الحكام المتعلّقة بالصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬

‫ي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬للمر‬ ‫ل خلف بين الفقهاء في مشروعيّة الصّلة على النّب ّ‬

‫بها‪2 - ،‬‬

‫ن آمَنُوا صَلّوا عَلَ ْيهِ َوسَّلمُوا‬ ‫ن عَلَى النّبِيّ يَا أَ ّيهَا الّذِي َ‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّل َه َومَلَا ِئكَ َتهُ يُصَلّو َ‬ ‫َتسْلِيما } قال ابن كثير في تفسير الية ‪ :‬المقصود من هذه الية ‪ :‬أنّ اللّه ‪ -‬سبحانه‬ ‫وتعالى‪ -‬أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيّه عنده في المل العلى ؛ بأنّه يثني عليه عند‬ ‫الملئكة المقرّبين ‪ ،‬وأنّ الملئكة تصلّي عليه ‪ .‬ثمّ أمر جلّ شأنه بالصّلة والتّسليم عليه ؛‬ ‫ي والعلويّ جميعا ‪ ،‬وجاءت الحاديث المتواترة‬ ‫ليجتمع الثّناء عليه من أهل العاَلَمين ‪ :‬السّفل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالمر بالصّلة عليه ‪ ،‬وكيفيّة الصّلة عليه‬

‫فقد روى البخاريّ عند تفسير هذه الية ‪ « :‬قيل لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا‬ ‫رسول اللّه ‪ ،‬أمّا السّلم عليك فقد عرفناه ‪ ،‬فكيف نصلّي عليك ؟ قال ‪ :‬قولوا ‪ :‬اللّهمّ صلّ‬ ‫على محمّد‪ ،‬وعلى آل محمّد ‪ ،‬كما صلّيت على آل إبراهيم ‪ ،‬إنّك حميد مجيد ‪ ،‬اللّهمّ بارك‬ ‫‪».‬‬

‫على محمّد ‪ ،‬وعلى آل محمّد ‪ ،‬كما باركت على آل إبراهيم ‪ ،‬إنّك حميد مجيد‬ ‫‪:‬‬

‫الحكم التّكليفيّ‬

‫ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم في مواطن‬ ‫‪.‬‬

‫‪3-،‬‬

‫واستحبابها في مواطن ‪ .‬واختلفوا في مواطن الوجوب‬

‫ي صلى ال عليه وسلم في التّشهّد‬ ‫ن الصّلة على النّب ّ‬ ‫فقال الحنفيّة ‪ ،‬والمالكيّة ‪ :‬إ ّ‬

‫الخير ‪4 -‬‬

‫سنّة ‪ ،‬وليس بواجب ‪ .‬وقالوا ‪ :‬تجب الصّلة عليه صلى ال عليه وسلم في العمر مرّةً‬ ‫‪}.‬‬

‫للمر بها في قوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَ ْي ِه َوسَّلمُوا َتسْلِيما‬

‫وقال الطّحاويّ ‪ :‬تجب كلّما ُذكِرَ صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬ ‫واستدلّوا على عدم الوجوب في التّشهّد الخير « بقوله صلى ال عليه وسلم ‪ -‬في تعليم‬ ‫التّشهّد ‪ -‬بعد أن ذكر ألفاظ التّشهّد ‪ :‬إذا قلت هذا ‪ ،‬أو فعلت ‪ ،‬فقد تمّت صلتك ‪ ،‬إن شئت‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫أن تقوم فقم ‪ ،‬وإن شئت أن تقعد فاقعد‬

‫وقالوا ‪ :‬وإلى هذا ذهب أهل المدينة ‪ ،‬وأهل الكوفة ‪ ،‬وجملة من أهل العلم‬

‫أمّا الصّلة عليه صلى ال عليه وسلم في التّشهّد الوّل فليس بمشروع عندهم ‪ ،‬وبه قال‬ ‫الحنابلة فإن أتى بالصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم عامدا في التّشهّد الوّل كره ‪،‬‬ ‫وتجب عليه العادة ‪ .‬أو ساهيا وجبت عليه سجدتا السّهو عند الحنفيّة ‪ .‬وتفسد صلته عند‬ ‫‪.‬‬

‫المالكيّة إن تعمّد بإتيانها‬

‫وقال الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬إنّها تجب في التّشهّد الخير من كلّ صلة ‪ ،‬وبعد‬

‫التّكبيرة ‪5-‬‬

‫الثّانية في صلة الجنازة ‪ ،‬وفي خطبتي الجمعة ‪ ،‬والعيدين ‪ ،‬ول تجب خارج ذلك‬

‫‪.‬‬

‫وقالوا ‪ :‬إنّ اللّه تعالى فرض الصّلة على نبيّه صلى ال عليه وسلم في قوله تعالى ‪ { :‬إِنّ‬ ‫ن آمَنُوا صَلّوا عَلَ ْيهِ َوسَّلمُوا َتسْلِيما } فلم يكن‬ ‫ن عَلَى النّبِيّ يَا أَ ّيهَا الّذِي َ‬ ‫الّل َه َومَلَا ِئكَ َتهُ يُصَلّو َ‬ ‫فرض الصّلة عليه في موضع أولى من الصّلة عليه في الصّلة ‪ .‬ووجدنا الدّللة عن‬ ‫ن الصّلة على رسول اللّه صلى ال‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بما وصفنا ؛ من أ ّ‬ ‫عليه وسلم فرض في الصّلة ‪ ،‬ل في خارجها ‪ .‬فقد جاء في حديث « أبي هريرة ‪ -‬رضي‬ ‫ال عنه ‪ -‬أنّه قال ‪ :‬يا رسول اللّه ؛ كيف نصلّي عليك ؟ يعني في الصّلة ‪ .‬فقال ‪ :‬تقولون‬ ‫‪ :‬اللّهمّ صلّ على محمّد ‪ ،‬وعلى آل محمّد ‪ ،‬كما صلّيت على إبراهيم ‪ .‬وبارك على محمّد ‪،‬‬ ‫‪».‬‬

‫وآل محمّد ‪ ،‬كما باركت على إبراهيم ‪ ،‬ث ّم تسلّمون عليّ‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أنّه كان يقول في الصّلة ‪ :‬اللّهمّ‬ ‫وعن كعب بن عجرة عن « النّب ّ‬ ‫صلّ على محمّد ‪ ،‬وعلى آل محمّد ‪ ،‬كما صلّيت على إبراهيم ‪ ،‬وعلى آل إبراهيم ‪ ،‬إنّك حميد‬ ‫‪».‬‬

‫مجيد‬

‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يعلّمهم التّشهّد في‬ ‫وقال الشّافعيّ ‪ :‬فلمّا روي أ ّ‬ ‫الصّلة‪ ،‬وروي أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم علّمهم كيف يصلّون عليه في الصّلة ‪،‬‬ ‫لم يجز ‪ -‬واللّه أعلم ‪ -‬أن نقول ‪ :‬التّشهّد واجب ‪ ،‬والصّلة على النّبيّ غير واجبة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫والخبر فيهما عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم زيادة فرض القرآن‬

‫وقال ‪ -‬رحمه ال ‪ : -‬فعلى كلّ مسلم ‪ -‬وجبت عليه الفرائض ‪ -‬أن يتعلّم التّشهّد ‪،‬‬ ‫والصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ .‬ومن صلّى صلةً لم يتشهّد فيها ‪ ،‬ويصلّي على‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وهو يحسن التّشهّد ‪ -‬فعليه إعادتها ‪ .‬وإن تشهّد ولم يصلّ‬ ‫النّب ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم أو صلّى عليه ولم يتشهّد ‪ ،‬فعليه العادة حتّى يجمعهما‬ ‫على النّب ّ‬ ‫جميعا ‪ .‬وإن كان ل يحسنهما على وجههما أتى بما أحسن منهما ‪ ،‬ولم يجزه إلّ بأن يأتي‬ ‫باسم تشهّد ‪ ،‬وصلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وإن أحسنهما فأغفلهما ‪ ،‬أو عمد‬ ‫‪.‬‬

‫بتركهما فسدت صلته ‪ ،‬وعليه العادة فيهما جميعا‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫وقد قال بهذا جماعة من الصّحابة ومن بعدهم‬

‫فمن الصّحابة ‪ :‬عبد اللّه بن مسعود ‪ ،‬وأبو مسعود البدريّ ‪ ،‬وعبد اللّه بن عمر‬

‫ي ‪ ،‬والشّعبيّ ‪ ،‬ومقاتل بن حيّان ‪ .‬ومن أرباب‬ ‫ومن التّابعين ‪ :‬أبو جعفر محمّد بن عل ّ‬ ‫المذاهب المتبوعين ‪ :‬إسحاق بن راهويه ‪ ،‬وأحمد في إحدى روايتيه ‪ ،‬وهي المشهورة في‬ ‫المذهب ‪ .‬أمّا الصّلة عليه صلى ال عليه وسلم في التّشهّد الوّل ‪ ،‬في الصّلة الرّباعيّة‬

‫ي ‪ ،‬وهو اختيار ابن هبيرة ‪ ،‬والج ّريّ من‬ ‫والثّلثيّة ‪ ،‬فهي سنّة في القول الجديد للشّافع ّ‬ ‫الحنابلة ‪ ،‬ول تبطل الصّلة بتركه ولو عمدا ‪ ،‬ويجبر بسجود السّهو إن تركه‬

‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم خارج الصّلة‬

‫تستحبّ الصّلة عليه صلى ال عليه وسلم خارج الصّلة في كلّ الوقات ‪ ،‬وتتأكّد‬

‫في ‪6 -‬‬

‫مواطن منها ‪ :‬يوم الجمعة وليلتها ‪ ،‬وعند الصّباح ‪ ،‬وعند المساء ‪ ،‬وعند دخول المسجد ‪،‬‬ ‫والخروج منه ‪ ،‬وعند قبره صلى ال عليه وسلم وعند إجابة المؤذّن ‪ ،‬وعند الدّعاء ‪،‬‬ ‫وبعده وعند السّعي بين الصّفا والمروة ‪ ،‬وعند اجتماع القوم ‪ ،‬وتفرّقهم ‪ ،‬وعند ذكر اسمه‬ ‫صلى ال عليه وسلم وعند الفراغ من التّلبية ‪ ،‬وعند استلم الحجر ‪ ،‬وعند القيام من‬ ‫النّوم ‪ ،‬وعقب ختم القرآن ‪ ،‬وعند الهمّ والشّدائد ‪ ،‬وطلب المغفرة ‪ ،‬وعند تبليغ العلم إلى‬ ‫‪.‬‬

‫النّاس ‪ ،‬وعند الوعظ ‪ ،‬وإلقاء الدّرس ‪ ،‬وعند خطبة الرّجل المرأة في النّكاح‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وفي كلّ موطن يجتمع فيه لذكر اللّه تعالى‬

‫ألفاظ الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬

‫روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ -‬في الصّلة عليه ‪ -‬صيغ مختلفة في‬

‫بعض ‪7 -‬‬

‫ألفاظها ‪ .‬قال صاحب المهذّب ‪ :‬إنّ أفضل صيغ الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬ ‫أن يقول المصلّي عليه ‪ " :‬اللّهمّ ص ّل على محمّد ‪ ،‬وعلى آل محمّد ‪ ،‬كما باركت على‬ ‫‪".‬‬

‫إبراهيم ‪ ،‬وعلى آل إبراهيم ‪ .‬إنّك حميد مجيد‬

‫ي ومسلم عن كعب بن عجرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬خرج‬ ‫ومنها ‪ :‬ما رواه البخار ّ‬ ‫علينا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقلنا ‪ :‬قد علمنا ‪ -‬أو عرفنا ‪ -‬كيف نسلّم عليك ‪،‬‬ ‫فكيف نصلّي عليك ؟ قال ‪ :‬قولوا ‪ :‬اللّهمّ صلّ على محمّد ‪ ،‬وعلى آل محمّد ‪ ،‬كما صلّيت‬ ‫على آل إبراهيم ‪ .‬إنّك حميد مجيد ‪ .‬اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد ‪ ،‬كما باركت‬ ‫ي ومسلم ‪ « :‬قولوا ‪ :‬اللّهمّ صلّ على‬ ‫على إبراهيم‪ .‬إنّك حميد مجيد » وفي لفظ للبخار ّ‬ ‫محمّد ‪ ،‬وعلى أزواجه ‪ ،‬وذرّيّته ‪ ،‬كما صلّيت على آل إبراهيم ‪ .‬وبارك على محمّد ‪ ،‬وعلى‬ ‫‪».‬‬

‫أزواجه ‪ ،‬وذرّيّته‪ ،‬كما باركت على آل إبراهيم ‪ .‬إنّك حميد مجيد‬

‫‪.‬‬

‫وهناك صيغ أخرى ‪ .‬وأقلّ ما يجزئ هو ‪ :‬اللّهمّ صلّ على محمّد‬ ‫‪:‬‬

‫الصّلة على سائر النبياء‬

‫أمّا سائر النبياء والمرسلين فيصلّى عليهم ويسلّم ‪ .‬قال تعالى في نوح ‪ { :‬سَلَامٌ‬

‫عَلَى ‪8 -‬‬

‫حسِنِينَ } وفي‬ ‫جزِي ا ْل ُم ْ‬ ‫نُوحٍ فِي ا ْلعَا َلمِينَ } وفي إبراهيم ‪ { :‬سَلَا ٌم عَلَى إِبْرَاهِي َم ‪ ،‬كَذَلِكَ َن ْ‬ ‫‪}.‬‬

‫موسى وهارون ‪ { :‬سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ‬

‫ن اللّه‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬صلّوا على أنبياء اللّه ورسله ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫وروي أنّ النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫بعثهم كما بعثني‬

‫وقد حكى غير واحد الجماع على أنّ الصّلة على جميع النّبيّين مشروعة‬

‫‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫الصّلة على غير النبياء‬

‫أمّا الصّلة على غير النبياء ؛ فإن كانت على سبيل التّبعيّة ‪ ،‬كما جاء في‬ ‫‪.‬‬

‫الحاديث ‪9 -‬‬

‫السّابقة ‪ « :‬اللّهمّ صلّ على محمّد ‪ ،‬وعلى آل محمّد » فهذا جائز بالجماع‬

‫واختلفوا فيما إذا أفرد غير النبياء بالصّلة عليهم ‪ .‬فقال قائلون ‪ :‬يجوز ذلك ‪ ،‬واحتجّوا‬ ‫صَلوَاتٌ مّن‬ ‫ك عَلَ ْي ِهمْ َ‬ ‫بقول اللّه تعالى ‪ُ { :‬هوَ الّذِي يُصَلّي عَلَ ْي ُكمْ َومَلَا ِئكَ ُتهُ } وقوله ‪ { :‬أُولَـئِ َ‬ ‫‪}.‬‬

‫سكَنٌ ّل ُهمْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن صَلَتَ َ‬ ‫صلّ عَلَ ْي ِهمْ إِ ّ‬ ‫رّ ّب ِهمْ } وقوله ‪ { :‬وَ َ‬

‫وبخبر عبد اللّه بن أبي أوفى قال ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا أتاه قوم‬ ‫‪».‬‬

‫بصدقتهم قال ‪ :‬اللّهمّ صلّ عليهم فأتاه أبي بصدقته ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللّه ّم صلّ على آل أبي أوفى‬

‫ن هذا شعار للنبياء إذا‬ ‫وقال الجمهور من العلماء ‪ :‬ل يجوز إفراد غير النبياء بالصّلة ؛ ل ّ‬ ‫ذكروا ‪ ،‬فل يلحق بهم غيرهم ‪ ،‬فل يقال ‪ :‬قال أبو بكر صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أو قال ‪:‬‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وإن كان المعنى صحيحا ‪ ،‬كما ل يقال ‪ :‬محمّد عزّ وجلّ ‪ ،‬وإن‬ ‫عل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ن هذا من شعار ذكر اللّه عزّ وجلّ‬ ‫كان عزيزا جليلً ؛ ل ّ‬

‫أمّا السّلم ‪ ،‬فقد نقل ابن كثير عن الشّيخ أبي محمّد الجوينيّ ‪ -‬من الشّافعيّة ‪ -‬أنّه في‬ ‫معنى الصّلة ‪ ،‬فل يستعمل في الغائب ‪ ،‬ول يفرد به غير النبياء ‪ ،‬وسواء في ذلك الحياء‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫والموات‬

‫وأمّا الحاضر فيخاطَب به ‪ ،‬فيقال ‪ :‬سلم عليكم ‪ ،‬وسلم عليك ‪ ،‬وهذا مجمع عليه‬

‫وقد روي عن ابن عبّاس رضي ال عنه أنّه قال ‪ :‬ل تصحّ الصّلة على أحد إلّ على النّبيّ‬ ‫‪.‬‬

‫صلى ال عليه وسلم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالمغفرة‬ ‫*‬

‫صَلَةُ ا ْلعِي َديْن‬ ‫‪:‬‬

‫حكمة مشروعيّتها‬

‫ن كلّ قوم لهم يوم يتجمّلون فيه ويخرجون من‬ ‫الحكمة من مشروعيّة العيدين ‪ :‬أ ّ‬

‫بيوتهم ‪1 -‬‬

‫بزينتهم ‪ .‬فقد ورد عن أنس ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أنّه قال ‪ « :‬كان لهل الجاهليّة يومان في‬ ‫كلّ سنة يلعبون فيهما ‪ ،‬فلمّا قدم النّبيّ صلى ال عليه وسلم المدينة قال ‪ :‬كان لكم يومان‬ ‫‪».‬‬

‫تلعبون فيهما وقد أبدلكم اللّه بهما خيرا منهما ‪ :‬يوم الفطر ويوم الضحى‬ ‫‪:‬‬

‫حكم صلة العيدين‬

‫صلة العيدين واجبة على القول الصّحيح المفتى به عند الحنفيّة ‪ -‬والمراد من‬

‫الواجب ‪2 -‬‬

‫ي صلى ال عليه‬ ‫عند الحنفيّة ‪ :‬أنّه منزلة بين الفرض والسّنّة ‪ -‬ودليل ذلك ‪ :‬مواظبة النّب ّ‬ ‫وسلم عليها من دون تركها ولو مرّ ًة ‪ ،‬وأنّه ل يصلّي التّطوّع بجماعة ‪ -‬ما خل قيام‬ ‫رمضان وكسوف الشّمس وصلة العيدين فإنّها تؤدّى بجماعة ‪ ،‬فلو كانت س ّن ًة ولم تكن‬ ‫‪.‬‬

‫واجبةً لستثناها الشّارع كما استثنى التّراويح وصلة الخسوف‬

‫أمّا الشّافعيّة والمالكيّة ‪ :‬فقد ذهبوا إلى القول بأنّها سنّة مؤكّدة ‪ .‬ودليلهم على ذلك ‪« :‬‬ ‫ي ‪ -‬وكان قد ذكر له الرّسول صلى‬ ‫قوله صلى ال عليه وسلم في الحديث الصّحيح للعراب ّ‬ ‫ال عليه وسلم الصّلوات الخمس فقال له ‪ :‬هل عليّ غيرهنّ ؟ قال ل ‪ ،‬إلّ أن تطوّع » ‪.‬‬ ‫قالوا ‪ :‬ولنّها صلة ذات ركوع وسجود لم يشرع لها أذان فلم تجب بالشّرع ‪ ،‬كصلة‬ ‫ك وَا ْنحَرْ‬ ‫صلّ لِرَبّ َ‬ ‫الضّحى ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى القول بأنّها فرض كفاية ؛ لقوله تعالى ‪ { :‬فَ َ‬ ‫‪.‬‬

‫} ‪ ،‬ولمداومة الرّسول صلى ال عليه وسلم على فعلها‬ ‫‪:‬‬

‫‪:‬‬

‫شروطها‬

‫شروط الوجوب‬

‫شروط وجوب صلة العيدين عند الحنفيّة ‪ :‬هي بعينها شروط وجوب صلة الجمعة‬

‫‪3-.‬‬

‫فيشترط لوجوبها ‪ .‬أ ‪ -‬المام‬ ‫ب ‪ -‬المصر‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ج ‪ -‬الجماعة‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬الذّكورة‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫و ‪ -‬الحرّيّة‬

‫ز ‪ -‬صحّة البدن‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫د ‪ -‬الوقت‬

‫ح ‪ -‬القامة‬

‫إلّ الخطبة ‪ ،‬فإنّها سنّة بعد الصّلة‬

‫قال الكاسانيّ في بدائع الصّنائع ‪ -‬وهو يقرّر أدلّة هذه الشّروط ‪ : -‬أمّا المام فشرط عندنا‬ ‫ي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أنّه قال ‪:‬‬ ‫لما ذكرنا في صلة الجمعة ‪ ،‬وكذا المصر لما روينا عن عل ّ‬ ‫ل جمعة ول تشريق ول فطر ول أضحى إلّ في مصر جامع ‪ .‬ولم يرد بذلك نفس الفطر‬ ‫ونفس الضحى ونفس التّشريق ؛ لنّ ذلك ممّا يوجد في كلّ موضع ‪ ،‬بل المراد من لفظ‬ ‫الفطر والضحى صلة العيدين ؛ ولنّها ما ثبتت بالتّوارث من الصّدر الوّل إلّ في المصار‬ ‫‪ .‬والجماعة شرط لنّها ما أدّيت إلّ بجماعة ‪ ،‬والوقت شرط فإنّها ل تؤدّى إلّ في وقت‬

‫مخصوص ‪ ،‬به جرى التّوارث وكذا الذّكورة والعقل والبلوغ والحرّيّة وصحّة البدن ‪،‬‬ ‫والقامة من شروط وجوبها كما هي من شروط وجوب الجمعة ؛ لما ذكرنا في صلة‬ ‫الجمعة ‪ ،‬ولنّ تخلّف شرط من هذه الشّروط يؤثّر في إسقاط الفرض فلن تؤثّر في إسقاط‬ ‫الواجب أولى ‪ .‬وأمّا الحنابلة ‪ -‬وصلة العيدين عندهم فرض كفاية كما سبق بيانه ‪ -‬فإنّما‬ ‫‪.‬‬

‫شرطوا لفرضيّتها‪ :‬الستيطان ‪ ،‬والعدد المشترط للجمعة‬

‫والمالكيّة ‪ -‬وهم من القائلين بأنّ صلة العيدين سنّة مؤكّدة ‪ -‬شرطوا لذلك ‪ ،‬أي لتأكيد‬ ‫‪.‬‬

‫سنّيّتها ‪ :‬تكامل شروط وجوب الجمعة ‪ ،‬وأن ل يكون المصلّي متلبّسا بحجّ‬

‫فإذا فقد أحد الشّروط نظر ‪ :‬فإن كان المفقود هو عدم التّلبّس بالحجّ فصلة العيد غير‬ ‫مطلوبة بأيّ وجه من وجوه الطّلب ‪ ،‬وإن كان المفقود هو أحد شروط وجوب الجمعة ‪،‬‬ ‫كالمرأة والمسافر ‪ ،‬فهي في حقّهم مستحبّة وليست بسنّة مؤكّدة ‪ .‬قال الصّفتيّ ‪ :‬وهي سنّة‬ ‫ن له ول تندب ‪ ،‬وأمّا المرأة والصّبيّ‬ ‫في حقّ من يؤمر بالجمعة وجوبا إلّ الحاجّ فل تس ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ب في حقّهم‬ ‫والمسافر فتستح ّ‬

‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّها سنّة مؤكّدة في حقّ كلّ مكلّف ذكرا كان أو أنثى ‪ ،‬مقيما أو‬ ‫‪.‬‬

‫مسافرا‪ ،‬حرّا أو عبدا ‪ ،‬ولم يشترطوا لسنّيّتها شرطا آخر غير التّكليف‬

‫ج تسنّ له صلة العيد منفردا‬ ‫وقالوا باشتراط عدم التّلبّس بالحجّ لدائها جماعةً ‪ ،‬أي فالحا ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫صحّة‬ ‫شروط ال ّ‬

‫ل جماعةً‬

‫كلّ ما يعتبر شرطا في صحّة صلة الجمعة ‪ ،‬فهو شرط في صحّة صلة العيدين أيضا‬ ‫‪.‬‬

‫‪4-،‬‬

‫ما عدا الخطبة فهي هنا ليست شرطا في صحّة العيدين وإنّما هي سنّة‬

‫ويستثنى ‪ -‬أيضا ‪ -‬شرط عدم التّعدّد " راجع صلة الجمعة " فل يشترط ذلك لصلة العيد ‪،‬‬ ‫قال الحصكفيّ ‪ :‬وتؤدّى بمصر واحد في مواضع كثيرة اتّفاقا ‪ ،‬وقال ابن عابدين ‪ :‬مقرّرا‬ ‫هذا الكلم ‪ :‬والخلف إنّما هو في الجمعة ‪ ،‬فيشترط لصحّتها ‪ :‬أ ‪ -‬المام ‪ ،‬ب ‪ -‬والمصر ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ج ‪ -‬والجماعة ‪ ،‬د ‪ -‬والوقت‬

‫وقد م ّر أنّها شروط للوجوب أيضا‬

‫هذا عند الحنفيّة ‪ ،‬أمّا الحنابلة فقد اشترطوا الوقت والجماعة‬

‫ولم يشترط المالكيّة والشّافعيّة لصحّة صلة العيدين شيئا من هذه الشّروط إلّ الوقت‬

‫أمّا الشّروط الّتي هي قدر مشترك في صحّة الصّلوات المختلفة من طهارة واستقبال قبلة‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫‪ ...‬إلخ فليس فيها من خلف ‪ .‬ولمعرفتها ( ر ‪ :‬صلة‬

‫المرأة وصلة العيدين‬

‫ذهب المالكيّة ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة إلى كراهة خروج الشّابّات وذوات الجمال‬

‫لصلة ‪5 -‬‬

‫العيدين لما في ذلك من خوف الفتنة ‪ ،‬ولكنّهم استحبّوا في المقابل خروج غير ذوات‬ ‫‪.‬‬

‫الهيئات منهنّ واشتراكهنّ مع الرّجال في الصّلة‬

‫وذلك للحديث المتّفق عليه عن أمّ عطيّة ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يخرج‬ ‫العواتق وذوات الخدور والحيّض في العيد ‪ ،‬فأمّا الحيّض فكنّ يعتزلن المصلّى ويشهدن‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫الخير ودعوة المسلمين‬

‫ولكن ينبغي أن يخرجن في ثياب ل تلفت النّظر دون تطيّب ول تبرّج‬

‫ويختلف الحكم عند الحنفيّة في إباحة خروج النّساء إلى صلة العيدين بين كون المرأة شا ّبةً‬ ‫أو عجوزا ‪ .‬أمّا الشّابّات من النّساء وذوات الجمال منهنّ ‪ ،‬فل يرخّص لهنّ في الخروج‬ ‫ي إجماع أئمّة المذهب الحنفيّ عليه ‪،‬‬ ‫إلى صلة العيد ول غيرها كصلة الجمعة ونقل الكاسان ّ‬ ‫‪}.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وأمّا العجائز فل خلف أنّه يرخّص لهنّ الخروج للعيد وغيره من الصّلوات‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫وذلك لقوله تعالى ‪ { :‬وَقَ ْرنَ فِي بُيُو ِتكُنّ‬

‫غير أنّ الفضل على كلّ حال أن تصلّي المرأة في بيتها‬

‫واختلفت الرّواية عن أبي حنيفة ‪ :‬هل تخرج المرأة للصّلة أم لتكثير سواد المسلمين ؟‬ ‫‪:‬‬

‫وقت أدائها‬

‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أنّ وقت صلة العيدين‬

‫يبتدئ ‪6 -‬‬

‫عند ارتفاع الشّمس قدر رمح بحسب رؤية العين المجرّدة ‪ -‬وهو الوقت الّذي تحلّ فيه‬ ‫‪.‬‬

‫النّافلة ‪ -‬ويمتدّ وقتها إلى ابتداء الزّوال‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬إنّ وقتها ما بين طلوع الشّمس وزوالها ‪ ،‬ودليلهم على أنّ وقتها يبدأ‬ ‫‪.‬‬

‫بطلوع الشّمس أنّها صلة ذات سبب فل تراعى فيها الوقات الّتي ل تجوز فيها الصّلة‬

‫أمّا الوقت المفضّل لها ‪ ،‬فهو عند ارتفاع الشّمس قدر رمح ‪ ،‬إلّ أنّه يستحبّ عدم تأخيرها‬ ‫عن هذا الوقت بالنّسبة لعيد الضحى ‪ ،‬وذلك كي يفرغ المسلمون بعدها لذبح أضاحيهم ‪،‬‬ ‫ويستحبّ تأخيرها قليلً عن هذا الوقت بالنّسبة لعيد الفطر ‪ ،‬وذلك انتظارا لمن انشغل في‬ ‫‪.‬‬

‫صبحه بإخراج زكاة الفطر‬

‫وهذا محلّ اتّفاق عند سائر الئمّة ‪ ،‬ودليلهم على ما ذهبوا إليه من التّفريق بين صلتي‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كتب إلى بعض الصّحابة ‪ :‬أن يقدّم‬ ‫الفطر والضحى ‪ « :‬أ ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫صلة الضحى ويؤخّر صلة الفطر‬

‫حكمها بعد خروج وقتها‬ ‫‪:‬‬

‫لفوات صلة العيد عن وقتها ثلث صور‬

‫الصّورة الولى ‪ :‬أن تؤدّى صلة العيد جماعةً في وقتها من اليوم الوّل ولكنّها‬

‫فاتت ‪7 -‬‬

‫بعض الفراد ‪ ،‬وحكمها في هذه الصّورة أنّها فاتت إلى غير قضاء ‪ ،‬فل تقضى مهما كان‬ ‫العذر ؛ لنّها صلة خاصّة لم تشرع إلّ في وقت معيّن وبقيود خاصّة ‪ ،‬فل ب ّد من تكاملها‬ ‫جميعا ‪ ،‬ومنها الوقت ‪ .‬وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة‬

‫‪.‬‬

‫وأمّا الشّافعيّة ‪ :‬فقد أطلقوا القول بمشروعيّة قضائها ‪ -‬على القول الصّحيح في المذهب ‪-‬‬ ‫في أيّ وقت شاء وكيفما كان ‪ :‬منفردا أو جماعةً ‪ ،‬وذلك بناءً على أصلهم المعتمد ‪ ،‬وهو‬ ‫‪.‬‬

‫ن نوافل الصّلة كلّها يشرع قضاؤها‬ ‫أّ‬

‫وأمّا الحنابلة ‪ :‬فقالوا ‪ :‬ل تقضى صلة العيد ‪ ،‬فإن أحبّ قضاءها فهو مخيّر إن شاء صلّاها‬ ‫‪.‬‬

‫أربعا ‪ ،‬إمّا بسلم واحد ‪ ،‬وإمّا بسلمين‬

‫الصّورة الثّانية ‪ :‬أن ل تكون صلة العيد قد أدّيت جماعةً في وقتها من اليوم الوّل‬

‫‪8- ،‬‬

‫وذلك إمّا بسبب عذر ‪ :‬كأن غمّ عليهم الهلل وشهد شهود عند المام برؤية الهلل بعد‬ ‫‪.‬‬

‫الزّوال ‪ ،‬وإمّا بدون عذر‬

‫ففي حالة العذر يجوز تأخيرها إلى اليوم الثّاني سواء كان العيد عيد فطر أو أضحى ؛ لنّه‬ ‫قد ثبت عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أنّ قوما شهدوا برؤية الهلل في آخر يوم‬ ‫‪».‬‬

‫من أيّام رمضان ‪ ،‬فأمر عليه الصلة والسلم بالخروج إلى المصلّى من الغد‬

‫وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة فيشرع قضاء صلة العيد في اليوم الثّاني عند تأخّر‬ ‫‪.‬‬

‫الشّهادة برؤية الهلل ‪ .‬أمّا المالكيّة ‪ :‬فقد أطلقوا القول بعدم قضائها في مثل هذه الحال‬ ‫ن الشّافعيّة ل يعتبرون صلتها في اليوم الثّاني قضاءً إذا تأخّرت الشّهادة في اليوم‬ ‫إلّ أ ّ‬

‫الّذي قبله إلى ما بعد غروب الشّمس ‪ .‬بل ل تقبل الشّهادة حينئذ ويعتبر اليوم الثّاني أوّل‬ ‫‪.‬‬

‫أيّام العيد‪ ،‬فتكون الصّلة قد أدّيت في وقتها‬

‫الصّورة الثّالثة ‪ :‬أن تؤخّر صلة العيد عن وقتها بدون العذر الّذي ذكرنا في‬

‫الصّورة ‪9 -‬‬

‫الثّانية ‪ .‬فينظر حينئذ ‪ :‬إن كان العيد عيد فطر سقطت أصلًا ولم تقض ‪ .‬وإن كان عيد‬ ‫أضحى جاز تأخيرها إلى ثالث أيّام النّحر ‪ ،‬أي يصحّ قضاؤها في اليوم الثّاني ‪ ،‬وإ ّل ففي‬ ‫اليوم الثّالث من ارتفاع الشّمس في السّماء إلى أوّل الزّوال ‪ ،‬سواء كان ذلك لعذر أو لغير‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫عذر ولكن تلحقه الساءة إن كان غير معذور بذلك‬

‫مكان أدائها‬

‫كلّ مكان طاهر ‪ ،‬يصلح أن تؤدّى فيه صلة العيد ‪ ،‬سواء كان مسجدا أو عرصةً‬

‫وسط ‪10 -‬‬

‫البلد أو مفاز ًة خارجها ‪ .‬إلّ أنّه يسنّ الخروج لها إلى الصّحراء أو إلى مفازة واسعة خارج‬ ‫‪.‬‬

‫البلد تأسّيا بما كان يفعله رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬

‫ول بأس أن يستخلف المام غيره في البلدة ليصلّي في المسجد بالضّعفاء الّذين ل طاقة لهم‬ ‫‪.‬‬

‫بالخروج لها إلى الصّحراء‬

‫ن الشّافعيّة قيّدوا أفضليّة الصّلة في الصّحراء بما‬ ‫ولم يخالف أحد من الئمّة في ذلك ‪ ،‬إلّ أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫إذا كان مسجد البلد ضيّقا‬

‫ن الئمّة لم يزالوا‬ ‫وإن كان المسجد واسعا ل يتزاحم فيه النّاس ‪ ،‬فالصّلة فيه أفضل ؛ ل ّ‬ ‫ن المسجد أشرف وأنظف ‪ .‬ونقل صاحب المهذّب‬ ‫يصلّون صلة العيد بمكّة في المسجد ؛ ول ّ‬ ‫عن الشّافعيّ قوله ‪ :‬إن كان المسجد واسعا فصلّى في الصّحراء فل بأس ‪ ،‬وإن كان ضيّقا‬ ‫فصلّى فيه ولم يخرج إلى الصّحراء كرهت ؛ لنّه إذا ترك المسجد وصلّى في الصّحراء لم‬ ‫يكن عليهم ضرر ‪ ،‬وإذا ترك الصّحراء وصلّى في المسجد الضّيّق تأذّوا بالزّحام ‪ ،‬وربّما‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫كيفيّة أدائها‬

‫أوّلً ‪ -‬الواجب من ذلك‬

‫‪:‬‬

‫فات بعضهم الصّلة‬

‫صلة العيد ‪ ،‬لها حكم سائر الصّلوات المشروعة ‪ ،‬فيجب ويفرض فيها كلّ ما‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫يجب ‪11 -‬‬

‫ويفرض في الصّلوات الخرى‬

‫ويجب فيها ‪ -‬زيادةً على ذلك ‪ -‬ما يلي‬

‫أ ّولً ‪ - :‬أن تؤدّى في جماعة وهو قول الحنفيّة والحنابلة‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ - :‬الجهر بالقراءة فيها ‪ ،‬وذلك للنّقل المستفيض عن النّب ّ‬ ‫ثالثا ‪ :‬أن يكبّر المصلّي ثلث تكبيرات زوائد بين تكبيرة الحرام والرّكوع في الرّكعة‬ ‫‪.‬‬

‫الولى ‪ ،‬وأن يكبّر مثلها ‪ -‬أيضا ‪ -‬بين تكبيرة القيام والرّكوع في الرّكعة الثّانية‬

‫وسيّان " بالنّسبة لداء الواجب " أن تؤدّى هذه التّكبيرات قبل القراءة أو بعدها ‪ ،‬مع رفع‬ ‫‪.‬‬

‫اليدين أو بدونهما ‪ ،‬ومع السّكوت بين التّكبيرات أو الشتغال بتسبيح ونحوه‬ ‫‪.‬‬

‫أمّا الفضل فسنتحدّث عنه عند البحث في كيفيّتها المسنونة‬

‫فمن أدرك المام بعد أن كبّر هذه التّكبيرات ‪ :‬فإن كان ل يزال في القيام كبّر المؤتمّ لنفسه‬ ‫بمجرّد الدّخول في الصّلة ‪ ،‬وتابع المام ‪ .‬أمّا إذا أدركه راكعا فليركع معه ‪ ،‬وليكبّر‬ ‫‪.‬‬

‫تكبيرات الزّوائد أثناء ركوعه بدل من تسبيحات الرّكوع‬

‫وهذه التّكبيرات الزّائدة قد خالف في وجوبها المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬ثمّ اختلفوا في‬ ‫‪.‬‬

‫عدد هذه التّكبيرات ومكانها‬

‫فالشّافعيّة قالوا ‪ :‬هي سبع في الرّكعة الولى بين تكبيرة الحرام وبدء القراءة ‪ ،‬وخمس في‬ ‫‪.‬‬

‫الرّكعة الثّانية بين تكبيرة القيام وبدء القراءة أيضا‬

‫وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّها ستّ تكبيرات في الرّكعة الولى عقب تكبيرة الحرام ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وخمس في الثّانية عقب القيام إلى الرّكعة الثّانية أي قبل القراءة في الرّكعتين‬ ‫والجهر بالقراءة واجب عند الحنفيّة فقط ‪ .‬واتّفق الجميع على مشروعيّته‬

‫‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المندوب من ذلك‬

‫ل كان ‪ ،‬أو قراءةً‬ ‫يندب في صلة العيدين ك ّل ما يندب في الصّلوات الخرى ‪ :‬فع ً‬ ‫‪:‬‬

‫‪12 - ،‬‬

‫وتختصّ صلة العيدين بمندوبات أخرى نجملها فيما يلي‬

‫أ ّولً ‪ -‬يسنّ أن يسكت بين كلّ تكبيرتين من التّكبيرات الزّوائد قدر ثلث تسبيحات ول يسنّ‬ ‫‪.‬‬

‫أن يشتغل بينهما بذكر أو تسبيح‬

‫ثانيا ‪ -‬يسنّ أن يرفع يديه عند التّكبيرات الزّوائد إلى شحمة أذنيه ‪ ،‬بخلف تكبيرة الرّكوع‬ ‫‪.‬‬

‫فل يرفع يديه عندها‬

‫ن أن يوالي بين القراءة في الرّكعتين ‪ ،‬وذلك بأن يكبّر التّكبيرات الزّوائد في‬ ‫ثالثا ‪ -‬يس ّ‬ ‫الرّكعة الولى قبل القراءة ‪ ،‬وفي الرّكعة الثّانية بعدها ‪ ،‬فتكون القراءتان متّصلتين على‬ ‫ن أن يقرأ في الرّكعة الولى سورة العلى وفي الرّكعة الثّانية سورة‬ ‫ذلك‪ .‬رابعا ‪ -‬يس ّ‬ ‫الغاشية ول يلتزمهما دائما كي ل يترتّب على ذلك هجر بقيّة سور القرآن‬

‫‪.‬‬

‫ن أن يخطب بعدها خطبتين ‪ ،‬ل يختلف في كلّ منهما في واجباتها وسننها عن‬ ‫خامسا ‪ -‬يس ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫خطبتي الجمعة‬

‫إلّ أنّه يستحبّ أن يفتتح الولى منهما بتسع تكبيرات متتابعات والثّانية بسبع مثلها‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫هذا ول يشرع لصلة العيد أذان ول إقامة ‪ ،‬بل ينادى لها ‪ :‬الصّلة جامعةً‬

‫ولها ‪ -‬أيضا ‪ -‬سنن تتّصل بها وهي قبل الصّلة أو بعدها نجملها فيما‬

‫يلي ‪13 -‬‬

‫أ ّولً ‪ :‬أن يطعم شيئا قبل غدوّه إلى الصّلة إذا كان العيد عيد فطر ‪ ،‬ويسنّ أن يكون‬ ‫ي « أنّه صلى ال عليه وسلم كان ل يغدو يوم‬ ‫المطعوم حلوًا كتمر ونحوه ‪ ،‬لما روى البخار ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫الفطر حتّى يأكل تمرات‬

‫ثانيا ‪ :‬يسنّ أن يغتسل ويتطيّب ويلبس أحسن ثيابه‬

‫ثالثا ‪ :‬يسنّ الخروج إلى المصلّى ماشيا ‪ ،‬فإذا عاد ندب له أن يسير من طريق أخرى غير‬ ‫‪.‬‬

‫الّتي أتى منها ‪ .‬ول بأس أن يعود راكبا‬

‫ثمّ إن كان العيد فطرا سنّ الخروج إلى المصلّى بدون جهر بالتّكبير في الصحّ عند الحنفيّة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ن الجهر بالتّكبير في الطّريق إليه‬ ‫رابعا ‪ :‬إن كان أضحى فيس ّ‬

‫قال في الدّرّ المختار ‪ :‬قيل ‪ :‬وفي المصلّى أيضا وعليه عمل النّاس اليوم‬

‫واتّفقت بقيّة الئمّة مع الحنفيّة في استحباب الخروج إلى المصلّى ماشيا والعود من طريق‬ ‫آخر ‪ ،‬وأن يطعم شيئا يوم عيد الفطر قبل خروجه إلى الصّلة ‪ ،‬وأن يغتسل ويتطيّب ويلبس‬ ‫‪.‬‬

‫أحسن ثيابه‬

‫أمّا التّكبير في الطّريق إلى المصلّى فقد خالف الحنفيّة في ذلك كلّ من المالكيّة والحنابلة ‪،‬‬ ‫والشّافعيّة ‪ ،‬فذهبوا إلى أنّه يندب التّكبير عند الخروج إلى المصلّى والجهر به في كلّ من‬ ‫‪.‬‬

‫عيدي الفطر والضحى‬

‫وأمّا التّكبير في المصلّى ‪ :‬فقد ذهبت الشّافعيّة " في الصحّ من أقوال ثلثة " إلى أنّه يسنّ‬ ‫‪.‬‬

‫للنّاس الستمرار في التّكبير إلى أن يحرم المام بصلة العيد‬

‫ي في حاشيته على‬ ‫وذهب المالكيّة ‪ -‬أيضا ‪ -‬إلى ذلك استحسانا ‪ .‬قال العلّامة الدّسوق ّ‬ ‫الشّرح الكبير ‪ :‬وأمّا التّكبير جماعةً وهم جالسون في المصلّى فهذا هو الّذي استحسن ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وهو رأي عند الحنابلة أيضا‬

‫وأمّا التّكبيرات الزّوائد في الصّلة ‪ :‬فقد خالف الحنفيّة في استحباب موالتها ‪ ،‬وعدم فصل‬ ‫ب أن يفصل‬ ‫أيّ ذكر بينها كلّ من الحنابلة والشّافعيّة حيث ذهب هؤلء جميعا إلى أنّه يستح ّ‬ ‫بينها بذكر ‪ ،‬وأفضله أن يقول ‪ :‬سبحان اللّه والحمد للّه ول إله إلّ اللّه واللّه أكبر ‪ .‬أو‬ ‫‪.‬‬

‫يقول‪ :‬اللّه أكبر كبيرا والحمد للّه كثيرا وسبحان اللّه وبحمده بكر ًة وأصيلً‬

‫ن الفضل‬ ‫كما خالف المالكيّة في استحباب رفع اليدين عند التّكبيرات الزّوائد ‪ ،‬فذهبوا إلى أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫عدم رفع اليدين عند شيء منها‬

‫كما خالف المالكيّة ‪ ،‬في عدد التّكبيرات الّتي يستحبّ افتتاح الخطبة بها ‪ .‬ويستحبّ عندهم‬ ‫‪.‬‬

‫أن تفتتح الخطبة بالتّكبير ول تحديد للعدد عندهم‬

‫وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل سنّة لها قبل ّي ًة ول بعد ّيةً ‪ ،‬ول تصلّى أي نافلة قبلها وقبل الفراغ‬ ‫من خطبتها ؛ لنّ الوقت وقت كراهة ‪ ،‬فل يصلّى فيه غير العيد ‪ .‬أمّا بعد الفراغ من الخطبة‬ ‫‪.‬‬

‫فل بأس بالصّلة‬

‫وذهب الشّافعيّة إلى أنّه ل يكره التّنفّل قبلها ول بعدها لما عدا المام ‪ ،‬سواء صلّيت في‬ ‫‪.‬‬

‫المسجد أو المصلّى‬

‫وفصّل المالكيّة فقالوا ‪ :‬يكره التّنفّل قبلها وبعدها إلى الزّوال ‪ ،‬إن أدّيت في المصلّى ول‬ ‫‪.‬‬

‫يكره إن أدّيت في المسجد‬

‫وللحنابلة تفصيل آخر فقد قالوا ‪ :‬ل يتنفّل قبل الصّلة ول بعدها كلّ من المام والمأموم ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫في المكان الّذي صلّيت فيه ‪ ،‬فأمّا في غير موضعها فل بأس‬ ‫‪:‬‬

‫مفسدات صلة العيد‬

‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫لصلة العيد مفسدات مشتركة ومفسدات‬

‫خاصّة ‪14 -‬‬

‫أمّا مفسداتها المشتركة ‪ :‬فهي مفسدات سائر الصّلوات ‪ ( .‬راجع ‪ :‬صلة‬ ‫‪:‬‬

‫وأمّا مفسداتها الخاصّة بها ‪ ،‬فتلخّص في أمرين‬

‫الوّل ‪ :‬أن يخرج وقتها أثناء أدائها بأن يدخل وقت الزّوال ‪ ،‬فتفسد بذلك ‪ .‬قال ابن عابدين‬ ‫ل ‪ ،‬اتّفاقا إن كان الزّوال قبل القعود قدر التّشهّد ‪ ،‬وعلى قول‬ ‫‪ :‬أي يفسد وصفها وتنقلب نف ً‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫المام أبي حنيفة إن كان بعده‬

‫الثّاني ‪ :‬انفساخ الجماعة أثناء أدائها ‪ .‬فذلك ‪ -‬أيضا ‪ -‬من مفسدات صلة العيد‬

‫وهل يشترط لفسادها أن تفسخ الجماعة قبل أن تقيّد الرّكعة الولى بالسّجدة ‪ ،‬أم تفسد‬ ‫‪).‬‬

‫مطلقا؟ يرد في ذلك خلف وتفصيله في مفسدات صلة الجمعة ( ر ‪ :‬صلة الجمعة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وخالف المالكيّة والشّافعيّة بالنّسبة لنفساخ الجماعة‬

‫ما يترتّب على فسادها‬

‫قال صاحب البدائع ‪ :‬إن فسدت صلة العيد بما تفسد به سائر الصّلوات من الحدث‬

‫العمد ‪15 -‬‬

‫وغير ذلك ‪ ،‬يستقبل الصّلة على شرائطها ‪ ،‬وإن فسدت بخروج الوقت ‪ ،‬أو فاتت عن‬ ‫‪.‬‬

‫وقتها مع المام سقطت ول يقضيها عندنا‬

‫وسائر الئمّة متّفقون على أنّ صلة العيد إذا فسدت بما تفسد به سائر الصّلوات الخرى ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫تستأنف من جديد‬

‫أمّا إن فسدت بخروج الوقت فقد اختلفوا في حكم قضائها أو إعادتها ‪ ،‬وقد م ّر تفصيل‬ ‫‪.‬‬

‫البحث في ذلك عند الكلم على وقت صلة العيد ف ‪ 7 /‬وما بعدها‬ ‫‪:‬‬

‫شعائر وآداب العيد‬ ‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫أمّا شعائره فأبرزها ‪:‬‬

‫التّكبير ‪16 -‬‬

‫وصيغته ‪ :‬اللّه أكبر اللّه أكبر ل إله إلّ اللّه ‪ ،‬واللّه أكبر اللّه أكبر ‪ ،‬وللّه الحمد‬

‫وخالفت الشّافعيّة والمالكيّة ‪ ،‬فذهبوا إلى جعل التّكبيرات الولى في الصّيغة ثلثا بدل ثنتين‬ ‫‪ .‬ثمّ إنّ هذا التّكبير يعتبر شعارا لكلّ من عيدي الفطر والضحى ‪ ،‬أمّا مكان التّكبير وحكمه‬ ‫‪.‬وكيفيّته في عيد الفطر فقد مرّ الحديث عنه ف ‪/‬‬

‫‪12‬‬

‫وأمّا حكمه ومكانه في عيد الضحى ‪ ،‬فيجب التّكبير مرّ ًة عقب كلّ فرض أدّي جماعةً ‪ ،‬أو‬ ‫قضي في أيّام العيد ‪ ،‬ولكنّه كان متروكا فيها ‪ ،‬من بعد فجر يوم عرفة إلى ما بعد عصر‬ ‫‪.‬‬

‫يوم العيد‬

‫وذهب أبو يوسف ومحمّد " وهو المعتمد في المذهب " إلى أنّه يجب بعد كلّ فرض مطلقا ‪،‬‬ ‫ولو كان المصلّي منفردا أو مسافرا أو امرأةً ‪ ،‬من فجر يوم عرفة إلى ما بعد عصر اليوم‬ ‫‪.‬‬

‫الثّالث من أيّام التّشريق‬

‫ن التّكبير سنّة أو سنّة مؤكّدة وليس‬ ‫أمّا ما يتعلّق بحكم التّكبير ‪ :‬فسائر المذاهب على أ ّ‬ ‫بواجب‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫والمالكيّة يشرع التّكبير عندهم إثر خمس عشرة صلةً تبدأ من ظهر يوم النّحر‬

‫وأمّا ما يتعلّق بنوع الصّلة الّتي يشرع بعدها التّكبير ‪ :‬فقد اختلفت في ذلك المذاهب ‪:‬‬ ‫فالشّافعيّة على أنّه يشرع التّكبير عقب كلّ الصّلوات فرضا كانت أم نافلةً على اختلفها لنّ‬ ‫‪.‬‬

‫ص بنوع من الصّلة دون آخر‬ ‫التّكبير شعار الوقت فل يخت ّ‬

‫ص بالفروض المؤدّاة جماع ًة من صلة الفجر يوم عرفة إلى صلة‬ ‫والحنابلة على أنّه يخت ّ‬ ‫‪.‬‬

‫العصر من آخر أيّام التّشريق ‪ ،‬فل يشرع عقب ما أدّي فرادى من الصّلوات‬

‫والمالكيّة على أنّه يشرع عقب الفرائض الّتي تصلّى أداءً ‪ ،‬فل يشرع عقب ما صلّي من‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ذلك قضا ًء مطلقا أي سواء كان متروكات العيد أم ل‬ ‫ر ‪ :‬تكبير ج‬

‫‪13/‬‬

‫‪ ،‬ف ‪، 7/‬‬

‫‪14‬‬

‫‪،‬‬

‫‪15‬‬

‫‪ .‬من الموسوعة‬

‫وأمّا آدابه فمنها ‪ :‬الغتسال ويدخل وقته بنصف اللّيل ‪ ،‬والتّطيّب ‪ ،‬والستياك ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ولبس ‪17 -‬‬

‫ن أن يكون ذلك قبل الصّلة ‪ ،‬وأداء فطرته قبل الصّلة‬ ‫أحسن الثّياب ‪ .‬ويس ّ‬

‫ومن آداب العيد ‪ :‬إظهار البشاشة والسّرور فيه أمام الهل والقارب والصدقاء ‪ ،‬وإكثار‬ ‫‪.‬‬

‫الصّدقات ‪ .‬قال في الدّ ّر المختار ‪ :‬والتّهنئة بتقبّل اللّه منّا ومنكم ل تنكر‬

‫ن ذلك حسن ل ينكر ‪ ،‬واستند في‬ ‫ونقل ابن عابدين الخلف في ذلك ثمّ صحّح القول بأ ّ‬ ‫ن ذلك مستحبّ في‬ ‫ج من قوله ‪ :‬بأ ّ‬ ‫تصحيحه هذا إلى ما نقله عن المحقّق ابن أمير الحا ّ‬ ‫الجملة ‪ .‬وقاس على ذلك ما اعتاده أهل البلد الشّاميّة والمصريّة من قولهم لبعض ‪ :‬عيد‬ ‫‪.‬‬

‫مبارك‬

‫وذكر الشّهاب ابن حجر ‪ -‬أيضا ‪ -‬أنّ هذه التّهنئة على اختلف صيغها مشروعة ‪ ،‬واحتجّ‬ ‫له بأنّ البيهقيّ عقد له بابا فقال ‪ :‬باب ما روي في قول النّاس بعضهم لبعض في العيد ‪:‬‬ ‫تقبّل اللّه منّا ومنكم ‪ ،‬وساق فيه ما ذكره من أخبار وآثار ضعيفة لكن مجموعها يحتجّ به‬ ‫في مثل ذلك ‪ ،‬ثمّ قال الشّهاب ‪ :‬ويحتجّ لعموم التّهنئة بسبب ما يحدث من نعمة ‪ ،‬أو يندفع‬ ‫من نقمة بمشروعيّة سجود الشّكر ‪ ،‬وبما في الصّحيحين « عن كعب بن مالك في قصّة‬ ‫توبته لمّا تخلّف في غزوة تبوك ‪ :‬أنّه لمّا بشّر بقبول توبته مضى إلى النّبيّ صلى ال عليه‬ ‫‪».‬‬

‫وسلم قام إليه طلحة بن عبيد اللّه فهنّأه‬

‫كما يكره حمل السّلح فيه ‪ ،‬إلّ أن يكون مخافة عد ّو مثلً ؛ لما ورد في ذلك من النّهي عن‬ ‫‪.‬‬

‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬

‫الصّلَةُ على الغَائب‬

‫*‬

‫‪.‬‬

‫*‬

‫صَلَةُ الفَجر‬ ‫‪.‬‬

‫*‬

‫انظر ‪ :‬الصّلوات الخمس المفروضة‬

‫صَلَةُ الفَوائت‬ ‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬قضاء الفوائت‬

‫الصّلَةُ في السّفينة‬

‫*‬

‫انظر ‪ :‬جنائز‬

‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬سفينة‬

‫الصّلَةُ في الكَعبة‬

‫*‬

‫‪.‬‬

‫*‬

‫صَلَةُ قيام اللّيل‬

‫*‬

‫صَلَةُ ال ُكسُوف‬

‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬كعبة‬

‫انظر ‪ :‬قيام اللّيل‬

‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫هذا المصطلح مركّب في لفظين تركيب إضافة ‪ :‬صلة ‪،‬‬ ‫‪).‬‬

‫التّعريف‬

‫والكسوف ‪1 -‬‬

‫فالصّلة تنظر في مصطلح ‪ ( :‬صلة‬

‫أمّا الكسوف ‪ :‬فهو ذهاب ضوء أحد النّيّرين " الشّمس ‪ ،‬والقمر " أو بعضه ‪ ،‬وتغيّره إلى‬ ‫سواد ‪ ،‬يقال ‪ :‬كسفت الشّمس ‪ ،‬وكذا خسفت ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬كسف القمر ‪ ،‬وكذا خسف ‪،‬‬ ‫فالكسوف ‪ ،‬والخسوف ‪ ،‬مترادفان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الكسوف للشّمس ‪ ،‬والخسوف للقمر ‪ ،‬وهو‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫الشهر في اللّغة‬

‫وصلة الكسوف ‪ :‬صلة تؤدّى بكيفيّة مخصوصة ‪ ،‬عند ظلمة أحد النّيّرين أو بعضهما‬ ‫‪:‬‬

‫الحكم التّكليفيّ‬

‫الصّلة لكسوف الشّمس سنّة مؤكّدة عند جميع الفقهاء ‪ ،‬وفي قول للحنفيّة ‪ :‬إنّها‬

‫واجبة ‪2 -‬‬ ‫‪.‬‬

‫أمّا الصّلة لخسوف القمر فهي سنّة مؤكّدة عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وهي حسنة عند‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الحنفيّة‪ ،‬ومندوبة عند المالكيّة‬

‫ي صلى ال عليه وسلم قال‬ ‫والصل في ذلك الخبار الصّحيحة ‪ :‬كخبر الشّيخين ‪ :‬أنّ النّب ّ‬ ‫ن الشّمس والقمر آيتان من آيات اللّه ‪ ،‬ل ينكسفان لموت أحد ‪ ،‬ول لحياته ‪،‬‬ ‫إّ‬

‫فإذا «‬

‫رأيتموهما فادعوا اللّه ‪ ،‬وصلّوا حتّى ينجلي » ‪ « ،‬ولنّه صلى ال عليه وسلم صلّاها‬ ‫لكسوف الشّمس » كما رواه الشّيخان ‪ ،‬ولكسوف القمر كما رواه ابن حبّان في كتابه‬ ‫‪.‬الثّقات‬ ‫وعن « ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنه ‪ : -‬أنّه صلّى بأهل البصرة في خسوف القمر ركعتين‬ ‫‪».‬‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫وقال ‪ :‬إنّما صلّيت لنّي رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يصلّي‬

‫ي غيرها‬ ‫والصّارف عن الوجوب ‪ :‬حديث العرابيّ المعروف ‪ « :‬هل عل ّ‬

‫ولنّها صلة ذات ركوع وسجود ‪ ،‬ل أذان لها ول إقامة ‪ ،‬كصلة الستسقاء‬ ‫‪:‬‬

‫وقت صلة الكسوف‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬ ‫ووقتها من ظهور الكسوف إلى حين زواله ؛ لقول النّب ّ‬

‫إذا ‪3 -‬‬

‫رأيتموهما فادعوا اللّه وصلّوا حتّى ينجلي » فجعل النجلء غايةً للصّلة ؛ ولنّها شرعت‬ ‫‪.‬‬

‫رغب ًة إلى اللّه في ر ّد نعمة الضّوء ‪ ،‬فإذا حصل ذلك حصل المقصود من الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫صلة الكسوف في الوقات الّتي تكره فيها الصّلة‬ ‫‪.‬‬

‫اختلف الفقهاء في‬

‫ذلك ‪4 -‬‬

‫فذهب الحنفيّة ‪ ،‬وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة ‪ ،‬وهو رواية عن مالك إلى أنّها ل تصلّى‬ ‫في الوقات الّتي ورد النّهي عن الصّلة فيها ‪ ،‬كسائر الصّلوات ‪ ،‬فإن صادف الكسوف في‬ ‫ل ‪ ،‬واستغفارا ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬لنّه إن‬ ‫هذه الوقات لم تصلّ ‪ ،‬جعل في مكانها تسبيحا ‪ ،‬وتهلي ً‬ ‫كانت هذه الصّلة نافلةً فالتّنفّل في هذه الوقات مكروه وإن كان لها سبب ‪ ،‬وإن كانت‬ ‫‪.‬‬

‫واجبةً فأداء الصّلة الواجبة فيها مكروه أيضا‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ -‬وهو رواية أخرى عن مالك ورواية عن أحمد ‪ : -‬تصلّى في كلّ‬ ‫الوقات ‪ ،‬كسائر الصّلوات الّتي لها سبب متقدّم أو مقارن ‪ ،‬كالمقضيّة وصلة الستسقاء ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وركعتي الوضوء ‪ ،‬وتحيّة المسجد‬

‫والرّواية الثّالثة عن مالك ‪ :‬أنّها إذا طلعت مكسوفةً يصلّى حا ًل ‪ ،‬وإذا دخل العصر‬ ‫‪.‬‬

‫مكسوف ًة ‪ ،‬أو كسفت عندهما لم يصلّ لها‬

‫‪:‬‬

‫فوات صلة الكسوف‬

‫تفوت صلة كسوف الشّمس بأحد‬

‫‪:‬‬

‫أمرين ‪5 -‬‬

‫الوّل ‪ :‬انجلء جميعها ‪ ،‬فإن انجلى البعض فله الشّروع في الصّلة للباقي ‪ ،‬كما لو لم‬ ‫‪.‬‬

‫الثّاني ‪ :‬بغروبها كاسفةً‬

‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ينكسف إلّ ذلك القدر‬

‫ويفوت خسوف القمر بأحد أمرين‬ ‫‪.‬‬

‫الوّل ‪ :‬النجلء الكامل‬

‫‪.‬‬

‫الثّاني ‪ :‬طلوع الشّمس‬

‫ن الصل بقاء الكسوف ‪ .‬ولو كانا تحت‬ ‫ولو حال سحاب ‪ ،‬وشكّ في النجلء صلّى ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫غمام‪ ،‬فظنّ الكسوف لم يص ّل حتّى يستيقن‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬إن غاب القمر وهو خاسف لم يصلّ ‪ .‬وإن صلّ ولم تنجل لم تكرّر الصّلة ‪،‬‬ ‫لنّه لم ينقل عن أحد ‪ ،‬وإن انجلت وهو في الصّلة أتمّها ؛ لنّها صلة أصل ‪ ،‬غير بدل عن‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫غيرها ؛ فل يخرج منها بخروج وقتها كسائر الصّلوات‬

‫سنن صلة الكسوف‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫يسنّ لمريد صلة‬

‫الكسوف ‪6 -‬‬

‫أ ‪ -‬أن يغتسل لها ؛ لنّها صلة شرع لها الجتماع‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬صلّاها في‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫ب ‪ -‬وأن تصلّى حيث تصلّى الجمعة ؛ « ل ّ‬ ‫‪» .‬المسجد‬ ‫ج ‪ -‬وأن يدعى لها ‪ " :‬الصّلة جامع ًة " لما روى عبد اللّه بن عمرو ‪ -‬رضي ال عنهما ‪-‬‬ ‫ن الصّلة‬ ‫‪ « :‬قال ‪ :‬لمّا كسفت الشّمس على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نودي ‪ :‬إ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫جامعة » وليس لها أذان ول إقامة اتّفاقا‬

‫د ‪ -‬وأن يكثر ذكر اللّه ‪ ،‬والستغفار ‪ ،‬والتّكبير والصّدقة ‪ ،‬والتّقرّب إلى اللّه تعالى بما‬ ‫استطاع من القرب ‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬فإذا رأيتم ذلك فادعوا اللّه‬ ‫‪».‬‬ ‫‪».‬‬

‫وكبّروا وصلّوا وتصدّقوا‬

‫ي صلى ال عليه وسلم صلّاها في جماعة‬ ‫هـ ‪ -‬وأن يصلّوا جماع ًة لنّ « النّب ّ‬

‫وقال أبو حنيفة ‪ ،‬ومالك ‪ :‬يصلّى لخسوف القمر وحدانا ‪ :‬ركعتين ‪ ،‬ركعتين ‪ ،‬ول يصلّونها‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم مع أنّ‬ ‫ن الصّلة جماعةً لخسوف القمر لم تنقل عن النّب ّ‬ ‫جماعةً ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن الصل أنّ غير المكتوبة ل تؤدّى بجماعة إلّ‬ ‫خسوفه كان أكثر من كسوف الشّمس ؛ ول ّ‬ ‫‪.‬‬

‫إذا ثبت ذلك بدليل ‪ ،‬ول دليل فيها‬

‫‪:‬‬

‫الخطبة فيها‬

‫قال أبو حنيفة ومالك وأحمد ‪ :‬ل خطبة لصلة الكسوف ‪ ،‬وذلك لخبر ‪ « :‬فإذا رأيتم‬

‫ذلك ‪7 -‬‬

‫فادعوا اللّه ‪ ،‬وكبّروا ‪ ،‬وصلّوا وتصدّقوا » أمرهم ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬بالصّلة ‪،‬‬ ‫والدّعاء ‪ ،‬والتّكبير ‪ ،‬والصّدقة ‪ ،‬ولم يأمرهم بخطبة ‪ ،‬ولو كانت الخطبة مشروعةً فيها‬ ‫‪.‬‬

‫لمرهم بها ؛ ولنّها صلة يفعلها المنفرد في بيته ؛ فلم يشرع لها خطبة‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬يسنّ أن يخطب لها بعد الصّلة خطبتان ‪ ،‬كخطبتي العيد ‪ .‬لما روت عائشة‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم لمّا فرغ من الصّلة قام وخطب‬ ‫ رضي ال عنها ‪ « : -‬أنّ النّب ّ‬‫النّاس ‪ ،‬فحمد اللّه وأثنى عليه ‪ ،‬ثمّ قال ‪ :‬إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات اللّه عزّ‬ ‫وجلّ ‪ ،‬ل يخسفان لموت أحد ول لحياته ‪ ،‬فإذا رأيتم ذلك فادعوا اللّه وكبّروا وصلّوا‬ ‫‪».‬‬

‫وتصدّقوا‬

‫ن عائشة ‪ ،‬وأسماء ‪ -‬رضي‬ ‫وتشرع صلة الكسوف للمنفرد ‪ ،‬والمسافر والنّساء ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ال ‪8 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫عنهما ‪ -‬صلّتا مع النّب ّ‬

‫ويستحبّ للنّساء غير ذوات الهيئات أن يصلّين مع المام ‪ ،‬وأمّا اللّواتي تخشى الفتنة منهنّ‬ ‫‪.‬‬

‫ن ل يخطبن‬ ‫فيصلّين في البيوت منفردات ‪ .‬فإن اجتمعن فل بأس ‪ ،‬إلّ أنّه ّ‬ ‫‪:‬‬

‫إذن المام بصلة الكسوف‬

‫ل يشترط لقامتها إذن المام ؛ لنّها نافلة وليس إذنه شرطا في نافلة ‪ ،‬فإذا ترك‬

‫المام ‪9 -‬‬

‫صلة الكسوف فللنّاس أن يصلّوها علني ًة إن لم يخافوا فتن ًة ‪ ،‬وسرّا إن خافوها ‪ ،‬إلى هذا‬ ‫‪.‬‬

‫ذهب الشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة‬

‫وقال الحنفيّة في ظاهر الرّواية ‪ :‬ل يقيمها جماعةً إلّ المام الّذي يصلّي بالنّاس الجمعة‬ ‫ن أداء هذه الصّلة جماعةً عرف بإقامة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فل‬ ‫والعيدين ‪ ،‬ل ّ‬ ‫يقيمها إلّ من هو قائم مقامه ‪ .‬فإن لم يقمها المام صلّى النّاس حينئذ فرادى ‪ .‬وروي عن‬ ‫أبي حنيفة أنّه قال ‪ :‬إنّ لك ّل إمام مسجد أن يصلّي بالنّاس في مسجده بجماعة ؛ لنّ هذه‬ ‫‪.‬‬

‫الصّلة غير متعلّقة بالمصر ‪ ،‬فل تكون متعلّقةً بالسّلطان كغيرها من الصّلوات‬ ‫‪:‬‬

‫كيفيّة صلة الكسوف‬

‫ل خلف بين الفقهاء في أنّ صلة الكسوف ركعتان ‪ .‬واختلفوا في كيفيّة الصّلة بها‬

‫‪10 - .‬‬

‫وذهب الئمّة ‪ :‬مالك ‪ ،‬والشّافعيّ ‪ ،‬وأحمد ‪ :‬إلى أنّها ركعتان في كلّ ركعة قيامان ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وقراءتان‪ ،‬وركوعان ‪ ،‬وسجدتان‬

‫واستدلّوا ‪ :‬بما رواه ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬قال ‪ « :‬كسفت الشّمس على عهد‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فصلّى الرّسول صلى ال عليه وسلم والنّاس معه ‪ ،‬فقام‬

‫ل ‪ ،‬ثمّ قام قياما طويلً وهو دون‬ ‫ل نحوا من سورة البقرة ‪ ،‬ثمّ ركع ركوعا طوي ً‬ ‫قياما طوي ً‬ ‫‪».‬‬

‫القيام الوّل ‪ ،‬ثمّ ركع ركوعا طويلً ‪ ،‬وهو دون الرّكوع الوّل‬

‫وقالوا ‪ :‬وإن كانت هناك روايات أخرى ‪ ،‬إلّ أنّ هذه الرّواية هي أشهر الرّوايات في الباب ‪.‬‬ ‫صحّة فيجزئ في أصل السّنّة ركعتان‬ ‫والخلف بين الئمّة في الكمال ل في الجزاء وال ّ‬ ‫‪.‬‬

‫كسائر النّوافل عند الجميع‬

‫وأدنى الكمال عند الئمّة الثّلثة ‪ :‬أن يحرم بنيّة صلة الكسوف ‪ ،‬ويقرأ فاتحة الكتاب ‪ ،‬ثمّ‬ ‫يركع ‪ ،‬ثمّ يرفع رأسه ويطمئنّ ‪ ،‬ثمّ يركع ثانيا ‪ ،‬ثمّ يرفع ويطمئنّ ‪ ،‬ثمّ يسجد سجدتين فهذه‬ ‫ركعة ‪ .‬ثمّ يصلّي ركعةً أخرى كذلك ‪ .‬فهي ركعتان ‪ :‬في كلّ ركعة قيامان ‪ ،‬وركوعان ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وسجدتان ‪ .‬وباقي الصّلة من قراءة ‪ ،‬وتشهّد ‪ ،‬وطمأنينة كغيرها من الصّلوات‬

‫وأعلى الكمال ‪ :‬أن يحرم ‪ ،‬ويستفتح ‪ ،‬ويستعيذ ‪ ،‬ويقرأ الفاتحة ‪ ،‬سورة البقرة ‪ ،‬أو قدرها‬ ‫في الطّول ‪ ،‬ثمّ يركع ركوعا طويلً فيسبّح قدر مائة آية ‪ ،‬ثمّ يرفع من ركوعه ‪ ،‬فيسبّح ‪،‬‬ ‫ويحمد في اعتداله ‪ .‬ثمّ يقرأ الفاتحة ‪ ،‬وسورةً دون القراءة الولى ‪ :‬آل عمران ‪ ،‬أو‬ ‫قدرها‪ ،‬ثمّ يركع فيطيل الرّكوع ‪ ،‬وهو دون الرّكوع الوّل ‪ ،‬ثمّ يرفع من الرّكوع ‪ ،‬فيسبّح ‪،‬‬ ‫ويحمد ‪ ،‬ول يطيل العتدال ‪ ،‬ثمّ يسجد سجدتين طويلتين ‪ ،‬ول يطيل الجلوس بين السّجدتين‬ ‫‪ .‬ثمّ يقوم إلى الرّكعة الثّانية ‪ ،‬فيفعل مثل ذلك المذكور في الرّكعة الولى من الرّكوعين‬ ‫‪.‬‬

‫وغيرهما ‪ ،‬لكن يكون دون الوّل في الطّول في كلّ ما يفعل ثمّ يتشهّد ويسلّم‬

‫وقال الحنفيّة ‪ :‬إنّها ركعتان ‪ ،‬في كلّ ركعة قيام واحد‪ ،‬وركوع واحد وسجدتان كسائر‬ ‫النّوافل‪ .‬واستدلّوا بحديث أبي بكرة ‪ ،‬قال ‪ « :‬خسفت الشّمس على عهد رسول اللّه صلى‬ ‫ال عليه وسلم فخرج يجرّ رداءه حتّى انتهى إلى المسجد وثاب النّاس إليه ‪ ،‬فصلّى بهم‬ ‫ركعتين » ‪ .‬إلخ " ومطلق الصّلة تنصرف إلى الصّلة المعهودة ‪ .‬وفي رواية ‪ « :‬فصلّى‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫الجهر بالقراءة والسرار بها‬

‫ركعتين كما يصلّون‬

‫يجهر بالقراءة في خسوف القمر ؛ لنّها صلة ليليّة ولخبر عائشة ‪ -‬رضي ال‬ ‫‪».‬‬

‫عنها‪11 - -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم جهر في صلة الخسوف‬ ‫قالت ‪ « :‬إنّ النّب ّ‬

‫ول يجهر في صلة كسوف الشّمس ؛ لما روى ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬قال ‪« :‬‬ ‫‪».‬‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم صلّى صلة الكسوف ‪ ،‬فلم نسمع له صوتا‬ ‫إّ‬

‫وإلى هذا ذهب أبو حنيفة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ .‬وقال أحمد ‪ ،‬وأبو يوسف ‪ :‬يجهر بها ‪،‬‬ ‫وهو رواية عن مالك ‪ .‬وقالوا ‪ :‬قد روي ذلك عن عليّ ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وفعله عبد اللّه‬ ‫بن زيد وبحضرته البراء بن عازب ‪ ،‬وزيد بن أرقم ‪ .‬وروت عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪: -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬صلّى صلة الكسوف ‪ ،‬وجهر فيها بالقراءة » ولنّها‬ ‫« أنّ النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫نافلة شرعت لها الجماعة ‪ ،‬فكان من سننها الجهر كصلة الستسقاء ‪ ،‬والعيدين‬ ‫‪:‬‬

‫اجتماع الكسوف بغيرها من الصّلوات‬

‫إذا اجتمع مع الكسوف أو الخسوف غيره من الصّلة ‪ :‬كالجمعة ‪ ،‬أو العيد ‪ ،‬أو‬

‫صلة ‪12 -‬‬

‫مكتوبة ‪ ،‬أو الوتر ‪ ،‬ولم يُؤمَن من الفوات ‪ ،‬قدّم الخوف فوتا ثمّ الكد ‪ ،‬فتقدّم الفريضة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ثمّ الجنازة ‪ ،‬ثمّ العيد ‪ ،‬ثمّ الكسوف‬

‫ن صلته آكد حينئذ لخوف فوتها‬ ‫ولو اجتمع وتر وخسوف قدّم الخسوف ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وإن أمن من الفوات ‪ ،‬تقدّم الجنازة ثمّ الكسوف أو الخسوف ‪ ،‬ثمّ الفريضة‬ ‫‪:‬‬

‫الصّلة لغير الكسوف من اليات‬

‫قال الحنفيّة ‪ :‬تستحبّ الصّلة في كلّ فزع ‪ :‬كالرّيح الشّديدة ‪ ،‬والزّلزلة ‪ ،‬والظّلمة‬

‫‪13 - ،‬‬

‫ن ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال‬ ‫والمطر الدّائم لكونها من الفزاع ‪ ،‬والهوال ‪ .‬وقد روي ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫عنهما ‪ -‬صلّى لزلزلة بالبصرة‬

‫وعند الحنابلة ‪ :‬ل يصلّى لشيء من ذلك إلّ الزّلزلة الدّائمة ‪ ،‬فيصلّى لها كصلة الكسوف ؛‬ ‫لفعل ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬أمّا غيرها فلم ينقل عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ول عن أحد من أصحابه الصّلة له‬

‫وفي رواية عن أحمد ‪ :‬أنّه يصلّى لكلّ آية‬

‫ب أن يصلّى في بيته ‪،‬‬ ‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬ل يصلّى لغير الكسوفين صلة جماعة ‪ ،‬بل يستح ّ‬ ‫وأن يتضرّع إلى اللّه بالدّعاء عند رؤية هذه اليات ‪ ،‬وقال المام الشّافعيّ ‪ -‬رحمه ال ‪: -‬‬ ‫ل آمر بصلة جماعة في زلزلة ‪ ،‬ول ظلمة ‪ ،‬ول لصواعق ‪ ،‬ول ريح ‪ ،‬ول غير ذلك من‬ ‫‪.‬‬

‫اليات‪ ،‬وآمر بالصّلة منفردين ‪ ،‬كما يصلّون منفردين سائر الصّلوات‬ ‫‪.‬‬

‫*‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬ل يصلّى لهذه اليات مطلقا‬

‫صَلَةُ ال َمرِيض‬ ‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫المريض لغةً ‪ :‬من المرض ‪ ،‬والمرض ‪ -‬بفتح الرّاء وسكونها ‪ -‬فساد المزاج‬

‫‪1-.‬‬

‫والمرض اصطلحا ‪ :‬ما يعرض للبدن ‪ ،‬فيخرجه عن العتدال الخاصّ ‪ ،‬والمريض من‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫اللفاظ ذات الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫اتّصف بذلك‬

‫صلة أهل العذار‬

‫أهل العذار ‪ :‬هم الخائف ‪ ،‬والعريان ‪ ،‬والغريق ‪ ،‬والسّجين ‪ ،‬والمسافر ‪،‬‬

‫والمريض ‪2 -‬‬

‫وغيرهم ‪ ،‬وبعض هذه اللفاظ أفردت له أحكام خاصّة ‪ ،‬وبعضها تدخل أحكامه في صلة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الحكم التّكليفيّ‬

‫ن‬ ‫ل خلف بين الفقهاء في جواز صلة التّطوّع قاعدا مع القدرة على القيام ؛ ل ّ‬

‫المريض‬

‫النّوافل ‪3 -‬‬

‫ن القيام‬ ‫ل شقّ ذلك ؛ وانقطعت النّوافل ‪ ،‬ول خلف في أ ّ‬ ‫تكثر‪ ،‬فلو وجب فيها القيام مث ً‬ ‫أفضل‪ .‬أمّا صلة الفرض فحكمها التّكليفيّ يختلف باختلف نوع المرض ‪ ،‬وتأثيره على‬ ‫ي والكفائيّ ‪ ،‬كصلة الجنازة ‪ ،‬وصلة العيد‬ ‫الفعال والقوال فيها ‪ ،‬وهي تشمل الفرض العين ّ‬ ‫عند من أوجبها ‪ ،‬وتشمل الواجب بالنّذر على من نذر القيام فيه‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ن من ل يطيق القيام له أن يصلّي جالسا‬ ‫وقد أجمع الفقهاء على أ ّ‬

‫ضابط المرض الّذي يعتبر عذرا في الصّلة‬

‫إذا تعذّر على المريض كلّ القيام ‪ ،‬أو تعسّر القيام كلّه ‪ ،‬بوجود ألم شديد أو خوف‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫زيادة ‪4 -‬‬

‫المرض أو بطئه ‪ -‬يصلّي قاعدا بركوع وسجود‬

‫واللم الشّديد كدوران رأس ‪ ،‬أو وجع ضرس ‪ ،‬أو شقيقة أو رمد‬

‫ويخرج به ما لو لحق المصلّي نوع من المشقّة فإنّه ل يجوز له ترك القيام‬

‫ومثل اللم الشّديد خوف لحوق الضّرر من عدوّ آدميّ أو غيره على نفسه أو ماله لو صلّى‬ ‫قائما ‪ .‬وكذلك لو غلب على ظنّه بتجربة سابقة ‪ ،‬أو إخبار طبيب مسلم أنّه لو قام زاد سلس‬ ‫‪.‬‬

‫بوله ‪ ،‬أو سال جرحه ‪ ،‬أو أبطأ برؤه ‪ ،‬فإنّه يترك القيام ويصلّي قاعدا‬ ‫‪.‬‬

‫ي ‪ ،‬وما سواه فهو حكميّ‬ ‫وإذا تعذّر ك ّل القيام فهذا القدر الحقيق ّ‬ ‫‪:‬‬

‫صور العجز والمشقّة‬

‫‪:‬‬

‫عدم القدرة على القيام‬

‫القيام ركن في الصّلة المفروضة لما ورد عن عمران بن حصين ‪ -‬أنّه قال ‪« : -‬‬

‫كانت ‪5 -‬‬

‫بي بواسير ‪ ،‬فسألت رسول اللّه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فقال ‪ :‬صلّ قائما ‪ ،‬فإن لم‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫تستطع فقاعدا ‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنبك‬

‫ن الطّاعة بحسب الطّاقة‬ ‫فإن عجز عن القيام صلّى قاعدا ؛ للحديث المذكور ؛ ول ّ‬

‫فإن صلّى مع المام قائما بعض الصّلة ‪ ،‬وفتر في بعضها فصلّى جالسا صحّت صلته‬

‫ومن صلّى قاعدا يركع ويسجد ثمّ برئ بنى على صلته قائما عند الحنفيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪،‬‬ ‫وجاز عند المالكيّة أن يقوم ببعض الصّلة ثمّ يصلّي على قدر طاقته ثمّ يرجع فيقوم ببعضها‬

‫الخر‪ ،‬وكذلك الجلوس إن تقوّس ظهره حتّى صار كأنّه راكع ‪ ،‬رفع رأسه في موضع القيام‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫على قدر طاقته ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ( انحناء‬

‫عدم القدرة على القيام لوجود علّة بالعين‬

‫إن كان بعين المريض وجع ‪ ،‬بحيث لو قعد أو سجد زاد ألم عينه فأمره الطّبيب‬

‫المسلم ‪6 -‬‬

‫الثّقة بالستلقاء أيّاما ‪ ،‬ونهاه عن القعود والسّجود ‪ ،‬وهو قادر على القيام فقيل له ‪ :‬إن‬ ‫‪:‬‬

‫صلّيت مستلقيًا أمكن مداواتك فقد اختلف الفقهاء فيه على رأيين‬

‫الوّل ‪ :‬عند جمهور الفقهاء يجوز له ترك القيام ؛ لنّه يخاف الضّرر من القيام فأشبه‬ ‫ن حرمة العضاء كحرمة النّفس‬ ‫المريض فيجزئه أن يستلقي ويصلّي باليماء ل ّ‬

‫‪.‬‬

‫ن ابن عبّاس ‪ -‬رضي‬ ‫الثّاني ‪ :‬ل يجوز له ترك القيام ‪ ،‬وهو وجه عند الشّافعيّة لما روي أ ّ‬ ‫ال عنهما ‪ -‬لمّا وقع في عينيه الماء حمل إليه عبد الملك الطبّاء فقيل له ‪ :‬إنّك تمكث‬ ‫‪.‬‬

‫سبعة أيّام ل تصلّي إلّ مستلقيا فسأل عائشة ‪ ،‬وأمّ سلمة ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬فنهتاه‬ ‫‪:‬‬

‫عدم القدرة على رفع اليدين في التّكبير عند القيام أو غيره‬

‫يستحبّ رفع اليدين مع تكبيرة الحرام حذو منكبيه ؛ لما ورد عن ابن عمر – رضي‬

‫ال ‪7 -‬‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان إذا افتتح الصّلة رفع يديه حذو منكبيه ‪،‬‬ ‫عنهما ‪ « -‬أ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫وإذا كبّر للرّكوع ‪ ،‬وإذا رفع رأسه من الرّكوع‬

‫فإن لم يمكنه رفعهما ‪ ،‬أو أمكنه رفع إحداهما ‪ ،‬أو رفعهما إلى ما دون المنكب رفع ما‬ ‫‪».‬‬

‫أمكنه لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‬

‫فإن كان به علّة إذا رفع اليد جاوز المنكب رفع ؛ لنّه يأتي بالمأمور به وزيادة هو مغلوب‬ ‫‪.‬‬

‫عليها‬

‫ويجوز للمريض غير القادر على أداء ركن من أركان الصّلة التّكاء على شيء ‪ ،‬ويرجع‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫في ذلك إلى مصطلح ‪ ( :‬اتّكاء ‪ ،‬استناد‬

‫عدم القدرة على الرّكوع‬

‫ن من‬ ‫سجُدُوا } والجمهور على أ ّ‬ ‫الرّكوع في الصّلة ركن ؛ لقوله تعالى ‪ { :‬ا ْر َكعُوا وَا ْ‬

‫لم ‪8 -‬‬

‫يمكنه الرّكوع أومأ إليه ‪ ،‬وقرّب وجهه إلى الرض على قدر طاقته ‪ ،‬ويجعل اليماء‬ ‫للسّجود أخفض من إيماء الرّكوع ‪ ،‬لكن الخلف في كيفيّة أداء ذلك مع عدم القدرة على‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الرّكوع دون القيام‬

‫اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين‬

‫الوّل ‪ :‬وهو الّذي عليه الجمهور أنّ القادر على القيام دون الرّكوع يومئ من القيام ‪ ،‬لنّ‬ ‫الرّاكع كالقائم في نصب رجليه ‪ ،‬وذلك لقوله تعالى ‪ { :‬وَقُومُواْ لِّلهِ قَانِتِينَ } « وقول النّبيّ‬

‫صلى ال عليه وسلم لعمران بن حصين ‪ :‬صلّ قائما » ولنّه ركن قدر عليه ‪ ،‬على أن‬ ‫‪.‬‬

‫يكون هناك فرق واضح بين اليماءين إذا عجز عن السّجود أيضا‬

‫ن القيام يسقط عن المريض حال الرّكوع ‪ ،‬ولو قدر على القيام مع‬ ‫الثّاني ‪ :‬عند الحنفيّة أ ّ‬ ‫ن ركنيّة القيام للتّوصّل به إلى‬ ‫عدم القدرة على الرّكوع فيصلّي قاعدا يومئ إيماءً ؛ ل ّ‬ ‫السّجدة ؛ لما فيها من نهاية التّعظيم ‪ ،‬فإذا كان ل يتعقّبه السّجود ل يكون ركنًا فيتخيّر ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫والفضل عندهم هو اليماء قاعدا ؛ لنّه أشبه بالسّجود‬

‫‪:‬‬

‫عدم القدرة على السّجود‬

‫‪:‬‬

‫على السّجود والجلوس مع القدرة على القيام على اتّجاهين‬

‫سجُدُوا } ‪ ،‬واختلفوا في عدم‬ ‫السّجود ركن في الصّلة لقوله تعالى ‪ { :‬ا ْركَعُوا وَا ْ‬

‫القدرة ‪9 -‬‬

‫الوّل ‪ :‬يرى المالكيّة والشّافعيّة أنّ القادر على القيام فقط دون السّجود والجلوس يومئ‬ ‫لهما من القيام ‪ ،‬ول يجوز له أن يضطجع ويومئ لهما من اضطجاعه ‪ ،‬فإن اضطجع تبطل‬ ‫‪.‬‬

‫الصّلة عندهم‬

‫الثّاني ‪ :‬يرى الحنفيّة والحنابلة أنّ القادر على القيام فقط دون السّجود والجلوس يومئ‬ ‫لهما وهو قائم ؛ لنّ السّاجد عندهم كالجالس في جمع رجليه على أن يحصل فرق بين‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫عدم القدرة على وضع الجبهة والنف‬

‫السّجود على الجبهة واجب ‪ ،‬حيث « كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا سجد‬

‫اليماءين‬ ‫أمكن ‪10 -‬‬

‫أنفه وجبهته من الرض » وإن سجد على مخدّة أجزأه ؛ لنّ أمّ سلمة – رضي ال عنها –‬ ‫سجدت على مخدّة لرمد بها بل رفع ‪ ،‬واحتجّ بفعل ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪-‬‬ ‫‪.‬‬

‫وغيرهما‬

‫فإن رفع شيئا كالوسادة أو الخشبة أو الحجر إلى جبهته فإنّ الحنفيّة يرون أنّه ل يجزئه ؛‬ ‫لنعدام السّجود لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إن استطعت أن تسجد على الرض وإلّ‬ ‫فأومئ إيماءً ‪ ،‬واجعل سجودك أخفض من ركوعك برأسك » فإن فعل ذلك وهو يخفض‬ ‫‪.‬‬

‫رأسه أجزأه ؛ لوجود اليماء ‪ ،‬وإن وضع ذلك على جبهته ل يجزئه‬

‫ويكره عند بعض الحنابلة ويجزئه عند آخرين نصّا ؛ لنّه أتى بما أمكنه منه أشبه اليماء ‪.‬‬ ‫وإذا لم يستطع المصلّي تمكين جبهته من الرض لعلّة بها ‪ ،‬اقتصر على النف عند الحنفيّة‬ ‫والمالكيّة والحنابلة ‪ ،‬وزاد الشّافعيّة ‪ :‬إن كان بجبهته جراحة عصبها بعصابة وسجد‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫عليها ‪ ،‬ول إعادة عليه على المذهب‬

‫عدم القدرة على استقبال المريض للقبلة‬

‫المريض العاجز عن استقبال القبلة ول يجد من يحوّله إليها ‪ -‬ل متبرّعا ول‬ ‫)‬

‫بأجرة ‪11 -‬‬

‫مثله وهو واجدها ‪ -‬فإنّه يصلّي على حسب حالته ‪ .‬وللتّفصيل راجع مصطلح ‪ ( :‬استقبال‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫صلة المريض جماعةً‬

‫المريض إن قدر على الصّلة وحده قائما ‪ ،‬ول يقدر على ذلك مع المام لتطويله‬ ‫‪.‬‬

‫صلّى ‪12 -‬‬

‫ن القيام آكد ؛ لكونه ركنا في الصّلة ل تتمّ إ ّل به‬ ‫منفردا ؛ ل ّ‬

‫ح الصّلة بدونها ؛ ولنّ العجز يتضاعف بالجماعة أكثر من تضاعفه بالقيام ‪،‬‬ ‫والجماعة تص ّ‬ ‫بدليل أنّ صلة القاعد على النّصف من صلة القائم ‪ ،‬وصلة الجماعة تفضل صلة الرّجل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وحده سبعا وعشرين درجةً‬

‫العجز عن القيام والجلوس‬

‫إن تعذّر على المريض القيام والجلوس في آن واحد صلّى على جنبه دون تحديد‬ ‫‪.‬‬

‫للشّقّ ‪13 -‬‬

‫اليمن أو اليسر ‪ ،‬وهذا هو مذهب المالكيّة ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة‬

‫وذهب المالكيّة ‪ ،‬والحنابلة إلى أنّه من الفضل أن يصلّي على جنبه اليمن ثمّ اليسر ‪ ،‬فإن‬ ‫‪.‬‬

‫لم يستطع على جنبه يصلّي مستلقيا على قفاه ورجله إلى القبلة وأومأ بطرفه‬

‫ي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬لعمران بن حصين ‪ :‬صلّ‬ ‫والدّليل على ما سبق « قول النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫قائما‪ ،‬فإن لم تستطع فقاعدا ‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنب‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬إن لم يستطع أن يصلّي مستلقيا على ظهره صلّى على بطنه ورأسه إلى‬ ‫‪.‬‬

‫القبلة ‪ ،‬فإن قدّمها على الظّهر بطلت‬

‫وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن تعسّر القعود أومأ مستلقيا على قفاه ‪ ،‬أو على أحد جنبيه واليمن‬ ‫أفضل من اليسر ‪ ،‬والستلقاء على قفاه أولى من الجنب إن تيسّر ‪ ،‬والمستلقي يجعل تحت‬ ‫‪.‬‬

‫رأسه شيئا كالوسادة ؛ ليصير وجهه إلى القبلة ل إلى السّماء ‪ ،‬وليتمكّن من اليماء‬

‫وصلة المريض بالهيئة الّتي ذكرها الفقهاء فيما سبق ل ينقص من أجره شيئا ؛ لحديث‬ ‫أبي موسى ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬مرفوعا ‪ « :‬إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫كيفيّة اليماء‬

‫يعمل مقيما صحيحا‬

‫إن لم يستطع المريض القيام والقعود أو الرّكوع أو الجلوس أو جميعها فاحتاج‬

‫إلى ‪14 -‬‬

‫اليماء فهل يومئ برأسه لها أم بعينه أم بقلبه ؟‬ ‫فالجمهور أنّ المريض يومئ بما يستطيعه وذلك لحديث ‪ « :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما‬ ‫استطعتم » والصل أنّ المريض إذا لم يستطع إلّ اليماء فيومئ برأسه ‪ ،‬فإن عجز عن‬

‫اليماء برأسه أومأ بطرفه ( عينه ) ناويا مستحضرا تيسيرا له للفعل عند إيمائه ‪ ،‬وناويا‬ ‫القول إذا أومأ له ‪ ،‬فإن عجز عن القول فبقلبه مستحضرا له ‪ ،‬كالسير ‪ ،‬والخائف من‬ ‫‪.‬‬

‫آخرين إن علموا بصلته يؤذونه‬

‫ن الّذي ل يستطيع اليماء برأسه فعليه أن يؤخّر الصّلة ‪،‬‬ ‫أمّا الحنفيّة ‪ -‬ما عدا زفر ‪ -‬فإ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ول يومئ بعينه ول بقلبه ول بحاجبه‬

‫وعندهم ل قياس على الرّأس ؛ لنّه يتأدّى به ركن الصّلة دون العين وغيرها وإن كان‬ ‫‪.‬‬

‫العجز أكثر من يوم وليلة إذا كان مفيقا ؛ لنّه يفهم مضمون الخطاب بخلف المغمى عليه‬ ‫‪:‬‬

‫العجز المؤقّت‬

‫قد يعجز المريض بعض الوقت عن قيام ‪ ،‬أو قعود ‪ ،‬أو ركوع ‪ ،‬أو سجود ‪،‬‬

‫ثمّ ‪15 -‬‬

‫يستطيعه بعد ذلك ‪ .‬فالجمهور على أنّه يجوز أن يؤدّي صلته بقدر طاقته ‪ ،‬ويرجع إلى ما‬ ‫‪.‬‬

‫يستطيعه بعد ذلك ‪ ،‬فلو افتتح الصّلة قائما ثمّ عجز فقعد وأتمّ صلته جاز له ذلك‬

‫وإن افتتحها قاعدا ثمّ قدر على القيام قام وأتمّ صلته ؛ لنّه يجوز أن يؤدّي جميع صلته‬ ‫قاعدا عند العجز ‪ ،‬وجميعها قائما عند القدرة ‪ ،‬فجاز أن يؤدّي بعضها قاعدا عند العجز‬ ‫‪.‬‬

‫وبعضها قائما عند القدرة‬

‫وإن افتتح الصّلة قاعدا ثمّ عجز اضطجع ‪ ،‬وإن افتتحها مضطجعا ثمّ قدر على القيام أو‬ ‫القعود قام أو قعد‬ ‫‪:‬‬

‫الطّمأنينة للمريض في صلته‬

‫قال النّوويّ ‪ :‬ل يلزم المريض الطّمأنينة عند القيام ؛ لنّه ليس مقصودا لنفسه‬ ‫‪).‬‬

‫‪16 - .‬‬

‫واختلف الحنفيّة هل هو سنّة أم واجب ؟ وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى مصطلح ‪ ( :‬صلة‬ ‫‪:‬‬

‫إمامة المريض‬

‫المريض تختلف حاله من واحد لخر فقد يكون المرض سلس بول ‪ ،‬أو انفلت ريح‬

‫‪17 - ،‬‬

‫ل أو رعافا ‪ ،‬ولكلّ حالة من هذه الحالت أحكام خاصّة بالنّسبة للمامة تنظر‬ ‫أو جرحا سائ ً‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫في مصطلح ‪ ( :‬اقتداء ‪ ،‬إمامة‬

‫الجمع بين الصّلتين للمريض‬ ‫‪.‬‬

‫للفقهاء في مسألة الجمع بين الصّلتين للمريض‬

‫رأيان ‪18 -‬‬

‫فذهب الحنفيّة ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ ،‬وبعض المالكيّة إلى أنّه ل يجوز للمريض الجمع بين الصّلتين‬ ‫ي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنّه جمع لجل‬ ‫لجل المرض ‪ ،‬وذلك لنّه لم ينقل عن النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫المرض‬

‫وذهب الحنابلة وبعض المالكيّة إلى جواز الجمع للمريض بين الصّلتين ‪ ،‬ويخيّر بين‬ ‫‪.‬‬

‫التّقديم والتّأخير ‪ ،‬وسواء كان ذلك المرض دوخ ًة أو حمّى أو غيرهما‬ ‫*‬

‫صَلَةُ ال ُمسَافِر‬ ‫‪:‬‬

‫السّفر لغةً ‪ :‬قطع المسافة ‪ ،‬وخلف الحضر " أي القامة " ‪ ،‬والجمع ‪ :‬أسفار ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫التّعريف‬ ‫ورجل ‪1 -‬‬

‫سفر ‪ ،‬وقوم سفر ‪ :‬ذوو سفر‬

‫والفقهاء يقصدون بالسّفر ‪ :‬السّفر الّذي تتغيّر به الحكام الشّرعيّة وهو ‪ :‬أن يخرج النسان‬ ‫من وطنه قاصدا مكانا يستغرق المسير إليه مسافةً مقدّرةً عندهم ‪ ،‬على اختلف بينهم في‬ ‫‪.‬‬

‫هذا التّقدير كما سيأتي بيانها‬

‫والمراد بالقصد ‪ :‬الرادة المقارنة لما عزم عليه ‪ ،‬فلو طاف النسان جميع العالم بل قصد‬ ‫‪.‬‬

‫الوصول إلى مكان معيّن فل يصير مسافرا‬

‫ن المعتبر‬ ‫ولو أنّه قصد السّفر ‪ ،‬ولم يقترن قصده بالخروج فعلً فل يصير مسافرا كذلك ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫في حقّ تغيير الحكام الشّرعيّة هو السّفر الّذي اجتمع فيه القصد والفعل‬

‫خصائص السّفر‬

‫‪:‬‬

‫ص السّفر بأحكام تتعلّق به ‪ ،‬وتتغيّر بوجوده ‪ ،‬ومن أهمّها ‪ :‬قصر الصّلة‬ ‫يخت ّ‬

‫الرّباعيّة‪2 - ،‬‬

‫وإباحة الفطر للصّائم ‪ ،‬وامتداد مدّة المسح على الخفّين إلى ثلثة أيّام ‪ ،‬والجمع بين الظّهر‬ ‫والعصر ‪ ،‬والجمع بين المغرب والعشاء ‪ ،‬وحرمة السّفر على الحرّة بغير محرم ‪ ،‬وولية‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫البعد‬

‫ويقتصر هذا البحث على ما يتّصل بالسّفر من حيث قصر الصّلة‬

‫ص بغيرها من أحكام شرعيّة ففيها تفصيل كثير ينظر في مصطلح ( سفر ‪ ،‬صوم‬ ‫أمّا ما يخت ّ‬ ‫‪).‬‬

‫‪ ،‬المسح على الخفّين ‪ ،‬أوقات الصّلة ‪ ،‬نكاح ‪ ،‬وولية‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫تقسيم الوطن‬

‫ي ‪ ،‬ووطن إقامة ‪ ،‬ووطن سكنى‬ ‫ينقسم الوطن إلى ‪ :‬وطن أصل ّ‬ ‫‪:‬‬

‫الوطن الصليّ‬

‫هو المكان الّذي يستق ّر فيه النسان بأهله ‪ ،‬سواء أكان موطن ولدته أم بلد ًة أخرى‬ ‫‪.‬‬

‫‪3-،‬‬

‫اتّخذها دارا وتوطّن بها مع أهله وولده ‪ ،‬ول يقصد الرتحال عنها ‪ ،‬بل التّعيّش بها‬

‫ويأخذ حكم الوطن ‪ :‬المكان الّذي تأهّل به ‪ ،‬أي تزوّج به ‪ ،‬ول يحتاج الوطن الصليّ إلى‬ ‫‪.‬‬

‫نيّة القامة ‪ .‬لكن المالكيّة يشترطون ‪ :‬أن تكون الزّوجة مدخو ًل بها غير ناشز‬

‫ن الوطن الصليّ يتحقّق عند أغلب الفقهاء بالقامة الدّائمة على نيّة‬ ‫وممّا تقدّم يتبيّن ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫التّأبيد ‪ ،‬سواء أكان في مكان ولدته أم في مكان آخر ‪ ،‬ويلحق بذلك مكان الزّوجة‬

‫والوطن الصليّ يجوز أن يكون واحدا أو أكثر ‪ ،‬وذلك مثل أن يكون له أهل ودار‬

‫في ‪4 -‬‬

‫بلدتين أو أكثر ‪ ،‬ولم يكن من نيّة أهله الخروج منها ‪ ،‬وإن كان ينتقل من أهل إلى أهل في‬ ‫السّنة ‪ ،‬حتّى إنّه لو خرج مسافرا من بلدة فيها أهله ‪ ،‬ودخل بلد ًة أخرى فيها أهله ‪ ،‬فإنّه‬ ‫‪.‬‬

‫يصير مقيمًا من غير نيّة القامة‬

‫ما ينتقض به الوطن الصليّ‬

‫‪:‬‬

‫الوطن الصليّ ينتقض بمثله ل غير ‪ ،‬وهو أن يتوطّن النسان في بلدة أخرى‬

‫وينقل ‪5 -‬‬

‫الهل إليها من بلدته مضربا عن الوطن الوّل ‪ ،‬ورافضا سكناه ‪ ،‬فإنّ الوطن الوّل يخرج‬ ‫‪.‬‬

‫بذلك عن أن يكون وطنا أصليّا له ‪ ،‬حتّى لو دخل فيه مسافرا ل تصير صلته أربعا‬

‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم والمهاجرين من أصحابه ‪ -‬رضي ال‬ ‫والصل فيه ‪ :‬أ ّ‬ ‫عنهم ‪ -‬كانوا من أهل مكّة ‪ ،‬وكان لهم بها أوطان أصليّة ‪ ،‬ثمّ لمّا هاجروا وتوطّنوا‬ ‫ي بمكّة ‪ ،‬حتّى كانوا إذا أتوا مكّة‬ ‫بالمدينة‪ ،‬وجعلوها دارا لنفسهم انتقض وطنهم الصل ّ‬ ‫يصلّون صلة المسافرين ‪ .‬ولذلك « قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم حين صلّى بهم ‪ :‬أتمّوا‬ ‫‪».‬‬

‫يا أهل مكّة صلتكم فإنّا قوم سفر‬

‫ول ينتقض الوطن الصليّ بوطن القامة ‪ ،‬ول بوطن السّكنى ؛ لنّهما دونه ‪ ،‬والشّيء ل‬ ‫ينسخ بما هو دونه ‪ ،‬وكذا ل ينتقض بنيّة السّفر والخروج من وطنه حتّى يصير مقيما‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫بالعودة من غير نيّة القامة‬

‫وطن القامة‬

‫هو المكان الّذي يقصد النسان أن يقيم به مدّ ًة قاطعةً لحكم السّفر فأكثر على نيّة‬ ‫‪.‬‬

‫أن ‪6 -‬‬

‫يسافر بعد ذلك ‪ ،‬مع اختلف بين المذاهب في مقدار هذه المدّة كما سيأتي بيانها‬ ‫‪:‬‬

‫ي في جامعه عن محمّد روايتين‬ ‫أمّا شرائطه ‪ :‬فقد ذكر الكرخ ّ‬ ‫‪:‬‬

‫الرّواية الولى ‪ :‬إنّما يصير الوطن وطن إقامة بشريطتين‬ ‫‪.‬‬

‫إحداهما ‪ :‬أن يتقدّمه سفر‬

‫ي وبين هذا الموضع " الّذي توطّن فيه بنيّة إقامة هذه‬ ‫والثّانية ‪ :‬أن يكون بين وطنه الصل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫المدّة " مسافة القصر‬

‫وبدون هذين الشّرطين ل يصير وطن إقامة ‪ ،‬وإن نوى القامة مدّةً قاطعةً للسّفر في مكان‬ ‫صالح للقامة ‪ ،‬حتّى إنّ الرّجل المقيم لو خرج من مصره إلى قرية ل لقصد السّفر ‪ ،‬ونوى‬ ‫أن يتوطّن بها المدّة القاطعة للسّفر فل تصير تلك القرية وطن إقامة له وإن كان بينهما‬

‫مسافة القصر ؛ لنعدام تقدّم السّفر ‪ .‬وكذا إذا قصد مسيرة سفر ‪ ،‬وخرج حتّى وصل إلى‬ ‫قرية بينها وبين وطنه الصليّ أق ّل من مسافة القصر ‪ ،‬ونوى أن يقيم بها المدّة القاطعة‬ ‫‪.‬‬

‫للسّفر ل تصير تلك القرية وطن إقامة له‬

‫والرّواية الثّانية ‪ -‬وهي رواية ابن سماعة عن محمّد بن الحسن ‪ -‬أنّه يصير مقيما من‬ ‫‪.‬‬

‫غير هاتين الشّريطتين كما هو ظاهر الرّواية‬

‫والمالكيّة يشترطون مسافة القصر إن كانت نيّة القامة في ابتداء السّير ‪ ،‬فإن كانت في‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫أثنائه فل تشترط المسافة على المعتمد‬

‫ما ينتقض به وطن القامة‬

‫وطن القامة ينتقض بالوطن الصليّ ؛ لنّه فوقه ‪ ،‬وبوطن القامة ؛ لنّه مثله‬

‫والشّيء ‪7 -‬‬

‫يجوز أن ينسخ بمثله ‪ ،‬وينتقض بالسّفر ‪ -‬أيضا ‪ -‬لنّ توطّنه في هذا المقام ليس للقرار ‪،‬‬ ‫ولكن لحاجة ‪ ،‬فإذا سافر منه يستد ّل به على قضاء حاجته ‪ ،‬فصار معرضا عن التّوطّن به ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫فصار ناقضا له ‪ ،‬ول ينتقض وطن القامة بوطن السّكنى ؛ لنّه دونه فل ينسخه‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫وطن السّكنى‬

‫هو المكان الّذي يقصد النسان المقام به أق ّل من المدّة القاطعة‬

‫للسّفر ‪8 -‬‬

‫وشرطه ‪ :‬نيّة عدم القامة المدّة القاطعة للسّفر ‪ ،‬ولذلك يعتبر مسافرا بهذه النّيّة وإن طال‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم أقام بتبوك عشرين ليلةً يقصر الصّلة »‬ ‫مقامه ؛ لما روي « أنّ النّب ّ‬ ‫‪ ،‬وروي عن سعد بن أبي وقّاص ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أنّه أقام بقرية من قرى نيسابور‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫شهرين وكان يقصر الصّلة‬

‫إلّ أنّ هذا الحكم ليس متّفقا عليه بين المذاهب على تفصيل سيأتي بيانه‬ ‫‪:‬‬

‫ما ينتقض به وطن السّكنى‬

‫ي وبوطن القامة ؛ لنّهما فوقه ‪ ،‬وينتقض‬ ‫وطن السّكنى ينتقض بالوطن الصل ّ‬

‫بوطن ‪9 -‬‬

‫ن توطّنه في هذا المقام ليس للقرار ‪ ،‬ولكن‬ ‫السّكنى ؛ لنّه مثله ‪ ،‬وينتقض بالسّفر ؛ ل ّ‬ ‫لحاجة‪ ،‬فإذا سافر منه يستد ّل به على انقضاء حاجته ‪ ،‬فصار معرضا عن التّوطّن به ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫فصار ناقضا له‬

‫ي قسّم الوطن إلى قسمين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬وطن قرار‬ ‫هذا ‪ ،‬والفقيه الجليل أبو أحمد العياض ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫صيرورة المقيم مسافرا وشرائطها‬ ‫‪:‬‬

‫والخر ‪ :‬مستعار‬

‫يصير المقيم مسافرا إذا تحقّقت الشّرائط‬

‫التية ‪10 -‬‬

‫الشّريطة الولى ‪ :‬الخروج من المقام ‪ ،‬أي موطن إقامته ‪ ،‬وهو أن يجاوز عمران بلدته‬ ‫ويفارق بيوتها ‪ ،‬ويدخل في ذلك ما يعدّ منه عرفا كالبنية المتّصلة ‪ ،‬والبساتين المسكونة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫والمزارع ‪ ،‬والسوار ‪ ،‬وذلك على تفصيل بين المذاهب سيأتي بيانه‬

‫ي ل بدّ فيه من نيّة السّفر كما تقدّم ‪ ،‬ول‬ ‫ول ب ّد من اقتران النّيّة بالفعل ؛ لنّ السّفر الشّرع ّ‬ ‫ن مجرّد قصد الشّيء من غير‬ ‫تعتبر النّيّة إلّ إذا كانت مقارنةً للفعل ‪ ،‬وهو الخروج ؛ ل ّ‬ ‫اقتران بالفعل يسمّى عزما ‪ ،‬ول يسمّى ن ّيةً ‪ ،‬وفعل السّفر ل يتحقّق إ ّل بعد الخروج من‬ ‫‪.‬‬

‫المصر ‪ ،‬فما لم يخرج ل يتحقّق قران النّيّة بالفعل ‪ ،‬فل يصير مسافرا‬

‫الشّريطة الثّانية ‪ :‬نيّة مسافة السّفر ‪ ،‬فلكي يصير المقيم مسافرا ل بدّ أن ينوي سير مسافة‬ ‫ن السّير قد يكون سفرا وقد ل يكون ‪ ،‬فالنسان قد يخرج من موطن‬ ‫ي؛لّ‬ ‫السّفر الشّرع ّ‬ ‫إقامته إلى موضع لصلح ضيعة ‪ ،‬ثمّ تبدو له حاجة أخرى إلى المجاوزة عنه إلى موضع‬ ‫آخر ‪ ،‬وليس بينهما مدّة سفر ‪ ،‬ثمّ يتجاوز ذلك إلى مكان آخر ‪ ،‬وهكذا إلى أن يقطع مسافةً‬ ‫‪.‬‬

‫بعيدةً أكثر من مدّة السّفر ‪ ،‬ولذلك ل بدّ من نيّة مدّة السّفر للتّمييز‬

‫وعلى هذا قالوا ‪ :‬أمير خرج مع جيشه في طلب العدوّ ‪ ،‬ولم يعلم أين يدركهم فإنّهم يصلّون‬ ‫صلة المقيم في الذّهاب ‪ ،‬وإن طالت المدّة ‪ ،‬وكذلك لو طاف الدّنيا من غير قصد إلى قطع‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫المسافة فل يعدّ مسافرا ‪ ،‬ول يترخّص‬

‫تحديد أقلّ مسافة السّفر باليّام‬

‫أقلّ هذه المسافة مقدّر عند عامّة العلماء ‪ ،‬ولكنّهم اختلفوا في‬

‫التّقدير ‪11 -‬‬

‫ن أقلّ مدّة السّفر مسيرة‬ ‫ي ‪ :‬إلى أ ّ‬ ‫فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة واللّيث والوزاع ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يومين معتدلين بل ليلة ‪ ،‬أو مسيرة ليلتين معتدلتين بل يوم ‪ ،‬أو مسيرة يوم وليلة‬

‫وذلك ؛ لنّهم قدّروا السّفر بالميال ‪ ،‬واعتبروا ذلك ثمانيةً وأربعين ميلً ‪ ،‬وذلك أربعة برد ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وتقدّر بسير يومين معتدلين‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬يا أهل مكّة ‪ :‬ل تقصروا الصّلة في أدنى‬ ‫واستدلّوا بأ ّ‬ ‫من أربعة برد ‪ ،‬من مكّة إلى عسفان » ولنّ ابن عمر وابن عبّاس كانا يقصران ويفطران‬ ‫في أربعة برد فما فوقها ‪ ،‬ول يعرف لهما مخالف ‪ ،‬وأسنده البيهقيّ بسند صحيح ‪ ،‬مثل هذا‬ ‫ي بصيغة الجزم ‪ ،‬وقال الثرم ‪ :‬قيل لبي عبد اللّه ‪:‬‬ ‫ل يكون إلّ عن توقيف ‪ ،‬وعلّقه البخار ّ‬ ‫في كم تقصر الصّلة ؟ قال ‪ :‬في أربعة برد ‪ ،‬قيل له ‪ :‬مسيرة يوم تامّ ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬أربعة‬ ‫برد ‪ :‬ستّة عشر فرسخا ‪ :‬مسيرة يومين ‪ .‬وقد قدّره ابن عبّاس من عسفان إلى مكّة‬ ‫‪.‬‬

‫مستدلّا بالحديث السّابق‬

‫ن أقلّ مسافة السّفر مسيرة ثلثة أيّام ولياليها ‪ ،‬لما روي عن عليّ بن‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫أبي طالب ‪ -‬رضي ال عنه ‪ « -‬أنّه سئل عن المسح على الخفّين فقال ‪ :‬جعل رسول اللّه‬ ‫صلى ال عليه وسلم ثلثة أيّام ولياليهنّ للمسافر ويوما وليل ًة للمقيم » ‪ ،‬فقد جعل النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم لكلّ مسافر أن يمسح ثلثة أيّام ولياليها ‪ ،‬ولن يتصوّر أن يمسح‬ ‫ي صلى ال‬ ‫المسافر ثلثة أيّام ولياليها ‪ ،‬ومدّة السّفر أق ّل من هذه المدّة ‪ .‬وكذلك قال النّب ّ‬ ‫عليه وسلم ‪ « :‬ل يحلّ لمرأة تؤمن باللّه واليوم الخر أن تسافر مسيرة ثلث ليال إلّ‬ ‫‪.‬‬

‫ومعها محرم » ‪ ،‬فلو لم تكن المدّة مقدّرةً بالثّلث لم يكن لتخصيص الثّلث معنى‬ ‫‪.‬‬

‫وقد استحبّ ذلك المام الشّافعيّ للخروج من الخلف‬

‫والعبرة بالسّير هو السّير الوسط ‪ ،‬وهو سير البل المثقلة بالحمال ‪ ،‬ومشي القدام على ما‬ ‫‪.‬‬

‫يعتاد من ذلك ‪ ،‬مع ما يتخلّله من نزول واستراحة وأكل وصلة‬

‫ويحترز بالسّير الوسط عن السّير السرع ‪ ،‬كسير الفرس والبريد ‪ ،‬وعن السّير البطأ ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫كسير البقر يجرّ العجلة ‪ ،‬فاعتبر الوسط ؛ لنّه الغالب‬

‫والسّير في البحر يراعى فيه اعتدال الرّياح ؛ لنّه هو الوسط ‪ ،‬وهو ألّ تكون الرّياح غالبةً‬ ‫ول ساكنةً ‪ ،‬ويعتبر في الجبل ما يليق به ‪ ،‬فينظر كم يسير في مثل هذا مسافة القصر‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫فيجعل أصلً ‪ ،‬وذلك معلوم عند النّاس فيرجع إليهم عند الشتباه‬

‫سلوك أحد طريقين مختلفين لغاية واحدة‬

‫إذا كان لمكان واحد طريقان مختلفان ‪ ،‬أحدهما يقطعه في ثلثة أيّام ‪ ،‬والخر يمكن‬

‫أن ‪12 -‬‬

‫يصل إليه في يوم واحد ‪ ،‬فقد قال أبو حنيفة ‪ :‬يقصر لو سلك الطّريق القرب ؛ لنّه يعتبر‬ ‫مسافرا ‪ ،‬هكذا ذكر الكاسانيّ في البدائع ‪ ،‬وجاء في العناية ‪ :‬إذا كان لموضع طريقان ‪:‬‬ ‫أحدهما في الماء يقطع بثلثة أيّام ولياليها إذا كانت الرّيح متوسّطةً ‪ ،‬والطّريق الثّاني في‬ ‫الب ّر يقطع بيوم أو يومين ‪ ،‬فل يعتبر أحدهما بالخر ‪ ،‬فإن ذهب إلى طريق الماء قصر ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وإن ذهب إلى طريق الب ّر أتمّ ‪ ،‬ولو انعكس انعكس الحكم‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬ل يقصر عادل عن طريق قصير ‪ ،‬وهو ما دون مسافة القصر إلى طريق‬ ‫طويل فيه المسافة بدون عذر ‪ ،‬بل لمجرّد قصد القصر ‪ ،‬أو ل قصد له ‪ ،‬فإن عدل لعذر أو‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫لمر ‪ ،‬ولو مباحا فيما يظهر قصر ‪ .‬وبمثل ذلك يقول الشّافعيّة‬

‫والحنابلة يجيزون القصر لمن سلك الطّريق البعد مع وجود القرب ‪ ،‬ولو لغير عذر‬ ‫‪:‬‬

‫الحكم بالنّسبة لوسائل السّفر الحديثة‬

‫معلوم ممّا سبق ‪ :‬أنّ الفقهاء حدّدوا أقلّ المسافة الّتي تشترط لقصر الصّلة ‪،‬‬

‫وأنّهم ‪13 -‬‬

‫اعتبروا السّير الوسط " مشي القدام وسير البل " هو الساس في التّقدير‪ ،‬والمقصود ‪-‬‬

‫هنا‪ -‬هو معرفة الحكم إذا استعملت وسائل السّفر الحديثة كالقطار والطّائرة ‪ ،‬حيث الرّاحة‬ ‫‪.‬‬

‫وقصر المدّة‬

‫وقد تحدّث الفقهاء في ذلك ‪ :‬فعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬كما يتّضح من أقوالهم ‪-‬‬ ‫أنّ المسافر لو قطع مسافة السّفر المحدّدة في زمن أقلّ ؛ لستعماله وسائل أسرع فإنّه‬ ‫‪.‬‬

‫يقصر الصّلة ؛ لنّه يصدق عليه أنّه سافر مسافة القصر‬

‫فقد قال الدّسوقيّ ‪ :‬من كان يقطع المسافة بسفره قصر ‪ ،‬ولو كان يقطعها في لحظة بطيران‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ونحوه‬

‫وقال النّوويّ ‪ :‬يقصر المسافر ‪ ،‬ولو قطع المسافة في ساعة‬

‫وقال الخطيب الشّربينيّ ‪ :‬يقصر المسافر ‪ ،‬لو قطع المسافة في بعض يوم كما لو قطعها‬ ‫‪.‬‬

‫على فرس جواد‬

‫وقال البهوتيّ ‪ :‬يقصر المسافر الرّباعيّة إلى ركعتين إجماعا ‪ ،‬ولو قطع المسافة في ساعة‬ ‫‪".‬‬

‫واحدة ؛ لنّه صدق عليه أنّه يسافر أربعة برد " مسافة القصر‬

‫وقد اختلف النّقل عند الحنفيّة ‪ ،‬فنقل الكاسانيّ في بدائعه ما روي عن أبي حنيفة ‪ :‬من أنّ‬ ‫المسافر لو سار إلى موضع في يوم أو يومين ‪ ،‬وأنّه بسير البل ‪ ،‬والمشي المعتاد ثلثة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫أيّام فإنّه يقصر ‪ ،‬اعتبارا للسّير المعتاد‬

‫ن العلّة هي قطع المسافة‬ ‫ن أبا حنيفة اعتبر أ ّ‬ ‫وهذا القول يوافق المذاهب السّابقة ؛ ل ّ‬

‫لكن الكمال بن الهمام ‪ :‬اعتبر أنّ العلّة لقصر الصّلة في السّفر هي المشقّة الّتي تلحق‬ ‫بالمسافر ‪ ،‬ولذلك يذكر ‪ :‬أنّ المسافر لو قطع المسافة في ساعة فإنّه ل يقصر الصّلة ‪،‬‬ ‫وإن كان يصدق عليه أنّه قطع مسافة ثلثة أيّام بسير البل ؛ لنتفاء مظنّة المشقّة ‪ ،‬وهي‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫العبرة بنيّة الصل دون التّبع‬

‫المعتبر في نيّة السّفر الشّرعيّ نيّة الصل دون التّابع ‪ ،‬فمن كان سفره تابعا لغيره‬

‫العلّة‬

‫فإنّه ‪14 -‬‬

‫يصير مسافرا بنيّة ذلك الغير ‪ ،‬وذلك كالزّوجة التّابعة لزوجها ؛ فإنّها تصير مسافر ًة بنيّة‬ ‫زوجها ‪ ،‬وكذلك من لزمه طاعة غيره كالسّلطان وأمير الجيش ‪ ،‬فإنّه يصير مسافرا بنيّة‬ ‫‪.‬‬

‫ن حكم التّبع حكم الصل‬ ‫من لزمته طاعته ؛ ل ّ‬

‫أمّا الغريم الّذي يلزمه صاحب الدّين ‪ ،‬فإن كان مليئا ‪ ،‬فالنّيّة له ؛ لنّه يمكنه قضاء الدّين ‪،‬‬ ‫والخروج من يده ‪ ،‬وإن كان الغريم مفلسا ‪ ،‬فالنّيّة لصاحب الدّين ؛ لنّه ل يمكنه الخروج‬ ‫‪.‬‬

‫من يده ‪ ،‬فكان تابعا له ‪ .‬هذا مذهب الحنفيّة والحنابلة‬

‫ويقول الشّافعيّة ‪ :‬لو تبعت الزّوجة زوجها ‪ ،‬أو الجنديّ قائده في السّفر ‪ ،‬ول يعرف كلّ‬ ‫ن الشّرط ‪ -‬وهو قصد موضع معيّن ‪ -‬لم يتحقّق ‪،‬‬ ‫واحد منهم مقصده فل قصر لهم ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وهذا قبل بلوغهم مسافة القصر ‪ ،‬فإن قطعوها قصروا‬

‫فلو نوت الزّوجة دون زوجها ‪ ،‬أو الجنديّ دون قائده مسافة القصر ‪ ،‬أو جهل الحال قصر‬ ‫ي حينئذ ليس تحت يد المير‬ ‫ن الجند ّ‬ ‫الجنديّ غير المثبت في الدّيوان ‪ ،‬دون الزّوجة ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وقهره ‪ ،‬بخلف الزّوجة ‪ ،‬فنيّتها كالعدم‬

‫أمّا الجنديّ المثبت في الدّيوان فل يقصر ؛ لنّه تحت يد المير ‪ ،‬ومثله الجيش ‪ ،‬إذ لو قيل‬ ‫‪.‬‬

‫‪ :‬بأنّه ليس تحت يد المير وقهره كالحاد لعظم الفساد‬ ‫‪:‬‬

‫‪:‬‬

‫أحكام القصر‬

‫مشروعيّة القصر‬

‫القصر معناه ‪ :‬أن تصير الصّلة الرّباعيّة ركعتين في السّفر ‪ ،‬سواء في حالة‬ ‫‪.‬‬

‫الخوف‪15 - ،‬‬

‫أو في حالة المن ‪ .‬وقد شرع القصر في السّنة الرّابعة من الهجرة‬

‫ومشروعيّة القصر ثابتة بالكتاب والسّنّة والجماع ‪ .‬أمّا الكتاب فقوله تعالى ‪َ { :‬وإِذَا ضَرَبْ ُتمْ‬ ‫خفْ ُتمْ أَن َيفْتِ َنكُمُ الّذِينَ َكفَرُواْ } ‪.‬‬ ‫ن الصّلَ ِة إِنْ ِ‬ ‫ح أَن َتقْصُرُواْ مِ َ‬ ‫س عَلَ ْي ُكمْ جُنَا ٌ‬ ‫فِي الَرْضِ فَلَيْ َ‬ ‫وأمّا السّنّة ‪ :‬فما ورد عن يعلى بن أميّة قال ‪ « :‬قلت لعمر بن الخطّاب ‪ { :‬فَلَيْسَ عَلَ ْيكُمْ‬ ‫خفْ ُتمْ أَن َيفْتِ َن ُكمُ الّذِينَ َكفَرُواْ } ‪ ،‬فقد أمن النّاس ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫ح أَن َتقْصُرُواْ ِمنَ الصّلَ ِة إِنْ ِ‬ ‫جُنَا ٌ‬ ‫عجبت ممّا عجبت منه ‪ ،‬فسألت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن ذلك فقال ‪ :‬صدقة‬ ‫‪».‬‬

‫تصدّق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته‬

‫ي صلى ال عليه وسلم فكان ل يزيد‬ ‫وقال ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ « : -‬صحبت النّب ّ‬ ‫في السّفر على ركعتين » ‪ ،‬وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك ‪ .‬وغير ذلك من الحاديث‬ ‫‪.‬والثار‬ ‫فالية الكريمة دلّت على مشروعيّة القصر في حالة الخوف‪ ،‬ودلّت الحاديث على‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫مشروعيّته في حالتي الخوف والمن‬

‫وقد أجمعت المّة على مشروعيّة القصر‬

‫الحكم التّكليفيّ للقصر‬

‫ذهب الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬إلى أنّ القصر جائز تخفيفا على المسافر ؛ لما يلحقه‬

‫من ‪16 -‬‬

‫س عَلَ ْي ُكمْ جُنَاحٌ‬ ‫مشقّة السّفر غالبا ‪ ،‬واستدلّوا بالية الكريمة ‪َ { :‬وإِذَا ضَرَبْ ُتمْ فِي الَرْضِ فَلَيْ َ‬ ‫خفْ ُتمْ أَن َيفْتِ َنكُ ُم الّذِينَ َكفَرُواْ } فقد علّق القصر على الخوف ؛‬ ‫ن الصّلَ ِة إِنْ ِ‬ ‫أَن َتقْصُرُواْ مِ َ‬

‫ي صلى ال عليه وسلم لم تخل منه ‪ .‬ونفي الجناح في الية يدلّ على‬ ‫لنّ غالب أسفار النّب ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪».‬‬

‫جواز القصر ‪ ،‬ل على وجوبه‬

‫واستدلّوا كذلك بحديث يعلى بن أميّة السّابق ‪ « :‬صدقة تصدّق اللّه بها عليكم‬

‫وذهب الحنفيّة ‪ :‬إلى أنّ فرض المسافر من ذوات الربع ركعتان ل غير ‪ ،‬فليس للمسافر‬ ‫عندهم أن يتمّ الصّلة أربعا ؛ لقول عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ « : -‬فرضت الصّلة ركعتين‬ ‫ركعتين ‪ ،‬فأقرّت صلة السّفر ‪ ،‬وزيد في صلة الحضر » ‪ .‬ول يعلم ذلك إ ّل توقيفا ‪ ،‬وقول‬ ‫ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ « : -‬إنّ اللّه ع ّز جلّ فرض الصّلة على لسان نبيّكم صلى‬ ‫‪».‬‬

‫ال عليه وسلم على المسافر ركعتين وعلى المقيم أربعا ‪ ،‬وفي الخوف ركعةً‬

‫ي صلى ال‬ ‫ن القصر سنّة مؤكّدة ؛ فإنّه لم يصحّ عن النّب ّ‬ ‫والرّاجح المشهور عند المالكيّة ‪ :‬أ ّ‬ ‫عليه وسلم أنّه أتمّ الصّلة ‪ ،‬بل المنقول عنه القصر في كلّ أسفاره ‪ ،‬وما كان هذا شأنه‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫فهو سنّة مؤكّدة‬

‫وهناك أقوال أخرى في المذهب فقيل ‪ :‬إنّه فرض ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنّه مستحبّ ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنّه مباح‬

‫هل الصل القصر أو التمام ؟‬

‫ن الصل هو التمام وأنّ القصر رخصة ‪،‬‬ ‫قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬إ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫واستدلّوا ‪17 -‬‬

‫بحديث مسلم السّابق ‪ « :‬صدقة تصدّق اللّه بها عليكم‬

‫ن القصر أفضل من التمام ‪ ،‬إذا بلغ السّفر ثلثة‬ ‫إلّ أنّ المشهور من مذهب الشّافعيّة ‪ :‬أ ّ‬ ‫أيّام‪ ،‬اقتدا ًء برسول اللّه صلى ال عليه وسلم ؛ وخروجا من خلف من أوجبه ‪ ،‬كأبي حنيفة‬ ‫‪ ،‬إلّ الملّاح الّذي يسافر في البحر بأهله ‪ ،‬ومن ل يزال مسافرا بل وطن ‪ ،‬فالتمام لهما‬ ‫‪.‬‬

‫أفضل خروجا من خلف من أوجبه عليهما ‪ ،‬كالمام أحمد‬

‫ل ‪ ،‬أمّا إذا لم يبلغ‬ ‫ومقابل المشهور ‪ :‬إنّ التمام أفضل مطلقا ‪ ،‬لنّه الصل ‪ ،‬والكثر عم ً‬ ‫‪.‬‬

‫السّفر ثلثة أيّام فالتمام أفضل لنّه الصل‬

‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫وعند الحنابلة ‪ :‬القصر أفضل من التمام نصّا ‪ ،‬لمداومة النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫والخلفاء عليه ‪ .‬لكن إن أتمّ من يباح له القصر لم يكره‬

‫وعند الحنفيّة ‪ :‬القصر هو الصل في الصّلة ؛ إذ الصّلة في الصل فرضت ركعتين ‪ ،‬في‬ ‫ق المقيم‬ ‫ق المقيم والمسافر جميعا ‪ ،‬لحديث عائشة المتقدّم ذكره ‪ ،‬ثمّ زيدت ركعتان في ح ّ‬ ‫حّ‬ ‫‪ .‬وأقرّت الرّكعتان في حقّ المسافر كما كانتا في الصل ‪ ،‬فالرّكعتان من ذوات الربع في‬ ‫حقّ المسافر ليستا قصرا حقيقةً ‪ ،‬بل هو تمام فرض المسافر ‪ ،‬والكمال ليس رخصةً في‬ ‫‪.‬‬

‫حقّه ‪ ،‬بل هو إساءة ومخالفة للسّنّة‬

‫والقصر عزيمة ؛ لما روي عن عمران بن حصين ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أنّه قال ‪ « :‬ما‬ ‫سافر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إ ّل صلّى ركعتين إلّ المغرب » ولو كان القصر‬ ‫رخصةً والكمال هو العزيمة لما ترك العزيمة إلّ أحيانا ؛ إذ العزيمة أفضل ‪ ،‬وكان رسول‬ ‫اللّه صلى ال عليه وسلم ل يختار من العمال إلّ أفضلها ‪ ،‬وكان ل يترك الفضل إلّ مرّةً‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم وقال‬ ‫ق المّة ‪ ،‬ولقد « قصر النّب ّ‬ ‫أو مرّتين تعليمًا للرّخصة في ح ّ‬ ‫‪.‬‬

‫لهل مكّة ‪ :‬أتمّوا صلتكم فإنّا قوم سفر » فلو جاز الربع لما اقتصر على ركعتين‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫شرائط القصر‬

‫يقصر المسافر الصّلة الرّباعيّة إلى ركعتين إذا توفّرت الشّرائط التية‬ ‫‪:‬‬

‫الولى ‪ :‬نيّة السّفر‬ ‫‪.‬‬

‫وهي شريطة عند جميع الفقهاء كما‬

‫سبق ‪18 -‬‬

‫والمعتبر فيها ‪ :‬نيّة الصل دون التّابع على ما سبق بيانه ‪ ،‬وأن تكون من بالغ عند‬ ‫ي قاصدا السّفر وسار مسافةً حتّى بقي إلى مقصده أق ّل من‬ ‫الحنفيّة‪ ،‬ولذلك لو خرج الصّب ّ‬ ‫ن قصده السّفر لم‬ ‫مدّة السّفر فبلغ حينذاك ‪ ،‬فإنّه ل يقصر الصّلة ‪ ،‬بل يصلّي أربعا ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ح ابتدا ًء ‪ ،‬وحين بلغ لم يبق إلى مقصده مدّة السّفر فل يصير مسافرا عندهم‬ ‫يص ّ‬

‫ويشترط عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في السّفر الّذي تقصر فيه الصّلة ‪ :‬ألّ يكون‬ ‫لمعصية ‪ ،‬فل يقصر عاص بسفره ‪ ،‬كآبق وقاطع طريق ؛ لنّ الرّخص ل يجوز أن تتعلّق‬ ‫‪.‬‬

‫بالمعاصي ؛ وجواز الرّخص في سفر المعصية إعانة على المعصية وهذا ل يجوز‬

‫فإن قصر العاصي بسفره فعند المالكيّة ل يعيد الصّلة على الصوب ‪ ،‬وإن أثم بعصيانه ‪.‬‬ ‫ومن أنشأ السّفر عاصيا به ‪ ،‬ثمّ تاب في أثنائه ‪ ،‬فعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬يقصر‬ ‫إن كان ما بقي من سفر مسافة القصر ‪ ،‬ولو سافر سفرا مباحا ثمّ قصد بسفره المعصية‬ ‫‪.‬‬

‫قبل تمام سفره ‪ ،‬انقطع التّرخّص ‪ ،‬فل يقصر عند المالكيّة ‪ ،‬وهو الصحّ للشّافعيّة‬ ‫‪.‬‬

‫وذهب الحنابلة ‪ -‬وهو القول الثّاني للشّافعيّة ‪ -‬إلى أنّه يقصر‬

‫ولم يشترط الحنفيّة أن يكون ال سّفر مباحًا ‪ ،‬بل أجازوا الق صر في سفر المع صية ‪ -‬أيضا‬ ‫ ‪ ،‬فإنّه ي ستوي في المقدار المفروض على الم سافر من ال صّلة سفر الطّا عة من الح جّ‬‫والجهاد وطلب العلم ‪ ،‬و سفر المباح ك سفر التّجارة ونحوه ‪ ،‬و سفر المع صية كق طع الطّر يق‬ ‫والبغي ؛ لنّ الدّلئل الّتي وردت ل توجب الفصل بين مسافر ومسافر ‪.‬‬ ‫سفَرٍ ‪ ، } ...‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫علَى َ‬ ‫ومن هذه الدّلئل قوله تعالى ‪َ { :‬فمَن كَانَ مِنكُم مّرِيضًا َأوْ َ‬ ‫ن خِفْ ُتمْ َف ِرجَالً َأوْ ُركْبَانا } وقول عليّ ‪ -‬رضي ال عنه ‪ « : -‬جعل رسول اللّه صلى‬ ‫{ فَإ ْ‬

‫ال عليه وسلم ثلثة أيّام ولياليهنّ للمسافر ويوما وليلةً للمقيم » من غير فصل بين سفر‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وسفر‪ ،‬فوجب العمل بعموم النّصوص وإطلقها‬

‫الثّانية ‪ :‬مسافة السّفر‬

‫وهو أن يقصد النسان مسيرة مسافة السّفر المقدّرة عند الفقهاء ‪ ،‬حتّى إنّه لو‬

‫طاف ‪19 -‬‬

‫الدّنيا من غير قصد مسيرة المسافة المحدّدة ل يجوز له القصر ؛ لنّه ل يعتبر مسافرا ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وقد مرّ بيان ذلك‬

‫الثّالثة ‪ :‬الخروج من عمران بلدته‬

‫فالقصر ل يجوز إلّ أن يجاوز المسافر محلّ إقامته ‪ ،‬وما يتبعه على التّفصيل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الّذي ‪20 -‬‬

‫سيأتي بيانه‬

‫لكن هل يشترط الخروج للسّفر قبل مضيّ وقت يسع التمام ؟ اختلف الفقهاء في ذلك‬

‫ي الحنفيّ ‪ :‬وسواء خرج في أوّل الوقت أو في وسطه أو في آخره ‪ ،‬حتّى لو‬ ‫يقول الكاسان ّ‬ ‫‪.‬‬

‫بقي من الوقت مقدار ما يتّسع لداء ركعتين ‪ ،‬فإنّه يقصر في ظاهر قول أصحابنا‬

‫ي ‪ ،‬ومحمّد بن شجاع الثّلجيّ ‪ :‬إنّما يقصر إذا خرج قبل الزّوال ‪ ،‬فأمّا‬ ‫وقال إبراهيم النّخع ّ‬ ‫ي على أنّ‬ ‫إذا خرج بعد الزّوال فإنّه يكمل الظّهر ويقصر العصر ‪ .‬والكلم في ذلك مبن ّ‬ ‫الصّلة هل تجب في أوّل الوقت أو في آخره ؟‬ ‫فعند المحقّقين من الحنفيّة ‪ :‬ل تجب في أوّل الوقت على التّعيين ‪ ،‬وإنّما تجب في جزء من‬ ‫الوقت غير معيّن ‪ ،‬وإنّما التّعيين إلى المصلّي من حيث الفعل ‪ ،‬حتّى إنّه إذا شرع في أوّل‬ ‫الوقت تجب في ذلك الوقت ‪ ،‬وكذلك إذا شرع في وسطه أو في آخره ‪ .‬وثمّة أصل آخر ‪،‬‬ ‫وهو مقدار ما يتعلّق به الوجوب في آخر الوقت ‪ ،‬فقال الكرخيّ وأكثر المحقّقين من‬ ‫الحنفيّة‪ :‬إنّ الوجوب يتعلّق بآخر الوقت بمقدار التّحريمة وهو المختار ‪ ،‬وعليه فإنّ الداء‬ ‫يتغيّر وإن بقي مقدار ما يسع التّحريمة فقط ‪ ،‬وقال زفر واختاره القدوريّ ‪ :‬ل يجب إ ّل إذا‬ ‫بقي من الوقت مقدار ما يؤدّي فيه الفرض ‪ .‬وعلى ذلك القول فل يتغيّر الفرض إلّ إذا بقي‬ ‫‪.‬‬

‫من الوقت ما يمكن فيه الداء‬

‫وعند المالكيّة ‪ :‬تقصر الصّلة الّتي يسافر في وقتها ولو الضّروريّ ‪ ،‬فيقصر الظّهرين قبل‬ ‫الغروب بثلث ركعات فأكثر ولو أخّرهما عمدا ‪ ،‬فإذا لم يبق إ ّل بمقدار ركعتين أو ركعة‬ ‫‪.‬‬

‫صلّى العصر فقط سفر ّيةً‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬إن سافر وقد بقي من الوقت أقلّ من قدر الصّلة ‪ ،‬فإن قلنا ‪ :‬إنّه مؤدّ‬ ‫لجميع الصّلة جاز له القصر ‪ ،‬وإن قلنا ‪ :‬إنّه مؤدّ لما فعل في الوقت قاض لما فعل بعد‬ ‫‪.‬‬

‫الوقت لم يجز له القصر‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن دخل عليه وقت الصّلة في الحضر ‪ ،‬ثمّ سافر ‪ ،‬لزمه أن يتمّ ؛ لوجوبها‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪21‬‬

‫عليه تا ّم ًة بدخول وقتها‬

‫الرّابعة ‪ :‬اشتراط نيّة القصر عند كلّ صلة‬

‫‪ -‬يشترط للقصر نيّته في التّحريمة ‪ ،‬ومثل نيّة القصر ما لو نوى الظّهر مثلً ركعتين ‪،‬‬

‫ولم ينو ترخّصا ‪ ،‬كما قاله الشّافع يّ ‪ ،‬ومثل النّيّة ‪ -‬أيضًا ‪ -‬ما لو قال ‪ :‬أؤدّي صلة السّفر‬ ‫‪ ،‬كما قاله المتولّي من الشّافعيّة ‪ ،‬فلو لم ينو ما ذكر ‪ ،‬بأن نوى التمام أو أطلق أتمّ ‪ ،‬وهذا‬ ‫عند الشّافعيّة والحنابلة ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫أمّا الحنفيّة ‪ :‬فإنّ نيّة السّفر تجعل فرض المسافر ركعتين ‪ ،‬وهذا يكفي‬

‫وعند المالكيّة ‪ :‬تكفي نيّة القصر في أوّل صلة يقصرها في السّفر ‪ ،‬ول يلزم تجديدها فيما‬ ‫‪.‬‬

‫بعدها من الصّلوات ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنّه ل بدّ من نيّة القصر عند كلّ صلة ولو حكما‬

‫واشترط الشّافعيّة التّحرّز عمّا ينافي نيّة القصر في دوام الصّلة ‪ ،‬وذلك مثل نيّة التمام ‪،‬‬ ‫فلو نوى التمام بعد نيّة القصر أتمّ ‪ ،‬ولو أحرم قاصرا ثمّ تردّد في أنّه يقصر أم يتمّ ؟ أتمّ ‪.‬‬ ‫أو شكّ في أنّه نوى القصر أم ل ؟ أتمّ ‪ .‬وإن تذكّر في الحال أنّه نواه ‪ ،‬لنّه أدّى جزءا من‬ ‫صلته حال التّردّد على التّمام ‪ ،‬ولو قام القاصر لثالثة عمدا بل موجب لتمام ‪ ،‬كنِيّته أو‬ ‫‪.‬‬

‫نيّة إقامة بطلت صلته‬

‫ونحوهم الحنابلة ‪ :‬فعندهم ‪ :‬إن عزم المسافر في صلته على ما يلزمه به التمام من‬ ‫القامة وسفر المعصية لزمه أن يتمّ تغليبًا لكونه الصل ‪ ،‬أو تاب من سفر المعصية في‬ ‫الصّلة الّتي أحرم بها سفر ّيةً لزمه أن يتمّ ‪ ،‬ول تنفعه نيّة القصر ‪ ،‬وكمن نوى خلف مقيم‬ ‫‪.‬‬

‫ن إمامه مقيم ‪ ،‬وأنّه ل يباح له القصر ‪ ،‬فلم تنعقد‬ ‫عالما بأ ّ‬

‫ل به لم تصحّ صلته ؛‬ ‫واشترط الشّافعيّة ‪ -‬أيضا ‪ : -‬العلم بجواز القصر ‪ ،‬فلو قصر جاه ً‬ ‫‪.‬‬

‫لتلعبه‬

‫وعند الحنفيّة ‪ :‬لو اختار الربع ل يقع الكلّ فرضا ‪ ،‬بل المفروض ركعتان ‪ ،‬والشّطر الثّاني‬ ‫‪ :‬يقع تطوّعا ‪ ،‬حتّى إنّه لو لم يقعد على رأس الرّكعتين قدر التّشهّد فسدت صلته ؛ لنّها‬ ‫القعدة الخيرة في حقّه ‪ ،‬وإذا أتمّ ساهيًا صحّت صلته ‪ ،‬ووجب عليه سجود السّهو ‪ ،‬وإن‬ ‫كان عمدا وجلس على رأس الرّكعتين صحّت صلته وأساء لتأخيره السّلم عن مكانه ‪.‬‬ ‫ويقول المالكيّة ‪ :‬إن نوى المسافر القامة القاطعة لحكم السّفر ‪ ،‬وهو في الصّلة الّتي‬ ‫أحرم بها سفر ّي ًة شفع بأخرى ندبا إن عقد ركعةً وجعلها نافلةً ‪ ،‬ول تجزئ حضريّة إن‬ ‫‪.‬‬

‫أتمّها أربعا؛ لعدم دخوله عليها ول تجزئ سفريّة ؛ لتغيّر نيّته في أثنائها‬ ‫‪:‬‬

‫المكان الّذي يبدأ منه القصر‬

‫قال الفقهاء ‪ :‬يبدأ المسافر القصر إذا فارق بيوت المصر ‪ ،‬فحينئذ يصلّي ركعتين‬

‫‪22 - .‬‬

‫وأصله ما روى أنس ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬صلّيت الظّهر مع رسول اللّه صلى ال‬ ‫عليه وسلم بالمدينة أربعا ‪ ،‬وصلّيت معه العصر بذي الحليفة ركعتين » ‪ ،‬وما روي عن‬ ‫ي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ : -‬أنّه لمّا خرج من البصرة يريد الكوفة صلّى الظّهر أربعا ثمّ نظر‬ ‫عل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ص صلّينا ركعتين‬ ‫ص أمامه وقال ‪ :‬لو جاوزنا هذا الخ ّ‬ ‫إلى خ ّ‬

‫والمعتبر مفارقة البيوت من الجانب الّذي يخرج منه ‪ ،‬وإن كان في غيره من الجوانب‬ ‫بيوت‪ .‬ويدخل في بيوت المصر المباني المحيطة به ‪ ،‬والنّبيّ صلى ال عليه وسلم لم يقصر‬ ‫‪.‬‬

‫في سفره إلّ بعد الخروج من المدينة‬

‫والقريتان المتدانيتان المتّصل بناء إحداهما بالخرى ‪ ،‬أو الّتي يرتفق أهل إحداهما بالخرى‬ ‫فهما كالقرية الواحدة ‪ ،‬وإلّ فلك ّل قرية حكم نفسها يقصر إذا جاوز بيوتها والبنية الّتي في‬ ‫‪.‬‬

‫طرفها‬

‫وساكن الخيام يقصر إذا فارق خيام قومه ومرافقها ‪ ،‬كملعب الصّبيان ‪ ،‬والبساتين‬ ‫المسكونة المتّصلة بالبلد ‪ ،‬ولو حكما ل يقصر إلّ إذا فارقها إن سافر من ناحيتها ‪ ،‬أو من‬ ‫غير ناحيتها‪ ،‬وكان محاذيا لها عند المالكيّة ‪ .‬ويقصر سكّان القصور والبساتين وأهل العزب‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫إذا فارقوا ما نسبوا إليه بما يعدّ مفارق ًة عرفا‬

‫والبلدة الّتي لها سور ‪ ،‬ل يقصر إلّ إذا جاوزه وإن تعدّد ‪ ،‬كما قال الشّافعيّة‬

‫وقالوا أيضا ‪ :‬يعتبر مجاوزة عرض الوادي إن سافر في عرضه ‪ ،‬والهبوط إن كان في‬ ‫ربوة‪ ،‬والصّعود إن كان في وهدة ‪ .‬وهذا إن سافر في البرّ ‪ ،‬ويعتبر في سفر البحر المتّصل‬ ‫ساحله بالبلد جري السّفينة أو الزّورق ‪ ،‬فيقصر بمجرّد تحرّكها ‪ ،‬أمّا إذا كان البحر بعيدا‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫عن المدينة فالعبرة بمجاوزة سور المدينة‬

‫الصّلوات الّتي تقصر ‪ ،‬ومقدار القصر‬

‫الصّلوات الّتي تقصر هي ‪ :‬الصّلة الرّباعيّة ‪ ،‬وهي ‪ :‬الظّهر ‪ ،‬والعصر ‪،‬‬

‫والعشاء ‪23 -‬‬

‫إجماعا ‪ ،‬ول قصر في الفجر والمغرب لحديث عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ « : -‬فرض صلة‬ ‫السّفر والحضر ركعتين ركعتين ‪ .‬فلمّا أقام رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالمدينة زيد في‬ ‫صلة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلة الفجر لطول القراءة وصلة المغرب لنّها وتر‬ ‫ن القصر هو ‪ :‬سقوط شطر الصّلة ‪ ،‬وبعد سقوط الشّطر من الفجر والمغرب ل‬ ‫النّهار » ول ّ‬ ‫يبقى نصف مشروع ‪ ،‬بخلف الصّلة الرّباعيّة فإنّها هي الّتي تقصر ‪ ،‬وذلك في جميع‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫المذاهب‬

‫ومقدار القصر ‪ :‬أن تصير الرّباعيّة ركعتين ل غير ‪ .‬ول قصر في السّنن عند الحنفيّة‬

‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ول قصر في المنذورة عند الشّافعيّة‬

‫اقتداء المسافر بالمقيم ‪ ،‬وعكسه‬

‫يقول الحنفيّة ‪ :‬يصحّ اقتداء المسافر بالمقيم في الوقت ‪ ،‬وينقلب فرض المسافر‬

‫أربعا ‪24 -‬‬

‫ن متابعته واجبة عليه ؛‬ ‫عند عامّة الفقهاء من الحنفيّة لنّه لمّا اقتدى به صار تبعا له ؛ ل ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إنّما جعل المام ليؤتمّ به فل تختلفوا عليه » وأداء‬ ‫لقول النّب ّ‬ ‫الصّلة في الوقت ممّا يحتمل التّغيير ‪ ،‬وهو التّبعيّة ‪ ،‬فيتغيّر فرضه أربعا ‪ ،‬فصار صلة‬ ‫‪.‬‬

‫ح اقتداؤه به‬ ‫المقتدي مثل صلة المام ‪ ،‬فص ّ‬

‫ن الصّلة خارج الوقت من‬ ‫ول يصحّ اقتداء المسافر بالمقيم خارج الوقت عند الحنفيّة ؛ ل ّ‬ ‫باب القضاء ‪ ،‬وهو خلف عن الداء ‪ ،‬والداء لم يتغيّر فل يتغيّر القضاء بالقتداء بالمقيم ‪،‬‬ ‫فبقيت صلته ركعتين وصارت القعدة الولى للتّشهّد فرضا في حقّه ‪ ،‬وهي نفل في حقّ‬ ‫المام فيكون هذا اقتداء المفترض بالمتنفّل في حقّ القعدة ‪ ،‬وكما ل يجوز اقتداء المفترض‬ ‫‪.‬‬

‫بالمتنفّل في جميع الصّلة ‪ ،‬فل يجوز في ركن منها‬

‫ولو أنّ مقيما صلّى ركعتين بقراءة ‪ ،‬فلمّا قام إلى الثّالثة جاء مسافر واقتدى به بعد خروج‬ ‫ح ؛ لما سبق بيانه من أنّ فرض المسافر تقرّر ركعتين بخروج الوقت ‪،‬‬ ‫الوقت ل يص ّ‬ ‫والقراءة فرض عليه في الرّكعتين ‪ ،‬وهي نفل في حقّ المقيم في الخيرتين ‪ ،‬فيكون اقتداء‬ ‫‪.‬‬

‫المفترض بالمتنفّل في حقّ القراءة‬

‫وأمّا اقتداء المقيم بالمسافر فيصحّ في الوقت وخارج الوقت ؛ لنّ صلة المسافر في‬ ‫الحالتين واحدة ‪ ،‬والقعدة فرض في حقّه نفل في حقّ المقتدي ‪ ،‬واقتداء المتنفّل بالمفترض‬ ‫جائز في كلّ الصّلة فكذا في بعضها ‪ ،‬وإذا سلّم المام على رأس الرّكعتين ل يسلّم المقيم ؛‬ ‫لنّه قد بقي عليه شطر الصّلة ‪ ،‬فلو سلّم فسدت صلته ‪ ،‬ولكنّه يقوم ويتمّها أربعا ؛ لقول‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أتمّوا يا أهل مكّة صلتكم ‪ ،‬فإنّا قوم سفر » ‪ ،‬ويقول المام‬ ‫النّب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫المسافر ذلك للمقيمين اقتداءً بالرّسول عليه السلم‬

‫وعند المالكيّة ‪ :‬يجوز اقتداء المسافر بالمقيم مع الكراهة ‪ ،‬ويلزمه التمام ولو نوى القصر‬ ‫; لمتابعة المام ‪ ،‬وهذا إذا أدرك معه ركعةً ‪ ،‬واختلف في العادة ‪ ،‬لمخالفة سنّة القصر ‪.‬‬ ‫ويجوز ‪ -‬أيضا ‪ -‬اقتداء المقيم بالمسافر مع الكراهة ‪ ،‬ويسلّم المسافر ‪ ،‬ويتمّ المقيم ‪.‬‬ ‫ويجوز كذلك عند الشّافعيّة والحنابلة اقتداء المسافر بالمقيم ‪ ،‬ويلزمه التمام ‪ .‬كما يجوز‬ ‫‪.‬‬

‫اقتداء المقيم بالمسافر ‪ ،‬وفرضا التمام‬

‫وذهب طاوس والشّعبيّ وتميم بن حذلم ‪ :‬إلى أنّ المسافر إن أدرك مع المام المقيم ركعتين‬ ‫‪.‬‬

‫أجزأتا عنه‬

‫وذهب الحسن والزّهريّ والنّخعيّ وقتادة ‪ :‬إلى أنّه إن أدرك معه ركعةً فأكثر أتمّ ‪ ،‬وإن أدرك‬ ‫‪.‬‬

‫معه أقلّ من ركعة قصر‬

‫قضاء فائتة السّفر في الحضر وعكسه‬

‫‪:‬‬

‫قال الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في القديم ‪ :‬من فاتته صلة في السّفر قضاها‬

‫في ‪25 -‬‬

‫الحضر ركعتين ‪ ،‬ومن فاتته صلة في الحضر قضاها في السّفر أربعا ؛ لنّ القضاء بحسب‬ ‫الداء ‪ .‬والمعتبر في ذلك آخر الوقت ؛ لنّه المعتبر في السّببيّة عند عدم الداء في الوقت ‪.‬‬ ‫وقال زفر ‪ :‬إذا سافر وقد بقي من الوقت قدر ما يمكنه أن يصلّي فيه صلة السّفر يقضي‬ ‫‪.‬‬

‫صلة السّفر ‪ ،‬وإن كان الباقي دونه صلّى صلة المقيم‬

‫وذهب الشّافعيّة في الجديد ‪ -‬وهو الصحّ ‪ -‬إلى أنّه ل يجوز له القصر ؛ لنّه تخفيف‬ ‫‪:‬‬

‫تعلّق بعذر فزال بزوال العذر ‪ .‬وإن فاتته في السّفر فقضاها في السّفر ففيه قولن‬

‫أحدهما ‪ :‬ل يقصر ؛ لنّها صلة ردّت من أربع إلى ركعتين ‪ ،‬فكان من شرطها الوقت ‪.‬‬ ‫والثّاني ‪ :‬له أن يقصر ‪ -‬وهو الصحّ ‪ -‬لنّه تخفيف تعلّق بعذر ‪ ،‬والعذر باق ‪ ،‬فكان‬ ‫التّخفيف باقيا ‪ .‬وإن فاتته في الحضر صلة ‪ ،‬فأراد قضاءها في السّفر لم يجز له القصر ؛‬ ‫‪.‬‬

‫ي ‪ :‬له أن يقصر‬ ‫لنّه ثبت في ذمّته صلة تامّة فلم يجز له القصر ‪ ،‬وقال المزن ّ‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬إذا نسي صلة حضر فذكرها في السّفر ‪ ،‬أو نسي صلة سفر فذكرها في‬ ‫ص عليه أحمد في رواية أبي داود والثرم ؛ لنّ‬ ‫الحضر صلّى في الحالتين صلة حضر ‪ .‬ن ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫القصر رخصة من رخص السّفر فيبطل بزواله‬

‫زوال حالة السّفر‬

‫المسافر إذا صحّ سفره يظلّ على حكم السّفر ‪ ،‬ول يتغيّر هذا الحكم إلّ أن‬

‫ينوي ‪26 -‬‬

‫القامة ‪ ،‬أو يدخل وطنه ‪ ،‬وحينئذ تزول حالة السّفر ‪ ،‬ويصبح مقيما تنطبق عليه أحكام‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫المقيم ‪ .‬وللقامة شرائط هي‬

‫الولى ‪ :‬نيّة القامة ومدّتها المعتبرة‬

‫نيّة القامة أمر ل ب ّد منه عند الحنفيّة ‪ ،‬حتّى لو دخل مصرا ومكث فيه شهرا أو‬

‫أكثر ‪27 -‬‬

‫لنتظار قافلة ‪ ،‬أو لحاجة أخرى يقول ‪ :‬أخرج اليوم أو غدا ‪ ،‬ولم ينو القامة ‪ ،‬فإنّه ل‬ ‫يصير مقيما ‪ ،‬وذلك لجماع الصّحابة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬فإنّه روي عن سعد بن أبي‬ ‫وقّاص ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أنّه ‪ :‬أقام بقرية من قرى نيسابور شهرين وكان يقصر الصّلة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وعن ابن عمر رضي ال عنهما ‪ : -‬أنّه أقام بأذربيجان شهرا وكان يقصر الصّلة‬ ‫‪.‬‬

‫وعن علقمة ‪ :‬أنّه أقام بخوارزم سنتين وكان يقصر‬

‫وروي عن عمران بن حصين ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أنّه قال ‪ « :‬غزوت مع رسول اللّه صلى‬ ‫ال عليه وسلم وشهدت معه الفتح ‪ ،‬فأقام بمكّة ثماني عشرة ليلةً ‪ ،‬ل يصلّي إلّ ركعتين ‪،‬‬ ‫‪».‬‬

‫ويقول ‪ :‬يا أهل البلد ‪ :‬صلّوا أربعا فإنّا قوم سفر‬

‫أمّا مدّة القامة المعتبرة ‪ :‬فأقلّها خمسة عشرة يوما ؛ لما روي عن ابن عبّاس وابن عمر‬ ‫رضي ال عنهم ‪ -‬أنّهما قال ‪ :‬إذا دخلت بلد ًة وأنت مسافر وفي عزمك أن تقيم بها خمسة‬ ‫عشر يوما فأكمل الصّلة ‪ ،‬وإن كنت ل تدري متى تظعن فاقصر ‪ ،‬قال الكاسانيّ ‪ :‬وهذا باب‬ ‫ل يوصل إليه بالجتهاد ؛ لنّه من جملة المقادير ‪ ،‬ول يظنّ بهما التّكلّم جزافا ‪ ،‬فالظّاهر‬ ‫‪.‬‬

‫أنّهما قاله سماعا من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬

‫وعند المالكيّة ‪ :‬ل ب ّد من النّيّة ‪ ،‬وأقلّ مدّة القامة أربعة أيّام صحاح مع وجوب عشرين‬ ‫صل ًة في مدّة القامة ‪ ،‬ول يحتسب من اليّام يوم الدّخول إن دخل بعد طلوع الفجر ‪ ،‬ول‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫يوم الخروج إن خرج في أثنائه‬

‫ول ب ّد من اجتماع المرين ‪ :‬الربعة اليّام والعشرين صلةً‬ ‫‪.‬‬

‫واعتبر سحنون ‪ :‬العشرين صل ًة فقط‬

‫ثمّ إنّ نيّة القامة إمّا أن تكون في ابتداء السّير ‪ ،‬وإمّا أن تكون في أثنائه ‪ ،‬فإن كانت في‬ ‫ابتداء السّير ‪ ،‬وكانت المسافة بين النّيّة وبين محلّ القامة مسافة قصر ‪ ،‬قصر الصّلة حتّى‬ ‫يدخل محلّ القامة بالفعل ‪ ،‬وإلّ أتمّ من حين النّيّة ‪ ،‬أمّا إن كانت النّيّة في أثناء السّفر فإنّه‬ ‫يقصر حتّى يدخل محلّ القامة بالفعل ‪ ،‬ولو كانت المسافة بينهما دون مسافة القصر على‬ ‫‪.‬‬

‫المعتمد ‪ ،‬ويستثنى من نيّة القامة نيّة العسكر بمحلّ خوف ‪ ،‬فإنّها ل تقطع حكم السّفر‬

‫وإذا أقام بمحلّ في أثناء سفره دون أن ينوي القامة به ‪ ،‬فإنّ إقامته به ل تمنع القصر ولو‬ ‫أقام مدّ ًة طويلةً إلّ أنّه إذا علم أنّه سيقيم أربعة أيّام في مكان عادةً ‪ ،‬فإنّ ذلك يقطع حكم‬ ‫ن العلم بالقامة كالنّيّة ‪ ،‬بخلف الشّكّ فإنّه ل يقطع حكم‬ ‫السّفر ولو لم ينو القامة ؛ ل ّ‬ ‫السّفر‪ .‬ويقول الشّافعيّة ‪ :‬لو نوى المسافر المستقلّ ‪ ،‬ولو محاربًا إقامة أربعة أيّام تا ّمةً‬ ‫بلياليها ‪ ،‬أو نوى القامة وأطلق بموضع عينه ‪ ،‬انقطع سفره بوصوله ذلك الموضع سواء‬ ‫أكان مقصده أم في طريقه ‪ ،‬أو نوى بموضع وصل إليه إقامة أربعة أيّام انقطع سفره بالنّيّة‬ ‫‪.‬‬

‫مع مكثه‬

‫ن اللّه تعالى أباح القصر بشرط الضّرب‬ ‫ولو أقام أربعة أيّام بل نيّة انقطع سفره بتمامها ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫في الرض ‪ ،‬والمقيم والعازم على القامة غير ضارب في الرض‬

‫والسّنّة بيّنت أنّ ما دون الربع ل يقطع السّفر ‪ ،‬ففي الصّحيحين ‪ « :‬يقيم المهاجر بعد‬ ‫قضاء نسكه ثلثا » ‪ ،‬وكان يحرم على المهاجرين القامة بمكّة ومساكنة الكفّار ‪،‬‬

‫فالتّرخّص في الثّلث يدلّ على بقاء حكم السّفر ‪ ،‬بخلف الربعة ‪ ،‬وألحق بإقامة الربعة ‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫نيّة إقامتها‬

‫ول يحسب من الربعة يوما دخوله وخروجه إذا دخل نهارا على الصّحيح ‪ ،‬والثّاني يحسبان‬ ‫بالتّلفيق ‪ ،‬فلو دخل زوال السّبت ليخرج زوال الربعاء أتمّ ‪ ،‬وقبله قصر ‪ ،‬فإن دخل ليلً لم‬ ‫‪.‬‬

‫تحسب بقيّة اللّيلة ويحسب الغد‬

‫ي من الشّافعيّة ‪ :‬أنّ الرّخصة ل تتعلّق بعدد اليّام بل بعدد الصّلوات ‪،‬‬ ‫واختار السّبك ّ‬ ‫فيترخّص بإقامة مدّة يصلّي فيها إحدى وعشرين صل ًة مكتوبةً ؛ لنّه المحقّق من فعله‬ ‫‪.‬‬

‫صلى ال عليه وسلم حين نزل بالبطح‬

‫ولو أقام ببلد بنيّة أن يرحل إذا حصلت حاجة يتوقّعها كلّ وقت ‪ ،‬أو حبسه الرّيح بموضع‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه‬ ‫في البحر قصر ثمانية عشر يوما غير يومي الدّخول والخروج ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وسلم أقامها بمكّة عام الفتح لحرب هوازن يقصر الصّلة‬

‫وقيل ‪ :‬يقصر أربعة أيّام غير يومي الدّخول والخروج ‪ ،‬وفي قول ‪ :‬يقصر أبدا ؛ لنّ الظّاهر‬ ‫‪.‬‬

‫أنّه لو زادت حاجة النّبيّ صلى ال عليه وسلم على الثّمانية عشر لقصر في الزّائد‬

‫ولو علم المسافر بقاء حاجته مدّةً طويلةً فل قصر له على المذهب ؛ لنّه ساكن مطمئنّ بعيد‬ ‫‪.‬‬

‫عن هيئة المسافرين‬

‫وعند الحنابلة ‪ :‬لو نوى إقامة أكثر من عشرين صل ًة أت ّم لحديث جابر وابن عبّاس ‪-‬‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قدم مكّة صبيحة رابعة ذي الحجّة فأقام‬ ‫رضي ال عنهم ‪ « -‬أنّ النّب ّ‬ ‫بها الرّابع والخامس والسّادس والسّابع ‪ ،‬وصلّى الصّبح في اليوم الثّاني ‪ ،‬ثمّ خرج إلى منًى‬ ‫‪ ،‬وكان يقصر الصّلة في هذه اليّام ‪ ،‬وقد عزم على إقامتها » ‪ .‬ولو نوى المسافر إقامةً‬ ‫مطلقةً بأن لم يحدّها بزمن معيّن في بلدة أتمّ ؛ لزوال السّفر المبيح للقصر بنيّة القامة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ولو شكّ في نيّته ‪ ،‬هل نوى إقامة ما يمنع القصر أو ل ؟ أتمّ ؛ لنّه الصل‬

‫وإن أقام المسافر لقضاء حاجة يرجو نجاحها أو جهاد عدوّ بل نيّة إقامة تقطع حكم السّفر ‪،‬‬ ‫ول يعلم قضاء الحاجة قبل المدّة ولو ظنّا ‪ ،‬أو حبس ظلما ‪ ،‬أو حبسه مطر قصر أبدا ؛ لنّ‬ ‫‪».‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أقام بتبوك عشرين يوما يقصر‬ ‫النّب ّ‬

‫الصّلة «‬

‫ن أنّها ل تنقضي في أربعة أيّام لزمه التمام ‪ ،‬كما لو نوى إقامة أكثر من‬ ‫فإن علم أو ظ ّ‬ ‫أربعة أيّام ‪ .‬وإن نوى إقامةً بشرط ‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬إن لقيت فلنًا في هذا البلد أقمت فيه وإلّ‬ ‫فل ‪ ،‬فإن لم يلقه في البلد فله حكم السّفر ؛ لعدم الشّرط الّذي علّق القامة عليه ؛ وإن لقيه‬ ‫به صار مقيما ؛ لستصحابه حكم نيّة القامة إن لم يكن فسخ نيّته الولى للقامة قبل لقائه‬

‫أو حال لقائه ‪ ،‬وإن فسخ النّيّة بعد لقائه فهو كمسافر نوى القامة ‪ ،‬فليس له أن يقصر في‬ ‫‪.‬‬

‫موضع إقامته ؛ لنّه محلّ ثبت له فيه حكم القامة ‪ ،‬فأشبه وطنه‬

‫‪:‬‬

‫الشّريطة الثّانية ‪ -‬اتّحاد مكان المدّة المشترطة للقامة‬

‫‪.‬‬

‫ن القامة قرار والنتقال يضادّه‬ ‫في مكان واحد أو ما يشبه المكان الواحد ؛ ل ّ‬

‫ن المدّة الّتي يقيمها المسافر ويصير بها مقيما ‪ ،‬يشترط فيها أن‬ ‫صرّح الحنفيّة بأ ّ‬

‫تقضى ‪28 -‬‬

‫فإذا نوى المسافر القامة المدّة القاطعة للسّفر في موضعين ‪ ،‬فإن كانا مصرا واحدا أو قريةً‬ ‫واحدةً صار مقيما ؛ لنّهما متّحدان حكما ‪ ،‬وإن كانا مصرين نحو مكّة ومنىً ‪ ،‬أو الكوفة‬ ‫والحيرة ‪ ،‬أو إن كانا قريتين ‪ ،‬أو أحدهما مصرا والخر قريةً فل يصير مقيما ‪ ،‬ول تزول‬ ‫حالة السّفر ؛ لنّهما مكانان متباينان حقيق ًة وحكما ‪ .‬فإن نوى المسافر أن يقيم باللّيالي في‬ ‫أحد الموضعين ويخرج بالنّهار إلى الموضع الخر ‪ ،‬فإن دخل أ ّولً الموضع الّذي نوى‬ ‫المقام فيه باللّيل يصير مقيما ‪ ،‬ثمّ بالخروج إلى الموضع الخر ل يصير مسافرا ؛ لنّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫موضع إقامة الرّجل حيث يبيت فيه‬

‫الشّريطة الثّالثة ‪ -‬صلحية المكان للقامة‬

‫يقول الحنفيّة ‪ :‬ل ب ّد أن يكون المكان الّذي يقيم فيه المسافر صالحا للقامة ‪،‬‬

‫والمكان ‪29 -‬‬

‫الصّالح للقامة ‪ :‬هو موضع اللّبث والقرار في العادة ‪ ،‬نحو المصار والقرى ‪ ،‬وأمّا المفازة‬ ‫والجزيرة والسّفينة فليست موضع القامة ‪ ،‬حتّى لو نوى القامة في هذه المواضع خمسة‬ ‫عشر يوما ل يصير مقيما ‪ ،‬كذا روي عن أبي حنيفة ‪ ،‬وروي عن أبي يوسف في العراب‬ ‫والكراد والتّركمان إذا نزلوا بخيامهم في موضع ‪ ،‬ونووا القامة خمسة عشر يوما صاروا‬ ‫مقيمين ‪ ،‬وعلى هذا ‪ :‬إذا نوى المسافر القامة فيه خمسة عشر يوما يصير مقيما كما في‬ ‫‪.‬‬

‫القرية ‪ ،‬وفي رواية أخرى عن أبي يوسف ‪ :‬أنّهم ل يصيرون بذلك مقيمين‬

‫والحاصل أنّ هناك قولً واحدا عند أبي حنيفة وهو ‪ :‬ل يصير مقيما في المفازة ولو كان‬ ‫ثمّة قوم وطنوا ذلك المكان بالخيام والفساطيط ‪ .‬وعن أبي يوسف روايتان ‪ .‬والصّحيح قول‬ ‫ن موضع القامة موضع القرار ‪ ،‬والمفازة ليست موضع القرار في الصل‬ ‫أبي حنيفة ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫فكانت النّيّة لغوا‬

‫ولو حاصر المسلمون مدينةً من مدائن أهل الحرب ‪ ،‬ووطّنوا أنفسهم على إقامة خمسة‬ ‫ح نيّة القامة ويقصرون ‪ ،‬وكذا إذا نزلوا المدينة وحاصروا أهلها في‬ ‫عشر يوما لم تص ّ‬ ‫الحصن ‪ .‬وقال أبو يوسف ‪ :‬إن كانوا في الخبية والفساطيط خارج البلدة فكذلك ‪ ،‬وإن‬ ‫كانوا في البنية صحّت نيّتهم ‪ .‬وقال زفر في الفصلين جميعا ‪ :‬إن كانت الشّوكة والغلبة‬ ‫‪.‬‬

‫للمسلمين صحّت نيّتهم ‪ ،‬وإن كان للعدوّ لم تصحّ‬

‫أمّا المالكيّة والشّافعيّة فل يشترطون أن يكون المكان صالحا للقامة ‪ ،‬فلو نوى المسافر‬ ‫‪.‬‬

‫القامة في مكان ‪ ،‬ولو كان غير صالح للقامة صحّت نيّته ‪ ،‬وامتنع القصر‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وعند الحنابلة قولن في اشتراط كون المكان صالحا للقامة‬

‫حكم التّبعيّة في القامة والعبرة لنيّة المتبوع فيها‬

‫يقول الحنفيّة ‪ :‬العبرة بنيّة الصل في القامة ‪ ،‬ويصير التّبع مقيما بإقامة الصل‬ ‫‪.‬‬

‫كالعبد ‪30 -‬‬

‫والمرأة والجيش ونحو ذلك‬

‫وإنّما يصير التّبع مقيما بإقامة الصل ‪ ،‬وتنقلب صلته أربعا إذا علم التّبع بنيّة إقامة‬ ‫الصل‪ .‬فأمّا إذا لم يعلم فل ‪ ،‬حتّى إذا صلّى التّبع صلة المسافرين قبل العلم بنيّة إقامة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫الصل ‪ ،‬فإنّ صلته جائزة ‪ ،‬ول يجب عليه إعادتها‬

‫وقد م ّر بيان حكم التّبعيّة في حالة السّفر ‪ ،‬وتفصيل المذاهب في ذلك‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫والقامة كالسّفر في التّبعيّة‬

‫دخول الوطن‬

‫إذا دخل المسافر وطنه زال حكم السّفر ‪ ،‬وتغيّر فرضه بصيرورته مقيما ‪ ،‬وسواء‬

‫دخل ‪31 -‬‬

‫ن رسول‬ ‫وطنه للقامة ‪ ،‬أو للجتياز ‪ ،‬أو لقضاء حاجة ‪ ،‬أو ألجأته الرّيح إلى دخوله ؛ ل ّ‬ ‫اللّه صلى ال عليه وسلم كان يخرج مسافرا إلى الغزوات ‪ ،‬ثمّ يعود إلى المدينة ول يجدّد‬ ‫‪.‬‬

‫ن وطنه متعيّن للقامة فل حاجة إلى التّعيين بالنّيّة‬ ‫نيّة القامة ؛ ل ّ‬

‫ودخول الوطن الّذي ينتهي به حكم السّفر هو أن يعود إلى المكان الّذي بدأ منه القصر ‪،‬‬ ‫فإذا قرب من بلده فحضرت الصّلة فهو مسافر ما لم يدخل ‪ ،‬وقد روي ‪ :‬أنّ عليّا ‪ -‬رضي‬ ‫ال عنه ‪ -‬حين قدم الكوفة من البصرة صلّى صلة السّفر وهو ينظر إلى أبيات الكوفة ‪.‬‬ ‫ن ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬قال لمسافر ‪ :‬ص ّل ركعتين ما لم تدخل‬ ‫وروي ‪ -‬أيضا ‪ -‬أ ّ‬ ‫منزلك‪ .‬وإذا دخل وطنه في الوقت وجب التمام‬

‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫العزم على العودة إلى الوطن‬

‫إذا عزم المسافر على العودة إلى وطنه قبل أن يسير مسافة القصر ‪ ،‬فإنّه يعتبر‬

‫مقيمًا ‪32 -‬‬

‫من حين عزم على العودة ويصلّي تماما ؛ لنّ العزم على العودة إلى الوطن قصد ترك‬ ‫السّفر بمنزلة نيّة القامة ‪ ،‬واشترط الشّافعيّة مع ذلك ‪ :‬أن ينوي وهو مستقلّ ماكث ‪ ،‬أمّا‬ ‫‪.‬‬

‫لو نوى وهو سائر فل يقصر حتّى يدخل وطنه‬

‫وإن كان بين المكان الّذي عزم فيه على العودة وبين الوطن مدّة سفر قصر ‪ ،‬فل يصير‬ ‫مقيما ؛ لنّه بالعزم على العود قصد ترك السّفر إلى جهة ‪ ،‬وقصد السّفر إلى جهة أخرى ‪،‬‬

‫فلم يكمل العزم على العود إلى السّفر لوقوع التّعارض ‪ ،‬فبقي مسافرا كما كان إلى أن يدخل‬ ‫‪.‬‬

‫جمع الصّلة‬

‫‪:‬‬

‫المراد بالجمع ‪ :‬هو أن يجمع المصلّي بين فريضتين في وقت إحداهما ‪ ،‬جمع تقديم‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وطنه‬

‫أو ‪33 -‬‬

‫جمع تأخير‬

‫والصّلة الّتي يجوز فيها الجمع هي ‪ :‬الظّهر مع العصر ‪ ،‬والمغرب مع العشاء‬

‫والجمع بين فريضتين جائز بإجماع الفقهاء ‪ .‬إ ّل أنّهم اختلفوا في مسوّغات الجمع ‪ :‬فعند‬ ‫الحنفيّة يجمع بين الظّهر والعصر في وقت الظّهر بعرفة ‪ ،‬وبين المغرب والعشاء في وقت‬ ‫العشاء بمزدلفة ‪ ،‬فمسوّغ الجمع عندهم هو الحجّ فقط ‪ ،‬ول يجوز عندهم الجمع ليّ عذر‬ ‫‪.‬‬

‫آخر ‪ ،‬كالسّفر والمطر‬

‫وعند المالكيّة للجمع ستّة أسباب ‪ :‬السّفر ‪ ،‬والمطر ‪ ،‬والوحل مع الظّلمة ‪ ،‬والمرض ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وبعرفة ‪ ،‬ومزدلفة‬

‫وزاد الشّافعيّة على ما ذكره المالكيّة ‪ :‬عدم إدراك العدوّ‬ ‫‪.‬‬

‫وزاد الحنابلة كذلك ‪ :‬الرّيح الشّديدة‬

‫ن هناك بعد ذلك شرائط بالنّسبة لهذه المسوّغات تختلف باختلف المذاهب مع تفصيل‬ ‫على أ ّ‬ ‫كثير ‪ ،‬وذلك مثل من اشترط في السّفر ضربا معيّنا ‪ ،‬كقول مالك ‪ :‬ل يجمع المسافر إلّ أن‬ ‫يج ّد به السّير ‪ ،‬ومنهم من اشترط سفر القربة كالحجّ والغزو ‪ ،‬ومنهم من منع الجمع بسبب‬ ‫‪.‬‬

‫ل ونهارا‬ ‫ل ‪ ،‬ومنهم من أجازه بسبب المطر لي ً‬ ‫المطر نهارا وأجازه لي ً‬ ‫‪).‬‬

‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬جمع الصّلوات‬

‫صَلَةُ المَغْرب‬

‫*‬

‫‪.‬‬

‫*‬

‫انظر ‪ :‬الصّلوات الخمس المفروضة‬

‫الصّلةُ على الميّت‬ ‫‪.‬‬

‫*‬

‫صَلَةُ النّافلة‬ ‫‪.‬‬

‫*‬

‫صَلَةُ النّفل‬ ‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬جنائز‬

‫انظر ‪ :‬صلة التّطوّع‬

‫انظر ‪ :‬صلة التّطوّع‬

‫*‬

‫صَلَةُ ال ِوتْر‬ ‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫الوتر " بفتح الواو وكسرها " لغةً ‪ :‬العدد الفرديّ ‪ ،‬كالواحد والثّلثة والخمسة ‪،‬‬

‫ومنه ‪1 -‬‬

‫ن اللّه وتر يحبّ الوتر » ‪ .‬ومن كلم العرب ‪ :‬كان‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إ ّ‬ ‫قول النّب ّ‬ ‫القوم شفعا فوترتهم وأوترتهم ‪ ،‬أي جعلت شفعهم وترا ‪ .‬وفي الحديث ‪ « :‬من استجمر‬ ‫‪.‬‬

‫فليوتر » معناه ‪ :‬فليستنج بثلثة أحجار أو خمسة أو سبعة ‪ ،‬ول يستنج بالشّفع‬

‫والوتر في الصطلح ‪ :‬صلة الوتر ‪ ،‬وهي صلة تفعل ما بين صلة العشاء وطلوع الفجر ‪،‬‬ ‫تختم بها صلة اللّيل ‪ ،‬سمّيت بذلك لنّها تصلّى وترا ‪ ،‬ركعةً واحدةً ‪ ،‬أو ثلثا ‪ ،‬أو أكثر ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ول يجوز جعلها شفعا ‪ ،‬ويقال ‪ :‬صلّيت الوتر ‪ ،‬وأوترت ‪ ،‬بمعنىً واحد‬

‫وصلة الوتر اختلف فيها ‪ ،‬ففي قول ‪ :‬هي جزء من صلة قيام اللّيل والتّهجّد ‪ ،‬قال النّوويّ‬ ‫‪ :‬هذا هو الصّحيح المنصوص عليه في المّ ‪ ،‬وفي المختصر ‪ .‬وفي وجه أي لبعض‬ ‫‪.‬‬

‫الشّافعيّة ‪ :‬أنّه ل يسمّى تهجّدا ‪ ،‬بل الوتر غير التّهجّد‬

‫‪:‬‬

‫الحكم التّكليفيّ‬

‫ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الوتر سنّة مؤكّدة ‪ ،‬وليس واجبا ‪ ،‬ودليل سنّيّته قول‬

‫النّبيّ ‪2 -‬‬

‫ن النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إنّ اللّه وتر يحبّ الوتر ‪ ،‬فأوتروا يا أهل القرآن » وأ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫صلى ال عليه وسلم فعله وواظب عليه‬

‫ي صلى ال عليه وسلم سأله أعرابيّ ‪ :‬عمّا‬ ‫واستدلّوا لعدم وجوبه بما ثبت ‪ « :‬أنّ النّب ّ‬ ‫فرض اللّه عليه في اليوم واللّيلة ؟ فقال ‪ :‬خمس صلوات ‪ ،‬فقال ‪ :‬هل عليّ غيرها ؟ قال ‪:‬‬ ‫‪».‬‬

‫ل إلّ أن تطوّع‬

‫وعن عبد اللّه بن محيريز « أنّ رجلًا من بني كنانة يدعى المخدجيّ سمع رجلً بالشّام‬ ‫يكنّى أبا محمّد ‪ ،‬يقول ‪ :‬الوتر واجب ‪ .‬قال المخدجيّ ‪ :‬فرحت إلى عبادة بن الصّامت ‪-‬‬ ‫رضي ال عنه ‪ -‬فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد ‪ ،‬فأخبرته بالّذي قال أبو محمّد ‪،‬‬ ‫فقال عبادة ‪ :‬كذب أبو محمّد ‪ ،‬سمعت رسول اللّه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ :‬خمس‬ ‫ن شيئا ‪ ،‬استخفافا بحقّهنّ ‪،‬‬ ‫ن ‪ ،‬لم يضيّع منه ّ‬ ‫صلوات كتبهنّ اللّه على العباد ‪ ،‬من جاء به ّ‬ ‫كان له عند اللّه عهد أن يدخله الجنّة ‪ ،‬ومن لم يأت بهنّ فليس له عند اللّه عهد ‪ ،‬إن شاء‬ ‫‪».‬‬

‫عذّبه وإن شاء أدخله الجنّة‬

‫وقال عليّ ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬الوتر ليس بحتم كهيئة الصّلة المكتوبة ‪ ،‬ولكن سنّة ‪ ،‬سنّها‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم " قالوا ‪ :‬ولنّ الوتر يجوز فعله على الرّاحلة لغير‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪-‬‬ ‫الضّرورة‪ ،‬وثبت ذلك بفعل النّب ّ‬

‫‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يسبّح على الرّاحلة قبل أيّ وجه توجّه ‪ ،‬ويوتر‬ ‫عليها‪ ،‬غير أنّه ل يصلّي عليها المكتوبة » فلو كانت واجبةً لما صلّاها على الرّاحلة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫كالفرائض‬

‫ن الوتر واجب ‪ ،‬وليس‬ ‫وذهب أبو حنيفة ‪ -‬خلفا لصاحبيه ‪ -‬وأبو بكر من الحنابلة ‪ :‬إلى أ ّ‬ ‫بفرض ‪ ،‬وإنّما لم يجعله فرضا ‪ ،‬لنّه ل يكفر جاحده ‪ ،‬ول يؤذّن له كأذان الفرائض ‪،‬‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬الوتر حقّ ‪ ،‬فمن لم يوتر فليس منّا‬ ‫واستدلّ بوجوبه بقول النّب ّ‬ ‫ن اللّه تعالى أمدّكم بصلة هي خير لكم من‬ ‫كرّر ثلثا » وبقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إ ّ‬ ‫حمر النّعم ‪ ،‬وهي صلة الوتر ‪ ،‬فصلّوها ما بين صلة العشاء إلى صلة الفجر » وهو‬ ‫‪.‬‬

‫أمر ‪ ،‬والمر يقتضي الوجوب ‪ ،‬والحاديث المرة به كثيرة ‪ ،‬ولنّه صلة مؤقّتة تقضى‬

‫وروي عن أبي حنيفة ‪ :‬أنّه سنّة ‪ ،‬وعنه رواية ثالثة ‪ :‬أنّه فرض ‪ ،‬لكن قال ابن الهمام ‪:‬‬ ‫مراده بكونه س ّنةً ‪ :‬أنّه ثبت بالسّنّة ‪ ،‬فل ينافي الوجوب ‪ ،‬ومراده بأنّه فرض ‪ :‬أنّه فرض‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫عمليّ ‪ ،‬وهو الواجب‬

‫وجوب الوتر على النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬

‫ي صلى ال عليه وسلم وجوب‬ ‫ن من خصائص النّب ّ‬ ‫صرّح الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬بأ ّ‬

‫الوتر ‪3 -‬‬

‫عليه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وكونه كان يصلّي الوتر على الرّاحلة يحتمل أنّه لعذر ‪ ،‬أو أنّه كان واجبا‬ ‫عليه في الحضر دون السّفر ‪ .‬واستدلّوا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ثلث هنّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫ن لكم تطوّع ‪ :‬الوتر ‪ ،‬والنّحر ‪ ،‬وصلة الضّحى‬ ‫عليّ فرائض ‪ ،‬وه ّ‬

‫سنّيّة في صلة الوتر عند غير الحنفيّة ‪ ،‬ومنزلتها بين سائر النّوافل‬ ‫درجة ال ّ‬

‫صلة الوتر عند الجمهور سنّة مؤكّدة لحديث عبد اللّه بن محيريز السّابق ‪،‬‬

‫والحاديث ‪4 -‬‬

‫الّتي تحضّ عليها ‪ ،‬وحديث خارجة بن حذافة قال ‪ :‬قال ‪ :‬رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫ن اللّه أمدّكم بصلة هي خير لكم من حمر النّعم ‪ ،‬وهي صلة الوتر ‪ ،‬فصلّوها ما بين‬ ‫‪«:‬إّ‬ ‫‪».‬‬

‫صلة العشاء إلى صلة الفجر‬

‫ومن هنا ذهب الحنابلة إلى أنّ من تركها فقد أساء ‪ ،‬وكره له ذلك ‪ .‬قال أحمد ‪ :‬من ترك‬ ‫‪.‬‬

‫الوتر عمدا فهو رجل سوء ‪ ،‬ول ينبغي أن تقبل له شهادة ‪ .‬ا هـ‬

‫والوتر من السّنن الرّواتب عند الحنابلة ‪ ،‬وفي أحد قولين للشّافعيّة ‪ ،‬وهو عند المالكيّة‬ ‫‪.‬‬

‫والشّافعيّة ‪ :‬آكد الرّواتب وأفضلها‬

‫وآكد النّوافل عند الحنابلة ‪ :‬صلة الكسوف ‪ ،‬لنّه صلى ال عليه وسلم لم يتركها عند‬ ‫وجود سببها ‪ ،‬ثمّ الستسقاء ‪ ،‬لنّه تشرع لها الجماعة مطلقا ‪ ،‬فأشبهت الفرائض ‪ ،‬ثمّ‬ ‫التّراويح ‪ ،‬لنّه لم يداوم عليها خشية أن تفرض ‪ ،‬لكنّها أشبهت الفرائض من حيث‬

‫مشروعيّة الجماعة لها ‪ ،‬ثمّ الوتر ‪ ،‬لنّه ورد فيه من الخبار ما لم يأت مثله في ركعتي‬ ‫‪.‬‬

‫الفجر ‪ ،‬ثمّ سنّة الفجر ‪ ،‬ث ّم سنّة المغرب ‪ ،‬ثمّ باقي الرّواتب سواء‬ ‫‪:‬‬

‫وقت الوتر‬

‫وقت الوتر عند الحنابلة ‪ -‬وهو المعتمد عند الشّافعيّة ‪ -‬يبدأ من بعد صلة العشاء‬

‫وذلك ‪5 -‬‬

‫لحديث خارجة المتقدّم ‪ ،‬وفيه ‪ « :‬فصلّوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر » قالوا ‪:‬‬ ‫ويصلّى استحبابا بعد سنّة العشاء ؛ ليوالي بين العشاء وسنّتها ‪ .‬قالوا ‪ :‬ولو جمع المصلّي‬ ‫بين المغرب والعشاء جمع تقديم ‪ ،‬أي في وقت المغرب فيبدأ وقت الوتر من بعد تمام صلة‬ ‫‪.‬‬

‫العشاء‬

‫ومن صلّى الوتر قبل أن يصلّي العشاء لم يصحّ وتره لعدم دخول وقته ‪ ،‬فإن فعله نسيانا‬ ‫‪.‬‬

‫أعاده‬

‫وفي قول عند الشّافعيّة ‪ :‬وقت الوتر هو وقت العشاء ‪ ،‬فلو صلّى الوتر قبل أن يصلّي‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫العشاء صحّ وتره‬

‫وآخر وقته عند الشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة طلوع الفجر الثّاني لحديث خارجة المتقدّم‬

‫وذهب المالكيّة ‪ :‬إلى أنّ أوّل وقت صلة الوتر من بعد صلة العشاء الصّحيحة ومغيب‬ ‫الشّفق‪ ،‬فمن قدّم العشاء في جمع التّقديم فإنّه ل يصلّي الوتر إلّ بعد مغيب الشّفق ‪ .‬وأمّا‬ ‫آخر وقت الوتر عندهم فهو طلوع الفجر ‪ ،‬إلّ في الضّرورة ‪ ،‬وذلك لمن غلبته عيناه عن‬ ‫ورده فله أن يصلّيه ‪ ،‬فيوتر ما بين طلوع الفجر وبين أن يصلّي الصّبح ‪ ،‬ما لم يخش أن‬ ‫تفوت صلة الصّبح بطلوع الشّمس ‪ .‬فلو شرع في صلة الصّبح ‪ ،‬وكان منفردا ‪ ،‬قبل أن‬ ‫يصلّي الوتر ‪ ،‬ندب له قطعها ليصلّي الوتر ‪ .‬ول يندب ذلك للمؤتمّ ‪ ،‬وفي المام روايتان ‪.‬‬ ‫وذهب الحنفيّة ‪ :‬إلى أنّ وقت الوتر هو وقت العشاء ‪،‬أي من غروب الشّفق إلى طلوع‬ ‫الفجر‪ ،‬ولذا اكتفي بأذان العشاء وإقامته ‪ ،‬فل يؤذّن للوتر ‪ ،‬ول يقام لها ‪ ،‬مع قولهم‬ ‫بوجوبها ‪ .‬قالوا ‪ :‬ول يجوز تقديم صلة الوتر على صلة العشاء ‪ ،‬ل لعدم دخول وقتها ‪،‬‬ ‫بل لوجوب التّرتيب بينها وبين العشاء ‪ .‬فلو صلّى الوتر قبل العشاء ناسيا ‪ ،‬أو صلّاهما ‪،‬‬ ‫فظهر فساد صلة العشاء دون الوتر يصحّ الوتر ويعيد العشاء وحدها عند أبي حنيفة ‪ ،‬لنّ‬ ‫التّرتيب يسقط بمثل هذا العذر ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ -‬أيضا ‪ : -‬من لم يجد وقت العشاء والوتر ‪،‬‬ ‫بأن كان في بلد يطلع فيه الفجر مع غروب الشّفق ‪ ،‬أو قبله ‪ ،‬فل يجب عليه العشاء ول‬ ‫‪.‬‬

‫ن جعل الوتر آخر النّوافل الّتي تصلّى باللّيل ؛ لقول‬ ‫واتّفق الفقهاء ‪ :‬على أنّه يس ّ‬ ‫‪».‬‬

‫الوتر‬

‫النّبيّ ‪6-‬‬

‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬اجعلوا آخر صلتكم باللّيل وترا‬

‫فإن أراد من صلّى العشاء أن يتنفّل يجعل وتره بعد النّفل ‪ ،‬وإن كان يريد أن يتهجّد ‪ -‬أي‬ ‫ب له أن يؤخّر وتره ليفعله‬ ‫يقوم من آخر اللّيل ‪ -‬فإنّه إذا وثق باستيقاظه أواخر اللّيل يستح ّ‬ ‫آخر اللّيل ‪ ،‬وإلّ فيستحبّ تقديمه قبل النّوم ؛ لحديث ‪ « :‬من خاف أن ل يقوم من آخر اللّيل‬ ‫فليوتر أوّله ‪ ،‬ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر اللّيل ‪ ،‬فإنّ صلة آخر اللّيل مشهودة ‪،‬‬ ‫وذلك أفضل » وحديث عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬قالت ‪ « :‬من كلّ اللّيل قد أوتر رسول‬ ‫‪».‬‬

‫اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬من أوّل اللّيل وأوسطه وآخره ‪ ،‬فانتهى وتره إلى السّحر‬ ‫‪:‬‬

‫عدد ركعات صلة الوتر‬

‫أقلّ صلة الوتر عند الشّافعيّة والحنابلة ركعة واحدة ‪ .‬قالوا ‪ :‬ويجوز ذلك بل‬

‫كراهة ‪7 -‬‬

‫لحديث ‪ « :‬صلة اللّيل مثنى مثنى ‪ ،‬فإذا خفت الصّبح فأوتر بواحدة » والقتصار عليها‬ ‫خلف الولى ‪ ،‬لكن في قول عند الشّافعيّة ‪ :‬شرط اليتار بركعة سبق نفل بعد العشاء من‬ ‫‪.‬‬

‫سنّتها ‪ ،‬أو غيرها ليوتر النّفل‬

‫وفي قول عند الحنابلة ‪ -‬خلف الصّحيح من المذهب ‪ : -‬يكره اليتار بركعة حتّى في حقّ‬ ‫‪.‬‬

‫المسافر ‪ ،‬تسمّى البتيراء ‪ ،‬ذكره صاحب النصاف‬

‫ي صلى ال عليه وسلم نهى عن البتيراء‬ ‫وقال الحنفيّة ‪ :‬ل يجوز اليتار بركعة ‪ « ،‬لنّ النّب ّ‬ ‫ل يوتر بواحدة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذه‬ ‫» قالوا ‪ " :‬روي أنّ عمر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬رأى رج ً‬ ‫‪".‬‬

‫البتيراء؟ لتشفعنّها أو لؤدّبنّك‬

‫وقال الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬أكثر الوتر إحدى عشرة ركعةً ‪ ،‬وفي قول عند الشّافعيّة أكثره‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬ ‫ثلث عشرة ركعةً ‪ ،‬ويجوز بما بين ذلك من الوتار ؛ لقول النّب ّ‬ ‫ب أن يوتر بخمس فليفعل ‪ ،‬ومن أحبّ أن يوتر بثلث فليفعل ‪ ،‬ومن أحبّ أن يوتر‬ ‫من أح ّ‬ ‫بواحدة فليفعل » ‪ .‬وقوله ‪ « :‬أوتروا بخمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة‬

‫‪».‬‬

‫وقالت أمّ سلمة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ « : -‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يوتر بثلث‬ ‫‪.‬‬

‫عشرة ركعةً » ‪ .‬لكن قال المحلّيّ ‪ :‬يحمل هذا على أنّها حسبت فيه سنّة العشاء‬

‫وأدنى الكمال عند الشّافعيّة والحنابلة ثلث ركعات ‪ ،‬فلو اقتصر على ركعة كان خلف‬ ‫‪.‬‬

‫ص الحنابلة ‪ :‬على أنّه ل يكره اليتار بركعة واحدة ‪ ،‬ولو بل عذر‬ ‫الولى‪ .‬ون ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وأكمل من الثّلث خمس ‪ ،‬ثمّ سبع ‪ ،‬ثمّ تسع ثمّ إحدى عشرة ‪ ،‬وهي أكمله‬

‫أمّا الحنفيّة ‪ :‬فلم يذكروا في عدده إلّ ثلث ركعات ‪ ،‬بتشهّدين وسلم ‪ ،‬كما يصلّى المغرب ‪.‬‬ ‫واحتجّوا بقول عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ « -‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يوتر‬ ‫بثلث ل يسلّم إلّ في آخرهنّ » وفي الهداية ‪ :‬حكى الحسن إجماع المسلمين على الثّلث ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫قال ابن الهمام ‪ :‬وهو مرويّ عن فقهاء المدينة السّبعة‬

‫أمّا عند المالكيّة ‪ :‬فإنّ الوتر ركعة واحدة ‪ ،‬لكن ل تكون إلّ بعد شفع يسبقها ‪.‬‬ ‫واختلف ‪ :‬هل تقديم الشّفع شرط صحّة أو كمال ؟ قالوا ‪ :‬وقد تسمّى الرّكعات الثّلث وترا‬ ‫إلّ أنّ ذلك مجاز ‪ ،‬والوتر في الحقيقة هو الرّكعة الواحدة ‪ .‬ويكره أن يصلّي واحدةً فقط ‪،‬‬ ‫بل بعد نافلة ‪ ،‬وأقلّ تلك النّافلة ركعتان ‪ ،‬ول حدّ لكثرها ‪ .‬قالوا ‪ :‬والصل في ذلك حديث ‪:‬‬ ‫« صلة اللّيل مثنى مثنى ‪ ،‬فإذا خشي أحدكم الصّبح صلّى ركعةً واحدةً توتر له ما قد صلّى‬ ‫‪».‬‬

‫ويستثنى من كراهة اليتار بركعة واحدة من كان له عذر ‪ ،‬كالمسافر والمريض ‪ ،‬فقد قيل ‪:‬‬ ‫ل يكره له ذلك ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يكره له أيضا ‪ .‬فإن أوتر دون عذر بواحدة دون شفع قبلها ‪ ،‬قال‬ ‫أشهب ‪ :‬يعيد وتره بأثر شفع ما لم يص ّل الصّبح ‪ .‬وقال سحنون ‪ :‬إن كان بحضرة ذلك أي‬ ‫‪.‬‬

‫بالقرب ‪ ،‬شفعها بركعة ثمّ أوتر ‪ ،‬وإن تباعد أجزأه‬

‫وقالوا ‪ :‬ل يشترط في الشّفع الّذي قبل ركعة الوتر نيّة تخصّه ‪ ،‬بل يكتفي بأيّ ركعتين كانتا‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫صفة صلة الوتر‬

‫أ ّولً ‪ :‬الفصل والوصل‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫المصلّي إمّا أن يوتر بركعة ‪ ،‬أو بثلث ‪ ،‬أو‬

‫بأكثر ‪8 -‬‬

‫أ ‪ -‬فإن أوتر المصلّي بركعة ‪ -‬عند القائلين بجوازه ‪ -‬فالمر واضح‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬وإن أوتر بثلث ‪ ،‬فله ثلث صور‬

‫الصّورة الولى ‪ :‬أن يفصل الشّفع بالسّلم ‪ ،‬ث ّم يصلّي الرّكعة الثّالثة بتكبيرة إحرام مستقلّة‬ ‫‪ .‬وهذه الصّورة عند غير الحنفيّة ‪ ،‬وهي المعيّنة عند المالكيّة ‪ ،‬فيكره ما عداها ‪ ،‬إلّ عند‬ ‫‪.‬‬

‫صلُ‬ ‫القتداء بمن ي ِ‬

‫وأجازها الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنّ الفصل أفضل من الوصل ‪ ،‬لزيادته عليه السّلم‬ ‫وغيره ‪ .‬وفي قول عند الشّافعيّة ‪ :‬إن كان إماما فالوصل أفضل ‪ ،‬لنّه يقتدي به المخالف ‪،‬‬ ‫وإن كان منفردا فالفصل أفضل ‪ .‬قالوا ‪ :‬ودليل هذه الصّورة ما ورد عن ابن عمر ‪ -‬رضي‬ ‫ال عنهما ‪ -‬أنّه قال ‪ « :‬كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يفصل بين الشّفع والوتر‬ ‫ن ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬كان يسلّم من الرّكعتين حتّى يأمر‬ ‫بتسليمة» وورد ‪ :‬أ ّ‬ ‫ببعض حاجته ‪ .‬وصرّح الحنابلة بأنّه يسنّ فعل الرّكعة بعد الشّفع بعد تأخير لها عنه ‪ .‬نصّ‬ ‫‪.‬‬

‫على ذلك أحمد ‪ .‬ويستحبّ أن يتكلّم بين الشّفع والوتر ليفصل‬

‫وذكر الشّافعيّة أنّه ينوي في الرّكعتين إن أراد الفصل ‪ " :‬ركعتين من الوتر " أو " سنّة‬ ‫الوتر" أو " مقدّمة الوتر " قالوا ‪ :‬ول يصحّ بنيّة " الشّفع " أو " سنّة العشاء " أو " صلة‬ ‫اللّيل " ‪ .‬الصّورة الثّانية ‪ :‬أن يصلّي الثّلث متّصل ًة سردا ‪ ،‬أي من غير أن يفصل بينهنّ‬

‫بسلم ول جلوس ‪ ،‬وهي عند الشّافعيّة والحنابلة أولى من الصّورة التّالية ‪ .‬واستدلّوا لهذه‬ ‫‪».‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬كان يوتر بخمس ‪ ،‬ل يجلس إلّ في آخرها‬ ‫الصّورة بأنّ « النّب ّ‬ ‫وهذه الصّورة مكروهة عند المالكيّة ‪ ،‬لكن إن صلّى خلف من فعل ذلك فيواصل معه ‪.‬‬

‫الصّورة الثّالثة ‪ :‬الوصل بين الرّكعات الثّلث ‪ ،‬بأن يجلس بعد الثّانية فيتشهّد ول يسلّم ‪ ،‬بل‬ ‫يقوم للثّالثة ويسلّم بعدها ‪ ،‬فتكون في الهيئة كصلة المغرب ‪ ،‬إلّ أنّه يقرأ في الثّالثة سورةً‬ ‫‪.‬‬

‫بعد الفاتحة خلفا للمغرب‬

‫وهذه الصّورة هي المتعيّنة عند الحنفيّة ‪ .‬قالوا ‪ :‬فلو نسي فقام للثّالثة دون تشهّد فإنّه ل‬ ‫يعود ‪ ،‬وكذا لو كان عامدا عند أبي حنيفة ‪ ،‬وهذا استحسان ‪ .‬والقياس أن يعود ‪ ،‬واحتجّوا‬ ‫لتعيّنها بقول أبي العالية ‪ " :‬علّمنا أصحاب محمّد صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أنّ الوتر مثل‬ ‫‪".‬‬ ‫‪.‬‬

‫صلة المغرب ‪ ،‬فهذا وتر اللّيل ‪ ،‬وهذا وتر النّهار‬

‫ن تشبيه الوتر بالمغرب مكروه‬ ‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬هي جائزة مع الكراهة ؛ ل ّ‬

‫ن القاضي أبا يعلى منع هذه الصّورة ‪ .‬وخيّر ابن تيميّة بين‬ ‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل كراهة إلّ أ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫الفصل والوصل‬

‫ج ‪ -‬أن يصلّي أكثر من ثلث‬

‫وهو جائز ‪ -‬كما تقدّم ‪ -‬عند الشّافعيّة‬

‫والحنابلة ‪9 -‬‬

‫قال الشّافعيّة ‪ :‬فالفصل بسلم بعد كلّ ركعتين أفضل ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬كان صلى ال عليه وسلم‬ ‫يصلّي فيما بين أن يفرغ من صلة العشاء إلى الفجر بإحدى عشرة ركع ًة ويسلّم من كلّ‬ ‫ركعتين ‪ ،‬ويوتر بواحدة » ويجوز أن يصلّي أربعا بتسليمة ‪ ،‬وستّا بتسليمة ‪ ،‬ثمّ يصلّي‬ ‫‪.‬‬

‫ركعةً ‪ ،‬وله الوصل بتشهّد ‪ ،‬أو تشهّدين في الثّلث الخيرة‬

‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن أوتر بخمس أو سبع فالفضل أن يسردهنّ سردا فل يجلس إلّ في‬ ‫آخرهنّ‪ ،‬لحديث عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ « : -‬كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يصلّي من‬ ‫اللّيل ثلث عشرة ركعةً يوتر من ذلك بخمس ل يجلس إلّ في آخرها » ‪ .‬ولحديث أمّ سلمة‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم يوتر بخمس ‪ ،‬وسبع ‪ ،‬ل‬ ‫ رضي ال عنها ‪ -‬قالت ‪ « :‬كان النّب ّ‬‫‪».‬‬

‫يفصل بينهنّ بتسليم‬

‫وإن أوتر بتسع فالفضل أن يسرد ثمانيا ‪ ،‬ثمّ يجلس للتّشهّد ول يسلّم ‪ ،‬ثمّ يصلّي التّاسعة‬ ‫‪.‬‬

‫ويتشهّد ويسلّم ‪ .‬ويجوز في الخمس والسّبع والتّسع أن يسلّم من كلّ ركعتين‬

‫وإن أوتر بإحدى عشرة فالفضل أن يسلّم من كلّ ركعتين ‪ ،‬ويجوز أن يسرد عشرا ‪ ،‬ثمّ‬ ‫يتشهّد ‪ ،‬ث ّم يقوم فيأتي بالرّكعة ويسلّم ‪ ،‬ويجوز أن يسرد الحدى عشرة فل يجلس ول‬ ‫‪.‬‬

‫يتشهّد إلّ في آخرها‬

‫‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬القيام والقعود في صلة الوتر ‪ ،‬وأداؤها على الرّاحلة‬

‫ح إلّ من قيام ‪ ،‬إلّ لعاجز ‪ ،‬فيجوز أن‬ ‫ذهب الحنفيّة إلى أنّ صلة الوتر ل تص ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يصلّيها ‪10 -‬‬

‫قاعدا ‪ ،‬ول تصحّ على الرّاحلة من غير عذر‬

‫وذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أنّه تجوز للقاعد أن يصلّيها‬ ‫ولو كان قادرا على القيام ‪ ،‬وإلى جواز صلتها على الرّاحلة ولو لغير عذر ‪ .‬وذلك مرويّ‬ ‫ي وإسحاق ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬قالوا ‪ :‬لنّها سنّة‬ ‫عن عليّ وابن عمر وابن عبّاس والثّور ّ‬ ‫‪.‬‬

‫‪ ،‬فجاز فيها ذلك كسائر السّنن‬

‫ي صلى ال‬ ‫واحتجّوا لذلك بما ورد من حديث ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ « -‬أنّ النّب ّ‬ ‫عليه وسلم كان يسبّح على الرّاحلة قبل أيّ وجه توجّه ‪ ،‬ويوتر عليها ‪ ،‬غير أنّه ل يصلّي‬ ‫‪».‬‬

‫عليها المكتوبة‬

‫وعن سعيد بن يسار أنّه قال ‪ « :‬كنت أسير مع ابن عمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬بطريق‬ ‫مكّة‪ ،‬قال سعيد ‪ :‬فلمّا خشيت الصّبح نزلت فأوترت ‪ ،‬ثمّ أدركته ‪ ،‬فقال لي ابن عمر ‪ :‬أين‬ ‫كنت ؟ فقلت له ‪ :‬خشيت الفجر فنزلت فأوترت ‪ .‬فقال عبد اللّه ‪ :‬أليس لك في رسول اللّه‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫صلى ال عليه وسلم أسوة ؟ فقلت ‪ :‬بلى واللّه ‪ .‬قال ‪ :‬إ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الجهر والسرار‬

‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫كان يوتر على البعير‬

‫قال الحنفيّة ‪ :‬يجهر في الوتر إن كان إماما في رمضان ل في‬ ‫‪.‬‬

‫غيره ‪11 -‬‬

‫ل أو بعد الفجر‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬تأكّد ندب الجهر بوتر ‪ ،‬سواء صلّاه لي ً‬

‫ن لغير المأموم أن يجهر بالقراءة في وتر رمضان ‪ ،‬ويسرّ في غيره ‪.‬‬ ‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬يس ّ‬ ‫وقال الحنابلة ‪ :‬يخيّر المنفرد في صلة الوتر في الجهر وعدمه ‪ ،‬وظاهر كلم جماعة ‪ :‬أنّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫الجهر يختصّ بالمام فقط ‪ ،‬قال في الخلف ‪ :‬وهو أظهر‬

‫رابعا ‪ :‬ما يقرأ في صلة الوتر‬

‫اتّفق الفقهاء على أنّه يقرأ في كلّ ركعة من الوتر الفاتحة‬ ‫‪.‬‬

‫وسورةً ‪12 -‬‬

‫والسّورة عند الجمهور سنّة ‪ ،‬ل يعود لها إن ركع وتركها‬

‫ثمّ ذهب الحنفيّة إلى أنّه لم يوقّت في القراءة في الوتر شيء غير الفاتحة ‪ ،‬فما قرأ فيه‬ ‫فهو حسن ‪ ،‬وما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أنّه قرأ به في الولى بسورة {‬ ‫سمَ رَبّكَ الَْأعْلَى } ‪ ،‬وفي الثّانية " بالكافرون " وفي الثّالثة " بالخلص " ‪ ،‬فيقرأ به‬ ‫سَ ّبحِ ا ْ‬ ‫‪.‬‬

‫أحيانا ‪ ،‬ويقرأ بغيره أحيانا للتّحرّز عن هجران باقي القرآن‬

‫وذهب الحنابلة إلى أنّه يندب القراءة بعد الفاتحة بالسّور الثّلث المذكورة ‪ ،‬لما ورد من‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يقرأ ذلك »‬ ‫حديث ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ « : -‬أ ّ‬ ‫‪ .‬وذهب المالكيّة والشّافعيّة ‪ -‬كذلك ‪ -‬إلى أنّه يندب في الشّفع " سبّح ‪ ،‬والكافرون " ‪ ،‬أمّا‬ ‫في الثّالثة فيندب أن يقرأ " بسورة الخلص ‪ ،‬والمعوّذتين " ‪ ،‬لحديث عائشة ‪ -‬رضي ال‬ ‫عنها ‪ -‬في ذلك ‪ .‬لكن قال المالكيّة ‪ :‬يندب ذلك إلّ لمن له حزب ‪ ،‬أي قدر من القرآن‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫يقرؤه ليلً ‪ ،‬فيقرأ من حزبه في الشّفع والوتر‬

‫خامسا ‪ :‬القنوت في صلة الوتر‬

‫ن القنوت في الوتر مشروع في الجملة ‪ ،‬واختلفوا في‬ ‫ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬

‫أنّه ‪13 -‬‬

‫واجب أو مستحبّ ‪ ،‬وفي أنّه يكون في جميع ليالي السّنة أو في بعضها ‪ ،‬وفي أنّه هل‬ ‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫يكون قبل الرّكوع أو بعده ‪ ،‬وفيما يسنّ أن يدعو به ‪ ،‬وفي غير ذلك من مسائله‬

‫ن القنوت في الوتر مكروه ‪ .‬وينظر بيان ذلك في مصطلح ( قنوت‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬ ‫‪:‬‬

‫الوتر في السّفر‬

‫وهم ‪14 -‬‬

‫ل يختلف حكم صلة الوتر في السّفر عنه في الحضر ‪ ،‬فمن قال ‪ :‬إنّه سنّة ‪،‬‬

‫المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬غير أبي بكر من الحنابلة وأبي يوسف ومحمّد من الحنفيّة‬ ‫‪.‬‬

‫‪ -‬فإنّه يسنّ في السّفر كالحضر‬

‫ومن قال إنّه واجب ‪ -‬وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو بكر من الحنابلة ‪ -‬فإنّه يجب في‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫أداء صلة الوتر في جماعة‬

‫السّفر كالحضر‬

‫ص الشّافعيّة والحنابلة على أنّه ل يسنّ أن يصلّى الوتر في جماعة ‪ ،‬لكن‬ ‫ين ّ‬ ‫‪.‬‬

‫تندب ‪15 -‬‬

‫الجماعة في الوتر الّذي يكون عقب التّراويح ‪ ،‬تبعا لها‬

‫وصرّح الحنفيّة بأنّه يندب فعله حينئذ في المسجد تبعا للتّراويح ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬بل يسنّ‬ ‫‪.‬‬

‫أن يكون الوتر في المنزل ‪ .‬قال في الفتاوى الهنديّة ‪ :‬هذا هو المختار‬

‫وقال المالكيّة ‪ :‬يندب فعلها في البيوت ولو جماعةً إن لم تعطّل المساجد عن صلتها بها‬ ‫جماعةً ‪ .‬وعلّلوا أفضليّة النفراد بالسّلمة من الرّياء ‪ ،‬ول يسلم منه إلّ إذا صلّى وحده‬ ‫‪.‬‬

‫في بيته‬

‫ن فعل الوتر في البيت أفضل ‪ ،‬كسائر السّنن إلّ لعارض ‪ ،‬فالمعتكف‬ ‫ص الحنابلة على أ ّ‬ ‫ون ّ‬ ‫يصلّيها في المسجد ‪ ،‬وإن صلّى مع المام التّراويح يصلّي معه الوتر لينال فضيلة‬ ‫الجماعة ‪ ،‬لكن إن كان له تهجّد فإنّه يتابع المام في الوتر فإذا سلّم المام لم يسلّم معه بل‬ ‫‪.‬‬

‫يقوم فيشفع وتره ‪ ،‬وذلك لينال فضيلة الجماعة‬

‫ص الحنابلة كذلك على أنّه لو أدرك المسبوق بالوتر مع المام ركعةً فإن كان المام سلّم‬ ‫ون ّ‬ ‫من اثنتين أجزأت المسبوق الرّكعة عن وتره ‪ ،‬وإن كان المام لم يسلّم من الرّكعتين فعلى‬ ‫‪».‬‬

‫المسبوق أن يقضيهما لحديث ‪ « :‬ما أدركتم فصلّوا ‪ ،‬وما فاتكم فاقضوا‬ ‫‪:‬‬

‫نقض الوتر‬

‫من صلّى الوتر ثمّ بدا له بعد ذلك أن يصلّي نفلً ‪ ،‬فإنّ ذلك جائز بل كراهة‬

‫عند ‪16 -‬‬

‫الشّافعيّة كما قال النّوويّ ‪ .‬ولو صلّى مع المام التّراويح ‪ ،‬ثمّ أوتر معه وهو ينوي القيام‬ ‫بعد ذلك ‪ ،‬فل بأس أن يوتر معه إن طرأت له النّيّة بعده أو فيه ‪ .‬أمّا إن طرأت له قبل ذلك‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫فيكره له على ما صرّح به المالكيّة‬

‫وإذا أراد أن يصلّي بعد الوتر فله عند الفقهاء طريقتان‬

‫الطّريقة الولى ‪ :‬أن يصلّي شفعا ما شاء ‪ ،‬ثمّ ل يوتر بعد ذلك‬

‫وقد أخذ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة بهذه الطّريقة ‪ ،‬وهو المشهور عند الشّافعيّة وقول‬ ‫ي وعلقمة ‪ .‬وقالوا ‪ :‬ل ينقض وتره ‪ ،‬وهو مرويّ عن أبي بكر وسعد‬ ‫ي والوزاع ّ‬ ‫النّخع ّ‬ ‫وعمّار وابن عبّاس وعائشة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬استدلّوا بقول عائشة ‪ -‬رضي ال عنها‬ ‫ وقد سئلت عن الّذي ينقض وتره فقالت ‪ " :‬ذاك الّذي يلعب بوتره " رواه سعيد بن‬‫منصور ‪ .‬واستدلّوا على عدم إيتاره مرّةً أخرى بحديث طلق بن عليّ مرفوعا ‪ « :‬ل وتران‬ ‫‪».‬‬

‫في ليلة » ولما صحّ ‪ « :‬أنّه صلى ال عليه وسلم كان يصلّي بعد الوتر ركعتين‬

‫والطّريقة الثّانية ‪ :‬وعليها القول الخر عند الشّافعيّة ‪ :‬أن يبدأ نفله بركعة يشفع بها وتره ‪،‬‬ ‫ثمّ يصلّي شفعا ما شاء ثمّ يوتر ‪ ،‬وهو مرويّ عن عثمان وعليّ وأسامة ‪ ،‬وسعد وابن عمر‬ ‫وابن مسعود وابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬على ما صرّح به النّوويّ وابن قدامة ‪ .‬ثمّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ «:‬اجعلوا آخر صلتكم باللّيل‬ ‫قال ‪ :‬ولعلّهم ذهبوا إلى قول النّب ّ‬ ‫‪».‬وترا‬ ‫‪:‬‬

‫قضاء صلة الوتر‬

‫ن من طلع عليه الفجر ولم يص ّل الوتر يجب عليه قضاؤه ‪،‬‬ ‫ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬

‫سواء ‪17 -‬‬

‫أتركه عمدا أم نسيانا وإن طالت المدّة ‪ ،‬ومتى قضاه يقضيه بالقنوت ‪ .‬فلو صلّى الصّبح‬ ‫وهو ذاكر أنّه لم يصلّ الوتر فصلة الصّبح فاسدة عند أبي حنيفة لوجوب التّرتيب بين الوتر‬ ‫‪.‬‬

‫والفريضة‬

‫ول يقضي الوتر عند المالكيّة إذا تذكّره بعد أن صلّى الصّبح ‪ .‬فإن تذكّره فيها ندب له إن‬ ‫كان منفردا أن يقطعها ليصلّي الوتر ما لم يخف خروج الوقت ‪ ،‬وإن تذكّره في أثناء ركعتي‬ ‫‪.‬‬

‫الفجر فقيل ‪ :‬يقطعها كالصّبح ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يتمّها ثمّ يوتر‬

‫‪.‬‬

‫وذهب طاوس إلى أنّ الوتر يقضى ما لم تطلع الشّمس‬

‫ي صلى‬ ‫وذهب الحنابلة إلى أنّه يقضي الوتر إذا فات وقته ‪ ،‬أي على سبيل النّدب لقول النّب ّ‬ ‫ال عليه وسلم ‪ « :‬من نام عن الوتر أو نسيه فليصلّه إذا أصبح أو ذكره » قالوا ‪ :‬ويقضيه‬ ‫‪.‬‬

‫مع شفعه‬

‫والصّحيح عند الشّافعيّة ‪ :‬أنّه يستحبّ قضاء الوتر وهو المنصوص في الجديد ويستحبّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من نام عن صلة أو نسيها فليصلّها إذا‬ ‫القضاء أبدا لقول النّب ّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫ذكرها‬

‫والقول الثّاني ‪ :‬ل تقضى وهو نصّه في القديم‬

‫التّسبيح بعد الوتر‬

‫يستحبّ أن يقول بعد الوتر ‪ " :‬سبحان الملك القدّوس " ثلث مرّات ‪ ،‬ويم ّد صوته‬

‫بها ‪18 -‬‬

‫في الثّالثة ‪ ،‬لحديث عبد الرّحمن بن أبزى قال ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫سمَ رَبّكَ الَْأعْلَى } ‪ ،‬و { ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَا ِفرُونَ } ‪ ،‬و { ُقلْ ُهوَ الّل ُه َأحَدٌ } ‪،‬‬ ‫يوتر ب { سَ ّبحِ ا ْ‬ ‫وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال ‪ :‬سبحان الملك القدّوس ‪ .‬ثلث مرّات ‪ ،‬ثمّ يرفع صوته‬ ‫‪».‬‬

‫*‬

‫التّعريف ‪:‬‬

‫بها في الثّالثة‬

‫الصّلة الوسطى‬

‫تعريف الصّلة ‪ :‬انظر ‪ :‬صلة ‪ .‬والوسطى مؤنّث الوسط ‪ ،‬وأوسط الشّيء ما‬

‫بين ‪1 -‬‬

‫طرفيه ‪ ،‬وهو من أوسط قومه ‪ :‬من خيارهم ‪ « ،‬وفي صفة النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬ ‫أنّه من أوسط قومه » ‪ ،‬أي خيارهم ‪ ،‬والوسط ‪ :‬وسط الشّيء ‪ ،‬ما بين طرفيه ‪ ،‬والمعتدل‬ ‫من كلّ شيء ‪ ،‬والعدل ‪ ،‬والخير ‪ ،‬يوصف به المفرد وغيره ‪ ،‬وفي التّنزيل ‪َ { :‬وكَذَلِكَ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫جعَلْنَا ُكمْ ُأ ّمةً َوسَطا } ‪ ،‬أي خيارا عدولً‬ ‫َ‬

‫تحديد الصّلة الوسطى‬

‫اختلف الفقهاء في تحديد الصّلة الوسطى الوارد ذكرها في قوله تعالى ‪ { :‬حَا ِفظُواْ عَلَى‬ ‫‪:‬‬

‫ن } وذلك على الوجه التي‬ ‫سطَى وَقُومُو ْا لِّلهِ قَانِتِي َ‬ ‫الصّ َلوَاتِ والصّلَ ِة ا ْل ُو ْ‬

‫قيل ‪ :‬إنّها صلة الصّبح ‪ ،‬وهذا قول مالك وهو المشهور في مذهبه ‪ ،‬وهو‬

‫قول ‪2 -‬‬

‫ص عليه في المّ وغيره ‪ ،‬ونقل الواحديّ هذا القول عن عمر ومعاذ بن جبل‬ ‫الشّافعيّ ‪ ،‬ن ّ‬ ‫وابن عبّاس وابن عمر وجابر ‪ -‬رضي ال تعالى عنهم ‪ -‬وعطاء ومجاهد والرّبيع بن أنس‬ ‫‪.‬‬

‫‪ -‬رحمهم اللّه تعالى ‪ -‬وهو قول علماء المدينة‬

‫ن صلة الصّبح قبلها صلتا ليل يجهر فيهما ‪ ،‬وبعدها صلتا نهار يسرّ‬ ‫ومستند هؤلء ‪ :‬أ ّ‬ ‫ق في زمن البرد لشدّة البرد ‪ ،‬وفي‬ ‫فيهما ؛ ولنّ وقتها يدخل والنّاس نيام ‪ ،‬والقيام إليها شا ّ‬ ‫زمن الصّيف لقصر اللّيل ‪ ،‬فخصّت بالمحافظة عليها ‪ ،‬حتّى ل يتغافل عنها بالنّوم ‪.‬‬ ‫ويستدلّون على ذلك بقوله تعالى ‪ { :‬وَقُومُواْ ِلّلهِ قَانِتِينَ } فقرنها بالقنوت ‪ ،‬ول قنوت إلّ‬ ‫في الصّبح ‪ ،‬قال أبو رجاء ‪ :‬صلّى بنا ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال تعالى عنهما ‪ -‬صلة الغداة‬ ‫بالبصرة فقنت فيها قبل الرّكوع ‪ ،‬ورفع يديه ‪ ،‬فلمّا فرغ قال ‪ :‬هذه الصّلة الوسطى الّتي‬ ‫أمرنا اللّه تعالى أن نقوم فيها قانتين ‪ .‬والقنوت لغةً ‪ :‬يطلق على طول القيام وعلى‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫الدّعاء ‪ ،‬فعن جابر بن عبد اللّه ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬أنّ النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫« أفضل الصّلة طول القنوت‬

‫وقال أبو إسحاق ال ّزجّاج ‪ :‬المشهور في اللّغة والستعمال أنّ القنوت ‪ :‬العبادة والدّعاء للّه‬ ‫ن الوسطى الصّبح ؛ لنّه ل‬ ‫تعالى في حال القيام ‪ ،‬قال الواحديّ ‪ :‬فتظهر الدّللة للشّافعيّ ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫فرض يكون فيه الدّعاء قائما غيرها‬

‫وقيل ‪ :‬إنّها العصر لنّها بين صلتين من صلة اللّيل ‪ ،‬وصلتين من صلة النّهار ‪،‬‬

‫وهو ‪3 -‬‬

‫مذهب الحنفيّة والحنابلة وهو قول ابن حبيب من المالكيّة ‪ .‬واختاره ابن العربيّ في قبسه ‪،‬‬ ‫وابن عطيّة في تفسيره وقال ‪ :‬وعلى هذا القول الجمهور من النّاس وبه أقول ‪ ،‬ونقله‬ ‫ي وابن مسعود وأبي هريرة ‪ -‬رضي ال تعالى عنهم ‪ -‬والنّخعيّ والحسن‬ ‫الواحديّ عن عل ّ‬ ‫ي ومقاتل ‪ ،‬ونقله ابن المنذر عن أبي أيّوب النصاريّ وأبي سعيد‬ ‫ضحّاك والكلب ّ‬ ‫وقتادة وال ّ‬ ‫ي ‪ -‬رحمه‬ ‫الخدريّ ‪ ،‬وابن عمر وابن عبّاس ‪ -‬رضي ال تعالى عنهم ‪ -‬وعبيدة السّلمان ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ال تعالى ‪ -‬ونقله التّرمذيّ عن أكثر العلماء من الصّحابة وغيرهم‬

‫والدّليل على أنّها صلة العصر ما روي عن عليّ ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يوم الحزاب ‪ « :‬شغلونا عن الصّلة الوسطى صلة‬ ‫‪».‬‬

‫العصر ‪ ،‬مل اللّه بيوتهم وقبورهم نارًا‬

‫وعن ابن مسعود ‪ -‬رضي ال تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪« :‬‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬الّذي تفوته صلة‬ ‫صلة الوسطى صلة العصر » ‪ .‬ول ّ‬ ‫‪».‬‬

‫العصر كأنّما وتر أهله وماله » ‪ .‬وقال ‪ « :‬من ترك صلة العصر فقد حبط عمله‬

‫وقال ‪ « :‬إنّ هذه الصّلة عرضت على من كان قبلكم فضيّعوها ‪ ،‬فمن حافظ عليها كان له‬ ‫‪».‬‬

‫أجره مرّتين‪ ،‬ول صلة بعدها حتّى يطلع الشّاهد ‪ ،‬يعني النّجم‬

‫وقال النّوويّ في المجموع ‪ :‬الّذي تقتضيه الحاديث الصّحيحة ‪ :‬إنّ الصّلة الوسطى هي‬ ‫العصر ‪ ،‬وهو المختار ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬قال صاحب الحاوي ‪ :‬نصّ الشّافعيّ أنّها الصّبح ‪ ،‬وصحّت‬

‫الحاديث أنّها العصر ‪ ،‬ومذهبه اتّباع الحديث ‪ ،‬فصار مذهبه أنّها العصر ‪ ،‬قال ‪ :‬ول يكون‬ ‫‪.‬‬

‫في المسألة قولن ‪ ،‬كما وهم بعض أصحابنا‬

‫وقيل ‪ :‬إنّها الصّبح والعصر معا ‪ ،‬قاله الشّيخ أبو بكر البهريّ من المالكيّة واختاره‬

‫ابن ‪4 -‬‬

‫شمْسِ وَقَ ْبلَ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫حمْدِ رَبّكَ قَ ْبلَ طُلُو ِ‬ ‫أبي جمرة ‪ ،‬والدّليل على ذلك قوله تعالى ‪َ { :‬وسَ ّبحْ ِب َ‬ ‫ا ْلغُرُوبِ } يعني صلة الفجر والعصر ‪ .‬وروى جرير بن عبد اللّه قال ‪ « :‬كنّا جلوسا عند‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال ‪ :‬أمّا إنّكم سترون ربّكم كما‬ ‫ترون هذا ‪ ،‬ل تضامون ‪ .‬في رؤيته ‪ ،‬فإن استطعتم أن ل تغلبوا على صلة قبل طلوع‬ ‫حمْدِ رَبّكَ‬ ‫الشّمس وقبل غروبها ‪ ،‬يعني العصر والفجر فافعلوا ‪ ،‬ثمّ قرأ جرير ‪َ { :‬وسَ ّبحْ ِب َ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬يتعاقبون فيكم‬ ‫غرُو ِبهَا } » وقال النّب ّ‬ ‫شمْسِ وَقَ ْب َل ُ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫قَ ْبلَ طُلُو ِ‬ ‫ملئكة باللّيل وملئكة بالنّهار ‪ ،‬ويجتمعون في صلة الفجر وصلة العصر ‪ ،‬ثمّ يعرج الّذين‬ ‫باتوا فيكم ‪ ،‬فيسألهم ‪ -‬وهو أعلم بهم ‪ -‬كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون ‪ :‬تركناهم وهم‬ ‫‪».‬‬

‫يصلّون ‪ ،‬وأتيناهم وهم يصلّون‬

‫وروى عمارة بن رؤيبة قال ‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول ‪ « :‬لن يلج‬ ‫ن رسول‬ ‫النّار أحد صلّى قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها ‪ ،‬يعني الفجر والعصر » وعنه أ ّ‬ ‫اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬من صلّى البردين دخل الجنّة » وسمّيتا البردين لنّهما‬ ‫‪.‬‬

‫يفعلن في وقت البرد‬

‫ن الصّلة الوسطى صلة العتمة والصّبح ‪ ،‬قال الدّمياطيّ ‪ :‬ذكره ابن مقسم‬ ‫وقيل ‪ :‬إ ّ‬

‫في ‪5-‬‬

‫تفسيره ‪ .‬وقال أبو الدّرداء ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬في مرضه الّذي مات فيه ‪ :‬اسمعوا وبلّغوا‬ ‫من خلفكم ‪ :‬حافظوا على هاتين الصّلتين ‪ -‬يعني في جماعة ‪ -‬العشاء والصّبح ‪ ،‬ولو‬ ‫تعلمون ما فيهما لتيتموهما ولو حبوا على مرافقكم وركبكم ‪ .‬وقاله عمر وعثمان ‪ -‬رضي‬ ‫ال تعالى عنهما ‪ -‬وورد عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬ليس صل ًة أثقل‬ ‫‪».‬‬

‫على المنافقين من الفجر والعشاء ‪ ،‬ولو يعلمون ما فيها لتوهما ولو حبوا‬

‫وجعل لمصلّي الصّبح في جماعة قيام ليلة ‪ ،‬والعتمة نصف ليلة ‪ ،‬حيث قال رسول اللّه‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من صلّى العشاء في جماعة فكأنّما قام نصف اللّيل ‪ ،‬ومن صلّى‬ ‫‪».‬‬

‫الصّبح في جماعة فكأنّما صلّى اللّيل كلّه‬

‫وقيل ‪ :‬هي الظّهر ؛ لنّها وسط النّهار ‪ ،‬والنّهار أوّله من طلوع الفجر ‪ ،‬وممّن قال‬

‫إنّ ‪6-‬‬

‫الظّهر هي الصّلة الوسطى ‪ :‬زيد بن ثابت ‪ ،‬وأبو سعيد الخدريّ ‪ ،‬وأسامة بن زيد ‪ ،‬وعبد‬ ‫‪.‬‬

‫اللّه بن عمر ‪ ،‬وعائشة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬ونقله ابن المنذر عن عبد اللّه بن شدّاد‬

‫وممّا يدلّ على أنّها وسطى ‪ :‬ما قالته عائشة وحفصة حين أملتا ‪ " :‬حافظوا على الصّلوات‬ ‫والصّلة الوسطى وصلة العصر " بالواو ‪ ،‬وروي ‪ :‬أنّها كانت أشقّ على المسلمين لنّها‬ ‫كانت تجيء في الهاجرة وهم قد نفهتهم أعمالهم في أموالهم ‪ ،‬وورد عن زيد بن ثابت قال‬ ‫‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يصلّي الظّهر بالهاجرة ‪ ،‬ولم تكن صلة أشدّ على‬ ‫أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم منها ‪ ،‬فنزلت ‪ { :‬حَا ِفظُواْ عَلَى الصّ َلوَاتِ والصّلَةِ‬ ‫‪}».‬‬

‫ا ْل ُوسْطَى‬

‫وقيل ‪ :‬إنّها المغرب قال بذلك قبيصة بن ذؤيب في جماعة ‪ ،‬وابن قتيبة وقتادة ؛‬

‫لنّ ‪7-‬‬

‫الولى هي الظّهر ‪ ،‬فتكون المغرب الثّالثة ‪ ،‬والثّالثة من كلّ خمس هي الوسطى ؛ ولنّها‬ ‫وسطى في عدد الرّكعات ووسطى في الوقات ‪ ،‬فعدد ركعاتها ثلث فهي وسطى بين الربع‬ ‫والثنين ووقتها في آخر النّهار وأوّل اللّيل ‪ ،‬خصّت من بين الصّلة بأنّها الوتر ‪ ،‬واللّه وتر‬ ‫يحبّ الوتر ‪ ،‬وبأنّها تصلّى في أوّل وقتها في جميع المصار والعصار ‪ ،‬ويكره تأخيرها‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم في اليومين لوقت واحد ‪ ،‬ولذلك‬ ‫عنه‪ ،‬وكذلك صلّاها جبريل بالنّب ّ‬ ‫ذهب بعض الئمّة إلى أنّها ليس لها إلّ وقت واحد ‪ ،‬وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل‬ ‫تزال أمّتي بخير ‪ -‬أو قال ‪ :‬على الفطرة ‪ -‬ما لم يؤخّروا المغرب إلى أن تشتبك النّجوم »‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إنّ‬ ‫وروي من حديث عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬عن النّب ّ‬ ‫أفضل الصّلوات عند اللّه صلة المغرب لم يحطّها عن مسافر ول مقيم ‪ ،‬فتح اللّه بها صلة‬ ‫اللّيل وختم بها صلة النّهار فمن صلّى المغرب وصلّى بعدها ركعتين بنى اللّه له قصرا في‬ ‫الجنّة ومن صلّى بعدها أربع ركعات غفر اللّه له ذنب عشرين سنةً ‪ -‬أو قال ‪ -‬أربعين سنةً‬ ‫‪».‬‬

‫ن ال صّلة الو سطى هي صلة العشاء ؛ لنّ ها ب ين صلتين ل تق صران ‪،‬‬ ‫‪ -8‬وق يل ‪ :‬إ ّ‬ ‫ويستحبّ تأخيرها ‪ ،‬وذلك شاقّ ‪ ،‬فوقع التّأكيد في المحافظة عليها ‪.‬‬ ‫ي النّيسابوريّ ‪ .‬وروى ابن عمر‬ ‫وممّن ذكر أنّ الصّلة الوسطى هي العشاء أحمد بن عل ّ‬ ‫قال‪ « :‬مكثنا ليلةً ننتظر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لصلة العشاء الخرة فخرج إلينا‬ ‫حين ذهب ثلث اللّيل أو بعده ‪ .‬فقال ‪ :‬إنّكم لتنتظرون صلةً ما ينتظرها أهل دين غيركم ‪،‬‬ ‫ولول أن يثقل على أمّتي لصلّيت بهم هذه السّاعة » وقال ‪ « :‬ليس صلة أثقل على‬ ‫‪».‬‬

‫المنافقين من الفجر والعشاء ‪ ،‬ولو يعلمون ما فيهما لتوهما ولو حبوا‬

‫وقيل ‪ :‬إنّ الصّلة الوسطى غير معيّنة ‪ ،‬فهي مبهمة في الصّلوات الخمس ليجتهد‬

‫في ‪9-‬‬

‫الجميع كما في ليلة القدر والسّاعة الّتي في يوم الجمعة ‪ ،‬قاله الرّبيع بن خيثم ‪ ،‬وحكي عن‬ ‫ابن المسيّب ‪ ،‬وقاله نافع عن ابن عمر ‪ ،‬فخبّأها اللّه تعالى ‪ .‬كما خبّأ ليلة القدر ‪ ،‬وساعة‬ ‫يوم الجمعة ‪ ،‬وساعات اللّيل المستجاب فيها الدّعاء ليقوموا باللّيل في الظّلمات لمناجاة عالم‬

‫الخفيّات وممّا يدلّ على صحّة أنّها مبهمة غير معيّنة ما ورد عن البراء بن عازب قال ‪« :‬‬ ‫نزلت هذه الية ‪ ( :‬حافظوا على الصّلوات وصلة العصر ) ‪ ،‬فقرأناها ما شاء اللّه ثمّ‬ ‫سطَى } ‪ ،‬فقال رجل ‪ :‬هي إذن‬ ‫نسخها اللّه فنزلت { حَا ِفظُواْ عَلَى الصّ َلوَاتِ والصّلَ ِة ا ْل ُو ْ‬ ‫صلة العصر؟ فقال البراء ‪ :‬قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها اللّه » فلزم من هذا أنّها‬ ‫بعد أن عيّنت نسخ تعيينها وأبهمت فارتفع التّعيين ‪ ،‬وهذا اختيار مسلم ‪ .‬وقال به غير واحد‬ ‫ي ‪ :‬وهو ‪ -‬أي إبهامها وعدم تعيينها ‪ -‬الصّحيح إن‬ ‫من العلماء المتأخّرين ‪ ،‬قال القرطب ّ‬ ‫شاء اللّه تعالى لتعارض الدلّة وعدم التّرجيح ‪ ،‬فلم يبق إ ّل المحافظة على جميعها ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وأداؤها في أوقاتها‬

‫ن الجمعة خصّت بالجمع‬ ‫وقيل ‪ :‬إنّها صلة الجمعة ‪ ،‬حكاه الماورديّ في تفسيره ؛ ل ّ‬

‫لها ‪10 -‬‬

‫والخطبة فيها ‪ ،‬جعلت عيدا ذكره ابن حبيب ومكّيّ ‪ ،‬وورد عن عبد اللّه بن مسعود « أنّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال لقوم يتخلّفون عن الجمعة ‪ :‬لقد هممت أن آمر رجلً يصلّي‬ ‫النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫بالنّاس ث ّم أحرّق على رجال يتخلّفون عن الجمعة بيوتهم‬

‫وقيل ‪ :‬إنّها الصّلوات الخمس بجملتها ‪ ،‬ذكره ال ّنقّاش في تفسيره ‪ ،‬وقاله معاذ بن‬

‫جبل ‪11 -‬‬

‫ص الفرض بالذّكر‬ ‫لنّ قوله تعالى ‪ { :‬حَا ِفظُواْ عَلَى الصّ َلوَاتِ } ‪ ،‬يع ّم الفرض والنّفل ‪ ،‬ثمّ خ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وقد ذكر الحطّاب أقوالً أخرى سوى ما تقدّم ‪ .‬يرجع إليه فيها‬

‫ي وسبب إفرادها بالذّكر‬ ‫الحكم التّكليف ّ‬

‫ن الصّلة الوسطى هي إحدى الصّلوات الخمس في‬ ‫من القوال السّابقة يتبيّن أ ّ‬

‫الجملة‪12 - .‬‬

‫والصّلوات الخمس فرض على كلّ مكلّف ‪ -‬كما هو معلوم ‪ -‬وقد أمر اللّه سبحانه وتعالى‬ ‫بالمحافظة عليها في قوله تعالى { حَا ِفظُواْ عَلَى الصّ َلوَاتِ } ‪ .‬ثمّ عطف عليها قوله تعالى ‪:‬‬ ‫‪}.‬‬

‫{ والصّلَ ِة ا ْل ُوسْطَى‬

‫يقول القرطبيّ ‪ :‬وأفرد اللّه سبحانه وتعالى الصّلة الوسطى بالذّكر ‪ ،‬وقد دخلت قبل في‬ ‫ن النّبِيّينَ مِيثَا َق ُهمْ َومِنكَ‬ ‫عموم الصّلوات ؛ تشريفا لها ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪َ { :‬وإِذْ َأخَذْنَا مِ َ‬ ‫‪}.‬‬

‫خلٌ وَ ُرمّانٌ‬ ‫َومِن نّوحٍ } وقوله ‪ { :‬فِي ِهمَا فَا ِك َهةٌ وَ َن ْ‬

‫وإفرادها بالذّكر يد ّل كذلك على أنّها آكد الصّلوات ‪ .‬يقول النّوويّ ‪ :‬اتّفق العلماء على أنّ‬ ‫‪.‬‬

‫الصّلة الوسطى آكد الصّلوات الخمس واختلفوا في تحديدها‬ ‫*‬

‫صَلْب‬ ‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬تصليب‬

‫*‬

‫‪).‬‬

‫الصّلوات الخمس المفروضة‬ ‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫الصّلوات مفردها صلة ‪ ،‬ولتعريفها ‪ :‬ينظر مصطلح ‪( :‬‬

‫صلة ‪1 -‬‬

‫والمراد بالمفروضة ‪ :‬الصّلوات الخمس الّتي تؤدّى كلّ يوم وليلة ‪ ،‬وهي ‪ :‬الظّهر والعصر‬ ‫والمغرب والعشاء والفجر ثبتت فرضيّتها بالكتاب والسّنّة والجماع ‪ ،‬وهي معلومة من‬ ‫‪.‬‬

‫الدّين بالضّرورة ‪ ،‬يكفر جاحدها‬

‫والصّلوات الخمس ‪ :‬هي آكد الفروض وأفضلها بعد الشّهادتين ‪ ،‬وهي الرّكن الثّاني من‬ ‫‪).‬‬

‫أركان السلم الخمس ‪ ( .‬ر ‪ :‬صلة‬

‫وقد ثبت عدد ركعات كلّ صلة من هذه الصّلوات بسنّة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم وقوله ‪:‬‬ ‫ي ‪ :‬عرفنا ذلك بفعل النّب ّ‬ ‫قولً وفعلً وبالجماع ‪ .‬قال الكاسان ّ‬ ‫« صلّوا كما رأيتموني أصلّي » ‪ ،‬وهذا لنّه ليس في كتاب اللّه عدد ركعات الصّلوات فكانت‬ ‫ي صلى ال عليه‬ ‫نصوص الكتاب العزيز مجمل ًة في المقدار ‪ ،‬ثمّ زال الجمال ببيان النّب ّ‬ ‫وسلم قو ًل وفعلً ‪ .‬وأداؤها بالجماعة سنّة مؤكّدة عند الجمهور خلفا لبعض الحنفيّة ومن‬ ‫‪).‬‬

‫معهم حيث قالوا بوجوبها ‪ ( .‬ر ‪ :‬صلة الجماعة‬

‫وفيما يلي بيان هذه الصّلوات حسب التّرتيب الّذي ذهب إليه جمهور الفقهاء ‪ -‬من المالكيّة‬ ‫‪.‬‬

‫والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬خلفا للحنفيّة ‪ ،‬حيث بدءوا بصلة الصّبح‬ ‫‪:‬‬

‫أ ّولً ‪ -‬صلة الظّهر‬

‫الظّهر ‪ :‬ساعة الزّوال ووقته ‪ ،‬ولهذا يجوز فيه التّأنيث والتّذكير ‪ ،‬فيقال ‪ :‬حان‬ ‫‪.‬‬

‫الظّهر ‪2 -‬‬

‫أي وقت الزّوال ‪ ،‬وحانت الظّهر أي ساعته‬

‫والمراد بالزّوال ‪ :‬ميل الشّمس عن كبد السّماء إلى المغرب فصلة الظّهر هي الّتي تجب‬ ‫‪.‬‬

‫بدخول وقت الظّهر ‪ ،‬وتفعل في وقت الظّهيرة‬

‫وتسمّى صلة الظّهر ‪ -‬أيضا ‪ -‬بالولى ؛ لنّها أوّل صلة صلّاها جبريل عليه السلم‬ ‫ي صلى ال‬ ‫بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فعن ابن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬أنّ النّب ّ‬ ‫عليه وسلم قال ‪ « :‬أمّني جبريل ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬عند البيت مرّتين ‪ ،‬فصلّى الظّهر في‬ ‫الولى منهما حين كان الفيء مثل الشّراك ‪ ،‬ثمّ صلّى العصر حين كان كلّ شيء مثل ظلّه ‪،‬‬ ‫ثمّ صلّى المغرب حين وجبت الشّمس وأفطر الصّائم ‪ ،‬ثمّ صلّى العشاء حين غاب الشّفق ‪،‬‬ ‫ثمّ صلّى الفجر حين برق الفجر وحرم الطّعام على الصّائم ‪ ،‬وصلّى المرّة الثّانية الظّهر حين‬ ‫كان ظلّ كلّ شيء مثله ‪ ،‬لوقت العصر بالمس ‪ ،‬ثمّ صلّى العصر حين كان ظلّ كلّ شيء‬ ‫مثليه ‪ ،‬ثمّ صلّى المغرب لوقته الوّل ‪ ،‬ث ّم صلّى العشاء الخرة حين ذهب ثلث اللّيل ‪ ،‬ثمّ‬

‫صلّى الصّبح حين أسفرت الرض ‪ ،‬ثمّ التفت إليّ جبريل فقال ‪ :‬يا محمّد ‪ ،‬هذا وقت النبياء‬ ‫‪.‬‬

‫من قبلك ‪ ،‬والوقت فيما بين هذين الوقتين » ‪ .‬وهي أوّل صلة ظهرت في السلم‬

‫كما تسمّى بالهجيرة قال أبو برزة ‪ « :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يصلّي الهجيرة‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫الّتي يدعونها الولى حين تدحض الشّمس ‪ ،‬أو تزول‬

‫أوّل وقت الظّهر وآخره‬

‫ل خلف بين الفقهاء في أنّ أوّل وقت صلة الظّهر هو زوال الشّمس ‪ ،‬أي ميلها‬

‫عن ‪3 -‬‬

‫ن التّكليف إنّما يتعلّق به ‪ ،‬ول يشترط أن‬ ‫وسط السّماء ‪ ،‬وذلك بحسب ما يظهر لنا ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يكون في الواقع كذلك‬

‫وأمّا آخر وقت الظّهر فقد اختلف الفقهاء فيه ‪ ،‬فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ آخره هو‬ ‫‪.‬‬

‫ظلّ مثله غير فيء الزّوال‬ ‫بلوغ ال ّ‬

‫والمشهور عن أبي حنيفة ‪ :‬أنّ آخر وقت الظّهر إذا صار ظ ّل كلّ شيء مثليه سوى فيء‬ ‫الزّوال ‪ .‬ولمعرفة الزّوال وتفصيل الخلف في آخر الظّهر ‪ ،‬وأدلّة الفقهاء في ذلك ينظر‬ ‫‪ ) .‬مصطلح ‪ ( :‬أوقات الصّلة ف ‪/‬‬

‫البراد بصلة الظّهر‬

‫‪:‬‬

‫ذهب جمهور الفقهاء إلى ‪ :‬أنّه إذا كان الح ّر شديدا يسنّ تأخير صلة الظّهر إلى‬

‫‪8‬‬

‫البراد‪4 - .‬‬

‫قال النّوويّ ‪ :‬حقيقة البراد أن يؤخّر الصّلة من أوّل وقتها بقدر ما يحصل للحيطان فيء‬ ‫يمشي فيه طالب الجماعة ‪ ،‬ول يؤخّر عن نصف القامة ‪ .‬وقريب منه ما ذهب إليه المالكيّة‬ ‫‪.‬‬

‫والحنابلة‬

‫أمّا الحنفيّة فيستحبّ عندهم تأخير الظّهر في الصّيف مطلقا أي بل اشتراط شدّة الحرّ‬ ‫‪ ) .‬وحرارة البلد ‪ .‬ولتفصيل الموضوع ينظر مصطلح ‪ ( :‬أوقات الصّلة ف‬ ‫‪:‬‬ ‫‪).‬‬

‫قصر الظّهر وجمعها مع العصر‬

‫اتّفق الفقهاء على مشروعيّة قصر صلة الظّهر في السّفر ( ر ‪ :‬صلة‬

‫‪16/‬‬

‫المسافر ‪5 -‬‬

‫كما اتّفقوا على مشروعيّة الجمع بين صلتي الظّهر والعصر في عرفة جمع تقديم ‪ ،‬بأن‬ ‫‪:‬‬

‫يصلّيهما في وقت الظّهر ‪ .‬واختلفوا فيما عدا يوم عرفة‬

‫فذهب الجمهور إلى جواز الجمع بينهما بعذر السّفر جمع تقديم أو تأخير ‪ ،‬بأن تصلّى‬

‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫العصر في وقت الظّهر أو بالعكس ‪ ،‬خلفا للحنفيّة‬

‫‪).‬‬

‫وتفصيل الموضوع في مصطلح ‪ ( :‬جمع الصّلوات‬

‫ما يستحبّ قراءته في الظّهر‬

‫طوال ‪6 -‬‬

‫يستحبّ في الظّهر عند جمهور الفقهاء ‪ :‬أن يقرأ المام أو المنفرد إذا كان مقيما‬

‫ن الظّهر كالعصر ‪ ،‬فيسنّ فيه أوساط‬ ‫المفصّل كصلة الفجر ‪ ،‬وذهب بعض الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫المفصّل‬

‫ن الظّهر كالصّبح في القراءة من الطّوال أو دون ذلك قليلً‬ ‫وورد في عبارات المالكيّة أ ّ‬ ‫واتّفق فقهاء المذاهب على أنّه يسرّ بالقراءة في جميع ركعات الظّهر ‪ ،‬سواء أصلّاها‬ ‫‪).‬‬

‫جماع ًة أم انفرادا ‪ ،‬وتفصيل المسألة في مصطلح ‪ ( :‬إسرار ‪ ،‬صلة ‪ ،‬قراءة‬ ‫‪:‬‬

‫ثانيا ‪ -‬صلة العصر‬

‫ي إلى احمرار الشّمس ‪ ،‬وهو آخر ساعات النّهار‬ ‫العصر يطلق على معان منها ‪ :‬العش ّ‬

‫‪7-،‬‬

‫كما يطلق على الصّلة الّتي تؤدّى في آخر النّهار ‪ ،‬قال الفيّوميّ ‪ :‬العصر اسم الصّلة "‬ ‫‪.‬‬

‫مؤنّثة " مع الصّلة ‪ ،‬وبدونها تذكّر وتؤنّث‬

‫ويقال ‪ :‬أذّن للعصر ‪ .‬أي لصلة العصر ‪ .‬وتسمّى صلة العصر ب ( العشيّ ) لنّها تصلّى‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫أوّل وقت العصر وآخره‬

‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ :‬المالكيّة ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬والصّاحبان من الحنفيّة‬

‫عش ّيةً‬ ‫إلى ‪8 -‬‬

‫أنّ أوّل وقت العصر إذا صار ظ ّل كلّ شيء مثله غير فيء الزّوال ‪ ،‬وهذا رواية عن أبي‬ ‫حنيفة أيضا ‪ .‬ويستدلّون « بحديث إمامة جبريل ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬وفيه ‪ :‬ث ّم صلّى‬ ‫‪».‬‬

‫العصر حين كان كلّ شيء مثل ظلّه‬

‫ن أوّل وقت العصر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثليه غير فيء‬ ‫والمشهور عن أبي حنيفة ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪).‬‬

‫الزّوال ( ر ‪ :‬أوقات الصّلة‬

‫وهل يوجد وقت مهمل بين آخر الظّهر وأوّل العصر ؟ اختلفت الرّوايات عن الفقهاء‬

‫‪9- :‬‬

‫فيشترط بعض الشّافعيّة والحنابلة لدخول أوّل العصر أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله ‪ ،‬وزاد‬ ‫ي عن بعض‬ ‫ي ‪ :‬وإذا زاد شيئا وجبت العصر ومثله ما نقله الشّربين ّ‬ ‫أدنى زيادةً ‪ .‬قال الخرق ّ‬ ‫الشّافعيّة وجملته ‪ :‬أنّ وقت العصر من حين الزّيادة على المثل أدنى زيادةً متّصل بوقت‬ ‫‪.‬‬

‫الظّهر ل نصلّي بينهما ‪ .‬كما حرّره ابن قدامة في المغني‬

‫ظلّ طوله سوى فيء الزّوال خرج وقت‬ ‫وروي عن أبي حنيفة ‪ -‬أيضا ‪ -‬قوله ‪ :‬إذا بلغ ال ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫الظّهر ‪ ،‬ول يدخل وقت العصر إلى الطّولين‬

‫وعلى هذا يكون بين الظّهر والعصر وقت مهمل ‪ ،‬كما بين الفجر والظّهر‬

‫والصّحيح عند الشّافعيّة ‪ :‬أنّه ل يشترط حدوث زيادة فاصلة بينه وبين وقت الظّهر ‪ ،‬كما‬ ‫ي ‪ ،‬ومثله ما نقله ابن قدامة عن الحنابلة عدا الخرقيّ ‪ .‬قال البهوتيّ ‪ :‬من غير‬ ‫قال الشّربين ّ‬ ‫‪.‬‬

‫فصل بينهما ‪ ،‬ول اشتراك‬

‫ن أوّل العصر وآخر الظّهر يشتركان بقدر إحداهما ‪ ،‬أي ‪ :‬بقدر‬ ‫والمشهور عند المالكيّة ‪ :‬أ ّ‬ ‫أربع ركعات في الحضر ‪ ،‬وركعتين في السّفر ‪ ،‬فآخر وقت الظّهر ‪ :‬أن يصير ظلّ كلّ شيء‬ ‫مثله بعد طرح ظلّ الزّوال ‪ ،‬وهو بعينه أوّل وقت العصر فيكون وقتا لهما ممتزجا بينهما ‪.‬‬ ‫ويؤيّده ظاهر « حديث إمامة جبريل حيث جاء فيه ‪ :‬صلّى المرّة الثّانية الظّهر حين كان ظلّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫كلّ شيء مثله لوقت العصر بالمس‬

‫أمّا آخر وقت العصر فهو ما لم تغرب الشّمس ‪ .‬أي قبيل غروب‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫الشّمس ‪10 -‬‬

‫ر ‪ :‬أوقات‬

‫ما يستحبّ قراءته في العصر‬

‫صرّح الحنفيّة والشّافعيّة بأنّه يسنّ أن يقرأ في صلة العصر بأوساط‬

‫الصّلة (‬

‫المفصّل ‪11 -‬‬

‫ضحَى } و { إِنّا أَنزَلْنَاهُ } ‪،‬‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬يقرأ فيها بالقصار من السّور مثل ‪ { :‬وَال ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ونحوهما‬

‫ويستحبّ عند الحنابلة أن تكون القراءة في العصر على النّصف من الظّهر ‪.‬‬ ‫وجمهور الفقهاء على أنّ السرار في القراءة سنّة في العصر والظّهر ‪ ،‬بينما يقول الحنفيّة‬ ‫‪).‬‬

‫‪ :‬بأنّه واجب ‪ .‬وتفصيل الموضوع في مصطلح ‪ ( :‬إسرار ‪ ،‬وقراءة‬

‫التّنفّل بعد صلة العصر‬

‫‪:‬‬

‫اتّفق الفقهاء في الجملة على عدم جواز التّنفّل بعد صلة العصر إلى أن تغرب‬ ‫‪».‬‬

‫الشّمس ‪12 -‬‬

‫؛ لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ل صلة بعد العصر حتّى تغيب الشّمس‬

‫وتشمل ذلك ما لو صلّيت العصر في وقت الظّهر جمع تقديم كذلك ‪ ،‬كما صرّح به فقهاء‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫المذاهب ‪ ،‬وللتّفصيل ينظر مصطلح ‪ ( :‬صلة التّطوّع‬

‫ثالثا ‪ -‬صلة المغرب‬

‫المغرب في الصل ‪ :‬من غربت الشّمس إذا غابت‬

‫وتوارت ‪13 -‬‬

‫ويطلق في اللّغة على وقت الغروب ومكانه ‪ ،‬وعلى الصّلة الّتي تؤدّى في هذا الوقت‬ ‫‪:‬‬

‫أوّل وقت المغرب وآخره‬

‫أجمع الفقهاء على أنّ أوّل وقت صلة المغرب يدخل إذا غابت الشّمس وتكامل‬

‫غروبها ‪14 -‬‬

‫‪ .‬وهذا ظاهر في الصّحاري ‪ .‬ويعرف في العمران بزوال الشّعاع من رءوس الجبال ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وإقبال الظّلم من المشرق وآخر وقتها عند الجمهور ما لم يغب الشّفق‬

‫والمشهور عند المالكيّة ‪ -‬وهو الجديد عند الشّافعيّة ‪ -‬أنّ للمغرب وقتا واحدا وهو بقدر ما‬ ‫‪).‬‬

‫يتطهّر المصلّي ويستر عورته ويؤذّن ويقيم للصّلة ‪ .‬للتّفصيل ( ر ‪ :‬أوقات الصّلة‬

‫تسمية المغرب بالعشاء‬

‫‪:‬‬

‫ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى كراهة تسمية المغرب عشاءً لما رواه عبد اللّه المزنيّ‬

‫أنّ ‪15 -‬‬

‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ل تغلبنّكم العراب على اسم صلتكم المغرب ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫وتقول العراب هي العشاء » ول يكره تسميتها بالعشاء على الصّحيح من المذهب عند‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الحنابلة ‪ ،‬ولكن تسميتها بالمغرب أولى‬

‫رابعا ‪ -‬صلة العشاء‬

‫العِشاء بكسر العين والمدّ ‪ :‬اسم لوّل الظّلم من المغرب إلى العتمة ‪ ،‬وسمّيت‬ ‫‪.‬‬

‫الصّلة ‪16 -‬‬

‫بذلك لنّها تفعل في هذا الوقت‬

‫والعَشاء بالفتح والمدّ ‪ :‬طعام هذا الوقت ويجوز أن يقال لها ‪ :‬العشاء الخرة ‪ ،‬والعشاء ‪-‬‬ ‫‪}.‬‬ ‫‪».‬‬

‫فقط ‪ -‬من غير وصف بالخرة قال تعالى ‪َ { :‬ومِن َبعْدِ صَلَا ِة ا ْل ِعشَاء‬

‫وقال صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أيّما امرأة أصابت بخورا فل تشهد معنا العشاء الخرة‬ ‫‪:‬‬

‫تسمية صلة العشاء بالعتمة‬

‫منها ‪17 -‬‬

‫أجاز أكثر الفقهاء تسمية صلة العشاء بالعتمة لورودها في كثير من الحاديث ‪،‬‬

‫ما رواه البخاريّ أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬لو يعلمون ما في العتمة‬ ‫والصّبح لتوهما ولو حبوا » ومنها قول عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ « : -‬كان يصلّون‬ ‫العتمة فيما بين أن يغيب الشّفق إلى ثلث اللّيل الوّل » والعتمة هي شدّة الظّلمة كما يقول‬ ‫‪.‬‬

‫وكره بعض الشّافعيّة والمالكيّة تسميتها بالعتمة لما ورد من النّهي عن ذلك في‬

‫البهوتيّ‬

‫حديث ‪18 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬ل تغلبنّكم‬ ‫مسلم عن ابن عمر رضي ال عنهما ‪ -‬أنّ النّب ّ‬ ‫العراب على اسم صلتكم ‪ ،‬أل إنّها العشاء وهم يعتمون بالبل » معناه ‪ :‬أنّهم يسمّونها‬ ‫العتمة لكونهم يعتمون بحلب البل أي يؤخّرونه إلى شدّة الظّلّام وصرّح بعض الشّافعيّة أنّ‬ ‫‪.‬‬

‫النّهي للتّنزيه‬

‫ن هذا الستعمال ورد في نادر الحوال لبيان الجواز فإنّه ليس بحرام ‪ ،‬أو‬ ‫قال النّوويّ ‪ :‬إ ّ‬ ‫أنّه خوطب به من قد يشتبه عليه العشاء بالمغرب ‪ ،‬فلو قيل ‪ :‬العشاء لتوهّم إرادة‬ ‫‪.‬‬

‫المغرب ؛ لنّها كانت معروفةً عندهم بالعشاء ‪ ،‬وأمّا العتمة فصريحة في العشاء الخرة‬

‫وللمالكيّة في تسميتها قولن آخران ‪ :‬أحدهما ‪ :‬الجواز من غير كراهة ‪ ،‬وثانيهما ‪ :‬الحرمة‬ ‫‪:‬‬

‫أوّل وقت العشاء وآخره‬

‫ل خلف بين الفقهاء في أنّ أوّل وقت صلة العشاء يدخل من غيبوبة الشّفق ‪،‬‬

‫وإنّما ‪19 -‬‬

‫اختلفوا في الشّفق ‪ .‬فالجمهور على أنّه ‪ :‬الحمرة ‪ ،‬وأبو حنيفة وزفر يقولن ‪ :‬هو البياض‬ ‫‪.‬‬

‫بعد الحمرة‬

‫وآخر وقت العشاء إلى الفجر الصّادق ؛ لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬آخر وقت العشاء‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫ما لم يطلع الفجر‬

‫هذا ‪ ،‬وقد قسّم جمهور الفقهاء الوقت إلى اختياريّ ‪ ،‬وضروريّ ‪ ،‬وتفصيله في مصطلح‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫أوقات‬

‫الصّلة (‬

‫صلة فاقد العشاء‬

‫ن سبب وجوب الصّلة المفروضة هو الوقت ‪ ،‬وذكروا حكم من‬ ‫اتّفق الفقهاء على أ ّ‬

‫ل ‪20 -‬‬

‫يأتي عليهم العشاء في بعض أيّام السّنة أو كلّها ‪ ،‬هل تجب عليهم صلة العشاء أم ل ؟ وإذا‬ ‫وجبت فكيف يؤدّونها ؟ فذهب الجمهور إلى أنّه تجب عليهم صلة العشاء ويقدّرون وقتها‬ ‫قدر ما يغيب الشّفق بأقرب البلد إليهم ‪ .‬وفي رأي عند بعض الحنفيّة ‪ :‬أنّ من ل يأتي‬ ‫عليه العشاء ل يكلّف بصلتها لعدم سبب وجوبها ‪ .‬وللتّفصيل ينظر مصطلح ‪ ( :‬أوقات‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫تأخير صلة العشاء‬

‫ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬وهو قول عند الشّافعيّة ‪ -‬إلى أنّ‬

‫الصّلة‬

‫تأخير ‪21 -‬‬

‫العشاء مستحبّ إلى ثلث اللّيل ‪ ،‬قال الزّيلعيّ ‪ :‬قد ورد في تأخير العشاء أخبار كثيرة صحاح‬ ‫‪ .‬وهو مذهب أكثر أهل العلم من الصّحابة والتّابعين ‪ ،‬ومن الحاديث الّتي يستدلّون بها‬ ‫على استحباب تأخير العشاء قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬لول أن أشقّ على أمّتي‬ ‫‪».‬‬

‫لمرتهم أن يؤخّروا العشاء إلى ثلث اللّيل أو نصفه‬

‫وقيّد بعض الحنفيّة استحباب تأخير العشاء بالشّتاء ‪ ،‬أمّا الصّيف فيندب تعجيلها عندهم ‪.‬‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أنّ الفضل للفذّ والجماعة الّتي ل تنتظر غيرها تقديم الصّلوات ‪ ،‬ولو‬ ‫عشا ًء في أوّل وقتها المختار بعد تحقّق دخوله ‪ ،‬ول ينبغي تأخير العشاء إلى ثلث اللّيل إلّ‬ ‫لمن يريد تأخيرها لشغل مهمّ ‪ ،‬كعمله في حرفته ‪ ،‬أو لجل عذر ‪ ،‬كمرض ونحوه ‪ .‬لكن‬ ‫يستحبّ أن يؤخّرها أهل المساجد قليلً لجتماع النّاس ‪ ،‬وأفضليّة تقديم الصّلوات لوّل‬ ‫ح من القولين‬ ‫وقتها ولو عشا ًء هو ‪ -‬أيضا ‪ -‬قول آخر للشّافعيّة ‪ .‬قال النّوويّ ‪ :‬والص ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫عند أصحابنا أنّ تقديمها أفضل ‪ ،‬ثمّ قال ‪ :‬وتفضيل التّأخير أقوى دليلً‬

‫كراهة النّوم قبل صلة العشاء والحديث بعدها‬

‫ذهب الفقهاء إلى أنّه يكره النّوم قبل صلة العشاء والحديث بعدها لما رواه أبو برزة‬

‫‪22 - -‬‬

‫رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يكره النّوم قبلها والحديث بعدها»‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫قال النّفراويّ ‪ :‬الحديث بعدها أشدّ كراه ًة من النّوم قبلها‬

‫والدّليل على كراهة النّوم قبلها ‪ :‬هو خشية فوت وقتها ‪ ،‬أو فوت الجماعة فيها‬

‫لكن الحنفيّة قالوا ‪ :‬إذا وكّل لنفسه من يوقظه في وقتها فمباح له النّوم ‪ ،‬كما نقله الزّيلعيّ‬ ‫‪.‬‬

‫عن الطّحاويّ‬

‫وكره المالكيّة النّوم قبل صلة العشاء ولو وكّل من يوقظه ؛ لحتمال نوم الوكيل أو نسيانه‬ ‫‪.‬‬

‫فيفوت وقت الختيار‬

‫أمّا كراهة الحديث بعد صلة العشاء ‪ :‬فلنّه ربّما يؤدّي إلى سهر يفوت به الصّبح ‪ ،‬أو لئلّ‬ ‫يقع في كلمه لغو ‪ ،‬فل ينبغي ختم اليقظة به ‪ ،‬أو لنّه يفوت به قيام اللّيل لمن له به‬ ‫عادة ؛ ولتقع الصّلة الّتي هي أفضل العمال خاتمة عمله والنّوم أخو الموت ‪ ،‬وربّما مات‬ ‫في نومه‪ .‬وهذا إذا كان الحديث لغير حاجة ‪ ،‬أمّا إذا كان لحاجة مهمّة فل بأس ‪ .‬وكذا‬ ‫قراءة القرآن ‪ ،‬وحديث الرّسول صلى ال عليه وسلم ومذاكرة الفقه وحكايات الصّالحين ‪،‬‬ ‫والحديث مع الضّيف ‪ ،‬أو القادم من السّفر ونحوها فل كراهة في شيء من ذلك ؛ لنّه خير‬ ‫ي وعن عمر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪« :‬‬ ‫ناجز فل يترك لمفسدة متوهّمة ‪ ،‬كما قال النّوو ّ‬ ‫»‬

‫ي صلى ال عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في أمر من أمور المسلمين وأنا معهما‬ ‫كان النّب ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫خامسا ‪ -‬صلة الفجر‬

‫الفجر في الصل هو الشّفق ‪ ،‬والمراد به ضوء الصّباح ‪ ،‬سمّي به لنفجار الظّلمة‬ ‫‪.‬‬

‫به ‪23 -‬‬

‫بسبب حمرة الشّمس في سواد اللّيل ‪ .‬والفجر في آخر اللّيل كالشّفق في أوّله‬ ‫‪:‬‬

‫والفجر اثنان‬

‫أ ‪ -‬الفجر الوّل ‪ :‬وهو الفجر الكاذب ‪ ،‬وهو البياض المستطيل يبدو في ناحية من السّماء‬ ‫وهو المسمّى عند العرب بذنب السّرحان ( الذّئب ) ‪ ،‬ثمّ ينكتم ‪ .‬ولهذا يسمّى فجرا كاذبا ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫لنّه يبدو نوره ‪ ،‬ثمّ يعقبه الظّلم‬

‫ب ‪ -‬الفجر الثّاني أو الفجر الصّادق ‪ :‬وهو البياض المستطير المعترض في الفق ‪ ،‬ل يزال‬ ‫يزداد نوره حتّى تطلع الشّمس ‪ ،‬ويسمّى هذا فجرا صادقا ؛ لنّه إذا بدا نوره ينتشر في‬ ‫الفق وفي الحديث ‪ « :‬ل يمنعنّكم من سحوركم أذان بلل ول الفجر المستطيل ‪ ،‬ولكن‬ ‫‪».‬‬

‫الفجر المستطير في الفق‬

‫قال النّوويّ ‪ :‬والحكام كلّها متعلّقة بالفجر الثّاني ‪ ،‬فبه يدخل وقت صلة الصّبح ‪ ،‬ويخرج‬ ‫وقت العشاء ‪ ،‬ويحرّم الطّعام والشّراب على الصّائم ‪ ،‬وبه ينقضي اللّيل ويدخل النّهار ‪.‬‬

‫ويطلق الفجر على صلة الفجر ؛ لنّها تؤدّى في هذا الوقت ‪ ،‬وقد وردت هذه التّسمية في‬ ‫شهُودا } ‪ ،‬كما وردت‬ ‫ن الْ َفجْ ِر كَانَ َم ْ‬ ‫ن ا ْل َفجْرِ إِنّ قُرْآ َ‬ ‫القرآن الكريم في قوله تعالى ‪ { :‬وَ ُقرْآ َ‬ ‫تسميتها بالصّبح والفجر في الحاديث النّبويّة ‪ ،‬كقوله عليه الصلة والسلم ‪ « :‬من أدرك‬ ‫‪».‬‬ ‫‪:‬‬

‫من الصّبح ركعةً قبل أن تطلع الشّمس فقد أدرك الصّبح‬

‫تسمية صلة الفجر بالغداة‬

‫جمهور الفقهاء على أنّه ل تكره تسمية صلة الفجر بالغداة ‪ ،‬كما صرّح به‬ ‫‪.‬‬

‫المالكيّة ‪24 -‬‬

‫والحنابلة ومحقّقو الشّافعيّة‬

‫ب أن ل تسمّى إلّ بأحد هذين السمين " أي‬ ‫ونقل النّوويّ عن الشّافعيّ قوله في المّ ‪ :‬أح ّ‬ ‫الفجر والصّبح " ‪ ،‬ول أحبّ أن تسمّى الغداة ‪ .‬قال النّوويّ ‪ :‬وهذا ل يدلّ على الكراهة ‪،‬‬ ‫ن المكروه ما ثبت فيه نهي غير جازم ‪ ،‬ولم يرد بل اشتهر استعمال لفظ الغداة فيها في‬ ‫فإ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫الحديث وكلم الصّحابة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬لكن الفضل الفجر والصّبح‬ ‫‪.‬‬

‫وذكر في بعض كتب الشّافعيّة كالمهذّب وغيره كراهة هذه التّسمية‬ ‫‪:‬‬

‫تسميتها بالصّلة الوسطى‬

‫ن المراد بالصّلة الوسطى في قوله تعالى ‪ { :‬حَا ِفظُواْ‬ ‫ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫عَلَى ‪25 -‬‬

‫سطَى } صلة العصر كما وردت في الحاديث الصّحيحة‬ ‫الصّ َلوَاتِ والصّلَةِ ا ْل ُو ْ‬

‫ص عليه في ال ّم ‪ -‬أنّ الصّلة الوسطى هي‬ ‫والمشهور عند المالكيّة ‪ -‬وهو قول الشّافعيّ ن ّ‬ ‫الفجر ‪ ،‬حتّى إنّ المالكيّة يسمّونها الوسطى ‪ ،‬قال النّفراويّ ‪ :‬لها أربعة أسماء ‪ :‬الصّبح ‪،‬‬ ‫‪).‬‬

‫والفجر ‪ ،‬والوسطى ‪ ،‬والغداة ‪ .‬وللتّفصيل ينظر مصطلح ‪ ( :‬الصّلة الوسطى‬ ‫‪:‬‬

‫أوّل وقت الفجر وآخره‬

‫ن أوّل وقت صلة الفجر هو طلوع الفجر الثّاني أي‬ ‫ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬

‫الفجر ‪26 -‬‬

‫ن أوّل‬ ‫الصّادق ‪ ،‬وآخر وقتها إلى طلوع الشّمس ‪ ،‬لقوله ‪ « :‬إنّ للصّلة أ ّولً وآخرا ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫وقت الفجر حين يطلع الفجر ‪ ،‬وإنّ آخر وقتها حين تطلع الشّمس‬

‫وقد قسّم بعض الفقهاء وقت الفجر إلى ‪ :‬وقت اختيار ‪ ،‬وضرورة ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬ينظر‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫تفصيله في مصطلح ‪ ( :‬أوقات الصّلة‬

‫القراءة في الفجر‬

‫ن في صلة الفجر تطويل قراءتها ‪ ،‬بأن يقرأ فيها‬ ‫اتّفق الفقهاء على أنّه يس ّ‬

‫طوال ‪27 -‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم يقرأ في‬ ‫المفصّل قال أبو برزة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ « : -‬كان النّب ّ‬ ‫الفجر ما بين السّتّين إلى المائة آي ًة » قال الشّربينيّ ‪ :‬والحكمة في ذلك ‪ :‬أنّ وقت الصّبح‬ ‫‪.‬‬

‫طويل والصّلة ركعتان فحسن تطويلهما‬

‫وهذا في الحضر ‪ .‬أمّا في السّفر فيقرأ مع فاتحة الكتاب أيّ سورة شاء ‪ ،‬وقد ثبت « أنّ‬ ‫‪».‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم قرأ في صلة الصّبح في سفره بالمعوّذتين‬ ‫النّب ّ‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫وتفصيل الموضوع في مصطلح ‪ ( :‬قراءة‬

‫منع النّافلة بعد صلة الفجر وقبلها‬

‫تطلع ‪28 -‬‬

‫ل خلف بين الفقهاء في عدم جواز صلة النّافلة بعد صلة الفجر إلى أن‬

‫الشّمس ‪ ،‬كما أنّ جمهور الفقهاء ل يجيزون التّنفّل قبل صلة الفجر ‪ -‬أيضا ‪ -‬إلّ ركعتي‬ ‫‪».‬‬

‫الفجر ‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم ‪ « :‬إذا طلع الفجر فل صلة إلّ ركعتي الفجر‬ ‫‪).‬‬

‫وينظر تفصيل الموضوع في مصطلح ‪ ( :‬تطوّع ‪ ،‬وأوقات الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫التّغليس أو السفار بالفجر‬

‫ن التّغليس ‪ :‬أي أداء صلة الفجر بغلس أفضل من السفار‬ ‫يرى جمهور الفقهاء أ ّ‬ ‫‪».‬‬

‫بها؛ ‪29 -‬‬

‫لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬أفضل العمال الصّلة في أوّل وقتها‬

‫وقال الحنفيّة ‪ :‬ندب تأخير الفجر إلى السفار ‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم ‪ « :‬أسفروا‬ ‫بالفجر فإنّه أعظم للجر » قال الزّيلعيّ ‪ :‬ول يؤخّرها بحيث يقع الشّكّ في طلوع الشّمس ‪،‬‬ ‫بل يسفر بها بحيث لو ظهر فساد صلته يمكنه أن يعيدها في الوقت بقراءة مستحبّة ‪.‬‬ ‫ويستثنى من السفار صلة الفجر بمزدلفة يوم النّحر ‪ ،‬حيث يستحبّ فيها التّغليس عند‬ ‫‪ ) .‬الجميع ‪ .‬وتفصيل الموضوع في مصطلح ‪ ( :‬أوقات الصّلة ف‬ ‫‪:‬‬

‫القنوت في صلة الفجر‬

‫ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى مشروعيّة القنوت في الصّبح ‪ .‬قال المالكيّة ‪ :‬وندب‬ ‫‪.‬‬

‫‪15/‬‬

‫قنوت ‪30 -‬‬

‫سرّا بصبح فقط دون سائر الصّلوات قبل الرّكوع ‪ ،‬عقب القراءة بل تكبير قبله‬

‫ن القنوت في اعتدال ثانية الصّبح ‪ ،‬يعني بعد ما رفع رأسه من الرّكوع‬ ‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬يس ّ‬ ‫‪.‬‬

‫في الرّكعة الثّانية ‪ ،‬ولم يقيّدوه بالنّازلة‬

‫وقال الحنفيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ :‬ل قنوت في صلة الفجر إلّ في النّوازل وذلك لما رواه ابن‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قنت شهرا‬ ‫مسعود وأبو هريرة ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ « : -‬أنّ النّب ّ‬ ‫يدعو على أحياء من أحياء العرب ث ّم تركه » ‪ ،‬وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪« - :‬‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان ل يقنت في صلة الصّبح إلّ أن يدعو لقوم أو على‬ ‫أّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫قوم» ومعناه أنّ مشروعيّة القنوت في الفجر منسوخة في غير النّازلة‬

‫هذا وفي ألفاظ القنوت وكيفيّته خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬قنوت‬ ‫*‬

‫صُلْح‬

‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫والتّخاصم ‪1 -‬‬

‫‪.‬‬

‫الصّلح في اللّغة ‪ :‬اسم بمعنى المصالحة والتّصالح ‪ ،‬خلف المخاصمة‬

‫‪.‬‬

‫قال الرّاغب ‪ :‬والصّلح يختصّ بإزالة النّفار بين النّاس ‪ .‬يقال ‪ :‬اصطلحوا وتصالحوا‬

‫وعلى ذلك يقال ‪ :‬وقع بينهما الصّلح ‪ ،‬وصالحه على كذا ‪ ،‬وتصالحا عليه واصطلحا ‪ ،‬وهم‬ ‫‪.‬‬

‫لنا صلح ‪ ،‬أي مصالحون‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬معاقدة يرتفع بها النّزاع بين الخصوم ‪ ،‬ويتوصّل بها إلى الموافقة بين‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫المختلفين‬

‫فهو عقد وضع لرفع المنازعة بعد وقوعها بالتّراضي ‪ ،‬وهذا عند الحنفيّة‬

‫وزاد المالكيّة على هذا المدلول ‪ :‬العقد على رفعها قبل وقوعها ‪ -‬أيضا ‪ -‬وقاية ‪ ،‬فجاء في‬ ‫ق أو دعوى بعوض لرفع نزاع ‪ ،‬أو خوف‬ ‫تعريف ابن عرفة للصّلح ‪ :‬أنّه انتقال عن ح ّ‬ ‫وقوعه ففي التّعبير ب ( خوف وقوعه ) إشارة إلى جواز الصّلح لتوقّي منازعةً غير قائمة‬ ‫‪.‬‬

‫بالفعل ‪ ،‬ولكنّها محتملة الوقوع‬

‫والمصالح ‪ :‬هو المباشر لعقد الصّلح والمصالح عنه ‪ :‬هو الشّيء المتنازع فيه إذا قطع‬ ‫‪.‬‬

‫النّزاع فيه بالصّلح والمصالح عليه ‪ ،‬أو المصالح به ‪ :‬هو بدل الصّلح‬ ‫‪:‬‬

‫اللفاظ ذات الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬التّحكيم‬

‫التّحكيم عند الفقهاء ‪ :‬تولية حكم لفصل خصومة بين مختلفين ‪ .‬وهذه التّولية قد‬ ‫‪.‬‬

‫تكون ‪2 -‬‬

‫من القاضي ‪ ،‬وقد تكون من قبل الخصمين‬ ‫‪:‬‬

‫ويختلف التّحكيم عن الصّلح من وجهين‬

‫أحدهما ‪ :‬أنّ التّحكيم ينتج عنه حكم قضائيّ ‪ ،‬بخلف الصّلح فإنّه ينتج عنه عقد يتراضى‬ ‫‪.‬‬

‫ي والعقد الرّضائيّ‬ ‫عليه الطّرفان المتنازعان ‪ .‬وفرق بين الحكم القضائ ّ‬

‫ن الصّلح يتنزّل فيه أحد الطّرفين أو كلهما عن حقّ ‪ ،‬بخلف التّحكيم فليس فيه‬ ‫والثّاني ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪).‬‬

‫ق ‪ ( .‬ر ‪ :‬تحكيم‬ ‫نزول عن ح ّ‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬البراء‬

‫البراء عبارة عن ‪ :‬إسقاط الشّخص حقّا له في ذمّة آخر أو قبله ‪ .‬أمّا عن العلقة‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫بين ‪3 -‬‬

‫الصّلح والبراء ‪ ،‬فلها وجهان‬

‫أحدهما ‪ :‬أنّ الصّلح إنّما يكون بعد النّزاع عادةً ‪ ،‬والبراء ل يشترط فيه ذلك‬

‫والثّاني ‪ :‬أنّ الصّلح قد يتضمّن إبرا ًء ‪ ،‬وذلك إذا كان فيه إسقاط لجزء من الحقّ المتنازع‬ ‫‪.‬‬

‫فيه‪ ،‬وقد ل يتضمّن البراء ‪ ،‬بأن يكون مقابل التزام من الطّرف الخر دون إسقاط‬

‫ومن هنا ‪ :‬كان بين الصّلح والبراء عموم وخصوص من وجه ‪ ،‬فيجتمعان في البراء‬ ‫بمقابل في حالة النّزاع ‪ ،‬وينفرد البراء في السقاط مجّانا ‪ ،‬أو في غير حالة النّزاع ‪ ،‬كما‬ ‫‪).‬‬

‫ينفرد الصّلح فيما إذا كان بدل الصّلح عوضًا ل إسقاط فيه ‪ ( .‬ر ‪ .‬إبراء‬ ‫‪:‬‬

‫ج ‪ -‬العفو‬

‫العفو ‪ :‬هو التّرك والمحو ‪ ،‬ومنه ‪ :‬عفا اللّه عنك ‪ .‬أي محا ذنوبك ‪ ،‬وترك عقوبتك‬ ‫‪.‬‬

‫على ‪4 -‬‬

‫اقترافها ‪ .‬عفوت عن الحقّ ‪ :‬أسقطته ‪ .‬كأنّك محوته عن الّذي هو عليه‬

‫هذا ويختلف العفو عن الصّلح في كون الوّل إنّما يقع ويصدر من طرف واحد ‪ ،‬بينما‬ ‫الصّلح إنّما يكون بين طرفين ‪ .‬ومن جهة أخرى ‪ :‬فالعفو والصّلح قد يجتمعان كما في حالة‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫العفو عن القصاص إلى مال ‪ ( .‬ر ‪ .‬عفو‬

‫مشروعيّة الصّلح‬

‫ثبتت مشروعيّة الصّلح بالكتاب والسّنّة والجماع‬ ‫‪:‬‬

‫والمعقول ‪5 -‬‬

‫أمّا الكتاب‬

‫ن َأمَرَ بِصَدَ َق ٍة َأوْ َمعْرُوفٍ َأوْ‬ ‫جوَا ُهمْ ِإلّ مَ ْ‬ ‫أ ‪ -‬ففي قوله تعالى ‪َ { :‬ل خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مّن ّن ْ‬ ‫ن النّاسِ } ‪ .‬قال القاضي أبو الوليد بن رشد ‪ :‬وهذا عامّ في الدّماء والموال‬ ‫ح بَيْ َ‬ ‫إِصْلَ ٍ‬ ‫‪.‬‬

‫والعراض ‪ ،‬وفي كلّ شيء يقع التّداعي والختلف فيه بين المسلمين‬

‫ل جُنَاْحَ عَلَ ْي ِهمَا‬ ‫ب ‪ -‬وفي قوله تعالى ‪َ { :‬وإِنِ امْ َرأَةٌ خَافَتْ مِن َبعْ ِلهَا ُنشُوزًا َأوْ إِعْرَاضا فَ َ‬ ‫أَن يُصْ ِلحَا بَيْ َن ُهمَا صُلْحا وَالصّ ْلحُ خَيْرٌ } فقد أفادت الية مشروعيّة الصّلح ‪ ،‬حيث إنّه‬ ‫‪.‬‬

‫سبحانه وصف الصّلح بأنّه خير ‪ ،‬ول يوصف بالخيريّة إلّ ما كان مشروعا مأذونا فيه‬ ‫‪:‬‬

‫سنّة‬ ‫وأمّا ال ّ‬

‫أ ‪ -‬فما روى أبو هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪« :‬‬ ‫الصّلح جائز بين المسلمين » ‪ .‬وفي رواية ‪ « :‬إلّ صلحا أحلّ حراما أو حرّم حللً » ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫والحديث واضح الدّللة على مشروعيّة الصّلح‬

‫ب ‪ -‬وما روى « كعب بن مالك ‪ -‬رضي ال عنه أنّه لمّا تنازع مع ابن أبي حدرد في دين‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم أصلح بينهما ‪ :‬بأن استوضع من دين‬ ‫على ابن أبي حدرد ‪ ،‬أنّ النّب ّ‬ ‫‪».‬‬

‫كعب الشّطر ‪ ،‬وأمر غريمه بأداء الشّطر‬

‫‪:‬‬

‫وأمّا الجماع‬

‫‪:‬‬

‫وأمّا المعقول‬

‫فقد أجمع الفقهاء على مشروعيّة الصّلح في الجملة ‪ ،‬وإن كان بينهم اختلف في جواز‬ ‫‪.‬‬

‫بعض صوره‬

‫ن الصّلح رافع لفساد واقع ‪ ،‬أو متوقّع بين المؤمنين ‪ ،‬إذ أكثر ما يكون الصّلح عند‬ ‫فهو أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫النّزاع ‪ .‬والنّزاع سبب الفساد ‪ ،‬والصّلح يهدمه ويرفعه ‪ ،‬ولهذا كان من أجلّ المحاسن‬ ‫‪:‬‬

‫أنواع الصّلح‬ ‫‪:‬‬

‫‪).‬‬

‫الصّلح يتنوّع أنواعا‬

‫خمسةً ‪6 -‬‬

‫أحدهما ‪ :‬الصّلح بين المسلمين والكفّار ‪ ( .‬ر ‪ .‬جهاد ‪ ،‬جزية ‪ ،‬عهد ‪ ،‬هدنة‬ ‫‪).‬‬

‫والثّاني ‪ :‬الصّلح بين أهل العدل وأهل البغي ‪ ( .‬ر ‪ .‬بغاة‬

‫والثّالث ‪ :‬الصّلح بين الزّوجين إذا خيف الشّقاق بينهما ‪ ،‬أو خافت الزّوجة إعراض الزّوج‬ ‫‪).‬‬

‫عنها ‪ ( .‬ر ‪ .‬شقاق ‪ ،‬عشرة النّساء ‪ ،‬نشوز‬

‫والرّابع ‪ :‬الصّلح بين المتخاصمين في غير مال ‪ .‬كما في جنايات العمد ‪ ( .‬ر ‪ .‬قصاص ‪،‬‬ ‫‪).‬‬

‫عفو ‪ ،‬ديات‬

‫والخامس ‪ :‬الصّلح بين المتخاصمين في الموال ‪ .‬وهذا النّوع هو المبوّب له في كتب الفقه‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الحكم التّكليفيّ للصّلح‬

‫‪ ،‬وهو موضوع هذا البحث‬

‫قال ابن عرفة ‪ :‬وهو ‪ -‬أي الصّلح ‪ -‬من حيث ذاته مندوب إليه ‪ ،‬وقد يعرض‬ ‫‪.‬‬

‫وجوبه ‪7 -‬‬

‫عند تعيّن مصلحة ‪ ،‬وحرمته وكراهته لستلزامه مفسدةً واجبة الدّرء أو راجحته‬ ‫‪:‬‬

‫وقال ابن القيّم ‪ :‬الصّلح نوعان‬

‫أ ‪ -‬صلح عادل جائز ‪ .‬وهو ما كان مبناه رضا اللّه سبحانه ورضا الخصمين ‪ ،‬وأساسه‬ ‫العلم والعدل ‪ ،‬فيكون المصالح عالما بالوقائع ‪ ،‬عارفا بالواجب ‪ ،‬قاصدا للعدل كما قال‬ ‫‪}.‬‬

‫سبحانه ‪ { :‬فَأَصْ ِلحُوا بَيْ َن ُهمَا بِا ْلعَدْلِ‬

‫ب ‪ -‬وصلح جائر مردود ‪ :‬وهو الّذي يحلّ الحرام أو يحرّم الحلل ‪ ،‬كالصّلح الّذي يتضمّن‬ ‫أكل الرّبا ‪ ،‬أو إسقاط الواجب ‪ ،‬أو ظلم ثالث ‪ ،‬وكما في الصلح بين القويّ الظّالم والخصم‬ ‫الضّعيف المظلوم بما يرضي المقتدر صاحب الجاه ‪ ،‬ويكون له فيه الحظّ ‪ ،‬بينما يقع‬ ‫‪.‬‬

‫الغماض والحيف فيه على الضّعيف ‪ ،‬أو ل يمكّن ذلك المظلوم من أخذ حقّه‬ ‫‪:‬‬

‫ردّ القاضي الخصوم إلى الصّلح‬

‫جاء في " البدائع " ‪ :‬ول بأس أن يردّ القاضي الخصوم إلى الصّلح إن طمع منهم ذلك‬

‫‪8-،‬‬

‫قال اللّه تعالى ‪ { :‬وَالصّ ْلحُ خَ ْيرٌ } فكان الرّدّ للصّلح ردّا للخير ‪ .‬وقال عمر بن الخطّاب‬ ‫رضي ال عنه ‪ " :‬ردّوا الخصوم حتّى يصطلحوا ‪ ،‬فإنّ فصل القضاء يورث بينهم الضّغائن‬ ‫"‪ .‬فندب ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬القضاة إلى الصّلح ونبّه على المعنى ‪ ،‬وهو حصول المقصود‬ ‫من غير ضغينة ‪ .‬ول يزيد على مرّة أو مرّتين ‪ ،‬فإن اصطلحا ‪ ،‬وإلّ قضى بينهما بما‬

‫يوجب الشّرع ‪ .‬وإن لم يطمع منهم فل يردّهم إليه ‪ ،‬بل ينفّذ القضاء فيهم ؛ لنّه ل فائدة في‬ ‫‪.‬‬

‫حقيقة الصّلح‬

‫‪:‬‬

‫يرى جمهور الفقهاء أنّ عقد الصّلح ليس عقدا مستقلّا قائما بذاته في شروطه‬

‫الرّدّ‬

‫وأحكامه‪9 - ،‬‬

‫بل هو متفرّع عن غيره في ذلك ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬أنّه تسري عليه أحكام أقرب العقود إليه شبها‬ ‫بحسب مضمونه ‪ .‬فالصّلح عن مال بمال يعتبر في حكم البيع ‪ ،‬والصّلح عن مال بمنفعة يعدّ‬ ‫في حكم الجارة ‪ ،‬والصّلح على بعض العين المدّعاة هبة بعض المدّعى لمن هو في يده‪،‬‬ ‫والصّلح عن نقد بنقد له حكم الصّرف ‪ ،‬والصّلح عن مال معيّن بموصوف في ال ّذمّة في‬ ‫حكم السّلم ‪ ،‬والصّلح في دعوى الدّين على أن يأخذ المدّعي أق ّل من المطلوب ليترك دعواه‬ ‫‪.‬‬

‫يعتبر أخذًا لبعض الحقّ ‪ ،‬وإبراءً عن الباقي ‪ ...‬إلخ‬

‫وثمرة ذلك ‪ :‬أن تجري على الصّلح أحكام العقد الّذي اعتبر به وتراعى فيه شروطه‬ ‫ن الصل في الصّلح أن يحمل على أشبه العقود به ‪،‬‬ ‫ومتطلّباته ‪ .‬قال الزّيلعيّ ‪ :‬وهذا ل ّ‬ ‫ن العبرة للمعاني دون الصّورة‬ ‫فتجري عليه أحكامه ؛ ل ّ‬

‫‪.‬‬

‫أقسام الصّلح‬

‫‪:‬‬

‫الصّلح إمّا أن يكون بين المدّعي والمدّعى عليه ‪ ،‬وإمّا أن يكون بين المدّعي‬

‫والجنبيّ ‪10 -‬‬

‫المتوسّط ‪ ،‬وينقسم إلى ثلثة أقسام ‪ ،‬صلح عن القرار ‪ ،‬وصلح عن النكار ‪ ،‬وصلح عن‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫الصّلح بين المدّعي والمدّعى عليه‬ ‫‪:‬‬

‫وهو ثلثة أقسام‬ ‫‪:‬‬

‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫القسم الوّل‬

‫الصّلح مع إقرار المدّعى عليه‬

‫وهو جائز باتّفاق الفقهاء ‪ .‬وهو ضربان ‪ :‬صلح عن العيان ‪ ،‬صلح عن‬ ‫‪.‬‬

‫السّكوت‬

‫الدّيون ‪11 -‬‬

‫أ ‪ -‬الصّلح عن العيان ‪ .‬وهو نوعان ‪ :‬صلح الحطيطة ‪ ،‬وصلح المعاوضة‬

‫أ ّولً ‪ :‬صلح الحطيطة‬

‫‪:‬‬

‫وهو الّذي يجري على بعض العين المدّعاة ‪ ،‬كمن صالح من الدّار المدّعاة على‬ ‫‪.‬‬

‫نصفها ‪12 -‬‬

‫أو ثلثها ‪ .‬وقد اختلف الفقهاء في حكمه على ثلثة أقوال‬

‫أحدها ‪ :‬للمالكيّة ‪ ،‬وهو الصحّ عند الشّافعيّة ورواية عن أحمد ‪ :‬وهو أنّه يعدّ من قبيل هبة‬ ‫بعض المدّعى لمن هو في يده ‪ ،‬فتثبت فيه أحكام الهبة ‪ ،‬سواء وقع بلفظ الهبة أو بلفظ‬ ‫‪.‬‬

‫الصّلح‬

‫ن الخاصّيّة الّتي يفتقر إليها لفظ الصّلح ‪ ،‬وهي سبق الخصومة قد حصلت‬ ‫قال الشّافعيّة ‪ :‬ل ّ‬ ‫‪ .‬والثّاني ‪ :‬للحنابلة ‪ ،‬وهو الوجه الثّاني عند الشّافعيّة ‪ :‬وهو أنّه إذا كان له في يده عين ‪،‬‬ ‫فقال المق ّر له ‪ :‬وهبتك نصفها ‪ ،‬فأعطني بقيّتها ‪ ،‬فيصحّ ويعتبر له شروط الهبة ؛ لنّ جائز‬ ‫التّصرّف ل يمنع من هبة بعض حقّه ‪ ،‬كما ل يمنع من استيفائه ‪ ،‬ما لم يقع ذلك بلفظ‬ ‫ح ؛ لنّه يكون قد صالح عن بعض ماله ببعضه ‪ ،‬فهو هضم للحقّ ‪ ،‬أو‬ ‫الصّلح‪ ،‬فإنّه ل يص ّ‬ ‫بشرط أن يعطيه الباقي ‪ ،‬كقوله ‪ :‬على أن تعطيني كذا منه أو تعوّضني منه بكذا ؛ لنّه‬ ‫يقتضي المعاوضة ‪ ،‬فكأنّه عاوض عن بعض حقّه ببعضه ‪ ،‬والمعاوضة عن الشّيء ببعضه‬ ‫‪.‬‬

‫ح كذلك‬ ‫محظورة ‪ ،‬أو يمنعه حقّه بدون الصّلح ‪ ،‬فإنّه ل يص ّ‬

‫والثّالث ‪ :‬للحنفيّة ‪ :‬وهو أنّه لو ادّعى شخص على آخر دارا ‪ ،‬حصل الصّلح على قسم‬ ‫‪:‬‬

‫معيّن منها ‪ ،‬فهناك قولن في المذهب‬

‫ن الصّلح إذا وقع‬ ‫أحدهما ‪ :‬ل يصحّ هذا الصّلح ‪ ،‬وللمدّعي الدّعاء بعد ذلك بباقي الدّار ؛ ل ّ‬ ‫على بعض المدّعى به يكون المدّعي قد استوفى بعض حقّه ‪ ،‬وأسقط البعض الخر ‪ ،‬إلّ أنّ‬ ‫ن بعض المدّعى به‬ ‫السقاط عن العيان باطل ‪ ،‬فصار وجوده وعدمه بمنزلة واحدة ‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫ل يكون عوضا عن كلّه ‪ ،‬حيث يكون ذلك بمثابة أنّ الشّيء يكون عوضا عن نفسه ‪ ،‬إذ‬ ‫‪.‬‬

‫البعض داخل ضمن الكلّ‬

‫والثّاني ‪ :‬يصحّ هذا الصّلح ‪ ،‬ول تسمع الدّعوى في باقيها بعده ‪ ،‬وهو ظاهر الرّواية ؛ لنّ‬ ‫البراء عن بعض العين المدّعى بها إبراء في الحقيقة عن دعوى ذلك البعض ‪ ،‬فالصّلح‬ ‫‪.‬‬

‫صحيح ول تسمع الدّعوى بعده‬

‫أمّا لو صالحه على منفعة العين المدّعاة ‪ ،‬بأن صالحه عن بيت ادّعى عليه به وأق ّر له به‬ ‫‪:‬‬

‫على سكناه مدّ ًة معلومةً ‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء في ذلك الصّلح على قولين‬

‫أحدهما ‪ :‬الجواز وهو قول الحنفيّة ‪ :‬ويعتبر إجار ًة ‪ .‬وهو قول الشّافعيّة في الصحّ ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ويعتبر إعارةً ؛ فتثبت فيه أحكامها ‪ .‬فإن عيّن مدّةً فإعارة مؤقّتة ‪ ،‬وإلّ فمطلقة‬

‫والثّاني ‪ :‬عدم الجواز ‪ ،‬وهو للحنابلة ووجه عند الشّافعيّة ؛ لنّه صالحه عن ملكه على‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫منفعة ملكه ‪ ،‬فكأنّه ابتاع داره بمنفعتها ‪ ،‬وهو ل يجوز‬

‫ثانيا ‪ :‬صلح المعاوضة‬

‫وهو الّذي يجري على غير العين المدّعاة ‪ ،‬كأن ادّعى عليه دارا ‪ ،‬فأقرّ له بها‬ ‫‪.‬‬

‫ثمّ ‪13 -‬‬

‫صالحه منها على ثوب أو دار أخرى‬

‫وهو جائز صحيح باتّفاق الفقهاء ‪ ،‬ويعدّ بيعا ‪ ،‬وإن عقد بلفظ الصّلح ؛ لنّه مبادلة مال‬ ‫بمال‪ ،‬ويشترط فيه جميع شروط البيع ‪ :‬كمعلوميّة البدل ‪ ،‬والقدرة على التّسليم ‪ ،‬والتّقابض‬ ‫‪.‬‬

‫في المجلس إن جرى بين العوضين ربا النّسيئة‬

‫كذلك تتعلّق به جميع أحكام البيع ‪ :‬كالرّدّ بالعيب ‪ ،‬وحقّ الشّفعة ‪ ،‬والمنع من التّصرّف قبل‬ ‫‪.‬‬

‫القبض ونحو ذلك ‪ ،‬كما يفسد بالغرر والجهالة الفاحشة والشّروط المفسدة للبيع‬

‫ولو صالحه من العين المدّعاة على منفعة عين أخرى ‪ ،‬كما إذا ادّعى على رجل شيئا ‪،‬‬ ‫فأق ّر به ‪ ،‬ثمّ صالحه على سكنى داره ‪ ،‬أو ركوب دابّته ‪ ،‬أو لبس ثوبه مدّةً معلومةً فل‬ ‫خلف بين الفقهاء في جواز هذا الصّلح ‪ ،‬وأنّه يكون إجارةً ‪ ،‬وتترتّب عليه سائر أحكامها ؛‬ ‫ن العبرة للمعاني ‪ ،‬فوجب حمل الصّلح عليها ‪ ،‬لوجود معناها فيها ‪ ،‬وهو تمليك المنافع‬ ‫لّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫بعوض‬

‫ب ‪ -‬الصّلح عن الدّين‬

‫وذلك مثل أن يدّعي شخص على آخر دينا ‪ ،‬فيقرّ المدّعى عليه له به ‪ ،‬ثمّ يصالحه على‬ ‫بعضه ‪ ،‬أو على مال غيره ‪ .‬وهو جائز ‪ -‬في الجملة ‪ -‬باتّفاق الفقهاء ‪ ،‬وإن كان ثمّة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫اختلف بينهم في بعض صوره وحالته‬

‫وهو عند الفقهاء نوعان ‪ :‬صلح إسقاط وإبراء ‪ ،‬وصلح معاوضة‬ ‫‪:‬‬

‫أ ّولً ‪ :‬صلح السقاط والبراء‬ ‫‪.‬‬

‫ويسمّى عند الشّافعيّة صلح الحطيطة‬

‫وهو الّذي يجري على بعض الدّين المدّعى ‪ ،‬وصورته بلفظ الصّلح ‪ ،‬أن يقول المقرّ‬ ‫‪.‬‬

‫له ‪14 -‬‬

‫‪ :‬صالحتك على اللف الحالّ الّذي لي عليك على خمسمائة‬ ‫‪:‬‬

‫وقد اختلف الفقهاء في حكمه على قولين‬

‫ن هذا الصّلح جائز ؛ إذ هو أخذ لبعض حقّه‬ ‫أحدهما ‪ :‬للحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬هو أ ّ‬ ‫وإسقاط لباقيه ‪ ،‬ل معاوضة ‪ ،‬ويعتبر إبراءً للمدّعى عليه عن بعض الدّين ؛ لنّه معناه ‪،‬‬ ‫فتثبت فيه أحكامه ‪ .‬وقد جاء في ( م‬ ‫‪.‬‬

‫‪1044‬‬

‫) من مرشد الحيران ‪ :‬لربّ الدّين أن يصالح‬

‫مديونه على بعض الدّين ‪ ،‬ويكون أخذا لبعض حقّه وإبراءً عن باقيه‬

‫ثمّ قال الشّافعيّة ‪ :‬ويصحّ بلفظ البراء والحطّ ونحوهما ‪ ،‬كالسقاط والهبة والتّرك والحلل‬ ‫والتّحليل والعفو والوضع ‪ ،‬ول يشترط حينئذ القبول على المذهب ‪ ،‬سواء قلنا ‪ :‬إنّ البراء‬ ‫ح بلفظ الصّلح في الصحّ ‪ .‬وفي اشتراط القبول إذا وقع به‬ ‫تمليك أم إسقاط ‪ .‬كما يص ّ‬

‫وجهان ‪-‬كالوجهين فيما لو قال لمن عليه دين ‪ :‬وهبته لك ‪ -‬والصحّ الشتراط ؛ لنّ اللّفظ‬ ‫‪.‬‬

‫بوضعه يقتضيه‬

‫والثّاني ‪ :‬للحنابلة ‪ :‬وهو أنّه إذا كان لرجل على آخر دين ‪ ،‬فوضع عنه بعض حقّه ‪ ،‬وأخذ‬ ‫منه الباقي ‪ ،‬كان ذلك جائزا لهما إذا كان بلفظ البراء ‪ ،‬وكانت البراءة مطلق ًة من غير‬ ‫شرط إعطاء الباقي ‪ ،‬كقول الدّائن ‪ :‬على أن تعطيني كذا منه ‪ ،‬ولم يمتنع المدّعى عليه من‬ ‫إعطاء بعض حقّه إلّ بإسقاط بعضه الخر ‪ .‬فإن تطوّع المق ّر له بإسقاط بعض حقّه بطيب‬ ‫‪.‬‬

‫نفسه جاز‪ ،‬غير أنّ ذلك ليس بصلح ول من باب الصّلح بسبيل‬

‫أمّا إذا وقع ذلك بلفظ الصّلح فأشهر الرّوايتين عن المام أحمد ‪ :‬أنّه ل يصحّ ‪ ،‬وهي الرّواية‬ ‫‪.‬‬

‫الصحّ في المذهب ؛ وذلك لنّه صالح عن بعض ماله ببعضه ‪ ،‬فكان هضما للحقّ‬ ‫‪.‬‬

‫والثّانية ‪ :‬وهي ظاهر " الموجز " " والتّبصرة " أنّه يصحّ‬

‫أمّا لو صالحه عن ألف مؤجّل على خمسمائة معجّلة ‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء في جواز ذلك‬ ‫‪:‬‬

‫على قولين‬

‫أحدهما ‪ :‬لجمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ -‬والصّحيح عند الحنابلة أنّ ذلك‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ل يجوز‬

‫واستثنى الحنفيّة والحنابلة من ذلك دين الكتابة ؛ لنّ الرّبا ل يجري بينهما في ذلك‬

‫صحّة ‪ :‬بأنّه ترك بعض المقدار ليحصل الحلول في الباقي ‪ ،‬والصّفة‬ ‫وعلّل الشّافعيّة عدم ال ّ‬ ‫ن صفة الحلول ل يصحّ إلحاقها بالمؤجّل ‪ ،‬وإذا لم يحصل ما‬ ‫بانفرادها ل تقابل بعوض ؛ ول ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ترك من القدر لجله لم يصحّ التّرك‬

‫ن من عجّل ما أجّل يع ّد مسلّفا ‪ ،‬فقد أسلف الن خمسمائة‬ ‫ووجه المنع عند المالكيّة ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ليقتضي عند الجل ألفا من نفسه‬

‫ق المعجّل ‪،‬‬ ‫ن صاحب الدّين المؤجّل ل يستح ّ‬ ‫وقد علّل الحنفيّة المنع في غير دين الكتابة ‪ :‬بأ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫فل يمكن أن يجعل استيفاءً ‪ ،‬فصار عوضا ‪ ،‬وبيع خمسمائة بألف ل يجوز‬

‫وبيان ذلك ‪ :‬أنّ المعجّل لم يكن مستحقّا بالعقد حتّى يكون استيفاؤه استيفا ًء لبعض حقّه ‪،‬‬ ‫والتّعجيل خير من النّسيئة ل محالة ‪ ،‬فيكون خمسمائة بمقابلة خمسمائة مثله من الدّين ‪،‬‬ ‫والتّعجيل في مقابلة الباقي ‪ ،‬وذلك اعتياض عن الجل ‪ ،‬وهو باطل ؛ أل ترى أنّ الشّرع‬ ‫حرّم ربا النّسيئة ‪ ،‬وليس فيه إلّ مقابلة المال بالجل شبهةً ‪ ،‬فلن تكون مقابلة المال‬ ‫‪.‬‬

‫بالجل حقيقةً حرامًا أولى‬

‫الثّاني ‪ :‬جواز ذلك ‪ -‬وهو رواية عن المام أحمد ‪ ،‬حكاها ابن أبي موسى وغيره ‪ ،‬وهو‬ ‫قول ابن عبّاس وإبراهيم النّخعيّ ‪ ،‬واختاره الشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة وتلميذه ابن قيّم‬

‫ن هذا عكس الرّبا ‪ ،‬فإنّ الرّبا يتضمّن الزّيادة في أحد العوضين‬ ‫الجوزيّة‪ .‬قال ابن القيّم ‪ :‬ل ّ‬ ‫في مقابلة الجل ‪ ،‬وهذا يتضمّن براءة ذمّته من بعض العوض في مقابلة سقوط الجل ‪،‬‬ ‫فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الجل ‪ ،‬فانتفع به كلّ واحد منهما ‪ ،‬ولم يكن‬ ‫هنا ربا ل حقيقةً ول لغةً ول عرفا ‪ ،‬فإنّ الرّبا الزّيادة ‪ ،‬وهي منتفية هاهنا ‪ ،‬والّذين حرّموا‬ ‫ذلك إنّما قاسوه على الرّبا ‪ ،‬ول يخفى الفرق الواضح بين قوله ‪ :‬إمّا أن تربي ‪ ،‬وإمّا أن‬ ‫تقضي ‪ .‬وبين قوله ‪ :‬عجّل لي وأهب لك مائةً ‪ .‬فأين أحدهما من الخر ؛ فل نصّ في‬ ‫‪.‬‬

‫تحريم ذلك ‪ ،‬ول إجماع ‪ ،‬ول قياس صحيح‬

‫ولو صالح من ألف درهم حا ّل على ألف درهم مؤجّل ‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء في صحّة ذلك‬ ‫‪:‬‬

‫على قولين‬

‫أحدهما ‪ :‬للشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬وهو أنّ التّأجيل ل يصحّ ‪ ،‬ويعتبر لغيا ؛ إذ هو من الدّائن‬ ‫‪.‬‬

‫وعد بإلحاق الجل ‪ ،‬وصفة الحلول ل يصحّ إلحاقها ‪ ،‬والوعد ل يلزم الوفاء به‬

‫والثّاني ‪ :‬للحنفيّة ‪ :‬وهو صحّة التّأجيل ‪ ،‬وذلك ؛ لنّه إسقاط لوصف الحلول فقط ‪ ،‬وهو‬ ‫ن أمور المسلمين محمولة على‬ ‫ح ‪ ،‬ويكون من قبيل الحسان ‪ .‬قالوا ‪ :‬ل ّ‬ ‫حقّ له ‪ ،‬فيص ّ‬ ‫صحّة ‪ ،‬فلو حملنا ذلك على المعاوضة فيلزم بيع الدّراهم بالدّراهم نساءً ‪ ،‬وذلك ل يجوز ؛‬ ‫ال ّ‬ ‫ن الدّراهم الحالّة والدّراهم المؤجّلة ثابتة في ال ّذمّة ‪ ،‬والدّين‬ ‫لنّه بيع الدّين بالدّين ؛ ل ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم « نهى عن الكالئ بالكالئ » ‪ ،‬فلمّا لم يكن‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫بالدّين ل يجوز؛ ل ّ‬ ‫ن ذلك جائز كونه تصرّفا‬ ‫حمله على المعاوضة حملناه على التّأخير تصحيحا للتّصرّف ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ق نفسه‪ ،‬ل في حقّ غيره‬ ‫في ح ّ‬

‫ولو اصطلحا عن الدّين الحالّ على وضع بعضه وتأجيل الباقي ‪ ،‬كما لو صالح الدّائن مدينه‬ ‫‪:‬‬

‫عن ألف حالّة على خمسمائة مؤجّلة ‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء في ذلك على ثلثة أقوال‬

‫الوّل ‪ :‬للحنفيّة والمالكيّة وبعض الحنابلة ‪ .‬وهو صحّة السقاط والتّأجيل ‪ .‬وقد اختاره‬ ‫الشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة ‪ .‬قال ابن القيّم ‪ :‬وهو الصّواب ‪ ،‬بناءً على صحّة تأجيل القرض‬ ‫‪.‬‬

‫والعاريّة‬

‫والثّاني ‪ :‬للحنابلة في الصحّ والشّافعيّة ‪ :‬وهو أنّه يصحّ السقاط دون التّأجيل ‪ .‬وعلّة‬ ‫صحّة الوضع والسقاط ‪ :‬أنّه أسقط بعض حقّه عن طيب نفسه ‪ ،‬فل مانع من صحّته ؛ لنّه‬ ‫ليس في مقابلة تأجيل ‪ ،‬فوجب أن يصحّ كما لو أسقطه كلّه ؛ إذ هو مسامحة وليس‬ ‫بمعاوضة ‪ .‬والثّالث ‪ :‬لبعض الحنابلة ‪ :‬وهو أنّه ل يصحّ السقاط ول التّأجيل ؛ بناءً على‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫أنّ الصّلح ل يصحّ مع القرار ‪ ،‬وعلى أنّ الحا ّل ل يتأجّل‬

‫ثانيا ‪ :‬صلح المعاوضة‬

‫على ‪15 -‬‬

‫وهو الّذي يجري على غير الدّين المدّعى ‪ ،‬بأن يق ّر له بدين في ذمّته ‪ ،‬ثمّ يتّفقان‬

‫تعويضه عنه ‪ .‬وحكمه حكم بيع الدّين ‪ ،‬وإن كان بلفظ الصّلح ‪ .‬وهو عند الفقهاء على‬ ‫‪:‬‬

‫أربعة أضرب‬

‫الوّل ‪ :‬أن يق ّر بأحد النّقدين ‪ ،‬فيصالحه بالخر ‪ ،‬نحو ‪ :‬أن يقرّ له بمائة درهم ‪ ،‬فيصالحه‬ ‫‪.‬‬

‫منها بعشرة دنانير ‪ ،‬أو يقرّ له بعشرة دنانير ‪ ،‬فيصالحه منها على مائة درهم‬

‫ص الفقهاء على أنّ له حكم الصّرف ؛ لنّه بيع أحد النّقدين بالخر ‪ ،‬ويشترط له ما‬ ‫وقد ن ّ‬ ‫يشترط في الصّرف من الحلول والتّقابض قبل التّفرّق‬

‫‪.‬‬

‫والثّاني ‪ :‬أن يقرّ له بعرض ‪ ،‬كفرس وثوب ‪ ،‬فيصالحه عن العرض بنقد ‪ ،‬أو يعترف له‬ ‫‪.‬‬

‫بنقد‪ ،‬كدينار ‪ ،‬فيصالحه عنه على عرض‬

‫ص الفقهاء على أنّ له حكم البيع ؛ إذ هو مبادلة مال بمال ‪ ،‬وتثبت فيه أحكام البيع ‪.‬‬ ‫وقد ن ّ‬ ‫والثّالث ‪ :‬أن يقرّ له بدين في ال ّذمّة ‪ -‬من نحو بدل قرض أو قيمة متلف ‪ -‬فيصالح على‬ ‫ب قمح ‪ ،‬ونحوه‬ ‫موصوف في ال ّذمّة من غير جنسه ‪ ،‬بأن صالحه عن دينار في ذمّته ‪ ،‬بإرد ّ‬ ‫‪.‬‬

‫في ال ّذمّة‬

‫وقد نصّ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة على صحّة هذا الصّلح ‪ ،‬غير أنّه ل يجوز التّفرّق فيه‬ ‫من المجلس قبل القبض ؛ لنّه إذا حصل التّفرّق قبل القبض كان كلّ واحد من العوضين دينًا‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ي عنه شرعا‬ ‫ن محلّه ال ّذمّة ‪ -‬فصار من بيع الدّين بالدّين ‪ ،‬وهو منه ّ‬ ‫‪-‬لّ‬

‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬يشترط تعيين بدل الصّلح في المجلس ليخرج عن بيع الدّين بالدّين‬

‫وفي اشتراط قبضه في المجلس وجهان ‪ :‬أصحّهما ‪ :‬عدم الشتراط إلّ إذا كانا ربويّين ‪.‬‬ ‫والرّابع ‪ :‬أن يقع الصّلح عن نقد ‪ ،‬بأن كان على رجل عشرة دراهم ‪ ،‬فصالح من ذلك على‬ ‫‪.‬‬

‫منفعة ‪ :‬كسكنى دار ‪ ،‬أو ركوب دابّة مدّة معيّنة ‪ ،‬أو على أن يعمل له عملً معلوما‬ ‫ص الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّ لهذا الصّلح حكم الجارة ‪،‬وتثبت فيه‬ ‫وقد ن ّ‬ ‫‪.‬أحكامها‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫القسم الثّاني‬

‫الصّلح مع إنكار المدّعى عليه‬

‫وذلك كما إذا ادّعى شخص على آخر شيئا ‪ ،‬فأنكره المدّعى عليه ‪ ،‬ثمّ صالح عنه ‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وقد ‪16 -‬‬

‫اختلف الفقهاء في جوازه على قولين‬

‫أحدهما لجمهور الفقهاء ‪ -‬من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ : -‬وهو جواز الصّلح على‬ ‫ق ‪ ،‬والمدّعى عليه يعتقد أن ل حقّ‬ ‫ن ما ادّعاه ح ّ‬ ‫النكار ‪ .‬بشرط أن يكون المدّعي معتقدا أ ّ‬ ‫عليه ‪ .‬فيتصالحان قطعا للخصومة والنّزاع ‪ .‬أمّا إذا كان أحدهما عالما بكذب نفسه ‪،‬‬

‫فالصّلح باطل في حقّه ‪ ،‬وما أخذه العالم بكذب نفسه حرام عليه ؛ لنّه من أكل المال بالباطل‬ ‫‪:‬‬

‫‪ .‬واستدلّوا على ذلك‬

‫أ ‪ -‬بظاهر قوله تعالى ‪ { :‬وَالصّ ْلحُ خَيْرٌ } ‪ .‬حيث وصف المولى عزّ وجلّ جنس الصّلح‬ ‫بالخيريّة ‪ .‬معلوم أنّ الباطل ل يوصف بالخيريّة ‪ ،‬فكان كلّ صلح مشروعا بظاهر هذا النّصّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪».‬‬

‫ص بدليل‬ ‫إلّ ما خ ّ‬

‫ب ‪ -‬بعموم قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬الصّلح جائز بين المسلمين‬ ‫‪.‬‬

‫فيدخل ذلك في عمومه‬

‫ن الصّلح إنّما شرع للحاجة إلى قطع الخصومة والمنازعة ‪ ،‬والحاجة إلى قطعها‬ ‫ج ‪ -‬وبأ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫في التّحقيق عند النكار ‪ -‬إذ القرار مسالمة ومساعدة ‪ -‬فكان أولى بالجواز‬

‫قال ابن قدامة ‪ :‬وكذلك إذا حلّ مع اعتراف الغريم ‪ ،‬فلن يحلّ مع جحده وعجزه عن‬ ‫‪.‬‬

‫الوصول إلى حقّه إلّ بذلك أولى‬

‫ن المدّعي يأخذ عوضا عن حقّه‬ ‫د ‪ -‬ولنّه صالح بعد دعوى صحيحة ‪ ،‬فيقضى بجوازه ؛ ل ّ‬ ‫الثّابت له في اعتقاده ‪ ،‬وهذا مشروع ‪ ،‬والمدّعى عليه يؤدّيه دفعا للشّ ّر وقطعا للخصومة‬ ‫عنه ‪ ،‬وهذا مشروع أيضا ‪ ،‬إذ المال وقاية النفس ‪ ،‬ولم يرد الشّرع بتحريم ذلك في‬ ‫‪.‬موضع‬ ‫هـ ‪ -‬ولنّ افتداء اليمين جائز ؛ لما روي عن عثمان وابن مسعود ‪ :‬أنّهما بذل مالً في‬ ‫دفع اليمين عنهما ‪ .‬فاليمين الثّابتة للمدّعي حقّ ثابت لسقوطه تأثير في إسقاط المال ‪ ،‬فجاز‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫أن يؤخذ عنه المال على وجه الصّلح ‪ ،‬أصله القود في دم العمد‬

‫ن الصّلح على النكار باطل‬ ‫والثّاني للشّافعيّة وابن أبي ليلى ‪ :‬وهو أ ّ‬ ‫‪:‬‬

‫واستدلّوا على ذلك‬

‫أ ‪ -‬بالقياس على ما لو أنكر الزّوج الخلع ‪ ،‬ثمّ تصالح مع زوجته على شيء‪ ،‬فل يصحّ‬ ‫‪.‬ذلك‬ ‫ن المدّعي إن كان كاذبا فقد استحلّ مال المدّعى عليه ‪ ،‬وهو حرام ‪ ،‬وإن كان‬ ‫ب ‪ -‬وبأ ّ‬ ‫ق جميع ما يدّعيه ‪ ،‬فدخل في قوله‬ ‫صادقًا فقد حرّم على نفسه ماله الحلل ؛ لنّه يستح ّ‬ ‫‪».‬‬

‫صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬إلّ صلحا أحلّ حراما أو حرّم حللً‬

‫ج ‪ -‬وبأنّ المدّعي اعتاض عمّا ل يملكه ‪ ،‬فصار كمن باع مال غيره ‪ ،‬والمدّعى عليه‬ ‫عاوض على ملكه ‪ ،‬فصار كمن ابتاع مال نفسه من وكيله ‪ .‬فالصّلح على النكار يستلزم أن‬ ‫يملك المدّعي ما ل يملك ‪ ،‬وأن يملك المدّعى عليه ما يملك ‪ ،‬وذلك إن كان المدّعي كاذبا ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫فإن كان صادقا انعكس الحال‬

‫‪.‬‬

‫د ‪ -‬ولنّه عقد معاوضة خل عن العوض في أحد جانبيه ‪ ،‬فبطل كالصّلح على حدّ القذف‬ ‫‪:‬‬

‫التّكييف الفقهيّ للصّلح على النكار‬

‫قال ابن رشد في " بداية المجتهد " ‪ :‬وأمّا الصّلح على النكار ‪ ،‬فالمشهور فيه عن‬

‫مالك ‪17 -‬‬

‫صحّة ما يراعى في البيوع ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬فالصّلح الّذي يقع‬ ‫وأصحابه ‪ :‬أنّه يراعى فيه من ال ّ‬ ‫فيه ما ل يجوز في البيوع هو في مذهب مالك على ثلثة أقسام ‪ :‬صلح يفسخ باتّفاق ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وصلح يفسخ باختلف ‪ ،‬وصلح ل يفسخ باتّفاق إن طال ‪ ،‬وإن لم يطل ففيه اختلف‬

‫ق المدّعي وبينه في حقّ المدّعى عليه وقالوا ‪:‬‬ ‫وفرّق الحنفيّة والحنابلة بين تكييفه في ح ّ‬ ‫ق المدّعي ؛ لنّه يعتقده عوضا عن حقّه‬ ‫يكون الصّلح على مال المصالح به معاوضةً في ح ّ‬ ‫; فيلزمه حكم اعتقاده ‪ ،‬وعلى ذلك ‪ :‬فإن كان ما أخذه المدّعي عوضا عن دعواه شقصا‬ ‫مشفوعا ‪ ،‬فإنّها تثبت فيه الشّفعة لشريك المدّعى عليه ؛ لنّه أخذه عوضا ‪ ،‬كما لو اشتراه‬ ‫ق المدّعى عليه خلصا من اليمين وقطعا للمنازعة ؛‬ ‫‪ - .‬ويكون الصّلح على النكار في ح ّ‬ ‫ن المدّعي في زعم المدّعى عليه المنكر غير محقّ ومبطل في دعواه ‪ ،‬وأنّ إعطاءه‬ ‫لّ‬ ‫العوض له ليس بمعاوضة بل للخلص من اليمين ‪ ،‬إذ لو لم يصالحه ويعط العوض لبقي‬ ‫النّزاع ولزمه اليمين ‪ .‬وقد عبّر الحنابلة عن هذا المعنى بقولهم ‪ :‬يكون صلح النكار إبراءً‬ ‫في حقّ المنكر؛ لنّه دفع إليه المال افتدا ًء ليمينه ودفعا للضّرر عنه ل عوضا عن حقّ‬ ‫‪.‬‬

‫يعتقده عليه‬

‫ن المدّعي‬ ‫وبناءً على ذلك ‪ :‬لو كان ما صالح به المنكر شقصا لم تثبت فيه الشّفعة ؛ ل ّ‬ ‫يعتقد أنّه أخذ ماله أو بعضه مسترجعا له ممّن هو عنده ‪ ،‬فلم يكن معاوضةً ‪ ،‬بل هو‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫كاسترجاع العين المغصوبة‬

‫القسم الثّالث‬

‫الصّلح مع سكوت المدّعى عليه‬

‫وذلك كما إذا ادّعى شخص على آخر شيئا ‪ ،‬فسكت المدّعى عليه دون أن يق ّر أو‬ ‫‪.‬‬

‫ينكر‪18 - ،‬‬

‫ثمّ صالح عنه‬

‫وقد اعتبر الفقهاء ‪ -‬ما عدا ابن أبي ليلى ‪ -‬هذا الصّلح في حكم الصّلح عن النكار ؛ لنّ‬ ‫ن السّكوت يمكن أن يحمل على القرار ‪ ،‬وعلى النكار ‪ ،‬إلّ‬ ‫السّاكت منكر حكما ‪ .‬صحيح أ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫أنّه نظرا لكون الصل براءة ال ّذمّة وفراغها ‪ ،‬فقد ترجّحت جهة النكار‬

‫ومن هنا كان اختلفهم في جوازه تبعا لختلفهم في جواز الصّلح عن النكار‬ ‫‪:‬‬

‫وعلى هذا ‪ ،‬فللفقهاء في الصّلح عن السّكوت قولن‬

‫أحدهما ‪ :‬للحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ :‬وهو جواز الصّلح على السّكوت ‪ ،‬وحجّتهم نفس‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫الدلّة الّتي ساقوها على جوازه عن النكار‬

‫وقد اشترطوا فيه نفس الشّروط ورتّبوا ذات الحكام الّتي اعتبروها في حالة النكار‬

‫هذا وقد وافقهم على جوازه ابن أبي ليلى ‪ -‬مع إبطاله الصّلح عن النكار ‪ -‬حيث اعتبره‬ ‫‪.‬‬

‫في حكم الصّلح على القرار‬

‫ن جواز‬ ‫والثّاني ‪ :‬للشّافعيّة ‪ :‬وهو عدم جواز الصّلح على السّكوت ‪ ،‬وأنّه باطل وذلك ل ّ‬ ‫الصّلح يستدعي حقّا ثابتا ‪ ،‬ولم يوجد في موضع السّكوت ؛ إذ السّاكت يعدّ منكرا حكما حتّى‬ ‫تسمع عليه البيّنة ‪ ،‬فكان إنكاره معارضا لدعوى المدّعي ‪ .‬ولو بذل المال لبذله لدفع‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫خصومة باطلة ‪ ،‬فكان في معنى الرّشوة‬

‫الصّلح بين المدّعي والجنبيّ‬

‫اختلف الفقهاء في الحكام المتعلّقة بال صّلح الكائن بين المدّعي والجنبيّ على النّحو التّالي‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫أ ّولً ‪ :‬مذهب الحنفيّة‬

‫ص الحنفيّة على أنّ الصّلح إذا كان بين المدّعي والجنبيّ ‪ ،‬فل يخلو ‪ :‬إمّا أن‬ ‫ن ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يكون ‪19 -‬‬

‫بإذن المدّعى عليه أو بغير إذنه‬

‫ل عن المدّعى عليه في الصّلح‬ ‫ح الصّلح ‪ ،‬ويكون الجنبيّ وكي ً‬ ‫أ ‪ -‬فإن كان بإذنه ‪ ،‬فإنّه يص ّ‬ ‫‪ ،‬ويجب المال المصالح به على المدّعى عليه دون الوكيل ‪ ،‬سواء أكان الصّلح عن إقرار أم‬ ‫ن الوكيل في الصّلح ل ترجع إليه حقوق العقد ‪ .‬وهذا إذا لم يضمن الجنبيّ بدل‬ ‫إنكار ؛ ل ّ‬ ‫الصّلح عن المدّعى عليه ‪ ،‬فأمّا إذا ضمن ‪ ،‬فإنّه يجب عليه بحكم الكفالة والضّمان ل بحكم‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫العقد‬

‫ب ‪ -‬وأمّا إذا كان بغير إذنه ‪ ،‬فهذا صلح الفضوليّ ‪ ،‬وله وجهان‬

‫ي الصّلح إلى نفسه ‪ ،‬كأن يقول للمدّعي ‪ :‬صالحني عن دعواك‬ ‫أحدهما ‪ :‬أن يضيف الفضول ّ‬ ‫مع فلن بألف درهم فيصالحه ذلك الشّخص ‪ .‬فهذا الصّلح صحيح ‪ ،‬ويلزم بدل الصّلح‬ ‫ي الصّلح‬ ‫ن إضافة الفضول ّ‬ ‫الفضوليّ ‪ ،‬ولو لم يضمن أو يضف الصّلح إلى ماله أو ذمّته ؛ ل ّ‬ ‫إلى نفسه تنفذ في حقّه ‪ ،‬ويكون قد التزم بدل الصّلح مقابل إسقاط اليمين عن المدّعى‬ ‫ن الصّلح‬ ‫عليه‪ ،‬وليس للفضوليّ الرّجوع على المدّعى عليه ببدل الصّلح الّذي أدّاه ‪ ،‬طالما أ ّ‬ ‫لم يكن بأمر المدّعى عليه ‪ .‬قال السّمرقنديّ في ( التّحفة ) ‪ :‬وإنّما كان هكذا ‪ ،‬لنّ التّبرّع‬ ‫بإسقاط الدّين‪ ،‬بأن يقضي دين غيره بغير إذنه صحيح ‪ ،‬والتّبرّع بإسقاط الخصومة عن‬ ‫غيره صحيح‪ ،‬والصّلح عن إقرار إسقاط للدّين ‪ ،‬والصّلح عن إنكار إسقاط للخصومة ‪،‬‬

‫ي الصّلح إلى المدّعى عليه ‪ ،‬بأن يقول‬ ‫فيجوز كيفما كان ‪ .‬والثّاني ‪ :‬أن يضيف الفضول ّ‬ ‫للمدّعي ‪ :‬تصالح مع فلن عن دعواك ‪ .‬ولهذا الوجه خمس صور ‪ :‬في أربع منها يكون‬ ‫‪.‬‬

‫الصّلح لزما ‪ ،‬وفي الخامسة منها يكون موقوفا‬

‫ووجه الحصر في هذا الوجه ‪ :‬أنّ الفضوليّ إمّا أن يضمن بدل الصّلح أو ل يضمن ‪ ،‬وإذا لم‬ ‫يضمن ‪ ،‬فإمّا أن يضيف الصّلح إلى ماله أو ل يضيفه ‪ .‬وإذا لم يضفه ‪ ،‬فإمّا أن يشير إلى‬ ‫‪.‬‬

‫نقد أو عرض أو ل يشير ‪ .‬وإذا لم يشر ‪ ،‬فإمّا أن يسلّم العوض أو ل يسلّم‬ ‫‪:‬‬

‫فالصّور خمس هي‬

‫الصّورة الولى ‪ :‬أن يضمن الفضوليّ بدل الصّلح ‪ ،‬كما إذا قال الفضوليّ للمدّعي ‪ :‬صالح‬ ‫فلنا عن دعواك معه بألف درهم ‪ ،‬وأنا ضامن لك ذلك المبلغ وقبل المدّعي تمّ الصّلح‬ ‫وصحّ؛ لنّه في هذه الصّورة لم يحصل للمدّعى عليه سوى البراءة ‪ ،‬فكما أنّ للمدّعى عليه‬ ‫‪.‬‬

‫أن يحصل على براءته بنفسه ‪ ،‬فللجنبيّ ‪ -‬أيضا ‪ -‬أن يحصل على براءة المدّعى عليه‬

‫وفي هذه الصّورة ‪ ،‬وإن لم يلزم الفضوليّ بدل الصّلح بسبب عقده الصّلح ‪ -‬من حيث كونه‬ ‫‪.‬‬

‫سفيرا ‪ -‬إلّ أنّه يلزمه أداؤه بسبب ضمانه‬

‫ي بدل الصّلح إلّ أنّه يضيفه إلى ماله ‪ ،‬كأن يقول‬ ‫الصّورة الثّانية ‪ :‬أن ل يضمن الفضول ّ‬ ‫الفضوليّ ‪ :‬قد صالحت على مالي الفلنيّ ‪ ،‬أو على فرسي هذه ‪ ،‬أو على دراهمي هذه‬ ‫اللف فيصحّ الصّلح ؛ لنّ المصالح الفضوليّ بإضافة الصّلح إلى ماله يكون قد التزم‬ ‫‪.‬‬

‫ي تسليم البدل‬ ‫ح الصّلح ولزم الفضول ّ‬ ‫تسليمه ‪ ،‬ولمّا كان مقتدرا على تسليم البدل ص ّ‬

‫ي هذا المبلغ ‪ ،‬أو‬ ‫الصّورة الثّالثة ‪ :‬أن يشير إلى العروض أو النّقود الموجودة بقوله ‪ :‬عل ّ‬ ‫ن بدل الصّلح المشار إليه قد تعيّن تسليمه على أن يكون من‬ ‫هذه السّاعة فيصحّ الصّلح ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ماله وبذلك تمّ الصّلح‬

‫ن الفضوليّ في الثّانية قد أضاف الصّلح إلى ماله‬ ‫والفرق بين الصّورة الثّانية والثّالثة ‪ :‬هو أ ّ‬ ‫الّذي نسبه إلى نفسه ‪ ،‬أمّا في الثّالثة فبدل الصّلح مع كونه ماله إلّ أنّه لم ينسبه إلى نفسه‬ ‫‪.‬‬

‫عند العقد‬

‫الصّورة الرّابعة ‪ :‬إذا أطلق بقوله ‪ :‬صالحت على كذا ‪ ،‬ولم يكن ضامنا ول مضيفا إلى ماله‬ ‫ول مشيرا إلى شيء ‪ ،‬وسلّم المبلغ فيصحّ الصّلح ؛ لنّ تسليم بدل الصّلح يوجب بقاء البدل‬ ‫المذكور سالما للمدّعي ‪ ،‬ويستلزم حصول المقصود بتمام العقد ‪ ،‬فصار فوق الضّمان‬ ‫‪.‬‬

‫والضافة إلى نفسه‬

‫وعلى ذلك ‪ :‬إذا حصل للمدّعي عوض في هذه الصّور وتمّ رضاؤه به برئ المدّعى عليه ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫ي المصالح من المصالح عنه‬ ‫ول شيء للفضول ّ‬

‫ن تسليم بدل الصّلح في الصّورتين‬ ‫ويستفاد من حصر لزوم التّسليم في الصّورة الرّابعة أ ّ‬ ‫الثّانية والثّالثة ليس شرطا لصحّة الصّلح ‪ ،‬فيصحّ فيهما ولو لم يحصل التّسليم ‪ ،‬ويجبر‬ ‫‪.‬‬

‫الفضوليّ على التّسليم‬

‫هذا وحيث صحّ الصّلح في هذه الصّور الربع ‪ ،‬فإنّ الفضوليّ المصالح يكون متبرّعا بالبدل‬ ‫‪.‬‬

‫; لنّه أجرى هذا العقد بل أمر المدّعى عليه‬

‫ي بقوله للمدّعي ‪ :‬أصالحك عن دعواك هذه مع فلن‬ ‫الصّورة الخامسة ‪ :‬أن يطلق الفضول ّ‬ ‫على ألف درهم ‪ ،‬ول يكون ضامنا ‪ ،‬ول مضيفا إلى ماله ول مشيرا إلى شيء ‪ ،‬ث ّم ل يسلّم‬ ‫ن المصالح هاهنا ‪ -‬وهو‬ ‫بدل الصّلح ‪ ،‬فصلحه هذا موقوف على إجازة المدّعى عليه ؛ ل ّ‬ ‫الفضوليّ ‪ -‬ل ولية له على المطلوب المدّعى عليه ‪ ،‬فل ينفذ تصرّفه عليه ‪ ،‬فيتوقّف على‬ ‫‪.‬‬

‫إجازته‬

‫ن إجازته اللّاحقة بمنزلة ابتداء التّوكيل‬ ‫وعلى ذلك ‪ :‬فإن أجاز المدّعى عليه صلحه صحّ ؛ ل ّ‬ ‫‪ ،‬ويلزم بدل الصّلح المدّعى عليه دون المصالح ؛ لنّه التزم هذا البدل باختياره ‪ ،‬ويخرج‬ ‫الجنبيّ الفضوليّ من بينهما ‪ ،‬ول يلزمه شيء ‪ .‬وإن لم يجز المدّعى عليه الصّلح فإنّه‬ ‫‪.‬‬

‫يبطل؛ لنّه ل يجب المال عليه والمدّعى به ل يسقط‬

‫ول فرق في هذه الصّورة بين أن يكون المدّعى عليه مقرّا أو منكرا ‪ ،‬وبين أن يكون بدل‬ ‫ن المصالح الفضوليّ لم يضف بدل الصّلح لنفسه أو ماله ‪ ،‬كما أنّه‬ ‫الصّلح عينا أو دينا ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫لم يضمنه ؛ فل يلزمه البدل المذكور‬

‫ثانيا ‪ :‬مذهب المالكيّة‬

‫ذهب المالكيّة إلى أنّه يجوز للرّجل أن يصالح عن غيره بوكالة أو بغير وكالة ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وذلك ‪20 -‬‬

‫مثل أن يصالح رجل على دين له على رجل ‪ ،‬ويلزم المصالح ما صالح به‬

‫جاء في " المدوّنة " في باب الصّلح ‪ :‬ومن قال لرجل ‪ :‬هلمّ أصالحك من دينك الّذي على‬ ‫فلن بكذا ‪ ،‬ففعل ‪ ،‬أو أتى رجل رجلً فصالحه عن امرأته بشيء مس ّمىً لزم الزّوج‬ ‫الصّلح ‪ ،‬ولزم المصالح ما صالح به وإن لم يقل ‪ :‬أنا ضامن ؛ لنّه إنّما قضى عن الّذي‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫ثالثا ‪ :‬مذهب الشّافعيّة‬

‫عليه الحقّ ممّا يحقّ عليه‬

‫ذهب الشّافعيّة إلى أنّ للصّلح الجاري بين المدّعي والجنبيّ‬ ‫‪:‬‬

‫الولى ‪ :‬مع إقرار المدّعى عليه‬ ‫‪.‬‬

‫حالتين ‪21 -‬‬

‫وفي هذه الحال فرّقوا بين ما إذا كان المدّعى عينا أو دينا‬

‫ن المدّعى عليه وكّلني في مصالحتك‬ ‫أ ‪ -‬فإن كان المدّعى عينا ‪ ،‬وقال الجنبيّ للمدّعي ‪ :‬إ ّ‬ ‫له عن بعض العين المدّعاة ‪ ،‬أو عن كلّها بعين من مال المدّعى عليه ‪ ،‬أو بعشرة في‬ ‫‪.‬‬

‫ن دعوى النسان الوكالة في المعاملت مقبولة‬ ‫ذمّته ‪ ،‬فتصالحا عليه ‪ ،‬صحّ الصّلح ؛ ل ّ‬ ‫ثمّ ينظر ‪ :‬فإن كان الجنبيّ صادقا في الوكالة ‪ ،‬صار المصالح عنه ملكا للمدّعى عليه ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وإلّ كان فضوليّا ولم يصحّ صلحه ‪ ،‬لعدم الذن فيه ‪ ،‬كشراء الفضوليّ‬

‫ولو صالحه الوكيل على عين مملوكة للوكيل ‪ ،‬أو على دين في ذمّته صحّ العقد ‪ ،‬ويكون‬ ‫كشرائه لغيره بإذنه بمال نفسه ‪ ،‬ويقع للذن ‪ ،‬فيرجع المأذون عليه بالمثل إن كان مثليّا ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫وبالقيمة إن كان قيميّا ؛ لنّ المدفوع قرض ل هبة‬

‫أمّا لو صالح عن العين المدّعاة لنفسه بعين من ماله أو بدين في ذمّته فيصحّ الصّلح‬ ‫ن الصّلح ترتّب‬ ‫للجنبيّ‪ ،‬وكأنّه اشتراه بلفظ الشّراء ‪ ،‬ولو لم يجر مع الجنبيّ خصومه ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫على دعوى وجواب‬

‫ب ‪ -‬وإن كان المدّعى دينا ‪ ،‬فينظر ‪ :‬فإن صالحه عن المدّعى عليه ‪ ،‬كما لو قال الجنبيّ‬ ‫ح الصّلح ؛ لنّه إن كان قد‬ ‫للمدّعي ‪ :‬صالحني على اللف الّذي لك على فلن بخمسمائة ص ّ‬ ‫وكّله المدّعى عليه بذلك فقد قضى دينه بإذنه ‪ ،‬وإن لم يوكّله فقد قضى دينه بغير إذنه وذلك‬ ‫جائز ‪ .‬ومثل ذلك ما لو قال له الجنبيّ ‪ :‬وكّلني المدّعى عليه بمصالحتك على نصفه ‪ ،‬أو‬ ‫ح ‪ ،‬وإن صالحه عن نفسه فقال ‪ :‬صالحني عن هذا الدّين‬ ‫على ثوبه هذا ‪ ،‬فصالحه فإنّه يص ّ‬ ‫ليكون لي في ذمّة المدّعى عليه ففيه وجهان ‪ -‬بنا ًء على الوجهين في بيع الدّين مَن غير‬ ‫‪-.‬‬ ‫‪.‬‬

‫أحدهما ‪ :‬ل يصحّ ؛ لنّه ل يقدر على تسليم ما في ذمّة المدّعى عليه‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫من عليه‬

‫ح كما لو اشترى وديعةً في يد غيره‬ ‫والثّاني ‪ :‬يص ّ‬

‫والثّانية ‪ :‬مع إنكار المدّعى عليه‬

‫وفي هذه الحال ‪ -‬أيضا ‪ -‬فرّقوا بين ما إذا كان المدّعى عينا أو دينا‬

‫أ ‪ -‬فإن كان عينا ‪ ،‬وصالحه الجنبيّ عن المنكر ظاهرا بقوله ‪ :‬أق ّر المدّعى عليه عندي‬ ‫ووكّلني في مصالحتك له ‪ ،‬إلّ أنّه ل يظهر إقراره لئلّ تنتزعه منه ‪ ،‬فصالحه صحّ ذلك ؛‬ ‫ي ‪ :‬لنّ العتبار بالمتعاقدين‬ ‫ن دعوى النسان الوكالة في المعاملت مقبولة ‪ .‬قال الشّيراز ّ‬ ‫لّ‬ ‫‪ ،‬وقد اتّفقا على ما يجوز العقد عليه فجاز ‪ ،‬ثمّ ينظر فيه ‪ :‬فإن كان قد أذن له في الصّلح‬ ‫ملك المدّعى عليه العين ؛ لنّه ابتاعه له وكيله ‪ ،‬وإن لم يكن أذن له في الصّلح لم يملك‬ ‫‪.‬‬

‫المدّعى عليه العين ؛ لنّه ابتاع له عينا بغير إذنه ‪ ،‬فلم يملكه‬

‫ولو قال الجنبيّ للمدّعي ‪ :‬هو منكر ‪ ،‬غير أنّه مبطل ‪ ،‬فصالحني له على داري هذه لتنقطع‬ ‫‪.‬‬

‫الخصومة بينكما فل يصحّ على الصحّ ؛ لنّه صلح إنكار‬

‫وإن صالح لنفسه فقال ‪ :‬هو مبطل في إنكاره ؛ لنّك صادق عندي ‪ ،‬فصالحني لنفسي‬ ‫بداري هذه أو بعشرة في ذمّتي فهو كشراء المغصوب ‪ ،‬فيفرّق بين ما إذا كان قادرا على‬ ‫‪.‬‬

‫انتزاعه فيصحّ ‪ ،‬وبين ما إذا كان عاجزًا عن انتزاعه فل يصحّ‬

‫ي ‪ :‬أنكر الخصم وهو مبطل ‪ ،‬فصالحني له بدابّتي‬ ‫ب ‪ -‬وإن كان المدّعى دينا ‪ :‬وقال الجنب ّ‬ ‫هذه لتنقطع الخصومة بينكما ‪ ،‬فقبل صحّ الصّلح ‪ ،‬إذ ل يتعذّر قضاء دين الغير بدون إذنه ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫بخلف تمليك الغير عين ماله بغير إذنه فإنّه ل يمكن‬

‫وإن صالحه عن الدّين لنفسه فقال ‪ :‬هو منكر ‪ ،‬ولكنّه مبطل ‪ ،‬فصالحني لنفسي بدابّتي هذه‬ ‫‪.‬‬

‫أو بعشرة في ذمّتي لخذه منه فل يصحّ ؛ لنّه ابتياع دين في ذمّة غيره‬ ‫‪:‬‬

‫رابعا ‪ :‬مذهب الحنابلة‬

‫تكلّم الحنابلة عن صلح الجنبيّ مع المدّعي في حالة النكار فقط ‪ ،‬ولم يتعرّضوا‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫لصلحه ‪22 -‬‬

‫في حالة القرار ‪ ،‬وقالوا‬

‫ي عن المنكر ‪ ،‬إمّا أن يكون عن عين أو دين‬ ‫ن صلح الجنب ّ‬ ‫أ‪-‬إّ‬

‫ح الصّلح ‪ ،‬سواء اعترف الجنبيّ‬ ‫فإن صالح عن منكر لعين بإذنه ‪ ،‬أو بدون إذنه ص ّ‬ ‫للمدّعي بصحّة دعواه على المنكر ‪ ،‬أو لم يعترف له بصحّتها ‪ ،‬ولو لم يذكر الجنبيّ أنّ‬ ‫المنكر وكّله في الصّلح عنه ؛ لنّه افتداء للمنكر من الخصومة وإبراء له من الدّعوى ‪ ،‬ول‬ ‫يرجع الجنبيّ بشيء ممّا صالح به على المنكر إن دفع بدون إذنه ؛ لنّه أدّى عنه ما ل‬ ‫يلزمه فكان متبرّعا‪ ،‬كما لو تصدّق عنه ‪ .‬أمّا إذا صالح عنه بإذنه فهو وكيله ‪ ،‬والتّوكيل‬ ‫‪.‬‬

‫في ذلك جائز ويرجع عليه بما دفع عنه بإذنه إن نوى الرّجوع عليه بما دفع عنه‬

‫ح الصّلح ‪ ،‬سواء اعترف الجنبيّ‬ ‫وإن صالح عن منكر لدين بإذنه أو بدون إذنه ‪ ،‬ص ّ‬ ‫للمدّعي لصحّة دعواه على المطلوب ‪ ،‬أو لم يعترف ؛ لنّ قضاء الدّين عن غيره جائز‬ ‫بإذنه وبغير إذنه ‪ ،‬فإنّ « عليّا وأبا قتادة ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬قضيا الدّين عن الميّت ‪،‬‬ ‫ن المنكر وكّله في الصّلح عنه‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم » ‪ ،‬ولو لم يقل الجنبيّ إ ّ‬ ‫وأقرّهما النّب ّ‬ ‫؛ لنّه افتداء للمنكر من الخصومة ‪ ،‬وإبراء له من الدّعوى ‪ ،‬ول يرجع الجنبيّ على المنكر‬ ‫بشيء ممّا صالح به إن دفع بدون إذنه ؛ لنّه أدّى عنه ما ل يلزمه فكان متبرّعا ‪ ،‬كما لو‬ ‫تصدّق عنه ‪ .‬فإن أذن المنكر للجنبيّ في الصّلح ‪ ،‬أو الداء عنه رجع عليه بما ادّعى عنه‬ ‫‪.‬‬

‫إن نوى الرّجوع بما دفع عنه‬

‫ي المدّعـي لنفسـه ‪ ،‬لتكون المطالبـة له فل يخلو ‪ :‬إمّا أن يعترف‬ ‫ب ‪ -‬وإن صـالح الجنـب ّ‬ ‫للمدّعي بصحّة دعواه ‪ ،‬أو ل يعترف له ‪:‬‬ ‫ل ؛ لنّه اشترى من المدّعي ما لم يثبت له ‪ ،‬ولم تتوجّه‬ ‫فإن لم يعترف له كان الصّلح باط ً‬ ‫‪.‬‬

‫إليه خصومة يفتدي منها ‪ ،‬أشبه ما لو اشترى منه ملك غيره‬

‫وإن اعترف له بصحّة دعواه وصالح المدّعي ‪ ،‬والمدّعى به دين لم يصحّ ؛ لنّه اشترى ما‬ ‫ل يقدر البائع على تسليمه ؛ ولنّه بيع للدّين من غير من هو في ذمّته ‪ .‬وإذا كان بيع‬ ‫الدّين المق ّر به من غير من هو في ذمّته ل يصحّ ؛ فبيع دين في ذمّة منكر معجوز عن‬ ‫‪.‬‬

‫قبضه منه أولى‬

‫ى عليه لم يصحّ‬ ‫وإن كان المدّعى به عينا ‪ ،‬وعلم الجنبيّ عجزه عن استنقاذها من مدّع ً‬ ‫الصّلح ؛ لنّه اشترى ما ل يقدر البائع على تسليمه كشراء الشّارد ‪ .‬وإن ظنّ الجنبيّ‬ ‫ح ؛ لنّه اشترى من مالك ملكه القادر على أخذه منه في اعتقاده ‪،‬‬ ‫القدرة على استنقاذها ص ّ‬ ‫ن عدم المقدرة ثمّ تبيّنت قدرته على استنقاذها صحّ الصّلح ؛ لنّ البيع تناول ما يمكن‬ ‫أو ظ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ن عدمه‬ ‫تسليمه فلم يؤثّر ظ ّ‬

‫ي بين فسخ الصّلح ‪-‬‬ ‫ثمّ إن عجز الجنبيّ بعد الصّلح ظانّا القدرة على استنقاذها خُيّر الجنب ّ‬ ‫ولنّه لم يسلّم له المعقود عليه ؛ فكان له الرّجوع إلى بدله ‪ -‬وبين إمضاء الصّلح ؛ لنّ‬ ‫‪.‬‬

‫ق له كخيار العيب ‪ .‬وإن قدر على انتزاعه استق ّر الصّلح‬ ‫الح ّ‬

‫ج ‪ -‬وإن قال الجنبيّ للمدّعي ‪ :‬أنا وكيل المدّعى عليه في مصالحتك عن العين ‪ ،‬وهو مقرّ‬ ‫ح الصّلح ؛ لنّه‬ ‫ي ‪ :‬ل يص ّ‬ ‫لك بها في الباطن ‪ ،‬وإنّما يجحدك في الظّاهر فظاهر كلم الخرق ّ‬ ‫يجحدها في الظّاهر لينتقص المدّعي بعض حقّه ‪ ،‬أو يشتريه بأقلّ من ثمنه ؛ فهو هاضم‬ ‫ق يتوصّل إلى أخذ المصالح عنه بالظّلم والعدوان ‪ ،‬فهو بمنزلة ما لو شافهه بذلك فقال‬ ‫للح ّ‬ ‫‪ :‬أنا أعلم صحّة دعواك ‪ ،‬وأنّ هذا لك ‪ ،‬ولكن ل أسلّمه إليك ول أقرّ لك به عند الحاكم حتّى‬ ‫تصالحني منه على بعضه أو عوض عنه ‪ ،‬وهو غير جائز ‪ .‬وقال القاضي ‪ :‬يصحّ ‪ .‬ثمّ‬ ‫ينظر إلى المدّعى عليه ‪ :‬فإن صدّقه على ذلك ملك العين ‪ ،‬ولزمه ما أدّى عنه ورجع‬ ‫الجنبيّ عليه بما أدّى عنه إن كان أذن له في الدّفع ‪ .‬وإن أنكر المدّعى عليه الذن في‬ ‫الدّفع فالقول قوله بيمينه ‪ ،‬ويكون حكمه كمن أدّى عن غيره دينا بل إذنه ‪ .‬وإن أنكر‬ ‫الوكالة فالقول قوله بيمينه ‪ ،‬ول رجوع للجنبيّ عليه ول يحكم له بملكها ؛ ثمّ إن كان‬ ‫الجنبيّ قد وكّل في الشّراء‪ ،‬فقد ملكها المدّعى عليه باطنا ؛ لنّه اشتراها بإذنه فل يقدح‬ ‫ي ‪ ،‬وإن لم‬ ‫إنكاره في ملكها ؛ لنّ ملكه ثبت قبل إنكاره ‪ ،‬وإنّما هو ظالم بالنكار للجنب ّ‬ ‫‪.‬‬

‫يوكّله لم يملكها ؛ لنّه اشترى له عينا بغير إذنه‬

‫ولو قال الجنبيّ للمدّعي ‪ :‬قد عرف المدّعى عليه صحّة دعواك ‪ ،‬ويسألك الصّلح عنه ‪،‬‬ ‫ح ؛ لنّه هاهنا لم يمتنع من أدائه ‪ ،‬بل اعترف به وصالحه عليه مع‬ ‫وكّلني فيه فصالحه ص ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫بذله فأشبه ما لو لم يجحده‬

‫أركان الصّلح‬

‫ذهب الحنفيّة إلى أنّ للصّلح ركنا واحدا ‪ :‬وهو الصّيغة المؤلّفة من اليجاب‬

‫والقبول ‪23 -‬‬

‫الدّالّة على التّراضي ‪ .‬وخالفهم في ذلك جمهور الفقهاء ‪ -‬من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‬ ‫‪:‬‬

‫ حيث عدّوا أركان الصّلح ثلثةً‬‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪).‬‬

‫أ ‪ -‬الصّيغة‬

‫ب ‪ -‬والعاقدان‬

‫ج ‪ -‬والمحلّ ‪ " .‬وهو المصالح به والمصالح عنه " ‪ .‬انظر مصطلح ( عقد‬ ‫‪:‬‬

‫شروط الصّلح‬

‫للصّلح شروط يلزم تحقّقها لوجوده ‪ ،‬هي خارجة عن ماهيّته ‪ ،‬منها ما يرجع‬

‫إلى ‪24 -‬‬

‫الصّيغة ‪ ،‬ومنها ما يرجع إلى العاقدين ‪ ،‬ومنها ما يرجع إلى المصالح عنه ‪ ،‬وهو الشّيء‬ ‫‪.‬‬

‫المتنازع فيه ‪ ،‬ومنها ما يرجع إلى المصالح عليه ‪ ،‬وهو بدل الصّلح‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫وبيان ذلك فيما يأتي‬

‫الشّروط المتعلّقة بالصّيغة‬

‫المراد بالصّيغة ‪ :‬اليجاب والقبول الدّالّين على التّراضي ‪ .‬مثل أن يقول المدّعى‬

‫عليه‪25 - :‬‬

‫صالحتك من كذا على كذا ‪ ،‬أو من دعواك كذا على كذا ‪ ،‬ويقول الخر ‪ :‬قبلت ‪ ،‬أو رضيت‬ ‫‪.‬‬

‫أو ما يدلّ على قبوله ورضاه ‪ .‬فإذا وجد اليجاب والقبول فقد تمّ الصّلح‬

‫هذا ‪ ،‬ولم يتعرّض فقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في باب الصّلح لبيان الشّروط‬ ‫المتعلّقة بصيغته ؛ نظرا لعتبارهم عقد الصّلح غير قائم بذاته ‪ ،‬بل تابعا لقرب العقود به‬ ‫في الشّرائط والحكام ‪ ،‬بحيث يعدّ بيعا إذا كان مبادلة مال بمال ‪ ،‬وهب ًة إذا كان على بعض‬ ‫العين المدّعاة‪ ،‬وإبراءً إذا كان على بعض الدّين المدّعى ‪ ،‬اكتفا ًء منهم بذكر ما يتعلّق‬ ‫بالصّيغة من شروط وأحكام في تلك العقود الّتي يلحق بها الصّلح ‪ ،‬بحسب محلّه وما‬ ‫‪.‬‬

‫تصالحا عليه‬

‫أمّا الحنفيّة ‪ :‬فقد تكلّموا على صيغة الصّلح بصورة مستقلّة في بابه ‪ ،‬وأتوا على ذكر بعض‬ ‫شروطها وأحكامها ‪ ،‬وسكتوا عن البعض الخر ‪ ،‬اكتفا ًء بما أوردوه من تفصيلت تتعلّق‬ ‫بالصّيغة في أبواب البيع والجارة والهبة والبراء ‪ ،‬الّتي يأخذ الصّلح أحكامها بحسب‬ ‫‪.‬‬

‫أحواله وصوره‬

‫أمّا كلمهم في باب الصّلح عن صيغته وشروطها ‪ :‬فهو أنّه يشترط في الصّلح حصول‬ ‫اليجاب من المدّعي على كلّ حال ‪ ،‬سواء أكان المدّعى به ممّا يتعيّن بالتّعيين أم لم يكن ‪،‬‬ ‫ح الصّلح بدون إيجاب مطلقا ‪ .‬أمّا القبول ‪ ،‬فيشترط في كلّ صلح يتضمّن‬ ‫ولذلك ل يص ّ‬ ‫‪.‬‬

‫المبادلة بعد اليجاب‬

‫ثمّ قالوا ‪ :‬تستعمل صيغة الماضي في اليجاب والقبول ‪ ،‬ول ينعقد الصّلح بصيغة المر ‪،‬‬ ‫وعلى ذلك لو قال المدّعي للمدّعى عليه ‪ :‬صالحني على الدّار الّتي تدّعيها بخمسمائة‬ ‫درهم ‪ ،‬فل ينعقد الصّلح بقول المدّعى عليه ‪ :‬صالحت ؛ لنّ طرف اليجاب كان عبارةً عن‬ ‫طلب الصّلح ‪ ،‬وهو غير صالح لليجاب ‪ ،‬فقول الطّرف الخر ‪ :‬قبلت ‪ ،‬ل يقوم مقام‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫اليجاب‬

‫أمّا إذا قال المدّعي ثانيا ‪ :‬قبلت ‪ .‬ففي تلك الحالة ينعقد الصّلح‬ ‫‪:‬‬

‫وبناءً على ما تقدّم‬

‫إذا كان المدّعى به ممّا يتعيّن بالتّعيين ‪ :‬كالعقارات ‪ ،‬والراضي ‪ ،‬وعروض التّجارة ‪،‬‬ ‫ن الصّلح في هذه الحالة ل يكون‬ ‫ونحوها فيشترط القبول بعد اليجاب لصحّة الصّلح ؛ ل ّ‬ ‫ي على عدم جريان‬ ‫إسقاطا حتّى يتمّ بإرادة المسقط وحدها ‪ ،‬وسبب عدم كونه إسقاطا مبن ّ‬ ‫‪.‬‬

‫السقاط في العيان‬

‫وإذا كان الصّلح واقعا على جنس آخر ‪ ،‬فيشترط القبول ‪ -‬أيضا ‪ -‬سواء أكان المدّعى به‬ ‫‪.‬‬

‫ممّا يتعيّن بالتّعيين أو كان ممّا ل يتعيّن بالتّعيين ‪ :‬كالنّقدين ‪ ،‬وما في حكمهما‬

‫ن الصّلح فيهما مبادلة ‪ ،‬وفي المبادلة يجب‬ ‫وسبب اشتراط القبول في هاتين المسألتين ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ح العقد بدونه‬ ‫القبول ‪ ،‬ول يص ّ‬

‫أمّا الصّلح الّذي ينعقد باليجاب وحده ‪ ،‬فهو الّذي يتضمّن إسقاط بعض الحقوق ‪ ،‬فيكتفى‬ ‫‪.‬‬

‫فيه باليجاب ‪ ،‬ول يشترط القبول‬

‫وعلى ذلك ‪ :‬فإذا وقع الصّلح على بعض الدّين الثّابت في ال ّذمّة ‪ ،‬بمعنى أن يكون ك ّل من‬ ‫المصالح عنه والمصالح به من النّقدين ‪ ،‬وهما ل يتعيّنان بالتّعيين ‪ ،‬فهاهنا ينعقد الصّلح‬ ‫ن هذا الصّلح عبارة عن إسقاط بعض‬ ‫بمجرّد إيجاب الدّائن ‪ ،‬ول يشترط قبول المدين ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ق ‪ ،‬والسقاط ل يتوقّف على القبول ‪ ،‬بل يتمّ بمجرّد إيجاب المسقط‬ ‫الح ّ‬

‫ل ‪ :‬لو قال الدّائن للمدين ‪ :‬صالحتك على ما في ذمّتك لي من الخمسمائة دينار على‬ ‫فمث ً‬ ‫مائتي دينار فينعقد الصّلح بمجرّد اليجاب ‪ ،‬ول يشترط قبول المدين ‪ ،‬ويلزم الصّلح ما لم‬ ‫يردّه الدّين ‪ .‬إلّ أنّه يشترط في ذلك أن يكون الموجب المدّعي ؛ لنّه لو كان المدّعى عليه‬ ‫هو الموجب ‪ ،‬فيشترط قبول المدّعي ؛ سواء أكان الصّلح عمّا يتعيّن بالتّعيين ‪ ،‬أم عمّا ل‬

‫يتعيّن بالتّعيين ‪ ،‬وذلك لنّ هذا الصّلح إمّا أن يكون إسقاطا ‪ ،‬فيجب أن يكون المسقط‬ ‫المدّعي أو الدّائن ‪ ،‬إذ ل يمكن سقوط حقّه بدون قبوله ورضاه ‪ ،‬وإمّا أن يكون معاوضةً ‪،‬‬ ‫وفي المعاوضة يشترط وجود اليجاب والقبول معا ‪ .‬أمّا في الصّلح عمّا ل يتعيّن بالتّعيين‬ ‫‪.‬‬

‫الّذي يقع على عين الجنس ‪ ،‬فيقوم طلب المدّعى عليه الصّلح مقام القبول‬ ‫‪:‬‬

‫الصّلح بالتّعاطي‬

‫ذهب الحنفيّة إلى انعقاد الصّلح بالتّعاطي إذا كانت قرائن الحال داّلةً على تراضيهما‬

‫به‪26 - ،‬‬

‫ق له أخذه وقبض المدّعي ذلك المال ‪ .‬وبيان‬ ‫كما لو أعطى المدّعى عليه مالً للمدّعي ل يح ّ‬ ‫ذلك ‪ :‬أنّه لو ادّعى شخص على آخر بألف درهم ‪ ،‬وأنكر المدّعى عليه الدّين ‪ ،‬وأعطى‬ ‫المدّعي شاةً وقبضها المدّعي منه فإنّه ينعقد الصّلح بالتّعاطي ‪ ،‬وليس للمدّعي بعد ذلك‬ ‫‪.‬‬

‫الدّعاء باللف درهم ‪ ،‬كما أنّه ليس للمدّعى عليه استرداد تلك الشّاة‬

‫أمّا إذا أعطى المدّعى عليه للمدّعي بعض المال الّذي كان للمدّعي حقّ أخذه وقبضه‬ ‫المدّعي‪ ،‬ولم يجر بينهما كلم يدلّ على الصّلح فل ينعقد الصّلح بالتّعاطي ‪ ،‬وللمدّعي طلب‬ ‫ق أخذه ‪ ،‬يحتمل أنّه قصد به‬ ‫باقي الدّين؛ لنّ أخذ المدّعي بعضا من المال الّذي له ح ّ‬ ‫استيفاء بعض حقّه على أن يأخذ البعض الباقي بعد ذلك ‪ ،‬كما أنّه يحتمل أنّه اكتفى بالمقدار‬ ‫‪.‬‬

‫الّذي أخذه وعدل عن المطالبة بالباقي ‪ ،‬والحقّ ل يسقط بالشّكّ‬ ‫‪:‬‬

‫الشّروط المتعلّقة بالعاقدين‬

‫وهي على ثلثة أقسام ‪ :‬منها ما يرجع إلى الهليّة ‪ ،‬ومنها ما يرجع إلى الولية‬ ‫‪).‬‬

‫ومنها ما يرجع للتّراضي ‪ .‬انظر مصطلحات ‪ ( :‬أهليّة ‪ ،‬تراضي ‪ ،‬عقد ‪ ،‬ولية‬ ‫‪:‬‬

‫‪.‬‬

‫‪27 - ،‬‬

‫الشّروط المتعلّقة بالمصالح عنه‬

‫المصالح عنه ‪ :‬هو الشّيء المتنازع فيه ‪ ،‬وهو نوعان ‪ :‬حقّ اللّه ‪ ،‬وحقّ العبد‬

‫ق اللّه ‪ :‬فل خلف بين الفقهاء في عدم صحّة الصّلح عنه ‪ .‬وعلى ذلك ‪،‬‬ ‫أمّا ح ّ‬

‫فل ‪28 -‬‬

‫يصحّ الصّلح عن حدّ الزّنا والسّرقة وشرب الخمر ‪ ،‬بأن صالح زانيا أو سارقا من غيره أو‬ ‫ق اللّه تعالى فل يجوز ‪،‬‬ ‫شارب خمر على مال على أن ل يرفعه إلى وليّ المر ؛ لنّه ح ّ‬ ‫ق نفسه ‪ ،‬إمّا باستيفاء كلّ حقّه ‪ ،‬أو‬ ‫ن المصالح بالصّلح متصرّف في ح ّ‬ ‫ويقع باطلً ؛ ل ّ‬ ‫‪.‬‬

‫باستيفاء البعض وإسقاط الباقي ‪ ،‬أو بالمعاوضة ‪ ،‬وكلّ ذلك ل يجوز في غير حقّه‬

‫وكذا إذا صالح من حدّ القذف ‪ ،‬بأن قذف رجلً ‪ ،‬فصالحه على مال على أن يعفو عنه ؛‬ ‫ق اللّه تعالى ‪ ،‬والمغلوب ملحق بالعدم شرعا ‪،‬‬ ‫لنّه وإن كان للعبد فيه حقّ ‪ ،‬فالمغلّب فيه ح ّ‬ ‫فكان في حكم الحقوق المتمحّضة حقّا للّه ع ّز وجلّ ‪ ،‬وهي ل تحتمل الصّلح ‪ ،‬فكذلك ما كان‬ ‫‪).‬‬

‫في حكمها ‪ ( .‬انظر مصطلح ‪ :‬قذف‬

‫وكذلك لو صالح شاهدا يريد أن يشهد عليه على مال ليكتم شهادته فهو باطل ؛ لنّ الشّاهد‬ ‫شهَادَةَ لِّل ِه }‬ ‫في إقامة الشّهادة محتسب حقّا للّه ع ّز وجلّ لقوله سبحانه ‪َ { :‬وأَقِيمُوا ال ّ‬ ‫‪.‬‬

‫والصّلح عن حقوق اللّه باطل‬

‫وإذا بطل الصّلح في حقوق اللّه تعالى وجب عليه ردّ ما أخذ ؛ لنّه أخذه بغير حقّ ‪ ،‬ول‬ ‫‪.‬‬

‫يحلّ لحد أخذ مال أحد إلّ بسبب شرعيّ‬

‫ح الصّلح عنه عند تحقّق شروطه الشّرعيّة ‪،‬‬ ‫وأمّا حقّ العبد ‪ :‬فهو الّذي يص ّ‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫وشروطه ‪29 -‬‬

‫عند الفقهاء ثلثة‬

‫أحدها ‪ :‬أن يكون المصالح عنه حقّا ثابتا للمصالح في المحلّ‬

‫وعلى ذلك ‪ :‬فما ل يكون حقّا له ‪ ،‬أو ل يكون حقّا ثابتا له في المحلّ ل يجوز‬

‫الصّلح ‪30 -‬‬

‫ن امرأةً طلّقها زوجها ادّعت عليه صبيّا في يده أنّه ابنه منها ‪ ،‬وجحد‬ ‫عنه ‪ ،‬حتّى لو أ ّ‬ ‫ي ل حقّها ‪،‬‬ ‫الرّجل‪ ،‬فصالحت عن النّسب على شيء فالصّلح باطل ؛ لنّ النّسب حقّ الصّب ّ‬ ‫ن الصّلح إمّا إسقاط أو معاوضة ‪ ،‬والنّسب ل‬ ‫فل تملك العتياض عن حقّ غيرها ؛ ول ّ‬ ‫يحتملهما‪ .‬وكذا لو صالح الشّفيع من الشّفعة الّتي وجبت له على شيء ‪ ،‬على أن يسلّم‬ ‫ق التّملّك ‪،‬‬ ‫ق للشّفيع في المحلّ ‪ ،‬إنّما الثّابت له ح ّ‬ ‫الدّار للمشتري فالصّلح باطل ؛ لنّه ل ح ّ‬ ‫وهو ليس لمعنىً في المحلّ ‪ ،‬بل هو عبارة عن الولية ‪ ،‬وأنّها صفة الوالي فل يحتمل‬ ‫الصّلح عنه ‪ ،‬وهو قول الجمهور ‪ -‬خلفا للمالكيّة ‪ -‬فيجوز عندهم الصّلح عن الشّفعة ‪.‬‬ ‫( ر ‪ :‬شفعة ‪ -‬إسقاط ‪ ) .‬وكذلك لو صالح الكفيل بالنّفس المكفول له على مال ‪ ،‬على أن‬ ‫ق المطالبة بتسليم‬ ‫ن الثّابت للطّالب قبل الكفيل بالنّفس ح ّ‬ ‫يبرّئه من الكفالة فالصّلح باطل ؛ ل ّ‬ ‫نفس المكفول بنفسه ‪ ،‬وذلك عبارة عن ولية المطالبة ‪ ،‬وأنّها صفة الوالي فل يجوز‬ ‫‪.‬‬

‫الصّلح عنها كالشّفعة‬

‫أمّا لو ادّعى على رجل ما ًل وأنكر المدّعى عليه ‪ ،‬ول بيّنة للمدّعي ‪ ،‬فطلب منه اليمين‬ ‫فصالح عن اليمين على أن ل يستحلفه جاز الصّلح وبرئ من اليمين ‪ ،‬بحيث ل يجوز‬ ‫للمدّعي أن يعود إلى استحلفه ‪ .‬وكذا لو قال المدّعى عليه ‪ :‬صالحتك من اليمين الّتي‬ ‫ن هذا صلح عن حقّ‬ ‫وجبت لك عليّ‪ .‬أو قال ‪ :‬افتديت منك يمينك بكذا وكذا صحّ الصّلح ؛ ل ّ‬ ‫ن اليمين حقّ للمدّعي قبل المدّعى عليه ‪ ،‬وهو ثابت في المحلّ ‪ -‬وهو‬ ‫ثابت للمدّعي ؛ ل ّ‬ ‫الملك في المدّعي في زعمه ‪ -‬فكان الصّلح في جانب المدّعي عن حقّ ثابت في المحلّ ‪،‬‬ ‫وهو المدّعي‪ ،‬وفي جانب المدّعى عليه بذل المال لسقاط الخصومة والفتداء عن اليمين ‪.‬‬ ‫ي ‪ .‬ونصّ الحنفيّة والحنابلة ‪ :‬على أنّه لو ادّعى رجل على المرأة نكاحا فحجّته‬ ‫قاله الكاسان ّ‬ ‫‪ ،‬وصالحته على مال بذلته حتّى يترك الدّعوى جاز هذا الصّلح ؛ لنّ النّكاح حقّ ثابت في‬

‫جانب المدّعي حسب زعمه ‪ ،‬فكان الصّلح على حقّ ثابت له ‪ ،‬والدّافع يقطع به الخصومة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫عن نفسه ‪ ،‬فكان في معنى الخلع‬

‫والثّاني ‪ :‬أن يكون ممّا يصحّ العتياض عنه‬

‫أي ‪ :‬أن يكون ممّا يجوز أخذ العوض عنه ‪ ،‬سواء أكان ممّا يجوز بيعه أو ل يجوز‬ ‫‪.‬‬

‫‪31 - ،‬‬

‫وسواء أكان ما ًل أو غير مال‬

‫وعلى ذلك ‪ :‬فيجوز الصّلح عن قود نفس ودونها ‪ ،‬وعن سكنى دار ونحوها ‪ ،‬وعن عيب‬ ‫‪.‬‬

‫في عوض أو معوّض ‪ ،‬قطعا للخصومة والمنازعة‬

‫عفِيَ‬ ‫ن ُ‬ ‫ومتى صالح عمّا يوجب القصاص بأكثر من ديته أو أق ّل جاز ‪ .‬لقوله تعالى ‪َ { :‬فمَ ْ‬ ‫عفِيَ َل ُه }‬ ‫حسَانٍ } فقوله عزّ وجلّ { َفمَنْ ُ‬ ‫َلهُ ِمنْ َأخِيهِ شَيْءٌ فَاتّبَاعٌ بِا ْل َمعْرُوفِ َوأَدَاء إِلَ ْيهِ ِبِإ ْ‬ ‫أي ‪ :‬أعطى له ‪ .‬كذا روي عن عبد اللّه بن عبّاس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬وقوله عزّ شأنه {‬ ‫فَاتّبَاعٌ بِا ْل َمعْرُوفِ } أي ‪ :‬فليتبع " مصدر بمعنى المر " فقد أمر اللّه تعالى الوليّ بالتّباع‬ ‫بالمعروف إذا أعطي له شيء ‪ ،‬واسم الشّيء يتناول القليل والكثير ‪ ،‬فدلّت الية على جواز‬ ‫ن القصاص حقّ ثابت في‬ ‫الصّلح عن القصاص على القليل والكثير ‪ .‬وقال الزّيلعيّ ‪ :‬ول ّ‬ ‫المحلّ ‪ ،‬ويجري فيه العفو مجّانا ‪ ،‬فكذا تعويضا لشتماله على الوصاف الجميلة من‬ ‫ي ‪ ،‬وإحياء القاتل ‪ ...‬والكثير والقليل سواء في الصّلح عن القصاص ؛ لنّه‬ ‫إحسان الول ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ليس فيه شيء مقدّر ‪ ،‬فيفوّض إلى اصطلحهما ‪ ،‬كالخلع على مال‬

‫أمّا إذا صالح عن قتل الخطأ بأكثر من ديته من جنسها لم يجز ‪ .‬وكذلك لو أتلف شيئا غير‬ ‫مثليّ لغيره ‪ ،‬فصالح عنه بأكثر من قيمته من جنسها لم يجز أيضا ‪ ،‬وذلك لنّ الدّية‬ ‫والقيمة ثبتت في ال ّذمّة مقدّرةً ‪ ،‬فلم يجز أن يصالح عنها بأكثر من جنسها الثّابتة عن‬ ‫قرض أو ثمن مبيع ؛ ولنّه إذا أخذ أكثر منها فقد أخذ حقّه وزياد ًة ل مقابل لها ‪ ،‬فيكون‬ ‫أكل مال بالباطل ‪ .‬فأمّا إذا صالحه على غير جنسها بأكثر من قيمتها ‪ ،‬فيجوز ؛ لنّه بيع ‪،‬‬ ‫ويجوز للمرء أن يشتري الشّيء بأكثر من قيمته أو أق ّل ؛ ولنّه ل ربا بين العوض‬ ‫والمعوّض عنه فصحّ ‪ .‬وبنا ًء على ما تقدّم ‪ :‬ل يجوز الصّلح على ما ل يجوز أخذ العوض‬ ‫عنه ‪ ،‬مثل أن يصالح امرأةً على مال لتقرّ له بالزّوجيّة ؛ لنّه صلح يحلّ حراما ؛ ولنّها لو‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫أرادت بذل نفسها بعوض لم يجز‬

‫الثّالث ‪ :‬أن يكون معلوما‬

‫وقد اختلف الفقهاء في اشتراطه أو في مداه على ثلثة‬ ‫‪.‬‬

‫أقوال ‪32 -‬‬

‫أحدها للشّافعيّة ‪ :‬وهو عدم صحّة الصّلح عن المجهول‬

‫قال المام الشّافعيّ في " المّ " ‪ :‬أصل الصّلح أنّه بمنزلة البيع ‪ ،‬فما جاز في البيع جاز في‬ ‫الصّلح ‪ ،‬وما لم يجز في البيع لم يجز في الصّلح ‪ ،‬ث ّم يتشعّب ‪ ...‬ول يجوز الصّلح عندي‬ ‫إلّ على أمر معروف ‪ ،‬كما ل يجوز البيع إلّ على أمر معروف ‪ ،‬وقد روي عن عمر ‪-‬‬ ‫‪».‬‬

‫رضي ال عنه ‪ « : -‬الصّلح جائز بين المسلمين إلّ صلحا أحلّ حراما أو حرّم حللً‬

‫ومن الحرام الّذي يقع في الصّلح أن يقع عندي على المجهول الّذي لو كان بيعا كان حراما‬ ‫‪.‬‬

‫هذا ‪ ،‬وقد نصّ الشّافعيّة على صحّة الصّلح عن المجمل عندهم ‪ ،‬فلو ادّعى عليه شيئا‬ ‫‪.‬‬

‫ح الصّلح‬ ‫مجملً فأقرّ له به وصالحه عنه على عوض ‪ ،‬ص ّ‬

‫قال الشّيخ أبو حامد وغيره ‪ :‬هذا إذا كان المعقود عليه معلوما لهما فيصحّ الصّلح وإن لم‬ ‫‪.‬‬

‫يسمّياه ‪ ،‬كما لو قال ‪ :‬بعتك الشّيء الّذي نعرفه أنا وأنت بكذا فقال ‪ :‬اشتريت صحّ‬

‫والثّاني للحنفيّة ‪ :‬وهو أنّه يشترط كون المصالح عنه معلوما إن كان ممّا يحتاج إلى‬ ‫‪.‬‬

‫ل يفضي إلى المنازعة‬ ‫التّسليم‪ ،‬فإنّه لمّا كان مطلوب التّسليم اشترط كونه معلوما لئ ّ‬

‫جاء في فتاوى قاضي خان ‪ :‬إذا ادّعى حقّا في دار رجل ولم يسمّ ‪ ،‬فاصطلحا على مال‬ ‫ح هذا الصّلح ؛ لنّ‬ ‫معلوم يعطيه المدّعي ليسلّم المدّعى عليه ما ادّعاه المدّعي ل يص ّ‬ ‫المدّعى عليه يحتاج إلى تسليم ما ادّعاه المدّعي ‪ ،‬فإذا لم يعلم مقدار ذلك ل يدري ماذا‬ ‫‪.‬‬

‫يسلّم إليه ‪ ،‬فل يجوز‬

‫أمّا إذا كان ممّا ل يحتاج التّسليم ‪ -‬كترك الدّعوى مثلً ‪ -‬فل يشترط كونه معلوما ؛ لنّ‬ ‫جهالة السّاقط ل تفضي إلى المنازعة ‪ ،‬والمصالح عنه هاهنا ساقط ‪ ،‬فهو بمنزلة البراء‬ ‫ي ‪ :‬لنّ الجهالة ل تبطل العقود لعينها ‪ ،‬وإنّما‬ ‫عن المجهول ‪ ،‬وهو جائز ‪ .‬قال السبيجاب ّ‬ ‫تبطل العقود لمعنىً فيها ‪ ،‬وهو وقوع المنازعة ‪ .‬فإن كان ممّا يستغنى عن قبضه ول تقع‬ ‫المنازعة في ثاني الحال فيه جاز ‪ ،‬وإن كان ممّا يحتاج إلى قبضه ‪ ،‬وتقع المنازعة في‬ ‫‪.‬‬

‫ثاني الحال عند القبض والتّسليم لم يجز‬

‫والثّالث للمالكيّة والحنابلة ‪ :‬وهو التّفريق بين ما إذا كان المصالح عنه ممّا يتعذّر علمه ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وبين ما إذا كان ممّا ل يتعذّر‬

‫ص المالكيّة والحنابلة على صحّة الصّلح عنه‬ ‫فإن كان ممّا يتعذّر علمه ‪ ،‬فقد ن ّ‬

‫قال الحنابلة ‪ :‬سواء أكان عينا أم دينا ‪ ،‬وسواء جهله أو جهله من عليه الحقّ ‪ ،‬وسواء‬ ‫‪:‬‬

‫أكان المصالح به حالّا أو نسيئةً ‪ ،‬واستدلّوا على ذلك‬

‫أ ‪ -‬بما ورد عن أمّ سلمة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬قالت ‪ « :‬جاء رجلن من النصار‬ ‫يختصمان إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست ‪ ،‬ليس بينهما‬ ‫بيّنة ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إنّكم تختصمون إليّ ‪ ،‬وإنّما أنا بشر ‪ ،‬ولعلّ‬

‫بعضكم ألحن بحجّته أو قد قال ‪ :‬لحجّته من بعض ‪ ،‬فإنّي أقضي بينكم على نحو ممّا‬ ‫ق أخيه شيئا فل يأخذه ‪ ،‬فإنّما أقطع له قطعةً من النّار ‪ ،‬يأتي‬ ‫أسمع ‪ ،‬فمن قضيت له من ح ّ‬ ‫بها إسطاما في عنقه يوم القيامة ‪ .‬فبكى الرّجلن ‪ ،‬وقال كلّ واحد منهما حقّي لخي ‪ .‬فقال‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أمّا إذ قلتما ‪ ،‬فاذهبا ‪ ،‬فاقتسما ث ّم توخّيا الحقّ ‪ ،‬ثمّ‬ ‫‪».‬‬ ‫‪.‬‬

‫استهما ‪ ،‬ثمّ ليحلل كلّ واحد منكما صاحبه‬

‫ب ‪ -‬ولنّه إسقاط حقّ ‪ ،‬فصحّ في المجهول كالطّلق للحاجة‬

‫ق بعينه فلن يصحّ مع الجهل أولى ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬ولنّه إذا صحّ الصّلح مع العلم وإمكان أداء الح ّ‬ ‫وذلك لنّه إذا كان معلومًا فلهما طريق إلى التّخلّص وبراءة أحدهما من صاحبه بدونه ‪،‬‬ ‫ق ‪ ،‬أو بقاء شغل‬ ‫ومع الجهل ل يمكن ذلك ‪ ،‬فلو لم يجز الصّلح لفضى ذلك إلى ضياع الح ّ‬ ‫‪.‬‬

‫ال ّذمّة على تقدير أن يكون بينهما مال ل يعرف كلّ واحد منهما قدر حقّه منه‬

‫أمّا إذا كان ممّا ل يتعذّر علمه ‪ ،‬كتركة باقية ‪ ،‬صالح الورثة الزّوجة عن حصّتها منها مع‬ ‫‪.‬‬

‫الجهل بها ‪ .‬فقال المالكيّة ‪ ،‬وأحمد في قول له ‪ :‬ل يجوز الصّلح إلّ بعد المعرفة بذلك‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫وقال الحنابلة في المشهور عندهم ‪ :‬يصحّ لقطع النّزاع‬

‫الشّروط المتعلّقة بالمصالح به‬

‫المصالح به ‪ ،‬أو المصالح عليه ‪ :‬هو بدل الصّلح ‪ .‬وشروطه عند الفقهاء‬ ‫‪:‬‬

‫اثنان ‪33 -‬‬

‫أحدهما ‪ :‬أن يكون ما ًل متقوّما‬

‫وعلى ذلك ‪ ،‬فل يصحّ الصّلح على الخمر ‪ ،‬والخنزير ‪ ،‬والميتة ‪ ،‬والدّم ‪ ،‬وصيد الحرام‬ ‫والحرم ‪ ،‬وذلك لنّ في الصّلح معنى المعاوضة ‪ ،‬فما ل يصحّ عوضا في البياعات ل يصحّ‬ ‫‪.‬‬

‫جعله بدل صلح ‪ ،‬ول فرق بين أن يكون المال دينا أو عينا أو منفعةً‬

‫فلو صالحه على مقدار من الدّراهم ‪،‬أو على سكنى دار أو ركوب دابّة وقتا معلوما صحّ‬ ‫‪.‬‬

‫ن كلّ ما يجوز بيعه وشراؤه يجوز الصّلح عليه ‪ ،‬وما ل فل‬ ‫ذلك‪ .‬قال الكاسانيّ ‪ :‬الصل أ ّ‬ ‫‪:‬‬

‫والثّاني ‪ :‬أن يكون معلوما‬

‫وعلى ذلك قال الحنابلة ‪ :‬فإن وقع الصّلح بمجهول لم يصحّ ؛ تسليمه واجب والجهل يمنعه‬ ‫‪ .‬أمّا الحنفيّة ‪ ،‬فقد فصّلوا في المسألة وقالوا ‪ :‬يشترط كون المصالح به معلوما إن كان‬ ‫ن جهالة البدل تؤدّي إلى المنازعة ‪ ،‬فتوجب فساد العقد‬ ‫ممّا يحتاج إلى القبض والتّسليم ؛ ل ّ‬ ‫‪ ،‬أمّا إذا كان شيئا ل يفتقر إلى القبض والتّسليم فل يشترط معلوميّته ‪ ،‬مثل أن يدّعي حقّا‬ ‫في دار رجل ‪ ،‬وادّعى المدّعى عليه حقّا في أرض بيد المدّعي فاصطلحا على ترك الدّعوى‬ ‫‪.‬‬

‫جاز ‪ ،‬وإن لم يبيّن كلّ منهما مقدار حقّه ؛ لنّ جهالة السّاقط ل تفضي إلى المنازعة‬

‫ن جهالة البدل ل تمنع جواز العقد لعينها ‪ ،‬بل لفضائها إلى المنازعة‬ ‫قال الكاسانيّ ‪ :‬ل ّ‬ ‫المانعة من التّسليم والتّسلّم ‪ ،‬فإذا كان ما ًل يستغنى عن التّسليم والتّسلّم فيه ‪ ،‬ل يفضي إلى‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫المنازعة فل يمنع الجواز‬

‫آثار الصّلح‬

‫قال الفقهاء ‪ :‬إنّ الثار المترتّبة على انعقاد الصّلح هو حصول البراءة عن‬

‫الدّعوى ‪34 -‬‬

‫ووقوع الملك في بدل الصّلح للمدّعي ‪ ،‬وفي المصالح به للمدّعى عليه إن كان ممّا يحتمل‬ ‫ن الصّلح يعتبر بأقرب العقود إليه ‪ -‬إذ العبرة في العقود للمقاصد والمعاني ل‬ ‫التّمليك ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫لللفاظ والمباني ‪ -‬فما كان في معنى البيع أو الجارة أو السقاط أخذ حكمه‬

‫وعلى ذلك قالوا ‪ :‬إذا تمّ الصّلح على الوجه المطلوب دخل بدل الصّلح في ملك المدّعي ‪،‬‬ ‫وسقطت دعواه المصالح عنها ‪ ،‬فل يقبل منه الدّعاء بها ثانيا ‪ ،‬ول يملك المدّعى عليه‬ ‫‪.‬‬

‫وجاء في م (‬

‫‪1556‬‬

‫استرداد بدل الصّلح الّذي دفعه للمدّعي‬

‫) من مجلّة الحكام العدليّة ‪ :‬إذا ت ّم الصّلح فليس لواحد من الطّرفين ‪-‬‬

‫فقط ‪ -‬الرّجوع ‪ ،‬ويملك المدّعي بالصّلح بدله ‪ ،‬ول يبقى له حقّ في الدّعوى ‪ ،‬وليس‬ ‫‪.‬‬

‫للمدّعى عليه ‪ -‬أيضا ‪ -‬استرداد بدل الصّلح‬

‫وأصل ذلك ‪ :‬أنّ الصّلح من العقود اللّازمة ‪ ،‬فلذلك ل يملك أحد العاقدين فسخه ‪ ،‬أو الرّجوع‬ ‫عنه بعد تمامه ‪ .‬أمّا إذا لم يتمّ فل حكم له ول أثر يترتّب عليه ‪ .‬فلو ادّعى أحد على آخر‬ ‫ن ذلك الحقّ أو المال ل يلزم المدّعى‬ ‫حقّا وتصالح مع المدّعى عليه على شيء ‪ ،‬ثمّ ظهر بأ ّ‬ ‫عليه فل يتمّ ول حكم له ‪ ،‬وللمدّعى عليه استرداد بدل الصّلح ‪ ،‬وكذلك لو تصالح البائع مع‬ ‫المشتري عن خيار العيب ‪ ،‬ثمّ ظهر عدم وجود العيب ‪ ،‬أو زال العيب من نفسه وبدون‬ ‫معالجة أو كلفة بطل الصّلح ‪ ،‬ويجب على المشتري ردّ بدل الصّلح الّذي أخذه للبائع ‪ .‬وكذا‬ ‫إذا كان المدّعي مبطلً وغير محقّ في دعواه ‪ ،‬فل يحلّ له ديانةً بدل الصّلح في جميع أنواع‬ ‫الصّلح ‪ ،‬ول يطيب له ‪ ،‬ما لم يسلّم المدّعى عليه للمدّعي بدل الصّلح عن طيب نفس ‪ ،‬وفي‬ ‫‪.‬‬

‫تلك الحالة يصبح التّمليك بطريق الهبة‬

‫وعلى أساس ما تقدّم نصّ الفقهاء على ‪ :‬أنّه إذا مات أحد المتصالحين بعد تمام الصّلح ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫فليس لورثته فسخه‬

‫ق بعد الصّلح‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬من ادّعى على آخر حقّا ‪ ،‬فأنكره ‪ ،‬فصالحه ‪ ،‬ث ّم ثبت الح ّ‬ ‫باعتراف أو بيّنة فله الرّجوع في الصّلح ‪ ،‬إلّ إذا كان عالمًا بالبيّنة وهي حاضرة ولم يقم‬ ‫بها‪ ،‬فالصّلح له لزم ‪ .‬أمّا إذا كان أحد المتصالحين قد أشهد قبل الصّلح إشهاد تقيّة ‪ :‬أنّ‬

‫ن الصّلح ل يلزمه إذا ثبت‬ ‫صلحه إنّما هو لما يتوقّعه من إنكار صاحبه أو غير ذلك ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫أصل حقّه‬

‫ما يترتّب على انحلل الصّلح‬

‫إذا بطل الصّلح بعد صحّته ‪ ،‬أو لم يصحّ أصلً فيرجع المدّعي إلى أصل دعواه إن‬

‫كان ‪35 -‬‬

‫الصّلح عن إنكار ‪ .‬وإن كان عن إقرار فيرجع على المدّعى عليه بالمدّعى ل غيره ‪ ،‬إلّ في‬ ‫ي الدّم أن يرجع على القاتل بالدّية دون‬ ‫الصّلح عن القصاص إذا لم يصحّ فإنّ لول ّ‬ ‫القصاص ‪ ،‬إلّ أن يصير مغرورا من جهة المدّعى عليه ‪ ،‬فيرجع عليه بضمان الغرور أيضا‬ ‫‪.‬‬ ‫*‬

‫صِلَة‬ ‫‪:‬‬

‫التّعريف‬

‫ل ووصلةً وصلةً‬ ‫ضمّ والجمع ‪ ،‬يقال ‪ :‬وصل الشّيء بالشّيء وص ً‬ ‫الصّلة في اللّغة ‪ :‬ال ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪1-:‬‬

‫ضمّه به وجمعه ولمه ‪ .‬وعن ابن سيده ‪ :‬الوصل خلف الفصل‬

‫كما تطلق على العطيّة والجائزة ‪ ،‬وعلى النتهاء والبلوغ ‪ ،‬وعلى ض ّد الهجران‬ ‫‪.‬‬

‫وفي الصطلح ‪ :‬تطلق على صلة الرّحم ‪ ،‬وصلة السّلطان‬

‫قال العينيّ في شرح البخاريّ ‪ :‬الصّلة هي صلة الرحام ‪ ،‬وهي كناية عن الحسان إلى‬ ‫القربين من ذوي النّسب والصهار ‪ ،‬والتّعطّف عليهم والرّفق بهم والرّعاية لحوالهم ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وكذلك إن بعدوا وأساءوا ‪ ،‬وقطع الرّحم قطع ذلك كلّه‬

‫وقال النّوويّ في شرح مسلم ‪ :‬قال العلماء ‪ :‬وحقيقة الصّلة العطف والرّحمة‬

‫ففي حديث أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ « :‬إنّ اللّه خلق الخلق حتّى‬ ‫إذا فرغ منهم قامت الرّحم فقالت ‪ :‬هذا مقام العائذ من القطيعة ‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪ .‬أمّا ترضين أن‬ ‫‪».‬‬

‫أصل من وصلك وأقطع من قطعك ‪ ،‬قالت ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬فذاك لك‬

‫ن صلة اللّه سبحانه وتعالى لعباده عبارة عن لطفه بهم ورحمته إيّاهم‬ ‫وذكر النّوويّ ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫وعطفه بإحسانه ونعمه‬

‫ويعتبر الفقهاء الصّلة سببا من أسباب الهبات والعطايا والصّدقات ‪ .‬كما يطلق بعض الفقهاء‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫على عطايا السّلطين ‪ :‬صلت السّلطين‬

‫اللفاظ ذات الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫أ ‪ -‬قطيعة‬

‫من معاني القطيعة في اللّغة ‪ :‬الهجران ‪ ،‬يقال ‪ :‬قطعت الصّديق قطيعةً ‪ :‬هجرته‬

‫‪2-.‬‬

‫وقطيعة الرّحم ض ّد صلة الرّحم ‪ .‬وهي ‪ :‬قطع ما ألف القريب منه من سابق الوصلة‬ ‫‪.‬‬

‫والحسان لغير عذر شرعيّ‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬عطيّة‬

‫العطيّة والعطاء ‪ :‬اسم لما يعطى ‪ ،‬والجمع عطايا وأعطية ‪ ،‬وجمع الجمع ‪ :‬أعطيات‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪3-.‬‬

‫والعطيّة اصطلحا ‪ :‬هي ما تفرض للمقاتلة‬

‫ويستعمل الفقهاء العطيّة ‪ -‬أيضا ‪ -‬بالمعنى اللّغويّ نفسه‬ ‫‪:‬‬

‫الهبة لغةً ‪ :‬العطيّة الخالية عن العواض‬

‫‪.‬‬

‫ج ‪ -‬هبة‬

‫والغراض ‪4 -‬‬

‫وفي الكلّيّات ‪ :‬الهبة معناها ‪ :‬إيصال الشّيء إلى الغير بما ينفعه ‪ ،‬سواء كان مالً أو غير‬ ‫‪.‬‬

‫مال ‪ ،‬ويقال ‪ :‬وهب له مالً وهبا وهبةً ‪ ،‬ووهب اللّه فلنا ولدا صالحا‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫والهبة اصطلحا ‪ :‬هي تمليك العين بل شرط العوض‬

‫الحكم الجماليّ‬

‫أوّلً ‪ :‬في صلة الرّحم‬

‫ن صلة الرّحم واجبة في الجملة ‪ ،‬وقطعيّتها معصية كبيرة ‪ ،‬لقوله تعالى‬ ‫ل خلف في أ ّ‬

‫‪5-:‬‬

‫ي صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬من كان‬ ‫ن ِبهِ وَالَ ْرحَامَ } ‪ .‬وقول النّب ّ‬ ‫{ وَاتّقُواْ الّلهَ الّذِي َتسَاءلُو َ‬ ‫‪».‬‬

‫يؤمن باللّه واليوم الخر فليصل رحمه‬

‫والصّلة درجات بعضها أرفع من بعض ‪ ،‬وأدناه ترك المهاجرة ‪ ،‬وصلتها بالكلم ولو‬ ‫‪.‬‬

‫بالسّلم‪ .‬ويختلف ذلك باختلف القدرة والحاجة ‪ :‬فمنها واجب ‪ ،‬ومنها مستحبّ‬

‫واختلف الفقهاء في حدّ الرّحم الّتي تجب صلتها فقيل ‪ :‬هي كلّ رحم محرم بحيث لو كان‬ ‫أحدهما ذكرا والخر أنثى حرّمت مناكحتهما ‪ ،‬وعلى هذا ل يدخل أولد العمام ول أولد‬ ‫الخوال ‪ .‬وقيل ‪ :‬الرّحم عا ّم في كلّ من ذوي الرحام في الميراث يستوي المحرم وغيره ‪.‬‬ ‫قال النّوويّ ‪ :‬والقول الثّاني هو الصّواب ‪ ،‬وممّا يد ّل عليه حديث ‪ « :‬إنّ أبرّ الب ّر صلة‬ ‫‪».‬‬

‫الرّجل أهل ودّ أبيه‬

‫‪ ) .‬وتفصيل مسائل صلة الرّحم في مصطلح ( أرحام‬ ‫‪:‬‬

‫الهبة لذي الرّحم‬

‫قال الحنفيّة ‪ :‬يمتنع الرّجوع في الهبة إذا كانت لذي رحم محرم لقول النّبيّ صلى‬

‫‪81/ 3‬‬

‫ال ‪6 -‬‬

‫عليه وسلم « الواهب أحقّ بهبته ما لم يثب منها » أي ما لم يعوّض ‪ .‬وصلة الرّحم عوض‬ ‫معنىً ؛ لنّ التّواصل سبب التّناصر والتّعاون في الدّنيا ‪ ،‬فيكون وسيلةً إلى استيفاء النّصرة‬

‫‪ ،‬وسبب الثّواب في الدّار الخرة ‪ ،‬فكان أقوى من المال ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ( هبة‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬صلت السّلطان‬

‫اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز أخذ عطايا السّلطان إذا علم أنّها‬

‫حرام ‪7 -‬‬

‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى جواز قبول عطايا السّلطان إذا لم يعلم أنّها حرام ‪ ،‬قال الشّيخ‬ ‫‪.‬‬

‫عليش ‪ :‬الخلفاء ومن ألحق بهم فعطاياهم يجوز قبولها عند جميع السّلف والخلف‬

‫وقال ابن حجر الهيتميّ ‪ :‬ومع الجواز يكون الخذ تحت خطر احتمال الوقوع في الحرام ‪،‬‬ ‫‪.‬‬

‫فيتأثّر قلبه به ‪ ،‬بل ويطالب به في الخرة إن كان المعطي غير مستقيم الحال‬

‫ن الغالب‬ ‫وفرّق الحنفيّة بين أمراء الجور وغيرهم ‪ ،‬فل يجوز قبول عطايا أمراء الجور ؛ ل ّ‬ ‫ن أكثر ماله حلل ‪ ،‬وأمّا أمراء غير الجور فيجوز الخذ‬ ‫في مالهم الحرمة‪ ،‬إلّ إذا علم أ ّ‬ ‫‪.‬‬

‫منهم‪ .‬وذهب المام أحمد إلى كراهة الخذ ‪ .‬أمّا إذا علم أنّها حرام فل يجوز أخذها‬ ‫) ويرجع في تفصيل ذلك إلى مصطلح ( جائزة ف ‪/ 7/‬‬

‫صلة الرّحم *‬ ‫‪.‬‬

‫*‬

‫صَلِيب‬

‫*‬

‫صَمْت‬

‫انظر ‪ :‬أرحام ‪ ،‬صلة‬

‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫*‬

‫صَمْعَاء‬

‫*‬

‫صَمّاء‬

‫*‬

‫صنَاعة‬ ‫ِ‬

‫‪278/ 15،‬‬

‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬تصليب‬

‫انظر ‪ :‬سكوت‬

‫انظر ‪ :‬أضحيّة‬

‫انظر ‪ :‬أضحيّة‬ ‫‪:‬‬

‫الصّناعة ‪ :‬اسم لحرفة الصّانع ‪ ،‬وعمله الصّنعة ‪ ،‬يقال ‪ :‬صنعه يصنعه صنعا‬

‫التّعريف‬

‫وصناعةً‪1 - :‬‬ ‫‪.‬‬

‫عمله‬

‫‪.‬‬

‫والصّنع إجادة الفعل ‪ ،‬وكلّ صنع فعل ‪ ،‬وليس كلّ فعل صنعا‬ ‫‪:‬‬

‫اللفاظ ذات الصّلة‬ ‫‪:‬‬

‫الحرفة مصدر ‪ :‬حرّف يحرّف لعياله ‪ :‬كسب ‪ ،‬واكتسب لهم ‪ .‬والحرفة أعمّ من‬ ‫‪.‬‬

‫أ ‪ -‬حرفة‬

‫الصّناعة ‪2 -‬‬

‫ص بما يستدعي عملً‬ ‫عرفا ؛ لنّها تشمل ما يستدعي عملً ‪ ،‬وغيره ‪ ،‬والصّنعة تخت ّ‬ ‫‪:‬‬

‫ب ‪ -‬كسب‬

‫الكسب مصدر ‪ :‬كسب مالً يكسب كسبا ‪ :‬ربحه ‪ ،‬وكسب لهله واكتسب ‪ :‬طلب‬

‫المعيشة ‪3 -‬‬

‫‪.‬‬

‫‪ ،‬واكتسب الثم ‪ :‬تحمّله‬ ‫‪:‬‬

‫ج ‪ -‬مهنة‬

‫المهنة ‪ :‬الحذق بالخدمة والعمل ‪ ،‬قال الصمعيّ ‪ :‬المهنة ‪ -‬بفتح الميم ‪ -‬هي الخدمة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫‪4-،‬‬

‫ويقال ‪ :‬إنّه في مهنة أهله ‪ :‬أي في خدمتهم‬

‫الحكم التّكليفيّ‬

‫الصّناعة ‪ -‬في الجملة ‪ -‬من المور الضّروريّة للحياة الّتي ل يستغني عنها النّاس‬

‫في ‪5 -‬‬

‫حياتهم ‪ ،‬كسائر ما ل تتمّ المعائش إلّ به ‪ ،‬كالتّجارة ‪ ،‬والزّراعة ‪ ،‬وغير ذلك ممّا ل تستقيم‬ ‫أمور حياة النّاس بدونها ‪ ،‬فهي لهذا فرض كفاية على الجماعة ‪ ،‬إن قام بها البعض يسقط‬ ‫‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫الحرج عن الباقين ‪ ،‬وإلّ أثموا جميعا‬

‫وتفصيل ذلك في مصطلحات ( حرفة ‪ ،‬احتراف ‪ ،‬كسب ‪ ،‬اكتساب‬

‫وقد تحرّم ‪ :‬كصنع التّصاوير ‪ ،‬وآلت اللّهو المحرّمة ‪ ،‬والصّلبان ‪ .‬لما روي عن ابن عمر‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬الّذين يصنعون هذه‬ ‫ رضي ال عنهما ‪ : -‬عن النّب ّ‬‫‪».‬‬

‫الصّور يعذّبون يوم القيامة ‪ ،‬يقال لهم ‪ :‬أحيوا ما خلقتم‬

‫صفّته تماثيل‬ ‫وعن العمش عن مسلم ‪ « :‬كنّا مع مسروق في دار يسار بن نمير فرأى في ُ‬ ‫فقال ‪ :‬سمعت عبد اللّه بن مسعود قال ‪ :‬سمعت النّبيّ صلى ال عليه وسلم يقول ‪ :‬إنّ أشدّ‬ ‫»‬

‫النّاس عذابا عند اللّه يوم القيامة المصوّرون‬

‫وفي حرمة النتفاع بآلت اللّهو ‪،‬والصّلبان ‪ ،‬تفصيل ينظر في مصطلح ( تصوير ‪،‬‬ ‫‪).‬وصليب‬ ‫‪:‬‬

‫الصّناعة في المسجد‬

‫ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه تكره الصّناعة في المساجد لمنافاة ذلك حرمة‬

‫المساجد‪6 - ،‬‬

‫واستثنى الشّافعيّة من ذلك المعتكف ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ل يكره له الصّنائع في المسجد ‪ :‬كالخياطة‬

‫والكتابة ما لم يكثر منها ‪ ،‬وإن أكثر منها كره ‪ ،‬كما استثنى المالكيّة من منع الصّناعة في‬ ‫‪.‬‬

‫المسجد ‪ :‬ما كان نفعه يعود للمسلمين جميعا في دينهم ‪ ،‬كإصلح آلت الجهاد ‪ ،‬فل بأس‬

‫ن المسجد مخلّص للّه ‪ ،‬فل يكون‬ ‫وقال الحنفيّة ‪ :‬ل يجوز أن يعمل الصّنائع في المساجد ؛ ل ّ‬ ‫لغير العبادة ‪ ،‬غير أنّهم قالوا ‪ :‬إذا جلس الخيّاط في المسجد لصيانته ودفع الصّبيان عن‬ ‫‪.‬‬

‫العبث فيه فل بأس‬

‫ل كان أو‬ ‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل يجوز التّكسّب في المسجد بالصّنعة ‪ ،‬كخياطة وغيرها ‪ ،‬قلي ً‬ ‫‪.‬‬

‫كثيرا؛ لحاجة أو لغيرها ؛ لنّها بمنزلة الشّراء والبيع ‪ ،‬وهو ممنوع‬ ‫‪).‬‬ ‫‪:‬‬

‫والتّفصيل في مصطلح ( حرفة‬

‫اعتبار الصّنعة في الكفاءة في النّكاح‬

‫يقول جمهور الفقهاء ‪ :‬إنّ الصّناعة معتبرة في الكفاءة ‪ :‬فصاحب صناعة دنيئة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫ليس ‪7 -‬‬

‫كفئًا لبنت من هو أرفع منه صناعةً‬

‫قالوا ‪ :‬المعتبر في الدّناءة والرّفعة عرف كلّ بلد‬

‫وقيل ‪ :‬يعوّل على قول الفقهاء ‪ ،‬فيما نصّوا عليه ‪ ،‬وفيما عدا ذلك يرجع إلى عرف البلد ‪.‬‬ ‫‪).‬‬

‫*‬

‫صنجة‬

‫*‬

‫صوْت‬ ‫َ‬

‫*‬

‫صُورة‬

‫*‬

‫صُوف‬

‫والتّفصيل في ‪ ( :‬كفاءة ‪ ،‬نكاح حرفة‬

‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬مقادير‬

‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬تصوير‬

‫انظر ‪ :‬شعر ‪ ،‬صوف ‪ ،‬وبر‬

‫نهاية الجزء السابع والعشرين ‪ /‬الموسوعة الفقهية‬ ‫****************************‬

‫انظر ‪ :‬كلم‬

Related Documents

027
November 2019 32
027
November 2019 35
027
November 2019 36
027
November 2019 32
027
July 2020 9
027
December 2019 18

More Documents from "B.I"

C++.docx
October 2019 86
El Gran Aviso.pdf
June 2020 39
El Proyecto.docx
October 2019 70
Corrientes Inducidas.docx
October 2019 60