الجزء التاسع عشر من الموسوعة الفقهية
انظر تختّم .
خاتم * خادم *
انظر خدمة .
انظر خروج .
خارج * خارجيّ *
انظر فرق .
التّعريف :
خاصّ *
ص من باب قعد :ضدّ ص الشّيء يخصّه خصوصا فهو خا ّ ص في اللّغة :من خ ّ - 1الخا ّ ص مثله ،والخاصّة خلف العامّة . عمّ ،واخت ّ وفي اصطلح الصوليّين :هو ما وضع لواحد منفرد أو كثير محصور ،سواء أكان الواحد باعتبار الشّخص كزيد ،أو باعتبار النّوع كرجل وفرس .
اللفاظ ذات الصّلة : العامّ : - 2العامّ في اللّغة :المر الشّامل المتعدّد ،سواء أكان المر لفظا أم غير لفظ ،يقال عمّهم الخير أو المطر :إذا شملهم ،وأحاط بهم . وفي الصطلح :هو اللّفظ المستغرق لجميع ما يصلح له ،بوضع واحد من غير حصر .
الحكم الجماليّ :
- 3إذا ورد في النّصّ لفظ خاصّ ثبت الحكم لمدلوله ،ما لم يقم دليل على تأويله ،وإرادة ل كلّ منهما على خلف ما يدلّ عليه معنىً آخر منه .وإن تعارض الخاصّ مع العا ّم بأن د ّ ص متأخّر عن ص يخصّص العامّ ،سواء علم أنّ الخا ّ الخر ،فذهب الشّافعيّة إلى أنّ الخا ّ العامّ ،أم تقارنا ،أم علم تأخّره عن الخاصّ ،أم جهل التّاريخ .
وقال الحنفيّة :إن تأخّر الخاصّ نسخ من العامّ بقدر ما يدلّ عليه ،وإن تأخّر العامّ نسخ ل أن يترجّح أحدهما على الخر بمرجّح ، الخاصّ ،وإن جهل المتقدّم يجب التّوقّف .إ ّ والتّفصيل في الملحق الصوليّ للموسوعة .
الجير الخاصّ : - 4هو من يعمل لواحد عملًا مؤ ّقتًا بالتّخصيص ،كأن استؤجر لخدمة ،أو خياطة ،يوما أو ص أن يقوم بالعمل في الوقت المحدّد كلّه ،سوى أسبوعا ونحوه .ويجب على الجير الخا ّ زمن التّطهّر للصّلوات الخمس ،وزمن فعلها بسننها المؤكّدة ،وصلة جمعة ،وعيد ،فهي مستثناة شرعا ،ول ينقص من الجرة ،ول يصلّي النّوافل ،فإن صلّاها نقص من أجرته . ول يلزم المستأجر أن يمكّن الجير الخاصّ من الذّهاب إلى المسجد للجماعة ،إن كان المسجد بعيدا ،وإن كان قريبا ففيه احتمال ،إلّ أن يكون المام ممّن يطيل الصّلة ،فل يلزمه قطعا . ص يمنع من شهود الجماعة إلّ بشرط في العقد أو إذن . وقال المجد من الحنابلة :ظاهر النّ ّ وسبت اليهود ،ويوم الحد للنّصارى مستثنىً منه كذلك شرعا ،وقال الزّركشيّ :هل يلحق بذلك بقيّة أعيادهم ؟ فقال :فيه نظر ،ل سيّما الّتي تدوم أيّاما ،والقرب المنع ،لعدم اشتهارها في عرف المسلمين وجهل النّاس لها ،وتقصير ال ّذ ّميّ في عدم اشتراطه في العقد. ول يجوز للجير الخاصّ أن يعمل لغير مستأجره ،فإن عمل لغيره فأضرّه بذلك فللمستأجر على الجير ما فوّته عليه من منفعة .والتّفصيل في مصطلح ( :إجارة )
الطّريق الخاصّ :
ص هو الممرّ غير النّافذ المحصور بدور قوم محصورين ،وهذا في الغالب - 5الطّريق الخا ّ فقد قال ابن عابدين :المراد بالطّريق غير النّافذ المملوك ،وليس ذلك " أي كونه غير نافذ " ن ذلك " أي عدم النّفوذ لعلّة الملك فقد ينفذ الطّريق وهو مملوك ،وقد يسدّ منفذه هو للعامّة لك ّ " دليل على الملك غالبا ،فأقيم مقامه ووجب العمل به حتّى يدلّ الدّليل على خلفه .وقد اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز لغير أهله -وهم من نفذ باب داره إليه -أن يحدث فيه شيئا بغير ل بإذن الخرين .ويفصّل إذنهم ،وليس لحدهم أن يشرع إليه جناحا ،أو أن يبني دكّةً إ ّ الفقهاء أحكام الطّريق الخاصّ في :باب الصّلح ،وأحكام الجوار ،وباب الشّركة عند المالكيّة فقط ،ويذكره الشّافعيّة في فصل الحقوق المشتركة من باب الصّلح ،وينظر مصطلح ( طريق ) .
المال الخاصّ :
- 6المال الخاصّ هو المال الّذي يملكه شخص معيّن ،أو أشخاص محصورون ،ومن أحكامه :جواز التّصرّف فيه بأصالة أو بوكالة أو بولية ،ويقطع سارقه بشروطه ،ويقابله المال العامّ :كبيت مال المسلمين ،والموقوف على المسلمين عامّةً ،وكلّ ما كان نفعه للمسلمين عامّ ًة .حيث ل قطع فيه عند الجمهور ،ويذكره الفقهاء :في باب البيع ،والرّهن، والجارة ،وفي جميع أبواب المعاملت ،وفي باب السّرقة .
خال * التّعريف : - 1الخال في اللّغة :أخو المّ وإن علت ،وجمعه أخوال ،وأخت المّ خالة ،والجمع خالت ،يقال :أخول الرّجل ،فهو مخول :أي كريم الخوال ،ويقال أيضا :أخول بالبناء للمجهول.
اللفاظ ذات الصّلة : العمّ :
- 2العمّ في اللّغة أخو الب ،أو أخو الجدّ ،وإن عل ،وجمعه أعمام والمصدر عمومة ، يقال :أعمّ الرّجل ،إذا كرم أعمامه ،يستعمل مبنيّا للفاعل وللمفعول .
توريث الخال :
- 3الخال من ذوي الرحام ،باتّفاق الفقهاء ،وذو الرّحم ،هو كلّ قريب ليس بذي فرض ، ول عصبة . وقد اختلف الفقهاء في توريث الخال كسائر ذوي الرحام ،فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ الخال يورّث عند فقد العصبة وذوي الفرض غير الزّوجين ،فيأخذ المنفرد من ذوي الرحام جميع المال ،بالقرابة إذا لم يوجد عصبة ،ول ذو فرض مطلقا ،ويأخذ ما بقي بعد فرض أحد الزّوجين ،إن وجد لعدم ال ّردّ عليهما . ض ُهمْ أَوْلَى ِب َبعْضٍ فِي ِكتَابِ اللّهِ } أي أحقّ ل ْرحَامِ َبعْ ُ واستدلّوا بقوله تعالى { :وَأُوْلُواْ ا َ بالتّوارث في حكم اللّه تعالى ،ولحديث « :الخال وارث من ل وارث له » وقالوا :روي هذا القول عن جمع من الصّحابة ،منهم :عمر ،وعليّ ،وأبو عبيدة بن الجرّاح ،وغيرهم . والصل عند المالكيّة والشّافعيّة :أنّ الخال ل يرث كسائر ذوي الرحام ،بل يكون المال لبيت المال وقالوا « :إنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا نزلت آيات المواريث :قال :إنّ اللّه أعطى كلّ ذي حقّ حقّه » وليس في اليات ذكر للخال ،واستدلّوا أيضا بخبر « :أنّ
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :ركب إلى قباء يستخير اللّه في ميراث العمّة ،والخالة ، فأنزل عليه ل ميراث لهما » وقالوا :ولنّه لو كان وارثا بالقرابة ،لقدّم على المعتق ،لنّ القرابة مقدّمة على الرث بالولء .ولكنّ المتأخّرين من فقهاء المذهبين أفتوا :بأنّه إذا لم ينتظم أمر بيت المال ،ردّ الباقي من المال على أهل الفرض غير الزّوجين إرثا ،فإن فقدوا صرف لذوي الرحام .التّفصيل في ( إرث ف . ) 15 /
ولية الخال على الصّغيرة : - 4اختلف الفقهاء في ولية الخال على الصّغيرة بالتّزويج : فذهب جمهور الفقهاء :إلى أنّه ليس للخال ولية التّزويج على الصّغيرة ،لنّه ليس عصبة، فهو شبيه بالجنبيّ والتّفصيل في مصطلح ( :ولية ) . ن الخال يزوّج الصّغيرة عند فقد العصبة وفقد ذي الرّحم القرب منه ،وأنّه وقال الحنفيّة :إ ّ يقدّم على السّلطان في الولية عليها .
نفقة الخال :
- 5اختلف الفقهاء في وجوب نفقة الخال .
فذهب الشّافعيّة ،والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ الخال ل تجب له نفقة .وقال الحنفيّة :تجب نفقة الخال ككلّ ذي رحم محرم ،وكذلك الحكم في إنفاق الخال على ولد أخته .
حضانة الخال : - 6جمهور الفقهاء على أن ل حضانة للخال ،لنّه ليس محرما وارثا عند بعضهم ،وليس ح عند الشّافعيّة والوجه المقدّم للحنابلة أنّ الخال له حقّ عصبة عند آخرين .ومقابل الص ّ الحضانة .والتّفصيل في ( :حضانة ) .
تحريم نكاح الخال :
- 7الخال قريب محرم ،ول يجوز له نكاح ابنة أخته باتّفاق أهل الملّة ،لقوله تعالى في لخْتِ } . المحرّمات َ { :و َبنَاتُ ا ُ
ولية الخال على مال الصّغير : - 8ليس للخال ولية على مال الصّغير ،ولم نقف على خلف بين الفقهاء في ذلك . والتّفصيل في ( :ولية ) .
التّعريف :
خالة *
ل من انتسبت إليها بولدة ،سواء وقع عليها اسم المّ حقيقةً - 1الخالة أخت المّ ،والمّ ك ّ وهي الّتي ولدتك ،أو مجازا ،وهي الّتي ولدت من ولدك وإن علت . من ذلك جدّتك أمّ أمّك وأمّ أبيك ،وجدّتا أمّك ،وجدّتا أبيك ،وجدّات أجدادك ،وجدّات جدّاتك وإن علون .والجميع جدّات .
الحكام الّتي تتعلّق بالخالة : تحريم الخالة :
- 2الخالة بالنّسب أو الرّضاع من المحارم المحرّم نكاحهنّ باتّفاق المسلمين ،وقد ثبت حرّمَتْ عََل ْي ُكمْ ُأ ّمهَا ُتكُمْ َو َبنَا ُتكُمْ وََأخَوَا ُت ُكمْ سنّة :قال اللّه تعالى ُ { : تحريمهنّ بالكتاب وال ّ لتُ ُكمْ } .وخبر « :يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب » .وتفصيله في عمّاتُ ُكمْ َوخَا َ َو َ محرّمات النّكاح .
ميراث الخالة : ل خلف بين الفقهاء . - 3الخالة بالنّسب من ذوي الرحام باتّفاق الفقهاء ،وتوريثهم مح ّ ن ذوي الرحام ل يرثون . فقال الشّافعيّة والمالكيّة في أصل المذهبين :إ ّ ن ذوي الرحام يرثون عند فقد العصبة ،وذوي الفروض وذهب الحنفيّة والحنابلة :إلى أ ّ غير الزّوجين .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :إرث ،وخال ) .
حقّ الحضانة للخالة :
ن في الحضانة فيرجع فيه إلى مصطلح : ق الحضانة ،أمّا ترتيبه ّ نحّ - 4الخالة ممّن له ّ ( حضانة ) .
نفقة الخالة : - 5ل تجب النّفقة للخالة عند جمهور الفقهاء ،وقال الحنفيّة :تجب النّفقة للخالة بالنّسب ككلّ ذي رحم محرم .وتفصيل ذلك في مصطلحي ( :خال ،ونفقة ) . أمّا الخالة بالرّضاع :فليس لها حقّ الحضانة ،ول النّفقة باتّفاق الفقهاء وتفصيل ذلك في المصطلحات :ر ( :نفقة ،رضاع ،حضانة ) .
التّعريف :
خبَث * َ
ل ما يكره رداءةً وخسّةً محسوسا كان أو معقولً ،ويتناول من - 1الخبث في اللّغة هو ك ّ العتقاد الكفر ،ومن القول :الكذب ،ومن الفعال القبيح قال ابن العرابيّ :الخبث في كلم العرب :المكروه ،فإن كان من الكلم فهو الشّتم ،وإن كان من الملل :فهو الكفر ،وإن
كان من الطّعام :فهو الحرام وإن كان من الشّراب فهو الضّارّ ،والخبث في المعادن ما نفاه الكير ممّا ل خير فيه .وفي اصطلح الفقهاء :هو عين النّجاسة .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الرّجس : ل شيء يستقذر فهو رجس ،وقيل - 2الرّجس :هو النّتن والقذر ،قال الفارابيّ :ك ّ الرّجس :النّجس .قال الزهريّ :الرّجس هو النّجس القذر الخارج من بدن النسان ،وعلى هذا فقد يكون الرّجس ،والقذر ،والنّجاسة بمعنى ،وقد يكون الرّجس ،والقذر بمعنى غير النّجاسة .وقال النّقّاش :الرّجس النّجس ،ومثل الرّجس :الرّكس والرّجز . ب -الدّنس : - 3ال ّدنَس ( بفتحتين ) الوسخ .يقال :دنس الثّوب أي توسّخ ،وأيضا تدنّس ،ودنّسه غيره .
الحكم الجماليّ :
- 4اتّفق الفقهاء على أنّ إزالة الخبث مأمور بها في الشّرع ،واختلفوا هل ذلك على الوجوب ،أو على النّدب ؟ فصرّح بعض الفقهاء بوجوب إزالة الخبث مطلقا ،وأكثر الفقهاء على جواز لبس الثّوب النّجس ،في خارج الصّلة ،وكرهه بعضهم .واستدلّ القائلون بالوجوب بقوله تعالى { : َو ِثيَا َبكَ َفطَ ّهرْ } وبحديث « :وكان الخر ل يستنزه من البول » . أمّا إزالة الخبث لمريد الصّلة ،فقد ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه شرط لصحّة ل ما كان معفوّا عنه ر ( :شروط الصّلة ) . الصّلة إ ّ وللمالكيّة في حكم إزالة النّجاسات عن ثوب المصلّي ،وبدنه ،ومكانه ،قولن مشهوران : ل حال ،سواء ذكرها أم لم ن إزالة الخبث عمّا ذكر سنّة من سنن الصّلة على ك ّ أحدهما أ ّ يذكرها ،وسواء قدر على إزالتها أم لم يقدر ،والقول الثّاني :إنّها واجبة إذا كان ذاكرًا وجودها ،وقدر على إزالتها بوجود ماء مطلق يزيلها به أو وجود ثوب طاهر ،أو القدرة على النتقال من المكان الّذي فيه الخبث إلى مكان طاهر . ن من صلّى بالنّجاسة متعمّدا عالما بحكمها أو جاهلً وقال الحطّاب :إنّ المعتمد في المذهب أ ّ وهو قادر على إزالتها يعيد صلته أبدا ،ومن صلّى بها ناسيا لها ،أو غير عالم بها ،أو عاجزا عن إزالتها يعيد في الوقت على قول من قال إنّها سنّة ،وقول :من قال :إنّها واجبة مع الذّكر والقدرة .ر :التّفصيل في شروط الصّلة وباب ( :النّجاسة ) .
- 5أمّا أنواع الخبث فإنّ العلماء اتّفقوا من أعيانه على أربعة :ميتة الحيوان ذي الدّم الّذي ليس بمائيّ ،ولحم الخنزير مطلقا ،والدّم المسفوح ،وبول ابن آدم ورجيعه ،واختلفوا في غير ذلك .وللتّفصيل يرجع إلى مصطلح ( :نجاسة ) .
خبر * التّعريف : - 1الخبر لغ ًة :اسم لما ينقل ويتحدّث به ،وجمعه أخبار ،واستخبره :سأله عن الخبر وطلب أن يخبره ،والخبير ،العالم بكنه الخير ،وخبرت المر أي علمته والخبير من أسماء اللّه تعالى معناه :العالم بكنه الشّيء المطّلع على حقيقته . ن " مصطلح أمّا عند علماء الحديث فقد قال ابن حجر العسقلنيّ :الخبر عند علماء الف ّ الحديث " مرادف للحديث ،فيطلقان على المرفوع وعلى الموقوف ،والمقطوع ،وقيل : الحديث ما جاء عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم والخبر ما جاء عن غيره ،ومن ث ّم قيل لمن سنّة محدّث ،وبالتّواريخ ونحوها أخباريّ ،وقيل بينهما عموم وخصوص مطلق ، يشتغل بال ّ ل بشرط التّقييد ، فكلّ حديث خير ول عكس ،وقيل :ل يطلق الحديث على غير المرفوع إ ّ ن فقهاء خراسان يسمّون ن المحدّثين يسمّون المرفوع والموقوف بالثر ،وأ ّ وقد ذكر النّوويّ أ ّ الموقوف بالثر ،والمرفوع بالخبر وتفصيله في علوم الحديث ،وفي الملحق الصوليّ . الثر :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الثر لغ ًة بتحريك الثّاء ما بقي من الشّيء أو هو الخبر ،والجمع آثار ،وحديث مأثور: أي منقول ،يخبر النّاس به بعضهم بعضا أي ينقله خلف عن سلف وعند الفقهاء والصوليّين يطلق الثر على بقيّة الشّيء ،كأثر النّجاسة ،وعلى الحديث مرفوعا كان أو موقوفا أو مقطوعا ،وبعض الفقهاء يقصرونه على الموقوف ،وقد يطلق عندهم على ما يترتّب على التّصرّف ،فيقولون :أثر العقد ،وأثر الفسخ ،وأثر النّكاح ،ونحوه . ن الثر أعمّ في إطلقاته من الخبر . وبذلك يتبيّن أ ّ النّبأ : - 3النّبأ لغةً الخبر ،وقال الرّاغب :النّبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ق الخبر الّذي يقال فيه نبأ ظنّ ،ول يقال للخبر في الصل نبأ حتّى يتضمّن هذه الشياء ،وح ّ :أن يتعرّى عن الكذب كالمتواتر ،وخبر اللّه وخبر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ولتضمّن النّبأ معنى الخبر يقال أنبأته بكذا ،ولتضمّنه معنى العلم ،قيل :أنبأته كذا ،وجمعه
ن لفلن نبأً :أي خبرا ،واستنبأ النّبأ بحث عنه .والنّبيّ صلى ال عليه أنباء ،ويقال :إ ّ وسلم المخبر عن اللّه والجمع أنبياء .ويقال تنبّأ الكذّاب إذا ادّعى النّبوّة .
تقسيم الخبر : - 4الخبر إمّا أن يكون عن خاصّ أو عامّ .فالخبر عن خاصّ منحصر في ثلثة :القرار ، والبيّنة ،والدّعوى ; لنّه إن كان بحقّ على المخبر فهو القرار ،أو على غيره فهو الدّعوى، أو لغيره فهو الشّهادة . وضبطها العزّ بن عبد السّلم بضابط آخر ،وهو أنّ القول إن كان ضارّا لقائله فهو القرار ، وإن لم يكن ضارّا به ،فإمّا أن يكون نافعا له أو ل ،والوّل هو الدّعوى ،والثّاني الشّهادة . والخبر عن عامّ هو أن يكون المخبر عنه عامّا ،ل يختصّ بمعيّن ،وينحصر أيضا في ثلثة :الرّواية ،والحكم ،والفتوى ،لنّه إن كان خبرًا عن محسوس فهو الرّواية ،وإن لم ل واحد من هذه ل فالفتوى ،وعلم من هذا ضابط ك ّ يكن ،فإن كان فيه إلزام فهو الحكم ،وإ ّ ل نوع من أنواع الخبر في مصطلحاتها . ستّة .وينظر شروط ك ّ ال ّ انظر ( شهادة ،وإقرار ،ودعوى ،وقضاء ،وفتوى ) .
أحكام الخبر :
الخبر عن النّجاسة : - 5اتّفق الفقهاء على أنّه إذا أخبر الثّقة بنجاسة ماء ،أو ثوب ،أو طعام ،أو غيره ،وبيّن سبب النّجاسة وكان ذلك السّبب يقتضي النّجاسة حكم بنجاسته ،لنّ خبر الواحد العدل في مثل هذه الشياء مقبول ،وليس هذا من باب الشّهادة ،وإنّما هو من باب الخبر ،وكذا لو أخبر عن دخول وقت الصّلة ،وعن حرمة الطّعام أو حلّه ،ول فرق في هذا بين الرّجل والمرأة ،ول بين العمى البصير بخلف الكافر والفاسق فل يقبل خبرهما في النّجاسة والطّهارة ،وكذا المجنون والصّبيّ الّذي ل يميّز فل يقبل خبرهما في مثل هذه الشياء بل خلف .أمّا الصّبيّ المميّز فقد اختلفوا في قبول خبره . ن العدل يشترط فذهب الجمهور إلى عدم قبول خبره ،لنّه ل يوصف بالعدالة لصغره ،ل ّ فيه أن يكون مسلما عاقلً بالغا . وذهب بعض الشّافعيّة في مقابل الصحّ إلى قبول خبر الصّبيّ المميّز . أمّا إذا لم يبيّن المخبر سبب النّجاسة ،ولم يتّفق مذهب المخبَر " بفتح الباء " والمخبِر " بكسرها " فل يلزمه قبول خبره لحتمال اعتقاده نجاسة الماء بما ل ينجّسه أصلً ،أو بسبب ل يعتقده المخبَر " بالفتح " .والتّفاصيل في مصطلح ( :نجاسة ،وصلة ) .
ويجوز للمخبَر " بفتح الباء " أن يحكّم رأيه في خبر الفاسق ،والصّبيّ ،المميّز ،والكافر ، فإن غلب على ظنّه أنّه صادق عمل به ،وإن لم يغلب فل يعمل به . ويقبل خبر الفاسق والصّبيّ المميّز والكافر في الذن في دخول الدّور ونحوها وكذلك في ي يحملها .لثبوت ذلك عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم . الخبار عن الهديّة من صب ّ والتّفصيل في ( دعوى ،شهادة ) .
الخبر عن القبلة ونحوها من المور : - 6اتّفق الفقهاء على قبول قول من يعتمد خبره عن القبلة ،كأن يكون مسلما ،عاقلً ، بالغا عدلً ،سواء أكان رجلً أم امرأةً .ول يقبل خبر الكافر في شأن القبلة ،ول خبر المجنون والصّبيّ الّذي لم يميّز ،واختلفوا في الصّبيّ المميّز والفاسق . ن الصّبيّ ل فذهب الجمهور إلى عدم قبول خبرهما ،لنّ روايتهما وشهادتهما ل تقبل ،ول ّ يلحقه مأثم بكذبه ،فتحرّزه عن الكذب غير موثوق به ،أمّا الفاسق فلقلّة دينه ،وتطرّق التّهمة إليه .وذهب الشّافعيّة في وجه ،وبعض الحنابلة إلى قبول خبرهما .والتّفصيل في مصطلح ( :استقبال ) .
الخبر عن رؤية هلل رمضان :
- 7اختلف الفقهاء في قبول خبر الواحد عن رؤية هلل شهر رمضان بسبب اختلفهم في كون هذه الرّؤية من باب الخبار ،أو من باب الشّهادة . فذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو حنيفة في رواية عنه إلى قبول خبر ثقة واحد عن رؤية هلل ل ،سواء أكانت السّماء مصحيةً أم شهر رمضان بشرط أن يكون مسلما ،عاقلً ،بالغا ،عد ً ل .لحديث ابن عمر رضي ال عنهما قال « تراءى النّاس الهلل فأخبرت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّي رأيته فصامه وأمر النّاس بصيامه » .ولما روى ابن عبّاس رضي ال عنهما قال « :جاء أعرابيّ إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال :إنّي رأيت هلل رمضان فقال :أتشهد أن ل إله إلّ اللّه ؟ قال :نعم .قال :أتشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ؟ ي يشترك فيه المخبر قال :نعم قال :يا بلل أذّن في النّاس فليصوموا غدا » ولنّه خبر دين ّ والمخبر فقبل من واحد ،ول فرق عند هؤلء بين الرّجل والمرأة . وعند الشّافعيّة وفي قول مرجوح لدى الحنابلة ل يثبت برؤية امرأة . وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن كانت السّماء مصحيةً ،فيشترط لثبوت هلل رمضان رؤية عدد ي للقاضي بشهادتهم لتساوي النّاس في السباب الموصلة إلى من الشّهود يقع العلم القطع ّ الرّؤية ،وتفرّد واحد بالرّؤية مع مساواة غيره دليل الكذب أو الغلط في الرّؤية ،أمّا إذا كانت السّماء غير مصحية أو بها علّة ،فيقبل خبر الواحد العدل في رؤية هلل رمضان ،سواء
كان رجلً أم امرأ ًة غير محدود في قذف أو محدودًا تائبًا بشرط أن يكون مسلما ،عاقلً، ن هذه العلّة تمنع التّساوي في الرّؤية بالغا ،عدلً ،لحديث ابن عبّاس الّذي سبق ذكره ،ول ّ لجواز أنّ قطعةً من الغيم انشقّت فظهر الهلل فرآه واحد فاستتر بالغيم من ساعته قبل أن يراه غيره . أمّا المالكيّة فيرون أنّه ل بدّ لثبوت هلل رمضان من إتمام شعبان ثلثين يوما ،أو رؤية عدلين أو أكثر ،وهو قول لدى الشّافعيّة ،ورواية عن أحمد ،لما روى عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب :أنّه خطب النّاس في اليوم الّذي يشكّ فيه فقال :أل إنّي جالست أصحاب رسول ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال« : اللّه صلى ال عليه وسلم وسألتهم ،وأنّهم حدّثوني أ ّ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها .فإن غ ّم عليكم فأكملوا ثلثين ،فإن شهد شاهدان فصوموا وافطروا » .وتنظر التّفاصيل في مصطلح ( :صوم ،شهادة ) .
خبرة * التّعريف : - 1الخبرة في اللّغة -بكسر الخاء وضمّها -العلم بالشّيء ،ومعرفته على حقيقته ،من قولك :خبرت بالشّيء إذا عرفت حقيقة خبره .ومثله الخبر والخبر ،والمخبرة .والمخبرة. والخبير بالشّيء ،العالم به صيغة مبالغة ،مثل عليم ،وقدير ،وأهل الخبرة ذووها واستعمل خبِيرَا } ،والخبير اسم من في معرفة كنه الشّيء وحقيقته ،قال اللّه تعالى { :فَاسْألْ ِبهِ َ أسماء اللّه تعالى .وهو العالم بكنه الشّيء المطّلع على حقيقته .هذا في الصل .وعلم اللّه تعالى سواء فيما غمض من الشياء ولطف ،وفيما تجلّى منه وظهر . ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ . وقد عبّر بعض الفقهاء عن الخبرة بلفظ البصيرة ،كما عبّروا عنها بلفظ المعرفة . أ -العلم والمعرفة :
اللفاظ ذات الصّلة : أوّلً :العلم :
- 2العلم يطلق على معان :منها ما يصير به الشّيء منكشفا ،ومنها الصّورة الحاصلة من الشّيء عند العقل ،ومنها الدراك ،ومنها العتقاد الجازم المطابق للواقع .
ثانيا :المعرفة :
- 3أمّا المعرفة فهي إدراك الشّيء على ما هو عليه ،وهي مسبوقة بجهل ،بخلف العلم . والفرق بينهما وبين الخبرة ،أنّ الخبرة العلم بكنه المعلومات على حقائقها ،ففيها معنىً زائد على العلم والمعرفة . ب -التّجربة : - 4التّجربة مصدر جرّب ،ومعناه الختبار مرّ ًة بعد أخرى ،وعلى ذلك فالتّجربة اسم للختبار مع التّكرار ،لنّها من التّجريب الّذي هو تكرير الختبار والكثار منه ،ول يلزم في الخبرة التّكرار . ح -البصر أو البصيرة : - 5البصيرة لغ ًة :العلم والخبرة ،يقال :هو ذو بصر وبصيرة ،أي ذو علم وخبرة . ن القاضي يرجع في تقدير القيمة إلى ويعرف المعنى الصطلحيّ ممّا أورد ابن عابدين في أ ّ أهل البصيرة وهم أهل النّظر والمعرفة في قيمة الشّيء . د -القيافة : - 6القيافة مصدر قاف الثر قيافةً إذا تتبّعه . والقائف هو من يعرف الثار ويتتبّعها ،ويعرف شبه الرّجل بأخيه ،وأبيه ،والجمع القافة . وتستعمل في اصطلح الفقهاء في نفس المعنى . قال في المغني :القافة قوم يعرفون النسان بالشّبه . هـ -الحذق : 7
-الحذق المهارة ،يقال :حذق ال صّبيّ القرآن والعمل يحذقه حذقا وحذقا إذا مهر فيه ،
وحذق الرّجل في صنعته أي مهر فيها ،وعرف غوامضها ووقائعها . فالحذق يستعمل في المهارة في الصّنعة غالبا ،وهو لهذا العتبار أخصّ من الخبرة . و -الفراسة : - 8الفراسة بكسر الفاء هي التّثبّت والتّأمّل للشّيء والبصر به ،يقال :إنّه لفارس بهذا المر إذا كان عالمًا به .وفي الحديث « :اتّقوا فراسة المؤمن » . ويقول ابن الثير :الفراسة إمّا أن تكون بإلهام من اللّه تعالى ،أو تتعلّم بالدّلئل والتّجارب والخلق والخلق فتعرف به أحوال النّاس .يقول ابن فرحون :الفراسة ناشئة عن جودة القريحة وحدّة النّظر وصفاء الفكر .فهي بهذا المعنى قريبة لمعنى الخبرة .
حكم الخبرة : - 9تكلّم الفقهاء عن الخبرة واعتمدوا على قول أهل الخبرة في كثير من الحكام الفقهيّة ويختلف حكمها تبعا لموطنها .وفيما يلي بيانها :
الخبرة في التّزكية : - 10ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ القاضي إذا لم يعرف حال الشّهود يجب أن يطلب من شهَدَاءِ } . ن مِن ال ّ يزكّيهم عنده ليعلم عدالتهم ،لقوله تعالى ِ { :ممّنْ َت ْرضَو َ سرّ ضروريّة في هذه الحالة .ويرى بعضهم تزكية الشّاهد ، ن تزكية ال ّ وأكثر الفقهاء على أ ّ التّزكية العلنية أيضا . وتزكية الشّهود تكون باختيار القاضي من هم أوثق النّاس عنده ،وأورعهم ديانةً ،وأدراهم بالمسألة وأكثرهم خبرةً ،وأعلمهم بالتّمييز فطن ًة ،فيكتب لهم أسماءً وأوصاف الشّهود ، ويكلّفهم تعرّف أحوالهم ممّن يعرفهم من أهل الثّقة والمانة ،وجيرانهم ومؤتمني أهالي محلّتهم ،وأهل الخبرة بهم ،وممّن ينسبون إليه من معتمدي أهل صنعتهم " أي نقيب الحرفة مثلً " .فإذا كتبوا تحت اسم كلّ منهم :عدل ،ومقبول الشّهادة " يحكم بشهادتهم وإلّ فل. ن المزكّي يشترط فيه معرفة أسباب الجرح والتّعديل ،ومعرفة خبرة وذهب أكثر الفقهاء إلى أ ّ باطن من يعدّله ،لخبرة ،أو جوار ،أو معاملة ليكون على بصيرة بما يشهد . ولنّ عادة النّاس إظهار الصّالحات وإسرار المعاصي ،فإذا لم يكن ذا خبرة باطنة ،ربّما اغترّ بحسن ظاهره وهو فاسق في الباطن . سرّ ،أمّا تزكية العلنية فتحصل في حضور الحاكم والخصمين .وبما أنّ هذا في تزكية ال ّ تزكية العلنية تعتبر شهاد ًة ،فيشترط فيها ما يشترط في الشّهادة من التّعدّد والعدالة وغيرهما سرّ ففيها خلف وتفصيل ينظر في مصطلحي ( :تزكية ،وشهادة ) . .أمّا تزكية ال ّ
الخبرة في القسمة :
- 11القسمة تحتاج إلى قاسم ،وقد يتولّى القسمة الشّركاء أنفسهم إذا كانوا ذوي أهليّة وملك وولية ،فيقسمون المال بينهم بالتّراضي ،وقد يتولّى القسمة غير الشّركاء ممّن يعيّنونه أو ينصّبه الحاكم . واتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في القاسم بجانب سائر الشّروط أن يكون أمينا ،عالما ق حقّه ،لنّها من جنس عمل ل ذي ح ّ بالقسمة ،عارفا بالحساب والمساحة ،ليوصل إلى ك ّ القضاء ،ول بدّ من العتماد على قوله ،والقدرة على القسمة ،وذلك بالمانة والعلم . ول فرق في هذا الشّرط بين القاسم الّذي عيّنه الشّركاء ،والّذي نصبه المام عند جمهور الفقهاء ،خلفا للشّافعيّة حيث قالوا ل يشترط ذلك في منصوب الشّركاء لنّه وكيل عنهم . ول يشترط أن يكون القاسم متعدّدا ،فيكفي أن يكون شخصًا واحدًا ذا معرفة وخبرة عند ن طريقه الخبر عن علم يختصّ به قليل من النّاس ،كالقائف والمفتي جمهور الفقهاء ،ل ّ ن التّقويم ل إذا كان في القسمة تقويم للسّلعة فيجب أن يقوم بذلك قاسمان ،ل ّ والطّبيب ،إ ّ
شهادة بالقيمة فيشترط فيه التّعدّد .وجاء في فتح العليّ المالك :إذا اطّلع أحد المتقاسمين على عيب فيما خصّه ،ولم يعلما به قبل القسمة ،وهو خفيّ ثبت بقول أهل المعرفة ،فإن كان العيب في أكثر نصيبه ،خيّر بين إمساك النّصيب ول شيء له ،وبين ردّ القسمة فإن كان النّصيبان قائمين رجعا شائعين بينهما كما كانا قبل القسمة .وإن فات أحد النّصيبين بنحو صدقة أو بناء ،أو هدم ،ردّ آخذه قيمة نصفه ،وكان النّصيب القائم بينهما ،وإن فاتا تقاصّا .وتفصيل هذه المسائل في مصطلحي ( :قسمة ،وخيار العيب ) .
الخبرة في الخارص : - 12الخرص :الحزر والتّحرّي ،وهو اجتهاد في معرفة قدر الشّيء من التّمر والعنب لمعرفة قدر الزّكاة فيه . فإذا بدا صلح الثّمار من التّمر والعنب وح ّل بيعهما ينبغي أن يبعث المام من يخرصها ، ويعرف قدر الزّكاة فيها ،وهذا عند جمهور الفقهاء :المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . ويشترط في الخارص أن يكون عالما بالخرص لنّه اجتهاد في معرفة مقدار الثّمر والزّكاة الواجبة فيه ،والجاهل بالشّيء ليس من أهل الجتهاد فيه ،ويجزئ خارص واحد إن كان عدلً عارفا ،وفي قول عند الشّافعيّة :ويشترط اثنان كالتّقويم والشّهادة . وإذا اختلف الخارصون فيعمل بتخريص العرف منهم .واستدلّ الجمهور لمشروعيّة الخرص بأحاديث منها ،ما ثبت « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يبعث عبد اللّه بن رواحة إلى يهود ،فيخرص النّخل حتّى يطيب قبل أن يؤكل منه » . ن وتخمين فل يلزم به حكم .واستدلّوا بما روى الطّحاويّ من وقال الحنفيّة :الخرص ظ ّ ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « نهى عن الخرص » . حديث جابر أ ّ ن الخرص الوارد في بعض الحاديث المراد به أن يعلم مقدار ما في نخلهم ،ثمّ وقالوا :إ ّ تؤخذ منهم الزّكاة وقت الصّرام على حسب ما يجب فيها .وإنّما كان يفعل تخويفًا للمزارعين لئلّ يخونوا ل ليلزم به حكم ( .ر :خرص ) .
خبرة القائف :
- 13القائف من يعرف الثار ويتتبّعها ،ويعرف شبه الرّجل بأخيه وأبيه . وذهب الجمهور خلفا للحنفيّة إلى أنّه يعمل بقول القائف في ثبوت النّسب إذا كان خبيرا مجرّبا ،ولم توجد لثبات نسب الطّفل بيّنة ،أو تساوت بيّنة الطّرفين . وقد ورد في الخذ بقول القائف أحاديث منها :حديث عائشة رضي ال عنها قالت « :دخل ي ذات يوم وهو مسرور فقال :يا عائشة ألم تري أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عل ّ
ي فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطّيا رءوسهما وبدت مجزّزا المدلجيّ دخل عل ّ ن هذه القدام بعضها من بعض » . أقدامهما فقال :إ ّ ويكفي قائف واحد في إلحاق النّسب لنّه كحاكم ،فيكفي مجرّد خبره .ويشترط فيه بجانب سائر الشّروط أن يكون عالمًا مجرّبًا في الصابة ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :ل حكيم ي فل بدّ من العلم بعلمه له وذلك ل يعرف بغير التّجربة فيه . إلّ ذو تجربة » ولنّه أمر علم ّ ومن طرق تجربته أن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهنّ أمّه ثلث مرّات ،ثمّ في نسوة هي فيهنّ ،فإذا أصاب في كلّ فهو مجرّب .وتفصيله في مصطلح ( :قيافة ) .
الخبرة في التّقويم : - 14اتّفق الفقهاء على الخذ بقول أهل الخبرة من ال ّتجّار ،وأهل الصّنعة في قيمة المتلفات وأروش الجنايات ،وقيمة العرض المسروق ،وقيم السّلع المبيعة ،أو المأجورة لثبات العيب ،أو الجور ،أو الغرر ونحوها . قال في ال ّدرّ :لو باع الوصيّ شيئا من مال اليتيم ثمّ طلب منه بأكثر من ذلك رجع فيه القاضي إلى أهل البصيرة ،أي أهل النّظر والمعرفة في قيمة ذلك الشّيء . ن نقصان الثّمن ونصوص الفقهاء في هذه المور كثيرة ،منها :ما ذكر في مجلّة الحكام أ ّ يكون معلوما بإخبار أهل الخبرة الخالين عن الغرض ،وذلك بأن يقوّم الثّوب سالما ثمّ يقوّم معيبا ،فما كان بين القيمتين من التّفاوت يرجع به المشتري على البائع . ل أن يتعلّق ويقول ابن فرحون :يرجع إلى قول التّاجر في قيم المتلفات ،ويقبل قول الواحد إ ّ بالقيمة ح ّد من حدود اللّه ،كتقويم العرض المسروق ،هل بلغت قيمته النّصاب أو ل ؟ فهاهنا ل بدّ من اثنين . لنّ المقوّم له ثلثة أشباه :شبه الشّهادة ،لنّه إلزام لمعيّن وهو ظاهر ،وشبه الرّواية ،لنّ ن الشّاهد كذلك ،وشبه الحاكم ،لنّ حكمه ينفذ المقوّم متصدّ لجميع النّاس ،وهو ضعيف ل ّ في القيمة .فإن تعلّق بإخباره ح ّد تعيّن مراعاة الشّهادة . وقال أيضا :يقبل قول المقوّم الواحد لرش الجنايات .وقال الخرشيّ :المقوّم الّذي يترتّب ل فيكفي فيه الواحد . على تقويمه قطع ،أو غرم فل بدّ فيه من التّعدّد وإ ّ وقال ابن فرحون :ويرجع إلى أهل المعرفة من التّجارة في تقويم المتلفات وعيوب الثّياب . ومثله ما ورد في كتب الشّافعيّة والحنابلة من أنّ المرجع في معرفة العيب ونقص الثّمن إلى العادة والعرف ،وتقويم أهل الخبرة من ال ّتجّار وأهل الصّنعة .لكنّهم قالوا :إنّ التّقويم ل يكون بالواحد بل يحتاج إلى اثنين ،لنّه شهادة بالقيمة فل بدّ فيه من التّعدّد . وتفصيل هذه المسائل في أبوابها من الضّمان ،وخيار العيب ،والشّهادة والغرر ونحوها .
الخبرة في معرفة العيوب الموجبة للخيار : - 15اتّفق الفقهاء على أنّه إذا وجد في المبيع عيب قديم ل يمكن إزالته فللمشتري أن يفسخ البيع ويستردّ الثّمن . ومع تفصيلهم وخلفهم في وضع ضابط للعيب الموجب لل ّردّ ،فإنّ جمهور الفقهاء على أنّ المرجع في معرفة العيب وقدمه قول أهل الخبرة ،فقد جاء في المجلّة :العيب هو ما ينقص ثمن المبيع عند ال ّتجّار وأرباب الخبرة .ونقصان الثّمن يكون معلوما بإخبار أهل المعرفة . ومثله ما ذكره ابن عابدين والزّيلعيّ من الحنفيّة . ونحوه ما جاء في كتب المالكيّة مع اختلف في العبارة حيث قالوا :القول في نفي العيب أو ل بشهادة العادة أي شهادة أهل المعرفة للمشتري .وقال ابن فرحون :يجب نفي قدمه للبائع إ ّ الرّجوع إلى قول أهل البصر والمعرفة من ال ّنخّاسين في معرفة عيوب الحيوانات . كما نصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه لو اختلف الطّرفان في الموجود هل هو عيب أو ل ؟ أو اختلفا في معرفة العيب القديم ،رجع فيه لهل الخبرة ،فإن قال أهل الخبرة هو عيب فله الفسخ ،وإلّ فل .ينظر مصطلح ( خيار العيب ) .
خبرة الطّبيب والبيطار :
- 16اتّفق الفقهاء على أنّه يرجع إلى الطبّاء ممّن لهم خبرة في معرفة العيوب المتعلّقة بالرّجال والنّساء ،وفي معرفة الشّجاج والجراح وتحديد أسمائها من الموضحة ،والدّامية ، والدّامغة ونحوها .كما اتّفقوا على الخذ بقول البياطرة ممّن له خبرة في عيوب الدّوابّ . وفيما يأتي بعض النّصوص من كلم الفقهاء في هذا المجال :قال ابن فرحون :يرجع إلى ب والمعرفة بالجراح في معرفة طول الجرح ،وعمقه ،وعرضه ،وهم الّذين أهل الطّ ّ يتولّون القصاص فيشقّون في رأس الجاني أو في بدنه مثل ذلك ول يتولّى ذلك المجنيّ عليه . شجّة هل هي موضحة أو ل ،أو فيما كان أكثر من ذلك وجاء في المغني :إذا اختلف في ال ّ كالهاشمة ،والمنقّلة ،والمّة ،والدّامغة ،أو أصغر منها كالباضعة ،والمتلحمة ، ل الطبّاء ،أو اختلفا في داء والسّمحاق ،أو في الجائفة وغيرها من الجراح الّتي ل يعرفها إ ّ يختصّ بمعرفته الطبّاء أو في داء الدّابّة ،يؤخذ بقول طبيبين أو بيطارين إذا وجدا ،فإن لم ص به أهل الخبرة من أهل الصّنعة . يقدر على اثنين أجزأ واحد ،لنّه ممّا يخت ّ وتفصيل هذه المسائل في مواضعها ( ر :شهادة ،شجاج ،خيار العيب ) .
عدد أهل الخبرة : - 17الصل أنّ قول أهل الخبرة إن كان على جهة الشّهادة يجب فيه اثنان عند جمهور الفقهاء ،إلّ إذا لم يقدر على اثنين .وإن كان على جهة الخبار والرّواية فل يجب فيه التّعدّد
ويكفي فيه المخبر الواحد ولو كان غير مسلم ،ومن هذا القبيل أهل المعرفة في العيوب ، ومنهم الطّبيب والبيطار ،والخارص ،والقائف ،والقسّام ،وقائس الشّجاج ونحوهم .واتّفقوا على أنّه ل يعتبر قول الواحد فيما يتعلّق بحدّ من حدود اللّه تعالى . قال ابن فرحون :القيمة الّتي يتعلّق بها حدّ كتقويم العرض المسروق ،هل بلغت قيمته النّصاب أم ل ؟ فهاهنا ل بدّ من اثنين . وقال نقلً عن المدوّنة :إذا اجتمع عدلن من أهل البصر على أنّ قيمتها ثلثة دراهم قطع . وقال :ويكفي الواحد فيما يتعلّق بالسّؤال ،وفيما كان علما يؤدّيه . ومثله ما قال في قائس الجراح من الكتفاء بقول الواحد ،لنّه ليس على جهة الشّهادة . وجاء في معين الحكّام :ما بطن من العيوب في حيوان -فالطّريق هو الرّجوع إلى أهل البصر إن أخبر واحد عدلًا يثبت العيب في الخصومة .والمشهور عن مالك الكتفاء بقول القائف الواحد في النّسب ،والتّاجر الواحد في قيمة المتلفات ،كما ذكر ابن فرحون . ن طريقه عن علم يختصّ به القليل من النّاس كالقائف وقال الخرشيّ :القاسم الواحد يكفي ; ل ّ ،والمفتي ،والطّبيب ولو كافرًا ،إلّ أن يكون وجّهه القاضي فيشترط فيه العدالة .ومثله في كتب الشّافعيّة والحنابلة وتفصيل هذه المسائل في مصطلح ( :شهادة ) .
اختلف أهل الخبرة : - 18إذا اختلف أهل الخبرة في التّقويم ،أو الخرص ،أو العيب في المبيع ،أو نحو ذلك فللفقهاء في كلّ مسألة آراء تنظر في مواضعها ،وفيما يلي أمثلة منها : أ -ذكر الحنفيّة أنّه إذا اختلف ال ّتجّار ،أو أهل الخبرة في وجود العيب في المبيع ،فقال بعضهم إنّه عيب ،وقال الخرون ل ،فليس للمشتري ال ّردّ ،إذ لم يكن عيبا بيّنا عند الكلّ . وعند المالكيّة في اختلف شهود البائع والمشتري في تعيّب السّلعة وقدم العيب فيها رأيان : الخذ بأعدل البيّنتين ،وترجيح بيّنة المبتاع . ل عن المتيطيّة :إذا أثبت مبتاع الدّار تشقّق الحيطان ،وتعيّبها ،وأنّها قال ابن فرحون نق ً ن ذلك عيب يحطّ من ثمنها كثيرا ،وأنّه أقدم من أمد التّبايع ،وأنّه إنّما متهيّئة للسّقوط ،وإ ّ ن الدّار سالمة ممّا ادّعى المبتاع ، يظهر من خارج الدّار ل من داخلها ،وشهد للبائع شهود أ ّ مأمونة السّقوط لعتدال حيطانها وسلمتها من الميل الّذي هو سبب التّهدّم ،وأنّ التّشقّق ل يضرّها مع أنّه ل يخفى على من نظر إليها ،وثبت جميع ذلك عند الحاكم ،فقال عبد اللّه بن عتّاب :يقضى بأعدل البيّنتين ممّن له بصر بعيوب الدّور .وقال ابن القطّان :بيّنة المبتاع ن البيّنة الّتي توجب الحكم إذا قبلت أعمل من الّتي تنفيه . أولى ; ل ّ
وذهب الشّافعيّة إلى الخذ بقول أهل الخبرة فيما يختلف فيه البائع والمشتري في معرفة العيب شكّ في وقدمه .فلو فقد أهل الخبرة أو اختلفوا ،صدّق المشتري لتحقّق العيب القديم ،وال ّ مسقط الرّدّ . ومثله ما في كتب الحنابلة في باب الجارات .وتفصيله في ( خيار العيب ) . ب -إذا اختلف المقوّمون للسّرقة فقال بعضهم :ل تبلغ قيمتها ثلثة دراهم ،وقال غيرهم : ن قيمتها ثلثة قيمتها ثلثة دراهم ،قال في المدوّنة :إذا اجتمع عدلن من أهل البصر على أ ّ دراهم قطع وكذا قال مالك في سماع عيسى :إذا اجتمع على السّرقة رجلن ،لم يلتفت إلى من خالفهما ،ث ّم قال في آخر المسألة نقلً عن مالك :إن دعي أربعة فاجتمع رجلن على قيمة قال :ينظر القاضي إلى أقرب التّقويم إلى السّداد ،بأن يسأل من سواهم حتّى يتبيّن له السّداد من ذلك . ج -إن اختلف الخارصون في قدر التّمر الّذي خرصوه في وقت واحد يعمل بتخريص العرف منهم ،ويلغى تخريص ما سواه ،وإن لم يكن فيهم أعرف ،فيؤخذ من كلّ قول جزء كما ذكره المالكيّة ( .ر :خرص ) .
ختان * التّعريف : - 1الختان والختانة لغ ًة السم من الختن ،وهو قطع القلفة من الذّكر ،والنّواة من النثى ، كما يطلق الختان على موضع القطع .يقال ختن الغلم والجارية يختنهما ويختنهما ختنا . ويقال غلم مختون وجارية مختونة وغلم وجارية ختين ،كما يطلق عليه الخفض والعذار ،وخصّ بعضهم الختن بالذّكر ،والخفض بالنثى ،والعذار مشترك بينهما . والعذرة :الختان ،وهي كذلك الجلدة يقطعها الخاتن .وعذر الغلم والجارية يعذرهما ، عذرًا وأعذرهما ختنهما .والعذار والعذار والعذيرة والعذير طعام الختان . ي. ول يخرج استعمال الفقهاء للمصطلح عن معناه اللّغو ّ
حكم الختان :
اختلف الفقهاء في حكم الختان على أقوال :
القول الوّل : ن الختان - 2ذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو وجه شاذّ عند الشّافعيّة ،وروايةً عن أحمد :إلى أ ّ سنّة في حقّ الرّجال وليس بواجب .وهو من الفطرة ومن شعائر السلم ،فلو اجتمع أهل بلدة على تركه حاربهم المام ،كما لو تركوا الذان .
وهو مندوب في حقّ المرأة عند المالكيّة ،وعند الحنفيّة والحنابلة في رواية يعتبر ختانها ن كذلك ،وفي ثالث :إنّه مكرم ًة وليس بسنّة ،وفي قول عند الحنفيّة :إنّه سنّة في حقّه ّ ب. مستح ّ سنّيّة بحديث ابن عبّاس رضي ال عنهما مرفوعا « :الختان سنّة للرّجال مكرمة واستدلّوا لل ّ للنّساء » وبحديث أبي هريرة مرفوعا « خمس من الفطرة الختان ،والستحداد ،ونتف البط ص الشّارب » . ،وتقليم الظفار ،وق ّ وقد قرن الختان في الحديث بقصّ الشّارب وغيره وليس ذلك واجبا . ل على عدم الوجوب كذلك أنّ الختان قطع جزء من الجسد ابتدا ًء فلم يكن واجبا وممّا يد ّ بالشّرع قياسا على قصّ الظفار .
القول الثّاني : 3
ن الختان واجب -ذهب الشّافعيّة والحنابلة ،وهو مقتضى قول سحنون من المالكيّة :إلى أ ّ
على الرّجال والنّساء . حنِيفا } قد جاء في ح ْينَا إَِل ْيكَ َأنِ ا ّتبِ ْع مِلّ َة ِإ ْبرَاهِيمَ َ واستدلّوا للوجوب بقوله تعالى ُ { :ثمّ أَ ْو َ حديث أبي هريرة -رضي ال عنه -قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :اختتن إبراهيم النّبيّ صلى ال عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنةً بالقدوم » وأمرنا باتّباع إبراهيم صلى ال عليه وسلم أمر لنا بفعل تلك المور الّتي كان يفعلها فكانت من شرعنا . وورد في الحديث كذلك « :ألق عنك شعر الكفر واختتن » قالوا :ولنّ الختان لو لم يكن واجبا لما جاز كشف العورة من أجله ،ولمّا جاز نظر الخاتن إليها وكلهما حرام ،ومن أدلّة الوجوب كذلك أنّ الختان من شعار المسلمين فكان واجبًا كسائر شعارهم . ن النّساء كنّ وفي قوله صلى ال عليه وسلم « :إذا التقى الختانان وجب الغسل » دليل على أ ّ يختتنّ ،ولنّ هناك فضلةً فوجب إزالتها كالرّجل .ومن الدلّة على الوجوب أنّ بقاء القلفة يحبس النّجاسة ويمنع صحّة الصّلة فتجب إزالتها .
القول الثّالث :
ن الختان واجب على الرّجال ، ص عليه ابن قدامة في المغني ،وهو أ ّ - 4هذا القول ن ّ ومكرمة في حقّ النّساء وليس بواجب عليهنّ .
مقدار ما يقطع في الختان : - 5يكون ختان الذّكور بقطع الجلدة الّتي تغطّي الحشفة ،وتسمّى القلفة ،والغرلة ،بحيث تنكشف الحشفة كلّها .وفي قول عند الحنابلة :إنّه إذا اقتصر على أخذ أكثرها جاز .
وفي قول ابن كجّ من الشّافعيّة :إنّه يكفي قطع شيء من القلفة وإن قلّ بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها .ويكون ختان النثى بقطع ما ينطلق عليه السم من الجلدة الّتي كعرف سنّة فيه أن ل تقطع كلّها بل جزء منها . الدّيك فوق مخرج البول .وال ّ ن امرأةً كانت تختن بالمدينة فقال لها النّبيّ وذلك لحديث أمّ عطيّة -رضي ال عنها « -أ ّ ن ذلك أحظى للمرأة وأحبّ إلى البعل » . صلى ال عليه وسلم :ل تنهكي فإ ّ
وقت الختان : ن الوقت الّذي يصير فيه الختان واجبا هو ما بعد البلوغ، - 6ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ ن الختان من أجل الطّهارة ،وهي ل تجب عليه قبله . لّ ن التّمييز لنّه أرفق به ،ولنّه أسرع برءا فينشأ على أكمل ويستحبّ ختانه في الصّغر إلى س ّ الحوال . وللشّافعيّة في تعيين وقت الستحباب وجهان :الصّحيح المفتى به أنّه يوم السّابع ويحتسب يوم الولدة معه لحديث جابر « :عقّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيّام » ،وفي مقابله وهو ما عليه الكثرون أنّه اليوم السّابع بعد يوم الولدة. ن المستحبّ ما بين العام السّابع إلى العاشر من عمره ،لنّها وفي قول للحنابلة والمالكيّة :إ ّ السّنّ الّتي يؤمر فيها بالصّلة ،وفي رواية عن مالك أنّه وقت الثغار ،إذا سقطت أسنانه ، ن العبرة بطاقة الصّبيّ إذ ل تقدير فيه فيترك تقديره إلى الرّأي ،وفي والشبه عند الحنفيّة أ ّ قول :إنّه إذا بلغ العاشرة لزيادة المر بالصّلة إذا بلغها . وكره الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة الختان يوم السّابع لنّ فيه تشبّها باليهود .
ختان من ل يقوى على الختان :
- 7من كان ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه ،لم يجز أن يختن حتّى عند القائلين ن سلمته ،لنّه ل تعبّد فيما يفضي إلى بوجوبه ،بل يؤجّل حتّى يصير بحيث يغلب على الظّ ّ سنّة أحرى ،وهذا عند من يقول إنّ ن بعض الواجبات يسقط بخوف الهلك فال ّ التّلف ،ول ّ الختان سنّة .وللحنابلة تفصيل في مذهبهم ،ملخّصه أنّ وجوب الختان يسقط عمّن خاف تلفا، ول يحرم مع خوف التّلف لنّه غير متيقّن ،أمّا من يعلم أنّه يتلف به وجزم بذلك فإنّه يحرم ل تُلْقُو ْا ِبَأ ْيدِي ُكمْ إِلَى ال ّتهُْلكَ ِة } . عليه الختان لقوله تعالى َ { :و َ
من مات غير مختون : ن الختان كان تكليفا ،وقد زال - 8ل يختن الميّت القلف الّذي مات غير مختون .ل ّ ن المقصود من الختان التّطهير من النّجاسة ،وقد زالت الحاجة بموته .ولنّه بالموت ،ول ّ جزء من الميّت فل يقطع ،كيده المستحقّة في قطع السّرقة ،أو القصاص وهي ل تقطع من
الميّت ،وخالف الختان قصّ الشّعر والظّفر ،لنّهما يزالن في الحياة للزّينة ،والميّت يشارك الحيّ في ذلك ،وأمّا الختان فإنّه يفعل للتّكليف به ،وقد زال بالموت . وفي قول ثان للشّافعيّة :إنّه يختن الكبير والصّغير لنّه كالشّعر والظّفر وهي تزال من الميّت. والقول الثّالث عندهم :إنّه يختن الكبير دون الصّغير ،لنّه وجب على البالغ دون الصّغير .
من ولد مختونا بل قلفة : - 9من ولد مختونا بل قلفة فل ختان عليه ل إيجابا ول استحبابا ،فإن وجد من القلفة شيء يغطّي الحشفة أو بعضها ،وجب قطعه كما لو ختن ختانا غير كامل ،فإنّه يجب تكميله ثانيًا حتّى يبين جميع القلفة الّتي جرت العادة بإزالتها في الختان . وفي قول عند المالكيّة :إنّه تجرى عليه الموسى ،فإن كان فيه ما يقطع قطع .
تضمين الخاتن :
- 10اتّفق الفقهاء على تضمين الخاتن إذا مات المختون بسبب سراية جرح الختان ،أو إذا جاوز القطع إلى الحشفة أو بعضها أو قطع في غير محلّ القطع .وحكمه في الضّمان حكم الطّبيب أي أنّه يضمن مع التّفريط أو التّعدّي وإذا لم يكن من أهل المعرفة بالختان .وللفقهاء تفصيل في هذه المسألة : ن الخاتن إذا ختن صبيّا فقطع حشفته ومات الصّبيّ ،فعلى عاقلة الخاتن فذهب الحنفيّة إلى أ ّ نصف ديته ،وإن لم يمت فعلى عاقلته الدّية كلّها ،وذلك لنّ الموت حصل بفعلين : أحدهما مأذون فيه وهو قطع القلفة ،والخر غير مأذون فيه وهو قطع الحشفة ،فيجب نصف الضّمان .أمّا إذا برئ فيجعل قطع الجلدة وهو المأذون فيه كأن لم يكن ،وقطع الحشفة غير مأذون فيه فوجب ضمان الحشفة كاملً وهو الدّية ،لنّ الحشفة عضو مقصود ل ثاني له في النّفس فيقدّر بدله ببدل النّفس كما في قطع اللّسان . وذهب المالكيّة إلى أنّه ل ضمان على الخاتن إذا كان عارفا متقنا لمهنته ولم يخطئ في فعله كالطّبيب ،لنّ الختان فيه تغرير فكأنّ المختون عرّض نفسه لما أصابه . فإن كان الخاتن من أهل المعرفة بالختان وأخطأ في فعله فالدّية على عاقلته ،فإن لم يكن من أهل المعرفة عوقب ،وفي كون الدّية على عاقلته أو في ماله قولن :فلبن القاسم إنّها على العاقلة ،وعن مالك وهو الرّاجح إنّها في ماله .لنّ فعله عمد والعاقلة ل تحمل عمدا . ن ل يحتمله لضعف ن الخاتن إذا تعدّى بالجرح المهلك ،كأن ختنه في س ّ وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ ن كونه محتملًا فالمتّجه عدم القود ونحوه أو شدّة حرّ أو برد فمات لزمه القصاص ،فإن ظ ّ لنتفاء التّعدّي .ويستثنى من حكم القود الوالد وإن عل ،لنّه ل يقتل بولده ،وتلزمه دية مغلّظة في ماله لنّه عمد محض .فإن احتمل الختان وختنه وليّ ،أو وصيّ ،أو قيّم فمات ،
ح لحسانه بالختان ،إذ هو أسهل عليه ما دام صغيرا بخلف الجنبيّ فل ضمان في الص ّ لتعدّيه ولو مع قصد إقامة الشّعار . ي أيضا لنّه ظنّ أنّه يقيم شعيرةً . ولم ير الزّركشيّ القود في هذه الحالة على الجنب ّ وذهب الحنابلة إلى أنّه ل ضمان على الخاتن إذا عرف منه حذق الصّنعة ،ولم تجن يده ، لنّه فعل فعلً مباحا فلم يضمن سرايته كما في الحدود ،وكذلك ل ضمان إذا كان الختان بإذن وليّه ،أو وليّ غيره أو الحاكم .فإن لم يكن له حذق في الصّنعة ضمن ،لنّه ل يحلّ له مباشرة القطع ،فإن قطع فقد فعل محرّما غير مأذون فيه ،لقوله صلى ال عليه وسلم « : من تطبّب ول يعلم منه طبّ فهو ضامن » وكذلك يضمن إذا أذن له الوليّ وكان حاذقا ولكن جنت يده ولو خطأً ،مثل أن جاوز قطع الختان فقطع الحشفة أو بعضها ،أو غير محلّ القطع ،أو قطع بآلة يكثر ألمها ،أو في وقت ل يصلح القطع فيه .وكذلك يضمن إذا قطع بغير إذن الوليّ .
آداب الختان : - 11تشرع الوليمة للختان وتسمّى العذار والعذار ،والعذرة ،والعذير . ب في الذّكر سنّة إظهار ختان الذّكر ،وإخفاء ختان النثى .وصرّح الشّافعيّة بأنّها تستح ّ وال ّ ول بأس بها في النثى للنّساء فيما بينهنّ ،والتّفصيل في ( وليمة ،ودعوة ) .
التّعريف :
خديعة *
- 1الخديعة والخدعة مصدر خدع يخدع إظهار النسان خلف ما يخفيه .أو هو بمعنى ضمّ -ما الختل وإرادة المكروه .والفاعل :الخادع ،وخدّاع وخدوع مبالغة ،والخدعة -بال ّ يخدع به النسان مثل اللّعبة لما يلعب به والحرب خدعة -مثلّثة الخاء -والفتح أفصح .قال ثعلب :بلغنا أنّها لغة النّبيّ صلى ال عليه وسلم .ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن هذا
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الغدر : - 2الغدر ،هو ترك الوفاء بالعهد ،أو نقضه .قال :غدره وغدر به غدرا :أي خانه ، ونقض عهده . ب -الغبن : - 3هو من غبنه يغبنه غبْنا -بتسكين الباء -في البيع أي :خدعه ،وغبن الرّأي وغبن فيه غبنا وغبَنا -بفتح الباء -غلط فيه ونسيه وأغفله .
ص من الخديعة . والغبن عند الفقهاء يكون في البيع خاصّ ًة .فهو أخ ّ ج -الخيانة : - 4الخيانة :التّفريط في العهد والمانة وترك النّصح فيها . والخديعة قد تكون مع خيانة المانة وقد ل تكون . د -الغرور ،والتّغرير : - 5الغرور مصدر غرّه يغرّه غرورا ،إذا خدعه وأطمعه بالباطل .والتّغرير إيقاع الشّخص في الغرر .والغرر ما انطوت عنك عاقبته ،أو ما تردّد بين أمرين أغلبهما أخوفهما . هـ – الغشّ : ضمّ -غشّا لم يمحّضه النّصح ،أو أظهر له خلف ما - 6وهو مصدر غشّه يغشّه -بال ّ يبطنه ،يقال :شيء مغشوش . و -التّدليس : - 7التّدليس ،كتمان عيب الشّيء وأكثر ما يكون في البيع .فالتّدليس نوع من الخديعة . ز -التّورية : - 8وهي من ورّى الخبر توري ًة :أي ستره ،وأظهر غيره فهي أيضا نوع من الخديعة .ح ح -التّزوير : - 9هو تحسين الشّيء ،ووصفه بخلف صفته حتّى يخيّل إلى من يسمعه أو يراه أنّه بخلف ما هو عليه في الحقيقة ،فهو تمويه الباطل بما يوهم أنّه حقّ .وأكثر ما يكون في المستندات من الوثائق والشّهادات . ط -الحيلة : - 10هي في اللّغة الحذق وجودة النّظر والقدرة على التّصرّف في تدبير المور . وقد ذكر ابن القيّم أنّه غلب في العرف على الحيلة استعمالها في سلوك الطّرق الخفيّة الّتي يتوصّل بها الرّجل إلى حصول غرضه ،بحيث ل يتفطّن له إلّ بنوع من الذّكاء والفطنة . وقال الرّاغب :وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث ،وقد يستعمل فيما في استعماله حكمة.
الحكم التّكليفيّ : - 11الخديعة بمعنى -إظهار النسان خلف ما يخفيه -حرام إذا كان فيها خيانة أمانة ،أو سنّة نقض عهد .وهذا ل يعلم فيه خلف بين علماء المّة ،وتواترت نصوص الكتاب وال ّ ن آ َمنُو ْا أَ ْوفُو ْا بِا ْلعُقُودِ } . المطهّرة في النّهي عنها .قال اللّه تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ ع ْهدَ ُهمْ إِلَى ُم ّد ِت ِهمْ } . وقوله َ { :فأَ ِتمّو ْا إَِل ْي ِهمْ َ
وجاء في الحديث « :يطبع المؤمن على الخلل كلّها إلّ الخيانة والكذب » . وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إنّه ل ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة العين » . وعدّها النّبيّ صلى ال عليه وسلم من علمات النّفاق فقال « :آية المنافق ثلث :إذا حدّث كذب ،وإذا وعد أخلف ،وإذا ائتمن خان » . وقال النّبيّ عليه الصلة والسلم « :إنّي ل أخيس بالعهد ول أحبس البرد » . قال الصّنعانيّ في سبل السّلم :في الحديث دليل على حفظ العهد ،والوفاء به . ونهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم :عن عقود معيّنة تدخل فيها الخديعة من النّجش ، ق خيار الفسخ ،وعن ن للمخدوع فيها ح ّ والتّصرية ،وتلقّي الرّكبان .ونصّ الفقهاء على أ ّ ل ذكر للنّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه يخدع في ن رج ً ابن عمر رضي ال عنهما :قال « :إ ّ البيوع ،فقال :إذا بايعت فقل ل خلبة » أي ل خديعة ( .ر :نجش ،وتصرية ، وتدليس ).
الخديعة في حقّ غير المسلمين : - 12أمّا الخديعة في حقّ غير المسلمين في الحرب ،فإن كان بينهم وبين المسلمين عهد ، فل يجوز الخدع ،ول التّبييت بالهجوم الغادر ،وهم آمنون مطمئنّون إلى عهد لم ينقض ، ن آ َمنُو ْا أَ ْوفُواْ ولم ينبذ ،حتّى لو كنّا نخشى الخيانة من جانبهم .قال تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ ستَقِيمُواْ َل ُهمْ } ستَقَامُواْ َل ُك ْم فَا ْ ع ْهدَ ُهمْ إِلَى ُم ّد ِت ِهمْ } وقال َ { :فمَا ا ْ بِا ْلعُقُودِ } وقال َ { :فأَ ِتمّو ْا إَِل ْي ِهمْ َ ل عليها ل بمجرّد توهّم ،لم ينتقض وأمّا إذا استشعر المام عزمهم على الخيانة بأمارات تد ّ عهدهم ،ول يجوز خدعهم ول تبييتهم بهجوم غادر ،وهم آمنون مطمئنّون إلى عهد لم ن مِن قَ ْومٍ ينقض ،ولم ينبذ .بل ينبذ إليهم العهد ثمّ يقاتلهم .قال اللّه تعالى { :وَِإمّا َتخَافَ ّ ل ُيحِبّ الخَا ِئنِينَ } . ن الّلهَ َ خيَانَةً فَانبِذْ إَِل ْي ِهمْ عَلَى سَوَاء إِ ّ ِ قال الشّوكانيّ في تفسير الية :إمّا تخافنّ من قوم خيانةً :أي غشّا ،ونقضًا للعهد من القوم المعاهدين فاطرح إليهم العهد الّذي بينك وبينهم ،على سواء أي أخبرهم إخبارا ظاهرا مكشوفا بالنّقض ،ول تناجزهم الحرب بغتةً . - 13فأمّا بعد أن نبذ إليهم عهدهم ،وصار علمهم وعلم المسلمين بنقضه على سواء ،وبعد ل وسائل الخدعة مباحة ،لنّها ليست غادرةً ،فمن جازت أن أخذ كلّ خصم حذره ،فإنّ ك ّ عليه الخدعة والحالة هذه ،فهو غافل وليس بمغدور به .قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :الحرب خدعة » .
وجاء في فتح الباري في الحديث :المر باستعمال الحيلة في الحرب مهما أمكن ،والنّدب إلى خداع الكفّار ،قال النّوويّ :اتّفقوا على جواز خداع الكفّار في الحرب كلّما أمكن ،إلّ أن يكون فيه نقض عهد ،أو أمان فل يجوز ( .ر :أمان ،عهد ،هدنة ) . وفيه الشارة إلى استعمال الرّأي في الحرب بل الحتياج إليه أكثر من الشّجاعة .وقال ابن المنير :معنى « الحرب خدعة » الحرب الجيّدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنّما هي المخادعة ،ل المواجهة ،وذلك لخطر المواجهة وحصول الظّفر مع المخادعة بغير خطر . قال النّوويّ :قال العلماء :إذا دعت مصلحة شرعيّة راجحة إلى خداع المخاطب ،أو حاجة ل بالكذب ،فل بأس بالتّورية ،والتّعريض . ل مندوحة عنها إ ّ وإن لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه ،وليس بحرام إلّ أن يتوصّل به إلى أخذ باطل ،أو ق فيصير عندئذ حراما . دفع ح ّ وفي التّورية قول محمّد بن مسلمة ،في قصّة كعب بن الشرف بعد أن استأذن النّبيّ صلى ي صلى ال عليه ال عليه وسلم أن يقول :كما جاء في حديث جابر « :إنّ هذا أي :النّب ّ ل هذه الكلمات تورية : وسلم قد عنّانا ،وسألنا الصّدقة ،فإنّا اتّبعناه فنكره أن ندعه » وك ّ وقصد بها إلى معنىً غير المعنى المتبادر منها .ومعنى عنّانا :كلّفنا بالوامر والنّواهي . ومعنى سألنا الصّدقة :طلبها ليضعها في مكانها الصّحيح .ونكره أن ندعه :نكره أن نفارقه. وكان النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا أراد أن يغزو غزو ًة ورّى بغيرها . والمراد أنّه إذا كان يريد غزو جهة فل يظهرها ويظهر غيرها ،كأن يريد أن يغزو جهة ن من يراه ،ويسمعه أنّه يريد الشّرق ،فيسأل عن أمر في جهة الغرب ،فيتجهّز للسّفر فيظ ّ جهة الغرب .وهذا في الغالب فقد صرّح بجهة غزوة تبوك للتّأهّب لها .
خدمة * التّعريف : 1
-الخد مة م صدر خدم و هي المه نة ،وق يل :و هي بالك سر ال سم ،وبالف تح الم صدر .
والخدم والخدّام جمع خادم ،والخادم يصدق على الذّكر والنثى ،لنّه يجري مجرى السماء غير المأخوذة من الفعال .ويقال للنثى في لغة قليلة خادمة . واستخدمه واختدمه جعله خادما ،أو سأله أن يخدمه ،وأخدمت فلنا :أي أعطيته خادما ي عن المعنى اللّغويّ . يخدمه .ول يخرج المعنى الصطلح ّ أ -المهنة :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2المهنة -بفتح الميم وكسرها -الحذق في الخدمة والعمل ،ومهن يمهن مهنا إذا عمل في صنعة ،ومهنهم خدمهم وامتهنته أي :استخدمته وابتذلته .والماهن الخادم ،والنثى ماهنة ،والجمع مهان ،ويقال :للنثى بالخرقاء ل تحسن المهنة ،أي ل تحسن الخدمة . والمهنة الخدمة والبتذال ،والمهين الضّعيف ومنه قوله تعالى { :أََلمْ َنخْلُقكّم مّن مّاء ّمهِينٍ } وخرج في ثياب مهنته أي :في ثياب خدمته الّتي يلبسها في أشغاله وتصرّفاته . ن فيها الحذق ،وتطلق على الصّنعة . فالمهنة أخصّ ،ل ّ ب -العمل : - 3والعمل هو المهنة والفعل ،والجمع أعمال . والعامل هو الّذي يتولّى أمور الرّجل في ماله ،أو ملكه ،أو عمله ،والجمع عمّال وعاملون. والعملة والعمالة ،أجر ما عمل ،أو رزق العامل الّذي جعل له على ما قلّد من العمل ، والعملة هم القوم يعملون بأيديهم ضروبا من العمل في طين أو حفر أو غيره . ن العمل أع ّم من الخدمة . والعلقة بين العمل والخدمة أ ّ
الحكام المتعلّقة بالخدمة : خدمة المرأة للرّجل وعكسه :
- 4ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يجوز استئجار الرّجل العزب المرأة الجنبيّة البالغة ن الخلوة بها معصية إلّ للخدمة في بيته ،مأمونا كان أو غير مأمون وذلك اتّقاء للفتنة ،ول ّ إذا كان الرّجل محرما لها ،أو صغيرا ،أو شيخا هرما ،أو ممسوحا أو مجبوبا ،أو كانت المرأة الخادمة صغيرةً ل تشتهى . ول فرق عند الجمهور بين المرأة الحرّة وبين المة ،ول بين الجميلة وبين غيرها . وفي وجه عند الشّافعيّة ،أو كانت قبيح ًة يؤمن من الرّجل الجنبيّ عليها ،فحينئذ ل تحرم خدمتها له في بيته لنتفاء خوف الفتنة . والحرمة -عند الجمهور -إذا كانت الخدمة تتطلّب الخلوة ،أمّا إذا لم تكن تتطلّب الخلوة فيجوز ،وكذا إذا كان الرّجل مريضًا ولم يجد من يخدمه . وذهب بعض الفقهاء إلى جواز استخدام المرأة الجنبيّة الرّجل جميل ًة كانت أو غير جميلة متجالّةً أو غير متجالّة ،إلّ أنّ بعض الفقهاء فرّق بين المتجالّة وغير المتجالّة ،كما فرّقوا بين الرّجل العزب الّذي ل نساء عنده من قرابات وزوجات ،وبين غيره ممّن لديه زوجة أو قريبة .قال أحمد :يجوز للرّجل أن يستأجر المة والحرّة للخدمة ،ولكن يصرف وجهه عن النّظر ليست المة مثل الحرّة ول يخلو معها في بيت ول ينظر إليها متجرّدةً ول إلى شعرها .وقال أبو حنيفة :أكره أن يستأجر الرّجل امرأ ًة حرّ ًة يستخدمها ويخلو بها وكذلك المة .
قال الكاسانيّ :وهو قول أبي يوسف ومحمّد :أمّا الخلوة ،فلنّ الخلوة بالمرأة الجنبيّة معصية .وأمّا الستخدام فلنّه ل يؤمن معه الطّلع عليها والوقوع في المعصية . ن رجلً استأجر امرأ ًة حرّ ًة أو أم ًة تخدمه وهو وفي المدوّنة قيل لبن القاسم :أرأيت لو أ ّ عزب أيجوز هذا أم ل ؟ قال :سمعت مالكا وسئل عن امرأة تعادل الرّجل في المحمل وليس بينهما محرم فكره ذلك ،فالّذي يستأجر المرأة تخدمه وليس بينهما محرم ،وليس له أهل ، وهو يخلو معها أشدّ عندي كراهي ًة من الّذي تعادله المرأة في المحمل . ن الخادم يلزم ل له النّظر إليها ،ل ّ أمّا خادم المرأة فل يجوز أن يكون رجلًا كبيرًا ممّن ل يح ّ ل إذا كان الخادم صبيّا لم المخدوم في غالب أحواله ،فل يسلم من النّظر والخلوة المحرّمة إ ّ يبلغ الحلم ،أو محرما للمرأة المخدومة ،أو عبدا مملوكها ،أو ممسوحا ،أو نحوه فيجوز أن يخدمها .وهذا في الخدمة الباطنة ،أمّا الخدمة الظّاهرة مثل قضاء الحوائج من السّوق، فيجوز أن يتولّاها الرّجل الجنبيّ . قال الحطّاب :وسئل عن المرأة العزبة الكبيرة تلجأ إلى الرّجل ،فيقوم لها بحوائجها ويناولها الحاجة ،هل ترى له ذلك جائزا ؟ قال :ل بأس به وليدخل معه غيره أحبّ إليّ ،ولو تركها النّاس لضاعت ،وهذا على ما قال إنّه جائز للرّجل أن يقوم للمرأة الجنبيّة بحوائجها ويناولها ض بصره عمّا ل يحلّ له النّظر إليه ،ممّا ل يظهر من زينتها ،لقوله تعالى : الحاجة إذا غ ّ ظهَ َر ِم ْنهَا } وذلك الوجه والكفّان على ما قاله أهل التّأويل ،فجائز { وَلَا ُي ْبدِينَ زِي َن َتهُنّ إِلّا مَا َ للرّجل أن ينظر إلى ذلك من المرأة عند الحاجة والضّرورة ،فإن اضطرّ إلى الدّخول عليها ن عن نفسه . أدخل غيره معه ليبعد سوء الظّ ّ
خدمة المسلم للكافر : - 5اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم على المسلم حرّا كان أو عبدا أن يخدم الكافر ،سواء أكان ن في ذلك إهانةً للمسلم ذلك بإجارة أو إعارة ،ول تصحّ الجارة ول العارة لذلك ،ل ّ جعَلَ اللّ ُه لِ ْلكَافِرِينَ عَلَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ وإذللًا له ،وتعظيما للكافر ،واحتجّوا بقوله تعالى { :وَلَن َي ْ سبِيلً} وأمّا إذا أجّر المسلم نفسه للكافر لعمل معيّن في ال ّذمّة ،كخياطة ثوب أو قصارته َ جاز ،لنّه عقد معاوضة ل يتضمّن إذللً ول استخداما .قال ابن قدامة :بغير خلف ل دلو بتمرة . ي يستقي له ك ّ ن عليّا رضي ال عنه أجّر نفسه من يهود ّ نعلمه ،ل ّ وكذا إن أجّر نفسه منه لعمل غير الخدمة مدّةً معلوم ًة جاز أيضا . وكذا إعارة عبد مسلم لكافر لعمل معيّن ل يقتضي الخدمة فهو جائز أيضا . ويشترط فيما جاز من الجارة والعارة أن ل يكون العمل ممّا ل يحرم على المسلم ،كرعي الخنازير أو حمل الخمر .
خدمة الوالد للولد وعكسه : - 6إذا قام الوالد بنفسه بخدمة ولده فل كراهة في ذلك ،وتجب عليه الخدمة أو الخدام لولده الصّغير أو المريض ،أو العاجز ،إذا كان فقيرا . واختلف الفقهاء في حكم استخدام الفرع لصله .فذهب الحنفيّة والمالكيّة وبعض الشّافعيّة إلى عدم جواز ذلك لما فيه من الهانة والذلل والستخفاف الّذي ل يليق بمكانة البوّة .وعليه فل يجوز للولد أن يستأجر والده للستخدام وإن عل ،وكذلك والدته سواء أكان هذا الوالد مسلما أم كافرا ،لنّه مأمور بتعظيم والده وإن اختلف الدّين ،وفي الستخدام استخفاف به ح ْبهُمَا فِي ال ّد ْنيَا َم ْعرُوفا } وهذا المر ورد في حقّ فكان حراما ،قال اللّه تعالى َ { :وصَا ِ البوين الكافرين ،لنّه معطوف على قوله تعالى { :وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن ُتشْ ِركَ بِي مَا َليْسَ َلكَ بِهِ عِ ْل ٌم فَلَا ُتطِ ْع ُهمَا } الية . وذهب الحنابلة والشّافعيّة في المعتمد إلى أنّه يكره للولد تنزيهًا استخدام أحد أصوله وإن عل لصيانتهم عن الذلل .أمّا خدمة الولد لوالده ،أو استخدام الب لولده فجائز بل خلف ،بل ن ذلك من البرّ المأمور به شرعا ،ويكون واجبا على الولد خدمة أو إخدام والده عند الحاجة إّ ،ولهذا فل يجوز له أن يأخذ أجر ًة عليها ،لنّها مستحقّة عليه ومن قضى حقّا مستحقّا عليه لغيره ل يجوز له أخذ الجرة عليه .
ما يتعلّق بالخادم من أحكام : أ -إخدام الزّوجة :
- 7ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجب على الزّوج إخدام زوجته الّتي ل يليق بها خدمة نفسها بأن كانت تخدم في بيت أبيها ،أو كانت من ذوي القدار ،لكون هذا من حقّها في ن بِا ْل َمعْرُوفِ } ولنّ هذا من شرُوهُ ّ المعاشرة بالمعروف المأمور بها في قوله تعالى { :وَعَا ِ كفايتها وممّا يحتاج إليه في الدّوام فأشبه النّفقة . ن الخدام يجب على الزّوج للزّوجة المريضة ،والمصابة بعاهة ل تستطيع كما اتّفقوا على أ ّ معها خدمة نفسها ،وإن كانت ممّن ل يخدم مثلها ،لنّ مثل هذه ل تستغني عن الخدمة . والمالكيّة أيضا يرون وجوب إخدام الزّوج زوجته ،لكن قالوا :يجب عليه ذلك إن كان الزّوج ذا سعة وهي ذات قدر ليس شأنها الخدمة ،أو كان هو ذا قدر تزري خدمة زوجته به. وقال الحنفيّة :إذا امتنعت المرأة عن الطّحن والخبز ،إن كانت ممّن ل يخدم ،أو كان بها علّة فعليه أن يأتيها بطعام مهيّأ ،وإلّ بأن كانت ممّن تخدم نفسها وتقدر على ذلك ل يجب عليه ،ول يجوز لها أخذ الجرة على ذلك ،لوجوبه عليها ديانةً ولو شريفةً ،لنّه عليه الصلة والسلم « قسّم العمال بين عليّ وفاطمة ،فجعل أعمال الخارج على عليّ رضي ال
عنه والدّاخل على فاطمة رضي ال عنها » مع أنّها سيّدة نساء العالمين فإن كان لها خادم فعلى الزّوج نفقته .
ب -الخدام بأكثر من خادم : - 8اختلف الفقهاء في إلزام الزّوج بأكثر من خادم . فذهب جمهور العلماء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل يلزمه أكثر من خادم واحد، ن المستحقّ خدمتها في نفسها ويحصل ذلك بخادم واحد . لّ وذهب المالكيّة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه إذا كان حالها ومنصبها يقتضي ،خادمين أو أكثر فلها ذلك . قال أبو يوسف من الحنفيّة :إنّ المرأة إذا كانت غنيّ ًة وزفّت إليه بخدم كثير استحقّت نفقة ل مقدارها عن خدمة خادم واحد ،فعلى الزّوج أن ينفق الجميع ،وكذلك إذا كانت ممّن يج ّ على من ل بدّ منه من الخدم ممّن هو أكثر من الخادم الواحد ،أو الثنين أو أكثر من ذلك . ن المذهب القتصار على الواحد مطلقا ،والمأخوذ به عند قال ابن عابدين :الحاصل :أ ّ المشايخ قول أبي يوسف . فإن كانت المرأة ل يخدم في بيت أبيها مثلً ،فل يجب عليه الخدام ،بل يلزمها أن تقوم بخدمة نفسها الباطنة " أي في داخل المنزل " من عجن وطبخ ،وكنس ،وفرش ،واستقاء ماء إذا كان معها في البيت ،وليس عليها غزل ،ول نسج ،وعليه أن يشتري لها من السّوق ن هذا من تمّام الكفاية . ما تحتاجه ،ل ّ
ج -تبديل الخادم :
- 9اختلف الفقهاء في جواز تبديل الزّوج خادمها الّذي حملته معها ،أو أخدمها إيّاه هو " وألفته " . فذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والحنفيّة والشّافعيّة إلى عدم جواز ذلك له لتضرّرها بقطع المألوف ،ولنّها قد ل تتهيّأ لها الخدمة بالخادم الّذي يجيء به الزّوج بدل خادمها إلّ إن ظهرت منه ريبة ،أو خيانة ،أو تضرّر بوجوده . أمّا إذا ظهرت منه ريبة ،أو خيانة ،أو تضرّر منه بأن كان يختلس من ثمن ما يشتريه أو ن الحنفيّة أمتعة بيته فله البدال ،والتيان بخادم أمين ،ول يتوقّف هذا على رضاها إلّ أ ّ ن هذا إذا لم تستبدل غيره به . يرون أ ّ ن للزّوج إبدال خادم آخر بخادمها إذا أتاها بمن يصلح للخدمة لنّ أمّا الحنابلة فذهبوا إلى أ ّ تعيين الخادم إليه وليس إليها .
د -إخراج الخادم من البيت :
- 10اختلف الفقهاء في جواز إخراج الزّوج لخدم المرأة الزّائد عن الواحد ،أو الزّائد عن الحاجة من بيته . ن له إخراج الزّائد عن الحاجة ومنعه من دخول البيت فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ .وخالفهم في ذلك أبو يوسف من الحنفيّة وقال :ل يجوز له ذلك .
هـ -إخدام المعسر : 11
-اختلف الفقهاء في وجوب الخدام على المعسر للزّوجة الّتي تستحقّ الخدمة ،فذهب
جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ وجوب الخدام على الزّوج الموسر فقط .أمّا إذا كان الزّوج معسرا فل يجب عليه الخدام لنّ الضّرر ل يزال بالضّرر . ويجب على الزّوجة في هذه الحالة أن تخدم نفسها الخدمة الدّاخليّة ،وعلى الزّوج أن يكفيها ي رضي ي صلى ال عليه وسلم قسّم العمال بين عل ّ ن النّب ّ العمال الخارجيّة ،لما روي « أ ّ ال عنه ،وبين فاطمة رضي ال عنهما ،فجعل أعمال الخارج على عليّ رضي ال عنه ، وأعمال الدّاخل على فاطمة رضي ال عنها » إلّ أنّ محمّدا من الحنفيّة ،يرى أنّه إن كان للزّوجة خادم فعليه نفقته ،وإن كان معسرا ،لنّه لمّا كان لها خادم علم أنّها ل ترضى بالخدمة بنفسها فكان على الزّوج نفقة خادمها ،وإن لم يكن لها خادم ،فل يجب عليه ذلك . ويرى الشّافعيّة أنّ وجوب الخدام للزّوجة يستوي فيه الموسر ،والمتوسّط ،والمعسر ، والحرّ ،والعبد ،لنّ ذلك من المعاشرة بالمعروف المأمور بها ولنّ الخدمة واجب من الواجبات كسائر المؤن .
و -صفة الخادم :
- 12ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب أن يكون الخادم إمّا امرأة مسلمة حرّ ًة كانت أو أمةً ،أو صبيّا مميّزا لم يبلغ الحلم ،أو محرما للزّوجة المخدومة ،أو ممسوحا فل يجوز أن يكون ل له النّظر إليها ،لنّ الخادم يلزم المخدوم في غالب أحواله فل يسلم رجلً كبيرا ممّن ل يح ّ من النّظر .
الخادمة ال ّذ ّميّة : - 13اختلف الفقهاء في المرأة ال ّذ ّميّة هل يجوز أن تكون خادما لمرأة مسلمة ؟ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في أحد الوجهين إلى عدم جواز ذلك ،لنّه ل تؤمن ن نظر ال ّذ ّميّة إلى المسلمة حرام ،لقوله تعالى { :وَلَا ُي ْبدِينَ زِي َن َتهُنّ إِلّا عداوتها الدّينيّة ،ول ّ ن } إلى أن قال { :أَ ْو ِنسَا ِئهِنّ } وصحّ عن عمر رضي ال ن أَ ْو آبَا ِئهِنّ َأوْ آبَاء ُبعُوَل ِتهِ ّ ِل ُبعُوَل ِتهِ ّ عنه :أنّه منع الكتابيّات دخول الحمّام مع المسلمات ،لنّها ربّما تحكيها للكافر .
وأيضا فإنّ ال ّذ ّميّة ل تتعفّف من النّجاسة .والوجه الخر عند الحنابلة ،يجيز أن تخدم ال ّذ ّميّة المرأة المسلمة ،لنّ نظرها إلى المسلمة عندهم جائزا .وهذا في الخدمة الباطنة . أمّا الظّاهرة مثل قضاء الحوائج من السّوق فيجوز أن يتولّاها الرّجال وغيرهم . ويفهم من قول المالكيّة ويخدم المرأة بأنثى أو بذكر ل يتأتّى منه الستمتاع :أنّهم يجيزون إخدام المسلمة بذ ّميّة حيث أطلقوا النثى ولم يقيّدوها بمسلمة : ن نظر الكافرة إلى المسلمة جائز عندهم . ول سيّما وأ ّ
ز -نفقة الخادم : - 14نفقة الخادم تشمل عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة الطّعام والمسكن ن نفقة الخادم ل تقدّر بالدّراهم كنفقة المرأة بل يفرض له ما ن الحنفيّة يرون أ ّ والملبس إلّ أ ّ يكفيه بالمعروف ،على أن ل تبلغ نفقته نفقة المرأة لنّه تبع لها . ن جنس طعام الخادم هو جنس طعام المخدومة ،وكذلك للخادمة كسوة تليق ويرى الشّافعيّة أ ّ بحالها صيفا وشتاءً . ويرى الحنابلة أنّ نفقة الخادم ،ومؤنته ،وكسوته تكون مثل ما لمرأة المعسر .
ح -طلب الزّوجة أجرة الخادم :
- 15لو قالت المرأة لزوجها أنا أخدم نفسي وطلبت الجرة أو نفقة الخادم ل يلزمه قبول ن في إخدامها توفيرها على حقوقه وترفيهها ،وذلك يفوت ذلك عند الشّافعيّة والحنابلة ،ل ّ بخدمتها لنفسها .ويرى الحنفيّة أنّه ل يجوز لها أخذ الجرة على خدمتها لزوجها أو لنفسها، لنّها لو أخذت الجرة على ذلك لخذتها على عمل واجب عليها فكان في معنى الرّشوة . ن هذا إذا كان بها علّة ل تقدر على الطّبخ والخبز ،أو كانت من بنات وذكر الفقيه أبو اللّيث أ ّ الشراف .فأمّا إذا كانت تقدر على ذلك وهي ممّن تخدم نفسها تجبر على ذلك . واختلفوا فيما لو قال الزّوج أنا أخدمك بنفسي ليسقط مؤنة الخادم :فذهب الحنفيّة والشّافعيّة ح عندهم والحنابلة في الرّاجح عندهم إلى أنّه ليس له ذلك ولم يلزمها قبول ذلك . في الص ّ ن في هذا غضاض ًة عليها لكون زوجها خادما لها وتعيّر به . لّ ن للرّجل أن يخدم وذهب المالكيّة وهو أحد القوال المرجوحة عند الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ زوجته بنفسه ويلزمها الرّضا به ،لنّ الكفاية تحصل بهذا . ن للزّوج أن يخدم زوجته فيما ل يستحي منه ، ويرى بعض فقهاء الشّافعيّة ومنهم القفّال أ ّ كغسل الثّوب ،واستقاء الماء ،وكنس البيت والطّبخ دون ما يرجع إلى خدمة نفسها كصبّ الماء على يدها ،وحمله إلى المستحمّ ونحوهما .
ط -إعسار الزّوج بنفقة الخادمة :
- 16ذهب الفقهاء إلى أنّه ل تطلق الزّوجة على زوجها بسبب إعساره بنفقة الخادم لنّه ن هذه النّفقة تثبت في ذمّته عند الشّافعيّة والحنابلة ،لنّها نفقة تجب يمكنها الصّبر عنها .ولك ّ على سبيل العوض ،فتثبت في ال ّذمّة كالنّفقة الواجبة للمرأة . إلّ أنّ الذرعيّ من الشّافعيّة يرى أنّ هذا إذا كانت المرأة استحقّت الخدمة لرتبتها وقدرها ، أمّا إذا كانت قد استحقّت الخدمة لمرضها ونحوه فالوجه عدم ثبوت النّفقة في ال ّذمّة وتسقط سعَةٍ مّن نفقة الخادم عن الزّوج بإعساره عند الحنفيّة والمالكيّة ،لقوله تعالى ِ { :ليُن ِفقْ ذُو َ ق ِممّا آتَا ُه اللّ ُه لَا ُيكَّلفُ اللّ ُه نَ ْفسًا إِلّا مَا آتَاهَا } وهذا معسر لم س َعتِهِ َومَن ُق ِدرَ عََل ْيهِ ِرزْقُ ُه فَ ْليُنفِ ْ َ يؤته شيئا فل يكلّف بشيء .
ي -زكاة فطر الخادم : - 17ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إن كان لمرأته من يخدمها بأجرة فليس ن الجارة ل تقتضي النّفقة ،والفطرة تابعة للنّفقة ول فرق في هذا على الزّوج فطرته ،ل ّ بين الحرّ وغيره .وإن كان الخادم مملوكًا لها نظر ،فإن كانت ممّن ل يجب لها خادم فليس على الزّوج فطرته كذلك . ن الفطرة تابعة وإن كانت ممّن يخدم مثلها واتّفقا على أن يخدمها بخادمها فعليه فطرته ،ل ّ ن إمام الحرمين من الشّافعيّة يرى وجوبها على الزّوجة .أمّا إن أخدمها بعبده أو للنّفقة إلّ أ ّ أمته فيجب عليه إخراج زكاة الفطر عنه بسبب ملكه له ل بسبب خدمته للزّوجة . وقد اختلفت أقوال الشّافعيّة في حكم زكاة الفطر عن المرأة الّتي صحبت الزّوجة لتخدمها بنفقتها بإذنه ،فالرّاجح عندهم عدم لزوم فطرتها عليه ،لنّها في معنى المستأجرة . وذهب المام الرّافعيّ إلى وجوب فطرتها ،لنّها تابعة للنّفقة .
خدمة الزّوجة لزوجها وعكسه :
ن الزّوجة يجوز لها أن تخدم زوجها في البيت ،سواء أكانت - 18ل خلف بين الفقهاء في أ ّ ممّن تخدم نفسها أو ممّن ل تخدم نفسها .إلّ أنّهم اختلفوا في وجوب هذه الخدمة .فذهب ن الولى ن خدمة الزّوج ل تجب عليها لك ّ الجمهور الشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة " إلى أ ّ لها فعل ما جرت العادة به . ي صلى ال عليه ن « النّب ّ وذهب الحنفيّة إلى وجوب خدمة المرأة لزوجها ديان ًة ل قضاءً ،ل ّ وسلم قسّم العمال بين عليّ وفاطمة رضي ال عنهما ،فجعل عمل الدّاخل على فاطمة ، وعمل الخارج على عليّ » . ولهذا فل يجوز للزّوجة -عندهم -أن تأخذ من زوجها أجرا من أجل خدمتها له .
وذهب جمهور المالكيّة وأبو ثور ،وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجانيّ ،إلى أنّ على المرأة خدمة زوجها في العمال الباطنة الّتي جرت العادة بقيام الزّوجة بمثلها ،لقصّة عليّ وفاطمة رضي ال عنها ،حيث « إنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت ،وعلى عليّ بما كان خارج البيت من العمال » ولحديث « :لو أمرت أحدا أن يسجد لحد لمرت المرأة أن تسجد لزوجها ،ولو أنّ رجلً أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ،ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نولها أن تفعل » . قال الجوزجانيّ :فهذه طاعته فيما ل منفعة فيه فكيف بمؤنة معاشه ؟ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « كان يأمر نساءه بخدمته فيقول :يا عائشة أطعمينا ،يا ول ّ عائشة هلمّي المدية واشحذيها بحجر » . ل من كانت لها طاقة من النّساء على خدمة بيتها في خبز ،أو طحن ، وقال الطّبريّ :إنّ ك ّ ن مثلها يلي ذلك بنفسه . أو غير ذلك أنّ ذلك ل يلزم الزّوج ،إذا كان معروفا أ ّ - 19وبالنّسبة لخدمة الزّوج زوجته ،فقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز خدمة الرّجل الحرّ لزوجته ولها أن تقبل منه ذلك . وذهب الحنفيّة إلى أنّه يحرم على الزّوجة استخدام زوجها الحرّ بجعله خدمته لها مهرا ،أمّا لو تزوّجها على أن يرعى غنمها سنةً أو يزرع أرضها فتسمية المهر صحيحة . وتجوز خدمته لها تطوّعا :وقال الكاسانيّ :لو استأجرت المرأة زوجها ليخدمها في البيت ن خدمة البيت غير واجبة على الزّوج ،فكان هذا استئجارا على بأجر مس ّمىً فهو جائز ،ل ّ أمر غير واجب على الجير .
خدمة الكافر للمسلم : - 20اتّفق الفقهاء على جواز خدمة الكافر للمسلم . واتّفقوا كذلك على جواز أن يؤجّر المسلم نفسه للكافر في عمل معيّن في ال ّذمّة ،كخياطة ن عليّا رضي ال عنه أجّر نفسه من يهوديّ ثوب وبناء دار ،وزراعة أرض وغير ذلك ،ل ّ يسقي له كلّ دلو بتمرة ،وأخبر النّبيّ صلى ال عليه وسلم بذلك فلم ينكره . ن الجير في ال ّذمّة يمكنه تحصيل العمل بغيره . ول ّ كما اتّفقوا على أنّه ل يجوز للمسلم أن يؤجّر نفسه للكافر لعمل ل يجوز له فعله ،كعصر الخمر ورعي الخنازير وما أشبه ذلك . واختلفوا في حكم خدمة المسلم للكافر بإجارة ،أو إعارة أو غير ذلك .
فذهب الحنفيّة إلى جواز ذلك ،لنّه عقد معاوضة فيجوز كالبيع ،ولكن يكره للمسلم خدمة ن الستخدام استذلل ،فكان إجارة المسلم نفسه منه إذللً لنفسه ،وليس للمسلم أن الكافر ،ل ّ يذلّ نفسه بخدمة الكافر . ن إجارة المسلم نفسه من النّصرانيّ واليهوديّ على أربعة وأمّا المالكيّة فقد ذكر ابن رشد :أ ّ أقسام :جائزة ،ومكروهة ،ومحظورة ،وحرام . فالجائزة -هي -أن يعمل المسلم للكافر عملً في بيت نفسه ،كالصّانع الّذي يصنع للنّاس . والمكروهة :أن يستبدّ الكافر بجميع عمل المسلم من غير أن يكون تحت يده مثل أن يكون مقارضا له ،أو مساقيا ،والمحظورة :أن يؤجّر المسلم نفسه للكافر في عمل يكون فيه تحت يده كأجير الخدمة في بيته ،وإجارة المرأة لترضع له ابنه وما أشبه ذلك ،فهذه تفسخ إن عثر عليها ،فإن فاتت مضت ،وكان له الجرة . والحرام :أن يؤجّر نفسه منه فيما ل يحلّ من عمل الخمر ،أو رعي الخنازير ،فهذه تفسخ قبل العمل ،فإن فاتت تصدق بالجرة على المساكين . وذهب الشّافعيّة إلى حرمة خدمة المسلم للكافر خدمةً مباشر ًة ،كصبّ الماء على يديه ، وتقديم نعل له ،وإزالة قاذوراته أو غير مباشرة كإرساله في حوائجه ،سواء كان ذلك بعقد سبِيلً } ولصيانة المسلم جعَلَ اللّ ُه لِ ْلكَافِرِينَ عَلَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ أو بغير عقد ،لقوله تعالى { :وَلَن َي ْ عن الذلل والمتهان .ولكن يجوز إعارة المسلم أو إجارته للكافر مع الكراهة . وفي إجارة المسلم للكافر يؤمر بإزالة يده عنه بأن يؤجّره لغيره ول يمكّن من استخدامه وقيل :بحرمة إجارة المسلم ،أو إعارته للكافر واختاره السّبكيّ . وذهب الحنابلة على الرّواية الصّحيحة إلى حرمة إجارة المسلم ،أو إعارته للكافر لجل سبِيلً } . جعَلَ اللّ ُه لِ ْلكَافِرِينَ عَلَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ الخدمة ،لقوله تعالى { :وَلَن َي ْ ولنّه عقد يتضمّن حبس المسلم عند الكافر وإذلله له . وفي الرّواية الخرى يجوز ذلك قيل :مع الكراهة وقيل :بدونها .
خذف * التّعريف - 1الخذف لغ ًة :رميك بحصاة ،أو نواة تأخذها بين سبّابتيك ،أو تجعل مخذف ًة من خشب سبّابة . ترمي بها بين البهام وال ّ قال الزهريّ :الخذف :الرّمي بالحصى الصّغار بأطراف الصابع ،وقال مثله الجوهريّ ، ص بعضهم به سبّابة .وخ ّ وقال المطرّزيّ ،وقيل :أن تضع طرف البهام على طرف ال ّ الحصى ،ويطلق على المقلع أيضا ،وقال ابن سيده :خذف الشّيء يخذف ،فارسيّ .
ورمي الجمار يكون بمثل حصى الخذف ،وهي صغار ،وفي حديث رمي الجمار « :عليكم بمثل حصى الخذف » ،وحصى الخذف الصّغار مثل النّوى . ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة : الحذف -الطّرح -القذف -اللقاء : - 2من معاني هذه اللفاظ الرّمي فهي تلتقي مع الخذف في هذا المعنى ،إلّ أنّ الخذف رمي بكيفيّة خاصّة .
الحكم التّكليفيّ :
- 3الصل في بيان حكم الخذف ،ما روي عن عبد اللّه بن مغفّل المزنيّ قال « :نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الخذف ،قال :إنّه ل يقتل الصّيد ،ول ينكأ العدوّ ،وإنّه يفقأ ن». العين ويكسر السّ ّ وقد اختلف الفقهاء في حكم الخذف فمنهم من ذهب إلى أنّ الخذف محرّم على الطلق ،قال القاضي عياض :نهى عن الخذف ،لنّه ليس من آلت الحرب الّتي يتحرّز بها ،ول من آلت الصّيد لنّها ترضّ ،وقتيلها وقيذ ،ول ممّا يجوز اللّهو به مع ما فيه من فقء العين وكسر السّنّ .ومنهم من نظر إلى ما يمكن أن يكون فيه من مصلحة -قال النّوويّ : -في ل ما هذا الحديث النّهي عن الخذف ،لنّه ل مصلحة فيه ،ويخاف مفسدته ،ويلتحق به ك ّ ن ما كان فيه مصلحة أو حاجة في قتال العدوّ ،وتحصيل شاركه في هذا ،ثمّ قال :وفيه أ ّ الصّيد فهو جائز ،ومن ذلك رمي الطّيور الكبار بالبندق إذا كان ل يقتلها غالبا بل تدرك حيّةً وتذكّى فهو جائز . وقال ابن حجر :صرّح مجلّي في الذّخائر بمنع الرّمي بالبندقيّة ،وبه أفتى ابن عبد السّلم ، وجزم النّوويّ بحلّه ،لنّه طريق إلى الصطياد ،قال ابن حجر :والتّحقيق التّفضيل ،فإن كان الغلب من حال الرّمي ما ذكر من الحديث امتنع ،وإن كان عكسه جاز ،ول سيّما إن ل بذلك ثمّ ل يقتله غالبا . كان الرّمي ممّا ل يصل إليه الرّمي إ ّ ي الدّين الرّمي ببندق مطلقا لنهي عثمان ،قال ابن وفي شرح منتهى الرادات :كره الشّيخ تق ّ منصور وغيره :ل بأس ببيع البندق يرمى بها الصّيد ل للّعب . ل على جواز الرّمي بالحجار في حال القتال ،أو في حال هذا وقد ذكر الفقهاء ما يد ّ التّدريب ،أو المسابقة بغير عوض .
الحكام المتعلّقة بالخذف : أوّلً :في رمي الجمار :
ج .والصل في ذلك ما روي من قوله صلى ال - 4رمي الجمار بالحصى من شعائر الح ّ عليه وسلم من حديث الفضل بن عبّاس رضي ال عنهما « :عليكم بحصى الخذف الّذي يرمى به الجمرة » « وقوله لعبد اللّه بن العبّاس غداة العقبة وهو على راحلته :هات القط لي فلقطت له حصيات هي حصى الخذف ،فلمّا وضعتهنّ في يده قال :بأمثال هؤلء ،وإيّاكم والغلوّ في الدّين ،فإنّما أهلك من كان قبلكم الغل ّو في الدّين » . وعن عبد الرّحمن بن معاذ رضي ال تعالى عنه أنّه قال « :خطبنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ونحن بمنىً ففتحت أسماعنا ،حتّى كنّا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا ،فطفق سبّابتين ،ثمّ قال :بحصى الخذف » . يعلّمهم مناسكهم حتّى بلغ الجمار فوضع أصبعيه ال ّ وقد اختلف الفقهاء في المقصود بالخذف في هذه الحاديث .هل هو بيان قدر الحصاة ،أو هو بيان كيفيّة الرّمي ،أو هما معا ؟ . - 5أمّا بالنّسبة لبيان الكيفيّة فقد ذهب الفقهاء في الجملة إلى أنّ الرّمي يصحّ بطريقة الخذف سبّابة والبهام من اليد اليمنى ويرمي . ح واليسر أن يضع الحصاة بين طرفي ال ّ ن الص ّ لك ّ وأورد الحنفيّة الكيفيّات التّالية : سبّابة ،ويضع الحصاة على ظهر أ -أن يضع النسان طرف إبهامه اليمنى على وسط ال ّ البهام كأنّه عاقد سبعين فيرمي الجمرة . ب -أن يحلّق سبّابته ويضعها على مفصل إبهامه كأنّه عاقد عشر ًة . ن هذه الصّورة :وهذا في التّمكّن من الرّمي به مع الزّحمة عسر . قال في فتح القدير إ ّ ج -أن يأخذ الحصاة بطرفي إبهامه وسبّابته . ح واليسر المعتاد ،قالوا :ولم قال الحنفيّة عن هذه الصّورة الخيرة :هذا هو الصل والص ّ يقم دليل على أولويّة تلك الكيفيّة " أي الّتي فيها خذف " سوى قوله عليه الصلة والسلم : « ارموا الجمرة بمثل حصى الخذف » وهذا ل يدلّ ول يستلزم كون كيفيّة الرّمي المطلوبة كيفيّة الخذف ،وإنّما الحديث يدلّ على تعيين ضابط مقدار الحصاة إذ كان مقدار ما يخذف به معلوما لهم ،وأمّا ما زاد في رواية صحيح مسلم بعد قوله :عليكم بحصى الخذف من قوله :ويشير بيده كما يخذف النسان ، يعني عندما نطق بقوله :عليكم بحصى الخذف أشار بصورة الخذف بيده ،فليس يستلزم طلب كون الرّمي بصورة الخذف ،لجواز كونه يؤكّد كون المطلوب حصى الخذف ،كأنّه قال :خذوا حصى الخذف الّذي هو هكذا ،ليشير أنّه ل تجوز في كونه حصى الخذف ، وهذا لنّه ل يعقل في خصوص وضع الحصاة في اليد على هذه الهيئة وجه قربة ،فالظّاهر أنّه ل يتعلّق به غرض شرعيّ ،بل بمجرّد صغر الحصاة ،ولو أمكن أن يقال :فيه إشارة
إلى كون الرّمي خذفا ،عارضه كونه وضعًا غير متمكّن ،واليوم يوم زحمة يوجب نفي غير المتمكّن . ي للخذف ،وهو كما قالوا :كانت العرب ترمي أمّا المالكيّة فقد ذكروا التّعريف اللّغو ّ سبّابة والبهام من اليسرى ثمّ تقذفها بسبّابة بالحصى في الصّغر على وجه اللّعب تجعلها بين ال ّ اليمنى أو تجعلها بين سبّابتيها . ثمّ قال الصّاويّ :وليست هذه الهيئة مطلوب ًة في الرّمي ،وإنّما المطلوب أخذ الحصاة بسبّابته وإبهامه من اليد اليمنى ورميها .وهم بذلك يوافقون الحنفيّة في الكيفيّة . واختلفت القوال عند الشّافعيّة ،فقد ذكروا هيئة الخذف وهي :وضع الحصى على بطن سبّابة ،ثمّ قالوا :إنّها مكروهة وهذا ما جاء في نهاية المحتاج ، البهام ورميه برأس ال ّ وحاشية الجمل ،وحواشي تحفة المحتاج ،ومغني المحتاج ،واستدلّوا للكراهة بالنّهي الصّحيح عن الخذف ،وهذا يشمل الحجّ وغيره ،قالوا :والصحّ كما في الرّوضة والمجموع أن يرمي الحصى على غير هيئة الخذف .لكن يظهر أنّ مقابل الصحّ هو ما ذكروه عن الرّافعيّ ،فقد قالوا :وصحّح الرّافعيّ ندب هيئة الخذف . أمّا الحنابلة فلم يذكروا للرّمي كيفيّ ًة خاصّ ًة .هذا بالنّسبة للكيفيّة : - 6أمّا بالنّسبة لمقدار الحصاة الّتي ترمى بها الجمار ،فقد اتّفق الفقهاء على أنّ حديث : « ارموا الجمرة بمثل حصى الخذف » .ونحوه من الحاديث بيّنت قدر الحصاة بأن تكون صغير ًة كالّتي يخذفها بها ،ولكنّهم اختلفوا في تقدير الصّغر ،والمختار عند الحنفيّة أنّها مقدار الباقلّ ،أي قدر الفولة ،وقيل :قدر الحمّصة ،أو النّواة ،أو النملة . قال في النّهر :وهذا بيان المندوب ،وأمّا الجواز فيكون ولو بالكبر مع الكراهة . وقال المالكيّة :قدر الفول ،أو النّواة ،أو دون النملة ،ول يجزئ الصّغير جدّا كالحمّصة ، سنّة . ويكره الكبير خوف الذيّة ولمخالفته ال ّ وقال الشّافعيّة :حصاة الرّمي دون النملة طولً وعرضا في قدر حبّة الباقلّ -ويجزئ عندهم الرّمي بأصغر أو أكبر مع الكراهة . وقال الحنابلة :ما كان أكبر من الحمّص ودون البندق ،وإن رمى بحجر أكبر ،فقد روي عن أحمد أنّه قال :ل يجزئه حتّى يأتي بالحصى على ما فعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم وذلك لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أمر بهذا المقدار في قوله « :بأمثال هؤلء » ...ونهى ن الرّمي عن تجاوزه ،والمر يقتضي الوجوب ،والنّهي يقتضي فساد المنهيّ عنه ،ول ّ بالكبير من الحصى ربّما آذى من يصيبه .قال في المغني .وقال بعض أصحابنا :تجزئه
سنّة ،لنّه قد رمى بالحجر .وكذلك الحكم في الصّغير .وفي كشّاف القناع مع تركه لل ّ وشرح منتهى الرادات :ل تجزئ حصاة صغيرة جدّا ،أو كبيرة لظاهر الخبر . كما اختلف الفقهاء في نوع الحصى وفي ذلك تفصيل ينظر في ( :رمي -جمار -حجّ ) .
ثانيا :في الصّيد : - 7ل يحلّ الصّيد بحصى الخذف لنّه وقيذ ،وفي رمي الصّيد بغيره خلف ينظر في مصطلح ( :صيد ) .
خراج *
التّعريف :
- 1الخراج لغةً ،من خرج يخرج خروجا أي برز والسم الخراج ،وأصله ما يخرج من الرض .والجمع أخراج ،وأخاريج ،وأخرجة . ويطلق الخراج على الغلّة الحاصلة من الشّيء كغلّة الدّار ،والدّابّة ،ومنه قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :الخراج بالضّمان » . خرْجا ك َ جعَلُ َل َ ويطلق الخراج أيضا على الجرة ،أو الكراء ،ومنه قوله تعالى َ { :فهَلْ َن ْ خيْرٌ } . ك َ ج َربّ َ خرْجا َفخَرَا ُ سأَُلهُمْ َ سدّا } وقوله تعالى َ { :أمْ َت ْ ل َب ْينَنَا َو َب ْي َنهُمْ َ جعَ َ عَلَى أَن َت ْ والخرج والخراج بمعنًى واحد عند أبي عبيدة واللّيث وهو الجرة .وفرّق أبو عمرو بن العلء بينهما ،فقال الخرج ما تبرّعت به أو تصدّقت به ،والخراج ما لزمك أداؤه . ويطلق الخراج أيضا على التاوة ،أو الضّريبة الّتي تؤخذ من أموال النّاس ،فيقال خارج ل سنة . السّلطان أهل ال ّذمّة ،إذا فرض عليهم ضريبةً يؤدّونها له ك ّ
الخراج في الصطلح : ص. - 2للخراج في اصطلح الفقهاء معنيان عامّ وخا ّ فالخراج -بالمعنى العامّ -هو الموال الّتي تتولّى الدّولة أمر جبايتها وصرفها في مصارفها. ص -فهو الوظيفة أو " الضّريبة " الّتي يفرضها المام على وأمّا الخراج -بالمعنى الخا ّ الرض الخراجيّة النّامية . وعرّفه كلّ من الماورديّ وأبي يعلى بأنّه ما وضع على رقاب الرض من حقوق تؤدّى عنها.
اللفاظ الّتي تطلق على الخراج :
أطلق الفقهاء على الخراج -بالمعنى الخاصّ -عدّة ألفاظ ومصطلحات منها :
أ -جزية الرض :
- 3يطلق على الخراج جزية الرض كما يطلق على الجزية خراج الرّأس ،وذلك لنّ ن كلّا منهما مال يؤخذ من ال ّذمّيّ . اللّفظين يشتركان في معنًى ،وهو أ ّ
ب -أجرة الرض : ن الخراج - 4أطلق أبو عبيد وغيره من العلماء على الخراج " أجرة الرض " وذلك ل ّ المفروض على الرض الخراجيّة النّامية بمثابة الجرة لها .فالمام يقف الرض المفتوحة عنو ًة على جميع المسلمين ،ويتركها في أيدي أهلها يزرعونها بخراج معلوم .
ج -الطّسق :
- 5أوّل من استعمل هذه اللّفظة في السلم المام عمر بن الخطّاب رضي ال عنه حيث كتب إلى عثمان بن حنيف رضي ال عنه في رجلين من أهل ال ّذمّة أسلما ،كتابا جاء فيه " : ارفع الجزية عن رءوسهما وخذ الطّسق عن أرضيهما " وبوّب أبو عبيد في كتاب الموال بابًا باسم " أرض العنوة تقرّ في يد أهلها ويوضع عليها الطّسق وهو الخراج )" . والطّسق كلمة فارسيّة معرّبة يراد بها الوظيفة المقرّرة على الرض .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الغنيمة : - 6الغنيمة في الصطلح :اسم للمأخوذ من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة ، والخراج كما تقدّم ،الوظيفة الّتي يفرضها المام على الرض الخراجيّة . ب -الفيء : ل مال صار للمسلمين من الكفّار من غير قتال . - 7الفيء في الصطلح :هو ك ّ والفيء ضربان :أحدهما :ما انجلوا عنه أي هربوا عنه :خوفا من المسلمين ،أو بذلوه للكفّ عنهم .والثّاني :ما أخذ من غير خوف كالجزية ،والخراج الصّلحيّ ،والعشور . والفيء أع ّم من الخراج . ج -الجزية : - 8الجزية مال يوضع على الرّؤوس ل على الرض ،والخراج يوضع على رقبة الرض . د -الخمس : - 9الخمس في الصطلح :هو اسم للمأخوذ من الغنيمة ،والرّكاز وغيرهما ممّا يخمّس . هـ -العشر : - 10العشر في الصطلح :هو اسم للمأخوذ من المسلم في زكاة الرض العشريّة . والعشر يتّفق مع خراج المقاسمة في أنّهما يجبان في الخارج من الرض الزّراعيّة .
ويختلفان في محلّهما ،فمحلّ العشر الرض العشريّة الّتي يملكها مسلم ،ومحلّ الخراج الرض الخراجيّة .
الخراج في السلم : - 11لمّا آلت الخلفة إلى عمر بن الخطّاب رضي ال عنه ،وازدادت الفتوحات السلميّة ، واتّسعت رقعة الدّولة ،وزادت نفقاتها ،رأى عمر رضي ال عنه أن ل يقسم الرض المفتوحة عنو ًة بين الفاتحين ،بل يجعلها وقفا على جميع المسلمين ويضرب على من يقوم بزراعتها خراجا معلوما .فوافقه بعض الصّحابة ،وخالفه آخرون في بداية المر . قال أبو يوسف :وشاورهم في قسمة الرضين الّتي أفاء اللّه على المسلمين من أرض العراق والشّام فتكلّم قوم فيها ،وأرادوا أن يقسم لهم حقوقهم وما فتحوا .فقال عمر رضي ال عنه : فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الرض بعلوجها قد اقتسمت وورثت عن الباء وحيزت ،ما هذا برأي .فقال له عبد الرّحمن بن عوف رضي ال عنه :فما الرّأي ؟ ما ل كما تقول ،ولست أرى ذلك الرض والعلوج إلّ ممّا أفاء اللّه عليهم .فقال عمر :ما هو إ ّ ،واللّه ل يفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل ،بل عسى أن يكون كلّا على المسلمين .فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها ،وأرض الشّام بعلوجها ،فما يسدّ به الثّغور ،وما يكون لل ّذرّيّة والرامل بهذا وبغيره من أرض الشّام والعراق ؟ فأكثروا على عمر رضي ال عنه ، وقالوا :أتقف ما أفاء اللّه بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يشهدوا ،ولبناء القوم ولباء أبنائهم ولم يحضروا ؟ .وقد ذكر أبو يوسف رحمه ال أنّ بلل بن رباح كان من أشدّ الصّحابة وأكثرهم تمسّكا بالرّأي المخالف ،حتّى قال عمر رضي ال عنه :اللّهمّ اكفني بللًا وأصحابه " ومكثوا في ذلك يومين أو ثلثةً أو دون ذلك وعمر رضي ال عنه يحاجّهم إلى أن وجد ما يؤيّد رأيه في كتاب اللّه تعالى ،فقال :قد وجدت حجّ ًة ،قال تعالى في كتابه َ { :ومَا خيْلٍ وَلَا ِركَابٍ وََلكِنّ اللّهَ ُيسَّلطُ ُرسُلَهُ عَلَى مَن ن َ ج ْف ُتمْ عََليْ ِه مِ ْ َأفَاء اللّهُ عَلَى رَسُوِلهِ ِم ْن ُهمْ َفمَا أَ ْو َ ل شَيْ ٍء َقدِيرٌ } حتّى فرغ من شأن بني النّضير فهذه عامّة في القرى كلّها . َيشَاء وَاللّهُ عَلَى كُ ّ ن أَهْلِ الْ ُقرَى فَلِلّهِ وَلِل ّرسُولِ وَِلذِي ا ْل ُقرْبَى وَا ْل َيتَامَى ثمّ قال تعالى { :مّا َأفَاء اللّهُ عَلَى َرسُولِ ِه مِ ْ خذُوهُ َومَا ل فَ ُ غ ِنيَاء مِنكُمْ َومَا آتَا ُكمُ ال ّرسُو ُ ل َكيْ لَا َيكُونَ دُوَل ًة َبيْنَ ا ْلأَ ْ سبِي ِ ن ال ّ وَا ْل َمسَاكِينِ وَابْ ِ خ ِرجُوا ن ُأ ْ جرِينَ اّلذِي َ شدِيدُ ا ْلعِقَابِ } ثمّ قال { لِلْفُ َقرَاء ا ْل ُمهَا ِ عنْ ُه فَان َتهُوا وَاتّقُوا اللّهَ ِإنّ اللّهَ َ َنهَاكُمْ َ ن اللّهَ َورَسُوَلهُ ُأوَْل ِئكَ ُهمُ صرُو َ ن اللّهِ َو ِرضْوَانا َويَن ُ ن فَضْلً مّ َ مِن دِيارِ ِهمْ وََأ ْموَاِل ِهمْ َي ْب َتغُو َ ن مِن الصّا ِدقُونَ } .ثمّ لم يرض حتّى خلط بهم غيرهم فقال { :وَاّلذِينَ َتبَوّؤُوا الدّارَ وَا ْلإِيمَا َ س ِهمْ صدُورِ ِهمْ حَاجَةً ّممّا أُوتُوا َو ُي ْؤ ِثرُونَ عَلَى أَن ُف ِ ن فِي ُ جدُو َ جرَ إَِل ْي ِهمْ وَلَا َي ِ ن هَا َ حبّونَ مَ ْ َقبْلِ ِهمْ ُي ِ شحّ نَ ْفسِ ِه َفأُوَْل ِئكَ ُهمُ ا ْلمُفِْلحُونَ } فهذا فيما بلغنا -واللّه أعلم خصَاصَةٌ َومَن يُوقَ ُ ن ِب ِهمْ َ وََلوْ كَا َ
للنصار خاصّةً ،ثمّ لم يرض حتّى خلط بهم غيرهم فقال { :وَاّلذِينَ جَاؤُوا مِن َب ْعدِ ِهمْن آ َمنُوا َربّنَا جعَلْ فِي قُلُو ِبنَا غِلّا لّّلذِي َ سبَقُونَا بِا ْلإِيمَانِ وَلَا َت ْ ن َ ن َر ّبنَا اغْ ِفرْ َلنَا وَِلِإخْوَا ِننَا اّلذِي َ يَقُولُو َ ِإ ّنكَ رَؤُوفٌ ّرحِيمٌ } فكانت هذه عامّ ًة لمن جاء بعدهم ،فقد صار الفيء بين هؤلء جميعًا فكيف نقسمه لهؤلء ،وندع من تخلّف بعدهم بغير قسم ؟ .قالوا :فاستشر .فاستشار المهاجرين الوّلين فاختلفوا ،فأمّا عبد الرّحمن بن عوف رضي ال عنه فكان رأيه أن يقسم لهم حقوقهم .ورأي عثمان وعليّ وطلحة وابن عمر رضي ال عنهم رأي عمر .فأرسل إلى عشرة من النصار :خمسة من الوس ،وخمسة من الخزرج من كبرائهم وأشرافهم فلمّا ل لن تشتركوا في اجتمعوا حمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال :إنّي لم أزعجكم إ ّ أمانتي فيما حمّلت من أموركم ،فإنّي واحد كأحدكم ،وأنتم اليوم تقرّون بالحقّ ،خالفني من خالفني ،ووافقني من وافقني ،ولست أريد أن تتّبعوا هذا الّذي هو هواي ،معكم من اللّه كتاب ينطق بالحقّ فواللّه لئن كنت نطقت بأمر أريده ما أريد به إلّ الحقّ .قالوا :نسمع يا أمير المؤمنين .قال :قد سمعتم كلم هؤلء القوم الّذين زعموا أنّي أظلمهم حقوقهم .وإنّي أعوذ باللّه أن أركب ظلما ،لئن كنت ظلمتهم شيئًا هو لهم وأعطيته غيرهم لقد شقيت ولكن رأيت أنّه لم يبق شيء يفتح بعد كسرى ،وقد غنّمنا اللّه أموالهم ،وأرضهم ،وعلوجهم ، فقسمت ما غنموا من أموال بين أهله وأخرجت الخمس فوجّهته على وجهه وأنا في توجيهه ، وقد رأيت أن أحبس الرضين بعلوجها ،وأضع عليهم فيها الخراج ،وفي رقابهم الجزية يؤدّونها فتكون فيئًا للمسلمين ،المقاتلة وال ّذ ّريّة ولمن يأتي من بعدهم .أرأيتم هذه الثّغور ل بدّ لها من رجال يلزمونها ،أرأيتم هذه المدن العظام -كالشّامّ ،والجزيرة والكوفة ، والبصرة ،ومصر -ل بدّ لها من أن تشحن بالجيوش ،وإدرار العطاء عليهم ،فمن أين يعطى هؤلء إذا قسمت الرضون والعلوج ؟ فقالوا جميعا :الرّأي رأيك فنعم ما قلت وما رأيت إن لم تشحن هذه الثّغور وهذه المدن بالرّجال وتجري عليهم ما يتقوّون به رجع أهل الكفر إلى مدنهم فقال :قد بان لي المر ،فمن رجل له جزالة ،وعقل ،يضع الرض مواضعها ،ويضع على العلوج ما يحتملون ؟ فاجتمعوا على عثمان بن حنيف وقالوا :تبعثه ل وتجربةً فأسرع إليه عمر فولّاه مساحة أرض السّواد . إلى أهمّ من ذلك ،فإنّ له بصرا وعق ً
الحكم التّكليفيّ للخراج : ل من بيده أرض خراجيّة نامية سواء أكان مسلما ،أم كافرا ، - 12الخراج واجب على ك ّ صغيرا أم كبيرا ،عاقلً ،أم مجنونا ،رجلً ،أم امرأةً ،وذلك لنّ الخراج مئونة الرض النّامية ،وهم في حصول النّماء سواء .
أدلّة مشروعيّة الخراج :
- 13يستند اجتهاد المام عمر بن الخطّاب رضي ال عنه في تشريع الخراج إلى القرآن سنّة النّبويّة والمصلحة . الكريم وال ّ
أ -القرآن الكريم : ج بها المام عمر بن الخطّاب رضي ال عنه ،حكم مسألة وقف بيّنت اليات السّابقة الّتي احت ّ أرض السّواد على جميع المسلمين .
سنّة النّبويّة : ب -ال ّ
أ -روى مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « منعت العراق درهمها وقفيزها ،ومنعت الشّام مديها ودينارها ،ومنعت مصر إردبّها ودينارها ،وعدتم من حيث بدأتم ،وعدتم من حيث بدأتم ،وعدتم من حيث بدأتم » شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه .وهذا الحديث من أعلم النّبوّة لخباره بما سيكون من ملك المسلمين هذه القاليم ووضعهم الجزية والخراج ،ثمّ بطلن ذلك . ن الصّحابة رضوان ال ووجه الستدلل بهذا الحديث أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قد علم أ ّ عليهم سيضعون الخراج على الرض ولم يرشدهم إلى خلف ذلك ،بل قرّره وحكاه لهم ، ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ذكر ولذلك قال يحيى بن آدم :يريد من هذا الحديث أ ّ القفيز والدّرهم قبل أن يضعه عمر على الرض . ب -روى أبو داود عن سهل بن أبي حثمة قال « :قسم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم خيبر نصفين ،نصفا لنوائبه وحاجته ،ونصفا بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما » .فالحديث فيه تصريح بما وقع من النّبيّ صلى ال عليه وسلم في شأن خيبر حيث وقف نصفها لمصلحة المسلمين .وكذلك الحكم بالنّسبة للرض المفتوحة عنو ًة .
المصلحة : ن من المصلحة عدم تقسيم - 3رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي ال عنه أ ّ الراضي المفتوحة عنوةً ،ووقفها على جميع المسلمين وضرب الخراج عليها . وأهمّ ما تقضي به المصلحة في ذلك . أ -تأمين مورد ماليّ ثابت للمّة السلميّة بأجيالها المتعاقبة ومؤسّساتها المختلفة : نظر عمر بن الخطّاب رضي ال عنه إلى مستقبل المّة السلميّة وأجيالها القادمة ،فرأى أنّ كثيرا منها سيقع في شظف العيش والحرمان ،إذا ما قسمت تلك الراضي المفتوحة عنوةً ووزّعت على الفاتحين .ولهذا رأى عدم التّقسيم ،ووقف الرضين ،وضرب الخراج عليها ليكون موردا ماليّا ثابتا للجيال القادمة .
ل قسمتها كما وقال :لول أن أترك آخر النّاس ببّانا ليس لهم من شيء ما فتحت عليّ قرية إ ّ قسم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم خيبر ،ولكن أتركها خزانةً لهم . ب -توزيع الثّروة وعدم حصرها في فئة معيّنة : غ ِنيَاء مِن ُكمْ } وقد أشار معاذ بن جبل كما أشار إليه قوله تعالى َ { :كيْ لَا َيكُونَ دُولَ ًة َبيْنَ ا ْلَأ ْ رضي ال عنه على عمر رضي ال عنه ،لمّا رأى إصرار بعض الصّحابة على التّقسيم بقوله :واللّه إذا ليكوننّ ما تكره .إنّك إن قسمتها صار الرّيع العظيم في أيدي القوم يبيدونه فيصير ذلك إلى الرّجل الواحد ،أو المرأة الواحدة ،ثمّ يأتي من بعدهم قوم يسدّون من السلم مسدّا ،فل يجدون شيئا ،فانظر أمرا يسع أوّلهم وآخرهم فرضي عمر قول معاذ ، فوقف الرض على المسلمين وضرب عليها الخراج ،وأصبح ينفق منه على مصالح المسلمين جميعًا بما فيهم الفقراء والغنياء . ج -عمارة الرض بالزّراعة وعدم تعطيلها : إنّ عمارة الرض بالزّراعة والنتفاع بما في باطنها من معادن مطلوب من النّاس عامّةً ، ومن المسلمين خاصّةً ،فهو من مقتضيات الستخلف العامّ للنّاس في الرض { وَِإذْ قَالَ لرْضِ خَلِيفَ ًة } . ل فِي ا َ لئِكَ ِة ِإنّي جَاعِ ٌ ك لِ ْلمَ َ َربّ َ وكان قصد عمر بن الخطّاب رضي ال عنه من ضرب الخراج أن تبقى الرض عامرةً بالزّراعة فأهلها أقدر من الغانمين على ذلك لتوفّر الخبرة والقدرة على الزّراعة ،ولذلك قال في أهلها :يكونون عمّار الرض فهم أعلم بها وأقوى عليها . وقد سلك عمر رضي ال عنه في ذلك مسلك النّبيّ صلى ال عليه وسلم فلمّا فتحت خيبر وصارت الرض والموال المغنومة تحت يده ولم يكن له من العمّال ما يكفون عمارة الرض وزراعتها ،دفعها إلى أهلها على أن يزرعوها ولهم نصف ثمرتها . وبقيت على ذلك طيلة حياة النّبيّ صلى ال عليه وسلم وحياة أبي بكر الصّدّيق رضي ال عنه .حتّى أجلهم عمر رضي ال عنه إلى الشّام .
أنواع الخراج : قسّم الفقهاء الخراج -باعتبارات مختلفة -إلى أنواع : فقسموه -باعتبار المأخوذ من الرض -إلى خراج وظيفة ،ومقاسمة .وقسموه -باعتبار الرض الّتي تخضع للخراج إلى خراج عنويّ ،وصلحيّ وفيما يلي هذه النواع .
أولً -خراج الوظيفة والمقاسمة : أ -خراج الوظيفة :
ن المام ينظر إلى مساحة - 14يسمّى هذا النّوع أيضا خراج المقاطعة وخراج المساحة ،ل ّ الرض ونوع ما يزرع عند توظيف الخراج عليها . وهو أن يكون الواجب شيئا في ال ّذمّة يتعلّق بالتّمكّن من الزّراعة ،حتّى لو لم يقع الزّرع ن التّمكّن من النتفاع قائم وهو الّذي قصّر في بالفعل فيجب الخراج على مالك الرض ،ل ّ تحصيله .فيتحمّل نتيجة تقصيره .وهذا النّوع من الخراج هو الّذي وظّفه أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي ال عنه على أرض السّواد ،ومصر ،والشّام .
ب -خراج المقاسمة : - 15هو :أن يكون الواجب جزءا شائعا من الخارج من الرض ،كالرّبع والخمس وما أشبه ذلك .وهذا النّوع من الخراج يتعلّق بالخارج من الرض ل بالتّمكّن ،فلو عطّل المالك الرض ل يجب الخراج . وقد حدث هذا النّوع في عهد المهديّ بن المنصور العبّاسيّ /عام 169هـ /حيث قرّره بدلً من خراج الوظيفة الّذي كان معمولً به منذ زمن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه . قال يحيى بن آدم في كتاب الخراج :أمّا مقاسمة السّواد فإنّ النّاس سألوها السّلطان في آخر ي بها فقوسموا فيها خلفة المنصور /عام 158هـ /فقبض قبل أن يقاسموا ،ثمّ أمر المهد ّ دون عقبة حلوان . أمّا الماورديّ وأبو يعلى الفرّاء فقد ذكرا وجها آخر في سبب تغيير خراج الوظيفة الّذي فرضه عمر بن الخطّاب رضي ال عنه إلى خراج مقاسمة حيث قال :ولم يزل السّواد على المساحة والخراج إلى أن عدل بهم الخليفة المنصور في الدّولة العبّاسيّة عن الخراج إلى ن السّعر نقص ،فلم تف الغلّات بخراجها ،وخرب السّواد ،فجعله مقاسمةً ، المقاسمة ،ل ّ وأشار وزير المهديّ أن يجعل أرض الخراج مقاسم ًة . ن خراج الوظيفة يؤخذ مرّةً واحد ًة في والفرق بين خراج الوظيفة ،وخراج المقاسمة أيضا ،أ ّ السّنة ،ول يتكرّر بتكرّر الخارج من الرض . أمّا خراج المقاسمة فيتكرّر أخذه بتكرّر الخارج من الرض .
ثانيا -الخراج الصّلحيّ والعنويّ : أ -الخراج الصّلحيّ :
- 6 1هو :الخراج الّذي يوضع على الرض الّتي صولح عليها أهلها على أن تكون الرض لهم ،ويقرّون عليها بخراج معلوم .قال الباجيّ :فما صالحوا على بقائه بأيديهم من أموالهم فهو مال صلح ،أرضا كان أو غيره .
ب -الخراج العنويّ :
- 7 1هو الخراج الّذي يوضع على الرض الّتي افتتحت عنو ًة بعد أن وقفها المام على جميع المسلمين .ويدخل في هذا النّوع الخراج الّذي يوضع على الرض الّتي جل عنها أهلها خوفا وفزعا من المسلمين .وكذا الخراج الّذي يوضع على الرض الّتي صولح أهلها على أن تكون للمسلمين ويقرّون عليها بخراج معلوم . قال الباجيّ :وما صالحوا به أو أعطوه على إقرارهم في بلدهم وتأمينهم كان أرضا أو غيره فإنّه ليس بمال صلح ،ولو أنّ أهل حرب قوتلوا حتّى صالحوا على أن ل يكون لهم في الرض حقّ ويؤمّنون على الخروج من البلد أو المقام به على ال ّذمّة ،لمّا كانت تلك أرض صلح ،وإنّما تكون أرض صلح ما صولحوا على بقائها بأيديهم سواء تقدّم ذلك حرب ،أو لم يتقدّمه حرب . وأمّا العنوة فهي الغلبة ،فكلّ مال صار للمسلمين على وجه الغلبة من أرض أو عين دون اختيار من غلب عليه من الكفّار فهو أرض عنوة سواء دخلنا الدّار غلبةً ،أم أجلوا عنها مخافة المسلمين ،تقدّمت في ذلك حرب ،أم لم تتقدّم ،أقرّ أهلها فيها أم نقلوا عنها .. ن الرض آل حالها إلى أن استقرّت بأيدي أربابها وقال أيضا :ومرادنا بالصّلح والعنوة أ ّ بصلح صالحوا عليها أو زال عنها ملكهم بالعنوة والغلبة .
أنواع الرض الخراجيّة : - 18النّوع الوّل :الرض الّتي صالح المسلمون أهلها عليها وهي نوعان : الوّل :أن يقع الصّلح على أنّ الرض لهلها ،وللمسلمين الخراج ،فهي مملوكة لهلها وتعتبر أرضا خراجيّةً . ن الرض للمسلمين ويقرّ أهلها عليها بخراج معلوم . والثّاني :أن يقع الصّلح على أ ّ - 19النّوع الثّاني :الرض الّتي جل عنها أهلها خوفا وفزعا وبدون قتال . فهي أرض خراجيّة وتصير وقفا على جميع المسلمين بمجرّد الستيلء عليها عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وأحمد في رواية ،وذلك لنّها فيء وليست غنيمةً. وذهب أحمد في رواية ثانية إلى أنّ حكمها حكم الرض المفتوحة عنوةً فل تصير وقفا على المسلمين إلّ بوقف المام لها ،لنّها مال ظهر عليه المسلمون بقوّتهم فل يكون وقفا بنفس الستيلء كالمنقول .أمّا أرض العرب فكلّها أرض عشريّة ،لنّ النّبيّ عليه الصلة والسلم والخلفاء الرّاشدين لم يأخذوا الخراج من أرض العرب ،ولنّه بمنزلة الفيء فل يثبت في أراضيهم ،كما ل تثبت الجزية في رقابهم ،وانظر مصطلح ( :أرض ،وأرض العرب ) . النّوع الثّالث :الرض الّتي افتتحها المسلمون عنوةً :
- 20اختلف الفقهاء في تقسيم الرض الّتي افتتحت عنو ًة بين الفاتحين .فيرى بعضهم وجوب تقسيمها ،ويرى آخرون وقفها ،ويرى بعضهم تخيير المام بين هذين المرين . راجع مصطلح ( :أرض ) .
شروط الرض الّتي تخضع للخراج : الشّرط الوّل :أن تكون الرض خراجيّةً .
- 21اتّفق الفقهاء على أنّ الرض الّتي تخضع لوظيفة الخراج ،ل بدّ أن تكون خراجيّةً ، ولذا فل تجب وظيفة الخراج على الرض العشريّة ،كالرض الّتي أسلم عليها أهلها طوعا . والرض الخراجيّة :هي الرض الّتي صولح عليها أهلها ،وكذا الرض الّتي جل عنها أهلها خوفًا وفزعًا من المسلمين ،والرض الّتي فتحت عنوةً وتركها المام في أيدي أهلها يزرعونها وينتفعون بها بخراج معلوم ،سواء أسلم أهلها بعد فتحها أو لم يسلموا .
الشّرط الثّاني :أن تكون الرض الخراجيّة ناميةً . - 22اتّفق الفقهاء على اشتراط هذا الشّرط ،فل تخضع الرض الخراجيّة لوظيفة الخراج إلّ إذا كانت ناميةً .والنّماء إمّا أن يكون حقيقيّا ،بأن تكون الرض مغلّةً بالفعل ،كأن تكون مزروع ًة بالشجار المثمرة كالنّخيل والعنب وغيرهما . وإمّا أن يكون النّماء تقديريّا ،بأن تكون الرض بيضاء صالح ًة للزّراعة .وصلحيّتها للزّراعة بأن تكون تربتها قابل ًة للزّراعة ،وأن ينالها الماء . ولذا فل يجب الخراج في الرض المبنيّة مساكن ودورًا ،ول في الرض الموات الّتي ل تصلح للزّراعة ،كأن تكون نزّ ًة -ل تمسك الماء -أو سبخةً ،لعدم النتفاع بها في الزّراعة ن عمر رضي ال عنه لم يدخلها في الوقف ،ولم يفرض عليها الخراج . ،ول ّ روى أبو عبيد عن عبد اللّه الثّقفيّ قال :وضع عمر بن الخطّاب رضي ال عنه على أهل السّواد على كلّ جريب عامر أو غامر درهما وقفيزا ،وعلى جريب الرّطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة ،وعلى جريب الشّجرة عشرة دراهم وعشرة أقفزة . وقد علّق أبو عبيد على هذا الحديث بقوله :وفي تأويل حديث عمر من العلم أنّه جعل الخراج ل من ذوات الحبّ والثّمار ،والّتي تصلح للغلّة من العامر والغامر ، على الرضين الّتي تغ ّ وعطّل من ذلك المساكن والدّور الّتي هي منازلهم فلم يجعل عليها فيها شيئا . ن الخراج بمثابة أجرة الرض وما ل منفعة فيه ل أجر له . ول ّ
انتقال الرض العشريّة إلى ال ّذمّيّ ،وما يجب فيها :
- 23ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز بيع الرض العشريّة ن الحنابلة قالوا بالجواز مع الكراهة لفضائه إلى إسقاط عشر الخارج منها. من ال ّذمّيّ ،إلّ أ ّ
واستدلّوا لما ذهبوا إليه من جواز بيع الرض العشريّة لل ّذ ّميّ ،بأنّها مال مملوك للمسلم كسائر أملكه فل يمنع من بيعه لل ّذ ّميّ أو غيره . ن بانتقالها إلى ال ّذمّيّ وذهب مالك وأحمد في رواية إلى منع المسلم من بيعها إلى ال ّذ ّميّ ،ل ّ يسقط العشر فيتضرّر الفقراء . وأمّا بالنّسبة إلى الوظيفة المفروضة على أهل ال ّذمّة إذا تملّكوا الرض العشريّة ،فقد اختلف الفقهاء فيها على النّحو التّالي : ذهب الشّافعيّة والحنابلة في الرّواية الرّاجحة عندهم ،والثّوريّ ،وشريك وأبو عبيد إلى أنّ الرض ل تصير خراجيّ ًة بمجرّد انتقالها إلى ال ّذ ّميّ ول يفرض عليها عشر ،ول خراج لفقد موجبهما .فالخراج يجب على الرض الّتي خضعت للمسلمين بالغلبة ،أو الصّلح ول يجب بالبيع ول بمجرّد انتقالها إلى ذ ّميّ . والعشر يجب في الخارج من الرض العشريّة على المسلم ،ول يجب على ال ّذ ّميّ ،لنّ ي ليس من أهلها . العشر عبادة ،وال ّذمّ ّ ي فكما تسقط زكاة كما قاسوا هذه المسألة على مسألة انتقال الحيوانات السّائمة إلى ال ّذمّ ّ السّائمة بانتقالها إلى ال ّذ ّميّ ،يسقط العشر عن الرض العشريّة بانتقالها إلى ال ّذ ّميّ . وذهب أبو حنيفة وزفر إلى أنّها تصير خراجيّةً ،ويؤخذ من ال ّذ ّميّ الّذي انتقلت إليه الخراج ن العشر في معنى العبادة ،وال ّذ ّميّ ليس من أهلها فل يجب عليه العشر كما ل ل العشر ،ل ّ تجب عليه الزّكاة المعهودة ،ولهذا ل تجب عليه ابتدا ًء . وإذا تعذّر إيجاب العشر وجب الخراج إذ ل بدّ من فرض وظيفة على الرض في دار السلم. واختلفت الرّواية عن أبي حنيفة في وقت صيرورتها خراجيّ ًة ،ففي رواية تصير خراجيّةً بالشّراء .وفي رواية أخرى ل تصير خراجيّةً ما لم يوضع عليها الخراج ،وإنّما يؤخذ الخراج إذا مضت من وقت الشّراء مدّة يمكنه أن يزرع فيها ،سواء زرع أم لم يزرع . وذهب مالك وأحمد في رواية وأبو يوسف إلى أنّها تعتبر خراجيّةً ويؤخذ من ال ّذ ّميّ العشر ي يؤدّي مضاعفا ،كما فعل عمر رضي ال عنه مع نصارى تغلب .ولنّ انتقالها إلى ال ّذمّ ّ إلى إسقاط العشر ،وهذا يؤدّي إلى الضرار بالفقراء ،فإذا تعرّض أهل ال ّذمّة لذلك ضوعف عليهم العشر كما لو اتّجروا بأموالهم إلى غير بلدهم ضوعفت عليهم الزّكاة فأخذ منهم نصف العشر .ويوضع المأخوذ منهم موضع الخراج . وذهب محمّد بن الحسن الشّيبانيّ إلى أنّها تبقى عشريّةً ،ول يؤخذ منهم سوى العشر ،وذلك ن كلّ أرض ابتدأت بضرب حقّ عليها ل يتبدّل الحقّ بتبدّل المالك ،كالخراج ، ن الصل أ ّ لّ
ن كلّ واحد منهما مئونة الرض ل تعلّق له بالمالك ،حتّى يجب في أرض والجامع بينهما أ ّ غير مملوكة ،فل يختلف باختلف المالك . واختلفت الرّواية عن محمّد بن الحسن في موضع المأخوذ ومصرفه ،فقيل :يوضع موضع الصّدقة لنّه قدر الواجب لم يتغيّر عنده ،فلم تتغيّر صفته أيضا . ن مال الصّدقة ل يؤخذ منه لكونه مالً مأخوذا من وروي عنه أنّه يوضع موضع الخراج ،ل ّ كافر ،فيوضع موضع الخراج .وذهب ابن أبي ليلى إلى وجوب العشر والخراج معا ،فأمّا العشر فاستصحابا ،وأمّا الخراج فغرم يلحقه بمصيرها إليه .
إحياء الرض الموات : - 24إذا كان المحيي للرض الموات ذ ّميّا ،فيرى بعض الفقهاء جواز ذلك -بإذن المام - سواء أكانت هذه الرض ضمن دار السلم ،أم دار العهد ،ول فرق بينه وبين المسلم في ذلك إلّ في وظيفة الرض ،فالمسلم يجب عليه في بعض الحالت العشر ،أمّا ال ّذمّيّ فل يجب عليه سوى الخراج لنّه أليق بحاله . ويرى آخرون عدم جواز إحياء ال ّذ ّميّ أرض الموات في بلد العرب .ويرى بعضهم عدم جواز إحياء ال ّذمّيّ أرض الموات في دار السلم .انظر ( :إحياء الموات ف 22/و .) 23/
مقدار الخراج :
- 25ذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب في كلّ جريب يصلح للزّراعة قفيز ودرهم ،وفي جريب الرّطبة ( الفصفصة ) خمسة دراهم ،وفي جريب الكرم ( العنب ) عشرة دراهم .وما سوى ذلك من الصناف كالزّعفران ،والقطن وغيرها ،يوضع عليها بحسب الطّاقة .ونهاية الطّاقة أن يبلغ الواجب نصف الخارج ،ول يزاد عليه ،لنّ التّنصيف عين النصاف . واستدلّوا برواية أبي عبيد عن محمّد بن عبد اللّه الثّقفيّ قال :وضع عمر على أهل السّواد على ك ّل جريب عامر أو غامر درهما وقفيزا ،وعلى جريب الحنطة خمسة دراهم وخمسة أقفزة ،وعلى جريب الشّجرة عشرة دراهم وعشرة أقفزة ،وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعشرة أقفزة -قال ولم يذكر النّخل -وعلى رءوس الرّجال ثمانيةً وأربعين ،وأربعةً وعشرين ،واثني عشر . - 26وذهب مالك إلى عدم التّقيّد بتقدير إمام من الئمّة السّابقين ،فلم يأخذ بأيّ رواية من الرّوايات السّابقة ،وإنّما قال :المرجع فيه إلى قدر ما تحتمله الرض من ذلك لختلفها في حواصلها ،ويجتهد المام في تقدير ذلك مستعينًا عليه بأهل الخبرة . ن عمر بعث ابن حنيف إلى السّواد واستدلّوا برواية أبي عبيد أيضًا من حديث الشّعبيّ أ ّ فطرّز الخراج فوضع على جريب القصب ستّة دراهم ،وعلى جريب النّخل ثمانية دراهم ،
وعلى جريب الكرم عشرة دراهم ،وعلى جريب الزّيتون اثني عشر .ووضع على الرّجل الدّرهم والدّرهمين في الشّهر . - 27وذهب الشّافعيّة إلى أنّ قدر الخراج في كلّ سنة ،ما فرضه عثمان بن حنيف لمّا بعثه ل جريب حنطة أربعة دراهم . عمر ماسحا وهو على كلّ جريب شعير درهمان ،وعلى ك ّ ل جريب نخل ثمانية دراهم ، وعلى كلّ جريب شجر ،وقصب سكّر ستّة دراهم ،وعلى ك ّ وعلى كلّ جريب كرم عشرة دراهم ،وعلى ك ّل جريب زيتون اثنا عشر درهما . ل جريب درهم وقفيز ،وعلى جريب النّخل ثمانية - 28وذهب الحنابلة إلى أنّه يجب في ك ّ دراهم ،وعلى جريب الرّطبة ستّة دراهم . واحتجّوا بما رواه عمرو بن ميمون حيث قال :شهدت عمر بن الخطّاب رضي ال عنه - وأتاه ابن حنيف -فجعل يكلّمه ،فسمعته يقول :وضعت على كلّ جريب من الرض درهما وقفيزا من طعام ل يشقّ ذلك عليهم ول يجهدهم .
الزّيادة والنّقصان على ما وظّفه عمر رضي ال عنه : - 29اختلف الفقهاء الّذين أخذوا بتقديرات عمر رضي ال عنه للخراج في جواز الزّيادة والنّقصان على ما وظّفه عمر . فذهب الشّافعيّة والمام أحمد في رواية ،ومحمّد بن الحسن ،وأبو يوسف في رواية إلى جواز الزّيادة والنّقصان ،لنّ الخراج مبنيّ على طاقة الرض وقدرتها على التّحمّل .واستدلّوا لذلك بما روي عن عمر رضي ال عنه حيث قال لعثمان بن حنيف ،وحذيفة بن اليمان " : لعلّكما حمّلتما الرض ما ل تطيق " فإذا كانت الرض تطيق الزّيادة يزاد بقدر الطّاقة ،كما إذا كانت ل تطيق تلك الوظيفة لقلّة ريعها فتنقص . وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف في رواية ثانية إلى جواز النّقصان دون الزّيادة ،لقول عثمان بن حنيف ،وحذيفة لعمر بن الخطّاب " :ولو زدنا لطاقت " فلم يزد عمر مع أنّه أخبر بأنّ الرض تطيق الزّيادة . وذهب أحمد في رواية ثانية إلى جواز الزّيادة دون النّقصان ،لقول عثمان بن حنيف لعمر : واللّه لو زدت عليهم لجهدتهم فدلّ على إباحة الزّيادة ما لم يجهدهم ،ولنّ المام ناظر في مصالح المسلمين كافّةً ،فجاز له الزّيادة فيه دون النّقصان . ن اجتهاد عمر رضي ال وذهب أحمد في رواية ثالثة ،إلى عدم جواز الزّيادة والنّقصان ل ّ عنه أولى من غيره ،إذ هو كالجماع لعدم إنكار الصّحابة عليه .
ما يراعى عند تقدير الخراج :
- 30ينبغي لواضع الخراج أن ينظر إلى تربة الرض ،ومدى إنتاجيّتها وخصوبتها ،فما يوضع على الرض الجيّدة يختلف عمّا يوضع على الرض الرّديئة . وما يوضع على الرض الّتي تزرع في كلّ عام ،يختلف عمّا يوضع على الرض الّتي تزرع في عام ،وتراح في عام . ل عام حالها ،واعتبر فيراعى عند ابتداء وضع الخراج على الرض الّتي ل تزرع في ك ّ العلماء أصلح المور لرباب هذه الرض ،وأهل الفيء يكون في خصلة من ثلث . أ -إمّا أن يجعل خراجها على الشّطر من خراج ما يزرع . ب -وإمّا أن يمسح كلّ جريبين منها بجريب ليكون أحدهما للمزروع والخر للمتروك . ج -وإمّا أن يضعه بكماله على مساحة المزروع والمتروك ،ويستوفي من أربابه الشّطر من مساحة أرضهم .
خفّة مئونة السّقي وكثرتها : - 31من المور الّتي تراعى أيضا عند تحديد وظيفة الرض العشريّة خفّة مئونة السّقي ي صلى ال عليه وسلم العشر في الخارج من الرض العشريّة الّتي وكثرتها .فقد أوجب النّب ّ تسقى بماء السّماء والنهار ،وأوجب نصف العشر في الخارج من الرض العشريّة الّتي تسقى بماء البار الّذي يحتاج في إخراجه إلى مئونة . وكذلك المر بالنّسبة للرض الخراجيّة ،فما يوضع على الرض الّتي تسقى بماء المطار ، أو العيون ،أو النهار يزيد عمّا يوضع على الرض الخراجيّة الّتي تسقى بماء البار .
نوعيّة الزّروع والثّمار المزروعة في الرض الخراجيّة :
- 32الخراج الّذي يوضع على الرض الّتي تزرع بالقمح ،أو الشّعير ،يختلف عمّا يوضع ل نوع على الرض الّتي تزرع بالشجار المثمرة كالعنب ،والنّخيل ،وذلك لختلف قيمة ك ّ عن الخر . - 33قرب الرض الخراجيّة من المدن والسواق وبعدها عنها : فما يوضع على الرض القريبة من المدن والسواق يختلف عمّا يوضع على الرض البعيدة عن المدن والسواق لنّ بعدها عن المدن والسواق يزيد من المئونة والكلفة . ما ينزل بأرباب الرض الخراجيّة من نوائب وملمّات . - 34ينبغي لواضع الخراج أن يحسب حساب النّوائب ،والملمّات الّتي قد تنزل بأرباب الرض فيترك لهم من غاية ما تحتمله الرض نسب ًة معيّن ًة لمواجهة تلك النّوائب ،والملمّات. كما أمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم في خرص الثّمار المزكّاة حيث قال « :إذا خرصتم فجذّوا ودعوا الثّلث فإن لم تدعوا أو تجذّوا الثّلث فدعوا الرّبع » .
ن في المال العريّة والوطيّة » . وقد علّل النّبيّ صلى ال عليه وسلم ذلك بقوله « :فإ ّ وقال عمر رضي ال عنه :خفّفوا على النّاس في الخرص فإنّ في المال العريّة والكلة . وقد راعى عثمان بن حنيف ذلك التّخفيف عندما وضع الخراج على أرض السّواد فقال : حمّلناها أمرا هي مطيقة له ،ما فيها كثير فضل فدلّ ذلك على أنّه قد كان فيها فضل وإن كان يسيرا فقد تركه لهم .وقال أيضا :ولو زدنا لطاقت .وقد نبّه الماورديّ على ذلك بقوله :ول يستقصي في وضع الخراج غاية ما يحتمله ،وليجعل منه لرباب الرض بقيّ ًة يجبرون بها النّوائب والحوائج ،حكي أنّ الحجّاج كتب إلى عبد الملك بن مروان يستأذنه في أخذ الفضل من أموال السّواد ،فمنعه من ذلك ،وكتب إليه ل تكن على درهمك المأخوذ أحرص منك على درهمك المتروك ،وأبق لهم لحومًا يعقدون بها شحوما .
استيفاء الخراج : إذا وضع الخراج على أرض خراجيّة فل بدّ من استيفائه بعد حلول وقت الوجوب ليصرف أي مصارفه الشّرعيّة من سدّ المصالح العامّة .
وقت استيفاء الخراج :
- 35لمعرفة وقت استيفاء الخراج ل بدّ من بيان وقت الوجوب ،لنّ الستيفاء -غالبا -ما يكون بعد حلول وقت الوجوب .
أ -وقت وجوب الخراج 35م -وقت وجوب الخراج يختلف تبعا لنوع الخراج المفروض على رقبة الرض . فإذا كان المفروض خراج مقاسمة ،يكون وقت الوجوب عند كمال الزّرع وتصفيته ،ويتكرّر ن الخراج يتعلّق بالخارج من الرض . الواجب بتكرّر الخارج من الرض ،ل ّ أمّا إذا كان المفروض خراج وظيفة ،فل يؤخذ إلّ مرّةً واحد ًة في السّنة ،ول يتكرّر ،ولو ن عمر رضي ال عنه لم يأخذ الخراج من استغلّها صاحبها في السّنة عدّة مرّات ،وذلك ل ّ ن ريع عامّة الراضي يكون في السّنة مرّ ًة واحدةً ، أهل ال ّذمّة إلّ مرّةً واحدةً في السّنة ،ول ّ وإنّما يبنى الحكم على العا ّم الغالب . والوظيفة المفروضة ،إمّا أن تكون على مساحة الرض ،وإمّا أن تكون على مساحة الزّرع .فإذا كانت على مساحة الرض ،فيجب الخراج عند نهاية السّنة القمريّة ،لنّها السّنة المعتبرة شرعا .وإذا كانت على مساحة الزّرع فيجب الخراج عند نهاية السّنة الشّمسيّة ، لنّها السّنة الّتي تكون عليها المطار ويزرع الزّرع .
ن خراج الوظيفة يجب عند نهاية السّنة ،المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وممّن ذهب إلى أ ّ ن الخراج يجب في أوّل السّنة ،ولكن بشرط بقاء الرض النّامية في وذهب أبو حنيفة إلى أ ّ يده سن ًة ،إمّا حقيقةً ،وإمّا تقديرا ،ويأخذه المام عند بلوغ الغلّة .
ب -تعجيل الخراج : - 36المقصود بتعجيل الخراج استيفاؤه ممّن وجب عليه قبل حلول وقت وجوبه . فهل يجوز للمام مطالبة أهل ال ّذمّة بالخراج قبل حلول وقته ؟ ن سببه الرض النّامية ،وهو بمثابة أجاز الحنفيّة والحنابلة تعجيل الخراج لسنة أو سنتين ،ل ّ الجرة على الرض ،ولنّه حقّ ماليّ عجّل رفقا فجاز تقديمه على أجله كالدّين .ومقتضى ن الخراج عندهم أجرة ،والجرة قياس المالكيّة والشّافعيّة جواز تعجيله لسنة أو سنتين ،ل ّ يجوز تقديمها قبل استيفاء المنفعة .ولو تعجّل المام الخراج قبل وجوبه ثمّ انقطع وجوبه فهل يردّ المام ما أخذه إلى صاحب الرض ؟ فرّق الحنفيّة بين ما إذا كان المأخوذ قد صرف ،وبين ما إذا كان باقيا . فإن كان باقيا ردّه المام عليه .وإن كان قد صرف فل شيء له ،كالزّكاة المعجّلة لنّ مذهبهم في الخراج أنّه صلة واجبة باعتبار الرض . وذهب الحنابلة إلى ردّه على صاحب الرض مطلقًا -أي سواء كان المأخوذ باقيا أو قد صرف -لنّه أجرة محضة ،وليس بقربة ليقع نفلً . أمّا بالنّسبة للمالكيّة والشّافعيّة فالظّاهر أنّهم يرون ال ّردّ على صاحب الرض مطلقا ،لنّ الخراج عندهم أجرة .ولم نجد نصّا لهم بذلك .
ج -تأخير الخراج :
- 37إذا تأخّر صاحب الرض الخراجيّة عن أداء ما وجب عليه ،فإمّا أن يكون موسرا ، وإمّا أن يكون معسرا . فإن كان موسرا ومطل حبس به ،إلّ أن يوجد له مال فيباع في خراجه كالمديون . وإذا لم يوجد له غير أرض الخراج فيترك المر للمام ،إمّا أن يبيع منها بقدر الخراج ، وإمّا أن يؤجّرها عليه ،ويستوفي الخراج من أجرتها ويردّ الباقي إلى صاحب الرض . وإن نقصت الجرة عن الخراج كان على صاحب الرض نقصانها . وإذا كان صاحب الرض معسرا وجب إنظاره ويكون دينا في ذمّته ،ول يسقط عنه الخراج سرَةٍ عْ ن ذُو ُ عند الشّافعيّة ،والحنابلة ،والصّاحبين من الحنفيّة ،لقوله تعالى { :وَإِن كَا َ سرَ ٍة } ،ولنّ الخراج أجرة للرض ،والجرة ل تسقط بالعسار كأجرة الدّار ظرَةٌ إِلَى َميْ َ َفنَ ِ والحوانيت .
ن الخراج يسقط بالعسار كما تسقط الجزية ،لنّه صلة واجبة باعتبار وذهب أبو حنيفة إلى أ ّ ن رأيهم موافق لرأي الرض -أي ليس بدلً عن شيء -وبالنّسبة للمالكيّة ،فالظّاهر أ ّ ن خراج الرض أجرة ،ولم نجد لهم نصّا في ذلك . الشّافعيّة والحنابلة بنا ًء على أصلهم في أ ّ
الشّخص الّذي يستوفي منه الخراج : 38
-المطالب بالخراج هو من بيده الرض الخراجيّة سواء أكانت بيده ابتداءً أم انتقلت إليه .
واشترط الحنفيّة لمطالبـة المشتري بالخراج ،أن تبقـى الرض فـي يده مدّ ًة يتمكّن فيهـا مـن النتفاع بالزّراعة أو غيرها .وقدّروا هذه المدّة بثلثة أشهر . ولذلك قالوا :إذا باع رجل أرضا خراجيّةً من غيره ،فباعها المشتري من غيره بعد شهر ، ث مّ باعها المشتري الثّاني من غيره كذلك حتّى مضت ال سّنة ،ولم تكن هذه الرض في ملك أحدهم ثلثة أشهر ،ل خراج على أحد . وإذا آ جر من بيده الرض الخراجيّة أر ضه ،أو أعار ها ،أو أعطا ها مزارع ًة ،فخراج ها على المؤجّر أو المعيـر ،ل على المسـتأجر أو المسـتعير عنـد جمهور الفقهاء مـن الحنفيّة ن الخراج يتعلّق بنماء الرض و هو للمالك ،و ما والمالكيّة والشّافعيّة وأح مد في روا ية ،ل ّ يأخذه المالك أو المؤجّر من الجرة عوض عن ذلك النّماء ،أو المنفعة الحاصلة من الرض . فل يكون النّفـع له والخراج على غيره .وكذلك المسـتعير إنّمـا دخـل على أن ينتفـع بالرض مجّانا فل يؤخذ منه الخراج . وذ هب أح مد في روا ية ثان ية إلى أ نّ الخراج ي جب على الم ستأجر أو الم ستعير قيا سا على ن الخراج من تمام تربة الرض فهو بمنزلة ال سّقي والحرث ،وتهيئتها للزّراعة، العشر ،ول ّ ن المستأجر هو المنتفع بالرض حقيق ًة . ول ّ وإذا غ صب الرض الخراجيّة غا صب ،فإمّا أن يعطّل ها عن الزّرا عة ،وإمّا أن يزرع ها ويستغلّها .فإذا عطّل ها عن الزّرا عة فل خراج على أحد ،وإذا زرعها الغا صب واستغلّها ، فإمّا أن تنقصها الزّراعة ،وإمّا أن ل تنقصها ،فإذا لم تنقصها الزّراعة فيجب خراجها على ن الغاصب ضامن الغاصب .وإذا نقصتها الزّراعة ،يكون الخراج على صاحب الرض ،ل ّ للنّقص ،ولمّا كان ضامنًا للنّقص صار كالمستأجر . هذا ما ذ هب إل يه أ بو حني فة ،وأ بو يو سف .وقال محمّد بن الح سن الشّيبان يّ :ين ظر إلى ضمان نق صان الرض وإلى الخراج .فإن كان ضمان النّق صان أك ثر من الخراج ،فالخراج ربـ الرض .فيأخـذ مـن الغاصـب غرامـة النّقصـان ويؤدّي الخراج منـه .وإن كان ّ على ضمان النّقصان أقلّ من الخراج ،فالخراج على الغاصب ويسقط عنه ضمان النّقصان .
ويؤخذ من نصوص المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في تضمين الغاصب أجرة الرض المؤجّرة، لنـ أنـ غاصـب الرض الخراجيّة يضمـن الخراج ّ ، ومـن قواعدهـم فـي ضمان المنافـع ّ ، الخراج بمنزلة الجرة .
من له حقّ استيفاء الخراج : ن الخارج من الموال العامّة الّتي يتولّى أمرها الئمّة والسّلطين . - 39قرّر الفقهاء أ ّ فالمام هو الّذي يقدّر الخراج ابتداءً ،ويطالب به ،ويقرّر صرفه وفق ما تقتضيه المصلحة ن المام وكيل عن المّة في استيفاء حقوقها ممّن وجبت عليهم ،وفي تدبير العامّة ،وذلك ل ّ شؤونها .قال القرطبيّ :الموال الّتي للئمّة والولة فيها مدخل ثلثة أضرب : ما أخذ من المسلمين على طريق التّطهير لهم كالصّدقات والزّكوات . والثّاني :الغنائم وما يحصل في أيدي المسلمين من أموال الكافرين بالحرب ،والقهر ، والغلبة . والثّالث :الفيء وهو ما رجع للمسلمين من أموال الكفّار عفوا صفوا من غير قتال ،ول إيجاف ،كالصّلح ،والجزية ،والخراج ،والعشور المأخوذة من تجّار الكفّار . وبنا ًء على ذلك فالمطالب بالخراج هو المام ،ويجب على أرباب الرض الدّفع إليه ،لنّ مصرف الخراج غير معيّن فيفتقر إلى اجتهاد المام .
دفع الخراج إلى أئمّة العدل :
- 40المام العادل :هو الّذي اتّفق المسلمون على إمامته وبيعته ،وقام بتدبير شؤون المّة ل بحقّ ،وإذا قسم وفق شرع اللّه عزّ وجلّ ،فإذا طلب من ذوي الموال مالً ل يطلبه إ ّ أموالًا عامّ ًة قسمها وفق شرع اللّه ،وحسب ما تقتضيه المصلحة العامّة ،كما قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :ما أعطيكم ول أمنعكم إنّما أنا قاسم أضع حيث أمرت » . وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي ال عنه :إنّي أنزلت نفسي وإيّاكم من هذا المال ن اللّه تبارك وتعالى قال « :ومن كان غنيّا فليستعفف ومن كان فقيرا بمنزلة والي اليتيم فإ ّ فليأكل بالمعروف » . فإذا طلب المام العادل الخراج من أرباب الرض الخراجيّة ،وجب عليهم الدّفع إليه ،ول يجوز لحد توزيع خراج نفسه بنفسه ،وإذا أدّى شخص الخراج إلى مستحقّه بنفسه فللمام ن حقّ الخذ له .أمّا إذا تعذّر الدّفع إليه فعلى الشّخص أن يتصدّق به . أخذه منه ثانيا ،ل ّ
دفع الخراج إلى أئمّة الجور والظّلم : - 41المام الجائر :هو الّذي يقوم بتدبير شؤون المّة وفق هواه ،فيقع منه الجور والظّلم على النّاس .
فإذا طلب المام الجائر الخراج من أرباب الرض الخراجيّة ،وجب عليهم دفعه إليه عند جماهير الفقهاء ،وإذا أدّوا إليه الخراج سقط عنهم ول يطالبون به من قبل أئمّة العدل . قال الكاسانيّ :وأمّا سلطين زماننا الّذين أخذوا الصّدقات ،والعشور ،والخراج ،ل يضعونها مواضعها فهل تسقط هذه الحقوق عن أربابها ؟ . اختلف المشايخ فيه ،ذكر الفقيه أبو جعفر الهندوانيّ :أنّه يسقط ذلك كلّه وإن كانوا ل يضعونها في أهلها ،لنّ حقّ الخذ لهم فيسقط عنهم بأخذهم ،ث ّم إنّهم لم يضعوها مواضعها فالوبال عليهم . ن الخراج ن الخراج يسقط ،ول تسقط الصّدقات ،ل ّ وقال الشّيخ أبو بكر بن سعيد :إ ّ يصرف إلى المقاتلة ،وهم يصرفون إلى المقاتلة ويقاتلون العد ّو ،أل ترى أنّه لو ظهر العدوّ ،فإنّهم يقاتلون ويذبّون عن حريم المسلمين ،فأمّا الزّكوات والصّدقات فإنّهم ل يضعونها في أهلها " واستدلّوا لوجوب طاعة المام الجائر ،فيما يجوز من أمره كطلب الخراج ،بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :كانت بنو إسرائيل تسوسهم النبياء كلّما هلك نبيّ خلفه نبيّ ، وإنّه ل نبيّ بعدي .وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا :فما تأمرنا ؟ فقال :أوفوا ببيعة الوّل فالوّل ،أعطوهم حقّهم ،فإنّ اللّه سائلهم عمّا استرعاهم » . قال الشّوكانيّ -في بيان معنى " ثمّ أعطوهم حقّهم " - :أي ادفعوا إلى المراء حقّهم الّذي لهم المطالبة به وقبضه ،سواء كان يختصّ بهم أم يعمّ ،وذلك من الحقوق الواجبة ، كالزّكاة ،وفي النفس كالخروج إلى الجهاد . واستدلّوا أيضا بقوله صلى ال عليه وسلم « :إنّها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ،قالوا :يا رسول اللّه كيف تأمر من أدرك منّا ذلك ؟ قال :تؤدّون الحقّ الّذي عليكم وتسألون اللّه الّذي لكم » .
دفع الخراج إلى البغاة : - 42البغاة :هم الّذين يقاتلون المام متأوّلين كالخوارج وغيرهم ،والّذين يخرجون على المام ،أو يمتنعون عن الدّخول في طاعته ،أو يمنعون حقّا وجب عليهم كالزّكاة وشبهها فيدعون إلى الرّجوع للحقّ .فإذا غلب أهل البغي على بلد ،ونصبوا إماما فجبى الخراج من أرباب الرض الخراجيّة ،فقد وقع ذلك موقعه ،وسقط عنهم ولم يطالبهم به إمام أهل العدل مرّةً ثاني ًة ،عند جماهير الفقهاء ،من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن الماجشون من المالكيّة ،وذلك لنّ عليّا رضي ال عنه لمّا ظهر على أهل البصرة لم يطالبهم بشيء ممّا جبي منهم ن البغاة قد يغلبون على البلد ن في ترك احتسابه ضررا عظيما ،ومش ّقةً كبيرةً فإ ّ .ول ّ السّنين الكثيرة فلو لم يحتسب ذلك لدّى إلى ثني الواجب في تلك المدّة ،ولنّ حقّ المام في
الجباية مرهون بالحماية ،وهي غير موجودة عند تغلّب البغاة على بلد معيّن .وقال المالكيّة :يجب على من أخذوا منه الخراج العادة ،لنّه أعطاه إلى من ل ولية له صحيحة فأشبه ما لو أخذها آحاد الرّعيّة غصبا .
دفع الخراج إلى المحاربين " قطّاع الطّريق " : - 43المحاربون :هم الّذين يعرضون للنّاس بالسّلح ،فيغصبون المال مجاهرةً ،أو يقتلون ،أو يخيفون الطّريق .فإذا أخذ المحاربون الخراج من أهله لم يقع ذلك موقعه ،ولم يسقط عنهم الخراج بأدائه إلى المحاربين ،لنّه كالمأخوذ غصبا .
طرق استيفاء الخراج :
الطّريقة الولى :العمالة على الخراج : - 44تعيين عامل الخراج من اختصاصات المام أو نائبه ،ويكون هذا العامل بهذا التّعيين وكيلً عن المام في استيفاء الخراج وقبضه ،فتكون جبايته للخراج محدّدةً بما رسمه له ل بإذن المام ،لنّ هذه الموال ل المام ،ول يجوز له تقسيم ما جباه من أموال الخراج إ ّ تصرف إلّ باجتهاد المام .وعامل الخراج -باعتبار أنّه وكيل -أمين إذا أدّى المانة فل يضمن النّقصان ول يملك الزّيادة .
شروط تعيين عامل الخراج :
يشترط في عامل الخراج :السلم ،والح ّريّة ،والمانة ،والكفاية ،والعلم والفقه . وبيان ذلك فيما يأتي :
أ -السلم : - 45عامل الخراج قد يكون مختصّا بتقدير الخراج ووضعه ،وقد يكون مختصّا بجبايته ونقله من أرض الخراج إلى بيت المال . فإذا كان مختصّا بوضع الخراج وتقديره فيشترط فيه السلم ،لنّ هذا العمل ولية شرعيّة ، ويحتاج إلى المانة .ولذا فل يولّى ال ّذ ّميّ تقدير الخراج ،ووضعه ،عند جمهور الفقهاء . قال أبو طالب :سألت أبا عبد اللّه يعني أحمد بن حنبل -يستعمل اليهوديّ والنّصرانيّ في أعمال المسلمين مثل الخراج ؟ قال :ل يستعان بهم في شيء . خبَالً ل َيأْلُو َن ُكمْ َ خذُواْ ِبطَانَةً مّن دُو ِنكُمْ َ ن آ َمنُو ْا لَ َت ّت ِ واستدلّوا لذلك بقوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ صدُورُ ُهمْ َأ ْك َبرُ َقدْ َب ّينّا َل ُكمُ اليَاتِ إِن ت ا ْل َبغْضَاء مِنْ َأفْوَا ِه ِهمْ َومَا ُتخْفِي ُ ع ِنّتمْ قَدْ َبدَ ِ َودّو ْا مَا َ ن }. كُنتُمْ َتعْقِلُو َ ل المؤمنين بهذه الية أن يتّخذوا من الكفّار ،واليهود ،وأهل قال القرطبيّ :نهى اللّه عزّ وج ّ الهواء دخلء ،وولجاء ،يفاوضونهم في الراء ،ويسندون إليهم أمورهم .
وقال إلكيا الهرّاسيّ :في الية دللة على أنّه ل يجوز الستعانة بأهل ال ّذمّة في شيء من أمور المسلمين . ن هاهنا غلمًا من أهل وذكر ابن كثير في تفسيره :قيل لعمر بن الخطّاب رضي ال عنه :إ ّ الحيرة نصرانيّا كاتبا ،فلو اتّخذته كاتبا ،فقال :قد اتّخذت إذًا بطانةً من دون المؤمنين . عقّب ابن كثير على هذا الثر بقوله :ففي هذا الثر مع هذه الية دليل على أنّ أهل ال ّذمّة ل يجوز استعمالهم في الكتابة الّتي فيها استطالة على المسلمين ،واطّلع على دواخل أمورهم خبَالً }. الّتي يخشى أن يفشوها إلى العداء من أهل الحرب ،ولهذا قال تعالى { :لَ َيأْلُو َن ُكمْ َ واستدلّوا لذلك أيضا بقوله صلى ال عليه وسلم « :ل تستضيئوا بنار المشركين » أي ل تستنصحوهم ،ول تستضيئوا برأيهم . وروي عن معاوية رضي ال عنه أنّه أرسل إلى أمير المؤمنين عمر رضي ال عنه خطابا ل به فكرهت ن في عملي كاتبا نصرانيّا ل يتمّ أمر الخراج إ ّ جاء فيه :يا أمير المؤمنين ،فإ ّ أن أقلّده دون أمرك .فكتب إليه عافانا اللّه وإيّاك ،قرأت كتابك في أمر النّصرانيّ ،أمّا بعد، فإنّ النّصرانيّ قد مات والسّلم . وقد سار الخلفاء الّذين لهم ثناء حسن في المّة على نهج عمر رضي ال عنه في استبعاد أهل ال ّذمّة عن الوظائف الّتي فيها اطّلع على دواخل المسلمين . فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى أحد عمّاله :أمّا بعد ،فإنّه بلغني أنّ في عملك كاتبا خذُواْ ن آ َمنُو ْا لَ َت ّت ِ نصرانيّا يتصرّف في مصالح المسلمين واللّه تعالى يقول { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ ب مِن َقبِْل ُكمْ وَا ْلكُفّارَ َأوِْليَاء وَاتّقُواْ الّلهَ إِن ن أُوتُواْ ا ْل ِكتَا َ خذُو ْا دِي َنكُمْ ُهزُوًا وََل ِعبًا مّنَ اّلذِي َ اّلذِينَ ا ّت َ كُنتُم مّ ْؤ ِمنِينَ } فإذا أتاك كتابي هذا فادع حسّانا -يعني ذلك الكاتب -إلى السلم ،فإن أسلم فهو منّا ،ونحن منه ،وإن أبى فل تستعن به ،ول تتّخذ أحدا على غير دين السلم في شيء من مصالح المسلمين .فأسلم حسّان وحسن إسلمه . ن من شروط متولّي هذا العمل المانة والنّصح للمسلمين ،والحرص على مصالحهم . ول ّ وهذه الشّروط غير متحقّقة في المشركين ،وقد نبّه اللّه المسلمين على صفاتهم فهم ل يحبّون ن أَهْلِ الخير للمسلمين ،ويغشّون ،ول ينصحون ،قال تعالى فيهم { :مّا يَ َو ّد اّلذِينَ كَ َفرُو ْا مِ ْ خيْ ٍر مّن ّر ّب ُكمْ } .وقال تعالى { :إِن َيثْقَفُو ُكمْ َيكُونُوا ن َ ن أَن ُينَزّلَ عََل ْيكُم مّ ْ ل ا ْل ُمشْ ِركِي َ ا ْل ِكتَابِ َو َ س َن َتهُم بِالسّوءِ وَ َودّوا َلوْ َتكْ ُفرُونَ } .ولهذا ولغيره منع سطُوا إَِل ْي ُكمْ َأ ْي ِد َي ُهمْ وَأَ ْل ِ عدَاء َو َي ْب ُ َل ُكمْ أَ ْ الفقهاء أن يستعمل ال ّذ ّميّ في عمل يختصّ بوضع الخراج وتقديره . أمّا إذا كان مختصّا بجبايته ونقله ،فيختلف الحكم .
فإذا كان يجبيه من ال ّذ ّميّين جاز أن يكون ذمّيّا ،وإن كانت معاملته مع المسلمين الّذين بأيديهم ح عدم الجواز كما قال النّوويّ . الرض الخراجيّة ففي جواز ذلك وجهان .والص ّ
ب :الح ّريّة : - 46تشترط في عامل الخراج المختصّ بتقدير الخراج ووضعه الحرّيّة . ولذا فل يولّى العبد تقدير الخراج ووضعه ،لنّ هذا العمل ولية شرعيّة . أمّا إذا كان العامل جابيا فتشترط الح ّريّة إن لم يستقرّ في هذا العمل إلّ عن استنابة ،ول تشترط إن استغنى عن الستنابة ،لنّه يكون في هذه الحالة كالرّسول للمأمور .
ج -المانة :
ل يخون فيما - 47تشترط في عامل الخراج المانة .ولذا فل يولّى الخائن وغير الثّقة ،لئ ّ ش فيما قد استنصح فيه ،قال تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُو ْا لَ َتخُونُو ْا اللّهَ ائتمن عليه ،ول يغ ّ ن َب ْعضُكُم َب ْعضًا فَ ْليُ َؤدّ اّلذِي وَال ّرسُولَ َو َتخُونُواْ َأمَانَا ِتكُمْ وَأَن ُتمْ َتعَْلمُونَ } وقال تعالى َ { :فإِنْ َأمِ َ ن َأمَا َنتَهُ وَ ْل َيّتقِ اللّ َه َربّهُ } . ا ْؤ ُتمِ َ قال أبو يوسف في كتاب الخراج الّذي وجّهه إلى أمير المؤمنين هارون الرّشيد :ورأيت أن تتّخذ قومًا من أهل الصّلح ،والدّين ،والمانة فتولّيهم الخراج .
د -الكفاية : - 48تشترط في عامل الخراج الكفاية بحيث يكون مضطلعا بالحساب ،والمساحة ،وكيفيّة ن عمر رضي ال عنه قال :فمن رجل له جزالة وعقل يضع خرص الثّمار ،وذلك ل ّ الرض مواضعها ،ويضع على العلوج ما يحتملون .فأخبر بعثمان بن حنيف فعيّنه ،لنّه كان ذا بصر وعقل ،وتجربة . قال ابن أبي الرّبيع -في بيان ما تتحقّق به كفاية عامل الخراج : - ينبغي أن يكون خبيرا بحفر النهار ،ومجاري المياه ،وأن يكون عارفا بالمساحات ، وتخمين الغلّات ،وأن يكون عالما بفصول السّنة ،ومجاري الشّمس ،وأن يكون بصيرا بالحساب وكسوره وترتيبه ،وأن يكون له دربة بعقد الجسور ،والقناطر والمصالح ،وأن يكون له خبرة بما يدفع عن الزّرع في الراضي ،وأن يكون خبيرا بأوقات الزّرع وأحوال السعار ،وأن يكون عالما بحقوق بيت المال وما يجب له .هذا إن تولّى وضع الخراج وتقديره ،أمّا إن اقتصرت مهمّته على طلب جبايته فل يشترط فيه ذلك .
هـ -العلم والفقه :
- 49إن تولّى وضع الخراج اعتبر فيه أن يكون فقيهًا من أهل الجتهاد ،وإن ولّي جباية الخراج صحّت وليته ،وإن لم يكن فقيها مجتهدا .
آداب عامل الخراج : أ -الرّفق بأهل الخراج :
- 50ينبغي لعامل الخراج أن يكون رفيقا بأهل الخراج .
ومن مظاهر الرّفق في استيفاء الخراج أيضا أن يأخذهم بالخراج كلّما خرجت غلّة ،فيأخذهم بقدر ذلك حتّى يستوفي تمام الخراج في آخر الغلّة ،ومعنى ذلك أن يوزّع الخراج على قدر الغلّة ،حتّى إنّ الرض إذا كانت تزرع في الرّبيع والخريف قسم الخراج نصفين ،فيأخذ نصف الخراج من غلّة الرّبيع ،ويؤخّر النّصف الثّاني إلى غلّة الخريف .
ب -العدل والنصاف : - 51يجب على عامل الخراج أن يكون عادلً في وضع الخراج ،وتقديره ،فيساوي بين النّاس في هذه المعاملة ،ول يحابي القريب على البعيد ،ول الشّريف على الوضيع ،ويأخذ منهم القدر الواجب عليهم بل زيادة ول نقصان .
ج -العفّة :
- 52يجب على عامل الخراج أن يكون عفيف النّفس ،فل يطلب رشو ًة من أحد ،ول يقبل هديّةً من أهل الخراج ،لما روى عبد اللّه بن عمرو قال « :لعن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم الرّاشي والمرتشي » . قال الخطّابيّ :الرّاشي المعطي ،والمرتشي الخذ .وإنّما يلحقهما العقوبة معا إذا استويا في القصد والرادة .فرشا المعطي لينال به باطلً ويتوصّل به إلى ظلم .فأمّا إذا أعطى ليتوصّل به إلى حقّ أو يدفع عن نفسه ظلما ،فإنّه غير داخل في هذا الوعيد . ن ابن مسعود أخذ في شيء وهو بأرض الحبشة ،فأعطى دينارين حتّى خلّي سبيله . وروي أ ّ ي وجابر بن زيد وعطاء أنّهم قالوا :ل بأس أن يصانع الرّجل عن وروي عن الحسن والشّعب ّ نفسه ،وماله ،إذا خاف الظّلم .وروى البخاريّ ومسلم عن أبي حميد السّاعديّ رضي ال عنه قال « :استعمل النّبيّ صلى ال عليه وسلم رجلً من الزد يقال له ابن اللّتبيّة على الصّدقة فلمّا قدم قال :هذا لكم وهذا أهدي لي .فقال :فهلّ جلس في بيت أبيه ،أو بيت أمّه ل جاء يوم القيامة يحمله على فينظر أيهدى له أم ل ؟ والّذي نفسي بيده ل يأخذ أحدكم شيئا إ ّ رقبته إن كان بعيرًا له رغاء ،أو بقرةً لها خوار ،أو شا ًة تيعر .ثمّ رفع بيده حتّى رأينا عفرة إبطيه .اللّهمّ هل بلّغت .اللّهمّ هل بلّغت .ثلثا » . فهذا الحديث يدلّ على أنّ الهدايا الّتي يقدّمها أهل الخراج إلى العمّال حرام .
ن هدايا العمّال سحت ،وأنّه ليس سبيلها سبيل سائر الهدايا قال الخطّابيّ :في هذا بيان أ ّ المباحات ،وإنّما يهدى إليه للمحاباة ،وليخفّف عن المهدي ،ويسوّغ له بعض الواجب عليه، وهو خيانة منه ،وبخس للحقّ الواجب عليه استيفاؤه لهله .
واجب المام تجاه عمّال الخراج : أ -الرّقابة الفعّالة على عمّال الخراج :
- 53لضمان تحقيق العدل بين النّاس ل بدّ أن تكون هناك رقابة فعّالة على عمّال الخراج . وقد نصح أبو يوسف أمير المؤمنين هارون الرّشيد بذلك حيث قال :وأنا أرى أن تبعث قوما من أهل الصّلح والعفاف ممّن يوثق بدينه وأمانته يسألون عن سيرة العمّال وما عملوا به في البلد وكيف جبوا الخراج على ما أمروا به ،وعلى ما وظّف على أهل الخراج واستقرّ ، فإذا ثبت ذلك عندك وصحّ ،أخذوا بما استفضلوا من ذلك أشدّ الخذ حتّى يؤدّوه بعد العقوبة ن كلّ ما عمل به والي الموجعة والنّكال حتّى ل يتعدّوا ما أمروا به وما عهد إليهم فيه .فإ ّ الخراج من الظّلم والعسف فإنّما يحمل على أنّه قد أمر به ،وقد أمر بغيره ،وإن أحللت بواحد منهم العقوبة الموجعة انتهى غيره واتّقى وخاف ،وإن لم تفعل هذا بهم تعدّوا على أهل الخراج واجترءوا على ظلمهم وتعسّفهم وأخذهم بما ل يجب عليهم .وإذا صحّ عندك من العامل والوالي تعدّ بظلم وعسف وخيانة لك في رعيّتك واحتجاز شيء من الفيء ،أو خبث طعمته ،أو سوء سيرته فحرام عليك استعماله ،والستعانة به ،وأن تقلّده شيئا من أمور رعيّتك ،أو تشركه في شيء من أمرك .بل عاقبه على ذلك عقوبةً تردع غيره من أن يتعرّض لمثل ما تعرّض له ،وإيّاك ودعوة المظلوم فإنّها دعوة مجابة .
ب -ضرورة منح عمّال الخراج رواتب تكفيهم : - 54لجتناب وقوع عمّال الخراج في الرّشوة وأكل أموال النّاس بالباطل ،ل بدّ أن تصرف لهم أجور " رواتب " مجزية تفي بحاجاتهم وتكفي نفقاتهم ،وقد ذكر أبو يوسف في كتاب ن أبا عبيدة بن الجرّاح قال لعمر بن الخطّاب رضي ال عنهما :دنّست أصحاب الخراج :أ ّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال له عمر :يا أبا عبيدة إذا لم أستعن بأهل الدّين على سلمة ديني فبمن أستعين ؟ قال :أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخيانة . يقول :إذا استعملتهم على شيء فأجزل لهم في العطاء والرّزق ،ل يحتاجون .
الطّريقة الثّانية :نظام التّقبيل " التّضمين " :
- 55نشأ عن تطبيق الخراج بعض الظّواهر القتصاديّة ،كنظام التّقبيل " التّضمين " حيث بدأ وجود هذا النّظام في العصر المويّ ،وانتشر في العصر العبّاسيّ .
ن أبا جعفر المنصور كتب إلى نوفل ومن المثلة على تطبيق هذا النّظام في ذلك العصر ،أ ّ بن الفرات -عامل خراج مصر -سنة 141 /هـ /أن اعرض على محمّد بن الشعث ي " وإن أبى ي " أي عد أنت إل ّ ضمان خراج مصر .فإن ضمنه فأشهد عليه ،واشخص إل ّ فاعمل على الخراج .فعرض عليه ذلك فأبى . والتّقبيل في اللّغة :مصدر قبّل أي كفل ،يقال قبل " بالفتح " إذا كفل أو قبل " بالضّمّ " إذا صار قبيلً أي كفيلً . والتّقبيل في الصطلح :أن يتكفّل شخص بتحصيل الخراج ،وأخذه لنفسه مقابل قدر محدّد يدفعه .وهو ما يعرف باسم نظام اللتزام .وقد عرّفه أبو عبيد بقوله :أن يتقبّل الرّجل النّخل والشّجر ،والزّرع النّابت ،قبل أن يستحصد ويدرك .
حكم التّقبيل " التّضمين " : - 56لم يرتض كثير من العلماء هذا النّظام واعتبروه باطلً غير مشروع . وممّن ذهب إلى ذلك أحمد ،وأبو يوسف ،وأبو عبيد ،والماورديّ وغيرهم .قال الماورديّ :فأمّا تضمين العمّال لموال العشر ،والخراج ،فباطل ل يتعلّق به في الشّرع حكم . واستدلّوا لذلك بما روى أبو عبيد -بسنده -إلى جبلة بن سحيم قال :سمعت ابن عمر رضي ال عنه يقول :القبالت ربا وروي عن ابن عبّاس رضي ال عنهما أنّه قال :القبالت حرام قال أحمد :هو أن يتقبّل بالقرية وفيها العلوج والنّخل ،ومعناه حكمه حكم الرّبا وقالوا : يترتّب على هذا النّظام الظّلم والعسف ،وخراب الدّيار . وقد كتب أبو يوسف إلى هارون الرّشيد يحذّره من تطبيق هذا النّظام ما نصّه :ورأيت أن ل تقبل شيئًا من السّواد ول غير السّواد من البلد ،فإنّ المتقبّل إذا كان في قبالته فضل عن الخراج ،عسف بأهل الخراج وحمّل عليهم ما ل يجب عليهم ،وظلمهم ،وأخذهم بما يجحف بهم ليسلم ممّا دخل فيه ،وفي ذلك وأمثاله خراب البلد وهلك الرّعيّة . والمتقبّل ل يبالي بهلكهم بصلح أمره في قبالته ،ولعلّه أن يستفضل بعد أن يتقبّل به فضلً كثيرا ،وليس يمكنه ذلك إلّ بشدّة منه على الرّعيّة وضرب لهم شديد ،وإقامته لهم في الشّمس وتعليق الحجارة في العناق ،وعذاب عظيم ينال أهل الخراج ممّا ليس يجب عليهم من الفساد الّذي نهى اللّه عنه ،وإنّما أكره القبالة ،لنّي ل آمن أن يحمل هذا المتقبّل على أهل الخراج ما ليس يجب عليهم ،فيعاملهم بما وصفت لك فيضرّ ذلك بهم فيخرّبوا ما عمّروا ،ويدعوه فينكسر الخراج .
والصل في كراهته هذا أنّه بيع ثمر لم يبد صلحه ،ولم يخلق بشيء معلوم ،فأمّا المعاملة على الثّلث ،والرّبع ،وكراء الرض البيضاء ،فليستا من القبالت ول يدخلن فيهما ،وقد رخّص في هذين ،ول نعلم المسلمين اختلفوا في كراهة القبالة . فإذا أمن المام عدم الظّلم ،والجور ،والعسف ورضي أهل الخراج بهذا النّظام ،فقد قال أبو يوسف :ل بأس به ،وإن جاء أهل طسوج -ناحية -أو مصر من المصار ومعهم رجل من البلد المعروف موسر ،فقالوا :هذا أخفّ علينا ،نظر في ذلك :فإن كان صلحا لهل هذا البلد والطّسّوج ،قبل وضمن وأشهد عليه وصير معه أمير من قبل المام يوثق بدينه ، وأمانته ،ويجري عليه من بيت المال ،فإن أراد ظلم أحد من أهل الخراج ،أو الزّيادة عليه أو تحميله شيئا ل يجب عليه ،منعه المير من ذلك أشدّ المنع . وأمير المؤمنين أعلى عينا بما رأى من ذلك ،وما رأى أنّه أصلح لهل الخراج ،وأوفر على بيت المال عمل عليه من القبالة ،والولية بعد العذار والتّقدّم إلى المتقبّل ،والوالي يرفع الظّلم عن الرّعيّة ،والوعيد له إن حمّلهم ما ل طاقة لهم به ،أو بما ليس بواجب عليهم ،فإن فعل ففوا له بما أوعد به ،ليكون ذلك زاجرا وناهيا لغيره إن شاء اللّه . وسيأتي التّفصيل في مصطلح :قبالة .
مسقطات الخراج : أوّلً :انعدام صلحيّة الرض للزّراعة :
- 57المقصود بانعدام صلحيّة الرض للزّراعة هو أن يطرأ على الرض الخراجيّة طارئ خارج عن فعل النسان ،يمنع صاحبها من النتفاع بها كانقطاع الماء عنها ،أو غلبته عليها بحيث تصبح غير صالحة للزّراعة .فإذا تعرّضت الرض الخراجيّة لذلك سقط عنها الخراج عند جماهير الفقهاء ،سواء أكان الخراج الواجب مقاسمةً ،أم وظيفةً ،فيسقط خراج المقاسمة ،لنّ الوجوب متعلّق بالخارج من الرض حقيقةً وهو غير موجود . ويسقط خراج الوظيفة ،لنّ الوجوب متعلّق بالتّمكّن من النتفاع بالرض وهو غير موجود . هذا في حالة عدم إمكانيّة إصلحها وإعمارها ،أمّا إذا أمكن إصلحها وإعمارها فيجب على المام أن يعمر الرض ويصلحها من بيت مال المسلمين من سهم المصالح ،ول يجوز إلزام أهلها بعمارتها من أموالهم .فإن سألهم أن يعمّروها من أموالهم ويعتدّ لهم بما أنفقوا عليها من خراجها فرضوا بذلك جاز .
وإذا كان سهم المصالح عاجزا عن سدّ نفقات إصلح هذه الرض أجبر أهلها عليه ،لنّ في ذلك مصلحةً لهم ولصحاب الفيء ،وإن أمكن النتفاع بتلك الرض بعد أن بارت في غير الزّراعة كالرّعي والصّيد وغير ذلك ،يوضع عليها خراج جديد بحسب ما تحتمله . وهذه الرض تختلف عن أرض الموات ،فإنّ أرض الموات مباحة .
ثانيا :تعطيل الرض عن الزّراعة : - 58إن كان التّعطيل من غير جهة صاحب الرض ،كأن يدهم البلد عد ّو يمنع أهل الرض من زراعتها والنتفاع بها ،أو يلحقهم جور من الولة لم تمكنهم القامة عليه . فهذا يسقط الخراج عنهم حتّى تعود الرض كما كانت ويتمكّنوا من النتفاع بها . وإن كان التّعطيل من جهة صاحب الرض فإمّا أن يكون ذلك بتفريط منه ،أو بغير تفريط . فإذا عطّلها بتفريط منه كأن يتركها بل زراعة واستغلل وهو متمكّن من النتفاع بها ،وقادر على زراعتها سقط عنه خراج المقاسمة اتّفاقا ،وذلك لنّ خراج المقاسمة يتعلّق بالخارج من الرض حقيقةً وهو غير موجود . ول يقرّ المفرّط على عدم استغلله للرض الخراجيّة ،بل يؤمر بزراعتها واستغللها لئلّ يتضرّر أصحاب الفيء . وأمّا خراج الوظيفة فل يسقط عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،لنّه يتعلّق بالتّمكّن من النتفاع بالرض وهو موجود ،ولنّ الخراج بمنزلة الجارة فإذا عطّل المستأجر النتفاع بالمؤجّر لم تسقط الجرة . وذهب المالكيّة إلى سقوط خراج الوظيفة بتعطيل الرض عن الزّراعة ،سواء عطّلها مختارا أم معذورا ،لعدم تحقّق النتفاع بالرض . وإذا عطّلها بل تفريط منه كأن ترك زراعتها لعدم قوّتها وقدرته الجسميّة ،أو لعدم قدرته على تحمّل تكاليف الزّراعة ونفقاتها يسقط خراج المقاسمة اتّفاقا ،لنّه يتعلّق بالخارج من الرض حقيقةً .وأمّا خراج الوظيفة فيسقط عند المالكيّة لعدم تحقّق النتفاع بالرض . وذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم سقوط الخراج . وعلى المام أن يتصرّف في الرض تصرّفًا يحقّق المصلحة لهل الفيء ،ولصاحب ص عليها الفقهاء :ما قاله الشّافعيّة والحنابلة :من أنّ للمام الرض .ومن التّصرّفات الّتي ن ّ أن يأمر صاحب الرض بتأجيرها لمن يقوم بزراعتها وإلّ رفع يده عنها ،ول تترك بيده خرابا وإن دفع خراجها ،لئلّ تصير بالخراب مواتًا ،فيتضرّر أهل الفيء بتعطيلها . وقال الحنفيّة :المام بالخيار إن شاء دفع الرض لغير صاحبها مزارع ًة ،ويأخذ الخراج من نصيبه ويمسك الباقي له ،وإن شاء آجرها وأخذ الخراج من الجرة ،وإن شاء زرعها من
ل الرض . بيت المال فإذا حصلت الغلّة أخذ قدر الخراج وما أنفق ،ويحفظ الباقي لمستغ ّ وقال أبو يوسف :للمام أن يدفع للعاجز كفايته من بيت المال قرضًا ليعمل ويستغلّ أرضه . فإذا لم يجد المام من يعمل في تلك الرض مزارعةً أو بالجرة أو غير ذلك ،فيرى أبو يوسف ومحمّد بيعها وأخذ الخراج من ثمنها ،ويحفظ الباقي لمستغلّ الرض . ويرى أبو حنيفة عدم جواز بيعها ،وإنّما يحجرها للمصلحة العامّة ،مع أنّه ل يرى جواز الحجر على الكبير إلّ أنّ هذا الحجر يعود نفعه على العامّة .
ثالثًا :هلك الزّرع بآفة سماويّة : - 59إذا زرع صاحب الرض الخراجيّة أرضه بزرع ما ،فأصابته آفة سماويّة ل يمكن الحتراز عنها ،كغرق ،أو حرق ،أو شدّة برد ،أو جراد أو غير ذلك ،فإمّا أن يكون الهلك قبل الحصاد ،وإمّا أن يكون بعده . أ -فإذا هلك الزّرع بآفة سماويّة قبل الحصاد يسقط خراج المقاسمة إذا أدّت تلك الفة إلى هلك جميع الزّرع ; لنّ خراج المقاسمة يتعلّق بالخارج من الرض حقيقةً . وأمّا خراج الوظيفة فيسقط عن صاحب الرض عند الحنفيّة ; لنّه مصاب ويستحقّ المعونة ; ن الخراج صلة واجبة باعتبار الراضي ،فل يمكن إيجابها بعد هلك الزّرع بآفة ول ّ سماويّة ،لنّه ظهر أنّه لم يتمكّن من استغلل الرض . واشترط الحنفيّة لسقوط الخراج بهذا السّبب شرطين : الوّل :أن ل تبقى من السّنة مدّة يتمكّن فيها من زراعة الرض مرّةً أخرى ،فإن بقيت من السّنة مدّة يتمكّن فيها من أن يزرع الرض ثاني ًة لم يسقط الخراج لتحقّق النتفاع بالرض ، وقدّروا المدّة بثلثة أشهر . والثّاني :أن ل يبقى من الزّرع ضعف الخراج الموظّف على الرض ،فإن بقي من الزّرع ضعف الخراج الموظّف على الرض لم يسقط الخراج ويؤخذ من الزّارع ،لنّه ل يزيد على النّصف .وإن بقي أقلّ من ضعف الخراج الموظّف على الرض ل يؤخذ منه الخراج الموظّف ،ويكتفى في هذه الحالة بأخذ نصف الخارج من الرض بعد خصم نفقات الزّراعة . هذا ما جاء في كتب الحنفيّة ،أمّا المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة فلم نجد لهم نصّا في هذه المسألة . ب -إذا هلك الخارج من الرض بآفة سماويّة ل يمكن الحتراز عنها ،كغرق ،وحرق يسقط خراج المقاسمة ،لتعلّقه بالخارج من الرض حقيقةً . جاء في حاشية ابن عابدين :ولو هلك الخارج في خراج المقاسمة قبل الحصاد أو بعده فل ل بالتّعدّي . شيء عليه لتعلّقه بالخارج حقيقةً ،وحكمه حكم الشّريك شركة الملك فل يضمن إ ّ
وأمّا خراج الوظيفة فل يسقط بهلك الخارج بعد الحصاد عند الحنفيّة ،لنّ خراج الوظيفة يجب في ال ّذمّة ،ويتعلّق بالتّمكّن من النتفاع بالرض وزراعتها ،وبالحصاد قد تحقّق النتفاع بالرض ،وحصلت الزّراعة بالفعل فل يسقط الخراج الموظّف بهلك الخارج بعد الحصاد .جاء في الفتاوى الهنديّة :ذكر شيخ السلم خواهر زاده أنّ هلك الخارج قبل الحصاد يسقط الخراج ،وهلكه بعد الحصاد ل يسقطه . وبالنّسبة للمذاهب الخرى كالمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة فلم نقف لهم على نصوص في هذه المسألة .
رابعا :إسقاط المام للخراج عمّن وجب عليه - 60إذا رأى المام إسقاط الخراج عمّن بيده أرض خراجيّة لمصلحة ،أو لكون من بيده تلك الرض يقوم بعمل من العمال الّتي يحتاجها المسلمون ،كالقضاء ،أو التّدريس ،أو حماية الثّغور السلميّة ،أو التّجسّس على العداء لمعرفة ما عندهم من وسائل القوّة الما ّديّة والمعنويّة أو غير ذلك .فهل يجوز هذا التّصرّف من المام أو ل ؟ ن المام له حقّ النّظر في مصالح ذهب الحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى جواز ذلك ،ل ّ المسلمين ،وفعل ما فيه مصلحة لهم ،ومن القواعد الفقهيّة الّتي قرّرها الفقهاء في ذلك أنّ: تصرّف المام على الرّعيّة منوط بالمصلحة ،وقالوا :لو صار الخراج في يده جاز له أن ن صاحب الخراج يخصّ به شخصًا إذا رأى المصلحة فيه فجاز له تركه بطريق الولى ،ول ّ ح تركه عليه . له حقّ في الخراج فص ّ وقد قيّد بعض علماء الحنفيّة والحنابلة ذلك بأن يكون الشّخص الّذي ينوي المام إسقاط الخراج عنه ،ممّن يستحقّون الخراج كالفقيه والجنديّ ،والقاضي ،والمؤذّن وغير ذلك . وذهب محمّد بن الحسن إلى أنّه ل يجوز للمام إسقاط الخراج عمّن وجب عليه ،لنّ الخراج حقّ من حقوق المسلمين فل يجوز للمام إسقاطه كالعشر . وبالنّسبة للمالكيّة والشّافعيّة فلم نقف لهم على نصوص في هذه المسألة .
خامسًا :البناء على الرض الخراجيّة :
- 61اختلف الفقهاء في استمرار وظيفة الخراج على الرض الخراجيّة بعد أن يبنى عليها أبنية وحوانيت . أ -فذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى استمرار وجوب الخراج وعدم سقوطه عن تلك الرض ،لنّ الخراج ل يتوقّف على الزّرع والغرس .
روى يعقوب بن بختان أنّه سأل أحمد بن حنبل ،ترى أن يخرج الرّجل عمّا في يده من دار ، أو ضيعة على ما وظّف عمر رضي ال عنه على ك ّل جريب فيتصدّق به ؟ فقال ما أجود هذا .فقال يعقوب :بلغني عنك أنّك تعطي من دارك الخراج فتتصدّق به .فقال :نعم . وقد علّل علماء الحنابلة فعل أحمد بقولهم :إنّما كان أحمد يفعل ذلك لنّ بغداد من أرض السّواد الّتي وضع عليها عمر الخراج ،فلمّا بنيت مساكن ،راعى أحمد حالها الولى الّتي كانت عليها في عهد عمر رضي ال عنه . ب -وذهب الحنفيّة إلى سقوط الخراج عن الرض الخراجيّة بعد أن يبني عليها من هي بيده أبنيةً وحوانيت ،ول يجب الخراج على الرض إلّ إذا جعلها بستانا ،أو مزرعةً ،لنّ الخراج يتعلّق بنماء الرض وغلّتها . ج -ويرى الماورديّ أنّ الخراج يسقط عن الرض الخراجيّة الّتي بنى عليها من هي بيده أبنيةً ضروريّةً ل غنى له عنها .كأن يبني له بيتا يسكنه . وأمّا البنية الزّائدة على قدر حاجته فل تكون سببا في سقوط الخراج عن الرض الخراجيّة كأن يبني عليها أبنيةً للستغلل والنّماء .
سادسًا :إسلم مالك الرض الخراجيّة أو انتقالها إلى مسلم : 62
-اتّفق الفقهاء على أ نّ الخراج العنو يّ ل يسقط عن الرض الخراجيّة بإسلم صاحبها
ن الرض المفتوحة عنوةً موقوفة على جميع المسلمين ،والخراج ول بانتقالها إلى مسلم ،ل ّ المضروب عليها بمثابة الجرة فل يسقط بإسلم من بيده هذه الرض ول بانتقالها إلى مسلم. واختلفوا في الخراج ال صّلحيّ " المضروب على الرض الّتي صالح المسلمون أهلها على أ نّ لهم الرض وللمسلمين الخراج " هل يسقط بعد إسلم صاحبها ،أو انتقالها إلى مسلم : أ -فذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى سقوط الخراج الصّلحيّ إذا أسلم صاحب الرض ،أو انتقلت إلى مسلم ،لما روى « العلء بن الحضرميّ قال :بعثني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إلى البحرين ،أو إلى هجر ،فكنت آتي الحائط يكون بين الخوة يسلم أحدهم ،فآخذ من المسلم العشر ،ومن المشرك الخراج » .ولنّ الخراج الصّلحيّ بمثابة الجزية الّتي تتعلّق بالكفر ،فإذا زال الكفر سقط الخراج كما تسقط الجزية . ب -وذهب الحنفيّة إلى عدم سقوط الخراج الصّلحيّ قياسا على الخراج العنويّ ،ولنّ ل لضرورة ،فإذا أسلم الخراج مؤنة الرض ،والصل فيها أنّها ل تتغيّر بتبدّل المالك إ ّ ن المسلم من أهل صاحب الرض الخراجيّة أو باعها من مسلم فل ضرورة لتغيّر المؤنة ،ل ّ وجوب الخراج -أي في الجملة . -
اجتماع العشر والخراج على المسلم :
- 63اختلف الفقهاء في هذه المسألة ،فذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ن المسلم الّذي يملك الرض الخراجيّة يطالب بالزّكاة " العشر " والخراج معا إذا زرعها إلى أ ّ أو انتفع بها . ط ّيبَاتِ مَا واستدلّوا لجتماع العشر والخراج ،بقوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُو ْا أَنفِقُواْ مِن َ لرْضِ } .فالية عامّة في كلّ أرض ينتفع بها وتزرع سواء جنَا َلكُم مّنَ ا َ خرَ ْ سبْ ُتمْ َو ِممّا َأ ْ َك َ أكانت خراجيّةً ،أو عشريّ ًة ،كما استدلّوا بعموم قوله « :فيما سقت السّماء والعيون أو كان عثريّا العشر ،وما سقي بالنّضح نصف العشر » . ل :أمّا اختلفهما ذاتا ن العشر والخراج حقّان مختلفان ذاتا ،وسببا ،ومصرفا ،ودلي ً ول ّ فلنّ العشر فيه معنى العبادة ،والخراج فيه معنى العقوبة . ن العشر يجب في الخارج من الرض ،والخراج يجب في الرض وأمّا اختلفهما سببا فل ّ النّامية ،سواء أكان النّماء حقيقيّا أم تقديريّا بأن يتمكّن من النتفاع بالرض . ن مصرف العشر :الصناف الثّمانية ،المحدّد في آية وأمّا اختلفهما مصرفا ،فل ّ ن دليل العشر : الصّدقات ،ومصرف الخراج :المصالح العامّة .وأمّا اختلفهما دليلً ،فل ّ النّصّ ،ودليل الخراج الجتهاد المبنيّ على مراعاة المصالح . وإذا ثبت اختلفهما من هذه الوجوه فل مانع من اجتماعهما ،ووجوب أحدهما ل يمنع وجوب الخر ،كاجتماع الجزاء والقيمة عند قتل المحرم للصّيد المملوك . وذهب الحنفيّة إلى عدم اجتماع العشر والخراج في الرض الخراجيّة الّتي يملكها مسلم ،ول يجب في هذه الرض سوى الخراج .واستدلّوا لذلك بما روى ابن مسعود رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :ل يجتمع على المسلم خراج وعشر » . وبما روى طارق بن شهاب قال كتب إليّ عمر بن الخطّاب في دهقانة نهر الملك -كورة واسعة من الرض الّتي بنيت بها بغداد -أسلمت فكتب :أن ادفعوا إليها أرضها تؤدّي عنها الخراج .فأمر عمر رضي ال عنه بأخذ الخراج ،ولم يأمر بأخذ العشر ،ولو كان واجبا لمر به .ولنّه لم يأخذ أحد من أئمّة العدل ،وولة الجور من أرض السّواد عشرا ،ولنّ سبب وجوبهما واحد وهو الرض النّامية ،فل يجتمعان في أرض واحدة كما ل يجتمع زكاتان في مال واحد كزكاة السّائمة والتّجارة في الحيوانات .
مصارف الخراج : - 64لم يفرّق الفقهاء بين الخراج والفيء في الصّرف ،كما فرّقوا بين الفيء والزّكاة من جهة ،ومن جهة ثانية بين الفيء والغنيمة .
فالفيء يتوقّف صرفه على اجتهاد المام في تقدير المصالح ،وتقديم اله ّم على المهمّ ، والزّكاة تصرف في المصارف الثّمانية الّتي حدّدتها آية الصّدقات . والغنيمة تخمّس ،وتقسم الربعة الخماس بين الغانمين كما حدّدت آية الغنائم . قال ابن رشد :يصرف خراجها -أي خراج الرض المفتوحة عنوةً -في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القناطر ،والمساجد وغير ذلك من سبل الخير . وقال البهوتيّ :ومصرف الخراج كفيء لنّه منه . وقال الكاسانيّ :وأمّا مصرف النّوع الثّالث من الخراج وأخواته فعمارة الدّين ،وإصلح مصالح المسلمين وهو رزق الولة ،والقضاة وأهل الفتوى من العلماء ،والمقاتلة ،ورصف الطّرق وعمارة المساجد ،والرّباطات ،والقناطر ،والجسور وس ّد الثّغور ،وإصلح النهار الّتي ل ملك لحد فيها . وقال النّوويّ في الرّوضة :ما يؤخذ من خراج هذه الرض يصرفه المام في مصالح المسلمين الهمّ فالهمّ ،ويجوز صرفه إلى الفقراء والغنياء من أهل الفيء وغيرهم . ن الخراج من جملة الفيء المصروف في مصالح المسلمين . هذا ما قرّره الفقهاء ،ل ّ وانظر أيضا مصطلح :بيت المال ،وفيء .
حكم تخميس الخراج : ن الفيء ل يخمّس ،بل - 65ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أ ّ يصرف في مصالح المسلمين ،وأنّ المام يعطي منه للمقاتلين ،والولة ،والقضاة ،والعمّال ،والئمّة والمؤذّنين ،والفقهاء ،وكلّ من يحتاج إليه المسلمون ،ويصرف على بناء القناطر ،والمساجد ،وشقّ الطّرق وغير ذلك ،ويبدأ المام بالهمّ فالمهمّ ،فإن بقي بعد ذلك منه شيء قسمه بين المسلمين ،ول فرق بين الغنياء والفقراء . خيْلٍ وَلَا ن َ واستدلّوا لذلك بقوله تعالى َ { :ومَا َأفَاء اللّهُ عَلَى َرسُوِلهِ ِم ْن ُهمْ َفمَا أَ ْوجَ ْف ُتمْ عََليْ ِه مِ ْ ل شَيْ ٍء قَدِيرٌ } . ن اللّهَ ُيسَّلطُ ُرسُلَهُ عَلَى مَن َيشَاء وَاللّهُ عَلَى كُ ّ ِركَابٍ وََلكِ ّ قال المفسّرون :طلب المسلمون من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن يخمّس أموال بني النّضير لمّا أجلوا عنها فنزلت هذه الية تبيّن أنّها فيء لم تحصل لهم بمحاربتهم ،وإنّما هو بتسليط رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فهو له خاصّةً يفعل منه ما يشاء . ويؤيّد ذلك ما روي عن عمر رضي ال عنه أنّه قال « :كانت أموال بني النّضير ممّا أفاء اللّه عزّ وجلّ على رسوله ممّا لم يوجف المسلمون عليه بخيل ول ركاب فكانت لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم خاصّ ًة ،ينفق على أهله نفقة سنة ثمّ يجعل ما بقي في الكراع والسّلح عدّ ًة للمسلمين » .هذا ما كان يفعل بالفيء في حياة النّبيّ صلى ال عليه وسلم أمّا بعد وفاته
فقد أصبح لجميع المسلمين ،وليس للمام خاصّةً ،يصرفه في مصالح المسلمين ،ويقدّم الهمّ على المهمّ ،ويؤيّد ذلك ما روي عن المامين أبي بكر وعمر رضي ال عنهما أنّهما كانا يجعلنه في مصالح المسلمين عا ّمةً . ن المام ينصر بسبب قومه ل بسببه خاصّةً ولذا ل يجوز للمام أن يختصّ بالفيء لنفسه ل ّ فكانت أموال الفيء للمسلمين كلّهم . ن أَهْلِ الْ ُقرَى ن الفيء يخمّس لقوله تعالى { :مّا َأفَاء اللّهُ عَلَى َرسُولِ ِه مِ ْ وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ سبِيلِ } . ن ال ّ فَلِلّهِ وَلِل ّرسُولِ وَِلذِي الْ ُق ْربَى وَا ْل َيتَامَى وَا ْل َمسَاكِينِ وَابْ ِ فذكر الصناف في هذه الية من باب التّعديد للصناف الّذين يستحقّون هذا المال ومن ثمّ فل يتعدّى به هؤلء .انظر ( :خمس ،وفيء ) .
خرس * التّعريف : - 1الخرس مصدر خرس ،يقال :خرس النسان خرسا ،إذا منع الكلم خلقةً ،أي خلق ول نطق له .أو ذهب كلمه عيّا .ول يخرج استعمال الفقهاء له عن هذا المعنى . اعتقال اللّسان :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2العتقال :الحبس ،واعتقل لسانه :إذا حبس ومنع الكلم . والمعتقل اللّسان وسط بين الخرس والنّاطق .
الحكام المتعلّقة بالخرس : إسلم الخرس :
- 3يصير الكافر مسلما بالذعان بالقلب والنّطق بالشّهادتين إن كان قادرا على النّطق ،فإن كان عاجزًا عن النّطق لخرس ،فإنّه يكتفى في إسلمه بالشارة مع قيام القرائن على أنّه أذعن بقلبه .وهذا مذهب المالكيّة والصّحيح عند الشّافعيّة .وهو ما استظهره ابن نجيم من الحنفيّة ،قال :والظّاهر صحّة إسلم الخرس بالشارة ،ولم أر الن فيها نقلً صريحا . ومقابل الصّحيح عند الشّافعيّة اشتراط صلة الخرس بعد إسلمه بالشارة . ح إسلم الخرس بالشارة المفهمة ،وقيل :ل يحكم بإسلمه جاء في روضة الطّالبين :يص ّ إلّ إذا صلّى بعد الشارة ،وهو ظاهر نصّه في المّ ،والصّحيح المعروف الوّل ،وحمل النّصّ على ما إذا لم تكن الشارة مفهمةً .
تكبير الخرس وقراءته في الصّلة :
- 4تشتمل الصّلة على أقوال وأفعال ،ومن القوال ما هو فرض ،كتكبيرة الحرام والقراءة ،ومنها ما هو سنّة كالتّكبيرات الخرى . فمن كان عاجزا عن النّطق لخرس تسقط عنه القوال ،وهذا باتّفاق الفقهاء . واختلفوا في وجوب تحريك لسانه بالتّكبير والقراءة .فعند المالكيّة والحنابلة -عدا القاضي وهو الصّحيح عند الحنفيّة ،ل يجب على الخرس تحريك لسانه ،وإنّما يحرم للصّلةبقلبه ،لنّ تحريك اللّسان عبث ،ولم يرد الشّرع به . وعند الشّافعيّة يجب على الخرس تحريك لسانه ،وشفتيه ،ولهاته بالتّكبير قدر إمكانه ،قال في المجموع :وهكذا حكم تشهّده ،وسلمه ،وسائر أذكاره ،قال ابن الرّفعة :وإن عجز عن ذلك نواه بقلبه كالمريض . ن هذا عند الشّافعيّة بالنّسبة للخرس الطّارئ ،أمّا الخرس الخلقيّ فل يجب معه لكن يظهر أ ّ تحريك شيء .ونحو ذلك قال القاضي من الحنابلة . ن تحريك لسان الخرس في تكبيرة الفتتاح والتّلبية لزم على القول به ، وقال ابن نجيم :إ ّ أو على المفتى به ،وأمّا بالقراءة فل على المختار .
القتداء بالخرس : - 5ل يجوز اقتداء النّاطق بالخرس ولو كان النّاطق أ ّميّا ،لنّ الخرس أسوأ حالً من ال ّميّ لقدرة ال ّميّ على التّحريمة ،وعجز الخرس عن التيان بالتّحريمة والقراءة ،وهذا باتّفاق الفقهاء .لكنّهم اختلفوا في اقتداء الخرس بأخرس مثله . فعند الحنفيّة والمالكيّة يجوز اقتداء الخرس بأخرس مثله لتساويهما في العجز . وعند الشّافعيّة والحنابلة ل يجوز اقتداء الخرس بأخرس مثله لجواز أن يحسن أحدهما ما ل يحسنه الخر ،أو أنّه قد يكون لحدهما قوّة بحيث لو كان ناطقًا أحسن ما ل يحسنه الخر .
إشارة الخرس في الصّلة :
ن الكلم في الصّلة يبطلها ،فهل تعتبر إشارة الخرس في الصّلة مثل - 6من المقرّر أ ّ كلم النّاطق ؟ في قول عند المالكيّة وهو الصّحيح عند الشّافعيّة :أنّها ل تبطل بإشارة الخرس ،لنّ الشارة في الصّلة جائزة من النّاطق . واعتبر الحنابلة الشارة فعلً ل قولً ،فل تبطل الصّلة بها إلّ إذا كثرت عرفًا وتوالت . ن الصّلة تبطل بإشارة وفي القول الثّاني عند المالكيّة وهو مقابل الصّحيح عند الشّافعيّة :إ ّ الخرس ،لنّ إشارته كالكلم .وفي قول ثالث عند المالكيّة :إن قصد الكلم تبطل صلته ،وإن لم يقصد لم تبطل .والّذي يظهر من كلم الحنفيّة أنّ الصّلة ل تبطل عندهم بالشارة .كما قال الحصكفيّ :ل بأس بتكليم المصلّي وإجابته برأسه ،كما لو طلب منه
شيء أو أري درهما ،وقيل :أجيّد ؟ فأومأ بنعم أو ل ،أو قيل كم صلّيتم ؟ فأشار بيده أنّهم صلّوا ركعتين.
ذبح الخرس وصيده : - 7يختلف الفقهاء في كون التّسمية عند الذّبح والصّيد واجب ًة أو سنّةً . ل ذبيحة الخرس وصيده مع عدم تسميته لعدم قدرته على النّطق . ولكنّهم يتّفقون على ح ّ إلّ أنّ الحنابلة قالوا :إن كان المذكّي أخرس أومأ برأسه إلى السّماء ،ولو أشار إشار ًة تدلّ على التّسمية ،وعلم أنّه أراد التّسمية ،كان فعله كافيًا لقيام إشارته مقام نطقه . وقالوا في الصّيد :ل تعتبر التّسمية من الخرس عند إرسال السّهم والجارحة لتعذّرها منه ، والظّاهر أنّه ل بدّ من إشارته بها ،كما تقدّم في الذّكاة لقيام إشارته مقام نطقه . وما قاله الحنابلة هو رأي عند الشّافعيّة . جاء في المجموع :الخرس إن كانت له إشارة مفهومة حلّت ذبيحته بالتّفاق ،وإن لم تكن ل أيضا ،وبه قطع الكثرون ،والرّأي الثّاني أنّه له إشارة مفهومة فطريقان :المذهب الح ّ يعتبر كالمجنون ،وبهذا الرّأي قطع البغويّ والرّافعيّ .
تصرّفات الخرس :
- 8إذا كان للخرس إشارة معلومة مفهومة ،فإنّها تقوم مقام عبارته في تصرّفاته العقديّة كالبيع والجارة ،والهبة ،والرّهن ،والضّمان ،والنّكاح ،وغير ذلك .وكذلك في الحلول ن الشّارع تعبّد كالطّلق والعتاق والبراء .فالشارة تعتبر حجّةً في حقّ الخرس ،ل ّ النّاطقين بالعبارة ،فإذا عجز الخرس عن العبارة أقامت الشّريعة إشارته مقام عبارته . وكذلك تقوم الكتابة المستبينة المرسومة -أي الّتي تكتب على النّحو الّذي تعارفه النّاس - ن الكتابة زيادة بيان . مقام عبارته في هذه التّصرّفات ،ل ّ وهذا قدر متّفق عليه بين الفقهاء إلّ أنّ هناك تقييدات تنظر في مصطلح ( إشارة ) .
طلق الخرس : ن طلق الخرس بإشارته المفهمة يقع ،وفصّل الشّافعيّة والحنابلة - 9ذهب الفقهاء إلى أ ّ ل أحد ،فصريحة ،وإن اختصّ بفهم فقالوا :إنّ إشارة الخرس بالطّلق إن فهم طلقه بها ك ّ الطّلق منها بعض النّاس دون بعض فهي كناية تحتاج إلى نيّة .
لعان الخرس :
- 10يختلف الفقهاء في اعتبار إشارة الخرس أو كتابته في اللّعان ،وقيامها مقام عبارة النّاطق .فعند جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة وهو المعتمد في المذهب عند الحنابلة -
ح لعانه بالشارة ،كما يصحّ إن كان للخرس " زوجا أو زوج ًة " إشارة مفهومة ص ّ بالكتابة ،ويكرّر الشارة أو الكتابة كالنّاطق الّذي يكرّر اللّفظ . ويترتّب على لعان الخرس أو الخرساء عند الجمهور ،ما يترتّب على لعان النّاطق من أحكام ،كسقوط الحدّ ،ونفي النّسب وغير ذلك .ولو لعن الخرس بالشارة ،أو الكتابة ثمّ انطلق لسانه فتكلّم فأنكر اللّعان ،أو قال :لم أرده فعند الشّافعيّة والحنابلة يقبل قوله فيما عليه فيطالب بالحدّ ،ويلحقه النّسب ،ول يقبل قوله فيما له ،فل ترتفع الفرقة والتّحريم المؤبّد ، وله أن يلعن في الحال لسقاط الحدّ ،ولنفي الولد إن لم يفت زمن النّفي . وعند المالكيّة ل يقبل إنكاره مطلقا . ح اللّعان من الخرس أو الخرساء ،ل بالشارة وذهب الحنفيّة وبعض الحنابلة إلى أنّه ل يص ّ ول بالكتابة ،لنّ اللّعان لفظ يفتقر إلى الشّهادة فلم يصحّ من الخرس ،لنّه ل يتأتّى منه لفظ الشّهادة ،وسواء أكانا أخرسين أم أحدهما . وقال الحنفيّة :لو تلعن الزّوجان وهما ناطقان ،ثمّ زالت أهليّة اللّعان قبل التّفريق بخرسهما ،أو خرس أحدهما بطل اللّعان ،ول تفريق ،ول حدّ لدرئه بالشّبهة .
إقرار الخرس : - 11تعتبر الشارة من الخرس إذا كانت مفهوم ًة قائم ًة مقام العبارة في إقراره ،وكذا الكتابة منه ،ويؤخذ بذلك في كلّ ما أقرّ به من حقوق العباد بما في ذلك القصاص . ل في قول عند الحنفيّة :إنّ القصاص ل يثبت بإقرار الخرس . وهذا باتّفاق الفقهاء إ ّ واختلف في إقرار الخرس بما يوجب الحدّ كالقذف والزّنى والسّرقة . فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو ثور وابن المنذر إلى أنّ الخرس يؤخذ بإقراره بما ح إقراره بغير ما يوجب الح ّد صحّ إقراره بما يوجبه كالنّاطق . ن من ص ّ يوجب الحدّ ،ل ّ وذهب الحنفيّة -وهو احتمال لكلم الخرقيّ من الحنابلة ذكره صاحب المغني -إلى أنّ ن الحدود تدرأ بالشّبهات الخرس ل تعتبر إشارته أو كتابته في إقراره بما يوجب الحدّ ،ل ّ لكونها حقّ اللّه تعالى . وينظر التّفصيل في مصطلح ( إقرار ف ، 58 / 54 /وحدّ ،وقصاص ) .
شهادة الخرس :
ن شهادة الخرس ل تقبل، - 12ذهب الحنفيّة والحنابلة -وهو الصحّ عند الشّافعيّة -إلى أ ّ ن مراعاة لفظ الشّهادة شرط صحّة أدائها ،ول عبارة للخرس أصلً ،فل تقبل شهادته لّ ن الشّهادة يعتبر فيها اليقين ،ولذلك ل يكتفى بإشارة النّاطق .لكن قال ولو فهمت إشارته ،ل ّ الحنابلة :إذا أدّى الخرس الشّهادة بخطّه فإنّها تقبل .
وعند المالكيّة ومقابل الصحّ عند الشّافعيّة تقبل شهادة الخرس ويؤدّيها بإشارة مفهمة أو ن الشّهادة علم يؤدّيه الشّاهد كتابة ،فإذا قطع الحاكم بفهم مقصوده من إشارته حكم بها ،ل ّ إلى الحاكم ،فإذا فهم عنه بطريق يفهم عن مثله قبلت منه ،كالنّطق إذا أدّاها بالصّوت .
قضاء الخرس وفتياه : - 13النّطق من الصّفات الّتي يجب توافرها فيمن يتولّى القضاء ،لنّ الخرس ل يمكنه النّطق بالحكم ،ول يفهم جميع النّاس إشارته وهذا باتّفاق عدا وجه مقابل للصّحيح عند الشّافعيّة . ن صفة النّطق شرط فل يجوز تولية ويرى الحنفيّة والحنابلة وهو الصّحيح عند الشّافعيّة أ ّ الخرس القضاء ول يصحّ قضاؤه . واعتبر المالكيّة صفة النّطق واجبا غير شرط في البتداء والدّوام ،ولذا يجب عزله .لكن إن وقع وحكم نفذ حكمه . ن في ولية الخرس على القضاء قولًا آخر للشّافعيّة بصحّتها إذا فهمت وذكر ابن أبي الدّم أ ّ إشارته .أمّا بالنّسبة للفتاء فإنّه تصحّ فتوى الخرس وذلك حيث فهمت إشارته .
يمين الخرس :
- 14اختلف الفقهاء في اعتبار إشارة الخرس في اليمين . فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى صحّة اليمان من الخرس بالشارة إذا كان يفهم ويفهم عنه . قال الحنفيّة :يستحلف الخرس فيقول له القاضي :عليك عهد اللّه إن كان لهذا عليك هذا الحقّ ؟ ،ويشير الخرس برأسه :أي نعم . واختلفت أقوال فقهاء الشّافعيّة بين انعقاد اليمين بالشارة وعدم انعقادها . فالقول بعدم انعقاد اليمين بالشارة ذكره السّيوطيّ ،قال :تعتبر إشارة الخرس في الدّعاوى ل اللّعان . ول ينعقد بها اليمان إ ّ وصرّح الزّركشيّ في قواعده بذلك فقال :إشارة الخرس كنطقه إلّ في مسائل ،ومنها : حلف بالشارة ل تنعقد يمينه . وأمّا القول بانعقاد يمين الخرس إذا فهمت إشارته فقد ذكره الزّركشيّ عقب كلمه بعدم النعقاد فقال :وفي البيان في كتاب القضية قال الشّافعيّ رحمه ال في المّ :إن كان قد وجب عليه يمين وهو أخرس ل تفهم إشارته وقف اليمين إلى أن تفهم إشارته ،وإن سأل المدّعي أن تردّ عليه اليمين لم تردّ ،لنّه لم يتحقّق نكوله . وفي حاشية الجمل قال :وقع للزّركشيّ في القواعد عدم انعقاد يمين الخرس بالشارة ، والّذي يظهر خلفه أخذا ممّا صرّحوا به في انعقاد لعانه بالشارة ،ومن قولهم :إنّ إشارته
ل في ثلثة مواضع :بطلن الصّلة فل تبطل بالشارة ،والحنث ،والشّهادة . مثل العبارة إ ّ قال الجمل :ثمّ رأيت محمّدا الرّمليّ اعتمد انعقاد يمينه بالشارة . واختلفت أيضا أقوال فقهاء الحنابلة .ففي مطالب أولي النّهى الحلف بألفاظ مخصوصة . ل على عدم انعقاد يمين الخرس ثمّ قال :لكن صرّح في الفروع في باب صلة الجمعة فد ّ بانعقاد اليمين منه كال ّنيّة . وصرّح ابن قدامة في المغني بانعقاد يمين الخرس فقال :إن توجّهت يمين على ورثة وفيهم أخرس مفهوم الشارة حلف وأعطي حصّته ،وإن لم تفهم إشارته وقف حقّه .
الخرس بسبب الجناية : - 15اللّسان آلة الكلم ،والعتداء على النسان بما يفقده النّطق ويجعله أخرس ،إمّا أن يكون بقطع اللّسان ،أو بضرب يؤدّي إلى ذهاب الكلم مع بقاء اللّسان . وذلك إمّا أن يكون عمدًا أو خطأً ،وفي موجب ذلك من قصاص أو دية خلف وتفصيل يرجع إليه في ( جناية على ما دون النّفس ،ودية ) .
الجناية على لسان الخرس :
- 16ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو قول عند الحنابلة :إلى أنّ في لسان الخرس حكومة عدل ،لنّه ل قصاص فيه وليس له أرش مقدّر لعدم فوات المنفعة ،وإنّما وجبت ن اللّسان جزء منه . حكومة عدل تشريفا للدميّ ،ل ّ وقيّد الشّافعيّة ذلك بأن ل يذهب بقطعه الذّوق ،وإلّ ففيه الدّية . وفي القول الثّاني للحنابلة :إنّ فيه ثلث الدّية لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قضى في العين العوراء السّادّة لمكانها إذا طمست بثلث ديتها ،وفي اليد الشّلّاء إذا قطعت بثلث ديتها ،وفي السّنّ السّوداء إذا نزعت بثلث ديتها » .وهذا إذا كانت الجناية خطًأ أو كانت عمدا من ناطق . فإن كانت الجناية من أخرس على أخرس عمدًا ،فقد نصّ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إذا أمنت السّراية على وجوب القصاص للمماثلة والتّكافؤ ،وقواعد الشّافعيّة ل تأبى ذلك ،أمّا الحنفيّة فل قصاص عندهم أصلً في اللّسان .
خرص * التّعريف : - 1الخرص لغةً :القول بالظّنّ ،ويطلق على الكذب :ومنه قول الحقّ تبارك وتعالى { : خرّاصُونَ } ،ويطلق على حزر ما على النّخل والكرم من الثّمار تمرا أو زبيبا . ُقتِلَ ال َ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « أمر بالخرص في النّخل والكرم خاصّ ًة » . وروي أ ّ والصطلح الشّرعيّ ل يختلف عن ذلك .
اللفاظ ذات الصّلة : - 2التّخمين ،والحدس ،والتّحرّي متقاربة المعنى ،وهي تحديد الشّيء بالظّنّ والتّقدير ، فهي كالخرص في بعض إطلقاته .
الحكم التّكليفيّ :
أوّلً :الخرص فيما تجب فيه الزّكاة : - 3ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يستحبّ للمام خرص الثّمار على رءوس النّخل والكرم خاصّةً بعد بدوّ صلحها ،لتحديد قدرها وقدر الزّكاة فيها . فيبعث ساعيه ليخرص الثّمار على رؤوس النّخل والكرم بعد بد ّو صلحها ،ليعلم بالخرص والتّقدير نصاب الزّكاة ،والقدر الواجب إخراجه . ويشترط المالكيّة لذلك :أن يحتاج أصحاب الثّمار إلى التّصرّف فيها ،أمّا إذا لم يحتاجوا إلى التّصرّف فيها ،فينتظر جفاف ما يجفّ من الثّمار وتخرج زكاته تمرا أو زبيبا ،وما ل يجفّ ينتظر جذّه ثمّ يكال البلح ،ويوزن العنب ،ثمّ يقدّر جفافهما إذا شكّ في بلوغهما النّصاب . ن النّبيّ صلى ال عليه واستدلّ جمهور الفقهاء لمشروعيّة الخرص :بما روى التّرمذيّ أ ّ وسلم « :أمر أن يخرص العنب كما يخرص النّخل ،وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ صدقة النّخل تمرا » . وعند الشّافعيّة قول بوجوب الخرص لظاهر الحديث . وقال الخطّابيّ :أثبت الحديث النّبويّ الخرص والعمل به ،وهو قول عامّة أهل العلم إلّ ما روي عن الشّعبيّ أنّه قال :الخرص بدعة ،وأنكر أصحاب الرّأي -يعني الحنفيّة - الخرص ،وقال بعضهم :إنّما كان ذلك الخرص تخويفًا للكرة لئلّ يخونوا ،فأمّا أن يلزم به حكم فل ،وذلك أنّه ظنّ وتخمين وفيه غرر ،وإنّما كان جوازه قبل تحريم الرّبا والقمار .
وقت الخرص :
- 4ل خلف بين من يرى مشروعيّة الخرص في أنّه يكون حين يطيب الثّمر ويبدو صلحه ن الرّسول صلى ال عليه وسلم كان يبعث عبد اللّه بن ،لقول عائشة رضي ال عنها « :إ ّ رواحة إلى يهود خيبر فيخرص عليهم النّخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه » . ن المقصود من الخرص معرفة قدر الزّكاة ،وإطلق تصرّف أرباب الثّمار في التّصرّف ول ّ فيها ،ممّا تدعو إليه الحاجة .
ما شرع فيه الخرص :
- 5ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الخرص ل يكون في غير النّخل والكرم ،لورود الثر ب في سنبله ،ول الزّيتون لنّه لم يرد فيهما أثر ،وليسا في معنى فيهما ،فل يخرص الح ّ ب الزّيتون متفرّق في شجره ل المنصوص حتّى يقاسا عليه ،والحبّ مستور في سنبله ،وح ّ يجمعه عنقود فيصعب خرصه ،ول حاجة بأهله إلى أكله غالبا ،بخلف التّمر والعنب ، فإنّهما يؤكلن رطبا ،فيخرص على أهله للتّوسعة عليهم ليخلّى بينهم ،وبين أكل الثّمرة ، والتّصرّف فيه ،ثمّ يؤدّون الزّكاة منها على ما خرص . ن ثمرة الكرم ،والنّخل ظاهرة مجتمعة ،فخرصها أسهل ،من خرص غيرها . ول ّ وعند المالكيّة قول :بجواز خرص غير التّمر ،والعنب إذا احتاج أهله ،أو كانوا غير أمناء. وقال الزّهريّ والوزاعيّ واللّيث :يخرص الزّيتون ونحوه ،لنّه ثمر تجب فيه الزّكاة فيخرص كالرّطب والعنب .
حكم التّصرّف في الثّمار قبل الخرص ،وبعده : - 6ذهب الشّافعيّة إلى أنّه يحرم التّصرّف بالكل أو البيع ،أو الهبة في شيء من الثّمار قبل الخرص ،أو التّضمين والقبول لتعلّق حقّ الفقراء بها ،ولكن إن تصرّف في الكلّ ،أو البعض شائعا صحّ فيما عدا نصيب المستحقّين .أمّا بعد الخرص والتّضمين ،وقبول المالك التّضمين فل تحريم ،لنتقال الحقّ من العين إلى ال ّذمّة . وذهب الحنابلة إلى جواز التّصرّف في الثّمار قبل الخرص وبعده بالبيع ،والهبة وغيرهما ، ل أن يشترطها على فإن باع ،أو وهب بعد بد ّو الصّلح ،فالزّكاة على البائع والواهب إ ّ المبتاع ،وإنّما وجبت على البائع ،لنّها كانت واجبةً عليه قبل البيع ،فبقي على ما كان عليه ،ويفهم من كلم المالكيّة نحو كلم الحنابلة .
شروط الخارص :
- 7يكفي في الخرص خارص واحد باتّفاق من يرى مشروعيّة الخرص وهم الشّافعيّة والمالكيّة ،والحنابلة .لنّ « النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يبعث عبد اللّه بن رواحة خارصًا أوّل ما تطيب الثّمار » ولنّه كالحاكم ،ويعمل باجتهاده . ن الخرص كالتّقويم والشّهادة ،وكلهما وعند الشّافعيّة قول :باشتراط تعدّد الخارص ،ل ّ يشترط فيه التّعدّد . ويشترط أن يكون الخارص أمينا غير متّهم ،عدلً ،عارفا بالخرص ،وتشترط الذّكورة ن الخرص ولية ،وليس الرّقيق ،والمرأة من أهلها. والح ّريّة عند الشّافعيّة ،في الصحّ ،ل ّ
صفة الخرص :
- 8تختلف صفة الخرص باختلف الثّمر ،فإن كان نوعا واحدا ،فإنّ الخارص يشاهد كلّ واحدة من الشجار وينظر ،كم في الجميع رطبا أو عنبا ،ثمّ يقدّر ما يجيء منها تمرا ن النواع تختلف ،ولنّه يحتاج إلى ل نوع على حدة ،ل ّ وزبيبا ،وإن كان أنواعا خرص ك ّ معرفة قدر كلّ نوع حتّى يخرج عشره .
هل يترك الخارص شيئًا للمالك عند الخرص ؟ - 9ذهب الحنابلة إلى أنّه يجب على الخارص أن يترك في الخرص الثّلث ،أو الرّبع على حسب الحاجة ،توسعةً على أرباب الموال ،لنّهم يحتاجون إلى الكل ،هم ،وضيوفهم ، ويطعمون جيرانهم ،ونحوه للشّافعيّة بأنّه يترك للمالك ثمر نخلة أو نخلت ،وقال ابن حبيب من المالكيّة :يخفّف عن أهل الشّجر في الخرص .واستدلّوا بحديث « :إذا خرصتم فجذّوا ودعوا الثّلث ،فإن لم تدعوا أو تجذّوا الثّلث فدعوا الرّبع » ولنّه صلى ال عليه وسلم « كان يأمر بالتّخفيف للواطئة والسّاقطة واللّاقطة وما ينال العيال » . ومذهب المالكيّة وهو المشهور عند الشّافعيّة عدم ترك شيء في الخرص لعموم الدلّة ، المقتضية لوجوب العشر ،أو نصفه من غير استثناء . وذهب المالكيّة إلى أنّه ل يجمع الخارص الحائط " البستان " في الحزر ،ول يجزئه أرباعا أو أثلثا ،وكذا ل يجمع ما زاد على شجرة كالثّنتين والثّلث ولو علم ما بها جملةً ،هذا إذا اختلفت في الجفاف ولو كانت من صنف واحد .فإن اتّحدت في الجفاف ،جاز جمعها في الخرص .وحملوا الحديث على الزّكاة ،فيترك للمالك منها ذلك ليفرّقه على فقراء أهله ، وجيرانه ،ل من المخروص .
ق الفقراء بعد الخرص : حّ
- 10ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ حقّ الفقراء ينتقل من عين الثّمار إلى ذمّة المالك بعد الخرص ،فيجوز للمالك التّصرّف في جميع الثّمار ،ويكون حقّ الفقراء في ذمّته ،فيخرجه في وقته تمرا أو زبيبا ،ويشترط الشّافعيّة على المذهب عندهم لنتقال حقّ الفقراء إلى ذمّة المالك تضمين السّاعي عليه ،وقبول المالك ،كأن يقول له بعد الخرص :ضمّنتك نصيب المستحقّين من الرّطب أو العنب بكذا تمرا أو زبيبا . ن الحقّ ينتقل من العين إلى ال ّذمّة ،فل ب ّد من رضاهما ،كالبائع ، ويقبل المالك التّضمين ،ل ّ والمشتري ،فإن لم يضمّنه أو ضمّنه ولم يقبل المالك ،بقي حقّ الفقراء كما كان ،متعلّقا ن التّضمين لم يرد في بعين الثّمار ،وعندهم قول :بانقطاع حقّ الفقراء ،بنفس الخرص .ل ّ الحديث ،وليس على حقيقة الضّمان ،بدليل أنّه لو تلف بآفة سماويّة ،أو سرق قبل الجفاف بل تفريط من المالك ،فل شيء عليه قطعا ،وهو مذهب مالك وأحمد .
وذهب إمام الحرمين من الشّافعيّة إلى أنّه يكفي تضمين الخارص ،ول حاجة إلى قبول المالك .
تلف المخروص قبل إخراج الزّكاة : - 11ذهب الفقهاء القائلون بالخرص إلى أنّه إذا هلك المخروص بل تفريط من المالك ،قبل إخراج الزّكاة فل شيء عليه إن لم يتمكّن من إخراجها ،أمّا إذا تمكّن من الخراج ،وأخّره بدون عذر أو قصّر في الحفظ ،فإنّه يضمن نصيب الفقراء بالخرص .
ادّعاء تلف المخروص :
- 12إن ادّعى المالك تلف المخروص بغير تفريطه فالقول قوله ،بغير يمين ،سواء أكان قبل الخرص أم بعده ،لنّه من حقّ اللّه تعالى فل يستحلف فيه كالصّلة ،والحدّ ،هذا رأي مالك وأحمد . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن ادّعى هلك المخروص بسبب خفيّ ،كسرقة ،أو بسبب ظاهر عرف حدوثه كحريق صدّق بيمينه ،فإن لم يعلم حدوث السّبب الظّاهر طولب ببيّنة على القول الصّحيح عندهم ،ث ّم يحلف على أنّها هلكت فيه لحتمال سلمة ماله .أمّا إذا ادّعى غلط الخارص أو حيفه وكان ما ادّعاه محتملً قبل قوله ،وإن لم يكن محتملًا لم يقبل منه .
ثانيا :فرز أنصبة الشّركاء من الثّمار على الشّجر بالخرص : - 13ذهب المالكيّة -وهو الرّاجح عند الشّافعيّة إلى أنّه يجوز قسمة الثّمار على رءوس أشجار النّخيل ،والكرم بالخرص ،إذا طابت الثّمار وحلّ بيعها ،واختلفت حاجة أهلها بأن احتاج بعضهم للكل ،والبعض الخر للبيع ،وذلك للضّرورة وسهولة حزرهما بخلف غيرهما من الزّرع والثّمار ،فل يجوز الفرز بالخرص ،كما تقدّم . واستدلّوا بحديث عبد اللّه بن رواحة في الخرص على يهود خيبر المتقدّم ( ف . ) 4 /
ثالثا :البيع بالمجازفة :
- 14ل خلف بين الفقهاء في الجملة في جواز بيع الصّبرة جزافًا ،وهو البيع بل كيل ول وزن ،بالحدس والظّنّ ،والتّخمين ،اكتفا ًء بالمشاهدة عن الكيل أو الوزن . وشروط ذلك وتفصيله في مصطلح ( :جزاف ،وعرايا ،ومزابنة ) .
خروج * التّعريف : - 1الخروج في اللّغة مصدر خرج يخرج خروجا ومخرجا ،نقيض الدّخول .
والفقهاء يستعملون الخروج بمعناه اللّغويّ ،ويستعملونه أيضا بمعنى البغي ،أي الخروج على الئمّة .
الحكام المتعلّقة بالخروج : للخروج أحكام تختلف باختلف الخارج ،وباختلف ما يتعلّق به الخروج ،أهمّها ما يلي :
الخارج من السّبيلين وغيرهما :
ن الخارج من السّبيلين إذا كان منيّا خرج على وجه الدّفق - 2ل خلف بين الفقهاء في أ ّ ن غير المنيّ إذا كان معتادا والشّهوة ،أو دم حيض أو نفاس ،فإنّه موجب للغسل ،وعلى أ ّ كالبول ،أو الغائط ،والرّيح ،ينقض الوضوء ،واختلفوا في غير المعتاد ،فذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن عبد الحكم من المالكيّة " إلى أنّه ينقض الوضوء . ويرى جمهور المالكيّة أنّ غير المعتاد كالدّود والحصى ل ينقض الوضوء . وفي الخارج من غير السّبيلين خلف وتفصيل ينظر في مواطنه من كتب الفقه . وانظر مصطلح ( :وضوء ) .
خروج القدم أو بعضها من الخفّ : - 3صرّح جمهور الفقهاء بأنّه يثبت حكم نزع الخفّ -وهو بطلن الوضوء أو المسح على خلف فيه -بخروج القدم إلى ساق الخفّ ،وكذا بخروج أكثر القدم في الصّحيح من مذهب الحنفيّة ،والمالكيّة ،لنّ الحتراز عن خروج القليل متعذّر ،لنّه ربّما يحصل بدون القصد ،بخلف الكثير ،فإنّ الحتراز عنه ليس بمتعذّر . ويرى الشّافعيّة أنّه لو أخرجها من قدم الخفّ إلى السّاق لم يؤثّر إلّ إذا كان الخفّ طويلً خارجا عن العادة ،فأخرج رجله إلى موضع لو كان الخفّ معتادا لظهر شيء من محلّ الفرض بطل مسحه بل خلف . وعند الحنابلة للبعض حكم الكلّ فيبطل الوضوء بخروج القدم ،أو بعضها إلى ساق خفّه . وينظر التّفصيل في مصطلح ( :مسح الخفّ ) .
الخروج من المسجد بعد الذان :
- 4ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يكره الخروج من المسجد بعد الذان بل عذر ،أو نيّة رجوع إلى المسجد ،إلّ أن يكون التّأذين للفجر قبل الوقت ،فل يكره الخروج . وذهب الحنابلة إلى أنّه يحرم ،قال أبو الشّعثاء « :كنّا قعودا في المسجد مع أبي هريرة ، فأذّن المؤذّن ،فقام رجل في المسجد يمشي ،فأتبعه أبو هريرة بصره حتّى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة :أمّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلى ال عليه وسلم » ،والموقوف في مثله كالمرفوع .وتفصيل ذلك في كتب الفقه و ر :مصطلح ( مسجد ) .
خروج المام للخطبة : - 5إذا خرج المام وقام للخطبة استقبله النّاس ،لنّه به جرى التّوارث ،ويحرم الكلم والمام يخطب عند جمهور الفقهاء . وأمّا الكلم بمجرّد خروجه وقبل أن يبدأ بالخطبة ،فإنّه ل بأس به عند جمهور الفقهاء ،وبه ن المنع للخلل قال عطاء وطاوس والزّهريّ ،والنّخعيّ ،وروي ذلك عن ابن عمر ،ل ّ بغرض الستماع ،ول استماع هنا ،وكرهه الحكم ،وقال ابن عبد البرّ :إنّ عمر وابن عبّاس كانا يكرهان الكلم ،والصّلة بعد خروج المام ،ويحرم الكلم عند أبي حنيفة بمجرّد خروج المام . وأمّا ترك الصّلة فذهب الحنفيّة ،والمالكيّة إلى أنّه ل تطوّع بعد خروج المام للخطبة ،وبه ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال شريح ،وابن سيرين ،والنّخعيّ ،وقتادة ،والثّوريّ ،ل ّ « قال للّذي يتخطّى رقاب النّاس :اجلس ،فقد آذيت وآنيت » . ن الصّلة تشغله عن استماع الخطبة فكره ،كصلة الدّاخل . ول ّ ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه ينقطع التّطوّع بجلوس المام على المنبر ،فل يصلّي أحد غير الدّاخل ،فمن دخل أثناء الخطبة استحبّ له أن يصلّي التّحيّة يخفّفها ،إلّ إذا كان المام في آخرها ،فل يصلّي لئلّ يفوته أوّل الجمعة مع المام .
خروج المعتكف من المسجد :
ل لحاجة النسان - 6ل خلف بين الفقهاء في أنّه ل يجوز للمعتكف الخروج من المسجد إ ّ أو الجمعة ،والدّليل على جواز ذلك حديث عائشة رضي ال تعالى عنها قالت « :كان النّبيّ ل لحاجة النسان » .وقالت رضي ال عنها « : صلى ال عليه وسلم ل يخرج من معتكفه إ ّ ل لما ل بدّ منه » . سنّة للمعتكف ألّ يخرج إ ّ ال ّ إلّ أنّ الشّافعيّة قالوا :يجب الخروج للجمعة ولكنّه يبطل به العتكاف ،لمكان العتكاف في الجامع ،وتفصيل ذلك في مصطلح ( اعتكاف ) .
الخروج للستسقاء : - 7اتّفق الفقهاء على أنّه يخرج الشّباب والشّيوخ والضّعفاء ،والعجزة ،وغير ذات الهيئة من النّساء ،ويستحبّ أن يخرجوا مشا ًة بتواضع وخشوع في ثياب خلقان ،وأن يقدّموا الصّدقة كلّ يوم ،وأن يكون ذلك بعد التّوبة إلى اللّه تعالى . واختلفوا في خروج الكفّار وأهل ال ّذمّة على أقوال ينظر تفصيلها في مصطلح ( استسقاء ) .
خروج المرأة من المنزل :
- 8الصل أنّ النّساء مأمورات بلزوم البيت منهيّات عن الخروج .
ن منها :ملك الحتباس وهو ذكر الكاسانيّ عند الكلم عن أحكام النّكاح الصّحيح :أ ّ ن } ،والمر س ِكنُوهُ ّ صيرورتها ( الزّوجة ) ممنوعةً من الخروج والبروز لقوله تعالى َ { :أ ْ بالسكان نهي عن الخروج ،والبروز ،والخراج ،إذ المر بالفعل نهي عن ضدّه ،وقوله خ ُرجْنَ } ن مِن ُبيُو ِتهِنّ وَلَا َي ْ خ ِرجُوهُ ّ عزّ وجلّ َ { :و َقرْنَ فِي ُبيُو ِتكُنّ } وقوله عزّ وجلّ { :لَا ُت ْ ولنّها لو لم تكن ممنوعةً عن الخروج والبروز لختلّ السّكن والنّسب ،لنّ ذلك ممّا يريب الزّوج ويحمله على نفي النّسب . ن َت َبرّجَ ا ْلجَاهِِليّةِ ا ْلأُولَى } قال القرطبيّ عند تفسير قوله تعالى َ { :و َقرْنَ فِي ُبيُو ِتكُنّ وَلَا َت َبرّجْ َ معنى هذه الية المر بلزوم البيت ،وإن كان الخطاب لنساء النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقد ص جميع النّساء ،فكيف والشّريعة طافحة دخل فيه غيرهنّ بالمعنى .هذا لو لم يرد دليل يخ ّ ل لضرورة . ن والنكفاف عن الخروج منها إ ّ بلزوم النّساء بيوته ّ فقد أخرج البزّار من حديث أبي الحوص عن عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشّيطان ،وأقرب ما تكون بروحة ربّها وهي في قعر بيتها » . كما أخرج من حديث أنس رضي ال عنه أنّه قال « :جئن النّساء إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقلن :يا رسول اللّه :ذهب الرّجال بالفضل والجهاد في سبيل اللّه تعالى فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل اللّه ؟ فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :من قعدت -أو كلمةً نحوها -منكنّ في بيتها ،فإنّها تدرك عمل المجاهدين في سبيل اللّه » . وعند الحاجة كزيارة الباء ،والمّهات ،وذوي المحارم ،وشهود موت من ذكر ،وحضور عرسه وقضاء حاجة ل غناء للمرأة عنها ول تجد من يقوم بها يجوز لها الخروج . إلّ أنّ الفقهاء يقيّدون جواز خروج المرأة في هذه الحالت بقيود أهمّها : أ -أن تكون المرأة غير مخشيّة الفتنة ،أمّا الّتي يخشى الفتتان بها فل تخرج أصلً . ب -أن تكون الطّريق مأمون ًة من توقّع المفسدة وإلّ حرم خروجها . ن تمكين ج -أن يكون خروجها في زمن أمن الرّجال ول يفضي إلى اختلطها بهم ،ل ّ ل بليّة وشرّ ،وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات ن بالرّجال أصل ك ّ النّساء من اختلطه ّ العامّة ،كما أنّه من أسباب فساد أمور العامّة والخاصّة ،واختلط الرّجال بالنّساء سبب لكثرة الفواحش والزّنى ،وهو من أسباب الموت العامّ ،فيجب على وليّ المر أن يمنع من اختلط الرّجال بالنّساء في السواق ،والفرج ،ومجامع الرّجال ،وإقرار النّساء على ذلك ن على الثم والمعصية ،وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي ال عنه إعانة له ّ النّساء من المشي في طريق الرّجال والختلط بهم في الطّريق .
د -أن يكون خروجها على تبذّل وتستّر تامّ .قال العينيّ :يجوز الخروج لما تحتاج إليه المرأة من أمورها الجائزة بشرط أن تكون بذّة الهيئة ،خشنة الملبس ،تفلة الرّيح ،مستورة العضاء غير متبرّجة بزينة ول رافع ًة صوتها . ي المر منع النّساء من الخروج متزيّنات متجمّلت ، قال ابن قيّم الجوزيّة :يجب على ول ّ ن من الثّياب الّتي يكنّ بها كاسيات عاريّات ،كالثّياب الواسعة والرّقاق ،وإن رأى وليّ ومنعه ّ المر أن يفسد على المرأة -إذا تجمّلت وخرجت -ثيابها بحبر ونحوه ،فقد رخّص في ذلك ن الماليّة . بعض الفقهاء وأصاب .وهذا من أدنى عقوبته ّ ي صلى ال عليه وسلم « أنّ المرأة إذا تطيّبت وخرجت من بيتها فهي زانية ». فقد أخبر النّب ّ ل بإذنه . هـ -أن يكون الخروج بإذن الزّوج ،فل يجوز لها الخروج إ ّ قال ابن حجر الهيتميّ :وإذا اضطرّت امرأة للخروج لزيارة والد خرجت بإذن زوجها غير متبرّجة .ونقل ابن حجر العسقلنيّ عن النّوويّ عند التّعليق على حديث « :إذا استأذنكم ن المرأة ل تخرج من بيت ن » أنّه قال :استدلّ به على أ ّ نساؤكم باللّيل إلى المسجد فأذنوا له ّ زوجها إلّ بإذنه لتوجّه المر إلى الزواج بالذن . وللزّوج منع زوجته من الخروج من منزله إلى ما لها منه بدّ ،سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما .قال أحمد في امرأة لها زوج وأ ّم مريضة :طاعة ل أن يأذن لها ،وقد روى ابن بطّة في أحكام النّساء عن أنس زوجها أوجب عليها من أمّها إ ّ ل سافر ومنع زوجته من الخروج فمرض أبوها ،فاستأذنت رسول اللّه صلى ال ن رج ً «أّ عليه وسلم في عيادة أبيها فقال لها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم اتّقي اللّه ول تخالفي زوجك فأوحى اللّه إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم :إنّي قد غفرت لها بطاعة زوجها » ن طاعة الزّوج واجبة ،والعيادة غير واجبة فل يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب . ول ّ ول ينبغي للزّوج منع زوجته من عيادة والديها ،وزيارتهما لنّ في منعها من ذلك قطيعةً لهما ،وحملً لزوجته على مخالفته ،وقد أمر اللّه تعالى بالمعاشرة بالمعروف ،وليس هذا من المعاشرة بالمعروف . ل جمعة بإذن الزّوج وينبغي التّنويه إلى أنّ المفتى به عند الحنفيّة أنّها تخرج للوالدين في ك ّ وبدونه ،وللمحارم في كلّ سنة مرّةً بإذنه وبدونه . وفي مجمع النّوازل ،فإن كانت الزّوجة قابلةً ،أو غسّالةً ،أو كان لها حقّ على آخر أو ج على هذا . لخر عليه حقّ ،تخرج بالذن وبغير الذن ،والح ّ وقال ابن عابدين بعد أن نقل ما في النّوازل :وفي البحر عن الخانيّة تقييد خروجها بإذن الزّوج .هذا ويجوز للزّوجة الخروج بغير إذن الزّوج لما ل غناء لها عنه ،كإتيان بنحو
مأكل والذّهاب إلى القاضي لطلب الحقّ ،واكتساب النّفقة إذا أعسر بها الزّوج ،والستفتاء إذا لم يكن زوجها فقيها .وكذلك لها أن تخرج إذا كان المنزل الّذي تسكنه مشرفا على انهدام. ن للزّوجة اعتماد العرف الدّالّ على رضا أمثال وأخذ الرّافعيّ وغيره من كلم إمام الحرمين أ ّ الزّوج بمثل الخروج الّذي تريده ،نعم لو علم مخالفته لمثاله في ذلك فل تخرج .
خروج النّساء إلى المسجد : ن المرأة إذا أرادت حضور المسجد للصّلة ،إن - 9ذهب الشّافعيّة وصاحبا أبي حنيفة إلى أ ّ كانت شابّةً أو كبير ًة تشتهى كره لها ،وكره لزوجها ووليّها تمكينها منه ،وإن كانت عجوزًا ل تشتهى فلها الخروج بإذن الزّوج إلى الجماعات في جميع الصّلوات دون كراهة . ومثله مذهب أبي حنيفة بالنّسبة للشّابّة ،أمّا العجوز فإنّها تخرج عنده في العيدين والعشاء والفجر فقط ،ول تخرج في الجمعة والظّهر والعصر والمغرب . وكره متأخّرو الحنفيّة خروجها مطلقًا لفساد الزّمن . أمّا المالكيّة فالنّساء عندهم على أربعة أقسام :عجوز انقطعت حاجة الرّجال عنها ،فهذه تخرج للمسجد ،وللفرض ،ولمجالس العلم والذّكر ،وتخرج للصّحراء في العيد والستسقاء، ولجنازة أهلها وأقاربها ،ولقضاء حوائجها ،ومتجالّة ( مسنّة ) لم تنقطع حاجة الرّجال منها بالجملة ،فهذه تخرج للمسجد للفرائض ،ومجالس العلم والذّكر ،ول تكثر التّردّد في قضاء حوائجها أي يكره لها ذلك ،وشابّة غير فارهة في الشّباب والنّجابة ،تخرج للمسجد لصلة الفرض جماعةً ،وفي جنائز أهلها وأقاربها ،ول تخرج لعيد ول استسقاء ول لمجالس ذكر أو علم .وشابّة فارهة في الشّباب والنّجابة ،فهذه الختيار لها أن ل تخرج أصلً . ن كنّ يصلّين مع رسول وذهب الحنابلة إلى أنّه يباح للنّساء حضور الجماعة مع الرّجال لنّه ّ اللّه صلى ال عليه وسلم ،قالت عائشة رضي ال عنها « :كان النّساء يصلّين مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ثمّ ينصرفن متلفّعات بمروطهنّ ما يعرفن من الغلس » . وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه وليخرجن تفلت » يعني ن جواز خروج النّساء إلى المسجد -عند من يجيزه - غير متطيّبات .وتجدر الشارة إلى أ ّ مقيّد بالقيود السّابقة .ول يقضى على زوج الشّابّة ومن في حكمها بالخروج لنحو صلة الفرض ولو شرط لها في صلب عقدها . ب للزّوج أن يأذن لها إذا استأذنته إلى المسجد للصّلة إذا كانت عجوزا ل قال النّوويّ :يستح ّ تشتهى ،وأمن المفسدة عليها وعلى غيرها ،فإن منعها لم يحرم عليه ،هذا مذهبنا .قال البيهقيّ :وبه قال عامّة العلماء .
خروج المرأة في السّفر بغير محرم :
- 10قال النّوويّ نقلً عن القاضي :اتّفق العلماء على أنّه ليس للمرأة أن تخرج في غير ن عليها أن تهاجر ل مع ذي محرم إلّ الهجرة من دار الحرب ،فاتّفقوا على أ ّ الحجّ والعمرة إ ّ منها إلى دار السلم وإن لم يكن معها محرم . ج والعمرة وسفر الزّيارات والتّجارة ونحو ذلك في وللتّفصيل في أحكام خروج المرأة للح ّ ج ،سفر ،عمرة ،هجرة ) . السفار ينظر مصطلحات ( :ح ّ
الخروج من المسجد : - 11صرّح الفقهاء بأنّه يستحبّ عند الخروج من المسجد أن يقدّم رجله اليسرى ،ويستحبّ أن يقال عند الخروج " :اللّهمّ إنّي أسألك من فضلك " أو يقول " :ربّ اغفر لي ،وافتح لي أبواب فضلك " ،وذلك بعد الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم .
الخروج من البيت :
- 12يستحبّ في الخروج من البيت أن يقول ما كان يقوله النّبيّ صلى ال عليه وسلم حين خروجه من بيته وذلك فيما روته أمّ سلمة رضي ال عنها « :أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال :بسم اللّه توكّلت على اللّه ،اللّهمّ إنّي أعوذ بك من أن أضلّ أو أضلّ ،أو أزلّ أو أزلّ ،أو أظلم أو أظلم ،أو أجهل أو يجهل عليّ » . وعن أنس رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :من قال -يعني إذا خرج من بيته -بسم اللّه توكّلت على اللّه ،ول حول ول قوّة إلّ باللّه يقال له :كفيت ووقيت وهديت وتنحّى عنه الشّيطان » .
الخروج من الخلء : - 13يستحبّ عند الخروج من الخلء أن يقدّم رجله اليمنى ويقول :غفرانك ،أو :الحمد ي صلى ال ن النّب ّ للّه الّذي أذهب عنّي الذى وعافاني .لما روى أنس رضي ال عنه « :أ ّ عليه وسلم كان إذا خرج من الخلء قال :الحمد للّه الّذي أذهب عنّي الذى وعافاني » . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :قضاء الحاجة ) .
خروج المعتدّة من البيت :
- 14ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجب على المعتدّة ملزمة السّكن ،فل تخرج إلّ لحاجة أو عذر ،فإن خرجت أثمت ،وللزّوج منعها ،وكذا لوارثه عند موته . وتعذر في الخروج في مواضع تنظر في مصطلح ( :عدّة ) .
من ل يجوز خروجه مع الجيش في الجهاد : - 15ل يستصحب أمير الجيش معه مخ ّذلً ،ول مرجفا ،ول جاسوسا ،ول من يوقع ط ُهمْ العداوة بين المسلمين ،ويسعى بالفساد ،لقوله تعالى { :وَلَـكِن َكرِ َه اللّ ُه ان ِبعَا َث ُهمْ َف َثبّ َ
ضعُواْ خِلََل ُكمْ َي ْبغُو َن ُكمُ ل ْو َ خبَالً و َ خ َرجُواْ فِيكُم مّا زَادُو ُكمْ ِإلّ َ ن ،لَ ْو َ عدِي َ َوقِيلَ ا ْق ُعدُواْ مَ َع الْقَا ِ الْ ِف ْتنَةَ } ...وإن خرج هؤلء فل يسهم لهم ول يرضخ ،وإن أظهروا عون المسلمين . والتّفصيل في ( جهاد ،وغنيمة ) .
الخروج على المام : ل تجب طاعته ،ومحرّم الخروج عليه ،لقوله ن المام إذا كان عد ً - 16أجمع العلماء على أ ّ لمْرِ مِن ُكمْ } وأمّا الخروج على المام الجائر تعالى َ { :أطِيعُو ْا الّلهَ وََأطِيعُو ْا ال ّرسُولَ وَأُوْلِي ا َ فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوال ينظر تفصيلها في مصطلحي ( :المامة الكبرى ،وبغاة ).
خروج المحبوس :
ن المحبوس لجل قضاء الدّين يمنع عن الخروج إلى أشغاله - 17صرّح جمهور الفقهاء بأ ّ ومهمّاته ،وإلى الجمع والعياد ،وتشييع الجنازة ،وعيادة المرضى والزّيارة ،والضّيافة ، وأمثال ذلك .لنّ الحبس للتّوصّل إلى قضاء الدّين ،فإذا منع عن ذلك سارع إلى قضاء الدّين ( .ر :حبس ) .
خزّ * التّعريف : - 1الخزّ من الثّياب ما ينسج من صوف وإبريسم ( حرير ) أو إبريسم وحده . وهو في الصل من الخزز وهو ولد الرنب أو الرنب الذّكر ،لنعومة وبره . وأطلقه الفقهاء على ما سداه حرير ولحمته من غيره أو عكسه . أ -القزّ :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2القزّ معرّب ،وهو ما يعمل منه البريسم ( الحرير ) ولهذا قالوا :القزّ والبريسم مثل ن القزّ أصل الحرير ،والخزّ يكون مر ّكبًا الحنطة والدّقيق .فالفرق بينه وبين الخزّ ،هو أ ّ من الحرير وغيره ،كالصّوف ،والقطن ونحوهما . ب -الدّيباج : - 3الدّيباج هو ما سداه إبريسم ولحمته إبريسم ،فيحرم لبسه للرّجال من غير ضرورة اتّفاقًا .ول بأس باستعماله بسائر الوجوه غير اللّبس عند بعض الفقهاء كالحنفيّة ،وفيه عند غيرهم تفصيل وينظر أحكامه في مصطلح ( :حرير ،ألبسة ) .
الحكام الّتي تتعلّق بالخزّ :
- 4الخزّ إذا كان سداه ولحمته كلهما من الحرير فل يجوز لبسه للرّجال في غير حالة الحرب بغير ضرورة اتّفاقا ،ويجوز للنّساء مطلقا ،لما روى حذيفة رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :ل تلبسوا الحرير ول الدّيباج » وقوله عليه الصلة والسلم « :أحلّ الذّهب والحرير لناث أمّتي وحرّم على ذكورها » ( ر :حرير ) . أمّا إذا كان منسوجا من الحرير وغيره ،كما إذا كان سداه من إبريسم ولحمته من الصّوف أو القطن فجمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وهو قول عند المالكيّة على جواز لبسه للرّجال .قال الشّافعيّة :ولو كانت نفيسةً وغالي ًة .وقال أحمد :أمّا الخ ّز فقد لبسه أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .وروي عن عبد الرّحمن بن عوف والحسين بن عليّ وعبد اللّه بن الحارث بن أبي ربيعة ،والقاسم بن محمّد أنّهم لبسوا جباب الخزّ .وروي عن معتمر قال سمعت أبي قال " :رأيت على أنس برنسا أصفر من خزّ " كما روي عن عمران بن حصين ،وأبي هريرة ،وابن عبّاس ،وأبي قتادة أنّهم كانوا يلبسون الخزّ .وعند المالكيّة لبسه مكروه يؤجر على تركه ول يأثم في فعله ،لنّه من المشتبهات المتكافئة أدلّة حلّها وحرمتها الّتي قال فيها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :فمن اتّقى الشّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه » . - 5وقد فصّل الشّافعيّة في الصحّ وهو قول عند الحنفيّة وروايةً عند الحنابلة بين القليل والكثير من الحرير في النّسيج ،فقالوا :المركّب من الحرير وغيره ،إن زاد وزن الحرير ل إذا كان الكثر غير الحرير ،وكذا إن استويا ،لما روي عن ابن عبّاس يحرم لبسه ،ويح ّ رضي ال عنهما قال « :إنّما نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن الثّوب المصمت من قزّ » .والمصمت الخالص . والقول الثّاني عند الشّافعيّة ووجه عند الحنابلة ،قال ابن عقيل هو الشبه :التّحريم إن استويا .والصّحيح عند الحنفيّة جواز لبسه إذا كانت لحمته غير الحرير ،سواء أكان مغلوبا ،أم غالبا ،أم مساويا ،لنّ الثّوب إنّما يصير ثوبا بالنّسج ،والنّسج باللّحمة فكانت هي المعتبرة . ( ر :حرير ) .
مواطن البحث : - 6ذكر الفقهاء أحكام الخزّ في كتاب الحظر والباحة وباب اللّبس ،وبعضهم في بحث العدّة ،وإحداد المرأة ،وفي تكفين الميّت وغيرها .ينظر مصطلح ( :حرير ) .
انظر :صلة الكسوف .
خسوف *
خشوع * التّعريف : - 1الخشوع لغ ًة من يخشع :يخشع السّكون والتّذلّل . وخشع في صلته ودعائه ،أقبل بقلبه على ذلك ،وهو مأخوذ من خشعت الرض إذا سكنت واطمأنّت .وخشع بصره انكسر ومنه قوله تعالى { :خَاشِعَ ًة َأ ْبصَارُ ُهمْ } . قال الرّاغب الصفهانيّ :الخشوع الضّراعة ،وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح ،والضّراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ،ولذلك قيل فيما روي :إذا ضرع القلب خشعت الجوارح . وقال القرطبيّ :الخشوع هيئة في النّفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع . والتّخشّع تكلّف الخشوع ،والتّخشّع للّه ،الخبات والتّذلّل له ،وقال قتادة :الخشوع في القلب ض البصر في الصّلة . هو الخوف وغ ّ والمعنى الشّرعيّ ل يختلف عن المعنى اللّغويّ. أ -الخضوع :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الخضوع لغةً :التّواضع ،وخضع يخضع خضوعا ،واختضع ذلّ واستكان ،وأخضعه الفقر أذلّه . والخضوع :النقياد والمطاوعة ،وفي الحديث أنّه صلى ال عليه وسلم « :نهى أن يخضع الرّجل لغير امرأته » .أي يلين لها في القول بما يطمعها منه .وخضع النسان خضعا ، عنَا ُق ُهمْ َلهَا خَاضِعِينَ } . أمال رأسه إلى الرض ،أو دنا منها ،وفي التّنزيل َ { :فظَلّتْ أَ ْ ن الخضوع يكون في البدن ،والخشوع في البدن والصّوت والخضوع قريب من الخشوع إلّ أ ّ والبصر .وأكثر ما يستعمل الخشوع في الصّوت والخضوع في العناق . ن الخضوع قد يكون بتكلّف ،أمّا الخشوع فل يكون تكلّفا ،وإنّما وذكر أبو هلل العسكريّ أ ّ بخوف المخشوع له . ب -الخبات : خ ِبتِينَ } . شرِ ا ْل ُم ْ - 3الخبات لغةً الخضوع والخشوع :قال اللّه تعالى َ { :و َب ّ قال الرّاغب :واستعمل الخبات استعمال اللّين والتّواضع وقال أبو هلل العسكريّ : الخبات ملزمة الطّاعة والسّكون ،فهو الخضوع المستمرّ على استواء .
الحكم التّكليفيّ :
- 4اختلف الفقهاء في حكم الخشوع في الصّلة هل هو فرض من فرائض الصّلة ،أو من فضائلها ومكمّلتها ؟ فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه سنّة من سنن الصّلة بدليل صحّة صلة من يفكّر بأمر دنيويّ إذ لم يقولوا ببطلنها إذا كان ضابطا أفعالها . ن للمصلّي أن يخشع في كلّ صلته بقلبه وبجوارحه وذلك بمراعاة ما يلي : وعليه فيس ّ أ -أن ل يحضر فيه غير ما هو فيه من الصّلة . ب -وأن يخشع بجوارحه بأن ل يعبث بشيء من جسده كلحيته أو من غير جسده ،كتسوية ردائه أو عمامته ،بحيث يتّصف ظاهره وباطنه بالخشوع ،ويستحضر أنّه واقف بين يدي ن صلته معروضة عليه . ملك الملوك الّذي يعلم السّرّ وأخفى يناجيه .وأ ّ ج -أن يتدبّر القراءة لنّه بذلك يكمل مقصود الخشوع . د -أن يفرغ قلبه عن الشّواغل الخرى ; لنّ هذا أعون على الخشوع ،ول يسترسل مع حديث النّفس . قال ابن عابدين :واعلم أنّ حضور القلب فراغه من غير ما هو ملبس له .والصل في شعُونَ }. ن اّلذِينَ ُهمْ فِي صَلَا ِتهِمْ خَا ِ طلب الخشوع في الصّلة قوله تعالى { :قَ ْد َأفْلَحَ ا ْلمُ ْؤ ِمنُو َ ي رضي ال عنه الخشوع في الية :بلين القلب وكفّ الجوارح . فسّر عل ّ وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ما من مسلم يتوضّأ فيحسن وضوءه ثمّ يقوم فيصلّي ل وجبت له الجنّة » . ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إ ّ ي صلى ال عليه وسلم رأى رجلً يعبث ن النّب ّ وما روى أبو هريرة رضي ال عنه « :أ ّ بلحيته في الصّلة فقال :لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه » . ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا قام أحدكم إلى وما روى أبو ذرّ رضي ال عنه :أ ّ ن الرّحمة تواجهه فل يمسح الحصى » . الصّلة فإ ّ -5إذا ترك المصلّي الخشوع في صلته ،فإنّ صلته تكون صحيح ًة عند الجمهور ،لنّ ن الحديث يدلّ على النّبيّ صلى ال عليه وسلم :لم يأمر العابث بلحيته بإعادة الصّلة مع أ ّ انتفاء خشوعه في صلته ،ولنّ الصّلة ل تبطل بعمل القلب ولو طال ،إلّ أنّه ارتكب ل ما مكروها ول يستحقّ الثّواب ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :ليس للعبد من صلته إ ّ ن الخشوع ل من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ عقل » .وذهب بعض فقهاء ك ّ لزم من لوازم الصّلة ،إلّ أنّهم اختلفوا فيه : فقال بعضهم :إنّه فرض من فرائض الصّلة ولكن ل تبطل الصّلة بتركه لنّه معفوّ عنه . وقال آخرون :إنّه فرض تبطل الصّلة بتركه كسائر الفروض .وقال بعض آخر منهم :إنّ
الخشوع شرط لصحّة الصّلة لكنّه في جزء منها فيشترط في هذا القول حصول الخشوع في جزء من الصّلة وإن انتفى في الباقي ،وبعض أصحاب هذا القول حدّد الجزء الّذي يجب أن يقع فيه الخشوع من الصّلة ،فقال :ينبغي أن يكون عند تكبيرة الحرام . -6وذكر القرطبيّ أنّه قد يكون الخشوع مذموما ،وهو المتكلّف أمام النّاس بمطأطأة الرّأس والتّباكي كما يفعله الجهّال ،ليروا بعين البرّ والجلل ،وذلك خدع من الشّيطان وتسويل من نفس النسان .
خصاء * التّعريف : ل الخصيين ،وخصيت الفرس أخصيه ،قطعت ذكره فهو مخصيّ وخصيّ - 1الخصاء :س ّ .فعيل بمعنى مفعول ،والجمع خصية وخصيان . والخصية :البيضة من أعضاء التّناسل ،وهما خصيتان . وفي الصطلح أطلق الفقهاء الخصاء على أخذ الخصيتين دون الذّكر أو معه . أ -الجبّ :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2يقال :جببته من باب قتل أي قطعته .فهو مجبوب بيّن الجباب -بالكسر -إذا استؤصلت مذاكيره . وعند الفقهاء :المجبوب هو الّذي قطع ذكره . وذكر ابن قدامة المجبوب فقال :المتضمّن معنى العنّة في العجز عن الوطء . وقال المطرّزيّ :المجبوب :الخصيّ الّذي استؤصل ذكره وخصياه . ب -العنّة : - 3العنّة والتّعنين :العجز عن إتيان النّساء ،أو أن ل يشتهي النّساء فهو عنّين ،والمرأة عنّينة :أي :ل تشتهي الرّجال . عنّن عن امرأته تعنينًا بالبناء للمفعول :إذا حكم عليه القاضي بذلك ،أو منع عنها بالسّحر. وُ ن لقبل المرأة عن يمين وشمال ،أي ن ذكره يع ّ والسم منه :ال ُعنّة ،وسمّي عنّينا :ل ّ ن :أي يعترض الفم فل يعترض إذا أراد إيلجه .وسمّي عنان اللّجام من ذلك ،لنّه يع ّ يلجه .فالفرق بين الخصيّ والعنّين وجود اللة في العنّين . ويجتمع الخصيّ مع العنّين في عدم النزال ،وعدم النزال عند الخصيّ لذهاب الخصية ، أمّا عدم النزال عند العنّين فهو لعلّة في الظّهر أو غيره . ج -الوجاء :
- 4الوجاء اسم لوجأ ،ويطلق على رضّ عروق البيضتين حتّى تنفضخا من غير إخراج ، فيكون شبيهًا بالخصاء ،لنّه يكسر الشّهوة . وقد ذكر الفقهاء هذا المعنى فقالوا :الموجوء هو الّذي رضّت بيضتاه . ن الموجوء هو منزوع النثيين ،وقيل :هو المشقوق عرق النثيين وقيل في معنى الوجاء :إ ّ والخصيتان بحالهما .
الحكم التّكليفيّ : أوّلً :في الدميّ :
- 5إنّ خصاء الدميّ حرام صغيرا كان أو كبيرا لورود النّهي عنه على ما يأتي : وقال ابن حجر :هو نهي تحريم بل خلف في بني آدم . ومن النّهي الوارد في ذلك ما روى عبد اللّه بن مسعود قال « :كنّا نغزو مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وليس لنا شيء ،فقلنا :أل نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك » . وحديث سعد بن أبي وقّاص « :ر ّد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم على عثمان بن مظعون التّبتّل ،ولو أذن له لختصينا » .وفي رواية أخرى أخرجها الطّبرانيّ من حديث عثمان بن مظعون نفسه أنّه « قال :يا رسول اللّه إنّي رجل تشقّ عليّ هذه العزوبة في المغازي فتأذن لي في الخصاء فأختصي ؟ قال :ل ،ولكن عليك بالصّيام » . ن عثمان رضي ال عنه قال « :يا رسول اللّه ائذن لي في الختصاء فقال :إنّ وفي رواية أ ّ اللّه قد أبدلنا بالرّهبانيّة الحنيفيّة السّمحة » . ويروى موقوفا على عمر بن الخطّاب « :ل كنيسة في السلم ول خصاء » . قال ابن حجر تعقيبا على هذه الحاديث :والحكمة في منع الخصاء أنّه خلف ما أراده ل لو أذن في ذلك لوشك تواردهم عليه الشّارع من تكثير النّسل ليستمرّ جهاد الكفّار ،وإ ّ ل المسلمون بانقطاعه ويكثر الكفّار ،فهو خلف المقصود من بعثة النّبيّ فينقطع النّسل فيق ّ صلى ال عليه وسلم . ن فيه من المفاسد ،تعذيب النّفس والتّشويه مع إدخال الضّرر الّذي قد يفضي إلى الهلك كما أ ّ .وفيه إبطال معنى الرّجوليّة الّتي أوجدها اللّه فيه ،وتغيير خلق اللّه ،وكفر النّعمة ،وفيه تشبّه بالمرأة واختيار النّقص على الكمال .
ثانيا :في غير الدميّ : - 6قرّر الحنفيّة أنّه ل بأس بخصاء البهائم ،لنّ فيه منفعةً للبهيمة والنّاس . وعند المالكيّة :يجوز خصاء المأكول من غير كراهة ،لما فيه من صلح اللّحم .
والشّافعيّة فرّقوا بين المأكول وغيره ،فقالوا :يجوز خصاء ما يؤكل لحمه في الصّغر ، ويحرم في غيره .وشرطوا أن ل يحصل في الخصاء هلك . أمّا الحنابلة فيباح عندهم خصيّ الغنم لما فيه من إصلح لحمها ،وقيل :يكره كالخيل ب .وقد قال المام أحمد :ل يعجبني للرّجل أن يخصي شيئا ، وغيرها والشّدخ أهون من الج ّ وإنّما كره ذلك للنّهي الوارد عن إيلم الحيوان .واستدلّوا بما روي عن ابن عبّاس قال « : نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن إخصاء البهائم نهيا شديدا » .
الحكام المترتّبة على الخصاء : أ -في العيوب الّتي يفسخ بها النّكاح :
ن الخصيّ يأخذ حكم العنّين فيؤجّل سنةً ،ول فرق عندهم بين سلّ - 7ذهب الحنفيّة إلى أ ّ الخصيتين أو قطعهما ،وبين ما لو كان ذكره ل ينتشر ،لنّ آلته لو كانت تنتشر فل خيار للزّوجة .وحكم ذلك التّأجيل كالعنّين لدخوله تحت اسم العنّين ،وعندهم أنّها إن كانت عالمةً بحاله ل خيار لها ،وإن لم تكن عالمةً فلها المطالبة بالفرقة . وقال السّرخسيّ :الخصيّ بمنزلة العنّين ،لنّ الوصول في حقّه موجود لبقاء اللة .ولو تزوّجت وهي تعلم بحاله فل خيار لها فيه ،لنّها صارت راضيةً به حين أقدمت على العقد مع علمها بحاله ،ولو رضيت به بعد العقد بأن قالت :رضيت ،سقط خيارها ،فكذلك إذا كانت عالمةً به ،ول فرق في قولها رضيت بالمقام معه بين أن يكون عند السّلطان أو غيره، لنّه إسقاط لحقّها . ن الخيار إنّما هو وعند المالكيّة :لها الخيار إذا كان ل يمني ،أمّا إن أمنى فل ردّ به ،ل ّ لعدم تمّام الّلذّة ،وهي موجودة مع النزال . وللشّافعيّة إذا وجدت المرأة زوجها خصيّا قولن :أحدهما :لها الخيار في فسخ النّكاح ، ن النّفس تعافه .والثّاني :أنّه ل خيار لها لنّها ،تقدر على الستمتاع به . لّ وقال الحنابلة :الخصيّ إن وصل إليها فل خيار لها ،لنّ الوطء ممكن ،والستمتاع حاصل بوطئه .
ب -حكم الخصاء في القصاص والدّية : ن الخصاء هو أخذ الخصيتين دون الذّكر أو معه ،وفيما يلي نذكر موجب - 8سبق أن ب ّينّا أ ّ قطع الخصيتين دون الذّكر أو معه : ن القصاص يجري عند توافر شروطه في النثيين لقوله تعالى : ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ جرُوحَ ِقصَاصٌ } فيقطع النثيان بالنثيين ،لنّه ينتهي إلى حدّ فاصل يمكن القصاص { وال ُ فيه فوجب فيه القصاص .
وألحق الشّافعيّة إشلل النثيين ودقّهما بالقطع في وجوب القصاص .قال النّوويّ :وفي قطع النثيين وإشللهما القصاص ،سواء أقطع الذّكر والنثيين معًا ،أم قدّم الذّكر أو النثيين ، ص بمثله إن أمكن ،وإلّ وجبت الدّية . ولو دقّ خصييه ففي التّهذيب أنّه يقت ّ ويرى المالكيّة أنّه ل يقتصّ في الرّضّ ،قال أشهب :إن قطعت النثيان أو أخرجتا ففيهما القود ل في رضّهما ،لنّه قد يؤدّي إلى التّلف لعدم النضباط في القصاص . أمّا الحنفيّة فقد جاء في الفتاوى الهنديّة نقلً عن الفتاوى الظّهيريّة ،أنّه ليس في الكتب ل على وجوب القصاص في قطع النثيين حالة العمد ،ويقول الكاسانيّ : الظّاهرة نصّ يد ّ ينبغي أن ل يجب القصاص فيهما ،حيث ليس لهما مفصل معلوم فل يمكن استيفاء المثل . وإذا سقط القصاص لعدم توافر أيّ شرط من شروطه تجب الدّية في النثيين ،فقد ورد في ن فيهما الجمال كتاب النّبيّ صلى ال عليه وسلم لعمرو بن حزم « وفي البيضتين الدّية » ول ّ والمنفعة ،فإنّ النّسل يكون بهما ،فكانت فيهما الدّية كاليدين ،وروى الزّهريّ عن سعيد بن سنّة أنّ في الصّلب الدّية ،وفي النثيين الدّية . المسيّب أنّه قال :مضت ال ّ ن ما وجب في اثنين منه الدّية ،وجب وفي إحداهما نصف الدّية في قول أكثر أهل العلم ،ل ّ في أحدهما نصفها ،كاليدين وسائر العضاء ،ولنّهما ذوا عدد تجب فيه الدّية فاستوت ن في اليسرى ثلثي الدّية ،وفي اليمنى ثلثها ديتهما كالصابع ،وحكي عن سعيد بن المسيّب أ ّ ; لنّ اليسرى أكثر لنّ النّسل يكون بها . ض أنثييه أو أشلّهما كملت ديتهما كما لو أشلّ يديه أو ذكره ،فإن قطع قال ابن قدامة :وإن ر ّ أنثييه فذهب نسله لم يجب أكثر من دية ،لنّ ذلك نفعهما فلم تزدد الدّية بذهابه معهما ، كالبصر مع ذهاب العينين ،والبطش مع ذهاب اليدين ،وإن قطع إحداهما فذهب النّسل لم ن ذهابه غير متحقّق . يجب أكثر من نصف الدّية ،ل ّ هذا موجب قطع النثيين دون الذّكر ،أمّا إذا قطع النثيين مع الذّكر مرّةً واحد ًة ففيهما ديتان ن الجاني فوّت منفعة الجماع بقطع الذّكر ومنفعة باتّفاق الفقهاء ،دية للنثيين ودية للذّكر ،ل ّ ل واحد النزال بقطع النثيين ،فقد وجد تفويت منفعة الجنس في قطع ك ّل منهما فيجب في ك ّ منهما دية كاملة . ل ث ّم قطع النثيين تجب ديتان ،فإن قطع ويرى الحنفيّة والحنابلة أنّه إن قطع الذّكر أ ّو ً النثيين ث ّم قطع الذّكر لم يلزمه إلّ دية واحدة في النثيين ،وفي الذّكر حكومة العدل ،لنّه ذكر الخصيّ ول تكمل الدّية في ذكر الخصيّ . ن منفعة النثيين كانت كاملةً وقت قطعهما ،ومنفعة وقال الكاسانيّ في تعليله لهذا الحكم :ل ّ الذّكر تفوت بقطع النثيين إذ ل يتحقّق النزال بعد قطع النثيين فنقص أرشه .
ويؤخذ من عبارات المالكيّة والشّافعيّة أنّه تجب في قطع النثيين مع الذّكر ديتان سواء أقطعتا قبل الذّكر أم بعده .قال الموّاق :إن قطعت النثيان مع الذّكر ففي ذلك ديتان ،إن قطعتا قبل الذّكر أو بعده ففيهما الدّية ،وإن قطع الذّكر قبلهما أو بعدهما ففيه الدّية ،ومن ل ذكر له ففي أنثييه الدّية ،ومن ل أنثيين له ففي ذكره الدّية . ن الشّافعيّة يوجبون دي ًة كاملةً في النثيين ،وديةً كامل ًة في الذّكر سواء في ذلك ذكر كما أ ّ ي وغيرهم . الشّيخ ،والشّابّ ،والصّغير ،والعنّين ،والخص ّ وللتّفصيل ( ر :جناية على ما دون النّفس ،دية ،قصاص ) .
حكم الخصيّ من بهيمة النعام في الضحيّة والهدي : - 9أصل ذلك :ما روى أبو رافع قال « :ضحّى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بكبشين أملحين موجوءين خصيّين » .وما روى أبو سلمة عن عائشة رضي ال عنها أو عن أبي ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحّي هريرة رضي ال عنه « :أ ّ اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين فذبح أحدهما عن أمّته لمن شهد للّه بالتّوحيد وشهد له بالبلغ ،وذبح الخر عن محمّد وعن آل محمّد » . والموجوء هو منزوع النثيين كما ذكره الجوهريّ وغيره ،وقيل :هو المشقوق عرق النثيين ،والخصيتان بحالهما . قال الشّوكانيّ :هذه الحاديث دليل على استحباب التّضحية بالموجوء ،واتّفقوا على جواز ذلك وعلى الصّفات الواردة في الحاديث . ن الظّاهر أنّه ل مقتضى للستحباب ،لنّه قد ثبت عنه صلى ال عليه وسلم ثمّ قال :إ ّ التّضحية بالفحيل ،فيكون الكلّ سواءً . ص الحنفيّة على ذلك بقولهم :أن يكون من الجناس الثّلثة ،الغنم ،أو البل أو البقر، وقد ن ّ ل جنس نوعه ،والذّكر والنثى منه ،والخصيّ والفحل لطلق اسم الجنس ويدخل في ك ّ على ذلك . أمّا المالكيّة فيفضّلون الفحيل في الضحيّة على الخصيّ ،إن لم يكن الخصيّ أسمن ،وإلّ فهو أفضل ،وإن كان بخصية واحدة فيجزئ إن لم يحصل بها مرض . وإنّما أجزأ لنّه يعود بمنفعة في لحمها ،فيجبر ما نقص . وعندهم أيضا سواء كان فوات الجزء خلق ًة أو كان طارئا بقطع فجائز لما ذكروا . كما نصّ الشّافعيّة على جواز الهدي والضحيّة بالخصيّ بقولهم :ويجزئ الخصيّ ومكسور القرن ،والخصيّ هو مقطوع النثيين ،والمذهب أنّه يجزئ ،لنّ نقصهما سبب لزيادة اللّحم
وطيبه ،وأغرب ابن كجّ فحكى فيه قولين ،ووجه عدم الجزاء ما فيه من فوات جزء مأكول مستطاب . ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « ن التّضحية بخصيّ بل جبّ تجزئ ،ل ّ وعند الحنابلة أيضا :أ ّ ضحّى بكبشين موجوءين » ،وعن عائشة رضي ال عنها نحوه . والموجوء :المرضوض الخصيتين سواء أقطعتا أم سلّتا ،ولنّه إذهاب عضو غير مستطاب ،بل يطيب اللّحم بزواله ويسمن ،أمّا الخصيّ المجبوب فعندهم أنّه ل يجزئ .
خصوصيّة * انظر :اختصاص .
التّعريف :
خصومة *
- 1الخصومة لغ ًة :المنازعة ،والجدل ،والغلبة بالحجّة .والمعنى الصطلحيّ ل يخرج عن المعنى اللّغويّ ،وقد استعمل الفقهاء هذه الكلمة في رفع الدّعوى أمام القضاء .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -العداوة : - 2العداوة ،هي ما يتمكّن في القلب من قصد الضرار والنتقام ،وأصله من تجاوز الحدّ في الشّيء .قال الرّاغب :العدو التّجاوز ومنافاة اللتئام ،فتار ًة يعتبر بالقلب ،فيقال له : العداوة والمعاداة ،وتارةً بالمشي ،فيقال له العدو ،وتارةً في الخلل بالعدالة في المعاملة، عدْوًا ِب َغ ْيرِ عِ ْلمٍ } . سبّواْ الّلهَ َ فيقال له العدوان والعدوّ ،قال اللّه تعالى َ { :ف َي ُ قال أ بو هلل الع سكريّ :الفرق ب ين المعاداة والمخا صمة أ نّ المخا صمة ،من قب يل القول ، والمعاداة من أفعال القلوب ،ويجوز أن يخا صم الن سان غيره من غ ير أن يعاد يه ،ويجوز أن يعاديه ول يخاصمه . ب -الدّعوى : - 3عرّفها الحنفيّة بأنّها قول مقبول عند القاضي يقصد به طلب حقّ قبل غيره ،أو دفعه عن حقّ نفسه .فالخصومة والدّعوى من حيث التّعريف متساويان عند الحنفيّة . وعرّفها الشّافعيّة ،بأنّها إخبار بحقّ له على غيره عند حاكم .فالدّعوى عند الشّافعيّة غلب استعمالها على طلب الحقّ من المدّعي ،أمّا الخصومة فما يقع من الخصمين " المدّعي والمدّعى عليه " أمام القاضي .
أقسام الخصومة :
- 4تنقسم الخصومة إلى قسمين : الوّل :ما يكون الخصم فيه منفردا .وهو الّذي ل يحتاج إلى حضور آخر معه ،كمن يترتّب على إقراره حكم ،فهو خصم في حالة إنكاره .ونظائر هذا في مصطلح ( :دعوى ) . والقسم الثّاني :الخصومة الّتي تحتاج إلى حضور طرف آخر ،كمسائل الوديعة والعاريّة والجارة والرّهن والغصب ونظائرها .وانظر تفصيلها في مظانّها من كتب الفقه والمصطلحات الخاصّة بها في الموسوعة ،ومصطلحي ( :قضاء ودعوى ) .
ضابط الخصومة : - 5أ -في المدّعي :إذا ادّعى أحد شيئًا ،وكان يترتّب على إقراره حكم إذا أقرّ ،يكون بإنكاره خصما في الدّعوى . ب -في المدّعى عليه :إذا كان ل يصحّ إقرار المدّعى عليه ،أي في حالة إقراره ل يترتّب حكم على إقراره ،فبإنكاره ل يكون خصمًا في الدّعوى .وذلك كما لو ادّعى شخص على وليّ الصّغير بدين أو بحقّ فأقرّ به ،فإنّ إقراره ل يقبل لما فيه من الضرار بالحجور عليه .ويندرج تحت هذا الضّابط مسائل تنظر في مصطلح ( :دعوى ) .
انظر :خصاء .
خصيّ * خضاب *
انظر :اختضاب .
التّعريف :
خطأ *
- 1الخطأ لغ ًة نقيض الصّواب .قال في اللّسان :الخطأ والخطاء ضدّ الصّواب ،وفي طأْتُم بِهِ } عدّاه بالباء لنّه في معنى عثرتم أو غلطتم . خَ جنَاحٌ فِيمَا َأ ْ التّنزيل { :وََليْسَ عََل ْي ُكمْ ُ وأخطأ الطّريق عدل عنه ،وأخطأ الرّامي الغرض لم يصبه . وخطّأه تخطئ ًة نسبه إلى الخطأ وقال له أخطأت . ي :المخطئ من أراد الصّواب فصار إلى غيره ،والخاطئ من تعمّد لما ل ينبغي وقال المو ّ .والسم الخطيئة على فعيلة ،وذلك أن تشدّد الياء وتدغم فتقول خطيّة والجمع خطايا .
وفي النّهاية والمصباح :يقال خطئ .في دينه خطأً إذا أثم فيه ،والخطء :الذّنب والثم . وأخطأ يخطئ إذا سلك سبيل الخطأ عمدا أو سهوا .ويقال :خطئ بمعنى أخطأ أيضا . وقيل :خطئ إذا تعمّد ،وأخطأ إذا لم يتعمّد . ويقال :لمن أراد شيئا ففعل غيره ،أو فعل غير الصّواب :أخطأ .
معناه في الصطلح : - 2قال في التّلويح :هو فعل يصدر من النسان بل قصد إليه عند مباشرة أمر مقصود سواه .وعرّفه الكمال بن الهمام بقوله :هو أن يقصد بالفعل غير المحلّ الّذي يقصد به ن المحلّ الّذي يقصد به الجناية على الصّوم الجناية ،كالمضمضة تسري إلى حلق الصّائم ،فإ ّ إنّما هو الحلق ولم يقصد بالمضمضة بل قصد بها الفم ،وكالرّمي إلى صيد فأصاب آدميّا ، ي ولم يقصد بالرّمي بل قصد غيره وهو الصّيد . فإنّ محلّ الجناية هو الدم ّ
الغلط :
- 3الغلط في اصطلح جمهور الفقهاء يأتي مساويا للفظ الخطأ .فقد جاء في حاشية العدويّ على الخرشيّ تعريف الغلط :بأنّه تصوّر الشّيء على خلف ما هو عليه . وقريب من هذا التّعريف ما قاله اللّيث :إنّه أي الغلط كلّ شيء يعيا النسان عن جهة صوابه من غير تعمّد .وهذا هو معنى الخطأ بعينه . وذكر بعض المالكيّة :فرقا بين الخطأ والغلط وهو أنّ متعلّق الخطأ الجنان ،ومتعلّق الغلط اللّسان .ولكنّهم قالوا يأتي الغلط بمعنى الخطأ ويأخذ حكمه . قال الدّسوقيّ في حاشيته :في الحنث بالغلط أي :اللّسانيّ نظر ،والصّواب عدم الحنث فيه ، وما وقع في كلمهم من الحنث بالغلط ،فالمراد به الغلط الجنائيّ الّذي هو الخطأ ،كحلفه أن ل يكلّم زيدا ،فكلّمه معتقدا أنّه عمرو ،وكحلفه ل أذكر فلنا فذكره ،لظنّه أنّه غير السم المحلوف عليه . وفرّق أبو هلل العسكريّ بين الخطأ والغلط فقال :إنّ الغلط هو وضع الشّيء في غير موضعه ،ويجوز أن يكون صوابا في نفسه ،والخطأ ل يكون صوابا على وجه . ثمّ قال :وقال بعضهم :الغلط أن يسهى ترتيب الشّيء وأحكامه ،والخطأ أن يسهى عن فعله ،أو أن يوقعه من غير قصد له ولكن لغيره . وهذا البحث يشمل مصطلحي ( خطأ ،وغلط ) باعتبارهما يردان على معنىً واحد كما هو اصطلح جمهور الفقهاء فإنّهم يعبّرون عمّا يجري على اللّسان من غير قصد بلفظ الخطأ ، كما في بيع المخطئ وطلقه .
والمالكيّة يعبّرون عمّا يتعلّق بالعتقاد بلفظة الغلط ،كما في الغلط في المبيع ،وتأتي تعبيراتهم مختلفةً أحيانا ،فمنهم من يعبّر بلفظة الخطأ ،ومنهم من يعبّر عن ذات المسألة ج والوقوف بعرفة ،وفي كثير من المسائل كمسائل الشّهادة بلفظة الغلط ،كما في الح ّ والرّجوع عنها .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -النّسيان والسّهو والغفلة والذّهول : - 4هذه اللفاظ متقاربة في المعنى عند الفقهاء والصوليّين . فقد نقل ابن عابدين عن شرح التّحرير اتّفاقهم على عدم الفرق بين السّهو والنّسيان . وقال ابن نجيم :المعتمد أنّهما مترادفان .وصرّح البيجوريّ بأنّ السّهو مرادف للغفلة ،وأمّا الذّهول فمن العلماء من جعله مساويًا للغفلة ،ومنهم من جعله أع ّم منها ،ومنهم من جعله أخصّ ،وجميع هذه اللفاظ ترجع إلى عيوب في الرادة لمن فاتها العلم ،وما كان منافيا للعلم كان منافيا للرادة ،وصلتها بالخطأ أنّها أسباب تؤدّي إليه والخطأ ينتج عنها . ب -الكراه : - 5الكراه هو حمل الغير على ما ل يرضاه من قول أو فعل ،ول يختار المكره مباشرته لو خلّي ونفسه ،وينقسم إلى ملجئ وغير ملجئ وتفصيل أحكامه محلّه مصطلح ( :إكراه ) . قال المديّ وغيره :والحقّ أنّه إذا خرج بالكراه إلى حدّ الضطرار ،وصار نسبة ما ن تكليفه به إيجادا وعدما غير جائز يصدر عنه من الفعل إليه نسبة حركة المرتعش إليه ،أ ّ إلّ على القول بتكليف ما ل يطاق ،وأمّا إن لم ينته إلى حدّ الضطرار فهو مختار ،وتكليفه جائز عقلً وشرعا ،وأمّا المخطئ فهو غير مكلّف إجماعا فيما هو مخطئ فيه . ج -الهزل : - 6الهزل ضدّ الجدّ وهو كلّ كلم ل تحصيل له مأخوذ من الهزال . وقال ابن الثير :الهزال واللّعب من باب واحد .ونحوهما المزاح . وفي الصطلح :أن ل يراد باللّفظ ودللته المعنى الحقيقيّ ول المجازيّ بأن ل يراد به ح إرادته به . شيء أو يراد به ما ل يص ّ ن المخطئ ل قصد له في خصوص اللّفظ والهزل كالخطأ في أنّه من العوارض المكتسبة إلّ أ ّ ول في حكمه ،والهازل مختار راض بخصوص اللّفظ غير راض بحكمه . د -الجهل :
- 7الجهل انتفاء العلم بالمقصود بأن لم يدرك أصلً ،ويسمّى الجهل البسيط ،أو أدرك على خلف هيئته في الواقع ويسمّى الجهل المركّب ،لنّه جهل المدرك بما في الواقع ،مع الجهل ن العالم قديم . بأنّه جاهل به كاعتقاد الفلسفة أ ّ واعتبر الفقهاء الجهل عذرا من باب التّخفيف ،وعارضا من العوارض المكتسبة ،مثله مثل الخطأ ،وأنّه مسقط للثم ويعتدّ به عذرا في حقوق اللّه تعالى المنهيّات دون المأمورات ،لنّ المقصود من المأمورات إقامة مصالحها ،وذلك ل يحصل إلّ بفعلها ،والمنهيّات مزجور عنها بسبب مفاسدها امتحانا للمكلّف بالنكفاف عنها ،وذلك إنّما يكون بالتّعمّد لرتكابها ، ي فعذر بالجهل فيه . ومع الجهل لم يقصد المكلّف ارتكاب المنه ّ ول يعتبر الجهل عذرا في حقوق الدميّين مثله في ذلك مثل الخطأ ،فيضمن الجاهل والمخطئ ما يتلفانه من حقوق العباد .
الحكم التّكليفيّ : - 8اختلف علماء الصول في وصف المخطئ بالحلّ والحرمة . فقال السنويّ :بعد أن عرّف الحكم بأنّه خطاب اللّه المتعلّق بأفعال المكلّفين بالقتضاء أو ن وطء الشّبهة القائمة التّخيير :من فروع كون الحكم الشّرعيّ ل بدّ من تعلّقه بالمكلّفين ،أ ّ ن أنّها زوجته مثلً ،هل يوصف وطؤه بالحلّ بالفاعل ،وهو ما إذا وطئ أجنبيّةً على ظ ّ والحرمة ،وإن انتفى عنه الثم ،أو ل يوصف بشيء منها ؟ فيه ثلثة أوجه : ن الحلّ والحرمة من ي في كتاب النّكاح من فتاويه ،ل ّ أصحّها الثّالث ،وبه أجاب النّوو ّ الحكام الشّرعيّة ،والحكم الشّرعيّ هو الخطاب المتعلّق بأفعال المكلّفين ،والسّاهي والمخطئ ونحوهما ليسوا مكلّفين . وجزم في المهذّب بالحرمة ،وقال به جماعة كثيرة من أصحابنا " :أي الشّافعيّة " والخلف يجري في قتل الخطأ ،وفي أكل المضط ّر للميتة . ثمّ قال :ومن أطلق عليه التّحريم أو الباحة لم يقيّد التّعلّق بالمكلّفين بل بالعباد ،ليدخل فيه أيضًا صحّة صلة الصّبيّ وغيرها من العبادات ووجوب الغرامة بإتلفه ،وإتلف المجنون والبهيمة ،والسّاهي ونحو ذلك ممّا يندرج في خطاب الوضع . وقال الشّاطبيّ :إنّ بين الحلل والحرام مرتبة العفو فل يحكم عليه بأنّه واحد من الخمسة المذكورة .ثمّ قال :ويظهر هذا المعنى في مواضع من الشّريعة ،منها ما يكون متّفقا عليه، ل فعل ومنها ما يختلف فيه ،فمنها الخطأ والنّسيان فإنّه متّفق على عدم المؤاخذة به ،فك ّ صدر عن غافل ،أو ناس ،أو مخطئ ،فهو ممّا عفي عنه ،وسواء علينا أفرضنا تلك
الفعال مأمورا بها أو منهيّا عنها أم ل .لنّها إن لم تكن منهيّا عنها ول مأمورا بها ول مخيّرا فيها فقد رجعت إلى قسم ما ل حكم له في الشّرع وهو معنى العفو . وإن تعلّق بها المر والنّهي ،فمن شرط المؤاخذة به ذكر المر والنّهي والقدرة على المتثال ،وذلك في المخطئ ،والنّاسي ،والفاعل محال ،ومثل ذلك النّائم ،والمجنون ، والحائض وأشباه ذلك .ومنها الخطأ في الجتهاد وهو راجع إلى الوّل ،وقد جاء في القرآن: ت َل ُهمْ } . { عَفَا الّلهُ عَنكَ ِلمَ َأذِن َ
الثر المترتّب على الخطأ بالنّسبة للحقوق من حيث الصّحّة والفساد والجزاء ونحوه :
9
ن الخطأ عذر في إسقاط بعض حقوق اللّه تبارك وتعالى وليس فيها -جمهور الفقهاء على أ ّ
كلّها ،فاعتبره الشّارع عذرا في سقوط الثم عن المجتهد لما ثبت في الصّحيحين : « إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران ،وإذا حكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجر » . وجعله شبهةً دارئ ًة في العقوبات فل يؤاخذ بحدّ فيما لو زفّت إليه غير امرأته فوطئها على ظنّ أنّها امرأته .وكذلك ل قصاص فيما لو رمى إلى إنسان على ظنّ أنّه صيد فقتله . وأمّا حقوق العباد فل تسقط بالخطأ فيجب ضمان المتلفات خطأً ،كما لو رمى إلى شاة ن أنّه ملك نفسه ،لنّه ضمان مال ل ن أنّها صيد ،أو أكل ما له على ظ ّ وإنسان على ظ ّ جزاء فعل فيعتمد عصمة المحلّ ،وكونه خاطئا ل ينافيها . قال ابن نجيم :قال الصوليّون ،أي في حديث « :إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان ن عين الخطأ ل الكلم ،ل ّ وما استكرهوا عليه » :إنّه من باب ترك الحقيقة بدللة مح ّ وأخويه غير مرفوع ،فالمراد حكمها وهو نوعان :أخرويّ وهو المأثم ،ودنيويّ وهو الفساد ،والحكمان مختلفان فصار الحكم بعد كونه مجازا مشتركا فل يعمّ . ن المشترك ل عموم له ،وأمّا عند الشّافعيّ فلنّ المجاز ل عموم له فإذا ثبت أمّا عندنا فل ّ ي إجماعا لم يثبت الخر . الخرو ّ ي فإن وقع في ترك مأمور لم يسقط بل يجب تداركه ،ول يحصل الثّواب وأمّا الحكم الدّنيو ّ المترتّب عليه ،أو فعل منهيّ عنه ،فإن أوجب عقوبةً كان شبهةً في إسقاطها ،فمن نسي صلةً أو صوما ،أو حجّا ،أو زكاةً ،أو كفّارةً ،أو نذرا ،وجب عليه قضاؤه بل خلف ، وكذا الوقوف بغير عرفة غلطا يجب القضاء اتّفاقا ،ومنها من صلّى بنجاسة مانعة ناسيا ،أو نسي ركنا من أركان الصّلة ،أو تيقّن الخطأ في الجتهاد في الماء والثّوب وقت الصّلة والصّوم .
وقال الزّركشيّ :المراد من قوله صلى ال عليه وسلم « :رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان » ن حقوق الدميّين العامد والمخطئ فيها سواء ،وكذلك في بعض حقوق اللّه أمّا في الحكم فإ ّ تعالى كقتل الصّيد والخطأ في العبادة مرفوع غير موجب للقضاء إن لم يؤمن وقوع مثله في المفعول ثانيا ،كما لو أخطأ الحجيج في الوقوف بعرفة ،فوقفوا العاشر ل يجب القضاء ، ن الخطأ ل يؤمن في السّنين المستقبلة .أمّا إذا أمكن التّحرّز منه فل يكون الخطأ عذرا في لّ إسقاط القضاء كما إذا أخطأ الحجيج في الموقف فوقفوا في غير عرفة ،فيلزمهم القضاء ن الخطأ في الموقف يؤمن مثله في القضاء ،وكالحاكم سواء كانوا جمعا كثيرا أو قليلً ،ل ّ يحكم بالجتهاد ثمّ يجد النّصّ بخلفه ل يعتدّ بحكمه . ولو صلّى بالجتهاد ثمّ تيقّن الخطأ بعد الصّلة وجب القضاء في الصحّ ،ولو اجتهد في ن الّذي توضّأ به أو لبسه كان نجسا لزمته العادة . أوان ،أو ثياب ،ثمّ بان أ ّ وذهب جماعة من العلماء إلى أنّ الفعل الواقع خطأً أو نسيانا لغو في الحكام ،كما جعله اللّه لغوًا في الثام .وبيّن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ذلك بقوله « :رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان ،وما استكرهوا عليه » . ط ْأنَا } المعنى : خَ خ ْذنَا إِن ّنسِينَا َأوْ َأ ْ وقال القرطبيّ عند الكلم على قوله تعالى َ { :ر ّبنَا لَ ُتؤَا ِ ن الثم مرفوع اعف عن إثم ما يقع منّا على هذين الوجهين أو أحدهما .وهذا لم يختلف فيه أ ّ ،وإنّما اختلف فيما يتعلّق على ذلك من الحكام هل ذلك مرفوع ل يلزم منه شيء ،أو يلزم ن ذلك يختلف بحسب الوقائع ،فقسم ل يسقط باتّفاق أحكام ذلك كلّه ؟ اختلف فيه :والصّحيح أ ّ كالغرامات ،والدّيات ،والصّلوات المفروضات ،وقسم يسقط باتّفاق كالقصاص والنّطق بكلمة الكفر ،وقسم ثالث يختلف فيه كمن أكل ناسيا في رمضان ،أو حنث ساهيا ،وما كان مثله ممّا يقع خطأً ونسيانا ويعرف ذلك في الفروع . ي الّذي قال عند ن الفعل الواقع خطأً غير مؤاخذ عليه مطلقًا إلكيا الهرّاس ّ وممّن ذهب إلى أ ّ خطَ ْأنَا } يقتضي رفع المؤاخذة خ ْذنَا إِن ّنسِينَا أَ ْو َأ ْ ل تُؤَا ِ الكلم على قوله تعالى َ { :ربّنَا َ بالمنسيّ ،والمؤاخذة منقسمة إلى مؤاخذة في حكم الخرة وهو الثم والعقاب ،وإلى مؤاخذة في حكم الدّنيا وهو إثبات التّبعات والغرامات .والظّاهر نفي حكم جميع ذلك . وقوله عليه الصلة والسلم « :رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان » .يقتضي رفع الخطأ مطلقًا ورفع حكمه . ل ما يتعلّق بحقوق ن ضمان المتلفات والدّيات وك ّ - 10والّذي عليه جمهور الئمّة والعلماء أ ّ العباد ل يسقط بحال حتّى إنّهم أطبقوا على أنّ الخطأ والعمد في أموال النّاس سواء .
ن خطاب الوضع ل يشترط فيه علم لنّه من قبيل خطاب الوضع وقد تقرّر في علم الصول أ ّ المكلّف وقدرته وهو الخطاب بكثير من السباب والشّروط والموانع ،فلذلك وجب الضّمان على المجانين والغافلين بسبب التلف لكونه من باب الوضع الّذي معناه أنّ اللّه تعالى قال : إذا وقع هذا في الوجود فاعلموا أنّي حكمت بكذا ،ومن ذلك الطّلق بالضرار ،والعسار ، والتّوريث بالنساب . ن الخطأ والنّسيان مرفوع فقد خالف كتاب اللّه وسنّة ونقل الخلّال عن أحمد قال :من زعم أ ّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فإنّ اللّه أوجب في قتل النّفس الخطأ الدّية والكفّارة ،يعني من زعم ارتفاعهما على العموم في خطاب الوضع والتّكليف . وقال البعليّ في القاعدة الثّانية :شروط التّكليف العقل وفهم الخطاب .فل تكليف على صبيّ، ول مجنون ل عقل له .وقال أبو البركات في المسوّدة :واختار قوم تكليفهما . قلت :من اختار تكليفهما ،إن أراد :أنّه يترتّب على أفعالهما ما هو من خطاب الوضع فل نزاع في ترتّبه .وإن أراد خطاب التّكليف فإنّه ل يلزمهما بل نزاع ،وإن اختلف في مسائل :هل هي من خطاب الوضع ،أم من خطاب التّكليف ؟ أو بعض مسائل من مسائل التّكليف .
قواعد فقهيّة متعلّقة بالخطأ : ن البيّن خطؤه : قاعدة :ل عبرة بالظّ ّ
- 11هذه القاعدة ذكرها الحنفيّة والشّافعيّة .
ن وقت الفجر ضاق فصلّى ن من فاتته صلة العشاء لو ظنّ أ ّ ومن تطبيقاتها عند الحنفيّة :أ ّ الفجر قبل الفائتة ،ثمّ تبيّن أنّه كان في الوقت سعة بطل الفجر ،فإذا بطل ينظر ،فإن كان في الوقت سعة يصلّي العشاء ثمّ يعيد الفجر ،فإن لم يكن في الوقت سعة يعيد الفجر فقط . ن الماء نجسا فتوضّأ به ثمّ تبيّن أنّه طاهر جاز وضوءه . ومنها ما لو ظ ّ ن المدفوع إليه غير مصرف للزّكاة فدفع له ،ثمّ تبيّن أنّه مصرف ن المزكّي أ ّ ومنها ما لو ظ ّ أجزأه اتّفاقا .ولو رأوا سوادا فظنّوه عدوّا فصلّوا صلة الخوف ،فبان خلفه لم تصحّ ،لنّ الشّرط حضور العد ّو . ج الفرض ظانّا أنّه ل يعيش ثمّ صحّ من المرض أدّاه بنفسه .ولو ولو استناب المريض في ح ّ ظنّ أنّ عليه دينا فأدّاه فبان خلفه رجع بما أدّى . ولو خاطب امرأته بالطّلق ظانّا أنّها أجنبيّة فبان أنّها زوجته طلقت .
ومن تطبيقاتها عند الشّافعيّة : - 12ما لو ظنّ المكلّف في الواجب الموسّع أنّه ل يعيش إلى آخر الوقت ،تضيّق عليه فلو لم يفعله ثمّ عاش وفعله فأداء على الصّحيح .
وما لو ظنّ أنّه متطهّر فصلّى ،ث ّم بان حدثه .وما لو ظنّ دخول الوقت ،فصلّى ،ثمّ بان ن إمامه مسلم ،أو ن طهارة الماء فتوضّأ به ،ثمّ بان نجاسته .أو ظنّ أ ّ أنّه لم يدخل .أو ظ ّ رجل قارئ فبان كافرا ،أو امرأ ًة أو أ ّميّا .أو بقاء اللّيل ،أو غروب الشّمس ،فأكل ث ّم بان خلفه .أو دفع الزّكاة إلى من ظنّه من أهلها ،فبان خلفه . أو رأوا سوادا فظنّوه عدوّا فصلّوا صلة شدّة الخوف ،فبان خلفه ،أو بان أنّ هناك خندقًا . أو استناب على الحجّ ظانّا أنّه ل يرجى برؤه ،فبرئ :لم يجز في الصّور كلّها . ثمّ أورد السّيوطيّ وابن نجيم بعض المسائل المستثناة من هذه القاعدة ،منها ما لو صلّى خلف من يظنّه متطهّرا فبان حدثه صحّت صلته . ولو أنفق على البائن ظانّا حملها فبانت حائلً :استردّ .وشبّهه الرّافعيّ :بما إذا ظنّ أنّ عليه دينا فأدّاه ،ثمّ بان خلفه ،وما إذا أنفق على ظنّ إعساره ،ثمّ بان يساره . - 13وقريب من القاعدة المشار إليها عند المالكيّة قاعدة الظّهور والنكشاف ذكرها الونشريسيّ .ومن تطبيقاتها :استرجاع النّفقة المدفوعة إلى المرأة بناءً على ثبوت الحمل إذا ظهر بعد ذلك أنّها لم تكن حاملً ،على المشهور عندهم . ووجوب ردّ قسمة ميراث المفقود في أرض السلم في الجل أو قبله -بعدما أنفق أولده على أنفسهم من ماله .قال مالك فيها بوجوب ردّ النّفقة . - 14وعند الحنابلة أورد ابن رجب عدّة قواعد في هذا المعنى منها : ن أنّه ل يملكه فتبيّن أنّه كان يملكه ستّون :وهي من تصرّف في شيء يظ ّ القاعدة الخامسة وال ّ ففي صحّة تصرّفه خلف ،ومن تطبيقاتها :ما لو باع ملك أبيه بغير إذنه ثمّ تبيّن أنّ أباه كان قد مات ول وارث له سواه ،ففي صحّة تصرّفه وجهان ويقال :روايتان . ومنها القاعدة الخامسة والتّسعون :من أتلف مال غيره وهو يظنّ أنّه ماله ،أو تصرّف فيه يظنّ لنفسه وليةً عليه ثمّ يتبيّن خطأ ظنّه ،فإن كان مستندا إلى سبب ظاهر من غيره ثمّ تبيّن خطأ ظنّه ،بأن كان مستندا إلى سبب ظاهر من غيره ،ثمّ تبيّن خطأ المتسبّب ،أو أقرّ بتعمّده للجناية ضمن المتسبّب وإن كان مستندا إلى اجتهاد مجرّد ،كمن دفع مالً تحت يده إلى من يظنّ أنّه مالكه أو أنّه يجب الدّفع إليه ،أو أنّه يجوز ذلك ،أو دفع ماله الّذي يجب عليه إخراجه لحقّ اللّه إلى من يظنّه مستحقّا ثمّ تبيّن الخطأ ففي ضمانه قولن .
الخطأ في العبادات : أ -الطّهارة :
أوّلً -الخطأ في الجتهاد في الواني والثّياب :
- 15من اجتهد في أوان أو ثياب ثمّ بان الّذي توضّأ به أو لبسه كان نجسا لزمته العادة ; لنّه تبيّن له يقين الخطأ فهو كالحاكم إذا أخطأ النّصّ . وهذا مذهب الحنفيّة ،وقول عند المالكيّة ،ومذهب الشّافعيّة وقول ابن عقيل من الحنابلة . ومبنى هذه المسألة عند الحنفيّة والشّافعيّة على قاعدة " ل عبرة بالظّنّ البيّن خطؤه " .وبناها ن أم ل ؟ . ن هل ينقض بالظّ ّ المالكيّة على قاعدة .الظّ ّ والقول الخر عندهم أنّه يعيد في الوقت استحبابا . ول ترد هذه المسألة على قواعد جمهور الحنابلة لنّه إذا شكّ في نجاسة الماء الطّاهر ،أو طهارة الماء النّجس بنى على اليقين ،ول عبرة بغلبة الظّنّ ،فإن اشتبه عليه لم يتحرّ فيهما، وهل يشترط لصحّة تيمّمه مزجهما أو إراقتهما ؟ على روايتين . وبنوا هذه المسألة على قاعدة :إذا تعارض الصل والظّاهر ،فإن كان الظّاهر حجّ ًة يجب قبولها شرعا ،كالشّهادة والرّواية والخبار فهو مقدّم على الصل بغير خلف ،وإن لم يكن كذلك بل كان مستنده العرف والعادة الغالبة والقرائن أو غلبة الظّنّ ونحو ذلك ،فتارةً يعمل بالصل ول يلتفت إلى الظّاهر ،وتار ًة يعمل بالظّاهر ول يلتفت إلى الصل ،وتار ًة يخرج في المسألة خلف . أمّا في الثّياب إذا اشتبهت عليه ثياب طاهرة بنجسة لم يجز التّحرّي وصلّى في كلّ ثوب بعدد النّجس وزاد صل ًة وينوي بكلّ صلة الفرض .
ثانيا -الخطأ في الوضوء : - 16إذا غلط في نيّة الوضوء فنوى رفع حدث النّوم وكان حدثه غيره . قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :إنّه إذا غلط في ال ّنيّة بأن كان عليه حدث نوم ،فغلط ونوى رفع حدث بول ارتفع حدثه لتداخل الحداث ،أمّا إن نوى غير ما صدر منه عمدا لم يصحّ وضوءه لتلعبه . ن الوضوء والغسل ل دخل ومذهب الحنفيّة كما ذكره ابن نجيم في مبحث " إذا عيّن وأخطأ " أ ّ لهما في هذا البحث لعدم اشتراط ال ّنيّة فيهما .وقالوا :إنّ من دخل الماء مدفوعا ،أو مختارا لقصد التّبرّد ،أو لمجرّد إزالة الوسخ صحّ وضوءه .وأنّه إذا لم ينو وتوضّأ وصلّى فصلته ن الشّرط مقصود التّحصيل لغيره ل لذاته ،فكيفما فعل حصل المقصود وصار صحيحة ،ل ّ كستر العورة وباقي شروط الصّلة ول يفتقر اعتبارها إلى أن تنوى .
ثالثا -الخطأ في الغسل :
- 17إذا نوى المغتسل رفع جنابة الجماع وكانت جنابته من احتلم ،وإذا نوت المرأة رفع الجنابة وكان حدثها من الحيض .
ن ال ّنيّة ل تشترط في الوضوء ، قال الشّافعيّة :إنّ ذلك ل يضرّ .وكذلك عند الحنفيّة ،ل ّ والغسل ،ومسح الخفّين ،وإزالة النّجاسة الخفيفة عن الثّوب ،والبدن ،والمكان . وقال المالكيّة :إذا تساوت الطّهارتان في أنفسهما وفيما تتناولنه من الحداث والسباب وفيما تمنعانه من العبادات فل خلف في أنّ نيّة إحدى الطّهارتين تنوب عن الخرى . ن الحيض وإذا تساوت الطّهارتان عن حدث واختلفت موانعهما ،كالجنابة ،والحيض ،فإ ّ يمنع الوطء ول تمنعه الجنابة ،فإن اغتسلت الحائض تنوي الجنابة دون الحيض ،ففي كتاب ابن سحنون عن أبيه ل يجزئ الحائض ،وفي كتاب الحاوي للقاضي أبي الفرج يجزئ .وقال الزّرقانيّ :الغلط في ال ّنيّة ل يضرّ بخلف المتعمّد لنّه متلعب . وقال الدّسوقيّ في حاشيته :وإن نوت امرأة جنب وحائض بغسلها الحيض ،والجنابة معا ، أو نوت أحدهما ناسي ًة أو ذاكرةً للخر ولم تخرجه حصل . وقال الحنابلة إذا اجتمعت أحداث متنوّعة ولو كانت متفرّق ًة في أوقات توجب وضوءا أو غسلً ونوى بطهارته أحدها ارتفع هو ،أي :الّذي نوى رفعه ،وارتفع سائرها ،لنّ الحداث تتداخل فإذا نوى بعضها غير مقيّد ارتفع جميعها ،وهذا ما لم يخرج شيئا منها بال ّنيّة .
رابعا :الخطأ في التّيمّم : - 18من أمثلة الخطأ في التّيمّم ما يأتي : أ -قال الحنفيّة :ال ّنيّة في التّيمّم ل يجب فيها التّمييز بين الحدث والجنابة ،فلو تيمّم الجنب يريد به الوضوء جاز ،لنّ الشّروط يراعى وجودها ل غير ،فإذا تيمّم للعصر جاز له أن يصلّي به غيره .وقال الخصّاف :يجب التّمييز لكونه يقع لهما على صفة واحدة فيميّز بالنّيّة كالصّلوات المفروضة . وأمّا مالك فقد روى عنه المنع ،وروى ابن مسلمة عنه الجواز . قال الباجيّ في المنتقى :اختلف قول مالك وأصحابه في الجنب يتيمّم ناسيا لجنابته ينوي من الحدث الصغر فمنع منه مالك ،وجوّزه ابن مسلمة ،ورواه عن مالك . وقال الشّافعيّة :لو نوى المتيمّم استباحة الصّلة بسبب الحدث الصغر وكان جنبا ،أو بسبب الجنابة وكان محدثا صحّ بالتّفاق إذا كان غالطا . س المصحف من حدث وقال الحنابلة :يشترط تعيين ال ّنيّة لما تيمّم له كصلة ،وطواف ،وم ّ أصغر أو أكبر ،أو نجاسة على بدنه ،لنّ التّيمّم ل يرفع الحدث وإنّما يبيح الصّلة ،فلم يكن ب ّد من التّعيين تقويةً لضعفه ،وصفة التّعيين أن ينوي استباحة صلة الظّهر مثلً من الجنابة إن كان جنبا ،أو من الحدث إن كان محدثا وما أشبه ذلك .
ح تيمّمه وأجزأه لنّ وإن نوى استباحة الصّلة من الحدث الكبر والصغر والنّجاسة ببدنه ص ّ كلّ واحد يدخل في العموم . ب -إن كان في رحله ماء فأخطأ رحله فطلبه فلم يجده فتيمّم وصلّى ،مذهب المالكيّة ووجه عند الشّافعيّة ومذهب الحنابلة يجزئه التّيمّم ول إعادة عليه لعدم تقصيره ،ولنّه غير مفرّط في الطّلب .والوجه الثّاني عند الشّافعيّة تلزمه العادة ،لنّه فرّط في حفظ الرّحل . ج -إذا كان عالما بالماء وظنّ أنّه قد نفذ فتيمّم وصلّى أعاد عند الحنفيّة اتّفاقا ،وكذلك عند ن القدرة على الستعمال ثابتة بعلمه فل ح عند الشّافعيّة وعند الحنابلة ،ل ّ المالكيّة والص ّ ينعدم بظنّه ،وعليه التّحرّي ،فإذا لم يفعل ل يجزئه التّيمّم ولنّه كان عالما به وظهر خطأ ن ذلك عذر حال بينه وبين الماء فسقط الفرض الظّنّ .ومقابل الصحّ أنّه ل إعادة عليه ،ل ّ بالتّيمّم قاله الشّافعيّ في القديم .
ب -الصّلة : ومن صوره :
أوّلً :الخطأ في ال ّنيّة :
- 19الصّورة الولى :الخطأ فيما ل يشترط له التّعيين ل يضرّ قاله ابن نجيم . وقال السّيوطيّ :ما ل يشترط له التّعرّض جملةً وتفصيلً إذا عيّنه وأخطأ لم يضرّ ومن أمثلتها عندهما : أ -تعيين مكان الصّلة وزمانها وعدد الرّكعات ،فلو عيّن عدد ركعات الظّهر ثلثا أو خمسا ن التّعيين ليس بشرط ،فالخطأ فيه ل يضرّ وتلغو نيّة التّعيين .وهو قول المالكيّة . صحّ ،ل ّ وقال الحنابلة :ل يشترط ذكر عدد الرّكعات ،لكن إن نوى الظّهر ثلثا أو خمسا لم تصحّ لتلعبه . ب -وإذا عيّن المام من يصلّي به فبان غيره ل يضرّ ،وقال الحنابلة في الرّواية المقابلة ح :ل تضرّ . للصحّ تضرّ ،والرّواية الخرى وهي الص ّ وقال المالكيّة :ل يجب على المام أن ينوي المامة . ج -وإذا عيّن الداء فبان أنّ الوقت قد خرج أو القضاء ،فبان أنّه باق فصلته صحيحة ، وهو قول المالكيّة . ح مع العلم . ح قضا ًء بنيّة أداءً وعكسه إذا بان خلف ظنّه ،ول يص ّ وقال الحنابلة يص ّ - 20الصّورة الثّانية :وعبّر عنها ابن نجيم بقوله :وأمّا ما يشترط فيه التّعيين فالخطأ فيه يضرّ .وقال السّيوطيّ :ما يشترط فيه التّعيين فالخطأ فيه مبطل ،وما يجب التّعرّض له جملةً ول يشترط تعيينه تفصيلً إذا عيّنه وأخطأ ضرّ .
ومن أمثلتها عندهما : أ -الخطأ من صلة الظّهر إلى العصر فإنّه يضرّ .وكذلك الحكم عند الحنابلة . وعند المالكيّة قال الخرشيّ :إن خالفت نيّته لفظه ،فالعبرة بال ّنيّة دون اللّفظ ،كناوي ظهر تلفّظ بعصر مثلً ،وهذا إذا تخالفا سهوا ،وأمّا إن فعله متعمّدا فهو متلعب ،ونقل عن ن الحوط العادة أي فيما إذا فعل ذلك سهوا ،قال الشّيخ زرّوق في شرحه : الرشاد أ ّ للخلف في الشّبهة إذ يحتمل تعلّق ال ّنيّة بما سبق إليه لسانه . ب -وكذلك إذا نوى القتداء بزيد فإذا هو عمرو لم تصحّ صلته .وهو قول الحنابلة . وقال المالكيّة :لو اقتدى شخص بمن يصلّي إمامًا بمسجد معيّن ول يدري من هو ،فإنّ صلته صحيحة ،وكذا إن اعتقد أنّه زيد فتبيّن أنّه عمرو فيما يظهر ،إلّ أن تكون نيّته ن صلته تبطل ،ولو تبيّن أنّه زيد لتردّده في القتداء به إن كان زيدا ل إن كان عمرا ،فإ ّ ال ّنيّة . ج -الخطأ في تعيين الميّت في صلة الجنازة بأن نوى الصّلة على زيد فبان غيره ،أو نوى الصّلة على الميّت الذّكر فتبيّن أنّه أنثى ،أو عكسه ،فإنّه يضرّ ول تصحّ الصّلة . ووافقهما المالكيّة في الصّورتين ،والحنابلة في الصّورة الولى ،فقالوا :إن نوى الصّلة صحّة على معيّن من موتى يريد به زيدا فبان غيره جزم أبو المعالي أنّها ل تصحّ ،وقالوا بال ّ في الصّورة الثّانية ،فلو نوى الصّلة على هذا الرّجل فبان امرأةً أو عكسه ،بأن نوى هذه المرأة فبانت رجلً ،قالوا فالقياس الجزاء لقوّة التّعيين على الصّفة في باب اليمان وغيرها. د -لو نوى قضاء ظهر يوم الثنين وكان عليه ظهر يوم الثّلثاء لم يجزئه عند الحنفيّة والشّافعيّة .ول يضرّ عند المالكيّة لنّه ل ينوي اليّام اتّفاقًا ،وقالوا :إنّ المشهور عدم وجوب نيّة القضاء والداء وكذا ذكر اليوم الّذي هو فيه . وقال الحنابلة :لو كان الظّهران فائتتين فنوى ظهرًا منهما ولم يعيّنها لم تجزه الظّهر الّتي صلّاها عن إحداهما ،حتّى يعيّن السّابقة لجل اعتبار التّرتيب بين الفوائت . قالوا :لو كانت عليه صلوات فصلّى أربعا ينوي بها ممّا عليه ،فإنّه ل يجزئه إجماعا ،فلول اشتراط التّعيين لجزأه . وقال ابن قدامة :وإن ظنّ أنّ عليه ظهرا فائتةً فقضاها في وقت ظهر اليوم ،ثمّ تبيّن أنّه ل قضاء عليه فهل يجزئه عن ظهر اليوم ؟ يحتمل وجهين : ن الصّلة معيّنة ،وإنّما أخطأ في نيّة الوقت فلم يؤثّر ،كما إذا اعتقد أنّ أحدهما يجزئه ل ّ الوقت قد خرج فبان أنّه لم يخرج ،أو كما لو نوى ظهر أمس وعليه ظهر يوم قبله .
والثّاني :ل يجزئه ،لنّه لم ينو عين الصّلة ،فأشبه ما لو نوى قضاء عصر لم يجزه عن الظّهر . الصّورة الثّالثة :الخطأ في العتقاد دون التّعيين : - 21ومثّل لها السّيوطيّ بجملة أمثلة منها : أ -لو أدّى الظّهر في وقتها معتقدًا أنّه يوم الثنين فكان الثّلثاء صحّ . ب -ولو غلط في الذان فظنّ أنّه يؤذّن للظّهر وكانت العصر ،قال :ل أعلم فيه نقلً ن المقصود العلم ممّن هو أهله وقد حصل . وينبغي أن يصحّ ل ّ وهذه المثلة أو بعضها مذكورة في المذاهب الخرى . فعند الحنفيّة قال ابن نجيم :لو نوى قضاء ما عليه من الصّوم وهو يظنّه يوم الخميس وهو غيره جاز . وعند المالكيّة :قال الزّرقانيّ إن اعتقد أنّه زيد أي :المام فتبيّن أنّه عمرو ،فإنّ صلته صحيحة .ونحوه عند الحنابلة .
ثانيا :الخطأ في دخول الوقت : 22
-من صلّى قبل الوقت كلّ ال صّلة أو بعضها لم تجز صلته اتّفاقا ،سواء فعله عمدا أو
خطأً ،لنّ الوقت كما هو سبب لوجوب الصّلة فهو شرط لصحّتها . ن ِكتَابًا مّ ْوقُوتًا } أي فرضا مؤقّتا حتّى ل ن الصّلَةَ كَانَتْ عَلَى ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ قال اللّه تعالى { :إِ ّ يجوز أداء الفرض قبل وقته ،ولنّ الصّلة فرضت لوقاتها قال اللّه تعالى َ { :أ ِقمِ الصّلَةَ جدْ ل فَ َت َه ّ ن َمشْهُودًا َ ،و ِمنَ الّليْ ِ جرِ كَا َ ن الْ َف ْ جرِ ِإنّ ُقرْآ َ سقِ الّليْلِ َو ُقرْآنَ الْ َف ْ غَ شمْسِ إِلَى َ ِلدُلُوكِ ال ّ حمُودا } ولهذا تكرّر وجوبها بتكرّر الوقت ،وتؤدّى عسَى أَن َي ْبعَ َثكَ َر ّبكَ مَقَامًا ّم ْ بِ ِه نَافِلَ ًة ّلكَ َ في مواقيتها .فلو شكّ في دخول وقت العبادة فأتى بها ،فبان أنّه فعلها قبل الوقت لم يجزه، قال المالكيّة :ل يجزئه ،ولو تبيّن أنّها وقعت فيه لتردّد ال ّنيّة وعدم تيقّن براءة ال ّذمّة . واشترط الشّافعيّة معرفة دخول الوقت يقينًا بأن شاهد الشّمس غارب ًة ،أو ظنّا بأن اجتهد لغيم ح صلته وإن وقعت في الوقت . أو نحوه ،فمن صلّى بدون ذلك لم تص ّ ح صلته ،ول يشترط له أن وقال الحنابلة :إذا غلب على ظنّه دخول وقت الصّلة تص ّ ن بدخول الوقت ،ثمّ تبيّن أنّه صلّى يتيقّن دخوله في ظاهر المذهب .فإن صلّى مع غلبة الظّ ّ قبل الوقت أعاد اتّفاقا .
ثالثا :الخطأ في القبلة :
- 23استقبال القبلة شرط لصحّة الصّلة .فإن صلّى ثمّ تيقّن الخطأ في القبلة :
فقد قال الحنفيّة :يتحرّى المصلّي لشتباه القبلة وعدم المخبر بها ،ولم يعد الصّلة إن أخطأ ن التّكليف بحسب الوسع ،ول وسع في إصابة الجهة حقيق ًة ،فصارت جهة التّحرّي هنا لّ جهُ الّلهِ } أي قبلة كجهة الكعبة للغائب عنها ،وقد قيل في قوله تعالى َ { :فأَ ْي َنمَا تُوَلّواْ َف َثمّ َو ْ اللّه نزلت في الصّلة حال الشتباه ،ولو علم خطأه في الصّلة ،أو تحوّل رأيه بعد الشّروع فيها بالتّحرّي استدار في الوّل إلى جهة الصّواب وفي الثّاني إلى جهة تحوّل رأيه إليها 24 .
وقال المالكيّة لو صلّى إلى جهة اجتهاده ثمّ تبيّن خطؤه ،فإن كان تحرّيه مع ظهورالعلمات أعاد في الوقت إن استدبر ،وكذا لو شرّق أو غرّب ،وإن كان مع عدم ظهورها فل إعادة . - 25وقال الشّافعيّة :إن صلّى ثمّ تيقّن الخطأ ففيه قولن :الوّل يلزمه أن يعيد ،لنّه تعيّن له يقين الخطأ فيما يأمن مثله في القضاء فلم يعتدّ بما مضى ،كالحاكم إذا حكم ثمّ وجد النّصّ بخلفه ،والثّاني ل يلزمه لنّه جهة تجوز الصّلة إليها بالجتهاد فأشبه إذا لم يتيقّن الخطأ . ن الخطأ في اليمين والشّمال وإن صلّى إلى جهة ثمّ رأى القبلة في يمينها أو شمالها لم يعد ،ل ّ ل يعلم قطعًا فل ينتقض بالجتهاد . - 26وقال الحنابلة :إذا صلّى بالجتهاد إلى جهة ،ثمّ علم أنّه قد أخطأ القبلة لم يكن عليه إعادة .وقالوا :إذا صلّى البصير في حضر فأخطأ ،أو صلّى العمى بل دليل بأن لم يستخبر من يخبره ولم يلمس المحراب ونحوه ممّا يمكن أن يعرف به القبلة أعادا ولو أصابا ،أو اجتهد البصير ،لنّ الحضر ليس بمحلّ اجتهاد لقدرة من فيه على الستدلل بالمحاريب ونحوها ،ولوجود من يخبره عن يقين غالبا ،وإنّما وجبت العادة عليهما لتفريطهما بعدم الستخبار أو الستدلل بالمحاريب .
رابعا :الخطأ في القراءة : - 27قال الحنفيّة :خطأ القارئ إمّا في العراب ،أو في الحروف ،أو في الكلمات ،أو اليات ،وفي الحروف إمّا بوضع حرف مكان آخر أو تقديمه ،أو تأخيره ،أو زيادته ،أو نقصه . أمّا العراب فإن لم يغيّر المعنى ل تفسد الصّلة ،لنّ تغييره خطأ ل يستطاع الحتراز عنه فيعذر ،وإن غيّر المعنى تغييرا فاحشا ممّا اعتقاده كفر ،مثل{ البَارئ ال ُمصَوّر } -بفتح عبَادِهِ ا ْلعَُلمَاء } برفع اسم الجللة ونصب العلماء -فسدت خشَى اللّهَ ِمنْ ِ الواو -و { ِإ ّنمَا َي ْ في قول المتقدّمين ،واختلف المتأخّرون :فقال جماعة منهم :ل تفسد .
وما قاله المتقدّمون أحوط ،لنّه لو تعمّد يكون كفرا ،وما يكون كفرا ل يكون من القرآن ، فيكون متكلّما بكلم النّاس الكفّار غلطا وهو مفسد ،كما لو تكلّم بكلم النّاس ساهيا ممّا ليس بكفر فكيف وهو كفر ،وقول المتأخّرين أوسع ،لنّ النّاس ل يميّزون بين وجوه العراب . ن ترك المدّ والتّشديد كالخطأ في ويتّصل بهذا تخفيف المشدّد ،وعامّة المشايخ على أ ّ العراب ،فلذا قال كثير بالفساد في تخفيف { -رَبّ العَاَلمِينَ } -و { -إيّاكَ َن ْع ُبدُ } - ح ل تفسد . والص ّ وأمّا في الحروف فإذا وضع حرفا مكان غيره فإمّا أن يكون خطأً أو عجزا ،فالوّل إن لم ن المسلمون -ل تفسد ،وإن لم يغيّر يغيّر المعنى وكان مثله موجودا في القرآن نحو -إ ّ وليس مثله في القرآن نحو -قيّامين بالقسط -وال ّتيّابين -والحيّ القيّام -لم تفسد عندهما، وعند أبي يوسف تفسد .وإن غيّر المعنى فسدت عندهما وعند أبي يوسف إن لم يكن مثله في القرآن .فلو قرأ أصحاب الشّعير -بشين معجمة فسدت اتّفاقا -فالعبرة في عدم الفساد عندهما بعدم تغيّر المعنى -وعند أبي يوسف العبرة بوجود المثل في القرآن .وأمّا التّقديم والتّأخير فإن غيّر ،نحو قوسرة في قسورة فسدت ،وإن لم يغيّر ل تفسد عند محمّد خلفًا لبي يوسف . وأمّا الزّيادة ومنها فكّ المدغم ،فإن لم يغيّر نحو " وانها عن المنكر " باللف " وراددوه إليك" ل تفسد عند عامّة المشايخ ،وعن أبي يوسف روايتان .وإن غيّر نحو " زرابيب " مكان " ن سعيكم لشتّى " بزيادة الواو في زرابيّ " " والقرآن الحكيم وإنّك لمن المرسلين " " وإ ّ الموضعين تفسد .وكذا النّقصان إن لم يغيّر ل تفسد نحو " جاءهم " مكان " جاءتهم " وإن غيّر فسد نحو " النّهار إذا تجلّى ما خلق الذّكر والنثى " بل واو . أمّا الكلمة مكان الكلمة فإن تقاربا معنًى ،ومثله في القرآن كالحكيم مكان العليم ،لم تفسد اتّفاقًا ،وإن لم يوجد المثل كالفاجر مكان الثيم فكذلك عندهما ،وعن أبي يوسف روايتان ، فلو لم يتقاربا ول مثل له فسدت اتّفاقا إذا لم يكن ذكرا ،وإن كان في القرآن وهو ممّا اعتقاده كفر كغافلين في { إِن ُكنّا فَاعِلِينَ } فعامّة المشايخ على أنّها تفسد اتّفاقا . وأمّا التّقد يم والتّأخ ير فإن لم يغيّر لم تف سد ن حو " فأنبت نا في ها حبّا وعنبا وقضبا " ،وإن غيّر فسدت نحو اليسر مكان العسر وعكسه . وأمّا الزّيادة فإن لم تغيّر وهي في القرآن نحو " وبالوالدين إحسانا وبرّا " ل تفسد في قولهم، وإن غيّرت فسدت الصّلة لنّه لو تعمّده كفر ،فإذا أخطأ فيه أفسد .
مذهب المالكيّة : - 28بحث المالكيّة هذه المسألة في صلة المقتدي باللّاحن .
فقال الخرشيّ :قيل :تبطل صلة المقتدي بلحن مطلقا ،أي في الفاتحة أو غيرها ،سواء غيّر المعنى ككسر كاف { إيّاك } وضمّ تاء { أنعمت } أم ل ،وجد غيره أم ل ،إن لم تستو حالتهما أو إن كان لحنه في الفاتحة دون غيرها ؟ قولن .ثمّ قال :ومحلّ الخلف فيمن عجز عن تعلّم الصّواب لضيق الوقت أو لعدم من يعلّمه مع قبول التّعليم ،أو ائتمّ به من ليس مثله لعدم وجود غيره .وأمّا من تعمّد اللّحن فصلته وصلة من اقتدى به باطلة بل نزاع ، لنّه أتى بكلمة أجنبيّة في صلته ،ومن فعله ساهيا ل تبطل صلته ول صلة من اقتدى به قطعا بمنزلة من سها عن كلمة فأكثر في الفاتحة أو غيرها . وإن فعل ذلك عجزا بأن ل يقبل التّعليم فصلته وصلة من اقتدى به صحيحة أيضا قطعا ، لنّه بمنزلة اللكنة ،وسواء وجد من ائتمّ به أو ل . وإن كان عجزه لضيق الوقت أو لعدم من يعلّمه مع قبوله التّعليم ،فإن كان مع وجود من يأتمّ ن صلته وصلة من ائتمّ به باطلة سواء أكان مثل المام في اللّحن أم ل ،وإن لم يجد به ،فإ ّ من يأتمّ به فصلته وصلة من اقتدى به صحيحة إن كان مثله ،وإن لم يكن مثله بأن كان ل خلف .وهل ل قراءته ،أو صوابه أكثر من صواب إمامه فإنّه مح ّ ينطق بالصّواب في ك ّ تبطل صلة المقتدي بغير مميّز بين ضاد وظاء ما لم تستو حالتهما ؟ قال بالبطلن :ابن أبي زيد والقابسيّ وصحّحه ابن يونس وعبد الحقّ . ل أن يترك ذلك عمدًا مع القدرة عليه .ثمّ قال :وظاهره وأمّا صلته هو فصحيحة ،إ ّ جريان هذا الخلف فيمن لم يميّز بين الضّاد والظّاء في الفاتحة وغيرها ،وفي الموّاق تقييده بمن لم يميّز بين الضّاد والظّاء بينهما في الفاتحة ،وذكر الحطّاب والنّاصر اللّقانيّ ما يفيد أنّ الرّاجح صحّة القتداء بمن لم يميّز بينهما ،وحكى الموّاق التّفاق عليه ،وحكم من لم يميّز بين الصّاد والسّين كمن لم يميّز بين الضّاد والظّاء ،وكذا بين الزّاي والسّين . ح القتداء بلحن بما ل يغيّر المعنى كضمّ الهاء في { للّهِ } فإن - 29وقال الشّافعيّة :يص ّ ي ل يصحّ اقتداء غيّر معنًى في الفاتحة كأنعمت بضمّ أو كسر ولم يحسن اللّاحن الفاتحة فكأمّ ّ القارئ به أمكنه التّعلّم أو ل ،ول صلته إن أمكنه التّعلّم وإلّ صحّت كاقتدائه بمثله ،فإن أحسن اللّاحن الفاتحة وتعمّد اللّحن أو سبق لسانه إليه ولم يعد القراءة على الصّواب في الثّانية لم تصحّ صلته مطلقا ول القتداء به عند العلم بحاله ،أو في غير الفاتحة كجرّ اللّام في قوله شرِكِينَ َو َرسُوُلهُ } صحّت صلته وصلة المقتدي به حال كونه عاجزا ن ا ْل ُم ْ { َأنّ الّلهَ َبرِيءٌ مّ َ عن التّعلّم ،أو جاهلً بالتّحريم ،أو ناسيا كونه في الصّلة . ح إمامة ال ّميّ وهو من ل يحسن الفاتحة أو يدغم منها حرفا ل - 30وقال الحنابلة :ل تص ّ يدغم ،أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى كفتح همزة اهدنا ،لنّه يصير بمعنى طلب الهديّة ل
الهداية ،وضمّ تاء أنعمت وكسرها وكسر كاف إيّاك ،فإن لم يحلّ المعنى كفتح دال نعبد ونون نستعين فليس أ ّميّا وإن أتى باللّحن المحيل للمعنى مع القدرة على إصلحه لم تصحّ صلته لنّه أخرجه عن كونه قرآنا فهو كسائر الكلم ،وحكمه حكم غيره من الكلم ،وإن عجز عن إصلح اللّحن المحيل للمعنى قرأه في فرض القراءة لحديث « :إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » وما زاد عن الفاتحة تبطل الصّلة بعمده .
خامسا :الكلم في الصّلة خطأ : - 31إن أراد المصلّي قراءةً أو ذكرا فجرى على لسانه كلم النّاس قال في المبسوط :فإن تكلّم في صلته ناسيا أو عامدا مخطئا أو قاصدا استقبل الصّلة لحديث « وليبن على صلته ن هذه ن بعد الكلم ل يجوز البناء قطّ ولحديث معاوية بن الحكم قال « :إ ّ ما لم يتكلّم » فدلّ أ ّ الصّلة ل يصلح فيها شيء من كلم النّاس » . هذا عند الحنفيّة ،أمّا عند غيرهم فإنّهم فرّقوا بين يسير الكلم وكثيره وقالوا :إنّ اليسير منه خطأ ل يفسد الصّلة ويفسدها الكلم الكثير .وتفصيله يرجع إليه في مصطلح ( صلة ).
سادسا :شكّ المام في الصّلة :
- 32إن سها المام في صلته فسبّح اثنان يثق المام بقولهما لزمه قبوله والرّجوع إليه سواء غلب على ظنّه صوابهما أو خطؤهما ،وهو قول الئمّة الثّلثة . واستدلّوا بأنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم رجع إلى قول أبي بكر وعمر رضي ال عنهما في حديث ذي اليدين لمّا سألهما « أحقّ ما يقول ذو اليدين .فقال نعم » .مع أنّه كان شاكّا بدليل أنّه أنكر ما قال ذو اليدين وسألهما عن صحّة قوله . ن من شكّ في فعل نفسه لم وقال الشّافعيّ :إن غلب على ظنّه خطؤهما لم يعمل بقولهما .ل ّ يرجع فيه إلى قول غيره . أمّا إذا تيقّن المام من صوابه وخطأ المأمومين لم يجز له متابعتهم ،وإلى هذا ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في الصّحيح عندهم وجمهور الحنابلة . وذهب بعض الشّافعيّة وهو قول أبي عليّ الطّبريّ وصحّحه المتولّي وهو قول أبي الخطّاب من الحنابلة :إلى أنّ المخبرين إذا كانوا كثيرين كثرةً ظاهرةً بحيث يبعد اجتماعهم على الخطأ لزمه الرّجوع إلى قولهم كالحاكم يحكم بالشّاهدين ويترك يقين نفسه .
سابعا :الخطأ في صلة الخوف : - 33رأى المسلمون في حالة الخوف سوادا فظنّوه خطأً عدوّا وصلّوا صلة شدّة الخوف ، ثمّ بان أنّه لم يكن عدوّا ،أو كان بينهم وبين العد ّو حائل ل يمكنه الوصول إليهم اختلفوا في هذه المسألة على قولين :
الوّل :تلزمهم إعادة الصّلة وهو مذهب الحنفيّة والحنابلة وقول عند الشّافعيّة وصحّحه النّوويّ لنّه لم يوجد المبيح فأشبه من ظنّ الطّهارة ثمّ علم بحدثه ،سواء استند الظّنّ لخبر ثقة أو غيره ،ولنّهم تيقّنوا الغلط في القبلة . الثّاني :ل يعيدون وتجزئهم صلتهم وهو مذهب المالكيّة . والقول الثّاني عند الشّافعيّة لوجود الخوف حال الصّلة .
ج -الزّكاة : أوّلً :الخطأ في الخرص :
- 34قال المالكيّة :إذا خرص الثّمرة فوجدت أكثر ممّا خرص يأخذ زكاة الزّائد ،قيل : وجوبا ،وقيل :استحبابا ،ومن قال بالوجوب حمله على الحاكم يحكم ثمّ يظهر أنّه خطأ صراح ،ومن قال بالستحباب حمله على التّعليل بقلّة إصابة الخراص . أمّا إذا ثبت نقص الثّمرة ،فإن ثبت النّقص بالبيّنة العادلة عمل بها ،وإلّ لم تنقص الزّكاة ، ن النّقص من خطأ ول يقبل قول ربّها في نقصها لحتمال كون النّقص منه .ولو تحقّق أ ّ الخارص نقصت الزّكاة .وهذه المسألة مبنيّة على قاعدة -الواجب الجتهاد أو الصابة . ن الخارص أخطأ أو غلط فإن لم يبيّن القدر لم تسمع - 35وقال الشّافعيّة :إن ادّعى المالك أ ّ دعواه بل خلف .وإن بيّنه ،وكان يحتمل الغلط في مثله كخمسة أوسق في مائة قبل قوله ، وحطّ عنه ما ادّعاه ،فإن اتّهمه حلّفه ،وفي اليمين وجهان :أصحّهما مستحبّة . هذا إذا كان المدّعى فوق ما يقع بين الكيلين ،أمّا إذا ادّعى بعد الكيل غلطا يسيرا في الخرص بقدر ما يقع بين الكيلين كصاع من مائة فهل يحطّ منه وجهان : أصحّهما :ل يقبل لنّه لم يتحقّق النّقص لحتمال أنّه وقع في الكيل ،ولو كيل ثانيا لوفّى . ن الكيل تعيّن والخرص تخمين فالحالة عليه أولى . والثّاني :يقبل ويحطّ عنه ،ل ّ أمّا إذا ادّعى نقصا فاحشا ل يجوّز أهل الخبرة وقوع مثله غلطًا فل يقبل قوله في حطّ جميعه بل خلف ،وهل يقبل في حطّ الممكن فيه وجهان ،أصحّهما يقبل . - 36وقال الحنابلة :إن ادّعى ربّ المال غلط الخارص وكان ما ادّعاه محتملً قبل قوله بغير يمين ،وإن لم يكن محتملً مثل أن يدّعي غلط النّصف أو نحوه لم يقبل منه ،لنّه ل يحتمل فيعلم كذبه ،وإن قال لم يحصل في يدي غير هذا قبل منه بغير يمين ،لنّه قد يتلف بعضها بآفة ل نعلمها .
ثانيا :الخطأ في مصرف الزّكاة : - 37إذا دفع الزّكاة لمن ظنّه من أهلها فبان خطؤه اختلف فيه على قولين :
الوّل :يجزئه ول تجب عليه العادة وهو قول أبي حنيفة ومحمّد ومقابل الصّحيح عند الشّافعيّة ومالك إذا كان الدّافع هو السّلطان أو الوصيّ أو مقدّم القاضي وتعذّر ردّها . واستدلّوا بحديث « معن بن يزيد قال :بايعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنا وأبي وجدّي ،وخطب عليّ فأنكحني وخاصمت إليه ،وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدّق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال :واللّه ما إيّاك أردت ، فخاصمته إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال :لك ما نويت يا يزيد ،ولك ما أخذت يا معن » فجوّز صلى ال عليه وسلم ذلك ولم يستفسر أنّ الصّدقة كانت فريض ًة أو تطوّعا ، ن مطلق الصّدقة ينصرف إلى الفريضة ،ولنّ ل على أنّ الحال ل تختلف ،أو ل ّ وذلك يد ّ الوقوف على هذه الشياء إنّما هو بالجتهاد ل القطع فيبنى المر على ما يقع عنده كما إذا اشتبهت عليه القبلة ،ولو فرض تكرّر خطئه فتكرّرت العادة أفضى إلى الحرج لخراج كلّ ماله وليس كذلك الزّكاة خصوصا مع كون الحرج مدفوعا عموما . ل أنّه قال ل يستردّه . والقول الخر :ل يجزئه وهو قول أبي يوسف إ ّ وهو قول مالك أيضا إذا كان الدّافع هو ربّ المال .وهو الصّحيح عند الشّافعيّة إن كان الدّافع هو المام ويسترجع من المدفوع إلّ أن يتعذّر السترجاع من القابض فل ضمان ،وإن ب المال لم يجز عن الفرض ،فإن لم يكن بيّن أنّها زكاة لم يرجع ،وإن بيّن كان الدّافع هو ر ّ رجع في عينها فإن تلفت ففي بدلها ،فإن تعذّر السترجاع ففي الضّمان وإخراج بدلها قولن: قال النّوويّ :المذهب أنّها ل تجزئه ويلزمه الخراج . وهو قول الحنابلة في غير من ظنّه فقيرا فبان غنيّا وقالوا :يستردّها ربّها بزيادتها مطلقا سواء كانت متّصلةً أم منفصل ًة . واستدلّ أصحاب هذا القول :بأنّه ظهر خطؤه بيقين ،وكان بإمكانه الوقوف على مدى استحقاقه أو عدمه فصار كالواني والثّياب ،فإذا تحرّى في الواني الطّاهرة المختلطة بالنّجسة وتوضّأ ثمّ ظهر له الخطأ يعيد الوضوء ،وكذلك الثّياب إذا صلّى في ثوب منها ص بخلفه. بالتّحرّي ثمّ ظهر خطؤه أعاد الصّلة ،ومثله إذا قضى القاضي باجتهاده ث ّم ظهر ن ّ ولنّه ظهر له أنّه ليس بمستحقّ وهو ل يخفى حاله غالبًا فلم يعذر كدين الدميّ . وفرّق الحنابلة بين دفعها خطأً إلى من ل يستحقّها لكفر أو شرف ،وبين دفعها لمن ظنّه فقيرا فبان غنيّا ،فقالوا :ل تجزئ إذا دفعها للكافر أو لمن ل يستحقّها لكونه هاشميّا ،وله حقّ ن المقصود إبراء ال ّذمّة بالزّكاة ولم يحصل لدفعها للكافر ،فيملك الرّجوع استرداد ما دفع .ل ّ بخلف دفعها للغنيّ فإنّ المقصود الثّواب ولم يفت . ن فساد جهة الزّكاة ل ينقض الداء . ووجه قول أبي يوسف في عدم السترداد أ ّ
د -الصّوم : أوّلً :الخطأ في صفة نيّة صوم رمضان :
- 38ذهب الحنفيّة ،وهو وجه عند المالكيّة ،وقول عند الشّافعيّة ،وقول عند الحنابلة إلى أنّه إذا أطلق الصّائم نيّة الصّوم في أداء رمضان ،أو نوى النّفل أو وصفه وأخطأ الوصف صحّ صومه .قال في الدّرر :وصحّ الصّوم بمطلقها أي ال ّنيّة ،وبنيّة النّفل ،وبخطأ الوصف في أداء رمضان لما تقرّر في الصول من أنّ الوقت متعيّن لصوم رمضان ، والطلق في المتعيّن تعيين ،والخطأ في الوصف لما بطل بقي أصل ال ّنيّة فكان في حكم المطلق ،نظيره المتوحّد في الدّار إذا نودي بيا رجل أو باسم غير اسمه يراد به ذلك بخلف قضاء رمضان حيث ل تعيين في وقته إلّ إذا وقعت ال ّنيّة من مريض أو مسافر حيث يحتاج حينئذ إلى التّعيين ول يقع عن رمضان .وفي المسألة تفصيل ينظر في ( صوم ،نيّة ) .
ثانيا :الخطأ في الفطار : - 39من كان ذاكرا للصّوم فأفطر من غير قصد كما إذا تمضمض فدخل الماء في حلقه فعند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في قول :يبطل الصّوم ويلزم القضاء دون الكفّارة ،لنّ الخطأ عذر ل يغلب وجوده بخلف النّسيان فإنّه عذر غالب ،ولنّ الوصول إلى الجوف مع التّذكّر في الخطأ ليس إلّ لتقصير في الحتراز فيناسب الفساد ،إذ فيه نوع إضافة إليه بخلف النّسيان . ومذهب الحنابلة وقول عند الشّافعيّة :عدم البطلن مطلقا ،لنّه وصل إلى جوفه بغير اختياره فلم يبطل صومه كغبار الطّريق وغربلة الدّقيق والذّباب . ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال للقيط والصّحيح عند الشّافعيّة أنّه إن بالغ أفطر وإلّ فل ،ل ّ ل أن تكون صائما » فنهاه عن المبالغة ،فلو لم يكن وصول بن صبرة « بالغ في الستنشاق إ ّ ن المبالغ منهيّ عنها في الماء في المبالغة يبطل صومه لم يكن للنّهي عن المبالغة معنىً ،ول ّ الصّوم ،وما تولّد من سبب منهيّ عنه فهو كالمباشرة ،والدّليل عليه أنّه إذا جرح إنسانا فمات جعل كأنّه باشر قتله .
ثالثا :الخطأ في تعيين رمضان للسير :
- 40إن اشتبهت الشّهور على أسير لزمه أن يتحرّى ويصوم ،فإن وافق صومه شهرا قبل رمضان ،فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في الصّحيح من القولين والحنابلة إلى عدم الجزاء ،لنّه أدّى العبادة قبل وجود سبب وجوبها ،فلم تجزه كمن صلّى قبل الوقت ولنّه تعيّن له يقين الخطأ فيما يأمن مثله في القضاء فلم يعتدّ له بما فعله ،كما لو تحرّى في وقت الصّلة قبل الوقت .ويرى بعض الشّافعيّة أنّه يجزئه ،وقد ضعّفه النّوويّ .
رابعا :الخطأ في الوقت : - 41لو أكل الصّائم أو جامع باجتهاد يظنّ أو يعتقد أنّ الوقت ليل فبان خلف ذلك ،فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة ،والشّافعيّة والحنابلة في غير الجماع على تفصيل سيأتي إلى أنّه لو تسحّر على ظنّ أنّ الفجر لم يطلع فإذا هو طالع ،أو أفطر على ظنّ أنّ الشّمس قد غربت فإذا هي لم تغرب ،وكذا لو جامع ظانّا بقاء اللّيل فبان خلف ظنّه وجب عليه القضاء ول كفّارة عليه ،لنّه لم يفطر متعمّدا بل مخطئا ،ووجّهوا قولهم بأنّ القضاء يثبت بمطلق الفساد سواء كان صورةً ومعنًى ،أو صورةً ل معنىً ،أو معنىً ل صورةً ،وسواء كان ن القضاء يجب جبرا للفائت فيستدعي عمدا أو خطأً ،وسواء كان بعذر أو بغير عذر ،ل ّ فوات الصّوم ل غير ،والفوات يحصل بمطلق الفساد فتقع الحاجة إلى الجبر بالقضاء ليقوم مقام الفائت فينجبر معنًى ،وأمّا الكفّارة فيتعلّق وجوبها بإفساد مخصوص وهو الفطار الكامل بوجود الكل أو الشّرب أو الجماع صور ًة ومعنىً متعمّدا من غير عذر مبيح ول مرخّص ول شبهة الباحة . أمّا الجماع بل عذر في نهار رمضان فقد قال الحنابلة :عليه القضاء والكفّارة عامدا كان أو ساهيا أو جاهلً أو مخطئا ،مختارا أو مكرها ،لحديث أبي هريرة المتّفق عليه « أنّ رجلً جاء إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال يا رسول اللّه هلكت :قال ما لك :قال :وقعت على امرأتي وأنا صائم » .قال البعليّ :وحكى صاحب الرّعاية روايةً :ل قضاء على من جامع ل فبان نهارا واختاره ابن تيميّة . يعتقده لي ً
هـ -الحجّ :
أوّلً -الخطأ في يوم عرفة : - 42إذا أخطأ النّاس فوقفوا في اليوم العاشر من ذي الحجّة أجزأ وت ّم حجّهم ول قضاء ، وهو مذهب الحنفيّة وقالوا :إنّ وقوفهم صحيح وحجّتهم تامّة استحسانا ،والقياس أنّه ل يصحّ .ووجه القياس أنّهم وقفوا في غير وقت الوقوف فل يجوز ،كما لو تبيّن أنّهم وقفوا يوم التّروية ول فرق بين التّقديم والتّأخير . ومذهب المالكيّة أنّه إذا أخطأ في رؤية الهلل جماعة الموقف ل أكثرهم فوقفوا بعاشر ظنّا منهم أنّه اليوم التّاسع وأنّ اللّيلة عقبه ليلة العاشر بأن غ ّم عليهم ليلة الثّلثين من ذي القعدة فأكملوا العدّة فإذا هو العاشر ،واللّيلة عقبه ليلة الحادي عشر فيجزئهم ،وعليهم دم ،واحترز ن غيره فل يجزئه . عن خطأ بعضهم ولو أكثرهم فوقف العاشر ظنّا أنّه التّاسع مخالفا لظ ّ ونقل اللّخميّ عن ابن القاسم عدم الجزاء إذا وقفوا في العاشر .
ومذهب الشّافعيّة أنّهم إن غلطوا بيوم واحد فوقفوا في اليوم العاشر من ذي الحجّة أجزأهم وتمّ حجّهم ول قضاء ،هذا إذا كان الحجيج على العادة ،فإن قلّوا أو جاءت طائفة يسيرة فظنّت أنّه يوم عرفة وأنّ النّاس قد أفاضوا فوجهان مشهوران حكاهما المتولّي والبغويّ ،وآخرون أصحّهما ل يجزئهم ،لنّهم مفرطون ،ولنّه نادر يؤمن مثله في القضاء ،والثّاني يجزئهم كالجمع الكثير . ومذهب الحنابلة أنّه يجزئ أيضا .واستدلّوا جميعا بحديث { :يوم عرفة اليوم الّذي يعرف النّاس فيه } ،وحديث « :الصّوم يوم تصومون ،والفطر يوم تفطرون ،والضحى يوم تضحّون » . أمّا لو وقفوا في الثّامن ظنّا منهم أنّه التّاسع فإنّ مذهب الحنفيّة ،والمعروف من مذهب المالكيّة والصحّ من الوجهين عند الشّافعيّة أنّه ل يجزئهم .قالوا :والفرق بين عدم إجزاء الوقوف فيه وبين إجزائه بالعاشر ،أنّ الّذين وقفوا فيه فعلوا ما تعبّدهم اللّه به على لسان نبيّه عليه الصلة والسلم ،لمره بإكمال العدّة حيث حصل الغيم دون اجتهاد بخلفه بالثّامن فإنّه اجتهادهم ،أو شهادة من شهد بالباطل . ولنّه نادر غاية النّدرة فكان ملحقا بالعدم ،ولنّه خطأ غير مبنيّ على دليل فلم يعذروا فيه . ومذهب الحنابلة وقول ابن القاسم من المالكيّة ووجه عند الشّافعيّة أنّه يجزئهم لحديث « يوم عرفة اليوم الّذي يعرف النّاس فيه » قالوا :وهو نصّ في الجزاء ،وأنّه لو كان هنا خطأ وصواب لستحبّ الوقوف مرّتين وهو بدعة لم يفعله السّلف فعلم أنّه ل خطأ . وفي مذهب مالك قول لبن القاسم بعدم الجزاء في الصّورتين ،قال الحطّاب :يعني إذا ن وقوفهم يجزئهم أخطأ جماعة أهل الموسم وهو المراد بالحجّ ،فوقفوا في اليوم العاشر ،فإ ّ ،واحترز بقوله فقط ممّا إذا أخطئوا ووقفوا في الثّامن ،فإنّ وقوفهم ل يجزئهم ،وهذا هو المعروف من المذهب وقيل :يجزئهم في الصّورتين وقيل :ل يجزئ في الصّورتين .
ثانيا :خطأ الحجيج في الموقف : - 43إذا أخطأ الحجيج في الموقف فوقفوا في غير عرفة فيلزم القضاء ،سواء كانوا جمعا ن الخطأ في الموقف يؤمن مثله في القضاء . كثيرا أو قليلً ،ل ّ
ثالثا :الخطأ في أشهر الحجّ :
ج وأحرموا ثمّ بان الخطأ عامّا فهل ينعقد حجّا أو - 44لو اجتهد الحجيج في أشهر الح ّ ج. عمر ًة ؟ اختلفوا فيه على قولين :الوّل :يصحّ الحرام بالحجّ قبل أشهر الح ّ والقول الثّاني :ل يجزئ ول ينعقد .وينظر تفصيل ذلك في ( :إحرام ،حجّ ) .
رابعا :قتل صيد الحرم خطأً :
ن قتل الصّيد في الحرم أو من المحرمين حرام يجب فيه الجزاء ، - 45ذهب الفقهاء إلى أ ّ يستوي في ذلك العمد ،والخطأ ،والسّهو ،والنّسيان والجهل ،لقوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ ح ُرمٌ } ...إلى آخر الية .وينظر ( :إحرام ،حرم ) . ص ْيدَ وَأَن ُتمْ ُ آ َمنُو ْا لَ تَ ْقتُلُو ْا ال ّ
خامسا -الخطأ في محظورات الحرام : ن محظورات الحرام جميعها يستوي فيها العمد والخطأ - 46ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أ ّ كقتل الصّيد . وفرّق الشّافعيّة والحنابلة بين ما كان إتلفًا كحلق الشّعر وقتل الصّيد ،وبين ما كان تمتّعا كلبس وتطيّب .وفي الوطء خلف بين المذهبين ،وينظر التّفصيل في ( :إحرام ،حجّ ) .
و -الضاحيّ :
الخطأ في ذبح الضحيّة : - 47إذا غلط رجلن فذبح كلّ واحد منهما أضحيّة الخر أجزأ عنهما ول ضمان عليهما عند الحنفيّة والحنابلة ،قال الحنفيّة :وهذا استحسان ،وأصل هذا أنّ من ذبح أضحيّة غيره ل له ذلك وهو ضامن لقيمتها .ول يجزئه عن الضحيّة في القياس وهو قول بغير إذنه ل يح ّ زفر .وفي الستحسان ،يجوز ول ضمان على الذّابح ،ووجهه أنّها تعيّنت للذّبح لتعيّنها للضحيّة ،حتّى وجب عليه أن يضحّي بها بعينها في أيّام النّحر ،ويكره أن يبدّل بها غيرها، ل للذّبح آذنا له دللةً ،لنّها تفوت بمضيّ هذه اليّام فصار المالك مستعينا بكلّ من يكون أه ً وعساه يعجز عن إقامتها بعوارض ،فصار كما إذا ذبح شا ًة شدّ القصّاب رجلها . ووجه القياس أنّه ذبح شاة غيره بغير أمره فيضمن ،كما إذا ذبح شاةً اشتراها القصّاب . وذكر القاضي وغيره من الحنابلة أنّها تجزئ ول ضمان استحسانا ،والقياس ضمانها . ونقل الثرم وغيره أنّهما يترادّان اللّحم إن كان موجودا ويجزئ ،ولو فرّق ك ّل منهما لحم ما ذبحه أجزأ لذن الشّرع في ذلك . ل واحد لصاحبه القيمة ، وذهب المالكيّة فيما نقلوه عن مالك إلى عدم الجزاء ،ويضمن ك ّ ح في قول أشهب ومحمّد بن الموّاز أنّها تجزئ فإذا غرم القيمة ولم يأخذها مذبوح ًة فالص ّ أضحيّ ًة لذابحها .وروى عيسى عن ابن القاسم أنّها ل تجزئ . وقال الشّافعيّة :لو ذبح كلّ من رجلين أضحيّة الخر ضمن ما بين القيمتين أي قيمتها حيّةً ن إراقة الدّم قربة مقصودة وقد فوّتها ،وأجزأ كلّ منها عن الضحيّة وقيمتها مذبوحةً ،ل ّ لكن بقيد كونها واجبةً بنذر فيفرّقها صاحبها ،لنّها مستحقّة الصّرف لجهة التّضحية ،ولنّ ذبحها ل يفتقر إلى نيّة ،أمّا المتطوّع بها والواجبة بالجعل فل يجزئ ذبحها عن الصليّة لفتقاره إلى نيّة .
ز -البيوع : أوّلً -بيع المخطئ :
- 48قال الحنفيّة :بيع المخطئ ينعقد فاسدا ،وصورته أنّه أراد أن يقول :سبحان اللّه ن البيع خطأ . فجرى على لسانه -بعت هذا منك بألف ،وقبل الخر -وصدّقه في أ ّ أمّا وجه انعقاده فلختياره في الصل ،ووجه فساده لعدم الرّضا كبيع المكره ،فيملك البدل بالقبض . وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه غير منعقد ،لنّه يشترط في أسباب انتقال الملك ن هذا اللّفظ أو هذا كالبيع والهبة وغيرهما القدرة والعلم والقصد ،فمن باع وهو ل يعلم أ ّ التّصرّف يوجب انتقال الملك ل يلزمه بيع ول نحوه .
ثانيا -الغلط في المبيع : - 49إذا وقع الغلط في جنس المبيع بأن اعتقد أحد العاقدين أنّ المعقود عليه من جنس معيّن فإذا به من جنس آخر ،مثل أن يبيع ياقوتا أو ماسا فإذا هو زجاج ،أو يبيع حنط ًة فإذا هي شعير . وكذا إذا اتّحد الجنس ولكنّ التّفاوت بين المعقود عليه وما أراده العاقد كان تفاوتا فاحشا فإنّ الحنفيّة عدا الكرخيّ قالوا :إنّ الغلط يكون مانعا يمنع من انعقاد العقد ،فيكون العقد باطلً ن البيع معدوم ،وقال الكرخيّ :هو فاسد . لّ وقال المالكيّة :إذا وقع أحد العاقدين في الغلط ولم يبيّن للعاقد الخر فلم يعلم بهذا الغلط فل يعت ّد بالغلط .جاء في مواهب الجليل :سئل مالك عمّن باع مصّلىً فقال المشتري :أتدري ما هذا المصلّى ؟ هي واللّه خزّ فقال البائع :ما علمت أنّه خزّ ولو علمته ما بعته بهذا الثّمن ، قال مالك :هو للمشتري ول شيء للبائع . وكذا من باع حجرا بثمن يسير ،ثمّ تبيّن أنّه ياقوتة أو زبرجدة تبلغ مالً كثيرا . أمّا إذا سمّى أحدهما الشّيء بغير اسمه ،مثل أن يقول البائع أبيعك هذه الياقوتة فيجدها غير ياقوتة ،أو يقول المشتري :بع منّي هذه الزّجاجة ثمّ يعلم البائع أنّها ياقوتة فل خلف في أنّ هذا الشّراء ل يلزم المشتري ،والبيع ل يلزم البائع . وكذلك إذا سمّى العاقد الشّيء باسم يصلح له كقول البائع :أبيعك هذا الحجر فإذا هو ياقوتة فيلزم البائع البيع ،وإن علم المشتري أنّها ياقوتة ،وأمّا إذا سمّى أحدهما الشّيء بغير اسمه مثل أن يقول البائع :أبيعك هذه الياقوتة فيجدها غير ياقوتة ،أو يقول المشتري :بع منّي هذه الزّجاجة ثمّ يعلم البائع أنّها ياقوتة فل خلف في أنّ الشّراء ل يلزم المشتري ،والبيع ل
ن ذلك يلزم البائع .وإذا أبهم أحدهما لصاحبه في التّسمية ولم يصرّح ،فقال ابن حبيب :إ ّ يوجب الرّ ّد كالتّصريح . واختلف الشّافعيّة فمنهم من قال بالصّحّة ومنهم من قال بالبطلن . قال القليوبيّ :لو اشترى زجاج ًة يظنّها جوهرةً فالعقد صحيح إن لم يصرّح بلفظ الجوهرة ل فالعقد باطل ،وحكى عن شيخه صحّة العقد وثبوت الخيار قال :وفيه نظر . وإ ّ وقال الحنابلة :لو قال :البائع بعتك هذا البغل بكذا ،فقال اشتريته ،فبان المشار إليه فرسا أو حمارا لم يصحّ البيع ،ومثله بعتك هذا الجمل فبان ناقةً ونحوه ،فل يصحّ البيع للجهل بالمبيع .
ثالثا -الجناية على المبيع خطأً : - 50الجناية خطًأ على المبيع قبل القبض أو في زمن الخيار ،قد تكون من البائع ،أو المشتري ،أو من غيرهما ،وفي لزوم البيع بهذه الجناية وسقوط الخيار ،وفي الضّمان ، خلف وتفصيل ينظر في ( :خيار ،ضمان ) .
ح -الجارة :
أوّلً :خطأ النّقّاد والقبّان ونحوهما : ن النّقّاد إن أخطأ ل ضمان عليه ،لنّه مجتهد - 51ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ أخطأ في اجتهاده ،ول أجرة له ،لنّه لم يعمل ما أمر به . وقيّد الحنابلة عدم الضّمان بكون النّقّاد حاذقا أمينا وإلّ ضمن . وقال الشّافعيّة :لو أخطأ القبّانيّ في الوزن ضمن ،كما لو غلط في النّقش الّذي على القبّان.
صنّاع : ثانيا :خطأ الجراء وال ّ
ص ل يضمن - 52مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وفريق من الشّافعيّة :أنّ الجير الخا ّ ما هلك في يده بل صنعه ،أو هلك من عمله المأذون فيه إذا لم يتعمّد الفساد . ص كالجير المشترك في الضّمان وهو وقالت طائفة من الشّافعيّة :إنّ الجير الخا ّ المنصوص عن الشّافعيّ ،وقال :والجراء كلّهم سواء . ن الجير المشترك إذا تلف عنده المتاع بتعدّ ،أو تفريط جسيم يضمن وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ .أمّا إذا تلف بغير هذين ،ففيه تفصيل في المذاهب يرجع إليه في مصطلح ( :إجارة).
ثالثا -خطأ الكاتب : - 53قال الحنفيّة :فيمن دفع إلى رجل ورقا ليكتب له مصحفا وينقطه ،ويعجمه ،ويعشره بكذا من الجرة فأخطأ في بعض النّقط والعواشر .قال أبو جعفر :إن فعل ذلك في كلّ ورقة كان المستأجر بالخيار ،إن شاء أخذه وأعطاه أجر مثله ل يجاوز به ما سمّى ،وإن شاء ردّه
عليه واستردّ منه ما أعطاه ،أي ضمّنه قيمة الورق ،وإن وافقه في البعض دون البعض أعطاه حصّة ما وافق من المسمّى وبما خالف أعطاه أجر المثل . وقال الشّافعيّة :بصحّة الستئجار للنّساخة ويبيّن كيفيّة الخطّ ،ورقّته ،وغلظه ،وعدد ل صفحة كذا ،وقدر القطع إن قدرنا بالمحلّ .وإذا غلط النّاسخ غلطا الوراق وسطور ك ّ فاحشا فعليه أرش الورق ول أجرة له ،وإلّ فله الجرة ول أرش عليه ويلزمه الصلح .
رابعا :خطأ الطّبيب والخاتن ونحوهما : - 54اتّفق الفقهاء على أنّه ل ضمان على الطّبيب والخاتن والحجّام إذا فعلوا ما أمروا به بشرطين :أحدهما :أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم ولهم بها بصارة ومعرفة ،لنّه إذا ل لواحد منهم مباشرة القطع ،وإذا قطع مع هذا كان فعلً محرّما لم يكونوا كذلك لم يح ّ فيضمن سرايته كالقطع ابتدا ًء . الثّاني :أن ل تجني أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغي أن يقطع .فإذا وجد هذان الشّرطان لم يضمنوا ،لنّهم قطعوا قطعا مأذونا فيه فلم يضمنوا سرايته ،كقطع المام يد السّارق ،أو ل منهم حاذقا وخبت يده مثل أن يتجاوز فعلوا فعلً مباحا مأذونا في فعله ،فأمّا إن كان ك ّ ل القطع ،أو يقطع السّلعة من قطع الختان إلى الحشفة ،أو إلى بعضها ،أو قطع في غير مح ّ إنسان فيتجاوزها ،أو يقطع بآلة كآلة يكثر ألمها ،أو في وقت ل يصلح القطع فيه وأشباه ذلك ضمن فيه كلّه ،لنّه إتلف ل يختلف ضمانه بين العمد والخطأ فأشبه إتلف المال .
ط -الخطأ في وصف اللّقطة :
ل إذا وصفها وصفا يشعر - 55إذا ادّعى شخص ملكيّة لقطة فإنّ الملتقط ل يسلّمها إليه إ ّ بأنّها له .وقد اختلف الفقهاء فيما إذا أخطأ مدّعي ملكيّة اللّقطة في وصف من أوصافها .قال ن الصابة في الحنفيّة :إنّ الصابة في بعض علمات اللّقطة ل تكفي لدفعها إليه ،وإ ّ العلمات كلّها شرط . وقال المالكيّة :إذا وصف واحدا من العفاص والوكاء ووقع الجهل في الخر أو الغلط ففي ذلك خلف :قيل :ل شيء له فيهما ،وقيل :يستأني فيهما ،وقيل :يعطي بعد الستيناء مع الجهل ول شيء له مع الغلط . ن المراد بالغلط تصوّر الشّيء على خلف ما قال ابن رشد :وهذا أعدل القوال ،وقال :إ ّ هو عليه ل المتعلّق باللّسان .وقال الخرشيّ :إذا غلط فإن قال :الوكاء مثلً كذا ،فإذا هو بخلف ذلك فإنّه ل يكفي ول تدفع له . وإذا وصف العفاص والوكاء أو أحدهما وأصاب في ذلك وأخطأ في صفة الدّنانير ،بأن قال محمّديّة فإذا هي يزيديّة فل شيء له بل خلف .
وقالوا :إذا عرّف العفاص والوكاء وغلط في قدر الدّراهم بزيادة ،فإنّه ل يضرّ بأن قال : هي عشرة فإذا هي خمسة ،أمّا غلطه بالنّقص بأن قال :هي عشرون فإذا هي ثلثون ففيه قولن .وينظر تفصيل ذلك في ( لقطة ) .
ي -الغلط في الشّفعة : - 56من صور الخطأ أو الغلط في الشّفعة أن يغلط الشّفيع في شخص المشتري ،أو في غيره من الركان كالغلط في الثّمن .وفيما يأتي بيان مذاهب الفقهاء في هذه المسألة . قال الشّافعيّة والحنابلة :إن قال المشتري :اشتريت بمائة فعفا الشّفيع ثمّ بان أنّه اشترى بخمسين فهو على شفعته ،لنّه عفا عن الشّفعة لقدر ،وهو أنّه ل يرضاه بمائة أو ليس معه مائة .وإن قال :اشتريت نصفه بمائة فعفا ثمّ بان أنّه قد اشترى جميعه بمائة فهو على شفعته ،لنّه لم يرض بترك الجميع . وإن قال إنّه اشترى بأحد النّقدين فعفا ثمّ بان أنّه كان قد اشتراه بالنّقد الخر فهو على شفعته ،لنّه يجوز أن يكون قد عفا لعواز أحد النّقدين عنده ،أو لحاجته إليه . وإن قال :اشتريت الشّقص فعفا ،ث ّم بان أنّه كان وكيلً فيه وإنّما المشتري غيره فهو على شفعته ،لنّه قد يرضى مشاركة الوكيل ول يرضى مشاركة الموكّل . وقال الحنفيّة :لو أخبر الشّفيع أنّ المشتري فلن فقال :قد سلّمت له ،فإذا المشتري غيره فهو على شفعته ،لنّ النّاس يتفاوتون في المجاورة ،فرضاه بمجاورة إنسان ل يكون رضا منه بمجاورة غيره ،وهذا التّقييد منه مفيد ،كأنّه قال إن كان المشتري فلنا فقد سلّمت ن المشتري غيره فهو على حقّه .وإن تبيّن أنّه اشتراه فلن وآخر معه، الشّفعة ،فإذا تبيّن أ ّ صحّ تسليمه في نصيب فلن وهو على شفعته في نصيب الخر ،لنّه رضي بمجاورة ن الثّمن ألف درهم فسلّم الشّفعة أحدهما فل يكون ذلك منه رضًا بمجاورة الخر .ولو أخبر أ ّ ل فله الشّفعة ،لنّه إنّما أسقط حقّه ،فإن كان أكثر من ألف فتسليمه صحيح ،وإن كان أق ّ بشرط أن يكون الثّمن ألف درهم ،لنّه بنى تسليمه على ما أخبر به ،والخطاب السّابق كالمعاد فيما بنى عليه من الجواب ،فكأنّه قال سلّمت إن كان الثّمن ألفا ،وإنّما أقدم على هذا التّسليم لغلء الثّمن ،أو لنّه لم يكن متمكّنا من تحصيل اللف ول يزول هذا المعنى إذا كان الثّمن أكثر من اللف بل يزداد .فأمّا إذا كان الثّمن أقلّ من اللف فقد انعدم المعنى الّذي كان لجله رضي بالتّسليم فيكون على حقّه ،وهذا لنّ الخذ بالشّفعة شراء ،وقد يرغب المرء في شراء شيء عند قلّة الثّمن ول يرغب فيه عند كثرة الثّمن .
وعند المالكيّة :الشّفيع إذا علم بالبيع فلمّا أخبر بالثّمن أسقط شفعته لكثرته ،ثمّ ظهر بعد ذلك ل ممّا أخبر به فله شفعته ولو طال الزّمان قبل ذلك ،ويحلف أنّه إنّما أسقط لجل ن الثّمن أق ّ أّ الكذب في الثّمن . وكذلك ل تسقط شفعته إذا أسقطها لجل الكذب في الشّقص المشترى ،بأن قيل له فلن اشترى نصف نصيب شريكك ثمّ أخبر أنّه اشترى جميع نصيب شريكه فله القيام بالشّفعة حينئذ ،لنّه يقول لم يكن لي غرض في أخذ النّصف ،لنّ الشّركة بعد قائمة ،فلمّا علمت أنّه ابتاع الكلّ أخذت لرتفاع الشّركة وزوال الضّرر ،أو لجل الكذب في المشترِي -بكسر الرّاء -قيل له فلن اشترى نصيب شريكك فأسقط لذلك ،ثمّ ظهر أنّه غير الّذي سمّي فإنّ له أن يأخذ شفعته كائنا ما كان الشّخص . ن فلنا اشترى حصّة شريكك في الشّقص فرضي به وسلّم وكذلك ل تسقط شفعته إذا قيل له إ ّ ن الشّقص اشتراه هو وشخص آخر شفعته لجل حسن سيرة هذا المشتري ثمّ علم بعد ذلك أ ّ فله القيام بشفعته ،لنّه يقول إنّما رضيت بشركة فلن وحده ل بشركته مع غيره .
ك -النّكاح : أوّلً -الخطأ في الصّيغة :
- 57يرى فريق من الحنفيّة أنّه ل يصحّ النّكاح بألفاظ مصحّفة ،والتّصحيف أن يقرأ الشّيء على خلف ما أراده كاتبه ،أو على غير ما اصطلحوا عليه ،كتجوّزت بتقديم الجيم على الزّاي ،لنّه صادر ل عن قصد صحيح ،بل عن تحريف وتصحيف فل يكون حقيقةً ول مجازا لعدم العلقة ،بل غلطا فل اعتبار به أصلً بخلف ما لو اتّفق قوم على النّطق بهذه الغلطة وصدرت عن قصد صحّ ،لنّ ذلك وضع جديد وبه أفتى أبو السّعود . والرّأي الخر للحنفيّة ومذهب الشّافعيّة ورأي تقيّ الدّين من الحنابلة :العقد بلفظ جوّزت وزوّزت إذا نطق به العا ّميّ قاصدا به معنى النّكاح يصحّ ،لنّ لفظ جوّزت وزوّزت ل يفهم ل أنّه عبارة عن التّزويج ول يقصد منه إلّ ذلك المعنى بحسب منه العاقدان والشّهود إ ّ العرف ،وقد صرّحوا بأنّه يحمل كلم كلّ عاقد وحالف وواقف على عرفة . ل بالمعنى ينبغي أن يكون كالخطأ في العراب وقال الغزاليّ :الخطأ في الصّيغة إذا لم يخ ّ والتّذكير والتّأنيث .وينظر تفصيل ذلك في ( :نكاح ) .
ثانيا -الغلط في اسم الزّوجة : - 58قال الحنفيّة :الغلط في اسم الزّوجة يمنع من انعقاد النّكاح إلّ إذا كانت حاضر ًة في سيّة أقوى من التّسمية ،لما في ن تعريف الشارة الح ّ مجلس العقد وأشار إليها ،فل يضرّ ،ل ّ التّسمية من الشتراك لعارض فتلغو التّسمية عند الشارة ،كما لو قال :اقتديت بزيد هذا فإذا
هو عمرو فإنّه يصحّ .ولو كان له بنتان وأراد تزويج الكبرى فغلط فسمّاها باسم الصّغرى صحّ للصّغرى بأن كان اسم الكبرى عائشة والصّغرى فاطمة ،فقال زوّجتك بنتي فاطمة وهو يريد عائشة فقبل ،انعقد على فاطمة ،وهذا إذا لم يصفها بالكبرى ،فلو قال زوّجتك بنتي الكبرى فاطمة قالوا :يجب أن ل ينعقد العقد على إحداهما ،لنّه ليس له ابنة كبرى بهذا السم ،ول تنفع ال ّنيّة هنا ول معرفة الشّهود بعد صرف اللّفظ عن المراد . ن أو بنتي أو فاطمة ي من الشّافعيّة :لو قال أبو بنات :زوّجتك إحداه ّ وقال شمس الدّين الرّمل ّ ي ثمّ مات ثمّ ونويا معيّنةً ولو غير المسمّاة فإنّه يصحّ ،قال الشبراملسي :لو زوّجها الول ّ اختلفت الزّوجة مع الزّوج فقالت :لست المسمّاة في العقد ،وقال الشّهود :بل أنت المقصودة بالتّسمية ،وإنّما الوليّ سمّى غيرك في العقد غلطًا ووافقهما الزّوج على ذلك ،فهل العبرة بقولها لنّ الصل عدم النّكاح ،أو العبرة بقول الشّهود ؟ فيه نظر والقرب الوّل ،لنّ الصل عدم الغلط . ن عدم التّعيين ح العقد ،ل ّ وقال الحنابلة :لو سمّاها الوليّ بغير اسمها ولم يكن له غيرها ص ّ إنّما جاء من التّعدّد ول تعدّد هنا ،وكذا لو سمّاها بغير اسمها وأشار إليها ،بأن قال زوّجتك ن الشارة أقوى ،ولو ح العقد على خديجة ،ل ّ بنتي فاطمة هذه ،وأشار إلى خديجة فيص ّ ح النّكاح .ولو كان له بنتان فاطمة وعائشة فقال سمّاها بغير اسمها ولم يقل بنتي لم يص ّ الوليّ :زوّجتك بنتي عائشة فقبل الزّوج ،ونويا في الباطن فاطمة فل يصحّ النّكاح ،لنّ ن اسم أختها ل يميّزها بل يصرف العقد عنها ،ولنّهما لم المرأة لم تذكر بما تتعيّن به ،فإ ّ يتلفّظا بما يصحّ العقد بالشّهادة عليه فأشبه ما لو قال :زوّجتك عائشة فقط ،أو ما لو قال : زوّجتك ابنتي ولم يسمّها ،وإذا لم يصحّ فيما إذا لم يسمّها ففي ما سمّاها بغير اسمها أولى .
ثالثا -الغلط في الزّوجة : - 59إذا زفّت امرأة إلى غير زوجها ولم يكن رآها قبل ذلك فوطئها ،فقد اتّفق الفقهاء على أنّه يجب على الواطئ مهر المثل ،ول حدّ عليه ،وإن أتت بولد ثبت نسبه .وينتشر التّحريم بهذا الوطء . وقال المالكيّة :إن وطئها غلطا وهي في عدّة غيره تأبّد تحريمها . ومن صور الغلط الّتي ذكرها الشّافعيّة والحنابلة :أنّه لو عقد أب على امرأة وابنه على ابنتها وزفّت كلّ لغير زوجها ووطئها غلطا :قال الشّافعيّة :انفسخ النّكاحان ولزم كلّا لموطوءته مهر المثل ،وعلى السّابق منهما بالوطء لزوجته نصف المسمّى ،وفيما يلزم الثّاني منهما وجوه .
وقال الحنابلة :في الصّورة السّابقة :إنّ وطء الوّل يوجب عليه مهر مثلها ،لنّه وطء شبهة ويفسخ نكاحها من زوجها ،لنّها صارت بالوطء حليلة ابنه أو أبيه ،ويسقط به مهر الموطوءة عن زوجها ،لنّ الفسخ جاء من قبلها بتمكينها من وطئها ومطاوعتها عليه ،ول شيء لزوجها على الواطئ ،لنّه لم يلزمه شيء يرجع به ،ولنّ المرأة مشاركة في إفساد نكاحها بالمطاوعة فلم يجب على زوجها شيء لو انفردت به .
رابعا -طلق المخطئ : - 60من قال لزوجته اسقيني فجرى على لسانه أنت طالق ،فإنّ الطّلق ل يقع عند الشّافعيّة والحنابلة ،لعدم القصد ول اعتبار للكلم بدون القصد . وقال الحنفيّة :يقع به الطّلق وإن لم يكن مختارا لحكمه لكونه مختارا في التّكلّم ،ولنّ الغفلة عن معنى اللّفظ أمر خفيّ وفي الوقوف على قصده حرج . ل عليه في الصّريح والكناية الظّاهرة وقال المالكيّة :المراد من القصد قصد النّطق باللّفظ الدّا ّ ل العصمة . وإن لم يقصد مدلوله وهو ح ّ وقالوا إن سبق لسانه بأن أراد أن يتكلّم بغير الطّلق ،فالتوى لسانه فتكلّم بالطّلق فل شيء عليه إن ثبت سبق لسانه في الفتوى والقضاء ،وإن لم يثبت فل شيء عليه في الفتوى ويلزمه في القضاء .
ل -الخطأ في الجنايات : أوّلً -القتل الخطأ :
- 61الواجب في القتل الخطأ الدّية على عاقلة القاتل والكفّارة عليه ،والحرمان من الميراث عند جمهور الفقهاء .ويرجع في تعريف القتل الخطأ وصوره وأنواعه وأحكامه وآراء الفقهاء في ذلك إلى مصطلحات ( قتل ،دية ،كفّارة ،إرث ) .
ثانيا -ما يجب فيما دون النّفس خطأً :
- 62الواجب فيما دون النّفس إمّا دية كاملة كما في ذهاب كلّ من الكلم ،والسّمع ،واللّسان ،والنف ،وفي اليدين والرّجلين ،أو نسبة من الدّية كما في الموضحة ،والمنقّلة ، والمّة ،والجائفة ،وتفصيل ذلك يرجع إليه في مصطلح ( دية ) .
ثالثا -جناية النسان على نفسه أو أطرافه خطأً : ن من قتل نفسه خطأً ل تجب - 63مذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو رواية عن أحمد أ ّ ن « عامر بن الكوع بارز مرحبا يوم خيبر فرجع سيفه الدّية بقتله ول تحمل العاقلة ديته .ل ّ على نفسه فمات ،ولم يقض فيه النّبيّ صلى ال عليه وسلم بدية ول غيرها » ،ولو وجبت لبيّنه ،ولنّه جنى على نفسه فلم يضمنه غيره كالعمد .
وقال الحنابلة في الظهر من الرّوايتين :إ نّ على عاقلته ديته لورثته إن قتل نفسه ،أو أرش ن رجلً ساق حمارًا فضر به بع صا كا نت جر حه لنف سه إذا كان أك ثر من الثّلث ،وا ستدلّوا بأ ّ معه فطارت منها شظيّة ففقأت عينه فجعل عمر -رضي ال عنه -ديته على عاقلته ،ولم يعرف له مخالف في عصره . وأمّا بالنّسبة للكفّارة فقد قال الشّافعيّ والحنابلة :تجب فيه الكفّارة . ن الكفّارة مشرو طة بعدم الق تل فإذا ح صل الق تل ب طل وقال أ بو حني فة ومالك :ل ت جب ،ل ّ الخطاب بها كما تسقط ديته عن العاقلة لورثته .
رابعا -الخطأ في التّصادم : - 64التّصادم قد يقع من فارسين ،أو من ماشيين ،أو من سفينتين ،وقد يقع عمدا أو شبه ل واحد ما تلف من الخر من نفس أو عمد أو خطأ ،والواجب في حال الخطأ هل يضمن ك ّ ن الواجب هو بأن يضمن كلّ واحد منهما نصف قيمة ما تلف من الخر؟ دابّة أو مال ،أو أ ّ خلف بين الفقهاء وتفصيل ذلك محلّه في مصطلح ( دية ،إتلف ،قتل ،ضمان ) .
خامسا -في خرق السّفينة خطأً :
- 65قال الشّافعيّة :لو خرق شخص سفينته عامدا خرقا يهلك غالبا ،فالقصاص أو الدّية على الخارق ،وخرقها للصلح شبه عمد ،فإن أصاب غير موضع الصلح فخرقه فخطأ محض . وذكر ابن قدامة أنّه إذا خرق السّفينة خطأً فعليه ضمان ما تلف وعلى عاقلته الدّية . وإذا قام ليصلح موضعا فقلع لوحا ،أو يصلح مسمارا فثقب موضعا ،فقد اختلف في اعتبار هذه الصّورة من قبيل عمد الخطأ ،أو من قبيل الخطأ المحض ؟ ذهب إلى الوّل القاضي أبو يعلى ،والثّاني هو الصّحيح ،لنّه قصد فعلً مباحا فأفضى إلى التّلف ،فأشبه ما لو رمى صيدًا فأصاب آدميّا ،لكن إن قصد قلع اللّوح من موضع يغلب أنّه ل يتلفها فأتلفها فهو عمد الخطأ وفيه ما فيه . وقال الحنفيّة في ضمان الملّاح :لو دخلها الماء فأفسد المتاع فلو بفعله وحده يضمن بالتّفاق ،ولو بل فعله إن لم يمكن التّحرّز عنه ل يضمن إجماعا ،وإن كان بسبب يمكن التّحرّز عنه ل يضمن عند أبي حنيفة وعندهما يضمن . ب المتاع أو وكيله في السّفينة ،فلو كان ل يضمن في جميع ما مرّ إذا وهذا كلّه لو لم يكن ر ّ لم يخالف بأن لم يجاوز المعتاد ،لنّ محلّ العمل غير مسلّم إليه .
م -الخطأ في اليمان : أوّلً :الخطأ في حلف اليمين :
- 66معنى الخطأ في اليمين عند الحنفيّة سبق اللّسان إلى غير ما قصده الحالف وأراده بأن أراد شيئا فسبق لسانه إلى غيره ،كما إذا أراد أن يقول :اسقني الماء فقال :واللّه ل أشرب الماء .وأوجبوا فيه الكفّارة إن حنث لقوله تعالى { :وَاحْ َفظُوا أَيمَا َن ُكمْ } ولقوله صلى ال عليه وسلم « :ثلث جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ :النّكاح ،والطّلق ،واليمين » . ن الكفّارة ترفع الثم وإن لم توجد منه التّوبة .وخالف الكمال بن الهمام في انعقاد وقالوا :إ ّ يمين المخطئ وقال :واعلم أنّه لو ثبت حديث اليمين لم يكن فيه دليل ،لنّ المذكور فيه جعل الهزل باليمين جدّا ،والهازل قاصد لليمين غير راض بحكمه فل يعتبر عدم رضاه به شرعا بعد مباشرته السّبب مختارا ،والنّاسي بالتّفسير المذكور لم يقصد شيئا أصلً ولم يدر ما صنع ،وكذا المخطئ لم يقصد قطّ التّلفّظ به ،بل بشيء آخر فل يكون الوارد في الهازل واردا في النّاسي الّذي لم يقصد قطّ مباشرة السّبب ،فل يثبت في حقّه نصّا ول قياسا .وفرّق المالكيّة بين نوعين من الخطأ :الوّل -سبق اللّسان بمعنى غلبته وجريانه على لسانه نحو : ل واللّه ما فعلت كذا ،واللّه ما فعلت كذا . الثّاني -انتقاله من لفظ لخر والتفاته إليه عند إرادة النّطق بغيره . ن القسم الخير ل شيء عليه فيه ويدين أي يقبل قوله ديان ًة ،كسبق اللّسان في وقالوا :إ ّ الطّلق ،أمّا الوّل فيلزمه اليمين . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بل قصد في حال غضبه :كل واللّه وبلى واللّه ،وكذا في حال عجلته ،أو صلة كلمه ،أو أراد اليمين على شيء فسبق لسانه إلى غيره ،فهذا ل ينعقد يمينه ول تتعلّق به كفّارة .فإذا حلف وقال :لم أقصد اليمين صدّق، أمّا الحلف بالطّلق والعتاق واليلء فل يصدّق في الظّاهر ،والفرق بينهما عندهم :أنّ العادة جارية بإجراء لفظ اليمين بل قصد ،بخلف الطّلق والعتاق فدعواه فيهما بخلف الظّاهر فل يقبل ،ولو اقترن باليمين ما يدلّ على القصد لم يقبل قوله على خلف الظّاهر . وذهب الحنابلة إلى أنّ من حلف على شيء يظنّه فيبيّن بخلفه ،ومن سبق اليمين على لسانه من غير قصد فل إثم في هذا النّوع ول كفّارة ورووا ذلك عن أحمد وقالوا :إن عقدها ( أي ن صدق نفسه كأن حلف ما فعل كذا يظنّه لم يفعله فبان ص ماض يظ ّ اليمين ) على زمن خا ّ بخلفه حنث في طلق وعتاق فقط ،بخلف الحلف باللّه أو بنذر أو ظهار ،لنّه من لغو اليمان .وكذا إذا عقدها على زمن مستقبل ظانّا صدقه فلم يكن كمن حلف على غيره يظنّ أنّه يطيعه فلم يفعل ،أو ظنّ المحلوف عليه خلف نيّة الحالف ونحو ذلك .وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :أيمان ) .
ثانيا -الخطأ في الحنث :
- 67قال الحنفيّة :تجب الكفّارة في اليمين المنعقدة سواء مع الكراه أو النّسيان في اليمين ن الفعل الحقيقيّ ل يعدمه الكراه والنّسيان ،وكذا الغماء والجنون فتجب أو الحنث ،ل ّ الكفّارة ،كما لو فعله ذاكرا ليمينه مختارا . وقال المالكيّة :الحنث هو مخالفة ما حلف عليه من نفي أو إثبات ،فمن حنث مخطئا كأن حلف ل يدخل دار فلن فدخلها معتقدا أنّها غيرها فإنّه يحنث ،ومن أمثلة الخطأ أيضا ما إذا حلف أنّه ل يتناول منه دراهم فتناول منه ثوبا فتبيّن أنّ فيه دراهم فإنّه يحنث ،وقيل بعدم ن فيه دراهم قياسًا على السّرقة وإلّ فل حنث . الحنث ،وقيل بالحنث إن كان يظنّ أ ّ وفرّقوا بين الخطأ والغلط فقالوا :متعلّق الخطأ الجنان ،ومتعلّق الغلط اللّسان فحيث قالوا بالحنث المراد به الغلط الّذي هو بمعنى الخطأ الّذي هو متعلّق الجنان ل الّذي يتعلّق بالغلط اللّسانيّ فالصّواب عدم الحنث فيه . ومثّلوا للغلط الّذي هو بمعنى الخطأ :حلف أن ل يكلّم زيدا فكلّمه معتقدا أنّه عمرو ،أو حلف ل يذكر فلنا فذكره لظنّه أنّه غير السم المحلوف عليه . وقال الشّافعيّة :إذا حلف ل يدخل هذه الدّار فدخلها ناسيا لليمين أو جاهلً أنّها الدّار المحلوفة عليها هل يحنث ؟ فيه قولن :سواء كان الحلف باللّه تعالى أو بالطّلق أو غير ذلك ،ووجه ل ْيمَانَ } وهي عامّة في جميع الحوال . خذُكُم ِبمَا عَقّدّتمُ ا َ الحنث قوله تعالى { :وَلَـكِن ُيؤَا ِ طأْتُم بِهِ } الية ، خَ جنَاحٌ فِيمَا َأ ْ ووجه عدم الحنث وهو الرّاجح قوله تعالى { :وََليْسَ عََل ْي ُكمْ ُ وقوله صلى ال عليه وسلم « :إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » واليمين داخلة في هذا العموم . وقال الحنابلة :الحنث في اليمين حال كونه مختارا ذاكرا إن فعله مكرها أو ناسيا فل كفّارة ، ن اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » . لحديث « :إ ّ ويقع الطّلق والعتاق إذا فعل المحلوف عليه بهما ناسيا والجاهل كالنّاسي فلو حلف ل يدخل دار زيد فدخلها جاهلً بأنّها داره حنث في طلق وعتاق فقط .
ن -الغلط في القسمة : - 68قال الشّافعيّة والحنابلة :إذا تقاسما أرضا ثمّ ادّعى أحدهما غلطا ،فإن كان في قسمة ن القاسم كالحاكم فلم تقبل دعوى الغلط عليه من غير إجبار لم يقبل قوله من غير بيّنة ،ل ّ بيّنة .فإن أقام البيّنة على الغلط نقضت القسمة . وإن كانت قسمة اختيار :فإن تقاسما بأنفسهما من غير قاسم لم يقبل قوله ،لنّه رضي بأخذ حقّه ناقصا ،وإن أقام بيّن ًة لم تقبل ،لجواز أن يكون قد رضي دون حقّه ناقصا ،وإن قسم بينهما قاسم نصّباه ،فإن قلنا إنّه يفتقر إلى التّراضي بعد خروج القرعة لم تقبل دعواه ،لنّه
رضي بأخذ حقّه ناقصا ،وإن قلنا إنّه ل يفتقر إلى التّراضي بعد خروج القرعة فهو كقسمة الجبار فل يقبل قوله إلّ ببيّنة . ل الحوال -حتّى في صورة ما تمّت قسمته تراضيا -إنّه متى وقال في المغني :إنّه في ك ّ أقام البيّنة بالغلط نقضت القسمة ،لنّ ما ادّعاه محتمل ثبت ببيّنة عادلة فأشبه ما لو شهد على نفسه بقبض الثّمن أو المسلم فيه ثمّ ادّعى غلطا في كيله . ن شيئا ممّا أصابه في يد قال الحنفيّة :إذا ادّعى أحد المتقاسمين الغلط في القسمة وزعم أ ّ ل ببيّنة ،لنّه يدّعي صاحبه -وكان قد أشهد على نفسه بالستيفاء -لم يصدّق على ذلك إ ّ ل بحجّة ،وإن لم يكن له بيّنة استحلف الشّركاء فمن فسخ القسمة بعد وقوعها فل يصدّق إ ّ نكل منهم جمع بين نصيب النّاكل والمدّعي فيقسم بينهما على قدر أنصبائهما ،لنّ النّكول حجّة في حقّه خاصّ ًة فيعاملن على زعمهما ،وإن قال أصابني إلى موضع كذا فلم يسلّمه ن الختلف في إليّ ولم يشهد على نفسه بالستيفاء وكذّبه شريكه تحالفا وفسخت القسمة ،ل ّ مقدار ما حصل له بالقسمة فصار نظير الختلف في مقدار المبيع . وقال المالكيّة :إن ادّعى أحد المتقاسمين الجور والغلط ،فإن تحقّق الحاكم عدمهما منع مدّعيه من دعواه ،وإن أشكل المر بأن لم يكن متفاحشا ولم يثبت بقول أهل المعرفة حلف المنكر لدعوى صاحبه أنّ القاسم لم يجر ،ولم يغلط ،فإن نكل المنكر لدعوى صاحبه قسم ما ادّعى الخر أنّه حصل به الجور والغلط بينهما على قدر نصيب كلّ ،وأمّا إذا ثبت ما ذكر بقول أهل المعرفة ،أو كان متفاحشا وهو ما يظهر لهل المعرفة وغيرهم فإنّها تنقض القسمة .وقالوا :المراد بالجور ما كان عن عمد ،وبالغلط ما لم يكن عن عمد .
س -الخطأ في القرار والغلط فيه : - 69قال الشّافعيّة :إذا رجع المق ّر في حال تكذيب المقرّ له ،بأن يقول غلطت في القرار ، ن المال المقرّ به يترك في يده ،والثّاني :ل ،بناءً على أنّ ح بناءً على أ ّ قبل قوله في الص ّ الحاكم ينتزعه منه ،وهذه المسألة مبنيّة على مسألة أخرى هي أنّه إذا كذّب المقرّ له المقرّ بمال كثوب هل يترك المال في يد المق ّر أو ينتزعه الحاكم ويحفظه إلى ظهور مالكه ؟ ن المال يترك في يده ،ومقابل الصحّ ينتزع منه فالمسألة الولى مبنيّة على فالصحّ عندهم أ ّ هذه .وينظر التّفصيل في مصطلح ( :إقرار ) . - 70وفيها مسائل :
ع -الخطأ في الشّهادة :
أوّلً -إذا قال الشّاهدان بعد أداء الشّهادة وقبل الحكم بها وهمنا أو غلطنا في شهادتنا بدم أو حقّ على زيد بل هو عمرو .
قال الحنفيّة :لو شهد عدل فلم يبرح عن مجلس القاضي ولم يطل المجلس ولم يكذّبه المشهود له حتّى قال :أخطأت بعض شهادتي ،ول مناقضة قبلت شهادته بجميع ما شهد به لو عدلً ، ولو بعد القضاء ،وعليه الفتوى ،وقيل يقضى بما بقي إن تداركه بنقصان ،وإن بزيادة ن ما حدث بعدها قبل القضاء يجعل كحدوثه عندها .قال يقضى بها إن ادّعاها المدّعي ،ل ّ ل ،حتّى لو شهد بألف ثمّ قال :غلطت في الزّيلعيّ :ثمّ قيل :يقضى بجميع ما شهد به أ ّو ً ن المشهود به أ ّولً صار حقّا للمدّعي ووجب على القاضي القضاء خمسمائة يقضى بألف ،ل ّ به فل يبطل برجوعه .وقيل :يقضى بما بقي لنّ ما حدث بعد الشّهادة قبل القضاء كحدوثه ن الشّاهد إذا قال وهمت في الزّيادة أو في عند الشّهادة .ثمّ قال :وذكر في النّهاية :أ ّ النّقصان :يقبل قوله إذا كان عدلً ول يتفاوت بين أن يكون قبل القضاء أو بعده . وقال المالكيّة :سقطت الشّهادتان :الولى لعترافهما بأنّهما على وهم وشكّ ،والثّانية لعترافهما بعدم عدالتهما حيث شهدا على شكّ ،وكذا بعد الحكم وقبل الستيفاء إن كانت في دم ل في مال فل تسقط ،ويدفع لمن شهدا له به أ ّولً ثمّ يغرّمانه .وقال ابن القاسم والكثر :ل يغرمان إذا قال وهمنا . وفي القوانين الفقهيّة :إذا ادّعى الشّاهد الغلط فاختلف هل يلزمه ما لزم المتعمّد للكذب أم ل ؟ والصّحيح أنّه يلزمه في الموال لنّها تضمن في الخطأ . وقال الشّافعيّة :إذا رجع الشّهود قبل الحكم امتنع الحكم بالشّهادة ،لنّه ل يدري أصدقوا في ن الصّدق في الشّهادة ،أو بعد الحكم وقبل استيفاء مال الوّل أو في الثّاني فل يبقى ظ ّ استوفي ،أو قبل عقوبة كالقصاص وحدّ القذف والزّنى والشّرب ،فل يستوفى لنّها تسقط بالشّبهة ،والرّجوع شبهة ،والمال ل يسقط بها . فلو كان الرّجوع بعد الستيفاء لم ينقض الحكم ،فإن كان المستوفى قصاصا ،أو قتل ردّة ، أو رجم زنًى أو جلده ومات المجلود ،وقالوا تعمّدنا فعليهم قصاص أو دية مغلّظة ،فإن قالوا أخطأنا فل قصاص ،فإن قال بعضهم تعمّدت وقال بعضهم أخطأت فلكلّ حكمه . وقال الحنابلة :إذا رجع شهود الصل بعد الحكم وقالوا غلطنا ضمنوا لعترافهم بتعمّد التلف بقولهم كذبنا ،أو بخطئهم بقولهم غلطنا .وإن رجع شهود قصاص أو شهود حدّ بعد الحكم بشهادتهم وقبل الستيفاء لم يستوف القود ول الحدّ ،لنّ المحكوم به عقوبة ل سبيل إلى جبرها إذا استوفيت بخلف المال ،ولنّ رجوع الشّهود شبهة لحتمال صدقهم ،والقود والحدّ يدرآن بالشّبهة ،ووجبت دية قود للمشهود له ،لنّ الواجب بالعمد أحد شيئين وقد سقط أحدهما فتعيّن الخر ،ويرجع المشهود عليه بما غرمه من الدّية على الشّهود .
وإن كان رجوعهم بعد الستيفاء وقالوا أخطأنا فعليهم دية ما تلف مخفّفة ،لنّه خطأ ،وتكون في أموالهم ،لنّه بإقرارهم ،والعاقلة ل تحمله .
ثانيا -مسائل متفرّقة في الغلط في الشّهادة : - 71الولى -إذا غلط الشّهود في الحدّ الرّابع من حدود الدّار فل تجوز شهادتهم ،لنّه يختلف المدّعى بالغلط نظير ما إذا شهد شاهدان بالبيع وقبض الثّمن وتركا ذكر الثّمن جاز ، ولو غلطا في الثّمن ل تجوز شهادتهما لنّه صار عقدا آخر بالغلط . الثّانية -إذا قال شهود الصل أشهدنا شهود الفرع وغلطنا ،قال محمّد بالضّمان ،وقال أبو حنيفة وأبو يوسف بعدمه . الثّالثة -الشّهادة على الخطّ :قال بعضهم :ل تجوز الشّهادة على الخطّ في شيء من الشياء ن الغلط نادر . ،لنّه قد يحصل غلط للعقل بذلك وعزاه الباجيّ للمشهور .وقيل :إ ّ ل يرعب الشّاهد الرّابعة -قال المالكيّة :إن اتّهم القاضي الشّاهدين بالغلط فل يفرّق بينهما لئ ّ ويختلط عقله .وعند الشّافعيّة يفرّق إن ارتاب في الشّهود . ن الثّقة ل تحصل بقوله الخامسة -ل تقبل شهادة شخص معروف بكثرة غلط ونسيان ،ل ّ لحتمال أن تكون شهادته ممّا غلط فيها وسها . ح :ل يكفي في التّعديل قول المدّعى عليه هو السّادسة -قال الحنفيّة والشّافعيّة في الص ّ عدل وقد غلط في شهادته عليّ ،ومقابل الصحّ الكتفاء بذلك في الحكم عليه ل في التّعديل ، وقوله غلط ليس بشرط وإنّما هو بيان ،لنّ إنكاره مع اعترافه بعدالته مستلزم لنسبته للغلط وإن لم يصرّح به .
ثالثا -الشّهود إذا رجعوا عن الشّهادة بعد الحكم وقالوا أخطأنا هل يعزّرون ؟
قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وطائفة من الحنفيّة :ل يعزّرون ،لنّ اللّه تعالى قال { :
ت قُلُو ُبكُمْ } هذا إن كان قولهم يحتمل الصّدق طأْتُم بِ ِه وََلكِن مّا َت َعمّدَ ْ خَ جنَاحٌ فِيمَا َأ ْ وََليْسَ عََل ْي ُكمْ ُ في الخطأ ،وإن لم يحتمله عزّروا ولم يقبل قولهم . قال العدويّ في حاشيته على شرح الخرشيّ :وإن أشكل فقولن ،وقال الرّمليّ :وإن ادّعوا الغلط أي في استحقاقهم التّعزير .ونقل ابن عابدين عن الفتح قوله :يعزّر الشّهود سواء رجعوا قبل القضاء أو بعده .قال :ول يخلو عن نظر :لنّ الرّجوع ظاهر في أنّه توبة عن تعمّد الزّور إن تعمّده ،أو السّهو والعجلة إن كان أخطأ فيه ،ول تعزير على التّوبة ول على ذنب ارتفع بها وليس فيه حدّ مقدّر .
ف -الخطأ في القضاء :
- 72قال الزّركشيّ :مدار نقض الحكم على تبيّن الخطأ ،والخطأ إمّا في اجتهاد الحاكم في ي حيث تبيّن الّنصّ أو الجماع أو القياس الجليّ بخلفه ،ويكون الحكم مرتّبا الحكم الشّرع ّ على سبب صحيح ،وإمّا في السّبب حيث يكون الحكم مرتّبا على سبب باطل ،كشهادة الزّور .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :قضاء ) .
الخطأ في تنفيذ الح ّد والتّعزير : ن اليسار يمينا مع اعتقاد وجوب - 73مذهب الحنفيّة :قال الكاسانيّ :إذا أخطأ المام فظ ّ قطع اليمين فعند أبي حنيفة ل ضمان عليه . ونظيره لو قال الحاكم لمقيم الحدّ :اقطع يد السّارق ،فقطع اليسرى خطأً قال :ل ضمان عليه عند أصحابنا ،وعند زفر يضمن لنّ الخطأ في حقوق العباد ليس بعذر .ودليلهم أنّ سكًا بظاهر قوله سبحانه { : هذا خطأ في الجتهاد ; لنّه أقام اليسار مقام اليمين باجتهاده متم ّ فَا ْقطَعُو ْا َأ ْي ِد َي ُهمَا } من غير فصل بين اليمين واليسار ،فكان هذا خطأً من المجتهد في الجتهاد ،وهو موضوع . ل ،فإنّ ذلك يجزئه عن وقال المالكيّة :لو أخطأ المام أو غيره فقطع يد السّارق اليسرى أ ّو ً ل الجزاء إذا حصل الخطأ بين متساويين ،وأمّا لو أخطأ فقطع الرّجل قطع يده اليمنى ،ومح ّ وقد وجب قطع اليد ،ونحوه ،فل يجزئ ،ويقطع العضو الّذي ترتّب عليه القطع ويؤدّي دية الخر . وقال الشّافعيّة :ما وجب بخطأ إمام أو نوّابه في حدّ ،أو تعزير ،وحكم في نفس أو نحوهما ن خطأه يكثر ،فعلى عاقلته كغيره ،وفي قول :في بيت المال إن لم يظهر منه تقصير ،ل ّ بكثرة الوقائع بخلف غيره ،والكفّارة في ماله قطعا وكذا خطؤه في المال . وقال الحنابلة :إن زاد على الحدّ فتلف وجب الضّمان وفي مقداره قولن : أحدهما :كمال الدّية . والثّاني :نصف الضّمان ،وسواء زاد خطأً أو عمدا ،لنّ الضّمان يجب في الخطأ والعمد . وقالوا :إذا مات من التّعزير لم يجب ضمانه ،لنّها عقوبة مشروعة للرّدع والزّجر فلم يضمن من تلف بها . ثمّ قالوا :وكلّ موضع قلنا يضمن المام فهل يلزم عاقلته أو بيت المال ،روايتان :إحداهما: بيت المال ،لنّ خطأه يكثر ،فلو وجب ضمانه على عاقلته أجحف بهم وهذا أصحّ . والثّانية :على عاقلته ،لنّها وجبت بخطئه فكانت على عاقلته .
الخطأ في القصاص :
- 74ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا قطع يد رجل عمدا حتّى وجب عليه القصاص ،فقطع الرّجل يده فمات ضمن الدّية في قول أبي حنيفة ،لنّه استوفى غير حقّه ،لنّ حقّه القطع ،وهو أتى بالقتل ،وفي قولهما ل شيء عليه . وذهب المالكيّة إلى أنّ المباشر للقصاص إذا زاد على القدر المطلوب المأذون فيه تعمّدا ، ص منه بقدر ما زاد على القدر المطلوب بالمساحة ،فإن نقص عمدًا أو خطأً فإنّه ل فإنّه يقت ّ يقتصّ منه ثانيا لنّه قد اجتهد . وقال اللّخميّ :إذا قطع الطّبيب في الموضع المعتاد فمات لم يكن عليه شيء ،وإن زاد على ذلك يسيرا ووقع القطع فيما قارب كان خطأً ،وإن زاد على ذلك فيما ل يشكّ فيه أنّ ذلك عمد كان فيه القصاص ،وإن تردّد بين الخطأ والعمد كانت فيه دية مغلّظة . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن وجب له القصاص بالسّيف فضربه فأصاب غير الموضع وادّعى أنّه أخطأ ،فإن كان يجوز في مثله الخطأ فالقول قوله مع يمينه ،لنّ ما يدّعيه محتمل ،وإن كان ل يجوز في مثله الخطأ لم يقبل قوله ول يسمع فيه يمينه ،لنّه ل يحتمل ما يدّعيه ، ص فقد قال في موضع ل يمكن ،وقال في موضع يمكن . وإن أراد أن يعود ويقت ّ وقال :ومن وجب له القصاص في موضحة فاستوفى أكثر من حقّه وجب عليه القود في الزّيادة ،وإن كان خطأً وجب عليه الرش . وذهب الحنابلة إلى أنّه إن كانت الزّيادة خطأً مثل أن يستحقّ قطع أصبع فيقطع اثنتين ،أو جرحًا ل يوجب القصاص ،مثل أن يستحقّ موضحةً فاستوفاها هاشم ًة فعليه أرش الزّيادة إلّ ص مع يمينه ; أن يكون ذلك بسبب من الجاني كاضطرابه حال الستيفاء فل شيء على المقت ّ ن هذا ممّا يمكن الخطأ فيه وهو أعلم بقصده . لّ
حكم الخطأ في الفتوى من حيث الضّمان وعدمه : - 75عند الحنفيّة في تضمين المفتي إذا أخطأ قولن : الوّل :تضمين المفتي إذا ترتّب على فتواه ضرر للمستفتي قياسا على خطأ القاضي ، والثّاني :عدم تضمينه لنّه متسبّب وليس مباشرا . وذهب المالكيّة إلى أنّ المفتي إذا أتلف بفتواه شيئًا وتبيّن خطؤه فيها ،فإن كان مجتهدا لم ل كانت فتواه غرورا يضمن ،وإن كان مقلّدا ضمن إن انتصب وتولّى فعل ما أفتى فيه ،وإ ّ قوليّا ،ل ضمان فيه ويزجر ،وإن لم يتقدّم له اشتغال بالعلم أدّب . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا عمل بفتواه في إتلف فبان خطؤه ،وأنّه خالف دليلً قاطعا فعن أبي إسحاق أنّه يضمن إن كان أهلً للفتوى ،ول يضمن إن لم يكن أهلً للفتوى ،لنّ المستفتي قصّر .حكاه أبو عمرو وسكت عليه .
وقال النّوويّ :ينبغي أن يخرج الضّمان على قولي الغرور المعروفين في بابي الغصب والنّكاح وغيرهما ،أو يقطع بعدم الضّمان ،إذ ليس في الفتوى إلزام ول إلجاء . وذهب الحنابلة إلى أنّه إن بان خطأ الحاكم في إتلف ،كقطع وقتل ،لمخالفة دليل قاطع ،أو بان خطأ مفت ليس أهلًا للفتيا ضمنا ،أي الحاكم والمفتي ،لنّه إتلف حصل بفعلهما ،أشبه ما لو باشراه ،وعلم منه أنّه لو أخطأ فيما ليس بقاطع ممّا يقبل الجتهاد ل ضمان .
خطّ * انظر :توثيق .
انظر :حكم .
خطاب اللّه * خطّاف *
انظر :أطعمة .
التّعريف :
خُطبة *
- 1الخطبة -بضمّ الخاء لغ ًة الكلم المنثور يخاطب به متكلّم فصيح جمعا من النّاس لقناعهم .والخطيب :المتحدّث عن القوم ،ومن يقوم بالخطابة في المسجد وغيره . والخطبة في الصطلح هي الكلم المؤلّف الّذي يتضمّن وعظا وإبلغا على صفة مخصوصة.
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الموعظة : - 2الموعظة هي النّصح والتّذكير بالعواقب ،والمر بالطّاعة . قال الخليل :هي التّذكير بالخير فيما يرقّ له القلب . ب -الوصيّة : - 3الوصيّة هي لغة التّقدّم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ . ج -النّصيحة : - 4النّصيحة هي الدّعوة إلى ما فيه الصّلح ،والنّهي عمّا فيه الفساد . ومن آدابها أن تكون سرّا ،في حين يشترط في الخطبة أن يسمعها جماعة من النّاس .
د -الكلمة : - 5تستعمل الكلمة بمعنى الكلم المؤلّف المطوّل :خطب ًة كان أو غيرها كالقصيدة والمقالة والرّسالة .
أحكام الخطب المشروعة : - 6الخطب المشروعة هي :خطبة الجمعة ،والعيدين ،والكسوفين ،والستسقاء ،وخطب الحجّ ،وكلّها بعد الصّلة إلّ خطبة الجمعة ،وخطبة الحجّ يوم عرفة . ومن الخطب المشروعة أيضا الخطبة في خطبة النّكاح .
أ -خطبة الجمعة : حكمها :
- 7هي شرط لصحّة الجمعة .واتّفقوا على أنّ الخطبتين شرط في انعقاد الجمعة ،إلّ ن خطبتان . ن الشّرط خطبة واحدة ،وتس ّ الحنفيّة فإنّهم يرون أ ّ ودليل الجمهور فعله صلى ال عليه وسلم مع قوله « :صلّوا كما رأيتموني أصلّي » ولنّ ل خطبة مكان ركعة ،فالخلل بإحداهما كالخلل الخطبتين أقيمتا مقام الرّكعتين ،وك ّ بإحدى الرّكعتين .
أركانها :
- 8اختلف الفقهاء في أركان خطبة الجمعة :
ن ركن الخطبة تحميدة أو تهليلة أو تسبيحة ،لنّ المأمور به في قوله فذهب أبو حنيفة إلى أ ّ سعَوْا إِلَى ِذ ْكرِ اللّهِ } مطلق الذّكر الشّامل للقليل والكثير ،والمأثور عنه صلى ال تعالى { :فَا ْ عليه وسلم ل يكون بيانًا لعدم الجمال في لفظ الذّكر . وقال الصّاحبان :ل ب ّد من ذكر طويل يسمّى خطب ًة . ل ما يسمّى خطب ًة عند العرب ولو سجعتين ،نحو :اتّقوا ن ركنها هو أق ّ أمّا المالكيّة فيرون أ ّ اللّه فيما أمر ،وانتهوا عمّا عنه نهى وزجر .فإن سبّح أو هلّل أو كبّر لم يجزه . وجزم ابن العربيّ أنّ أقلّها حمد اللّه والصّلة على نبيّه صلى ال عليه وسلم وتحذير ، وتبشير ،ويقرأ شيئا من القرآن . ن لها خمسة أركان وهي : وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ أ -حمد اللّه ،ويتعيّن لفظ " اللّه " ولفظ " الحمد " . ي صلى ال عليه وسلم ويتعيّن صيغة صلة ،وذكر النّبيّ صلى ال ب -الصّلة على النّب ّ عليه وسلم باسمه أو بصفته ،فل يكفي صلى ال عليه . ج -الوصيّة بالتّقوى ،ول يتعيّن لفظها .
د -الدّعاء للمؤمنين في الخطبة الثّانية . هـ -قراءة آية مفهمة -ولو في إحداهما -فل يكتفى بنحو " ثمّ نظر " ،لعدم استقللها بالفهام ،ول بمنسوخ التّلوة ،ويسنّ جعلها في الخطبة الولى . واستدلّوا على هذه الركان بفعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم . أمّا أركانها عند الحنابلة فأربعة ،وهي : أ -حمد اللّه تعالى ،بلفظ الحمد . ب -الصّلة على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بصيغة الصّلة . ح -الموعظة ،وهي القصد من الخطبة ،فل يجوز الخلل بها . د -قراءة آية كاملة وزاد بعضهم ركنين آخرين : أ -الموالة بين الخطبتين ،وبينهما وبين الصّلة .فل يفصل بين أجزاء الخطبتين ،ول بين إحداهما وبين الخرى ،ول بين الخطبتين وبين الصّلة . ب -الجهر بحيث يسمع العدد المعتبر للجمعة ،حيث ل مانع .وعدّهما الخرون في الشّروط -وهو الليق -كما يعرف من الفرق بين الرّكن والشّرط في علم أصول الفقه . شروطها : - 9اتّفق الفقهاء على بعض الشّروط لصحّة الخطبة وهي : أ -أن تقع في وقت الجمعة .ووقتها عند الجمهور هو وقت الظّهر ،يبدأ من بعد الزّوال إلى دخول وقت العصر ،للخبار في ذلك ،وجريان العمل عليه . ن وقتها يبدأ من أوّل وقت العيد ،وهو بعد ارتفاع الشّمس بمقدار رمح. أمّا الحنابلة فيرون أ ّ واستدلّ الحنابلة بحديث عبد اللّه بن سيلن قال " شهدت الجمعة مع أبي بكر رضي ال عنه فكانت خطبته وصلته قبل نصف النّهار ،ثمّ شهدتها مع عمر رضي ال عنه فكانت خطبته وصلته إلى أن أقول :قد انتصف النّهار ،ثمّ شهدتها مع عثمان رضي ال عنه فكانت صلته وخطبته إلى أن أقول :قد زال النّهار ،فما رأيت أحدًا عاب ذلك ول أنكره " . ب -أن تكون قبل الصّلة .فلو خطب بعدها أعاد الصّلة -فقط -إن قرب ،وإلّ استأنفها ،لنّ من شروطها وصل الصّلة بها . ح بهم ،فذهب الحنفيّة إلى أنّه ج -حضور جماعة تنعقد بهم .واختلفوا في العدد الّذي تص ّ يكفي حضور واحد من أهلها سوى المام -على الصّحيح . - أمّا المالكيّة فيرون وجوب حضور اثني عشر من أهلها الخطبتين ،فإن لم يحضروهما من أوّلهما لم يكتف بذلك ،لنّهما منزّلتان منزلة ركعتين من الظّهر . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى وجوب حضور أربعين من أهل وجوبها .
فلو حضر العدد ،ثمّ انفضّوا كلّهم أو بعضهم ،وبقي ما دون الربعين ،فإن انفضّوا قبل افتتاح الخطبة لم يبتدأ بها حتّى يجتمع أربعون ،وإن كان في أثنائها فإنّ الرّكن المأتيّ به في غيبتهم غير محسوب ،فإن عادوا قبل طول الفصل بنى على خطبته ،وبعد طوله يستأنفها لفوات شرطها وهو الموالة .هذا هو المعتمد وفي المذاهب أقوال أخرى ينظر في المطوّلت .د -رفع الصّوت بها ،بحيث يسمع العدد المعتبر ،إن لم يعرض مانع . واختلفوا فـي وجوب النصـات على المصـلّين ،فمذهـب الجمهور أنّه واجـب ،وأنّه يحرم الكلم إلّ للخطيب أو لمن يكلّمه الخطيب ،وكذا لتحذير إنسان من مهلكة . صتُواْ } ،وقوله صلى ال عليه وسلم س َتمِعُو ْا لَ ُه وَأَن ِ ودليلهم قوله تعالى { :وَِإذَا ُقرِئَ ا ْل ُقرْآنُ فَا ْ « إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة :أنصت والمام يخطب فقد لغوت » . ومذهب الشّافعيّة في القديم متّفق مع مذهب الجمهور ،أمّا في الجديد فإنّه ل يجب النصات ن أعرابيّا قال للنّبيّ صلى ال عليه وسلم وهو يخطب :يا ح«أّ ول يحرم الكلم ،لما ص ّ رسول اللّه هلك المال وجاع العيال » ...وسأله آخر عن موعد السّاعة ،ولم ينكر عليهما ، ولم يبيّن لهما وجوب السّكوت .وحملوا المر على النّدب ،والنّهي على الكراهة . هـ -الموالة بين أركان الخطبة ،وبين الخطبتين ،وبينهما وبين الصّلة . ويغتفر يسير الفصل ،هذا ما ذهب إليه الجمهور ،أمّا الحنفيّة فيشترطون أن ل يفصل بين الخطبة والصّلة بأكل أو عمل قاطع ،أمّا إذا لم يكن قاطعا كما إذا تذكّر فائتةً وهو في الجمعة فاشتغل بقضائها أو أفسد الجمعة فاحتاج إلى إعادتها ،أو افتتح التّطوّع بعد الخطبة ن الولى إعادتها ،وإن تعمّد ذلك يصير فل تبطل الخطبة بذلك ،لنّه ليس بعمل قاطع ،ولك ّ مسيئا . ز -كونها بالعربيّة ،تعبّدا .للتّباع ،والمراد أن تكون أركانها بالعربيّة ،ولنّها ذكر مفروض فاشترط فيه ذلك كتكبيرة الحرام ،ولو كان الجماعة عجما ل يعرفون العربيّة . وهذا ما ذهب إليه الجمهور . ح بغير العربيّة ،ولو كان الخطيب عارفا وقال أبو حنيفة وهو المعتمد عند الحنفيّة :تص ّ ل للعاجز عنها . بالعربيّة ،ووافق الصّاحبان الجمهور في اشتراط كونها بالعربيّة إ ّ وذهب المالكيّة إلى أنّه عند العجز عن التيان بها بالعربيّة ل تلزمهم الجمعة . وذهب المالكيّة إلى أنّه يشترط في الخطيب أن يكون عارفا معنى ما يقول ،فل يكفي أعجميّ لقّن من غير فهم -على الظّاهر . - وقال الشّافعيّة :عند عدم من يخطب بالعربيّة إن أمكن تعلّم العربيّة خوطب به الجميع فرض كفاية وإن زادوا على الربعين ،فإن لم يفعلوا عصوا ول جمعة لهم بل يصلّون الظّهر ،
وأجاب القاضي عن سؤال ما فائدة الخطبة بالعربيّة إذا لم يعرفها القوم بأنّ فائدتها العلم بالوعظ من حيث الجملة .ويوافقه قول الشّيخين فيما إذا سمعوا الخطبة ولم يعرفوا معناها أنّها تصحّ .وإن لم يمكن تعلّمها خطب واحد بلغته ،وإن لم يعرفها القوم ،فإن لم يحسن أحد منهم التّرجمة فل جمعة لهم لنتفاء شرطها . ح -ال ّنيّة :اشترط الحنفيّة والحنابلة ال ّنيّة لصحّة الخطبة ،لقوله صلى ال عليه وسلم « : إنّما العمال بال ّنيّات » .فلو حمد اللّه لعطاسه أو تعجّبا ،أو صعد المنبر وخطب بل نيّة فل تصحّ .ولم يشترط المالكيّة والشّافعيّة ال ّنيّة لصحّة الخطبة . وهناك أمور شرطها بعض الفقهاء وذهب الجمهور إلى س ّنيّتها وتأتي في السّنن .
سننها : - 10تنقسم هذه السّنن إلى سنن متّفق عليها وأخرى مختلف فيها أمّا السّنن المتّفق عليها فهي : سنّة ،ويستحبّ أن يكون المنبر على أ -أن تكون الخطبة على منبر للقاء الخطبة ،اتّباعا لل ّ يمين المحراب " بالنّسبة للمصلّي " ،للتّباع . فإن لم يتيسّر المنبر فعلى موضع مرتفع ،لنّه أبلغ في العلم . سنّة . ل بال ّ ب -الجلوس على المنبر قبل الشّروع في الخطبة ،عم ً ج -استقبال الخطيب القوم بوجهه ،ويستحبّ للقوم القبال بوجههم عليه ،وجاءت فيه أحاديث كثيرة ،منها حديث عديّ بن ثابت عن أبيه قال « :كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم » . د -الذان بين يدي الخطيب ،إذا جلس على المنبر . وهذا الذان هو الّذي كان على عهد النّبيّ صلى ال عليه وسلم فعن السّائب بن يزيد رضي ال عنه أنّه قال « إنّ الذان يوم الجمعة كان أوّله حين يجلس المام يوم الجمعة على المنبر ،في عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي ال عنهما ،فلمّا كان في خلفة عثمان رضي ال عنه وكثروا أمر عثمان يوم الجمعة بالذان الثّالث فأذّن به على الزّوراء ،فثبت المر على ذلك » . هـ -رفع الصّوت بالخطبة زيادةً على الجهر الواجب السّابق بيانه لنّه أبلغ في العلم ، لقول جابر رضي ال عنه « كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه ، وعل صوته ،واشتدّ غضبه ،حتّى كأنّه منذر جيش يقول :صبّحكم ومسّاكم » . ز -تقصير الخطبتين ،وكون الثّانية أقصر من الولى ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :إنّ طول صلة الرّجل ،وقصر خطبته مئنّة من فقهه ،فأطيلوا الصّلة ،واقصروا الخطبة » .
ويستحبّ أن تكون الخطبة فصيحةً بليغ ًة مرتّبةً مفهومةً بل تمطيط ول تقعير ،ول تكون ألفاظا مبتذلةً ملفّقةً ،حتّى تقع في النّفوس موقعها . ح -أن يعتمد الخطيب على قوس أو سيف أو عصا ،لما روى الحكم بن حزن رضي ال عنه قال « :وفدت إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ...فأقمنا أيّاما شهدنا فيها الجمعة مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقام متوكّئا على عصا أو قوس فحمد اللّه وأثنى عليه كلمات خفيفات طيّبات مباركات » . وللحنفيّة تفصيل في المسألة فقالوا :يتّكئ على السّيف في كلّ بلدة فتحت عنو ًة ،ليريهم قوّة السلم والحزم ،ويخطب بدونه في كلّ بلدة فتحت صلحا . - 11وأمّا السّنن المختلف فيها فهي : أ -القيام في الخطبة مع القدرة ،للتّباع .وهو شرط عند الشّافعيّة وأكثر المالكيّة . ن القيام واجب غير شرط ،فإن جلس أثم وصحّت . وقال الدّردير :الظهر أ ّ فإن عجز خطب قاعدا فإن لم يمكنه خطب مضطجعا كالصّلة ،ويجوز القتداء به سواء ن الظّاهر أنّ ذلك لعذر .والولى للعاجز الستنابة . أقال ل أستطيع أم سكت ،ل ّ وهو سنّة عند الحنفيّة والحنابلة ،ولو قعد فيهما أو في إحداهما أجزأ ،وكره من غير عذر . ب -الجلوس بين الخطبتين مطمئنّا فيه ،للتّباع . وهو سنّة عند الجمهور .وشرط عند الشّافعيّة . ج -الطّهارة من الحدث والخبث غير المعفوّ عنه في الثّوب والبدن والمكان . وهي ليست شرطا عند الجمهور بل هي سنّة .وهي شرط عند الشّافعيّة وأبي يوسف . قال الشّافعيّة :فلو أحدث في أثناء الخطبة استأنفها ،وإن سبقه الحدث وقصر الفصل ،لنّها عبادة واحدة فل تؤدّى بطهارتين كالصّلة ،ومن ثمّ لو أحدث بين الخطبة والصّلة وتطهّر عن قرب لم يضرّ . ن تركها مكروه . ن الطّهارة ليست شرطا لصحّة الخطبتين ولك ّ والمشهور من مذهب المالكيّة أ ّ د -ستر العورة :ستر العورة سنّة عند الجمهور وهو شرط عند الشّافعيّة . هـ -ال سّلم على النّاس :ي سنّ عند الشّافعيّة والحنابلة أن يسلّم الخطيب على النّاس مرّتين إحداهمـا حال خروجـه للخطبـة " أي مـن حجرتـه أو عنـد دخوله المسـجد إن كان قادما مـن خارجه " والخرى ،إذا وصل أعلى المنبر وأقبل على النّاس بوجهه . وقال الحنفيّة والمالكيّة :يندب سلمه على النّاس عند خروجه للخطبة فقط ،ول يسلّم على المصلّين عند انتهاء صعوده على المنبر واستوائه عليه ،ول يجب ردّه ،لنّه يلجئهم إلى ما نهوا عنه .
ز -البداءة بحمد اللّه والثّناء عليه ،ثمّ الشّهادتين ثمّ الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم ،والعظة والتّذكير ،وقراءة آية من القرآن ،والدّعاء فيها للمؤمنين سنّة عند الحنفيّة، والمالكيّة ،كما يندب عند المالكيّة أيضًا ختمها بيغفر اللّه لنا ولكم . ب التّرتيب بأن يبدأ بالحمد ،ثمّ بالثّناء ،ث ّم بالصّلة ،ثمّ وقال الشّافعيّة والحنابلة :يستح ّ بالموعظة ،فإن نكس أجزأه لحصول المقصود .وهذا التّرتيب سنّة عندهم . ل الشّافعيّة فإنّه ركن عندهم .وقد تقدّم . والدّعاء للمؤمنين سنّة عند الجمهور إ ّ ح -صرّح الشّافعيّة بس ّنيّة حضور الخطيب بعد دخول الوقت ،بحيث يشرع في الخطبة أوّل ن هذا هو المنقول ،ول يصلّي تحيّة المسجد . وصوله إلى المنبر ل ّ ط -أن يصعد الخطيب المنبر على تؤدة ،وأن ينزل مسرعا عند قول المؤذّن قد قامت الصّلة .
مكروهاتها : - 12قال الحنفيّة :يكره التّطويل من غير قيد بزمن ،في الشّتاء لقصر الزّمان ،وفي الصّيف للضّرر بالزّحام والحرّ ،ويكره ترك شيء من سنن الخطبة ،وإذا خرج المام فل صلة ول كلم ،إلّ إذا تذكّر فائتةً ولو وترا ،وهو صاحب ترتيب فل يكره الشّروع فيها حينئذ ،بل يجب لضرورة صحّة الجمعة ،ويكره التّسبيح وقراءة القرآن والصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا كان يسمع الخطبة ،إلّ إذا أمر الخطيب بالصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم فإنّه يصلّي سرّا إحرازا للفضيلتين ،ويحمد في نفسه إذا عطس -على الصّحيح -ويكره تشميت العاطس وردّ السّلم ،لشتغاله بسماع واجب ،ويجوز إنذار أعمى وغيره إذا خشي تعرّضه للوقوع في هلك ،لنّ حقّ الدميّ مقدّم على النصات - حقّ اللّه -ويكره لحاضر الخطبة الكل والشّرب ،وقال الكمال :يحرم الكلم وإن كان أمرا بمعروف أو تسبيحا ،والكل والشّرب والكتابة .ويكره العبث واللتفات ،ويكره تخطّي رقاب النّاس إذا أخذ الخطيب بالخطبة ،ول بأس به قبل ذلك . - 13وقال المالكيّة :يكره تخطّي الرّقاب قبل جلوس الخطيب على المنبر لغير فرجة ،لنّه يؤذي الجالسين ،وأن يخطب الخطيب على غير طهارة ،والتّنفّل عند الذان الوّل لجالس في المسجد يقتدى به كعالم وأمير ،كما يكره التّنفّل بعد صلة الجمعة إلى أن ينصرف النّاس ويحرم الكلم من الجالسين حال الخطبة وبين الخطبتين ،ولو لم يسمعوا الخطبة إلّ أن يلغو الخطيب في خطبته ،بأن يأتي بكلم ساقط ،فيجوز الكلم حينئذ ،ويحرم السّلم من الدّاخل أو الجالس على أحد ،وكذا ردّه ،ولو بالشارة ويحرم تشميت العاطس ،ونهي لغ ،
والشارة له ،والكل والشّرب ،وابتداء صلة نفل بعد خروج الخطيب للخطبة ،ولو لداخل . - 14وقال الشّافعيّة :يكره في الخطبة أشياء منها : ما يفعله بعض جهلة الخطباء من ال ّدقّ على درج المنبر في صعوده ،والدّعاء إذا انتهى صعوده قبل جلوسه ،واللتفات في الخطبة ،والمجازفة في أوصاف السّلطين في الدّعاء لهم وكذبهم في كثير من ذلك ،والمبالغة في السراع في الخطبة الثّانية ،وخفض الصّوت بها ،واستدبار الخطيب للمصلّين ،وهو قبيح خارج عن عرف الخطاب ،والتّقعير والتّمطيط في الخطبة ،ويكره شرب الماء للمصلّين أثناء الخطبة للتّلذّذ ،ول بأس بشربه للعطش ، ويكره للدّاخل أن يسلّم والمام يخطب ،ويجب الرّدّ عليه ،ويستحبّ للمستمع تشميت العاطس لعموم الدلّة ،ويكره تحريما تنفّل من أحد من الحاضرين بعد صعود الخطيب على المنبر وجلوسه عليه ،ويجب على من كان في صلة تخفيفها عند صعود الخطيب المنبر وجلوسه ،ويكره الذان جماع ًة بين يدي الخطيب . ن له فعلها ،ويخفّفها وجوبا لقول وتستثنى التّحيّة لداخل المسجد والخطيب على المنبر فيس ّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما » ( .ر :تحيّة ف . ) 5/ - 15وقال الحنابلة :يكره اللتفات في الخطبة ،واستدبار النّاس ،ويكره للمام رفع يديه حال الدّعاء في الخطبة ،ول بأس بأن يشير بأصبعه في دعائه ،ويكره الدّعاء عقب صعوده المنبر ،ويكره للمصلّي أن يسند ظهره إلى القبلة ،ومدّ رجليه إلى القبلة ،ويكره رفع الصّوت قدّام بعض الخطباء ،وابتداء تطوّع بخروج الخطيب خل تحيّة المسجد فل يمنع الدّاخل منها ،ويكره العبث ،وشرب ماء عند سماع الخطبة ،ما لم يشتدّ عطشه .
ب -خطبة العيدين : حكمها :
- 16خطبتا العيد سنّة ل يجب حضورهما ول استماعهما ،لحديث عبد اللّه بن السّائب قال: « شهدت مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم العيد فلمّا قضى الصّلة قال :إنّا نخطب ،فمن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس ،ومن أحبّ أن يذهب فليذهب » . وقال بعض المالكيّة :الخطبة من سنّة الصّلة ،فمن شهد الصّلة ممّن تلزمه أو ل تلزمه من صبيّ أو امرأة لم يكن له أن يترك حضور سنّتها ،كطواف النّفل ليس له أن يترك ركوعه " أي ركعتي الطّواف " لنّه من سنّته . وهي كخطبة الجمعة في صفتها وأحكامها ،إلّ فيما يلي :
أ ولً -أن تفعل بعد صلة العيد ،ل قبلها .قال ابن قدامة :وخطبتا العيد بعد الصّلة ل نعلم فيه " أي في كونهما بعد الصّلة " خلفًا بين المسلمين . فإذا خطب قبل الصّلة ،فيرى الحنفيّة والمالكيّة أنّها صحيحة وقد أساء الخطيب بذلك ،أمّا ح ،ويعيدها بعد الصّلة . الشّافعيّة والحنابلة فيرون أنّها ل تص ّ ب أن يكبّر في أثنائها ،بخلف خطبة الجمعة ، ثانيا -ويسنّ افتتاحها بالتّكبير ،كما يستح ّ فإنّه يفتتحها بالحمد للّه .ويستحبّ عند الجمهور أن يفتتح الولى بتسع تكبيرات والثّانية بسبع ،ويرى المالكيّة أنّه ل حدّ لذلك ،فإن كبّر ثلثا أو سبعا أو غيرها ،فكلّ ذلك حسن . ويستحبّ أن يبيّن في خطبة الفطر أحكام زكاة الفطر ،وفي الضحى أحكام الضحيّة . ثالثا -أنّه ل يشترط في خطبة العيد -عند الشّافعيّة -القيام ،والطّهارة ،وستر العورة ، والجلوس بين الخطبتين .
د -خطبة الكسوف : ن النّبيّ صلى ال عليه - 17ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه ل خطبة لصلة الكسوف ،ل ّ وسلم أمر بالصّلة دون الخطبة . وقال المالكيّة :يندب وعظ بعدها ،يشتمل على الثّناء على اللّه ،والصّلة والسّلم على نبيّه، لفعله عليه الصلة والسلم . ول يكون على طريقة الخطبة ،لنّه ل خطبة لصلة الكسوف . ويندب عند الشّافعيّة أن يخطب المام بعد صلة الكسوف خطبتين كخطبتي الجمعة في أركانهما وسننهما ،ول تعتبر فيهما الشّروط كما في العيد ،واستدلّوا بفعله صلى ال عليه وسلم .ول تصحّ الخطبة إن قدّمها على الصّلة .وينظر التّفصيل في ( كسوف ) .
د -خطبة الستسقاء :
- 18يندب عند جمهور الفقهاء أن يخطب المام بعد صلة الستسقاء خطبة كخطبة العيد في الركان ،والشّروط ،والسّنن ،يعظ المسلمين فيها ويخوّفهم من المعاصي ،ويأمرهم بالتّوبة والنابة والصّدقة . وذهب أبو حنيفة -وهو المعتمد -إلى أنّه ل يصلّي جماع ًة ول يخطب . واختلف الفقهاء في عدد الخطب وكيفيّتها ،فذهب المالكيّة والشّافعيّة ومحمّد بن الحسن إلى أنّهما خطبتان كخطبتي العيد ،لكن يستبدل بالتّكبير الستغفار . وذهب الحنابلة وأبو يوسف إلى أنّها خطبة واحدة . قال الحنابلة :يكبّر في أوّلها تسع تكبيرات ،والمشهور عن أبي يوسف أنّه ل يكبّر . وانظر التّفصيل في ( استسقاء ) .
هـ -خطب الحجّ : ج ،يبيّن فيها مناسك الحجّ ن للمام أو نائبه الخطبة في الح ّ - 19اتّفق الفقهاء على أنّه يس ّ للنّاس ،وذلك اقتداء بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم واختلفوا في عدد الخطب الّتي يخطبها ، فذهب الجمهور إلى أنّها ثلث خطب ،وذهب الشّافعيّة إلى أنّها أربع . ل -الخطبة الولى : أو ً يسنّ عند الجمهور عدا الحنابلة أن يخطب المام أو نائبه بمكّة في اليوم السّابع من ذي الحجّة ،ويسمّى بيوم الزّينة ،خطبةً واحد ًة ل يجلس فيها يعلّم فيها النّاس مناسك الحجّ ،اقتداءً بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم . ثانيا -الخطبة الثّانية : تسنّ هذه الخطبة يوم عرفة بنمرة ،قبل أن يصلّي الظّهر والعصر -جمع تقديم -اقتداءً بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم يعلّم فيها النّاس ما أمامهم من مناسك ،ويحثّهم على الجتهاد في الدّعاء والعبادة . وهي خطبتان كخطبتي الجمعة عند الجمهور ،وقال الحنابلة هي خطبة واحدة . ثالثا -الخطبة الثّالثة : يسنّ عند الشّافعيّة والحنابلة أن يخطب المام يوم النّحر بمنًى ،خطبةً واحد ًة يعلّم النّاس فيها ي صلى ال عليه وسلم ن النّب ّ مناسكهم من النّحر والفاضة والرّمي ،لما روى ابن عبّاس » أ ّ خطب النّاس يوم النّحر ،يعني بمنىً » . ن هذه الخطبة تكون يوم الحادي عشر من ذي الحجّة ،ل يوم وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أ ّ النّحر ،لنّه يوم اشتغال بالمناسك ،يعلّم فيها النّاس جواز الستعجال لمن أراد ،وهي الخطبة الخيرة عندهم . رابعا -الخطبة الرّابعة : ى ثاني أيّام التّشريق خطبةً واحد ًة يعلّم فيها يسنّ عند الشّافعيّة والحنابلة أن يخطب المام بمن ً النّاس جواز النّفر وغير ذلك ويودّعهم .
و -خطبة النّكاح :
- 20يستحبّ أن يخطب العاقد أو غيره من الحاضرين خطبةً واحد ًة ،بين يدي العقد ،وإن خطب بما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم فهو أحسن . وقال الشّافعيّة :يستحبّ تقديم خطبتين ،إحداهما قبل الخطبة ،والخرى قبل العقد .
خطبة الجمعة *
انظر :خطبة ،صلة الجمعة .
خطبة الحاجة * انظر :خطبة .
انظر :خطبة ،صلة العيد .
خطبة العيد * خطبة عرفة *
انظر :خطبة .
انظر :خطبة .
خطبة منىً * خِطبة *
التّعريف : - 1الخطبة -بكسر الخاء -مصدر خطب ،يقال :خطب المرأة خطبةً وخطبا ، واختطبها ،إذا طلب أن يتزوّجها ،واختطب القوم فلنا إذا دعوه إلى تزويج صاحبتهم . ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ . النّكاح :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2النّكاح مصدر نكح ،يقال :نكح فلن امرأةً ينكحها إذا تزوّجها ،ونكحها ينكحها : وطئها أيضا . واصطلحا :عقد يفيد ملك المتعة قصدا ،بين رجل وامرأة من غير مانع شرعيّ . والخطبة مقدّمة للنّكاح ،ول يترتّب عليها ما يترتّب على النّكاح .وسيأتي تفصيل ذلك .
الحكم التّكليفيّ : - 3الخطبة في الغالب وسيلة للنّكاح ،إذ ل يخلو عنها في معظم الصّور ،وليست شرطا لصحّة النّكاح فلو تمّ بدونها كان صحيحا ،وحكمها الباحة عند الجمهور . والمعتمد عند الشّافعيّة أنّ الخطبة مستحبّة لفعله صلى ال عليه وسلم حيث « خطب عائشة بنت أبي بكر ،وخطب حفصة بنت عمر رضي ال عنهم » .
أوّلً :اختلف حكم الخطبة بالنّظر إلى حال المرأة : أ -خطبة الخليّة :
- 4اتّفق الفقهاء على أنّ المرأة الخليّة من النّكاح والعدّة والخطبة وموانع النّكاح تجوز خطبتها تصريحا وتعريضا .وأمّا المنكوحة ،أو المعتدّة ،أو المخطوبة ،أو الّتي قام بها مانع من موانع النّكاح ،فل تجوز خطبتها على التّفصيل التي :
خطبة زوجة الغير : - 5ل تجوز خطبة المنكوحة تصريحا أو تعريضا ،لنّ الخطبة مقدّمة للنّكاح ،ومن كانت في نكاح صحيح ل يجوز للغير أن ينكحها فل تصحّ خطبتها ول تجوز بل تحرم .
خطبة من قام بها مانع :
ن الخطبة مقدّمة إلى النّكاح ،وما - 6ل تجوز خطبة من قام بها مانع من موانع النّكاح ،ل ّ دام ممنوعا فتكون الخطبة كذلك على أنّه يحلّ خطبة نحو مجوسيّة لينكحها إذا أسلمت .
خطبة المعتدّة : - 7يختلف حكم خطبة المعتدّة باختلف لفظ الخطبة " تصريحا كان أو تعريضا " وباختلف حالة المعتدّة " رجعيّةً كانت أو بائنًا بطلق ،أو فسخ ،أو انفساخ ،أو موت ،أو معتدّة من شبهة " .
التّصريح بالخطبة :
- 8هو ما يقطع بالرّغبة في النّكاح ول يحتمل غيره ،كقول الخاطب للمعتدّة :أريد أن أتزوّجك ،أو :إذا انقضت عدّتك تزوّجتك . ن التّصريح بخطبة معتدّة الغير حرام سواء أكان من طلق رجعيّ أم وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ جنَاحَ عََل ْي ُكمْ فِيمَا ل ُ بائن ،أم وفاة ،أم فسخ ،أم غير ذلك لمفهوم قول اللّه تعالى َ { :و َ س َت ْذ ُكرُو َنهُنّ وَلَـكِن لّ س ُكمْ عَِلمَ الّل ُه َأ ّنكُمْ َ طبَةِ ال ّنسَاء أَ ْو َأ ْكنَن ُتمْ فِي أَن ُف ِ خ ْ ن ِ ضتُم ِبهِ مِ ْ ع ّر ْ َ حتّىَ َيبْلُ َغ ا ْل ِكتَابُ َأجَلَهُ ح َ ل َتعْ ِزمُواْ عُ ْق َدةَ ال ّنكَا ِ ن سِرّا ِإلّ أَن تَقُولُو ْا قَ ْولً ّم ْعرُوفا َو َ عدُوهُ ّ تُوَا ِ حذَرُوهُ وَاعَْلمُواْ َأنّ الّلهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } . سكُمْ فَا ْ ن اللّ َه َيعْلَ ُم مَا فِي أَن ُف ِ وَاعَْلمُو ْا أَ ّ ن الخاطب إذا صرّح بالخطبة تحقّقت رغبته فيها فربّما تكذب في انقضاء العدّة . ول ّ وحكى ابن عطيّة وغيره الجماع على ذلك .
التّعريض بالخطبة : - 9قال المالكيّة :التّعريض أن يضمّن كلمه ما يصلح للدّللة على المقصود وغيره إلّ أنّ ن التّعريض ما ذكرناه ، إشعاره بالمقصود أتمّ ،ويسمّى تلويحا ،والفرق بينه وبين الكناية أ ّ
والكناية هي التّعبير عن الشّيء بلزمه ،كقولنا في كرم الشّخص :هو طويل النّجاد كثير الرّماد . وعرّف الشّافعيّة التّعريض بالخطبة بأنّه :ما يحتمل الرّغبة في النّكاح وغيرها كقوله :وربّ راغب فيك ،ومن يجد مثلك ؟ وقالوا :ونحو الكناية وهي الدّللة على الشّيء بذكر لزمه قد يفيد ما يفيده التّصريح كأريد أن أنفق عليك نفقة الزّوجات وتحلّين لي ،وقد ل يفيد ذلك فيكون تعريضا كذكر العبارة السّابقة " أريد أن أنفق ...إلخ " ما عدا " وتحلّين لي " . جنَاحَ عََل ْي ُكمْ وفسّر ابن عبّاس رضي ال تعالى عنهما التّعريض في قول اللّه تعالى َ { :ولَ ُ خطْبَ ِة ال ّنسَاء } بقوله :يقول :إنّي أريد التّزوّج ،ولوددت أنّه ييسّر لي ن ِ ضتُم بِ ِه مِ ْ عرّ ْ فِيمَا َ امرأة صالحة .وليس حكم التّعريض بالخطبة واحدا بالنّسبة لجميع المعتدّات ،بل إنّه مختلف بالنّظر إلى حالة كلّ معتدّة ،رجعيّ ًة كانت أو بائنا بطلق أو فسخ أو موت .
التّعريض بخطبة المعتدّة الرّجعيّة : - 10اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم التّعريض بخطبة المعتدّة الرّجعيّة لنّها في معنى الزّوجيّة ن نكاح الوّل قائم ،ولنّها لعودها إلى النّكاح بالرّجعة ،فأشبهت الّتي في صلب النّكاح ،ول ّ مجفوّة بالطّلق فقد تكذب انتقاما .
التّعريض بخطبة المعتدّة المتوفّى عنها :
- 11اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز التّعريض بخطبة المعتدّة المتوفّى عنها زوجها ،ليفهم مراد ضتُم بِ ِه مِنْ عرّ ْ جنَاحَ عََل ْي ُكمْ فِيمَا َ المعرّض بالخطبة ل ليجاب ،وذلك لقوله تعالى َ { :ولَ ُ خطْبَ ِة ال ّنسَاء } ...وهي واردة في عدّة الوفاة ،ولنّ « رسول اللّه صلى ال عليه وسلم دخل ِ على أ ّم سلمة رضي ال عنها وهي متأيّم من أبي سلمة رضي ال تعالى عنه فقال :لقد علمت أنّي رسول اللّه وخيرته وموضعي من قومي » . ولنقطاع سلطنة الزّوج عليها مع ضعف التّعريض .
التّعريض بخطبة المعتدّة البائن : 12
-ذهـب المالكيّة والشّافعيّة -فـي الظهـر عندهـم -والحنابلة إلى أنّه يجوز التّعريـض
طبَةِ خ ْ ِنـ ِ ِهـ م ْ عرّضْت ُم ب ِ ُمـ فِيم َا َ َاحـ عََل ْيك ْ جن َ ل ُ بخطبـة المعتدّة البائن لعموم قوله تعالى َ { :و َ ن النّبيّ صلى ال عليه النّسَاء } ...ولما روي عن « فاطمة بنت قيس رضي ال تعالى عنها أ ّ وسلم قال لها لمّا طلّقها زوجها ثلثا :إذا حللت فآذنيني » وفي لفظ « ل تسبقيني بنفسك ». و في ل فظ « ل تفوتي نا بنف سك » وهذا تعر يض بخطبت ها في عدّت ها ،ولنقطاع سلطة الزّوج عليها .
وذ هب الحنفيّة و هو مقا بل الظ هر ع ند الشّافعيّة إلى أنّه ل يجوز التّعر يض بخط بة المعتدّة البائن لفضائه إلى عداوة المطلّق .
خطبة المعتدّة من نكاح فاسد أو فسخ : - 13اختلف الفقهاء في حكم التّعريض بخطبة المعتدّة من نكاح فاسد وفسخ وشبههما ، كالمعتدّة من لعان أو ردّة ،أو المستبرأة من الزّنى ،أو التّفريق لعيب أو عنّة . فذهب الجمهور المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وجمهور الحنفيّة إلى جواز التّعريض لهنّ أخذا بعموم الية وقياسا على المطلّقة ثلثا ،وأنّ سلطة الزّوج قد انقطعت . هذا كلّه في غير صاحب العدّة الّذي يحلّ له نكاحها فيها ،أمّا هو فيحلّ له التّعريض والتّصريح ،وأمّا من ل يحلّ له نكاحه فيها كما لو طلّقها الثّالثة أو رجعيّا فوطئها أجنبيّ بشبهة في العدّة فحملت منه ،فإنّ عدّة الحمل تقدّم ،فل يحلّ لصاحب عدّة الشّبهة أن يخطبها ; لنّه ل يجوز له العقد عليها حينئذ . وذهب بعض الحنفيّة إلى أنّ التّعريض يختلف حكمه بحسب ما يترتّب عليه ،فإن كان يؤدّي إلى عداوة المطلّق فهو حرام ،وإلّ فل .
جواب الخطبة :
- 14حكم جواب المرأة أو وليّها للخاطب كحكم خطبة هذا الخاطب حلّا وحرم ًة ،فيحلّ للمتوفّى عنها زوجها المعتدّة أن تجيب من عرّض بخطبتها بتعريض أيضا ،ويحرم عليها وعلى كلّ معتدّة التّصريح بالجواب -لغير صاحب العدّة الّذي يحلّ له نكاحها -وكذلك الحكم في بقيّة المعتدّات في ضوء التّفصيل السّابق .
خطبة المحرم : - 15يكره للمحرم أن يخطب امرأةً ولو لم تكن محرمةً عند الجمهور ،كما يكره أن يخطب غير المحرم المحرمة ،لما رواه مسلم عن عثمان رضي ال تعالى عنه مرفوعا « :ل ينكح المحرم ول ينكح ول يخطب » ،والخطبة تراد لعقد النّكاح فإذا كان ممتنعا كره الشتغال بأسبابه ،ولنّه سبب إلى الحرام .ويجوز عند الحنفيّة الخطبة حال الحرام .
من تخطب إليه المرأة :
15م -خطبة المرأة المجبرة تكون إلى وليّها ،وقد روي عن عروة « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم خطب عائشة رضي ال تعالى عنها إلى أبي بكر رضي ال تعالى عنه فقال له أبو بكر :إنّما أنا أخوك ،فقال صلى ال عليه وسلم له :أخي في دين اللّه وكتابه وهي لي حلل» ويجوز أن تخطب المرأة الرّشيدة إلى نفسها ،لحديث « أمّ سلمة رضي ال تعالى عنها قالت: لمّا مات أبو سلمة أرسل إليّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة رضي ال تعالى
ن لي بنتا وأنا غيور ،فقال :أمّا ابنتها فندعو اللّه أن يغنيها عنه يخطبني له ،فقلت له :إ ّ عنها ،وأدعو اللّه أن يذهب بالغيرة » . وكذلك الرّواية الخرى « :إنّي امرأة غيرى وإنّي امرأة مصبية فقال :أمّا قولك :إنّي امرأة غيرى فسأدعو اللّه لك فيذهب غيرتك ،وأمّا قولك :إنّي امرأة مصبية فستكفين صبيانك » .
عرض الوليّ مولّيته على ذوي الصّلح : - 16يستحبّ للوليّ عرض مولّيته على ذوي الصّلح والفضل ،كما عرض الرّجل الصّالح إحدى ابنتيه على موسى عليه الصلة والسلم المشار إليه في قوله تعالى { :إنّي ُأرِيدُ أَنْ حكَ ، } ...وكما فعل عمر رضي ال عنه حيث عرض ابنته حفصة رضي ال تعالى ُأ ْن ِك َ عنها على عثمان ،ثمّ على أبي بكر رضي ال تعالى عنهما .
إخفاء الخطبة :
- 17ذهب المالكيّة إلى أنّه يندب إخفاء الخطبة خلفا لعقد النّكاح فيندب -عندهم وعند بقيّة الفقهاء -إعلنه لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :أعلنوا هذا النّكاح » .
ثانيا :الخطبة على الخطبة : - 18ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الخطبة على الخطبة حرام إذا حصل الرّكون إلى الخاطب ن رسول اللّه صلى ال عليه الوّل ،لما روى عبد اللّه بن عمر رضي ال تعالى عنهما أ ّ وسلم قال «:ل يخطب الرّجل على خطبة الرّجل حتّى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب» ولنّ فيها إيذاءً وجفاءً وخيانةً وإفسادا على الخاطب الوّل ،وإيقاعا للعداوة بين ن النّهي في الحديث للتّحريم . النّاس .وحكى النّوويّ الجماع على أ ّ
متى تحرم الخطبة على الخطبة ؟
- 19ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط للتّحريم أن يكون الخاطب الوّل قد أجيب ولم يترك ولم يعرض ولم يأذن للخاطب الثّاني ،وعلم الخاطب الثّاني بخطبة الوّل وإجابته . وزاد الشّافعيّة في شروط التّحريم ،أن تكون إجابة الخاطب الوّل صراحةً ،وخطبته جائزة أي غير محرّمة ،وأن يكون الخاطب الثّاني عالما بحرمة الخطبة على الخطبة . ن إجابة الخاطب الوّل تعريضا تكفي لتحريم الخطبة على خطبته ول وقال الحنابلة :إ ّ يشترط التّصريح بالجابة .وهذا ظاهر كلم الخرقيّ وكلم أحمد . وقال المالكيّة :يشترط لتحريم الخطبة على الخطبة ركون المرأة المخطوبة أو وليّها ، ووقوع الرّضا بخطبة الخاطب الوّل غير الفاسق ولو لم يقدّر صداق على المشهور ،ومقابله لبن نافع :ل تحرم خطبة الرّاكنة قبل تقدير الصّداق . وسيأتي حكم خطبة المسلم على خطبة الفاسق ،أو خطبة الكافر لل ّذ ّميّة .
من تعتبر إجابته أو ردّه : ن المعتبر ردّ الوليّ وإجابته إن كانت مجبرةً ،وإلّ فردّها - 20ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ وإجابتها . وقال المالكيّة :المعتبر ركون غير المجبرة إلى الخاطب الوّل ،وركون المجبرة معرّضا مجبرها بالخاطب ولو بسكوته ،وعليه ل يعتبر ركون المجبرة مع ردّ مجبرها ،ول ردّها مع ركونه ،ول يعتبر ركون أمّها أو وليّها غير المجبر مع ردّها ل مع عدمه فيعتبر .
خطبة من ل تعلم خطبتها أو جوابها :
- 21المرأة الّتي ل يعلم أهي مخطوبة أم ل ،أجيب خاطبها أم ردّ ،يجوز لمن ل يعلم ذلك ن الصل الباحة ،والخاطب معذور بالجهل . أن يخطبها ل ّ
الخطبة على خطبة الكافر والفاسق : ن الخطبة على خطبة الكافر المحترم " غير الحربيّ أو - 22ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ ي كتابيّ ًة ويجاب ثمّ يخطبها مسلم ،لما في المرتدّ " حرام ،وصورة المسألة :أن يخطب ذمّ ّ الخطبة الثّانية من اليذاء للخاطب الوّل ،وقالوا :إنّ ذكر لفظ الخ في بعض روايات الحديث « :ل يخطب الرّجل على خطبة أخيه » .خرج مخرج الغالب فل مفهوم له ،ولنّه أسرع امتثالً . وليس الحال في الفاسق كالكافر عند المالكيّة لنّ الفاسق ل يقرّ شرعا على فسقه ،فتجوز الخطبة على خطبته بخلف ال ّذمّيّ فإنّه في حالة يقرّ عليها بالجزية . وقال الحنابلة :ل تحرم الخطبة على خطبة كافر لمفهوم قوله صلى ال عليه وسلم « :على خطبة أخيه » ولنّ النّهي خاصّ ،بالمسلم وإلحاق غيره به إنّما يصحّ إذا كان مثله ،وليس ي كالمسلم ،ول حرمته كحرمته . ال ّذمّ ّ
العقد بعد الخطبة المحرّمة :
- 23اختلف الفقهاء في حكم عقد النّكاح على امرأة تحرم خطبتها على العاقد كالخطبة على الخطبة ،وكالخطبة المحرّمة في العدّة تصريحا أو تعريضا . فذهب الجمهور إلى أنّ عقد النّكاح على من تحرم خطبتها -كعقد الخاطب الثّاني على المخطوبة ،وكعقد الخاطب في العدّة على المعتدّة بعد انقضاء عدّتها -يكون صحيحا مع ن الخطبة المحرّمة ل تقارن العقد فلم تؤثّر فيه ،ولنّها ليست شرطا في صحّة الحرمة ،ل ّ النّكاح فل يفسخ النّكاح بوقوعها غير صحيحة . ن عقد الخاطب الثّاني على المخطوبة يفسخ حال خطبة الوّل وذهب بعض المالكيّة إلى أ ّ بطلق ،وجوبا لحقّ اللّه تعالى وإن لم يطلبه الخاطب الوّل ،وظاهره وإن لم يعلم الثّاني
بخطبة الوّل ،ما لم يبيّن الثّاني حيث استمرّ الرّكون أو كان الرّجوع لجل خطبة الثّاني ، ل لم فإن كان لغيرها لم يفسخ ،ومحلّه أيضا إن لم يحكم بصحّة نكاح الثّاني حاكم يراه وإ ّ ن فسخ العقد حينئذ مستحبّ ل واجب . يفسخ .والمشهور عن مالك وأكثر أصحابه أ ّ وقال المالكيّة :يكره لمن صرّح لمرأة في عدّتها بالخطبة أن يتزوّج تلك المرأة بعد انقضاء عدّتها ،فإن تزوّجها يندب له فراقها .
ثالثا :نظر الخاطب إلى المخطوبة : ن من أراد نكاح امرأة فله أن ينظر إليها ،قال ابن قدامة :ل نعلم - 24ذهب الفقهاء إلى أ ّ بين أهل العلم خلفا في إباحة النّظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها ،وقد روى جابر قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل » . قال :فخطبت امرأ ًة فكنت أتخبّأ لها حتّى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوّجتها . - 25لكنّ الفقهاء بعد اتّفاقهم على مشروعيّة نظر الخاطب إلى المخطوبة اختلفوا في حكم هذا النّظر فقال الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وبعض الحنابلة :يندب النّظر للمر به في الحديث الصّحيح مع تعليله بأنّه « أحرى أن يؤدم بينهما » أي تدوم المودّة واللفة . فقد ورد عن المغيرة بن شعبة رضي ال تعالى عنه قال « :خطبت امرأةً فقال لي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :أنظرت إليها ؟ قلت :ل ،قال :فانظر إليها فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما » . والمذهب عند الحنابلة أنّه يباح لمن أراد خطبة امرأة وغلب على ظنّه إجابته نظر ما يظهر غالبا .قال في " النصاف " :ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النّظر ،هذا هو المذهب ، وذلك لورود المر بالنّظر بعد الحظر ،في حديث المغيرة بن شعبة .
نظر المخطوبة إلى خاطبها :
- 26حكم نظر المرأة المخطوبة إلى خاطبها كحكم نظره إليها لنّه يعجبها منه ما يعجبه منها ،بل هي -كما قال ابن عابدين -أولى منه في ذلك لنّه يمكنه مفارقة من ل يرضاها بخلفها . واشترط جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " لمشروعيّة النّظر أن يكون النّاظر إلى المرأة مريدا نكاحها ،وأن يرجو الجابة رجا ًء ظاهرا ،أو يعلم أنّه يجاب إلى نكاحها ،أو يغلب على ظنّه الجابة .واكتفى الحنفيّة باشتراط إرادة نكاحها فقط .
العلم بالنّظر والذن فيه :
- 27ذهب الجمهور إلى أنّه ل يشترط علم المخطوبة أو إذنها أو إذن وليّها بنظر الخاطب إليها اكتفاءً بإذن الشّارع ولطلق الخبار ،بل قال بعضهم :إنّ عدم ذلك أولى لنّها قد تتزيّن له بما يغرّه ،ولحديث جابر رضي ال تعالى عنه السّابق وفيه إطلق الذن ،وقد تخبّأ جابر للمرأة الّتي خطبها حتّى رأى منها ما دعاه إلى نكاحها . وقال المالكيّة :محلّ ندب النّظر إن كان بعلم منها إن كانت رشيدةً ،وإلّ فمن وليّها ،وإلّ ل يتطرّق الفسّاق للنّظر للنّساء ويقولون :نحن خطّاب . كره لئ ّ
أمن الفتنة والشّهوة : - 28لم يشترط الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة لمشروعيّة النّظر أمن الفتنة أو الشّهوة أي ثورانها بالنّظر ،بل قالوا :ينظر لغرض التّزوّج وإن خاف أن يشتهيها ،أو خاف الفتنة ، ن الحاديث بالمشروعيّة لم تقيّد النّظر بذلك . لّ واشترط الحنابلة لباحة النّظر أمن الفتنة ،وأمّا النّظر بقصد التّلذّذ أو الشّهوة فهو على أصل التّحريم .
ما ينظر من المخطوبة :
- 29اتّفق الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة على أنّ ما يباح للخاطب نظره من مخطوبته الحرّة هو الوجه والكفّان ظاهرهما وباطنهما إلى كوعيهما لدللة الوجه على الجمال ،ودللة الكفّين ن القدمين ليستا بعورة حتّى في غير الخطبة. على خصب البدن ،وهناك رواية عند الحنفيّة أ ّ واختلف الحنابلة فيما ينظر الخاطب من المخطوبة ،ففي " مطالب أولي النّهى " " وكشّاف القناع " أنّه ينظر إلى ما يظهر منها غالبا كوجه ويد ورقبة وقدم ،لنّه صلى ال عليه وسلم لمّا أذن في النّظر إليها من غير علمها ،علم أنّه أذن في النّظر إلى جميع ما يظهر غالبا ،إذ ل يمكن إفراد الوجه بالنّظر مع مشاركة غيره في الظّهور ،ولنّه يظهر غالبا فأشبه الوجه . وفي المغني :ل خلف بين أهل العلم في إباحة النّظر إلى وجهها ،وذلك لنّه ليس بعورة ، وهو مجمع المحاسن وموضع النّظر ،ول يباح النّظر إلى ما ل يظهر عادةً . أمّا ما يظهر غالبا سوى الوجه ،كالكفّين والقدمين ونحو ذلك ممّا تظهره المرأة في منزلها ففيه روايتان للحنابلة . ن عبد اللّه إحداهما :ل يباح النّظر إليه لنّه عورة ،فلم يبح النّظر إليه كالّذي ل يظهر ،فإ ّ ن الحاجة تندفع ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :المرأة عورة » ،ول ّ بن مسعود روى أ ّ بالنّظر إلى الوجه فبقي ما عداه على التّحريم . والثّانية :وهي المذهب ،للخاطب النّظر إلى ذلك ،قال أحمد في رواية حنبل :ل بأس أن ينظر إليها وإلى ما يدعوه إلى نكاحها من يد أو جسم ونحو ذلك ،قال أبو بكر :ل بأس أن
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا ينظر إليها حاسرةً .ووجه جواز النّظر إلى ما يظهر غالبا أ ّ أذن في النّظر إليها من غير علمها علم أنّه أذن في النّظر إلى جميع ما يظهر عادةً إذ ل يمكن إفراد الوجه بالنّظر مع مشاركة غيره له في الظّهور ،ولنّه يظهر غالبا فأبيح النّظر إليه كالوجه ،ولنّها امرأة أبيح النّظر إليها بأمر الشّارع فأبيح النّظر منها إلى ذلك كذوات المحارم .وقال الوزاعيّ :ينظر الخاطب إلى مواضع اللّحم .
تزيّن المرأة الخليّة وتعرّضها للخطّاب : ن تحلية البنات بالحليّ والحلل ليرغب فيهنّ الرّجال سنّة . - 30ذهب الحنفيّة إلى أ ّ وأمّا المالكيّة فقد نقل الحطّاب عن ابن القطّان قوله :ولها -أي للمرأة الخالية من الزواج أن تتزيّن للنّاظرين " أي للخطّاب " ،بل لو قيل بأنّه مندوب ما كان بعيدا ،ولو قيل إنّهيجوز لها التّعرّض لمن يخطبها إذا سلمت نيّتها في قصد النّكاح لم يبعد .انتهى . ثمّ قال الحطّاب :هل يستحبّ للمرأة نظر الرّجل ؟ لم أر فيه نصّا للمالكيّة ،والظّاهر استحبابه وفاقا للشّافعيّة ،قالوا :يستحبّ لها أيضا أن تنظر إليه ،وقد قال ابن القطّان :إذا خطب الرّجل امرأةً هل يجوز له أن يقصدها متعرّضا لها بمحاسنه الّتي ل يجوز إبداؤها إليها إذا لم تكن مخطوب ًة ويتصنّع بلبسه ،وسواكه ،ومكحلته وخضابه ،ومشيه ،وركبته ،أم ل ل امرأة ؟ هو موضع نظر ،والظّاهر جوازه ولم يتحقّق في ل ما كان جائزا لك ّ يجوز له إ ّ المنع إجماع ،أمّا إذا لم يكن خطب ولكنّه يتعرّض لنفسه ذلك التّعرّض للنّساء فل يجوز ، لنّه تعرّض للفتن وتعريض لها ،ولول الظّاهر ما أمكن أن يقال ذلك في المرأة الّتي لم تخطب على أنّا لم نجزم فيه بالجواز . وقال ابن مفلح من الحنابلة :قد روى الحافظ أبو موسى المدينيّ في كتاب الستغناء في معرفة استعمال الحنّاء عن جابر رضي ال عنه مرفوعا « :يا معشر النّساء اختضبن فإنّ ن اليّم تختضب تعرّض للرّزق من اللّه عزّ وجلّ » . المرأة تختضب لزوجها ،وإ ّ وقد ورد في صحيح مسلم من حديث سبيعة السلميّة « كانت تحت سعد بن خولة وهو في بني عامر بن لؤيّ ،وكان ممّن شهد بدرا ،فتوفّي عنها في حجّة الوداع ،وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ،فلمّا تعلّت من نفاسها تجمّلت للخطّاب ،فدخل عليها أبو السّنابل بن بعكك رضي ال عنه رجل من بني عبد الدّار فقال لها :ما لي أراك متجمّل ًة ؟ لعلّك ترجين النّكاح .إنّك واللّه ما أنت بناكح حتّى تمرّ عليك أربعة أشهر وعشر .قالت سبيعة :فلمّا قال لي ذلك جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت ،فأتيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فسألته عن ذلك ،فأفتاني بأنّي قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتّزويج إن بدا لي ».
تكرير النّظر : - 31للخاطب أن يكرّر النّظر إلى المخطوبة حتّى يتبيّن له هيئتها فل يندم على نكاحها ، ويتقيّد في ذلك بقدر الحاجة ،ومن ثمّ لو اكتفى بنظرة حرم ما زاد عليها ،لنّه نظر أبيح لحاجة فيتقيّد بها .وسواء في ذلك -عند الشّافعيّة -أخاف الخاطب الفتنة أم ل ..كما قال إمام الحرمين والرّويانيّ . أمّا الحنابلة فقالوا :يكرّر الخاطب النّظر ويتأمّل المحاسن ولو بل إذن ،ولعلّه أولى ،إن أمن الشّهوة أي ثورانها .
مسّ ما ينظر :
- 32ل يجوز للخاطب أن يمسّ وجه المخطوبة ول كفّيها وإن أمن الشّهوة ،لما في المسّ من زيادة المباشرة ،ولوجود الحرمة وانعدام الضّرورة والبلوى .
الخلوة بالمخطوبة : - 33ل يجوز خلوة الخاطب بالمخطوبة للنّظر ول لغيره لنّها محرّمة ولم يرد الشّرع بغير النّظر فبقيت على التّحريم ،ولنّه ل يؤمن من الخلوة الوقوع في المحظور . ن رجل بامرأة إلّ كان ثالثهما الشّيطان ». فإنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :أل ل يخلو ّ
إرسال من ينظر المخطوبة :
- 34اتّفق الفقهاء على أنّ للخاطب أن يرسل امرأةً لتنظر المخطوبة ثمّ تصفها له ولو بما ل يحلّ له نظره من غير الوجه والكفّين فيستفيد بالبعث ما ل يستفيد بنظره ،وهذا لمزيد الحاجة إليه مستثنىً من حرمة وصف امرأة لرجل ،وقد روي « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أرسل أمّ سليم تنظر إلى جارية فقال :شمّي عوارضها وانظري إلى عرقوبها » .والحنفيّة ن من يرسل للنّظر يمكن أن يكون امرأةً أو نحوها ممّن يحلّ له نظرها والشّافعيّة يرون أ ّ رجلً كان أو امرأ ًة كأخيها ،أو مسموح يباح له النّظر . ويرى المالكيّة أنّ للخاطب أن يرسل رجلً .قال الحطّاب :والظّاهر جواز النّظر إلى المخطوبة على حسب ما للخاطب ،وينزّل منزلته ما لم يخف مفسد ًة من النّظر إليها .
ما يفعله الخاطب إن لم تعجبه المخطوبة : - 35إذا نظر الخاطب إلى من يريد نكاحها فلم تعجبه فليسكت ،ول يقل ،ل أريدها ،لنّه إيذاء .
رابعا :ذكر عيوب الخاطب :
- 36من استشير في خاطب أو مخطوبة فعليه أن يذكر ما فيه من مساوئ شرعيّة أو عرفيّة ول يكون غيب ًة محرّمةً إذا قصد به النّصيحة والتّحذير ل اليذاء « ،لقوله صلى ال عليه
وسلم لفاطمة بنت قيس رضي ال تعالى عنها لمّا أخبرته أنّ معاوية وأبا جهم رضي ال عنهما خطباها :أمّا أبو جهم فل يضع عصاه عن عاتقه ،وأمّا معاوية فصعلوك ل مال له » ولقوله صلى ال عليه وسلم « :إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه » ،وعنه صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :المستشار مؤتمن » وقال « :الدّين النّصيحة » ،وقد روى الحاكم «أنّ أخا لبلل رضي ال عنه خطب امرأ ًة فقالوا :إن يحضر بلل زوّجناك ،فحضر ،فقال :أنا بلل وهذا أخي ،وهو امرؤ سيّئ الخلق والدّين » .قال الحاكم :صحيح السناد . ح ،وخلقي شديد ونحوهما ، ومن استشير في أمر نفسه في النّكاح بيّنه ،كقوله :عندي ش ّ لعموم ما سبق .وفصّل بعض الفقهاء في ذلك ،ومنه قول البارزيّ -من الشّافعيّة -لو استشير في أمر نفسه في النّكاح ،فإن كان فيه ما يثبت الخيار فيه وجب ذكره ،وإن كان فيه ح ،استحبّ ،وإن كان فيه شيء من ما يقلّل الرّغبة فيه ول يثبت الخيار ،كسوء الخلق والشّ ّ المعاصي وجب عليه التّوبة في الحال وستر نفسه .
خامسا :الخُطبة قبل الخِطبة : ل أمر ذي بال ل يبدأ فيه - 37يندب للخاطب أو نائبه تقديم خطبة قبل الخطبة لخبر « :ك ّ بحمد اللّه فهو أقطع » أي عن البركة ،فيبدأ بالحمد والثّناء على اللّه تعالى ،ثمّ بالصّلة على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ثمّ يوصي بالتّقوى ،ثمّ يقول :جئتكم خاطبا كريمتكم ،وإن كان وكيلً قال :جاءكم موكّلي خاطبا كريمتكم أو فتاتكم ،ويخطب الوليّ أو نائبه كذلك ثمّ يقول :لست بمرغوب عنك أو نحوه . وتبرّك الئمّة بما جاء عن ابن مسعود رضي ال تعالى عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم ن الحمد للّه ،نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باللّه من شرور علّمنا خطبة الحاجة :إ ّ أنفسنا وسيّئات أعمالنا ،من يهده اللّه فل مضلّ له ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل حقّ ن آ َمنُو ْا اتّقُو ْا اللّ َه َ ن محمّدا عبده ورسوله { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ إله إلّ اللّه وحده ل شريك له وأ ّ تُقَاتِهِ َولَ َتمُوتُنّ ِإلّ وَأَنتُم ّمسِْلمُونَ } { يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفس واحدة سدِيدا } إلى قوله { ل َ ن آ َمنُوا اتّقُوا اللّهَ َوقُولُوا قَ ْو ً } ...إلى قوله { :رَقِيبا } { يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ ن المور كلّها بيد اللّه ،يقضي فيها ما يشاء عظِيما } ،وكان القفّال يقول بعدها :أمّا بعد ،فإ ّ َ ،ويحكم ما يريد ،ل مؤخّر لما قدّم ول مقدّم لما أخّر ،ول يجتمع اثنان ول يتفرّقان إلّ ن ممّا قضى اللّه تعالى وقدّر أن خطب فلن بن فلن فلنة بقضاء وقدر وكتاب قد سبق ،وإ ّ بنت فلن ..أقول قولي هذا وأستغفر اللّه لي ولكم أجمعين .
سادسا :الرّجوع عن الخطبة :
ن الخطبة ليست بعقد شرعيّ بل هي وعد ،وإن تخيّل - 38ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ ي الرّجوع عن الجابة إذا رأى كونها عقدا فليس بلزم بل جائز من الجانبين ،ول يكره للول ّ المصلحة للمخطوبة في ذلك ،لنّ الحقّ لها وهو نائب عنها في النّظر لها ،فل يكره له الرّجوع الّذي رأى المصلحة فيه ،كما لو ساوم في بيع دارها ثمّ تبيّن له المصلحة في تركها، ن النّكاح عقد عمريّ يدوم الضّرر فيه ، ول يكره لها أيضا الرّجوع إذا كرهت الخاطب ،ل ّ فكان لها الحتياط لنفسها والنّظر في حظّها ،وإن رجعا عن ذلك لغير غرض كره لما فيه من إخلف الوعد والرّجوع عن القول ،ولم يحرم لنّ الحقّ بعد لم يلزمهما ،كمن سام سلعةً ثمّ بدا له ألّ يبيعها . وقال المالكيّة :يكره لمن ركنت له امرأة وانقطع عنها الخطّاب لركونها إليه أن يتركها .
سابعا :الرّجوع بالهديّة إلى المخطوبة أو النّفقة عليها : - 39إذا أهدى الخاطب إلى مخطوبته أو أنفق عليها ثمّ لم يتمّ الزّواج ،ففي الرّجوع بالهديّة والنّفقة خلف وتفصيل : قال الحنفيّة :إذا خطب بنت رجل وبعث إليها أشياء ولم يزوّجها أبوها فما بعث للمهر يستردّ عينه قائما وإن تغيّر بالستعمال ،أو بدله هالكا لنّه معاوضة ولم تتمّ فجاز السترداد ،وكذا يستردّ ما بعث هديّةً وهو قائم دون الهالك والمستهلك ،لنّه في معنى الهبة ،والهلك أو الستهلك مانع من الرّجوع بها . وقالوا :لو أنفق رجل على معتدّة الغير -قال ابن عابدين :ول شكّ أنّ المعتدّة مخطوبة أيضا -يطمع أن يتزوّجها بعد عدّتها ،إن تزوّجته ل رجوع مطلقا ،وإن أبت فله الرّجوع إن كان دفع لها ،وإن أكلت معه فل رجوع مطلقا ،لنّه إباحة ل تمليك ،أو لنّه مجهول ل يعلم قدره .وفي المسألة عندهم أقوال أخرى . وقال المالكيّة :يجوز الهداء للمعتدّة من وفاة أو طلق غيره البائن ل النفاق عليها فيحرم، فإن أهدى لها أو أنفق عليها ثمّ تزوّجت غيره فل يرجع عليها بشيء . وقال الشّافعيّة :من خطب امرأةً ثمّ أنفق عليها نفق ًة ليتزوّجها فله الرّجوع بما أنفقه على من ل أم مشربا أم حلوى أم حليّا ،وسواء رجع هو أم مجيبه ،أم مات دفعه له ،سواء أكان مأك ً أحدهما ،لنّه إنّما أنفقه لجل تزوّجها فيرجع به إن بقي وببدله إن تلف . ولو كان ذلك بقصد الهديّة ل لجل تزوّجه بها لم يختلف في عدم الرّجوع . وقالوا :لو دفع الخاطب بنفسه أو وكيله أو وليّه شيئًا من مأكول ،أو مشروب ،أو ملبوس لمخطوبته أو وليّها ،ثمّ حصل إعراض من الجانبين أو من أحدهما ،أو موت لهما ،أو
لحدهما رجع الدّافع أو وارثه بجميع ما دفعه إن كان قبل العقد مطلقا ،وكذا بعده إن طلّق قبل الدّخول أو مات ،ل إن ماتت هي ،ول رجوع بعد الدّخول مطلقا . وقال الحنابلة :هديّة الزّوج ليست من المهر نصّا ،فما أهداه الزّوج من هديّة قبل عقد إن وعدوه بأن يزوّجوه ولم يفوا رجع بها -قاله ابن تيميّة : -لنّه بذلها في نظير النّكاح ولم يسلّم له ،وإن امتنع هو ل رجوع له . وما قبضه بعض أقارب المرأة كالّذي يسمّونه مأكل ًة بسبب نكاح ،فحكمه كمهر فيما يقرّره ويسقطه وينصّفه ،ويكون لها ول يملك الوليّ منه شيئا إلّ أن تهبه له بشرطه إلّ الب فله ل كون حكم المجعول مأكلةً كمهر حيث قبضه أولياء المرأة ،أمّا قبل القبض أن يأخذ ..ومح ّ فللخاطب الرّجوع بما شرطه لهم ،لنّه تبرّع لم يقبض فكان له الرّجوع به . ولو اتّفق الخاطب مع المرأة ووليّها على النّكاح من غير عقد فأعطى الخاطب أباها لجل ن عدم التّمام ليس ذلك شيئا من غير صداق فماتت قبل عقد لم يرجع به -قاله ابن تيميّة -ل ّ من جهتهم ،وعلى قياس ذلك لو مات الخاطب ل رجوع لورثته . وتردّ الهديّة على الزّوج في كلّ فرقة اختياريّة مسقطة للمهر كفسخ الزّوجة العقد لفقد كفاءة أو لعيب في الزّوج ،ونحوه قبل الدّخول لدللة الحال أنّه بشرط بقاء العقد ،فإذا زال ملك الرّجوع ،كهبة الثّواب . قال صاحب مطالب أولي النّهى :ويتّجه أنّ ما كان من هديّة أهداها الخاطب بعد العقد فهو الّذي يردّ بحصول الفرقة ،أمّا ما كان قد أهدي قبل العقد فل يردّ ،لنّه تقرّر بالعقد . وتثبت الهديّة للزّوجة مع فسخ للنّكاح مقرّر الصّداق أو لنصفه فل رجوع له ،لنّ زوال العقد ليس من قبلها .
خطر * التّعريف : خطَر بفتحتين في اللّغة ،الشراف على الهلك وخوف التّلف .ويقال :هذا أمر خطر - 1ال َ أي متردّد بين أن يوجد ،وأن ل يوجد ،ويطلق على السّبق الّذي يتراهن عليه .والمخاطرة، المراهنة ،وخاطرته على مال راهنته عليه وزنا ومعنىً .وخطر الرّجل :قدره ،ومنزلته ، فيقال :رجل خطير أي ذو شأن .والخاطر :هو اسم لما يتحرّك في القلب من رأي أو معنىً ،يقال :خطر ببالي كذا ،أي وقع فيه .ول يخرج الخطر في الصطلح عن المعنى اللّغويّ .
الحكم التّكليفيّ :
ن حفظها من أهمّ ن تعريض النّفس لخطر الهلك حرام ،ل ّ - 2ل خلف بين الفقهاء في أ ّ ل تُلْقُو ْا ِبَأ ْيدِي ُكمْ إِلَى ال ّتهُْلكَةِ } . مقاصد الشّريعة .قال اللّه تعالى َ { :و َ قال الخازن :كلّ شيء في عاقبته هلك ،فهو تهلكة .وقال ع ّز من قائل َ { :ولَ تَ ْقتُلُواْ سكُ ْم } . أَن ُف َ وعن « عمرو بن العاص رضي ال عنه قال :احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السّلسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ،فتيمّمت ث ّم صلّيت بأصحابي الصّبح ،فذكروا ذلك للنّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :يا عمرو ،صلّيت بأصحابك الصّبح وأنت جنب ؟ فأخبرته ن اللّ َه كَانَ س ُكمْ إِ ّ بالّذي منعني من الغتسال ،وقلت :إنّي سمعت اللّه يقول َ { :ولَ تَ ْقتُلُواْ أَن ُف َ ِب ُكمْ َرحِيما } فضحك رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ولم يقل شيئا » . ويتعلّق بالخطر الرّخص الشّرعيّة ،فيباح بالخطر أكل الميتة للمضطرّ ،وأكل سائر النّجاسات والخبائث اضطرارا ،وإساغة الغصّة بالخمر لدفع الخطر عن النّفس ،ويجب قطع العضو المتآكل إذا كان في تركه خطر على النّفس ( ر :ضرر ،مشقّة ) .
الخطر المؤثّر في إسقاط العبادات أو تخفيفها : ن المشقّة إذا بلغت حدّ ن المشقّة تجلب التّيسير عموما ،وأ ّ - 3ل خلف بين الفقهاء في أ ّ الخطر على النّفس والطراف ومنافعها توجب التّرخيص ،والتّخفيف . ن حفظ المهج والطراف لقامة مصالح الدّين أولى من تعريضها للفوات في عبادة وقالوا :إ ّ أو عبادات ،يفوت بها أمثالها . فيجب التّيمّم إذا كان في استعمال الماء في الوضوء والغتسال من الجنابة خطر على نفس ، أو عضو أو منفعته ،أو حال بينه وبين الماء عدوّ ،أو سبع ،لنّ إلقاء النّفس في التّهلكة حرام ( .ر :تيمّم ،مرض ) . ج إذا كان في السّفر خطر على نفس ،أو عضو ،أو عرض ،أو مال ، ويسقط وجوب الح ّ كما يحرم ركوب البحر لداء الحجّ إن غلب الهلك فيه ،أو تساوى الهلك والسّلمة لما فيه ج) من الخطر ( ر :ح ّ ويسقط الصّوم عن المرضع والحامل ،والمريض ،إذا كان في الصّوم خطر على المرضع والحامل ،أو على الرّضيع والجنين ،أو خاف المريض الموت ،أو زيادة المرض ( ر : صوم ) . حرَجٍ } وفي تعريض النّفس ن َ ن مِ ْ جعَلَ عََل ْي ُكمْ فِي الدّي ِ والصل في ذلك قوله تعالى { َومَا َ ي حرج . والعضاء للخطر ،حرج أ ّ
وعن ابن عبّاس رضي ال عنهما :في قوله تعالى { :وَإِن كُنتُم ّم ْرضَى أَوْ عَلَى سَ َفرٍ } ، قال :إذا كان بالرّجل الجراحة في سبيل اللّه ،والقروح ،فيخاف أن يموت إن اغتسل تيمّم . وعن جابر قال « :خرجنا في سفر فأصاب رجلً منّا حجر فشجّه في رأسه ،ثمّ احتلم فسأل أصحابه فقال :هل تجدون لي رخص ًة في التّيمّم ؟ فقالوا :ما نجد لك رخصةً وأنت تقدر على الماء .فاغتسل فمات .فلمّا قدمنا على النّبيّ صلى ال عليه وسلم أخبر بذلك ،فقال : قتلوه قتلهم اللّه ،أل سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنّما شفاء العيّ السّؤال .إنّما يكفيه أن يتيمّم ، س ُكمْ }. ويعصب » فاعتبر النّبيّ صلى ال عليه وسلم ذلك قتلً ،واللّه يقول َ { :ولَ تَ ْقتُلُواْ أَن ُف َ - 4ويستثنى من قواعد درء الخطر ،الجهاد ،فيجوز المخاطرة بالنّفس فيه ،لنّه قرّر مع المشقّة .وما الجهاد إلّ بذل الوسع ،والطّاقة بالقتال أو المبالغة في القتال ،لهذا حرم انهزام مائة من المسلمين عن مائتين من الكفّار في قوله تعالى َ { :فإِن َيكُن مّنكُم مّائَ ٌة صَابِرَ ٌة َيغِْلبُواْ ِم َئ َتيْنِ } وجاء في الثر « عجب ربّنا من رجل غزا في سبيل اللّه ،فانهزم -يعني أصحابه فعلم ما عليه ،فرجع حتّى أهريق دمه ،فيقول اللّه تعالى لملئكته :انظروا إلى عبديرجع رغب ًة فيما عندي ،وشفقةً ممّا عندي ،حتّى أهريق دمه » ( .ر :جهاد ) .ويستثنى أيضا دفع الصّائل على النّفس أو المال أو العرض ( ر :صيال ) .
التّعرّض للخطر بإزالة غدّة ،أو عضو متآكل : - 5يحرم على الشّخص قطع غدّة أو عضو متآكل ،إذا كان في القطع خطر على النّفس ، وليس في بقائهما خطر أو زاد خطر القطع ،وإن كانت تشينه ،لنّه قد يؤدّي إلى هلك نفسه .أمّا إذا لم يكن في إزالتها خطر فله إزالتها ،لزالة الشّين . ي بل إذن ،فمات وإن تساوى الخطران ،أو زاد خطر التّرك فله قطعها .وإن قطعهما أجنب ّ المقطوع منه لزمه القصاص ،وكذا السّلطان لتعدّي ك ّل منهما بذلك . وللب والج ّد قطع الغدّة والعضو المتآكل ،من الصّبيّ والمجنون مع الخطر في القطع إن زاد خطر التّرك عليه ،لنّهما يليان صون مالهما عن الضّياع فبدنهما أولى .فإن تساوى الخطر والسّلمة ،أو زاد خطر القطع ،ضمنا لعدم جواز القطع .ر ( :ضمان ،وإتلف ) .
عقود المخاطرة :
- 6عقود المخاطرة هي ما يتردّد بين الوجود والعدم ،وحصول الرّبح أو عدمه عن طريق ظهور رقم معيّن مثلً ،كالرّهان والقمار .ونحوهما السّبق لكنّه مشروع بشروط ،وتفصيل ذلك في مصطلحاته .
خفاء *
التّعريف : - 1الخفاء في اللّغة من خفيت الشّيء أخفيه إذا كتمته أو أظهرته ،فهو من الضداد ، ي :خاف ،ويجمع على خفايا ،وخفي عليه المر يخفى خفاءً ،وخفي الشّيء وشيء خف ّ يخفى خفاءً بالفتح والمدّ . وبعضهم يجعل حرف الصّلة فارقا فيقول :خفي عليه :إذا استتر ،وخفي له :إذا ظهر . والفقهاء يستعملونه بمعنى الستتار وعدم الظّهور ،وهو عند الصوليّين ،يكون في اللفاظ الّتي يخفى المراد منها بسبب في الصّيغة أو خارج عنها على ما سيأتي .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الشتباه : - 2الشتباه :اللتباس ،واشتبهت المور وتشابهت ،التبست فلم تتميّز ولم تظهر ، والمتشابهات من المور :المشكلت . والخفاء قد يكون سببا من أسباب الشتباه إمّا لتعدّد المعاني المستعملة للّفظ ،أو لجمال اللّفظ واحتياجه إلى البيان وغير ذلك . ب -الجهل والجهالة : - 3الجهل والجهالة :عدم العلم بالشّيء . قال الجرجانيّ :الجهل هو اعتقاد الشّيء على خلف ما هو عليه . وخفاء الشّيء يترتّب عليه إمّا الجهل بوجوده أصلً ،كمن ينكر وجوب الزّكاة جهلً منه لحداثة عهده بالسلم ،وإمّا الجهل بمكان الشّيء ،كمن علم في ثوبه نجاسةً ،وخفي عليه مكانها .
ما يتعلّق بالخفاء من أحكام : أوّلً :عند الصوليّين :
- 4يقسّم الصوليّون اللّفظ باعتبار خفاء المعنى ومراتب الخفاء إلى أربعة أقسام : ي ) بعارض غير الوّل :الخفيّ ،وهو ما اشتبه معناه وخفي مراده ( أي الحكم الشّرع ّ الصّيغة ،فالخفاء ليس في اللّفظ ،ولكنّه بسبب عارض ،وذلك كقوله تعالى { :وَالسّارِقُ طعُواْ َأ ْي ِد َي ُهمَا } فلفظ السّارق ظاهر في كلّ سارق لم يعرف باسم آخر ،لكنّه وَالسّارِقَ ُة فَا ْق َ بالنّسبة للطّرّار الّذي يسرق بشقّ الثّوب ،وال ّنبّاش فيه نوع من الخفاء ،لختصاص كلّ منهما باسم غير السّارق . ن الخفاء قد يكون لزيادة في المعنى وإزالة الخفاء تحتاج إلى نظر وتأمّل ،وبالتّأمّل يظهر أ ّ طرّار ،فإنّه سارق كامل يأخذ من حضور المالك ،ويقظته فله الّذي تعلّق به الحكم كما في ال ّ
طرّار حكم السّارق ن السّارق يأخذ على سبيل الخفية ،ولذلك يأخذ ال ّ مزيّة على السّارق ،ل ّ فيقطع ،وهذا باتّفاق . وقد يكون الخفاء لنقص في المعنى الّذي تعلّق به الحكم كما في ال ّنبّاش الّذي يسرق أكفان الموتى ،ففيه شبهة نقصان الحرز ،وعدم الحافظ له ،ولذا اختلف الفقهاء في حكمه فيقطع عند الجمهورالمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ،ول يقطع عند أبي حنيفة ومحمّد . -5الثّاني :المشكل :وهو اسم لمّا يشتبه المراد منه بدخوله في إشكاله على وجه ل يعرف ل بدليل يتميّز به من سائر الشكال . المراد منه إ ّ وقال القاضي أبو زيد ال ّدبّوسيّ :هو الّذي أشكل على السّامع طريق الوصول إلى ما فيه من المعاني ،لدقّة المعنى في نفسه ل بعارض . ل بدليل من فالخفاء في المشكل إنّما هو بسبب ذات اللّفظ ،ول يفهم المراد منه ابتداءً إ ّ ح ْر َثكُمْ َأنّى الخارج ،كاللّفظ المشترك بين معنيين ول معيّن لحدهما ،كقوله تعالى َ { :فأْتُو ْا َ ش ْئتُمْ } فلفظ { َأنّى } مشترك بين معنيين لستعماله كأين وكيف ،لكن بعد التّأمّل والطّلب ِ ظهر أنّ المراد ( كيف ) دون ( أين ) بقرينة الحرب ،ودللة تحريم القربان في الذى العارض ،وهو الحيض ،فإنّه في الذى اللّازم أولى . ل ببيان المجمل -6الثّالث :المجمل :وهو ما خفي المراد منه بنفس اللّفظ خفاءً ل يدرك إ ّ كلفظ الصّلة والزّكاة والرّبا .فالسّبيل إلى معرفة المراد منه هو بيان الشّارع ،كالصّلة مثلً سنّة المراد بها في قوله صلى ال عليه وسلم « :صلّوا كما رأيتموني أصلّي » . فقد بيّنت ال ّ -7الرّابع :المتشابه :وهو ما خفي بنفس اللّفظ ول يرجى دركه أصلً ،كالمقطّعات في سنّة . أوائل السّور وبعض صفات اللّه تعالى الّتي وردت في الكتاب وال ّ هذا ،والخفيّ هو أدنى مراتب الخفاء ،وحكمه الطّلب ،أي الفكر القليل لنيل المراد . ويليه المشكل في الخفاء ،وحكمه التّكلّف والجتهاد في الفكر . ويليه المجمل ،وحكمه الستفسار وطلب البيان من المجمل . ويلي ذلك المتشابه ،وهو أشدّ خفا ًء وحكمه التّوقّف والتّسليم والتّفويض للّه ربّ العالمين . هذا حسب تفصيل الحنفيّة ،وأمّا غيرهم فيجعل ذلك كلّه من قبيل المجمل . وينظر ما يتعلّق بذلك في الملحق الصوليّ .
ثانيا :عند الفقهاء : أثر الخفاء في سماع الدّعوى :
- 8يشترط في صحّة الدّعوى عدم وقوع التّناقض فيها ،لذلك ل تسمع الدّعوى الّتي يقع فيها التّناقض ،إلّ أنّ التّناقض يغتفر فيما كان مبنيّا على الخفاء ،ففي المادّة ( ) 1655من مجلّة الحكام العدليّة :يعفى التّناقض إذا ظهرت معذرة المدّعي وكان محلّ خفاء . ومن أمثلة ذلك ما أفتى به في الحامديّة من أنّه إذا مات زيد عن ورثة بالغين وخلّف حصّةً ن مورّثهم المذكور من دار وصدّق الورثة أنّ بقيّة الدّار لفلن وفلن ،ثمّ ظهر وتبيّن أ ّ اشترى بقيّة الدّار من ورثة فلن وفلن في حال صغر المصدّقين وأنّه خفي عليهم ذلك ، ن هذا تناقض في محلّ الخفاء فيكون عفوا . تسمع دعواهم ; ل ّ ومن ذلك دعوى النّسب ،أو الح ّريّة ،أو الطّلق ،لنّ النّسب مبنيّ على أمر خفيّ وهو العلوق من المدّعي ،إذ هو ممّا يغلب خفاؤه على النّاس ،فالتّناقض في مثله غير معتبر ، والطّلق ينفرد به الزّوج ،والح ّريّة ينفرد بها المولى . ومن ذلك :المدين بعد قضاء الدّين لو برهن على إبراء الدّائن له . والمختلعة بعد أداء بدل الخلع لو برهنت على طلق الزّوج قبل الخلع وغير ذلك . ل ما كان مبنيّا على الخفاء فإنّه يعفى فيه عن التّناقض . وهكذا ك ّ هذا هو الصّحيح من مذهب الحنفيّة كما أفتى به في الحامديّة ،وهو قول الكثرين من فقهاء مذهب المالكيّة ،ومنهم من فرّق بين الصول والدّين فتقبل البيّنة في الصول ،ول تقبل في الدّين . ح ل تقبل للمناقضة . ن البيّنة تقبل للعذر ،ومقابل الص ّ ح عند الشّافعيّة أ ّ والص ّ أمّا الحنابلة فل تسمع البيّنة عندهم بعد النكار .أمّا إن قال :ما أعلم لي بيّنةً ،ثمّ أتى ببيّنة، سمعت ،لنّه يجوز أن تكون له بيّنة لم يعلمها ثمّ علمها . وهذا في الجملة ،وينظر تفصيل ذلك في ( دعوى ) .
خفاء النّجاسة : - 9طهارة البدن والثّوب والمكان شرط لصحّة الصّلة ،وإذا أصابت النّجاسة شيئا من ذلك وجب إزالتها بغسل الجزء الّذي أصابته النّجاسة ،وهذا إذا علم مكانه . أمّا إذا خفي موضع النّجاسة ولم يعلم في أيّ جزء هي ،فبالنّسبة للثّوب والبدن يجب غسل الثّوب كلّه أو البدن كلّه . وهذا عند الجمهور ولهم أنّه متيقّن للمانع من الصّلة ،والنّضح ل يزيل النّجاسة . وفي قول عند الحنفيّة :إذا غسل موضعا من الثّوب يحكم بطهارة الباقي ،قال الكاسانيّ : وهذا غير سديد ،لنّ موضع النّجاسة غير معلوم ،وليس البعض أولى من البعض ،وهذا القول " وهو غسل موضع من الثّوب " حكاه صاحب البيان وجها عن ابن سريج من الشّافعيّة
،وعلّله بأنّه يشكّ بعد ذلك في نجاسته والصل طهارته ،قال النّوويّ :وهذا ليس بشيء ، لنّه تيقّن النّجاسة في هذا الثّوب وشكّ في زوالها . وقال عطاء والحكم وحمّاد :إذا خفيت النّجاسة في الثّوب ،نضحه كلّه ،وقال ابن شبرمة : يتحرّى مكان النّجاسة فيغسله . قال ابن قدامة :ولعلّهم يحتجّون بحديث سهل بن حنيف في المذي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :قلت :يا رسول اللّه كيف بما يصيب ثوبي منه ؟ قال :يكفيك أن تأخذ كفّا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنّه أصاب منه » .فأمره بالتّحرّي والنّضح . - 10وأمّا بالنّسبة للمكان فعند الشّافعيّة والحنابلة إن كانت النّجاسة في مكان صغير كمصلّى صغير وبيت ،وخفي مكانها ،لم يجز أن يصلّي فيه حتّى يغسله كلّه ،إذ الصل بقاء النّجاسة ما بقي جزء منها ،وإن كان المكان واسعا كالفضاء الواسع والصّحراء ل يجب ن ذلك يشقّ عليه ،ويصلّي حيث شاء ،لنّه لو منع من الصّلة أفضى إلى أن ل غسله ،ل ّ ن كما قال الشّافعيّة ،قالوا :وله أن يصلّي يجد موضعا يصلّي فيه ،ول يجب الجتهاد بل يس ّ فيه بل اجتهاد . وللمالكيّة قولن في الرض الّتي أصابتها النّجاسة ولم يعلم مكانها :قول بالغسل حكاه ابن عرفة اتّفاقا ،وقول بالنّضح وهو ظاهر المدوّنة ولم يفرّقوا بين المكان الضّيّق والرض الواسعة . ولم نطّلع للحنفيّة على حكم في ذلك إلّ أنّهم يقولون :إنّ الرض تطهر بالجفاف وتجوز الصّلة عليها ،واستدلّوا بما رواه أبو داود بسنده عن « ابن عمر رضي ال عنهما قال : كنت أبيت في المسجد في عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وكنت فتىً شابّا عزبا وكانت الكلب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشّون شيئا من ذلك » . قال ابن الهمام :فلول اعتبارها تطهر بالجفاف كان ذلك تبقيةً لها بوصف النّجاسة مع العلم بأنّهم يقومون عليها في الصّلة إذ ل بدّ منه مع صغر المسجد وعدم من يتخلّف للصّلة في بيته ،وكون ذلك يكون في بقاع كثيرة من المسجد ،ل في بقعة واحدة ،حيث كانت تقبل وتدبر وتبول .ولو أصابت النّجاسة أحد الكمّين في الثّوب ولم يعلم في أيّ كمّ هي وجب غسلهما جميعا ،وهذا عند الحنفيّة والحنابلة ،وهو المذهب عند المالكيّة ،وفي وجه عند الشّافعيّة ،قاله أبو إسحاق . ي من المالكيّة :يتحرّى من الكمّين أحدهما فيغسله ،كالثّوبين إذا تنجّس وقال ابن العرب ّ ن محلّ الخلف عند المالكيّة إذا اتّسع الوقت لغسل الكمّين ووجد من أحدهما ولم يعلمه ،لك ّ الماء ما يغسلهما معا ،فإن لم يسع الوقت إلّ غسل واحد ،أو لم يجد من الماء إلّ ما يغسل
واحدا ،تحرّى واحدا يغسله فقط اتّفاقا ،ثمّ يغسل الثّاني بعد الصّلة إذا ضاق الوقت ،أو عند وجود الماء ،فإن لم يسع الوقت غسل واحد أو لم يسع التّحرّي صلّى بدون غسل ،لنّ المحافظة على الوقت أولى من المحافظة على الطّهارة من الخبث . والوجه الثّاني عند الشّافعيّة :يتحرّى لنّهما عينان متميّزتان فهما كالثّوبين .قاله أبو العبّاس .وما مضى من الحكم في خفاء النّجاسة في الثّوب أو البدن ،أو المكان ،هو مع العلم بوجود النّجاسة وخفاء موضعها من الثّوب ،أو البدن ،أو المكان ،فإن شكّ في وجود شكّ ل يرفع اليقين ،وهذا النّجاسة مع تيقّن سبق الطّهارة جازت الصّلة دون غسل ،لنّ ال ّ عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . شكّ في نجاسة البدن ونجاسة غيره من ثوب ،أو حصير مثلً ، أمّا المالكيّة فيفرّقون بين ال ّ فيوجبون غسل البدن ،لنّه ل يفسد بذلك ويوجبون نضح الثّوب والحصير ،لنّه قد يفسد بذلك ،وإن غسل فقد فعل الحوط .وهذا في الجملة .
خفاء العيب في المبيع : - 11من الخيارات المعروفة خيار العيب ،أو خيار النّقيصة كما يسمّيه بعض الفقهاء ،وهو خيار يثبت للمشتري حقّ ال ّردّ عند ظهور عيب معتبر في المبيع إذا توافرت الشّروط الّتي حدّدها الفقهاء ،لنّ سلمة المبيع شرط في العقد دلل ًة . ومن العيوب ما هو ظاهر كالعمى والصبع الزّائدة ،ومنها ما هو خفيّ كوجع الكبد والطّحال والباق والسّرقة ،والعيوب الخفيّة كالظّاهرة في إثبات حقّ الخيار للمشتري بالشّروط الّتي ذكرها الفقهاء ،كجهل المشتري بالعيب ،وألّ يكون البائع قد اشترط البراءة من العيب وثبوت العيب عند المشتري .إلخ .مع مراعاة تفصيل المذاهب في هذه الشّروط . وممّا يعتبر من العيوب الخفيّة العيب الّذي يكون في جوف المأكول كالبطّيخ ،والجوز ، والبيض ول يعرف إلّ بكسره ،فعند الحنفيّة من اشترى شيئا من ذلك فكسره فوجده فاسدا ، فإن كان ينتفع به ،ولو علفا للدّوابّ ،فله أرش العيب ،إلّ إذا رضي البائع به ،وإن لم ينتفع به أصلً رجع بكلّ الثّمن لبطلن البيع لنّه ليس بمال ،وإذا كان لقشره قيمة كبيض النّعام رجع بنقصان العيب . وقال المالكيّة :ل يردّ البيع بظهور عيب باطن ل يطّلع عليه إلّ بتغيّر في ذاته حيوانا كان أو غيره ،كغشّ بطن الحيوان ،وسوس الخشب ،وفساد بطن الجوز ،والبندق ،والتّين ، ومرارة الخيار ،وبياض البطّيخ ،ول قيمة لما اشتراه ،ويردّ البيض لظهور عيبه لنّه يطّلع عليه بدون كسره لنّه ممّا يعلم فساده قبل كسره ،فإن كسره المشتري ردّه مكسورا ورجع بجميع ثمنه ،وهذا إذا كسره بحضرة بائعه ،فإن كسره بعد أيّام فل يردّه ،لنّه ل يدري
أفسد عند البائع أم عند المشتري ،وقال ابن حبيب فيما ل يردّ كعيب وجود السّوس في الخشب وفساد بطن الجوز :ل يردّ إن كان من أصل الخلقة ،ويردّ إن كان طارئا . وقال الشّافعيّة :ما لقشره قيمة كبيض النّعام يردّ ول أرش في الظهر ،والثّاني يردّ ولكن يردّ معه الرش ،والثّالث ل يردّ أصلًا كما في سائر العيوب الحادثة ويرجع المشتري بأرش العيب أو يغرم أرش الحادثة ،أمّا ما ل قيمة له فيتعيّن فيه فساد البيع لوروده على غير متقوّم . وقال الحنابلة :إن كسر المشتري ما ليس لمكسوره قيمة ،كبيض الدّجاج ،رجع بثمنه لتبيّن فساد العقد من أصله ،وإن وجد البعض فاسدا رجع بقسطه من الثّمن ،وإن كان لمكسوره قيمة ،كبيض النّعام وجوز الهند ،خيّر المشتري بين إمساكه وأخذ أرش نقصه ،وبين ردّه مع أرش كسره وأخذ ثمنه .
ظهور دين خفيّ على التّركة : - 12إذا اقتسم الورثة التّركة ثمّ ظهر دين على الميّت بعد القسمة ،فإن قضى الورثة الدّين مضت القسمة ول تنقض ،وإن امتنعوا من الداء يطلب نقض القسمة . وهذا في الجملة ،وينظر التّفصيل في ( قسمة ،ودين ) .
التّعريف :
خفارة *
- 1الخفارة في اللّغة من خفر الرّجل وخفر به وعليه يخفر خفرا :أجاره ومنعه وأمّنه ، وكان له خفيرا يمنعه ،وخفرت الرّجل :أجرته وحفظته وخفرته :إذا كنت له خفيرا ،أي ضمّ ،والخفارة :ال ّذمّة والعهد ،والمان ،والحراسة حاميا وكفيلً ،والسم الخفارة بالفتح وال ّ ،والخفار :انتهاك ال ّذمّة ،يقال :أخفرت الرّجل إذا نقضت عهده وذمامه ،والهمزة فيه للزالة ،أي أزلت خفارته كأشكيته إذا أزلت شكايته .والخَفارة والخُفارة والخِفارة أيضا : جعْل الخفير .والخفير :الحارس ،والخفارة حرفة الخفير . ُ ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ . ويستعمل الفقهاء أيضا لفظ ال َبذْرقة -بفتح الموحّدة وسكون الذّال المعجمة -قيل معرّبة : وقيل مولّدة :ومعناها الخفارة ،أي جعل الخفير ،وقال النّوويّ :هي الخفير الّذي يحفظ الحجّاج .وفي المصباح :هي الجماعة الّتي تتقدّم القافلة للحراسة .
الحكم التّكليفيّ :
- 2الخفارة بمعنى الحفظ والحراسة ،قد تكون واجب ًة كحراسة طائفة من الجيش للخرى الّتي تصلّي صلة الخوف إذا أقيمت هذه الصّلة لقوله تعالى { :وَِإذَا كُنتَ فِيهِمْ َفَأ َقمْتَ َل ُهمُ جدُو ْا فَ ْليَكُونُواْ مِن َورَآ ِئكُمْ وَ ْل َتأْتِ طَآئِفَةٌ سَ ح َت ُهمْ َفإِذَا َ خذُواْ َأسِْل َ الصّلَةَ فَ ْلتَ ُقمْ طَآئِفَ ٌة ّم ْنهُم ّم َعكَ وَ ْل َي ْأ ُ حتَ ُهمْ } . ح ْذرَهُمْ وََأسِْل َ خرَى َل ْم يُصَلّو ْا فَ ْليُصَلّو ْا َم َعكَ وَ ْل َي ْأخُذُو ْا ِ ُأ ْ وقد تكون مستحبّةً ،كالحراسة والمرابطة في الثّغور . وقد تكون جائزةً ،كمن يؤجّر نفسه للحراسة في عمل غير محرّم . وينظر تفصيل ذلك في ( :حراسة ،إجارة ،جهاد ،صلة الخوف ) . أمّا الخفارة بمعنى المان وال ّذمّة فالصل أنّه يجوز عقد المان بين المسلمين والكفّار إذا كان ذلك في مصلحة المسلمين . ويجب إعطاء المان لمن طلبه ممّن يريد التّعرّف على شرائع السلم ،قال ابن قدامة :ل نعلم في هذا خلفا ،وكتب عمر بن عبد العزيز بذلك إلى النّاس ،وذلك لقوله تعالى { :وَِإنْ لمَ الّلهِ ُثمّ َأبِْل ْغهُ َم ْأ َمنَ ُه } . سمَعَ كَ َ حتّى َي ْ جرْهُ َ س َتجَا َركَ فََأ ِ ن ا ْل ُمشْ ِركِينَ ا ْ حدٌ مّ َ َأ َ وينظر تفصيل ذلك في ( أمان ،جهاد ) .
أوّلً :الخفارة " بمعنى الجعُل ،أو الحراسة يذكر الفقهاء الخفارة بمعنى الجعل ،أو الحراسة في بعض المواضع ،ومنها :
أ -في الحجّ :
ج. - 3يقرّر الفقهاء أنّ أمن الطّريق من أنواع الستطاعة الّتي هي من شروط الح ّ ص ،أو مكّاس ،أو غيرهم ممّن يطلب الموال من فإذا كان في الطّريق عدوّ ،أو ل ّ الحجّاج ،أو كان الطّريق غير آمن واحتاج الحجّاج إلى خفير يحرسهم بالجر ،فهل يعتبر ج أم ل ؟ ذلك عذرا يسقط به الح ّ أمّا الحكم بالنّسبة للخفارة الّتي يطلبها اللّصوص أو غيرهم فهو أنّه ل تعتبر عذرا يسقط به الحجّ ،وذلك على القول المعتمد المفتى به عند الحنفيّة ،وهو مذهب المالكيّة وقول ابن حامد والموفّق والمجد من الحنابلة ،لكن بشرط أن يكون ما يدفع يسيرا ل يجحف ،وبأن يأمن ن ما باذل الخفارة الغدر من المبذول له بأن يعلم بحكم العادة أنّه ل يعود إلى الخذ ثانيا ،ل ّ ل يجحف مع المن بعدم الخذ ثانيًا يعتبر غرامة يقف إمكان الحجّ على بذلها ،فلم يمنع وجوب الحجّ مع إمكان بذلها كثمن الماء وعلف البهائم . وعند الشّافعيّة وهو القول الثّاني للحنفيّة وجمهور الحنابلة :ل يجب الحجّ ولو كان ما يدفع ن في الدّفع تحريضا على يسيرا لنّه رشوة فل يلزم بذلها في العبادة كالكثير الّذي يدفع ،ول ّ الطّلب .
وأمّا الحكم بالنّسبة لستئجار خفير للحراسة بالجر فعلى القول المعتمد المفتى به عند الحنفيّة ن ابن عرفة من ح عند الشّافعيّة أنّه ل يسقط الحجّ بذلك ،لك ّ وهو مذهب المالكيّة ،وهو الص ّ المالكيّة اشترط أن تكون الجرة ل تجحف بالمال ،وقال الشّافعيّة :إن كان ذلك بأجرة المثل لزمهم إخراجها ،لنّها من أهبة النّسك فيشترط في وجوبه القدرة عليها .وهو ظاهر مذهب الحنابلة . ح عند الشّافعيّة ل يجب استئجار من يحرس ، وعلى القول الثّاني عند الحنفيّة ومقابل الص ّ ن أمن الطّريق ن سبب الحاجة إلى ذلك خوف الطّريق وخروجها عن العتدال ،وقد ثبت أ ّ لّ شرط ،ولنّ لزوم أجرة الخفارة خسران لدفع الظّلم ،وهو بمنزلة ما زاد على ثمن المثل وأجرته في الزّاد والرّاحلة ،وهو قول جماهير العراقيّين والخراسانيّن من الشّافعيّة . وينظر تفصيل ذلك في ( :حجّ ) .
ب -تضمين الخفراء : ل أن يتعدّى - 4يرى جمهور الفقهاء عدم تضمين الخفراء " الحرّاس " ،لنّ الخفير أمين إ ّ أو يفرّط . قال الدّردير :حارس الدّار أو البستان أو الطّعام أو الثّياب ل ضمان عليه ،لنّه أمين إلّ أن يتعدّى أو يفرّط ول عبرة بما شرط أو كتب على الخفراء في الحارات والسواق من الضّمان. ن أصل المذهب عدم تضمين الخفراء والحرّاس والرّعاة ،واستحسن قال الدّسوقيّ :اعلم أ ّ بعض المتأخّرين تضمينهم نظرا لكونه من المصالح العامّة . وهذا في الجملة وينظر التّفصيل في ( :إجارة ،حراسة ،ضمان ) .
ثانيا -الخفارة " بمعنى ال ّذمّة والمان والعهد :
ن المسلم - 5أ -الخفارة بمعنى ال ّذمّة والعهد والمان قد تكون بين اللّه وبين عباده ،وذلك أ ّ يكون في خفارة اللّه ،أي أمانه وذمّته ما دام مطيعا فإذا عصى اللّه فقد غدر .يروي البخاريّ في هذا المعنى قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من صلّى صلتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الّذي له ذمّة اللّه وذمّة رسوله فل تخفروا اللّه في ذمّته » ، والمعنى :ل تغدروا فمن غدر ترك اللّه حمايته ،قال ابن حجر :وقد أخذ بمفهوم الحديث من ذهب إلى قتل تارك الصّلة . وروى مسلم في صحيحه قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من صلّى الصّبح فهو في ذمّة اللّه ،فل يطلبنكم اللّه من ذمّته بشيء فيدركه فيكبّه في نار جهنّم » .
قال القاضي عياض :المراد نهيهم عن التّعرّض لما يوجب المطالبة ،والمعنى :من صلّى الصّبح فهو في ذمّة اللّه فل تتعرّضوا له بشيء فإن تعرّضتم فاللّه يدرككم ،وقيل :المعنى ل تتركوا صلة الصّبح فينتقض العهد الّذي بينكم وبين اللّه عزّ وجلّ ويطلبكم به وخصّ الصّبح بالذّكر لما فيه من المشقّة . -6ب -الخفارة بمعنى المان والعهد الّذي يكون بين النّاس ،وقد ورد في هذا قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ،فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة س َتجَا َركَ ن ا ْل ُمشْ ِركِينَ ا ْ حدٌ مّ َ ن َأ َ اللّه والملئكة والنّاس أجمعين » .وقال اللّه تعالى { :وَإِ ْ لمَ الّلهِ ُث ّم َأبِْلغْهُ َم ْأ َمنَ ُه }. سمَعَ كَ َ حتّى َي ْ جرْ ُه َ َفأَ ِ قال الفقهاء :إذا أعطي المان لهل الحرب حرم قتلهم ،وأخذ أموالهم ،والتّعرّض لهم ، ن إخفار العهد حرام .ومن طلب المان ليسمع كلم اللّه ،ويعرف شرائع السلم وجب لّ أن يعطاه ث ّم يردّ إلى مأمنه .وفي ذلك تفصيل ينظر في ( :أمان ،جهاد ) .
خفاض * انظر :ختان .
خفّ *
انظر :مسح على الخفّين .
خفّاش * انظر :أطعمة .
خفية *
التّعريف :
- 1الخفية في اللّغة بض ّم الخاء وكسرها أصلها من خفيت الشّيء أخفيه أي سترته أو أظهرته فهو من الضداد .وخفي الشّيء يخفى خفاءً إذا استتر .ويقال :فعلته خفيةً إذا سترته ،قال اللّيث :الخفية من قولك :أخفيت الشّيء :أي سترته ،ولقيته خفيا أي سرّا وفي ضرّعا َوخُ ْفيَةً } . التّنزيل { :ادْعُو ْا َر ّبكُمْ َت َ وفي الصطلح تطلق على السّتر والكتمان دون الظهار .
اللفاظ ذات الصّلة : الختلس :
- 2الختلس :السّلب بسرعة على غفلة ،ولهذا يقال :الفرصة خلسة . وخلست الشّيء خلسا إذا اختطفته بسرعة على غفلة .واختلسته كذلك .فالمختلس يأخذ المال عيانا ويعتمد الهرب ،بخلف السّارق الّذي يأخذه خفي ًة .
الحكم الجماليّ ومواطن البحث : أوّلً :الخفية في الدّعاء :
- 3ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الدّعاء خفي ًة أفضل منه جهرًا ،لقوله تعالى { :ادْعُواْ َر ّب ُكمْ َتضَرّعا َوخُ ْفيَةً } .قال القرطبيّ :تضرّعا :أن تظهروا التّذلّل ،وخفي ًة :أن تبطنوا مثل ذلك ل عباده بالدّعاء ،وقرن بالمر صفات يحسن معها الدّعاء ،منها الخفية ،فأمر اللّه عزّ وج ّ ومعنى خفي ًة :سرّا في النّفس ليبعد عن الرّياء . وبذلك أثنى على نبيّه زكريّا عليه السلم إذ قال { :إذْ نَادَى َربّهُ ِندَا ًء خَ ِفيّا } ونحوه قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :خير الذّكر الخفيّ ،وخير الرّزق ما يكفي » . س ّر فيما لم يفرض من أعمال البرّ أعظم أجرًا من الجهر ، ومن المعلوم في الشّريعة أنّ ال ّ وأنّ إخفاء عبادات التّطوّع أولى من الجهر بها لنفي الرّياء عنها ،بخلف الواجبات ،لنّ الفرائض ل يدخلها الرّياء ،والنّوافل عرضة للرّياء . ن الجهر به أولى واستثنى الفقهاء من ذلك أمورا منها :التّلبية يوم عرفة ،فقد نصّوا على أ ّ من الخفية على أن ل يفرّط في الجهر به .
ثانيا :الخفية في السّرقة : - 4اتّفق الفقهاء على أنّ الخذ على سبيل الستخفاء ركن من أركان السّرقة الموجبة للحدّ. فقد عرّفوا السّرقة بأنّها :أخذ العاقل البالغ نصابا محرّزا ملكا للغير ل شبهة فيه على وجه الخفية .ومع اختلف عبارات الفقهاء في تعريف السّرقة وشروطها فإنّهم ل يختلفون في اشتراط أن يكون الخذ على وجه الخفية ،وإلّ ل يعتبر الخذ سرق ًة ،فل قطع على منتهب ،ول على مختلس ول على خائن ،كما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :ليس على خائن ول منتهب ،ول مختلس قطع » . والمختلس والمنتهب يأخذان المال عيانا ويعتمد الوّل الهرب ،والثّاني القوّة والغلبة ،فيدفعان بالسّلطان وغيره ،بخلف السّارق لخذه خفيةً فيشرع قطعه زجرا . وفي تحقّق هذا الرّكن من كون الخفية ابتداءً وانتهاءً معا ،أو ابتداءً فقط وكذلك في سائر الركان والشّروط بيان وتفصيل ،وفي بعض الفروع خلف بين الفقهاء ينظر في مصطلح : ( سرقة ) .
خل * انظر :كل .
خلء *
التّعريف :
- 1الخلء لغ ًة من خل المنزل أو المكان من أهله يخلو خلوّا وخلءً إذا لم يكن فيه أحد ول شيء فيه .ومكان خلء ل أحد به ول شيء فيه . والخلء بالمدّ مثل الفضاء والبراز من الرض . والخلء بالمدّ في الصل المكان الخالي ثمّ نقل إلى الباء المعدّ لقضاء الحاجة عرفا ،وجمعه أخلية .ويسمّى أيضا الكنيف والمرفق والمرحاض .والتّخلّي هو قضاء الحاجة . وفي الحديث « :كان أناس -من الصّحابة -يستحيون أن يتخلّوا فيفضوا إلى السّماء » ، أي يستحيون أن ينكشفوا عند قضاء الحاجة تحت السّماء .
الحكم الجماليّ : - 2ذكر الفقهاء للتّخلّي آدابا عديد ًة منها : ن الشّخص المتخلّي يقدّم ندبا رجله اليسرى عند دخول الخلء قائلً :بسم اللّه ،اللّهمّ إنّي أّ أعوذ بك من الخبث والخبائث لما روي عن أنس رضي ال عنه « :أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان إذا دخل الخلء قال :اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث » . وتنظر الحكام المتعلّقة بالخلء تحت مصطلح ( :قضاء الحاجة ) .
انظر :اختلف .
خلف * خلفة *
انظر :إمامة كبرى .
التّعريف :
خلط *
- 1الخلط في اللّغة مصدر خلط الشّيء بغيره يخلطه خلطا إذا مزجه به وخلّطه تخليطا فاختلط :امتزج .
والخلط أعمّ من أن يكون في المائعات ونحوها ممّا ل يمكن تمييزه ،أو غيرها ممّا يمكن ل ما خالط الشّيء ،فهو خلط . تمييزه بعد الخلط ،كالحيوانات ،وك ّ وجاء في الكّليّات :الخلط :الجمع بين أجزاء شيئين فأكثر :مائعين ،أو جامدين ،أو متخالفين .ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
أحكام الخلط : يختلف حكم الخلط باختلف موضوعه كما سيأتي .
خلط ما تجب فيه الزّكاة :
- 2إن خلط اثنان من أهل الزّكاة مالين لهما ممّا تجب فيه الزّكاة :خلطة شيوع ،أو جوار فيزكّيان زكاة الواحد عند بعض الفقهاء ،والتّفصيل في مصطلح ( :خلطة ) .
خلط المالين في عقد الشّركة : - 3اختلف الفقهاء في اشتراط خلط المالين قبل العقد لنعقاد عقد الشّركة . فذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة " إلى أنّ الشّركة تنعقد بمجرّد العقد وإن لم يحصل الخلط بين المالين . ن العقد يسمّى شرك ًة فل بدّ من ن الشّركة في الرّبح مستندة إلى العقد دون المال ،ل ّ وقالوا :إ ّ ن الدّراهم والدّنانير ل يتعيّنان ،فل تحقّق معنى هذا السم فيه ،فلم يكن الخلط شرطا ،ول ّ يستفاد الرّبح برأس المال وإنّما يستفاد بالتّصرّف ،لنّه في النّصف أصيل وفي النّصف وكيل ،وإذا تحقّقت الشّركة في التّصرّف بدون الخلط تحقّقت في المستفاد به ،ولنّه عقد يقصد به الرّبح فلم يشترط فيه الخلط كالمضاربة . وقال الشّافعيّة :يشترط في صحّة عقد الشّركة خلط رأس مال الشّركة بعضه ببعضه قبل العقد خلطا ل يمكن التّمييز بينها ،فلو حصل الخلط بعد العقد ،ولو في المجلس لم يكف على الصحّ ،ويجب إعادة العقد . ن أسماء العقود المشتقّة من المعاني يجب تحقّق تلك المعاني فيها ،ومعنى الشّركة: وقالوا :إ ّ الختلط والمتزاج . وهو ل يحصل إلّ بالخلط قبل العقد ،وتفصيل ذلك في مصطلح ( شركة ) .
الخلط تعدّيا :
- 4إذا خلط الغاصب المال المغصوب بغيره ،أو اختلط عنده ،أو خلط المين كالمودع والوكيل ،وعامل القراض المال المؤتمن عليه بغيره ،فإن أمكن التّمييز لزمه ،وإن شقّ ل فكالتّالف ،فينتقل الحقّ إلى ذمّة الغاصب أو المين ،سواء خلطه بمثله أم بأجود عليه ،وإ ّ منه ،أم بأردأ ،وللضّامن أن يدفع من المخلوط بمثله أو بأجود منه ،لنّه قدر على دفع
بعض ماله إليه مع ردّ المثل في الباقي ،فلم يجب عليه النتقال إلى بدله في الجميع . وتفصيل ذلك في ( :وديعة ،وكالة ،مضاربة ،غصب ) .
خلط الوليّ مال الصّبيّ بماله : - 5يجوز للوليّ خلط مال الصّبيّ بماله ،ومؤاكلته للرفاق إذا كان في الخلط حظّ للصّبيّ ، ل منها في النفراد ،وله الضّيافة ،والطعام من المال المشترك ، بأن كانت كلفة الجتماع أق ّ إن فضل للمولى عليه قدر حقّه ،وكذا له خلط أطعمة أيتام بعضها ببعضها وبماله إن كانت في ذلك مصلحة للجميع . ن ُتخَاِلطُو ُهمْ َفِإخْوَا ُنكُمْ وَاللّ ُه َيعَْلمُ خيْرٌ وَإِ ْ ح ّل ُهمْ َ ن ا ْل َيتَامَى قُلْ ِإصْلَ ٌ سأَلُو َنكَ عَ ِ لقوله تعالى َ { :و َي ْ حكِيمٌ } . عزِيزٌ َ ن اللّهَ َ ع َن َت ُكمْ إِ ّ ن ا ْلمُصْلِحِ وََل ْو شَاء اللّهُ ل ْ سدَ مِ َ ا ْلمُ ْف ِ
خلط الماء بطاهر :
- 6ل خلف بين الفقهاء في أنّه إذا خالط الماء ما ل يمكن التّحرّز منه كالطّحلب ،وسائر ما ينبت في الماء ،وما في مقرّه ،وممرّه ،فغيّره فإنّه ل يسلبه الطّهوريّة ،أمّا إذا خلط بقصد فغيّره فإنّه يسلبه الطّهوريّة .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :طهارة ) .
خُلطة * التّعريف : - 1الخُلطة ( بضمّ الخاء ) لغ ًة من الخلط ،وهو مزج الشّيء بالشّيء .يقال :خلط القمح بالقمح يخلطه خلطًا ،وخلطه فاختلط .وخليطُ الرّجل مخالطُه ...والخليط ،الجار ن َكثِيرا مّنْ ا ْلخَُلطَاء َل َي ْبغِي ل في الشّركة .وفي التّنزيل { وَإِ ّ والصّاحب .وقيل :ل يكون إ ّ ض ُهمْ عَلَى َبعْضٍ } .والخِلطة ال ِعشْرة .والخُلطة الشّركة . َبعْ ُ والخُلطَة في الصطلح الفقهيّ نوعان : النّوع الوّل :خلطة العيان ،هكذا سمّاها الحنابلة ،وسمّاها الشّافعيّة أيضا خلطة الشتراك وخلطة الشّيوع ،وهي أن يكون المال لرجلين أو أكثر هو بينهما على الشّيوع ،مثل أن يشتريا قطيعا من الماشية شركةً بينهما لكلّ منهما فيه نصيب مشاع ،أو أن يرثاه أو يوهب لهما فيبقياه بحاله غير متميّز . والثّاني :خلطة الوصاف ،وفي شرح المنهاج تسميتها خلطة الجوار أيضا .وهي أن يكون ل من الخليطين معروفا لصاحبه بعينه فخلطاه في المرافق لجل الرّفق في المرعى ، مال ك ّ أو الحظيرة ،أو الشّرب .بحيث ل تتميّز في المرافق .
الحكم التّكليفيّ :
ل من الخليطين عن صاحبه أمر مباح في - 2الخلطة في الموال على وجه يتميّز به مال ك ّ ص. الصل ،لنّه نوع من التّصرّف المباح في المال الخا ّ وقد يحصل به أنواع من الرّفق بأصحاب الموال كأن يكون لهل القرية غنم لكلّ منهم عدد قليل منها فيجمعوها عند راع واحد يرعاها بأجر أو تبرّعا ،ويؤويها إلى حظيرة واحدة ، وتجمع في سقيها أو حلبها أو غير ذلك ،فذلك أيسر عليهم من أن يقوم كلّ منهم على غنمه وحده ،وكذا في خلطة المزارع الرتفاق باتّحاد النّاطور ،والماء ،والحراث ،والعامل . وفي خلطة ال ّتجّار باتّحاد الميزان ونحو ذلك . وأمّا خلطة العيان فهي الشّركة بعينها ،ويراجع حكمها تحت مصطلح ( :شركة ) والصل فيها أيضا الباحة . وبما أنّ الخلطة قد تكون سببا في تقليل الزّكاة بشروطها فقد ورد النّهي عن إظهار صورة الخلطة إذا لم تكن هناك خلطة في الحقيقة سعيا وراء تقليل الزّكاة الّتي قد وجبت فعلً ،وكذا ورد النّهي عن إظهار صورة النفراد سعيا وراء تقليل الزّكاة الّتي وجبت فعلً في الموال المختلطة ،وذلك بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل يجمع بين متفرّق ،ول يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة » .ويأتي مط ّولً بيان معنى ذلك .
أحكام الخلطة : - 3اختلف الفقهاء في تأثير الخلطة في الزّكاة على قولين : ن لها تأثيرا في الزّكاة من حيث الجملة ،وهذا قول الجمهور على خلف بينهم في الوّل :أ ّ بعض الشّروط الّتي ل بدّ من توافرها ليتحقّق ذلك التّأثير .مع الخلف أيضا في الموال الّتي تؤثّر الخلطة فيها على ما سيأتي .واستدلّوا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم فيما رواه البخاريّ من حديث أنس رضي ال عنه « ول يجمع بين متفرّق ،ول يفرّق بين مجتمع ، خشية الصّدقة ،وما كان من خليطين فإنّهما يتراجعان بينهما بالسّويّة » . قال الزهريّ :جوّد تفسير هذا الحديث أبو عبيد في كتاب الموال ،وفسّره على نحو ما فسّره الشّافعيّ .قال الشّافعيّ :الّذي ل أشكّ فيه أنّ " الخليطين " :الشّريكان لم يقتسما الماشية " ،وتراجعهما بالسّويّة " :أن يكونا خليطين في البل تجب فيها الغنم ،فتوجد البل في يد أحدهما ،فتأخذ منه صدقتها فيرجع على شريكه بالسّويّة .قال الشّافعيّ :وقد يكون " الخليطان " الرّجلين يتخالطان بماشيتهما ،وإن عرف كلّ منهما ماشيته ،قال :ول يكونان خليطين حتّى يريحا ويسرحا معا ،وتكون فحولتهما مختلط ًة ،فإذا كانا هكذا صدّقا صدقة ل حال . الواحد بك ّ قال :وإن تفرّقا في مراح ،أو سقي ،أو فحول ،صدّقا صدقة الثنين .ا .هـ .
وأمّا قوله صلى ال عليه وسلم « :ل يجمع بين متفرّق خشية الصّدقة » فهو نهي عن أن ق اللّه تعالى ويبخس يخلط الرّجل إبله بإبل غيره ،أو غنمه بغنمه ،أو بقره ببقره ،ليمنع ح ّ ل منهم أربعون شاةً ، المصدّق " وهو جابي الزّكاة " ،وذلك كأن يكون ثلثة رجال ،لك ّ ل منهم في غنمه شاة ،فإذا أحسّوا بقرب وصول المصدّق جمعوها ليكون عليهم فيكون على ك ّ فيها شاة واحدة . وقوله عليه الصلة والسلم « :ول يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة » مثل أن يكون نصاب بين اثنين ،فإذا جاء المصدّق أفرد كلّ منهما إبله عن إبل صاحبه لئلّ يكون عليهما شيء . واحتجّوا أيضا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل خلط ول وراط » ( الخديعة ) " فالخلط المنهيّ عنه هو ما تقدّم في تفسير قوله صلى ال عليه وسلم « ل يجمع بين متفرّق خشية الصّدقة » فلول أنّ للخلط تأثيرا في الزّكاة ما نهى عنه . ن الخلطة بنوعيها ل تأثير لها ،واستدلّوا بحديث أنس القول الثّاني :وهو مذهب الحنفيّة أ ّ نفسه ،قال ابن الهمام :لنا هذا الحديث ،إذ المراد الجمع والتّفريق في الملك ل في المكنة ن النّصاب المفرّق في أمكنة مع وحدة المالك تجب فيه الزّكاة ،ومن ملك ثمانين ،أل ترى أ ّ شاةً فليس للسّاعي أن يجعلها نصابين بأن يفرّقها في مكانين . قال « :فمعنى ل يفرّق بين مجتمع » ،أن ل يفرّق السّاعي بين الثّمانين أو المائة والعشرين فيجعلها نصابين أو ثلثةً .ومعنى « ول يجمع بين متفرّق » ل يجمع الربعين المتفرّقة في ل منهما عشرين .قال « : ن لك ّ الملك بأن تكون مشترك ًة ليجعلها نصابا ،والحال أ ّ وتراجعهما بالسّويّة » أن يرجع كلّ واحد من الشّريكين على شريكه بحصّة ما أخذ منه . واحتجّوا أيضا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « إذا كانت سائمة الرّجل ناقصةً من أربعين شاةً واحدةً فليس فيها صدقة » قال الكاسانيّ :نفى الحديث وجوب الزّكاة في أقلّ من أربعين مطلقًا عن حال الشّركة والنفراد . ل واحد منهما شرط الوجوب . ن كمال النّصاب في حقّ ك ّ فدلّ أ ّ
أوجه تأثير الخلطة : - 4الخلطة تؤثّر -عند من قال بها -في المالين المختلطين من أوجه : الوّل :تكميل النّصاب ،وهذا عند الشّافعيّة والحنابلة ،فلو كان لكلّ من الخليطين أقلّ من نصاب ،ومجموع مالهما نصاب ،تجب فيه الزّكاة .وفي كتاب الفروع :لو تخالط أربعون رجلً لكلّ منهم شاة واحدة ،فعليهم الزّكاة ،شاة واحدة . وقال المالكيّة :ل أثر للخلطة حتّى يكون لكلّ من الخليطين نصاب .
الثّاني :القدر ،فلو كان ثلثة لك ّل منهم أربعون شا ًة تخالطوا بها ،فعليهم شاة واحدة ،ولول الخلطة لكان على كلّ منهم شاة .وهذا تأثير بالنّقص . ل واحد منهما مائة شاة وشاة واحدة ،عليهما ثلث وقد يكون التّأثير بالزّيادة ،كخليطين لك ّ شياه ،ولول الخلطة لكان على ك ّل منهما شاة واحدة .وقد يكون التّأثير تخفيفا على أحدهما وتثقيلً على الخر كخليطين لحدهما أربعون وللخر عشرون . ل واحد ن :كاثنين لكلّ منهما ستّ وثلثون من البل فعليهم جذعة ،على ك ّ الثّالث :السّ ّ نصفها ،ولول الخلطة لكان على كلّ منهما بنت لبون ،فحصل بها تغيّر في السّنّ . الرّابع :الصّنف ،كاثنين لحدهما أربعون من الضّأن ،وللثّاني ثمانون من المعز ،فعليهما ن المعز أكثر ،كالمالك الواحد ،فقد تغيّر الصّنف بالنّسبة لمالك الضّأن . شاة من المعز ،ل ّ وقد ل توجب الخلطة تغييرا ،كاثنين لك ّل منهما عشر شياه فل زكاة عليهما مع الخلطة أو عدمها .أو اثنين لك ّل منهما مائة شاة ،فعليهما شاتان سواء اختلطا أم انفردا . ن الخلطة تفيد جواز إخراج الخليط الزّكاة عن خليطه عند الشّافعيّة والحنابلة . الخامس :أ ّ ل واحد منهما كالذن لخليطه في قال صاحب المحرّر من الحنابلة :عقد الخلطة جعل ك ّ الخراج عنه .وقال ابن حامد :يجزئ إخراج أحدهما بل إذن الخر . ل بإذن . واختار صاحب الرّعاية :ل يجزئ إ ّ
أنواع الموال الزّكويّة الّتي يظهر فيها تأثير الخلطة عند غير الحنفيّة : أوّلً :السّائمة :
- 5قد اتّفق من عدا الحنفيّة على أنّ الخلطة مؤثّرة فيها .سواء أكانت إبلً مع إبل ،أو غنما مع غنم ،أو بقرا مع بقر .
ثانيا :الزّرع والثّمر وعروض التّجارة والذّهب والفضّة : فالظهر عند الشّافعيّة أنّها تؤثّر أيضا ،فلو كان نصاب منها مشتركا بين اثنين ففيه الزّكاة ، وكذا إن كان مختلطًا خلطة جوار . واحتجّوا بعموم الحديث « ل يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة » وهذا رواية عن أحمد ن المئونة تخفّ فالملقّح واحد ، اختارها الج ّريّ وصحّحها ابن عقيل ،ووجّهها القاضي بأ ّ والحراث واحد ،والجرين واحد ،وكذا ال ّدكّان واحد ،والميزان والمخزن والبائع . ن الخلطة فيها ل تؤثّر ومذهب مالك هو الرّواية الخرى عن أحمد وهو قول للشّافعيّة :إ ّ ل شريك أو خليط وحده .قال ابن قدامة :وهذا قول أكثر أهل العلم مطلقا ،بل يزكّي مال ك ّ قال :وهو الصّحيح ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :الخليطان ما اجتمعا على الحوض
ل على أنّ والرّاعي والفحل » فدلّ على أنّ ما لم يوجد فيه ذلك ل يكون خلط ًة مؤثّرةً ،ود ّ حديث « ل يفرّق بين مجتمع » إنّما يكون في الماشية . ل بجمع الماشية تار ًة وتزيد أخرى ،وسائر الموال غير ن الزّكاة تق ّ ووجه الخصوصيّة أ ّ الماشية تجب فيها فيما زاد على النّصاب بحسابه فل أثر لجمعها ،ولنّ الخلطة في الماشية تؤثّر للمالك نفعا تار ًة وضررا تار ًة أخرى ،ولو اعتبرت في غير الماشية أثّرت ضررا ل من الخليطين بأقلّ من النّصاب ،فل يجوز محضا بربّ المال ،أي في حال انفراد ك ّ اعتبارها .وفي قول ثالث عند الشّافعيّة ورواية عن أحمد :التّفريق بين خلطة الشتراك ، فتؤثّر وبين خلطة الجوار فل تؤثّر مطلقا . وفي قول رابع للشّافعيّة :تؤثّر خلطة الجوار في الزّرع والثّمر دون النّقد وعروض التّجارة .وقد نقل هذا القول ابن قدامة عن الوزاعيّ وإسحاق .
شروط تأثير الخلطة في الزّكاة عند القائلين بها : الّذين قالوا بتأثير الخلطة في الزّكاة اشترطوا لذلك شروطا كما يلي :
الشّرط الوّل :
ل من الخليطين نصاب تامّ ،وهذا اشترطه المالكيّة في المعتمد والثّوريّ - 6أن يكون لك ّ وأبو ثور واختاره ابن المنذر . قال المالكيّة :وسواء خالط بنصابه التّامّ أو ببعضه .فلو كان له أربعون أو أكثر من الغنم فخالط بها كلّها من له أربعون أو أكثر زكّي ما لهما زكاة مالك واحد . ولو أنّ أحدهما خالط بعشرين وله غيرها ممّا يت ّم به ما له نصابا فيضمّ ما لم يخالط به إلى مال الخلطة وتزكّى غنمهما كلّها زكاة مالك واحد إذا كان ما تخالطا به نصابا أو أكثر . وقال الشّافعيّة :المشترط أن يكون مجموع المالين ل يقلّ عن نصاب ،فإن كان مجموعهما أقلّ من نصاب فل أثر للخلطة ما لم يكن لحدهما مال آخر من جنس المال المختلط يكمل به ل منهما منها عشر فل أثر مع ماله المختلط نصاب ،كما لو اختلطا في عشرين شا ًة لك ّ للخلطة ،فإن كان لحدهما ثلثون أخرى زكّيا زكاة الخلطة . ل من الخليطين نصابا . أمّا عند الحنابلة فالخلطة مؤثّرة ولو لم يبلغ مال ك ّ
الشّرط الثّاني : ل من الخليطين من أهل الزّكاة ،مسلما ،فإن كانا كافرين أو أحدهما ،لم - 7أن يكون ك ّ تلزم الزّكاة الكافر ويزكّي المسلم زكاة منفرد . فإن كانوا ثلثة خلطاء أحدهم كافر زكّى الخران ماليهما زكاة خلطة .
ن العبد ل زكاة عليه . ومن ذلك أنّ المالكيّة اشترطوا في كل الخليطين أن يكون حرّا ل ّ واشترط الحنابلة أن ل يكون الخليط غاصبا لما هو مخالط به . وكذا لو كان أحد المالين موقوفا أو لبيت المال .
الشّرط الثّالث : - 8نيّة الخلطة .وهذا قد اشترطه المالكيّة ،وهو قول للشّافعيّة خلف الصحّ عندهم ، ل واحد من وقول القاضي من الحنابلة .قال الدّردير من المالكيّة :والمراد أن ينوي الخلطة ك ّ الخليطين أو الخلطاء ،ل واحد فقط ،بأن ينويا حصول الرّفق بالختلط ل الفرار من ن الخلطة تغيّر أمر الزّكاة بالتّكثير أو التّقليل ول ينبغي أن يكثر من الزّكاة .ووجّهه المحّليّ بأ ّ غير قصده ورضاه ول أن يقلّل إذا لم يقصده محافظ ًة على حقّ الفقراء . ح عند الشّافعيّة وهو مذهب الحنابلة أنّه ل أثر لنيّة الخلطة ،قال المحّليّ :لنّ الخلطة والص ّ إنّما تؤثّر من جهة خفّة المؤنة باتّحاد المرافق وذلك ل يختلف بالقصد وعدمه . ن ال ّنيّة ل تؤثّر في الخلطة فل تؤثّر في حكمها . وقال ابن قدامة :ل ّ ن المقصود بالخلطة الرتفاق وهو حاصل ولو بغير نيّة ،فلم يتغيّر وجودها معه كما ل ول ّ تتغيّر نيّة السّوم في السامة ،ول نيّة السّقي في الزّروع والثّمار ،ول نيّة مضيّ الحول فيما الحول شرط فيه .
الشّرط الرّابع :
- 9الشتراك في مرافق معيّنة ،والكلم على ذلك يتعلّق بالنعام وبغيرها . ل :الخلطة في النعام .وجملة ما يذكره الفقهاء من تلك المرافق . أ ّو ً أ -المشرع ،أي موضع الماء الّذي تشرب منه سواء كان حوضا ،أو نهرا ،أو عينا ،أو ص أحد المالين بماء دون الخر . بئرا ،فل يخت ّ ب -المراح ،قال المالكيّة :هو المكان الّذي تقيل فيه أو تجتمع ،ثمّ تساق منه للمبيت أو للسّروح .وقال الشّافعيّة والحنابلة :المراح مأواها ليلً . ج -المبيت :وهو المكان الّذي تقضي فيه اللّيل . د -موضع الحلب ،والنية الّتي يحلب فيها ،والحالب . هـ -المسرح :وهو عند الشّافعيّة الموضع الّذي تسرح إليه لتجتمع وتساق إلى المرعى . ز -المرعى :وهو مكان الرّعي وهو المسرح نفسه عند الحنابلة ،وغيره عند الشّافعيّة . ح -الرّاعي :ولو كان لكلّ من المالين راع لكن لو تعاون الرّاعيان في حفظ المالين بإذن صاحبيهما فذلك من اتّحاد الرّاعي أيضا .
ط -الفحولة :بأن تضرب في الجميع دون تمييز .والصل في ذلك الحديث الّذي تقدّم نقله « الخليطان ما اجتمعا على الحوض والفحل والرّاعي » . ن المالكيّة قالوا :تتمّ الخلطة بثلثة على القلّ من خمسة هي الماء ،والمراح ،والمبيت، ثمّ إ ّ والرّاعي ،والفحل ،فلو انفردا في اثنين من الخمسة أو واحد لم ينتف حكم الخلطة .ومذهب الشّافعيّة أنّه ل بدّ من الشتراك في سبعة هي المشرع ،والمسرح ،والمراح ،وموضع الحلب ،والرّاعي ،والفحل ،والمرعى .وزاد بعضهم غيرها . ومذهب الحنابلة ل ب ّد من الشتراك في خمسة :المسرح وهو المرعى ،والمبيت ،والمشرب، والمحلب ،والفحل ،وبعضهم أضاف الرّاعي ،وبعضهم جعل الرّاعي والمرعى شرطا واحدا .واشترط بعضهم خلط اللّبن . ن كلّ منفعة من هذه المنافع يحصل الشتراك فيها إذا لم يختصّ بها أحد وقد صرّح المالكيّة بأ ّ المالين دون الخر سواء أكانت مملوك ًة لهما أم لحدهما وأذن للخر أو لغيرهما وأعاره لهما أو كانت مباحةً للنّاس كما في المبيت والمراح والمشرب . - 10ثانيا :الخلطة في الزّروع والثّمار ،فالّذين قالوا من الشّافعيّة إنّ الخلطة تؤثّر فيها حتّى تؤخذ من النّصاب ولو كان مملوكا لكثر من واحد ،قالوا :يشترط أن ل يتميّز " النّاطور " وهو حافظ النّخل والشّجر " والجرين " وهو موضع جمع الثّمر وتجفيفه ،قال الرّمليّ :وزاد في شرح المهذّب اتّحاد الماء ،والحراث ،والعامل ،وجذاذ النّخل ،والملقّح، واللّقّاط ،وما يسقى لهما به . وفي خلطة التّاجرين اشترطوا اتّحاد ال ّدكّان والحارس ومكان الحفظ ونحوها ،ولو كان مال كلّ منهما متميّزا ،كأن تكون دراهم أحدهما في كيس ودراهم الخر في كيس إلّ أنّ الصّندوق واحد . وفيما زاده في شرح المهذّب :اتّحاد الحمّال ،والكيّال ،والوزّان ،والميزان . وفيما علّل به الذّاهبون من الحنابلة إلى تأثير الخلطة في الزّروع والثّمار والعروض إيماءً إلى اشتراط مثل ما قاله الشّافعيّة ،فقد جاء في المغني :خرّج القاضي وجها في الزّروع ن المئونة تخفّ إذا كان الملقّح واحدا ،والصّعّاد والنّاطور ن الخلطة تؤثّر ل ّ والثّمار أ ّ والجرين .وكذلك أموال التّجارة ،فالدّكّان والمخزن والميزان والبائع واحد . وعبّر في الفروع عن ذلك كلّه باتّحاد المؤن ومرافق الملك . الشّرط الخامس :الحول في الموال الحوليّة .وهذا الشّرط للشّافعيّة في الجديد ،والحنابلة . قال ابن قدامة :يعتبر اختلطهم في جميع الحول ،فإن ثبت لهم حكم النفراد في بعضه
ل منهما أربعين شا ًة في غرّة المحرّم ثمّ خلطا زكّوا زكاة منفردين .وقال الشّافعيّة :لو ملك ك ّ في غرّة صفر فل يثبت حكم الخلطة في هذه السّنة ،ويثبت في السّنة الثّانية . والمذهب القديم للشّافعيّة عدم اشتراط تمام الحول على الختلط .وعليه يكون على كلّ منهما شاة كاملة في نهاية السّنة الولى على الجديد في المثال السّابق .وفي القديم نصف شاة . ن المشترط الختلط آخر حول الملك وقبله بنحو شهر ،ولو كانا قبل ذلك ومذهب مالك أ ّ منفردين ،فيكفي اختلطهما في أثناء السّنة من حين الملك ما لم يقرب آخر السّنة جدّا . فإن لم يكن المال حوليّا ،كالزّروع والثّمار عند من قال بتأثير الخلطة فيها ،قال الرّمليّ : ب في النّبات . المعتبر بقاء الخلطة إلى زهوّ الثّمار ،واشتداد الح ّ
كيفيّة إخراج زكاة المال المختلط : - 12الخلطاء سواء أكانوا في خلطة اشتراك أم في خلطة جوار ،يعامل مالهم الّذي تخالطوا ن السّاعي له أن يأخذ الفرض من مال أيّ فيه معاملة مال رجل واحد ،وهذا يقتضي أ ّ الخليطين شاء ،سواء دعت الحاجة إلى ذلك بأن تكون الفريضة عينا واحد ًة ل يمكن أخذها ل في أحد المالين ،مثل أن يكون مال من المالين جميعا ،أو كان ل يجد فرضهما جميعا إ ّ أحدهما صغارا ،ومال الخر كبارا ،أو يكون مال أحدهما مراضا ،ومال الخر صحاحا، فإنّه يأخذ صحيح ًة كبير ًة ،أو لم تدع الحاجة إلى ذلك . قال أحمد :إنّما يجيء المصدّق " أي الجابي " فيجد الماشية فيصدقها ،ليس يجيء فيقول : أيّ شيء لك ؟ وإنّما يصدق ما يجده .وقال الهيثم بن خارجة لحمد :أنا رأيت مسكينا كان ن المالين قد صارا كالمال الواحد في له في غنم شاتان ،فجاء المصدّق فأخذ إحداهما .ول ّ وجوب الزّكاة ،فكذلك في إخراجها .
التّرادّ فيما يأخذه السّاعي من زكاة المال المختلط :
ن ما يأخذه السّاعي - 13إن كانت الخلطة خلطة اشتراك ،والمال مشاع بين الخليطين ،فإ ّ هو من المشاع بين الخلطاء ،فل إشكال ،لنّه يكون بينهم بنسبة ملكهم في أصل المال . ق أو بباطل . وإن كانت خلطة جوار ،فإنّه إمّا أن يأخذ بح ّ ل من الحالة الولى :أن يأخذ بحقّ ،وحينئذ فما أخذه يتراجعان في قيمته بالنّسبة العدديّة لك ّ ماليهما .فلو خلطا عشرين من الغنم بعشرين ،فأخذ السّاعي شا ًة من نصيب أحدهما رجع ن الشّاة غير مثليّة . على صاحبه بنصف قيمة الشّاة الّتي أخذت منه ،ل بنصف شاة ،ل ّ ولو كان لحدهما مائة وللخر خمسون فأخذ السّاعي الشّاتين الواجبتين من غنم صاحب المائة ،رجع بثلث قيمتهما ،أو من صاحب الخمسين رجع على الخر بثلثي قيمتهما ،أو
أخذ من كلّ منهما شاةً ،رجع صاحب المائة بثلث قيمة شاته ،وصاحب الخمسين بثلثي قيمة شاته ،ثمّ إنّه إذا لم تكن بيّنة وتنازعا في قيمة المأخوذ ،فالقول قول المرجوع عليه بيمينه إذا احتمل قوله الصّدق لنّه غارم . والمعتبر في قيمة المرجوع به يوم الخذ في قول ابن القاسم ،لنّه بمعنى الستهلك ،وقال أشهب :يوم التّراجع ،لنّه بمعنى السّلف ،والمتسلّف إذا عجز عن ردّ ما تسلّفه وأراد ردّ قيمته تعتبر قيمته يوم القضاء . ل تأويلً سائغا الحالة الثّانية :أن يأخذ بغير حقّ ،وهذا على نوعين ،لنّه إمّا أن يكون متأ ّو ً أو ل . ل سائغا ،وهو أن يكون رأى جواز ذلك شرعا ،فحكمه حكم ما لو أخذ فإن كان متأ ّولً تأوي ً ل منهما عشرون شاةً ،فيتراجعا بحقّ .ومثال ذلك عند المالكيّة ،أن يأخذ شا ًة من خليطين لك ّ ن الخلطة ل تؤثّر تكميل النّصاب كما تقدّم .والصل عند المالكيّة أنّ هذا الخذ بغير حقّ ،ل ّ كما تقدّم ،بخلف مذهب الشّافعيّة والحنابلة . ومثاله عند المالكيّة أيضا لو أخذ شاتين من خليطين لحدهما مائة ،وللخر خمسة وعشرون، ن أخذ السّاعي ينزّل منزلة فعلى الوّل أربعة أخماس الشّاتين ،وعلى الخر خمسهما ،ل ّ حكم الحاكم ،لنّه نائب المام ففعله كفعله . وإن كان غير متأوّل ،أو كان متأ ّولً ول وجه لتأوّله ،فل تراجع ،وهي مصيبة حلّت بمن أخذت منه ،إذ المظلوم ليس له أن يرجع بمظلمته على غيره . ل من الخليطين ثلثون شاةً ،فيأخذ السّاعي من مال أحدهما شاتين ، مثال ذلك ،أن يكون لك ّ فيرجع على الخر بنصف إحدى الشّاتين ل غير ،أمّا الخرى فقد ذهبت من مال من أخذت منه ،لنّها إمّا أن يكون السّاعي أخذها وهو يعلم أنّ ليس له أخذها ،فتكون غصبا ،وإمّا أن ق شرعا ،فيكون أخذها جهلً محضا ل عبرة به ول ينزّل منزلة حكم ن أخذها ح ّ يكون يرى أ ّ الحاكم ،إذ حكم الحاكم بخلف الجماع ينقض . وكذا إن أخذ ال سّاعي سنّا أكبر من الواجب يرجع المأخوذ منه على خليطه بقيمة ح صّته من ال سّنّ الواجبة ،كما لو أخذ جذع ًة عن ثلثين من البل بين اثنين ،يرجع المأخوذ منه بقيمة ن الزّيادة ظلم . نصف بنت مخاض ل ّ
خلع * التّعريف : - 1الخَلع " بالفتح " لغ ًة هو النّزع والتّجريد ،والخُلع " بالضّمّ " اسم من الخلع .
وأمّا الخلع عند الفقهاء فقد عرّفوه بألفاظ مختلفة تبعًا لختلف مذاهبهم في كونه طلقا أو فسخا ،فالحنفيّة يعرّفونه بأنّه عبارة عن :أخذ مال من المرأة بإزاء ملك النّكاح بلفظ الخلع. وتعريفه عند الجمهور في الجملة هو :فرقة بعوض مقصود لجهة الزّوج بلفظ طلق أو خلع.
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الصّلح : - 2الصّلح في اللّغة اسم من المصالحة وهي التّوفيق والمسالمة بعد المنازعة ،ومعناه في الشّرع عقد يرفع النّزاع ،والصّلح من اللفاظ الّتي يؤوّل إليها معنى الخلع الّذي هو بذل المرأة العوض على طلقها ،والخلع يطلق غالبا على حالة بذلها له جميع ما أعطاها ، والصّلح على حالة بذلها بعضه . ب -الطّلق : - 3الطّلق من ألفاظ الخلع عند الشّافعيّة والحنابلة كما سيأتي ،ومعناه في اللّغة اسم بمعنى التّطليق ،كالسّلم بمعنى التّسليم وتركيب هذا اللّفظ يدلّ على الحلّ والنحلل ،ومنه إطلق السير إذا حلّ إساره وخلّي عنه . وأمّا في الشّرع فمعناه :رفع قيد النّكاح من أهله في محلّه ،وأمّا صلته بالخلع ،سوى ما ن الفقهاء اختلفوا في الخلع هل هو طلق بائن ،أو رجعيّ ،أو فسخ ،على أقوال ذكر فهي أ ّ سيأتي تفصيلها . ل واحد منهما طلق بعوض والطّلق على مال هو في أحكامه كالخلع عند الحنفيّة ،لنّ ك ّ فيعتبر في أحدهما ما يعتبر في الخر إلّ أنّهما يختلفان من ثلثة أوجه : أحدها :يسقط بالخلع في رأي أبي حنيفة كلّ الحقوق الواجبة لحد الزّوجين على الخر بسبب الزّواج ،كالمهر ،والنّفقة الماضية المتجمّدة أثناء الزّواج ،لكن ل تسقط نفقة العدّة لنّها لم تكن واجبة قبل الخلع فل يتصوّر إسقاطها به ،بخلف الطّلق على مال فإنّه ل يسقط به شيء من حقوق الزّوجين ،ويجب به المال المتّفق عليه فقط . الثّاني :إذا بطل العوض في الخلع مثل أن يخالع المسلم على خمر أو خنزير أو ميتة فل ن العوض إذا بطل فيه وقع رجعيّا في غير شيء للزّوج ،والفرقة بائنة ،بخلف الطّلق فإ ّ ن الخلع كناية ،أمّا الطّلق على مال فهو صريح ،والبينونة إنّما تثبت الطّلقة الثّالثة ،ل ّ ح التحقت بالعدم فبقي صريح الطّلق فيكون بتسمية العوض إذا صحّت التّسمية ،فإذا لم تص ّ رجعيّا .
الثّالث :الطّلق على مال ،طلق بائن ،ينقص به عدد الطّلقات بل خلف ،وأمّا الخلع فالفقهاء مختلفون في كونه طلقًا ينقص به عدد الطّلقات ،أو فسخا ل ينقص به عددها كما سيأتي . ج -الفدية : ى وفديات ،وفاديته - 4الفدية في اللّغة اسم للمال الّذي يدفع لستنقاذ السير ،وجمعها فد ً مفاداة ،وفدا ًء أطلقته وأخذت فديته .وفدت المرأة نفسها من زوجها تفدي ،وافتدت أعطته مالً حتّى تخلّصت منه بالطّلق ،والفقهاء ل يخرجون في تعريفهم للفدية عمّا ورد في اللّغة. والفدية والخلع معناهما واحد ،وهو بذل المرأة العوض على طلقها ،ولفظ المفاداة من اللفاظ الصّريحة في الخلع عند الشّافعيّة وعند الحنابلة لوروده في القرآن . د -الفسخ : - 5الفسخ مصدر فسخ ومن معانيه في اللّغة الزالة ،والرّفع ،والنّقض ،والتّفريق . وأمّا عند الفقهاء فقد ذكر السّيوطيّ وابن نجيم أنّ حقيقة الفسخ حلّ ارتباط العقد ،وذكر ل واحد ن الفسخ قلب كلّ واحد من العوضين إلى صاحبه ،والنفساخ انقلب ك ّ الزّركشيّ أ ّ ن الخلع فسخ على قول . من العوضين إلى دافعه ،وصلة الفسخ بالخلع هي أ ّ والفسخ من اللفاظ الصّريحة في الخلع عند الحنابلة . هـ – المبارأة : - 6المبارأة صيغة مفاعلة تقتضي المشاركة في البراءة ،وهي في الصطلح اسم من أسماء الخلع والمعنى واحد وهو بذل المرأة العوض على طلقها لكنّها تختصّ بإسقاط المرأة عن الزّوج حقّا لها عليه . ل حقّ لكلّ واحد من الزّوجين على الخر ممّا وهي عند أبي حنيفة كالخلع كلهما يسقطان ك ّ يتعلّق بالنّكاح كالمهر والنّفقة الماضية دون المستقبلة ،لنّ الخلع ينبئ عن الفصل ،ومنه خلع النّعل وخلع العمل وهو مطلق كالمبارأة فيعمل بإطلقهما في النّكاح وأحكامه وحقوقه . ن هذه معاوضة ،وفي المعاوضات يعتبر ل ما سمّياه ل ّ وقال محمّد :ل يسقط بهما إ ّ المشروط ل غيره ،وأمّا أبو يوسف فقد وافق محمّدا في الخلع وخالفه في المبارأة ،وخالف أبا حنيفة في الخلع ،ووافقه في المبارأة ،لنّ المبارأة مفاعلة من البراءة فتقتضيها من الجانبين ،وأنّه مطلق قيّدناه بحقوق النّكاح لدللة الغرض ،أمّا الخلع فمقتضاه النخلع ، وقد حصل في نقض النّكاح ول ضرورة إلى انقطاع الحكام .
حقيقة الخلع :
ن الخلع إذا وقع بلفظ الطّلق أو نوى به الطّلق فهو طلق - 7ل خلف بين الفقهاء في أ ّ وإنّما الخلف بينهم في وقوعه بغير لفظ الطّلق ولم ينو به صريح الطّلق أو كنايته . فذهب الحنفيّة في المفتى به والمالكيّة والشّافعيّ في الجديد والحنابلة في رواية عن أحمد إلى ن الخلع طلق . أّ وذهب الشّافعيّ في القديم والحنابلة في أشهر ما يروى عن أحمد إلى أنّه فسخ . ن الزّوج ملك ن الّذي يقع به طلقة بائنة ،ل ّ ن الخلع طلق متّفقون على أ ّ هذا والقائلون بأ ّ ن غرضها من التزام البدل أن تتخلّص من البدل عليها فتصير هي بمقابلته أملك لنفسها ،ول ّ ن الزّوج إن نوى بالخلع ن الحنفيّة ذكروا أ ّ الزّوج ول يحصل ذلك إلّ بوقوع البينونة .إلّ أ ّ ثلث تطليقات فهي ثلث ،لنّه بمنزلة ألفاظ الكناية ،وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة عند غير زفر ،وعنده ثنتان ،كما في لفظ الحرمة والبينونة وبه قال مالك . والخلف في هذه المسألة إنّما يكون بعد تمام الخلع ل قبله ،وسبب الخلف في كون الخلع ن اقتران العوض فيه هل يخرجه من نوع فرقة الطّلق إلى نوع فرقة طلقا أو فسخا ،أ ّ الفسخ ،أو ل يخرجه . ن ابن عبّاس رضي ال عنهما :احتجّ بقوله تعالى { : احتجّ القائلون بأنّ الخلع فسخ بأ ّ جنَاحَ عََل ْي ِهمَا فِيمَا ا ْف َتدَتْ ِبهِ } ثمّ قال َ { :فإِن طَلّ َقهَا فَلَ َتحِلّ الطّلَقُ َم ّرتَانِ } ثمّ قال { :فَلَ ُ غ ْيرَهُ } ،فذكر تطليقتين ،والخلع ،وتطليق ًة بعدها ،فلو كان ى تَنكِحَ زَ ْوجًا َ حتّ َ لَ ُه مِن َب ْعدُ َ الخلع طلقا لكان أربعا ،ولنّها فرقة خلت عن صريح الطّلق ونيّته فكانت فسخا كسائر الفسوخ . ن امرأة ثابت واحتجّوا أيضا بما رواه أبو داود والتّرمذيّ عن ابن عبّاس رضي ال عنهما « أ ّ بن قيس اختلعت من زوجها فأمرها النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن تعتدّ بحيضة » . وبما رواه التّرمذيّ عن « الرّبيّع بنت معوّذ رضي ال عنهما أنّها اختلعت على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فأمرها النّبيّ صلى ال عليه وسلم أو أمرت أن تعتدّ بحيضة » . ن الخلع لو كان طلقا لم يقتصر صلى ال عليه وسلم على ووجه الستدلل بهذين الحديثين أ ّ المر بحيضة . ن الخلع طلق بأنّه لفظ ل يملكه إلّ الزّوج فكان طلقا ،ولو كان فسخا لما ج القائلون بأ ّ واحت ّ ن الجمهور على جوازه بما قلّ وكثر فدلّ على أنّه طلق جاز على غير الصّداق كالقالة ،لك ّ ن المرأة إنّما بذلت العوض للفرقة ،والفرقة الّتي يملك الزّوج إيقاعها هي الطّلق دون ; ول ّ الفسخ ،فوجب أن يكون طلقا ،ولنّه أتى بكناية الطّلق قاصدا فراقها ،فكان طلقا كغير الخلع من كنايات الطّلق .
واحتجّوا أيضا بما روي عن عمر وعليّ وابن مسعود رضي ال عنهم موقوفا عليهم :الخلع تطليقة بائنة ،والمعنى فيه كما في المبسوط أنّ النّكاح ل يحتمل الفسخ بعد تمامه . والخلع يكون بعد تمام العقد فيجعل لفظ الخلع عبارةً عن رفع العقد في الحال مجازا ،وذلك إنّما يكون بالطّلق ،وأمّا الية فقد ذكر اللّه تعالى التّطليقة الثّالثة بعوض وبغير عوض ، وبهذا ل يصير الطّلق أربعا ،وأمّا ما روي عن ابن عبّاس رضي ال عنهما من خلف في هذه المسألة فقد ثبت رجوعه عنه . ويتفرّع على كون الخلع طلقا أنّه إن نوى بالخلع أكثر من تطليقة عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وزفر يقع ما نواه . وعند الحنفيّة إن نوى ثلث تطليقات فهي ثلث ،لنّه بمنزلة ألفاظ الكناية ،وإن نوى اثنتين ن الخلع معناه الحرمة ،وهي ل تحتمل التّعدّد فهي واحدة بائنة عند غير زفر من الحنفيّة ،ل ّ ن نيّة الثّلث تدلّ على تغليظ الحرمة فتعتبر بينون ًة كبرى . لك ّ ويتفرّع على كونه فسخا أنّه لو خالعها مرّتين ثمّ خالعها مرّ ًة أخرى ،أو خالعها بعد طلقتين فله أن يتزوّجها حتّى وإن خالعها مائة مرّة ،لنّ الخلع على هذا القول ل يحتسب من الطّلقات . واختلف الشّافعيّة فيما إذا نوى بالخلع الطّلق مع تفريعهم على أنّه فسخ هل يقع الطّلق أو ل ؟ فيه وجهان . -8واختلف الفقهاء في كون الخلع معاوضةً من جانب الزّوجة دون الزّوج ،أو منهما معا ، ن الخلع وفي كونه يمينا من جانب الزّوج دون الزّوجة أو منهما معا ،فذهب أبو حنيفة إلى أ ّ من جانب الزّوجة معاوضة ،ومن جانب الزّوج يمين وذهب الصّاحبان إلى أنّه يمين من ح رجوعه عنه قبل الجانبين ،ويترتّب على كون الخلع يمينا من جانب الزّوج أنّه ل يص ّ ح شرط الخيار له ،ول يقتصر على مجلس الزّوج ،فل يبطل بقيامه ، قبولها ،ول يص ّ ويقتصر قبولها على مجلس علمها ،ويترتّب على كونه معاوض ًة من جانبها صحّة رجوعها ح شرط الخيار لها ولو أكثر من ثلثة أيّام ،ويقتصر على المجلس كالبيع ، قبل قبوله ،وص ّ ويشترط في قبولها علمها بمعناه ،لنّه معاوضة بخلف الطّلق والعتاق . ن الشّافعيّة ن الخلع معاوضة من الجانبين ،إلّ أ ّ وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ ن المعاوضة على القول بأنّ الخلع طلق معاوضة فيها شوب تعليق لتوقّف وقوع ذكروا أ ّ الطّلق فيه على قبول المال ،وأمّا على القول بأنّه فسخ فهي معاوضة محضة ل مدخل للتّعليق فيها ،فيكون الخلع في هذه الحالة كابتداء البيع ،وللزّوج الرّجوع قبل قبول الزّوجة، ن هذا شأن المعاوضات . لّ
وصرّح الحنابلة أنّ العوض في الخلع كالعوض في الصّداق ،والبيع إن كان مكيلً أو موزونا لم يدخل في ضمان الزّوج ،ولم يملك التّصرّف فيه إلّ بقبضه ،وإن كان غيرهما دخل في ح تصرّفه فيه . ضمانه بمجرّد الخلع وص ّ
الحكم التّكليفيّ : - 9الخلع جائز في الجملة سواء في حالة الوفاق والشّقاق خلفًا لبن المنذر . وقال الشّافعيّة :يصحّ الخلع في حالتي الشّقاق والوفاق ،ث ّم ل كراهة فيه إن جرى في حال الشّقاق ،أو كانت تكره صحبته لسوء خلقه ،أو دينه ،أو تحرّجت من الخلل ببعض حقوقه، أو ضربها تأديبا فافتدت ،وألحق الشّيخ أبو حامد به ما إذا منعها نفق ًة أو غيرها فافتدت لتتخلّص منه ،قال القليوبيّ :فإن منعها النّفقة لكي تختلع منه فهو من الكراه فتبين منه بل مال إذا ثبت الكراه ،قال الرّمليّ :والمعتمد أنّه ليس بإكراه . وجاء في مغني المحتاج استثناء حالتين من الكراهة : إحداهما أن يخافا أو أحدهما أن ل يقيما حدود اللّه أي ما افترضه في النّكاح . والثّانية :أن يحلف بالطّلق الثّلث على فعل شيء ل ب ّد له منه كالكل والشّرب وقضاء الحاجة ،فيخلعها ،ثمّ يفعل المر المحلوف عليه ،ث ّم يتزوّجها فل يحنث لنحلل اليمين بالفعلة الولى ،إذ ل يتناول إلّ الفعلة الولى وقد حصلت ،فإن خالعها ولم يفعل المحلوف عليه ففيه قولن :أصحّهما :أنّه يتخلّص من الحنث فإذا فعل المحلوف عليه بعد النّكاح لم يحنث ،لنّه تعليق سبق هذا النّكاح فلم يؤثّر فيه ،كما إذا علّق الطّلق قبل النّكاح على صفة وجدت بعده . والخلف في كون الخلع جائزا أو مكروها إنّما هو من حيث المعاوضة على العصمة ،كما في حاشية الصّاويّ ،وأمّا من حيث كونه طلقا فهو مكروه بالنّظر لصله أو خلف الولى ،لقوله عليه الصلة والسلم « :أبغض الحلل إلى اللّه الطّلق » . جنَاحَ عََل ْي ِهمَا فِيمَا سنّة وإجماع المّة ،أمّا الكتاب فقوله تعالى { :فَلَ ُ واستدلّوا بالكتاب وال ّ شيْ ٍء ّمنْهُ نَ ْفسًا فَكُلُوهُ َهنِيئا ّمرِيئا } . ن َل ُكمْ عَن َ ت بِهِ } ،وقوله تعالى َ { :فإِن طِبْ َ ا ْفتَدَ ْ سنّة فما رواه البخاريّ في امرأة ثابت بن قيس بقوله صلى ال عليه وسلم له « :اقبل وأمّا ال ّ الحديقة وطلّقها تطليق ًة » وهو أوّل خلع وقع في السلم . وأمّا الجماع فهو إجماع الصّحابة والمّة على مشروعيّته وجوازه . واستدلّوا من المعقول بأنّ ملك النّكاح حقّ الزّوج فجاز له أخذ العوض عنه كالقصاص . ن الخلع على ثلثة أضرب : - 10وأمّا الحنابلة فقد ذكروا أ ّ
ل تؤدّي الوّل :مباح الخلع وهو أن تكره المرأة البقاء مع زوجها لبغضها إيّاه ،وتخاف أ ّ ن خِ ْف ُتمْ َألّ حقّه ،ول تقيم حدود اللّه في طاعته ،فلها أن تفتدي نفسها منه لقوله تعالى َ { :فإِ ْ جنَاحَ عََل ْي ِهمَا فِيمَا افْ َتدَتْ ِبهِ } . حدُودَ الّلهِ فَلَ ُ يُقِيمَا ُ ن للزّوج إجابتها ،لما رواه البخاريّ عن ابن عبّاس رضي ال عنهما قال « :جاءت ويس ّ امرأة ثابت بن قيس إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقالت يا رسول اللّه :ما أنقم على ثابت في دين ول خلق إلّ أنّي أخاف الكفر فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :فتردّي عليه حديقته فقالت :نعم .فردّت عليه ،وأمره ففارقها » ولنّ حاجتها داعية إلى فرقته ،ول ل ببذل العوض فأبيح لها ذلك ،ويستثنى من ذلك ما لو كان الزّوج له إليها تصل إلى الفرقة إ ّ ميل ومحبّة فحينئذ يستحبّ صبرها وعدم افتدائها ،قال أحمد :ينبغي لها أن تصبر . قال القاضي :أي على سبيل الستحباب ،ول كراهة في ذلك ،لنصّهم على جوازه في غير موضع . ن النّبيّ الثّاني :مكروه :كما إذا خالعته من غير سبب مع استقامة الحال لحديث ثوبان أ ّ صلى ال عليه وسلم قال « :أيّما امرأة سألت زوجها طلقًا في غير ما بأس فحرام عليها ن َل ُكمْ عَن رائحة الجنّة » ولنّه عبث فيكون مكروها ،ويقع الخلع ،لقوله تعالى َ { :فإِن طِبْ َ شيْءٍ ّمنْ ُه نَ ْفسًا َفكُلُو ُه َهنِيئا ّمرِيئا } ويحتمل كلم أحمد تحريمه وبطلنه ،لنّه قال الخلع مثل َ ل َيحِلّ َل ُكمْ أَن حديث سهلة تكره الرّجل فتعطيه المهر فهذا الخلع ووجه ذلك قوله تعالى َ { :و َ حدُو َد اللّ ِه } . شيْئا ِإلّ أَن َيخَافَا َألّ يُقِيمَا ُ َت ْأخُذُو ْا ِممّا آ َت ْي ُتمُو ُهنّ َ الثّالث :محرّم :كما إذا عضل الرّجل زوجته بأذاه لها ومنعها حقّها ظلما لتفتدي نفسها منه ل َتعْضُلُو ُهنّ ِل َتذْ َهبُو ْا ِب َبعْضِ مَا آ َت ْي ُتمُو ُهنّ } فإن طلّقها في هذه الحال بعوض لقوله تعالى َ { :و َ لم يستحقّه ،لنّه عوض أكرهت على بذله بغير حقّ فلم يستحقّه ويقع الطّلق رجعيّا .وإن خالعها بغير لفظ الطّلق فعلى القول بأنّه طلق فحكمه ما ذكر ،وإلّ فالزّوجيّة بحالها ،فإن أدّبها لتركها فرضًا أو نشوزها فخالعته لذلك لم يحرم ،لنّه ضربها بحقّ ،وإن زنت فعضلها ض مَا ن ِل َتذْ َهبُواْ ِب َبعْ ِ لتفتدي نفسها منه جاز وصحّ الخلع لقول اللّه تعالى َ { :ولَ َت ْعضُلُوهُ ّ ن ِإلّ أَن َي ْأتِينَ ِبفَاحِشَ ٍة ّم َب ّينَةٍ } والستثناء من النّهي إباحة . آ َت ْي ُتمُوهُ ّ وإن ضربها ظلما لغير قصد أخذ شيء منها فخالعته لذلك صحّ الخلع ،لنّه لم يعضلها ليأخذ ممّا آتاها شيئا . ح ول يقع ،لنّ الحيل وذكر الحنابلة أيضا أنّ الخلع يحرم حيل ًة لسقاط يمين طلق ،ول يص ّ خداع ل تحلّ ما حرّم اللّه .
هذا واختار ابن المنذر عدم جواز الخلع حتّى يقع الشّقاق منهما جميعا وتمسّك بظاهر قوله حدُو َد اللّ ِه } . تعالى ِ { :إلّ أَن َيخَافَا َألّ يُقِيمَا ُ وبذلك قال طاوس والشّعبيّ وجماعة من التّابعين . ن المراد أنّها إذا لم تقم بحقوق الزّوج كان ذلك وأجاب عن ذلك جماعة منهم الطّبريّ بأ ّ مقتضيا لبغض الزّوج لها فنسبت المخافة إليهما لذلك ،ويؤيّد عدم اعتبار ذلك من جهة الزّوج أنّه صلى ال عليه وسلم لم يستفسر ثابتا عن كراهته لها عند إعلنها بالكراهة له ،على أنّ ن الغالب وقوع الخلع في حالة التّشاجر ،ولنّه ذكر الخوف في الية جرى على الغالب ،ل ّ إذا جاز حالة الخوف وهي مضطرّة إلى بذل المال ففي حالة الرّضا أولى . ن الزّوج يردّ ح عندهم -بأنّها إذا خالعته درءا لضرره فإ ّ - 11وصرّح المالكيّة -على الص ّ المال الّذي خالعها به ،ولو كانت قد أسقطت البيّنة الّتي أشهدتها بأنّها خالعته لدرء ضرره .
جواز أخذ العوض من المرأة : - 12ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى جواز أخذ الزّوج عوضا من امرأته في مقابل فراقه لها سواء كان العوض مساويا لما أعطاها أو أقلّ أو أكثر منه ما دام الطّرفان قد تراضيا على ذلك ،وسواء كان العوض منها أو من غيرها ،وسواء كان العوض نفس الصّداق أو مالً آخر غيره أكثر أو أقلّ منه . ب له أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها بل يحرم عليه وذهب الحنابلة إلى أنّ الزّوج ل يستح ّ الخذ إن عضلها ليضطرّها إلى الفداء . وفصّل الحنفيّة فقالوا :إن كان النّشوز من جهة الزّوج كره له كراهة تحريم أخذ شيء منها ، خذُو ْا ِمنْهُ ن قِنطَارا فَلَ َت ْأ ُ حدَاهُ ّ ن زَوْجٍ وَآ َت ْي ُتمْ ِإ ْ ستِ ْبدَالَ زَ ْوجٍ ّمكَا َ لقوله تعالى { :وَِإنْ َأرَدّتمُ ا ْ شيْئا } .ولنّه أوحشها بالفراق فل يزيد إيحاشها بأخذ المال ،وإن كان النّشوز من قبل المرأة َ ل يكره له الخذ ،وهذا بإطلقه يتناول القليل والكثير ،وإن كان أكثر ممّا أعطاها وهو ت بِهِ } . جنَاحَ عََل ْي ِهمَا فِيمَا ا ْفتَدَ ْ المذكور في الجامع الصّغير ،لقوله تعالى { :فَلَ ُ وقال القدوريّ :إن كان النّشوز منها كره له أن يأخذ منها أكثر ممّا أعطاها وهو المذكور في الصل " من كتب ظاهر الرّواية " لقوله صلى ال عليه وسلم « في امرأة ثابت بن قيس :أمّا الزّيادة فل » .وقد كان النّشوز منها ،ولو أخذ الزّيادة جاز في القضاء ،وكذلك إذا أخذ ن مقتضى ما ذكر يتناول الجواز والباحة ،وقد ترك العمل في حقّ الباحة والنّشوز منه ،ل ّ ل في الباقي . لمعارض ،فبقي معمو ً
جوازه بحاكم وبل حاكم :
- 13ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز الخلع بحاكم وبل حاكم ،وهو قول عمر رضي ال عنه ،فقد روى ابن أبي شيبة عن طريق خيثمة بن عبد الرّحمن موصولً " أن بشر بن مروان أتي في خلع كان بين رجل وامرأة فلم يجزه فقال له عبد اللّه بن شهاب الخولنيّ :قد ن الطّلق من حيث النّظر جائز بل حاكم فكذلك الخلع . أتى عمر في خلع فأجازه " ول ّ وذهب الحسن البصريّ كما ذكر الحافظ في الفتح إلى عدم جواز الخلع دون السّلطان بدليل ن خِ ْف ُتمْ شِقَاقَ َب ْي ِنهِمَا حدُودَ الّلهِ } ،وقوله تعالى { :وَإِ ْ ل يُقِيمَا ُ قوله تعالى َ { :فإِنْ خِ ْف ُتمْ َأ ّ ن أَهِْلهَا } . ح َكمًا مّ ْ ح َكمًا مّنْ أَهِْلهِ َو َ فَا ْب َعثُو ْا َ قال :فجعل الخوف لغير الزّوجين ولم يقل فإن خافا .
وقت الخلع : ن الخلع جائز في الحيض والطّهر الّذي أصابها فيه ،لنّ - 14صرّح الشّافعيّة والحنابلة أ ّ المنع من الطّلق في الحيض للضّرر الّذي يلحقها بتطويل العدّة ،والخلع شرع لرفع الضّرر الّذي يلحقها بسوء العشرة والتّقصير في حقّ الزّوج ،والضّرر بذلك أعظم من الضّرر بتطويل العدّة ،فجاز دفع أعظم الضّررين بأخفّهما ،ولذلك لم يسأل النّبيّ صلى ال عليه وسلم المختلعة عن حالها ،ولنّ ضرر تطويل العدّة عليها والخلع يحصل بسؤالها فيكون ذلك رضاءً منها به ودليلً على رجحان مصلحتها فيه .
أركانه وما قاله الفقهاء في شروطها :
- 15للخلع عند غير الحنفيّة خمسة أركان
وهي :الموجب -القابل -المعوّض -العوض -الصّيغة . فالموجب :الزّوج أو وليّه ،والقابل :الملتزم للعوض ،والمعوّض :الستمتاع بالزّوجة ، والعوض :الشّيء المخالع به ،والصّيغة ،اليجاب والقبول واللفاظ الّتي يقع بها الخلع . وأمّا الحنفيّة فقد ذكروا له ركنين إن كان بعوض وهما :اليجاب والقبول ،لنّه عقد على الطّلق بعوض ،فل تقع الفرقة ول يستحقّ العوض بدون القبول ،بخلف الخلع بغير عوض فإنّه إذا قال خالعتك ولم يذكر العوض ونوى الطّلق فإنّه يقع الطّلق عليها ،سواء قبلت أو لم تقبل ،لنّ ذلك طلق بغير عوض فل يفتقر إلى القبول ،وقد ذكر الفقهاء لكلّ ركن من هذه الركان شروطا وأحكاما نذكرها فيما يلي :
الرّكن الوّل :الموجب : - 16اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في الموجب أن يكون ممّن يملك التّطليق . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :طلق ) .
فالمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة يجيزون خلع المحجور عليه لفلس ،أو سفه ،أو رقّ قياسا على الطّلق ،لنّهم يملكونه ،وجاز عند الحنابلة أيضا خلع الصّبيّ المميّز في وجه بناءً على ن المختلع ل يجوز له تسليم المال إلى السّفيه بل صحّة طلقه ،وذكر الشّافعيّة والحنابلة أ ّ ي هو الّذي يقبض حقوقه وأمواله وهذا من حقوقه خلفا للقاضي ن الول ّ يسلّمه إلى الوليّ ،ل ّ ح قبضه ،كالمحجور عليه ح قبضه لعوض لصحّة خلعه فيص ّ من الحنابلة حيث قال :يص ّ لفلس ،والولى كما في المغني عدم جواز تسليم المال إلى المحجور عليه ،لنّ الحجر أفاد منعه من التّصرّف .
الرّكن الثّاني :القابل : - 17يشترط في قابل الخلع من الزّوجة أو الجنبيّ أن يكون مطلق التّصرّف في المال صحيح اللتزام .فلو خالع امرأته الصّغيرة على مهرها فقبلت أو قالت الصّغيرة لزوجها اخلعني على مهري ففعل وقع الطّلق بغير بدل ،كما ذكر الحنفيّة والشّافعيّة في وجه ،وإن كان باذل العوض غير رشيد ردّ الزّوج المال المبذول وبانت منه ،ما لم يعلّق بقوله :إن تمّ لي هذا المال فأنت طالق ،أو إن صحّت براءتك فطالق كما ذكر المالكيّة ،فإذا ر ّد الوليّ أو الحاكم المال من الزّوج في هذه الصّورة لم يقع طلق ،بخلف ما إذا قاله لرشيدة أو رشيد ، أو قاله بعد صدور الطّلق فل ينفعه . ح حتّى لو أذن فيه وذكر الحنابلة أنّ خلع المحجور عليها لصغر أو سفه ،أو جنون ل يص ّ الوليّ ،لنّه تصرّف في المال وليست من أهله ،ول إذن للوليّ في التّبرّعات . ن لها ح منها الخلع على مال في ذمّتها كما ذكر الحنابلة ،ل ّ وأمّا المحجور عليها لفلس فيص ّ ح تصرّفها فيها ،وليس له مطالبتها حال حجرها ،كما لو استدانت من إنسان في ذمّةً يص ّ ذمّتها أو باعها شيئا بثمن في ذمّتها ،ويكون ما خالعت عليه دينا في ذمّتها ،يؤخذ منها إذا ح لتعلّق حقّ الغرماء به . انفكّ عنها الحجر وأيسرت .أمّا لو خالعت بمعيّن من مالها فل يص ّ
الخلع في مرض الموت أو المرض المخوف : أ -مرض الزّوجة :
- 18يجوز للزّوجة المريضة مرضا مخوفا أن تخالع زوجها في مرضها باتّفاق الفقهاء في الجملة ،لنّه معاوضة كالبيع ،وإنّما الخلف بينهم في القدر الّذي يأخذه الزّوج في مقابل ذلك مخافة أن تكون الزّوجة راغب ًة في محاباته على حساب الورثة . ن خلع المريضة يعتبر من الثّلث لنّه تبرّع فله القلّ من إرثه ،وبدل الخلع وقد ذكر الحنفيّة أ ّ ل من إرثه ،والثّلث إن ماتت في العدّة ،أمّا لو ماتت بعدها أو إن خرج من الثّلث وإلّ فالق ّ قبل الدّخول فله البدل إن خرج من الثّلث .
ن الخلع إن كان بمهر المثل نفذ دون اعتبار الثّلث ،وإن كان بأكثر فالزّيادة وذكر الشّافعيّة أ ّ كالوصيّة للزّوج ،وتعتبر الزّيادة الثّلث ول تكون كالوصيّة للوارث لخروجه " أي الزّوج " بالخلع عن الرث ،ولو اختلعت بجمل قيمته مائة درهم ومهر مثلها خمسون " درهما " فقد حابت بنصف الجمل ،فينظر إن خرجت المحاباة من الثّلث ،فالجمل كلّه للزّوج عوضا ووصّيةً . وحكى الشّيخ أبو حامد وجها أنّه بالخيار بين أن يأخذ الجمل ،وبين أن يفسخ العقد ويرجع إلى مهر المثل ،لنّه دخل في العقد على أن يكون الجمل عوضا . والصّحيح الوّل ،إذ ل نقص ول تشقيص ،وإن لم يخرج من الثّلث بأن كان عليها دين مستغرق لم تصحّ المحاباة ،والزّوج بالخيار بين أن يمسك نصف الجمل وهو قدر مهر المثل ويرضى بالتّشقيص ،وبين أن يفسخ المسمّى ويضارب الغرماء بمهر المثل ،وإن كان لها وصايا أخر ،فإن شاء الزّوج أخذ نصف الجمل وضارب أصحاب الوصايا في النّصف الخر ،وإن شاء فسخ المسمّى وتقدّم بمهر المثل على أصحاب الوصايا ول حقّ له في الوصيّة ،لنّها كانت من ضمن المعاوضة وقد ارتفعت بالفسخ ،وإن لم يكن دين ،ول وصيّة ،ول شيء لها سوى ذلك الجمل فالزّوج بالخيار ،إن شاء أخذ ثلثي الجمل ،نصفه بمهر المثل ،وسدسه بالوصيّة ،وإن شاء فسخ ،وليس له إلّ مهر المثل . وذكر الحنابلة أنّ للزّوج ما خالعته عليه إن كان قدر ميراثه منها فما دون ،وإن كان بزيادة ن ذلك ل تهمة فيه بخلف الكثر منها ، فله القلّ من المسمّى في الخلع أو ميراثه منها ،ل ّ فإنّ الخلع إن وقع بأكثر من الميراث تطرّقت إليه التّهمة من قصد إيصالها إليه شيئا من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادرةً عليه أشبه ما لو أوصت أو أقرّت له ،وإن وقع بأقلّ من الميراث فالباقي هو أسقط حقّه منه فلم يستحقّه ،فتعيّن استحقاقه القلّ منهما ،وإن شفيت من صحّة ،لنّه ليس مرضها ذاك الّذي خالعته فيه فله جميع ما خالعها به كما لو خالعها في ال ّ من مرض موتها . وذهب المالكيّة إلى أنّه يجوز خلع الزّوجة المريضة مرضا مخوفا إن كان بدل الخلع بقدر إرثه أو أقلّ لو ماتت ول يتوارثان قاله ابن القاسم . أمّا إن زاد بأن كان إرثه منها عشرةً وخالعته بخمسة عشر وأولى لو خالعته بجميع مالها فيحرم عليه لعانته لها على الحرام ،وينفذ الطّلق ول توارث بينهما إن كان الزّوج صحيحًا ولو ماتت في عدّتها . وقال مالك :إن اختلعت منه في مرضها وهو صحيح بجميع مالها لم يجز ول يرثها ، ن قول ابن القاسم ل يخالفه ،كما قاله أكثر الشياخ ،وردّ الزّائد على إرثه منها ، والظّاهر أ ّ
واعتبر الزّائد على إرثه يوم موتها ل يوم الخلع ،وحينئذ فيوقف جميع المال المخالع به إلى ل به الزّوج ،وإن كان أكثر ،ردّ ما زاد على يوم الموت ،فإن كان قدر إرثه فأقلّ ،استق ّ إرثه ،فإن صحّت من مرضها تمّ الخلع وأخذ جميع ما خالعته به ولو أتى على جميع مالها ، ول توارث بينهما على كلّ حال .
ب -مرض الزّوج : ن خلع الزّوج المريض مرض الموت جائز ونافذ بالمسمّى ، - 19ل خلف بين الفقهاء في أ ّ ح ،فلن يصحّ بعوض سواء أكان بمهر المثل أم أقلّ منه ،لنّه لو طلّق بغير عوض لص ّ ن الورثة ل يفوتهم بخلعه شيء ،ومثل المريض في هذا الحكم من حضر صفّ أولى ،ول ّ القتال ،والمحبوس لقتل أو قطع كما ذكر المالكيّة ،وذكروا أيضا أنّ القدام عليه ل يجوز لما فيه من إخراج وارث ول توارث بينهما سواء أمات في العدّة أم بعدها خلفا للمالكيّة ، فإنّهم ذكروا أنّ زوجته المطلّقة في المرض ترثه إن مات من مرضه المخوف الّذي خالعها فيه ،ولو خرجت من العدّة وتزوّجت غيره ولو أزواجا ،أمّا هو فل يرثها إن ماتت في مرضه المخوف الّذي طلّقها فيه ولو كانت هي مريضة أيضا ،لنّه الّذي أسقط ما كان بيده ، وترثه أيضا إذا تبرّع أجنبيّ بخلعها منه في مرضه الّذي مات منه وهي في العدّة ،كما ذكر الحنفيّة ،لنّها لم ترض بهذا الطّلق فيعتبر الزّوج فارّا ،فلو أوصى الزّوج لها بمثل ميراثها أو أقلّ صحّ كما ذكر الحنابلة ،لنّه ل تهمة في أنّه أبانها ليعطيها ذلك فإنّه لو لم يبنها لخذته بميراثها ،وإن أوصى لها بزيادة عليه فللورثة منعها ذلك ،لنّه اتّهم في أنّه قصد إيصال ذلك إليها ،لنّه لم يكن له سبيل إلى إيصاله إليها وهي في عصمته ،فطلّقها ليوصل ذلك إليها فمنع منه كما لو أوصى لوارث .
خلع الوليّ :
- 20يجوز عند المالكيّة لوليّ غير المكلّف من صبيّ أو مجنون أن يخالع عنهما ،سواء أكان الوليّ أبا للزّوج أم وصيّا أم حاكما أم مقاما من جهته ،إذا كان الخلع منه لمصلحة ، ي الصّبيّ والمجنون عند مالك وابن القاسم أن يطلّق عليهما بل عوض ،ونقل ول يجوز لول ّ ابن عرفة عن اللّخميّ جوازه لمصلحة ،إذ قد يكون في بقاء العصمة فساد لمر ظهر أو حدث . ن الطّلق بيد الزّوج المكلّف ولو سفيهًا أو عبدا وأمّا وليّ السّفيه فل يخالع عنه بغير إذنه ،ل ّ ل بيد الب ،فأولى غيره من الولياء كالوصيّ والحاكم . ح طلقه بالملك ،أو الوكالة ،أو الولية كالحاكم في ح ممّن يص ّ والخلع عند الحنابلة يص ّ الشّقاق .
ول يجوز للب أن يخلع زوجة ابنه الصّغير أو يطلّق عليه بعوض أو بغير عوض عند الحنفيّة والشّافعيّة وعلى الرّواية الشهر عند الحنابلة لقوله صلى ال عليه وسلم « :الطّلق لمن أخذ بالسّاق » . ن الب يملك وذهب أحمد في رواية أيّدها القاضي وأصحابه ورجّحها صاحب المبدع إلى أ ّ ن ابن عمر رضي ال عنهما طلّق على ابن له معتوه ،ولنّه يصحّ أن يزوّجه ، ذلك ،ل ّ ح أن يطلّق عليه إذا لم يكن متّهما شأنه كالحاكم يفسخ للعسار ويزوّج الصّغير . فص ّ ن من وأمّا خلع الب ابنته الصّغيرة فقد ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على المذهب إلى أ ّ خلع ابنته وهي صغيرة بشيء من مالها لم يجز عليها ،لنّه ل نظر لها فيه ،كما ذكر ن البضع متقوّم عند الحنفيّة ،إذ البضع غير متقوّم ،والبدل متقوّم ،بخلف النّكاح ،ل ّ الدّخول ،ولهذا يعتبر خلع المريضة من الثّلث ،ونكاح المريض بمهر المثل من جميع المال. ولنّه بذلك يسقط حقّها من المهر والنّفقة والستمتاع ،وإذا لم يجز ل يسقط المهر ول يستحقّ مالها وللزّوج مراجعتها إن كان ذلك بعد الدّخول كما في المهذّب ،وذكر الحنفيّة في وقوع الطّلق أو عدم وقوعه روايتين منشؤهما قول محمّد بن الحسن في الكتاب لم يجز ،فإنّه يحتمل أن ينصرف إلى الطّلق وأن ينصرف إلى لزوم المال ،والصّحيح أنّ الطّلق واقع ، وعدم الجواز منصرف إلى المال ،نصّ عليه في المنتقى لنّ لسان الب كلسانها . وأمّا المالكيّة فقد جوّزوا خلع المجبر كأب عن المجبرة من مالها ولو بجميع مهرها بغير إذنها ي فليس له أن يخالع عمّن تحت إيصائه من مالها بغير إذنها ،وكذا ،وأمّا غير المجبر كوص ّ بإذنها على الرجح . وذكر الحنابلة في قول ذكره صاحب المبدع بلفظ قيل :إنّه له ذلك إذا رأى الحظّ فيه كتخليصها ممّن يتلف مالها ويخاف منه على نفسها وعقلها ،والب وغيره في ذلك سواء إذا خالعوا في حقّ المجنونة والمحجور عليه لسفه أو صغر ،وظاهره أنّه إذا خالع بشيء من ي أولى . ماله أنّه يجوز ،صرّح به في الشّرح وغيره ،لنّه يجوز مع الجنبيّ ،فمن الول ّ
خلع الفضوليّ : - 21للفقهاء في خلع الفضوليّ اتّجاهان : الوّل :جوازه وصحّته وهو قول الحنفيّة لكن بقيد وهو أن يضيف البدل إلى نفسه على وجه ي أو على أنّي ضامن أو على يفيد ضمانه له أو ملكه إيّاه ،مثل أن يقول :اخلعها بألف عل ّ ألفي هذه ،فإن أرسل الخلع بأن قال على ألف أو على هذا الجمل ،فإن قبلت لزمها تسليمه، أو قيمته إن عجزت ،وإن أضافه إلى غيره كجمل فلن اعتبر قبول فلن .
ي بذلك جلب مصلحة أو درء مفسدة أو وهو جائز أيضا عند المالكيّة سواء قصد الفضول ّ إسقاط نفقتها عن الزّوج كما في ظاهر المدوّنة إلّ أنّ ابن عبد السّلم من المالكيّة قيّد صحّته بعدم قصد الفضوليّ إسقاط نفقة العدّة عن الزّوج فإن قصد إسقاطها عنه فقد حكي فيه ثلثة أقوال : أ -يردّ العوض ويقع الطّلق بائنًا وتسقط نفقة العدّة وهو ظاهر المدوّنة واقتصر عليه البرزليّ . ب -يردّ العوض ويقع الطّلق رجعيّا ول تسقط نفقتها واختاره ابن عبد السّلم وابن عرفة . ج -يقع الطّلق بائنا ول تسقط النّفقة ويجري مثل هذا فيمن قصد دفع العوض ليتزوّجها . وذهب الشّافعيّة أيضا إلى جوازه بنا ًء على أنّ الخلع طلق ،سواء أكان بلفظ طلق أم خلع ، فخلع الفضوليّ عندهم بنا ًء على هذا القول كاختلع الزّوجة لفظا وحكما ،وذكروا أنّ الخلع من جانب الزّوج ابتداء معاوضة فيها شوب تعليق ،ومن جانب الجنبيّ ابتداء معاوضة فيها شوب جعالة ،فإذا قال الزّوج للفضوليّ طلّقت امرأتي على ألف في ذمّتك فقبل ،أو قال الفضوليّ للزّوج :طلّق امرأتك على ألف في ذمّتي فأجاب ،وقع الطّلق بائنا بالمسمّى ، وللزّوج أن يرجع قبل قبول الفضوليّ نظرا لشوب التّعليق ،وللفضوليّ أن يرجع قبل إجابة الزّوج نظرا لشوب الجعالة . وخلع الفضوليّ جائز أيضا عند أكثر الحنابلة ول تتوقّف صحّته على قبول المرأة فيكون سيّد عبده ،وقد يكون له في ذلك غرض صحيح التزامه للمال فداءً لها ،كالتزام المال لعتق ال ّ ،كتخليصها ممّن يسيء عشرتها ويمنعها حقوقها . ن الخلع صحّة وقد ذهب إلى ذلك أبو ثور ومن قال من الشّافعيّة والحنابلة إ ّ الثّاني :عدم ال ّ فسخ ،واستدلّ أبو ثور بأنّه يبذل عوضا في مقابلة ما ل منفعة له فيه . واستدلّوا بأنّ الفسخ بل سبب ل ينفرد به الزّوج فل يصحّ طلبه منه .
التّوكيل في الخلع : ل واحد من الزّوجين ومن ن التّوكيل في الخلع جائز من ك ّ - 22ل خلف بين الفقهاء في أ ّ ن كلّ من يصحّ أن يتصرّف بالخلع لنفسه جاز توكيله ووكالته أحدهما منفردا ،والضّابط فيه أ ّ ل واحد منهم يجوز أن ذكرا أو أنثى ،مسلما أو كافرا ،محجورا عليه أو رشيدا ،لنّ ك ّ ح أن يكون وكيلً وموكّلً فيه . يوجب الخلع ،فص ّ وجاء في البحر الرّائق عن محمّد بن الحسن أنّ توكيل الصّبيّ والمعتوه عن البالغ العاقل ن وكيل المرأة ل يجوز أن يكون سفيها حتّى وإن أذن له بالخلع صحيح ،وذكر الشّافعيّة أ ّ ل إذا أضاف المال إليها فتبين ويلزمها ،لنّه ل ضرر عليه في ذلك . الوليّ إ ّ
ول يجوز عند الشّافعيّة أيضا توكيل محجور عليه في قبض العوض في الخلع فإن وكّله ن المختلع يبرأ والموكّل مضيّع لماله وأقرّه الشّيخان . وقبض ،ففي التّتمّة أ ّ ن للمرأة تطليق نفسها والصحّ :عندهم أيضًا صحّة توكيله امرأةً لخلع زوجته أو طلقها ل ّ بقوله لها :طلّقي نفسك ،وذلك تمليك للطّلق أو توكيل به . ح لنّها ل تستقلّ بالطّلق ،ولو وكّلت الزّوجة امرأ ًة باختلعها جاز بل والثّاني :ل يص ّ خلف لستقلل المرأة بالختلع . ل في الخلع من وذكر الحنفيّة سوى محمّد بن الحسن أنّ الواحد ل يصلح أن يكون وكي ً ن الوكيل في الخلع من الجانبين يتولّى طرفا منه مع أحد الزّوجين الجانبين ،وذكر الشّافعيّة أ ّ أو وكيله ،ول يتولّى الطّرفين كما في البيع ،ويرى الحنابلة في المذهب ومحمّد والشّافعيّة في قول :إنّه يتولّى الطّرفين قياسا على النّكاح ،ولنّ الخلع يكفي فيه اللّفظ من أحد الجانبين كما لو قال :إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته ذلك ،يقع الطّلق خلعا . والوكيل في الخلع ل ينعزل بمضيّ المدّة عند الحنفيّة . هذا ويكون توكيل المرأة في ثلثة أشياء :استدعاء الخلع -أو الطّلق -وتقدير العوض وتسليمه . ويكون توكيل الرّجل أيضًا في ثلثة أشياء :شرط العوض -وقبضه -وإيقاع الطّلق أو الخلع . ح ذلك كالبيع والتّوكيل جائز مع تقدير العوض ومن غير تقدير ،لنّه عقد معاوضة ،فص ّ ب لنّه أسلم من الغرر ،وأسهل على الوكيل لستغنائه عن ن التّقدير مستح ّ والنّكاح إلّ أ ّ ن توكيل الزّوج أو الزّوجة ل يخلو من حالين : الجتهاد .وعلى هذا فإ ّ أحدهما :أن يقدّرا العوض كمائة مثلً . والثّاني أن يطلقا الوكالة من غير تقدير ،كأن يوكّله في الخلع فقط ،وينبغي لوكيل الزّوج أو وكيل الزّوجة أن يفعل ك ّل منهما ما من شأنه أن يعود بالنّفع على موكّله ،فل ينقص وكيل الزّوج عمّا قدّره له ،فإن استطاع أن يزيد عليه فليفعل وكذا وكيل الزّوجة ،فإنّ عليه أن ل يزيد عمّا قدّرته له ،فإن استطاع أن يخلعها بأقلّ منه فليفعل . وينبغي لوكيل الزّوج في حالة الطلق أن ل يخالع بأقلّ من مهر المثل بل بأكثر ،وينبغي لوكيل الزّوجة أيضا أن ل يخلعها بأكثر من مهر المثل في حالة الطلق .
عدّة المختلعة :
ن عدّة - 23ذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في المذهب " إلى أ ّ المختلعة عدّة المطلّقة وهو قول سعيد بن المسيّب وسالم بن عبد اللّه ،وسليمان بن يسار ، وعمر بن عبد العزيز ،والحسن ،والشّعبيّ ،والنّخعيّ ،والزّهريّ وغيرهم . ن عدّتها حيضة وهو المرويّ عن عثمان بن عفّان ،وابن عمر ،وابن وفي قول عن أحمد :إ ّ عبّاس ،وأبان بن عثمان ،وإسحاق ،وابن المنذر . ن عدّتها حيضة بما رواه النّسائيّ وابن ماجه عن ابن عبّاس رضي ال ج القائلون بأ ّ واحت ّ عنهما « أنّ امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم عدّتها حيضةً» ن عثمان رضي ال عنه قضى به . .وبأ ّ لثَةَ ن ثَ َ سهِ ّ ن ِبأَنفُ ِ ن عدّتها عدّة المطلّقة بقوله تعالى { :وَا ْل ُمطَلّقَاتُ َي َت َربّصْ َ ج القائلون بأ ّ واحت ّ قُرُ َوءٍ } . ن الخلع فرقة بين الزّوجين في الحياة بعد الدّخول فكانت العدّة ثلثة قروء كغير الخلع . ول ّ
الرّكن الثّالث :المعوّض وهو البضع : - 24يشترط فيه كما جاء في الرّوضة من كتب الشّافعيّة أن يكون مملوكا للزّوج ،فأمّا البائن بخلع وغيره فل يصحّ خلعها ،ويشترط في الخلع عند المالكيّة أيضا أن يصادف محلّا، فإن كانت الزّوجة بائنًا وقت الخلع ،فإنّ الخلع ل يقع ،لنّه لم يصادف محلّا ،وتستردّ الزّوجة المال الّذي دفعته للزّوج ،ويسقط عنها ما التزمته من رضاع ولدها ،أو نفقة حمل ، أو إسقاط حضانتها . ح إلّ مع الزّوجة الّتي في عصمة زوجها ،حقيقةً ، ن الخلع ل يص ّ والفقهاء متّفقون على أ ّ وهي الّتي لم تفارق زوجها بطلق بائن ونحوه ،كاللّعان مثلً ،أو حكما ،وهي الّتي طلّقها زوجها طلقا رجعيّا ولم تنقض عدّتها ،فإنّها حينئذ زوجة والنّكاح بينها وبين زوجها قائم ، وتسري عليها كافّة الحكام الخاصّة بالزّوجات ،ولو مات زوجها قبل انقضاء عدّتها فإنّها ترث منه ،ولو قال الزّوج :كلّ امرأة لي طالق تدخل هذه المطلّقة فيه كما ذكر الحنفيّة ويقع عليها الطّلق ،إلّ أنّ الخرقيّ من الحنابلة ذكر أنّ الرّجعيّة محرّمة ،لنّ ظاهر قوله يدلّ على ذلك ،فقد جاء في المغني عنه " وإذا لم يدر أواحدة طلّق أم ثلثا ؟ فهو متيقّن للتّحريم شاكّ في التّحليل " وقد روي عن أحمد ما يدلّ على هذا ،وظاهر مذهب الحنابلة كما قال القاضي :إنّها مباحة . ح عند المالكيّة ،ول تستردّ المال وأمّا مخالعة الزّوج لها أي الرّجعيّة في أثناء العدّة فتص ّ الّذي دفعته للزّوج ولزم الزّوج أن يوقع عليها طلق ًة أخرى بائنةً ،وتصحّ أيضا عند الشّافعيّة
ح طلقها في أظهر القوال ،وهو أيضا ما ذهب إليه الحنابلة سوى الخرقيّ ،لنّها زوجة ص ّ ح خلعها كما قبل الطّلق . فص ّ وذهب الشّافعيّة في قول :إلى عدم صحّة مخالعتها لعدم الحاجة إلى الفتداء ،وذهب ح خلعها الشّافعيّة في قول آخر ذكره النّوويّ في الرّوضة بلفظ ،قيل :إلى أنّ الرّجعيّة يص ّ بالطّلقة الثّالثة دون الثّانية لتحصل البينونة الكبرى ،هذا ويلزم ممّا ذكره الحنفيّة من وقوع الطّلق على الرّجعيّة قبل انقضاء عدّتها صحّة مخالعتها لنّ الخلع على القول الّذي عليه الفتوى عندهم طلق .
الرّكن الرّابع :العوض : - 25العوض ما يأخذه الزّوج من زوجته في مقابل خلعه لها ،وضابطه عند الحنفيّة ، ن ما جاز أن والمالكيّة والشّافعيّة ،وعند الحنابلة في المذهب أن يصلح جعله صداقا ،فإ ّ يكون مهرا جاز أن يكون بدل خلع . والعوض في الخلع يجوز أن يكون مالً معيّنا أو موصوفًا ،ويجوز أن يكون دينا للمرأة على الزّوج تفتدي به نفسها ،ويجوز أن يكون منفعةً وذلك أن يخالعها على إرضاع ولده منها ، أو من غيرها مدّةً معلوم ًة معيّن ًة ،كما ذكر المالكيّة والشّافعيّة ،أو مطلّقةً كما ذكر الحنابلة ، فإن ماتت المرضعة ،أو الصّبيّ ،أو جفّ لبنها قبل ذلك فعليها أجرة المثل لما بقي من المدّة ،لنّه عوض معيّن تلف قبل قبضه فوجبت قيمته ،أو مثله ،كما لو خالعها على قفيز فهلك قبل قبضه . ن سكناها ول يجوز أن يكون العوض في الخلع إخراج المرأة من مسكنها الّذي طلقت فيه ل ّ فيه إلى انقضاء العدّة حقّ للّه ،ل يجوز لحد إسقاطه ل بعوض ول بغيره ،وبانت منه ول شيء عليها للزّوج كما ذكر المالكيّة ،واستثنوا من ذلك أن تتحمّل هي أجرة المسكن من مالها زمن العدّة ،فإنّ ذلك جائز . ن للمرأة السّكنى وللزّوج مهر المثل . وذكر الشّافعيّة في هذه المسألة أ ّ - 26وذكر الفقهاء أيضا أنّ العوض في الخلع إن كان معلومًا ومتم ّولً ومقدورا على تسليمه فإنّ الخلع يعتبر صحيحا . أمّا إذا فسد العوض باختلل شرط من شروطه ،كاختلل شرط العلم ،أو الماليّة ،أو القدرة على التّسليم ،فإنّ الخلع يعتبر فاسدا ،وفيه خلف ،سببه تردّد العوض هاهنا بين العوض في البيوع ،أو الشياء الموهوبة ،أو الموصى بها فمن شبّهه بالبيوع اشترط فيه ما يشترط في البيوع وفي أعواض البيوع .ومن شبّهه بالهبات لم يشترط فيه ذلك . وتتلخّص أحكامه في مسألتين :
الولى :الخلع بالمجهول وبالمعدوم وبالغرر أو بما ل يقدر على تسليمه . الخلع بالمجهول جائز عند الحنفيّة ،لنّ الخلع عندهم إسقاط يجوز تعليقه وخلوّه من العوض بالكّليّة ،وهو ممّا يجري فيه التّسامح ،فيجوز بالمجهول إلى الجل المجهول المستدرك الجهالة وعلى هذا الصل يجوز اختلعها على زراعة أرضها ،وركوب دابّتها ،وخدمتها له ن هذه تجوز مهرا . على وجه ل يلزم خلوته بها ،أو خدمة الجنبيّ ،ل ّ ويجوز الخلع عند المالكيّة أيضا بالمجهول والغرر ،فيجوز للمرأة عندهم أن تخالع زوجها بما في بطن ناقتها ،ومثله البق ،والشّارد ،والثّمرة الّتي لم يبد صلحها ،وبحيوان ، وعرض غير موصوف ،أو بأجل مجهول ،وللزّوج عليها الوسط من جنس ما وقعت المخالعة به ،ل من وسط ما يخالع به النّاس ول يراعى في ذلك حال المرأة ،وإذا انفشّ الحمل الّذي وقع الخلع عليه فل شيء للزّوج ،لنّه مجوّز لذلك والطّلق بائن . ح الخلع عند الحنابلة أيضا بالمجهول في ظاهر المذهب ،وبالمعدوم الّذي ينتظر وجوده، ويص ّ ن الطّلق معنىً يجوز تعليقه بالشّرط ،فجاز أن يستحقّ به العوض المجهول كالوصيّة ، لّ ن الخلع إسقاط لحقّه من البضع وليس فيه تمليك شيء ،والسقاط تدخله المسامحة ولذلك ول ّ جاز بغير عوض على رواية . ول يجوز عند الشّافعيّة الخلع على ما فيه غرر كالمجهول ،وهو قول أبي بكر من الحنابلة في الخلع بالمجهول وبالمعدوم الّذي ينتظر وجوده ،وهو قياس قول أحمد ،وجزم به أبو محمّد الجوزيّ ،ومثله عند الشّافعيّة الخلع على محرّم ،أو على ما لم يتمّ ملكه عليه ،أو على ما ل يقدر على تسليمه ،لنّه عقد معاوضة فل يجوز على ما ذكر ،كالبيع والنّكاح ، فلو خالع بشيء ممّا ذكر بانت بمهر المثل عند الشّافعيّة ،لنّه المراد عند فساد العوض .
الرّكن الخامس :الصّيغة : - 27صيغة الخلع هي اليجاب والقبول . أمّا اليجاب والقبول فهما ركنا الخلع عند الحنفيّة إن كان بعوض ،ويشترط فيهما كما ذكر الشّافعيّة إن بدأ الزّوج بصيغة معاوضة ،كقوله خالعتك على كذا القبول لفظا ممّن يتأتّى منه النّطق ،وبالشارة المفهمة من الخرس وبالكتابة منهما ،وأن ل يتخلّل بين اليجاب والقبول كلم أجنبيّ كثير ممّن يطلب منه الجواب لشعاره بالعراض بخلف اليسير مطلقا ،والكثير ممّن لم يطلب منه الجواب ،وأن يكون القبول على وفق اليجاب ،فلو اختلف اليجاب والقبول كطلّقتك بألف فقبلت بألفين ،وعكسه كطلّقتك بألفين فقبلت بألف ،أو طلّقتك ثلثا بألف فقبلت واحد ًة بثلث ألف ،فلغو في المسائل الثّلث للمخالفة كما في البيع .
وأمّا إذا ابتدأ الزّوج بصيغة تعليق في الثبات ،كمتى أو متى ما ،أو أي حين ،أو زمان ، ن الصّيغة ل تقتضيه ،ول أو وقت أعطيتني كذا فأنت طالق فل يشترط فيه القبول لفظا ،ل ّ يشترط العطاء فورا في المجلس أي مجلس التّواجب .بخلف ما لو ابتدأ " بصيغة تعليق في النّفي ،كقوله متى لم تعطني كذا فأنت طالق ،فإنّه يكون على الفور " ومثل ذلك ما لو ي ألف ،فإنّ الجواب يختصّ بمجلس التّواجب . قالت له :متى طلّقتني فلك عل ّ
تعليق الخلع بالشّرط : - 28الخلع إن كان من جانب الزّوجة بأن كانت هي البادئة بسؤال الطّلق ،فإنّه ل يقبل ن الخلع من جانبها معاوضة، التّعليق بالشّرط والضافة إلى الوقت عند الحنفيّة والشّافعيّة ،ل ّ وإن كان من جانب الزّوج فإنّه يقبل التّعليق بالشّرط والضافة إلى الوقت عند الحنفيّة ن الخلع من جانبه يمين ،ومثله الطّلق على مال . والمالكيّة والشّافعيّة ،ل ّ وأمّا الحنابلة فلم يجوّزوا تعليق الخلع قياسا على البيع .
شرط الخيار في الخلع :
ح للزّوجة شرط الخيار في الخلع ل للزّوج عند أبي حنيفة ،وقال أبو يوسف - 29يص ّ ن إيجاب الزّوج يمين ولهذا ل يملك الرّجوع عنه ويتوقّف على ح لها أيضا ،ل ّ ومحمّد ل يص ّ ما وراء المجلس وصحّت إضافته وتعليقه بالشّرط لكون الموجود من جانبه طلقا وقبولها ح خيار الشّرط فيهما ،لنّ الخيار للفسخ بعد النعقاد ل للمنع من شرط اليمين فل يص ّ النعقاد ،واليمين وشرطها ل يحتملن الفسخ . ن الخلع من جانبها معاوضة لكون الموجود من جهتها مالً ،ولهذا يصحّ وقال أبو حنيفة :إ ّ ح إضافته وتعليقه بالشّرط ،ول يتوقّف على ما وراء المجلس رجوعها قبل القبول ،ول تص ّ فصار كالبيع ،ول نسلّم أنّه للفسخ بعد النعقاد ،بل هو مانع من النعقاد في حقّ الحكم وكونه شرطا ليمين الزّوج ل يمنع أن يكون معاوضةً في نفسه .
ألفاظ الخلع : - 30ألفاظ الخلع سبعة عند الحنفيّة وهي :خالعتك -باينتك -بارأتك -فارقتك -طلّقي نفسك على ألف -والبيع كبعت نفسك -والشّراء كاشتري نفسَك . وله عند المالكيّة :أربعة ألفاظ وهي :الخلع والفدية ،والصّلح ،والمبارأة وكلّها تؤوّل إلى معنىً واحد وهو بذل المرأة العوض على طلقها . وألفاظ الخلع عند الشّافعيّة والحنابلة تنقسم إلى صريح وكناية :فالصّريح المتّفق عليه عندهم لفظان :لفظ خلع وما يشتقّ منه لنّه ثبت له العرف .
ولفظ المفاداة وما يشتقّ منه لوروده في القرآن ،وزاد الحنابلة لفظ فسخ لنّه حقيقة فيه . وهو من كنايات الخلع عند الشّافعيّة ومن كناياته عندهم أيضا بيع . ولفظ بارأتك ،وأبرأتك ،وأبّنتك ،وصريح خلع وكنايته ،كصريح طلق وكنايته عند الشّافعيّة والحنابلة ،فإذا طلبت الخلع وبذلت العوض فأجابها بصريح الخلع وكنايته ،صحّ من غير نيّة ،لنّ دللة الحال من سؤال الخلع ،وبذل العوض صارفة إليه فأغنى عن ال ّنيّة فيه ،وإن لم يكن دللة حال فأتى بصريح الخلع وقع من غير نيّة ،سواء قلنا هو فسخ أو طلق ،ول يقع بالكناية إلّ بنيّة ممّن تلفّظ به منهما ،ككنايات الطّلق مع صريحه .
اختلف الزّوجين في الخلع أو في عوضه : - 31إذا ادّعى الزّوج الخلع ،والزّوجة تنكره بانت بإقراره اتّفاقا ،وأمّا دعوى المال فتبقى بحالها كما ذكر الحنفيّة ،ويكون القول قولها فيها ،لنّها تنكر ،والقول قولها بيمينها في نفي العوض عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . أمّا إذا ادّعت الزّوجة الخلع ،والزّوج ينكره فإنّه ل يقع كيفما كان ،كما ذكر الحنفيّة ، ن الصل عدمه ،والقول قوله ول ويصدّق الزّوج بيمينه عند الشّافعيّة في هذه المسألة ،ل ّ شيء عليه عند الحنابلة لنّه ل يدّعيه . وأمّا المالكيّة فإنّهم لم يصرّحوا بهذه المسألة ولكن يفهم ممّا ذكروه فيما لو قالت الزّوجة : طلّقتني ثلثا بعشرة فقال الزّوج :بل طلقة واحدة بعشرة ،فالقول قول الزّوج بل يمين ، ل دعوى ل تثبت إلّ ووقعت البينونة ،لنّ ما زاد على ما قاله الزّوج هي مدّعية له ،وك ّ بعدلين فل يمين بمجرّدها ،والمنقول عندهم أنّ القول قوله بيمينه ،فإن نكل حبس ،ول يقال تحلف ويثبت ما تدّعيه ،لنّ الطّلق ل يثبت بالنّكول مع الحلف وتبين منه في اتّفاقهما على الخلع ،وتكون رجعيّ ًة في غيره . أمّا إذا اتّفقا على الخلع ،واختلفا في قدر العوض ،أو جنسه ،أو حلوله ،أو تأجيله ،أو صفته فالقول قول المرأة عند الحنفيّة ،وعند الحنابلة في رواية حكاها أبو بكر نصّا عن أحمد ن القول قولها في أصله فكذا في صفته ; ولنّها ،والقول قولها أيضا بيمينها عند المالكيّة ،ل ّ منكرة للزّيادة في القدر ،أو الصّفة ،فكان القول قولها ،لقوله صلى ال عليه وسلم « : ن الخلع فسخ ل يقال يتحالفان كالمتبايعين ،لنّ اليمين على المدّعى عليه » وعلى القول :إ ّ التّحالف في البيع يحتاج إليه لفسخ العقد ،والخلع في نفسه فسخ فل يفسخ . ن القول قول الزّوج ; لنّ البضع يخرج من ملكه وذكر القاضي رواي ًة أخرى عن أحمد أ ّ فكان القول قوله في عوضه .
ن الزّوجين إن لم يكن لحدهما بيّنة ،أو كان لك ّل منهما بيّنة وذكر الشّافعيّة في هذه المسألة أ ّ وتعارضتا تحالفا كالمتبايعين في كيفيّة الحلف ومن يبدأ به .ويجب ببينونتها بفوات العوض مهر المثل وإن كان أكثر ممّا ادّعاه ،لنّه المردّ ،فإن كان لحدهما بيّنة عمل بها .
خلّ * التّعريف : ل في اللّغة معروف ،يقال :اختلّ الشّيء إذا تغيّر واضطرب ،وخلّل الخمر أي - 1الخ ّ ل منه طعم الحلوة إلى الحموضة . ل بذلك لنّه اخت ّ جعلها خلّا .وسمّي الخ ّ وفي الحديث « :نعم الدم الخلّ » .ويطلق في الصطلح على نفس المعنى .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الخمر :
- 2الخمر في اللّغة اسم لكلّ مسكر خامر العقل أي غطّاه . وفي الصطلح هي عصير العنب النّيء إذا غلى واشتدّ وقذف بالزّبد . ويقال أيضا لكلّ ما خامر العقل وستره سواء أكان من العنب أم غيره . وعلى ذلك فهي تختلف عن الخلّ في الطّعم وفي أنّها مسكر . ب -النّبيذ : - 3النّبيذ في اللّغة من النّبذ بمعنى التّرك ،يقال :نبذته نبذا :ألقيته ،وهو في الصطلح ما يلقى من التّمر أو الزّبيب ونحوهما أو الحبوب في الماء ليكسبه من طعمه ،والنتباذ اتّخاذ النّبيذ .وتفصيله في مصطلح ( :نبيذ ) . ج -الخليطان : - 4الخليطان شراب خلط عند النّبذ أو الشّرب من ماء الزّبيب والتّمر ،أو بسر مع رطب ، أو تمر وحنطة مع شعير ،أو أحدهما مع تين . وهناك أشربة أخرى ذات صلة بالخلّ لها أسماء مختلفة ،وأحكام فقهيّة خاصّة تفصيلها في مصطلح ( :أشربة ) .
حكم الخلّ : ل ،مال متقوّم طاهر يحلّ أكله والمعاملة به والستفادة منه بطرق مختلفة كسائر - 5الخ ّ الموال المتقوّمة .وبما أنّ أصله وأصل الخمر وسائر الشربة المحرّمة واحد غالبا تعرّض ل في مواضع نذكرها فيما يلي : الفقهاء لحكام الخ ّ
أوّلً :تخلّل الخمر وتخليلها :
- 6إذا تخلّلت الخمر بنفسها بغير علج بأن تتغيّر من الخمريّة إلى الخليّة حلّ ذلك الخلّ ، فيجوز أكله وشربه والمعاملة به باتّفاق الفقهاء ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :نعم الدم الخلّ » .كذلك إذا تخلّلت بنقلها من شمس إلى ظلّ وعكسه عند جمهور الفقهاء . ل ،أو البصل ،أو الملح فيها ،أو إيقاد نار عندها واختلفوا في تخليلها بالعلج بإلقاء الخ ّ بقصد التّخليل : فقال الشّافعيّة والحنابلة ،وهو رواية عن مالك :ل يحلّ تخليل الخمر بالعلج ول تطهر بالتّخليل .لحديث أبي طلحة « :أنّه سأل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال :أهرقها ،قال :أفل أجعلها خلّا ؟ قال :ل » . ولنّنا أمرنا باجتناب الخمر ،وفي التّخليل اقتراب منها على وجه التّموّل فل يجوز . ل شرب ذلك الخلّ وأكله وقال الحنفيّة وهو الرّاجح عند المالكيّة :جاز تخليل الخمر ،وح ّ ل » مطلقا من غير تفريق بين التّخليل والتّخلّل، لقوله عليه الصلة والسلم « :نعم الدم الخ ّ ن التّخليل يزيل الوصف المفسد ،ويثبت وصف الصّلحيّة ،لنّ فيه مصلحة التّداوي ، ول ّ والتّغذّي ومصالح أخرى ،وإذا زال المفسد الموجب للحرمة حلّت ،كما إذا تخلّلت بنفسها ، ن التّخليل إصلح فجاز قياسا على جواز دبغ الجلد ،فقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم : ول ّ « إذا دبغ الهاب فقد طهر » . وتفصيله في مصطلح ( :أشربة ج ، 29 - 27 / 5وتخليل ج . ) 54 / 11
ثانيا :أكل وشرب الخلّ : - 7ل خلف بين الفقهاء في جواز أكل وشرب الخلّ ،سواء أكان من العنب أم غيره ،كما أنّه ل خلف في جواز أكل خلّ الخمر الّتي تخلّلت بنفسها بغير علج ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :نعم الدم الخلّ » . ل حيّا أو ميّتا ،كدود الفاكهة معها لعسر تمييزه ل حلّ أكل دوده مع الخ ّ ل أكل الخ ّ وكما ح ّ عنه ،لنّه كجزئه طبعا وطعما . أمّا أكله منفردا فحرام كما صرّح به الفقهاء أمّا إذا خلّلت الخمر بالعلج بإلقاء الخلّ أو الملح فيها مثلً ،فقد سبق تفصيله في تخلّل الخمر وتخليلها ( ف . ) 6/
ثالثا :الطّهارة بالخلّ :
- 8اتّفق الفقهاء على عدم جواز إزالة الحدث الصغر أو الكبر بالخلّ وماء الورد والبطّيخ والقثّاء ونحوها ممّا يعتصر من شجر أو ثمر ،لنّه يشترط لرفع الحدث أن يكون بماء مطلق، ل ل يصدق عليه اسم الماء المطلق ،وماء الورد والبطّيخ ونحوهما ل يطلق عليه اسم والخ ّ ل بالقيد . الماء إ ّ
كذلك ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يجوز إزالة النّجاسة من الثّوب والبدن بالخلّ ،فالطّهارة ل بما تحصل به الطّهارة من الحدث ،لدخولها في عموم من النّجاسة ل تحصل عندهم إ ّ ح الرّوايتين عند الحنابلة ،وقول محمّد بن الطّهارة ،وهذا قول المالكيّة والشّافعيّة ،وهو أص ّ طهُورًا } { ، سمَاء مَاء َ الحسن ،وزفر من الحنفيّة ،واستدلّوا بقوله تعالى { :وَأَنزَلْنَا ِمنَ ال ّ طهّ َركُم بِهِ } ،قال النّوويّ :ذكره سبحانه وتعالى امتنانا فلو سمَاء مَاء ّل ُي َ َو ُي َنزّلُ عََل ْيكُم مّن ال ّ حصلت الطّهارة بغيره لم يحصل المتنان به . ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :إذا أصاب ثوب إحداكنّ الدّم من ولمّا ورد أ ّ الحيضة فلتقرصه ،ثمّ لتنضحه بماء ثمّ لتصلّي فيه » .ولم ينقل عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم جواز إزالة النّجاسة بغير الماء ،فلو جاز بغير الماء لبيّنه مرّةً فأكثر . ل مائع وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو رواية عند الحنابلة :يجوز تطهير النّجاسة بالماء وبك ّ طاهر يمكن إزالتها به ،كالخلّ وماء الورد ونحوهما ممّا إذا عصر انعصر بخلف الدّهن والزّيت واللّبن والسّمن . ج لهم بحديث عائشة رضي ال عنها قالت « :ما كان لحدانا إلّ ثوب واحد تحيض واحت ّ فيه ،فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فقصعته بظفرها » وبحديث أبي سعيد الخدريّ أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر ،فإن رأى في نعليه قذرا أو أذىً فليمسحه ،وليصلّ فيهما » . ل ونحوه من وموضع الدّللة أنّها طهارة بغير الماء ،فدلّ على عدم اشتراطه ،ولنّ الخ ّ المائعات الطّاهرة قالع للنّجاسة ومزيل لها كالماء فيأخذ حكمه .
رابعا :بيع الخلّ والمعاملة به : - 9الصل أنّه ل يجوز بيع المكيل أو الموزون بجنسه متفاضلً ول نساءً ،لنّه يعتبر ربا ، لقوله صلى ال عليه وسلم « :الذّهب بالذّهب مثلً بمثل ،والفضّة بالفضّة مثلً بمثل ، والتّمر بالتّمر مثلً بمثل ،والبرّ بالبرّ مثلً بمثل ،والملح بالملح مثلً بمثل ،والشّعير بالشّعير مثلً بمثل ،فمن زاد أو ازداد فقد أربى ،بيعوا الذّهب بالفضّة كيف شئتم يدا بيد ،وبيعوا البرّ بالتّمر كيف شئتم يدا بيد ،وبيعوا الشّعير بالتّمر كيف شئتم يدا بيد » . وفي رواية « وإذا اختلفت هذه الشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد » . ل الزّبيب بخلّ الزّبيب ،ول بيع وعلى ذلك فل يجوز بيع خلّ العنب بخلّ العنب ،ول بيع خ ّ خلّ التّمر بخلّ التّمر متفاضلً ول نساءً ،ويجوز متماثلً يدا بيد ،وذلك باتّفاق الفقهاء لتّحاد الجنس والقدر ،لنّ الخ ّل من المكيلت .
ل العنب بخلّ التّمر واختلف الفقهاء في بيع الخلول من أنواع مختلفة بعضها ببعض آخر ،كخ ّ مثلً .فذهب الحنفيّة والشّافعيّة وهو الصّحيح عند الحنابلة إلى أنّه يجوز بيع نوع من الخلّ ن أصولها أجناس مختلفة حتّى ل يضمّ بعضها بنوع آخر منه متفاضلً كاللّحوم المختلفة ،ل ّ إلى بعض في الزّكاة ،وأسماؤها أيضا مختلفة باعتبار الضافة كدقيق البرّ والشّعير ، والمقصود أيضا مختلف ،فبعض النّاس يرغب في بعضها دون بعض ،وقد يضرّه البعض وينفعه غيره ،ففروع الجناس المختلفة تعتبر أجناسا مختلف ًة ،كالدّقيق والخبز والدّهن والخلّ ،لنّ الفروع تتبع أصولها . وعلى ذلك فخلّ التّمر جنس وخلّ العنب جنس آخر يجوز البيع بينهما متفاضلً . إلّ أنّ الشّافعيّة فصّلوا في بيع الخلّ إذا دخله الماء . ل عنب بخلّ زبيب ،فقالوا بعدم جوازه ولو متماثلً ،لنفراد واستثنى الحنابلة من هذا بيع خ ّ خلّ الزّبيب بالماء . ن جميع الخلول جنس واحد سواء أكانت من العنب، وقال المالكيّة -وهو رواية عن أحمد :إ ّ أم من الزّبيب ،أو التّمر أو غير ذلك .وكذلك ل يتعدّد جنس النبذة عندهم .حتّى إنّ النبذة والخلول اعتبرت جنسا واحدا في المعتمد عندهم . وعلى ذلك فل يجوز التّفاضل ول النّساء في بيع الخلول ولو من أنواع مختلفة عند المالكيّة لنّها كلّها جنس واحد ،كما ل يجوز بيعها بالنبذة متفاضلةً في المعتمد عندهم لعتبارهم الخلول والنبذة جنسا واحدا لتقارب منفعتها .
خامسا :الضّمان في غصب الخلّ وإتلفه : ل مسلم وغيره ، - 10ل خلف بين الفقهاء في وجوب الضّمان على من غصب أو أتلف خ ّ لنّه مال متقوّم طاهر يجوز أكله واقتناؤه والمعاملة به كما سبق . - 11ولو غصب خمرا فتخلّلت عند الغاصب يجب ردّه عليه إلى المغصوب منه ،عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،وهو الصحّ عند الشّافعيّة ،لنّها صارت خلّا على ملك المغصوب منه ويد المالك لم تزل عنها بالغصب ،فكأنّها تخلّلت في يد المالك . وكذلك إذا خلّلها الغاصب عند الحنفيّة والمالكيّة -وهم يقولون بجواز التّخليل بالعلج كما سبق ، -لكنّ الحنفيّة قيّدوا بما إذا كان التّخليل بما ل قيمة له كإلقاء حنطة وملح يسير ،أو تشميس .أمّا لو خلّلها بذي قيمة كالملح الكثير والخلّ ،فالخلّ ملك الغاصب عند أبي حنيفة ; لنّ الملح والخلّ مال متقوّم والخمر غير متقوّم ،فيرجع جانب الغاصب فيكون له بل شيء ، خلفا لبي يوسف ومحمّد حيث قال :يأخذه المالك إن شاء ،ويردّ قدر وزن الملح من الخلّ. ل للغاصب مطلقا لحصول الماليّة عنده . ن الخ ّ والقول الثّاني للشّافعيّة :إ ّ
ن المالكيّة فصّلوا بين خمر المسلم وخمر الكافر فقالوا :إذا كانت الخمر للكافر وتخلّلت ثمّ إ ّ ل وبين تركه وأخذ قيمتها .وإذا كانت للمسلم تعيّن عليه أخذ الخلّ . يخيّر بين أخذ الخ ّ ن على - 12ولو غصب عصيرا فتخمّر عند الغاصب ،فقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :إ ّ الغاصب الضّمان بر ّد مثله ،لنّه صار في حكم التّالف لذهاب ماليّته بتخمّره وانقلبه إلى ما ل يجوز تملّكه . ح عند الشّافعيّة :يردّه الغاصب وإذا تخلّل عند الغاصب بعد التّخمّر فقال الحنابلة وهو الص ّ ويردّ ما نقص من قيمة العصير أو نقص منه بسبب غليانه ،لنّه نقص حصل في يد الغاصب فيضمنه . وفي القول الثّاني للشّافعيّة :يلزمه مثل العصير .لنّه بالتّخمّر كالتّالف . وقال المالكيّة :لو تخلّل العصير المغصوب ابتداءً أو بعد تخمّره خيّر مالكه بين أخذ عصير مثله وبين أخذه خلّا .
خلوة * التّعريف : - 1الخلوة في اللّغة :من خل المكان والشّيء يخلو خلوّا وخلءً ،وأخلى المكان :إذا لم يكن فيه أحد ول شيء فيه ،وخل الرّجل وأخلى وقع في مكان خال ل يزاحم فيه . وخل الرّجل بصاحبه وإليه ومعه خلوّا وخلءً وخلوةً :انفرد به واجتمع معه في خلوة ، وكذلك خل بزوجته خلو ًة . والخلوة :السم ،والخلو :المنفرد ،وامرأة خالية ،ونساء خاليات :ل أزواج لهنّ ول أولد ،والتّخلّي :التّفرّغ ،يقال :تخلّى للعبادة ،وهو تفعّل من الخلوّ . ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا المصطلح عن معناه اللّغويّ . أ -النفراد :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2النفراد مصدر انفرد ،يقال :انفرد الرّجل بنفسه انقطع وتنحّى ،وتفرّد بالشّيء انفرد به ،وفرد الرّجل إذا تفقّه واعتزل النّاس ،وخل بمراعاة المر والنّهي والعبادة . وقد جاء في الخبر « :طوبى للمفردين » .واستفرد فلنا انفرد به . ب -العزلة : - 3العزلة اسم مصدر ،يقال عزلت الشّيء عن غيره عزلً نحّيته عنه ،ومنه عزلت النّائب كالوكيل إذا أخرجته عمّا كان له من الحكم ،وانعزل عن النّاس ،إذا تنحّى عنهم جانبا ،
ق بمعزل ،أي مجانب له ،وتعزّلت البيت واعتزلته ،والعتزال تجنّب الشّيء وفلن عن الح ّ عمال ًة كانت أو براء ًة ،أو غيرهما ،بالبدن كان ذلك أو بالقلب . وتعازل القوم انعزل بعضهم عن بعض ،والعزلة :النعزال نفسه ،يقال :العزلة عبادة . ج -السّتر : - 4السّتر ما يستر به ،أي يغطّى به ويخفى ،وجمعه ستور ،والسّترة مثله ،قال ابن فارس :السّترة ما استترت به كائنا ما كان ،والسّتارة بالكسر ،والسّتار بحذف الهاء لغةً . ويقال لما ينصبه المصلّي قدّامه علمةً لمصلّاه من عصا ،وتسنيم تراب ،وغيره ،سترةً ، لنّه يستر المارّ من المرور أي يحجبه .والستتار :الختفاء .
الحكم التّكليفيّ : - 5الخلوة بمعنى النفراد بالنّفس في مكان خال ،الصل فيها الجواز ،بل قد تكون مستحبّةً ،إذا كانت للذّكر والعبادة ،ولقد « حبّب الخلء إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم قبل البعثة ، فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه » ،قال النّوويّ :الخلوة شأن الصّالحين وعباد اللّه العارفين . والخلوة بمعنى النفراد بالغير تكون مباحةً بين الرّجل والرّجل ،وبين المرأة والمرأة إذا لم يحدث ما هو محرّم شرعا ،كالخلوة لرتكاب معصية ،وكذلك هي مباحة بين الرّجل ومحارمه من النّساء ،وبين الرّجل وزوجته . ومن المباح أيضا الخلوة بمعنى انفراد رجل بامرأة في وجود النّاس ،بحيث ل تحتجب أشخاصهما عنهم ،بل بحيث ل يسمعون كلمهما . فقد جاء في صحيح البخاريّ « :جاءت امرأة من النصار إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فخل بها » وعنون ابن حجر لهذا الحديث بباب ما يجوز أن يخلو الرّجل بالمرأة عند النّاس ، وعقّب بقوله :ل يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم ،بل بحيث ل يسمعون كلمهما إذا كان بما يخافت به كالشّيء الّذي تستحي المرأة من ذكره بين النّاس . وتكون الخلوة حراما كالخلوة بالجنبيّة على ما سيأتي تفصيله . وقد تكون الخلوة بالجنبيّة واجب ًة في حال الضّرورة ،كمن وجد امرأ ًة أجنبيّةً منقطع ًة في بريّة ،ويخاف عليها الهلك لو تركت .
الخلوة بالجنبيّة :
- 6الجنبيّة :هي من ليست زوج ًة ول محرما ،والمحرم من يحرم نكاحها على التّأبيد ، إمّا بالقرابة ،أو الرّضاعة ،أو المصاهرة ،ويحرم على الرّجل الخلوة بها ،والصل في ل مع ذي محرم » . ذلك ،قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل يخلونّ رجل بامرأة إ ّ
ن رجل بامرأة ليست منه ن الخلوة بالجنبيّة محرّمة .وقالوا :ل يخلو ّ وقد اتّفق الفقهاء على أ ّ بمحرّم ،ول زوجة ،بل أجنبيّة ،لنّ الشّيطان يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما ل يحلّ ،قال ن رجل بامرأة إلّ كان ثالثهما الشّيطان » . صلى ال عليه وسلم « :ل يخلو ّ وقالوا :إن أمّ بأجنبيّة وخل بها ،حرم ذلك عليه وعليها . وقال الحنفيّة :الخلوة بالجنبيّة حرام إلّ لملزمة مديونة هربت ،ودخلت خرب ًة .
الخلوة بالجنبيّة مع وجود غيرها معها : - 7اختلف الفقهاء في حكم خلوة الرّجل بالجنبيّة مع وجود أكثر من واحدة ،وكذا خلوة عدد من الرّجال بامرأة ،ففصّل الشّافعيّة الحكم في ذلك ،فقال إمام الحرمين :كما يحرم على الرّجل أن يخلو بامرأة واحدة ،كذلك يحرم عليه أن يخلو بنسوة ،ولو خل رجل بنسوة ،وهو محرم إحداهنّ جاز ،وكذلك إذا خلت امرأة برجال ،وأحدهم محرم لها جاز ، ن محرم لحدهم جاز ،قال :وقد نصّ ولو خل عشرون رجلً بعشرين امرأةً ،وإحداه ّ ن محرما له الشّافعيّ على أنّه ل يجوز للرّجل أن يصلّي بنساء منفردات ،إلّ أن تكون إحداه ّ . وحكى صاحب العدّة عن القفّال مثل الّذي ذكره إمام الحرمين ،وحكى فيه نصّ الشّافعيّ في ن. تحريم خلوة الرّجل بنسوة منفردا به ّ ن المشهور جواز خلوة رجل بنسوة ل وقد ذكر صاحب المجموع بعد إيراد القوال السّابقة أ ّ ن بعضا في ذلك . ن النّساء يستحيين من بعضه ّ محرم له فيهنّ ،لعدم المفسدة غالبا ،ل ّ وفي حاشية الجمل :يجوز خلوة رجل بامرأتين ثقتين يحتشمهما وهو المعتمد . أمّا خلوة رجال بامرأة ،فإن حالت العادة دون تواطئهم على وقوع فاحشة بها ،كانت خلوةً ل فل . جائزةً ،وإ ّ وفي المجموع :إن خل رجلن أو رجال بامرأة فالمشهور تحريمه ،لنّه قد يقع اتّفاق رجال على فاحشة بامرأة ،وقيل :إن كانوا ممّن تبعد مواطأتهم على الفاحشة جاز . أمّا الحنفيّة فتنتفي عندهم حرمة الخلوة بوجود امرأة ثقة ،وهذا يفيد جواز الخلوة بأكثر من امرأة ،فقد ذكر ابن عابدين ،أنّ الخلوة المحرّمة بالجنبيّة تنتفي بالحائل ،وبوجود محرم للرّجل معهما ،أو امرأة ثقة قادرة . ن بأن وعند المالكيّة تكره صلة رجل بين نساء أي بين صفوف النّساء ،وكذا محاذاته له ّ تكون امرأة عن يمينه وأخرى عن يساره ،ويقال مثل ذلك في امرأة بين رجال ،وظاهره ، ن محارم . وإن ك ّ
وعند الحنابلة تحرم خلوة الرّجل مع عدد من النّساء أو العكس كأن يخلو عدد من الرّجال بامرأة .
الخلوة بالمخطوبة : - 8المخطوبة تعتبر أجنبيّ ًة من خاطبها ،فتحرم الخلوة بها كغيرها من الجنبيّات ،وهذا باتّفاق .
الخلوة بالجنبيّة للعلج :
ل مع حضور محرم لها ،أو زوج ،أو امرأة - 9تحرم الخلوة بأجنبيّة ولو لضرورة علج إ ّ ن الخلوة بها مع وجود هؤلء يمنع وقوع المحظور ،وهذا عند المالكيّة ثقة على الرّاجح ،ل ّ والشّافعيّة والحنابلة .انظر مصطلح ( :ضرورة ) .
إجابة الوليمة مع الخلوة : - 10تجب إجابة الدّعوة إلى الوليمة ،أو تسنّ ،إذا لم يترتّب على الجابة خلوة محرّمة ، ل حرمت ،كما جاء عن الشّافعيّة والحنابلة وهو المفهوم من كلم المالكيّة . وإ ّ ( ر :وليمة ) .
الخلوة بالمرد :
- 11تحرم الخلوة بالمرد إن كان صبيحا ،وخيفت الفتنة ،حتّى رأى الشّافعيّة حرمة خلوة المرد بالمرد وإن تعدّد ،أو خلوة الرّجل بالمرد وإن تعدّد ،فإن لم تكن هناك ريبة فل تحرم ،كشارع ومسجد مطروق .انظر مصطلح ( :أمرد ) .
الخلوة بالمحارم : ص الحنفيّة على أنّه - 12ذهب الفقهاء إلى أنّه يجوز خلوة الرّجل بالمحارم من النّساء .ون ّ يجوز أن يسافر بها ،ويخلو بها -يعني بمحارمه -إذا أمن على نفسه ،فإن علم أنّه يشتهيها أو تشتهيه إن سافر بها أو خل بها ،أو كان أكبر رأيه ذلك أو شكّ فل يباح . وممّا يدخل في حكم الخلوة بالمحارم الخلوة بالمطلّقة طلقا رجعيّا ،مع اختلف الفقهاء في اعتبار هذه الخلوة رجعةً أم ل ،على ما سيأتي بيانه ،أمّا المطلّقة طلقا بائنا فهي كالجنبيّة في الحكم .
الخلوة بالمعقود عليها :
- 13للخلوة بالمعقود عليها عند بعض الفقهاء أثر في تقرّر المهر ووجوب العدّة وغير ذلك ، إلّ أنّ الفقهاء يختلفون في تحديد الخلوة الّتي يترتّب عليها ذلك الثر .
الخلوة الّتي يترتّب عليها أثر :
- 14الخلوة الّتي يترتّب عليها أثر هي الخلوة الصّحيحة كما يقول الحنفيّة ،أو خلوة الهتداء كما يطلق عليها المالكيّة . وهي عند الحنفيّة الّتي ل يكون معها مانع من الوطء ،ل حقيقيّ ول شرعيّ ول طبعيّ . أمّا المانع الحقيقيّ :فهو أن يكون أحدهما مريضا مرضا يمنع الجماع ،أو صغيرا ل يجامع ن الرّتق والقرن مثله ،أو صغيرةً ل يجامع مثلها ،أو كانت المرأة رتقاء أو قرناء ،ل ّ يمنعان من الوطء . ن العنّة والخصاء ل يمنعان من الوطء ،فكانت ح خلوة الزّوج العنّين أو الخصيّ ،ل ّ وتص ّ خلوتهما كخلوة غيرهما . وتصحّ خلوة المجبوب في قول أبي حنيفة لنّه يتصوّر منه السّحق واليلد بهذا الطّريق ، ب يمنع من الوطء فيمنع صحّة وقال أبو يوسف ومحمّد :ل تصحّ خلوة المجبوب لنّ الج ّ الخلوة كالقرن والرّتق . وأمّا المانع الشّرعيّ :فهو أن يكون أحدهما صائما صوم رمضان أو محرما بحجّ أو بعمرة ، ل ذلك محرّم للوطء ،فكان مانعا من الوطء شرعا ، أو تكون المرأة حائضا أو نفساء ،لنّ ك ّ والحيض والنّفاس يمنعان منه طبعا أيضا لنّهما أذىً ،والطّبع السّليم ينفر من استعمال الذى . ن صوم التّطوّع وقضاء رمضان وأمّا في غير صوم رمضان فقد ذكر بشر عن أبي يوسف أ ّ ن نفل الصّوم كفرضه والكفّارات والنّذور ل تمنع صحّة الخلوة .وذكر الحاكم في مختصره أ ّ ،فصار في المسألة روايتان ،ووجه الرّواية الخيرة أنّ صوم التّطوّع يحرّم الفطر من غير ج التّطوّع وذا يمنع صحّة الخلوة . عذر فصار كح ّ ن صوم غير رمضان مضمون بالقضاء ل غير فلم يكن قويّا في معنى وفي رواية بشر أ ّ المنع بخلف صوم رمضان فإنّه يجب فيه القضاء والكفّارة . وأمّا المانع الطّبعيّ :فهو أن يكون معهما ثالث ،لنّ النسان يكره أن يجامع امرأته بحضرة ثالث ،ويستحي فينقبض عن الوطء بمشهد منه ،وسواء أكان الثّالث بصيرا أم أعمى ، يقظان أم نائما ،بالغا ،أم صبيّا بعد ،إن كان عاقلً ،رجلً أو امرأ ًة ،أجنبيّةً أو منكوحته ، ن العمى إن كان ل يبصر فهو يحسّ ،والنّائم يحتمل أن يستيقظ ساع ًة فساعةً ،فينقبض لّ النسان عن الوطء ،مع حضوره . والصّبيّ العاقل بمنزلة الرّجل يحتشم النسان منه كما يحتشم من الرّجل .وإذا لم يكن عاقلً فهو ملحق بالبهائم ،ل يمتنع النسان عن الوطء لمكانه ،ول يلتفت إليه ،والنسان يحتشم من المرأة الجنبيّة ،ويستحيي ،وكذا ل يحلّ لها النّظر إليهما فينقبضان لمكانها .
ح الخلوة في المسجد ،والطّريق ،والصّحراء ،وعلى سطح ل حجاب عليه ،لنّ ول تص ّ المسجد يجمع النّاس للصّلة ،ول يؤمن من الدّخول عليه ساعةً فساع ًة ،وكذا الوطء في شرُوهُنّ وَأَن ُتمْ عَاكِفُونَ فِي ا ْل َمسَاجِدِ } . ل ُتبَا ِ المسجد حرام ،قال عزّ وجلّ َ { :و َ والطّريق ممرّ النّاس ل تخلو عنهم عادة ،وذلك يوجب النقباض فيمنع الوطء ،وكذا الصّحراء والسّطح من غير حجاب ،لنّ النسان ينقبض عن الوطء في مثله لحتمال أن يحصل هناك ثالث ،أو ينظر إليه أحد . ن ذلك في معنى ولو خل بها في حجلة أو قبّة فأرخى السّتر عليه فهي خلوة صحيحة ،ل ّ البيت .ول خلوة في النّكاح الفاسد ،لنّ الوطء فيه حرام فكان المانع الشّرعيّ قائما . - 15وعند المالكيّة :الخلوة الصّحيحة ،وهي خلوة الهتداء ،من الهدوء والسّكون ،لنّ كلّ واحد من الزّوجين سكن للخر واطمأنّ إليه ،وهي المعروفة عندهم بإرخاء السّتور ، كان هناك إرخاء ستور ،أو غلق باب ،أو غيره . ومن الخلوة الصّحيحة عندهم أيضا ،خلوة الزّيارة ،أي زيارة أحد الزّوجين للخر . وتكون بخلوة بالغ -ولو كان مريضا -حيث كان مطيقا ،ولو كانت -الزّوجة الّتي يخلو بها -حائضا ،أو نفساء ،أو صائمةً ،وأن يكون غير مجبوب على المعتمد ،خلفا للقرافيّ ،وأن تكون بحيث يمكن شغلها بالوطء ،فل يكون معهما في الخلوة نساء متّصفات بالعفّة والعدالة ،أو واحدة كذلك ،وبحيث ل تقصر مدّة الخلوة فل تتّسع للوطء ،أمّا لو كان معها نساء من شرار النّساء ،فالخلوة ممّا يترتّب عليها أثر ،لنّها قد تمكّن من نفسها بحضرتهنّ ،دون المتّصفات بالعفّة والعدالة فإنّهنّ يمنعنها . ن الخلوة -سواء أكانت خلوة اهتداء أم خلوة وجاء في بلغة السّالك والشّرح الصّغير :أ ّ زيارة -هي اختلء البالغ غير المجبوب بمطيقة ،خلوةً يمكن فيها الوطء عادةً ،فل تكون لحظةً تقصر عن زمن الوطء وإن تصادقا على نفيه . ي ،كحيض ،وصوم ،وإحرام ،لنّ ول يمنع من خلوة الهتداء عندهم وجود مانع شرع ّ العادة أنّ الرّجل إذا خل بزوجته أوّل خلوة ل يفارقها قبل وصوله إليها . - 16والخلوة ل يترتّب عليها الثر السّابق عند الشّافعيّة في الجديد لقول اللّه تعالى { :وَإِن ل أَن َتمَسّو ُهنّ } ...الية والمراد بالمسّ الجماع . ن مِن قَبْ ِ طَلّ ْق ُتمُوهُ ّ - 17وقال الحنابلة :الخلوة الّتي يترتّب عليها أثر هي الخلوة الّتي تكون بعيدا عن مميّز ، وبالغ مطلقا ،مسلما أو كافرا ،ذكرا أو أنثى ،أعمى أو بصيرا ،عاقلً أو مجنونا ،مع علمه بأنّها عنده ،ولم تمنعه من الوطء إن كان الزّوج يطأ مثله كابن عشر فأكثر ،وكانت
الزّوجة يوطأ مثلها كبنت تسع فأكثر ،فإن كان أحدهما دون ذلك لم يتقرّر بالخلوة شيء ،ولم يرتّب لها أثر . سيّ بأحد الزّوجين ول يمنع أثر الخلوة نوم الزّوج ،ول كونه أعمى ،ول وجود مانع ح ّ كجبّ ورتق ،ول وجود مانع شرعيّ بهما ،أو بأحدهما كحيض وإحرام وصوم واجب . ومجرّد الخلوة على الوجه السّابق يترتّب عليها آثارها ،وقد قال الفرّاء في قوله تعالى : ض ُكمْ إِلَى َبعْضٍ } ...أنّه قال :الفضاء ،الخلوة ،دخل بها أو لم يدخل ، { َوقَ ْد َأفْضَى َبعْ ُ ن الفضاء مأخوذ من الفضاء ،وهو الخالي ،فكأنّه قال :وقد خل بعضكم إلى بعض . لّ
آثار الخلوة : أوّلً :أثرها في المهر :
- 18ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ ممّا يتأكّد به المهر الخلوة الصّحيحة الّتي استوفت شرائطها .فلو خل الزّوج بزوجته خلوةً صحيحةً ث ّم طلّقها قبل الدّخول بها في نكاح فيه تسمية للمهر يجب عليه المسمّى ،وإن لم يكن في النّكاح تسمية يجب عليه كمال مهر المثل خذُو ْا ِمنْهُ ن قِنطَارًا فَلَ َت ْأ ُ حدَاهُ ّ ن زَوْجٍ وَآ َت ْي ُتمْ ِإ ْ ستِ ْبدَالَ زَ ْوجٍ ّمكَا َ لقوله تعالى { :وَِإنْ َأرَدّتمُ ا ْ ض ُكمْ إِلَى َبعْضٍ } . خذُونَهُ َو َقدْ َأ ْفضَى َبعْ ُ خذُو َنهُ ُب ْهتَانا وَِإثْما ّمبِينا َ ،و َك ْيفَ َت ْأ ُ شيْئا َأ َت ْأ ُ َ وقد روي عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :من كشف خمار امرأته ونظر إليها وجب الصّداق ،دخل بها أو لم يدخل » وهذا نصّ في الباب . وروي عن زرارة بن أبي أوفى أنّه قال :قضى الخلفاء الرّاشدون المهديّون أنّه إذا أرخى السّتور وأغلق الباب فلها الصّداق كاملً ،وعليها العدّة ،دخل بها أو لم يدخل ،حكى ي في هذه المسألة إجماع الصّحابة من الخلفاء الرّاشدين وغيرهم . الطّحاو ّ وذهب الشّافعيّ في الجديد إلى أنّه ل اعتبار بالخلوة في تقرّر المهر .لقوله تعالى { :وَإِن ض ُتمْ } ...والمراد صفُ مَا َفرَ ْ ضتُمْ َل ُهنّ َفرِيضَ ًة َفنِ ْ ل أَن َتمَسّو ُهنّ َو َقدْ فَ َر ْ ن مِن قَبْ ِ طَلّ ْق ُتمُوهُ ّ بالمسّ الجماع .
ثانيا :أثرها في العدّة : - 19ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه تجب العدّة على المطلّقة بالخلوة الصّحيحة في النّكاح الصّحيح دون الفاسد ،فل تجب في الفاسد إلّ بالدّخول ،أمّا في النّكاح الصّحيح فتجب حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ ُثمّ طَلّ ْق ُتمُو ُهنّ مِن َقبْلِ أَن ن آ َمنُوا ِإذَا َن َك ْ بالخلوة لقوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ عدّ ٍة َت ْعتَدّو َنهَا } ولنّ وجوبها بطريق استبراء الرّحم ،والحاجة ن فَمَا َل ُكمْ عََل ْيهِنّ ِمنْ ِ َت َمسّوهُ ّ إلى الستبراء بعد الدّخول ل قبله ،إلّ أنّ الخلوة الصّحيحة في النّكاح الصّحيح أقيمت مقام ن حقّ اللّه تعالى يحتاط في إيجابه ، الدّخول في وجوب العدّة الّتي فيها حقّ اللّه تعالى ،ل ّ
ن التّسليم بالواجب بالنّكاح قد حصل بالخلوة الصّحيحة فتجب به العدّة كما تجب بالدّخول ، ول ّ ن الخلوة الصّحيحة إنّما أقيمت مقام الدّخول في وجوب العدّة مع أنّها ليست بدخول حقيقةً لّ لكونها سببا مفضيا إليه ،فأقيمت مقامه احتياطا إقامةً للسّبب مقام المسبّب فيما يحتاط فيه . ووجوب العدّة عند المالكيّة بالخلوة الصّحيحة حتّى ولو نفى الزّوجان الوطء فيها ،لنّ العدّة حقّ اللّه تعالى فل تسقط باتّفاقهما على نفي الوطء . وظاهر كلم الخرقيّ من الحنابلة كما ورد في المغني أنّه ل فرق في وجوب العدّة بين أن ب ،والعنّة ، يخلو بها مع المانع من الوطء أو مع عدمه ،سواء كان المانع حقيقيّا كالج ّ والفتق ،والرّتق ،أو شرعيّا كالصّوم ،والحرام ،والحيض ،والنّفاس ،والظّهار ،لنّ الحكم علّق هاهنا على الخلوة الّتي هي مظنّة الصابة دون حقيقتها . وفي الجديد عند الشّافعيّة ل تجب العدّة بالخلوة المجرّدة عن الوطء لمفهوم قوله تعالى : ن مِنْ ن َفمَا َل ُكمْ عََل ْيهِ ّ ح ُتمُ ا ْلمُ ْؤ ِمنَاتِ ُثمّ طَلّ ْق ُتمُو ُهنّ مِن َقبْلِ أَن َت َمسّوهُ ّ ن آ َمنُوا ِإذَا َن َك ْ { يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ عدّ ٍة َت ْع َتدّو َنهَا . } ... ِ
ثالثا :أثر الخلوة في الرّجعة : ل على الرّجعة ل قولً ن الخلوة ليست برجعة ،لنّه لم يوجد ما يد ّ - 20ذهب الحنفيّة إلى أ ّ ول فعلً . وذهب المالكيّة إلى أنّ شرط صحّة الرتجاع علم الدّخول وعدم إنكار الوطء ،فإن أنكرته لم تصحّ الرّجعة ،وظاهره سواء اختلى بها في زيارة أو خلوة اهتداء ،وهو أحد أقوال . الثّاني أنّ ذلك في خلوة الزّيارة ،أمّا خلوة الهتداء فل عبرة بإنكارها وتصحّ الرّجعة ،ول إن أقرّ به فقط في زيارة بخلف البناء . ح الرّجعة كخلوة البناء ،وقال والثّالث ،أنّها إن كانت الزّائرة صدّق في دعواه الوطء فتص ّ ن القول بعدم التّفرقة الصّاويّ تعليقا على قوله " وهو أحد أقوال " بقوله :ذكر في الشّامل أ ّ بين الخلوتين هو المشهور . وقال ابن قدامة :الخلوة كالصابة في إثبات الرّجعة للزّوج على المرأة الّتي خل بها في ظاهر قول الخرقيّ لقوله :حكمها حكم الدّخول في جميع أمورها . ل أن يصيبها .وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :رجعة ) . وقال أبو بكر :ل رجعة له عليها إ ّ
رابعا :أثر الخلوة في ثبوت النّسب :
ن ثبوت النّسب ممّا يترتّب على الخلوة ولو من المجبوب ،وقال ابن - 21ذهب الحنفيّة إلى أ ّ ل من ن المطلّقة قبل الدّخول لو ولدت لق ّ عابدين راويا عن ابن الشّحنة في عقد الفرائد :إ ّ ن الطّلق بعد ستّة أشهر من حين الطّلق ثبت نسبه للتّيقّن بأنّ العلوق كان قبل الطّلق ،وأ ّ
الدّخول ،ولو ولدته لكثر ل يثبت لعدم العدّة ،ولو اختلى بها فطلّقها يثبت وإن جاءت به لكثر من ستّة أشهر ،قال :ففي هذه الصّورة تكون الخصوصيّة للخلوة . ن الزّوجة تكون فراشا بمجرّد الخلوة بها حتّى إذا ولدت للمكان من وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ ن مقصود النّكاح الستمتاع والولد ،فاكتفى فيه الخلوة بها لحقه ،وإن لم يعترف بالوطء ،ل ّ بالمكان من الخلوة . ويرى الحنابلة أنّ الخلوة يثبت بها النّسب .انظر ( :نسب ) .
خامسا :أثر الخلوة بالنّسبة لنتشار الحرمة : - 22من الثار الّتي تترتّب على الخلوة الصّحيحة انتشار الحرمة ،وقد ذكر ابن عابدين أنّ الخلوة الصّحيحة تفيد حرمة نكاح الخت وأربع سوى الزّوجة في عدّتها . أمّا بالنّسبة لتحريم بنت الزّوجة فقد اختلف فيه ،فروى ابن عابدين عن الفتاوى الهنديّة أنّ الخلوة بالزّوج ل تقوم مقام الوطء في تحريم بنتها . وقال ابن عابدين في نوادر أبي يوسف :إذا خل بها في صوم رمضان ،أو حال إحرامه لم يحلّ له أن يتزوّج بنتها ،وقال محمّد :يحلّ ،فإنّ الزّوج لم يجعل واطئا ،حتّى كان لها نصف المهر . ن الخلف في الخلوة الفاسدة ،أمّا الصّحيحة فل خلف في ثمّ قال ابن عابدين :وظاهره أ ّ أنّها تحرّم البنت .وقال ابن قدامة :الدّخول بال ّم يحرّم البنت ،لقوله تعالى َ { :و َربَا ِئ ُب ُكمُ جنَاحَ عََل ْي ُكمْ}. ن فَلَ ُ ن َفإِن ّلمْ َتكُونُواْ َدخَ ْلتُم ِبهِ ّ لتِي َدخَ ْلتُم ِبهِ ّ حجُو ِركُم مّن ّنسَآ ِئكُمُ ال ّ لتِي فِي ُ ال ّ وهذا نصّ والمراد بالدّخول في الية الوطء كنّى عنه بالدّخول ،فإن خل بها ولم يطأها لم ن المّ غير مدخول بها ،وظاهر قول الخرقيّ تحريمها لقوله :فإن خل بها ، تحرم ابنتها ،ل ّ وقال لم أطأها ،وصدّقته ،لم يلتفت إلى قولها ،وكان حكمها حكم الدّخول . وذكر ابن قدامة في موضع آخر خلفا في تحريم الرّبيبة فقال :وأمّا تحريم الرّبيبة فعن أحمد أنّه يحصل بالخلوة ،وقال القاضي وابن عقيل :ل تحرم ،وحمل القاضي كلم أحمد على ن ذلك أنّه حصل مع الخلوة نظر أو مباشرة ،فيخرّج كلمه على إحدى الرّوايتين في أ ّ جنَاحَ عََل ْي ُكمْ } ن فَلَ ُ يحرم ،والصّحيح أنّه ل يحرم ،لقوله تعالى َ { :فإِن ّلمْ َتكُونُواْ َدخَ ْلتُم ِبهِ ّ ص صريح في إباحتها بدونه ،فل يجوز خلفه . والدّخول كناية عن الوطء والنّ ّ ( ر :نكاح -صهر -محرّمات ) .
التّعريف :
خلوّ *
- 1الخلوّ لغةً مصدر خل ،يقال خل المكان أو الناء خلوّا وخلءً إذا فرغ ممّا به ،وخل المكان من أهله وعن أهله ،وخل فلن من العيب :برئ منه . وخل بصاحبه خَلوا ،وخلوةً وخلوّا وخل ًء انفرد به في خلوة ،وأخلى له الشّيء :فرغ له عنه ،وأخلى المكان والناء وغيرهما :جعله خاليا . والخلوّ في الصطلح يكون بمعنيين : الوّل :الخل ّو بمعنى النفراد يقال :خلوت بنفسي أو خلوت بفلن والخل ّو أيضا :النفراد بالزّوجة ،بأن يغلق الرّجل الباب على زوجته وينفرد بها . وأكثر ما يسمّى هذا النّوع خلوةً ،ولذا تنظر أحكامه تحت عنوان ( :خلوة ) . والثّاني :وليس معروفا في كتب اللّغة ،ولكن يوجد بهذا المعنى في كتب متأخّري الفقهاء ، فإنّهم يستعملونه بمعنى المنفعة الّتي يملكها المستأجر لعقار الوقف مقابل مال يدفعه إلى النّاظر لتعمير الوقف إذا لم يوجد ما يعمّر به ،على أن يكون له جزء من منفعة الوقف ، معلوم بالنّسبة كنصف أو ثلث ،ويؤدّي الجرة لحظّ المستحقّين عن الجزء الباقي من المنفعة وينشأ ذلك بطرق مختلفة سيأتي بيان بعضها . وعرّفه الزّرقانيّ بتعريف أعمّ فقال :هو اسم لما يملكه دافع الدّراهم من المنفعة الّتي دفع في مقابلتها الدّراهم . وأطلق الخل ّو أيضا على حقّ مستأجر الرض الميريّة في التّمسّك بها إن كان له فيها أثر من غراس أو بناء أو كبس بالتّراب على أن يؤدّي ما عليها من الحقوق لبيت المال ،وهذا النّوع الثّاني سمّاه بعض متأخّري المالكيّة خلوّا ،وفي أكثر كلم الشّيخ عليش قال :هو ملحق بالخلوّ ،وقال في موضع :يكون خلوّا .ووقع في بعض كلمه إطلق الخلوّ على نفس البناء والغرس ونحوهما ،الّذي يقيمه من بيده عمار وقف أو أرض أميريّة . وفي كلم الدّسوقيّ مثل ذلك .ويكون الخل ّو في العقارات المملوكة أيضا . ل أصل استعمال لفظ الخل ّو بهذا الصطلح أنّه أطلق أ ّولً على خل ّو العقار أي إفراغه ولع ّ والتّخلّي عنه لغير من هو بيده . وأطلق على البدل النّقديّ الّذي يأخذه مالك هذا الحقّ مقابل التّخلّي عنه ،ثمّ أطلق على المنفعة المتخلّى عنها نفسها .وقد وقع بهذه المعاني كلّها في كلم الشّيخ عليش . وقد ذكر البنانيّ في حاشيته على شرح الزّرقانيّ أنّ الخلوّ في الوقاف سمّاه شيوخ المغاربة في فاس بالجلسة .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الحكر :
- 2الحكر بفتح الحاء قال في اللّسان هو ادّخار الطّعام للتّربّص . وقال ابن سيده :الحتكار جمع الطّعام ونحوه ممّا يؤكل واحتباسه انتظار وقت الغلء به . والحتكار أيضا ،والستحكار عقد إجارة يقصد بها استبقاء الرض مقرّر ًة للبناء والغرس أو أحدهما .أمّا الحِكر بكسر الحاء فلم نجده في معاجم اللّغة القديمة ،وفي المعجم الوسيط هو العقار المحبوس ،ويرد في كلم متأخّري الفقهاء بمعنى الجرة المقرّرة على عقار الوقف ونحوه تؤخذ ممّن له فيه بناء أو غراس ،وإذا انتقل العقار من يد إلى يد انتقل الحكر معه يدفع لحظّ مستحقّي الوقف . قال الشّيخ عليش :من استولى على الخلوّ يكون عليه لجهة الوقف أجر ًة للّذي يئول إليه ح الحتكار إلّ إذا كان الوقف يسمّى عندنا بمصر حكرا لئلّ يذهب الوقف باطلً ،ول يص ّ بأجرة المثل ول تبقى على حال واحدة بل تزيد الجرة وتنقص باختلف الزّمان . ب -الفراغ والفراغ : - 3يظهر من استعمال الفقهاء لهذين اللّفظين أنّ المراد بهما التّنازل عن حقّ من مثل وظيفة لها راتب من وقف ونحوه .أو التّنازل عن الخل ّو من مالكه لغيره بعوض ،فهو بيع للمنفعة ل أنّه خصّ باسم الفراغ تمييزًا له عن البيع الّذي ينصرف عنه الطلق إلى بيع المذكورة ،إ ّ ن مالكه ل يملك رقبة الرض بل يملك حقّ التّمسّك بالعقار الرّقبة ،ولعلّه إنّما سمّي فراغا ل ّ أو بعض المنفعة .وقد وقع بهذا المعنى في كلم الشّيخ عليش . ن الفراغ الخلء ،والفراغ الخلء ،فالمتنازل يفرّغ المحلّ من حقّه ووجه التّسمية بذلك أ ّ ليكون الحقّ لغيره . ج -الجدك أو الكدك : - 4أ -أكثر ما يطلق على ما يضعه في الحانوت مستأجر من العيان المملوكة له المتّصلة بمبنى الحانوت اتّصال قرار ،أي " وضع ل ليفصل " كالبناء ،وسمّي هذا النّوع في بعض الفتاوى بالسّكنى . ب -ويطلق على ما يوضع في الحانوت متّصلً ل على سبيل القرار ،وذلك كالرّفوف الّتي تركّب في الحانوت لوضع عدّة الحلّاق مثلً فإنّها متّصلة ل على وجه القرار . ت -ويطلق على المنفعة المقابلة للدّراهم الّتي يدفعها صاحبها إلى المالك أو ناظر الوقف لتستعمل في مرمّة الوقف أو بناء الرض الموقوفة عند عدم وجود ما يرمّ به أو يبنى ، ويشترط دافعها أن تكون له حقّ القرار في المحلّ المستأجر وجزء من المنفعة وهي الّتي سبق تسميتها بالخلوّ .
ث -ويطلق على العيان الّتي توضع للستعمال في الحانوت دون اتّصال أصلً كالبكارج والفناجين بالنّسبة للمقاهي ،والفوط بالنّسبة للحمّام . ن صاحب الخل ّو يملك جزءا من منفعة الوقف ول يملك والفرق بين الجدك وبين الخلوّ ،أ ّ العيان الّتي أقيمت في حوانيت الوقف بمال المستأجر فإنّها قد أقيمت فيه على أنّها وقف ، أمّا الجدك فهو أعيان مملوكة لمستأجر الحانوت . د -الكردار : - 5هو ما يحدثه المزارع والمستأجر في الراضي الموقوفة من بناء أو غراس أو كبس بالتّراب بإذن الواقف أو النّاظر فتبقى في يده والمراد بكبس التّراب ما ينقله من التّراب إلى تلك الرض لصلحها إذا أتى به من خارجها فالكردار أعيان مملوكة للمستأجر في الرض الزّراعيّة . هـ -المُرصَد : - 6هو أن يستأجر رجل عقار الوقف من دار أو حانوت مثلً ويأذن له المتولّي بعمارته أو مرمّته الضّروريّة من ماله عند عدم مال حاصل في الوقف ،وعدم من يستأجره بأجرة معجّلة يمكن تعميره أو مرمّته بها ،فيعمّره المستأجر من ماله على قصد الرّجوع بذلك في ل سنة أو شهر مثلً ،وهذه العمارة مال الوقف عند حصوله أو اقتطاعه من الجر في ك ّ ليست ملكًا للمستأجر بل هي وقف ،فل تباع ول يصحّ بيع المستأجر لذلك الدّين ،لنّ الدّين ل يجوز بيعه .ولكن إذا أراد المستأجر الخروج من ال ّدكّان يجوز له قبض دينه من المستأجر الجديد ويصير ذلك له كما كان للمستأجر السّابق . والمرصد هو ذلك الدّين المستقرّ على الوقف بهذه الصّفة . ن صاحب الخلوّ يكون حقّه ملكا في منفعة الوقف ،وصاحب فالفرق بينه وبين الخلوّ أ ّ المرصد يكون له دين معلوم على الوقف . و -مشدّ المسكة : - 7مشدّ المسكة اصطلح للحنفيّة المتأخّرين يقصدون به استحقاق الزّراعة في أرض الغير ،وهو من المسكة لغةً وهي ما يتمسّك به ،قال ابن عابدين :فكأنّ المسلم للرض " أي الرض المملوكة لبيت المال غالبا " المأذون له من صاحبها في الحرث صار له مسكة يتمسّك بها في الحرث فيها .قال :وحكمها أنّها ل تقوم ،فل تملك ول تباع ول تورث .
حقيقة ملك الخلوّ عند من قال به : ي من المالكيّة :اعلم أنّ الخلوّ من ملك المنفعة ل من ملك النتفاع إذ مالك - 8قال العدو ّ النتفاع ينتفع بنفسه ول يؤجّر ول يهب ول يعير .ومالك المنفعة له تلك الثّلثة مع انتفاعه
بنفسه .قال :والفرق بينهما أنّ مالك النتفاع يقصد ذاته مع وصفه ،كإمام وخطيب ومدرّس وقف عليه بالوصف المذكور ،بخلف مالك المنفعة . ن من ملك النتفاع وأراد أن ينتفع غيره به ،فإنّه يسقط حقّه منه ويأخذه الغير على أنّه ثمّ إ ّ أهله حيث كان من أهله ،والخلوّ من ملك المنفعة فلذلك يورث . وصرّح البهوتيّ من الحنابلة كذلك بأنّ الخلوّ المشترى بالمال يكون من باب ملك المنفعة .
أحكام الخلوّ : - 9تنقسم العقارات من حيث اختلف أحكام الخل ّو فيها إلى ثلثة أقسام : أ -عقارات الوقاف . ب -الراضي الميريّة -أراضي بيت المال . - ج -العقارات المملوكة ملكا خاصّا .ويقسّم البحث إلى ثلثة أقسام تبعا لذلك .
القسم الوّل :الخلوّ في عقارات الوقاف :
أحوال نشوء الخلوّ في عقارات الوقاف :
ينشأ الخلوّ في عقارات الوقاف في أحوال منها : - 10الحالة الولى :أن ينشأ باتّفاق بين الواقف أو النّاظر وبين المستأجر . وهذه الحال لم نجد في كلم الشّافعيّة تعرّضا لها ،وقد قال بها متأخّرو المالكيّة وبعض متأخّري الحنابلة ونقلها عن المالكيّة متأخّرو الحنفيّة . قال العدويّ من المالكيّة :اعلم أنّ الخل ّو يصوّر بصور منها : ل للخراب ،فيؤجّره ناظر الوقف لمن يعمّره - 11الصّورة الولى :أن يكون الوقف آي ً بحيث يصير الحانوت مثلً يكرى بثلثين دينارا في السّنة ،ويجعل عليه لجهة الوصف خمسة عشر ،فتصير المنفعة مشترك ًة بين المكتري وبين جهة الوقف .وما قابل الدّراهم المصروفة في التّعمير هو الخل ّو . قال :وشرط جوازه أن ل يوجد للوقف ريع يعمّر به الوقف . - 12الصّورة الثّانية :أن يكون لمسجد مثلً حوانيت موقوفة عليه ،واحتاج المسجد للتّكميل أو العمارة ،ول يكون الرّيع كافيا للتّكميل أو العمارة ،فيعمد النّاظر إلى مكتري الحوانيت فيأخذ منه قدرا من المال يعمّر به المسجد ،وينقص عنه من أجرة الحوانيت مقابل ذلك ،بأن ل سنة ، تكون الجرة في الصل ثلثين دينارا في كلّ سنة ،فيجعلها خمسة عشر فقط في ك ّ وتكون منفعة الحوانيت المذكورة شرك ًة بين ذلك المكتري وبين جهة الوقف ،وما كان منها لذلك المكتري هو الخلوّ ،والشّركة بحسب ما يتّفق عليه صاحب الخلوّ وناظر الوقف على وجه المصلحة .
- 13الصّورة الثّالثة :أن تكون أرض موقوفة ولم يكن هناك ريع تعمّر به وتعطّلت بالكّليّة على ما ذكره الدّردير فيستأجرها من النّاظر ويبني فيها أي للوقف ،دارا مثلً على أنّ عليه ن الدّار بعد بنائها تكرى بستّين درهما . ل شهر ثلثين درهما ،ولك ّ لجهة الوقف في ك ّ فالمنفعة الّتي تقابل الثّلثين الخرى يقال لها الخل ّو . قال الشّيخ عليش في الصّورة الثّالثة :هذا الّذي أفتى به علماؤنا ووقع العمل به من غير نزاع .قال :ويجب تقييد هذا بما إذا بيّن الملكيّة " أي ثبت بالبيّنة على أنّه ينوي أنّه يملك ما يقابل البناء أو الغرس وهو حقّ الخل ّو وأنّه لم يبنه متبرّعا به للوقف " قال :أمّا إن بيّن التّحبيس ،أو لم يبيّن شيئا فالبناء والغرس وقف على المشهور ،ل حقّ فيهما لورثة الباني ن المحبس عليه إنّما بنى للوقف ،وملكه فهو محوز بحوز الصل . والغارس ،ل ّ وهذه الصّورة هي في حال بناء الموقوف عليه ونحوه أو غرسه في الرض الموقوفة ،أمّا لو بنى الجنبيّ في الوقف شيئا فإنّه يكون ملكا ،والغرس كالبناء ،وإذا كان ملكا فله نقضه أو قيمته منقوضا إن كان في الوقف ما يدفع منه ذلك ،هذا إن كان ما بناه ل يحتاج إليه ل فيوفّى ثمنه من الغلّة قطعا ،بمنزلة ما إذا بناه النّاظر . الوقف ،وإ ّ - 14الصّورة الرّابعة :أن يريد الواقف بناء محلّات للوقف ،فيأتي له أشخاص يدفعون له ل شخص محلّ من تلك المحلّات يسكنها بأجرة معلومة يدفعها كلّ دراهم على أن يكون لك ّ شهر ،فكأنّ الواقف باعهم حصّةً من تلك المحلّات قبل التّحبيس وحبس الباقي ،فليس للواقف ن دافع الدّراهم ل شهر أو كلّ سنة ،وكأ ّ تصرّف في تلك المحلّات ،لكن له الجرة المعلومة ك ّ شريك للواقف بتلك الحصّة . وقال خير الدّين الرّمليّ الحنفيّ في مثل هذه الصّورة الرّابعة " :ربّما بفعله تكثر الوقاف ، ن بعض الملوك عمّر مثل ذلك بأموال ال ّتجّار ،ولم يصرف عليه من ماله وممّا بلغني أ ّ الدّرهم والدّينار ،بل فاز بقربة الوقف ،وفاز ال ّتجّار بالمنفعة ،وكان النّبيّ صلى ال عليه وسلم :يحبّ ما خفّف على أمّته والدّين يسر ول مفسدة في ذلك في الدّين " .ا .هـ - 15صورة خامسة :تضاف إلى الصّور الّتي ذكرها العدويّ :وهي أن يشتري حقّ الخلوّ شرا ًء من النّاظر ولو لمصلحة الموقوف عليهم من غير أن يكون النّفع يحتاج إليه الوقف نفسه ،فظاهر كلم العدويّ نفسه وكلم غيره عدم صحّة ذلك في الوقف كما يأتي في شروط ن قيمته إذا صحّة الخلوّ .ووجهه واللّه أعلم أنّه يكون كبيع جزء من العقار الموقوف ،إذ أ ّ كان محمّلً بحقّ الخلوّ تنقص عن قيمته إذا لم يكن محمّلً بذلك الحقّ ،وجاز في الصّور الربع السّابقة لنّه يكون قد نقص من الوقف ليعيده فيه مع حاجة الوقف إلى ذلك .ولذلك فإنّ الحنابلة لمّا أجازوا بيع الوقف إذا خرب وتعطّل ،قال البهوتيّ :الخلوّات المشهورة
ممكن تخريجها عندنا من هذه المسألة -أي مسألة بيع الوقف الخرب -مع ما تقدّم من جواز بيع المنفعة مفردةً عن العين كعلوّ بيت يبنى عليه ،إذ العوض فيها مبذول في مقابلة جزء من المنفعة ،فإذا كانت أجرة الدّار عشرين مثلً ،ودفع لجهة الوقف شيئا معلوما على أن يؤخذ منه عشرة فقط فقد اشترى نصف المنفعة وبقي للوقف نصفها ،فيجوز ذلك في الحالة الّتي يجوز فيها بيع الوقف ،بل هذا أولى ،لنّ فيه بقاء عين الوقف في الجملة .ونقل هذا صاحب مطالب أولي النّهى ولم يعترض عليه . وواضح أنّ البهوتيّ ل يرى جواز إنشاء الخلوّ بمال على الطلق ،بل حيث يجوز بيع ح بيع بعض الوقف لصلح الوقف لصلح باقيه ،وحاصل شروط ذلك عند الحنابلة أنّه يص ّ باقيه إذا لم تمكن إجارته وأن يتّحد الواقف والجهة إن كانا عينين فتباع إحداهما لصلح الخرى ،أو كان عينا واحد ًة يمكن بيع بعضها لصلح باقيها . وكذلك صورة ما لو استقرّ في عقار الوقف المدّة الطّويلة ل يعطيه ذلك حقّ الخل ّو ،ول يلزم النّاظر أن يؤجّره له بل له أن يخرجه إن شاء متى انتهت إجارته ،لكن إن كان للمستأجر بناء ونحوه ممّا يسمّى الجدك أو الكردار في الرض فإذا لم يدفع أجرة المثل يؤمر برفعه وإن كان موضوعا بإذن الواقف أو إذن أحد ال ّنظّار . ولو تلقّى المستأجر العقار عن مستأجر قبله بمال فل ينشأ عن ذلك حقّ الخلوّ . قال ابن عابدين :أمّا ما يتمسّك به صاحب الخل ّو من أنّه اشترى خلوّه بمال كثير وأنّه بهذا ن ما أخذه منه العتبار -ينبغي أن -تصير أجرة الوقف شيئا قليلً ،فهو تمسّك باطل ،ل ّ صاحب الخلوّ الوّل لم يحصل منه نفع للوقف ،فيكون الدّافع هو المضيّع لماله ،فكيف يحلّ له ظلم الوقف ،بل يجب عليه دفع أجرة مثله .
الحكم في لزوم الخلوّ في الحال الولى بصورها الربع أو عدم لزومه : - 16الخلوّ الّذي ينشأ للمستأجر مقابل مال يدفعه إلى ناظر الوقف اعتبره الحنفيّة نوعا من بيع الحقوق المجرّدة ،والحقوق المجرّدة كحقّ الشّفعة والوظائف في الوقاف من إمامة وخطابة وتدريس في جواز النّزول عنها بمال قولن عند الحنفيّة مبنيّان على اعتبار العرف الخاصّ أو عدم اعتباره .فمن قال بعدم اعتباره ،وعليه المذهب عند الحنفيّة ،قال ل يجوز بيع الحقوق المجرّدة ومنها الخلوّ .قال الشّهيد :ل نأخذ باستحسان مشايخ بلخ بل نأخذ بقول ل على الجواز ما لم يكن على الستمرار من أصحابنا المتقدّمين لنّ التّعامل في بلد ل يد ّ الصّدر الوّل ،فيكون ذلك دليلً على تقرير النّبيّ صلى ال عليه وسلم إيّاهم على ذلك فيكون شرعا منه ،فإذا لم يكن كذلك ل يكون فعلهم حجّ ًة إلّ إذا كان من النّاس كافّ ًة في البلدان فيكون إجماعا .وليس كذلك شأن الخل ّو .ا .هـ .
قال الشرنبللي وأقرّه ابن عابدين :ولنّه يلزم من عدم إخراج صاحب الحانوت لصاحب الخل ّو حجر الحرّ المكلّف عن ملكه وإتلف ماله .وفي منع النّاظر من إخراجه تفويت نفع الوقف وتعطيل ما شرطه الواقف من إقامة شعائر مسجد ونحوه . وقال الحصكفيّ :لكن أفتى كثيرون باعتبار العرف الخاصّ ،وبناءً عليه يفتى بجواز النّزول عن الوظائف بمال ،وبلزوم خل ّو الحوانيت ،فيصير الخلوّ في الحانوت حقّا له ،فليس لربّ الحانوت إخراجه منها ول إجارته لغيره ،قال :وقد وقع في حوانيت الجملون في الغوريّة ن السّلطان الغوريّ لمّا بناها أسكنها لل ّتجّار بالخل ّو ،وجعل لكلّ حانوت قدرا أخذه منهم ، أّ وكتب ذلك بمكتوب الوقف . ونازع بعضهم في بناء الخلف في ذلك على القولين في العرف الخاصّ . وقد مال الحمويّ إلى عدم إثبات الخل ّو وعدم صحّة بيعه ونقله عن شيخه وأنّه ألّف في ذلك رسال ًة سمّاها " مفيدة الحسنى في منع ظنّ الخل ّو بالسّكنى " . قال ابن عابدين :وممّن أفتى بلزوم الخل ّو الّذي يكون مقابل مال يدفعه للمالك أو متولّي الوقف العلّامة المحقّق عبد الرّحمن العماديّ قال :فل يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ول إجارتها لغيره ما لم يدفع له المبلغ المرقوم ،فيفتى بجواز ذلك للضّرورة قياسا على بيع الوفاء الّذي تعارفه المتأخّرون .ا .هـ ي ما يفيد أنّ الخلف في هذه المسألة معتبر يعني خلف وفي الفتاوى الخيريّة للرّمليّ الحنف ّ الّذي أفتى به من المالكيّة ،وهو الشّيخ ناصر اللّقانيّ ومن تابعه كما يأتي بيانه ،قال :فيقع اليقين بارتفاع الخلف بالحكم -أي حكم القاضي -حيث استوفى شرائطه من مالكيّ يراه ، أو غيره ،فيصحّ الحكم ويرتفع الخلف ،خصوصا فيما للنّاس إليه ضرورة ول سيّما في المدن المشهورة كمصر ومدينة الملك -يعني استانبول -فإنّهم يتعاطونه ولهم فيه نفع كّليّ يضرّ بهم نقصه وإعدامه .هذا ما ذكره الحنفيّة . أمّا المالكيّة فإنّ أوّل فتيا منقولة عندهم هي ما أفتى به الشّيخ ناصر الدّين اللّقانيّ في إنشاء الخل ّو وتملّكه وجريان الرث فيه ،ونصّها ما أورده الشّيخ عليش كما يلي :سئل العلّامة النّاصر اللّقانيّ بما نصّه :ما تقول السّادة العلماء أئمّة الدّين رضي ال عنهم أجمعين في خلوّات الحوانيت الّتي صارت عرفًا بين النّاس في هذه البلدة وغيرها ،وبذلت النّاس في ذلك مالً كثيرا حتّى وصل الحانوت في بعض السواق أربعمائة دينار ذهبا فهل إذا مات شخص ل بما عليه النّاس أم ل ،وهل إذا مات من ل وله وارث شرعيّ يستحقّ خلوّ حانوته عم ً وارث له يستحقّ ذلك بيت المال أم ل ،وهل إذا مات شخص وعليه دين ولم يخلّف ما يفي بدينه يوفّى ذلك من خل ّو حانوته ؟ أفتونا مأجورين .
فأجاب بما نصّه :الحمد للّه ربّ العالمين :نعم إذا مات شخص وله وارث شرعيّ يستحقّ خلوّ حانوته عملً بما عليه النّاس ،وإذا مات من ل وارث له يستحقّ ذلك بيت المال ،وإذا مات شخص وعليه دين ولم يخلّف ما يفي بدينه فإنّه يوفّى من خلوّ حانوته .واللّه سبحانه وتعالى أعلم بالصّواب كتبه النّاصر اللّقانيّ المالكيّ حامدا مصلّيا مسلما . وأوردها الزّرقانيّ ونقل أنّ التّعويل في هذه المسألة على هذه الفتيا . ي من الحنفيّة :ليس فيها نصّ عن مالك وأصحابه ،والتّعويل فيها على فتوى وقال الحمو ّ اللّقانيّ والقبول الّذي حظيت به وجرى عليه العمل . ن فتوى النّاصر اللّقانيّ مخرّجة على النّصوص ،وقد أجمع ي من المالكيّة :إ ّ وقال الغرقاو ّ على العمل بها واشتهرت في المشارق والمغارب وانحطّ العمل عليها ووافقه عليها من هو مقدّم عليه كأخيه الشّيخ شمس الدّين محمّد اللّقانيّ حقّ مالك الخلوّ في الستمرار في العقار إن كان مقابل مال " أي في الحال الولى " : - 17حيث جرى العرف عند إنشاء الخل ّو على استمرار حقّ صاحبه يحمل عليه عند الطلق ،قال العدويّ :جرى العرف عندنا بمصر أنّ الحكار مستمرّة للبد ،وإن عيّن فيها وقت الجارة مدّ ًة ،فهم ل يقصدون خصوص تلك المدّة ،والعرف عندنا كالشّرط ،فمن احتكر أرضا مدّ ًة ومضت فله أن يبقى وليس للمتولّي أمر الوقف إخراجه ،نعم إن حصل ما يدلّ على قصد الخراج بعد المدّة وأنّها ليست على البد فإنّه يعمل بذلك . ن ضرب الجل يصير ل فائدة فيه ،إلّ أن يقال :ضربه لكن قال الشّيخ عليش :يردّ عليه أ ّ في مقابلة المقبوض ومعه تأبيد الحكر ،فتكون الدّراهم عجّلت في نظير شيئين :الجل المضروب ،والتّأبيد بالحكر ،وينظر في ذلك . ح هذه المسألة إن كانت تلك البلد قد جرى فيها ذلك العرف ،فيقوم مقام الشّرط ، وإنّما تص ّ ل فل ،قال الدّسوقيّ :يجوز استئجار شيء مؤجّر مدّ ًة تلي مدّة الجارة الولى للمستأجر وإ ّ نفسه أو لغيره ،ما لم يجر عرف بعدم إيجارها إلّ للوّل ،كالحكار بمصر ،وإلّ عمل به ،لنّ العرف كالشّرط ،وصورة ذلك إذا استأجر إنسان دارا موقوفةً مدّ ًة معيّنةً وأذن له النّاظر بالبناء فيها ليكون له خلوّا وجعل له حكرا كلّ سنة لجهة الوقف فليس للنّاظر أن يؤاجرها لغير مستأجرها مدّة إيجار الوّل لجريان العرف بأنّه ل يستأجرها إلّ الوّل ، والعرف كالشّرط ،فكأنّه اشترط عليه ذلك في صلب العقد . وقد بيّن الدّسوقيّ أنّ استحقاق مالك الخل ّو في استئجار عقار الوقف لمدّة لحقة ل يصحّ إلّ إن ل جاز إيجارها للغير . كان يدفع من الجر مثل ما يدفع غيره وإ ّ
ل كانت وقال مثل ذلك ابن عابدين قال :وهو مقيّد أيضا بما قلناه من أن يدفع أجر المثل ،وإ ّ سكناه بمقابلة ما دفعه من الدّراهم عين الرّبا ،كما قالوا فيمن دفع للمقرض دارا ليسكنها إلى أن يستوفي قرضه :يلزمه أجرة مثل الدّار . وقد بيّن الزّرقانيّ أنّ الستمرار في المأجور هو الفائدة في الخل ّو إذ هو الفرق بينه وبين الجارة المعتادة ،قال " :المستأجر مالك المنفعة فما معنى الخل ّو وما فائدته ،إلّ أن يقال في فائدته إنّه ليس لمن له التّصرّف في المنفعة الّتي استأجرها سواء كان مالكًا أو ناظرًا أن يخرجها عنه ،وإن كانت الجارة مشاهرةً ،فتأمّله " ن مستند المالكيّة في إثبات حقّ الستمرار إنّما هو المصلحة قال :وقعت وفي حاشية البنانيّ أ ّ الفتوى من شيوخ فاس المتأخّرين كالشّيخ القصّار ،وابن عاشر ،وأبي زيد الفاسيّ وعبد القادر الفاسيّ ،وأضرابهم بمثل فتوى النّاصر اللّقانيّ وأخيه شمس الدّين جرى العرف بها لما فيها من المصلحة فهي عندهم كراء على التّبقية .
مقدار الجرة " الحكر " الّتي يدفعها صاحب الخلوّ : ل بالقدر ن الوقف إنّما يؤجّر بأجر المثل ول يجوز أن ينقص عن أجر المثل إ ّ - 18ل يخفى أ ّ الّذي يتغابن النّاس به عادةً ،والمشهور عند الحنفيّة والمالكيّة أنّه ل تؤجّر دار الوقف أو دكّانه لكثر من سنة ،وأرض الوقف أكثر من ثلث سنين ،وفي ذلك خلف وتفصيل ينظر في مباحث الجارة . قال الحنفيّة :إن زادت أجرة المثل في أثناء المدّة زيادةً معتبرةً وجب فسخ العقد وإجارته بأجر المثل ما لم يقبل المستأجر الزّيادة .أمّا إذا انتهت المدّة فللنّاظر إجارته للمستأجر الوّل بأجر المثل أو إخراجه عنه وإجارته لغيره بأجر المثل . قال الرّمليّ الحنفيّ :وهي مسألة إجماعيّة " عند الحنفيّة " ،وهذا ما لم يكن له في المكان خل ّو صحيح ،أو له فيه حقّ القرار كما يأتي فل يملك إخراجه . فإن كان للمستأجر حقّ الخل ّو بمال دفعه للواقف أو النّاظر لمصلحة الوقف طبقًا للصّور والشّروط المتقدّمة فقد بيّن الدّسوقيّ أنّ استحقاق مالك الخل ّو الستئجار لمدّة لحقة ل يصحّ إلّ إن كان يدفع من الجر مثل ما يدفع غيره ،وإلّ جاز إيجاره للغير . والمراد مثل إيجار المكان خاليا عن الضافة الّتي قابلت المال المدفوع إلى الواقف . قال ابن عابدين :لو لم يلزم صاحب الخل ّو أجرة المثل للمستحقّين يلزم ضياع حقّهم . اللّهمّ إلّ أن يكون ما قبضه المتولّي صرفه في عمارة الوقف حيث تعيّن ذلك طريقا إلى عمارته ولم يوجد من يستأجره بأجرة المثل مع دفع ذلك المبلغ اللّازم للعمارة .
وطريق معرفة أجر المثل أن ننظر إلى ما دفعه صاحب الخلوّ للواقف أو المتولّي على الوجه الّذي ذكرناه وإلى ما ينفقه في مرمّة ال ّدكّان ونحوها ،فإذا كان النّاس يرغبون في دفع جميع ذلك إلى صاحب الخل ّو ومع ذلك يستأجرون ال ّدكّان بمائة مثلً فالمائة هي أجرة المثل ،ول ينظر إلى ما دفعه هو لصاحب الخل ّو السّابق من مال كثير طمعا في أنّ أجرة هذا ال ّدكّان عشرة مثلً ،لنّ ما دفعه من مال كثير لم يرجع منه نفع للوقف أصلً بل هو محض ضرر بالوقف حيث لزم منه استئجار ال ّدكّان بدون أجرتها بغبن فاحش .وإنّما ينظر إلى ما يعود نفعه للوقف فقط .
الشّروط الّتي يثبت بها ملك الخلوّ في عقار الوقف عند المالكيّة : - 19قال الجهوريّ :يشترط لصحّة الخلوّ أن تكون الدّراهم المدفوعة " أي من السّاكن الوّل " عائد ًة على جهة الوقف يصرفها في مصالحه . قال :فما يفعل الن من أخذ النّاظر الدّراهم ممّن يريد الخل ّو ،ويصرفها في مصالح نفسه ويجعل لدافعها خلوّا في الوقف فهذا الخلوّ غير صحيح ويرجع دافع الدّراهم بها على النّاظر. قال :ومن الشّروط أن ل يكون للوقف ريع يعمّر منه ،فإن كان له ريع يعمّر به مثل أوقاف ح فيه خل ّو ،ويرجع دافع الدّراهم بها على الملوك الكثيرة فيصرف عليها منه ،ول يص ّ النّاظر .لنّه ينزع منه على شرط لم يتمّ ،لظهور عدم صحّة خلوّه . ومنها ثبوت الصّرف في منافع الوقف بالوجه الشّرعيّ ،فلو صدّقه النّاظر على الصّرف من ن النّاظر ل يقبل قوله في غير ثبوت ،ول ظهور عمارة إن كانت هي المنفعة ،لم يعتبر ل ّ مصرف الوقف .
بيع صاحب الخلوّ خلوّه وتصرّفه فيه :
- 20إذا أنشأ المستأجر خلوّه بمال دفعه إلى ناظر الوقف بشروطه المبيّنة سابقا صار الخلوّ ملكا له ،وأصبح من حقّه التّصرّف فيه بالبيع ،والجارة ،والرّهن ،والهبة ،والعاريّة ، والوصيّة وغير ذلك ،وهذا صريح في كلم من ذكر المسألة من المالكيّة .وواضح أنّه إذا باع صاحب الخلوّ خلوّه بعد أن ملكه بالوجه الصّحيح أو وهبه أو أوصى به فلمن صار إليه الخل ّو من التّصرّفات ما كان لمن قبله . وصرّح البهوتيّ من الحنابلة بأنّه يرى أنّ لخلوّات إذا اشتريت بالمال من المالك تكون مملوكةً ح إجارة الخلوّ لمشتريها مشاعا لنّه يكون قد اشترى نصف المنفعة مثلً وعلى هذا ل تص ّ ح بيعه وهبته ووفاء الدّين منه . ويص ّ أمّا عند الحنفيّة فلم نجد التّصريح عندهم فيما اطّلعنا عليه بجواز بيع الخلوّ لكن صرّح بعضهم بأنّه لو حكم به قاض يراه من مالكيّ أو غيره جاز .
قال ابن عابدين :لو أخرج النّاظر المستأجر من المكان أو آجره لغيره ففي فتوى العماديّ ليس له ذلك ما لم يدفع له المبلغ المرقوم .
شفعة صاحب الخلوّ : - 21من صور ذلك ما ذكره العدويّ أنّه إذا استأجر جماعة من ناظر الوقف أرضا بثلثين ن الدّار تكرى بستّين ،فحقّهم يقال له الخل ّو ،فلو دينارا في كلّ عام مثلً وبنوا عليها دارا ولك ّ باع أحدهم حصّته في البناء فلشركائه الخذ بالشّفعة . ومن صوره ما ذكره محمّد أبو السّعود من الحنفيّة في حاشيته على الشباه والنّظائر من أنّ من له خل ّو في أرض محتكرة وكان خلوّه عبار ًة عن غراس أو بناء فإنّه يجري فيه حقّ الشّفعة ،لنّه لمّا اتّصل بالرض اتّصال قرار التحق بالعقار . ولكن قال ابن عابدين :هذا سهو ظاهر لمخالفته المنصوص في كتب المذهب أي من أنّ الوقف ل شفعة له ول شفعة فيه .
وقف الخلوّ :
- 22رجّح جمهور متأخّري المالكيّة القول بأنّ الخلوّ يجوز وقفه ،فإنّ منفعة العقار الموقوف بعضها موقوف وبعضها غير موقوف ،وهذا البعض الثّاني هو الخل ّو ،فيجوز أن يتعلّق به الوقف .وبمثله قال الرّحيبانيّ من الحنابلة :إذا جرت العادة به خرّجه من قول أحمد بصحّة وقف الماء إن كانوا قد اعتادوه .ثمّ قال :وهذا ما ظهر لي ولم أجده مسطورا، ن القياس ل يأباه وليس في كلمهم ما يخالفه . لك ّ قال العدويّ :على أنّه إن كان الخلوّ لكتابيّ في وقف مسجد فإنّه يمنع من وقفه على كنيسة مثلً . والرّأي الخر لدى كلّ من المالكيّة والحنابلة وصرّح به الشّروانيّ من الشّافعيّة ،أنّ الخلوّات ل يجوز وقفها ،لنّها منفعة وقف ،وما تعلّق الوقف به ل يوقف . وقد قال بذلك أحمد السّنهوريّ وعليّ الجهوريّ ،قال الجهوريّ :مح ّل صحّة وقف المنفعة ح وقف إن لم تكن منفعة حبس ،لتعلّق الحبس بها ،وما تعلّق به الحبس ل يحبس ،ولو ص ّ ن كلّ ذات منفعة الوقف لصحّ وقف الوقف ،واللّازم باطل شرعا وعقلً ،ومن المعلوم أ ّ ن ذاتها مملوكة للواقف .قال :وبهذا تعلم بطلن تحبيس وقفت إنّما يتعلّق الوقف بمنفعتها وأ ّ الخلوّ .ووافق الجهوريّ على فتياه هذه الشّيخ عبد الباقي ،ثمّ لمّا روجع بفتوى اللّقانيّ بجواز بيعها وإرثها أفتى بجواز وقفها قال الشّيخ عليش :والعمل على الفتوى بجواز وقف الخل ّو ،وبه جرى العمل في الدّيار المصريّة ولم يخالف الجهوريّ في سائر التّصرّفات، كالبيع ،والجارة ،والعارة والرّهن .
أمّا الحنفيّة فلم نجد لهم تعرّضا لمسألة وقف منفعة الخلوّ .ولكنّهم يتعرّضون لمسألة وقف ما بناه المستأجر في الرض المحتكرة أو غرسه فيها .ممّا هو مملوك للمستأجر . والصل عند الحنفيّة أنّه ل يجوز وقف البناء بدون الرض ،سواء أكانت الرض مملوكةً أو موقوف ًة على جهة أخرى .قال ابن عابدين :أفتى بذلك العلّامة قاسم ،وعزاه إلى محمّد بن الحسن ،وإلى هلل والخصّاف ،وعلّله بعضهم بأنّه غير متعارف ،قال ابن عابدين :فحيث تعورف وقفه جاز .وقال ابن الشّحنة :إنّ النّاس منذ زمن قديم نحو مائتي سنة على جوازه ،والحكام به من القضاة العلماء متواترة ،والعرف جار به ،فل ينبغي أن يتوقّف فيه ا .هـ .وأمّا إذا وقفه على الجهة الّتي كانت البقعة وقفا عليها جاز اتّفاقا تبعا للبقعة ، ن شرط الوقف وحرّر صاحب البحر الرّائق القول الوّل ووافقه ابن عابدين .قال :ل ّ التّأبيد ،والرض إذا كانت ملكا لغيره فللمالك استردادها وأمره بنقض البناء ،وكذا لو كانت ملكا للواقف ،فإنّ لورثته بعده ذلك ،فل يكون الوقف مؤبّدا .قال :فينبغي أن يستثنى من ن البناء يبقى فيها كما إذا كان وقف البناء على ذلك ما إذا كانت الرض معدّةً للحتكار ،ل ّ جهة وقف الرض فإنّه ل مطالب لنقضه ،والظّاهر أنّ هذا وجه جواز وقفه إذا كان متعارفا ن ابن نجيم سئل عن البناء والغراس في الرض المحتكرة ،هل يجوز .ونقل صاحب ال ّدرّ أ ّ بيعه ووقفه ؟ فأجاب :نعم .قال ابن عابدين :ووقف الشّجر كوقف البناء .أمّا مجرّد الكبس ح وقفه ،ونقل عن السعاف في أحكام بالتّراب أي ونحوه ممّا هو مستهلك كالسّماد فل يص ّ الوقاف أنّه ل يجوز وقف ما بني في الرض المستأجرة ما لم تكن متقرّر ًة للحتكار .وما يسمّى الكدك أو الجدك في حوانيت الوقف ونحوها من رفوف مركّبة في الحانوت على وجه القرار ،فالظّاهر أنّه ل يجوز وقفه لعدم العرف الشّائع بخلف وقف البناء والشّجر .
إرث الخلوّات : - 23الّذين قالوا من المالكيّة والحنفيّة والحنابلة إنّ الخل ّو يملك ويباع ويرهن ذهبوا كذلك إلى أنّه يورث ،وقد تقدّم ذكر فتيا اللّقانيّ في ذلك وذكر من وافقوه عليها ( .ف . ) 16/ول يخفى أنّ الخل ّو في الوقاف عند من أفتى بأنّه يملك ،يورث على فرائض اللّه تعالى .
تكاليف الصلحات :
- 24على صاحب الخل ّو أو أصحابه ما يقومون به من الصلحات ،وقد يكون ذلك عليهم على قدر ملكهم فيه ،وليس على ناظر الوقف منه شيء ،كما لو اشتركوا في بناء في أرض وقف اكتروه من ناظره لذلك ،وقد يكون عليهم وعلى النّاظر بالنّسبة ،كما لو عمّر المستأجر من ماله حانوت الوقف إذا تخرّب على أن يكون له خلوّا .
الحالة الثّانية من أحوال نشوء حقّ الخلوّ في عقارات الوقاف :
- 25أن يكون للمستأجر في عقار الوقف حقّ القرار بسبب ما ينشئه في أرض الوقف إذا أنشأه بإذن النّاظر لجل أن يكون ملكا له ،وخلوّا ينتفع به ،من بناء أو غراس أو كبس بالتّراب وهو المسمّى عند الحنفيّة ( الكردار ) أو ما ينشئه كذلك في مبنى الوقف ،من بناء أو نحوه متّصل اتّصال قرار ،وهو المسمّى عندهم ( الجدك ) قال صاحب الفتاوى الخيريّة : ن لصاحب الكردار حقّ القرار ،فتبقى في يده .ونقل ذلك عن القنية صرّح علماؤنا بأ ّ والزّاهديّ ،قال الزّاهديّ :استأجر أرضا وقفا وغرس فيها أو بنى ثمّ مضت مدّة الجارة فللمستأجر أن يستبقيها بأجر المثل ،إذا لم يكن في ذلك ضرر ،ولو أبى الموقوف عليهم إلّ القلع ليس لهم ذلك .ا .هـ . لكن لو كان في البقاء ضرر لم يجب الستبقاء كما لو كان المستأجر أو وارثه مفلّسا ،أو سيّئ المعاملة ،أو متغلّبا يخشى منه أو نحو ذلك ،قال الرّمليّ :أصل ذلك في أوقاف الخصّاف حيث قال " :حانوت أصله وقف وعمارته لرجل ،وهو ل يرضى أن يستأجر الرض بأجر المثل " ،قالوا " :إن كانت العمارة بحيث لو رفعت يستأجر الصل بأكثر ممّا يستأجر صاحب البناء كلّف رفعه ويؤجّر من غيره ،ول يترك في يده بذلك الجر " . ن الصل في الجارة أنّه إذا انتهت المدّة فالنّاظر بالخيار بين أن يجدّد عقد ول يخفى أ ّ الجارة للمستأجر الوّل أو ل يجدّده بل تنتهي الجارة ،وله أن يؤجّر لغير المستأجر الوّل . ن استبقاء الرض الوقفيّة المؤجّرة عند من أفتى به إن قال الرّمليّ :وهي مسألة إجماعيّة .لك ّ ي دفعا للضّرر عن المستأجر ،ل بنى عليها مستأجرها على الصّفة المذكورة وجهه أنّه أولو ّ سيّما مع ما ابتلي به النّاس كثيرا . ل من أفتى بثبوت هذا الحقّ أن ل تجدّد الجارة بأقلّ من أجرة ويشترط في هذه الحالة عند ك ّ ن حقّ الستبقاء للمستأجر إنّما ثبت له دفعا للضّرر عنه المثل منعا للضّرر عن الوقف ،كما أ ّ لو طولب برفع جدكة أو كردارة . قال ابن عابدين أنّه يجوز إيجار الوقف بأجرة المثل ،فلو زاد أجره على أجر المثل أثناء ح أنّه يجب تجديد العقد بالجرة الزّائدة ،وقبول المستأجر الزّيادة المدّة زيادةً فاحشةً ،فالص ّ يكفي عن تجديد العقد . والمراد أن تزيد أجرة الوقف في نفسه لزيادة الرّغبة ،ل زيادة متعنّت ،ول بما يزيد بعمارة المستأجر .فإن قبل المستأجر بالزّيادة فهو أولى من غيره ،لنّه يزول المسوّغ للفسخ فل يكون له داع .فإن لم يقبل المستأجر اللتزام بالزّيادة فللمتولّي فسخ الجارة ،فإن امتنع فسخها القاضي ،ويؤجّرها المتولّي من غيره .
وهذا إن زادت أجرة المثل في أثناء مدّة العقد ،فبعد انتهائها أولى . ق القرار عند من أفتى به من الحنفيّة أن يكون ما صنعه المستأجر من هذا ويشترط لثبوت ح ّ وضع غراسه ،أو بنائه ،أو جدكة بإذن النّاظر ليكون للمستأجر ملكا وخلوّا ،فإن وضعه دون إذن فل عبرة به ،ول يجب تجديد الجارة له . ل الجارة جدك ول كردار فل يكون له فيه حقّ القرار فل أمّا المستأجر إذا لم يكن له في مح ّ يكون أحقّ بالستئجار بعد انقضاء مدّة استئجاره ،سواء أزادت أجرة المثل أم ل ،وسواء قبل الزّيادة أم ل ،قال ابن عابدين :ومن أفتى بأنّه إنّ قبل الزّيادة العارضة يكون أولى من غيره ،فذلك مخالف لما أطبقت عليه كتب المذهب من متون ،وشروح ،وحواش ،وفيه ن بقاء أرض الوقف بيد مستأجر واحد المدّة الطّويلة يؤدّي الفساد وضياع الوقاف ،حيث إ ّ به إلى دعوى تملّكها ،مع أنّهم منعوا من تطويل الجارة في الوقف خوفًا من ذلك .ا .هـ إذ المشهور عند الحنفيّة أنّ الوقف ل يؤجّر أكثر من سنة للبناء ،وثلث سنين للرض .ولو ق القرار في عقار وقف بسبب كرداره ،ثمّ زال ذلك الكردار زال حقّه في كان لنسان ح ّ القرار .قال الرّمليّ :في أرض فنيت أشجارها ،وذهب كردارها ويريد محتكرها أن تستمرّ تحت يده بالحكر السّابق وهو دون أجرة المثل :قال :ل يحكم له بذلك ،بل النّاظر يتصرّف بما فيه الحظّ لجانب الوقف من دفعها بطريق المزارعة ،أو إجارتها بالدّراهم والدّنانير ، والحكر ل يوجب للمستحكر استبقاء الرض في يده أبدا على ما يريد ويشتهي . ن هذا الجدك المتّصل اتّصال قرار الموضوع على الوجه المبين قال ثمّ قد نقل ابن عابدين أ ّ فيه أبو السّعود :إنّه يصدق عليه أنّه خل ّو واستظهر أنّه كالخل ّو ،ويحكم له بحكمه بجامع ل منهما . العرف في ك ّ ن الحقّ المذكور ل يثبت إلّ إذا بنى المستأجر فعلً ، ومثل ذلك في الفتاوى المهديّة وقال :إ ّ أو غرس فعلً ،فلو مات قبل أن يبني أو يغرس انفسخت الجارة وفات الورثة ذلك الحقّ .
بيع الخلوّ الثّابت على الصّفة المبيّنة : - 26إذا ثبت حقّ القرار للمستأجر في أرض الوقف ،أو حوانيته على الصّفة المبيّنة سابقا ووضع أبنيةً أو جدكا ثابتا ،أو أشجارا في أرض الوقف ،فإنّ ما يضعه يكون ملكا له على وجه القرار ،ويكون للمستأجر في أثناء مدّة الجارة أو بعدها بيع ما أحدثه من العيان من غيره ،وينتقل حقّ القرار للمشتري ،ويكون على المشتري مثل أجر الرض خاليةً عمّا أحدثه فيها ،وكذا الحانوت .
أمّا الرض الموقوفة إذا استأجرها على وجه ل يثبت به حقّ القرار كما تقدّم ،أو كان استئجارها على وجه يثبت به حقّ القرار لكن لم يبن فعلً ،أو بنى شيئا ففني وزال فل يباع ذلك الحقّ فيها عند الحنفيّة لنّه مجرّد . ي ليس من قبيل البيع بل وقد تعرّض بعض متأخّري الحنفيّة للفراغ عن ذلك مقابل عوض مال ّ ن ذلك ل يجوز أصلً، ق المجرّد بمال .ففي تنقيح الفتاوى الحامديّة أ ّ من قبيل التّنازل عن الح ّ ونقل في واقعة :حكم بصحّته قاض حنبليّ نفذ لو كان موافقا لمذهب أحمد ،لكن قال إنّه ل ح الفراغ في الوقاف الهليّة ،وأوقاف المساجد ن الفتوى عند الحنابلة أنّه " ل يص ّ ينفذ ل ّ ونحوها ،سواء أذن في ذلك النّاظر أم لم يأذن ،بل للنّاظر إيجارها وصرف أجرتها في جهات الوقف ،ول يصحّ الفراغ إلّ في ما فتح عنوةً ولم يقسم وضرب عليه خراج يؤخذ ممّن هو في يده " . وفي الفتاوى الخيريّة :سئل في أرض وقف دفعها النّاظر لمزارع يزرعها بالحصّة هل يملك المزارع دفعها لمزارع آخر بمال يأخذه لنفسه في مقابلها ،أم ل يجوز له ذلك .فل يصحّ بيعه ول فراغه ،ويرجع المزارع الثّاني على الوّل بما دفعه من مال ؟ فأجاب :أرض الوقف ل يملكها المزارع ول تصرّف له فيها بالفراغ عن منفعتها بمال يدفعه ن انتفاع الوّل بها مجرّد حقّ ،ل يجوز العتياض عنه له مزارع آخر ليزرعها لنفسه ،ل ّ بمال ،فإذا أخذ مالً في مقابلة العتياض عنه يستردّه منه صاحبه شرعا .والوقف محرّم بحرمات اللّه تعالى . ومثل ذلك في الفتاوى المهديّة في أرض الوقف .ونقله عن ابن عابدين في رسالته المسمّاة " تحرير العبارة فيمن هو أحقّ بالجارة " وقال :ل يجوز للمستأجر إسقاط حقّه في أثناء المدّة من أجنبيّ في مقابلة مال يأخذه ،ث ّم يستأجر المسقط له من النّاظر إذ هذا من قبيل الحقوق المجرّدة الّتي ل يجوز العتياض عنها ،كحقّ الشّفعة . ن هذا ل يمنع المستأجر أن يؤجّر لغيره إلى باقي المدّة وإن لم يكن له فيها حقّ ثمّ قال :إ ّ القرار ،لنّه مالك للمنفعة إلى نهاية مدّة الجارة فله بيعها بطريق الجارة . ن الشّيخ عليشا ذكر أنّ أمّا عند المالكيّة فلم نجد التّصريح منهم بحكم هذه المسألة غير أ ّ الموقوف عليه المعيّن إن آجر الوقف وأذن للمستأجر في البناء فيه ثمّ مات المؤجّر تنفسخ الجارة ،والبناء ملك للباني فله نقضه أو قيمته منقوضا إن كان للوقف ريع يدفع منه ذلك ، ل فيوفّى له من الغلّة قطعا .قال الشّيخ عليش :أفاد وهذا إن كان الوقف ل يحتاج لما بناه وإ ّ ذلك الشّيخ الخرشيّ رحمه ال .
ولم نجد للشّافعيّة والحنابلة ما فيه النّصّ على ذلك ،على أنّ قاعدة الجارة تقتضي إنهاء حقّ المستأجر بانتهاء مدّة الجارة .قال ابن رجب :غراس المستأجر وبناؤه بعد انقضاء المدّة إذا لم يقلعه المالك ،فللمؤجّر تملّكه بالقيمة ويجبر المالك على القبول ،وإن كان يمكن فصله بدون ضرر يلحق مالك الصل ،فالمشهور أنّه ليس له تملّكه قهرا . ح الفراغ مقابل وقد تقدّم النّقل من صاحب الفتاوى الحامديّة أنّ الفتوى عند الحنابلة أنّه ل يص ّ مال في الوقاف .
القسم الثّاني :الخلوّ في أراضي بيت المال : 26م -الراضي الّتي فتحت عنو ًة وأبقيت بأيدي أربابها من أهل الرض بالخراج هي عند الحنفيّة ملك لهلها يجري فيها البيع ،والشّراء ،والرّهن والهبة ،وغير ذلك . أمّا أراضي بيت المال وهي الّتي آلت إليه بموت أربابها ،أو فتحت عنو ًة وأبقاها المام لبيت المال ،وهي الّتي تسمّى " أرض الحوز " فإذا دفعها المام إلى الرّعيّة كانت بأيديهم وليس ل بتمليك السّلطان له . لهم بيعها ،ول استبدالها إلّ بإذن المام ،ول تكون ملكا لحد إ ّ ن من هي تحت يده من الرّعايا إن تسلّمها بوجه حقّ فهو أولى بها من غيره ما دام يدفع ثمّ إ ّ أجر المثل ،فيكون له فيها " مشدّ مسكة " يتمسّك بها ما دام حيّا في الحرث وغيره ،وحكمها أنّها ل تقوّم ،ول تملّك ،ول تباع . وكذا إن أجرى فيها كرابا أي حرثا ،أو كرى أنهارها ،أو نحو ذلك ممّا لم يكن مالً ول بمعنى المال ،وهو مجرّد الفلحة فليس ذلك متقوّما عند الحنفيّة ،لنّه بمعنى الوصف فل يباع ول يورث .وقال بعضهم :يباع حتّى يزول وجوده من الرض فترجع إلى الوّل . أمّا إن كان له كردار من بناء أو أشجار فإنّه يباع ويورث دون الرض ،ولم يسمّوه خلوّا . وإن كان المالكيّة سمّوه خلوّا أو ألحقوه بالخل ّو كما يأتي ،على أنّهم ذكروا أنّه إن كان له مشدّ مسكة -ولو لم يكن في الرض كردار -فلصاحبها تفويضها لغيره وتكون في يد المفوّض إليه عاريّة والوّل أحقّ بها ،وله إجارتها ،وله أيضا الفراغ عنها لغيره بمال ،جاء في الولوالجيّة :عمارة في أرض رجل بيعت فإن بناءً أو أشجارا جاز ،وإن كرابا أو كري ن بيع المسكة ل يجوز ،وكذا رهنها ،ولذا جعلوه الن " أنهار لم يجز ،قالوا :ومفاده أ ّ فراغًا " أي كالنّزول عن الوظائف بمال .فإذا فرغ عنها لحد لم ينتقل الحقّ فيها إلّ إذا اقترن بإذن السّلطان أو نائبه .على أنّه لو دفع مالً مقابل الفراغ ثمّ لم يأذن السّلطان أو نائبه بنقلها يكون لدافع المال حقّ الرّجوع فيه . أمّا عند المالكيّة :فإنّ الرض الصّالحة للزّرع ،وأرض الدّور الّتي فتحت عنوةً في الشّام ومصر ،والعراق ،هي وقف وقفت بمجرّد فتحها عنو ًة ،ويقطعها المام أو يكريها لمن شاء
بحسب المصلحة ،وينتهي إقطاعها بموت المقطع مع بقائها على وقفيّتها ،فل تباع ،ول ترهن ول تورث . لكن قد اختلف المتأخّرون من فقهاء المالكيّة في ذلك على قولين : القول الوّل :قال الشّيخ عليش :قد أفتى بعض المالكيّة بأنّه يورث ،فإنّهم ألحقوه بالخلوّات والخراج كالكراء .قال :وإنّما يلحق بها إن حصل من واضع اليد على الرض أثر فيها كإصلح :بإزالة شوكها ،أو حرثها ،أو نصب جسر عليها ،أو نحو ذلك ممّا يلحق بالبناء ن الّذين أفتوا في الوقاف ،فيكون الثر الّذي عمله في الرض خلوّا ينتفع به ويملك .فكأ ّ بذلك نظروا إلى أنّه ل يسلم المر من وقوع شيء من هذا النّوع ،أو من دفع مغارم للملتزم " وهو الّذي يتقبّل الراضي من السّلطان مقابل مال يدفعه له ،ويأخذ الملتزم المال من الفلّاحين لتمكينهم من الرض " قال :فالّذي ينبغي في هذه الزمان الفتاء بالرث ; ولنّه أدفع للنّزاع والفتن بين الفلّاحين ،وللملتزم الخراج على الرض ل أكثر ،وأن ل يكون له عزل الفلح عن أثر له في الرض . القول الثّاني :ذهب الدّردير إلى أنّ الفتوى السّابق بيانها مكذوبة على من نسبت إليه . قال الشّيخ عليش :مراعاة مشهور المذهب تقتضي عدم التّوريث فيما فتح عنوةً بل يفعل السّلطان أو نائبه ما فيه المصلحة ،ول تورث ،بل الحقّ لمن يقرّره فيها نائب السّلطان لنّها مكتراة ،والخراج كراؤها ول حقّ للمكتري في مثل هذا ث ّم إنّه إذا تنازل من هي بيده لغيره مقابل عوض ماليّ على أن يكون الخراج على المسقط له ،فقد أفتى الشّيخ عليش بجواز ذلك ،على أن يكون العوض من غير جنس ما يخرج منها . وعند الشّافعيّة الرض المذكورة قسمت على الغانمين ث ّم طلبها عمر منهم فبذلوها فوقفها على مصالح المسلمين ،وآجرها لهلها إجار ًة مؤبّد ًة بالخراج فيمتنع عليهم لكونها وقفا بيعها ورهنها وهبتها ،ولهم إجارتها مدّةً معلوم ًة ل مؤبّدةً .وهذا حكم الرض نفسها ،أمّا البناء والشجار الّتي يحدثها في الرض من هي بيده من الرّعايا فهو ملك له ،وله أن يقفه كما هو ح فيما يبنيه في الرض المستأجرة ،ويرهن ويباع . الص ّ أمّا النّزول عن الرض المذكورة ممّن هي بيده إلى غيره مقابل عوض ماليّ فلم نجد عند الشّافعيّة تعرّضا له . ح بيعه لما تحجّره لنّه لم يملكه ،والقول ح أنّه ل يص ّ ن الص ّ ولكنّهم في المتحجّر قالوا إ ّ ح ،وكأنّه يبيع حقّ الختصاص . الثّاني يص ّ قال المحّليّ :كذا في الرّوضة وأصلها ،وفي المحرّر ليس له أن يبيع هذا الحقّ .
أمّا عند الحنابلة فمع أنّهم لم يسمّوا مثل هذا الحقّ خلوّا فقد قالوا :إنّ منافع الرض الخراجيّة يجوز نقلها بغير عوض ،ومن نزل عن أرض خراجيّة بيده لغيره ،فإنّ المتروك له أحقّ بها ،فيجوز نقلها بل عوض ،وأجاز أحمد دفعها عوضا عمّا تستحقّه الزّوجة من المهر ، ل تتّخذ وأمّا البيع فقد كرهه أحمد ونهى عنه .واختلف قوله في بيع العمارة الّتي فيها لئ ّ طريقا إلى بيع رقبة الرض الّتي ل تملك ،بل هي إمّا وقف ،وإمّا فيء . ص أحمد في رواية على أنّه يبيع آلت عمارته بما تساوي أي بثمن المثل ،وكره أن يبيع ون ّ ل شيء يحدثه بأكثر من ذلك للمعنى المذكور ،ونقل عنه ابن هانئ :يقوّم دكّانه وما فيه وك ّ فيه فيعطى ذلك ،ول أرى أن يبيع سكنى دار ول دكّان . ن ذلك من أحمد لسدّ الذّريعة إلى بيع الرض نفسها بدعوى بيع ما فيها من وبيّن ابن رجب أ ّ ن أحمد إنّما أراد النّهي عن أخذ العوض عن رقبة الرض بهذه العمارة .قال :والظهر أ ّ الحيلة ،وبهذا قال :هذا خداع .وهذا يفيد أنّه ل يجوز بيع آلته بأكثر من قيمتها . ونقل عن ابن تيميّة تجويز بيعها فتنتقل بخراجها بخلف بيع الوقف على معيّن فإنّه يبطل حقّ البطن الثّاني .ا .هـ . وقال في القناع وشرحه :إن آثر من هي بيده بها أحدًا ببيع أو غيره صار الثّاني أحقّ بها . ن عمر ومعنى البيع هنا بذلها بما عليها من خراج إن منعنا بيعها الحقيقيّ كما هو المذهب ،ل ّ وقفها والوقف ل يباع .
كيفيّة توارث الخلوّ في أراضي بيت المال : - 27إذا مات من بيده شيء من الراضي الميريّة فإنّها عند الحنفيّة ل تورث عنه لنّ ل بإذن السّلطان . رقبتها لبيت المال فترجع إليه ،ول يستحقّ انتقالها إلى ورثته أو غيرهم إ ّ وهذا بخلف ما عليها من غراس أو بناء فإنّه يورث طبقا للوجه الشّرعيّ . أمّا مشدّ المسكة نفسه فإنّه ل يورث أصلً لنّه حقّ مجرّد .لكن جرت فتوى متأخّري الحنفيّة أنّه ينتقل إلى البناء الذّكور انتقالً ل على سبيل الميراث ،بل بمعنى أنّهم يكونون أولى به من غيرهم ،وينتقل مجّانا .وجرى الرّسم على ذلك في الدّولة العثمانيّة . أمّا المالكيّة فالراضي الميريّة قد تقدّم ذكر الخلف عندهم في ثبوت حقّ الخلوّ فيها ،وأنّ ن السّلطان من المالكيّة من قال :إنّها ل تورث وذلك مقتضى مشهور المذهب بأنّها وقف ،وأ ّ ن الرث في أحقّ بتوجيهها ممّن هي بيده ،ومن ورثته ،ومنهم من قال :بأنّها تورث ،وأ ّ الحقيقة ليس لرقبتها بل لمنفعتها ما دام يؤدّي ما عليها من الخراج الّذي هو كالجرة . ثمّ اختلفوا فيمن تئول إليه الرض إذا مات من هي تحت يده ،فالّذين قالوا بعدم التّوريث قالوا :السّلطان أحقّ بتوجيهها إلى من شاء ،لكن إن كانت العادة قد جرت بنقلها إلى ورثته جميعا
،أو لولده الذّكور دون الناث يعمل بذلك ،قال الدّردير :وقد جرت العادة في بعض قرى ص الذّكور بالرض دون الناث ،فيجب إجراؤهم على عادتهم على ما يظهر الصّعيد أن يخت ّ ن هذه العادة والعرف صارت كالذن من السّلطان في ذلك . لّ أمّا الّذين قالوا إنّ منفعة الخل ّو فيها تورث قالوا :إنّها تورث طبقا لما توجبه أحكام التّوريث فهي لجميع الورثة من الزّوج أو الزّوجة والبوين والعصبات والولد الذّكور منهم والناث سنّة . طبقًا للكتاب وال ّ قال الشّيخ عليش :الحقّ فيها يورث على فرائض اللّه تعالى ول وجه لتخصيص الذّكور لنّها خصلة جاهليّة ل تحلّ في السلم وإن استظهر ذلك الدّردير . وقال أيضا :توريث الذّكور دون الناث عرف فاسد ل يجوز العمل به . ن للسّلطان أو نائبه أن يمنع الورثة من وفي الشّرح الكبير قال الدّردير :مقتضى المذهب أ ّ وضع يدهم عليها وله أن يعطيها لمن شاء .ثمّ قال :وقد يظهر أنّه ل يجوز له ،لما في ذلك ن لمورّثهم نوع استحقاق ،وأيضا العادة تنزّل من فتح باب يؤدّي إلى الهرج والفساد ،وأ ّ ل من بيده شيء فهو لورثته أو لولده الذّكور دون منزلة حكم السّلطين المتقدّمين من أنّ ك ّ الناث رعاي ًة لحقّ المصلحة .نعم إذا مات شخص وتحت يده أرض يؤدّي خراجها عن غير وارث فالمر للسّلطان أو نائبه ،أي يقرّر في الرض من يشاء ،ول تورث عن الميّت . قال الدّسوقيّ :نعم وارثه أولى وأحقّ بها من غيره .ولم يتّضح لنا قول الشّافعيّة في ذلك . أمّا عند الحنابلة فالورثة أحقّ بالتّمسّك بالرض الخراجيّة فتنتقل إليهم بوفاة من هي بيده ، وليس للمام نزعها منهم ما داموا يؤدّون الخراج . قال ابن القيّم :من بيده أرض خراجيّة فهو أحقّ بها وترثها ورثته كذلك فيملكون منافعها بالخراج الّذي يبذلونه . وظاهر هذا أنّ توارث هذا الحقّ يستحقّ طبقا لنصبة الميراث وإن لم يكن الحقّ الموروث مالً .
وقف ما ينشئه في أرض بيت المال : - 28نقل ابن عابدين عن الخصّاف أنّه قال :إنّ وقف حوانيت السواق يجوز إن كانت الرض بأيدي الّذين بنوها بإجارة ل يخرجهم السّلطان عنها من قبل أنّا رأيناها في أيدي أصحاب البناء توارثوها وتقسم بينهم ل يتعرّض لهم السّلطان فيها ول يزعجهم منها ،وإنّما له غلّة يأخذها منهم وتداولها خلف عن سلف ،ومضى عليها الدّهور وهي في أيديهم يتبايعونها ،ويؤجّرونها ،وتجوز في وصاياهم ،ويهدمون بناءها ،ويعيدونه ،ويبنون غيره ،فكذلك الوقف جائز .ا .هـ .
قال ابن عابدين :وأقرّه في الفتح ووجهه بقاء التّأبيد . وإن كان ما جعله في الرض غراسًا فالحكم في وقفها حكم البناء . ح وقفه . أمّا إن كان ما عمله في الرض مجرّد كبس بالتّراب أو السّماد فل يص ّ ولم نطّلع على كلم لغير الحنفيّة في ذلك .
القسم الثّالث :الخلوّ في الملك الخاصّة : - 29فرّق الحنفيّة بين الوقف والملك في ثبوت حقّ القرار فأثبتوه للمستأجر في عقارات ن الفرق الوقاف على الوجه الّذي تقدّم بيانه ،ونفوه في الملك الخاصّة المؤجّرة ،وبيّنوا أ ّ ن المالك أحقّ بملكه إذا انتهى عقد الجارة ،ثمّ هو قد يرغب في تجديد إيجاره في ذلك هو أ ّ للمستأجر الوّل بنفس الجر ،أو أقلّ ،أو أكثر ،وقد ل يرغب في ذلك ،وقد يريد أن يسكنه بنفسه ،أو يبيعه ،أو يعطّله ،بخلف الموقوف المع ّد لليجار ،فإنّه ليس للنّاظر إلّ أن يؤجّره ،فإيجاره من ذي اليد بأجرة مثله أولى من إيجاره لجنبيّ ،لما فيه من النّظر للوقف ولذي اليد .ولمالك الحانوت أن يكلّف المستأجر رفع جدكة وإفراغ المحلّ لمالكه . ومقتضى ذلك أن ل يثبت حقّ القرار في الملك الخاصّة حتّى عند من سمّاه في عقارات الوقف خلوّا ; ولنّه يلزم من عدم إخراج صاحب الحانوت لصاحب الخلوّ حجر الحرّ المكلّف عن ملكه وإتلف ماله .وهي مسألة إجماعيّة كما نقله صاحب الفتاوى الخيريّة وكما هو معلوم من أحكام الجارة فإن كان للمستأجر عند انتهاء الجارة في الرض بناء أو أشجار ، أو في الحانوت بناء ،يلزمه رفعه على خلف وتفصيل يرجع إليه في أحكام الجارة . أمّا إنشاء الخل ّو قصدا بتعاقد بين المستأجر والمالك مقابل دراهم معيّنة ليمكّنه من وضع بناء أو نحوه في الرض أو الحانوت على أن يكون للمستأجر الخل ّو ،فقد أفتى بصحّته بعض متأخّري الحنفيّة .قال ابن عابدين :ممّن أفتى بلزوم الخلوّ بمقابلة دراهم يدفعها إلى المالك العلّامة عبد الرّحمن العماديّ وقال :فل يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ول إجارتها لغيره فيفتى بجواز ذلك للضّرورة . وسئل المهديّ العبّاسيّ في رجل له حانوت متخرّب استأجره منه رجل سنةً ،وأذن له بالبناء والعمارة فيه ليكون ما عمّره وبناه وأنشأه خلوّا له وملكا مستحقّ البقاء والقرار ،وجعل عليه أجرةً للرض مقدارا معلوما من الدّراهم مسانهةً " سنويّا " فهل إذا بنى وعمّر وأنشأ على هذا الوجه يكون ذلك ملكا للمستأجر ،وإذا مات الذن يكون لورثته أجرة الرض فقط ؟ فأجاب : ما بناه المستأجر من ماله لنفسه بإذن المالك في حياته على الوجه المذكور مملوك لبانيه يورث عنه إذا مات ،وعليه الجرة المقرّرة على الرض واللّه أعلم .
ثمّ قرّر أنّ الخل ّو في هذه الحال يجوز بيعه لنّه عبارة عن أعيان مملوكة لصاحبها مستحقّ قرارها في المحلّ . وكذلك الحكم عند المالكيّة ،فقد قال الشّيخ عليش :الخلوّ ربّما يقاس عليه الجدك المتعارف ح في الوقف ففي الملك أولى لنّ المالك يفعل في ملكه في حوانيت مصر ،فإنّ الخل ّو إذا ص ّ ل بإذن ،وهذا قياسه ن بعض الجدكات بناء ،أو إصلح أخشاب في الحانوت مث ً ما يشاء .لك ّ على الخلوّ ظاهر خصوصًا وقد استندوا في تأبيد الحكر للعرف ،والعرف حاصل في الجدك ل " أي منفصل ًة " غير مسمّرة فيه .والبعض الخر من الجدكات وضع أشياء مستقلّة في المح ّ كما يقع في الحمّامات ،وحوانيت القهوة بمصر ،فهذه بعيدة عن الخلوّات ،فالظّاهر أنّ للمالك إخراجها .ا .هـ . وظاهر أنّه يعني بقوله " :إنّ الخلوّ إذا صحّ في الوقف ففي الملك أولى " ،أن يتعاقد المالك ومستأجر الحانوت على إنشاء الخل ّو وتأبيده ل إن حصل ذلك بمجرّد الذن ويفهم ذلك من ن المالك يفعل في ملكه ما يشاء " . قوله " ل ّ وكذلك عند الحنابلة الّذين أجازوا بيع المنفعة يجوز عندهم على ما خرّجه البهوتيّ إنشاء الخل ّو بمال يدفع إلى ناظر الوقف بشروطه كما تقدّم .
أخذ المستأجر بدل الخلوّ من مستأجر لحق : - 30يدور حكم هذه المسألة على أنّ المستأجر الوّل إن كان يملك المنفعة إلى مدّة معيّنة بإجارة صحيحة مع المالك ،أو ناظر الوقف ،فتخلّى عن الحانوت أثناء المدّة لمستأجر آخر يحلّ محلّه وأخذ على ذلك عوضا من المستأجر الّذي يحلّ محلّه جاز ذلك ،ومن شرط ذلك في حوانيت الوقف أن تكون الجارة بأجر المثل ،قال الشّيخ عليش في فتاويه :إنّ حوانيت الوقاف بمصر جرت عادة سكّانها أنّه إذا أراد أحدهم الخروج من ال ّدكّان أخذ من الخر مالً على أن ينتفع بالسّكنى فيه ،ويسمّونه خلوّا وجدكا ،ويتداولون ذلك واحدا بعد واحد ،وليس ل من يعود على تلك الوقاف نفع أصلً غير أجرة الحانوت ،بل الغالب أنّ أجرة الحانوت أق ّ أجرة المثل بسبب ما دفعه الخذ من مال . ن السّاكن الّذي أخذ الخلوّ إن كان يملك منفعة ثمّ قال :والّذي يدور عليه الجواب في ذلك أ ّ ل فإن كان الخذ بيده إجارة صحيحة من النّاظر الحانوت م ّدةً فأسكنها غيره وأخذ على ذلك ما ً أو الوكيل بشروطها بأجرة المثل فهو سائغ له الخذ على تلك المنفعة الّتي يملكها ،ول ضرر على الوقف لصدور الجرة موافقةً لجرة المثل . وأمّا إن لم يكن مالكا للمنفعة بإجارة صحيحة فل عبرة بخلوّه ويؤجّره النّاظر لمن يشاء بأجرة المثل .ويرجع دافع الدّراهم على من دفعها له .ا .هـ .
وأمّا بعد انتهاء مدّة عقد الجارة فالمالك أحقّ بملكه كما تقدّم ( ف ) 29/ما لم يكن المستأجر قد اتّفق معه على إنشاء الخلوّ بمال دفعه إليه فله بيع الخلوّ إلى مستأجر يأتي بعده كما تقدّم في أوّل هذا البحث ،لنّ الخلوّ الصّحيح يجوز بيعه إن تمّت شروطه عند من أخذ بذلك .
خلوّ عقد النّكاح عن المهر : - 31إذا عقد النّكاح بل تسمية مهر فإنّه يسمّى " التّفويض في النّكاح " وتفصيله في مصطلح ( تفويض ) .
انظر :خلطة .
خليط * خليطان *
انظر :خُلطة .
نهاية الجزء التاسع عشر