الموسوعة الفقهية /الجزء الثامن بئر *
انظر :آبار .
بئر بضاعة * انظر :آبار .
التّعريف :
باءة *
ل في المنزل غالبا ،أو لنّ -1الباءة لغ ًة :النّكاح ،كنّي به عن الجماع .إمّا لنّه ل يكون إ ّ الرّجل يتبوّأ من أهله -أي يستمكن منها -كما يتبوّأ من داره . غضّ للبصرِ ج ،فإنّه أَ َ وفي الحديث « :يا معشرَ الشّباب ،من استطاعَ منكم البَاءَ َة فَ ْليَتَزوّ ْ ن لِلْ َفرْجِ .ومن لم يستطعْ فعليه بالصّومِ ،فإنّه له وِجا ٌء » . حصَ ُ وَأ ْ وقال شارح المنهاج :الباءة :مؤن النّكاح .
اللفاظ ذات الصّلة : - 2أ -الباءة :هو الوطء . ب -أهبة النّكاح :القدرة على مؤنه من مهرٍ وغيره ،فهي بمعنى الباءة على قول من فسّر الحديث بذلك .
الحكم الجماليّ :
- 3الباءة بمعنى الوطء تنظر أحكامها في موضوعها ( ر :وطء ) . أمّا بمعنى مؤن النّكاح فإنّ من وجدها ،وكانت نفسه تتوق إلى الوطء ،ول يخشى الوقوع في المحرّم ،استحبّ له النّكاح .لقوله صلى ال عليه وسلم « :يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّجْ » ...الحديث .فإن كان يتحقّق الوقوع في المحظور ،فيفترض عليه النّكاح ،لنّه يلزمه إعفاف نفسه ،وصونها عن الحرام . ل به يكون فرضا . قال ابن عابدين :ولنّ ما ل يتوصّل إلى ترك الحرام إ ّ أمّا إن وجد الهبة ،وكان به مرض كهرمٍ ونحوه ،فإنّ من الفقهاء من كره له النّكاح ،ومنهم من قال بحرمته لضراره بالمرأة .ويختلف الفقهاء في حكم النّكاح بالنّسبة لمن وجد الباءة ، ن التّخلّي للعبادة ولم تتق نفسه للوطء ،منهم من يرى أنّ النّكاح أفضل .ومنهم من يرى أ ّ أفضل ،وتفصيل ذلك كلّه يذكره الفقهاء في أوّل كتاب النّكاح .
بادي * انظر :بدو .
التّعريف :
بازلة *
شقّ .يقال :بزل الرّجل الشّيء يبزله بزلً :شقّه . - 1من معاني البزل في اللّغة :ال ّ والبازلة من الشّجاج :هي الّتي تبزل الجلد ،أي تشقّه ،يقال انبزل الطّلع :أي تشقّق . أمّا في استعمال الفقهاء :فهي الّتي تشقّ الجلد ويرشح منها الدّم . وسمّاها بعضهم -ومنهم الحنفيّة -الدّامعة ،لقلّة ما يخرج منها من الدّم ،تشبيها بدمع العين ،وسمّيت أيضا :الدّامية .
الحكم الجماليّ : - 2ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ في البازلة حكومة عدلٍ في العمد وغيره ،وقال المالكيّة : فيها القصاص في العمد .ولمّا كانت البازلة من أنواع الجراح في الجنايات تكلّم الفقهاء عنها في القصاص والدّيات .وتفصيل ذلك في أبواب الجنايات ،والدّيات .
انظر :أعذار .
باسور * باضعة *
التّعريف : -1من معاني البضع في اللّغة .الشّقّ .يقال :بضع الرّجل الشّيء يبضعه :إذا شقّه .ومنه شجّة الّتي تشقّ اللّحم بعد الجلد ،ول تبلغ العظم ،ول يسيل بها الدّم. الباضعة :وهي ال ّ
الحكم الجماليّ :
- 2الباضعة من أنواع الجراح في الرّأس ،وقد تكلّم الفقهاء عن حكمها في الجنايات والدّيات ل في العمد وغيره ،وهي ما ن فيها حكومة عد ٍ ،وتفصيلها فيهما .فذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ يقدّره أهل الخبرة تعويضا عن الجناية ،بما ل يزيد عن دية أصل العضو المصاب .وقال المالكيّة :فيها القصاص في العمد .
باطل * انظر :بطلن .
باغي * انظر :بغاةً .
التّعريف :
بتات *
ت الحبل :أي قطعته قطعا مستأصلً . - 1البتات في اللّغة :القطع المستأصل .يقال :بت ّ ويقال :طلّقها ثلثا بتّ ًة وبتاتا :أي بتل ًة بائنةً ،يعني قطعا ل عود فيها .ويقال :الطّلقة الواحدة تبتّ وتبتّ :أي تقطع عصمة النّكاح إذا انقضت العدّة ،كما يقال :حلف على ذلك يمينا بتّا وبتّ ًة وبتاتا :أي يمينا قد أمضاها .ومثل البتات :البتّ ،وهو مصدر بتّ :إذا قطع ت امرأته :إذا قطعها عن الرّجعة .وأبتّ طلقها كذلك ت الرّجل طلق امرأته ،وب ّ .يقال :ب ّ ت طلقها ،وأبتّ ،وطلق باتّ .ويستعمل الفعلن :بتّ وأبتّ لزمين كذلك ،فيقال :ب ّ ت القاضي الحكم عليه :إذا قطعه ،أي ت بمعنى اللزام فيقال :ب ّ ت ،كما يستعمل الب ّ ومب ّ ألزمه ،وبتّ ال ّنيّة :جزمها . ن الشّافعيّة يوقعون الطّلق بلفظ " ول تختلف معاني هذه اللفاظ في الفقه عنها في اللّغة ،إلّ أ ّ ل بها ،ونوى بها أقلّ من الثّلث . ألبتّة " رجعيّا إن كانت المطلّقة مدخو ً ت. كما أنّهم يعبّرون عن خل ّو العقد عن الخيار بالبتّ فيقال :البيع على الب ّ وهو راجع إلى المعنى اللّغويّ كما ل يخفى .وكذا يعبّرون عن المعتدّة الّتي طلقت ثلثا ،أو ت ،وهي خلف الرّجعيّة . فرّق بينها وبين زوجها بخيار الجبّ والعنّة ونحوهما بمعتدّة الب ّ
الحكم الجماليّ : - 2ذهب المالكيّة والحنابلة إلى وقوع الطّلق ثلثا ،فيمن طلّق زوجته بقوله :هي بتّة ، لنّه طلّق امرأته بلفظٍ يقتضي البينونة .والبتّ :هو القطع ،فكأنّه قطع النّكاح له ،واحتجّوا على ذلك بعمل الصّحابة . وعند الحنفيّة يقع واحدةً بائن ًة ،لنّه وصف الطّلق بما يحتمل البينونة . وقال الشّافعيّ :يرجع إلى ما نواه .وهي رواية عند الحنابلة اختارها أبو الخطّاب منهم . وتمام الكلم على ذلك محلّه كتاب الطّلق .
مواطن البحث :
- 3تعرّض الفقهاء للبتات -ومثله بقيّة المصادر والمشتقّات -في كتاب الطّلق ،في الكلم على ألفاظ الطّلق كما سبق .كما تعرّضوا في كتاب العدّة لمعتدّة البتّ ،وهل عليها الحداد ؟ ظ كنائيّ ،ونوى به ن البتات يلزم الزّوجة إن ظاهر منها زوجها بلف ٍ .وفي الظّهار يذكرون أ ّ
الطّلق ،على تفصيلٍ في ذلك .وفي اليمان ذكروا معنى الحلف على البتّ ،ومقابله الحلف ت .وفي الشّهادة ذكروا بيّنة على العلم ،أو على نفي العلم ،ومتى يحلف الحالف على الب ّ البتّ ،ومقابلها بيّنة السّماع ،ومتى تقدّم الولى على الثّانية .وفي البيع تعرّضوا لذكر البيع ت ،باعتباره مقابلً للخيار فيه . على الب ّ
بتر * التّعريف : - 1البتر لغ ًة :استئصال الشّيء بالقطع ،يقال :بتر الذّنب أو العضو :إذا قطعه واستأصله ،كما يطلق على قطع الشّيء دون تمامٍ ،بأن يبقى من العضو شيء . وقد استعمل اصطلحا بهذين المعنيين عند الفقهاء .وقد يطلق على كلّ قطعٍ ،ومنه قولهم : سيف بتّار أي قاطع .
الحكم الجماليّ :
- 2البتر إمّا أن يكون عدوانا بجناي ٍة ،عمدا أو خطأً ،وذلك محرّم . وإمّا أن يكون بحقّ ،كقطع اليد حدّا أو قصاصا . وإمّا أن يكون من وسائل العلج بقطع اليد المصابة بالكلة لمنع السّراية للبدن .
تطهير موضع البتر : - 3من قُطعتْ يده من دون المرفق غسل ما بقي من محلّ الفرض ،وإن قطعت من المرفق ن غسل العظمين المتلقيين من الذّراع والعضد غسل العظم الّذي هو طرف العضد ،ل ّ واجب ،فإذا زال أحدهما غسل الخر .وإن كان من فوق المرفقين سقط الغسل لعدم محلّه . وللتّفصيل ينظر ( الوضوء ،والغسل ) .
بتر العضاء لضرورةٍ :
- 4يجوز بتر عضوٍ فاسدٍ من أعضاء النسان ،خوفا على سلمة الجسم من انتشار العلّة في الجميع .والتّفصيل في ( طبّ ،وتداوٍ ) .
بتر العضاء في الجنايات : - 5بتر أعضاء الغير عمدا عدوانا يجب فيه القصاص ،بشروطه المبيّنة في مباحث ب معيّنةٍ تذكر في موضعها ( .ر : القصاص فيما دون النّفس ،وقد يعدل عن القصاص لسبا ٍ قصاص -جنايات ) .أمّا بتر العضو خطأً فتجب فيه الدّية المقدّرة لذلك العضو شرعا أو الرش بالتّفاق .ويختلف مقدارها باختلف العضو المبتور ( .ر :ديات ) .
أعضاء الحيوان المبتورة :
ل أكله وفي - 6ما بتر من أعضاء الحيوان الحيّ المأكول اللّحم حكمه حكم ميتته ،في ح ّ نجاسته أو طهارته .فلو قطع طرف شا ٍة أو فخذها لم يحلّ ،ولو ضرب سمك ًة فقطع جزءا ن ميتتها حلل ،وذلك لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ما ُقطِعَ من منها حلّ أكله ،ل ّ ال َبهِيمَةِ -وهي حيّة -فهو َك َميْتٍ » . وهذا على خلفٍ وتفصيلٍ يذكر في موضعه ( .ر :صيد :ذبائح ) . وما بتر من أعضاء النسان حكمه حكم النسان الميّت في الجملة ،في وجوب تغسيله وتكفينه ودفنه وفي النّظر إليه ( ر :جنائز ) .
بتراء * التّعريف : - 1البتر لغ ًة :القطع ،والبتراء من الشّياه :مقطوعة الذّنب على غير تمامٍ ،يقال للنثى : بتراء ،وللذّكر :أبتر .واصطلحا :ل يختلف معناه عن المعنى اللّغويّ .
الحكم الجماليّ :
- 2استعمل العلماء لفظة " بتراء " في الشّاة المقطوعة اللية ،حيث تكلّموا عنها في الهدي والضحيّة .فعند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة البتر من العيوب الّتي تمنع الجزاء في الضحيّة والهدي .وأمّا الحنابلة فلم يعدّوا ذلك عيبا يمنع الجزاء ( ر :أضحيّة ،هدي ) .
بتع * التّعريف : - 1البتع :نبيذ يتّخذ من العسل في اليمن .
الحكم الجماليّ :
ل مسكرٍ هو خمر ،يحرم شربه ،ويحرم بيعه ، نكّ - 2ذهب الجمهور من الفقهاء إلى أ ّ ب َأسْكر فهو حرامٌ » وبقوله صلى ال عليه وسلم : ل شرا ٍ واحتجّوا لذلك بعموم الحديث « :ك ّ « ما أَسكر كثيرُه فقليلُه حرام » وبنا ًء على ذلك فالبتع عندهم حرام ،لنّه ممّا يسكر كثيره . ن الخمر هي :النّيء من ماء العنب إذا غل واشتدّ وقذف بالزّبد ،وأنّها وذهب الحنفيّة إلى أ ّ هي المحرّمة لعينها ،لقول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :حرّمت الخمر لعينها » دون غيرها من سائر الشربة . قالوا :ل يحرم شرب البتع ما دام شاربه ل يسكر منه ،فإذا وصل إلى حدّ السكار حرم ، ب أسكر فهو ل شرا ٍ ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لمّا سئل عن البتع قال « :ك ّ ولذلك فإ ّ حرام » يعني شرب منه حتّى السّكر ،ولكنّهم كرهوا شربه لدخوله في جملة ما يكره من
الشربة ،ولذلك قال عنه أبو حنيفة :البتع خمر يمانيّة .يقصد أنّ أهل اليمن يشربون منه حتّى السّكر ،وما حلّ شربه حلّ بيعه .وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في كتاب الشربة .
بتعة * انظر :بتلة .
بتلة *
التعريف :
-1بتل في اللغة :بمعنى قطع ،والمتبتل :المنقطع لعبادة ال تعالى .والبتلة :المنقطعة . ولما كان الطلق قطعا لحبل الزواج ،حيث تصبح المرأة به منقطعة عن زوجها ،فإنه قد يكنى به عن الطلق ،فيقال أنت بتلة أي طالق .ولذلك اعتبر الفقهاء لفظ " بتلة " من كنايات الطلق الظاهرة ،ولم يكن صريحا ،لنه قد يقصد به النقطاع في غير النكاح .
الحكم الجمالي : -2اتفق الفقهاء على أن لفظ " بتلة " من كنايات الطلق ،وأنه ل يقع بها الطلق إل بالنية كما هي القاعدة في الكنايات -وأنه إن نوى بها واحدة وقعت واحدة ،وإن نوى بها ثلثاوقع ثلث ،وإن أطلق فلم ينو عددا ،فمنهم من قال :يقع واحدة ،ومنهم من قال :يقع ثلث ،وتفصيل ذلك في مصطلح ( طلق ) .
انظر :كلم .
بحح * بحر *
التّعريف : - 1البحر :الماء الكثير ،ملحا كان أو عذبا ،وهو خلف البرّ ،وإنّما سمّي البحر بحرا لسعته وانبساطه ،وقد غلب استعماله في الماء الملح حتّى قلّ في العذب . أ -النّهر :
اللفاظ ذات الصّلة
ل كثيرٍ جرى فقد نهر - 2النّهر :الماء الجاري ،يقال :نهر الماء إذا جرى في الرض ،وك ّ ل في الماء العذب ،خلفا للبحر . ،واستنهر ول يستعمل النّهر غالبا إ ّ ب -العين :
- 3العين :ينبوع الماء الّذي ينبع من الرض ويجري .وهي من اللفاظ المشتركة ،لنّها تطلق على معانٍ أخرى :كالجاسوس ،والذّهب ،والعين الباصرة .
الحكام المتعلّقة بالبحر : يتعلّق بالبحر أحكام منها : أ -ماء البحر :
- 4اتّفق جمهور العلماء على طهوريّة ماء البحر وجواز التّطهّر به ،لما روى أبو هريرة رضي ال عنه قال « :سأل رجل النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول اللّه إنّا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء ،فإن توضّأنا به عطشنا .أفنتوضّأ بماء البحر ؟ فقال ل َم ْي َتتُهُ » . طهُورُ مَاؤُه ،الحِ ّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :هو ال ّ وروي عن عمر رضي ال عنه أنّه قال " من لم يطهّره ماء البحر فل طهّره اللّه "ولنّه ماء ق على أصل خلقته ،فجاز الوضوء به كالعذب .وحكي عن عبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن با ٍ عمرٍو أنّهما قال في البحر ":التّيمّم أعجب إلينا منه " ،وحكاه الماورديّ عن سعيد بن المسيّب :أي كانوا ل يرون جواز الوضوء به ( .ر :طهارة ،ماء ) .
ب -صيد البحر :
- 5ذهب جمهور الفقهاء إلى إباحة صيد جميع حيوانات البحر ،سواء كانت سمكا أو غيره . ل لكم صَيدُ البحرِ َوطَعامُه } أي مصيده ومطعومه . لقول اللّه تعالى ُ { :أحِ ّ وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا سئل عن ماء البحر «:هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته ». واستثنى الشّافعيّة والحنابلة :التّمساح والضّفدع ،للنّهي عن قتل الضّفدع ،فقد ثبت أنّ ي صلى ال عليه وسلم نهى عن قتله » وروي عن ابن عمرٍو أنّه قال ":ل تقتلوا « النّب ّ ن نقيقها تسبيح " .وللستخباث في التّمساح ،ولنّه يتقوّى بنابه ويأكل النّاس . الضّفادع ،فإ ّ وزاد الحنابلة :الحيّة ،وصرّح الماورديّ من الشّافعيّة بتحريمها وغيرها من ذوات السّموم البحريّة ،وقصر الشّافعيّة التّحريم على الحيّة الّتي تعيش في البحر والبرّ ،وأمّا الحيّة الّتي ل تعيش إلّ في الماء فحلل .وذهب الحنفيّة إلى إباحة السّمك من صيد البحر فقط دون غيره من الحيوانات البحريّة .وللتّفصيل انظر مصطلح ( أطعمة ) .
ج -ميتة البحر : - 6ذهب جمهور الفقهاء إلى إباحة ميتة البحر ،سواء كانت سمكا أو غيره من حيوانات ل لكم صيدُ البحرِ وطعامُه } وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم : البحر ،لقول اللّه تعالى ُ { :أحِ ّ ل دابّةٍ تموت ل ميتته » ،وعن أبي بك ٍر رضي ال عنه أنّه قال ":ك ّ « هو الطّهور ماؤه الح ّ في البحر فقد ذكّاها اللّه لكم ".
ولم يبح الحنفيّة إلّ ميتة السّمك الّذي مات بآفةٍ ،وأمّا الّذي مات حتف أنفه ،وكان غير طافٍ ،فليس بمباحٍ .وح ّد الطّافي عندهم :ما كان بطنه من فوق ،فلو كان ظهره من فوق ، فليس بطافٍ فيؤكل .وللتّفصيل انظر مصطلح ( أطعمة ) .
د -الصّلة في السّفينة : - 7اتّفق الفقهاء على جواز الصّلة في السّفينة من حيث الجملة ،شريطة أن يكون المصلّي مستقبلً للقبلة عند افتتاح الصّلة ،وأن يدور إلى جهة القبلة إن دارت السّفينة لغيرها إن أمكنه ذلك ،لوجوب الستقبال .ول فرق في ذلك بين الفريضة والنّافلة لتيسّر استقباله .وخالف الحنابلة في النّافلة ،وقصروا وجوب الدّوران إلى القبلة على الفريضة فقط ،ول يلزمه أن يدور في النّفل للحرج والمشقّة ،وأجازوا كذلك للملّاح :ألّ يدور في الفرض أيضا لحاجته لتسيير السّفينة .وللتّفصيل انظر مصطلح ( قبلة ) .
هـ – حكم من مات في السّفينة :
- 8اتّفق الفقهاء على أنّ من مات في سفينة في البحر ،وأمكن دفنه لقرب البرّ ،ول مانع ، لزمهم التّأخير ليدفنوه فيه ،ما لم يخافوا عليه الفساد ،وإلّ غسّل وكفّن وصلّي عليه وألقي في البحر . وزاد الشّافعيّة :أنّه يوضع بعد الصّلة عليه بين لوحين لئلّ ينتفخ ،ويلقى لينبذه البحر إلى السّاحل ،لعلّه يقع إلى قو ٍم يدفنونه .فإن كان أهل السّاحل كفّارا ثقّل بشيءٍ ليرسب . فإن لم يوضع بين لوحين ثقّل بشيءٍ لينزل إلى القرار ،وإلى تثقيله ذهب الحنابلة أيضا .
و -الموت غرقا في البحر : - 9ذهب العلماء إلى أنّه من مات في البحر غرقا ،فإنّه شهيد ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :الشّهداء خمسة :المطعون ،والمبطون ،والغريق ،وصاحب الهدم ،والشّهيد في سبيل اللّه » . وإذا وجد الغريق فإنّه يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه كأيّ ميّتٍ آخر ،وإذا لم يعثر عليه فيصلّى عليه صلة الغائب عند الشّافعيّة والحنابلة ،وكرهها المالكيّة ،ومنعها الحنفيّة لشتراطهم لصلة الجنازة حضور الميّت أو حضور أكثر بدنه أو نصفه مع رأسه ( .ر :غسل )
التّعريف :
بخار *
- 1البخار لغ ًة واصطلحا :ما يتصاعد من الماء أو النّدى أو أيّ مادّ ٍة رطب ٍة تتعرّض للحرارة .ويطلق البخار أيضا على :دخان العود ونحوه .وعلى :كلّ رائحةٍ ساطعةٍ من نتنٍ أو غيره .
اللفاظ ذات الصّلة : البخر : - 2البخر هو :الرّائحة المتغيّرة من الفم .قال أبو حنيفة :البخر :النّتن يكون في الفم وغيره ،وهو أبخر ،وهي بخراء . واستعمال الفقهاء للبخر مخصوص بالرّائحة الكريهة في الفم فقط .
الحكام المتعلّقة بالبخار :
للبخار أحكام خاصّة ،فقد يكون طاهرا ،وقد يكون نجسا ،وينبني عليه جواز أو عدم جواز التّطهّر بما تقاطر من البخار . أ -رفع الحدث بما جمع من النّدى : - 3ذهب الفقهاء إلى جواز التّطهّر بالنّدى ،وهو المتجمّع على أوراق الشّجر إذا جمع ،لنّه ماء مطلق .أمّا ما ورد عن بعض الفقهاء من أنّ النّدى :نفس دابّةٍ في البحر ،ومن ثمّ فهل هو طاهر أو نجس ؟ فل يعوّل عليه . ب -رفع الحدث بما جمع من البخار : - 4ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التّطهّر من الحدث وتطهير النّجس بما جمع من بخار الماء الطّاهر المغليّ بوقودٍ طاهرٍ ،لنّه ماء مطلق ،وهو المعتمد عند الشّافعيّة ،خلفا لما ذهب إليه الرّافعيّ منهم إلى أنّه ل يرفع الحدث ،لنّه ل يسمّى ما ًء ،بل هو بخار . أمّا البخار المتأثّر بدخان النّجاسة فهو مختلف في طهارته ،بناءً على اختلف الفقهاء في دخان النّجاسة ،هل هو طاهر أم نجس ؟ . ن دخان النّجاسة فذهب الحنفيّة على المفتى به ،والمالكيّة في المعتمد ،وبعض الحنابلة إلى :أ ّ وبخارها طاهران ،قال الحنفيّة :إنّ ذلك على سبيل الستحسان دفعا للحرج .وبناءً على هذا فإنّ البخار المتصاعد من الماء النّجس طهور يزيل الحدث والنّجس . ن دخان النّجاسة وذهب الشّافعيّة ،وأبو يوسف من الحنفيّة ،وهو المذهب عند الحنابلة إلى :أ ّ ح الطّهارة به ،لكن نجس كأصلها ،وعلى هذا فالبخار المتأثّر بدخان النّجاسة نجس ل تص ّ ذهب الشّافعيّة إلى أنّه يعفى عن قليله . وأمّا البخار المتصاعد من الحمّامات وغيرها -كالغازات الكريهة المتصاعدة من النّجاسة - إذا علقت بالثّوب ،فإنّه ل ينجس على الصّحيح من مذهب الحنفيّة ،تخريجا على الرّيح
ن بقيّة الخارجة من النسان ،فإنّها ل تنجس ،سواء أكانت سراويله مبتلّةً أم ل ،والظّاهر أ ّ المذاهب ل تخالف مذهب الحنفيّة في هذا .
بخر * التّعريف : 1
-البخر :الرّائحة المتغيّرة من الفم من نتنٍ وغيره .يقال :بخر الفم بخرا من باب تعب ،
إذا أنتن وتغيّر ريحه ،ولم يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى .
الحكم الجماليّ :
- 2لمّا كان البخر في النسان يؤدّي إلى النّفرة والتّأذّي اعتبره الفقهاء عيبا ،واتّفقوا على أنّه من العيوب الّتي يثبت بها الخيار في بيع الماء . وأمّا في النّكاح :فقد اختلفوا في ثبوت الخيار والفسخ به . فقال الحنفيّة والشّافعيّة ،وهو القول الخر للحنابلة :ل يثبت به الخيار ول يفرّق به بين الزّوجين .وقال المالكيّة ،وهو رأي للحنابلة :يثبت بالبخر الخيار والفسخ في النّكاح . وينظر تفصيل القول في ذلك في باب خيار العيب في البيوع ،وباب العيب في النّكاح . وأمّا في التّرخيص لمن به بخر في حضور الجماعات والجمع وعدمه -فيرجع في ذلك إلى باب صلة الجماعة .
بخس * انظر :غبن .
التّعريف :
البخيلة *
ل .وتسمّى - 1البخيلة من مسائل العَوْل في الميراث ،سمّيت بخيل ًة ،لنّها أقلّ الصول عو ً ( المنبريّة ) لنّ عليّا رضي ال عنه سئل عنها على المنبر .وهي من سهام الفرائض الّتي تعول ،وتأتي في المسألتين اللّتين يعول فيهما أصل أربع ٍة وعشرين إلى سبعةٍ وعشرين . - 2المسألة الولى :هي الّتي يكون فيها نصف وثمن وثلثة أسداسٍ ،كزوجةٍ وبنتٍ وأبوين وبنت ابنٍ ،فللزّوجة الثّمن ،وللبنت النّصف ،ولبنت البن السّدس ،وللبوين السّدسان . - 3المسألة الثّانية :هي الّتي يكون فيها مع الثّمن ثلثان وسدسان ،كزوجةٍ وبنتين وأبوين ، فللزّوجة الثّمن ،وللبنتين الثّلثان ،وللبوين السّدسان ،ومجموعها من الربعة والعشرين ل من هاتين المسألتين تسمّى البخيلة لقلّة عولها ،لنّها تعول مرّةً واحدةً سبعة وعشرون .وك ّ
ن عليّا سئل عنها وهو على المنبر فأجاب . .والمسألة الثّانية تسمّى أيضا ( المنبريّة ) ل ّ وللتّفصيل ينظر ( الرث ) عند الكلم عن العول .
بدعة * التّعريف : 1
-البدعة لغةً :من بدع الشّيء يبدعه بدعا ،وابتدعه :إذا أنشأه وبدأه .
والبدع :الشّيء الّذي يكون أ ّولً ،ومنه قوله تعالى { :قُلْ :ما كنتُ ِبدْعا من الرّسُلِ } أي لست بأوّل رسولٍ بعث إلى النّاس ،بل قد جاءت الرّسل من قبل ،فما أنا بالمر الّذي ل نظير له حتّى تستنكروني . والبدعة :الحدث ،وما ابتدع في الدّين بعد الكمال .وفي لسان العرب :المبتدع الّذي يأتي أمرا على شب ٍه لم يكن ،بل ابتدأه هو .وأبدع وابتدع وتبدّع :أتى ببدعةٍ ،ومنه قوله تعالى : ن اللّه } وبدّعه :نسبه إلى البدعة ، { َورَ ْهبَا ِنيّ ًة ا ْب َتدَعوها ما َك َت ْبنَاها عليهم إلّ ا ْب ِتغَاءَ ِرضْوا ِ ل ،والبديع من أسماء اللّه والبديع :المحدث العجيب ،وأبدعت الشّيء :اخترعته ل على مثا ٍ تعالى ،ومعناه :المبدع ،لبداعه الشياء وإحداثه إيّاها . أمّا في الصطلح ،فقد تعدّدت تعريفات البدعة وتنوّعت ،لختلف أنظار العلماء في مفهومها ومدلولها . ث من الشياء ،ومنهم من ضيّق ما تدلّ فمنهم من وسّع مدلولها ،حتّى أطلقها على ك ّل مستحد ٍ عليه ،فتقلّص بذلك ما يندرج تحتها من الحكام .وسنوجز هذا في اتّجاهين .
التّجاه الوّل :
سنّة ،سواء ل حادثٍ لم يوجد في الكتاب وال ّ - 2أطلق أصحاب التّجاه الوّل البدعة على ك ّ أكان في العبادات أم العادات ،وسواء أكان مذموما أم غير مذمو ٍم . ومن القائلين بهذا المام الشّافعيّ ،ومن أتباعه العزّ بن عبد السّلم ،والنّوويّ ،وأبو شامة . ومن المالكيّة :القرافيّ ،والزّرقانيّ .ومن الحنفيّة :ابن عابدين .ومن الحنابلة :ابن الجوزيّ .ومن الظّاهريّة :ابن حزمٍ .ويتمثّل هذا التّجاه في تعريف العزّ بن عبد السّلم للبدعة وهو :أنّها فعلُ ما لم ُيعْهد في عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .وهي منقسمة إلى بدع ٍة واجبةٍ ،وبدع ٍة محرّم ٍة ،وبدعةٍ مندوبةٍ ،وبدعةٍ مكروه ٍة ،وبدعةٍ مباحةٍ . وضربوا لذلك أمثلةً : فالبدعة الواجبة :كالشتغال بعلم النّحو الّذي يفهم به كلم اللّه ورسوله ،وذلك واجب ،لنّه ل به فهو واجب . ل بدّ منه لحفظ الشّريعة ،وما ل يتمّ الواجب إ ّ والبدعة المحرّمة من أمثلتها :مذهب القدريّة ،والجبريّة ،والمرجئة ،والخوارج .
والبدعة المندوبة :مثل إحداث المدارس ،وبناء القناطر ،ومنها صلة التّراويح جماعةً في المسجد بإمامٍ واح ٍد . والبدعة المكروهة :مثل زخرفة المساجد ،وتزويق المصاحف . والبدعة المباحة :مثل المصافحة عقب الصّلوات ،ومنها التّوسّع في اللّذيذ من المآكل والمشارب والملبس .واستدلّوا لرأيهم في تقسيم البدعة إلى الحكام الخمسة بأدلّةٍ منها : أ -قول عمر رضي ال عنه في صلة التّراويح جماع ًة في المسجد في رمضان" ِن ْعمَتِ البدع ُة هذه " .فقد روي عن عبد الرّحمن بن عبد القاريّ أنّه قال ":خرجت مع عمر بن الخطّاب رضي ال عنه ليل ًة في رمضان إلى المسجد ،فإذا النّاس أوزاعٌ متفرّقون ،يصلّي الرّجل لنفسه ،ويصلّي الرّجل فيصلّي بصلته الرّ ْهطُ .فقال عمر :إنّي أرى لو جمعت ب ،ثمّ خرجت معه هؤلء على قارئٍ واحدٍ لكان أمثل ،ثمّ عزم ،فجمعهم على أبيّ بن كع ٍ ليل ًة أخرى ،والنّاس يصلّون بصلة قارئهم ،قال عمر :نعم البدعة هذه ،والّتي ينامون عنها أفضل من الّتي يقومون .يريد آخر اللّيل .وكان النّاس يقومون أوّله ". ب -تسمية ابن عمر صلة الضّحى جماع ًة في المسجد بدعةً ،وهي من المور الحسنة . روي عن مجاهدٍ قال ":دخلت أنا وعروة بن الزّبير المسجد ،فإذا عبد اللّه بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ،وإذا ناس يصلّون في المسجد صلة الضّحى ،فسألناه عن صلتهم ،فقال :بدعة ". سيّئة ،ومنها ما روي مرفوعا « :من ج -الحاديث الّتي تفيد انقسام البدعة إلى الحسنة وال ّ سنّ ًة سيّئةً ،فعليه حسَنةً ،فله أجرُها وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة ،ومن سنّ ُ سنّ ًة َ سنّ ُ عمِلَ بها إلى يوم القيامة » . ِو ْزرُها و ِوزْ ُر مَنْ َ
التّجاه الثّاني : ن البدعة كلّها ضللة ،سواء في - 3اتّجه فريق من العلماء إلى ذ ّم البدعة ،وقرّروا أ ّ العادات أو العبادات .ومن القائلين بهذا المام مالك والشّاطبيّ والطّرطوشيّ .ومن الحنفيّة : المام الشّم ّنيّ ،والعينيّ .ومن الشّافعيّة :البيهقيّ ،وابن حجرٍ العسقلنيّ ،وابن حجرٍ الهيتميّ .ومن الحنابلة :ابن رجبٍ ،وابن تيميّة . وأوضح تعريفٍ يمثّل هذا التّجاه هو تعريف الشّاطبيّ ،حيث عرّف البدعة بتعريفين : الوّل أنّها :طريقة في الدّين مخترعة ،تضاهي الشّرعيّة ،يقصد بالسّلوك عليها المبالغة في التّعبّد للّه سبحانه .وهذا التّعريف لم يدخل العادات في البدعة ،بل خصّها بالعبادات ،بخلف الختراع في أمور الدّنيا .
الثّاني أنّها :طريقة في الدّين مخترعة تضاهي الشّريعة يقصد بالسّلوك عليها ما يقصد بالطّريقة الشّرعيّة .وبهذا التّعريف تدخل العادات في البدع إذا ضاهت الطّريقة الشّرعيّة ، كالنّاذر للصّيام قائما ل يقعد متعرّضا للشّمس ل يستظلّ ،والقتصار في المأكل والملبس على صنفٍ دون صنفٍ من غير علّ ٍة .واستدلّ القائلون بذمّ البدعة مطلقا بأدلّ ٍة منها : ن الشّريعة قد كملت قبل وفاة الرّسول صلى ال عليه وسلم فقال سبحانه : أ -أخبر اللّه أ ّ ت لكم الِإسلمَ دِينا } فل يتصوّر أن ت عليكم ِنعْمتي ورضي ُ { اليومَ َأكْملتُ لكم دينَكم وأَتمم ُ يجيء إنسان ويخترع فيها شيئا ،لنّ الزّيادة عليها تعتبر استدراكا على اللّه سبحانه وتعالى . وتوحي بأنّ الشّريعة ناقصة ،وهذا يخالف ما جاء في كتاب اللّه . ن هذا ب -وردت آيات قرآنيّة تذمّ المبتدعة في الجملة ،من ذلك قوله تعالى { :وأَ ّ ق بكم عن سبيلِهِ } . صراطي مستقيما فا ّتبِعوه ول َت ّتبِعُوا السّبلَ َفتَ َفرّ َ ل ما ورد من أحاديث عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في البدعة جاء بذمّها ،من ج-كّ ل اللّه صلى ال عليه وسلم موعظةً بليغةً ، عظَنَا رسو ُ ذلك حديث العرباض بن سارية َ « :و َ ع فما ل اللّه كأنّها موعظةُ مو ّد ٍ ت منها القلوبُ .فقال قائل :يا رسو َ َذرَفتْ منها العيونُ ،وَوَجلَ ْ َت ْعهَد إلينا .فقال :أوصيكم بتقوى اللّه والسّمعِ والطّاعةِ لولة المرِ ،وإن كان عبدا حبشيّا ، فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلفا كثيرا ،فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين حدَثَةٍ ل ُم ْ ت المورِ .فإنّ ك ّ حدَثا ِ المهديّين ،تمسّكوا بها ،وعضّوا عليها بالنّواجذ ،وإيّاكم و ُم ْ بِدعةٌ ،وكلّ بدع ٍة ضللة » . ( د ) أقوال الصّحابة في ذلك ،من هذا ما روي عن مجاهدٍ قال ":دخلت مع عبد اللّه بن عمر مسجدا ،وقد أذّن فيه ،ونحن نريد أن نصلّي فيه ،فثوّب المؤذّن ،فخرج عبد اللّه بن عمر من المسجد ،وقال " :اخرج بنا من عند هذا المبتدع " ولم يصلّ فيه .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -المحدثات : 4
-الحديث نقيض القديم ،والحدوث :كون شيءٍ بعد أن لم يكن .ومحدثات المور :ما
ابتدعه أهل الهواء من الشياء الّتي كان السّلف الصّالح على غيرها .وفي الحديث : « إيّاكم ومحدثات المور » والمحدثات جمع محدثةٍ بالفتح ،وهي :ما لم يكن معروفا في كتابٍ ول سنّةٍ ول إجماعٍ .وعلى هذا المعنى تلتقي المحدثات مع البدعة على المعنى الثّاني . ب -الفطرة : - 5الفطرة :البتداء والختراع .وفطر اللّه الخلق :خلقهم وبدأهم ،ويقال :أنا فطرت الشّيء أي :أوّل من ابتدأه .وعلى هذا الوجه يلتقي مع البدعة في بعض معانيها اللّغويّة .
سنّة : ج -ال ّ سنّ سنّة في اللّغة :الطّريقة ،حسنةً كانت أو سيّئ ًة .قال عليه الصلة والسلم « :من َ - 6ال ّ ن سنّ ًة سيّئ ًة فعليه ِوزْرها عمِل بها إلى يوم القيامة ،ومن سَ ّ سنّةً حسن ًة فله أجرُها وأجرُ من َ ُ عمِل بها إلى يوم القيامة » . َو ِوزْرُ من َ وفي الصطلح :هي الطّريقة المسلوكة الجارية في الدّين المأثورة عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أو صحبه .لقوله صلى ال عليه وسلم « :عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي » وهي بهذا المعنى مقابلة للبدعة ومضادّة لها تماما . سنّة إطلقات أخرى شرعيّة اشتهرت بها ،منها :أنّها تطلق على الشّريعة كلّها ،كقولهم : ولل ّ سنّة .ومنها :ما هو أحد الدلّة الربعة الشّرعيّة ،وهو ما صدر الولى بالمامة العلم بال ّ ل أو تقريرٍ .ومنها :ما يعمّ النّفل ،وهو ما ل أو فع ٍ عن رسول اللّه -غير القرآن -من قو ٍ فعله خير من تركه من غير افتراضٍ ول وجوبٍ . د -المعصية : - 7العصيان :خلف الطّاعة يقال :عصى العبد ربّه إذا خالف أمره ،وعصى فلن أميره : إذا خالف أمره .وشرعا :عصيان أمر الشّارع قصدا ،وهي ليست بمنزلةٍ واحدةٍ . فهي إمّا كبائر وهي :ما يترتّب عليها حدّ ،أو وعيد بالنّار أو اللّعنة أو الغضب ،أو ما اتّفقت الشّرائع على تحريمه ،على اختلفٍ بين العلماء في تحديدها . وإمّا صغائر وهي :ما لم يترتّب عليها شيء ممّا ذكر إذا اجتنب الصرار عليها ،لقوله ن عنه ُنكَ ّفرْ عنكم سيّئاتِكم } وعلى هذا تكون البدعة أعمّ ج َتنِبُوا َكبَائِرَ ما ُت ْنهَو َ ن َت ْ تعالى { :إ ْ من المعصية ،حيث تشمل المعصية ،كالبدعة المحرّمة والمكروهة كراهة تحريمٍ ،وغير المعصية كالواجبة والمستحبّة والمباحة . هـ – المصلحة المرسلة : – 8المصلحة لغ ًة كالمنفعة وزنا ومعنًى ،فهي مصدر بمعنى الصّلح ،أو هي اسم للواحد من المصالح .والمصلحة المرسلة اصطلحا هي :المحافظة على مقصود الشّرع المنحصر في الضّروريّات .الخمس ،كما قال المام الغزاليّ رحمه ال ،أو هي اعتبار المناسب الّذي ن هذا الفعل فيه منفعة راجحة ل يشهد له أصل معيّن عند الشّاطبيّ ،أو هي أن يرى المجتهد أ ّ وليس في الشّرع ما ينفيه عند ابن تيميّة .أو هي أن يناط المر باعتبارٍ مناسبٍ لم يدلّ ل أنّه ملئم لتصرّفات الشّرع ،إلى غير ذلك من التّعريفات الشّرع على اعتباره ول إلغائه إ ّ الخرى الّتي يرجع لتفاصيلها إلى مصطلح ( مصلحة مرسلة ) .
حكم البدعة التّكليفيّ :
ي من الشّافعيّة ،والمام - 9ذهب المام الشّافعيّ والعزّ بن عبد السّلم وأبو شامة ،والنّوو ّ القرافيّ والزّرقانيّ من المالكيّة ،وابن الجوزيّ من الحنابلة ،وابن عابدين من الحنيفة إلى تقسيم البدعة تبعا للحكام الخمسة إلى :واجب ٍة أو محرّمةٍ أو مندوبةٍ أو مكروهةٍ أو مباحةٍ . ل من هذه القسام أمثلةً : وضربوا لك ّ فمن أمثلة البدعة الواجبة :الشتغال بعلم النّحو ،الّذي يفهم به كلم اللّه وكلم رسوله صلى ل بمعرفة ذلك ،وما ل يتمّ ن حفظ الشّريعة واجب ،ول يتأتّى حفظها إ ّ ال عليه وسلم ل ّ الواجب إلّ به فهو واجب .وتدوين الكلم في الجرح والتّعديل لتمييز الصّحيح من السّقيم ، لنّ قواعد الشّريعة دلّت على أنّ حفظ الشّريعة فرض كفايةٍ فيما زاد على القدر المتعيّن ،ول ل بما ذكرناه . يتأتّى حفظها إ ّ ومن أمثلة البدعة المحرّمة :مذهب القدريّة والخوارج والمجسّمة . ومن أمثلة البدعة المندوبة :إحداث المدارس وبناء القناطر وصلة التّراويح في المسجد جماع ًة . ومن أمثلة المكروهة :زخرفة المساجد وتزويق المصاحف . وأمّا أمثلة البدعة المباحة فمنها :المصافحة عقيب صلة الصّبح والعصر ،ومنها التّوسّع في اللّذيذ من المآكل والمشارب والملبس .هذا وقد قسّم العلماء البدعة المحرّمة إلى بدعةٍ مكفّرةٍ وغير مكفّرةٍ ،وصغيرةٍ وكبيرةٍ على ما سيأتي .
البدعة في العقيدة : ن البدعة في العقيدة محرّمة ،وقد تتدرّج إلى أن تصل إلى الكفر . - 10اتّفق العلماء على أ ّ فأمّا الّتي تصل إلى الكفر فهي أن تخالف معلوما من الدّين بالضّرورة ،كبدعة الجاهليّين الّتي جعَل اللّ ُه من َبحِيرَ ٍة ول سَائِبَةٍ ول َوصِيلَةٍ ول نبّه عليها القرآن الكريم في قوله تعالى { :ما َ ح ّرمٌ على أزواجنا حَامٍ } وقوله تعالى { :وقالوا ما في بطون هذه النعام خالص ٌة ِلذُكورنا و ُم َ وإنْ يكن َم ْيتَةً فهم فيه شركاءُ } وحدّدوا كذلك ضابطا للبدعة المكفّرة ،وهي :أن يتّفق الكلّ على أنّ هذه البدعة كفر صراح ل شبهة فيه .
البدعة في العبادات :
ن البدعة في العبادات منها ما يكون حراما ومعصيةً ،ومنها ما يكون اتّفق العلماء على أ ّ مكروها . أ -البدعة المحرّمة : - 11ومن أمثلتها :بدعة التّبتّل والصّيام قائما في الشّمس ،والخصاء لقطع الشّهوة في الجماع والتّفرّغ للعبادة .لما جاء عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في حديث الرّهط الّذين
فعلوا ذلك « :جاء ثلثةُ رَ ْهطٍ إلى بيوتِ أزواج رسولِ اللّه صلى ال عليه وسلم يسألون عن ن نحنُ من النّبيّ صلى ال عليه وسلم قد غفرَ عبادته ،فلمّا أُخبِروا كأنّهم تَقَالّوها ،فقالوا :وأي َ ل أبدا ،وقال الخر : خرَ .قال أحدُهم :أمّا أنا فإنّي أصلّي اللّي َ اللّه له ما تَ َق ّدمَ من ذنبه وما َتَأ ّ ج أبدا ،فجاء رسول اللّه أنا أصومُ الدّهرَ ول أفطرُ ،وقال الخر :أنا أعتزلُ النّساءَ فل أتزوّ ُ خشَاكم لِلّه وأتقاكُم له . صلى ال عليه وسلم فقال :أنتم الّذين قلتم كذا وكذا ،أمَا واللّه إنّي َلَأ ْ ج النّساء َ ،فمَنْ رغِبَ عن سنّتي فليس منّي » . لكنّي أصومُ وأفطرُ ،وأصلّي وأرقدُ ،وأتزوّ ُ ب -البدعة المكروهة : - 12قد تكون البدعة في العبادات من المكروهات ،مثل الجتماع عشيّة عرفة للدّعاء لغير الحجّاج فيها ،وذكر السّلطين في خطبة الجمعة للتّعظيم ،أمّا للدّعاء فسائغ ،وكزخرفة المساجد .جاء عن محمّد بن أبي القاسم عن أبي البحتريّ قال ":أخبر رجل عبد اللّه بن ن قوما يجلسون في المسجد بعد المغرب فيهم رجل يقول :كبّروا اللّه كذا وكذا ، مسعودٍ أ ّ وسبّحوا اللّه كذا وكذا ،واحمدوا اللّه كذا وكذا ،قال عبد اللّه :فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فأخبرني بمجلسهم ،فأتاهم فجلس ،فلمّا سمع ما يقولون قام فأتى ابن مسعو ٍد فجاء -وكان رجلً حديدا -فقال أنا عبد اللّه بن مسعودٍ ،واللّه الّذي ل إله غيره لقد جئتم ببدعةٍ ظلما ، ولقد فضلتم أصحاب مح ّمدٍ صلى ال عليه وسلم علما .فقال عمرو بن عتبة :أستغفر اللّه . ل بعيدا ". ن ضل ً فقال عليكم بالطّريق فالزموه ،ولئن أخذتم يمينا وشمالً لتضلّ ّ
البدعة في العادات : - 13البدعة في العادات منها المكروه ،كالسراف في المآكل والمشارب ونحوها . ومنها المباح ،مثل التّوسّع في اللّذيذ من المآكل والمشارب والملبس والمساكن ،ولبس ل. الطّيالسة ،وتوسيع الكمام ،من غير سرفٍ ول اختيا ٍ وذهب قوم إلى أنّ البتداع في العادات الّتي ليس لها تعلّق بالعبادات جائز ،لنّه لو جازت ل العادات الّتي حدثت بعد الصّدر الوّل - المؤاخذة في البتداع في العادات لوجب أن تعدّ ك ّ من المآكل والمشارب والملبس والمسائل النّازلة -بدعا مكروهاتٍ ،والتّالي باطل ،لنّه لم يقل أحد بأنّ تلك العادات الّتي برزت بعد الصّدر الوّل مخالف ًة لهم ،ولنّ العادات من الشياء الّتي تدور مع الزّمان والمكان .
دواعي البدعة وأسبابها :
- 14دواعي البدعة وأسبابها وبواعثها كثيرة ومتعدّدة ،يصعب حصرها ،لنّها تتجدّد وتتنوّع حسب الحوال والزمان والمكنة والشخاص ،وأحكام الدّين وفروعه كثيرة ، ل حكمٍ متعدّد الوجوه . والنحراف عنها واتّباع سبل الشّيطان في ك ّ
وكلّ خروجٍ إلى وسيل ٍة من وسائل الباطل ل بدّ له من باعثٍ . ومع ذلك فمن الممكن إرجاع الدّواعي والسباب إلى ما يأتي : أ -الجهل بوسائل المقاصد : - 15أنزل اللّه سبحانه وتعالى القرآن عربيّا ل عجمة فيه ،بمعنى أنّه جارٍ في ألفاظه ومعانيه وأساليبه على لسان العرب ،وقد أخبر اللّه تعالى بذلك فقال { :إنّا أنزلناه قرآنا عربيّا ل إذا فهم اللّسان ن الشّريعة ل تفهم إ ّ } .وقال { :قرآنا عربيّا غير ذي عوجٍ } ومن هذا يعلم أ ّ العربيّ ،لقوله تعالى { :وكذلك أنزلناه حكما عربيّا } والخلل في ذلك قد يؤدّي إلى البدعة . ب -الجهل بالمقاصد : - 16ما ينبغي للنسان أن يعلمه ول يجهله من المقاصد أمران : - 1أنّ الشّريعة جاءت كامل ًة تامّةً ل نقص فيها ول زيادة ،ويجب أن ينظر إليها بعينن ،في عاداتها وعباداتها الكمال ل بعين النّقص ،وأن يرتبط بها ارتباط ثقةٍ وإذعا ٍ ومعاملتها ،وألّ يخرج عنها ألبتّة .وهذا المر أغفله المبتدعة فاستدركوا على الشّرع ، وكذبوا على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .وقيل لهم في ذلك فقالوا :نحن لم نكذب على رسول اللّه وإنّما كذبنا له .وحكي عن محمّد بن سعيدٍ ،المعروف بالردنّيّ ،أنّه قال ":إذا كان الكلم حسنا لم أر فيه بأسا ،أجعل له إسنادا إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ". - 2أن يوقن إيقانا جازما أنّه ل تضادّ بين آيات القرآن الكريم وبين الحاديث النّبويّةبعضها مع بعضٍ ،أو بينها وبين القرآن الكريم ،لنّ النّبع واحد ،وما كان الرّسول صلى ال ن قوما اختلف عليهم المر عليه وسلم ينطق عن الهوى ،إن هو إلّ وحيّ يوحى ،وإ ّ ن ل يجا ِو ُز حناجرَهم » . لجهلهم ،هم الّذين عناهم الرّسول بقوله « :يقرءون القرآ َ فيتحصّل ممّا قدّمنا كمال الشّريعة وعدم التّضادّ بين نصوصها . ت لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمتي أمّا كمال الشّريعة فقد أخبرنا اللّه تعالى بذلك { :اليوم أكمل ُ ورضيتُ لكم السلم دينا } .وأمّا عدم التّضادّ في اللّفظ أو المعنى فقد بيّن اللّه أنّ المتدبّر ل ن الختلف منافٍ للعلم والقدرة والحكمة { أفل َي َتدَ ّبرُونَ القرآنَ يجد في القرآن اختلفا ،ل ّ ن من عندِ غيرِ اللّه لَوَجدوا فيه اختلفا كثيرا } . ولو كا َ ج -الجهل بالسّنّة : سنّة يعني أمرين : سنّة .والجهل بال ّ - 17من المور المؤدّية إلى البدعة الجهل بال ّ سنّة . الوّل :جهل النّاس بأصل ال ّ والثّاني :جهلهم بالصّحيح من غيره ،فيختلط عليهم المر .
أمّا جهلهم بالسّنّة الصّحيحة ،فيجعلهم يأخذون بالحاديث المكذوبة على رسول اللّه صلى ال سنّة تنهي عن ذلك ،كقوله تعالى { :ول تَ ْقفُ ما عليه وسلم .وقد وردت الثار من القرآن وال ّ ك بهِ عِ ْلمٌ إنّ السّمعَ والبصرَ والفؤا َد كلّ أولئك كان عنه َمسْئولً } وقول رسول اللّه ليس َل َ صلى ال عليه وسلم « :من َكذَبَ عليّ ُم َت َعمّدا فَلْ َيتَبوّأ مَ ْق َعدَه من النّارِ » . سنّة في ومن جهلهم بالسّنّة ،جهلهم بدورها في التّشريع ،وقد بيّن اللّه سبحانه وتعالى مكانة ال ّ ل َفخُذُوه وما َنهَاكم عنه فانتهوا } . التّشريع َ { :ومَا آتاكم الرّسو ُ ن بالعقل : د -تحسين الظّ ّ ن بالعقل ،ويتأتّى هذا من جهة أنّ المبتدع - 18ع ّد العلماء من دواعي البدعة تحسين الظّ ّ يعتمد على عقله ،ول يعتمد على الوحي وإخبار المعصوم صلى ال عليه وسلم فيجرّه عقله القاصر إلى أشياء بعيدةٍ عن الطّريق المستقيم ،فيقع بذلك في الخطأ والبتداع ،ويظنّ أنّ عقله موصّله ،فإذا هو مهلكه .وهذا لنّ اللّه جعل للعقول في إدراكها حدّا تنتهي إليه ل تتعدّاه ،من ناحية الكمّ ومن ناحية الكيف . أمّا علم اللّه سبحانه فل يتناهى ،والمتناهي ل يساوي ما ل يتناهى .ويتخلّص من ذلك : - 1أنّ العقل ما دام على هذه الصّورة ل يجعل حاكما بإطلقٍ ،وقد ثبت عليه حاكمبإطلقٍ ،وهو الشّرع ،والواجب عليه أن يقدّم ما حقّه التّقديم ،ويؤخّر ما حقّه التّأخير . - 2إذا وجد النسان في الشّرع أخبارا يقتضي ظاهرها خرق العادة المألوفة -الّتي لميسبق له أن رآها أو علم بها علما صحيحا -ل يجوز له أن يقدّم بين يديه لوّل وهل ٍة النكار بإطلقٍ ،بل أمامه أحد أمرين : الوّل :إمّا أن يصدّق به ويكل العلم فيه للرّاسخين في العلم والمتخصّصين فيه متمثّلً بقوله ن في العلمِ يقولون آ َمنّا به كُلّ من عند ربّنا } تعالى { :والرّاسخو َ الثّا ني :يتأوّل على ما يم كن حمله عل يه من الراء بمقت ضى الظّا هر .ويح كم هذا كلّه قوله ن ل يعلمون } وقوله : ل ْمرِ فاتّ ِبعْها ول َت ّتبِ عْ أهواءَ الّذي َ شرِيعةٍ من ا َ جعَلْناك على َ تعالى { :ث مّ َ عتُ مْ في شيءٍ ن َتنَازَ ْ ن آمنوا أطيعُوا اللّه وأطيعُوا الرّ سولَ وأُولي المرِ من كم فإ ْ { يَا أيّ ها الّذي َ ن باللّه واليوم الخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلً } . فَ ُردّوهُ إلى اللّه والرّسولِ إنْ كنتم تُؤْمنو َ هـ – اتّباع المتشابه : – 19قال بعض العلماء :المتشابه هو ما اختلف فيه من أحكام القرآن ،وقال آخرون :هو ما تقابلت فيه الدلّة .وقد نهى الرّسول صلى ال عليه وسلم عن اتّباع المتشابه بقوله « :إذا ن َي ّت ِبعُون ما َتشَابَهَ منه فأولئك الّذين سمّى اللّه فاح َذرُوهم » وقد ذكرهم القرآن في رأيتم الّذي َ خرُ ُم َتشَابِهاتٌ ن ُأمّ الكتابِ وَُأ َ ح َكمَاتٌ هُ ّ قوله تعالى { :هو الّذي أنزل عليك الكتابَ ِمنْ ُه آياتٌ ُم ْ ن في قُلوبِهم زَيْ ٌغ فَ َي ّت ِبعُون ما َتشَابه مِنه } . َفأَمّا الّذي َ
فليس نظرهم في الدّليل نظر المستبصر حتّى يكون هواه تحت حكمه ،بل نظر من حكم بالهوى .ثمّ أتى بالدّليل كالشّاهد له . و -اتّباع الهوى : - 20يطلق الهوى على ميل النّفس وانحرافها نحو الشّيء ،ث ّم غلب استعماله في الميل سيّئ .ونسبت البدع إلى الهواء ،وسمّي أصحابها بأهل الهواء ، المذموم والنحراف ال ّ لنّهم اتّبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الدلّة مأخذ الفتقار إليها والتّعويل عليها ،بل قدّموا أهواءهم واعتمدوا على آرائهم ،ثمّ جعلوا الدلّة الشّرعيّة منظورا فيها من وراء ذلك . - 21مداخل هذه الهواء : أ -اتّباع العادات والباء وجعلها دينا .قال تعالى في شأن هؤلء { :إنّا َوجَدنا آباءنا على ج ْئتُكم بأَ ْهدَى ممّا ُأمّةٍ وإنّا على آثارِهم ُم ْهتَدون } فقال الحقّ على لسان رسوله { قال أَوََلوْ ِ ج ْدتُم عليه آباءَكم } . َو َ ب -رأي بعض المقلّدين في أئمّتهم والتّعصّب لهم ،فقد يؤدّي هذا التّغالي في التّقليد إلى إنكار بعض النّصوص والدلّة أو تأويلها ،وعدّ من يخالفهم مفارقا للجماعة . ج -التّصوّف الفاسد وأخذ ما نقل عن المتصوّفة من الحوال الجارية عليهم ،أو القوال سنّة . الصّادرة عنهم دينا وشريعةً ،وإن كانت مخالف ًة للنّصوص الشّرعيّة من الكتاب وال ّ د -التّحسين والتّقبيح العقليّان .فإنّ محصول هذا المذهب تحكيم عقول الرّجال دون الشّرع ، وهو أصل من الصول الّتي بنى عليها أهل البتداع في الدّين ،بحيث إنّ الشّرع إن وافق ل ردّ . آراءهم قبلوه وإ ّ هـ -العمل بالحلم .فإنّ الرّؤيا قد تكون من الشّيطان ،وقد تكون من حديث النّفس ،وقد تكون من أخلطٍ مهتاج ٍة .فمتى تتعيّن الرّؤيا الصّالحة النّقيّة حتّى يحكم بها ؟ . ،
أنواع البدعة : تنقسم البدعة من حيث قربها من الدلّة أو بعدها عنها إلى حقيقّيةٍ وإضافيّةٍ .
البدعة الحقيقيّة :
- 22هي الّتي لم يدلّ عليها دليل شرعيّ ،ل من كتابٍ ول سنّ ٍة ول إجماعٍ ول استدللٍ معتبرٍ عند أهل العلم ،ل في الجملة ول في التّفصيل ،ولهذا سمّيت بدعة حقيقيّة ،لنّها شيء مخترع على غير مثالٍ سابقٍ ،وإن كان المبتدع يأبى أن ينسب إليه الخروج عن الشّرع ،إذ ن هذه الدّعوى غير هو م ّدعٍ أنّه داخل بما استنبط تحت مقتضى الدلّة ،ولكن ثبت أ ّ صحيح ٍة ،ل في نفس المر ول بحسب الظّاهر ،أمّا بحسب نفس المر فبالعرض ،وأمّا ن أدلّته شبه وليست بأدلّةٍ ،ومن أمثلتها :التّقرّب إلى اللّه تعالى بالرّهبانيّة بحسب الظّاهر فإ ّ
وترك الزّواج مع وجود الدّاعي إليه وفقد المانع الشّرعيّ ،كرهبانيّة النّصارى المذكورة في ل ابتغا َء رِضْوانِ اللّه } فهذه كانت قبل قوله تعالى َ { :ورَ ْهبَا ِنيّةً اب َتدَعُوها ما ك َت ْبنَاها عليهم إ ّ السلم ،أمّا في السلم فقد نسخت في شريعتنا بمثل قوله صلى ال عليه وسلم « فمن رغب عن سنّتي فليس منّي » . ومنها :أن يفعل المسلم مثل ما يفعل أهل الهند في تعذيب النّفس بأنواع العذاب الشّنيع والقتل بالصناف الّتي تفزع منها القلوب وتقشعرّ منها الجلود ،مثل الحراق بالنّار على جهة استعجال الموت لنيل الدّرجات العليا والقربى من اللّه سبحانه في زعمهم .
البدعة الضافيّة : - 23وهي الّتي لها شائبتان :إحداهما لها من الدلّة متعلّق ،فل تكون من تلك الجهة بدعةً ، والثّانية ليس لها متعلّق إلّ مثل ما للبدعة الحقيقيّة .ولمّا كان العمل له شائبتان ،ولم يتخلّص لحدٍ الطّرفين ،وضعت له هذه التّسمية ،لنّها بالنّسبة إلى إحدى الجهتين سنّة لستنادها إلى دليلٍ ،وبالنّسبة إلى الجهة الخرى بدعة لستنادها إلى شبه ٍة ل إلى دليلٍ ،أو لنّها غير مستند ٍة إلى شيءٍ ،وهذا النّوع من البدع هو مثار الخلف بين المتكلّمين في البدع والسّنن . وله أمثلة كثيرة ،منها :صلة الرّغائب ،وهي :اثنتا عشرة ركعةً في ليلة الجمعة الولى ب بكيفيّةٍ مخصوص ٍة ،وقد قال العلماء :إنّها بدعة قبيحة منكرة .وكذا صلة ليلة من رج ٍ النّصف من شعبان ،وهي :مائة ركع ٍة بكيفيّةٍ خاصّ ٍة .وصلة برّ الوالدين .ووجه كونها بدع ًة إضافيّةً :أنّها مشروعة ،باعتبار النّظر إلى أصل الصّلة ،لحديثٍ رواه الطّبرانيّ في ع » وغير مشروع ٍة باعتبار ما عرض لها من التزام الوقت الوسط « الصّلة خير موضو ٍ المخصوص والكيفيّة المخصوصة . فهي مشروعة باعتبار ذاتها ،مبتدعة باعتبار ما عرض لها .
البدع المكفّرة وغير المكفّرة :
- 24البدع متفاوتة ،فل يصحّ أن يقال :إنّها على حكمٍ واح ٍد هو الكراهة فقط ،أو التّحريم فقط .فقد وجد أنّها تختلف في أحكامها ،فمنها ما هو كفر صراح ،كبدعة الجاهليّة الّتي نبّه ث والنعامِ نَصيبا فقالوا :هذا للّه حرْ ِ جعَلوا للّه ممّا ذَرََأ من ال َ القرآن عليها كقوله تعالى َ { :و َ ن هذه النْعامِ خالصةٌ ش َركَائِنا } الية ،وقوله تعالى { :وقالوا ما في بُطو ِ ع ِمهِمْ وهذا ِل ُ ِبزَ ْ جعَل اللّهُ ش َركَاء } وقوله تعالى { :ما َ ن َميْتةً فهم فيه ُ ن يك ْ لذكورِنا ومح ّرمٌ على أزواجِنا وإ ْ من َبحِيرَ ٍة ول سَا ِئبَةٍ ول َوصِيل ٍة ول حَامٍ } .وكذلك بدعة المنافقين الّذين اتّخذوا الدّين ذريعةً س في قُلوبِهم } فهذا وأضرابه ل لحفظ النّفس والمال وما أشبه ذلك { يقولونَ ِبَأفْوا ِه ِهمْ ما لي َ يشكّ أحد في أنّه كفر صراح ،لبتداعه أشياء أنكرتها النّصوص وتوعّدت عليها .
ومنها ما هو كبيرة وليس بكفرٍ ،أو يختلف فيه هل هو كفر أم ل ؟ كبدع الفرق الضّالّة . ومنها ما هو معصية وليس بكف ٍر اتّفاقا ،كبدعة التّبتّل والصّيام قائما في الشّمس ،والخصاء بقطع شهوة الجماع ،للحاديث الواردة في النّهي عن ذلك ،وقد سبق بعض منها ولقوله تعالى { :ول تَ ْقتُلُوا َأنْ ُفسَكم إنّ اللّه كانَ بِكم رَحيما } .
تقسيم البدع غير المكفّرة إلى كبيرةٍ وصغيرةٍ : - 25إنّ المعاصي منها صغائر ومنها كبائر ،ويعرف ذلك بكونها واقع ًة في الضّروريّات أو الحاجيّات أو التّحسينات ،فإن كانت في الضّروريّات فهي أعظم الكبائر ،وإن وقعت في التّحسينات فهي أدنى رتب ًة بل إشكالٍ ،وإن وقعت في الحاجيّات فمتوسّطة بين الرّتبتين ، ج َتنِبُوا َكبَا ِئرَ ما ن َت ْ ج َت ِنبُون َكبَائِرَ الِإثمِ وال َفوَاحِشَ إلّ الّل َممَ } وقوله { :إ ْ لقوله تعالى { :الّذين َي ْ ن عنه ُنكَ ّفرْ عنكم سيّئاتِكم َو ُن ْدخِلْكم ُمدْخَلً َكرِيما } ،وإذا كانت ليست رتبةً واحد ًة فالبدع ُت ْنهَوْ َ من جملة المعاصي ،وقد ثبت التّفاوت في المعاصي ،فكذلك يتصوّر مثله في البدع ،فمنها ما يقع في الضّروريّات ،ومنها ما يقع في رتبة الحاجيّات ،ومنها ما يقع في رتبة التّحسينات .وما يقع في رتبة الضّروريّات ،منه ما يقع في الدّين ،أو النّفس ،أو النّسل ،أو العقل ،أو المال .فمثال وقوعه في الدّين :اختراع الكفّار وتغييرهم ملّة إبراهيم عليه السلم في نحو جعَل اللّ ُه من َبحِير ٍة ول سَائبةٍ ول َوصِيل ٍة ول حامٍ } وحاصل ما في الية تحريم قوله { :ما َ ما أحلّ اللّه على نيّة التّقرّب به إليه ،مع كونه حللً بحكم الشّريعة المتقدّمة .ومثال ما يقع في النّفس :ما عليه بعض نحل الهند ،من تعذيبها أنفسها بأنواع العذاب واستعجال الموت ، لنيل الدّرجات العلى على زعمهم . ومثال ما يقع في النّسل :ما كان من أنكحة الجاهليّة الّتي كانت معهودةً ومعمولً بها ومتّخذةً كالدّين ،وهي ل عهد بها في شريعة إبراهيم عليه السلم ول غيره ،بل كانت من جملة ما اخترعوه .من ذلك ما روته عائشة رضي ال عنها في حديث أنكحة الجاهليّة . ومثال ما يقع في العقل :ما يتناول من المسكرات والمخدّرات بدعوى تحصيل النّفع والتّقوّي على القيام ببعض الواجبات المشروعة في ذاتها .ومثال ما يقع في المال :قولهم { إنّما ال َبيْعُ ِمثْلُ الرّبا } فإنّهم احتجّوا بقياسٍ فاسدٍ .وكذلك سائر ما يحدث النّاس بينهم من البيوع المبنيّة على المخاطرة والغرر . - 26هذا التّقسيم من حيث اعتبار البدعة كبير ًة أو صغير ًة مشروط بشروطٍ : الوّل :ألّ يداوم عليها ،فإنّ الصّغيرة من المعاصي لمن داوم عليها تكبر بالنّسبة إليه ،لنّ ذلك ناشئ عن الصرار عليها ،والصرار على الصّغيرة يصيّرها كبير ًة ،ولذلك قالوا :ل صغيرة مع إصرارٍ ،ول كبيرة مع استغفارٍ ،فكذلك البدعة من غير فرقٍ .
ل يدعو إليها .فإذا ابتلي إنسان ببدع ٍة فدعا إليها تحمّل وزرها وأوزار الخرين معه الثّاني :أ ّ ن سنّ ًة سيّئةً فعليه وزرها ووزر ،مصداقا لقول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :من س ّ من عمل بها إلى يوم القيامة » . الثّالث :ألّ تفعل في الماكن العامّة الّتي يجتمع فيها النّاس ،أو المواضع الّتي تقام فيها السّنن ل يكون ممّن يقتدى به أو يحسن به الظّنّ ،فإنّ العوّام ،وتظهر فيها أعلم الشّريعة ،وأ ّ ن به ،فتعمّ البلوى ويسهل على يقتدون -بغير نظرٍ -بالموثوق بهم أو بمن يحسنون الظّ ّ النّاس ارتكابها .
تقسيم المبتدع إلى داعيةٍ لبدعته وغير داعيةٍ : - 27المنسوب إلى البدعة في العرف ل يخلو أن يكون مجتهدا فيها أو مقلّدا ،والمقلّد إمّا أن يكون مقلّدا مع القرار بالدّليل الّذي زعمه المجتهد المبتدع ،وإمّا أن يكون مقلّدا من غير نظرٍ ،كالعا ّميّ الصّرف الّذي حسّن الظّنّ بصاحب البدعة ،ولم يكن له دليل على التّفصيل يتعلّق ن بالمبتدع خاصّةً .وهذا القسم كثير في العوّام ،فإذا تبيّن أنّ المبتدع به ،إلّ تحسين الظّ ّ آثم ،فليس الثم الواقع عليه على رتبةٍ واحد ٍة .بل هو على مراتب مختلف ٍة ،من جهة كون ن الزّيغ في قلب الدّاعي أمكن منه في قلب المقلّد ،ولنّه صاحب البدعة داعيا إليها أم ل ،ل ّ ن سنّةً سيّئةً سنّة ،ولنّه يتحمّل وزر من تبعه ،مصداقا لحديث « :من س ّ أوّل من سنّ تلك ال ّ فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة » . كما يختلف الثم بالنّسبة إلى السرار والعلن ،لنّ المسرّ ضرره مقصور عليه ل يتعدّاه ، بخلف المعلن .كما يختلف كذلك من جهة الصرار عليها أو عدمه ،ومن جهة كونها حقيقيّةً أو إضافيّةً ،ومن جهة كونها كفرا أو غير كفرٍ .س
رواية المبتدع للحديث :
- 28ردّ العلماء رواية من كفر ببدعته ،ولم يحتجّوا به في صحّة الرّواية . ولكنّهم شرطوا للكفر بالبدعة ،أن ينكر المبتدع أمرا متواترا من الشّرع معلوما من الدّين بالضّرورة .أمّا من لم يكفر ببدعته ،فللعلماء في روايته ثلثة أقوالٍ : ج بروايته مطلقا ،وهو رأي المام مالكٍ ،لنّ في الرّواية عن المبتدع ترويجا الوّل :ل يحت ّ لمره وتنويها بذكره ،ولنّه أصبح فاسقا ببدعته . ج به إن لم يكن ممّن يستحلّ الكذب في نصرة مذهبه ،سواء أكان داعيةً أم ل ، الثّاني :يحت ّ وهو قول الشّافعيّ وأبي يوسف والثّوريّ . ج به إن لم يكن داعيا إلى بدعته ،ول يحتجّ به إن كان داعي ًة إليها . الثّالث :قيل يحت ّ
قال النّوويّ والسّيوطيّ :هذا القول هو العدل والظهر ،وهو قول الكثير أو الكثر ،ويؤيّده احتجاج البخاريّ ومسلمٍ في الصّحيحين بكثيرٍ من المبتدعة غير الدّعاة .
شهادة المبتدع : - 29ردّ المالكيّة والحنابلة شهادة المبتدع ،سواء أكفر ببدعته أم ل ،وسواء أكان داعيا لها ن المبتدع فاسق تردّ أم ل .وهو رأي شريكٍ وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثورٍ ،وعلّلوا ذلك بأ ّ ن جَا َء ُكمْ فاسقٌ ِب َن َبأٍ َفتَ َب ّينُوا } ل ِمنْكم } ولقوله تعالى { :إ ْ عدْ ٍ ش ِهدُوا ذَ َويْ َ شهادته للية { :وَأ ْ وقال الحنفيّة والشّافعيّة في الرّاجح عندهم :تقبل شهادة المبتدع ما لم يكفر ببدعته ،كمنكر صفات اللّه وخلقه لفعال العباد ،لنّهم يعتقدون أنّهم مصيبون في ذلك لما قام عندهم من الدلّة . وقال الشّافعيّة في المرجوح عندهم :ل تقبل شهادة المبتدع الدّاعي إلى البدعة .
الصّلة خلف المبتدع
- 30اختلف العلماء في حكم الصّلة خلف المبتدع .فذهب الحنفيّة ،والشّافعيّة ،وهو رأي للمالكيّة إلى جواز الصّلة خلف المبتدع مع الكراهة ما لم يكفر ببدعته ،فإن كفر ببدعته فل تجوز الصّلة خلفه .واستدلّوا لذلك بأدلّةٍ منها :قوله صلى ال عليه وسلم « صَلّوا خ ْلفَ مَنْ ل اللّه » وقوله « :صَلّوا خلفَ كلّ َبرّ وفاجرٍ » . قال ل إِلهَ إ ّ ن ابن عمر رضي ال عنهما كان يصلّي مع الخوارج وغيرهم زمن عبد اللّه وما روي من أ ّ بن الزّبير وهم يقتتلون ،فقيل له :أتصلّي مع هؤلء ومع هؤلء ،وبعضهم يقتل بعضا ؟ ي على الفلح أجبته .ومن قال :حيّ ي على الصّلة أجبته ،ومن قال :ح ّ فقال ":من قال ح ّ على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت :ل ". ن المبتدع المذكور تصحّ صلته ،فصحّ الئتمام به كغيره . ول ّ وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ من صلّى خلف المبتدع الّذي يعلن بدعته ويدعو إليها أعاد صلته ندبا ،وأمّا من صلّى خلف مبتدعٍ يستتر ببدعته فل إعادة عليه . ل أن يَ ْق َهرَه واستدلّوا بقوله صلى ال عليه وسلم « :ل تَ ُؤمّنّ امرأ ٌة رجلً ،ول فاجرٌ مؤمنا إ ّ ن ،أو يخافَ سوطَه أو سيفه » . بسلطا ٍ
ولية المبتدع : ن من شروط أصحاب الوليات العامّة -كالمام العظم الخليفة - 31اتّفق العلماء على أ ّ وأمراء الوليات والقضاة وغيرهم -العدالة ،وألّ يكونوا من أصحاب الهواء والبدع ،وذلك لتكون العدالة وازعةً عن التّقصير في جلب المصالح ودرء المفاسد ،وحتّى ل يخرجه الهوى ق إلى الباطل ،وقد ورد " :حبّك الشّيء يعمي ويصمّ " . من الح ّ
ولكنّ ولية المتغلّب على المامة أو غيرها من الوليات تنعقد ،وتجب طاعته فيما يجوز من أمره ونهيه وقضائه باتّفاق الفقهاء ،وإن كان من أهل البدع .والهواء ،ما لم يكفر ببدعته ، درءا للفتنة ،وصونا لشمل المسلمين ،واحتفاظا بوحدة الكلمة .
الصّلة على المبتدع : - 32اختلف الفقهاء في الصّلة على المبتدع الميّت ،فذهب جمهور العلماء إلى وجوب الصّلة على المبتدع الّذي لم يكفر ببدعته ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :صلّوا على من قال ل إله إلّ اللّه » . إلّ أنّ المالكيّة يرون كراهية صلة أصحاب الفضل على المبتدع ،ليكون ذلك ردعا وزجرا ي صلى ال عليه وسلم أتي برجلٍ قتل نفسه لم يصلّ عليه ن « النّب ّ لغيرهم عن مثل حالهم ،ول ّ » .وذهب الحنابلة إلى منع الصّلة على المبتدع ،لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم « ترك الصّلة على صاحب الدّين وقاتل نفسه » وهما أقلّ جرما من المبتدع .
توبة المبتدع :
- 33اختلف العلماء في قبول توبة المبتدع المكفّر ببدعته ،فقال جمهور كلّ من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بقبول توبته ،لقوله تعالى { :قُلْ لِلّذين َكفَروا إنْ ِينْتهُوا ُيغْ َفرْ لهم ما َقدْ سََلفَ } ولقوله صلى ال عليه وسلم ُ « :أ ِمرْتُ أنْ أُقاتلَ النّاسَ حتّى يقولُوا :ل إلهَ إلّ ل ِبحَقّها ،وحسابُهم على اللّه » ومن صمُوا منّي دماءَهم وأموالَهم إ ّ ع َ اللّه ،فإذا قالوها فقد َ الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة من يرى أنّ توبة المبتدع ل تقبل إذا كان ممّن يظهر السلم ويبطن الكفر ،كالمنافق والزّنديق والباطنيّ ،لنّ توبته صدرت عن خوفٍ ،ولنّه ل تظهر منه علمة تبيّن صدق توبته ،حيث كان مظهرا للسلم مسرّا للكفر ،فإذا أظهر التّوبة لم يزد على ما كان منه قبلها ،واستدلّوا لذلك ببعض الحاديث ،ومنها قوله صلى ال عليه وسلم « :سيخرجُ في أمّتي أقوا ٌم تجاري بهم تلك الهواءُ ،كما يتجارى الكلبُ بصاحبه ،ل يبقى منه عرقٌ ول مفصلٌ إلّ َدخَلَه » .وهذا الخلف بين العلماء في قبول توبة المبتدع ينحصر فيما يتعلّق بأحكام الدّنيا في حقّه ،أمّا ما يتعلّق بقبول اللّه تعالى لتوبته وغفرانه لذنبه إذا أخلص وصدق في توبته فل خلف فيه .
ما يجب على المسلمين تجاه البدعة : - 34ينبغي على المسلمين تجاه البدعة أشياء لمنع الوقوع فيها -منها : أ -تعهّد القرآن وحفظه وتعليمه وبيان أحكامه ،لقوله تعالى { :وَأ ْنزَلْنا إليك الذّكرَ ِل ُت َبيّنَ للنّاسِ ما ُنزّلَ إليهم } ولقول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « خيرُكم من تعّلمَ القُرآنَ وعّلمَه » وفي رواي ٍة « َأ ْفضَلُكم من تعّلمَ القُرآنَ وعّلمَه » وقوله صلى ال عليه وسلم :
ن في تعليم ن فوالّذي نفسي بيده َل ُهوَ أشدّ تَ َفصّيا من البِلِ في عُقُلِها » ل ّ « َتعَاهَدُوا القرآ َ القرآن وبيان أحكامه قطع الطّريق على المبتدعين بإظهار الحكام الشّرعيّة . خذُوه وما َنهَاكم عنه سنّة والتّعريف بها :لقوله تعالى { :وما آتاكم الرّسولُ َف ُ ب -إظهار ال ّ ن لهم ن ول مُؤْمن ٍة إذا َقضَى الّلهُ ورسولُه أمرا أن يكو َ فا ْن َتهُوا } وقوله تعالى { :وما كان ِلمُؤْم ٍ خيَرَ ُة من أمرِهم ومن يعص الّلهَ ورسولَه فقد ضلّ ضَللً مُبينا } .وعن رسول اللّه صلى ال ِ سمِع منّا حديثا َفحَ ِفظَهُ حتّى ُيبَّلغَ ُه غيرَه » . ضرَ الّلهُ امْرأً َ ال عليه وسلم « :نَ ّ سنّ ِة » . ع ًة إلّ ُرفِعَ ِمثْلُها من ال ّ وعن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :ما أحدثَ قومٌ ِبدْ َ ج -عدم قبول الجتهاد ممّن ل يتأهّل له ،ور ّد الجتهاد في الدّين من المصادر غير المقبولة عتُم في شيءٍ ن ُكنْتم ل َتعْلَمون } وقوله { :فإنْ َتنَازَ ْ ،لقوله تعالى { :فاسْألوا أهل ال ّذ ْكرِ إ ْ ن في العلمِ } . ل اللّ ُه والرّاسخو َ فَ ُردّوهُ إلى الّلهِ والرّسولِ } وقوله { :وما َيعْلمُ َتأْويلَه إ ّ د -نبذ التّعصّب لرأيٍ من الراء أو اجتهادٍ من الجتهادات ،ما لم يكن مؤيّدا بالحقّ من ن أضلّ ِممّن ا ّتبَعَ َهوَا ُه بِغيرِ هُدىً من الّلهِ } . الدلّة الشّرعيّة لقوله تعالى َ { :ومَ ْ هـ – منع العامّة من القول في الدّين ،وعدم العتداد بآرائهم مهما كانت مناصبهم وتقواهم إلّ بالدّليل .يقول أبو يزيد البسطاميّ :لو نظرتم إلى رجلٍ أعطي من الكرامات حتّى يرتقي في الهواء ،فل تغترّوا به حتّى تنظروا كيف تجدونه عن المر والنّهي وحفظ الحدود وأداء ل وفعلً نطق بالحكمة ، سنّة على نفسه قو ً الشّريعة .وقال أبو عثمان الحيريّ :من أمّر ال ّ ومن أمّر الهوى على نفسه نطق بالبدعة .قال تعالى { :وَِإنْ ُتطِيعو ُه َت ْه َتدُوا } . و -صدّ ال ّتيّارات الفكريّة المضلّلة الّتي تشكّك النّاس في الدّين ،وتحمل بعضهم على التّأويل ن أُوتوا الكِتابَ َي ُردّو ُكمْ بغير دليلٍ لقوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا إن تُطِيعُوا فَريقا ِمنَ الّذي َ بعدَ إِيمانِكُم كافرين } .
ما يجب على المسلمين تجاه أهل البدعة : - 35يجب على المسلمين من أولي المر وغيرهم أن يأمروا أهل البدع بالمعروف وينهوهم سنّة والقلع عن البدعة والبعد عنها .لقوله تعالى { : عن المنكر ،ويحضّوهم على اتّباع ال ّ ك ُهمُ ن منكم ُأمّ ٌة َيدْعون إلى الخيرِ َو َيأْمرون بالمعروفِ و َي ْنهَونَ عن المنكَرِ وأولئ َ و ْل َتكُ ْ ن بِالمَعْروفِ المفلحون } ولقوله تعالى { :والمؤمنونَ والمؤمناتُ بعضُه ْم أَوْليا ُء بعضٍ َي ْأمُرو َ و َي ْنهَوْن عن المنكَرِ } . 36
-مراحل المر بالمعروف والنّهي عن المنكر لمنع البدعة :
أ -التّعريف ببيان الصّواب من الخطأ بالدّليل .
ظةِ عَ ح ْكمَةِ والمَوْ ِ ب -الوعظ بالكلم الحسن مصداقا لقوله تعالى ُ { :ا ْدعُ إلى سبيلِ ربّك بال ِ سنَةِ } . حَ ال َ ج -التّعنيف والتّخويف من العقاب الدّنيويّ والخرويّ ،بيان أحكام ذلك في أمر بدعته . ض المجالس . د -المنع بالقهر ،مثل كسر الملهي وتمزيق الوراق وف ّ هـ -التّخويف والتّهديد بالضّرب الّذي يصل إلى التّعزير ،وهذه المرتبة ل تنبغي إلّ للمام أو بإذنه ،لئلّ يترتّب عليها ضرر أكبر منها . وللتّفصيل يرجع إلى مصطلح ( المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ) .
معاملة المبتدع ومخالطته : - 37إذا كان المبتدع غير مجاهرٍ ببدعته ينصح ،ول يجتنب ول يشهّر به ،لحديث الرّسول س َترَ ُه اللّ ُه في الدّنيا والخرة » . س َترَ ُمسْلِما َ ن َ صلى ال عليه وسلم « :مَ ْ وأمّا إذا كان مجاهرا بشيءٍ منهيّ عنه من البدع العتقاديّة أو القوليّة أو العمليّة -وهو يعلم ن هجره ،وقد اشتهر هذا عند العلماء .وروي عن عمر بن الخطّاب رضي ذلك -فإنّه يس ّ ل ال َقدَر ،ول تُفَا ِتحُوهم » ال عنه أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :ل ُتجَاِلسُوا أه َ ب أن يكرم دينه فليعتزل مخالطة الشّيطان ومجالسة أصحاب وقال ابن مسعودٍ ":من أح ّ الهواء ،فإنّ مجالسهم ألصق من الحرب ". وعن ابن عمر مرفوعا « :ل ُتجَالسوا أهلَ القدرِ ول تُنا ِكحُوهم » .وعن أبي قلبة " ل تجالسوا أهل الهواء ،فإنّي ل آمن أن يغمسوكم في ضللتهم ،أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون " وقد هجر أحمد من قالوا بخلق القرآن .قال ابن تيميّة :ينبغي لهل الخير والدّين أن يهجروا المبتدع حيّا وميّتا ،إذا كان في ذلك كفّ للمجرمين ،فيتركوا تشييع جنازته .
إهانة المبتدع :
- 38صرّح العلماء بجواز إهانة المبتدع بعدم الصّلة خلفه ،أو الصّلة على جنازته ،وكذلك ل يعاد إذا مرض ،على خلفٍ في ذلك .
بدل * انظر :إبدال .
التّعريف :
بدنة *
- 1البدنة في اللّغة :من البل خاصّ ًة ،ويطلق هذا اللّفظ على الذّكر والنثى ،والجمع البدن .وسمّيت بدن ًة لضخامتها .
قال في المصباح المنير :والبدنة قالوا :هي ناقة أو بقرة ،وزاد الزهريّ :أو بعير ذكر . قال :ول تطلق البدنة على الشّاة . ن البقرة لمّا صارت في الشّريعة في حكم وفي الصطلح :البدنة اسم تختصّ به البل ،إلّ أ ّ حرْنا مع رسولِ اللّه صلى ال عليه البدنة قامت مقامها ،وذلك لما قال جابر بن عبد اللّه َ « :ن َ وسلم عا َم الحديبي ِة البدنةَ عن سبعةٍ ،والبقرةَ عن سبعةٍ » فصار البقر في حكم البدن مع تغايرهما لوجود العطف بينهما ،والعطف يقتضي المغايرة . ومع هذا فقد أطلق بعض الفقهاء " البدنة " على البل والبقر .
الحكم الجماليّ : تتعلّق بالبدن أحكام خاصّة منها :
أ -بول البدن و َروْثها :
- 2ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى نجاسة بول وروث الحيوان ،سواء أكان ممّا يؤكل لحمه أم ل ،ومن الحيوان :البدن .لما روى البخاريّ « أنّه صلى ال عليه وسلم لمّا جيء له بحجرين َورَ ْو َثةٍ ليستنجي بها ،أخذ الحجرين وردّ الرّوثة ،وقال :هذا ركس » والرّكس : النّجس .وأمّا نجاسة البول فلعموم قوله صلى ال عليه وسلم َ « :تنَزّهوا من البول ،فإنّ ب القبرِ منه » حيث يدخل فيه جميع أنواع البوال . عامّةَ عذا ِ وذهب المالكيّة والحنابلة إلى طهارة بول وروث ما يؤكل لحمه ،لنّه « صلى ال عليه وسلم شرَبُوا من أبوالها وألبانها » والنّجس ل يباح شربه ، أمر ال ُعرَنيّين أن يَ ْلحَقُوا بإِبلِ الصّدقة ،فَ َي ْ ولنّه « صلى ال عليه وسلم كان يصلّي في مرابض الغنم ،وأمر بالصّلة فيها » .
ب -نقض الوضوء : ن أكل لحم الجزور -وهو لحم البل -ل ينقض الوضوء ، - 3ذهب جمهور العلماء إلى أ ّ لما روى ابن عبّاسٍ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :الوضو ُء ممّا خرج ل ممّا دخل » ،ولما روى جابر قال « :كان آخ ُر المرين عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم تركُ الوضو ِء ممّا َمسّتِ النّار » ولنّه مأكول أشبه سائر المأكولت . صدّيق وعمر وعثمان وعليّ وابن مسعو ٍد وأبيّ بن كعبٍ وهذا القول مرويّ عن أبي بكرٍ ال ّ وأبي طلحة وأبي الدّرداء وابن عبّاسٍ وعامر بن ربيعة وأبي أمامة ،وبه قال جمهور التّابعين ،وهو مذهب الحنفيّة والمالكيّة ،والصّحيح من مذهب الشّافعيّة . وذهب الحنابلة ،والشّافعيّ في القديم إلى وجوب الوضوء من أكل لحم الجزور على كلّ حالٍ ،نيئا أو مطبوخا ،عالما كان أو جاهلً .وبه قال إسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى . وحكاه الماورديّ عن جماع ٍة من الصّحابة ،منهم :زيد بن ثابتٍ وابن عمر وأبو موسى وأبو
طلحة ،واختاره من الشّافعيّة أبو بكر بن خزيمة وابن المنذر ،وأشار البيهقيّ إلى ترجيحه واختياره ،وقوّاه النّوويّ في المجموع . واستدلّوا بحديث البراء بن عازبٍ قال « :سئل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن لحوم البل ،فقال :توضّئوا منها ،وسئل عن لحوم الغنم ،فقال :ل يُتوضّأ منها » وبقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم { :توضّئوا من لحوم البل ،ول تتوضّئوا من لحوم الغنم } . أمّا ألبان البل ،فعند الحنابلة روايتان في نقض الوضوء بشربها : ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال : إحداهما :ينقض الوضوء ،لما روى أسيد بن حضيرٍ أ ّ « توضّئوا من لحوم البل وألبانها » . والثّانية :ل وضوء فيه ،لنّ الحديث الصّحيح إنّما ورد في اللّحم ،ورجّح هذا القول صاحب كشّاف القناع .
ج -سؤر البدنة : - 4اتّفق الفقهاء على طهارة سؤر البدنة ،وسائر البل والبقر والغنم ،ول كراهة في أسآرها ما لم تكن جلّال ًة . ن سؤر ما أكل لحمه يجوز شربه والوضوء به . قال ابن المنذر :أجمع أهل العلم على أ ّ
د -الصّلة في أعطان البل ومرابض البقر :
- 5ذهب جمهور العلماء إلى كراهة الصّلة في معاطن البل . وقد ألحق الحنفيّة بالبل البقر في الكراهة .
ن البقر كالغنم في جواز الصّلة في مرابضها . وقال المالكيّة والشّافعيّة :إ ّ وذهب الحنابلة إلى عدم صحّة الصّلة في أعطان البل ،وهي :ما تقيم فيه وتأوي إليه . أمّا مواضع نزولها في سيرها فل بأس بالصّلة فيه .
هـ – الدّماء الواجبة : – 6تجزئ البدنة عن سبع ٍة في حالتي القران والتّمتّع ،وفي الضحيّة ،وفي فعل بعض المحظورات أو ترك بعض الواجبات حال الحرام بحجّ أو عمرةٍ . وتجب عند الحنفيّة بدنة كاملة على الحائض والنّفساء إذا طافتا . كما تجب بدنة كاملة إذا قتل المحرم صيدا كبيرا ،كالزّرافة والنّعامة ،على التّخيير المفصّل ج والعمرة قبل التّحلّل الصغر ، في موضعه .وتجب أيضا على من جامع حال الحرام بالح ّ ج ،وهدي ،وصيد ). على خلفٍ وتفصيلٍ يرجع إليه في المصطلحات التّالية ( :إحرام ،وح ّ
و -الهدي :
- 7اتّفق الفقهاء على أنّ الهدي سنّة ،ول يجب إلّ بالنّذر .ويكون من البل والبقر والغنم ، ل الثّنيّ من البل ،وهو ما كمّل خمس سنين ودخل في السّادسة . ول يجزئ إ ّ ففي الصّحيحين « :أنّه صلى ال عليه وسلم أهدى في حجّة الوداع مائة بدنةٍ » . ظمْ شَعائرَ اللّه فإنّها من ن ُيعَ ّ ويستحبّ أن يكون ما يهديه سمينا حسنا ،لقوله تعالى َ { :ومَ ْ تَقْوى القلوبِ } فسّرها ابن عبّاسٍ بالستسمان والستحسان .ويستحبّ تقليد البدنة في الهدي . وهناك تفصيلت تنظر في مصطلح ( حجّ ،وهدي ،وإحرام ،وقران ،وتمتّع ) .
ز -ذكاة البدنة : ص البل -ومنها البدنة -بالنّحر ،فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى س ّنيّة نحر البل . - 8تخت ّ وذهب المالكيّة إلى وجوب نحرها ،وألحقوا بها الزّرافة . وأمّا ذبحها ،فقد قال بجوازه الشّافعيّة والحنابلة ،وكرهه الحنفيّة كراهة تنزي ٍه ،على ما نقله ابن عابدين عن أبي السّعود عن الدّيريّ . وقال المالكيّة :جاز الذّبح في البل ،والنّحر في غيرها للضّرورة .ث ّم النّحر -كما قال ابن عابدين -هو قطع العروق في أسفل العنق عند الصّدر ،أمّا الذّبح فقطعها في أعله تحت سنّة نحرها قائمةً معقولةً يدها اليسرى ،لما ورد عن عبد الرّحمن بن سابطٍ : اللّحيين .وال ّ ي صلى ال عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى ،قائمةً على ن النّب ّ «أّ جنُوبها } دليل على أنّها تنحر قائمةً . ت ُ جبَ ْ ما بقي من قوائمها » وفي قوله تعالى { :فإذا َو َ وكيفيّته :أن يطعنها بالحربة في الوهدة الّتي بين أصل العنق والصّدر .
ج -الدّيات :الدّية بدل النّفس :
- 9وقد اتّفق الفقهاء على جواز الدّية في :البل والذّهب والفضّة ،واختلفوا في الخيل والبقر والغنم .وللتّفصيل ينظر مصطلح ( دية ) .
بدو * التّعريف : -1البادية :خلف الحاضرة .قال اللّيث :البادية اسم للرض الّتي ل حضر فيها ،والبادي :هو المقيم في البادية ،ومسكنه المضارب والخيام ،ول يستقرّ في موضعٍ معيّنٍ .والبدو : سكّان البادية ،سواء أكانوا من العرب أم من غيرهم ،أمّا العراب فهم سكّان البادية من العرب خاصّةً .وفي الحديث « :من بدا جفا » أي :من نزل البادية صار فيه جفاء العراب .ول يختلف استعمال الفقهاء عن ذلك .
الحكام المتعلّقة بالبدو :
ن الحكام تتعلّق بالمكلّف بقطع النّظر عن مكان سكناه ،وبذلك - 2الصل في الشّرع أ ّ ل ما ورد على سبيل الستثناء من هذه القاعدة ،بسبب تستوي أحكام البدو والحضر ،إ ّ اختلف طبيعة حياة البدو عن طبيعة حياة الحضر ،فتبعا لهذا الختلف تختلف بعض الحكام ،وسيأتي أهمّها .
أ -الذان في البادية : ن للبادي الذان عند كلّ صل ٍة في باديته ،لحديث رسول اللّه صلى ال عليه وسلم - 3يس ّ ن ،وارفع صوتك ب الغنم والبادية .فإذا دخل وقت الصّلة فأذّ ْ لبي سعيدٍ « :إنّك رجل تح ّ ل شهد له يوم القيامة ن ول إنسٌ ول شيء إ ّ بالنّداء ،فإنّه ل يسمع مدى صوت المؤذّن جِ ّ » ( ر :أذان ) .
ب -سقوط الجمعة والعيدين :
ح جمعة لعدم الستيطان - 4ل تجب الجمعة على أهل البادية .ولو أقاموها في باديتهم ل تص ّ ،حيث لم يؤمر بها البدو ممّن كانوا حول المدينة ول قبائل البادية ممّن أسلموا ،ول أقاموها ، ولو أقاموها لنقل ذلك ،بل ل تجزئهم عن الظّهر ،ولكن إذا كانوا مقيمين بموضعٍ يسمعون فيه نداء الحضر وجبت عليهم .
ج -وقت الضحيّة : - 5يرى الجمهور أنّ وقت الضحيّة للبدو كوقته للحضر ،وخالف في ذلك الحنفيّة حيث قالوا :لمّا كانت ل تجب على البدو صلة العيد ،فإنّه يجوز لهم أن يذبحوا أضاحيهم بعد طلوع الفجر الصّادق من يوم العيد ،في حين ل يجوز لهل الحضر أن يذبحوا أضاحيهم إلّ ن صلة العيد واجبة عليهم . بعد صلة العيد ،ل ّ
د -عدم استحقاقهم العطاء :
ص أهل الحاضرة بالعطاء ،أمّا البدو فل يفرض لهم فريضة راتبة تجري عليهم من - 6يخت ّ بيت المال ،ل أعطية المقاتلة ،ول أرزاق ال ّذرّيّة ،حتّى قال أبو عبيدٍ :فلم يبلغنا عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ول عن أحدٍ من الئمّة بعده أنّه فعل ذلك -أي أعطى البدو عطاء الجند وأرزاق الذّ ّريّة -إلّ بأهل الحاضرة ،الّذين هم أهل الغناء عن السلم .ولحديث بريدة ش أو سريّةٍ ، مرفوعا قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا أمّر أميرا على جي ٍ أوصاه في خاصّته بتقوى اللّه ومن معه من المسلمين خيرا .ثمّ قال :اغزوا باسم اللّه في سبيل اللّه .قاتلوا من كفر باللّه .اغزوا ول تغلّوا ،ول تغدروا ،ول تمثّلوا ،ول تقتلوا ن ما أجابوك ل ) َفَأيّته ّ وليدا ،وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلث خصالٍ( أو خل ٍ فاقبل منهم وكفّ عنهم .ثمّ ادعهم إلى السلم ،فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم .ثمّ
ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين ،وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك ،فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين .فإن أبوا أن يتحوّلوا منها ،فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين ،يجري عليهم حكم اللّه الّذي يجري على المؤمنين ،ول يكون لهم في ل أن يجاهدوا مع المسلمين .فإن هم أبوا َفسَ ْلهُم الجزية .فإن هم الغنيمة والفيء شيء .إ ّ أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم ،فإن هم أبوا فاستعن اللّه وقاتلهم .وإذا حاصرت أهل حصنٍ ،فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة اللّه وذمّة نبيّه ،فل تجعل لهم ذمّة اللّه ول ذمّة نبيّه . ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك .فإنّكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم ،أهون من أن تخفروا ذمّة اللّه وذمّة رسوله .وإذا حاصرت أهل حصنٍ ،فأرادوك أن تنزلهم على حكم اللّه ،فل تنزلهم على حكم اللّه ،ولكن أنزلهم على حكمك ،فإنّك ل تدري أتصيب حكم اللّه فيهم أم ل » . ولكن لهل البادية على المام وعلى المسلمين نصرهم والدّفع عنهم بالبدان والموال إن اعتدي عليهم ،والمئونة والمواساة إذا نزلت بهم جائحة أو جدب .
هـ -عدم دخول البدو في عاقلة الحضر وعكسه : - 7ل يدخل البدويّ في عاقلة القاتل الحضريّ ،ول الحضريّ في عاقلة البدويّ القاتل ،لعدم التّناصر بينهما ،كما يقول المالكيّة .وللتّفصيل ( ر :عاقلة )
و -إمامة البدويّ :
- 8تكره إمامة العرابيّ في الصّلة كما يقول الحنفيّة ،لنّ الغالب عليهم الجهل بالحكام . وقد ذكر الفقهاء ذلك في كتاب الصّلة ،باب صلة الجماعة ( .ر :إمامة الصّلة ،وصلة الجماعة )
ز -نقل اللّقيط إلى البادية وحكمه : - 9إذا وجد حضريّ أو بدويّ لقيطا في الحضر فليس له نقله إلى البادية ،لما في ذلك من الضّرر عليه بفوات الدّين والعلم والصّنعة ،أمّا إن وجده في البادية فله أن ينقله إلى الحاضرة ،لنّ في نقله مصلحةً له .وله أن يبقيه في البادية . كما صرّح الشّافعيّة بذلك ،وتنظر التّفاصيل في ( لقيط )
ح -شهادة البدويّ على الحضريّ :
- 10اختلف في شهادة البدويّ على الحضريّ ،فأجازها الجمهور ،ومنعها المالكيّة .لقول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :ل تجوز شهادة بدويّ على صاحب قريةٍ » ولنّهم في الغالب ل يضبطون الشّهادة على وجهها .
ط -عدم الحتكام إلى عاداتهم فيما يحلّ أكله :
- 11يقتصر على العرب من الحاضرة -عند الشّافعيّة والحنابلة -في تحديد من يرجع إليهم في معرفة المستخبث والطّيّب ،ممّا لم ينصّ على حكمه من الطّعام . قال النّوويّ :يرجع في ذلك إلى العرب من أهل الرّيف والقرى وأهل اليسار والغنى ،دون الجلف من أهل البادية والفقراء وأهل الضّرورة . وقال ابن قدامة :لنّهم للضّرورة والمجاعة يأكلون ما وجدوا .
ي -حكم ارتحال المعتدّة من أهل البادية : - 12لمّا كان الصل في حياة البدو النتقال لنتجاع مواقع الكل ،فإنّ البدويّة المعتدّة إذا ارتحل أهلها عن مواقعهم ترتحل معهم ،ول تكون آثمةً بذلك ،لنّ من الحرج إقامتها وحدها دون أهلها ،ولنّ الرّحلة من طبيعة حياتهم ،وقد فصّل ذلك الفقهاء في كتاب العدّة من كتب الفقه .
ك -تحوّل البدويّ إلى حضريّ :
ي الحاضرة أصبح من أهلها ،وسرت عليه أحكام الحضر . - 13إذا استوطن البدو ّ
بذر * التّعريف : ب في الرض للزّراعة ،وهذا هو المصدر ،وقد يطلق على ما يبذر - 1البذر لغةً :إلقاء الح ّ ،فيكون من إطلق المصدر على اسم المفعول .ول يخرج الستعمال الفقهيّ عن ذلك .
الحكم الجماليّ :
- 2الصل في إلقاء البذر في الرض للزّراعة الباحة فيما هو مباحة زراعته ،لقوله تعالى ن الزّارِعُون } . َ { :أ َفرََأيْتم ما َتحْرثون أََأ ْن ُتمْ َتزْرَعونَه َأمْ نح ُ فالية تدلّ على إباحة الزّرع من جهة المتنان به .وقد يكون مندوبا بقصد التّصدّق لقوله غرْسا ،أو َيزْرعُ زَرْعا فيأكلَ منه طيرٌ أو إنسانٌ ن مسلمٍ َي ْغرِسُ َ صلى ال عليه وسلم « مَا مَ ْ ل كان له به صدقةٌ » .وقد يكون ،واجبا إذا احتاج النّاس إليه .وقد يكون إلقاء أو بهيمةٌ إ ّ ب لزرعٍ يضرّ بالنّاس ،كالحشيشة والفيون ،لنّ بعض أنواع البذور حراما ،مثل إلقاء ح ّ هذا وما يماثله يؤدّي إلى الضّرر وفعل الحرام ،وما أدّى إلى الحرام فهو حرام .
مواطن البحث : - 3تكلّم الفقهاء عن البذر في المزارعة والزّكاة والغصب في مواطن معيّنةٍ :
فمن المزارعة :تعيين من عليه البذر في عقد المزارعة لصحّة المزارعة أو فسادها ،عند من اعتبرها من الفقهاء ،كالحنفيّة والمالكيّة والحنابلة .ولزوم عقد المزارعة بوضع البذر في ل يرجع إليه في المزارعة . الرض ،على تفصي ٍ ل يرجع إليه في زكاة الزّروع. ومن الزّكاة :مسألة الخارج من الزّارعة بشروطه ،على تفصي ٍ ل عامٍ في أرضٍ مملوكةٍ أو مستأجرةٍ إذا بلغ ب وقف ليزرع ك ّ وجوب الزّكاة في الجملة من ح ّ نصابا ،بخلف الحبّ الّذي وقف للتّسليف ،فل زكاة فيه عند من يرى جواز وقف البذر ليزرع لحاجة الفقراء وغيرهم .ومن الغصب ،البذر في أرضٍ مغصوب ٍة أو متعدّى عليها ، واسترجاع مالكها لها بعد البذر ،هل يعوّض المغتصب عن البذر أم ل .وبيانه في غصب .
بذرقة * التّعريف : - 1البذرقة ،قال ابن خالويه :فارسيّة معرّبة ،وقيل :مولّدة ( أي عربيّة غير محضةٍ ) ، ومعناها :الخفارة ،والجماعة تتقدّم القافلة للحراسة . ن بعضهم ينطقها بالذّال ،وبعضهم بالدّال ،وبعضهم بهما جميعا . كما أ ّ وهي في الصطلح بهذا المعنى ،غير أنّه يراد بها الحراسة في السّفر وغيره .
الحكم الجماليّ :
- 2أجاز العلماء بالتّفاق البذرقة " الخفارة أو الحراسة " وأجازوا أخذ الجر عليها .واختلفوا في تضمينهم على رأيين ،بنا ًء على تكييف البذرقة على أنّها إجارة عامّة أو خاصّة .الوّل : يضمن قيمة ما يفقد منه ،وهو لبي يوسف ومح ّمدٍ من الحنفيّة . والثّاني :ل يضمن ،وهو الصحّ والمفتى به عند الحنفيّة ،وهو رأي المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .ومنشأ هذا الخلف في اعتبار الحارس أجيرا خاصّا أو عامّا ،فمن اعتبره أجيرا خاصّا لم يضمّنه ومن اعتبره أجيرا عامّا -مثل أبي يوسف ومح ّمدٍ -ضمّنه . ولبيان هذه المواطن يرجع إلى ( -إجارةٍ ،وضمانٍ ،وخفارةٍ ) .
براءة * التّعريف : - 1البراءة في اللّغة :الخروج من الشّيء والمفارقة له ،والصل البرء بمعنى :القطع ، فالبراءة قطع العلقة ،يقال :برئت من الشّيء ،وأبرأ براءةً :إذا أزلته عن نفسك وقطعت أسبابه ،وبرئت من الدّين :نقطع عنّي ،ولم يبق بيننا علقة .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ للبراءة عن معناها اللّغويّ ،فإنّهم يريدون بالبراءة في ألفاظ الطّلق :المفارقة ،وفي الدّيون والمعاملت والجنايات :التّخلّص والتّنزّه ،وكثيرا ما يتردّد على ألسنة الفقهاء قولهم :الصل براءة ال ّذمّة أي تخلّصها وعدم انشغالها بحقّ آخر .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -البراء : - 2البراء في اللّغة :إفعال من برئ ،إذا تخلّص وتنزّه . ص حقّا له في ذمّة آخر أو قبله ،وفي المعاملت والدّيون عرّفه وفي الصطلح :إسقاط شخ ٍ البيّ المالكيّ :بأنّه إسقاط الدّين عن ذمّة مدينه وتفريغ لها منه . فإذا أبرأ الدّائن مثلً ،بإسقاط الدّين عن ذمّة مدينه وتفريغها منه ،حصلت البراءة . وعلى ذلك فالبراء سبب من أسباب البراءة ،وهي قد تحصل بالبراء ،وقد تحصل بسببٍ آخر كما لو استوفى الدّائن حقّه من المدين ،أو زال سبب الضّمان بعاملٍ آخر غير فعل الدّائن .وقد يستعمل أحدهما مكان الخر ،لعلقة الثر والمؤثّر بينهما ( .ر :إبراء ) . ب -المبارأة : - 3المبارأة لغةً :مفاعلة من البراءة ،فهي الشتراك في البراءة من الجانبين .وتعتبر من ل منهما قبل الخر ممّا يتعلّق ألفاظ الخلع ،وإذا حصلت بين الزّوجين توجب سقوط حقّ ك ّ بالنّكاح ،على تفصيلٍ في ذلك .وتستعمل غالبا في إسقاط الزّوجة حقوقها على الزّوج مقابل الطّلق ،كما هو مبيّن في مباحث الطّلق والخلع .فالمبارأة أخصّ من البراءة . ج -الستبراء : - 4الستبراء لغ ًة :طلب البراءة ،وشرعا يستعمل في معنيين : الوّل :في الطّهارة بمعنى نظافة المخرجين من الذى . والثّاني :في النّسب بمعنى :طلب براءة المرأة من الحبل ومن ماء الغير ،كما عبّروا عنه باستبراء الرّحم .
الحكم الجماليّ :
- 5البراءة حالة أصليّة في الشخاص ،فكلّ شخصٍ يولد وذمّته بريئة ،وشغلها يحصل بالمعاملت أو العمال الّتي يجريها فيما بعد ،فكلّ شخصٍ يدّعي خلف هذا الصل يطلب منه أن يبرهن على ذلك ،فإذا ادّعى شخص على آخر بحقّ ،فالقول قول المدّعى عليه لموافقته الصل ،والبيّنة على المدّعي لدعواه ما خالف الصل ،فإذا لم يتمكّن من إثبات دعواه بالبيّنة يحكم ببراءة ذمّة المدّعى عليه اعتبارا بالقاعدة الفقهيّة ( :الصل براءة ال ّذمّة ) .وكذلك إذا اختلفا في مقدار المغصوب والمتلف ،فالقول قول الغارم ( المدين ) لنّ الصل
البراءة ممّا زاد .والبراءة وصف توصف به ال ّذمّة ،ولهذا صرّح الفقهاء بأنّ العيان ل توصف بالبراءة ،إلّ أن يؤوّل بالبراءة من العهدة أو عن الدّعوى .هذا ،ولهذه القاعدة فروع مختلفة في المعاملت والجنايات ،وينظر تفصيلها في مباحث الدّعوى والبيّنات . - 6ثمّ إنّ براءة ال ّذمّة كالصل ل تحتاج إلى دليلٍ ،فإذا شغلت ال ّذمّة بارتكاب عملٍ أو إجراء معاملةٍ ،فبراءتها تحصل بأسبابٍ مختلف ٍة حسب اختلف اشتغال ال ّذمّة وضمانها . ففي حقوق اللّه تعالى إذا كانت ال ّذمّة مشغولةً بما يلزم من الموال كالزّكاة والصّدقات الواجبة ل بأدائها ما دامت ميسّر ًة .أمّا إذا كانت مشغولةً بالعبادات البدنيّة فل تحصل البراءة إ ّ كالصّلة والصّوم فبراءتها تحصل بالداء ،وإذا فات الوان فبالقضاء إذا كانت قليل ًة يمكن قضاؤها ،وإلّ فبالتّوبة والستغفار ،وأمره إلى اللّه . وفي حقوق العباد إذا أتلف أو غصب شخص مال شخصٍ آخر ،تحصل البراءة بالضّمان ، وهو إعطاء عين الشّيء إذا كان قائما ،أو مثله إن كان مثليّا ،أو قيمته إذا كان قيميّا . ولتفصيل هذه المسائل ينظر مصطلح ( إتلف ،غصب ،ضمان ) . كذلك تحصل البراءة بإبراء الطّالب من حقّه على المطلوب منه دون الداء أو الستيفاء ،كما عبّروا عنه ببراءة السقاط ،أو إبراء السقاط .وتفصيله في مصطلح ( إبراء ) . -7هذا ،وقد تحصل البراءة بانتقال الضّمان من ذمّ ٍة إلى ذمّ ٍة أخرى كما في الحوالة ،فإذا أحال المدين حقّ الدّائن على شخصٍ ثالثٍ ( المحال عليه ) وتمّ العقد ،برئت ذمّة المحيل من الدّين ،وبرئت ذمّة الكفيل إذا كان له كفيل ،وذلك لنتقال الدّين إلى ذمّة المحال عليه ،فإذا حصل التّوى ( تعذّر الستيفاء من المحال عليه ) رجع الدّين إلى ذمّة المحيل ،وفيه خلف ( ر :حوالة ) . -8وقد تحصل البراءة بالتّبعيّة كما في الكفالة ،فإنّه إذا حصلت براءة المدين بأداء الدّين أو إبراء الدّائن له برئت ذمّة الكفيل ،وكذلك إذا زال سبب الضّمان بوج ٍه آخر ،كمن كان كفيلً بثمن المبيع وانفسخ البيع مثلً ،لنّ براءة الصيل توجب براءة الكفيل . وتفصيله في مصطلح ( :كفالة ) . هذا ،وهناك استعمال آخر لكلمة براء ٍة بمعنى :التّنزّه والنقطاع عن الديان والمعتقدات الباطلة ،كما يطلب ممّن يشهر إسلمه أن يقرّ بأنّه بريء من كلّ عقيدةٍ ودينٍ يخالف دين السلم .وتفصيله في مصطلح ( :إسلم ) .
مواطن البحث : - 9بحث الفقهاء البراءة في أبواب الدّعوى والبيّنات ،وفي بحث الكفالة تذكر براءة ذمّة ن اشتراط الكفيل ،وفي الحوالة بأنّها توجب براءة ذمّة المدين ،وفي البيوع حيث قالوا :إ ّ
البائع البراءة من عيوب المبيع سبب لسقوط الخيار ولزوم العقد ،كما ذكروها في باب البراء وآثاره من براءة الستيفاء وبراءة السقاط .
براجم * التّعريف : - 1البراجم لغ ًة :جمع برجم ٍة ،وهي :المفاصل والعقد الّتي تكون في ظهور الصابع ، ويجتمع فيها الوسخ .ومعنى الكلمة في الصطلح ل يخرج عن المعنى اللّغويّ .
الحكم الجماليّ :
- 2يندب غسل البراجم في الطّهارة -في الوضوء والغسل -وفي غيرهما ،لحديث رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « عشر من الفطرة ...وع ّد منها :غسل البراجم » . ي موضعٍ ويلحق بالبراجم المواطن الّتي يجتمع فيها الوسخ عاد ًة :كالذن والنف والظافر وأ ّ من البدن . هذا إذا كان الوسخ ل يمنع وصول الماء إلى البشرة ،أمّا إن منع وصول الماء إليها ،فإنّه يجب إزالته في الجملة ،ليصل الماء إلى العضو في الطّهارة .هذا ويتكلّم الفقهاء عن البراجم وغيرها من خصال الفطرة في الوضوء ،والغسل ،وخصال الفطرة .
براز * التّعريف : -1البراز ( بالفتح ) لغ ًة :اسم للفضاء الواسع .وكنّوا به عن قضاء الحاجة .كما كنّوا عنه ل في المكنة الخالية من النّاس .يقال :برز إذا خرج إلى بالخلء ،لنّهم كانوا يتبرّزون إ ّ البراز ،وهو الغائط ،وتبرّز الرّجل :خرج إلى البراز للحاجة .وهو بكسر الباء مصدر من المبارزة في الحرب ،ويكنّى به أيضا عن الغائط وهو بمعناه الصطلحيّ ل يخرج عن المعنى الكنائيّ ،إذ هو ثفل الغذاء ،وهو الغائط الخارج على الوجه المعتاد . أ -الغائط :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الغائط :أصله ما انخفض من الرض ،والجمع الغيطان والغواط .وبه سمّيت غوطة دمشق ،وكانت العرب تقصد هذا الصّنف من المواضع لقضاء حاجتها تستّرا عن أعين النّاس .ثمّ سمّي الحدث الخارج من النسان غائطا للمقارنة . ن كلّا منهما كناية وهو بهذا المعنى يتّفق مع البراز -بالفتح -كنائيّا في الدّللة ،من حيث إ ّ عن ثفل الغذاء وفضلته الخارجة .
ب -البول : - 3البول :واحد البوال .يقال :بال النسان والدّابّة ،يبول بولً ومبالً ،فهو بائل . ثمّ استعمل البول في العين .أي في الماء الخارج من القبل ،وجمع على أبوالٍ . ن كلّا منهما نجس ،وإن اختلفا وهو بهذا المعنى يأخذ حكم البراز ( بالفتح ) كنائيّا ،من حيث إ ّ مخرجا . ج -النّجاسة : ل مستقذرٍ . - 4النّجاسة لغةً :ك ّ واصطلحا :صفة حكميّة توجب لموصوفها منع استباحة الصّلة ونحوها . وهي بهذا المعنى أعمّ من البراز ( بالفتح ) مكنّيا إذ تشمله وغيره من النجاس ،كالدّم والبول والمذي والودي والخمر وغير ذلك من النجاس الخرى .
ي ومواطن البحث : الحكم الجمال ّ - 5أجمع الفقهاء على نجاسة البراز .وأنّه تتعلّق به أحكام منها :أنّه منجّس للبدن والثّوب والمكان .وأنّ تطهير ذلك واجب ،سواء أكان ذلك بالستنجاء أو الغسل ،على ما هو مفصّل في موطنه .واختلفوا في المقدار المعفوّ عنه منه ،وفي جواز بيعه . وتفصيل ذلك في أبواب الطّهارات وفي مصطلح ( قضاء الحاجة ) .
التّعريف :
برد *
- 1البرد لغ ًة :ضدّ الحرّ ،والبرودة نقيض الحرارة . ول يخرج استعمال الفقهاء للكلمة عن المعنى اللّغويّ في الجملة .
اللفاظ ذات الصّلة : إبراد : - 2من معاني البراد في اللّغة :الدّخول في البرد والدّخول في آخر النّهار . وعند الفقهاء :تأخير الظّهر إلى وقت البرد .
ي ومواطن البحث : الحكم الجمال ّ
- 3تكلّم الفقهاء عن البرد في التّيمّم والجمعة والجماعة وجمع الصّلوات والحدود والتّعازير والصّلة . أ -ففي التّيمّم :أجاز المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -وهو رأي للحنفيّة -التّيمّم للحدث الكبر والصغر في البرد الشّديد مع وجود الماء ،إذا لم يجد ما يسخّنه وخشي الضّرر .وأجاز
الحنفيّة -في المشهور -عندهم التّيمّم للحدث الكبر دون الصغر ،لعدم تحقّق الضّرر في الصغر غالبا ،لكن لو تحقّق الضّرر جاز فيه أيضا اتّفاقا ،كما قرّره ابن عابدين ،قال :لنّ الحرج مدفوع بالنّصّ ،وهو ظاهر إطلق المتون . وأجاز المالكيّة التّيمّم للبرد الشّديد المسبّب برودة الماء ،إذا خاف الصّحيح الحاضر أو المسافر خروج وقت الصّلة بطلبه الماء وتسخينه . ب -وفي صلة الجمعة والجماعة :أجاز الفقهاء في البرد الشّديد التّخلّف عن صلة الجمعة ،وعن صلة الجماعة نهارا أو ليلً . ج -وفي جمع الصّلوات :أجاز المالكيّة ،وهو رأي للحنابلة الجمع بين العشاءين فقط جمع تقديمٍ في البرد الشّديد ،حالّا أو متوقّعا . وأجاز الشّافعيّة الجمع بين الظّهر والعصر ،وبين المغرب والعشاء بشروطٍ مدوّنةٍ في مواطنها .ومنع الحنفيّة الجمع بين الصّلوات تقديما أو تأخيرا في البرد ،ل َقصْرهم الجمع على موطنين هما :مزدلفة وعرفة . د -وفي الحدود والتّعازير :أوجب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في الجملة منع إقامة الحدود ن إقامتها مهلكة ،وليس والتّعازير فيما دون النّفس في البرد الشّديد ،حتّى يعتدل الزّمان ،ل ّ ردعا . هـ -وفي الصّلة :أجاز الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة السّجود على كور العمامة أثناء الصّلة على الرض المكشوفة الباردة للضّرورة .
برد * انظر :مياه .
التّعريف :
ُبرّ *
ضمّ يطلق لغةً :على القمح ،والواحدة منه ( برّة ) ،وهو في الصلح بهذا - 1البرّ بال ّ المعنى .
الحكم الجماليّ : - 2البرّ -من حيث كونه حبّا خارجا من الرض -وجبت فيه الزّكاة إذا بلغ خمسة أوسقٍ عند الجمهور ،ومنهم أبو يوسف ومحمّد .وأوجبها أبو حنيفة في الخارج مطلقا ،ولو لم يبلغ خمسة أوسقٍ . ونسبة الواجب إذا سقيت الرض سيحا أو بماء السّماء :العشر ،وإذا سقيت بآل ٍة :نصف العشر ،وهذا باتّفاقٍ .وإذا كانت الرض خراجيّةً ففيها الخراج دون العشر عند الحنفيّة .
والبرّ من الجناس المجزئة في صدقة الفطر الواجبة ،والقدر المجزئ منه صاع عند الجمهور ،ونصفه عند الحنفيّة .وتفصيله في صدقة الفطر . وإذا قصد في البرّ التّجارة قوّم كالعروض ،وأخرجت عنه الزّكاة كما تخرج عنها .وتفصيله في الزّكاة . ويعدّ البرّ من الماليّات المتقوّمة الّتي يجوز بيعها وهبتها والسّلم فيها ،ويدخله الرّبا إذا بيع بمثله .فيشترط له :المماثلة والحلول والتّقابض .لقول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم : « الذّهب بالذّهب ،والفضّة بالفضّة ،والبرّ بالبرّ . » ... كما ل يجوز بيعه محاقلةً في الجملة ،وهي :بيع الحنطة في سنبلها بمثلها من الحنطة ولو خرصا ،ول مخاضرةً ،وهي :البيع قبل بد ّو الصّلح والزّرع أخضر ،خلفا لبعض الحنفيّة .والتّفصيل في ( البيع ،والرّبا ،والبيع المنهيّ عنه ) .
ِبرّ * التّعريف : - 1تدور معاني لفظ الب ّر لغةً :على الصّدق والطّاعة والصّلة والصلح والتّساع في الحسان إلى النّاس .يقال َ :ب ّر يبرّ :إذا صلح .وبرّ في يمينه :إذا صدق ،وال َبرّ :الصّادق ج وبرّه :أي قبله .والبرّ :ضدّ العقوق ،والمبرّة مثله .وبررت والديّ :أي .وأبرّ اللّه الح ّ وصلتهما . ومن أسمائه سبحانه وتعالى ( :البرّ ) أي الصّادق فيما وعد أولياءه . ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معناه اللّغويّ ،فهو عندهم :اسم جامع للخيرات كلّها ،يراد به التّخلّق بالخلق الحسنة مع النّاس بالحسان إليهم وصلتهم والصّدق معهم ، ومع الخالق بالتزام أمره واجتناب نهيه . كما يطلق ويراد به العمل الدّائم الخالص من المأثم .ويقابله :الفجور والثم ،لنّ الفجور شرّ . خروج عن الدّين ،وميل إلى الفساد ،وانبعاث في المعاصي ،وهو اسم جامع لل ّ
الحكم الجماليّ :
- 2تظاهرت نصوص الشّريعة على المر بالبرّ والحضّ عليه ،فهو خلق جامع للخير ، حاضّ على التزام الطّاعة واجتناب المعصية . ن البِ ّر مَنْ آمن باللّه ش ِرقِ والم ْغرِبِ ولك ّ قال اللّه تعالى { :ليس ال ِبرّ أن تُوَلّوا وجوهَكم ِقبَلَ الم ْ حبّ ِه ذَوِي ال ُقرْبى واليتامَى خرِ والملئك ِة والكتابِ والنّبيّينَ وآتى المالَ على ُ واليومِ ال ِ ن ِب َعهْدِهِم إذا ل والسّائلين وفي الرّقابِ وَأقَامَ الصّل َة وآتى الزّكاةَ والموفُو َ ن السّبي ِ والمساكينَ واب َ صدَقوا وأولئك ُهمُ المتّقون ضرّاءِ وحين ال َبأْسِ أولئك الّذين َ ن في ال َبأْسا ِء وال ّ عَا َهدُوا والصّابري َ
ن البرّ ن الب ّر هنا اسم جامع للخير ،وقال :تقدير الكلم :ولك ّ } .جاء في تفسير القرطبيّ :أ ّ ن ذا البرّ مَنْ آمن ،وذلك أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا برّ من آمن .أو التّقدير :ولك ّ هاجر إلى المدينة ،وفرضت الفرائض ،وصرفت القبلة إلى الكعبة ،وحدّت الحدود ،أنزل اللّه هذه الية .فأفادت أنّ البرّ ليس كلّه بالصّلة ،ولكنّ البرّ باليمان باللّه إلى آخرها من صفات الخير الجامعة . وقال تعالى َ { :وتَعا َونُوا على ال ِبرّ والتّقوى ول َتعَا َونُوا على الثمِ والعدوانِ } . ن في التّقوى قال الماورديّ :ندب اللّه سبحانه إلى التّعاون بالبرّ ،وقرنه بالتّقوى له ،ل ّ رضى اللّه تعالى وفي البرّ رضى النّاس ،ومن جمع بين رضى اللّه تعالى ورضى النّاس فقد تمّت سعادته وعمّت نعمته . وقال ابن خويز مندادٍ :والتّعاون على البرّ والتّقوى يكون بوجوهٍ ،فواجب على العالم أن يعين النّاس بعلمه فيعلّمهم ،ويعينهم الغنيّ بماله ،والشّجاع بشجاعته في سبيل اللّه ،وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة . وفي حديث النّوّاس بن سمعان قال :سألت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن البرّ والثم ، ن الخلُق ،والثمُ ما حاك في نفسِك ، حسْ ُ فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :ال ِبرّ ُ و َكرِهْتَ أن َيطّلعَ عليه النّاس » . قال النّوويّ في شرحه على مسلمٍ :قال العلماء :البرّ يكون بمعنى الصّلة ،وبمعنى اللّطف والمبرّة وحسن الصّحبة والعشرة ،وبمعنى الطّاعة ،وهذه المور هي مجامع حسن الخلق . ومعنى حاك في صدرك :أي تحرّك فيه وتردّد ،ولم ينشرح له الصّدر ،وحصل في القلب ك وخوف كونه ذنبا ". شّ منه ال ّ ويتعلّق بالب ّر أحكام كثيرة منها :
برّ الوالدين : - 3برّ الوالدين بمعنى :طاعتهما وصلتهما وعدم عقوقهما ،والحسان إليهما مع إرضائهما ل َت ْعبُدُوا إلّ إيّاه وبالوالدين بفعل ما يريدانه ما لم يكن إثما .قال اللّه تعالى َ { :وقَضى َربّك َأ ّ حسَانا } . إْ وفي حديث عبد اللّه بن مسعو ٍد -رضي ال عنه -قال « :سألت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :أيّ العمل أحبّ إلى اللّه ؟ قال :الصّل ُة على وقتها ،قلت :ث ّم أيّ ؟ قال :برّ الوالدين ،قلت :ثمّ أيّ ؟ قال :الجها ُد في سبيل اللّه » . فهذه النّصوص تدلّ على وجوب برّ الوالدين وتعظيم حقّهما . وللتّفصيل في بيان حقّ الوالدين وبرّهما انظر مصطلح ( برّ الوالدين ) .
برّ الرحام : - 4برّ الرحام وهو بمعنى صلتهم والحسان إليهم وتفقّد أحوالهم والقيام على حاجاتهم حسَانا وبذي ع ُبدُوا اللّ َه ول ُتشْركُوا به شيئا وبالوالدين إ ْ ومواساتهم .قال اللّه تعالى { :وا ْ ن السّبيلِ ب بالجَنْبِ واب ِ جنُبِ والصّاح ِ ال ُقرْبى وال َيتَامى والمساكينِ والجا ِر ذي ال ُقرْبى والجارِ ال ُ ت أيمانُكم } وما مََلكَ ْ وفي حديث أبي هريرة -رضي ال عنه -قال :رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :إنّ اللّه تعالى خََلقَ الخلق ،حتّى إذا فرغ منهم ،قامت الرّحم فقالت :هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم ،أما ترضين أن أصل من وصلك ،وأقطع من قطعك ؟ قالت :بلى قال :فذلك لك . سيْتُم إنْ َتوَّل ْيتُم أنْ ُت ْفسِدوا عَ ثمّ قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :اقرءوا إن شئتم { :فهل َ صمّهم وأعمى َأ ْبصَارَهم } » .فهذه ك الّذين َل َع َنهُم اللّه فأ َ طعُوا أرحامكم أولئ َ ض وتُ َق ّ في الر ِ ل أنّها ل على أنّ صلة الرحام وبرّها واجب ،وقطيعتها محرّمة في الجملة ،إ ّ النّصوص تد ّ ض ،وأدناها ترك الهجر ،والصّلة بالكلم والسّلم .وتختلف هذه درجات بعضها أرفع من بع ٍ الدّرجات باختلف القدرة والحاجة ،فمنها الواجب ،ومنها المستحبّ .إلّ أنّه لو وصل بعض الصّلة ،ولم يصل غايتها ،ل يسمّى قاطعا ،ولو قصّر عمّا يقدر عليه وينبغي له ل يكون واصلً . أمّا حدّ الرّحم الّتي تجب صلتها ويحرم قطعها :فهو القرابات من جهة أصل النسان ،كأبيه وجدّه وإن عل ،وفروعه كأبنائه وبناته وإن نزلوا .وما يتّصل بهما من حواشٍ كالخوة والخوات والعمام والعمّات والخوال والخالت ،وما يتّصل بهم من أولدهم برحمٍ جامعةٍ . وللتّفصيل انظر مصطلح ( أرحام ) .
برّ اليتامى والضّعفة والمساكين :
- 5برّ اليتامى والضّعفة والمساكين يكون بالحسان إليهم ،والقيام على مصالحهم وحقوقهم ، وعدم تضييعها ،ففي حديث سهل بن سعدٍ -رضي ال عنه -قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا وأشار بالسّبّابة والوسطى وفرّج بينهما » . وفي حديث أبي هريرة -رضي ال عنه قال :رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :السّاعي على الرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل اللّه .وأحسبه قال :وكالقائم الّذي ل يفتر ، وكالصّائم الّذي ل يفطر » .
ج المبرور : الح ّ ج المقبول الّذي ل يخالطه إثم ول رياء . - 6الحجّ المبرور هو :الح ّ
وفي حديث أبي هريرة -رضي ال عنه -أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « : العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما ،والحجّ المبرور ليس له جزاء إلّ الجنّة » وللتّفصيل انظر مصطلح ( حجّ ) .
البيع المبرور : ش فيه ول خيانة .ففي حديث أبي بردة بن نيارٍ عن ابن - 7البيع المبرور :هو الّذي ل غ ّ عمر قال « :سئل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :أيّ الكسب أفضل قال :عمل الرّجل بيده ل بيعٍ مبرورٍ » وللتّفصيل انظر مصطلح ( بيع ) . ،وك ّ
ب ّر اليمين :
- 8برّ اليمين معناه :أن يصدق في يمينه ،فيأتي بما حلف عليه .قال اللّه تعالى { :ول ن اللّه َيعَْلمُ ما تَ ْفعَلون } . جعَ ْلتُم اللّهَ عَلَيكم كَفيلً إ ّ ن بع َد تَ ْوكِيدِها َو َقدْ َ َتنْ ُقضُوا اليما َ وهو واجب في الحلف على فعل الواجب أو ترك الحرام ،فيكون يمين طاعةٍ يجب البرّ به بالتزام ما حلف عليه ،ويحرم عليه الحنث فيه . ب أو فعل مح ّرمٍ فهو يمين معصيةٍ ،يجب الحنث فيه . أمّا إن حلف على ترك واج ٍ فإن حلف على فعل نفلٍ ،كصلة تط ّوعٍ أو صدقة تط ّوعٍ فالتزام اليمين مندوب ،ومخالفته مكروهة . سنّة أن يحنث فيها . فإن حلف على ترك نفلٍ فاليمين مكروهة ،والقامة عليها مكروهة ،وال ّ وإن كانت على فعلٍ مباحٍ فالحنث بها مباح قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم : ت الّذي هو خير ،وكَ ّفرْ عن يَمينِك » ت غيرَها خيرا منها فَأْ ِ ن فرأي َ « إذا حلفت على يمي ٍ وللتّفصيل انظر مصطلح ( أيمان ) .
ب ّر الوالدين * التّعريف : - 1من معاني البرّ في اللّغة :الخير والفضل والصّدق والطّاعة والصّلح . ل على الرّفق وفي الصطلح :يطلق في الغلب على الحسان بالقول الّليّن اللّطيف الدّا ّ والمحبّة ،وتجنّب غليظ القول الموجب للنّفرة ،واقتران ذلك بالشّفقة والعطف والتّودّد والحسان بالمال وغيره من الفعال الصّالحات .والبوان :هما الب والمّ . ويشمل لفظ ( البوين ) الجداد والجدّات .قال ابن المنذر :والجداد آباء ،والجدّات ل بإذنهم ،ول أعلم دللةً توجب ذلك لغيرهم من الخوة وسائر أمّهات ،فل يغزو المرء إ ّ
القرابات .حكمه التّكليفيّ :
- 2اهتمّ السلم بالوالدين اهتماما بالغا .وجعل طاعتهما والبرّ بهما من أفضل القربات . ونهى عن عقوقهما وشدّد في ذلك غاية التّشديد .كما ورد في القرآن المجيد في قوله سبحانه وتعالى َ { :وقَضَى ربّك َألّ َت ْعبُدوا ِإلّ إيّاهُ وبالوالدين إِحسانا ِإمّا َيبُْلغَنّ عندَك ال ِكبَ َر أحدُهما أو ل مِن جنَاحَ الذّ ّ ض لهما َ ل لَهما قَ ْولً كَريما .واخْفِ ْ كِلهما فل تَقُلْ لَهما ُأفّ ول َت ْنهَرْهُما وقُ ْ ح ْمهُما كَما ر ّبيَاني صَغِيرا } ،فقد أمر سبحانه بعبادته وتوحيده وجعل برّ ل ربّ ار َ الرّحم ِة وق ْ الوالدين مقرونا بذلك ،والقضاء هنا :بمعنى المر واللزام والوجوب . شكُرْ لي ولوَال َديْك إليّ المصيرُ } . ناْ كما قرن شكرهما بشكره في قوله سبحانه { :أَ ِ فالشّكر للّه على نعمة اليمان ،وللوالدين على نعمة التّربية .وقال سفيان بن عيينة :من صلّى الصّلوات الخمس فقد شكر اللّه تعالى . ومن دعا لوالديه في أدبار الصّلوات فقد شكرهما .وفي صحيح البخاريّ عن عبد اللّه بن ل ؟ قال ب إلى اللّه عزّ وج ّ مسعودٍ قال « :سألت النّبيّ صلى ال عليه وسلم :أيّ العمال أح ّ ي ؟ قال :الجهادُ في سبيلِ :الصّلةُ على َوقْتها قال :ثمّ أيّ ؟ قال ِ :برّ الوالدين قال :ثمّ أ ّ ن برّ الوالدين أفضل العمال بعد الصّلة الّتي هي أعظم اللّه » .فأخبر صلى ال عليه وسلم أ ّ ن برّهما فرض عينٍ يتعيّن عليه دعائم السلم .وقدّم في الحديث برّ الوالدين على الجهاد ،ل ّ س رضي ال عنهما ":إنّي نذرت القيام به ،ول ينوب عنه فيه غيره .فقد قال رجل لبن عبّا ٍ ن الرّوم ستجد من يغزوها غيرك ن أبويّ منعاني .فقال :أطع أبويك ،فإ ّ أن أغزو الرّوم ،وإ ّ " .والجهاد في سبيل اللّه فرض كفايةٍ إذا قام به البعض سقط عن الباقين ،وبرّ الوالدين فرض ن ،وفرض العين أقوى من فرض الكفاية .وفي خصوص ذلك أحاديث كثيرة منها ما في عي ٍ صحيح البخاريّ عن عبد اللّه بن عمرٍو قال « :جاء رجل إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم حيّ والداك ؟ قال :نعم .قال فَفِيهما فجاهد » .وفي سنن أبي فاستأذنه في الغزو .فقال :أ َ داود عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص « .جاء رجل إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ح ْكهُما كما فقال :جئتُ أبايعك على الهجر ِة ،وتركت أبويّ يبكيان فقال :ا ْرجِعْ إليهما َفَأضْ ِ َأ ْب َك ْيتَهُما » .وفيه عن أبي سعيدٍ الخدريّ « أنّ رجلً هاجر إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم من اليمن .فقال :هل لك أحد باليمن ؟ قال :أبواي .قال َ :أ ِذنَا لك ؟ قال :ل .قال : ن َأ ِذنَا لك َفجَا ِهدْ ،وإلّ َف ِبرّهما » .هذا إذا لم يكن النّفير عامّا .وإلّ فارجْع فاستأ ِذنْهما فإِ ْ ن ،إذ يتعيّن على الجميع الدّفع والخروج للعدوّ .وإذا كان برّ أصبح خروجه فرض عي ٍ ن ،فإنّ خلفه يكون حراما ،ما لم يكن عن أمرٍ بشركٍ أو ارتكاب الوالدين فرض عي ٍ معصي ٍة ،حيث ل طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق .
البرّ بالوالدين مع اختلف الدّين :
ص بكونهما مسلمين ،بل حتّى لو كانا - 3البرّ بالوالدين فرض عينٍ كما سبق بيانه ،ول يخت ّ كافرين يجب برّهما والحسان إليهما ما لم يأمرا ابنهما بشركٍ أو ارتكاب معصيةٍ . خ ِرجُوكم من دياركم أَنْ قال تعالى { :ل َينْهاكُم اللّه عن الّذين َلمْ يُقاتِلوكم في الدّين ولم ُي ْ ن اللّه يحبّ الم ْقسِطين } . سطُوا إليهم إ ّ َتبَرّوهم وتُ ْق ِ ل ليّنا لطيفا دالّا على الرّفق بهما والمحبّة لهما ،ويجتنب غليظ القول فعليه أن يقول لهما قو ً الموجب لنفرتهما ،ويناديهما بأحبّ اللفاظ إليهما ،وليقل لهما ما ينفعهما في أمر دينهما ل كريما . ودنياهما ،ول يتبرّم بهما بالضّجر والملل والتّأفّف ،ول ينهرهما ،وليقل لهما قو ً ت أمّي وهي مشركة في عهد قريش ومدّتهم إذ وفي صحيح البخاريّ « عن أسماء قالت :قدم ْ عاهدوا النّبيّ صلى ال عليه وسلم مع أبيها ،فاستفتيتُ النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقلت :إنّ ت وهي راغبةٌ َأ َفأَصِلُها ؟ قال :نعم ،صِلي َأ ّمكِ » ،وفي روايةٍ أخرى عنها قالت : أمّي قدم ْ « أتتني أمّي راغبةً في عهد النّبيّ صلى ال عليه وسلم فسألت النّبيّ صلى ال عليه وسلم ل فيها { ل ينهاكم اللّه عن الّذين لم أََأصِلها ؟ قال :نعم » قال ابن عيينة :فأنزل اللّه عزّ وج ّ يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم } .وفي هذا المقام قال اللّه تعالى { : طعْهُما إليّ س لك به عِ ْلمٌ فَل ُت ِ ك ِل ُتشْ ِركَ بي ما َليْ َ ن جَاهدا َ حسْنا وإ ْ صيْنَا النسانَ ِبوَالديهِ ُ َو َو ّ جعُكم َفُأنَبّئكُم بما ُك ْنتُم ت ْعمَلون } .قيل :نزلت في سعد بن أبي وقّاصٍ .فقد روي أنّه قال َمرْ ِ ":كنت بارّا بأمّي فأسلمت فقالت :لتدعنّ دينك أو ل آكل ول أشرب شرابا حتّى أموت فتعيّر بي ،ويقال :يا قاتل أمّه ..وبقيت يوما ويوما .فقلت :يا أمّاه :لو كانت لك مائة نفسٍ ، فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا ،فإن شئت فكلي ،وإن شئت فل تأكلي .فلمّا رأت ذلك أكلت " .هذا وفي الدّعاء بالرّحمة الدّنيويّة للوالدين غير المسلمين حال حياتهما خلف ذكره القرطبيّ . أمّا الستغفار لهما فممنوع ،استنادا إلى قوله تعالى { :ما كانَ لِل ّن ِبيّ والّذين آمَنوا أنْ ستَغْ ِفرُوا لِلمشركينَ وََلوْ كانُوا أُولي ُقرْبى } فإنّها نزلت في استغفاره صلى ال عليه وسلم َي ْ ب واستغفار بعض الصّحابة لبويه المشركين .وانعقد الجماع على عدم لعمّه أبي طال ٍ الستغفار لهما بعد وفاتهما وحرمته ،وعلى عدم التّصدّق على روحهما . أمّا الستغفار للبوين الكافرين حال الحياة فمختلف فيه ،إذ قد يسلمان . ولو منعه أبواه الكافران عن الخروج للجهاد الكفائيّ ،مخافةً عليه ،ومشقّ ًة لهما بخروجه وتركهما ،فعند الحنفيّة :لهما ذلك ،ول يخرج إلّ بإذنهما برّا بهما وطاع ًة لهما ،إلّ إذا كان منعهما له لكراهة قتال أهل دينهما ،فإنّه ل يطيعهما ويخرج له .
وعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :يجوز له الخروج للجهاد بغير إذنهما ،لنّهما متّهمان في ل بقرين ٍة تفيد الشّفقة ونحوها عند المالكيّة .وقال الثّوريّ :ل يغزو إلّ بإذنهما إذا الدّين ،إ ّ كان الجهاد من فروض الكفاية . أمّا إذا تعيّن الجهاد لحضور الصّفّ ،أو حصر العدوّ ،أو استنفار المام له بإعلن النّفير العامّ فإنّه يسقط الذن ،ويجب عليه الجهاد بغير إذنهما ،إذ أصبح واجبا عليه القيام به ، ن على الجميع . لصيرورته فرض عي ٍ
التّعارض بين برّ الب وبرّ المّ : - 4لمّا كان حقّ الوالدين على الولد عظيما ،فقد نزل به القرآن الكريم في مواضع كثيرةٍ ، سنّة المطهّرة ،ويقضي ذلك بلزوم برّهما وطاعتهما ورعاية شئونهما والمتثال ووردت به ال ّ لمرهما ،فيما ليس بمعصي ٍة ،على نحو ما سبق بيانه . ونظرا لقيام المّ بالعبء الكبر في تربية الولد اختصّها الشّارع بمزيدٍ من البرّ ،بعد أن ن و ِفصَالُه حمََلتْه أمّه وَ ْهنَا على وَهْ ٍ صيْنَا النسانَ بِوالديه َ أوصى ببرّهما ،فقال تعالى َ { :و َو ّ في عَامينِ } .وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال « :جاء رجل إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول اللّه :من أحقّ بحسن صحابتي ؟ قال :أمّك قال :ثمّ من ؟ قال :أمّك قال :ثمّ من ؟ قال :أمّك قال :ثمّ من ؟ قال :أبوك » . وقوله صلى ال عليه وسلم « إنّ اللّه يُوصيكم بأمّهاتكم ،ثمّ يُوصيكم بأمّهاتِكم ،ثمّ يُوصيكم بأمّهاتكم ،ثمّ يُوصيكم بآبائِكم ،ثمّ يوصيكم بالقربِ فالقربِ » . س أعظمُ ومن حديث عائشة رضي ال عنها « :سألتُ النّبيّ صلى ال عليه وسلم :أيّ النّا ِ حقّا على المرأة ؟ قال :زوجها .قلتُ :فعلى الرّجل ؟ قال أمّه » . ففيما ذكر -وغيره كثير -ممّا سبق بيانه دليل على منزلة البوين ،وتقديم المّ في البرّ على الب في ذلك ،لصعوبة الحمل ،ثمّ الوضع وآلمه ،ثمّ الرّضاع ومتاعبه ،وهذه أمور تنفرد ن المّ أحوج إلى الرّعاية من بها المّ وتشقى بها ،ثمّ تشارك الب في التّربية ،فضلً عن أ ّ الب ،ول سيّما حال الكبر . وفي تقديم هذا الحقّ أيضا :أنّه لو وجبت النّفقة على الولد لبويه ،ولم يقدر إلّ على نفقة ح الرّوايات عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ،وهو رأي أحدهما ،فتقدّم المّ على الب في أص ّ عند الحنابلة ،وذلك لما لها من مشقّة الحمل والرّضاع والتّربية وزيادة الشّفقة ،وأنّها أضعف وأعجز .هذا ما لم يتعارضا في برّهما . -5فإن تعارضا فيه ،بأن كان في طاعة أحدهما معصية الخر .فإنّه ينظر .إن كان أحدهما يأمر بطاعةٍ والخر يأمر بمعصي ٍة ،فإنّ عليه أن يطيع المر بالطّاعة منهما دون المر
بالمعصية ،فيما أمر به من معصيةٍ .لقوله صلى ال عليه وسلم « :ل طاعةَ لمخلوقٍ في حبْهما في معصي ِة الخالق » وعليه أن يصاحبه بالمعروف للمر بذلك في قوله تعالى { :وصا ِ ن العبرة بعموم اللّفظ ل الدّنيا معروفا } وهي وإن كانت نزلت في البوين الكافرين ،إلّ أ ّ بخصوص السّبب . أمّا إن تعارض برّهما في غير معصي ٍة ،وحيث ل يمكن إيصال البرّ إليهما دفعةً واحد ًة ،فقد قال الجمهور :طاعة المّ مقدّمة ،لنّها تفضل الب في البرّ .وقيل :هما في البرّ سواء ، ي أن أقدم عليه ،وأمّي تمنعني فقد روي أنّ رجلً قال لمالكٍ ":والدي في السّودان ،كتب إل ّ من ذلك ،فقال له مالك :أطع أباك ول تعص أمّك " .يعني أنّه يبالغ في رضى أمّه بسفره لوالده ،ولو بأخذها معه ،ليتمكّن من طاعة أبيه وعدم عصيان أمّه . ن لها ثلثي البرّ ". ن اللّيث حين سئل عن المسألة بعينها قال ":أطع أمّك ،فإ ّ وروي أ ّ كما حكى الباجيّ أنّ امرأ ًة كان لها حقّ على زوجها ،فأفتى بعض الفقهاء ابنها :بأن يتوكّل لها على أبيه ،فكان يحاكمه ،ويخاصمه في المجالس تغليبا لجانب المّ .ومنعه بعضهم من ل على أنّ برّه أقلّ من برّ المّ ،ل ذلك ،قال :لنّه عقوق للب ،وحديث أبي هريرة إنّما د ّ ن المّ مقدّمة في الب ّر على الب . ي الجماع على أ ّ ن الب يعقّ .ونقل المحاسب ّ أّ
ب ّر الوالدين والقارب المقيمين بدار الحرب : - 6قال ابن جريرٍ :إنّ برّ المؤمن من أهل الحرب ،ممّن بينه وبينه قرابة نسبٍ ،أو من ل قرابة بينه وبينه ول نسب ،غير محرّمٍ ول منهيّ عنه ،إذا لم يكن في ذلك تقوية للكفّار على ح. المسلمين ،أو دللة على عور ٍة لهل السلم ،أو تقوية لهم بكراعٍ أو سل ٍ وهو موافق لما نقل عن ابن الجوزيّ الحنبليّ في الداب الشّرعيّة ،ول يختلف عمّا ذكر ، واستدلّ له بإهداء عمر الحلّة الحريريّة إلى أخيه المشرك .وبحديث أسماء وفيهما صلة أهل الحرب وبرّهم وصلة القريب المشرك .ومن البرّ للوالدين الكافرين الوصيّة لهما ،لنّهما ل يرثان ابنهما المسلم .وللتّفصيل ر ( :وصيّة ) .
بم يكون البرّ ؟
ل على الرّفق بهما والمحبّة لهما ، – 7يكون برّ الوالدين بالحسان إليهما بالقول الّليّن الدّا ّ وتجنّب غليظ القول الموجب لنفرتهما ،وبمناداتهما بأحبّ اللفاظ إليهما ،كيا أمّي ويا أبي ، وليقل لهما ما ينفعهما في أمر دينهما ،ودنياهما ويعلّمهما ما يحتاجان إليه من أمور دينهما ، وليعاشرهما بالمعروف .أي بكلّ ما عرف من الشّرع جوازه ،فيطيعهما في فعل جميع ما يأمرانه به ،من واجبٍ أو مندوبٍ ،وفي ترك ما ل ضرر عليه في تركه ،ول يحاذيهما في المشي ،فضلً عن التّقدّم عليهما ،إلّ لضرورةٍ نحو ظلمٍ ،وإذا دخل عليهما ل يجلس إلّ
بإذنهما ،وإذا قعد ل يقوم إلّ بإذنهما ،ول يستقبح منهما نحو البول عند كبرهما أو مرضهما حسَانا } . نإْ ع ُبدُوا اللّه ول ُتشْركوا به شيئا وبالوالدي ِ لما في ذلك من أذيّتهما ،قال تعالى { :وا ْ قال ابن عبّاسٍ :يريد البرّ بهما مع اللّطف ولين الجانب ،فل يغلظ لهما في الجواب ،ول يحدّ النّظر إليهما ،ول يرفع صوته عليهما . ل يسيء إليهما بسبّ أو شتمٍ أو إيذا ٍء بأيّ نوعٍ من أنواعه ، ومن البرّ بهما والحسان إليها :أ ّ ن رسول اللّه صلى ال فإنّه من الكبائر بل خلفٍ .ففي صحيح مسلمٍ عن عبد اللّه بن عمرٍو أ ّ ن الكبائرِ شتمُ الرّجلِ والديه ،قالوا .يا رسول اللّه :وهل يشتم عليه وسلم قال « :إنّ مِ َ ب الرّجلُ أبا الرّجل َف َيسُبّ أباه ،ويسبّ ُأمّه فيسبّ أمّه » وفي الرّجلُ والديه ؟ قال :نعم َيسُ ّ رواي ٍة أخرى « :إنّ من أكبر الكبائر أن يلعن الرّجلُ وال َديْه .قيل :يا رسول اللّه وكيف يلعن الرّجل والديه ؟ .قال :يسبّ أبا الرّجل فيسبّ الرّجل أباه » . -8ومن برّهما صلة أهل ودّهما ،ففي الصّحيح عن ابن عمر قال :سمعت رسول اللّه صلى ل و ّد أبيه بعد أنْ ُيوَلّي » فإن غاب أو ن من َأ َبرّ ال ِبرّ صل َة الرّجلِ أه َ ال عليه وسلم يقول « :إ ّ مات يحفظ أهل ودّه ويحسن إليهم ،فإنّه من تمام الحسان إليه . وروى أبو أسيدٍ وكان بدريّا قال « :كنت مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم جالسا ،فجاءه رجل من النصار فقال :يا رسول اللّه .هل بقي من برّ والديّ بعد موتهما شيء أبرّهما به ؟ قال : ع ْهدِهما من بعدِهما ،وإِكرامُ صديقِهما ، نعم ،الصّلة عليهما ،والستغفار لهما ،وإنفاذ َ ي عليك » « .وكان صلى ال عليه حمَ لك إلّ من ِقبَلِهما ،فهذا الّذي بَ ِق َ وصل ُة ال ّرحِمِ الّتي ل َر ِ وسلم يهدي لصدائق خديجة برّا بها ووفا ًء لها » ،وهي زوجته ،فما ظنّك بالوالدين .
استئذانهما للسّفر للتّجارة أو لطلب العلم : ل سفرٍ ل يؤمن فيه الهلك ،ويشتدّ فيه نكّ - 9وضع فقهاء الحنفيّة لذلك قاعد ًة حاصلها :أ ّ الخطر ،فليس للولد أن يخرج إليه بغير إذن والديه ،لنّهما يشفقان على ولدهما ،فيتضرّران ل سفرٍ ل يشتدّ فيه الخطر يحلّ له أن يخرج إليه بغير إذنهما ،إذا لم يضيّعهما ، بذلك .وك ّ لنعدام الضّرر .وبذا ل يلزمه إذنهما للسّفر للتّعلّم ،إذا لم يتيسّر له ذلك في بلده ،وكان الطّريق آمنا ،ولم يخف عليهما الضّياع ،لنّهما ل يتضرّران بذلك ،بل ينتفعان به ،فل تلحقه سمة العقوق .أمّا إذا كان السّفر للتّجارة ،وكانا مستغنين عن خدمة ابنهما ،ويؤمن عليهما الضّياع ،فإنّه يخرج إليها بغير إذنهما .أمّا إذا كانا محتاجين إليه وإلى خدمته ،فإنّه ل يسافر بغير إذنهما . وفصّل المالكيّة في السّفر لطلب العلم ،بأنّه إذا كان لتحصيل درج ٍة من العلم ل تتوفّر في بلده سنّة ومعرفة الجماع ومواضع الخلف ومراتب القياس ،كان له ذلك ،كالتّفقّه في الكتاب وال ّ
ن تحصيل درجة المجتهدين بغير إذنهما إن كان فيه أهليّة النّظر ،ول طاعة لهما في منعه ،ل ّ ن بِالمعروفِ فرض على الكفاية .قال تعالى { :وَ ْل َتكُنْ ِمنْكم أمّ ٌة َيدْعُون إلى الخيرِ َو َي ْأمُرو َ َو َي ْنهَوْن عن الم ْنكَرِ } ،أمّا إن كان للتّفقّه على طريق التّقليد ،وفي بلده ذلك ،لم يجز له السّفر إلّ بإذنهما . وإذا أراد سفرا للتّجارة يرجو به ما يحصل له في القامة فل يخرج إلّ بإذنهما .
حكم طاعتهما في ترك النّوافل أو قطعها : - 10قال الشّيخ أبو بك ٍر الطّرطوشيّ في كتاب برّ الوالدين :ل طاعة لهما في ترك سنّةٍ راتب ٍة ،كحضور الجماعات ،وترك ركعتي الفجر والوتر ونحو ذلك ،إذا سأله ترك ذلك على الدّوام ،بخلف ما لو دعواه لوّل وقت الصّلة وجبت طاعتهما ،وإن فاتته فضيلة أوّل الوقت .
حكم طاعتهما في ترك فروض الكفاية :
حدُ والديه حيّ ،وفيه دللة على تقديم - 11سبق حديث صحيح مسل ٍم فيمن أراد البيعة وََأ َ صحبتهما على صحبة النّبيّ صلى ال عليه وسلم .وتقديم خدمتهما -الّتي هي واجبة عليه وجوبا عينيّا -على فروض الكفاية ،وذلك لنّ طاعتهما وبرّهما فرض عينٍ ،والجهاد فرض كفايةٍ ،وفرض العين أقوى .
حكم طاعتهما في طلبهما تطليق زوجته : - 12روى التّرمذيّ عن ابن عمر قال « :كانت تحتي امرأة أحبّها ،وكان أبي يكرهها ، فأمرني أن أطلّقها ،فأبيتُ ،فذكرت ذلك للنّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :يا عب َد اللّه بن عمر طّلقْ امرأتك » . وسأل رجل المام أحمد فقال ":إنّ أبي يأمرني أن أطلّق امرأتي .قال :ل تطلّقها .قال : أليس عمر رضي ال عنه أمر ابنه عبد اللّه أن يطلّق امرأته ؟ قال :حتّى يكون أبوك مثل عمر رضي ال عنه " .يعني ل تطلّقها بأمره حتّى يصير مثل عمر في تحرّيه الحقّ والعدل ، وعدم اتّباع هواه في مثل هذا المر .واختار أبو بكرٍ من الحنابلة أنّه يجب ،لمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم لبن عمر .وقال الشّيخ تقيّ الدّين بن تيميّة ":فيمن تأمره أمّه بطلق امرأته . قال :ل يحلّ له أن يطلّقها .بل عليه أن يبرّها .وليس تطليق امرأته من برّها ".
حكم طاعتهما فيما لو أمراه بمعصيةٍ أو بترك واجبٍ :
شرِك بِي ما ليس َلكَ به عِ ْلمٌ حسْنا وإن جا َهدَاك ِل ُت ْ ن بوالديه ُ - 13قال تعالى { :وَ َوصّينا النسا َ ن جاهداك على أنْ ُتشْرك بي ما ليس لك به علم فل ُتطْعهما فل ُتطِعْهما } وقال { :وإ ْ حبْهما في الدّنيا معروفا } ففيهما وجوب برّهما وطاعتهما والحسان إليهما ،وحرمة وصا ِ
عقوقهما ومخالفتهما ،إلّ فيما يأمرانه به من شركٍ أو ارتكاب معصي ٍة ،فإنّه في هذه الحالة ل يطيعهما ول يمتثل لوامرهما ،لوجوب مخالفتهما وحرمة طاعتهما في ذلك ،يؤكّد هذا قوله صلى ال عليه وسلم « :ل طاعة لمخلوقٍ في معصي ٍة الخالق » وللحديث المتقدّم في سعد بن أبي وقّاصٍ مع أمّه فقد عصى أمرها ،حين طلبت إليه ترك دينه ،وبقي على مصاحبتها بالمعروف برّا بها .وعصيانه لها فيما أمرته به واجب ،فل تطاع في أمرها له بترك الواجبات .
عقوق الوالدين وجزاؤه في الدّنيا والخرة : - 14بالضافة إلى العقوق السّلبيّ بترك برّهما ،فإنّ هناك صورا مختلفةً للعقوق بعضها فعليّ وبعضها قوليّ .ومن العقوق ما يبديه الولد لبويه من مللٍ وضجرٍ وغضبٍ وانتفاخ أوداجه ،واستطالته عليهما بدالّة البنوّة وقلّة الدّيانة خاصّ ًة في حال كبرهما .وقد أمر أن يقابلهما بالحسنى واللّين والمودّة ،والقول الموصوف بالكرامة ،السّالم من كلّ عيبٍ ،فقال تعالى { :إمّا َيبُْلغَنّ عندك ال ِك َبرَ أحدُهما أو كلهما فل تَقُلْ لهما ُأفّ } فنهي عن أن يقول لهما ما يكون فيه أدنى تب ّرمٍ .وضابط عقوقهما -أو أحدهما -هو أن يؤذي الولد أحد والديه بما لو فعله مع غيرهما كان محرّما من جملة الصّغائر ،فينتقل بالنّسبة إلى أحد الوالدين إلى الكبائر .وقد روي عنه صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :يُراح ريحُ ن خمرٍ » ن بعمله ،ول عاقّ ،ول ُم ْدمِ ُ الجنّة من مسيرة خمسمائةِ عا ٍم ،ول َيجِ ُد ريحَها منّا ٌ وما روي عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « أل أنبّئكم بأكبرِ الكبائر ؟ قلنا :بلى يا رسول اللّه .قال :ثلثا .الشراكُ ل الزّورِ وشهادة الزّور .أل باللّه ،وعقوقُ الوالدين ،وكان ُم ّتكِئا فجلس ،فقال :أل وقو َ ل الزّورِ وشهاد َة الزّورِ .فما زال يقولها حتّى قلت :ل يسكت » .وقال صلى ال عليه وقو َ وسلم « :رضى اللّه في رضى الوالدين ،وسخط اللّه في سخط الوالدين » .وقوله صلى ال ق الوالدين ،فإِنّ خرُ اللّه منها ما شاءَ إلى يومِ القيام ِة إلّ عقو َ ل الذّنوبِ يؤ ّ عليه وسلم « :ك ّ اللّه يعجّلُه لصاحبِه في الحيا ِة قبل المماتِ » .
جزاء العقوق :
- 15جزاء عقوق الوالدين أخرويّا سبق الكلم عنه ،وأمّا جزاؤه في الدّنيا فهو من باب التّعزير ،ويختلف قدره باختلف حاله وحال فاعله . فإن تعدّى على أبويه ،أو أحدهما ،بالشّتم أو الضّرب مثلً عزّراه ،أو عزّره المام - بطلبهما -إن كانا مشتومين أو مضروبين معا ،أو بطلب من كان منهما معتدًى عليه بذلك . فإن عفا المشتوم أو المضروب كان وليّ المر بعد عفوه على خياره في فعل الصلح من
التّعزير تقويما ،والصّفح عنه عفوا ،فإن تعافوا عن الشّتم والضّرب قبل التّرافع إلى المام سقط التّعزير .ويكون تعزيره بالحبس على حسب الذّنب والهفوة ،أو بالضّرب أو التّأنيب بالكلم العنيف ،أو بغير ذلك ممّا به ينزجر ويرتدع .
برزة * التّعريف : - 1ال َبرْزة هي :المرأة البارزة المحاسن ،أو المتجاهرة الكهلة الوقورة ،الّتي تبرز للقوم يجلسون إليها ويتحدّثون ،وهي عفيفة .ويقال :امرأة برزة إذا كانت كهل ًة ل تحتجب احتجاب ب ،وهي مع هذا عفيفة عاقلة ،تجلس للنّاس وتحدّثهم ،من البروز والخروج .ول الشّوَا ّ يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى اللّغويّ . المخدّرة :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2المخدّرة لغةً :من لزمت الخدر ،والخدر :السّتر . وفي الصطلح :الملزمة للخدر ،بكرا كانت أو ثيّبا ،ول يراها غير المحارم من الرّجال ، وإن خرجت لحاجةٍ .وعلى هذا :فالمخدّرة ضدّ البرزة . الحكم الجماليّ : - 3يرى الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وجوب حضور المرأة البرزة لداء الشّهادة ،إذا تحمّلت شهاد ًة ممّا يجوز شهادتها به ،وتوقّفت الدّعوى على حضورها ،ول يقبل في هذه الحالة الشّهادة على شهادتها ،إلّ إذا وجد مانع من الحضور ،كمرضٍ وسفرٍ ،فيرسل لها القاضي من يسمع شهادتها ،وتفصيله في أبحاث الشّهادة .أمّا المخدّرة فل يجب إحضارها إلى مجلس القضاء .والمالكيّة ل يفرّقون في أداء شهادة المرأة بين البرزة وغيرها ،والحكم عندهم أنّها تنقل الشّهادة عنها ،لما ينالها من الكشف والمشقّة . هذا في الشّهادة ،أمّا في التّقاضي فقد صرّح الحنابلة أنّه إن ادّعي على المرأة البرزة أحضرها القاضي ،لعدم العذر ،ول يعتبر لحضارها في سفرها هذا محرّم ،لتعيّن السّفر ح والضّيق ،أمّا إن كانت المدّعى عليها مخدّرةً عليها ،ولنّه حقّ آدميّ وهو مبنيّ على الشّ ّ فإنّها تؤمر بالتّوكيل ،ول يجب إحضارها ،لما فيه من المشقّة والضّرر ،فإن توجّهت عليها اليمين بعث القاضي أمينا -معه شاهدان -يستحلفها بحضرتهما .
مواطن البحث : - 4تكلّم الفقهاء عن أداء المرأة البرزة للشّهادة ،فيما يجوز لها أن تشهد به على النّحو المبيّن في مواطنه .
برسام * التّعريف : - 1البرسام لغةً ،واصطلحا :علّة عقليّة ينشأ عنها الهذيان ،شبيهة بالجنون . أ -العته :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2العته لغ ًة :نقص في العقل من غير جنونٍ أو وهنٍ . ل في العقل ،فيصير صاحبه مختلط العقل ،فيشبه بعض وهو في الصطلح :آفة توجب خل ً كلمه كلم العقلء ،وبعضه كلم المجانين ،وتجري على المعتوه أحكام الصّبيّ المميّز . وأمّا المبرسم فإنّه تجري عليه في حال نوباته أحكام الجنون . ب -الجنون : - 3الجنون كما عرّفه الشّرنبلليّ :مرض يزيل العقل ويزيد القوى . وهو في الجملة ممّا يسقط التّكليف ويبطل أهليّة الداء .
ي ومواطن البحث : الحكم الجمال ّ - 4للمبرسم أحكام تتعلّق به ،فعقوده غير معتبر ٍة في حال إصابته بالبرسام ،وإقراره غير ح ،وتصرّفاته القوليّة غير معتبر ٍة شرعا ،مثله في ذلك مثل المجنون . صحي ٍ أمّا تصرّفاته الفعليّة في وقت إصابته فإنّه ل إثم عليه فيها ،ولكن إذا ترتّب على فعله إتلف س يجب الضّمان في ماله ،وعليه ديته ،أو قيمة التّعويض من ماله .وتفصيل ذلك مالٍ أو نف ٍ تناوله الفقهاء عند الكلم عن التلف ونحوه ،والصوليّون في الهليّة وعوارضها .
برص *
التّعريف :
- 1البرص لغةً :داء معروف ،وهو بياض يقع في ظاهر الجلد ،يبقّع الجلد ويذهب دمويّته .وبرص برصا فهو أبرص ،والنثى برصاء . ول يخرج الستعمال الفقهيّ عن هذا المعنى .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الجذام : - 2الجذام :مأخوذ من الجذم ،وهو القطع ،سمّي كذلك لنّه داء تجذم به العضاء أي تتقطّع .والجذام علّة يحمرّ منها العضو ،ث ّم يسودّ ،ثمّ ينتن ويتقطّع ويتناثر ،ويتصوّر في كلّ عضوٍ غير أنّه يكون في الوجه أغلب
ب -البهق : البهق لغةً :بياض دون البرص يعتري الجسد بخلف لونه ،وليس من البرص . واصطلحا :تغيير في لون الجلد ،والشّعر النّابت عليه أسود .بخلف النّابت على البرص فإنّه أبيض .
أحكام يختصّ بها البرص ثبوت الخيار في فسخ النّكاح بسبب البرص :
- 3أثبت المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة طلب فسخ الزّواج بوجود البرص المستحكم في الجملة :فأجاز المالكيّة للزّوجة فقط طلب فسخ العقد ببرصٍ مضرّ بعد العقد ،سواء كان قبل الدّخول أو بعده ،وذلك بعد التّأجيل سنةً إن رجي برؤه . وأجاز الشّافعيّة والحنابلة للزّوج أو للزّوجة طلب الفسخ بالبرص قبل الدّخول وبعده .وهذا كلّه مع مراعاة شروط الخيار على الوجه المبيّن في النّكاح . ومنع الحنفيّة -عدا مح ّمدٍ -تخيير أحد الزّوجين بعيب الخر ولو فاحشا كبرصٍ ،وقال محمّد :يثبت الخيار بالبرص للزّوجة فقط ،بخلف الزّوج لنّه يقدر على دفعه بالطّلق . ويرجع إليه في موطنه . واستدلّ لثبوت الخيار بسبب البرص بما روي عن سعيد بن المسيّب أنّ عمر بن الخطّاب رضي ال عنه قال ":أيّما رجل تزوّج امرأ ًة ،فدخل بها فوجد بها برصا .أو مجنونةً أو مجذوم ًة فلها الصّداق بمسيسه إيّاها ،وهو له على من غرّه منها ". وحديث زيد بن كعب بن عجرة قال « :تزوّج رسول اللّه صلى ال عليه وسلم امرأ ًة من بني غفارٍ فرأى بكشحها بياضا ،فقال لها النّبيّ :خذي عليك ثيابك ولم يأخذ ممّا آتاها شيئا » .
حكم شهود البرص المساجد : - 4ذهب المالكيّة إلى إباحة ترك صلة الجمعة والجماعة للبرص ،إذا كان برصه شديدا ، إذا لم يوجد للبرص موضع يتميّزون فيه ،بحيث ل يلحق ضررهم بالنّاس على الوجه المبيّن في موطنه .وعند الحنابلة يكره حضور المسجد لصلة الجمعة والجماعة لمن به برص يتأذّى ص للتّأذّي . ض ببر ٍ به .ورخّص الشّافعيّة في ترك الجماعة لمري ٍ
مصافحته وملمسته :
ن في ذلك إيذاءً ،ويخشى - 5يكره عند الشّافعيّة مصافحة أو ملمسة ذي عاهةٍ كالبرص ،ل ّ أن ينتقل ذلك إلى السّليم .
حكم إمامة البرص :
- 6أجاز المالكيّة القتداء بإمامٍ به برص ،إلّ إن كان شديدا ،فيؤمر بالبعد عن النّاس بالكّليّة وجوبا ،فإن امتنع أجبر على ذلك .وعند الحنفيّة تكره إمامة أبرص شاع برصه ،وكذا الصّلة خلفه للنّفرة ،والقتداء بغيره أولى .
َبرَكة * انظر :تشهّد ،تحيّة .
انظر :مياه .
ِبرْكة * برنامج *
التّعريف : - 1البرنامج :الورقة الجامعة للحساب ،وهو معرّب برنامه ،وقال في المغرب :هي ن لخر ،فتلك النّسخة المكتوب فيها عدد الثّياب والمتعة وأنواعها المبعوث بها من إنسا ٍ النّسخة هي البرنامج الّتي فيها مقدار المبعوث ،ومنه قول السّمسار :إنّ وزن الحمولة في ص فقهاء المالكيّة على أنّ البرنامج :هو الدّفتر المكتوب فيه صفة ما في البرنامج كذا .ون ّ الوعاء من الثّياب المبيعة . أ -الرّقم :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الرّقم لغةً :من رقمت الشّيء :أعلمته بعلم ٍة تميّزه عن غيره كالكتابة ونحوها . وفي الصطلح :علمة يعرف بها مقدار ما يقع به البيع ،كما عرّفه بذلك الحنفيّة . وعرّفه الحنابلة بأنّه :الثّمن المكتوب على الثّوب . ب -النموذج : - 3ويقال فيه أيضا :نموذج ،وهو معرّب ،وقال الصّغانيّ :النّموذج :مثال الشّيء الّذي يعمل عليه . ل على صفة الشّيء .كأن يريه صاعا من صبرة قمحٍ ،ويبيعه ومن معانيه لغةً :أنّه ما يد ّ الصّبرة على أنّها من جنس ذلك الصّاع .وتفصيل أحكامه في مصطلح ( :أنموذج ) .
الحكم الجماليّ : - 4أجاز المالكيّة البيع على رؤية البرنامج ،فيجوز شراء ثيابٍ مربوط ٍة في العدل ،معتمدا فيه على الوصاف المذكورة في الدّفتر .فإن وجدت على الصّفّة لزم ،وإلّ خيّر المشتري إن
ل عددا وضع عنه من الثّمن بقدره .فإن كثر النّقص أكثر من كانت أدنى صف ًة .فإن وجدها أق ّ النّصف لم يلزمه ،وكان له أن يردّ البيع .وإن وجدها أكثر عددا كان البائع شريكا معه بنسبة ي. الزّائد .وقيل :ير ّد ما زاد .قال ابن القاسم :والوّل أحبّ إل ّ ولو قبضه المشتري وغاب عليه ،وادّعى أنّه أدنى أو أنقص ممّا هو مكتوب في البرنامج . ن ما في العدل موافق للمكتوب .حيث أنكر ما ادّعاه المشتري . فالقول للبائع بيمينه :أ ّ فإن نكل ولم يحلف حلف المشتري ،وردّ المبيع ،وحلف :أنّه ما بدّل فيه ،وإنّ هذا هو المبتاع بعينه .فإن نكل كالبائع لزمه .
بريد * التّعريف : - 1من معاني البريد في اللّغة :الرّسول ،ومنه قول بعض العرب :الحمّى بريد الموت . وأبرد بريدا :أرسله ،وفي الحديث أنّه صلى ال عليه وسلم قال « :إذا َأبْردتم إليّ بريدا ن السمِ » وإبراده :إرساله . حسَنَ الوجهِ ،حس َ فاجْعلوه َ وقال الزّمخشريّ :البريد :كلمة فارسيّة معرّبة ،كانت تطلق على بغال البريد ،ثمّ سمّي سكّة :موضع كان سكّتين بريدا ،وال ّ الرّسول الّذي يركبها بريدا ،وسمّيت المسافة الّتي بين ال ّ ل سكّةٍ يسكنه الشخاص المعيّنون لهذا الغرض من بيتٍ أو قبّ ٍة أو رباطٍ .وكان يرتّب في ك ّ سكّتين فرسخان أو أربعة .أ .هـ .والفرسخ ثلثة أميالٍ ،والميل بغال ،وبعد ما بين ال ّ أربعة آلف ذراعٍ .وفي كتب الفقه :السّفر الّذي يجوز فيه القصر أربعة بردٍ ،وهي 48ميلً بالميال الهاشميّة .
مواطن البحث :
- 2البريد مصطلح يذكره الفقهاء في تقدير مسافة القصر الّتي يرخّص فيها القصر والفطر في رمضان ونحو ذلك من أحكام السّفر ( ر :قصر ،فطر ،سفر ،صلة المسافر ) وانظر أيضا ( مقادير ) .
َب ِريّة * انظر :طلق .
انظر :بصاق .
بزاق *
بساط اليمين * التّعريف : - 1ركّب هذا المصطلح من لفظين .أوّلهما :لفظ بساطٍ .وثانيهما :لفظ اليمين .وأوّلهما مضاف إلى ثانيهما .وهما يستعملن في الحلف .ولم يستعملهما بهذه الصّورة سوى فقهاء المالكيّة ،ول بدّ من تعريف المتضايفين للوصول إلى تعريف المركّب الضافيّ . من معاني اليمين في اللّغة :القسم والحلف ،وهو المراد هنا . وفي اصطلح فقهاء المالكيّة :تحقيق ما لم يجب بذكر اسم اللّه أو صف ًة من صفاته . وهذا أدقّ تعريفٍ وأوجزه ،وهناك تعاريف أخرى لليمين ل تخرج عن هذا المعنى . - 2أمّا البساط فهو :السّبب الحامل على اليمين إذ هو مظنّتها فليس فيه انتفاع ال ّنيّة ،بل هو متضمّن لها . وضابطه :صحّة تقييد يمينه بقوله :ما دام هذا الشّيء أي الحامل على اليمين موجودا .
الحكم الجماليّ :
- 3بساط اليمين عند المالكيّة الّذين انفردوا بهذا التّعبير :هو الباعث على اليمين ،والحامل عليها .ويمكن أن يكون مقيّدا لمطلق اليمين ،أو مخصّصا لعمومه ،كما لو كان هناك ظالم في السّوق فقال :واللّه ل أشتري لحما من هذا السّوق ،فيمكن أن يقيّد يمينه بوجود هذا الظّالم ،فإذا زال هذا الظّالم جاز له شراء اللّحم من هذا السّوق ،ول يكون حانثا .وكذلك لو كان خادم المسجد سيّئ الخلق ،فقال :واللّه ل أدخل هذا المسجد ،ثمّ زال هذا الخادم ،فلو دخل ح أن يقيّد اليمين بقوله :ما دام هذا الخادم موجودا .ويشترط هذا المسجد ل يحنث ،فإنّه يص ّ ل تكون للحالف نيّة ،وألّ يكون له مدخل في هذا الباعث ،والتّقييد به أو في هذا البساط أ ّ التّخصيص به إنّما يكون بعد زوال هذا الباعث .ويقابل بساط اليمين عند الحنفيّة ،ما يسمّى يمين العذر ،كمن قال لزوجته عندما تهيّأت للخروج :واللّه ل تخرجي ،فإذا جلست ساعةً ثمّ خرجت ل يحنث استحسانا عند أئمّة الحنفيّة ،خلفا لزفر الّذي أخذ بالقياس ،وهو الحنث . ل أن تكون له نيّة ،والمعتبر عندهم وليس هناك دخل عند الشّافعيّة للباعث على اليمين ،إ ّ ظاهر اللّفظ ،إن عامّا فعامّ ،أو مطلقا فمطلق ،أو خاصّا فخاصّ .وسمّى الحنابلة بساط اليمين :سبب اليمين وما هيّجها ،واعتبروا مطلق اليمين ،إذا لم ينو الحالف شيئا .ومن أراد تفصيل ذلك فليرجع إلى مصطلح ( أيمان ) .
بسملة * التّعريف :
سمَلَةً : سمَلَ َب ْ - 1البسملة في اللّغة والصطلح :قول :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم .يقال َ :ب ْ إذا قال ،أو كتب :بسم اللّه .ويقال :أكثرَ من البسملة ،أي أكثر من قول :بسم اللّه . ن اللّه -تعالى ذكره ،وتقدّست أسماؤه -أدّب نبيّه محمّدا صلى ال عليه قال الطّبريّ :إ ّ وسلم بتعليمه ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله ،وجعل ذلك لجميع خلقه سنّ ًة يستنّون بها ،وسبيلً يتّبعونه عليها ،فقول القائل :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إذا افتتح تاليا سورةً ، ن مراده أقرأ باسم اللّه ،وكذلك سائر الفعال .البسملة جزء من القرآن الكريم : ينبئ عن أ ّ - 2اتّفق الفقهاء على أنّ البسملة جزء من آي ٍة في قوله تعالى { :إنّه من سليمانَ وإنّه بسمِ اللّه الرّحمنِ الرّحي ِم } . واختلفوا في أنّ ها أيّة من الفات حة ،و من كلّ سور ٍة .والمشهور ع ند الحنفيّة ،وال صحّ ع ند ل سورةٍ ، ن الب سملة لي ست آي ًة من الفات حة و من ك ّ الحنابلة ،و ما قال به أك ثر الفقهاء هو :أ ّ وأنّها آية واحدة من القرآن كلّه ،أنزلت للفصل بين السّور ،وذكرت في أوّل الفاتحة . سمْتُ ومن أدلّتهم ما رواه أبو هريرة أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :يقول اللّه تعالى :قَ َ عبْدي ِنصْفين ،فإذا قال العبد { :الحمدُ للّه ربّ العالمينَ } ،قال اللّه تعالى الصّلةَ بيني وبينَ َ :حمدني عبدي ،فإذا قال { :الرّحمن الرّحيم } ،قال اللّه تعالى :مجّدني عبدي ،وإذا قال : { مالك يوم الدّين } ،قال اللّه تعالى :أثنى عليّ عبدي ،وإذا قال { :إيّاك نعبد وإيّاك نستعين } ،قال اللّه تعالى :هذا بيني وبين عبدي نصفين ،ولعبدي ما سأل » فالبداءة بقوله { :الحمد ن التّسمية ليست آيةً من أوّل الفاتحة .إذ لو كانت آي ًة من للّه ربّ العالمين } ،دليل على أ ّ الفاتحة لبدأ بها ،وأيضا :لو كانت البسملة آي ًة منها لم تتحقّق المناصفة ،فإنّه يكون في ن السّلف اتّفقوا على أنّ ص على المناصفة ،ول ّ ت إلّ نصفا ،وقد ن ّ النّصف الوّل أربع آيا ٍ ب من المذاهب ت بدون البسملة .وورد في كلّ مذه ٍ ت .وهي ثلث آيا ٍ سورة الكوثر ثلث آيا ٍ الثّلثة غير ما سبق .ففي المذهب الحنفيّ أنّ المعلّى قال :قلت لمح ّمدٍ :التّسمية آية من القرآن أم ل ؟ قال :ما بين ال ّدفّتين كلّه قرآن ،فهذا عن مح ّمدٍ بيان أنّها آية للفصل بين السّور ،ولهذا كتبت بخطّ على حد ٍة .وقال محمّد :يكره للحائض والجنب قراءة التّسمية على وجه ن من ضرورة كونها قرآنا حرمة قراءتها على الحائض والجنب ،وليس من قراءة القرآن ،ل ّ ضرورة كونها قرآنا الجهر بها كالفاتحة ...وروى ابن عبّاسٍ أنّه قال لعثمان :لم لم تكتب التّسمية بين ،التّوبة والنفال ،قال :لنّ التّوبة من آخر ما نزل ،فرسول اللّه صلى ال عليه وسلم توفّي ،ولم يبيّن لنا شأنها ،فرأيت أوّلها يشبه أواخر النفال ،فألحقتها بها ،فهذا بيان منهما على أنّها كتبت للفصل بين السّور .والمشهور عند المالكيّة :أنّ البسملة ليست آي ًة من القرآن إلّ في سورة النّمل ،فإنّها جزء من آيةٍ ،ويكره قراءتها بصلة فرضٍ -للمام وغيره -قبل فاتحةٍ أو سور ٍة بعدها ،وقيل عند المالكيّة بإباحتها ،وندبها ،ووجوبها في الفاتحة .
ن البسملة من الفاتحة ،لما رواه أبو هريرة أنّ النّبيّ صلى ال عليه وروي عن المام أحمد أ ّ وسلم قال { :إذا قرأتم { :الحمد للّه ربّ العالمين } ،فاقرءوا :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فإنّها ن الصّحابة أثبتوها في أمّ القرآن والسّبع المثاني وبسم اللّه الرّحمن الرّحيم آية منها } ول ّ المصاحف بخطّهم ،ولم يثبتوا بين ال ّدفّتين سوى القرآن ،وما روي عن نعيمٍ المجمر قال : صلّيت وراء أبي هريرة ،فقرأ :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ،ثمّ قرأ بأمّ القرآن .وما رواه ابن ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قرأ في الصّلة :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ،ثمّ المنذر { أ ّ ب العالمين } آيتين } .وقال ابن المبارك :من قرأ بأمّ القرآن ،وعدّها آيةً { ،والحمد للّه ر ّ ترك بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فقد ترك مائةً وثلث عشرة آيةٍ وروي عن المام أحمد :أنّ ل سورتين فصلً بين السّور .وعنه أيضا :أنّها بعض البسملة آية مفردة ،كانت تنزل بين ك ّ ل فيها .وعنه أيضا :البسملة ليست بآيةٍ إلّ من الفاتحة آيةٍ من سورة النّمل ،وما أنزلت إ ّ وحدها . ن البسملة آية كاملة من الفاتحة ومن كلّ سورةٍ ،لما روت أمّ سلمة - 3ومذهب الشّافعيّة :أ ّ رضي ال عنها { :أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قرأ في الصّلة :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، فعدّها آيةً منها } ،ولما روي عن أبي هريرة رضي ال عنه :أنّ { رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال :الحمد للّه سبع آياتٍ ،إحداهنّ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم } .وعن عليّ رضي ال عنه كان إذا افتتح السّورة في الصّلة يقرأ :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم .وروي عن أبي هريرة ب العالمين } ،فاقرءوا :بسم عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال { :إذا قرأتم { :الحمد للّه ر ّ اللّه الرّحمن الرّحيم ،إنّها أمّ القرآن والسّبع المثاني ،بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إحدى آياتها } ، ن الصّحابة أثبتوها فيما جمعوا من القرآن في أوائل السّور ،وأنّها مكتوبة بخطّ القرآن ، ول ّ ن ما بين ب بخطّ القرآن ،وأجمع المسلمون على أ ّ ل ما ليس من القرآن فإنّه غير مكتو ٍ وك ّ الدّفّتين كلم اللّه تعالى ،والبسملة موجودة بينهما ،فوجب جعلها منه .واتّفق أصحاب ن من أنكر أنّها آية في أوائل السّور ل يعدّ كافرا .للخلف السّابق في المذاهب الربعة على أ ّ المذاهب .
حكم قراءة البسملة لغير المتطهّر : - 4ل خلف بين العلماء في أنّ البسملة من القرآن ،وذهب الجمهور إلى حرمة قراءتها على الجنب والحائض والنّفساء بقصد التّلوة ،لحديث التّرمذيّ وغيره { :ل يقرأ الجنب ول الحائض شيئا من القرآن } .ورويت كراهة ذلك عن عمر وعليّ ،وروى أحمد وأبو داود ي قال { :كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم ل والنّسائيّ من رواية عبد اللّه بن سلمة عن عل ّ يحجبه -وربّما قال ل يحجزه -من القرآن شيء ليس الجنابة } .وورد عن ابن عمر أنّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال { :ل تقرأ الحائض ول الجنب شيئا من القرآن } .فلو قصد الدّعاء أو الثّناء أو افتتاح أم ٍر تبرّكا ،ولم يقصد القراءة ،فل بأس .وفي أحد قولين للمالكيّة :ل يحرم قراءة آي ٍة للتّعوّذ أو الرّقية ،ولو آية الكرسيّ .كما ذهب المالكيّة إلى أنّه ل يمنع الحيض والنّفاس قراءة القرآن ،ما دامت المرأة حائضا أو نفساء بقصد التّعلّم أو التّعليم ،لنّها غير قادر ٍة على إزالة المانع ،أمّا إذا انقطع ولم تتطهّر ،فل تحلّ لها قراءته كما ل تحلّ ن لهم ذكر اللّه ،ويحتاجون إلى التّسمية للجنب .والدّليل على استثناء التّسمية من التّحريم :أ ّ عند اغتسالهم ،ول يمكنهم التّحرّز عنها ،لما روى مسلم عن عائشة قالت { :كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يذكر اللّه في كلّ أحيانه } .وإن قصدوا بها القراءة ،ففيه روايتان : إحداهما ل يجوز ،لما روي عن عليّ رضي ال عنه أنّه سئل عن الجنب يقرأ القرآن ؟ فقال :ل ولو حرفا ،لعموم الخبر في النّهي ،والثّانية :ل يمنع منه ،لنّه ل يحصل به العجاز ،ويجوز إذا لم يقصد به القرآن ( .ر :الجنابة ،والحيض ،والغسل ،والنّفاس ) .
البسملة في الصّلة : - 5اختلف الفقهاء في حكم قراءة البسملة بالنّسبة للمام والمأموم والمنفرد ،في ركعات الصّلة ،لختلفهم في أنّها آية من الفاتحة ومن كلّ سورةٍ .وحاصل مذهب الحنفيّة في ذلك ن قراءتها ل ركعةٍ ،ول يس ّ :أنّه يسنّ قراءة البسملة سرّا للمام والمنفرد في أوّل الفاتحة من ك ّ بين الفاتحة والسّورة مطلقا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ،لنّ البسملة ليست من الفاتحة ، ن هذا أقرب إلى الحتياط لختلف العلماء والثار وذكرت في أوّلها للتّبرّك .قال المعلّى :إ ّ ن قراءة البسملة سرّا في كونها آيةً من الفاتحة ،وروى ابن أبي رجاءٍ عن مح ّمدٍ أنّه قال :يس ّ بين السّورة والفاتحة في غير الصّلة الجهريّة ،لنّ هذا أقرب إلى متابعة المصحف ،وإذا كانت القراءة جهرا فل يؤتى بالبسملة بين السّورة والفاتحة ،لنّه لو فعل لخفى ،فيكون ذلك سكتةً في وسط القراءة ،وليس ذلك مأثورا .وفي قولٍ آخر في المذهب :تجب بداية القراءة بالبسملة في الصّلة ،لنّها آية من الفاتحة .وحكم المقتدي عند الحنفيّة أنّه ل يقرأ لحمل إمامه عنه ،ول تكره التّسمية اتّفاقا بين الفاتحة والسّورة المقروءة سرّا أو جهرا .والمشهور ن البسملة ليست من الفاتحة ،فل تقرأ في المكتوبة سرّا أو جهرا من المام أو عند المالكيّة :أ ّ المأموم أو المنفرد ،لما ورد عن أنسٍ أنّه قال { :صلّيت خلف رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمر وعثمان وعليّ ،فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد للّه ربّ العالمين ،ول يذكرون بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في أوّل قراءةٍ ول في آخرها } .ويكره قراءتها بفرضٍ قبل الفاتحة أو السّورة الّتي بعدها ،وفي قولٍ عند المالكيّة :يجب ،وهناك قول بالجواز .وفي رواي ٍة في مذهب المام مالكٍ أنّه يجوز قراءة البسملة في صلة النّفل قبل الفاتحة والسّورة في
كلّ ركع ٍة سرّا أو جهرا .وللخروج من الخلف في حكم قراءة البسملة في الصّلة ،قال ل كراهة التيان بالبسملة إذا لم يقصد القرافيّ :الورع البسملة أوّل الفاتحة ،وقال :مح ّ الخروج من الخلف الوارد في المذهب ،فإن قصده فل كراهة .والظهر عند الشّافعيّة :أنّه ل ركع ٍة من ركعات الصّلة في قيامها يجب على المام والمأموم والمنفرد قراءة البسملة في ك ّ قبل فاتحة الكتاب ،سواء أكانت الصّلة فرضا أم نفلً ،سريّ ًة أو جهريّ ًة ،لحديثٍ رواه أبو ن :بسم ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال { :فاتحة الكتاب سبع آياتٍ ،إحداه ّ هريرة :أ ّ ل على دخول اللّه الرّحمن الرّحيم } وللخبر { :ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب } ويد ّ المأمومين في العموم ما صحّ عن عبادة { :كنّا نخلف رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في صلة الفجر ،فثقلت عليه القراءة ،فلمّا فرغ قال :لعلّكم تقرءون خلف إمامكم ،قلنا :نعم ، قال :ل تفعلوا إلّ بفاتحة الكتاب ،فإنّه ل صلة لمن لم يقرأ بها } وتقرأ البسملة عند ابتداء كلّ سور ٍة في ركعات الصّلة ،ويجهر بها في حالة الجهر بالفاتحة والسّورة ،وكذا يسرّ بها ح عند الحنابلة :ل يجب معهما ،على القول بأنّ البسملة آية من سائر السّور .وعلى الص ّ قراءة البسملة مع الفاتحة ومع كلّ سور ٍة في ركعات الصّلة ،لنّها ليست آيةً من الفاتحة ومن ن الصّحابة أثبتوها في كلّ سور ٍة ،لحديث { قسمت الصّلة بيني وبين عبدي نصفين } ...ول ّ ح :يسنّ قراءة البسملة المصاحف بخطّهم ،ولم يثبتوا بين ال ّدفّتين سوى القرآن .وعلى الص ّ مع فاتحة الكتاب في الرّكعتين الوليين من كلّ صل ٍة ،ويستفتح بها السّورة بعد الفاتحة ، ن { النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يسرّ ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم في ويسرّ بها ،لما ورد أ ّ الصّلة } .وعلى الرّواية الخرى عن أحمد في قرآنيّة البسملة يجب على المام والمنفرد والمأموم قراءة البسملة مع الفاتحة في الصّلة .هذا ،وتقرأ البسملة بعد التّكبير والستفتاح والتّعوّذ في الرّكعة الولى ،أمّا فيما بعدها فإنّه يقرؤها بعد تكبير القيام إلى تلك الرّكعة ، وتقرأ البسملة في حال القيام ،إلّ إذا صلّى قاعدا لعذرٍ ،فيقرؤها قاعدا وللتّفصيل ر : ( الصّلة )
مواطن أخرى للبسملة : أ -التّسمية عند دخول الخلء : - 6اتّفق الفقهاء على مشروعيّة التّسمية على سبيل النّدب ،وذلك قبل دخول الخلء لقضاء الحاجة ،لما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم { أنّه كان يقول إذا دخل الخلء :بسم اللّه ، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث } وانظر للتّفصيل مصطلح ( :قضاء الحاجة ) .
ب -التّسمية عند الوضوء :
ن التّسمية سنّة عند ابتداء - 7ذهب الحنفيّة ،والمالكيّة في المشهور عندهم ،والشّافعيّة إلى أ ّ ن آية الوضوء مطلقة عن شرط التّسمية ،والمطلوب من الوضوء ،وسندهم فيما قالوا :أ ّ المتوضّئ الطّهارة ،وترك التّسمية ل يقدح فيها ،لنّ الماء خلق طهورا في الصل ،فل تتوقّف طهوريّته على صنع العبد ،وما رواه ابن مسعودٍ أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال { :من توضّأ وذكر اسم اللّه عليه كان طهورا لجميع بدنه ،ومن توضّأ ولم يذكر اسم اللّه كان طهورا لما أصاب من بدنه } وإن نسي المتوضّئ التّسمية في أوّل الوضوء ،وذكرها في ن التّسمية أثنائه ،أتى بها ،حتّى ل يخلو الوضوء من اسم اللّه تعالى .وذهب الحنابلة :إلى أ ّ في الوضوء واجبة ،وهي قول ( باسم اللّه ) ل يقوم غيرها مقامها ،واستدلّوا لوجوبها بما رواه أبو هريرة عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال { :ل صلة لمن ل وضوء له ،ول وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه عليه } وتسقط التّسمية حالة السّهو تجاوزا ،لحديث { :تجاوز اللّه عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه } .فإن ذكر المتوضّئ التّسمية في أثناء ح طهارته ،لنّه لم يذكر اسم اللّه على طهارته الوضوء سمّى وبنى ،وإن تركها عمدا لم تص ّ ،والخرس والمعتقل لسانه يشير بها .
ج -التّسمية عند الذّبح : ن التّسمية واجبة عند الذّبح . - 8ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في المشهور عندهم إلى أ ّ لقوله تعالى { :ول تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه } ول تجب التّسمية على ناسٍ ،ول ن إشارته تقوم مقام نطق أخرس ،ول مكر ٍه ،ويكفي من الخرس أن يومئ إلى السّماء ،ل ّ ن التّسمية سنّة عند الذّبح ،وصيغتها أن النّاطق .وذهب الشّافعيّة ،وهو رواية عن أحمد إلى أ ّ يقول ( :باسم اللّه ) عند الفعل ،لما روى البيهقيّ في صفة ذبح النّبيّ صلى ال عليه وسلم ي صلى ال عليه وسلم أتى بكبشين أملحين أقرنين عظيمين لضحيّته { :ضحّى النّب ّ موجوأين ،فأضجع أحدهما فقال :بسم اللّه واللّه أكبر ،اللّهمّ هذا عن مح ّمدٍ ،ثمّ أضجع الخر فقال :بسم اللّه واللّه أكبر ،اللّهمّ هذا عن محمّدٍ وأمّته ممّن شهد لك بالتّوحيد ،وشهد لي بالبلغ } .ويكره عند الشّافعيّة تعمّد ترك التّسمية ،ولكن لو تركها عمدا يحلّ ما ذبحه ن اللّه تعالى أباح ذبائح أهل الكتاب بقوله تعالى { :وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ ويؤكل ،ل ّ لكم } وهم ل يذكرونها ( التّسمية ) ،وأمّا قوله تعالى { :ول تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه وإنّه لفسق } فالمراد ما ذكر عليه غير اسم اللّه ،أي ما ذبح للصنام ،بدليل قوله تعالى : ل لغير اللّه به } وسياق الية دالّ عليه ،فإنّه قال { :وإنّه لفسق } والحالة الّتي يكون { وما أه ّ فيها فسقا هي الهلل لغير اللّه تعالى .
د -التّسمية على الصّيد : - 9ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى وجوب التّسمية عند صيد ما يؤكل لحمه ،والمراد بها :ذكر اللّه من حيث هو ،ل خصوص ( باسم اللّه ) والفضل باسم اللّه واللّه أكبر ،ول يزيد في البسملة :الرّحمن الرّحيم ول الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم ويشترط عند الرّمي أو الرسال للمعلّم إن ذكر وقدر ،لنّه وقت الفعل من الرّامي والمرسل ،فتعتبر عنده .فإن تركها ناسيا أو عجزا يحلّ ويؤكل ،وإن تركها عمدا مع القدرة عليها فل ،لقوله تعالى : { ول تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه } على معنى ول تأكلوا ممّا تركت التّسمية عليه عمدا مع القدرة ،وخالف ابن رشدٍ من المالكيّة وقال :التّسمية ليست بشرطٍ في صحّة الذّكاة ،لنّ معنى قوله تعالى { :ول تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه } ل تأكلوا الميتة الّتي لم تقصد ذكاتها ،لنّها فسق .وذهب الشّافعيّة إلى أنّ التّسمية عند الصّيد سنّة ،وصيغتها أن يقول عند الفعل :باسم اللّه والكمل :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ،لما رواه الشّيخان في الذّبح للضحيّة ، وقيس بما فيه غيره ،ويكره تعمّد ترك التّسمية .فلو تركها -ولو عمدا -يحلّ ويؤكل للدّليل المبيّن في التّسمية عند الذّبح .ولمزيدٍ من التّفصيل ( ر :ذبائح ) .وذهب الحنابلة إلى اشتراط التّسمية في حلّ الصّيد عند إرسال الجارح المعلّم ،وهي :باسم اللّه ،لنّ إطلق التّسمية ينصرف إلى ذلك ،ولو قال :باسم اللّه واللّه أكبر ،فل بأس لوروده ،فإن ترك التّسمية عمدا أو سهوا لم يبح على التّحقيق ،لقوله تعالى { :ول تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه ي بن حاتمٍ { :إذا أرسلت كلبك وسمّيت عليه } وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم فيما رواه عد ّ فكل ،قلت :فإن أخذ معه آخر ؟ قال :ل تأكل ،فإنّك سمّيت على كلبك ،ولم تسمّ على ن الذّبح وقع في محلّه ،فجاز الخر } ،والفرق بين الذّبح والصّيد في التّسمية عند الحنابلة :أ ّ أن يتسامح فيه بالنّسبة لنسيان التّسمية ،بخلف الصّيد ،فل يتسامح في نسيانها فيه ،ونقل عن المام أحمد :أنّه إن نسي التّسمية عند الصّيد يباح ويؤكل ،وعنه أيضا :إن نسيها على السّهم أبيح ،وإن نسيها على الجارحة لم يبح .ولمزيدٍ من التّفصيل ( ر :صيد ) .
هـ ( -التّسمية عند الكل ) :
ن التّسمية عند البدء في الكل من السّنن .وصيغتها :بسم اللّه وبسم - 10ذهب الفقهاء إلى أ ّ اللّه الرّحمن الرّحيم ،فإن نسيها في أوّله سمّى في باقيه ،ويقول :باسم اللّه أوّله وآخره لحديث عائشة رضي ال عنها عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال { :إذا أكل أحدكم فليذكر اسم اللّه تعالى ،فإن نسي أن يذكر اسم اللّه في أوّله فليقل :باسم اللّه أوّله وآخره } .
و -التّسمية عند التّيمّم :
- 11التّسمية عند التّيمّم مشروعة :سنّة عند الحنفيّة ،ومندوبة عند المالكيّة ،ومستحبّة عند الشّافعيّة ،وصيغتها :بسم اللّه والكمل عند الشّافعيّة :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ،وإن نسي التّسمية في أوّل التّيمّم وذكرها في أثنائه أتى بها ،وإن تركها عمدا ل يبطل التّيمّم ،وإن فعلها ن التّسمية عند التّيمّم واجبة وهي :باسم اللّه ،ل يقوم غيرها يثاب .وذهب الحنابلة إلى أ ّ مقامها ،ووقتها أوّله ،وتسقط سهوا لحديث { :تجاوز اللّه عن أمّتي الخطأ والنّسيان } ... وإن ذكرها في أثنائه سمّى وبنى ،وإن تركها عمدا حتّى مسح بعض أعضائه ،ولم يستأنف ح طهارته ،لنّه لم يذكر اسم اللّه على طهارته . ما فعله ،لم تص ّ
ز -التّسمية لكلّ أمرٍ ذي بالٍ : ن التّسمية مشروعة لك ّل أمرٍ ذي بالٍ ،عباد ٍة أو غيرها ،فتقال - 12اتّفق أكثر الفقهاء على أ ّ عند البدء في تلوة القرآن الكريم والذكار ،وركوب سفين ٍة وداّبةٍ ،ودخول المنزل ومسجدٍ ، ب منبرا ، أو خروجٍ منه ،وعند إيقاد مصباحٍ أو إطفائه ،وقبل وطءٍ مباحٍ ،وصعود خطي ٍ ونومٍ ،والدّخول في صلة النّفل ،وتغطية الناء ،وفي أوائل الكتب ،وعند تغميض ميّتٍ ولحده في قبره ،ووضع اليد على موضع ألمٍ بالجسد ،وصيغتها ( باسم اللّه ) والكمل ( بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ) فإن نسي التّسمية أو تركها عمدا فل شيء ،ويثاب إن فعل .وممّا ورد :حديث { ك ّل أمرٍ ذي بالٍ ل يبدأ فيه باسم اللّه فهو أبتر } ،وفي رواي ٍة { فهو أقطع } وفي أخرى { فهو أجذم } ،وما ورد عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم { :ضع يدك على الّذي تألّم من جسدك ،وقل :باسم اللّه ثلثا } ...الحديث .وحديث { :أغلق بابك واذكر اسم اللّه ،فإنّ الشّيطان ل يفتح بابا مغلقا ،وأطفئ مصباحك واذكر اسم اللّه ،وخمّر إناءك } ... وحديث { :إذا عثرت بك الدّابّة فل تقل :تعس الشّيطان ،فإنّه يتعاظم ،حتّى يصير مثل البيت ،ويقول :بقوّتي صرعته ،ولكن قل :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ،فإنّه يتصاغر ،حتّى يصير مثل الذّباب } .
التّعريف
بشارة
- 1البشارة -بكسر الباء : -ما يبشّر به النسان غيره من أمرٍ ،وبضمّ الباء :ما يعطاه ضمّ :ما يعطى البشير ،وبكسر المبشّر بالمر ،كالعمالة للعامل ،قال ابن الثير :البشارة بال ّ الباء :السم ،سمّيت بذلك من البشر وهو السّرور ،لنّها تظهر طلقة وجه النسان .وهم يتباشرون بذلك المر أي :يبشّر بعضهم بعضا ،والبشارة إذا أطلقت فهي للبشارة بالخير ،
شرّ ،كقوله تعالى { :فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ } .ول يخرج ويجوز استعمالها مقيّد ًة في ال ّ استعمالها في اصطلح الفقهاء عن ذلك ( .اللفاظ ذات الصّلة ) : أ -الخبر : - 2الخبر يكون من المخبر الوّل ومن يليه ،والبشارة ل تكون إلّ من المخبر الوّل . والخبر يكون بالصّدق والكذب سارّا ،كان أو غير سارّ ،والبشارة تختصّ بالخبر الصّادق السّارّ غالبا . ب -الجعل : - 3الجعل لغةً :اسم لما يجعله النسان لغيره على شي ٍء يعمله .والجعل اصطلحا :عوض ن معلومٍ فيه كلفة .والبشارة بضمّ الباء :ما يعطاه المبشّر معلوم ملتزم به على عملٍ معيّ ٍ بالمر ،وهي بهذا المعنى تشبه الجعل ،جاء في نهاية المحتاج :ل ب ّد من كون العمل في الجعالة فيه كلفة أو مؤنة ،كردّ آبقٍ ،أو إخبارٍ فيه غرض والمخبر صادق فيه . الحكم الجماليّ : - 4إخبار النّاس بما يسرّهم أمر مستحبّ ،لما ورد في ذلك من اليات القرآنيّة ،كقوله تعالى { :وبشّر الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أنّ لهم جنّاتٍ تجري من تحتها النهار كلّما رزقوا منها من ثمر ٍة رزقا قالوا :هذا الّذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهّرة وهم فيها خالدون } وما ورد كذلك من أحاديث ،منها حديث كعب بن مالكٍ رضي ال عنه المخرّج في الصّحيحين { في قصّة توبته قال :وسمعت صوت صارخٍ يقول بأعلى صوته :يا كعب بن مالكٍ .أبشر ،فذهب النّاس يبشّروننا ،وانطلقت أتأمّم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا يهنّئونني بالتّوبة ،ويقولون :لتهنك توبة اللّه تعالى عليك ،حتّى دخلت المسجد ،فإذا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حوله النّاس ،فقام طلحة بن عبيد اللّه يهرول ،حتّى صافحني وهنّأني ،وكان كعب ل ينساها لطلحة ،قال كعب :فلمّا سلّمت على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال -وهو يبرق وجهه من السّرور : -أبشر ب أنّه لمّا جاءه البشير بالتّوبة ،نزع له بخير يومٍ مرّ عليك منذ ولدتك أمّك } .وفي قصّة كع ٍ ثوبيه وكساهما إيّاه نظير بشارته .ونقل البيّ عن القاضي عياضٍ أنّه قال :وهذا يدلّ على جواز البشارة والتّهنئة بما يسرّ من أمور الدّنيا والخرة ،وإعطاء الجعل للمبشّر .وفي حديث كعبٍ مشروعيّة الستباق إلى البشارة بالخير .ويستحبّ لمن بشّر بخبرٍ سارّ أن يحمد اللّه ن ،في مقتل عمر بن تعالى ويثني عليه ،لما روي في صحيح البخاريّ عن عمرو بن ميمو ٍ ن عمر رضي ال عنه أرسل ابنه الخطّاب رضي ال عنه ،في حديث الشّورى الطّويل :أ ّ عبد اللّه إلى عائشة رضي ال عنها يستأذنها أن يدفن مع صاحبيه ،فلمّا أقبل عبد اللّه ،قال عمر :ما لديك ؟ قال :الّذي تحبّ يا أمير المؤمنين ،أذنت .فقال :الحمد للّه ما كان شيء
ن البشارة تتحقّق من المخبر الوّل منفردا أو مع غيره أهمّ إليّ من ذلك .وأجمع العلماء على أ ّ ،فإذا قال رجل :من بشّرني من عبيدي بكذا فهو حرّ ،فبشّره واحد من عبيده فأكثر ،فإنّ أوّلهم يكون حرّا .وأورد الفقهاء أمثل ًة أخرى في مواطن متعدّدةٍ .ويدلّ على ذلك ما روي { أنّه عليه الصلة والسلم مرّ بابن مسعودٍ وهو يقرأ القرآن ،فقال عليه الصلة والسلم من أحبّ أن يقرأ القرآن غضّا طريّا كما نزل فليقرأ بقراءة ابن أمّ عبدٍ ،فابتدر إليه أبو بكرٍ وعمر رضي ال عنهما بالبشارة ،فسبق أبو بكرٍ عمر ،فكان ابن مسعو ٍد يقول :بشّرني أبو بكرٍ ، وأخبرني عمر } رضي ال عنهم أجمعين .والبشارة مستحبّة كالهبة إذا قصد بها وجه اللّه تعالى . ( مواطن البحث ) : سنّة النّبويّة بيان بعض أحكام البشارة - 5ورد في الكتاب الكريم ذكر البشارة ،وورد في ال ّ وما يستحبّ فعله لمن يبشّر بأمرٍ ،ويرد عند الفقهاء في اليمان .كما ورد في كتب الداب الشّرعيّة حكم البشارة ،وما يستحبّ فعله لمن يبشّر بأمرٍ .
بصاق التّعريف - 1البصاق :ماء الفم إذا خرج منه .يقال :بصق يبصق بصاقا .ويقال فيه أيضا : البزاق ،والبساق .وهو من البدال . ( اللفاظ ذات الصّلة ) : أ -التّفل : ل :بصق .والتّفل بالفم :نفخ معه شيء - 2التّفل لغ ًة :البصق .يقال :تفل يتفل ويتفل تف ً من الرّيق .فإذا كان نفخا بل ريقٍ فهو النّفث .والتّفل شبيه بالبزاق ،وهو أقلّ منه .أوّله البزق ،ثمّ التّفل ،ثمّ النّفخ . ب -اللّعاب : - 3اللّعاب :الرّيق الّذي يسيل من الفم . الحكم الجماليّ : - 4الصل في ماء فم النسان طهوريّته ما لم ينجّسه نجس .وللبصاق أحكام تتعلّق به .فهو حرام في المسجد ومكروه على حيطانه .فإذا بصق المصلّي في المسجد كان عليه أن يدفنه ، إذ البصق فيه خطيئة ،وكفّارتها دفنه ،كما جاء في الحديث { البصاق في المسجد خطيئة ، وكفّارتها دفنها } .والمشهور في ذلك أن يدفنه في تراب المسجد ورمله ،إن كان له تراب أو رمل ونحوهما .فإن لم يكن أخذه بعودٍ أو خرقةٍ أو نحوهما أو بيده وأخرجه منه .كما ل
يبصق على حيطانه ،ول بين يديه على الحصى ،ول فوق البواري ( أي الحصر ) ول تحتها .ولكن يأخذه بطرف ثوبٍ ويحكّ بعضه ببعضٍ ،ول تبطل به الصّلة إلّ أن يتوالى ويكثر .وإن كان قد بصق في تراب المسجد فعليه أن يدفنه .فإن اضطرّ إلى ذلك ،كان اللقاء فوق الحصير أهون من اللقاء تحته .لنّ البواري ليست بمسجدٍ حقيقةً ،وما تحتها مسجد حقيقةً .وإن لم يكن فيه البواري يدفنه في التّراب ،ول يتركه على وجه الرض .وإن كان في غير المسجد لم يبصق تلقاء وجهه ،ول عن يمينه ،بل يبصق تحت قدمه اليسرى ، أو عن يساره .ومن رأى من يبصق في المسجد لزمه النكار عليه ومنعه منه إن قدر .ومن سنّة أن يزيله بدفنه أو إخراجه ،ويستحبّ له تطييب محلّه . رأى بصاقا ونحوه في المسجد فال ّ وأمّا ما يفعله كثير من النّاس إذا بصق أو رأى بصاقا دلكه بأسفل مداسه الّذي داس به النّجاسة والقذار فحرام ،لنّه تنجيس للمسجد وتقذير له .وعلى من رآه يفعل ذلك النكار عليه بشرطه .ول يسوغ مسح لوح القرآن أو بعضه بالبصاق .ويتعيّن على معلّم الصّبيان أن يمنعهم من ذلك .ومن أحكامه بالنّسبة للصّائم :أنّ من ابتلع ريق نفسه ،وهو في فيه قبل خروجه منه ،فإنّه ل يفطر ،حتّى لو جمعه في الفم وابتلعه .وإن صار خارج فيه وانفصل عنه ،وأعاده إليه بعد انفصاله وابتلعه ،فسد صومه .كما لو ابتلع بزاق غيره .ومن ترطّبت شفتاه بلعابه عند الكلم أو القراءة أو غير ذلك ،فابتلعه ل يفسد صومه للضّرورة .ولو بقي ل الخيّاط خيطا بريقه ثمّ ردّه بلل في فمه بعد المضمضة فابتلعه مع البزاق لم يفطّره .ولو ب ّ إلى فيه على عادتهم حال الفتل ،فإن لم تكن على الخيط رطوبة تنفصل لم يفطر بابتلع ريقه ،بخلف ما إذا كانت تنفصل .
بصر التّعريف - 1البصر :هو القوّة الّتي أودعها اللّه في العين ،فتدرك بها الضواء واللوان والشكال . ضمّ ( والكسر لغةً ) بصرا بفتحتين يقال :أبصرته برؤية العين إبصارا ،وبصرت بالشّيء بال ّ :رأيته .ويطلق مجازا على :الدراك للمعنويّات ،كما يطلق على العين نفسها ،لنّها محلّ البصار .والبصر :ض ّد العمى . الحكم الجماليّ :الجناية على البصر : - 2اتّفق فقهاء المذاهب على وجوب القصاص من الجاني عمدا على البصر ،إذا أدّت جنايته إلى إذهاب البصر -وذلك بإذهاب بصر الجاني إن أمكن بوسيلةٍ ما برأي أهل الخبرة -فإن لم يمكن القصاص ،وجبت الدّية اتّفاقا في مال الجاني .وكذلك تجب الدّية في إذهاب البصر خطأً ،وتكون على العاقلة .وتفصيل ذلك في الجنايات .
توجيه البصر في الصّلة : - 3أجمع العلماء على استحباب الخشوع والخضوع وغضّ البصر عمّا يلهي ،وكراهة ب للمصلّي النّظر إلى موضع سجوده إذا كان اللتفات ورفع البصر إلى السّماء ،وأنّه يستح ّ قائما ،ويستحبّ نظره في ركوعه إلى قدميه ،وفي حال سجوده إلى أرنبة أنفه ،وفي حال التّشهّد إلى حجره .أمّا في صلة الخوف -إذا كان العد ّو أمامه -فيوجّه نظره إلى جهته ، وبهذا قال الحنفيّة ،وهو رواية عند الحنابلة ،وفي قولٍ للشّافعيّة أنّه يسنّ .والخر عندهم ، ث رواه البخاريّ عن أنسٍ أنّ وعند الحنابلة :النّظر إلى موضع سجوده في جميع صلته لحدي ٍ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال { :ما بال أقوا ٍم يرفعون أبصارهم إلى السّماء في صلتهم ، فاشتدّ قوله في ذلك حتّى قال :لينتهنّ عن ذلك ،أو لتخطفنّ أبصارهم } .وقال المالكيّة :إن كان رفع البصر إلى السّماء للموعظة والعتبار بآيات السّماء فل يكره .ويكره أيضا في الصّلة تغميض العينين إلّ لحاج ٍة ،ول يعلم في ذلك خلف .
حكم رفع البصر إلى السّماء في الدّعاء خارج الصّلة :
ص الشّافعيّة على أنّ الولى في الدّعاء خارج الصّلة رفع البصر إلى السّماء ،وقال -4ن ّ الغزاليّ منهم :ل يرفع الدّاعي بصره إليها .
غضّ البصر عن المحرّم : - 5أمر اللّه سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات بأن يغضّوا من أبصارهم عمّا حرّمه عليهم ،دون ما أباح لهم رؤيته -وإذا اتّفق أن وقع البصر على مح ّرمٍ من غير قصدٍ ، فليصرف البصر عنه سريعا -لنّ البصر هو الباب الوّل إلى القلب ورائده ،وغضّه واجب ل ما يخشى منه الفتنة ،لقوله تعالى { :قل للمؤمنين يغضّوا من عن جميع المحرّمات وك ّ أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنّ اللّه خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ } .وانظر للتّفصيل مصطلح ( :نظر .عورة ) . ( مواطن البحث ) : - 6للبصر أحكام في مواطن متعدّدةٍ ،تتعلّق بالجناية عليه ،والدّية فيه ،واشتراطه في الشّاهد ،وشهادة العمى وتحمّله وأدائه ،واشتراطه واستدامته فيمن يتولّى القضاء ،ونفاذ ض طرأ العمى عليه ،وتوجيه البصر في الصّلة ،ورفع البصر إلى السّماء في الدّعاء حكم قا ٍ في غير الصّلة ،وما يجوز النّظر إليه ممّن يراد خطبتها ،وغضّ البصر عمّا حرّمه اللّه .
ويفصّل الفقهاء أحكام ذلك في مباحث ( الجنايات ،والدّيات ،والشّهادة ،والقضاء ، والصّلة ،والنّكاح ) على النّحو المبيّن في الحكم الجماليّ ومواطنه .
بضاعة انظر :إبضاع . بضع انظر :فرج . بطالة التّعريف - 1البطالة لغةً :التّعطّل عن العمل .يقال :بطل العامل ،أو الجير عن العمل فهو بطّال بيّن البطالة ( بفتح الباء ) وحكى بعض شارحي المعلّقات البطالة ( بالكسر ) وقال :هو أفصح ،ويقال :بطل الجير من العمل ،يبطل بطالةً وبطالةً :تعطّل فهو بطّال .ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .حكمها التّكليفيّ : - 2يختلف حكم البطالة تبعا للحوال الّتي تكون فيها كالتي :البطالة حتّى لو كانت للتّفرّغ للعبادة ،مع القدرة على العمل ،والحاجة إلى الكسب لقوته وقوت من يعوله تكون حراما ، ن اللّه يحبّ العبد المؤمن ن اللّه يكره الرّجل البطّال } وعن ابن عمر قال { :إ ّ لخبر { إ ّ المحترف } وعن ابن مسعودٍ أنّه قال :إنّي لمقت الرّجل فارغا ليس في شيءٍ من عمل دنيا ول آخرةٍ وفي الشّعب للبيهقيّ عن عروة بن الزّبير أنّه سئل :ما شرّ شيءٍ في العالم ؟ فقال : ل مع عدم الحاجة للكسب مكروهة أيضا ،وتزري بصاحبها . البطالة .والبطالة تهاونا وكس ً أمّا البطالة لعذرٍ -كزمان ٍة وعجزٍ لعاه ٍة -فل إثم فيها ول كراهة ،لقوله تعالى { :ل يكلّف اللّه نفسا إلّ وسعها } .
التّوكّل ل يدعو إلى البطالة :
- 3التّوكّل ل يدعو إلى البطالة ،وإنّما هو واجب ،ولكن يجب معه الخذ بالسباب .وورد ن { أعرابيّا سأل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول اللّه :أرسل ناقتي أّ وأتوكّل ؟ فقال صلى ال عليه وسلم :اعقلها وتوكّل } وقال عليه الصلة والسلم { :إنّ اللّه يحبّ المؤمن المحترف } .ومرّ عمر رضي ال عنه بقو ٍم فقال :ما أنتم ؟ قالوا متوكّلون قال :ل بل أنتم متأكّلون ،إنّما المتوكّل من ألقى حبّ ًة في الرض ،وتوكّل على ربّه .فليس في طلب المعاش والمضيّ في السباب على تدبير اللّه ترك التّفويض ،والتّوكّل إنّما هو بالقلب ، وترك التّوكّل يكون إذا غفل عن اللّه ،واعتمد على السباب ونسي مسبّبها ،وكان عمر رضي ال عنه إذا نظر إلى ذي سيما سأل :أله حرفة ؟ فإن قيل :ل ،سقط من عينه .
العبادة ليست مسوّغا للبطالة : ن السلم ل يقرّ البطالة من أجل ن العبادة ليست مسوّغا للبطالة ،وأ ّ - 4يرى الفقهاء :أ ّ ن في هذا تعطيلً للدّنيا الّتي أمر اللّه عباده بالسّعي فيها ،قال تعالى النقطاع للعبادة ،ل ّ ل شأنه { يا أيّها الّذين آمنوا إذا نودي للصّلة { فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه } وقال ج ّ من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه وذروا البيع } وأعقبها بقوله { فإذا قضيت الصّلة ي صلى ال عليه وسلم مرّ على فانتشروا في الرض وابتغوا من فضل اللّه } وورد أنّ { النّب ّ شخصٍ ،قالوا له عنه أنّه كان يقوم اللّيل ويصوم النّهار ،وهو منقطع للعبادة انقطاعا كّليّا ، فسأل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عمّن يعوله ؟ فقالوا :كلّنا .فقال :عليه الصلة والسلم كلّكم أفضل منه } .
أثر البطالة في طلب المتعطّل نفقةً له :
- 5أجمع الفقهاء على أنّ نفقة البن المتعطّل عن العمل -مع قدرته على الكسب -ل تجب ن من شروط وجوبها :أن يكون عاجزا عن الكسب ،والعاجز عن الكسب هو على أبيه ،ل ّ ي بقدرته ،ويستطيع من ل يمكنه اكتساب معيشته بالوسائل المشروعة المعتادة ،والقادر غن ّ أن يتكسّب بها وينفق على نفسه ،ول يكون في حالة ضرور ٍة يتعرّض فيها للهلك .
أثر البطالة في استحقاق الزّكاة : - 6إنّ القادر على الكسب مكلّف بالعمل ليكفي نفسه بنفسه ،أمّا العاجز عن الكسب لضعفٍ ذاتيّ ،كالصّغر والنوثة والعته والشّيخوخة والمرض إذا لم يكن عنده مال موروث يسدّ حاجته ،كان في كفالة أقاربه الموسرين ،وإذا لم يوجد له شخص يكفله بما يحتاجه فقد حلّ له الخذ من الزّكاة ،ول حرج عليه في دين اللّه .وتفصيله في مصطلح ( :زكاة ) .
رعاية الدّولة والمجتمع للمتعطّلين بعدم وجود عملٍ :
ن على الدّولة القيام بشئون فقراء المسلمين من العجزة واللّقطاء - 7صرّح الفقهاء بأ ّ والمساجين الفقراء ،الّذين ليس لهم ما ينفق عليهم منه ول أقارب تلزمهم نفقتهم ،فيتحمّل بيت ت ونحوها . المال نفقاتهم وكسوتهم ،وما يصلحهم من دواءٍ وأجرة علجٍ وتجهيز ميّ ٍ وللتّفصيل ( ر :بيت المال ) .
بطانة التّعريف
- 1البطانة :بطانة الثّوب ،وهي :ما يجعل وقاءً له من الدّاخل ،وهي خلف الظّهارة . وبطانة الرّجل :خاصّته ،وأبطنت الرّجل :جعلته من خواصّك ،وفي الحديث { :وما بعث اللّه من نبيّ ول استخلف من خليف ٍة إلّ كانت له بطانتان :بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه ،وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه ،فالمعصوم من عصمه اللّه تعالى } وهو مصدر سمّي به الواحد والجمع .والبطانة اصطلحا :خاصّة الرّجل المقرّبون الّذين يفضي إليهم بأسراره . اللفاظ ذات الصّلة : أ -الحاشية : - 2الحاشية :هي واحدة حواشي الثّوب .وتطلق على صغار البل .وعلى ما يكتب على جوانب صفحات الكتاب .وفي الصطلح :أهل الرّجل من غير أصوله وفروعه كالخوة والعمام . ب ( -أهل الشّورى ) : - 3الشّورى :اسم مصدرٍ من التّشاور .وأهل الشّورى :هم أهل الرّأي الّذين يقدّمون المشورة لمن يستشيرهم ،وقد يكونون من بطانة الرّجل أو غيرهم من ذوي الرّأي .ما يتعلّق بالبطانة من أحكامٍ :أ ّولً :البطانة بمعنى خاصّة الرّجل .اتّخاذ البطانة الصّالحة : ن العادة جارية - 4لمّا كانت الشّورى من قواعد الشّريعة ،ومن لوازم الحكم في السلم ،وأ ّ ن إلى بطانته ،فإنّه يجب على ولة المسلمين أن يتّخذوا بطانةً صالحةً ،من بأنّ النسان يطمئ ّ أهل التّقوى والمانة ،وممّن يخشى اللّه .قال ابن خويز مندادٍ :واجب على الولة مشاورة العلماء فيما ل يعلمون ،وما أشكل عليهم من أمور الدّين ،ومشاورة وجوه الجيش فيما يتعلّق بالحرب ،ومشاورة وجوه النّاس فيما يتعلّق بالمصالح ،ومشاورة وجوه الكتّاب والوزراء والعمّال فيما يفعلون بمصالح البلد وعمارتها .وجاء في كتاب " الحكام السّلطانيّة " للماورديّ في معرض ع ّد واجبات المام :استكفاء المناء ،وتقليد النّصحاء فيما يفوّضه إليهم من العمال ،ويكله إليهم من الموال ،لتكون العمال بالكفاءة مضبوط ًة ،والموال بالمناء محفوظ ًة .وفي الثر الصّحيح { :إذا أراد اللّه بالمير خيرا جعل له وزير صدقٍ ،إن نسي ذكّره ،وإن ذكر أعانه ،وإن أراد غير ذلك جعل له وزير سو ٍء :إن نسي لم يذكّره ،وإن ذكر لم يعنه } .وعن أبي سعيدٍ الخدريّ عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال { :ما ل كانت له بطانتان :بطانة تأمره بالخير وتحضّه بعث اللّه من نبيّ ول استخلف من خليفةٍ إ ّ عليه ،وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه ،فالمعصوم من عصمه اللّه تعالى } .
اتّخاذ بطانةٍ من دون المؤمنين :
- 5ل خلف بين علماء السلم في أنّه ل يجوز لولياء أمور المسلمين أن يتّخذوا بطانةً من الكفّار والمنافقين ،يطلعونهم على سرائرهم ،وما يضمرونه لعدائهم ،ويستشيرونهم في ن هذا من شأنه أن يضرّ مصلحة المسلمين ،ويعرّض أمنهم للخطر ،وقد ورد المور ،ل ّ التّنزيل بتحذير المؤمنين من موالة غيرهم ممّن يخالفونهم في العقيدة والدّين ،وقال عزّ من قائلٍ { :يا أيّها الّذين آمنوا ل تتّخذوا بطان ًة من دونكم ل يألونكم خبالً ودّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد ب ّينّا لكم اليات إن كنتم تعقلون } .وقال { : يا أيّها الّذين آمنوا ل تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم ق يخرجون الرّسول وإيّاكم أن تؤمنوا باللّه ربّكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي من الح ّ وابتغاء مرضاتي ،تسرّون إليهم بالمودّة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء السّبيل } .ونهى اللّه تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن اتّخاذ بطانةٍ من دون المؤمنين ،يطلعونهم على سرائرهم ،ويكشفون لهم عورات المسلمين .بقوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا ل تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين } وفي معنى ذلك آيات كثيرة . وقد تقدّم الحديث في شأن بطانة السّوء .وقال ابن أبي حاتمٍ :قيل لعمر بن الخطّاب :رضي ال عنه :إنّ هنا غلما من أهل الحيرة حافظا كاتبا ،فلو اتّخذته كاتبا ؟ قال :اتّخذت إذن بطان ًة من دون المؤمنين .قال ابن كثيرٍ :في الثر مع هذه الية دليل على أنّه ل يجوز استعمال أهل ال ّذمّة في الكتابة ،الّتي فيها استطالة على المسلمين ،واطّلع على دخائل أمورهم الّتي يخشى أن يفشوها إلى العداء من أهل الحرب .وقال السّيوطيّ نقلً عن إلكيا الهرّاسيّ :في قوله تعالى { :ل تتّخذوا بطان ًة من دونكم } فيه دللة على أنّه ل يجوز الستعانة بأهل ال ّذمّة في شي ٍء من أمر المسلمين .وقال القرطبيّ في تفسير هذه الية :أكّد اللّه سبحانه وتعالى الزّجر عن الرّكون إلى الكفّار وهو متّصل بما سبق من قوله { :يا أيّها الّذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الّذين أوتوا الكتاب يردّوكم بعد إيمانكم كافرين } ،ونهى المؤمنين بهذه الية أن يتّخذوا من الكفّار وأهل الهواء دخلء وولجاء ،يفاوضونهم في الراء ،ويسندون إليهم أمورهم .ثمّ بيّن اللّه المعنى الّذي من أجله نهى عن المواصلة فقال { :ل يألونكم خبالً } يعني ل يتركون الجهد في إفسادكم ،أي أنّهم وإن لم يقاتلوكم فإنّهم ل يتركون ي استكتب ذ ّميّا ،فعنّفه عمر رضي ن أبا موسى الشعر ّ الجهد في المكر والخديعة .وروي أ ّ ال عنهما وتل عليه هذه الية .وعن عمر رضي ال عنه أنّه قال أيضا :ل تستعملوا أهل الكتاب فإنّهم يستحلّون الرّشا ،واستعينوا على أموركم وعلى رعيّتكم بالّذين يخشون اللّه تعالى .
ثانيا :البطانة في الثّوب :الصّلة على ثوبٍ بطانته نجسة :
ح الصّلة - 6ذهب المالكيّة والشّافعيّة وأبو حنيفة والحنابلة ومحمّد بن الحسن إلى أنّه تص ّ على بساطٍ ظاهره طاهر ،وبطانته نجس ،لنّه ليس حاملً ول لبسا ،ول مباشرا للنّجاسة ، ش على نجسٍ .وذهب أبو يوسف من فأشبه ما لو صلّى على بساطٍ طرفه نجس ،أو مفرو ٍ ل ،فاستوى ظاهره وباطنه . الحنفيّة إلى أنّه ل يصحّ الصّلة عليه ،نظرا لتّحاد المح ّ
حكم لبس الرّجل ثوبا بطانته من حريرٍ : ب بطانته من حريرٍ ،لحديث عمر رضي - 7ذهب الفقهاء إلى أنّه يحرم على الرّجل لبس ثو ٍ ال تعالى عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم { :ل تلبسوا الحرير ،فإنّه من لبسه في الدّنيا لم يلبسه في الخرة } .وفي كشّاف القناع ،بعد بيان تحريم الحرير على الرّجال والستدلل بالحديث ،قال :ولو كان الحرير بطانةً ،لعموم الخبر ،لكن قيّد المالكيّة حرمة المبطّن بالحرير بما إذا كان كثيرا ،كما قال القاضي أبو الوليد .وهو مكروه عند الحنفيّة كما جاء في ابن عابدين نقلً عن الهنديّة ،وقال في تعليله :لنّ البطانة مقصودة .والكراهة حيث أطلقت عند الحنفيّة فهي لكراهة التّحريم .وتفصيله في مصطلح ( حرير ) .
التّعريف
بطلن
- 1البطلن لغةً :الضّياع والخسران ،أو سقوط الحكم .يقال :بطل الشّيء يبطل بطلً وبطلنا بمعنى :ذهب ضياعا وخسرانا ،أو سقط حكمه ،ومن معانيه :الحبوط .وهو في الصطلح يختلف تبعا للعبادات والمعاملت .ففي العبادات :البطلن :عدم اعتبار العبادة حتّى كأنّها لم تكن .كما لو صلّى بغير وضوءٍ .والبطلن في المعاملت يختلف فيها تعريف ع بأصله ول بوصفه ، الحنفيّة عن غيرهم ،فهو عند الحنفيّة :أن تقع على وجهٍ غير مشرو ٍ وينشأ عن البطلن تخلّف الحكام كلّها عن التّصرّفات ،وخروجها عن كونها أسبابا مفيدةً لتلك ي أصلً ،لنّ الحكام الّتي تترتّب عليها ،فبطلن المعاملة ل يوصّل إلى المقصود الدّنيو ّ آثارها ل تترتّب عليها .وتعريف البطلن عند غير الحنفيّة هو تعريف الفساد بعينه ،وهو : أن تقع المعاملة على وج ٍه غير مشروعٍ بأصله أو بوصفه أو بهما . ( اللفاظ ذات الصّلة ) : أ -الفساد : - 2الفساد :مرادف للبطلن عند الجمهور ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) فكلّ من الباطل والفاسد يطلق على الفعل الّذي يخالف وقوعه الشّرع ،ول تترتّب عليه الثار ،ول يسقط القضاء في العبادات .وهذا في الجملة ،ففي بعض أبواب الفقه يأتي التّفريق بين البطلن
ج والعاريّة والكتابة والخلع وسيأتي بيان ذلك .أمّا عند الحنفيّة ،فالفساد يباين والفساد ،كالح ّ ن من أركانه ل في رك ٍ البطلن بالنّسبة للمعاملت ،فالبطلن عندهم :مخالفة الفعل للشّرع لخل ٍ أو شرطٍ من شرائط انعقاده .أمّا الفساد فهو :مخالفة الفعل للشّرع في شرطٍ من شروط صحّته ،ولو مع موافقة الشّرع في أركانه وشرائط انعقاده . صحّة : ب -ال ّ صحّة في اللّغة .بمعنى :السّلمة فالصّحيح ضدّ المريض .وفي الصطلح :وقوع - 3ال ّ الفعل موافقا للشّرع باستجماع الركان والشّروط .وأثره في المعاملت :ترتّب ثمرة التّصرّف المطلوبة منه عليه ،كحلّ النتفاع في البيع ،والستمتاع في النّكاح .وأثره في العبادات هو سقوط القضاء بفعل العبادة . ج -النعقاد : صحّة ،ويشمل الفساد عند الحنفيّة ،فهو ارتباط أجزاء التّصرّف شرعا - 4النعقاد :يشمل ال ّ .أو هو :تعلّق كلّ من اليجاب والقبول بالخر على وجهٍ مشروعٍ ،يظهر أثره في متعلّقهما .فالعقد الفاسد منعقد بأصله ،ولكنّه فاسد بوصفه ،وهذا عند الحنفيّة .فالنعقاد ضدّ البطلن .عدم التّلزم بين بطلن التّصرّف في الدّنيا وبطلن أثره في الخرة : - 5ل تلزم بين صحّة التّصرّف أو بطلنه في أحكام الدّنيا ،وبين بطلن أثره في الخرة ، صحّة في الدّنيا ،لستكماله الركان والشّروط المطلوبة شرعا ، فقد يكون محكوما عليه بال ّ لكن اقترن به من المقاصد وال ّنيّات ما يبطل ثمرته في الخرة ،فل يكون له عليه ثواب ،بل قد يلزمه الثم ،ودليل ذلك قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم { :إنّما العمال بال ّنيّات ،وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى ،فمن كانت هجرته إلى الدّنيا يصيبها أو إلى امرأ ٍة ينكحها فهجرته إلى ما ل يبطله ،فالمنّ ح العمل ويستحقّ عامله الثّواب ،ولكن يتبعه صاحبه عم ً هاجر إليه } وقد يص ّ والذى يبطل أجر الصّدقة ،لقوله تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا ل تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والذى } وقال { :يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول ول تبطلوا أعمالكم } . -6ويوضّح الشّاطبيّ ذلك فيقول :يراد بالبطلن إطلقان :أحدهما :عدم ترتّب آثار العمل عليه في الدّنيا ،كما نقول في العبادات :إنّها غير مجزئةٍ ول مبرّئةٍ لل ّذمّة ول مسقطةٍ للقضاء ،فهي باطلة بهذا المعنى لمخالفتها لما قصد الشّارع فيها .وقد تكون باطل ًة لخللٍ في بعض أركانها أو شروطها ،ككونها ناقص ًة ركع ًة أو سجدةً .ونقول أيضا في العادات :إنّها باطلة ، بمعنى عدم حصول فوائدها بها شرعا ،من حصول إملكٍ واستباحة فروجٍ وانتفاعٍ بالمطلوب .والثّاني :أن يراد بالبطلن عدم ترتّب آثار العمل عليه في الخرة ،وهو الثّواب .فتكون العبادة باطلةً بالطلق الوّل ،فل يترتّب عليها جزاء ،لنّها غير مطابق ٍة لمقتضى المر بها ،كالمتعبّد رئاء النّاس ،فهي غير مجزئةٍ ول يترتّب عليها ثواب ،وقد تكون صحيحةً
بالطلق الوّل ،ول يترتّب عليها ثواب أيضا ،كالمتصدّق بالصّدقة يتبعها بالمنّ والذى ، ن والذى كالّذي ينفق ماله وقد قال اللّه تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا ل تبطلوا صدقاتكم بالم ّ رئاء النّاس } .
الحكم التّكليفيّ للقدام على تصرّفٍ باطلٍ مع العلم وعدمه : - 7القدام على فعلٍ باطلٍ -مع العلم ببطلنه -حرام ،ويأثم فاعله ،لرتكابه المعصية ن البطلن وصف للفعل الّذي يقع مخالفا للشّرع ،وسواء أكان ذلك في بمخالفته المشروع ،ل ّ العبادات ،كالصّلة بدون طهار ٍة ،والكل في نهار رمضان ،أم كان ذلك في المعاملت ، كبيع الميتة والدّم والملقيح والمضامين ،وكالستئجار على النّوح ،وكرهن الخمر عند المسلم ولو كانت لذمّيّ ،وما شابه ذلك ،أم كان في النّكاح ،كنكاح المّ والبنت .وهذا الحكم يشمل الفاسد أيضا عند الحنفيّة ،فإنّه وإن كان يفيد بعض الحكام -كإفادته الملك بالقبض في البيع مثلً -إلّ أنّ القدام عليه حرام ،ويجب فسخه حقّا للّه تعالى دفعا للفساد ،لنّ فعله معصية ،فعلى العاقد التّوبة منه بفسخه .ويستثنى من حكم القدام على التّصرّف الباطل حالة الضّرورة ،كالمضطرّ يشتري الميتة .هذا فيمن يقدم على الباطل مع علمه ببطلنه . 8
-وأمّا القدام على التّصرّف الباطل مع عدم العلم ،فهذا يشمل النّاسي والجاهل
.والصل بالنّسبة للجاهل :أنّه ل يجوز له أن يقدم على فعلٍ حتّى يعلم حكم اللّه
فيه ،فمن باع وجب عليه أن يتعلّم ما شرعه اللّه في البيع ،ومن آجر وجب عليه أن يتعلّم ما شرعه اللّه في الجارة ،ومن صلّى وجب عليه أن يتعلّم حكم اللّه
تعالى في هذه الصّلة ،وهكذا في كلّ ما يريد القدام عليه ،لقوله تعالى { :ول تقف ما ليس لك به علم } فل يجوز الشّروع في شيءٍ حتّى يعلم حكمه ،فيكون طلب العلم واجبا في كلّ مسألةٍ ،وترك التّعلّم معصيةً يؤاخذ بها .أمّا المؤاخذة
بالنّسبة للتّصرّف الّذي وقع باطلً مع الجهل ،فقد ذكر القرافيّ في الفروق :أنّ صاحب الشّرع قد تسامح في جهالتٍ في الشّريعة ،فعفا عن مرتكبها ،وأخذ
بجهالتٍ ،فلم يعف عن مرتكبها .وانظر للتّفصيل مصطلح ( جهل ،نسيان ) . النكار على من فعل الباطل :
- 9إن كان الفعل متّفقا على بطلنه ،فإنكاره واجب على مسلمٍ .أمّا إن كان مختلفا فيه ،فل إنكار فيه .قال الزّركشيّ :النكار من المنكر إنّما يكون فيما اجتمع عليه ،فأمّا المختلف فيه
ل مجتهدٍ مصيب ،أو المصيب واحد ول نعلمه ،ولم يزل الخلف بين نكّ فل إنكار فيه ،ل ّ السّلف في الفروع ،ول ينكر أحد على غيره أمرا مجتهدا فيه ،وإنّما ينكرون ما خالف نصّا ،أو إجماعا قطعيّا أو قياسا جليّا ،وهذا إذا كان الفاعل ل يرى تحريمه ،فإن كان يراه ل ذلك خلف وتفصيل يرجع إليه في ( إنكار ،أمر بالمعروف ، فالصحّ النكار .وفي ك ّ اجتهاد ،تقليد ،اختلف ،إفتاء ،رخصة ) .
الختلف في التّفريق بين البطلن والفساد ،وسبب ذلك : - 10يرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّه ل فرق بين البطلن والفساد في التّصرّفات ،سواء أكان ذلك في العبادات ،كالصّلة مع ترك ركنٍ من أركانها ،أو شرطٍ من شروطها ،أم كان ذلك في النّكاح ،كالعقد على إحدى المحارم ،أم كان في المعاوضات ،كبيع الميتة والدّم ، والشّراء بالخمر ،والبيع المشتمل على الرّبا ،فكلّ من البطلن والفساد يوصف به الفعل الّذي يقع على خلف ما طلبه الشّارع ،ومن أجل هذه المخالفة لم يعتبره ،ولم يرتّب عليه أيّ أثرٍ من الثار الّتي تترتّب على الفعل الصّحيح .فالجمهور يطلقونهما ،ويريدون بهما معنًى واحدا ،وهو :وقوع الفعل على خلف ما طلبه الشّارع ،سواء أكان هذا الخلف راجعا إلى فوات ركنٍ من أركان الفعل ،أم راجعا إلى فوات شرطٍ من شروطه .أمّا الحنفيّة فإنّهم -على ن البطلن والفساد مترادفان بالنّسبة المشهور عندهم ،وهو المعتمد -يوافقون الجمهور في أ ّ للعبادات .أمّا بالنّسبة للمعاملت ،فإنّهم يخالفون الجمهور ،فيفرّقون بينهما ،ويجعلون للفساد معنًى يخالف معنى البطلن ،ويقوم هذا التّفريق على أساس التّمييز بين أصل العقد ووصفه . فأصل العقد هو أركانه وشرائط انعقاده ،من أهليّة العاقد ومحّليّة المعقود عليه وغيرهما ، كاليجاب والقبول ...وهكذا .أمّا وصف العقد ،فهي شروط الصّحّة ،وهي العناصر المكمّلة للعقد ،كخلوّه عن الرّبا ،وعن شرطٍ من الشّروط الفاسدة ،وعن الغرر والضّرر . وعلى هذا الساس يقول الحنفيّة :إذا حصل خلل في أصل العقد -بأن تخلّف ركن من أركانه ،أو شرط من شروط انعقاده -كان العقد باطلً ،ول وجود له ،ول يترتّب عليه أيّ أثرٍ ل من الهل في المحلّ ،ويكون العقد فائت المعنى من كلّ دنيويّ ،لنّه ل وجود للتّصرّف إ ّ وجهٍ مع وجود الصّورة فحسب ،إمّا لنعدام محلّ التّصرّف كبيع الميتة والدّم ،أو لنعدام أهليّة المتصرّف كالبيع الصّادر من المجنون أو الصّبيّ الّذي ل يعقل .أمّا إذا كان أصل العقد سالما من الخلل ،وحصل خلل في الوصف ،بأن اشتمل العقد على شرطٍ فاسدٍ ،أو ربا ،فإنّ العقد يكون فاسدا ل باطلً ،وتترتّب عليه بعض الثار دون بعضٍ . - 11والسّبب في هذا الختلف بين الجمهور والحنفيّة ،يرجع إلى اختلف هؤلء الفقهاء في ف من أوصاف العمل اللّازمة له ،كالنّهي عن البيع المشتمل على أثر النّهي إذا توجّه إلى وص ٍ
الرّبا أو شرطٍ فاسدٍ .فالجمهور يقولون :إنّه يقتضي بطلن كلّ من الوصف والصل ،كأثر ي عنه لوصفٍ لزمٍ له اسم النّهي المتوجّه إلى ذات الفعل وحقيقته ،ويطلقون على الفعل المنه ّ الفاسد أو الباطل ،ول يرتّبون عليه أيّ أثرٍ من الثار المقصودة منه ،ولهذا كان البيع المشتمل على الرّبا ،أو على شرطٍ فاسدٍ ،أو نحو هذا من قبيل الباطل عندهم أو الفاسد . والحنفيّة يقولون :إنّه يقتضي بطلن الوصف فقط ،أمّا أصل العمل فهو باقٍ على مشروعيّته بخلف النّهي المتوجّه إلى ذات الفعل وحقيقته ،ويطلقون على الفعل المنهيّ عنه لوصفٍ لزمٍ له اسم الفاسد ل الباطل ،ويرتّبون عليه بعض الثار دون بعضٍ ،ولهذا كان البيع المشتمل على الرّبا ،أو على شرطٍ فاسدٍ ونحوهما من قبيل الفاسد عندهم ،ل من قبيل الباطل . ل كلّ من الفريقين لما ذهب إليه بأدلّ ٍة كثير ٍة ،أهمّها ما يأتي :أمّا الجمهور فقد - 12وقد استد ّ استدلّوا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم { :من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ } فإنّه ن العمل متى خالف أمر الشّارع صار غير معتبرٍ في نظره ،فل تترتّب عليه يدلّ على أ ّ الحكام الّتي يقصدها منه ،سواء أكانت المخالفة راجعةً إلى ذات العمل وحقيقته ،أم إلى وصفٍ من الوصاف اللّازمة له .وأمّا الحنفيّة فإنّهم استندوا إلى أنّ الشّارع قد وضع العبادات والمعاملت أسبابا لحكامٍ تترتّب عليها ،فإذا نهى الشّارع عن شيءٍ منها لوصفٍ من ن النّهي متوجّه إليه ، الوصاف اللّازمة له ،كان النّهي مقتضيا بطلن هذا الوصف فقط ،ل ّ فيقتصر أثره عليه ،فإذا لم يكن وجود هذا الوصف مخلّا بحقيقة التّصرّف الموصوف به ، بقيت حقيقته قائمةً ،وحينئذٍ يجب أن يثبت لك ّل منهما مقتضاه .فإذا كان المنهيّ عنه بيعا مثلً ،ووجدت حقيقته بوجود ركنه ومحلّه ،ثبت الملك به نظرا لوجود حقيقته ،ووجب فسخه نظرا لوجود الوصف المنهيّ عنه ،وبذلك يمكن مراعاة الجانبين ،وإعطاء كلّ منها حكمه ل إذا لم ن العبادات لمّا كان المقصود منها المتثال والطّاعة ،ول يتحقّق هذا إ ّ اللّائق به .إلّ أ ّ تحصل فيها مخالفة ما ،ل في الصل ول في الوصف ،كانت مخالفة أمر الشّارع فيها مقتضي ًة للفساد والبطلن ،سواء أكانت هذه المخالفة راجعةً إلى ذات العبادة ،أم إلى صفةٍ من ن الجمهور وإن كانوا ل يفرّقون بين الفاسد والباطل صفاتها اللّازمة .بقي بعد ذلك أن نذكر أ ّ على ما جاء في قواعدهم العامّة -إلّ أنّه يتبيّن وجود الخلف في كثيرٍ من أبواب الفقه ،كما يؤخذ من نصوصهم ،غير أنّهم اعتبروا ذلك استثنا ًء من القاعدة العامّة كما يقول الشّافعيّة ب من ،أو للتّفرقة في مسائل الدّليل كما يقول الحنابلة والمالكيّة ،وتفصيل ذلك في كلّ با ٍ أبواب الفقه ينظر في مواضعه .
تجزّؤ البطلن :
- 13المراد بتجزّؤ البطلن :أن يشمل التّصرّف على ما يجوز وما ل يجوز ،فيكون في شقّ الخر باطلً .ومن هذا النّوع ما يسمّى بتفريق الصّفقة .وهي ق منه صحيحا ،وفي ال ّ شّ الجمع بين ما يجوز وما ل يجوز في عقدٍ واحدٍ .وأهمّ الصّور الواردة في ذلك ما جاء في البيع وهي . شقّ الخر باطلً ،كبيع العصير - 14عقد البيع إذا كان في شقّ منه صحيحا ،وفي ال ّ والخمر صفقةً واحدةً ،وكذلك بيع المذكّاة والميتة ،فالصّفقة كلّها باطلة ،وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة -عدا ابن القصّار منهم -وهو أحد قولي الشّافعيّة ( وادّعى في المهمّات أنّه المذهب ) ،وفي روايةٍ عن المام أحمد .وذلك لنّه متى بطل العقد في البعض بطل في الكلّ ،لنّ الصّفقة غير متجزّئ ٍة ،أو لتغليب الحرام على الحلل عند اجتماعهما ،أو لجهالة الثّمن .والقول الخر للشّافعيّة -قالوا :وهو الظهر -والرّواية الثّانية عن المام أحمد ،وقول ح البيع فيما يجوز ،ويبطل فيما ل ابن القصّار من المالكيّة :أنّه يجوز تجزئة الصّفقة ،فيص ّ ل لبطلن أحدهما ليس بأولى من تصحيح الكلّ لصحّة أحدهما ، ن البطال في الك ّ يجوز ،ل ّ ح فيما يجوز ويبطل فيما ل يجوز .وقال أبو يوسف ومحمّد من فيبقيان على حكمهما ،ويص ّ الحنفيّة :إن عيّن ابتداءً لكلّ شقّ حصّته من الثّمن ،فعند ذلك نعتبر الصّفقة صفقتين مستقلّتين ،تجوز فيهما التّجزئة ،فتصحّ واحدة ،وتبطل الخرى .وإذا كان العقد في شقّ منه صحيحا شقّ الخر موقوفا ،كالجمع بين ما يملكه وما يملكه غيره ،وبيعهما صفقةً واحدةً ، ،وفي ال ّ ح فيهما ويلزم في ملكه ،ويقف اللّازم في ملك الغير على إجازته ،وهذا عند فإنّ البيع يص ّ المالكيّة والحنفيّة عدا زفر ،وهو مبنيّ عند الحنفيّة على قاعدة عدم جواز البيع بالحصّة ابتداءً ،وجواز ذلك بقاءً .وعند زفر :يبطل الجميع ،لنّ العقد وقع على المجموع ،والمجموع ل ن العقد الموقوف عندهم باطل في يتجزّأ .وعند الشّافعيّة والحنابلة يجري الخلف السّابق ،ل ّ الصحّ . - 15كذلك تجري التّجزئة في النّكاح ،فلو جمع في عقد النّكاح بين من تحلّ ومن ل تحلّ ، ح نكاح الحلل اتّفاقا ،وبطل في من ل تحلّ .أمّا لو جمع بين خمسٍ ، كمسلمةٍ ووثنيّةٍ ،ص ّ ن المحرّم الجمع ،ل إحداهنّ أو إحداهما أو بين أختين في عق ٍد واحدٍ فإنّه يبطل في الكلّ ،ل ّ فقط ،وإنّما يجري خلف الفقهاء فيما لو جمع بين أم ٍة وحرّ ٍة معا في عق ٍد واحدٍ ،فعند الحنفيّة ح نكاح الحرّة ،وبطل نكاح المة على المشهور ،وهو أظهر يبطل فيهما ،وعند المالكيّة ص ّ الرّوايتين عند الحنابلة والظهر عند الشّافعيّة .والحكم في سائر عقود المعاملت كالجارة وغيرها كالحكم في البيع في الجملة ،وقد عقد الفقهاء فصلً لتفريق الصّفقة وما يجرى مجراها من تصرّفاتٍ .انظر ( تفريق الصّفقة ) .
بطلن الشّيء يستلزم بطلن ما في ضمنه وما بني عليه : - 16من القواعد الفقهيّة الّتي ذكرها ابن نجيمٍ في الشباه :إذا بطل الشّيء بطل ما في ضمنه ،ثمّ قال :وهو معنى قولهم :إذا بطل المتضمّن ( بالكسر ) بطل المتضمّن ( بالفتح ) وأورد لذلك عدّة أمثل ٍة منها : أ -لو قال :بعتك دمي بألفٍ ،فقتله وجب القصاص ،ول يعتبر ما في ضمنه من الذن بقتله . ب -التّعاطي ضمن عقدٍ فاسدٍ أو باطلٍ ل ينعقد به البيع . ج -لو أبرأه أو أقرّ له ضمن عقدٍ فاس ٍد فسد البراء . ح ،فلم يلزم ما في ن النّكاح الثّاني لم يص ّ د -لو جدّد النّكاح لمنكوحته بمهرٍ لم يلزمه ،ل ّ ضمنه من المهر .إلّ أنّ أغلب كتب الحنفيّة تجري القاعدة على الفساد ل على البطلن ،لنّ الباطل معدوم شرعا أصلً ووصفا ،والمعدوم ل يتضمّن شيئا ،أمّا الفاسد فهو فائت الوصف ح أن يكون متضمّنا ،فإن فسد المتضمّن فسد دون الصل ،فلم يكن معدوما بأصله فص ّ المتضمّن . - 17هذا والمذاهب الخرى -وهي الّتي ل تفرّق بين البطلن والفساد -تسير على هذا النّهج ،واستثنوا من ذلك صورا .ففي كتب الشّافعيّة :الفاسد من العقود المتضمّنة للذن ،إذا صدرت من المأذون ،صحّت ،كما في الوكالة المعلّقة إذا أفسدناها فتصرّف الوكيل ،صحّ لوجود الذن ،والوكيل بالبيع مع شرط عوضٍ فاسدٍ للوكيل ،فالذن صحيح والعوض فاسد . وفي القواعد لبن رجبٍ الحنبليّ :العقود الجائزة كالشّركة والمضاربة والوكالة ل يمنع فسادها نفوذ المتصرّف فيها بالذن .ث ّم يفرّق بين الذن في البيع -وهو عقد تمليكٍ -وبين الذن في العقود الجائزة ،فيقول :البيع وضع لنقل الملك ل للذن وصحّة التّصرّف فيه تستفاد من الملك ل من الذن ،بخلف الوكالة فإنّها موضوعة للذن .ويقول ابن قدامة :إذا تصرّف العامل في المضاربة الفاسدة نفذ تصرّفه ،لنّه أذن له فيه ،فإذا بطل العقد بقي الذن ،فملك به التّصرّف .وقواعد المالكيّة ل تأبى ذلك .هذه هي قاعدة التّضمّن .لكن هناك قاعدة أخرى شبيهة بها ،وهي :إذا سقط الصل سقط الفرع ،ومنها :التّابع يسقط بسقوط المتبوع ،وقد مثّل الفقهاء لذلك بقولهم :لو أبرأ الدّائن المدين من الدّين ،فكما أنّه يبرأ المدين يبرأ منه الكفيل أيضا ،لنّ المدين في الدّين أصل ،والكفيل فرع .
تصحيح العقد الباطل :
- 18تصحيح العقد الباطل يمكن تصويره بصورتين :الولى :إذا ارتفع ما يبطل العقد فهل ينقلب صحيحا الثّانية :أن تؤدّي صيغة العقد الباطل إلى معنى عقدٍ آخر صحيحٍ .
- 19أمّا الصّورة الولى :فإنّ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ل يصير العقد الباطل صحيحا عندهم إذا ارتفع ما يبطله .وعلى ذلك :ل يجوز بيع الدّقيق في الحنطة ،والزّيت في الزّيتون ،واللّبن في الضّرع ،والبذر في البطّيخ ،والنّوى في التّمر ،لنّه ل يعلّم وجوده فهو كالمعدوم ،حتّى لو سلّم اللّبن أو الدّقيق أو العصير ل ينقلب صحيحا ،لنّ المعقود عليه كالمعدوم حالة العقد ،ول يتصوّر انعقاد العقد بدونه ،فلم ينعقد أصلً ،فل يحتمل التّصحيح . أمّا الجمهور ( وهم ل يفرّقون في الجملة بين الفاسد والباطل ) فالحكم عند الشّافعيّة والحنابلة كالحنفيّة ،ل ينقلب العقد الباطل صحيحا برفع المفسد .ففي كتب الشّافعيّة :لو حذف العاقدان المفسد للعقد ،ولو في مجلس الخيار ،لم ينقلب العقد صحيحا ،إذ ل عبرة بالفاسد .وفي منتهى الرادات :الفاسد ل ينقلب صحيحا .أمّا المالكيّة :فإنّهم يوافقون الجمهور في هذا ن العقد ينقلب صحّة ،فإ ّ الحكم ،إلّ في البيع بشرطٍ ل يؤدّي إلى الخلل بشيءٍ من شروط ال ّ ن البائع متى ردّ صحيحا إذا أسقط الشّرط ،وذلك كبيع الثّنيا ،وهو أن يبتاع السّلعة على أ ّ الثّمن فالسّلعة له ،وكالبيع بشرط السّلف ،فإنّ البيع عندهم يكون فاسدا ،لكنّه ينقلب صحيحا إن حذف الشّرط .
أمّا الصّورة الثّانية :وهي تحوّل العقد الباطل إلى عقدٍ آخر صحيحٍ ،فيكاد الفقهاء يتّفقون على أنّه متى أمكن تحويل العقد الباطل إلى عقدٍ آخر صحيحٍ -لتوفّر
أسباب الصّحّة فيه -صحّ ذلك ،سواء أكانت الصّحّة عن طريق المعنى عند بعض الفقهاء ،أم عن طريق اللّفظ عند البعض الخر ،نظرا لختلفهم في قاعدة :هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها .
21
-ومن أمثلة ذلك ما يأتي :
المضاربة ،وهي :أن يدفع شخص إلى آخر ماله ليتّجر فيه ،ويكون الرّبح بينهما بحسب ما يتّفقان ،ويسمّى القائم بالتّجارة مضاربا ،فلو شرط في عقد المضاربة
الرّبح كلّه للمضارب لم يكن مضاربةً ،ولكن يكون قرضا ،تصحيحا للعقد ،لنّه ن المضارب ل يملك رأس مال المضاربة حتّى لو بقي مضاربةً لكان باطلً ،ل ّ
يكون الرّبح كلّه له ،فجعل قرضا ،نظرا للمعنى ،ليصحّ العقد .وكذلك لو شرط
الرّبح كلّه لربّ المال ،اعتبر العقد في هذه الحالة إبضاعا ،تصحيحا للعقد ،وفي هذه الحالة يكون المضارب وكيلً متبرّعا لصاحب المال .نصّ على ذلك فقهاء
الحنفيّة .وبه قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وصحّحوا الوكالة إذا عقدت بلفظ الحوالة ،والحوالة إذا عقدت بلفظ الوكالة ،لشتراكهما في المعنى ،حيث قالوا :
إن أحال من ليس عليه دين رجلً على رجلٍ آخر مدينٍ له ،لم يكن هذا التّصرّف حوالةً ،بل وكالةً تترتّب عليه أحكامها ،وإن أحال من عليه دين صاحب الدّين
على رجلٍ ليس له عليه دين ،لم يجعل هذا التّصرّف حوالةً ،بل اقتراضا ،وإن كان الّذي أحاله ل دين له عليه اعتبر وكالةً في القتراض .وفي الفقه الشّافعيّ : إذا وهب شخص لخر شيئا بشرط الثّواب ،اعتبر هذا التّصرّف بيعا بالثّمن ل هبةً ،في أصحّ القوال . الباطل ل يصير صحيحا بتقادم الزّمان أو بحكم الحاكم : - 22التّصرّفات الباطلة ل تنقلب صحيح ًة بتقادم الزّمان ،ولو حكم حاكم بنفاذ التّصرّفات ل لحدٍ النتفاع بحقّ الباطلة ،فإنّ ثبوت الحقّ وعودته يعتبر قائما في نفس المر ،ول يح ّ غيره نتيجة تص ّرفٍ باطلٍ ما دام يعلم بذلك .فإنّ حكم الحاكم ل يحلّ حراما ول يحرّم حللً . ج يبنون عليها هذا هو الصل ،والقضاة إنّما يقضون بحسب ما يظهر لهم من أدلّةٍ وحج ٍ أحكامهم ،وقد تكون غير صحيح ٍة في نفس المر .ولذلك يقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ل بعضكم أن يكون فيما روت أمّ سلمة عنه { :إنّما أنا بشر ،وإنّكم تختصمون إليّ ،ولع ّ ألحن بحجّته من بعضٍ ،فأقضي له بما أسمع ،وأظنّه صادقا ،فمن قضيت له بشيءٍ من حقّ أخيه فل يأخذ منه شيئا ،فإنّما أقطع له قطع ًة من النّار } - 23 .ومضيّ فترةٍ من الزّمن على أيّ تص ّرفٍ ،مع عدم تقدّم أحدٍ إلى القضاء بدعوى بطلن هذا التّصرّف ،ربّما يعني صحّة هذا التّصرّف أو رضى صاحب الحقّ به .ومن هنا نشأ عدم سماع الدّعوى بعد مضيّ م ّدةٍ معيّنةٍ ،يختلف الفقهاء في تحديدها بحسب الحوال ،وبحسب الشّيء المدّعى به ،وبحسب القرابة وعدمها ،ومدّة الحيازة ،لكنّ مضيّ المدّة الّتي تمنع سماع الدّعوى ل أثر له في صحّة التّصرّف ،إن كان باطلً .يقول ابن نجيمٍ :الحقّ ل يسقط بتقادم الزّمان ،قذفا أو قصاصا أو ل في مسائل منها لعانا أو حقّا للعبد .ويقول :ينفذ قضاء القاضي في المسائل المجتهد فيها ،إ ّ ي المدّة ،أو بصحّة نكاح المتعة ،أو بسقوط المهر بالتّقادم . :لو قضى ببطلن الحقّ بمض ّ وفي التّكملة لبن عابدين :من القضاء الباطل :القضاء بسقوط الحقّ بمضيّ سنين .ثمّ يقول .عدم سماع الدّعوى بعد مضيّ ثلثين سنةً ،أو بعد الطّلع على التّصرّف ،ليس مبنيّا على بطلن الحقّ في ذلك ،وإنّما هو مجرّد منعٍ للقضاء عن سماع الدّعوى ،مع بقاء الحقّ لصاحبه ،حتّى لو أقرّ به الخصم يلزمه .وفي منتهى الرادات :تقبل الشّهادة بح ّد قديمٍ على الصّحيح ،لنّها شهادة بحقّ ،فجازت مع تقادم الزّمان .والمالكيّة -وإن كانوا يشترطون ن ذلك لعدم سماع الدّعوى حيازة الشّيء المدّعى به مدّةً تختلف بحسبه من عقارٍ وغيره -إلّ أ ّ
مقيّد بكون المدّعي حاضرا مدّة حيازة الغير ،ويراه يقوم بالهدم والبناء والتّصرّف وهو ن الحيازة ل تفيد شيئا مهما طالت المدّة ،وفي فتح العليّ لمالكٍ ساكت .أمّا إذا كان ينازعه فإ ّ :رجل استولى على أرضٍ بعد موت أهلها بغير حقّ ،مع وجود ورثتهم ،وبناها ونازعه الورثة ،ولم يقدروا على منعه لكونه من رؤساء بلدتهم ،فهل ل تعتبر حيازته ولو طالت مدّتها ؟ أجيب :نعم .ل تعتبر حيازته ولو طالت مدّتها ...سمع يحيى من ابن القاسم :من عرف بغصب أموال النّاس ل ينتفع بحيازته مال غيره في وجهه ،فل يصدّق فيما يدّعيه من شرا ٍء أو عطيّةٍ ،وإن طال بيده أعواما إن أقرّ بأصل الملك لمدّعيه ،أو قامت له به بيّنة . ن الحيازة ل توجب الملك ،وإنّما هي دليل عليه قال ابن رشدٍ :هذا صحيح ل خلف فيه ،ل ّ ن الظّاهر أنّه ل يجوز أخذ مال توجب تصديق غير الغاصب فيما ادّعاه من تصير إليه ،ل ّ ل وقد صار إلى حائز ٍة إذا حازه عشرة أعوامٍ أحدٍ ،وهو حاضر ل يطلبه ول يدّعيه ،إ ّ ونحوها .وتنظر تفصيلت ذلك في ( دعوى .تقادم .حيازة ) .وبالنّسبة للعبادات :فمن ن ذمّته تظلّ مشغول ًة بها حتّى يقضيها . ن من بطلت عبادته ،فإ ّ المقرّر أ ّ
آثار البطلن :تختلف آثار البطلن بالنّسبة للتّصرّفات ،وبيان ذلك فيما يلي : أوّلً -بالنّسبة للعبادات :
- 24بطلن العبادات يترتّب عليه عدّة آثارٍ منها :
أ -استمرار انشغال ال ّذمّة بالعبادة إلى أن -تؤدّى إن كانت العبادة ليس لها وقت محدّد كالزّكاة ،وعبّر بعض الفقهاء فيها بالعادة -أو تقضى ،إن كانت العبادة ل يتّسع وقتها لمثلها كرمضان - .أو تعاد ،إن كان وقتها يتّسع لغيرها معها كالصّلة .فإن خرج الوقت كانت قضا ًء أو يؤتى بالبدل ،كالظّهر لمن بطلت جمعته . ب -العقوبة الدّنيويّة في بعض العبادات كالكفّارة على من تعمّد الفطار في رمضان .ج - ج ،إذ يجب المساك وجوب النقطاع عن المضيّ في الصّلة إذا بطلت ل في الصّيام والح ّ ج الفاسد ،مع القضاء فيهما . في الصّوم في رمضان ،والمضيّ في الح ّ د -حقّ استرداد الزّكاة إذا أعطيت لغير مستحقّ .وفي كلّ ما سبق تفصيل ينظر في أبوابه .
ثانيا :أثر البطلن في المعاملت : - 25العقد الباطل في اصطلح الحنفيّة ل وجود له إلّ من حيث الصّورة ،فليس له وجود ي ،ومن ثمّ فهو عدم ،والعدم ل ينتج أثرا .وهو منقوض من أساسه ،ول يحتاج لحكم شرع ّ حاكمٍ لنقضه .ول تلحقه الجازة ،لنّه غير منعقدٍ أصلً فهو معدوم ،والجازة ل تلحق المعدوم ،لنّه متلشٍ .ول يملك بالعقد الباطل ما يملك بغيره ،وإذا حدث فيه تسليم يجب
ال ّردّ .ففي البيع الباطل ل ينتقل الملك بالقبض ولذا يجب الرّدّ .يقول ابن رشدٍ من المالكيّة : ن البيوع الفاسدة -وهي الباطلة عند الحنفيّة -إذا وقعت ولم تفت ،حكمها اتّفق العلماء على أ ّ ال ّردّ ،أي أن ير ّد البائع الثّمن ،ويردّ المشتري المثمّن .ول يملك المصالح ما صالح به في الصّلح الباطل ،ويرجع الدّافع بما دفع .ول يملك الموهوب له الهبة في الهبة الباطلة .ول يملك المرتهن حبس المرهون في الرّهن الباطل .ول يملك المكاتب ح ّريّته في الكتابة الباطلة ن أخذها .وفي الجارة الباطلة الّتي ليست محلّا للجارة ،ل تملك الجرة ويجب ردّها ،ل ّ حرام ،وتعتبر من أكل الموال بالباطل .ول يملك الستمتاع بالبضع والنتفاع به في النّكاح الباطل .وهكذا الحكم في كلّ العقود الباطلة على وجه الجمال ،مع تفصيلتٍ تنظر في مواضعها .لكنّ وجود العقد الباطل كصورةٍ قد ينتج أثرا ،وذلك إذا حدث فيه تسليم وامتنع ال ّردّ للفوات ،فهل يكون فيه الضّمان أو ل يكون .وبيان ذلك فيما يلي :الضّمان : ن جمهور الفقهاء ل يفرّقون في قواعدهم العامّة بين الباطل والفاسد إلّ أنّه بالنّسبة - 26رغم أ ّ لبعض الحكام نجد التّفريق بينهما .والضّمان ممّا يفترقان فيه وبيان ذلك فيما يلي :في قاعدةٍ ن كلّ عقدٍ اقتضى صحيحه الضّمان بعد التّسليم كالبيع ففاسده كذلك عند الشّافعيّة والحنابلة أ ّ يقتضي الضّمان ،وإن اقتضى صحيحه عدم الضّمان كالقراض ففاسده كذلك ل يقتضي ن عدم اقتضاء الضّمان مقيّد بما إذا كان القبض صحيحا ،بأن كان الذن في الضّمان .لك ّ قبضه صادرا من أهله ،ويكون وضع اليد عليه في هذه الحالة صحيحا ،وحينئذٍ فل ضمان مع فساد القبض .أمّا إذا لم يوجد إذن أصلً ،أو صدر ولم يكن صحيحا ،لكونه من غير أهله ،أو في ظلّ الكراه ،فإنّ القبض يكون باطلً ،وحينئذٍ يجب الضّمان مطلقا ،سواء أكان صحيحه ل ضمان فيه ،أم كان فيه الضّمان .جاء في نهاية المحتاج :فاسد كلّ عقدٍ صدر من رشيدٍ كصحيحه ،في الضّمان وعدمه ،لنّ العقد إن اقتضى صحيحه الضّمان بعد التّسليم كالبيع والعارة ففاسده أولى .وإن اقتضى صحيحه عدم الضّمان كالرّهن ،والهبة من غير ثوابٍ ،والعين المستأجرة ،ففاسده كذلك ل يقتضي الضّمان .ومثل ذلك في حاشية الجمل وغيرها من كتب الشّافعيّة - 27 .واعتبار عدم الضّمان مع البطلن في عقود التّصرّفات والمانات لوجود الذن الصّادر من أهله ،والضّمان إن كان الذن من غير أهله ، هو أيضا مذهب الحنفيّة والمالكيّة في الجملة على ما يستفاد من أقوالهم ،مع الختلف فيمن ل للذن ،ومن ل يعتبر كالسّفيه ،ومع الختلف أيضا في العقود المضمونة في يعتبر أه ً صحيحها ،أو غير المضمونة كالرّهن والعاريّة .ويعتبر أبو حنيفة المبيع في البيع الباطل إذا ن العقد إذا بطل بقي مجرّد القبض بإذن قبضه المشتري أمانةً ،ول ضمان عليه لو هلك ،ل ّ المالك ،وهو ل يوجب الضّمان إلّ بالتّعدّي ،والقائلون بالضّمان يعلّلون ذلك بأنّه ل يكون أدنى من المقبوض على سوم الشّراء .ويفرّق المالكيّة في العقد الفاسد بين ما قبض على جهة
التّملّك فيكون مضمونا ،وما قبض على جهة المانة فل ضمان فيه .جاء في الفواكه الدّواني :كلّ مبيعٍ فاس ٍد قبضه المبتاع قبضا مستمرّا بعد بتّ البيع فضمانه من المبتاع من يوم قبضه ، لنّه قبضه على جهة التّملّك ،ل على جهة المانة .ومثل ذلك في الشّركة :لو اشترك من ل يعتبر إذنه ،كصبيّ غير مأذونٍ أو سفيهٍ ،فل ضمان .
أثر البطلن في النّكاح : - 28من القواعد العامّة عند الجمهور أنّه ل فرق بين الباطل والفاسد ،ويتابعهم الحنفيّة في ن الفقهاء يعبّرون عن ذلك في باب النّكاح على ما عرف من القواعد العامّة عندهم .إلّ أ ّ النّكاح غير الصّحيح بالباطل أحيانا ،وبالفاسد أحيانا أخرى .ويريدون بهما ما قابل الصّحيح .لكنّهم يقصدون بالفاسد ما كان مختلفا في فساده بين المذاهب ،كالنّكاح بدون شهودٍ ،حيث يجيز المالكيّة العقد بدونه ،وإن كانوا يشترطون الشهاد قبل الدّخول ،ويجيزه أيضا أبو ثورٍ وجماعة .وكنكاح المحرم بالحجّ ،والنّكاح بدون وليّ ،حيث يجيزهما الحنفيّة .وكنكاح الشّغار يصحّحه الحنفيّة ويلغون الشّرط ،ويوجبون مهر المثل لك ّل من المرأتين .ويقصدون بالباطل :ما كان مجمعا على فساده بين المذاهب ،كنكاح الخامسة ،أو المتزوّجة من الغير ، أو المطلّقة ثلثا ،أو نكاح المحارم .والنّكاح الباطل أو الفاسد واجب الفسخ عند الجميع بالنّسبة للمتّفق على فساده ،وعند القائلين بالفساد بالنّسبة للمختلف فيه ،إلّ إذا حكم حاكم بصحّته ،فل ينقض حكمه .والتّفريق في المتّفق على فساده ليس طلقا بالجماع ،وإنّما هو فسخ أو متاركة ،وأمّا المختلف فيه ،ففي اعتبار التّفريق طلقا أم ل اختلف الفقهاء .ر : ( طلق -فرقة -فسخ ) .ول حكم للنّكاح الباطل أو الفاسد قبل الدّخول في الجملة على ما سيعرف ،لنّه ليس بنكاحٍ حقيقةً ،لنعدام ملك منافع البضع بالعقد الباطل أو الفاسد .أمّا بعد الدّخول فيتعلّق بالفاسد بعض الحكام ،لعتباره منعقدا ضرورةً في حقّ المنافع المستوفاة . وفيما يلي بيان أه ّم الحكام الّتي تتعلّق به :المهر : - 29ل يستحقّ المهر في النّكاح الفاسد مطلقا -سواء اتّفق على فساده أم ل -إذا حصل التّفريق قبل الدّخول باتّفاقٍ في الجملة ،أو قبل الخلوة فيما اختلف فيه ،وذلك عند الحنابلة . هذا مع استثناء بعض المسائل الّتي يثبت فيها نصف المهر قبل الدّخول ،ومن ذلك ما يقوله ل في المهر ،كنكاح المحرم بالحجّ ،ففيه نصف ن سبب الفساد إذا لم يؤثّر خل ً المالكيّة من أ ّ الصّداق بالطّلق ،وجميعه بالموت .وكذلك النّكاح الفاسد عند المالكيّة لوقوع صداقه أقلّ من الصّداق الشّرعيّ ،وامتنع الزّوج من إتمامه ( وهو ما يسمّى بنكاح الدّرهمين ،لنّهما أقلّ من الصّداق الشّرعيّ ) ففيه نصف الدّرهمين بفسخه قبل الدّخول .ومن ذلك ما إذا ادّعى الزّوج قبل الدّخول رضاعا محرّما بل بيّن ٍة ،وكذّبته الزّوجة ،فإنّه يفسخ ،وعليه نصف الصّداق كما
يقول المالكيّة والحنابلة .ويتّفق الفقهاء على وجوب المهر في النّكاح الفاسد مطلقا بالدّخول ( أي بالوطء ) لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال { :أيّما امرأ ٍة أنكحت نفسها ي صلى ال عليه وسلم بغير إذن وليّها فنكاحها باطل ،فإن دخل بها فلها مهر مثلها } جعل النّب ّ لها مهر المثل فيما له حكم النّكاح الفاسد ،وعلّقه بالدّخول ،فدلّ أنّ وجوبه متعلّق به .وعند الحنابلة يجب المهر كذلك في النّكاح المختلف فيه بالخلوة .قال في منتهى الرادات :نصّا لما في حديث عائشة رضي ال عنها من قوله صلى ال عليه وسلم { :فلها المهر بما استحلّ من ن الخلوة في النّكاح الفاسد ل يجب بها شيء من ن ابن قدامة ذكر في المغني أ ّ فرجها } .إلّ أ ّ المهر ،وإنّما يوجبه الوطء ولم يوجد ،ثمّ قال :وقد روي عن أحمد ما يدلّ على أنّ الخلوة فيه كالصّحيح ،فيتقرّر به المهر كالصّحيح ،والوّل أولى .ويرى المالكيّة أنّ المتلذّذ بها من غير وط ٍء تعوّض وجوبا بالجتهاد ،سواء أكان النّكاح مختلفا فيه أم متّفقا على فساده . واختلف الفقهاء في الواجب من المهر ،هل هو المسمّى أو مهر المثل ؟ .فعند الحنفيّة -غير زفر -لها القلّ من مهر مثلها ومن المسمّى .وعند المالكيّة لها المسمّى ،وإن لم يكن مسمّى كنكاح الشّغار -فلها مهر المثل ،وعند الشّافعيّة وزفر من الحنفيّة لها مهر المثل ،وعندالحنابلة لها المسمّى في الفاسد ومهر المثل في الباطل .وفي الموضوع تفصيلت كثيرة تنظر في ( مهر ،صداق ،نكاح ) . ب -العدّة والنّسب : - 30اتّفق الفقهاء على وجوب العدّة وثبوت النّسب بالوطء في النّكاح المختلف فيه بين المذاهب ،كالنّكاح بدون شهودٍ ،أو بدون وليّ ،وكنكاح المحرم بالحجّ ،ونكاح الشّغار . ويزيد الحنابلة ثبوتهما بالخلوة ،لنّه ينفذ بحكم الحاكم أشبه الصّحيح .ويتّفقون كذلك على وجوب العدّة وثبوت النّسب في النّكاح المجمع على فساده بالوطء كنكاح المعتدّة ،وزوجة ن الصل الغير والمحارم إذا كانت هناك شبهة تسقط الحدّ ،بأن كان ل يعلم بالحرمة ،ول ّ ح يدرأ فيه الحدّ فالولد لحق بالواطئ .أمّا إذا لم تكن هناك شبهة ل نكا ٍ عند الفقهاء :أنّ ك ّ تسقط الحدّ ،بأن كان عالما بالحرمة ،فل يلحق به الولد عند الجمهور ،وكذلك عند بعض مشايخ الحنفيّة ،لنّه حيث وجب الحدّ فل يثبت النّسب .وعند أبي حنيفة وبعض مشايخ ن العقد شبهة .وروي عن أبي يوسف ومح ّمدٍ أنّ الشّبهة تنتفي إذا كان الحنفيّة يثبت النّسب ل ّ النّكاح مجمعا على تحريمه والمنكوحة محرّمة على التّأبيد ،كالمّ والخت ،وعلى ذلك فل يثبت النّسب عندهما في المحرّمة على التّأبيد ،فقد ذكر الخير الرّمليّ في باب المهر عن ل أنّه روي عن مح ّمدٍ أنّه العينيّ ومجمع الفتاوى أنّه يثبت النّسب عند أبي حنيفة خلفا لهما ،إ ّ قال سقوط الحدّ عنه لشبهةٍ حكميّ ٍة فيثبت النّسب .هذا بالنّسبة للنّسب في النّكاح المجمع على تحريمه مع العلم بالحرمة .وأمّا بالنّسبة للعدّة ،فعند المالكيّة والحنابلة والقائلين من الحنفيّة
بثبوت النّسب فإنّ العدّة تجب وتسمّى استبراءً ،ول يجب عند الشّافعيّة وبعض الحنفيّة القائلين بعدم ثبوت النّسب .هذا مع اختلفهم في العدّة وهل تعتبر وقت التّفريق أو من آخر الوطآت . وهل تتداخل العدد أو ل تتداخل ،بل تستأنف .وهل يعتبر النّسب من وقت الدّخول أو من وقت العقد .وهل تثبت بالنّكاح الباطل حرمة المصاهرة أو ل تثبت .وهل يثبت به الرث أو ل ذلك تفصيلت كثيرة تنظر في مواضعها . ل يثبت ؟ ففي ك ّ
بعض انظر :بعضيّة .
التّعريف
بعضيّة
- 1البعضيّة :مصدر صناعيّ من البعض ،وبعض الشّيء :الطّائفة منه ،وبعضهم يقول : الجزء منه ،والجمع :أبعاض .قال ثعلب :أجمع أهل النّحو على أنّ البعض :شيء من شيءٍ ،أو شيء من أشياء ،وهذا يتناول ما فوق النّصف ،كالثّمانية ،فإنّه يصدق عليه أنّه شيء من العشرة ،ويتناول أيضا ما دون النّصف .وبعّضت الشّيء تبعيضا :جعلته أبعاضا متمايزةً .وفي الصطلح ل يخرج عن معناه اللّغويّ . ( اللفاظ ذات الصّلة ) : - 2من اللفاظ ذات الصّلة " الجزئيّة والفرعيّة " وهذه اللفاظ مقاربة ،لنّ الجزئيّة من الجزء ،والجزء من الشّيء :الطّائفة منه .والفرعيّة من الفرع ،وهو ما يتفرّع من أصله . ( الحكم الجماليّ ) :ورد استعمال الفقهاء لهذا المصطلح في كتب الفقه في مواطن أهمّها ما يأتي :في الطّهارة : - 3اختلف الفقهاء في القدر الواجب في مسح الرّأس ،فذهب الحناف إلى أنّه يجب مسح مقدار النّاصية ،وهو ربع الرّأس .وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه يجب مسح جميع الرّأس .وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يكفي ما يقع عليه اسم المسح من الرّأس ،وإن قلّ .وتفصيل ذلك في مصطلح ( وضوء ) .واختلف الفقهاء كذلك فيمن لم يجد من الماء إلّ ما يكفي بعض ل لبعض أعضائه .فذهب الحناف والمالكيّة وأكثر العلماء إلى أنّه يترك الماء الّذي ل يكفي إ ّ أعضائه ويتيمّم ،وهذا أحد الوجهين عند الحنابلة ،وذهب الشّافعيّة في الظهر إلى أنّه يلزمه استعماله ،ث ّم يتيمّم ،وهو الوجه الثّاني عند الحنابلة .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :تيمّم ) .
في الصّلة :
ل ما يستر به بعض عورته لزمه ستره .وأبعاض - 4اتّفق الفقهاء على أنّ من لم يجد إ ّ الصّلة في اصطلح الشّافعيّة :هي السّنن الّتي تجبر بسجود السّهو ،وهي القنوت في الصّبح ،أو في وتر نصف رمضان ،والقيام له ،والتّشهّد الوّل ،وقعوده ،والصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم على الظهر .وسمّيت أبعاضا ،لنّها لمّا تأكّدت بالجبر بالسّجود أشبهت البعاض الحقيقيّة ،وهي الركان .وما عداها من السّنن يسمّى هيئاتٍ ل تجبر بسجود السّهو ،ول يشرع لها .ويتميّز البعض من الهيئة عند الشّافعيّة بعدّة أمورٍ .أوّلها :أنّ البعض يجبر بسجود السّهو بخلف الهيئة ،فإنّها ل تجبر بسجود السّهو ،لعدم وروده فيها . ثانيها :أنّ البعض سنّة مستقلّة وليست تابعةً لغيرها ،بخلف الهيئات ،فإنّها ليست مستقلّةً ، بل هي تابعة للركان ،كالتّكبيرات والتّسبيحات والدعية الواقعة إمّا في القيام ،أو الرّكوع ، أو العتدال منها ،أو السّجود ،أو الجلوس بين السّجدتين .ثالثها :البعاض لها محلّ خاصّ ص بها ،بل تقع في بها من الصّلة ل يشاركها غيرها ،بخلف الهيئات فليس لها محلّ خا ّ داخل الركان ،كما ذكرنا آنفا .رابعها :أنّ البعاض ل يطلب التيان بها خارج الصّلة إلّ الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم بخلف الهيئات ،فالتّكبيرات والتّسبيحات وغيرها من الذكار مطلوبة في الصّلة وخارج الصّلة .ويكره ترك البعض عمدا عند الشّافعيّة ،ول تبطل الصّلة به ،ويسجد للسّهو ندبا بتركه ،كما يسجد كذلك بتركه نسيانا في المعتمد ن الخلل حاصل في الحالتين ،بل خلل العمد أكثر ،فكان للجبر أحوج .والمرجوح عندهم ،ل ّ سنّة على نفسه ،بخلف النّاسي فإنّه لديهم أنّه إن ترك عمدا فل يسجد لتقصيره بتفويت ال ّ معذور ،فناسب أن يشرع له الجبر .ويقابل البعض عند الحنفيّة والحنابلة الواجب ،وهو عند الحنفيّة :ما ل تفسد الصّلة بتركه ،ولكن يجب إعادتها في العمد والسّهو إن لم يسجد ح صلته في الحالتين .وتبطل للسّهو في حالة النّسيان ،وإن لم يعدها يكون آثما ،وتص ّ صلته إذا ترك الواجب عمدا عند الحنابلة ،ويجب سجود السّهو عند الفريقين إذا ترك الواجب نسيانا .أمّا المالكيّة فيرون أنّ البعاض سنّة كالشّافعيّة ،وإن لم يسمّوها بهذا السم . ن سجود السّهو سنّة عندهم كذلك ( ر :صلة ) . كما أ ّ
في الزّكاة : - 5ل يعطى من تلزم المزكّي نفقته بزوجّيةٍ أو بعضيّةٍ ،كالبناء والبنت ،من سهم الفقراء والمساكين ،بل خلفٍ بين الفقهاء في ذلك ،فيما إذا كان المزكّي يجب عليه النفاق .
في زكاة الفطر :
ن الفطرة ل - 6لو وجد بعض الصّاع من الفطرة فهل يلزمه إخراجه ؟ ذهب الحنفيّة إلى أ ّ ل على من ملك نصاب الزّكاة ،فاضلً عن مسكنه وثيابه وأثاثه وما يحتاجه .وذهب تجب إ ّ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم اشتراط ملك نصاب الزّكاة ،واتّفقوا على أنّ من ملك صاعا زائدا عن قوت يومٍ وليلةٍ وجب عليه إخراجه .أمّا من ملك بعض صاعٍ ،فذهب المالكيّة إلى أنّه يجب إخراجه ،وهو إحدى الرّوايتين عن أحمد ،وذهب الشّافعيّة إلى أنّه ح محافظةً على الواجب قدر المكان .راجع مصطلح ( : يجب إخراج بعض الصّاع في الص ّ زكاة ) .
في الطّلق والظّهار والعتق : - 7أجمع الفقهاء على أنّ الطّلق أو الظّهار ل يتبعّض ول يتجزّأ ،فإن قال لزوجته :أنت طالق بعض طلق ٍة أو نصفها أو جزأها تقع طلقة كاملة .كما اتّفقوا على أنّه إذا أضاف الطّلق أو الظّهار إلى بعض زوجته يلزمه الطّلق أو الظّهار ،إن كان ذلك البعض جزءا شائعا كنصفها أو ثلثها ،أمّا إذا أسند الطّلق أو الظّهار إلى جزءٍ معيّنٍ ففي ذلك تفصيل وخلف يرجع إليه في مصطلح ( :طلق وظهار ) .والكلم في تبعيض العتق يرجع إليه في مصطلح ( :عتق ) .
في الشّهادة :
- 8تردّ شهادة البن لبيه بعلّة البعضيّة ،وهو قول جماهير العلماء ،أمّا شهادة البن على أبيه فهي مقبولة عند عامّة أهل العلم ،وإنّما ردّوا شهادة البن لبيه لنّ بينهما بعضيّة ،فكأنّه يشهد لنفسه أو عليها .راجع مصطلح ( :شهادة ) .
العتق بالبعضيّة : ن من ملك أحد أصوله أو فروعه عتق عليه .أمّا الحناف والحنابلة - 9ذهب الشّافعيّة إلى أ ّ ن العلّة هنا المحرميّة ،فمن ملك ذا رحمٍ محرمٍ عتق عليه . فقد وسّعوا دائرة العتق وقالوا :إ ّ وذهب المالكيّة إلى أنّه يعتق بنفس الملك البوان وإن علوا ،والولد وإن سفل ،وأخ وأخت شقيقان أو لبٍ أو لمّ .راجع مصطلح ( :عتق ) .
التّعريف
بغاء
- 1البغاء مصدر :بغت المرأة تبغي بغا ًء ،بمعنى :فجرت ،فهي بغيّ ،والجمع بغايا ، ص بالمرأة ،ول يقال للرّجل :بغيّ .ويعرّف الفقهاء البغاء بأنّه :زنى وهو وصف مخت ّ
المرأة .أمّا الرّجل فل يسمّى زناه بغا ًء .والمراد من بغاء المرأة هو خروجها تبحث عمّن يفعل بها ذلك الفعل ،سواء أكانت مكره ًة أم غير مكرهةٍ ،ويفهم ذلك من كلم العلماء في تفسير قوله تعالى { :ول تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّنا } وقد ذكرت كتب التّفسير سبب نزول هذه الية ،وهو أنّه كان لعبد اللّه بن أبيّ ابن سلول جوارٍ ،وكان ن مكرهات عليه بغاءً ،فإطلق هذا السم عليه ن على ذلك الفعل ،فقد سمّي فعلهنّ وه ّ يكرهه ّ مع رضاهنّ يصحّ ،بل أولى ،وبالنّسبة للقيد الّذي في الية وهو قوله تعالى { :إن أردن تحصّنا } فستأتي الشارة إليه .حكم أخذ البغيّ مهرا : - 2نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن مهر البغيّ ،لحديث ابن مسعودٍ قال { :نهى رسول ن من البغايا من اللّه صلى ال عليه وسلم عن ثمن الكلب ،ومهر البغيّ ،وحلوان الكاهن } فإ ّ ن يأخذن عوضا عن البغاء ،ومن ذلك ما روى مجاهد في قوله تعالى { :ول تكرهوا كّ ن يفعلن ذلك فيصبن ،فيأتينهم فتياتكم على البغاء } قال :كانوا يأمرون ولئدهم فيباغين ،فك ّ بكسبهنّ .وكانت لعبد اللّه بن أبيّ ابن سلول جارية كانت تباغي ،فكرهت ذلك ،وحلفت ألّ تفعله ،فأكرهها ،فانطلقت فباغت ببردٍ أخضر ،فأتتهم به ،فأنزل اللّه الية .والمراد بمهر البغيّ :ما تؤجر به المرأة نفسها على الزّنى ،ول خلف بين العلماء في تحريمه .وتفصيل بقيّة الحكام المتعلّقة بالبغاء محلّها مصطلح ( :زنى ) .
بغاة التّعريف - 1يقال في اللّغة :بغى على النّاس بغيا :أي ظلم واعتدى ،فهو باغٍ والجمع بغاة ،وبغى : سعى بالفساد ،ومنه الفئة الباغية .والفقهاء ل يخرجون في الجملة عن هذا المعنى إلّ بوضع بعض قيودٍ في التّعريف فقد عرّفوا البغاة بأنّهم :الخارجون من المسلمين عن طاعة المام الحقّ بتأويلٍ ،ولهم شوكة .ويعتبر بمنزلة الخروج :المتناع من أداء الحقّ الواجب الّذي يطلبه المام ،كالزّكاة .ويطلق على من سوى البغاة اسم ( أهل العدل ) وهم الثّابتون على موالة المام . ( اللفاظ ذات الصّلة ) : أ -الخوارج : - 2يقول الجرجانيّ :هم الّذي يأخذون العشر من غير إذن السّلطان .وهم في الصل كانوا ي رضي ال عنه في القتال ،وخرجوا عليه لمّا قبل التّحكيم .قالوا :لم في صفّ المام عل ّ تحكّم وأنت على حقّ .ويقول ابن عابدين :إنّهم يرون عليّ بن أبي طالبٍ رضي ال عنه على باطلٍ بقبوله التّحكيم ،ويوجبون قتاله ،ويستحلّون دماء أهل العدل ،ويسبون نساءهم
وذراريّهم ،لنّهم في نظرهم كفّار .وأكثر الفقهاء يرون أنّهم بغاة ،ول يرون تكفيرهم ، وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنّهم كفّار مرتدّون .وقال ابن المنذر :ل أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم ،وذكر ابن عبد البرّ أنّ المام عليّا رضي ال عنه سئل عنهم : ن المنافقين ل يذكرون اللّه إلّ أكفّار هم ؟ قال :من الكفر فرّوا .قيل :فمنافقون ؟ قال :إ ّ قليلً .قيل فما هم ؟ قال :هم قوم أصابتهم فتنة ،فعموا وصمّوا ،وبغوا علينا ،وقاتلوا فقاتلناهم .وقال لهم :لكم علينا ثلث :ل نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا فيها اسم اللّه ،ول نبدؤكم بقتالٍ ،ول نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا .ويقول الماورديّ :إن تظاهر الخوارج باعتقادهم ،وهم على اختلطٍ بأهل العدل ،جاز للمام أن يعزّرهم .وتفصيل الكلم في مصطلح ( فرق ) . ب -المحاربون : ق من الحرابة مصدر حرب ،وحرّبه يحرّبه :إذا أخذ ماله ، - 3المحاربون :لفظ مشت ّ والحارب :الغاصب النّاهب .وعبّر عنها الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة :بقطع الطّريق ،وقالوا :إنّه الخروج على المارّة لخذ المال على سبيل المغالبة ،على وج ٍه يمنع المارّة من المرور ،فينقطع الطّريق ،سواء أكان القطع من جماعةٍ أم واحدٍ ،بعد أن يكون له قوّة القطع ،وسواء أكان القطع بسلحٍ أم بغيره من العصا والحجر ونحو ذلك .وتسمّى الحرابة بالسّرقة ن قاطع الطّريق يأخذ المال خفيةً عن عين المام الّذي الكبرى .أمّا كونها سرق ًة ،فباعتبار أ ّ ن ضرره يعمّ ،حيث يقطع الطّريق على الجماعة عليه حفظ المن .وأمّا كونها كبرى ،فل ّ ل ،أمّا الحرابة ن البغي يستلزم وجود تأوي ٍ بزوال المن .فالفرق بين الحرابة والبغي هو أ ّ فالغرض منها الفساد في الرض .الحكم التّكليفيّ للبغي : - 4البغي حرام ،والبغاة آثمون ،ولكن ليس البغي خروجا عن اليمان ،لنّ اللّه سمّى البغاة مؤمنين في قوله تعالى { :وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيء إلى أمر اللّه } ...إلى أن قال { :إنّما ل قتالهم ،ويجب على النّاس معونة المام في المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم } ،ويح ّ قتالهم .ومن قتل من أهل العدل أثناء قتالهم فهو شهيد .ويسقط قتالهم إذا فاءوا إلى أمر اللّه ، ويقول الصّنعانيّ :إذا فارق أحد الجماعة ولم يخرج عليهم ول قاتلهم يخلّى وشأنه ،إذ مجرّد الخلف على المام ل يوجب قتال المخالف .وفي حديثٍ رواه الحاكم وغيره قال النّبيّ عليه الصلة والسلم لبن مسعودٍ { :يا ابن مسعودٍ :أتدري ما حكم اللّه فيمن بغى من هذه ل يتّبع مدبرهم ،ول يقتل المّة ؟ قال ابن مسعودٍ :اللّه ورسوله أعلم .قال :حكم اللّه فيهم أ ّ أسيرهم ،ول يذفّف على جريحهم } .ويرى الشّافعيّة أنّ البغي ليس اسم ذمّ ،لنّ البغاة خالفوا بتأويلٍ جائزٍ في اعتقادهم ،لكنّهم مخطئون فيه ،فلهم نوع عذرٍ ،لما فيهم من أهليّة
ن ما ورد في ذمّهم ،وما وقع في كلم الفقهاء في بعض المواضع من الجتهاد .وقالوا :إ ّ وصفهم بالعصيان أو الفسق محمول على من ل أهليّة فيه للجتهاد ،أو ل تأويل له .وكذلك إن كان تأويله قطعيّ البطلن . 5
وقد بيّن الفقهاء أنواع البغاة من حيث جواز فعلهم ،أو كونه صغير ًة أو كبيرةًكما يلي :
أ -البغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع ليسوا بفاسقين ،وإنّما هم مخطئون في تأويلهم ، كالمجتهدين من الفقهاء ،يقول ابن قدامة :ل أعلم خلفا في قبول شهادتهم .وسيأتي بيانه . وكذا إن تكلّموا بالخروج لكن لم يعزموا على الخروج بعد ،فليس للمام أن يتعرّض لهم ، ن العزم على الجناية لم يوجد .ومثال ذلك :ما وقع لبعض الصّحابة ،ممّن عصى المام ل لّ على سبيل المغالبة ،من أنّه مكث أشهرا لم يبايع الخليفة ثمّ بايعه .يقول القرطبيّ :ولم يوجب ذلك لعن البغاة والبراءة منهم وتفسيقهم .
ب -إن خالط البغاة أهل العدل ،وتظاهروا باعتقادهم ،دون مقاتلتهم جاز للمام تعزيرهم ،إذ التّظاهر باعتقادهم ،ونشره بين أهل العدل دون قتالٍ يعتبر من الصّغائر .
ج -إذا اجتمع المسلمون على إمامٍ ،وصاروا آمنين به ،فخرج عليه طائفة من
المؤمنين ،ولم يكن ذلك لظلمٍ ظلمهم إيّاه ،ولكن لدعوى الحقّ والولية .فقالوا : الحقّ معنا ،ويدّعون الولية ،ولهم تأويل ومنعة ،فهم أهل بغيٍ ،فعلى كلّ من
يقوى على القتال مناصرة المام عليهم .قال ابن عابدين :ومن البغاة الخوارج . ويقول ابن قدامة :إذا خرجوا على المام فهم فسّاق . شروط تحقّق البغي : - 6يتحقّق البغي بما يلي : أ -أن يكون الخارجون على المام جماعةً من المسلمين لهم شوكة ،وخرجوا عليه بغير حقّ لرادة خلعه بتأويلٍ فاسدٍ .فلو خرج عليه أهل ال ّذمّة لكانوا حربيّين ل بغاةً .ولو خرجت عليه ل ول طلب إمرةٍ لكانوا قطّاع طريقٍ ،وكذا لو لم يكن لهم قوّة طائفة من المسلمين بغير تأوي ٍ ومنعة ،ول يخشى قتالهم ،ولو كانوا متأوّلين .ولو خرجوا على المام بحقّ -كدفع ظلمٍ - فليسوا ببغاةٍ ،وعلى المام أن يترك الظّلم وينصفهم ،ول ينبغي للنّاس معونة المام عليهم ،
ن فيه إعانةً على ن فيه إعانةً على الظّلم ،ول أن يعينوا تلك الطّائفة الخارجة ،ل ّ لّ خروجهم ،واتّساع الفتنة ،وقد لعن اللّه من أيقظ الفتنة .وأمّا من خرجوا على المام بمنعةٍ ، بتأويلٍ يقطع بفساده ،مستحلّين دماء المسلمين وأموالهم ،ممّا كان قطعيّ التّحريم ،كتأويل صحّة والفساد ،ولكنّ فساده هو ن الباغي تأويله محتمل لل ّ المرتدّين ،فليسوا ببغاةٍ ،ل ّ الظهر ،وهو متّبع للشّرع في زعمه ،والفاسد منه ملحق بالصّحيح ،إذا ضمّت إليه المنعة في حقّ الدّفع . ب -أن يكون النّاس قد اجتمعوا على إمامٍ وصاروا به آمنين ،والطّرقات به آمنة ،لنّه إذا لم يكن كذلك يكون عاجزا ،أو جائرا ظالما يجوز الخروج عليه وعزله ،إن لم يلزم منه فتنة ل فالصّبر أولى من التّعرّض لفساد ذات البين . ،وإ ّ ج -أن يكون الخروج على سبيل المغالبة ،أي بإظهار القهر .وقيل :بالمقاتلة ،وذلك لنّ من يعصي المام ل على سبيل المغالبة ل يكون من البغاة ،فمن خرج عن طاعة المام من غير إظهار القهر ل يكون باغيا . د -وصرّح الشّافعيّة باشتراط أن يكون للخارجين مطاع فيهم ،يصدرون عن رأيه ،وإن لم يكن إماما منصوبا ،إذ ل شوكة لمن ل مطاع لهم .وقيل :بل يشترط أن يكون لهم إمام ن ذلك شرط لمقاتلتهم . منصوب منهم ،هذا ول يشترط لتحقّق البغي انفرادهم بنحو بلدٍ ولك ّ
المام الّذي يعتبر الخروج عليه بغيا : - 7من اتّفق ،المسلمون على إمامته وبيعته ،وثبتت إمامته ،وجبت طاعته ومعونته ،ومثله من تثبت إمامته بعهد إمامٍ قبله إليه ،إذ المام يصير إماما بالمبايعة أو بالستخلف ممّن قبله .ولو خرج رجل على المام فقهره ،وغلب النّاس بسيفه ،حتّى أذعنوا له وتابعوه ،صار إماما يحرم قتاله والخروج عليه .وينظر للتّفصيل بحث ( المامة الكبرى ) .
أمارات البغي :
- 8إذا تكلّم جماعة في الخروج على المام ومخالفة أوامره ،وأظهروا المتناع ،وكانوا متحيّزين متهيّئين لقصد القتال ،لخلع المام وطلب المرة لهم ،وكان لهم تأويل يبرّر في ن ذلك يكون أمارة بغيهم .وينبغي إذا ما بلغ المام أمرهم ، نظرهم مسلكهم دون المقاتلة ،فإ ّ وأنّهم يشترون السّلح ويتأهّبون للقتال ،أن يأخذهم ويحبسهم حتّى يقلعوا عن ذلك ،ويحدثوا شرّ بقدر المكان ،لنّه لو انتظر أن يبدءوه بالقتال ،فربّما ل يمكنه الدّفع ، توب ًة ،دفعا لل ّ لتقوّي شوكتهم وتكثّر جمعهم ،خصوصا والفتنة يسرع إليها أهل الفساد .ويختلف الفقهاء في ن مخالفتهم للمام لمنع حقّ اللّه ،أو لدميّ بدئهم بالقتال على ما سيأتي بيانه .وكذلك فإ ّ
كزكا ٍة ،وكأداء ما عليهم ممّا جبوه لبيت مال المسلمين خراج الرض ،مع التّحيّز والتّهيّؤ ن ذلك يكون أمارة بغيهم .أمّا للخروج على المام على وجه المغالبة ،وعدم المبالة به ،فإ ّ لو أظهروا رأي الخوارج ،كتكفير فاعل الكبيرة وترك الجماعات واستباحة دماء المسلمين وأموالهم ،ولكن لم يرتكبوا ذلك ،ولم يقصدوا القتال ،ولم يخرجوا عن طاعة المام ،فإنّ ذلك ل يكون أمارة البغي ،حتّى لو امتازوا بموضعٍ يتجمّعون فيه ،لكن إن حصل منهم ضرر تعرّضنا لهم إلى زوال الضّرر .
بيع السّلح لهل الفتنة
9
-ذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم بيع السّلح للبغاة
وأهل الفتنة ،لنّ هذا سدّ لذريعة العانة على المعصية ،وكذا ما كان في معنى
البيع من إجارةٍ أو معاوضةٍ ،وقد قال المام أحمد { :نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن بيع السّلح في الفتنة } .وصرّح الحنفيّة بكراهة بيع السّلح لهم
كراهةً تحريميّةً ،لنّه إعانة على معصيةٍ ،قال اللّه تعالى { :وتعاونوا على البرّ والتّقوى ول تعاونوا على الثم والعدوان } ،ولنّ الواجب أخذ سلحهم بما
أمكن ،حتّى ل يستعملوه في الفتنة ،فمنع بيعه لهم أولى .والّذي يكره هو بيع السّلح نفسه المعدّ للستعمال .وإن لم يدر أنّ طالب السّلح من أهل الفتنة ل
يكره البيع له ،لنّ الغلبة في دار السلم لهل الصّلح ،والحكام تبنى على ن المعصية الغالب .وأمّا ما ل يقاتل به إلّ بصنعةٍ كالحديد ،فل يكره بيعه ،ل ّ تقع بعين السّلح ،بخلف الحديد ،وقاسوه على الخشب الّذي يتّخذ منه
المعازف ،فإنّه ل يكره بيعه ،لنّ عينه ليس منكرا ،وإنّما المنكر في استعماله المحظور .والحديد وإن كان يكره تحريما بيعه لهل الحرب ،فإنّه يجوز بيعه
لهل البغي ،لنّهم ل يتفرّغون لستعمال الحديد سلحا ،لنّ فسادهم في الغالب يكون على شرف الزّوال بالتّوبة ،أو بتفريق جمعهم ،بخلف أهل الحرب .
واستظهر ابن عابدين أنّ الكراهة تنزيهيّة ،وقال :ولم أر من تعرّض لهذا . واجب المام نحو البغاة : أ -قبل القتال : - 10ينبغي للمام أن يدعو البغاة الخارجين عليه إلى العودة إلى الجماعة ،والدّخول في شرّ يندفع بالتّذكرة ،لنّه ترجى توبتهم ، طاعته رجاء الجابة ،وقبول الدّعوة ،لعلّ ال ّ
ويسألهم عن سبب خروجهم ،فإن كان لظلمٍ منه أزاله ،وإن ذكروا عّلةً يمكن إزالتها أزالها ، ن اللّه سبحانه بدأ المر بالصلح قبل القتال فقال { :وإن وإن ذكروا شبه ًة كشفها ،ل ّ ن المقصود كفّهم ودفع شرّهم ،ل قتلهم . طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } ول ّ فإذا أمكن بمجرّد القول كان أولى من القتال ،لما فيه من الضّرر بالفريقين .ول يجوز قتالهم قبل ذلك إلّ أن يخاف شرّهم .وإن طلبوا النظار -وكان الظّاهر من قصدهم الرّجوع إلى الطّاعة -أمهلهم .قال ابن المنذر :أجمع على هذا كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم .وقال أبو إسحاق الشّيرازيّ :ينظرهم إلى مدّ ٍة قريب ٍة كيومين أو ثلثةٍ .وإن أصرّوا على بغيهم ، بعد أن بعث إليهم أمينا ناصحا لدعوتهم ،نصحهم ندبا بوعظٍ ترغيبا وترهيبا ،وحسّن لهم اتّحاد كلمة الدّين وعدم شماتة الكافرين ،فإن أصرّوا آذنهم بالقتال .وإن قاتلهم بل دعوةٍ جاز ،لنّ الدّعوة ليست بواجبةٍ .وعند المالكيّة :يجب إنذارهم ودعوتهم ما لم يعاجلوه . ل فمستحبّ . وكون المبعوث إليهم عارفا فطنا واجب ،إن بعث للمناظرة وكشف الشّبهة ،وإ ّ وفصّل الكاسانيّ فقال :إن علم المام أنّهم يجهّزون السّلح ويتأهّبون للقتال ،فينبغي له أن يأخذهم ،ويحبسهم حتّى يتوبوا ،وإن لم يعلم بذلك حتّى تعسكروا وتأهّبوا للقتال ،فينبغي له أن يدعوهم إلى الرّجوع إلى رأي الجماعة أ ّولً ،فإنّ المام عليّا رضي ال عنه لمّا خرج عليه أهل حروراء ،ندب إليهم عبد اللّه بن عبّاسٍ رضي ال عنهما ليدعوهم إلى العدل ،فإن ن الدّعوة قد أجابوا كفّ عنهم وإن أبوا قاتلهم ...وإن قاتلهم قبل الدّعوة ل بأس بذلك ،ل ّ س قال بلغتهم ،فهم مسلمون في دار السلم .وقد أسند النّسائيّ في سننه الكبرى إلى ابن عبّا ٍ ف ،فقلت لعليّ أمير المؤمنين : :لمّا خرجت الحروريّة اعتزلوا في دارٍ ،وكانوا ستّة آل ٍ لعلّي أكلّم هؤلء القوم .قال إنّي أخافهم عليك .قلت :كلّا .فلبست ثيابي ،ومضيت إليهم ، حتّى دخلت عليهم وهم مجتمعون .وقلت :أتيتكم من عند أصحاب النّبيّ صلى ال عليه وسلم من عند ابن ع ّم النّبيّ وصهره وعليهم نزل القرآن ،وهم أعرف بتأويله منكم .وليس فيكم منهم أحد .وقلت :هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول اللّه وختنه .قالوا :ثلث .أنّه ل للّه } وأنّه قاتل ولم يسب ولم حكّم الرّجال في دين اللّه ،وقد قال اللّه تعالى { :إن الحكم إ ّ يغنم ،فإن كانوا كفّارا فقد حلّت لنا نساؤهم وأموالهم ،وإن كانوا مؤمنين فقد حرمت علينا دماؤهم .وأنّه محا نفسه من أمير المؤمنين فإن لم يكن أمير المؤمنين فإنّه يكون أمير الكافرين .قلت :أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب اللّه ،وحدّثتكم من سنّة نبيّه صلى ال عليه وسلم ما يردّ قولكم هذا ،ترجعون ؟ قالوا :نعم .قلت :أمّا قولكم :إنّه حكّم الرّجال في دين اللّه ، فأنا أقرأ عليكم أن قد صيّر اللّه حكمه إلى الرّجال في أرنبٍ ثمنها ربع درهمٍ ،قال اللّه تعالى { :ل تقتلوا الصّيد وأنتم حرم } إلى قوله { يحكم به ذوا عد ٍل منكم } وقال اللّه تعالى في المرأة وزوجها { :وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } أنشدكم
ب ثمنها ربع اللّه أحكم الرّجال في حقن دمائهم وأنفسهم وإصلح ذات البين أحقّ ،أم في أرن ٍ درهمٍ ؟ .وأمّا قولكم :إنّه قاتل ولم يسب ولم يغنم ،أتسبون أمّكم عائشة ،فتستحلّون منها ما تستحلّون من غيرها ،وهي أمّكم ؟ لئن فعلتم لقد كفرتم .فإن قلتم :ليست أمّنا فقد كفرتم ، ن اللّه تعالى يقول { :النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم } .وأمّا قولكم : لّ إنّه محا نفسه من أمير المؤمنين .فإنّ { رسول اللّه صلى ال عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية ،على أن يكتب بينه وبينهم كتابا ،فقال لكاتبه :اكتب :هذا ما قضى عليه محمّد رسول اللّه .فقالوا :واللّه لو كنّا نعلم أنّك رسول اللّه ما صددناك عن البيت ول قاتلناك ، ولكن اكتب :محمّد بن عبد اللّه .فقال :واللّه إنّي لرسول اللّه وإن كذّبتموني .يا عليّ اكتب ي ،وقد محا نفسه ولم يكن محو ذلك محوا :محمّد بن عبد اللّه } ،فرسول اللّه خير من عل ّ من النّبوّة .فرجع منهم ألفان وبقي سائرهم ،فقوتلوا .ويصرّح اللوسيّ أنّه يجب قبل القتال إزالة الشّبهة بالحجج ال ّنيّرة والبراهين القاطعة ،ودعوة البغاة إلى الرّجوع إلى الجماعة والدّخول في طاعة المام .
ب -قتال البغاة : - 11إذا ما دعا المام البغاة إلى الدّخول في طاعته ،وكشف شبهتهم ،فلم يستجيبوا وتحيّزوا مجتمعين ،وكانوا متهيّئين للقتال فإنّه يحلّ قتالهم .ولكن هل نبدؤهم بالقتال ،أم ل نقاتلهم إلّ إذا أظهروا المغالبة ؟ هناك اتّجاهان :التّجاه الوّل :جواز البدء بالقتال ،لنّه لو انتظرنا قتالهم ربّما ل يمكن الدّفع ،وهو ما نقله خواهر زاده ،قال الزّيلعيّ :وهو المذهب عند ص جاء غير مق ّيدٍ بالبداءة منهم في قوله تعالى { :فإن بغت إحداهما على الحنفيّة ،لنّ النّ ّ الخرى فقاتلوا الّتي تبغي } ...وقول عليّ رضي ال عنه :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول { :سيخرج قوم في آخر الزّمان ،حداث السنان سفهاء الحلم ،يقولون من قول خير الب ّريّة ،ل يجاوز إيمانهم حناجرهم ،يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة ، ن الحكم يدار على فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ،فإنّ في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة } ،ول ّ علمته ،وهي هنا التّحيّز والتّهيّؤ ،فلو انتظرنا حقيقة قتالهم لصار ذريعةً لتقويتهم .فيدار الحكم على المارة ضرورة دفع شرّهم ،ولنّهم بالخروج على المام صاروا عصا ًة فجاز قتالهم ،إلى أن يقلعوا عن ذلك .وما نقل عن عليّ رضي ال عنه من قوله في الخوارج لن نقاتلكم حتّى تقاتلونا معناه :حتّى تعزموا على قتالنا .ولو أمكن دفع شرّهم بالحبس بعدما تأهّبوا فعل ذلك ،ول نقاتلهم ،لنّه أمكن دفع شرّهم بأهون منه .وإلى القول بحلّ بدئهم بالقتال اتّجه فقهاء الحنابلة ،جاء في كشّاف القناع :إن أبوا الرّجوع وعظهم وخوّفهم بالقتال ، ل لزمه قتالهم إن كان قادرا ،لجماع الصّحابة على ذلك . فإن رجعوا إلى الطّاعة تركهم ،وإ ّ
التّجاه الثّاني :نقل القدوريّ أنّه ل يبدؤهم بالقتال حتّى يبدءوه ،وهو ما رواه الكاسانيّ والكمال .قال الكاسانيّ :لنّ قتالهم لدفع شرّهم ،ل لشرّ شركهم ،لنّهم مسلمون ،فما لم شرّ منهم ل يقاتلهم المام ،إذ ل يجوز قتال المسلم إلّ دفعا ،بخلف الكافر ،لنّ يتوجّه ال ّ نفس الكفر قبيح .وهو ما استظهره بعض المالكيّة ،وهو مذهب الشّافعيّة ،وقول أحمد بن ل يبدءوا من خرجوا عليه بالقتال ،وإن أمكن دفعهم دون القتل ن عليّا أمر أصحابه أ ّ حنبلٍ ،ل ّ ل أن يخاف شرّهم كالصّائل .وقال ابن تيميّة « : لم يجز القتل .ول يجوز قتالهم قبل ذلك إ ّ الفضل تركه حتّى يبدءوه " أي القتال .
المعاونة في مقاتلة البغاة : ن طاعة المام فيما ليس - 12من دعاه المام إلى مقاتلة البغاة افترض عليه إجابته ،ل ّ بمعصي ٍة فرض .قال ابن عابدين :يجب على كلّ من أطاق الدّفع أن يقاتل مع المام ،إلّ إن كان سبب الخروج ظلم المام بما ل شبهة فيه ،إذ يجب معونتهم لنصافهم إن كان ذلك ممكنا .ومن لم يكن قادرا لزم بيته .وعليه يحمل ما روي عن جماعةٍ من الصّحابة أنّهم قعدوا في الفتنة ،وربّما كان بعضهم في تر ّددٍ من حلّ القتال .وما روي عن أبي حنيفة من قوله « :إذا ل مسلمٍ أن يعتزل الفتنة ،ويقعد في بيته " فإنّه وقعت الفتنة بين المسلمين ،فالواجب على ك ّ محمول على ما إذا لم يكن إمام .أمّا ما روي من حديث { :إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار } فإنّه محمول على اقتتالهما حميّ ًة وعصبيّ ًة ،أو لجل الدّنيا والملك .ولو كان السّلطان ظالما ،وبغت عليه طائفة لرفع الظّلم ،وطلب منه ذلك فلم يستجب ،فل ينبغي للنّاس معاونة السّلطان ول معاونة البغاة ،إذ غير العدل ل تجب معاونته .قال مالك : ص الشّافعيّة على من دعه وما يراد منه ،ينتقم اللّه من الظّالم بظالمٍ ،ثمّ ينتقم من كليهما .وين ّ خرجوا على المام -ولو جائرا -يجب على المسلمين إعانته ممّن قرب منهم ،حتّى تبطل شوكتهم .ويدلّ على وجوب معونة المام لدفع البغاة ما رواه عبد اللّه بن عمرٍو رضي ال عنهما قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول { :من أعطى إماما صفقة يده ل من نكّ وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ،فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الخر } ول ّ ثبتت إمامته وجبت طاعته ،للحديث السّابق { يخرج قوم في آخر الزّمان . } ...
شروط قتال البغاة وما يتميّز به :
- 13إذا لم يجد مع البغاة النّصح ،ولم يستجيبوا للرّجوع إلى طاعة المام والدّخول في الجماعة ،أو لم يقلبوا الستتابة -إن كانوا في قبضة المام -ورأوا مقاتلتنا وجب قتالهم . بشرط أن يتعرّضوا لحرمات أهل العدل ،أو يتعطّل جهاد المشركين بهم ،أو يأخذوا من
حقوق بيت المال ما ليس لهم ،أو يمتنعوا من دفع ما وجب عليهم ،أو يتظاهروا على خلع المام الّذي انعقدت له البيعة .على ما قاله الماورديّ .وقال الرّمليّ :الوجه وجوب قتالهم ن ببقائهم -وإن لم يوجد ما ذكر -تتولّد مفاسد ،قد ل تتدارك ما داموا قد خرجوا مطلقا ،ل ّ عن قبضة المام وتهيّئوا للقتال .ولو اندفع شرّهم بما هو أهون وجب بقدر ما يندفع ،إذ يشترط لمقاتلتهم أن يتعيّن القتال لدفع شرّهم ،وإذا أمكن ذلك بمجرّد القول كان أولى من القتال .
كيفيّة قتال البغاة : - 14الصل أنّ قتالهم إنّما يكون درءا لتفريق الكلمة ،مع عدم التّأثيم ،لنّهم متأوّلون ،ولذا فإنّ قتالهم يفترق عن قتال الكفّار بأحد عشر وجها :أن يقصد بالقتال ردعهم ل قتلهم ،وأن ف عن مدبرهم ،ول يجهز على جريحهم ،ول تقتل أسراهم ،ول تغنم أموالهم ،ول تسبى يك ّ ذراريّهم ،ول يستعان عليهم بمشركٍ ،ول يوادعهم على مالٍ ،ول تنصب عليهم العرّادات ( المجانيق ونحوها ) ،ول تحرّق مساكنهم ،ول يقطع شجرهم .وإذا تحيّز البغاة إلى جهةٍ ل قتالهم حتّى يتفرّق جمعهم ، مجتمعين ،أو إلى جماع ٍة ولم يمكن دفع شرّهم إلّ بالقتال ،ح ّ ولو أمكن دفع شرّهم بالحبس بعدما تأهّبوا فعل ذلك ،إذ الجهاد معهم واجب بقدر ما يندفع به ي رضي ال عنه أهل حروراء بالنّهروان بحضرة الصّحابة شرّهم على ما سبق .وقد قاتل عل ّ ،تصديقا لقوله عليه الصلة والسلم له { أنا أقاتل على تنزيل القرآن ،وعليّ يقاتل على تأويله } والقتال مع التّأويل هو القتال مع البغاة ،وذلك كقتال أبي بكرٍ رضي ال عنه مانعي الزّكاة .وإذا قاتلهم المام فهزمهم ،وولّوا مدبرين ،وأمن جانبهم ،أو تركوا القتال بإلقاء ح أو أسيرٍ ،فإنّه ل يجوز لهل العدل أن يتّبعوهم ،ول السّلح أو بالهزيمة أو بالعجز ،لجرا ٍ يجهزوا على جريحهم ،ول يقلتوا أسيرهم ،لوقوع المن عن شرّهم ،ول تسبى لهم ذرّيّة ، ول يقسم له مال ،لقول عليّ رضي ال عنه ل يقتل بعد الهزيمة مقبل ول مدبر ،ول يفتح باب ،ول يستحلّ فرج ول مال بل قال لهم :من اعترف شيئا فليأخذه ،أي من عرف من البغاة متاعه استردّه ،وقال يوم الجمل :ل تتّبعوا مدبرا ،ول تجهزوا على جريحٍ ،ول تقتلوا أسيرا ،وإيّاكم والنّساء ،ولنّ قتالهم للدّفع وال ّردّ إلى الطّاعة دون القتل .ويقول ابن قدامة : أمّا غنيمة أموالهم وسبي ذ ّريّتهم فل نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلفا ،لنّهم معصومون ، وإنّما أبيح من دمائهم وأموالهم ما حصل من ضرورة دفعهم وقتالهم ،وما عداه يبقى على أصل التّحريم .وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا كانت لهم فئة بعيدة ينحازون إليها ،ول يتوقّع في العادة مجيئها إليهم والحرب قائمة ،وغلب على الظّنّ عدم وصولها لهم ،فإنّه ل يقاتل مدبرهم ،ول يجهز على جريحهم ،لمن غائلته إلّ إذا كان متحرّفا لقتالٍ .وأمّا إذا كان لهم
فئة قريبة تسعفهم عادةً ،والحرب قائمة ،فإنّه يجوز اتّباعهم والجهاز على جريحهم .أو كانت لهم فئة بعيدة يتوقّع في العادة مجيئها إليهم والحرب قائمة ،وغلب على الظّنّ ذلك فالمتّجه أن يقاتل .وقريب منه ما ذهب إليه المالكيّة ،فقد صرّحوا بأنّه إذا أمن جانبهم بالظّهور عليهم ،لم يتبع منهزمهم ،ولم يذفّف على جريحهم .أمّا الحنابلة فينصّون على أنّ أهل البغي إذا تركوا القتال ،بالرّجوع إلى الطّاعة ،أو بإلقاء السّلح ،أو بالهزيمة إلى فئةٍ ، ح أو مرضٍ أو أسرٍ فإنّه يحرم قتلهم واتّباع مدبرهم .وساق أو إلى غير فئ ٍة ،أو بالعجز لجرا ٍ ابن قدامة الثار الواردة في النّهي عن قتل المدبر والجهاز على الجريح وقتل السير ،وهي ن المقصود كفّهم وقد حصل ،فلم يجز قتلهم كالصّائل ،ول يقتلون لما عامّة .ثمّ قال :ل ّ يخاف في التّالي -إن كان لهم فئة -كما لو لم تكن لهم فئة .أمّا الحنفيّة :فقد نصّوا على أنّه إذا كانت لهم فئة ينحازون إليها -مطلقا -فإنّه ينبغي لهل العدل أن يقتلوا مدبرهم ، ويجهزوا على جريحهم ،لئلّ ينحازوا إلى الفئة ،فيمتنعوا بها ،فيكرّوا على أهل العدل . ن قتلهم إذا كان لهم فئة ،ل يخرج عن والمعتبر في جواز القتل أمارة قتالهم ل حقيقته ،ول ّ ن ما قاله عليّ رضي ال كونه دفعا ،لنّه يتحيّز إلى الفئة ويعود شرّه كما كان .وقالوا :إ ّ عنه على تأويل إذا لم تكن لهم فئة .
المرأة المقاتلة من أهل البغي : ن المرأة من البغاة -إن كانت - 15ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أ ّ تقاتل -فإنّها تحبس ،ول تقتل إلّ في حال مقاتلتها ،وإنّما تحبس للمعصية ،ولمنعها من نل ن إلّ بالتّحريض والرّمي بالحجارة ،فإنّه ّ الشّرّ والفتنة .وقال المالكيّة :إن لم يكن قتاله ّ يقتلن .
أموالهم بالنّسبة لغتنامها وإتلفها وضمانها :
- 16اتّفق الفقهاء على أنّ أموال البغاة ل تغنم ،ول تقسّم ،ول يجوز إتلفها ،وإنّما يجب أن تردّ إليهم .لكن ينبغي أن يحبس المام أموالهم دفعا لشرّهم بكسر شوكتهم حتّى يتوبوا ، فيردّها إليها لندفاع الضّرورة ،ولنّها ل استغنام فيها ،وإذا كان في أموالهم خيل ونحوها - ممّا يحتاج في حفظه إلى إنفاقٍ -كان الفضل بيعه وحبس ثمنه .وفي ضمان إتلف مالهم ن العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله حال القتال بسبب القتال أو ضرورته ل كلم .فإ ّ يضمن ،إذ ل يمكن أن يقتلهم إلّ بإتلف شيءٍ من أموالهم كالخيل ،فيجوز عقر دوابّهم إذا قاتلوا عليها ،وإذا كانوا ل يضمنون النفس فالموال أولى .أمّا في غير حال القتال ن المام إذا ظفر لهم بمالٍ حال وضرورته فل تحرّق مساكنهم ،ول يقطع شجرهم ،ل ّ
المقاتلة فإنّه يحبسه حتّى يردّ إليهم ،فل تؤخذ أموالهم ،لنّ مواريثهم قائمة ،وإنّما قوتلوا بما أحدثوا من البدع ،فكان ذلك كالحدّ يقام عليهم .وقيّد الماورديّ الضّمان بما إذا كان التلف خارج القتال بقصد التّشفّي والنتقام ،أمّا إذا كان لضعافهم أو هزيمتهم فل ضمان . واستظهر الزّيلعيّ وابن عابدين حمل الضّمان على ما قبل تحيّزهم وخروجهم ،أو بعد كسرهم وتفرّق جمعهم .
ما أتلفه أهل العدل للبغاة : ي عن المرغينانيّ :أنّ العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله ل يضمن ول - 17نقل الزّيلع ّ يأثم ،لنّه مأمور بقتالهم دفعا لشرّهم .وفي المحيط :إذا أتلف مال الباغي يؤخذ بالضّمان ، ن مال الباغي معصوم في حقّنا ،وأمكن إلزام الضّمان ،فكان في إيجابه فائدة لّ
ما أتلفه البغاة لهل العدل :
- 18إذا أتلف أهل البغي لهل العدل مالً فل ضمان عليهم ،لنّهم طائفة متأوّلة فل تضمن كأهل العدل ،ولنّه ذو منع ٍة في حقّنا ،وأمّا الثم فإنّه ل منعة له في حقّ الشّارع ،ولنّ تضمينهم يفضي إلى تنفيرهم عن الرّجوع إلى الطّاعة ،لما رواه عبد ال ّرزّاق بإسناده عن ن سليمان بن هشامٍ كتب إليه يسأله عن امرأةٍ خرجت من عند زوجها ،وشهدت الزّهريّ ،أ ّ على قومها بالشّرك ،ولحقت بالحروريّة فتزوّجت ،ثمّ إنّها رجعت إلى أهلها تائبةً ،قال ن الفتنة الولى ثارت ،وأصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم - فكتب إليه :أمّا بعد ،فإ ّ ل يقيموا على أحدٍ حدّا في فرجٍ استحلّوه بتأويل ممّن شهد بدرا -كثير ،فاجتمع رأيهم على أ ّ القرآن ،ول قصاصا في دمٍ استحلّوه بتأويل القرآن ،ول يردّ مال استحلّوه بتأويل القرآن ، إلّ أن يوجد شيء بعينه فيردّ على صاحبه ،وإنّي أرى أن تردّ إلى زوجها ،وأن يحدّ من افترى عليها .وفي قولٍ للشّافعيّ :يضمنون ،لقول أبي بكرٍ تدون قتلنا ،ول ندي -من الدّية -قتلكم ولنّها نفوس وأموال معصومة أتلفت بغير حقّ ول ضرورة دفع مباحٍ ، فوجب ضمانه ،كالّتي أتلفت في غير حال الحرب .وإذا تاب البغاة ورجعوا أخذ منهم ما وجد بأيديهم من أموال أهل الحقّ ،وما استهلكوه لم يتبعوا به ،ولو كانوا أغنياء ،لنّهم متأوّلون .وإذا قتل الباغي أحدا من أهل العدل في غير المعركة يقتل به ،لنّه قتل بإشهار السّلح والسّعي في الرض بالفساد كقاطع الطّريق ،وقيل :ل يتحتّم قتله ،وهو الصّحيح عند الحنابلة :لقول عليّ رضي ال عنه :إن شئت أن أعفو ،وإن شئت استقدت .
التّمثيل بقتلى البغاة :
- 19التّمثيل بقتلى البغاة مكروه تحريما عند الحنفيّة ،حرام عند المالكيّة ،أمّا نقل رءوسهم ، فقد قال الحنفيّة :يكره أخذ رءوسهم ،فيطاف بها في الفاق ،لنّه مثلة .وجوّزه بعض متأخّري الحنفيّة ،إذا كان فيه طمأنينة قلوب أهل العدل ،أو كسر شوكة البغاة .وجوّز المالكيّة رفع رءوس قتلى البغاة في محلّ قتلهم .
أسرى البغاة : ن قتالهم كان لمجرّد دفع شرّهم ،فل يستباح - 20أسرى البغاة يعاملون معامل ًة خاصّةً ،ل ّ ل بقدر ما يدفع القتال ،ولذا فإنّهم ل يقتلون إذا لم تكن لهم فئة اتّفاقا ،للتّعليل السّابق ، دمهم إ ّ ولذا ل يسترقّون مطلقا ،سواء أكانت لهم فئة أم ل اتّفاقا ،لنّهم أحرار مسلمون ،ول تسبى لهم نساء ول ذ ّريّة .أمّا إن كانت لهم فئة ،فقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّهم ل يقتلون أيضا .غير أنّ عبد الملك من المالكيّة قال :إن أسر منهم أسير وقد انقطعت الحرب ل يقتل ،وإن كانت الحرب قائمةً فللمام قتله ،إذا خاف منه الضّرر .وفي بعض كتب المالكيّة :أنّه إذا أسر بعد انقضاء الحرب يستتاب ،فإن لم يتب قتل ،وقيل :يؤدّب ول يقتل .وقال الشّافعيّة :إن قتله ضمنه بالدّية ،لنّه بالسر صار محقون الدّم ،وقيل :فيه قصاص .وقيل ن أبا حنيفة يجيز قتله فصار ذلك شبهةً .وإن كان أسير بالغا فدخل في :ل قصاص فيه ،ل ّ الطّاعة أطلقه ،وإن لم يدخل في الطّاعة حبسه إلى أن تنتهي الحرب .وإن كان عبدا أو صبيّا ن في حبسه كسرا لم يحبس ،لنّه ليس من أهل البيعة ،وقال بعض الشّافعيّة :يحبس ل ّ لقلوبهم .وهذا ما قاله الحنابلة .وقال الحنفيّة :إذا كانت للسير فئة ،فالمام بالخيار إن شاء قتله ،وإن شاء حبسه دفعا لشرّه بقدر المكان ،ويحكم المام بنظره فيما هو أحسن في كسر الشّوكة .
فداء السرى :
ص الفقهاء على جواز فداء أسارى أهل العدل بأسارى البغاة ،وقالوا :إن قتل أهل - 21ن ّ البغي أسرى أهل العدل لم يجز لهل العدل قتل أسراهم ،لنّهم ل يقتلون بجناية غيرهم ،وإن أبى البغاة مفاداة السرى الّذين معهم وحبسوهم ،قال ابن قدامة :احتمل أن يجوز لهل العدل حبس من معهم ليتوصّلوا إلى تخليص أسراهم بذلك ،ويحتمل ألّ يجوز حبسهم ،ويطلقون ، ن الذّنب في حبس أسارى أهل العدل لغيرهم .وتفصيل الكلم عن أسرى البغاة في مصطلح لّ ( أسرى ) .
( موادعة البغاة ) :
- 22اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز موادعة البغاة على مالٍ .فإن وادعهم المام على مالٍ ل -أجيبوا بطلت الموادعة .ولو طلبوا الموادعة -أي الصّلح على ترك المقاتلة بغير ما ٍ إليها إن كان ذلك خيرا .فإن بان له أنّ قصدهم الرّجوع إلى الطّاعة ومعرفة الحقّ أمهلهم . وقال ابن المنذر :أجمع على هذا كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم .فإن كان قصدهم الجتماع على قتاله وانتظار مددٍ ،أو ليأخذوا المام على غ ّرةٍ عاجلهم ولم ينظرهم .وإذا وقعت الموادعة فأعطى كلّ فريقٍ رهنا على أيّهما غدر يقتل الخرون الرّهن ،فغدر أهل البغي وقتلوا الرّهن ،ل يحلّ لهل العدل قتل الرّهن ،بل يحبسونهم حتّى يهلك أهل البغي أو يتوبوا ،لنّهم صاروا آمنين بالموادعة ،أو بإعطائه المان لهم حين أخذناهم رهنا .والغدر من غيرهم ل يؤاخذون به ،لكنّهم يحبسون مخافة أن يرجعوا إلى فئتهم فيكونون لهم قوّةً تغريهم على المقاتلة - 23 .وإن بذل البغاة لهل العدل رهائن على إنظارهم لم يجز أخذها ن الرّهائن ل يجوز قتلهم لغدر أهلهم ،وإن كان في أيديهم أسرى من أهل العدل ، لذلك ،ل ّ وأعطوا بذلك رهائن منهم قبلهم المام ،واستظهر لهل العدل .فإن أطلقوا أسرى أهل العدل الّذين عندهم أطلق رهائنهم .وإن قتلوا من عندهم لم يجز قتل رهائنهم ،لنّهم ل يقتلون بقتل غيرهم ،لنّهم صاروا آمنين .فإذا انقضت الحرب خلّي الرّهائن كما تخلّى السرى منهم .
من ل يجوز قتله من البغاة : ن من ل يجوز قتله من أهل الحرب -كالنّساء - 24يتّفق الفقهاء على أصل قاعدةٍ :أ ّ ن قتلهم لدفع شرّ والشّيوخ والصّبيان والعميان -ل يجوز قتله من البغاة ما لم يقاتلوا ،ل ّ ل إذا ص ذلك بأهل القتال .وهؤلء ليسوا من أهل القتال عادةً ،فل يقتلون إ ّ قتالهم ،فيخت ّ قاتلوا ولو بالتّحريض ،لوجود القتال من حيث المعنى ،فيباح قتلهم إلّ الصّبيّ والمعتوه . فالصل أنّهما ل يقصدان القتل .فيحلّ قتلهما حال القتال إن قاتل حقيقةً أو معنًى .أمّا الحنفيّة ،فعلى مذهبهم في تخيير المام بين قتل أسرى البغاة أو حبسهم ،يرون جواز قتل من قاتل أو حرّض من الشّيوخ ونحوهم ،فيقتلون حال القتال أو بعد الفراغ منه .لكن ل يقتل الصّبيّ ن القتل بعد الفراغ والسر بطريق العقوبة ،وهما ليسا من والمعتوه بعد الفراغ من القتال ،ل ّ أهل العقوبة .وأمّا قتلهما حال الحرب فدفعا لشرّهم كدفع الصّائل .وقال الحنابلة :إن حضر مع البغاة عبيد ونساء وصبيان قوتلوا مقبلين ،وتركوا مدبرين كغيرهم من الحرار والذّكور ن جاز دفعه وقتاله .وقد نصّ ن قتالهم للدّفع ،ولو أراد أحد هؤلء قتل إنسا ٍ البالغين ،ل ّ ل أن يترتّب على تركهم تلف أكثر ن البغاة لو تترّسوا بذ ّريّتهم تركوا ،إ ّ المالكيّة على أ ّ المسلمين .
حضور من ل يقاتل من القادرين على القتال مع البغاة : - 25إذا حضر مع البغاة من ل يقاتل -برغم قدرته على القتال -لم يجز أن يقصد بالقتل ، ن القصد من قتالهم كفّهم ،وهذا قد كفّ نفسه لقوله تعالى { :ومن يقتل مؤمنا متعمّدا لّ فجزاؤه جهنّم } فإنّه يدلّ على تحريم قتل المؤمن عمدا على وجه العموم ،وإنّما خصّ من ذلك ما حصل ضرورة دفع الباغي والصّائل ،ففيما عداه يبقى على العموم ،فمن ل يقاتل تورّعا عنه -مع قدرته عليه -ول يخاف منه القتال بعد ذلك ،وهو مسلم ل يحتاج لدفعٍ فل يحلّ سجّاد بن طلحة بن ن عليّا نهاهم عن قتل محمّدٍ ال ّ دمه .وفي وج ٍه عند الشّافعيّة يجوز قتله ،ل ّ عبيد اللّه ولم يكن يقاتل ،وإنّما كان يحمل راية أبيه ،فقتله رجل وأنشد شعرا ،فلم ينكر عليّ قتله ،ولنّه صار ردءا لهم .
حكم قتال المحارم من البغاة :
- 26اتّفق الفقهاء في الجملة على عدم جواز قتل العادل لذي رحمه المحرّم من أهل البغي ، وقصر المالكيّة ذلك على البوين فقط .بل منهم من قال بجواز قتل أبويه ،وكذا في روايةٍ ح لقوله تعالى { :وإن عند الحنابلة ذكرها القاضي .ومنهم من صرّح بالكراهة ،وهو الص ّ جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فل تطعهما وصاحبهما في الدّنيا معروفا } ولما ي صلى ال عليه وسلم كفّ أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه } . روى الشّافعيّ أنّ { النّب ّ وصرّح بعضهم بعدم الحلّ ،لنّ اللّه أمر بالمصاحبة بالمعروف ،والمر يقتضي الوجوب . وللفقهاء تفصيل وأدلّة .يقول الحنفيّة :ل يجوز للعادل أن يبتدئ بقتل ذي رحمٍ محرمٍ من أهل البغي مباشرةً ،إذ اجتمع فيه حرمتان :حرمة السلم وحرمة القرابة .وإذا أراد الباغي قتل ل بالقتل فيجوز له أن يتسبّب ليقتله غيره ،لنّ العادل فله أن يدفعه ،وإن كان ل يندفع إ ّ السلم في الصل عاصم { :فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم } ...والباغي مسلم ، شرّ إلّ أنّه أبيح قتل غير ذي الرّحم المحرّم من أهل البغي لدفع شرّهم ،ل لشركهم ،ودفع ال ّ يحصل بالدّفع والتّسبّب ليقتله غيره .وقال المالكيّة :كره للرّجل قتل أبيه الباغي ،ومثل أبيه أمّه ،بل هي أولى ،لما جبلت عليه من الحنان والشّفقة ،ول يكره قتل جدّه وأخيه وابنه . ن :ول بأس أن يقتل الرّجل في قتال البغاة أخاه وقرابته ،فأمّا الب وحده فل وقال ابن سحنو ٍ أحبّ قتله عمدا ،وروى ابن عبد السّلم جواز قتل البن الباغي ،وهو غير المشهور .وقال الشّافعيّة :يكره أن يقصد قتل ذي رحمٍ محرمٍ ،كما يكره في قتال الكفّار ،فإن قاتله لم يكره . ح كراهة قتل ذي الرّحم المحرّم الباغي ،ونقل ابن قدامة عن القاضي أنّه وقال الحنابلة :الص ّ ل يكره ،لنّه قتل بحقّ ،فأشبه إقامة الحدّ عليه .
إرث العادل من الباغي الّذي قتله والعكس : ن العادل إذا قتل قريبه - 27ذهب الحنفيّة والمالكيّة -وهو قول لبي بك ٍر من الحنابلة -إلى أ ّ ن قتل الباغي واجب ،ول الباغي ورثه ،لنّه قتل بحقّ ،فلم يمنع الميراث كالقصاص ،ول ّ إثم على القاتل بقتله ،ول يجب الضّمان عليه .فكذا ل يحرم من الرث .وكذا لو قتل الباغي ذا رحمه العادل عند المالكيّة وأبي بكرٍ من الحنابلة ،لقولهم " ومواريثهم قائمة » .أمّا الحنفيّة فقالوا :لو قتل الباغي قريبه العادل وقال :أنا على حقّ ورثه عند أبي حنيفة ومح ّمدٍ ،خلفا لبي يوسف .وإن قال :قتلته وأنا على الباطل ل يرث اتّفاقا بين المام وصاحبيه .واستدلّ أبو حنيفة -بأنّه أتلف ما أتلف عن تأويلٍ فاسدٍ ،والفاسد منه ملحق بالصّحيح إذا انضمّتإليه منعة ،وهو إن كان فاسدا في نفسه فإنّه يسقط به الضّمان ،فكذا ل يوجب الحرمان ،كما ن التّأويل في اعتقاده هو صحيح .وذهب الشّافعيّة ،وهو قول ابن حامدٍ من الحنابلة إلى أنّه أّ ل يرث لعموم حديث { :ليس لقاتلٍ شيء } وكذا بالنّسبة للباغي إذا قتل العادل ،ونصّ الشّافعيّة :ل يرث قاتل من مقتوله مطلقا .
ما يجوز قتال البغاة به :
- 28يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة قتال البغاة -إذا تحصّنوا -بكلّ ما يقاتل به أهل الحرب ، بالسّيف والرّمي بالنّبل وبالمنجنيق والحريق والتّغريق ،وقطع الميرة ( المؤن ) والماء عنهم ، وكذا إذا فعل البغاة معهم مثل ذلك ،لنّ قتالهم لدفع شرّهم وكسر شوكتهم ،فيقاتلون بكلّ ما ل أن يكون فيهم نسوة أو ذراريّ ،فل نرميهم بالنّار .وقال يحصل به ذلك .وقال المالكيّة :إ ّ ل عظيمٍ يعمّ ،كالتّغريق الشّافعيّة والحنابلة بعدم جواز قتالهم بالنّار والرّمي بالمنجنيق ،ول بك ّ ل جارفةٍ ،ول يجوز محاصرتهم وقطع الطّعام والشّراب عنهم إلّ لضرورةٍ ، وإرسال سيو ٍ بأن قاتلوا به ،أو أحاطوا بنّا ولم يندفعوا إلّ به ،ويكون فعل ذلك بقصد الخلص منهم ل بقصد قتلهم ،لنّه ل يجوز قتل من ل يقاتل ،وما يعمّ إتلفه يقع على من يقاتل ومن ل يقاتل .
مقاتلة البغاة بسلحهم الّذي في أيدينا : - 29يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة ،وهو وجه عند الحنابلة ،قتالهم بسلحهم وخيلهم وكلّ أدوات القتال الّتي استولينا عليها منهم ،إن احتاج أهل العدل إلى هذا ،لنّ عليّا رضي ال عنه قسّم ما استولى عليه من سلح البغاة بين أصحابه بالبصرة ،وكانت قسمةً للحاجة ل ن للمام أن يفعل ذلك في مال أهل العدل عند الحاجة ،ففي مال الباغي أولى . للتّمليك ،ول ّ ونقل ابن قدامة عن القاضي أنّ أحمد أومأ إلى جواز النتفاع به حال التحام الحرب ،ومنعه
في غير قتالهم ،لنّ هذه الحالة يجوز فيها إتلف نفوسهم ،وحبس سلحهم وكراعهم ،فجاز النتفاع به كسلح أهل الحرب .وقال أبو الخطّاب :في هذه المسألة وجهان .أمّا الشّافعيّة ، وهو الوجه الخر عند الحنابلة الّذي ذكره أبو الخطّاب ،فيرون أنّه ل يجوز لحدٍ استعمال ل لضرور ٍة ،ويلزم دفع أجرة المثل لهم ، شيءٍ ممّا استولينا عليه من سلح البغاة وخيلهم إ ّ ل مال امرئٍ كمضطرّ لكل طعام غيره يلزمه ثمنه ،ولقوله صلى ال عليه وسلم { :ل يح ّ س منه } ولنّ من ل يجوز أخذ ماله لم يجز النتفاع بماله من غير إذنه ل بطيب نف ٍ مسلمٍ إ ّ ن السلم عصم أموالهم ،وإنّما أبيح قتالهم لردّهم إلى الطّاعة ، ومن غير ضرورةٍ ،ول ّ فيبقى المال على عصمته ،ومتى انقضت الحرب وجب ردّه إليهم كسائر أموالهم ،ول يردّ إليهم قبل ذلك لئلّ يقاتلونا به .
الستعانة في قتالهم بالمشركين : - 30اتّفق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على تحريم الستعانة بالكفّار في قتال البغاة ،لنّ القصد كفّهم ل قتلهم ،والكفّار ل يقصدون إلّ قتلهم ،وإن دعت الحاجة إلى الستعانة بهم ، فإن كان من الممكن القدرة على كفّ هؤلء الكفّار المستعان بهم جاز ،وإن لم يقدر لم يجز . كما نصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه ل يجوز الستعانة على قتالهم بمن يرى من أهل العدل ( وهم فقهاء الحنفيّة ) قتل البغاة وهم مدبرون ،على ما سبق بيانه .ويتّفق الحنفيّة مع الجمهور في أنّه ل يحلّ الستعانة بأهل الشّرك إذا كان حكم أهل الشّرك ،هو الظّاهر ،أمّا إذا كان حكم أهل العدل هو الظّاهر فل بأس بالستعانة بال ّذ ّميّين وصنفٍ من البغاة ،ولو لم ن أهل العدل يقاتلون لعزاز الدّين ،والستعانة على البغاة بهم تكن هناك حاجة ،ل ّ كالستعانة عليهم بأدوات القتال .
قتلى معارك البغاة وحكم الصّلة عليهم :
- 31من قتل من أهل العدل كان شهيدا ،لنّه قتل في قتالٍ أمر اللّه به ،وذلك بقوله جلّ شأنه { :فقاتلوا الّتي تبغي } ول يغسّل ،ول يصلّى عليه ،لنّه شهيد معرك ٍة أمر بالقتال فيها ،فأشبه شهيد معركة الكفّار .وفي روايةٍ عند الحنابلة :يغسّل ويصلّي عليه ،وهو قول ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال { :صلّوا على من قال ل إله إلّ الوزاعيّ وابن المنذر ،ل ّ اللّه } واستثنى قتيل الكفّار في المعركة ،ففيما عداه يبقى على الصل .أمّا قتلى البغاة ، فمذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :أنّهم يغسّلون ويكفّنون ويصلّى عليهم ،لعموم قوله صلى ال عليه وسلم { :صلّوا على من قال :ل إله إلّ اللّه } ولنّهم مسلمون لم يثبت لهم حكم الشّهادة ،فيغسّلون ويصلّى عليهم .ومثله الحنفيّة ،سواء أكانت لهم فئة ،أم لم تكن لهم فئة
على الرّأي الصّحيح عندهم .وقد روي :أنّ عليّا رضي ال عنه لم يصلّ على أهل حروراء ،ولكنّهم يغسّلون ويكفّنون ويدفنون .ولم يفرّق الجمهور بين الخوارج وغيرهم من البغاة في حكم التّغسيل والتّكفين والصّلة .
تقاتل أهل البغي : - 32إن اقتتل فريقان من أهل البغي ،فإن قدر المام على قهرهما ،لم يعاون واحدا منهما ، لنّ الفريقين على خطأٍ ،وإن لم يقدر على قهرهما ،ولم يأمن أن يجتمعا على قتاله ،ضمّ إلى نفسه أقربهما إلى الحقّ .فإن استويا في ذلك اجتهد رأيه في ضمّ أحدهما ،ول يقصد بذلك معاونته على الخر ،بل يقصد الستعانة به على الخر ،فإذا انهزم الخر لم يقاتل الّذي ص على ضمّه إلى نفسه حتّى يدعوه إلى الطّاعة ،لنّه بالستعانة به حصل على المان ،ن ّ هذا الشّافعيّة والحنابلة .ولم يوجد فيما رجعنا إليه من كتب الحنفيّة والمالكيّة حكم هذه الصّورة .وجاء في كتب الحنفيّة :لو قتل باغٍ مثله عمدا في عسكرهم ،ث ّم ظهر أهل العدل على البغاة ،فل شيء على القاتل ،لكون المقتول مباح الدّم ،إذ لو قتله العادل ل يجب عليه شيء ،فل يجب على الباغي القاتل دية ول قصاص ،ول إثم عليه أيضا ،ولنّه ل ولية لمام العدل حين القتل ،فلم ينعقد موجبا للجزاء ،كالقتل في دار الحرب .وقالوا :لو غلب أهل البغي على بلدٍ ،فقاتلهم آخرون من أهل البغي ،فأرادوا أن يسبوا ذراريّ أهل المدينة ،وجب على أهل البلد أن يقاتلوا دفاعا عن ذراريّهم .وقال الحنفيّة أيضا :لو قتل تاجر من أهل العدل تاجرا آخر من أهل العدل في عسكر أهل البغي ،أو قتل السير من أهل العدل أسيرا آخر ، ثمّ ظهر عليه فل قصاص عليه ،لنّ الفعل لم يقع موجبا للجزاء ،لتعذّر الستيفاء وانعدام ن عسكر أهل البغي في حقّ انقطاع الولية الولية ،كما لو فعل ذلك في دار الحرب ،ل ّ ودار الحرب سواء .
استعانة البغاة بالكفّار :
- 33ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا استعان البغاة بالحربيّين وأمّنوهم ،أو ن المان من شرط صحّته إلزام عقدوا لهم ذمّ ًة ،لم يعتبر المان بالنّسبة لنا إن ظفرنا بهم ،ل ّ ح المان لهم .ولهل كفّهم عن المسلمين ،وهؤلء يشترطون عليهم قتال المسلمين ،فل يص ّ العدل قتالهم ،وحكم أسرهم في يد أهل العدل حكم السير الحربيّ .أمّا ما إذا استعان البغاة بالمستأمنين ،فمتى أعانوهم كانوا ناقضين للعهد ،وصاروا كأهل الحرب ،لنّهم تركوا الشّرط ،وهو كفّهم عن المسلمين ،وعهدهم مؤقّت بخلف ال ّذ ّميّين ،فإن فعلوا ذلك مكرهين ، وكانت لهم منعة ،لم ينتقض عهدهم .وإن استعانوا بأهل ال ّذمّة فأعانوهم ،وقاتلوا معهم ،
فعند الشّافعيّة والحنابلة وجهان :أحدهما :ينتقض عهدهم ،لنّهم قاتلوا أهل الحقّ فينتقض عهدهم ،كما لو انفردوا بقتالهم ،وعلى هذا يكونون كأهل الحرب ،فيقتلون مقبلين ومدبرين ، ويجهز على جريحهم ،ويسترقّون ،وغير ذلك من أحكام قتال الحربيّين .والوجه الثّاني :أنّه ن أهل ال ّذمّة ل يعرفون المحقّ من المبطل ،فيكون ذلك شبه ًة لهم . ل ينقض عهدهم ،ل ّ وعلى هذا يكونون كأهل البغي في الكفّ عن قتل أسرهم ومدبرهم وجريحهم .والحنفيّة والمالكيّة يتّفقون مع الشّافعيّة والحنابلة في أنّ معونة ال ّذ ّميّين للبغاة استجابة لطلبهم ل تنقض ن هذا الفعل من أهل البغي ليس نقضا للمان .فالّذين انضمّوا إليهم من أهل عهد ال ّذمّة ،كما أ ّ ال ّذمّة لم يخرجوا من أن يكونوا ملتزمين حكم السلم في المعاملت ،وأن يكونوا من أهل الدّار .وإن أكرههم البغاة على معونتهم لم ينقض عهدهم -قولً واحدا -ويقبل قولهم ،لنّهم ص الحنفيّة على أنّهم يأخذون حكم البغاة ،وأطلقوا هذه العبارة ممّا تحت أيديهم وقدرتهم .ون ّ يفيد أنّهم كالبغاة في عدم ضمان ما أتلفوه لهل العدل أثناء القتال ،وهو ما صرّح به المالكيّة ،إذ قالوا بالنّسبة لل ّذ ّميّ الخارج مع البغاة المتأوّلين استجاب ًة لطلبهم :ل يضمن نفسا ول مالً .لكنّ الشّافعيّة والحنابلة نصّوا على أنّهم يضمنون ما أتلفوا على أهل العدل حال القتال وغيره ،إذ ل تأويل لهم .
إعطاء المان للباغي من العادل : - 34صرّح الحنفيّة أنّه إذا أمّن رجل من أهل العدل رجلً من أهل البغي جاز أمانه ،لنّه ليس أعلى شقاقا من الكافر الّذي يجوز إعطاء المان له .فكذا هذا ،بل هو أولى وأحقّ ، لنّه مسلم ،وقد يحتاج إلى مناظرته ليتوب ،ول يتأتّى ذلك ما لم يأمن كلّ الخر .ولو دخل باغٍ بأمانٍ ،فقتله عادل عمدا ،لزمته الدّية .
تصرّفات إمام البغاة إذا استولى البغاة على بلدٍ في دار السلم ،ونصّبوا لهم إماما ،وأحدث المام تصرّفاتٍ باعتباره حاكما ،كالجباية من جمع الزّكاة والعشور والجزية والخراج ،واستيفاء الحدود والتّعازير وإقامة القضاة ،فهل تنفذ هذه
التّصرّفات ،وتترتّب عليها آثارها في حقّ أهل العدل ؟ بيان ذلك فيما يأتي : أ -جباية الزّكاة والجزية والعشور والخراج : ن ما جباه أهل البغي من البلد الّتي غلبوا عليها ،من الزّكاة والجزية - 35ذهب الفقهاء إلى أ ّ ل سائغٍ ،فوجب إمضاؤه ، والعشور والخارج ،يعتدّ به ،لنّ ما فعلوه أو أخذوه كان بتأوي ٍ كالحاكم إذا حكم بما يسوغ الجتهاد فيه ،ول حرج على النّاس في دفع ذلك إليهم ،فقد كان ابن عمر إذا أتاه ساعي نجدة الحروريّ دفع إليه زكاته ،وكذلك سلمة بن الكوع .وليس
لمام أهل العدل إذا ظهر على هذه البلد أن يطالب بشيءٍ ممّا جبوه ،ول يرجع به على من أخذ منه ،وقد روي نحو هذا عن ابن عمر وسلمة بن الكوع ،ولنّ ولية الخذ كانت له باعتبار الحماية ،ولم يحمهم ،ولنّ في ترك الحتساب بها ضررا عظيما ومش ّقةً كبيرةً ، فإنّهم قد يغلبون على البلد السّنين الكثيرة ،فلو لم يحتسب ما أخذوه ،أدّى إلى أخذ الصّدقات منهم عن كلّ تلك المدّة .وقال أبو عبيدٍ :على من أخذوا منه الزّكاة العادة ،لنّه أخذها من ل ولية له صحيحة ،فأشبه ما لو أخذها آحاد الرّعيّة .وذهب فقهاء الحنفيّة إلى أنّه إذا كان إمام أهل البغي صرف ما أخذه في مصرفه أجزأ من أخذ منه ،ول إعادة عليه ،لوصول الحقّ إلى مستحقّه .وإن لم يكن صرفه في حقّه فعلى من أخذ منهم أن يعيدوا دفعه فيما بينهم وبين اللّه تعالى ،لنّه لم يصل إلى مستحقّه .وقال الكمال ابن الهمام :قال المشايخ :ل إعادة على الرباب في الخراج ،لنّ البغاة مقاتلة ،وهم مصرف الخراج وإن كانوا أغنياء ، وكذلك في العشر إن كانوا فقراء ،أمّا إن كانوا أغنياء فقد أفتوا بالعادة ،وذلك في زكاة الموال كلّها .وقال الشّافعيّة والحنابلة :إن عاد بلد البغاة إلى أهل العدل ،فادّعى من عليه الزّكاة أنّه دفعها إلى أهل البغي قبل قوله .وفي استحلفه وجهان عند الشّافعيّة ،وقال أحمد : ل يستحلف النّاس على صدقاتهم .وإن ادّعى من عليه الجزية أنّه دفعها إليهم لم يقبل قوله ، لنّها عوض ،فلم يقبل قوله في الدّفع ،كالمستأجر إذا ادّعى دفع الجرة .وعند الحنابلة ن البغاة ل يدّعون الجزية لهم ،فكان ن الظّاهر أ ّ يحتمل قبول قولهم إذا مضى الحول ،ل ّ ق عليهم إقامة البيّنة ن الظّاهر معهم ،ولنّه إذا مضى لذلك سنون كثيرة ش ّ القول قولهم ،ل ّ على مدّعيهم ،فيؤدّي ذلك إلى تغريمهم الجزية مرّتين .وإن ادّعى من عليه الخراج أنّه دفعه إليهم ،ففيه وجهان :أحدهما :يقبل قوله ،لنّه مسلم ،فقبل قوله في الدّفع لمن عليه الزّكاة . ن الخراج ثمن أو أجرة ،فلم يقبل قوله في الدّفع ،كالثّمن في البيع والثّاني :ل يقبل ،ل ّ والجرة في الجارة .ويصحّ تفريقهم سهم المرتزقة على جنودهم ،لعتقادهم التّأويل المحتمل ،فأشبه الحكم بالجتهاد ،ولما في عدم العتداد به من الضرار بالرّعيّة ،ولنّ جندهم من جند السلم ،ورعب الكفّار قائم بهم ،وسواء أكانت الزّكاة معجّل ًة أم ل ، واستمرّت شوكتهم على وجوبها أم ل ،وقيل :ل يعتدّ بتفرقتهم لئلّ يتقوّوا به علينا ،وإن كان من عليه الخراج ذ ّميّا فهو كالجزية ،لنّه عوض على غير المسلم .
ب -قضاء البغاة وحكم نفاذه : ح اتّفاقا - 36لو ظهر أهل البغي على بلدٍ فولّوا فيه قاضيا من أهله ،وليس من أهل البغي ص ّ ،وعليه أن يقيم الحدود .أمّا إن كان منهم ،فإذا ظهر أهل العدل على هذا البلد ،فرفعت أقضيته إلى قاضي أهل العدل نفذ منها ما هو عدل ،وكذا ما قضاه برأي بعض المجتهدين ،
ن قضاء القاضي في المجتهدات نافذ ،وإن كان مخالفا لرأي قاضي أهل العدل .وقال لّ ل ،وأقام قاضيا ،فحكم بشيءٍ فإنّه ينفذ ،ول تتصفّح أحكامه ، المالكيّة :إذا كان الباغي متأ ّو ً صحّة ،ويرتفع بها الخلف .قال الموّاق :هذا في ظاهر المذهب .أمّا غير بل تحمل على ال ّ المتأوّل فأحكامه تتعقّب .وقال ابن القاسم :ل يجوز قضاؤهم .وقال الشّافعيّة والحنابلة :إن ن من شرط القضاء العدالة كان ممّن يستبيح دماء أهل العدل وأموالهم لم تنفذ أحكامه ،ل ّ والجتهاد ،وهذا ليس بعدلٍ ول مجتهدٍ ،وإن كان ممّن ل يستبيح ذلك نفذ من حكمه ما ينفذ ل يسوغ فيه الجتهاد ،فلم ينقض من حكمه ما يسوغ من حكم أهل العدل ،لنّ لهم تأوي ً ل سائغٍ ،فلم يمنع صحّة القضاء ولم يفسق الجتهاد فيه ،ولنّه اختلف في الفروع بتأوي ٍ كاختلف الفقهاء ،وإذا حكم بما ل يخالف إجماعا نفذ حكمه ،وإن خالف الجماع نقض ، وإن حكم بسقوط الضّمان عن أهل البغي فيما أتلفوه حال الحرب جاز حكمه ،لنّه موضع اجتهادٍ ،وإن كان فيما أتلفوه قبل الحرب لم ينفذ ،لنّه مخالف للجماع ،وإن حكم على أهل العدل بالضّمان فيما أتلفوه حال الحرب لم ينفذ حكمه لمخالفته للجماع ،وإن حكم عليهم بوجوب الضّمان فيما أتلفوه في غير حال الحرب نفذ حكمه .
ج -كتاب قاضي البغاة إلى قاضي أهل العدل : - 37ل يقبل قاضي أهل العدل كتاب قاضي البغاة عند الحنفيّة ،لنّهم فسقة .وعند الشّافعيّة ب عدم تنفيذه والحكم به والحنابلة :يجوز الحكم بكتابهم إلينا بسماع البيّنة في الصحّ ،ويستح ّ ،استخفافا بهم حيث ل ضرر على المحكوم له .فإن قبله جاز ،لنّه ينفذ حكمه ،فجاز الحكم بكتابه ،كقاضي أهل العدل ،لنّه حكم والحاكم من أهله .بل لو كان الحكم لواحدٍ منّا على واحدٍ منهم ،فالمتّجه وجوب التّنفيذ .وقيل :ل يجوز اعتبار كتابه ،لما فيه من إعلءٍ ص للمالكيّة في هذا ،لكنّهم اشترطوا في القاضي الّذي يقبل كتابه : لمنصبه .ولم نقف على ن ّ العدالة ،سواء أكان تولّى القضاء من قبل الوالي المتغلّب أو من قبل الكافر ،رعاي ًة لمصالح العباد ،ممّا يفيد جواز قبول كتاب قاضي أهل البغي .
د -إقامتهم للحدّ ،ووجوبه عليهم :
- 38الحدّ الّذي يقيمه إمام أهل البغي يقع موقعه ،ويكون مجزئا ،ول يعاد ثانيا على المحدود إن كان غير قتلٍ ،ول دية عليه إن كان قتلً ،لنّ عليّا رضي ال عنه قاتل أهل البصرة ،ولم يلغ ما فعلوه ،لنّهم فعلوه بتأويلٍ سائغٍ ،فوجب إمضاؤه ،وهذا ما صرّح به كلّ من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .وقال الحنفيّة :إذا كان القاضي الّذي أقامه إمام أهل البغي من أهل البلد الّتي تغلّبوا عليها ،وليس من البغاة ،وجب عليه إقامة الحدّ وأجزأ .وأمّا
ن الحدّ ل يجب ،إذ الفعل لم يقع إذا كان من أهل البغي ،وكانوا امتنعوا بدار الحرب ،فإ ّ موجبا أصلً لوقوعه في غير دار السلم ،لعدم الولية على مكان وقوع الجريمة وقت وقوعها .ولو رجع إلى دار السلم ل يقام عليه الحدّ أيضا .وعلى هذا لو تغلّبنا عليهم ل يقام .ولو كانوا أقاموه فإنّه ل تجب إعادته ،لعدم وجوبه أصلً .وقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :إذا ارتكبوا حال امتناعهم ما يوجب حدّا ،ث ّم قدر عليهم -ولم يكن أقيم الحدّ - أقيمت فيهم حدود اللّه ،ول تسقط الحدود باختلف الدّار .وهو قول ابن المنذر لعموم اليات ن كلّ موضعٍ تجب فيه العبادة في أوقاتها تجب الحدود فيه عند وجود أسبابها والخبار ،ول ّ كدار أهل العدل ،ولنّه زانٍ أو سارق ل شبهة في زناه وسرقته ،فوجب عليه الح ّد كال ّذ ّميّ في دار العدل .
شهادة البغاة : - 39الصل قبول شهادتهم .فقد نصّ الحنفيّة على قبول شهادة أهل الهواء إن كانوا عدولً في أهوائهم ،إلّ بعض الرّافضة كالخطابيّة ،ومن كانت بدعته تكفّر ،أو كان صاحب عصبيّةٍ ،أو فيه مجانة ،فإنّ شهادته ل تقبل لكفره ولفسقه .ويقول المالكيّة :تقبل شهادة البغاة إذا لم يكونوا مبتدعين ،ول تقبل إذا كانوا مبتدعين والعبرة بوقت الداء .وقال الشّافعيّة :تقبل شهادة البغاة لتأويلهم ،إلّ أن يكونوا ممّن يشهدون لموافقيهم بتصديقهم ،فل تقبل حينئذٍ لبعضهم .وقال الحنابلة :البغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع ليسوا بفاسقين ،وإنّما هم يخطئون في تأويلهم ،فهم كالمجتهدين ،فمن شهد منهم قبلت شهادته إذا كان عدلً .ونقل عن ن فسقهم من أبي حنيفة أنّهم يفسقون بالبغي وخروجهم على المام ،ولكن تقبل شهادتهم ،ل ّ جهة الدّين فل تردّ به الشّهادة .
بغي انظر :بغاة بقر التّعريف س .قال ابن سيده :ويطلق على الهليّ والوحشيّ ،وعلى الذّكر - 1البقر :اسم جن ٍ والنثى ،وواحده بقرة ،وقيل :إنّما دخلته الهاء لنّه واحد من الجنس .والجمع :بقرات ، وقد سوّى الفقهاء الجاموس بالبقر في الحكام ،وعاملوهما كجنسٍ واحدٍ .زكاة البقر : سنّة فما روى البخاريّ عن أبي ذرّ رضي ال سنّة والجماع .أمّا ال ّ - 2زكاة البقر واجبة بال ّ ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال { :والّذي نفسي بيده ،أو والّذي ل إله غيره - عنه أ ّ
أو كما حلف -ما من رجلٍ تكون له إبل أو بقر أو غنم ل يؤدّي حقّها إلّ أتى بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه ،تطؤه بأخفافها ،وتنطحه بقرونها ،كلّما جازت أخراها ردّت عليه ن النّبيّ صلى أولها حتّى يقضى بين النّاس } .وما روى النّسائيّ والتّرمذيّ عن مسروقٍ أ ّ ل حالمٍ دينارا ،ومن البقر من ال عليه وسلم { بعث معاذا إلى اليمن ،وأمره أن يأخذ من ك ّ ل أربعين مسنّةً } .وقد أجمع الصّحابة ومن بعدهم على كلّ ثلثين تبيعا أو تبيعةً ،ومن ك ّ وجوب الزّكاة في النعام ،ولم يخالف في ذلك أحد ،والبقر صنف من النعام ،فوجبت الزّكاة فيها كالبل والغنم ،وإنّما كان الخلف في بعض الشّروط كما سيأتي .
شروط وجوب الزّكاة في البقر : - 3يشترط في وجوب الزّكاة في البقر شروط عامّة تفصيلها في الزّكاة ،وهناك شروط خاصّة بيانها فيما يلي :اشتراط السّوم : - 4المراد بالسّوم في زكاة الماشية :أن ترعى الماشية أكثر أيّام السّنة في كلٍ مباحٍ ،سواء أكانت ترعى بنفسها أم براعٍ يرعاها ،هذا وقد ذهب جمهور العلماء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وغيرهم إلى أنّه يشترط السّوم في زكاة الماشية ،ومن بين تلك الماشية البقر ، فيشترط فيها السّوم أيضا ،وأمّا البقر العوامل والمعلوفة فل زكاة فيها ،لنتفاء السّوم .وقال المام مالك :ل يشترط السّوم في زكاة البقر ،فالبقر العوامل والمعلوفة تجب فيها الزّكاة عنده ل المام مالك لما ذهب إليه بالطلق في الحاديث الموجبة لزكاة البقر ،وهو الّذي .استد ّ استقرّ عليه عمل أهل المدينة ،وعمل أهل المدينة أحد أصول المالكيّة .واستدلّ القائلون باشتراط السّوم في زكاة الماشية بما روي عن عليّ رضي ال عنه ،قال الرّاوي أحسبه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم في صدقة البقر قال { :وليس في العوامل شيء } ،وأيضا بما روي عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال { :ليس في البقر العوامل شيء } وقد حمل الجمهور النّصوص المطلقة في البقر على النّصوص المقيّدة بالسّوم الواردة في البل والغنم ،كما استدلّوا بقياس البقر على البل والغنم في اشتراط السّوم .وأيضا فإنّ صفة النّماء معتبرة في الزّكاة ،فل توجد إلّ في السّائمة ،أمّا البقر العوامل فصفة النّماء مفقودة فيها ،ومثلها المعلوفة فل نماء فيها أيضا ،لنّ علفها يستغرق نماءها ، إلّ أن يعدّها للتّجارة ،فيزكّيها زكاة عروض التّجارة .
الزّكاة في بقر الوحش :
- 5ذهب أكثر العلماء إلى عدم وجوب الزّكاة في بقر الوحش ،وعند الحنابلة روايتان ، ن مطلق الخبر الّذي أوجب الزّكاة في البقر -والّذي فالمذهب عندهم وجوب الزّكاة فيها ،ل ّ
سبق ذكره -يتناولها .والرّواية الثّانية عندهم عدم وجوب الزّكاة فيها .قال ابن قدامة :وهي ن اسم البقر عند أصحّ ،وهو قول أكثر أهل العلم في عدم وجوب الزّكاة في بقر الوحش ،ل ّ الطلق ل ينصرف إليها ول يفهم منه إذ كانت ل تسمّى بقرا بدون الضافة ،فيقال :بقر ل كاملً ،ولنّها ب منها موصوفا بصفة السّوم حو ً ن العادة تنفي وجود نصا ٍ الوحش ،ول ّ حيوان ل يجزئ نوعه في الضحيّة والهدي ،فل تجب فيها الزّكاة كالظّباء ،ولنّها ليست من ن الزّكاة إنّما وجبت سرّ في ذلك أ ّ بهيمة النعام ،فل تجب فيها الزّكاة كسائر الوحوش ،وال ّ في بهيمة النعام دون غيرها لكثرة النّماء فيها ،من درّها ونسلها وكثرة النتفاع بها لكثرتها وخفّة مئونتها ،وهذا المعنى يختصّ بها ،فاختصّت الزّكاة بها دون غيرها .
ي والهليّ : زكاة المتولّد بين الوحش ّ ي والهليّ ،سواء أكان الوحشيّ - 6ذهب الحنابلة إلى وجوب الزّكاة في المتولّد بين الوحش ّ ن المتولّد بين الوحشيّ والهليّ متولّد بين الّذي تجب فيه هو الفحل أم المّ ،واحتجّوا لذلك بأ ّ الزّكاة وبين ما ل تجب فيه ،فيرجّح جانب الوجوب ،قياسا على المتولّد بين السّائمة والمعلوفة ،فتجب فيه الزّكاة ،فكذلك المتولّد بين الوحشيّ والهليّ .وعلى هذا القول تضمّ إلى جنسها من الهليّ في وجوب الزّكاة ،ويكمّل بها نصابها ،وتكون كأحد أنواعه .وقال ل فل .واستدلّ لهذا القول أبو حنيفة ومالك :إن كانت المّهات أهلّيةً وجبت الزّكاة فيها ،وإ ّ ن المّ في الحيوان هي الّتي تقوم وحدها برعاية بأنّ جانب المّ في الحيوان هو المعتبر ،ل ّ ابنها .وقال الشّافعيّ :ل زكاة فيه مطلقا ،سواء أكانت الوحشيّة من قبل الفحل أم من قبل المّ .
اشتراط تمام النّصاب :أمّا النّصاب فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوالٍ ،من أشهرها اتّجاهان :
ب ومعاذ بن جبلٍ وأبي سعيدٍ الخدريّ رضي ي بن أبي طال ٍ - 8التّجاه الوّل :وهو قول عل ّ ال عنهم وقال به الشّعبيّ وشهر بن حوشبٍ وطاووس وعمر بن عبد العزيز والحسن البصريّ ،ونقله الزّهريّ عن أهل الشّام ،وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبلٍ والشّافعيّ ،قالوا : ليس فيما دون الثّلثين من البقر شيء ،فإذا بلغتها ففيها تبيع أو تبيعة ( ،والتّبيع هو الّذي له سنتان ،أو الّذي له سنة وطعن في الثّانية ،وقيل :ستّة أشهرٍ ،والتّبيعة مثله ) ،ثمّ ل شيء فيها حتّى تبلغ أربعين ،فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنّة .ثمّ ل شيء فيها حتّى تبلغ ستّين ،فإذا بلغتها ففيها تبيعان أو تبيعتان .ث ّم ل شيء فيها حتّى تبلغ عشرا زائدةً ،فإذا بلغتها ففي كلّ ن أو مسنّة ،ففي سبعين تبيع ومسنّة ، ثلثين من ذلك العدد تبيع أو تبيعة وفي كلّ أربعين مس ّ وفي ثمانين مسنّتان ،وفي تسعين ثلثة أتبع ٍة ،وفي مائةٍ مسنّة وتبيعان ،وفي مائةٍ وعشرٍ مسنّتان وتبيع ،وفي مائ ٍة وعشرين ثلث مسنّاتٍ أو أربعة أتبعةٍ ،فالمالك مخيّر بين إخراج التبعة أو المسنّات ،وإن كان الولى النّظر إلى حاجة الفقراء والصلح لهم .ث ّم يتغيّر ج أصحاب هذا القول بما روي عن معاذٍ رضي ال عنه الواجب كلّما زاد العدد عشرا .واحت ّ { أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كلّ حالمٍ دينارا ، ومن البقر من ك ّل ثلثين تبيعا أو تبيعةً ،ومن كلّ أربعين مسنّ ًة } .وروى ابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة عن { معاذٍ أنّه سأل النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الوقاص :ما بين الثّلثين إلى الربعين ،وما بين الربعين إلى الخمسين ؟ قال :ليس فيها شيء } .واحتجّوا أيضا بما جاء في كتاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إلى عمرو بن حزمٍ { :فرائض البقر ليس فيما دون الثّلثين من البقر صدقة ،فإذا بلغت ثلثين ففيها عجل رائع جذع ،إلى أن تبلغ ن فيها بقر ًة وعجلً أربعين ،فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنّة .إلى أن تبلغ سبعين ،فإ ّ جذعا ،فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنّتان ،ثمّ على هذا الحساب } .هذا ،ولتفصيل أحكام ما بين الفريضتين في الزّكاة -وهو المسمّى بالوقص -ينظر مصطلح ( :أوقاص ) . -9التّجاه الثّاني :قول سعيد بن المسيّب والزّهريّ وأبي قلبة وغيرهم :أنّ نصاب البقر هو نصاب البل ،وأنّه يؤخذ في زكاة البقر ما يؤخذ من البل ،دون اعتبارٍ للسنان الّتي اشترطت في البل ،من بنت مخاضٍ وبنت لبونٍ وحقّ ٍة وجذعةٍ ،وروي هذا عن كتاب عمر خ أدّوا الصّدقات على بن الخطّاب في الزّكاة ،وعن جابر بن عبد اللّه رضي ال عنهم ،وشيو ٍ عهد النّبيّ صلى ال عليه وسلم وروى أبو عبيدٍ :أنّ في كتاب عمر بن الخطّاب ( في ن البقر يؤخذ منها مثل ما يؤخذ من البل ،قال :وقد سئل عنها غيرهم ،فقالوا : الزّكاة ) أ ّ
فيها ما في البل .وقد ذكر ابن حزمٍ بسنده عن الزّهريّ وقتادة كلهما عن جابر بن عبد اللّه ل خمسٍ من البقر شاة ،وفي عشرٍ شاتان ،وفي ي رضي ال عنهما قال :في ك ّ النصار ّ خمس عشرة ثلث شيا ٍه ،وفي عشرين أربع شيا ٍه .قال الزّهريّ :فرائض البقر مثل فرائض ن فيها :فإذا كانت البقر خمسا وعشرين ففيها بقرة إلى خمسٍ وسبعين ،فإذا البل غير أسنا ٍ س وسبعين ففيها بقرتان إلى مائةٍ وعشرين ،فإذا زادت على مائةٍ وعشرين زادت على خم ٍ ل ثلثين تبيع ،وفي كلّ ن قولهم :في ك ّ ففي كلّ أربعين بقرة .قال الزّهريّ :وبلغنا أ ّ أربعين بقرة ،أنّ ذلك كان تخفيفا لهل اليمن ،ثمّ كان بعد ذلك ل يروى .وروي أيضا عن عكرمة بن خالدٍ قال :استعملت -أي ولّيت -على صدقات ( عكّ ) فلقيت أشياخا ممّن صدّق ( أخذت منهم الصّدقة ) على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فاختلفوا عليّ : فمنهم من قال اجعلها مثل صدقة البل ،ومنهم من قال :في ثلثين تبيع ،ومنهم من قال : في أربعين بقرة مسنّة .وذكر ابن حزمٍ أيضا بسنده عن ابن المسيّب وأبي قلبة وآخرين مثل ما نقل عن الزّهريّ ،ونقل عن عمر بن عبد الرّحمن بن خلدة النصاريّ :أنّ صدقة البقر صدقة البل ،غير أنّه ل أسنان فيها .
ما يجزئ في الضحيّة : - 10ل يجزئ في الضحيّة سوى النّعم ،وهي البل والبقر والغنم ،خلفا لمن قال :يجوز التّضحية بأيّ شيءٍ من مأكول اللّحم من النّعم أو من غيرها .وتفصيله في ( الضحيّة ) . ن الضحيّة تقع له ، واتّفق العلماء على أنّ الشّخص إذا ضحّى بالبقرة الواحدة عن نفسه فقط فإ ّ وسواء أكانت واجب ًة أم متطوّعا بها . - 11وأمّا الشتراك في التّضحية بالبقرة الواحدة ففيه خلف :فذهب الحنفيّة والشّافعيّة ن البقرة الواحدة تجزئ عن سبعة أشخاصٍ ،فيجوز لهم والحنابلة ،وأكثر أهل العلم :إلى أ ّ ت واحدٍ ،أم أهل بيتين ،أم متفرّقين ، الشتراك في البقرة الواحدة ،وسواء أكانوا أهل بي ٍ وسواء أكانت أضحيّةً واجب ًة أم متطوّعا بها ،وسواء أراد بعضهم القربة أم أراد اللّحم ،فيقع ل أنّه عند الحنفيّة ل بدّ أن يريد كلّهم القربة ،فلو أراد أحدهم اللّحم لكلّ واحدٍ منهم ما قصد .إ ّ لم تجزئ عن الكلّ عندهم .وقال مالك :يجزئ الرّأس الواحد من البل أو البقر أو الغنم عن واحدٍ ،وعن أهل البيت وإن كثر عددهم وكانوا أكثر من سبع ٍة ،إذا أشركهم فيها تطوّعا ، ول تجزئ إذا اشتروها بينهم بالشّركة ،ول على أجنبيّين فصاعدا .واحتجّ أصحاب القول الوّل بما رواه جابر قال { :نحرنا مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم البدنة عن سبعةٍ ، والبقرة عن سبع ٍة } وعنه قال { :خرجنا مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم مهلّين ،فأمرنا أن نشترك في البل والبقر ،كلّ سبع ٍة منّا في بدن ٍة } .وأمّا مالك فقد أخذ بما روي عن ابن
عمر رضي ال عنهما أنّه كان يقول :البدنة عن واحدٍ والبقرة عن واحدٍ ،والشّاة عن واحدٍ ل ن النّفس أعلم شركا .وقد روي هذا أيضا عن غير ابن عمر كمحمّد بن سيرين فإنّه يرى أ ّ الواحدة ل تجزئ إلّ عن نفسٍ واحدةٍ فقط .
البقر في الهدي : - 12حكم البقرة في الهدي كحكمها في الضحيّة ،باستثناء ما يتّصل بالتّضحية عن الرّجل ج ،والهدي ) .أمّا إشعار البقر في الهدي فقد اتّفق العلماء وأهل بيته ،وتفصيله في ( الح ّ ب ،وقد فعله النّبيّ صلى ال عليه ن الشعار سنّة ،وأنّه مستح ّ ( سوى أبي حنيفة ) على أ ّ وسلم والصّحابة من بعده ،واتّفقوا أيضا على أنّ الشعار سنّة في البل ،سواء أكان لها سنام أم لم يكن لها سنام ،فإن لم يكن لها سنام فإنّها تشعر في موضع السّنام .وأمّا البقر فمذهب الشّافعيّة :الشعار فيها مطلقا ،سواء أكان لها سنام أم لم يكن لها سنام ،فهي عندهم كالبل . ن البقر إذا كان لها سنام فإنّها تشعر ،أمّا إذا لم يكن لها سنام فإنّها ل وقد ذهب مالك إلى أ ّ تشعر .
( حكم التّقليد ) :
- 13التّقليد :جعل القلدة في العنق ،وتقليد الهدي :أن يعلّق في عنقه قطعة من جلدٍ ، ن التّقليد مستحبّ في البل والبقر . ليعرف أنّه هدي فل يتعرّض له .واتّفق العلماء على أ ّ وأمّا الغنم فقد ذهب الشّافعيّة إلى استحباب التّقليد فيها كالبل والبقر .وذهب أبو حنيفة ومالك إلى عدم استحباب التّقليد فيها .وتقليد البل والبقر يكون بالنّعال ونحوها ممّا يشعر أنّها هدي .
ذكاة البقر : - 14ذكاة البقر كذكاة الغنم ،فإذا أريد تذكية البقرة فإنّها تضجع على جنبها اليسر ،وتشدّ قوائمها الثّلث :اليد اليمنى واليسرى والرّجل اليسرى ،وتترك الرّجل اليمنى بل شدّ لتحرّكها سكّين بيده اليمنى ،ثمّ يبدأ الذّبح بعد عند الذّبح ،ويمسك الذّابح رأسها بيده اليسرى ،ويمسك ال ّ أن يقول :باسم اللّه واللّه أكبر وبعد أن يتّجه هو وذبيحته نحو القبلة .وأمّا البل فإنّها تنحر بطعنها في الّلبّة ،أي أسفل العنق ،وهي قائمة معقولة الرّكبة اليسرى .
استعمال البقر للرّكوب :
ن ما يركب من النعام ويحمل عليه هو البل .وأمّا البقر فإنّه لم - 15اتّفق العلماء على أ ّ يخلق للرّكوب ،وإنّما خلق لينتفع به في حرث الرض ،وغير ذلك من المنافع سوى الرّكوب
ن لكم في النعام لعبرةً نسقيكم ممّا في .وأمّا الغنم فهي لل ّدرّ والنّسل واللّحم لقوله تعالى { :وإ ّ بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون ،وعليها وعلى الفلك تحملون } ،وقوله تعالى { : اللّه الّذي جعل لكم النعام لتركبوا منها ومنها تأكلون } ،وقوله تعالى { :وجعل لكم من الفلك ن النعام تركب فهي محمولة عند العلماء على والنعام ما تركبون } .وأمّا اليات الّتي تذكر أ ّ ن استعمال بعض النعام ،وهي البل ،وهو من العامّ الّذي أريد به الخاصّ .وممّا يدلّ على أ ّ البقر للرّكوب غير لئقٍ ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم { :بينما رجل يسوق بقرةً له قد حمل عليها ،التفتت إليه البقرة فقالت :إنّي لم أخلق لهذا ،ولكنّي إنّما خلقت للحرث ،فقال النّاس :سبحان اللّه - تعجّبا وفزعا -أبقرة تكلّم ؟ فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :فإنّي أومن به وأبو بكرٍ وعمر } .
بول وروث البقر : - 16اتّفق الفقهاء على نجاسة بول وروث ما ل يؤكل لحمه ،سواء أكان إنسانا أم غيره . وأمّا بول وروث ما يؤكل لحمه كالبل والبقر والغنم ففيه الخلف فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والشّافعيّ إلى نجاسة البوال والرواث كلّها ،من مأكول اللّحم وغيره .وذهب مالك وأحمد وطائفة من السّلف ،ووافقهم من الشّافعيّة ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبّان والصطخريّ والرّويانيّ ،ومن الحنفيّة محمّد بن الحسن إلى طهارة بول ما يؤكل لحمه . وانظر للتّفصيل والستدلل مصطلح ( نجاسة ) .
حكم البقر في الدّية :
ل في الدّية على قولين :فذهب أبو حنيفة ومالك - 17اختلف العلماء في اعتبار البقر أص ً والشّافعيّ في القديم إلى أنّ الدّية ثلثة أصولٍ :البل ،والذّهب ،والفضّة ،وليس أصلً . وذهب صاحبا أبي حنيفة ( أبو يوسف ومحمّد بن الحسن ) والثّوريّ وأحمد بن حنبلٍ إلى أنّ الدّية خمسة أصولٍ :البل ،والذّهب ،والفضّة ،والبقر ،والغنم .وزاد الصّاحبان :الحلل ، س وفقهاء المدينة السّبعة ،فعلى هذا القول تعتبر البقر أصلً وهو قول عمر وعطاءٍ وطاوو ٍ من أصول الدّية ،ويجوز لصحابها -كما عند الصّاحبين -دفعها ابتدا ًء ،ول يكلّفون غيرها .وذهب الشّافعيّ في الجديد إلى أنّ الدّية ليس لها إلّ أصل واحد ،وهو البل ،فإذا فقدت فالواجب قيمتها من نقد البلد بالغةً ما بلغت .فليست البقر أصلً على هذا القول كذلك .وانظر للتّفصيل مصطلح ( دية ) .
بكاء التّعريف - 1البكاء :مصدر بكى يبكي بكًى ،وبكاءً .قال في اللّسان :البكاء يقصر ويمدّ .قال الفرّاء وغيره :إذا مددت أردت الصّوت الّذي يكون مع البكاء ،وإذا قصرت أردت الدّموع وخروجها .قال كعب بن مالكٍ رضي ال عنه في رثاء حمزة بكت عيني وحقّ لها بكاها وما يغني البكاء ول العويل قال الخليل :من قصر ذهب به إلى معنى الحزن ،ومن مدّه ذهب به إلى معنى الصّوت .والتّباكي :تكلّف البكاء كما في الحديث { فإن لم تبكوا فتباكوا } .ول يخرج استعمال الفقهاء عن ذلك . اللفاظ ذات الصّلة : أ -الصّياح والصّراخ : - 2الصّياح والصّراخ في اللّغة :هو الصّوت بأقصى الطّاقة ،وقد يكون معهما بكاء ،وقد ل يكون ،ويرد الصّراخ أيضا لرفع الصّوت على سبيل الستغاثة . ب -النّياح : - 3النّياح والنّياحة لغةً :البكاء بصوتٍ على الميّت .وقال في المصباح ،وهو قريب ممّا جاء في القاموس :ناحت المرأة على الميّت نوحا من باب قال ،والسم النّواح وزان غرابٍ ، وربّما قيل :النّياح بالكسر ،فهي نائحة ،والنّياحة بالكسر :السم منه ،والمناحة بفتح الميم : موضع النّوح .ج النّدب : - 4النّدب لغةً :الدّعاء إلى المر والحثّ عليه .والنّدب :البكاء على الميّت وتعداد محاسنه .والسم :النّدبة .د -النّحب ،أو النّحيب : - 5النّحب لغ ًة :أش ّد البكاء ،كالنّحيب .العويل : - 6العويل :هو رفع الصّوت بالبكاء ،يقال :أعولت المرأة إعوالً وعويلً .هذا ويتّضح ن النّحيب والعويل معناهما البكاء الشّديد ،وأنّ الصّراخ والصّياح متقاربان في ممّا تقدّم أ ّ ن النّواح يأتي بمعنى البكاء على الميّت ،وأنّ النّدب هو تعداد محاسن الميّت ، المعنى ،وأ ّ ت ،والبكى ما كان بل صوتٍ ،بأن كان قاصرا على وأنّ البكاء ما كان مصحوبا بصو ٍ خروج الدّمع .أسباب البكاء : - 7للبكاء أسباب ،منها :خشية اللّه تعالى ،والحزن ،وشدّة الفرح .الحكم التّكليفيّ للبكاء في المصيبة : ت ل يمكن الحتراز - 8البكاء قد يكون قاصرا على خروج الدّمع فقط بل صوتٍ ،أو بصو ٍ ح أو ندبٍ وغيرها ،وهذا يختلف باختلف ت كصراخٍ أو نوا ٍ عنه ،وقد يكون مصحوبا بصو ٍ
من يصدر منه البكاء ،فمن النّاس من يقدر على كتمان الحزن ،ويملك السّيطرة على مشاعره ،ومنهم من ل يستطيع ذلك .فإن كان البكاء مجرّدا عن فعل اليد ،كشقّ جيبٍ أو لطمٍ ،وعن فعل اللّسان ،كالصّراخ ودعوى الويل والثّبور ونحو ذلك ،فإنّه مباح لقوله صلى ال عليه وسلم { إنّه مهما كان من العين والقلب فمن اللّه عزّ وجلّ ومن الرّحمة ،وما كان من ن اللّه ل يعذّب بدمع العين اليد واللّسان فمن الشّيطان } ولقوله صلى ال عليه وسلم أيضا { إ ّ ول بحزن القلب ،ولكن يعذّب بهذا -وأشار إلى لسانه -أو يرحم } .أمّا حكم البكاء في غير هذه الحالة فسيأتي فيما بعد .
البكاء من خشية اللّه تعالى : - 9المؤمن يعيش في جهادٍ مع نفسه ،ويراقب اللّه في جميع أفعاله وتصرّفاته ،فهو يخاف اللّه ،ويبكي عند ذكره سبحانه تعالى ،فهذا من المخبتين الّذين بشّرهم اللّه سبحانه وتعالى بقوله { :وبشّر المخبتين الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم والصّابرين على ما أصابهم والمقيمي الصّلة وممّا رزقناهم ينفقون } وهم الّذين عناهم اللّه بقوله { :إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربّهم يتوكّلون } .وممّا قاله القرطبيّ في تفسير هذه الية ،مع الشارة إلى غيرها من اليات القريبة منها في المعنى :وصف اللّه تعالى المؤمنين في هذه الية بالخوف والوجل عند ذكره ،وذلك لقوّة إيمانهم ومراعاتهم لربّهم ،وكأنّهم بين يديه ،ونظير هذه الية { وبشّر المخبتين الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم } وقال { :الّذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر اللّه } ،فهذا يرجع إلى كمال المعرفة وثقة القلب ،والوجل :الفزع من عذاب اللّه ،فل تناقض ،وقد جمع اللّه بين المعنيين في قوله تعالى { :اللّه نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه } أي تسكن نفوسهم مع اللّه من حيث اليقين ،وإن كانوا يخافون اللّه . - 10فهذه حالة العارفين باللّه ،الخائفين من سطوته وعقوبته .ل كما يفعله جهّال العوّام والمبتدعة الطّغام ،من الزّعيق والزّئير ومن النّهاق الّذي يشبه نهاق الحمير ،فيقال لمن ن ذلك وجد وخشوع :لم تبلغ أن تساوي حال الرّسول ول حال أصحابه تعاطى ذلك ،وزعم أ ّ في المعرفة باللّه ،والخوف منه ،والتّعظيم لجلله ،ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن اللّه والبكاء خوفا من اللّه ،ولذلك وصف اللّه أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلوة كتابه فقال { :وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرّسول ترى أعينهم تفيض من الدّمع ممّا عرفوا من الحقّ يقولون ربّنا آمنا فاكتبنا مع الشّاهدين } .فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم ، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ول على طريقتهم ،فمن كان مستنّا فليستنّ بهم ،ومن
تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسّهم حالً ،والجنون فنون .روى مسلم عن أنس بن مالكٍ { أنّ النّاس سألوا النّبيّ صلى ال عليه وسلم حتّى أحفّوه في المسألة ،فخرج ذات يومٍ ،فصعد المنبر ،فقال :سلوني ،ل تسألوني عن شي ٍء إلّ بيّنته لكم ،ما دمت في مقامي هذا .فلمّا سمع ذلك القوم أرموا ورهبوا أن يكون بين يدي أمرٍ قد حضر ،قال أنس :فجعلت ن لفّ رأسه في ثوبه يبكي . } ...وذكر الحديث .وروى ل إنسا ٍ ل فإذا ك ّ ألتفت يمينا وشما ً التّرمذيّ وصحّحه عن العرباض بن سارية رضي ال عنه قال { :وعظنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم موعظةً بليغ ًة ذرفت منها العيون ،ووجلت منها القلوب } .الحديث .ولم يقل : زعقنا ول رقصنا ول زفنا ول قمنا .وقال صاحب روح المعاني في تفسير قوله تعالى : ل لشراق أشعّة الجلل { الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم } أي خافت قلوبهم منه عزّ وج ّ عليها . ل لذلك ما رواه - 11والبكاء خشي ًة من اللّه له أثره في العمل ،وفي غفران الذّنوب ،ويد ّ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال { :عينان ل تمسّهما النّار :عين التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ أ ّ بكت من خشية اللّه ،وعين باتت تحرس في سبيل اللّه } .قال صاحب تحفة الحوذيّ :قوله { :عينان ل تمسّهما النّار } أي ل تمسّ صاحبهما ،فعبّر بالجزء عن الجملة ،وعبّر بالمسّ إشار ًة إلى امتناع ما فوقه بالولى ،وفي روايةٍ « :أبدا " وفي رواي ٍة { :ل يقربان النّار } . وقد ذكر صاحب روح المعاني أخبارا وردت في مدح البكاء خشيةً من اللّه تعالى ،من بينها هذا الحديث المتقدّم .وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم { :ل يلج النّار رجل بكى من خشية اللّه تعالى حتّى يعود اللّبن في الضّرع ،ول يجتمع على عبدٍ غبار في سبيل اللّه تعالى ودخان جهنّم } .
البكاء في الصّلة : ن البكاء في الصّلة إن كان سببه ألما أو مصيب ًة فإنّه يفسد الصّلة ،لنّه - 12يرى الحنفيّة أ ّ ل على زيادة يعتبر من كلم النّاس ،وإن كان سببه ذكر الجنّة أو النّار فإنّه ل يفسدها ،لنّه يد ّ ل على هذا الخشوع ،وهو المقصود في الصّلة ،فكان في معنى التّسبيح أو الدّعاء .ويد ّ حديث الرّسول صلى ال عليه وسلم { أنّه كان يصلّي باللّيل وله أزيز كأزيز المرجل من ن هذا التّفصيل فيما إذا كان على أكثر من حرفين ،أو على البكاء } .وعن أبي يوسف أ ّ حرفين أصليّين ،أمّا إذا كان على حرفين من حروف الزّيادة ،أو أحدها من حروف الزّيادة والخر أصليّ ،ل تفسد في الوجهين معا ،وحروف الزّيادة عشرة يجمعها قولك :أمان ن البكاء في الصّلة إمّا أن يكون بصوتٍ ،وإمّا وتسهيل .وحاصل مذهب المالكيّة في هذا :أ ّ ت ،فإن كان البكاء بل صوتٍ فإنّه ل يبطل الصّلة ،سواء أكان بغير أن يكون بل صو ٍ
اختيارٍ ،بأن غلبه البكاء تخشّعا أو لمصيبةٍ ،أم كان اختياريّا ما لم يكثر ذلك في الختياريّ . وأمّا إذا كان البكاء بصوتٍ ،فإن كان اختياريّا فإنّه يبطل الصّلة ،سواء كان لمصيب ٍة أم لتخشّعٍ ،وإن كان بغير اختياره ،بأن غلبه البكاء تخشّعا لم يبطل ،وإن كثر ،وإن غلبه ن البكاء بصوتٍ ،إن كان لمصيبةٍ أو لوجعٍ البكاء بغير تخشّعٍ أبطل .هذا وقد ذكر الدّسوقيّ أ ّ ع فهو حينئذٍ كالكلم ،يفرّق بين عمده وسهوه ،أي فالعمد مبطل مطلقا من غير غلبةٍ أو لخشو ٍ ،قلّ أو كثر ،والسّهو يبطل إن كان كثيرا ،ويسجد له إن قلّ .وأمّا عند الشّافعيّة ،فإنّ ح إن ظهر به حرفان فإنّه يبطل الصّلة ،لوجود ما ينافيها البكاء في الصّلة على الوجه الص ّ ،حتّى وإن كان البكاء من خوف الخرة .وعلى مقابل الصحّ :ل يبطل لنّه ل يسمّى كلما في اللّغة ،ول يفهم منه شيء ،فكان أشبه بالصّوت المجرّد .وأمّا الحنابلة فإنّهم يرون أنّه إن ن في الصّلة لم تبطل ،لنّه يجري مجرى الذّكر بان حرفان من بكاءٍ ،أو تأ ّو ٍه خشيةً ،أو أني ٍ ل بنفسه ،وقيل :إن غلبه وإلّ بطلت ،كما لو لم يكن خشي ًة ،لنّه يقع على الهجاء ،ويد ّ على المعنى كالكلم ،قال أحمد في النين :إذا كان غالبا أكرهه ،أي من وجعٍ ،وإن استدعى البكاء فيها كره كالضّحك وإلّ فل .
البكاء عند قراءة القرآن : - 13البكاء عند قراءة القرآن مستحبّ ،ويفهم ذلك من قوله تعالى في سورة السراء ل من { ويخرّون للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } .قال القرطبيّ :هذا مدح لهم ،وحقّ لك ّ توسّم بالعلم ،وحصل منه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبة ،فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويذلّ .وقال الزّمخشريّ في الكشّاف في تفسير قوله تعالى { :ويزيدهم خشوعا } ن .وقال الطّبريّ عند الكلم على هذه الية :يقول تعالى أي يزيدهم لين قلبٍ ورطوبة عي ٍ ذكره .ويخرّ هؤلء الّذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين ،من قبل نزول الفرقان ،إذا يتلى عليه القرآن لذقانهم يبكون ،ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعا ،يعني خضوعا لمر اللّه وطاعته استكانةً له .ويفهم استحباب البكاء أيضا عند قراءة القرآن بما أخرجه ابن ماجه وإسحاق بن راهويه والبزّار في مسنديهما من حديث سعد بن أبي وقّاصٍ رضي ال عنه مرفوعا { :إنّ هذا القرآن نزل بحزنٍ ،فإذا قرأتموه فابكوا ،فإن لم تبكوا فتباكوا } .
البكاء عند الموت وبعده :
ت فإنّه - 14اتّفق الفقهاء على أنّ البكاء إن كان قاصرا على خروج الدّمع فقط بل صو ٍ ت إذا لم يقدر على ردّه ،ومثله حزن القلب جائز ،قبل الموت وبعده ،ومثله غلبة البكاء بصو ٍ
ت ،إلّ ما نقل في الفروع .واتّفقوا أيضا على تحريم النّدب بتعداد محاسن الميّت برفع صو ٍ عن بعض الحنابلة .واتّفقوا على تحريم النّواح وشقّ الجيب أو الثّوب ولطم الخدّ وما أشبه ذلك ،إلّ أنّ الحنفيّة عبّروا في ذلك بالكراهة ،ومرادهم الكراهة التّحريميّة ،وبذلك ل يكون بين الفقهاء في ذلك خلف .وأمّا إذا كان البكاء بصوتٍ وغير مصحوبٍ بنياحةٍ وندبٍ أو شقّ جيبٍ أو نحو ذلك ،فيرى الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة أنّه جائز ،واشترط المالكيّة عدم ن البكاء على الميّت الجتماع للبكاء ،وإلّ كره .وللشّافعيّة تفصيل أتى به القليوبيّ ،فقال :إ ّ إن كان لخوفٍ عليه من هول يوم القيامة ونحوه فل بأس به ،أو لمحبّةٍ ورقّ ٍة كطفلٍ فكذلك ، ن الصّبر أجمل ،أو لصلحٍ وبرك ٍة وشجاعةٍ وفقد نحو علمٍ فمندوب ،أو لفقد صل ٍة وبرّ ولك ّ وقيامٍ بمصلح ٍة فمكروه ،أو لعدم تسليمٍ للقضاء وعدم الرّضى به فحرام .وقال الشّافعيّ : ي عن جابر بن عتيكٍ كما يجوز البكاء قبل الموت ،فإذا مات أمسكن .واستدلّ بحديث النّسائ ّ سنّة ،فقد أخرج التّرمذيّ عن يأتي قريبا .والفقهاء فيما قالوه في ذلك استدلّوا بما ورد في ال ّ جابرٍ رضي ال عنه قال { :أخذ النّبيّ صلى ال عليه وسلم بيد عبد الرّحمن بن عوفٍ رضي ال عنه فانطلق به إلى ابنه إبراهيم ،فوجده يجود بنفسه ،فأخذه النّبيّ صلى ال عليه وسلم فوضعه في حجره فبكى ،فقال له عبد الرّحمن :أتبكي ؟ أولم تكن نهيت عن البكاء ؟ قال : ت عند مصيبةٍ ،خمش وجوهٍ وشقّ جيوبٍ ل .ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين :صو ٍ ن رسول اللّه ن } .وقد أخرج البخاريّ عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي ال عنه أ ّ ورنّة شيطا ٍ صلى ال عليه وسلم قال { :ليس منّا من لطم الخدود وشقّ الجيوب ودعا بدعوى الجاهليّة } . ق الجيب ودعوى الجاهليّة .وأخرج ل على عدم جواز ما ذكر فيه من اللّطم وش ّ فهذا يد ّ ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم جاء يعود ك رضي ال عنه { :أ ّ النّسائيّ عن جابر بن عتي ٍ ن ،فقال عبد اللّه بن ثابتٍ فوجده قد غلب ،فصاح النّسوة وبكين ،فجعل ابن عتيكٍ يسكته ّ ن ،فإذا وجب فل تبكين باكية .قالوا :وما الوجوب يا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :دعه ّ رسول اللّه ؟ قال :الموت } .
البكاء عند زيارة القبر : - 15البكاء عند زيارة القبر جائز ،والدّليل على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي ال عنه قال { :زار النّبيّ صلى ال عليه وسلم قبر أمّه فبكى ،وأبكى من حوله } ...إلخ الحديث .
اجتماع النّساء للبكاء :
- 16اجتماع النّساء للبكاء عند المالكيّة مكروه إن كان بل صوتٍ ،وحرام إن كان معه صوت .والشّافعيّة ل يجيزون الجتماع للبكاء .ولم يتعرّض الحنفيّة ول الحنابلة لجتماع ن الفقهاء متّفقون على جواز البكاء بالدّمع فقط بل صوتٍ ،وإنّما تأتي النّساء للبكاء .على أ ّ الكراهة أو التّحريم على ما إذا قصد الجتماع له .هذا ،وإذا كان اجتماع النّساء للبكاء ص الفقهاء النّساء مكروها أو محرّما فكراهة أو تحريم اجتماع الرّجال له أولى ،وإنّما خ ّ ن هذا شأنهنّ . بالذّكر ل ّ
أثر بكاء المولود عند الولدة : ل على تحقّق حياته ، - 17إذا بكى المولود عند ولدته ،بأن استهلّ صارخا ،فإنّ ذلك يد ّ سواء انفصل بالكّليّة كما عند الشّافعيّة ،أم لم ينفصل كما عند الحنفيّة .فإن لم يبك ،ولم توجد منه علمة تدلّ على الحياة فل يحكم بحياته .فإن بدا منه ما يدلّ على حياته ،كالبكاء ص من قاتله عمدا ، والصّراخ ونحو ذلك ،فإنّه يعطى حكم الحياء ،فيسمّى ويرث ،ويقت ّ ق مواليه الدّية في غير العمد فإن مات بعد تحقّق حياته فإنّه يغسّل ويصلّى عليه ويورث ويستح ّ .وتفصيل ذلك يرجع إليه في مصطلح ( استهلل ) .
أثر بكاء البكر عند الستئذان لتزويجها :
ن للفقهاء في دللته على الرّضا وعدمه اتّجاهاتٍ - 18إذا استؤذنت البكر في النّكاح فبكت ،فإ ّ ثلثةً : ل على الرّضا ،وإن كان ت فيد ّ أ -فالحنفيّة والشّافعيّة يقولون :إن كان البكاء بل صو ٍ ل على الرّضا . بصوتٍ فل يد ّ ب -والمالكيّة يقولون :إنّ بكاء البكر غير المجبرة ،وهي الّتي يزوّجها غير الب من ل ،فإن علم أنّه للمنع من الولياء ،يعتبر رضا ،لحتمال أنّ هذا البكاء إنّما هو لفقد الب مث ً الزّواج لم يكن رضا . ج -والحنابلة يقولون :إنّ البكاء إذن في النّكاح ،لما روى أبو هريرة قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم { :تستأمر اليتيمة فإذا بكت أو سكتت فهو رضاها ،وإن أبت فل جواز عليها } ولنّها غير ناطقةٍ بالمتناع مع سماع الستئذان ،فكان ذلك إذنا منها كالصّمات . والبكاء يدلّ على فرط الحياء ل الكراهة .ولو كرهت لمتنعت ،فإنّها ل تستحي من المتناع .
بكاء المرء هل يكون دليلً على صدق مقاله :
ل على صدق مقاله ،ويدلّ على ذلك قوله تعالى في سورة يوسف - 19بكاء المرء ل يد ّ { وجاءوا أباهم عشاءً يبكون } .فإنّ إخوة يوسف تصنّعوا البكاء ليصدّقهم أبوهم بما أخبروه ن الّذي أخبروه به كذب ،هم الّذين دبّروه وفعلوه .قال القرطبيّ قال علماؤنا :هذه به ،مع أ ّ ل على صدق مقاله ،لحتمال أن يكون تصنّعا ،فمن الية دليل على أنّ بكاء المرء ل يد ّ ن الدّمع المصنوع ل يخفى .كما الخلق من يقدر على ذلك ،وفيهم من ل يقدر ،وقد قيل :إ ّ قال حكيم :إذا اشتبكت دموع في خدودٍ تبيّن من بكى ممّن تباكى .
بكارة التّعريف - 1البكارة ( بالفتح ) لغ ًة :عذرة المرأة ،وهي الجلدة الّتي على القبل .والبكر :المرأة الّتي ض ،ويقال للرّجل :بكر ،إذا لم يقرب النّساء ،ومنه حديث { البكر بالبكر جلد مائةٍ لم تفت ّ ونفي سنةٍ } .والبكر اصطلحا عند الحنفيّة :اسم لمرأ ٍة لم تجامع بنكاحٍ ول غيره ،فمن زالت بكارتها بغير جماعٍ كوثب ٍة ،أو درور حيضٍ ،أو حصول جراحةٍ ،أو تعنيسٍ :بأن طال مكثها بعد إدراكها في منزل أهلها حتّى خرجت عن عداد البكار فهي بكر حقيق ًة وحكما .وعرّفها المالكيّة :بأنّها الّتي لم توطأ بعقدٍ صحيحٍ ،أو فاسدٍ جرى مجرى الصّحيح .وقيل : إنّها الّتي لم تزل بكارتها أصلً . اللفاظ ذات الصّلة : أ -العذرة : - 2العذرة لغةً :الجلدة الّتي على المحلّ .ومنه العذراء ،وهي :المرأة الّتي لم تزل بكارتها بمزيلٍ .فالعذراء :ترادف البكر لغ ًة وعرفا ،وقد يفرّقون بينهما ،فيطلقون العذراء على من لم تزل بكارتها أصلً ،وقال الدّردير :إذا جرى العرف بالتّسوية بينهما يعتبر . ب -الثّيوبة : - 3الثّيوبة :زوال البكارة بالوطء ولو حراما .وال ّثيّب لغ ًة :ض ّد البكر ،فهي الّتي تزوّجت ن ال ّثيّب :هو الرّجل فثابت ،وفارقت زوجها بأيّ وج ٍه كان بعد أن مسّها ،وعن الصمعيّ أ ّ أو المرأة بعد الدّخول .وال ّثيّب اصطلحا :من زالت بكارتها بالوطء ولو حراما .وال ّثيّب والبكر ضدّان .ما تثبت به البكارة عند التّنازع : - 4أجاز جمهور الفقهاء قبول شهادة النّساء في البكارة والثّيوبة .واختلفوا في العدد المشترط ن البكارة تثبت بشهادة امرأةٍ ثقةٍ ،والثّنتان أحوط وأوثق . :فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أ ّ وأجاز أبو الخطّاب من الحنابلة شهادة الرّجل في ذلك .وذهب المالكيّة -على ما صرّح به خليل والدّردير في شرحيه -إلى أنّها تثبت بشهادة امرأتين .لكن قال الدّسوقيّ في باب النّكاح
:إن أتى الرّجل بامرأتين ،أو امرأ ٍة واحدةٍ تشهد له على ما تصدّق فيه الزّوجة قبلت .وقال الشّافعيّة :تثبت البكارة بشهادة رجلين ،أو رجلٍ وامرأتين ،أو شهادة أربع نسو ٍة .ومناط ل للضّرورة ، قول شهادة المرأة في إثبات البكارة أنّ موضعها عورة ل يطّلع عليه الرّجال إ ّ سنّة أنّه تجوز شهادة النّساء فيما ل يطّلع عليه وروى مالك عن الزّهريّ { :مضت ال ّ ن } .وقيس على ذلك البكارة والثّيوبة .وتثبت البكارة غيرهنّ ،من ولدة النّساء وعيوبه ّ كذلك باليمين حسب التّفصيل الّذي سيأتي .
أثر البكارة في عقد النّكاح :ما يكون به إذن البكر : - 5اتّفق الفقهاء على أنّ سكوت البكر البالغة عند استئذانها في النّكاح إذن منها ،لحديث : س رضي ال عنهما أنّ { البكر تستأذن في نفسها ،وإذنها صماتها } .ولما روي عن ابن عبّا ٍ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال { :اليّم أحقّ بنفسها من وليّها ،والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها } .ومثل السّكوت :الضّحك بغير استهزاءٍ ،لنّه أدلّ على الرّضا من السّكوت ،وكذا التّبسّم والبكاء بل صوتٍ ،لدللة بكاها على الرّضا ضمنا .والمعوّل عليه اعتبار قرائن الحوال في البكاء والضّحك ،فإن تعارضت أو أشكل احتيط .واستئمار البكر البالغة العاقلة مندوب عند الجمهور ،لنّ لوليّها الحقّ في إجبارها على النّكاح .وسنّة عند الحنفيّة ،لنّه ليس لوليّها حقّ الجبار .وتفصيل ذلك في مصطلح ( نكاح ) . ن في -6وقد ذكر المالكيّة أبكارا ل يكتفى بصمتهنّ ،بل ل بدّ من إذنهنّ بالقول عند استئذانه ّ النّكاح : أ -بكر رشّدها أبوها أو وصيّه بعد بلوغها ،لنّه ل جبر لبيها عليها ،لما قام بها من حسن التّصرّف على المعروف في المذهب . ب -بكر مجبرة عضلها أبوها ،أي منعها من النّكاح ل لمصلحتها ،بل للضرار بها ، فرفعت أمرها للحاكم ،فأراد تزويجها لمتناع أبيها ،وزوّجها . ج -بكر يتيمة مهملة ل أب لها ول وصيّ ،خيف فسادها بفقرٍ أو زنًى أو عدم حاضنٍ ل ،والمعتمد أنّها تجبر . ي في قو ٍ شرع ّ د -بكر غير مجبرةٍ ،افتيت عليها ،زوّجها وليّها غير المجبر -وهو غير الب ووصيّه - بغير إذنها ،ثمّ أنهى إليها الخبر فرضيت . ن وجذامٍ وبرصٍ .والتّفصيل في هـ -بكر أريد تزويجها لذي عيبٍ موجبٍ لخيارها ،كجنو ٍ مصطلح ( نكاح ) .
اشتراط الوليّ وعدمه :
- 7البكر إن كانت صغيرةً فالجماع على أنّها ل تزوّج نفسها ،بل يزوّجها وليّها .وأمّا إن كانت كبيرةً ،فجمهور الفقهاء من السّلف والخلف على أنّها ل تزوّج نفسها ،وإنّما يزوّجها ستّين في مشهور المذهب .وذهب الحنفيّة وليّها ،وعند المالكيّة :ولو كانت عانسا بلغت ال ّ إلى أنّه ليس لوليّها حقّ إجبارها ،ولها أن تزوّج نفسها ،فإن زوّجت نفسها بغير كفءٍ ،أو بدون مهر المثل ،فلوليّها حقّ طلب الفسخ ما لم تحمل .وروي عن أبي يوسف أنّ نكاح الحرّة البالغة العاقلة إذا كانت بكرا ل ينعقد إلّ بوليّ ،وعن مح ّمدٍ ينعقد موقوفا .والتّفصيل في مصطلح ( نكاح ) .
متى يرتفع الجبار مع وجود البكارة : ن الب ل يجبر بكرا رشّدها -إن بلغت -بأن قال لها :رشّدتك ،أو - 8أ -يرى المالكيّة أ ّ أطلقت يدك ،أو رفعت الحجر عنك ،أو نحو ذلك .وثبت ترشيدها بإقراره ،أو ببيّنةٍ إن أنكر ،وحيث كانت ل تجبر فل بدّ من نطقها وإذنها ،وهو المعروف في المذهب ،وقال ابن عبد البرّ :له جبرها . ب -إذا عضل والد البكر المجبرة ،ومنعها من نكاح من ترغب فيه ،ورفعت أمرها للقضاء ،وثبت كفاءة من ترغب في زواجه يأمره الحاكم بتزويجها ،فإن امتنع ارتفع إجباره ، وزوّجها الحاكم ،ول بدّ من نطقها برضاها بالزّوج وبالصّداق .ول يختلف مذهب الشّافعيّة ل في بعض التّفصيلت ،كتكرار امتناع الوليّ العاضل مرارا . والحنابلة عن هذا إ ّ ج -والبكر اليتيمة الصّغيرة إذا خيف فسادها ،يجبرها وليّها على التّزويج ،وتجب مشاورة ن مطلق القاضي على المعتمد عند المالكيّة .ول خصوصيّة لهذا الحالة عند الحنفيّة ،ل ّ الصّغيرة -بكرا كانت أو ثيّبا -لوليّها إجبارها على النّكاح ،ثمّ إذا بلغت وكان الوليّ المجبر غير الب أو الجدّ ثبت لها خيار البلوغ .وذهب الحنابلة -في روايةٍ -إلى أنّ الوليّ المجبر هو الب فقط ،ول يزوّج الصّغيرة غيره ولو كان جدّا .وفي المذهب رواية أخرى كمذهب الحنفيّة .ويرى الشّافعيّة أنّ ولية الجبار في تزويج البكر هي للب والج ّد وحدهما ،دون بقيّة الولياء .فالبكر اليتيمة تنحصر ولية إجبارها في الجدّ .
اشتراط الزّوج بكارة الزّوجة :
ن الرّجل لو تزوّج امرأةً على أنّها بكر ،فتبيّن بعد الدّخول أنّها ليست - 9ذهب الحنفيّة إلى أ ّ ل لمرها على ل المهر ،لنّ المهر شرع لمجرّد الستمتاع دون البكارة ،وحم ً كذلك ،لزمه ك ّ الصّلح ،بأن زالت بوثب ٍة .فإن كان قد تزوّجها بأزيد من مهر مثلها على أنّها بكر ،فإذا هي غير بكرٍ ،ل تجب الزّيادة ،لنّه قابل الزّيادة بما هو مرغوب فيه ،وقد فات ،فل يجب ما
قوبل به ،ول يثبت بتخلّف شرط البكارة فسخ العقد .وعند المالكيّة :إذا تزوّج الرّجل امرأةً ظانّا أنّها بكر ،ثمّ تبيّن أنّها ثيّب ،ول علم عند أبيها ،فل ردّ للزّوج بذلك ،إلّ أن يقول : أتزوّجها بشرط أنّها ( عذراء ) وهي الّتي لم تزل بكارتها بمزيلٍ ،فإذا وجدها ثيّبا فله ردّها ، ي أم ل ،وسواء أكانت الثّيوبة بنكاحٍ أم ل .وأمّا إذا شرط أنّها ( بكر ) وسواء أعلم الول ّ فوجدها ثيّبا بغير وطء نكاحٍ ،ولم يعلم الب بذلك ،ففيه تردّد ،قيل :يخيّر ،وقيل :ل ، ن البكارة قد تزول بوثبةٍ ونحوها .وإن علم وهو الصوب لوقوع اسم البكارة عليها ،ول ّ الب بثيوبتها بل وطءٍ وكتم ،فللزّوج ال ّردّ على الصحّ ،وأحرى بوطءٍ .ولو شرط البكارة ووجدها قد ثيبت بنكاحٍ ،فله ال ّردّ مطلقا علم الب أم ل .وعند الشّافعيّة :لو نكح امرأةً ن المعقود عليه معيّن ل يتبدّل ح النّكاح في الظهر ،ل ّ بشرط بكارتها ،فتبيّن فوات الشّرط ص ّ بخلف الصّفة المشروطة والقول الثّاني عندهم :بطلنه ،لنّ النّكاح يعتمد الصّفات والسماء دون التّعيين والمشاهدة ،فيكون اختلف الصّفّة فيه كاختلف العين .وورد عن الحنابلة :إن شرط في التّزويج أن تكون بكرا فوجدها ثيّبا بالزّنى ملك الفسخ .وإن شرط أن تكون بكرا فبانت ثيّبا ،قال ابن قدامة :عن أحمد كلم يحتمل أمرين :أحدهما :ل خيار له ،لنّ النّكاح ب ،فل يردّ منه بمخالفة الشّرط .والمر الثّاني :له ب سوى ثمانية عيو ٍ ل يردّ فيه بعي ٍ الخيار نصّا ،لنّه شرط وصفا مرغوبا فيه ،فبانت بخلفه .
البكارة الحكميّة ،وأثرها في الجبار ومعرفة إذنها : - 10من زالت بكارتها بل وطءٍ كوثب ٍة ،أو أصبعٍ ،أو حدة حيضٍ ،ونحو ذلك ،فهي بكر حقيق ًة وحكما ،ول أثر لزوال بكارتها بما ذكر ونحوه في الجبار والستئذان ومعرفة إذنها ، ن الزّائل في هذه المسائل العذرة ،أي لنّها لم تمارس الرّجال بالوطء في محلّ البكارة ،ول ّ الجلدة الّتي على محلّ البكارة .وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة .والصحّ للشّافعيّة ، والثّاني لهؤلء ،ولبي يوسف ومح ّمدٍ :أنّها كال ّثيّب من حيث عدم الكتفاء بسكوتها ،لزوال العذرة ،لنّها ثيّب حقيقةً .وقال الحنفيّة :من زالت بكارتها بزنًى -إن لم يتكرّر ،ولم تحدّ به -هي بكر حكما .والتّفصيل في مصطلح ( نكاح ) .
ع وأثر ذلك : تعمّد إزالة العذرة بغير جما ٍ
ن الزّوج إذا تعمّد إزالة ح عندهم على أ ّ - 11اتّفق الحنفيّة ،والحنابلة ،والشّافعيّة في الص ّ بكارة زوجته بغير جماعٍ ،كأصبعٍ ،ل شيء عليه .ووجهه عند الحنفيّة :أنّه ل فرق بين آلةٍ ن الزّوج لو أزال عذرتها وآلةٍ في هذه الزالة .وورد في أحكام الصّغار في الجنايات :أ ّ بالصبع ل يضمن ،ويعزّر ،ومقتضاه أنّه مكروه فقط .وقال الحنابلة :إنّه أتلف ما يستحقّ
إتلفه بالعقد ،فل يضمن بغيره .وأمّا الشّافعيّة فقالوا :إنّ الزالة من استحقاق الزّوج . والقول الثّاني لهم :إن أزال بغير ذكرٍ فأرش .وقال المالكيّة :إذا أزال الزّوج بكارة زوجته ل ( أرش ) يقدّره القاضي ،وإزالة البكارة بالصبع حرام ، بأصبعه تعمّدا ،يلزمه حكومة عد ٍ ويؤدّب الزّوج عليه .والتّفصيل يكون في مصطلح ( نكاح ودية ) .
مقدار الصّداق بإزالة البكارة بالصبع دون الجماع : ن الزّوج إذا أزال بكارة زوجته بغير جماعٍ ،ثمّ طلّقها قبل المسيس ، - 12يرى الحنفيّة أ ّ وجب لها جميع مهرها ،إن كان مسمّى ولم يقبض ،وباقيه إن قبض بعضه ،لنّ إزالة البكارة بأصبعٍ ونحوه ل يكون إلّ في خلوةٍ .وقال المالكيّة :لو فعل الزّوج ما ذكر لزمه أرش البكارة الّتي أزالها بأصبعه ،مع نصف صداقها .وقال الشّافعيّة والحنابلة :يحكم لها ن وقد فرضتم لهنّ بنصف صداقها ،لمفهوم قوله تعالى { :وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوه ّ فريضةً فنصف ما فرضتم } إذ المراد بالمسّ :الجماع ،ول يستقرّ المهر باستمتاعٍ وإزالة بكار ٍة بل آلةٍ ،فإن طلّقها وجب لها الشّطر دون أرش البكارة ،وعلّل الحنابلة زيادةً على الية بأنّ هذه مطلّقة قبل المسيس والخلوة ،فلم يكن لها سوى نصف الصّداق المسمّى ،ولنّه أتلف ما يستحقّ إتلفه بالعقد ،فل يضمنه بغيره .
ادّعاء البكارة ،وأثر ذلك في الستحلف :
- 13يرى المالكيّة :أنّ من تزوّج امرأةً ظانّا أنّها بكر ،وقال :إنّي وجدتها ثيّبا ،وقالت : بل وجدني بكرا ،فالقول قولها مع يمينها إن كانت رشيدةً ،سواء ادّعت أنّها الن بكر ،أم ادّعى أنّها كانت بكرا ،وهو أزال بكارتها على المشهور في المذهب ،ول يكشف عن حالها .فإن لم تكن رشيدةً ،وكانت ل تحسن التّصرّف ،أو صغيرةً ،يحلف أبوها ،ول ينظرها النّساء جبرا عليها ،أو ابتداءً ،وأمّا برضاها فينظرنها ،فإن أتى الزّوج بامرأتين تشهدان له على ما هي مصدّقة فيه فإنّه يعمل بشهادتهما ،وكذا المرأة الواحدة .وحينئ ٍذ ل تصدّق الزّوجة ،وظاهره ولو حصلت الشّهادة بعد حلفها على ما ادّعت ،وإن كان الب أو غيره من الولياء عالما بثيوبتها بل وطءٍ من نكاحٍ ،بل بوثب ٍة ونحوها ،أو زنًى وكتم عن الزّوج ،فللزّوج الرّدّ على الصحّ إن كان قد شرط بكارتها ،ويكون له الرّجوع بالصّداق على الب ،وعلى غيره إن تولّى العقد .وأمّا إن كانت الثّيوبة من نكاحٍ فتردّ ،وإن لم يعلم الب .والتّفصيل في مصطلح ( نكاح ،صداق ،عيب ) .وقال الشّافعيّة :تصدّق المرأة في دعوى بكارتها بل يمينٍ ،وكذا في ثيوبتها ،إلّ إذا ادّعت بعد العقد أنّها كانت ثيّبا قبله فل بدّ من يمينها .وقال ي بيمينه هنا ،لئلّ يلزم بطلن العقد ،ول تسأل عن سبب الخطيب الشّربينيّ :يصدّق الول ّ
زوال بكارتها .ولو أقام الوليّ بيّن ًة ببكارتها قبل العقد لجبارها قبلت ،ولو أقامت هي بيّنةً بعد العقد بزوال بكارتها قبل العقد لم يبطل العقد .وقال الحنابلة :من تزوّج امرأ ًة بشرط أنّها عذراء ،فادّعى بعد دخوله بها أنّه وجدها ثيّبا ،وأنكرت ذلك ،ل يقبل قوله بعد وطئه في ن ذلك ممّا يخفى ،فل يقبل في قوله بمجرّد دعواه .فإن شهدت امرأة عدل : عدم بكارتها ،ل ّ أنّها كانت ثيّبا قبل الدّخول قبل قولها ويثبت له الخيار ،وإلّ فل .والتّفصيل في مصطلح ( نكاح ،صداق ،شرط )
بلغ انظر :تبليغ . بلعوم
1
-البلعوم لغ ًة واصطلحا :هو مجرى الطّعام والشّراب ،وموضع
البتلع من الحلق .أحكام تتعلّق بالبلعوم :البلعوم -باعتباره مجرى الطّعام والشّراب بين آخر الفم ( أي أقصاه ،وهو اللّهاة ) والمعدة -تجري عليه أحكام ، منها ما يتعلّق بما يفطر به الصّائم ،ومنها ما يتعلّق بالتّذكية وقطع البلعوم فيها ، ومنها ما يتعلّق بالجناية عليه والدّية فيه .
أ -ما يتعلّق بالصّوم ومفطراته :
ل ما أدخل في البلعوم من طعامٍ أو شرابٍ أو دوا ٍء في فترة الصّوم - 2اتّفق الفقهاء على أنّ ك ّ فإنّه يفطر في الجملة .وفي ذلك تفصيلت تنظر في ( الصّوم ) .وإن استقاء وجاوز القيء البلعوم أفطر عند بعض الفقهاء .وفي ذلك خلف وتفصيل ينظر في ( الصّوم ) أيضا .
ب -ما يتعلّق بالتّذكية : - 3اتّفق الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على ضرورة قطع البلعوم أثناء الذّبح ،ضمن ما يقطع من عروقٍ في المذبوح معلوم ٍة .وهي الحلقوم وهو :مجرى النّفس ،والودجان وهما : عرقان في جانبي العنق بينهما الحلقوم والمريء ،ويتّصل بهما أكثر عروق البدن ،ويتّصلن بالدّماغ .هذا بالضافة إلى المريء ( البلعوم ) .أمّا المالكيّة فلم يشترطوا قطعه ،بل قالوا بقطع جميع الحلقوم ،وقطع جميع الودجين .وفيما يجزئ في الذّبح خلف ،مجمله فيما يلي ل الكل ،لوجود الذّكاة .وكذلك إن قطع :ذهب الحنفيّة إلى أنّ الذّابح إن قطع جميعها ح ّ ثلثة منها ،أيّ ثلثةٍ كانت .وقال أبو يوسف :ل بدّ من قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين .وقال محمّد :إنّه يعتبر الكثر من كلّ عرقٍ ،وذكر القدوريّ قول محمّدٍ مع أبي يوسف ،وحمل الكرخيّ قول أبي حنيفة " وإن قطع أكثرها حلّ " على ما قاله محمّد ، ب قطع الحلقوم والمريء والصّحيح أنّ قطع أيّ ثلث ٍة منها يكفي .وعند الشّافعيّة :يستح ّ
والودجين ،لنّه أسرع وأروح للذّبيحة ،فإن اقتصر على قطع الحلقوم والمريء أجزأه ،لنّ الحلقوم مجرى النّفس ،والمريء مجرى الطّعام ،والرّوح ل تبقى مع قطعهما .وشرط المالكيّة قطع جميع الحلقوم ،وهو القصبة الّتي يجري فيها النّفس ،وقطع جميع الودجين ، ولم يشترطوا قطع المريء .أمّا الحنابلة فاشترطوا قطع الحلقوم والمريء ،واكتفوا بقطع البعض منهما ،ولم يشترطوا إبانتهما ،لنّه قطع في محلّ الذّبح ما ل تبقى الحياة معه ، واشترطوا فري الودجين ،وذكر ابن تيميّة وجها أنّه يكفي قطع ثلثةٍ من الربعة ،وقال : إنّه القوى ،وسئل عمّن قطع الحلقوم والودجين لكن فوق الجوزة ؟ فقال :هذا فيه نزاع ، والصّحيح أنّها تحلّ .والتّفصيل يرجع فيه إلى ( :تذكية ) .
ج -ما يتعلّق بالجناية : - 4الفقهاء متّفقون على أنّ الجروح -فيما عدا الرّأس والوجه -تنقسم إلى جائفةٍ وغير ن الجائفة هي الّتي تصل إلى الجوف من البطن أو الظّهر أو جائفةٍ .قال الشّافعيّة والحنابلة :إ ّ ن ما وصل من الرّقبة الورك أو الثّغر ( ثغرة النّحر ) أو الحلق أو المثانة ،وقال الحنفيّة :إ ّ إلى الموضع الّذي لو وصل إليه من الشّراب قطرة لفطر يكون جائف ًة ،لنّه ل يفطر إلّ إذا كان وصل إلى الجوف .وفي الجائفة ثلث الدّية ،فإن نفذت فهي جائفتان قال عليه الصلة والسلم { في الجائفة ثلث الدّية } وعن أبي بكرٍ رضي ال عنه أنّه حكم في جائفةٍ نفذت بثلث الدّية لنّها إن نفذت فهي جائفتان ،وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .أمّا المالكيّة فقد ن الجائفة مختصّة بالبطن والظّهر ،وفيها ثلث من الدّية المخمّسة ،فإن نفذت فهي قالوا :إ ّ جائفتان .والتّفصيل في ( الجنايات ،والدّيات ) .
بلغم انظر :نخامة . بلوغ التّعريف - 1البلوغ لغ ًة :الوصول ،يقال بلغ الشّيء يبلغ بلوغا وبلغا :وصل وانتهى ،وبلغ الصّبيّ :احتلم وأدرك وقت التّكليف ،وكذلك بلغت الفتاة .واصطلحا :انتهاء حدّ الصّغر في النسان ،ليكون أهلً للتّكاليف الشّرعيّة .أو هو :قوّة تحدث في الصّبيّ ،يخرج بها عن حالة الطّفوليّة إلى غيرها . ( اللفاظ ذات الصّلة ) : أ -الكبر :
- 2الكبر والصّغر معنيان إضافيّان ،فقد يكون الشّيء كبيرا بالنّسبة لخر ،صغيرا لغيره ، ن الفقهاء يطلقون الكبر في السّنّ على معنيين .الوّل :أن يبلغ النسان مبلغ الشّيخوخة ولك ّ والضّعف بعد تجاوزه مرحلة الكهولة .الثّاني :أن يراد به الخروج عن حدّ الصّغر بدخول مرحلة الشّباب ،فيكون بمعنى البلوغ المصطلح عليه . ب -الدراك : - 3الدراك :لغ ًة مصدر أدرك ،وأدرك الصّبيّ والفتاة :إذا بلغا .ويطلق الدراك في اللّغة ويراد به :اللّحاق ،يقال :مشيت حتّى أدركته .ويراد به أيضا :البلوغ في الحيوان والثّمر . كما يستعمل في الرّؤية فيقال :أدركته ببصري :أي رأيته .وقد استعمل الفقهاء الدراك بمعنى :بلوغ الحلم ،فيكون مساويا للفظ البلوغ بهذا الطلق ،ويطلق بعض الفقهاء الدراك ويريدون به أوان النّضج .ج الحلم والحتلم : - 4الحتلم :مصدر احتلم ،والحلم :اسم المصدر .وهو لغ ًة :رؤيا النّائم مطلقا ،خيرا ص الحلم بضدّه .ثمّ ص الرّؤيا بالخير ،وخ ّ كان المرئيّ أو شرّا .وفرّق الشّارع بينهما ،فخ ّ ص من ذلك ،وهو :أن يرى النّائم أنّه يجامع ،سواء أكان استعمل الحتلم والحلم بمعنًى أخ ّ مع ذلك إنزال أم ل ثمّ استعمل هذا اللّفظ بمعنى البلوغ ،وعلى هذا يكون الحلم والحتلم والبلوغ بهذا المعنى ألفاظا مترادفةً . د -المراهقة :د - 5المراهقة :مقاربة البلوغ ،وراهق الغلم والفتاة مراهق ًة :قاربا البلوغ ،ولم يبلغا ،ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .وبهذا تكون المراهقة والبلوغ لفظين متباينين . هـ -الشدّ : - 6الشدّ لغ ًة :بلوغ الرّجل الحنكة والمعرفة .والشدّ :طور يبتدئ بعد انتهاء حدّ الصّغر ، ن الربعين ،وقد يطلق الشدّ على الدراك أي من وقت بلوغ النسان مبلغ الرّجال إلى س ّ والبلوغ .وقيل :أن يؤنس منه الرّشد مع أن يكون بالغا .فالشدّ مساوٍ للبلوغ في بعض إطلقاته .الرّشد : - 7الرّشد لغ ًة :خلف الضّلل .والرّشد ،والرّشد ،والرّشاد :نقيض الضّلل ،وهو : إصابة وجه المر والهتداء إلى الطّريق .والرّشد في اصطلح الفقهاء :الصّلح في المال ل غير عند أكثر العلماء ،منهم :أبو حنيفة ومالك وأحمد .وقال الحسن والشّافعيّ وابن المنذر :الصّلح في الدّين والمال .والتّفصيل في مصطلح ( رشد ) ( والولية على المال ) .وليس ن معيّنة ،وقد يحصل قبل البلوغ ،وهذا نادر ل حكم له ،وقد يحصل مع البلوغ أو للرّشد س ّ بعده ،وفي استعمال الفقهاء :كلّ رشيدٍ بالغ ،وليس كلّ بال ٍغ رشيدا .علمات البلوغ الطّبيعيّة في الذّكر ،والنثى ،والخنثى :
- 8للبلوغ علمات طبيعيّة ظاهرة ،منها ما هو مشترك بين الذّكر والنثى ،ومنها ما يختصّ بأحدهما .وفيما يلي بيان العلمات المشتركة :الحتلم : - 9الحتلم :خروج المنيّ من الرّجل أو المرأة في يقظةٍ أو منامٍ لوقت إمكانه .لقوله تعالى ل حالمٍ دينارا } .النبات : { :وإذا بلغ الطفال منكم الحلم فليستأذنوا } ولحديث { :خذ من ك ّ - 10النبات :ظهور شعر العانة ،وهو الّذي يحتاج في إزالته إلى نحو حلقٍ ،دون الزّغب ن النبات إذا جلب الضّعيف الّذي ينبت للصّغير .ونجد في كلم بعض المالكيّة والحنابلة :أ ّ واستعمل بوسائل صناعيّ ٍة من الدوية ونحوها فإنّه ل يكون مثبتا للبلوغ ،قالوا :لنّه قد يستعجل النبات بالدّواء ونحوه لتحصيل الوليات والحقوق الّتي للبالغين .وقد اختلف الفقهاء ل ثلثةٍ : في اعتبار النبات علم ًة على البلوغ ،على أقوا ٍ ق اللّه ول في حقّ ن النبات ليس بعلم ٍة على البلوغ مطلقا .أي ل في ح ّ - 11الوّل :أ ّ ك على ما في باب القذف من المدوّنة ،ونحوه العباد .وهو قول أبي حنيفة ،ورواية عن مال ٍ لبن القاسم في باب القطع في السّرقة ،قال الدّسوقيّ :وظاهره ل فرق بين حقّ اللّه وحقّ الدميّين . ن النبات علمة البلوغ مطلقا .وهو مذهب المالكيّة والحنابلة ،ورواية عن - 12الثّاني :أ ّ ن ابن حجرٍ نقل أنّ مالكا ل يقيم الحدّ أبي يوسف ذكرها ابن عابدين وصاحب الجوهرة ،إلّ أ ّ ن الشّبهة فيه تمنع من إقامة الحدّ ،واحتجّ أصحاب على من لم يثبت بلوغه بغير النبات ،ل ّ ي صلى ال ن { النّب ّ هذا القول بحديثٍ نبويّ ،وآثارٍ عن الصّحابة .فأمّا الحديث :فما ورد أ ّ عليه وسلم لمّا حكّم سعد بن معاذٍ في بني قريظة ،فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريّهم ،وأمر أن يكشف عن مؤتزرهم ،فمن أنبت فهو من المقاتلة ،ومن لم ينبت فهو من ال ّذ ّريّة .بلغ ذلك النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :لقد حكمت فيهم بحكم اللّه من فوق سبعة أرقعةٍ } ومن هنا ت ،فكشفوا ي هل أنب ّ ب القرظيّ :كنت معهم يوم قريظة .فأمر أن ينظر إل ّ قال عطيّة بن كع ٍ ن عمر عانتي ،فوجدوها لم تنبت ،فجعلوني في السّبي .وأمّا ما ورد عن الصّحابة ،فمنه أ ّ رضي ال عنه كتب إلى عامله أن ل يقتل إلّ من جرت عليه المواسي ،ول يأخذ الجزية إلّ ن غلما من النصار شبّب بامرأ ٍة في شعره ،فرفع إلى عمر فلم ممّن جرت عليه المواسي وأ ّ يجده أنبت فقال :لو أنبتّ الشّعر لحددتك . ن النبات بلوغ في بعض الصّور دون بعضٍ .وهو قول الشّافعيّة ، - 13القول الثّالث :أ ّ ن النبات يقتضي الحكم ببلوغ ولد الكافر ،ومن جهل وبعض المالكيّة .فيرى الشّافعيّة أ ّ ن أو بالنزال ،وليس إسلمه ،دون المسلم والمسلمة .وهو عندهم أمارة على البلوغ بالسّ ّ ن عمره دون خمسة عشرة سن ًة ،لم بلوغا حقيقةً .قالوا :ولهذا لو لم يحتلم ،وشهد عدلن بأ ّ يحكم ببلوغه بالنبات .وإنّما فرّقوا بينه وبين المسلم في ذلك لسهولة مراجعة آباء المسلم
وأقاربه من المسلمين ،ولنّ الصّبيّ المسلم متّهم في النبات ،فربّما تعجّله بدوا ٍء دفعا للحجر عن نفسه وتشوّفا للوليات ،بخلف الكافر فإنّه ل يستعجله . - 14ويرى بعض المالكيّة أنّ النبات يقبل علمةً في أع ّم ممّا ذهب إليه الشّافعيّة ،فقد قال ن النبات علمة فيما بين الشّخص وبين غيره من الدميّين من قذفٍ وقطعٍ وقتلٍ ابن رشدٍ :إ ّ .وأمّا فيما بين الشّخص وبين اللّه تعالى فل خلف -يعني عند المالكيّة -أنّه ليس بعلمةٍ . وبنى بعض المالكيّة على هذا القول أنّه ليس على من أنبت ،ولم يحتلم إثم في ترك الواجبات وارتكاب المحرّمات ،ول يلزمه في الباطن عتق ول حدّ ،وإن كان الحاكم يلزمه ذلك ،لنّه ينظر فيه ويحكم بما ظهر له والحجّة للطّرفين الحديث المتقدّم ذكره الوارد في شأن بني قريظة .أمّا الشّافعيّة فقد قصروا حكمه على مخرجه ،فإنّ بني قريظة كانوا كفّارا ،وابن رشدٍ ومن معه من المالكيّة جعلوه فيما هو أعمّ من ذلك ،أي في الحكام الظّاهرة ،بنوعٍ من القياس .
ما تختصّ به النثى من علمات البلوغ : - 15تزيد النثى وتختصّ بعلمتين :هما الحيض ،إذ هو علم على بلوغها لحديث { :ل ص المالكيّة الحيض بالّذي لم يتسبّب في جلبه ،وإلّ ل بخمارٍ } .وخ ّ يقبل اللّه صلة حائضٍ إ ّ ن الولد ن اللّه تعالى أجرى العادة أ ّ فل يكون علمةً .والحمل علمة على بلوغ النثى ،ل ّ يخلق من ماء الرّجال وماء المرأة .قال تعالى { :فلينظر النسان م ّم خلق خلق من ما ٍء دافقٍ يخرج من بين الصّلب والتّرائب } فإذا وجد واحد من العلمات السّابقة حكم بالبلوغ على ن على النّحو المبيّن في مواطنه من البحث . الوجه المتقدّم ،وإن لم يوجد كان البلوغ بالسّ ّ - 16واعتبر المالكيّة من علمات البلوغ في الذّكر والنثى -زياد ًة على ما تقدّم -نتن البط ،وفرق الرنبة ،وغلظ الصّوت .واعتبر الشّافعيّة أيضا من علمات البلوغ في الذّكر - زياد ًة على ما سبق -نبات الشّعر الخشن للشّارب ،وثقل الصّوت ،ونتوء طرف الحلقوم ، ونحو ذلك .وفي النثى نهود الثّدي .
علمات البلوغ الطّبيعيّة لدى الخنثى :
- 17الخنثى إن كان غير مشكلٍ ،وألحق بالذّكور أو الناث ،فعلمة بلوغه بحسب النّوع الّذي ألحق به .أمّا الخنثى المشكل فعلمات البلوغ الطّبيعيّة لديه كعلمات البلوغ لدى الذّكور أو الناث ،فيحكم ببلوغه بالنزال أو النبات أو غيرهما من العلمات المشتركة أو الخاصّة ، على التّفصيل المتقدّم ،وهذا قول المالكيّة والحنابلة ،وهو قول بعض الشّافعيّة .أمّا القول الثّاني ،وهو المعتمد عند الشّافعيّة :أنّه ل بدّ من وجود العلمة في الفرجين جميعا ،فلو
أمنى الخنثى من ذكره ،وحاضت من فرجها ،أو أمنى منهما جميعا حكم ببلوغه ،أمّا لو أمنى من ذكره فقط ،أو حاضت من فرجها فقط فل يحكم بالبلوغ . - 18واستدلّ ابن قدامة من الحنابلة على الكتفاء بأيّ العلمتين تظهر أ ّولً ،بأنّ خروج منيّ الرّجل من المرأة مستحيل ،وخروج الحيض من الرّجل مستحيل ،فكان خروج أيّ منهما دليلً على تعيين كون الخنثى أنثى أو ذكرا ،فإذا ثبت التّعيين لزم كونه دليلً على البلوغ ، كما لو تعيّن قبل خروجه ،ولنّه منيّ خارج من ذكرٍ ،أو حيض خارج من فرجٍ ،فكان علما على البلوغ ،كالمنيّ الخارج من الغلم ،والحيض الخارج من الجارية .قال :ولنّهم سلّموا ن خروجهما معا يقتضي تعارضهما ن خروجهما معا دليل البلوغ ،فخروج أحدهما أولى ،ل ّ أّ وإسقاط دللتهما ،إذ ل يتصوّر حيض صحيح ومنيّ رجلٍ .فيلزم أن يكون أحدهما فضلةً خارج ًة من غير محلّها ،وليس أحدهما أولى بذلك من الخر ،فتبطل دللتهما ،كالبيّنتين إذا تعارضتا ،أمّا إن وجد الخروج من أحدهما من غير معارضٍ ،وجب أن يثبت حكمه ، ويقضى بثبوت دللته . - 19وأمّا الحنفيّة فلم نجد -في ما اطّلعنا عليه -من كلمهم تعرّضا صريحا لهذه المسألة ، ن قول الحنفيّة كقول المالكيّة والحنابلة ،لظاهر ما في شرح الشباه من قوله في ولكن يبدو أ ّ باب أحكام الخنثى :إذا كان الخنثى بالغا ،بأن بلغ بالسّنّ ،ولم يظهر شيء من علمات ن الرّأس من الحرّة عورة . الرّجال أو النّساء ،ل تجزيه الصّلة بغير قناعٍ ،ل ّ
البلوغ بالسّنّ : ن الطّلع على أوّل كمال العقل - 20جعل الشّارع البلوغ أمارةً على أوّل كمال العقل ،ل ّ متعذّر ،فأقيم البلوغ مقامه .والبلوغ بالسّنّ :يكون عند عدم وجود علم ٍة من علمات البلوغ قبل ذلك ،واختلف الفقهاء في سنّ البلوغ .فيرى الشّافعيّة ،والحنابلة ،وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة :أنّ البلوغ بالسّنّ يكون بتمام خمس عشرة سن ًة قمريّ ًة للذّكر والنثى ،كما صرّح الشّافعيّة بأنّها تحديديّة ،لخبر ابن عمر { عرضت على النّبيّ صلى ال عليه وسلم يوم أحدٍ ، وأنا ابن أربع عشرة سن ًة فلم يجزني ،ولم يرني بلغت ،وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنةً فأجازني ،ورآني بلغت } .قال الشّافعيّ :ردّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم سبعة عشر من الصّحابة ،وهم أبناء أربع عشرة سن ًة ،لنّه لم يرهم بلغوا ،ثمّ عرضوا عليه وهم من أبناء خمس عشرة فأجازهم ،منهم :زيد بن ثابتٍ ورافع بن خديجٍ وابن عمر . ويرى المالكيّة أنّ البلوغ يكون بتمام ثماني عشرة سن ًة ،وقيل بالدّخول فيها ،وقد أورد ل في المذهب ،ففي رواي ٍة :ثمانية عشر ،وقيل :سبعة عشر ،وزاد الحطّاب خمسة أقوا ٍ ب خمسة عشر ، بعض شرّاح الرّسالة :ستّة عشرة ،وتسعة عشر ،وروي عن ابن وه ٍ
لحديث ابن عمر السّابق .ويرى أبو حنيفة :أنّ البلوغ بالسّنّ للغلم هو بلوغه ثماني عشرة سنةً ،والجارية سبع عشرة سنةً لقوله تعالى { :ول تقربوا مال اليتيم إلّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه } قال ابن عبّاسٍ رضي ال عنه :الشدّ ثماني عشرة سن ًة .وهي أقلّ ما قيل فيه ،فأخذ به احتياطا ،هذا أشدّ الصّبيّ ،والنثى أسرع بلوغا فنقصت سنةً .
السّنّ الدنى للبلوغ الّذي ل تصحّ دعوى البلوغ قبله : ن الدنى للبلوغ في الذّكر :عند المالكيّة والشّافعيّة باستكمال تسع سنين قمريّةٍ - 21السّ ّ بالتّمام ،وفي وج ٍه آخر للشّافعيّة :مضيّ نصف التّاسعة ،ذكره النّوويّ في شرح المهذّب . ي بأنّ الصّبيّ وعند الحنفيّة :اثنتا عشرة سنةً .وعند الحنابلة :عشر سنين .ويقبل إقرار الول ّ ن الدنى للبلوغ في النثى :تسع سنين قمريّ ٍة عند بلغ بالحتلم ،إذا بلغ عشر سنين .والسّ ّ ن تحيض له المرأة ، الحنفيّة ،والشّافعيّة على الظهر عندهم ،وكذا الحنابلة لنّه أقلّ س ّ ولحديث { :إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة } والمراد حكمها حكم المرأة ،وفي روايةٍ ن لحيض الفتاة . للشّافعيّة :نصف التّاسعة ،وقيل :الدّخول في التّاسعة ،ولنّ هذا أقلّ س ّ ن الدنى للبلوغ في الخنثى :تسع سنين قمريّ ٍة بالتّمام ،وقيل نصف التّاسعة ،وقيل : والسّ ّ الدّخول فيها .
إثبات البلوغ :يثبت البلوغ بالطّرق التية :الطّريق الولى :القرار :
ن الصّغير إذا كان مراهقا ،وأق ّر بالبلوغ - 22تتّفق كلمة الفقهاء في المذاهب الربعة على أ ّ ح إقراره ، بشي ٍء من العلمات الطّبيعيّة الّتي تخفى عاد ًة ،كالنزال والحتلم والحيض ،يص ّ وتثبت له أحكام البالغ فيما له وما عليه .قال المالكيّة :يقبل قوله في البلوغ نفيا وإثباتا ،طالبا أو مطلوبا .فالطّالب كمن ادّعى البلوغ ليأخذ سهمه في الغنيمة ،أو ليؤمّ النّاس ،أو ليكمل العدد في صلة الجمعة .والمطلوب كجانٍ ادّعى عدم البلوغ ليدرأ عن نفسه الحدّ أو القصاص ل يقع عليه الطّلق أو الغرامة في إتلف الوديعة ،وكمطّلقٍ ادّعى عدم البلوغ عند الطّلق ،لئ ّ ن الدنى للبلوغ ،بل ل تقبل البيّنة ببلوغه قبل .ويشترط لقبول قوله أن يكون قد جاوز السّ ّ ذلك .فعند الحنفيّة :ل يقبل إقرار الصّبيّ قبل تمام اثني عشر عاما ،وعند الحنابلة ل يقبل إقراره بذلك قبل تمام العاشرة ،وعند كليهما :ل يقبل إقرار الصّبيّة به قبل تمام التّاسعة ، ووجه صحّة القرار بالبلوغ :أنّه معنًى ل يعرف إلّ من قبل الشّخص نفسه ،وفي تكليف الطّلع عليه عسر شديد ،ول يكلّف البيّنة على ذلك .ول يحلف أيضا حتّى عند الخصومة ، فإن لم يكن في الحقيقة بالغا فل قيمة ليمينه ،لعدم العتداد بيمين الصّغير ،وإن كان بالغا فيمينه تحصيل حاصلٍ ،وقد استثنى الشّافعيّة بعض الصّور يحلف فيها احتياطا ،لكنّه يزاحم
غيره في الحقوق ،كما لو طلب في الغنيمة سهم مقاتلٍ - 23واشترط الفقهاء في المذاهب الربعة لصحّة إقراره بذلك :أن ل يكون بحالٍ مريب ٍة ،أو كما عبّر الشّافعيّ رحمه ال :يقبل إن أشبه ،فإن لم يشبه لم يقبل ،ولو صدّقه أبوه .وعبّر الحنفيّة بقولهم إن لم يكذّبه الظّاهر ، ل يحتلم مثله .والمراد أن يكون حال جسمه عند القرار حال البالغين ،ول يشكّ بل يكون بحا ٍ في صدقه .هكذا أطلق فقهاء المذاهب -ما عدا المالكيّة -قبول قوله ،وفصّل المالكيّة فقالوا :إن ارتيب فيه يصدّق فيما يتعلّق بالجناية والطّلق ،فل يحدّ للشّبهة ،ول يقع عليه الطّلق استصحابا لصل الصّغر ،ول يصدّق فيما يتعلّق بالمال ،فلو أقرّ بإتلف الوديعة ،وأنّه بالغ ،فقال أبوه :إنّه غير بالغٍ ،فل ضمان .وقد تعرّض بعض المالكيّة لقبول قول المراهقين في البلوغ إن ادّعياه بالنبات .والفرق بين النبات وبين غيره من العلمات الطّبيعيّة الّتي ذكرت سابقا :أنّه يسهل الطّلع عليه .وقد أمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم ن كون العورة في الصل يحرم بالكشف عمّن شكّ في بلوغه من غلمان بني قريظة .إلّ أ ّ كشفها ،دعا إلى قول الفقهاء إنّه يقبل قول الشّخص المشكوك فيه في نباتها وعدمه ،إلّ أنّ ي المالكيّ خالف في ذلك وقال :إنّه ينبغي أن ينظر إليها ،ولكن ل ينظر مباشر ًة بل ابن العرب ّ من خلل المرآة .وردّ كلمه ابن القطّان من المالكيّة وقال :ل ينظر إليها مباشرةً ،ول من خلل المرآة ،ويقبل كلمه إن ادّعى البلوغ بالنبات .
البلوغ شرط للزوم الحكام الشّرعيّة عند الفقهاء : ن الشّارع ربط التّكليف بالواجبات والمحرّمات ولزوم آثار الحكام - 24ذهب الفقهاء إلى أ ّ في الجملة بشرط البلوغ ،واستدلّوا على ذلك بأدلّةٍ منها : أ -قول اللّه تعالى { :وإذا بلغ الطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم } جعل البلوغ موجبا للستئذان . ب -ومنها قوله تعالى { :وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } جعل بلوغ النّكاح موجبا لرتفاع الولية الماليّة عن اليتيم ،بشرط كونه راشدا . ل حالمٍ ج -ومنها قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمعاذٍ لمّا أرسله إلى اليمن { :خذ من ك ّ دينارا أو عدله معافريّا } جعل الحتلم موجبا للجزية . ن من اشتبهوا في بلوغه من السرى كان إذا أنبت قتل د -ومنها ما حصل يوم قريظة ،من أ ّ ،فإن لم يكن أنبت لم يقتل .فجعل النبات علمةً لجواز قتل السير . ل بخمارٍ } فجعل هـ -ومنها قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم { :ل يقبل اللّه صلة حائضٍ إ ّ الحيض من المرأة موجبا لفساد صلتها ،إن صلّت بغير خمارٍ .
و -ومنها حديث { :غسل يوم الجمعة واجب على ك ّل محتلمٍ } بوّب عليه البخاريّ " باب بلوغ الصّبيان وشهادتهم " قال ابن حجرٍ :ويستفاد مقصود التّرجمة -يعني شهادة الصّبيان - بالقياس على بقيّة الحكام من حيث تعلّق الوجوب بالحتلم . ز -ومنها حديث { :رفع القلم عن ثلثةٍ :عن الصّغير حتّى يكبر } ...جعل الخروج عن حدّ الصّغير موجبا لكتابة الثم ،على من فعل ما يوجبه .فهذه الدلّة وأمثالها -ممّا يأتي في ن الشّارع ربط التّكليف ولزوم الحكام عامّ ًة بشرط البلوغ ، شأن علمات البلوغ -تدلّ على أ ّ فمن اعتبر بالغا بأيّ علمةٍ من علمات البلوغ فهو رجل تامّ أو امرأة تامّة ،مكلّف -إن كان عاقلً -كغيره من الرّجال والنّساء ،يلزمه ما يلزمهم ،وحقّ له ما يحقّ لهم .وقد نقل ن الفرائض والحكام تجب على بعضهم الجماع على ذلك ،فقال ابن المنذر :وأجمعوا على أ ّ ن الحتلم في الرّجال والنّساء يلزم به المحتلم العاقل .وقال ابن حجرٍ :أجمع العلماء على أ ّ العبادات والحدود وسائر الحكام .
ما يشترط له البلوغ من الحكام : أ -ما يشترط لوجوبه البلوغ : - 25التّكليف بالفرائض والواجبات وترك المحرّمات يشترط له البلوغ ،ول تجب على غير البالغ لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم { :رفع القلم عن ثلثةٍ :عن الصّغير حتّى يكبر } ... ج على أنّ في الزّكاة خلفا .ومع هذا ينبغي لوليّ الحديث ،وذلك كالصّلة والصّوم والح ّ الصّغير أن يجنّبه المحرّمات ،وأن يأمره بالصّلة ونحوها ليعتادها ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم { :مروا أبناءكم بالصّلة لسبعٍ ،واضربوهم عليها لعشرٍ ،وفرّقوا بينهم في ح منه ،ويؤجر عليها .ول المضاجع } .ومع هذا إذا أدّاها الصّغير ،أو فعل المستحبّات تص ّ يجب القصاص والحدود ،كحدّ السّرقة وحدّ القذف ولكن يجوز أن يؤدّب .
ب -ما يشترط لصحّته البلوغ :
- 26البلوغ شرط صحّ ٍة في كلّ ما يشترط له تمام الهليّة ،ومن ذلك :الوليات كلّها ، كالمارة والقضاء والولية على النّفس والشّهادة في الجملة .ومن ذلك التّصرّفات المتمحّضة للضّرر كالهبة والعاريّة والوقف والكفالة .ومن ذلك أيضا :الطّلق ،وما في معناه كالظّهار واليلء والخلع والعتق ،وكذلك النّذر .وينظر تفصيل كلّ ذلك في موطنه ،وفي مصطلح ( صغر ) .
ما يثبت بطروء البلوغ من الحكام :
- 27من الصّعوبة بمكانٍ حصر جميع الحكام الّتي تثبت بمجرّد طروء البلوغ ،وفيما يلي ي أو الصّبيّة ،أو يريا أيّة علم ٍة من بعض المثلة للحكام الّتي تثبت بمجرّد أن يحتلم الصّب ّ علمات البلوغ :أ ّولً في باب الطّهارة :إعادة التّيمّم : - 28عند الشّافعيّة والحنابلة إذا تيمّم ،وهو غير بالغٍ ،ثمّ بلغ بما ل ينقض الطّهارة كالسّنّ ، ن تيمّمه قبل بلوغه كان لنافل ٍة ،إذ أنّه لو لزمه أن يعيد التّيمّم إن أراد أن يصلّي الفرض ،ل ّ تيمّم للظّهر مثلً فقد كانت في حقّه نافل ًة ،فل يستبيح به الفرض ،وهذا بخلف من توضّأ أو اغتسل ثمّ بلغ ،ل يلزمه إعادتهما ،لنّ الوضوء والغسل للنّافلة يرفعان الحدث من أصله . أمّا التّيمّم فهو مبيح وليس رافعا ،والمشهور من مذهب المالكيّة كذلك :أنّه مبيح ل رافع .أمّا مذهب الحنفيّة ،وهو قول عند المالكيّة فهو أنّ التّيمّم رافع للحدث إلى وقت وجود الماء مع القدرة على استعماله ،وهذا يقتضي أن ليس على الصّبيّ إذا تيمّم ،ثمّ بلغ إعادة التّيمّم .
ثانيا -في باب الصّلة : - 29تجب على الصّبيّ أو الصّبيّة الصّلة الّتي بلغ في وقتها إن لم يكن قد صلّاها إجماعا ، حتّى المالكيّة -الّذين قالوا :يحرم تأخير الصّلة إلى الوقت الضّروريّ ،أي للعصر في الجزء الخر من وقتها ،والصّبح كذلك -قالوا :لو بلغ في الوقت الضّروريّ فعليه أن يصلّيها ،ول حرمة عليه - 30 .ولو أنّه صلّى صلة الوقت ،ثمّ بلغ قبل خروج وقتها ، ن الصّلة الّتي صلّاها قبل البلوغ نفل في حقّه ،لعدم وجوبها عليه ، لزمه إعادتها ،وذلك ل ّ فلم تجزئه عن الواجب ،هذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة .ونصّ المالكيّة أيضا على أنّه لو صلّى الظّهر ،ثمّ بلغ قبل صلة الجمعة ،تجب عليه الجمعة مع النّاس .وكذا إن صلّى الجمعة ،ثمّ بلغ ووجد جمعةً أخرى ،وجب عليه العادة معهم ،وإن فاتته الجمعة أعادها ل ،فل يجزئ عن الفرض .أمّا مذهب ن فعله الوّل -ولو جمع ًة -وقع نف ً ظهرا ،ل ّ الشّافعيّة ،فهو أنّه ل يلزم الصّبيّ العادة إذا بلغ في الوقت وقد صلّى ،قالوا :لنّه أدّى وظيفة الوقت .ولو أنّه بلغ في أثناء الصّلة يلزمه إتمام الصّلة الّتي هو فيها ،ول يجب عليه إعادتها ،بل تستحبّ - 31 .تجب عليه الصّلة الّتي بلغ في وقتها ،كما تقدّم ،ويجب عليه مع ذلك أن يصلّي الصّلة الّتي تجمع إلى الحاضرة قبلها ،فلو بلغ قبل أن تغرب الشّمس وجب عليه أن يصلّي الظّهر والعصر ،ولو بلغ قبل الفجر وجب عليه أن يصلّي المغرب والعشاء .قال ابن قدامة :روي هذا القول عن عبد الرّحمن بن عوفٍ وابن عبّاسٍ وطاووسٍ ومجاهدٍ والنّخعيّ والزّهريّ وربيعة ،وهو قول مالكٍ والشّافعيّ واللّيث وإسحاق وأبي ثورٍ ل بإدراك ما يسع خمس ركعاتٍ أي ن مالكا قال :ل تجب الولى إ ّ وعامّة التّابعين ،إلّ أ ّ الصّلة الولى منهما كاملةً وركعةً واحدةً على القلّ من الثّانية .وعند الحنابلة :لو أدرك ما
يسع تكبيرة إحرامٍ فقد لزمته الصّلتان .وعند الشّافعيّة :بإدراك ركعةٍ واحدةٍ .ووجه هذا ن وقت الثّانية هو وقت للولى حال العذر ،أي لنّه يمكن في حال السّفر أو نحوه أن القول :أ ّ يؤخّر الظّهر إلى العصر ،والمغرب إلى العشاء ،فوقت العصر وقت للظّهر من وجهٍ ، وكذلك المغرب والعشاء ،فكأنّه بإدراكه وقت الثّانية مدرك للولى أيضا .وخالف في هذه المسألة الحنفيّة والثّوريّ والحسن البصريّ ،فرأوا أنّه يصلّي الصّلة الّتي بلغ في وقتها فقط .
ثالثا -الصّوم : - 32إن بيّت الصّبيّ الصّوم في رمضان ،ثمّ بلغ أثناء النّهار وهو صائم ،فإنّه يجب عليه إتمام صومه بغير خلفٍ ،لنّه -كما قال الرّمليّ الشّافعيّ -صار من أهل الوجوب في أثناء العبادة ،فأشبه ما لو دخل البالغ في صوم تط ّوعٍ ،ثمّ نذر إتمامه .فإن صام في تلك الحال فل قضاء عليه إلّ في وجهٍ عند الحنابلة .أمّا إن بيّت الفطار ،ثمّ بلغ أثناء النّهار ،فقد اختلف الفقهاء في ذلك في موضعين :في حكم المساك بقيّة النّهار ،وفي حكم قضاء ذلك اليوم - 33 .فأمّا المساك فقد اختلفوا فيه :فذهب الحنفيّة والحنابلة -وهو قول لدى الشّافعيّة إلى أنّه يجب عليه المساك بقيّة اليوم ،لدراكه وقت المساك ،وإن لم يدرك وقت الصّوم .واحتجّوا بما ورد في فرض عاشوراء -قبل أن ينسخ بفرض رمضان -فقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم { :من كان منكم أصبح مفطرا فليمسك بقيّة يومه ،ومن كان أصبح صائما فليتمّ صومه } قالوا :والمر يقتضي الوجوب ،وذلك لحرمة الشّهر .وذهب الشّافعيّة ح عندهم -إلى أنّ المساك في تلك الحال مستحبّ ،وليس واجبا .وإنّما استحبّوه في الص ّلحرمة الوقت .ولم يجب المساك في تلك الحال ،لنّه أفطر بعذرٍ هو الصّغر ،فأشبه ن المساك حينئذٍ ل يجب ول المسافر إذا قدم ،والمريض إذا برأ .وذهب المالكيّة إلى أ ّ ب ،ككلّ صاحب عذرٍ يباح لجله الفطر - 34 .وأمّا القضاء قد اختلفوا فيه كذلك : يستح ّ ل -إلى أنّ القضاء واجب ،وفصّل الحنابلة بين من أصبح مفطرا ، فذهب الشّافعيّة -في قو ٍ ثمّ بلغ في أثناء النّهار ،فالقضاء واجب عليه ،لنّه أدرك جزءا من وقت الوجوب ،ول يمكن ل بصو ٍم كاملٍ .وبين من بيّت الصّوم من اللّيل ،وأصبح صائما ثمّ بلغ ،فل قضاء فعله إ ّ عليه ،خلفا لبي الخطّاب منهم .وقال الحنفيّة والمالكيّة ،والشّافعيّة في الصحّ عندهم :ل ل .وفرّقوا بين ذلك وبين الصّلة ،إذ يجب فعلها يجب القضاء لعدم تمكّنه من زمنٍ يسع الك ّ لمن بلغ في الوقت ،لنّ السّبب فيها الجزء المتّصل بأدائها ،فوجدت الهليّة عنده ،وأمّا الصّوم فالسّبب فيه الجزء الوّل والهليّة منعدمة فيه ،وبهذا علّله الحنفيّة .هذا وقد ورد في المغني أنّ الوزاعيّ كان يرى أنّ الصّبيّ إذا بلغ أثناء شهر رمضان ،يلزمه قضاء اليّام الّتي سبقت بلوغه من الشّهر ،إن كان قد أفطرها ،وهو خلف ما عليه عامّة أهل العلم .
رابعا :الزّكاة : - 35اختلف في وجوب الزّكاة على من لم يبلغ .فذهب جمهور الفقهاء إلى وجوبها ،لتعلّق الوجوب بالمال .وذهب الحنفيّة إلى أنّها ل تجب ،لنّها عبادة تلزم الشّخص المكلّف ، والصّبيّ ليس من أهل التّكليف .فعلى هذا إذا بلغ الصّبيّ :فعند الحنفيّة يبدأ حول زكاته من حين بلوغه ،إن كان يملك نصابا .أمّا عند غير الحنفيّة :فالحول الّذي بدأ قبل البلوغ ممتدّ بعده .وعند غير الحنفيّة كذلك يلزم الصّبيّ إذا بلغ راشدا أداء الزّكاة ،لما مضى من العوام ،منذ دخل المال في ملكه ،إن لم يكن وليّه يخرج عنه الزّكاة .أمّا إن بلغ سفيها ، فاستم ّر الحجر عليه ،فإنّه عند الحنفيّة يؤدّيها بنفسه لشتراط ال ّنيّة ،ول يقوم عنه وليّه في ذلك .قالوا :غير أنّه يدفع القاضي إليه قدر الزّكاة ليفرّقها ،لكن يبعث معه أمينا ،كي ل يصرفها في غير وجهها ،بخلف النّفقات الواجبة على السّفيه لقاربه مثلً ،فإنّ وليّه يتولّى دفعها لعدم اشتراط ال ّنيّة فيها .أمّا عند الشّافعيّة ،قد قال الرّمليّ :ل يفرّق السّفيه الزّكاة ح صرفه ،كما يجوز للجنبيّ توكيله بنفسه ،لكن إن أذن له الوليّ ،وعيّن المدفوع له ،ص ّ فيه .وينبغي أن يكون تفريقه الزّكاة بحضرة الوليّ أو نائبه ،لحتمال تلف المال لو خل به السّفيه ،أو دعواه صرفها كاذبا .ولم يتعرّض لكون الوليّ يخرجها أو يؤخّرها إلى الرّشد . ولم يتعرّض المالكيّة والحنابلة لهذه المسألة فيما رأيناه من كلمهم .
خامسا :الحجّ :
- 36إذا حجّ الصّغير ثمّ بلغ فعليه حجّة أخرى ،هي حجّة السلم بالنّسبة إليه ،ول تجزئه الحجّة الّتي حجّها قبل البلوغ .نقل الجماع على ذلك التّرمذيّ وابن المنذر ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم { :إنّي أريد أن أجدّد في صدور المؤمنين عهدا :أيّما مملوكٍ حجّ به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجّه ،وإن عتق قبل أن يموت فليحجّ ،وأيّما غلمٍ حجّ به أهله قبل أن يدرك ،فقد قضى حجّته ،وإن بلغ فليحجج } ،ولنّها عبادة بدنيّة فعلها قبل وقت الوجوب ،فلم يمنع ذلك وجوبها عليه في وقتها .قال الرّمليّ :والمعنى فيه :أنّ الحجّ وظيفة العمر ،ل تكرار فيه ،فاعتبر وقوعه في حالة الكمال - 37 .إذا بلغ المراهق ( أو المراهقة ) وهو محرم بعد أن تجاوز الميقات ،فإن كان بلوغه وهو واقف بعرفة ،أو قبل الوقوف ،أو كان بلوغه بعد الوقوف ،ولكن رجع فوقف بعرفاتٍ قبل الفجر من ليلة يوم النّحر ،وأتمّ المناسك كلّها ،فهل تجزئه ذلك عن حجّة السلم ؟ مذهب الشّافعيّ وأحمد :أنّ ذلك يجزئه عن حجّة السلم ،ول دم عليه ،ول يجدّد لحجّته تلك إحراما ،لما ورد عن ابن عبّاسٍ أنّه قال :إذا عتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجّته ،فإن عتق بجمعٍ -يعني المزدلفة -
ن ذلك يجزئه عن لم تجزئ عنه وقياسا على ما لو أحرم غيره من البالغين الحرار بعرفة ،فإ ّ ن ذلك يجزئه بشرط أن حجّة السلم إذا أت ّم مناسكه ،فكذلك من بلغ بعرفة .ومذهب الحنفيّة أ ّ ن إحرامه انعقد نفلً ، يجدّد إحراما بعد بلوغه قبل الوقوف ،فإن لم يجدّد إحراما لم يجزئه ،ل ّ ج إلّ أنّه شبيه بالرّكن ،فاعتبرنا شبه فل ينقلب فرضا .قالوا :والحرام وإن كان شرطا للح ّ الرّكن احتياطا للعبادة .وفي روايةٍ عن الشّافعيّ -كما في مختصر المزنيّ -أنّ عليه في ن ذلك ل يجزئه عن حجّة ذلك دما ،أي لنّه كمن جاوز الميقات غير محرم .ومذهب مالكٍ أ ّ السلم أصلً .وليس له أن يجدّد إحرامه بعد بلوغه .ولكن عليه أن يمضي على إحرامه الّذي احتلم فيه ،ول يجزئه من حجّة السلم - 38 .إذا تجاوز الصّبيّ الميقات غير محرمٍ ، ثمّ بلغ ،فأحرم من مكان دون الرّجوع إلى الميقات :يرى الحنفيّة والمالكيّة ،وهو رواية عند الحنابلة أنّه يجزئه ذلك ،وليس عليه دم ،لنّه كالم ّكيّ ومن كان منزله دون الميقات .ويرى الشّافعيّ ،وهو الرّواية الخرى عن أحمد :أنّ عليه إن لم يرجع إلى الميقات دما ،لنّه تجاوز الميقات دون إحرامٍ .
سادسا :خيار البلوغ :تخيير الزّوج والزّوجة في الصّغر : ن الصّغير أو الصّغيرة -ولو ثيّبا -إن زوّجهما غير الب - 39يرى أكثر الحنفيّة :أ ّ ح النّكاح ،ولكن لهما خيار الفسخ بالبلوغ والجدّ ،كالخ أو العمّ ،من كف ٍء وبمهر المثل ،ص ّ ،إذا علما بعقد النّكاح قبل البلوغ أو عنده ،أو علما بالنّكاح بعد البلوغ ،بأن بلغا ولم يعلما به ثمّ علما بعده ،فإن اختار الفسخ ل يتمّ الفسخ إلّ بالقضاء ،لنّ في أصله ضعفا ،فيتوقّف على الرّجوع إلى القضاء .وقال أبو يوسف :ل خيار لهما ،اعتبارا بما لو زوّجهما الب والجدّ ،ويبطل خيار البكر بالسّكوت لو مختارةً عالم ًة بأصل النّكاح ،ول يمتدّ إلى آخر مجلس بلوغها أو علمها بالنّكاح .أي إذا بلغت وهي عالمة بالنّكاح ،أو علمت به بعد ل -بطل خيارها ، بلوغها ،فل بدّ من الفسخ في حال البلوغ أو العلم ،فلو سكتت -ولو قلي ً ولو قبل تبدّل المجلس .وكذا ل يمتدّ إلى آخر مجلس بلوغها أو علمها بالنّكاح ،بأن جهلت ن لها بأنّ لها خيار البلوغ ،أو بأنّه ل يمتدّ إلى آخر مجلس بلوغها ،فل تعذر بدعوى جهلها أ ّ الخيار ،لنّ الدّار دار إسلمٍ ،فل تعذر بالجهل ،وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف .وقال ن لها خيارا ،وخيار الصّغير إذا بلغ وال ّثيّب -سواء محمّد :إنّ خيارها يمتدّ إلى أن تعلم أ ّ أكانت ثيّبا في الصل ،أو كانت بكرا ،ثمّ دخل بها ،ثمّ بلغت -ل يبطل بالسّكوت بل س ودفع مهرٍ ،ول يبطل بقيامها عن صريح الرّضا ،أو دلل ٍة على الرّضا ،كقبلةٍ ولم ٍ ن وقته العمر ،فيبقى الخيار حتّى يوجد الرّضا .وإذا زوّج القاضي صغيرةً من المجلس ،ل ّ كفءٍ ،وكان أبوها أو جدّها فاسقا ،فلها الخيار في أظهر الرّوايتين عند أبي حنيفة ،وهو
قول مح ّمدٍ - 40 .وعند المالكيّة :إذا عقد للصّغير وليّه -أبا كان أو غيره -على شروطٍ شرطت حين العقد ،وكانت تلزم إن وقعت من مكّلفٍ -كأن اشترط لها في العقد أنّه إن تزوّج عليها فهي ،أو الّتي تزوّجها طالق -أو زوّج الصّغير نفسه بالشّروط وأجازها وليّه ، ثمّ بلغ وكره بعد بلوغه تلك الشّروط -والحال أنّه لم يدخل بها ،ل قبل البلوغ ول بعده - عالما بها ،فهو مخيّر بين التزامها وثبوت النّكاح ،وبين عدم التزامها وفسخ النّكاح بطلقٍ ، ل ذلك ما لم ترض المرأة بإسقاط الشّروط .والصّغيرة في هذا حكمها حكم الصّغير . ومح ّ والتّفصيل في باب ( الولية ) من كتب الفقه .وإن زوّج الصّغير نفسه بغير إذن وليّه ،فلوليّه فسخ عقده بطلقٍ ،لنّه نكاح صحيح ،غاية المر أنّه غير لزمٍ .وقال ابن الموّاز من ن المصلحة في ردّه -حتّى كبر وخرج المالكيّة :إذا لم يرد الوليّ نكاح الصّبيّ -والحال أ ّ ن للصّغير حقّ من الولية جاز النّكاح ،وينبغي أن ينتقل النّظر إليه فيمضي أو يردّ ،ومفاده أ ّ ل عندهم : الختيار بعد بلوغه .والتّفصيل في باب ( الولية ) - 41 .ويرى الشّافعيّة في قو ٍ ن الصّغير إذا زوّجه أبوه امرأةً معيب ًة بعيبٍ صحّ النّكاح ،وثبت له الخيار -إذا بلغ -ول أّ يصحّ على المذهب لنّه خلف الغبطة .والصّغير إن زوّجه أبوه من ل تكافئه ،ففي الصحّ ن الرّجل ل يتعيّر باستفراش من ل تكافئه ،ولكن له ن نكاحه على هذا الوجه جائز ،ل ّ أّ الخيار .وهناك قول بعدم صحّة العقد ،لنّ الولية ولية مصلحةٍ ،وليست المصلحة في تزويجه ممّن ل تكافئه .وإن زوّج الب أو الجدّ الصّغيرة من غير كف ٍء يثبت لها الخيار إذا بلغت ،لوقوع النّكاح على الوجه المذكور صحيحا على خلف الظهر ،والنّقص لعدم الكفاءة يقتضي الخيار .وعلى الظهر :التّزويج باطل - 42 .وعند الحنابلة ل يجوز لغير الب تزويج الصّغيرة ،فإن زوّجها الب فل خيار لها ،وإن زوّجها غير الب فالنّكاح باطل .وفي رواي ٍة :يصحّ تزويج غير الب ،وتخيّر إذا بلغت ،كمذهب أبي حنيفة .وقيل :تخيّر إذا بلغت تسعا .فإن طلقت قبله وقع الطّلق وبطل خيارها .وكذا يبطل خيارها إن وطئها بعد ب يردّ به في النّكاح ، أن تمّ لها تسع سنين ولم تخيّر .وليس لوليّ صغيرٍ تزويجه بمعيب ٍة بعي ٍ ب يردّ به في النّكاح ،لوجوب نظره لهما بما فيه ي الصّغيرة تزويجها بمعيبٍ بعي ٍ وكذا ليس لول ّ الحظّ والمصلحة ،ول حظّ لهما في هذا العقد ،فإن فعل وليّ غير المكلّف والمكلّفة بأن زوّجه ح النّكاح ،لنّه عقد لهما عقدا ل يجوز ،وإن لم يعلم بمعيبٍ ير ّد به -عالما بالعيب -لم يص ّ الوليّ أنّه معيب صحّ العقد ،ووجب عليه الفسخ إذا علم .وهذا خلفا لما ورد في المنتهى فيما يوهم إباحة الفسخ ،ومن الحنابلة من قال :ل يفسخ ،وينتظر البلوغ لختيارهما . وتفصيل ما ذكر يرجع إليه في باب ( النّكاح ،والولية ) .
سابعا -انتهاء الولية على النّفس بالبلوغ :
- 43عند الحنفيّة :تنتهي الولية على النّفس بالنّسبة لولية النكاح في الحرّة بالتّكليف ( البلوغ والعقل ) فيصحّ نكاح حرّةٍ مكلّفةٍ بل رضى وليّ ،وتترتّب الحكام من طلقٍ وتوارثٍ وغيرهما .وتنتهي الحضانة للجارية البكر ببلوغها بما تبلغ به النّساء من الحيض ونحوه ،ويضمّها الب إلى نفسه وإن لم يخف عليها الفساد ،لو كانت حديثة السّنّ ،والخ والعمّ كذلك عند فقد الب ما لم يخف عليها منهما ،فينظر القاضي امرأةً ثقةً فتسلّم إليها ، وتنتهي ولية الب على النثى إذا كانت مسنّ ًة ،واجتمع لها رأي ،فتسكن حيث أحبّت حيث ضمّ ، ل إذا لم تكن مأمون ًة على نفسها ،فللب والجدّ ال ّ ل خوف عليها ،وإن ثيّبا ل يضمّها إ ّ ل لغيرهما كما في البتداء .وتنتهي ولية الب على الغلم إذا بلغ وعقل واستغنى برأيه ،إلّ إذا لم يكن مأمونا على نفسه ،بأن يكون مفسدا مخوفا عليه ،فللب ولية ضمّه إليه لدفع فتن ٍة أو عارٍ ،وتأديبه إذا وقع منه شيء ،والجدّ بمنزلة الب فيما ذكر من أحكام البكر وال ّثيّب والغلم .وعند المالكيّة :تنتهي الولية على النّفس بالنّسبة للصّغير ببلوغه الطّبيعيّ ،وهو بلوغ النّكاح ،فيذهب حيث شاء ،ولكن إذا كان يخشى عليه الفساد لجماله مثلً ،أو كما إذا كان يصطحب الشرار وتعوّد معهم أخلقا فاسدةً ،يبقى حتّى تستقيم أخلقه .وإذا بلغ الذّكر رشيدا ذهب حيث يشاء ،لنقطاع الحجر عنه بالنّسبة لذاته ،وإذا بلغ الذّكر -ولو زمنا أو مجنونا -سقطت عنه حضانة المّ على المشهور .وبالنّسبة للنثى ،فتستمرّ الحضانة عليها والولية على النّفس حتّى تتزوّج ،ويدخل بها الزّوج .وعند الشّافعيّة :تنتهي الولية على الصّغير -ذكرا كان أو أنثى -بمجرّد بلوغه .وعند الحنابلة :ل تثبت الحضانة إلّ على الطّفل أو المعتوه ،فأمّا البالغ الرّشيد فل حضانة عليه ،فإن كان رجلً فله النفراد بنفسه لستغنائه عن أبويه ،وإن كانت أنثى لم يكن لها النفراد ،ولبيها منعها منه ،لنّه ل يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها ،ويلحق العار بها وبأهلها ،وإن لم يكن لها أب فلوليّها وأهلها منعها من ذلك .
ثامنا :الولية على المال : - 44تنقضي الولية على المال أيضا ببلوغ الصّغير عاقلً ،ذكرا كان أو أنثى ،وينفكّ الحجر عنه ،ولكن يشترط لذلك باتّفاق الفقهاء أن يكون رشيدا ،لقوله تعالى { :وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } وفي المسألة خلف وتفصيل يرجع لمعرفته إلى أبواب الحجر .
التّعريف
بناء
- 1البناء لغةً :وضع شيءٍ على شيءٍ على وجهٍ يراد به الثّبوت .ويطلق على بناء الدّور ونحوها ،وضدّه الهدم والنّقض ،ويطلق البناء أيضا على الدّخول بالزّوجة يقال :بنى على أهله ،وبنى بأهله .والوّل أفصح ،ويكنّى بهذا عن الجماع بعد عقد النّكاح .وأصله :أنّ الرّجل كان إذا تزوّج بنى للعرس خبا ًء جديدا ،وعمّره بما يحتاج إليه .ويطلقه الفقهاء :على الدّور ونحوها ،وعلى إتمام العبادة بال ّنيّة الولى إذا طرأ فيها خلل ل يوجب التّجديد .ومن أمثلة ذلك :إذا سلّم المسبوق بسلم المام سهوا ،بنى على صلته وسجد للسّهو .وإذا رعف المصلّي في الصّلة ،ولم يصب الدّم ثوبه أو بدنه ،بنى على صلته .إذا تكلّم المؤذّن أثناء الذان عمدا أو سهوا بنى ،ولم يستأنف .وإذا خرج المجمعون أثناء الخطبة من المسجد ثمّ رجعوا قبل طول الفصل ،بنى الخطيب على ما مضى من خطبته في وجودهم ،ولم يستأنف .كما يطلق البناء على التّفريع على القاعدة الفقهيّة ،أي التّخريج عليها . ( اللفاظ ذات الصّلة ) : أ -التّرميم : - 2التّرميم :هو إصلح البناء . ب -العمارة : - 3العمارة :ما يعمّر به المكان ،ويطلق على بناء الدّار ،وضدّ العمارة الخراب ،ويطلق الخراب على المكان الّذي خل بعد عمارته . ج -الصل : - 4الصل لغةً :أسفل الشّيء .ويطلق اصطلحا على :ما يبنى عليه غيره ،ويقابله الفرع ،وعلى الرّاجح ،وعلى الدّليل ،وعلى القاعدة الّتي تجمع جزئيّاتٍ ،وعلى المتفرّع منه كالب يتفرّع منه أولده . د -العقار : ت له أصل في الرض ( الحكم الجماليّ - 5العقار هو :ما يقابل المنقول ،وهو كلّ ملكٍ ثاب ٍ ) :أ ّولً -البناء ( بمعنى إقامة المباني ) - 6الصل في البناء الباحة ،وإن زاد على سبعة أذرعٍ ،أمّا النّهي الوارد عنه في الحديث وهو { إذا أراد اللّه بعبدٍ شرّا أخضر له اللّبن والطّين ن ذلك يحمل على ما كان للتّفاخر ،أو زاد عن الحاجة . ،حتّى يبني } .فقد بيّن المناويّ أ ّ وتعتريه باقي الحكام الخمسة :فيكون واجبا :كبناء دار المحجور عليه إذا كان في البناء غبطة ( مصلحة ظاهرة تنتهز قد ل تعوّض ) .وحراما :كالبناء في الماكن ذات المنافع المشتركة ،كالشّارع العامّ ،وبناء دور اللّهو ،والبناء بقصد الضرار ،كسدّ الهواء عن ل ما فيه مصلحة عامّة الجار .ومندوبا :كبناء المساجد والمدارس ،والمستشفيات ،وك ّ
ل صار واجبا ،لنّ ما ل يتمّ الواجب إلّ به للمسلمين حيث ل يتعيّن ذلك لتمام الواجبات ،وإ ّ فهو واجب .ومكروها :كالتّطاول في البنيان لغير حاجةٍ .
الوليمة للبناء : - 7هي مستحبّة ،كبقيّة الولئم الّتي تقام لحدوث سرورٍ أو اندفاع شرّ ،وتسمّى الوليمة للبناء ( وكيرة ) ول تتأكّد تأكّد وليمة النّكاح .وقد ذكر بعض الشّافعيّة قولً بوجوبها ،لنّ الشّافعيّ قال :بعد ذكر الولئم -ومنها الوكيرة : -ول أرخّص في تركها .وذهب بعض المالكيّة إلى أنّها مكروهة ،وعن بعضهم أنّها مباحة .وينظر التّفصيل في مصطلح ( وليمة ) .
من أحكام البناء :
ن البناء من المنقولت .وعند بقيّة أ -هل البناء من المنقولت ؟ - 8صرّح الحنفيّة بأ ّ المذاهب هو من غير المنقول وللتّفصيل ينظر مصطلح ( عقار ) .
ب -قبض البناء : - 9يكون قبض البناء في البيع بتخليته للمشتري ،وتمكين المشتري من التّصرّف فيه ،كما صرّح به الحنفيّة والشّافعيّة وقالوا :من تمكينه من التّصرّف تسليمه المفتاح إليه ،بشرط فراغ ي أو حسّيّ .قالوا :لنّ الشّارع أطلق القبض البناء من أمتعة البائع ،وأن ل يكون مانع شرع ّ وأناط به أحكاما ولم يبيّنه ،وليس له حدّ في اللّغة ،فيجب الرّجوع إلى العرف ،وهو يقتضي ما ذكرناه .وللتّفصيل ينظر مصطلح ( قبض ) .
ج -جريان الشّفعة في البناء المبيع :
- 10تجري الشّفعة في البناء إذا بيع مع الرض تبعا لها ،ول تثبت فيه إذا بيع منفردا ، وعلى هذا جمهور الفقهاء .وعند المام مالكٍ وعطاءٍ وهو رواية عن أحمد :تثبت فيه الشّفعة ،وإن بيع منفردا .وانظر مصطلح ( شفعة ) .
د -البناء في الراضي المباحة : - 11يرى جمهور الفقهاء جواز البناء في الرض المباحة ،ولو بدون إذن المام اكتفا ًء بإذن الشّارع ،ولنّه مباح ،كالحتطاب والصطياد .ولكن يستحبّ الستئذان من المام خروجا من خلف من أوجبه .وإلى هذا ذهب الشّافعيّة ،والمالكيّة ،والحنابلة ،وأبو يوسف ومحمّد ل ما ل بإذن المام ،واستدلّ بحديث { :ليس للمرء إ ّ من الحنفيّة .وقال أبو حنيفة :ل يجوز إ ّ طابت به نفس إمامه } وانظر مصطلح ( إحياء الموات ) .
هـ -تحجير الرض للبناء : - 12إذا احتجر أرضا للبناء ،ولم يبن م ّدةً يمكن البناء فيها ،ول أحياها بغير ذلك ،بطل ل بقدر أسبابها .ومن الفقهاء حقّه فيها ،لنّ التّحجّر ذريعة إلى العمارة ،وهي ل تؤخّر عنه إ ّ من يرى أنّه يرفع إلى السّلطان ،ول يبطل حقّه بطول المدّة .وقد قدّر البعض المدّة بثلث جرٍ بعد ثلث سنواتٍ حقّ هذا ما صرّح به سنواتٍ ،لقول عمر رضي ال عنه ليس لمتح ّ الشّافعيّة ،وفي المذاهب الخرى خلف وتفصيل يرجع إليه في مصطلح ( إحياء الموات ) .
و -البناء في الراضي المغصوبة :
ض مغصوبةٍ ،فطلب صاحب الرض قلع بنائه قلع ،قال ابن قدامة :ل - 13إذا بنى في أر ٍ نعلم في ذلك خلفا بين الفقهاء لحديث { :ليس لعرقٍ ظالمٍ حقّ } ولنّه شغل ملك غيره بملكه الّذي ل حرمة له في نفسه بغير إذنه ،فلزمه تفريغه ،وإن أراد صاحب الرض أخذ البناء بغير عوضٍ لم يكن له ذلك .وللحنفيّة تفصيل فيما إذا كان البناء أو الغرس بزعم سببٍ ي يعذر به الباني ،فينظر :إن كانت قيمة الرض أكثر من قيمة البناء كلّف الغاصب شرع ّ القلع .وإن كانت أقلّ منه فل يؤمر بالقلع ،ويغرم صاحب البناء لصاحب الرض قيمة الرض ،أمّا إذا كان البناء ظلما ،فالخيار لصاحب الرض بين المر بالقلع أو تملّك البناء مستحقّ القلع .أمّا ضمان منفعة الرض في مدّة الغصب وآراء الفقهاء فيه فيرجع إليه في مصطلح ( غصب ) .
ز -البناء في الرض المستأجرة : - 14إذا بنى المستأجر في الرض المستأجرة ،فإن انقضت مدّة الجارة لزم المستأجر قلعها ،وتسليم الرض فارغةً للمؤجر ،لنّ البناء ل نهاية له ،وفي إبقائه إضرار بصاحب الرض ،إلّ أن يختار صاحب الرض أن يغرم للمستأجر قيمة البناء مقلوعا ويتملّكه ،فله ذلك برضا صاحب البناء إن لم تنقص الرض بالقلع ،فيتملّكها حينئذٍ بغير رضاه .ول فرق عند الحنفيّة بين الجارة المطلقة والجارة المشروط فيها القلع .أمّا عند المالكيّة فإن استأجر أرضا لمدّةٍ طويل ٍة كتسعين سنةً -على مذهب من يرى ذلك منهم -ليبني فيها ،وفعل ثمّ مضت المدّة ،وأراد المؤجّر إخراج المستأجر ويدفع له قيمة بنائه منقوضا ،فإنّه ل يجاب لذلك ،ويجب عليه بقاء البناء في أرضه ،وله كراء المثل في المستقبل ،وسواء كانت تلك ن شرط القلع بعد الرض المؤجّرة ملكا أو وقفا على جه ٍة .أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فإ ّ انتهاء مدّة الجارة لزم المستأجر القلع وفاءً بشرطه ،وليس على مالك الرض أرش نقص
البناء بالقلع ،ول على المستأجر تسوية الرض وإصلحها لتراضيهما بالقلع ،وإن أطلقا فللمكتري قلعه ،لنّه ملكه فله أخذه ،وعليه تسوية الرض إن قلعه لنّه ضرر أدخله في ملك ل أن يضمن له المالك أرش النّقص بالقلع غيره بغير إذنه ،وإن أبى القلع لم يجبر عليه ،إ ّ فيجبر عليه .أمّا المالك فله الخيار بين ثلثة أشياء :أن يدفع للمستأجر قيمة البناء فيتملّكه ، أو يقلع البناء ويضمن أرش النّقص ،أو يقرّ البناء فيأخذ من المستأجر أجرة المثل .والتّفصيل في ( الجارة ) .
ح -البناء في الرض المستعارة : - 15إذا استعار أرضا للبناء لم يكن له أن يبني بعد انتهاء مدّة العاريّة أو الرّجوع عن العاريّة ،فإن فعل ذلك قلع بناؤه ،وحكمه حكم الغاصب ،وعليه تسوية الرض وضمان نقص الرض ،لنّه عدوان .أمّا إذا بنى قبل الرّجوع ،فإن شرط عليه :القلع مجّانا عند الرّجوع لزمه القلع عملً بالشّرط .وإن لم يشترط القلع فل يقلع مجّانا ،سواء كانت العاريّة ن البناء مال محترم فل يقلع مجّانا ،فيخيّر المعير بين المور مطلقةً أو مقيّدةً بوقتٍ ،ل ّ الثّلثة الّتي مرّت في الجارة المطلقة ،وهذا في الجملة عند غير الحنفيّة .وفرّق الحنفيّة بين المطلقة والمؤقّتة ،فإن كانت العاريّة مؤقّتةً فرجع قبل الوقت ضمن المعير ما نقص في قيمة البناء بالقلع ،لنّ المستعير مغرور من قبل المعير ،أمّا المطلقة فل ضمان على المعير ، ن أنّه يتركه مدّةً طويلةً . ن المستعير مغترّ غير مغرورٍ ،حيث اعتمد إطلق العقد ،وظ ّ لّ
ط -البناء في الرض الموقوفة
16
-إذا بنى في الرض الموقوفة المستأجرة
بغير إذن ناظر الوقف قلع بناؤه إن لم يكن ضرر على الرض بالقلع ،ويضمن منافعها الّتي فاتت بيده ،بهذا صرّح الحنفيّة في هذه المسألة ،والضّمان هو الصل عند غير الحنفيّة في منفعة كلّ مغصوبٍ . ي -بناء المساجد :
- 17بناء المساجد في المصار والقرى والمحالّ حسب الحاجة فرض كفايةٍ وهو من أجلّ ت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها أعمال البرّ الّتي حثّ الشّارع عليها .قال تعالى { :في بيو ٍ اسمه } .وجاء في الخبر الصّحيح { من بنى مسجدا ،يبتغي به وجه اللّه ،بنى اللّه له مثله في الجنّة } .وأمّا ما يراعى في بناء المساجد فينظر في مصطلح ( مسجد ) .
ك -البناء باللّبن المخلوط بالنّجاسة :
- 18صرّح الشّافعيّة بأنّه يجوز بناء الدّور ونحوها بموادّ مخلوط ٍة بالنّجاسة -كتسميد ي على صحّة بيع ذلك .والتّفصيل الرض بها -للضّرورة .قال الذرعيّ :والجماع الفعل ّ في باب ( النّجاسة ) .
ل -البناء على القبور : ض كان يملكها الميّت ،أو أرضٍ - 19يكره تجصيص القبر والبناء عليه ،إن كان في أر ٍ ت بل قصد مباها ٍة ،فإن كان في مقبرةٍ مسبّل ٍة حرم البناء ،ويهدم إن بني ،لنّه يضيّق موا ٍ على النّاس ،ول فرق في ذلك بين أن يبني قبّةً أو بيتا أو مسجدا .وقد ورد النّهي عن بناء ن الرّسول صلى ال عليه وسلم قال في مرضه المساجد على القبور ،ففي الخبر المتّفق عليه أ ّ الّذي مات فيه { :لعن اللّه اليهود والنّصارى ،اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد } .والتّفصيل ينظر في مصطلح ( قبر ) .
م -البناء في الماكن المشتركة :
ص في الماكن الّتي تتعلّق بها حقوق عامّة ،كالشّوارع العامّة ، - 20ل يجوز البناء الخا ّ ومصلّى العيد في الصّحراء ،وأماكن النّسك ،كعرفة ومزدلفة ،لما في ذلك من التّضييق على النّاس ولنّها للمسلمين جميعا ،فليس لفردٍ أن يستأثر بها .
ن -بناء الحمّام : - 21ذهب المام أحمد إلى أنّه يكره بناء الحمّام مطلقا ،وبناؤه للنّساء أشدّ كراهةً ،ونقل عنه قوله :الّذي يبني الحمّام للنّساء ليس بعدلٍ وهو جائز عند بقيّة الئمّة .
ثانيا :البناء في العبادات يراد بالبناء هنا :إتمام العبادة بعد انقطاعها .
22
-إذا
أحرم متطهّرا ،ثمّ أحدث عمدا ،بطلت صلته باتّفاق الفقهاء .واختلفوا فيما إذا سبقه الحدث بل عمدٍ منه .فذهب الحنفيّة إلى أنّه ل تبطل صلته ،فيبني عليها بعد التّطهّر ،وهو القول القديم للشّافعيّ .وعند المالكيّة :ل يبني المحدث في
الصّلة إلّ في الرّعاف .وتبطل الصّلة في الجديد عند الشّافعيّة ول بناء ،وهو مذهب الحنابلة .وللتّفصيل انظر مصطلح ( حدث ،رعاف ) . بناء السّاهي في الصّلة على يقينه :
ن ،فالصل أنّه لم يفعل ،فيجب - 23إذا شكّ في أثناء الصّلة في عدد الرّكعات أو فعل رك ٍ البناء على اليقين ،وهو القلّ .وانظر مصطلح ( شكّ ) .
البناء في خطبة الجمعة : ض المجمعون في أثناء الصّلة ،وعادوا قبل طول الفصل ،بنى الخطيب على - 24إذا انف ّ خطبته .وانظر مصطلح ( خطبة ) .
البناء في الطّواف :
- 25اتّفق الفقهاء على أنّه إذا ابتدأ بالطّواف ،ثمّ أقيمت الصّلة المكتوبة ،فإنّه يقطع الطّواف ،ويصلّي مع الجماعة ،ثمّ يبني على طوافه ،لنّه فعل مشروع فلم يقطعه ،كالفعل اليسير . أمّا في غير المكتوبة فقد اختلف الفقهاء في صحّة البناء على ما مضى .ر :مصطلح ( طواف ) .
بناء بالزّوجة انظر :دخول . بناء في العبادات انظر :استئناف . بنان انظر :إصبع . بنت
التّعريف
- 1بنت وابنة :مؤنّث ابنٍ .والولد يطلق عليهما .الحكم الجماليّ ومواطن البحث :وردت أحكام تتعلّق بالبنت أهمّها ما يلي : أ -النّكاح : - 2نكاح البنت :يحرم نكاح الرّجل ابنته ،والعقد عليها باطل .لقوله تعالى { :حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم } وعليه إجماع المّة . 3
-نكاح ابنته من الزّنى :ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى تحريم زواج
الرّجل ابنته من الزّنى ،لنّ الوطء سبب الجزئيّة ،والستمتاع بالجزء حرام .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّ المخلوقة من ماء زناه تحلّ له ،لنّ ماء الزّنى ل حرمة له ،لكنّه مكروه خروجا من الخلف .انظر مصطلح ( نكاح ) .
الولية في النّكاح : - 4اتّفق الفقهاء على أنّ للب إنكاح ابنته الصّغيرة والكبيرة المجنونة أو المعتوهة ولو جبرا عنها ،إن كانت بكرا .واختلفوا في ال ّثيّب الصّغيرة .وأمّا تزويج الرّجل ابنته البكر الكبيرة ن للب إجبارها خلفا للحنفيّة .أمّا البنت ال ّثيّب الكبيرة فالب يلي إنكاحها فالجمهور على أ ّ دون إجبارٍ .والتّفصيل في ( النّكاح والولية ) .
ب -إرث البنت :
- 5البنت إذا انفردت لها النّصف في الميراث ،لقوله تعالى { :وإن كانت واحد ًة فلها ن نساءً فوق اثنتين النّصف } وإن كانتا اثنتين فصاعدا فلهما الثّلثان ،لقوله تعالى { :فإن ك ّ فلهنّ ثلثا ما ترك } هذا عند عامّة الصّحابة ،وعن ابن عبّاسٍ أنّ حكمهما حكم الواحدة .أمّا ظ النثيين وهو يعصبهنّ ،لقوله تعالى { :يوصيكم اللّه إذا كان مع البنت ابن ،فللذّكر مثل ح ّ في أولدكم للذّكر مثل حظّ النثيين } .والتّفصيل في مصطلح ( إرث )
ج -النّفقة : - 6اتّفقوا على وجوب نفقة البنت الفقيرة غير المتزوّجة على والدها إذا كان غنيّا .أمّا إذا كانت البنت غنيّةً ،فل تجب لها النّفقة ،وإذا كانت كبيرةً وفقيرةً فتجب لها النّفقة أيضا مع بعض الشّروط .ولتفصيل ذلك انظر مصطلح ( نفقة )
التّعريف
بنت البن
- 1بنت البن :هي كلّ بنتٍ تنتسب إلى المتوفّى بطريق البن ،مهما نزلت درجة أبيها ، فتشمل بنت البن وبنت ابن البن مهما نزل .الحكم الجماليّ ومواطن البحث :لبنت البن ي نجمل أهمّها فيما يلي :النّكاح : أحكام خاصّة في الفقه السلم ّ - 2يحرم على الرّجل نكاح بنت ابنه وإن نزلت ،لقوله تعالى { حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم } والمراد بالبنت :الفرع المؤنّث وإن بعد .فيشمل بنت البن وبنت البنت ،ولجماع المجتهدين على ذلك .وللتّفصيل يراجع مصطلح ( نكاح ) .
الزّكاة :
ن منافع الملك بينهم - 3ل يجوز دفع الزّكاة إلى بنت البن عند الحنفيّة والحنابلة ،ل ّ متّصلة .وذهب الشّافعيّة إلى أنّه ل يجوز دفع الزّكاة إليها في الحال الّتي تجب فيها النّفقة على الج ّد أمّا المالكيّة فقد جوّزوا دفع الزّكاة إلى بنت البن ،لنّها ل تجب نفقتها على جدّها .
الفرائض : - 4لبنت البن أحوال في الميراث نجملها فيما يلي : أ -النّصف للواحدة . ب -الثّلثان للثنتين فصاعدا .وهاتان الحالتان يشترط فيهما عدم البنات الصّلبيّات ،فإذا عدمن قامت بنت البن مقامهنّ . ن ،وحينئذٍ فللذّكر مثل حظّ النثيين . ن ذكر فإنّه يعصبه ّ ج -إذا كان معه ّ ن السّدس مع البنت الواحدة الصّلبيّة ،تكمل ًة للثّلثين . د -له ّ ن ذكر بدرجتهنّ أو أسفل هـ -ل يرثن مع الصّلبيّتين عند عامّة الصّحابة ،إلّ إذا كان معه ّ ظ النثيين .ولتفصيل ذلك راجع مصطلح منهنّ ،فإنّه يعصبهنّ ،وحينئذٍ فللذّكر مثل ح ّ ( فرائض ) .
بنت لبونٍ انظر :ابن لبونٍ بنت مخاضٍ انظر :ابن مخاضٍ
التّعريف
بنج
- 1البنج -بفتح الباء -في اللّغة والصطلح :نبات مخدّر ،غير الحشيش ،مسكّن للوجاع . ( اللفاظ ذات الصّلة ) : أ -الفيون : - 2الفيون :عصارة ليّنة يستخرج من الخشخاش ،ويحتوي على ثلث موا ّد منوّم ٍة منها المورفين . ب -الحشيشة : - 3الحشيشة :نوع من ورق القنّب الهنديّ يسكر جدّا إذا تناول منه قدر درهمٍ .هذا ما قاله ابن تيميّة وابن حجرٍ الهيتميّ وابن عابدين .لكن قال القرافيّ -بعد بيان الفرق بين المسكر
ل لذلك والمفسد ( أي المخدّر ) -وبهذا يظهر لك أنّ الحشيشة مفسدة وليست مسكر ًة ،ثمّ استد ّ بكل ٍم نفيسٍ يرجع إليه في الفروق .الحكم الشّرعيّ في تناوله : - 4يرى جمهور الفقهاء أنّه يحرم تناول القدر المسكر من هذه المادّة ،ويعزّر بالسّكر منه بغير عذرٍ ويجوز عندهم التّداوي به واستعماله لزالة العقل لقطع عضوٍ متآكلٍ .أمّا الحنفيّة فقد اختلفت آراؤهم في حكم تناول البنج لغير التّداوي ووجوب إقامة الح ّد على السّكران منه .
عقوبة تناوله : ب مسكرٍ . ل شرا ٍ - 5يعرّف الفقهاء ما يحرم تناوله ،ويترتّب على تعاطيه الح ّد بأنّه :ك ّ وبنا ًء على هذا التّعريف ذهب معظم الفقهاء إلى عدم إقامة الحدّ على السّكران من البنج ونظائره من الجامدات ،وإن كان مذابا وقت التّعاطي ،ولكنّه يعاقب عقوب ًة تعزيريّةً .
حكم طهارته :
- 6اتّفق الفقهاء على أنّ البنج طاهر ،لنّهم يشترطون لنجاسة المسكر أن يكون مائعا . ( مواطن البحث ) : - 7يذكره الفقهاء في باب الشربة والنّجاسات والطّلق .
بندق انظر :صيد بنوّة انظر :ابن بهتان انظر :افتراء بهيمة انظر :حيوان بول .انظر :قضاء الحاجة بيات .انظر :بيتوتة بيان التّعريف - 1البيان لغ ًة :الظهار والتّوضيح ،والكشف عن الخفيّ أو المبهم .قال اللّه تعالى : { علّمه البيان } أي الكلم الّذي يبيّن به ما في قلبه ،ويحتاج إليه من أمور دنياه ،فهو منفصل
به عن سائر الحيوانات .ولم يبعد الصوليّون والفقهاء عن المعنى اللّغويّ في تعريفهم للبيان ب ل يستقلّ بنفسه في الدّللة على المراد . .فهو عند الصوليّين :الدّالّ على المراد بخطا ٍ ويطلق ويراد به المدلول ،ويطلق أيضا على فعل المبيّن ،ولجل إطلقه على المعاني الثّلثة ن البيان هو اختلفوا في تفسيره بالنّظر إليها .قال العبدريّ بعد حكاية المذاهب :الصّواب أ ّ مجموع هذه المور . ( اللفاظ ذات الصّلة ) : أ -التّفسير : - 2التّفسير لغ ًة :هو الكشف والظهار .وفي الشّرع :توضيح معنى الية وشأنها وقصّتها ،والسّبب الّذي نزلت فيه بلفظٍ يدلّ عليه دلل ًة ظاهرةً .والبيان بعمومه يختلف عن ن التّفسير ل يكون إلّ التّفسير ،إذ البيان قد يكون بدللة حال المتكلّم كالسّكوت ،في حين أ ّ بلفظٍ يدلّ على المعنى دللةً ظاهرةً . ب -التّأويل : - 3التّأويل :صرف اللّفظ عن معناه الظّاهر إلى معنًى يحتمله ،إذا كان المحتمل موافقا سنّة ( .ر :تأويل ) .والفرق بين التّأويل والبيان :أنّ التّأويل ما يذكر في كلمٍ ل للكتاب وال ّ يفهم منه المعنى المراد لوّل وهل ٍة ،والبيان ما يذكر في كلمٍ يفهم المعنى المراد منه بنوع خفاءٍ بالنّسبة إلى البعض ،فالبيان أع ّم من التّأويل .الحكام المتعلّقة بالبيان عند الصوليّين : - 4البيان بالقول والفعل :المذهب عند الفقهاء وأكثر المتكلّمين أنّ البيان يحصل بالفعل من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كما يحصل بالقول .والدّليل على أنّ البيان قد يحصل بالفعل ن جبريل عليه الصلة والسلم بيّن مواقيت الصّلة للنّبيّ صلى ال عليه وسلم بالفعل ، :أّ حيث أمّه في البيت يومين { ،ولمّا سئل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن مواقيت الصّلة قال للسّائل :صلّ معنا } وكما قال { :صلّوا كما رأيتموني أصلّي } ثمّ صلّى في اليومين في وقتين ،فبيّن له المواقيت بالفعل .وفي الحجّ قال لصحابه { :خذوا عنّي مناسككم } ،ولنّ البيان عبارة عن إظهار المراد .فربّما يكون ذلك بالفعل أبلغ منه بالقول ،لنّه { صلى ال عليه وسلم أمر أصحابه بالحلق عام الحديبية ،فلم يفعلوا ثمّ لمّا رأوه حلق بنفسه حلقوا في الحال } .فعرفنا أنّ إظهار المراد يحصل بالفعل كما يحصل بالقول .وقال الكرخيّ وأبو إسحاق المروزيّ وبعض المتكلّمين :ل يكون البيان إلّ بالقول ،بناءً على أصلهم أنّ بيان ل متّصلً ،والفعل ل يكون متّصلً بالقول .وللتّفصيل انظر الملحق المجمل ل يكون إ ّ الصوليّ .
أنواع البيان
5
-قال البزدويّ :البيان على أوجهٍ :بيان تقريرٍ ،وبيان تفسيرٍ ،
وبيان تغييرٍ ،وبيان تبديلٍ ،وبيان ضرورةٍ ،فهي خمسة أقسامٍ .وتجدر الشارة إلى أنّ إضافة البيان إلى التّقرير والتّغيير والتّبديل من قبيل إضافة الجنس إلى
طبّ ،أي بيان هو تقرير ،وكذا الباقي ،وإضافته إلى الضّرورة من نوعه كعلم ال ّ قبيل إضافة الشّيء إلى سببه .بيان التّقرير :
- 6بيان التّقرير هو كلّ حقيقةٍ تحتمل المجاز ،أو عامّ يحتمل الخصوص ،إذا لحق به ما يقطع الحتمال ،وذلك نحو قوله تعالى { :فسجد الملئكة كلّهم أجمعون } ،فصيغة الجمع تعمّ الملئكة على احتمال أن يكون المراد بعضهم وقوله تعالى { :كلّهم أجمعون } بيان قاطع لهذا الحتمال فهو بيان التّقرير .
بيان التّفسير :
- 7بيان التّفسير هو بيان ما فيه خفاء ،كالمشترك والمجمل ونحوهما ،مثل قوله تعالى : { أقيموا الصّلة وآتوا الزّكاة } فإنّه مجمل ،إذ العمل بظاهره غير ممكنٍ ،وإنّما يوقف على سنّة ،فإنّه عليه الصلة والسلم بيّن المراد للعمل به بالبيان ،ثمّ لحق هذه الية البيان بال ّ الصّلة بالقول والفعل ،والزّكاة بقوله { :هاتوا ربع العشور } فإنّه يكون تفسيرا .
بيان التّغيير : - 8بيان التّغيير هو البيان الّذي فيه تغيير لموجب الكلم وهو نوعان :الوّل -التّعليق ن } فإنّه يتبيّن به أنّه ل يجب بالشّرط :كما قال اللّه تعالى { :فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجوره ّ إيتاء الجر بعد عقد إجارة المرضع إذا لم يوجد الرضاع ،وإنّما يجب ابتداءً عند وجود الرضاع فيكون تغييرا لحكم وجوب أداء البدل بنفس العقد .الثّاني -الستثناء :كما قال اللّه ل خمسين عاما } فإنّ اللف اسم موضوع لعددٍ معلومٍ ،فما تعالى { :فلبث فيهم ألف سنةٍ إ ّ يكون دون ذلك العدد يكون غيره ل محالة ،فلول الستثناء لكان العلم يقع لنا بأنّه لبث فيهم ألف سنةٍ ،ومع الستثناء إنّما يقع العلم لنا بأنّه لبث فيهم تسعمائةٍ وخمسين عاما ،فيكون الستثناء تغييرا لما يفيده لفظ اللف .
بيان التّبديل :
- 9بيان التّبديل هو النّسخ ،وهو رفع حكمٍ شرعيّ بدليلٍ شرعيّ متأخّرٍ .والنّسخ في حقّ صاحب الشّرع بيان محض لنتهاء الحكم الوّل ،ليس فيه معنى الرّفع ،لنّه كان معلوما عند اللّه أنّه ينتهي في وقت كذا بالنّاسخ ،فكان النّاسخ بالنّسبة إلى علمه تعالى مبيّنا ل رافعا .ثمّ
الرّاجح عند الصوليّين أنّ النّسخ جائز في المر والنّهي الّذي يجوز أن يكون ثابتا ،ويجوز أن ل يكون .وقد قال بعضهم :إنّه ل يجوز النّسخ ،وربّما قالوا :لم يرد النّسخ في شيءٍ أصلً .وانظر التّفاصيل في ( نسخ ) وفي الملحق الصوليّ .
بيان الضّرورة : - 10بيان الضّرورة نوع من البيان يحصل بغير اللّفظ للضّرورة ،وهو على أربعة أنواعٍ : النّوع الوّل :ما يكون في حكم المنطوق ،وذلك بأن يدلّ النّطق على حكم المسكوت عنه . وقد مثّلوا له بقوله تعالى { :فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلمّه الثّلث } فإنّه لمّا أضاف ن للب ما بقي ،فلم الميراث إليها في صدر الكلم ،ثمّ بيّن نصيب المّ ،كان ذلك بيان أ ّ يحصل هذا البيان بترك التّنصيص على نصيب الب ،بل بدللة صدر الكلم يصير نصيب الب كالمنصوص عليه .النّوع الثّاني :هو السّكوت الّذي يكون بيانا بدللة حال المتكلّم ، نحو سكوت صاحب الشّرع عند معاينة شيءٍ عن تغييره يكون بيانا لحقيته باعتبار حاله ،مثل ت ومعاملتٍ كان النّاس يتعاملونها فيما بينهم ، ما شاهد النّبيّ صلى ال عليه وسلم من بياعا ٍ فأقرّهم عليها ،ولم ينكرها عليهم ،فدلّ أنّ جميعها مباح في الشّرع ،إذ ل يجوز من النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن يقرّ النّاس على منكرٍ محظورٍ .النّوع الثّالث :هو السّكوت الّذي جعل بيانا ،ضرورة دفع الغرور ،مثل الب إذا رأى ولده المميّز يبيع ويشتري ،فسكت عن النّهي ،كان سكوته إذنا له في التّجارة ،لضرورة دفع الغرور عمّن يعامله ،فإنّ في هذا الغرور إضرارا بهم ،والضّرر مدفوع .بهذا قال الحنفيّة .وقال الشّافعيّ :ل يكون السّكوت ن سكوت الب عن النّهي محتمل ،قد يكون للرّضا بتصرّفه ،وقد يكون لفرط الغيظ ، إذنا ل ّ أو قلّة اللتفات ،والمحتمل ل يكون حجّ ًة .النّوع الرّابع :هو السّكوت الّذي جعل بيانا ن العطف ن عليّ مائة ودرهم ،أو مائة ودينار ،فإ ّ لضرورة الكلم كما إذا قال رجل :لفل ٍ جعل بيانا للوّل ،وجعل الوّل من جنس المعطوف .بهذا يقول الحنفيّة .وقال الشّافعيّ : يلزمه المعطوف ،والقول في بيان جنس المائة قول المقرّ ،لنّها مجملة فإليه بيانها ، والعطف ل يصلح بيانا ،لنّه لم يوضع له .
تأخير البيان عن وقت الحاجة :كلّ ما يحتاج إلى البيان من مجملٍ وعامّ ،ومجازٍ ومشتركٍ ،وفعلٍ متردّدٍ ومطلقٍ ،إذا تأخّر بيانه فذلك على وجهين :
- 11الوجه الوّل :أن يتأخّر عن وقت الحاجة ،وهو الوقت الّذي إذا تأخّر البيان عنه لم يتمكّن المكلّف من معرفة ما تضمّنه الخطاب ،وذلك في الواجبات الفوريّة .فهذا النّوع من ن التيان بالشّيء مع عدم العلم به ممتنع عند جميع القائلين بمنع التّكليف التّأخير ل يجوز ،ل ّ
ل ،ل بوقوعه ،فكان بما ل يطاق .وأمّا من جوّز التّكليف بما ل يطاق فهو يقول بجوازه عق ً عدم الوقوع متّفقا عليه بين الطّائفتين .ولهذا نقل أبو بكرٍ الباقلّانيّ إجماع أرباب الشّرائع على امتناعه . - 12الوجه الثّاني :تأخير البيان عن وقت ورود الخطاب إلى وقت الحاجة إلى الفعل ،وذلك في الواجبات الّتي ليست بفوريّ ٍة ،حيث يكون الخطاب ل ظاهر له ،كالسماء المتواطئة والمشتركة ،أو يكون له ظاهر وقد استعمل في خلف الظّاهر ،كتأخير البيان بالتّخصيص . ومثله تأخير النّسخ ونحو ذلك ،وفي ذلك اتّجاهات أهمّها ما يلي : أ -الجواز مطلقا ،قال ابن برهانٍ :وعليه عامّة علمائنا من الفقهاء والمتكلّمين .ونقله القاضي عن الشّافعيّ ،واختاره الخوّات في المحصول ،وابن الحاجب .وقال الباجيّ :عليه أكثر أصحابنا ،وحكاه القاضي عن مالكٍ . ب -المنع مطلقا ،نقل ذلك عن أبي إسحاق المروزيّ وأبي بكرٍ الصّيرفيّ وأبي حامدٍ المروزيّ وأبي بكرٍ ال ّدقّاق وداود الظّاهريّ والبهريّ ،قال القاضي :وهو قول المعتزلة وكثيرٍ من الحنفيّة . ج -أنّ بيان المجمل إن لم يكن تبديلً ول تغييرا جاز مقارنا وطارئا ،وإن كان تغييرا جاز مقارنا ول يجوز طارئا بحالٍ .نقله السّمعانيّ عن أبي زيدٍ من الحنفيّة .وتنظر مراتب البيان للحكام وسائر التّفاصيل المتعلّقة بالموضوع في الملحق الصوليّ .
الحكام المتعلّقة بالبيان عند الفقهاء بيان المقرّ به المجهول : ن الحقّ قد ي شيء أو حقّ ،يلزمه ،ل ّ - 13إذا أقرّ شخص بمجهولٍ وأطلق ،بأن قال :عل ّ يلزمه مجهولً ،كأن يتلف مالً ل يعرف قيمته ،أو يجرح جراحةً ل يعرف أرشها ،أو يبقى عليه باقية حسابٍ ل يعرف قدره وهو محتاج إليه لبراء ذمّته باليفاء أوالتّراضي ،فجهالة المقرّ به ل تمنع صحّة القرار ،ويقال للمقرّ :بيّن المجهول ،فإن لم يبيّن أجبره الحاكم على البيان ،لنّه لزمه الخروج عمّا وجب عليه بصحيحٍ إقراره ،وذلك الخروج عمّا لزمه يكون بالبيان ،ولكن يبيّن شيئا يثبت في ال ّذمّة ،قلّ أو كثر ،أمّا إذا بيّن شيئا ل يثبت في ال ّذمّة فل يقبل منه ،نحو أن يقول :عنيت حقّ السلم ،أو كفّا من ترابٍ أو نحوه ،بهذا قال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،وهو أحد قولي الشّافعيّة .وذهب الشّافعيّة في القول الخر إلى أنّه إن وقع القرار المبهم في جواب دعوى ،وامتنع عن التّفسير ،يجعل ذلك إنكارا منه وتعرض اليمين عليه ،فإن أصرّ على المتناع جعل ناكلً عن اليمين ويحلف المدّعي .أمّا إذا أقرّ بمجهولٍ وبيّن السّبب ،فينظر إن كان سببا ل تضرّه الجهالة كالغصب الوديعة ،بأن قال : ح إقراره ،ويجبر على بيان المغصوب أو غصبت مال فلنٍ ،أو لفلنٍ عندي أمانة ،فيص ّ
ح القرار ، المانة المجهولة وتعيينهما ،وإن كان سببا تضرّه الجهالة كالبيع والجارة ل يص ّ ول يجبر على بيان ما باعه أو استأجره .
البيان في الطّلق المبهم : - 14إذا قال الزّوج لزوجتيه :إحداكما طالق ،وقصد معيّنةً منهما طلقت ،ويلزمه البيان ، ح بيانه أيضا ،وما في ضميره ل يوقف عليه إلّ من ويصدّق ،لنّه مالك لليقاع عليها ،فيص ّ جهته ،فيقبل قوله فيه .وتعتزلنه إلى البيان ،لختلط المحرّمة بالمباحة .ويلزم الزّوج البيان فورا ،فإن أخّر عصى ،فإن امتنع حبس وعزّر .وللفقهاء تفاصيل في لزوم نفقة الزّوجتين إلى البيان ،وألفاظ البيان وما يثبت به البيان من الفعال كالوطء ومقدّماته تنظر في ( طلق ) .
بيان المعتق المبهم :
- 15إذا قال شخص لرقّائه :أحدكم حرّ ،أو أعتقت أحدكم ،ونوى معيّنا بيّنه وجوبا ،وإذا خاصم أحدهم إلى الحاكم أجبر المولى على البيان ،وإن بيّن واحدا من الثنين للعتق ،فللخر تحليفه أنّه ما أراده .وإن قال :أردت هذا ،بل هذا ،عتقا جميعا مؤاخذةً له بإقراره . وللتّفصيل ( ر :عتق )
.بيت التّعريف - 1من معاني البيت في اللّغة :المسكن ،وهو كلّ ما كان له جدار وسقف ،وإن لم يكن به ت .ويطلق البيت ساكن .ويطلق أيضا على البيت الشّقّة .ويجمع البيت على أبياتٍ ،وبيو ٍ على القصر ،ومنه { قول جبريل عليه السلم لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم بشّروا خديجة ببيتٍ في الجنّة من قصبٍ } قال في اللّسان :يعني بشّروها بقصرٍ من لؤلؤةٍ مجوّف ٍة .ويطلق ت أذن اللّه أن ترفع } قال الزّجّاج :أراد المساجد ل { :في بيو ٍ على المسجد .قال اللّه عزّ وج ّ ل كحجر ٍة من دارٍ .ويصدق .وقد يكون البيت مستقلّا بذاته ،أو جزءا من المسكن المستق ّ على المبنيّ من طينٍ ،أو آج ّر ومدرٍ وحجرٍ ،وعلى المتّخذ من خشبٍ ،أو صوفٍ ،أو وبرٍ ،أو شعرٍ ،أو جلدٍ ،وأنواع الخيام .ول يخرج معناه الصطلحيّ عمّا ورد في اللّغة . ( اللفاظ ذات الصّلة ) : أ -الدّار :
ن غير مس ّقفٍ .واسم الدّار يتناول ت ومنازل وصح ٍ - 2الدّار لغةً :اسم لما اشتمل على بيو ٍ العرصة والبناء جميعا .والفرق بين البيت والدّار :أنّ الدّار تشتمل على بيوتٍ ومنازل . ب -المنزل : - 3المنزل لغةً :اسم مكان النّزول ،وفي بعض العراف :هو اسم لما يشتمل على بيوتٍ ، ن مسقّفٍ ومطبخٍ يسكنه الرّجل بعياله .وهو دون الدّار وفوق البيت ،وأقلّه بيتان أو وصح ٍ ثلثة .وتختلف العراف في هذه اللفاظ باختلف المكان والزّمان .المبيت على ظهر البيت : سنّة الشّريفة عن المبيت على ظهر بيتٍ ليس له حائط يمنع من السّقوط - 4جاء التّحذير في ال ّ ي بن شيبان رضي ال عنه عن الرّسول صلى ال عليه وسلم قال { :من بات .فقد روى عل ّ على ظهر بيتٍ ليس له حجار فقد برئت منه ال ّذمّة } وجاء في روايةٍ :حجاب ،وفي أخرى : حجاز .وهي بمعنى السّترة الّتي تمنع وتحجز النّائم عن السّقوط .ومعنى برئت منه ال ّذمّة : أي أزال عصمة نفسه ،وصار كالمهدر الّذي ل ذمّة له ،أي ل يجب له على أحدٍ شيء بسبب موته ،إذ أنّ الّذي نام كذلك ربّما انقلب من نومه فسقط فمات هدرا .ثمّ إنّه إن مات كذلك ب ،ول استعدادٍ للموت . مات من غير تأهّ ٍ
الحكام المتعلّقة بالبيت : أ -البيع : - 5يجوز بيع البيت المملوك المعيّن والمحدود عند جمهور الفقهاء ويدخل تبعا للرض . وقال مالك :إنّ بيع البيت يتناول الرض الّتي بها البيت ،وكذا بيع الرض يتناول البناء ، ل تناول العقد على البناء للرض ،وتناول العقد على الرض ما فيها من بناءٍ -كان ومح ّ العقد بيعا أو غيره -إن لم يكن شرط ،أو عرف بخلفه ،وإلّ عمل بذلك الشّرط ،أو العرف .فإذا اشترط البائع إفراد البناء عن الرض ،أو جرى العرف بإفراده عن الرض في البيع وغيره ،فل تدخل الرض في العقد على البناء ،وكذلك لو اشترط البائع إفراد الرض ن البناء ل يدخل في العقد على الرض .والتّفصيل عن البناء ،أو جرى العرف بذلك ،فإ ّ موطنه مصطلح ( بيع ) .
ب -خيار الرّؤية :
- 6يثبت خيار الرّؤية للمشتري في شرائه للبيت إن لم يعاين ولم تحصل رؤيته ،لنّ البيت ح بيع ل للشّافعيّة والحنابلة .قالوا :يص ّ من العيان اللّازم تعيينها ،وهذا عند الحنفيّة وعلى قو ٍ الغائب ،وهو ما لم يره المتعاقدان أو أحدهما ،ويثبت الخيار للمشتري عند الرّؤية ،وتعتبر
في رؤية البيت رؤية السّقف والجدران والسّطح والحمّام والطّريق .وفي الظهر للشّافعيّة ، والمقدّم عند الحنابلة :إن اشترى إنسان ما لم يره ،وما لم يوصف له ،لم يصحّ العقد . والتّفصيل موطنه مصطلح ( بيع -خيار الرّؤية ) .
ج -الشّفعة : ق طلب الشّفعة في البيت المبيع للشّريك فيه الّذي لم يقاسم تبعا للرض المبيعة ، - 7يثبت ح ّ ي صلى ال عليه وأمّا الجار فل شفعة له ،لحديث جابرٍ رضي ال عنه قال { :قضى النّب ّ ل ما لم يقسّم ،فإذا وقعت الحدود وصرفت الطّرق فل شفعة } ول شفعة وسلم بالشّفعة في ك ّ ن من شروط الشّفعة أن يكون المبيع أرضا ،لنّها هي الّتي في بنا ٍء مفردٍ عن أرضٍ ،ل ّ تبقى على الدّوام ،ويدوم ضررها ،والبناء يؤخذ تبعا للرض ،لحديث جابرٍ رضي ال عنه قال { :قضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالشّفعة في كلّ شرك ٍة لم تقسّم ربعةٍ ،أو حائطٍ } ...ويدخل فيه البناء ،وهذا عند جمهور الفقهاء .وعند الحنفيّة :الشّفعة تكون للشّريك وللجار تبعا للعقار المملوك ،وهذا إن تحقّقت شروط الشّفعة .والتّفصيل في مصطلح ( شفعة ) .
د -الجارة :
ل معلومٍ ،اشترط في - 8لمّا كان المقصود من عقد إجارة البيت هو بيع منفعته إلى أج ٍ المنفعة ما يشترط في المعقود عليه في عقد البيع ،وهو أن ل يمنع من النتفاع بها مانع شرعيّ ،بأن تكون محرّم ًة كالخمر وآلت اللّهو ولحم الخنزير .فل يجوز عند جمهور ض غير مشروعٍ ،كأن يتّخذه المستأجر مكانا لشرب الخمر أو لعب الفقهاء إجارة البيت لغر ٍ القمار ،أو أن يتّخذه كنيسةً أو معبدا وثنيّا .ويحرم حينئذٍ أخذ الجرة كما يحرم إعطاؤها ، وذلك لما فيه من العانة على المعصية .
مراعاة حقّ الجار في مرافق البيت : سنّة الشّريفة بالتّأكيد على حقّ الجار والمر بمراعاته والحفاظ عليه ،من ذلك - 9جاءت ال ّ قوله صلى ال عليه وسلم { :ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه } . وقوله صلى ال عليه وسلم { :واللّه ل يؤمن واللّه ل يؤمن واللّه ل يؤمن قيل :من يا رسول اللّه ؟ قال :الّذي ل يأمن جاره بوائقه } .والبوائق تعني :الغوائل والشّرور .ولذا ل يجوز أن يحدث مالك البيت فيه ما يض ّر بجاره .كأن يحفر كنيفا إلى جنب حائط جاره ،أو يبني حمّاما ،أو تنّورا ،أو أن يعمل دكّان حدادةٍ أو نحوها من المهن الّتي يتأذّى منها جار البيت .
أمّا في المرافق الّتي تكون بين البيتين ،كالجدار الفاصل بينهما ،فله حالتان :إمّا أن يختصّ بملكه أحدهما ،ويكون ساترا للخر فقط .فليس للخر التّصرّف فيه بما يضرّ مطلقا .فيحرم عليه وضع الخشاب ،أو مدّ الجسور ،أو بناء العقود ،ونحوها من التّصرّفات الّتي تضرّ الجدار وتؤثّر في تحمّله ،وهذا ل خلف فيه بين أهل العلم ،وذلك لعموم القاعدة الفقهيّة : ( ل ضرر ول ضرار ) ،ولعموم قوله صلى ال عليه وسلم { :ل يحلّ مال امرئٍ مسلمٍ إلّ بطيب نفسٍ منه } .أمّا إذا كان التّصرّف ل يضرّ الجدار ول يضعفه ،فيجوز ،بل يندب لصاحبه الذن لجاره باستعماله والتّصرّف فيه ،لما فيه من الرفاق بالجار والتّوسعة عليه . والتّفصيل ينظر في مصطلح ( ارتفاق .جوار ) .
دخول البيوت : - 10أجمع الفقهاء على أنّه ل يجوز دخول بيت الغير إلّ بإذنٍ ،لنّ اللّه تعالى حرّم على الخلق أن يطّلعوا على ما في بيوت الغير من خارجها ،أو يلجوها من غير إذن أربابها ،لئلّ ن اللّه تعالى يطّلع أحد منهم على عور ٍة ،وذلك لغاي ٍة هي :الستئناس ،وهو :الستئذان ،ل ّ خصّص البيوت لسكنى النّاس ،وملّكهم الستمتاع بها على النفراد ،قال تعالى { :يا أيّها الّذين آمنوا ل تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتّى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلّكم تذكّرون } .واستثنى الفقهاء حالة الغزو ،فيجوز دخول البيت إذا كان ذلك البيت مشرفا على العدوّ ،فللغزاة دخوله ليقاتلوا العد ّو فيه وكذا في حالة العلم ،أو الظّنّ الغالب بوجود فسادٍ فيه ،فيجوز للمام أو نائبه الهجوم على بيت المفسدين ،وقد هجم عمر رضي ال عنه على نائحةٍ في منزلها ،وضربها بالدّرّة حتّى سقط خمارها ،فقيل له فيه ،فقال :ل حرمة لها . أي لشتغالها بالمحرّم والتحقت بالماء .وقد نفّذ عمر رضي ال عنه التّعزير لهتك حرمات ل وجد في بيت رجلٍ بعد العتمة ملفّفا ،فضربه عمر مائة جلد ٍة .وكما البيت ،وذلك في رج ٍ يحرم الدّخول بل استئذانٍ يحرم النّظر إلى داخل البيوت ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم { : ن ،فحذفته بحصاةٍ ،فقأت عينه لم يكن عليك جناح } ن امرأً اطّلع عليك بغير إذ ٍ لو أ ّ
إباحة دخول البيت :
ل بيتٍ ل يسكنه أحد ،فقال تعالى { :ليس عليكم جناح أن - 11أباح اللّه عدم الستئذان في ك ّ تدخلوا بيوتا غير مسكون ٍة فيها متاع لكم واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون } ذلك لنّ العلّة في الستئذان إنّما هي لجل خوف الطّلع على المحرّمات ،فإذا زالت العلّة زال الحكم . وللتّفصيل ينظر ( استئذان ) .
ول يجوز للمرأة أن تأذن في بيتها إلّ بإذن زوجها ،أو بغلبة ظنّها بأنّه يرضى ل للمرأة أن تصوم بذلك لحاجةٍ مشروعةٍ لقوله صلى ال عليه وسلم { :ل يح ّ وزوجها شاهد إلّ بإذنه ،ول تأذن في بيته إلّ بإذنه } . دعاء دخول المرء بيته ،ودعاء الخروج منه :
- 12من الداب الّتي سنّها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم الدّعاء عند دخول البيت وعند الخروج منه .من ذلك ما روته أ ّم سلمة -رضي ال عنها -أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال { :باسم اللّه ،وتوكّلت على اللّه اللّه ّم إنّي أعوذ بك أن أضلّ ،أو أضلّ ،أو أزلّ أو أزلّ ،أو أظلم أو أظلم ،أو أجهل أو يجهل عليّ } .وجاء في دعاء دخول ك الشعريّ -رضي ال عنه -قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه البيت ما رواه أبو مال ٍ وسلم { :إذا ولج الرّجل بيته فليقل :اللّهمّ أنّي أسألك خير المولج ،وخير المخرج ،باسم اللّه ولجنا ،وباسم اللّه خرجنا ،وعلى اللّه ربّنا توكّلنا ،ثمّ ليسلّم على أهله } .
صلة الرّجل والمرأة الفريضة في البيت : - 13اتّفق الفقهاء على صحّة أداء صلة الفريضة في البيت للرّجل والمرأة .وذهب الحنابلة ن الرّجل يأثم إن صلّى الفريضة منفردا في البيت ،مع صحّة صلته ،بناءً على قولهم إلى أ ّ بوجوب صلة الجماعة على الرّجال الحرار القادرين عليها ،وذهب الشّافعيّة إلى أنّها فرض كفايةٍ ،وذهب المالكيّة والحنفيّة إلى أنّها سنّة مؤكّدة ،مع اتّفاق فقهاء المذاهب على أنّ ل من الحنابلة .واتّفق الفقهاء الجماعة ليست شرطا في صحّة الصّلة ،إلّ على قول ابن عقي ٍ على أنّ صلة الرّجل في المسجد جماعةً أفضل من صلته منفردا في البيت ،لحديث أبي هريرة -رضي ال عنه -قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم { :صلة الجماعة أفضل من صلة أحدكم وحده بخمسٍ وعشرين درج ًة } وفي رواي ٍة { :بسبعٍ وعشرين درجةً } .أمّا في حقّ النّساء فإنّ صلتهنّ في البيت أفضل ،لحديث أمّ سلمة مرفوعا { :خير مساجد النّساء قعر بيوتهنّ } ولحديث عبد اللّه بن مسعودٍ رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم { :صلة المرأة في بيتها أفضل من صلتها في حجرتها ،وصلتها في مخدعها أفضل من صلتها في بيتها } وعن { أمّ حميدٍ السّاعديّة أنّها جاءت إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقالت :يا رسول اللّه إنّي أحبّ الصّلة معك ،فقال صلى ال عليه وسلم :قد علمت .وصلتك في بيتك خير لك من صلتك في حجرتك ،وصلة في حجرتك خير لك من صلتك في دارك ،وصلتك في دارك خير لك من صلتك في مسجد قومك ، وصلتك في مسجد قومك خير لك من صلتك في مسجد الجماعة } .قال النّوويّ :يستحبّ
للزّوج أن يأذن لزوجته في شهود الجماعة في المسجد ،لحديث أبي هريرة -رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم { :ل تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه ،ولكنليخرجن وهنّ تفلت } .أي تاركات للطّيب .ولحديث ابن عمر مرفوعا { إذا استأذنكم ن } .غير أنّه يكره للمرأة حضور جماعة المسجد إذا نساؤكم باللّيل إلى المسجد فأذنوا له ّ ترتّب على خروجها من البيت وحضورها الجماعة فتنة ،وللزّوج منعها من ذلك ،ول يأثم . ن حقّ الزّوج في ملزمة البيت واجب ،فل وحمل النّهي في الحديث على نهي التّنزيه ،ل ّ تتركه للفضيلة .
صلة النّافلة في البيت : سنّة أن تصلّى النّوافل في البيت .فقد روى زيد بن ثابتٍ رضي ال عنه أنّ النّبيّ - 14من ال ّ ن أفضل صلة المرء في بيته ، صلى ال عليه وسلم قال { :صلّوا أيّها النّاس في بيوتكم ،فإ ّ إلّ المكتوبة } .ووجه أفضليّتها :أنّ الصّلة في البيت أقرب إلى الخلص ،وأبعد من الرّياء ،لما فيه من السرار بالعمل الصّالح ،وهو أفضل من العلن به .وقد جاء تعليل أداء النّافلة في البيت في قوله صلى ال عليه وسلم { :اجعلوا في بيوتكم من صلتكم ،ول تتّخذوها قبورا } فالبيت الّذي ل يذكر اللّه فيه ،ول تقام فيه الصّلة ،يكون كالقبر الخرب . بل من الخير أن يجعل المرء نصيبا من صلته في بيته ،حتّى يعمّره بالذّكر والتّقرّب إلى اللّه سبحانه وتعالى .وجاء في حديث جابرٍ رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال ن اللّه عليه وسلم { :إذا قضى أحدكم الصّلة في مسجده ،فليجعل لبيته نصيبا من صلته ،فإ ّ جاعل في بيته من صلته خيرا } .
العتكاف في البيت :
- 15اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز للرّجل أن يعتكف في مسجد بيته ،وهو المكان المعزول المهيّأ المتّخذ للصّلة في البيت .وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم جواز اعتكاف س رضي ال عنهما { :سئل عن المرأة في مسجد بيتها كذلك .مستدلّين بالثر عن ابن عبّا ٍ امرأةٍ جعلت عليها -أي نذرت -أن تعتكف في مسجد بيتها ،فقال :بدعة ،وأبغض العمال إلى اللّه البدع ،فل اعتكاف إلّ في مسجدٍ تقام فيه الصّلة } ولنّ مسجد البيت ليس بمسجدٍ حقيقةً ول حكما .ولو جاز لفعلته أمّهات المؤمنين ولو مرّ ًة ،تبيينا للجواز .وذهب ن موضع العتكاف في حقّها هو الحنفيّة إلى جواز اعتكاف المرأة في مسجد بيتها ،ل ّ الموضع الّذي تكون صلتها فيه أفضل ،كما في حقّ الرّجل ،وصلتها في مسجد بيتها
أفضل ،فكان موضع العتكاف مسجد بيتها .كما ذهبوا إلى أنّه ل يجوز لها أن تخرج من معتكفها في البيت إلى نفس البيت .كما في رواية الحسن .
حكم الحلف على سكنى البيت : - 16لو حلف ل يسكن بيتا ،ول نيّة له ،فسكن بيتا من شعرٍ أو فسطاطا أو خيمةً ،لم يحنث إن كان من أهل المصار ،وحنث إن كان من أهل البادية ،لنّ البيت اسم لموضعٍ يبات فيه ،واليمين تتقيّد بما عرف من مقصود الحالف ،وأهل البادية يسكنون البيوت المتّخذة من الشّعر ،فإذا كان الحالف بدويّا يحنث ،بخلف ما إذا كان من أهل المصار .
البيت الحرام
1
-يطلق البيت الحرام على الكعبة ،وسمّى اللّه الكعبة البيت
الحرام ،في مثل قوله تعالى { :جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياما للنّاس } ويقال للكعبة أيضا :بيت اللّه ،إعظاما لها وتشريفا ،كما في قوله تعالى { :وطهّر
بيتي للطّائفين والقائمين وال ّركّع السّجود } ويطلق على :المسجد الحرام ،وعلى حرم مكّة وما حولها إلى العلم المعروفة .
- 2والبيت الحرام أوّل مسجدٍ وضع للعبادة في الرض ،لقوله تعالى { :إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركا وهدًى للعالمين } وعن أبي ذرّ رضي ال عنه قال { :سألت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن أوّل مسجدٍ وضع في الرض قال :المسجد الحرام } ولمعرفة ل من الكعبة والمسجد الحرام ر ( :الكعبة .المسجد الحرام ) . أحكام ك ّ
بيت الخلء .انظر :قضاء الحاجة .
التّعريف
بيت الزّوجيّة
- 1البيت لغ ًة :المسكن ،وبيت الرّجل داره .وبيت الزّوجيّة :محلّ منفرد معيّن مختصّ بالزّوجة ،ل يشاركها أحد في سكناه من أهل الزّوج المميّزين ،وله غلق يخصّه ومرافق سواء كانت في البيت أو في الدّار ،على أل يشاركها فيها أحد إلّ برضاها .وهذا في غير الفقراء الّذين يشتركون في بعض المرافق .ما يراعى في بيت الزّوجيّة : - 2يرى الحنفيّة -على المفتى به -عندهم ،والحنابلة ،وهو رواية عند الشّافعيّة أنّ بيت الزّوجيّة يكون بقدر حال الزّوجين في اليسار والعسار ،فليس مسكن الغنياء كمسكن الفقراء ن بالمعروف } فقوله بالمعروف يقتضي ،لقوله تعالى { :وعلى المولود له رزقهنّ وكسوته ّ
ن بيت الزّوجيّة -في الصل -بيت دوا ٍم واستقرارٍ ،فجرى مراعاة حال الزّوجين ،ول ّ ن " محلّ مجرى النّفقة والكسوة ،ويراعي الحاكم حالهما عند التّنازع .ويرى المالكيّة :أ ّ الطّاعة " يكون حسب العادة الجارية بين أهل بلد الزّوجين بقدر وسع الرّجل وحال المرأة . فإن تساويا فقرا أو غنًى اعتبر حالهما ،وإن كان فقيرا ل قدرة له إلّ على أدنى الكفاية ، فالعبرة بوسعه فقط .وإن كان غنيّا ذا قدرٍ ،وهي فقيرة ،أجيبت لحالةٍ أعلى من حالها ودون ن له قدر ًة على أرفع من حاله ،ول قدرة حاله .وإن كانت غنّيةً ذات قدرٍ ،وهو فقير ،إلّ أ ّ له على حالها رفعها بالقضاء إلى الحالة الّتي يقدر عليها .ويرى الشّافعيّة على المعتمد ن بيت الزّوجيّة يكون بما يليق بحال المرأة عاد ًة ،إذ هو إمتاع ،سواء كان دارا أو عندهم :أ ّ حجر ًة أو غيرهما .وظاهر الرّواية عند الحنفيّة :اعتبار حال الزّوج فقط ،لقوله تعالى : ن من حيث سكنتم من وجدكم } وهو خطاب للزواج ،وبه قال جمع كثير منهم ، { أسكنوه ّ ل ثالثٍ للشّافعيّة :أنّ مسكن الطّاعة يكون على قدر يسار ونصّ عليه محمّد .وكذا في قو ٍ الزّوج وإعساره وتوسّطه كالنّفقة .
شروط بيت الزّوجيّة : ن بيت الزّوجيّة يراعى فيه ما يأتي : - 3يرى الفقهاء أ ّ أ -أن يكون خاليا عن أهل الزّوج ،سوى طفله غير المميّز ،لنّ المرأة تتضرّر بمشاركة غيرها في بيت الزّوجيّة الخاصّ بها ،ول تأمن على متاعها ،ويمنعها ذلك من معاشرة زوجها ،وهذا بالنّسبة إلى بيت الزّوجيّة متّفق عليه بين الفقهاء .أمّا سكنى أقارب الزّوج أو زوجاته الخريات في الدّار الّتي فيها بيت الزّوجيّة ،إذا لم ترض بسكناهم معها فيها ،فقد قال الحنفيّة :إنّه إذا كان لها بيت منفرد في الدّار له غلق ومرافق خاصّة كفاها ،ومقتضاه أنّه ليس لها العتراض حينئ ٍذ على سكنى أقاربه في بقيّة الدّار ،إن لم يكن أحد منهم يؤذيها . ن هذا سبب وقالوا أيضا :له أن يسكن ضرّتها حينئ ٍذ في الدّار ما لم تكن المرافق مشتركةً ،ل ّ للتّخاصم .ومثله في الجملة مذهب الشّافعيّة .وفي قولٍ عند بعض الحنفيّة ارتضاه ابن عابدين :أنّه يفرّق بين الشّريفة والوضيعة ،ففي الشّريفة ذات اليسار ل بدّ من إفرادها في دارٍ ،ومتوسّطة الحال يكفيها بيت واحد من دارٍ .وبنحو هذا قال المالكيّة على تفصيلٍ ذكروه ،كما نصّ عليه صاحب الشّرح الكبير ،قال :للزّوجة المتناع من أن تسكن مع أقارب الزّوج كأبويه في دارٍ واحدةٍ ،لما فيه من الضّرر عليها باطّلعهم على حالها ،إلّ الوضيعة فليس لها المتناع من السّكنى معهم ،وكذا الشّريفة إن اشترطوا عليها سكناها معهم .ومحلّ ذلك فيما لم يطّلعوا على عوراتها .ونصّ المالكيّة أيضا على أنّ له أن يسكن معها ولده الصّغير من غيرها ،إن كانت عالمةً به وقت البناء ،أو لم يكن له حاضن غير أبيه ،وإن لم
تعلم به وقت البناء .وقال الحنابلة :إن أسكن زوجتيه في دارٍ واحدةٍ ،كلّ واحد ٍة منهما في بيتٍ ،جاز إذا كان بيت كلّ واحد ٍة منهما كمسكن مثلها ،وهذا يقتضي أنّه إذا كان مسكن مثلها دارا مستقّلةً فيلزم الزّوج ذلك .أمّا خادم الزّوج أو الزّوجة :سواء من جهتها أو من جهة الزّوج ،فيجوز سكناه في الدّار ،لنّ نفقته واجبة على الزّوج ،ول يكون الخادم إلّ ممّن يجوز نظره إلى الزّوجة كالمرأة الحرّة . ب -أن يكون خاليا من سكنى ضرّتها ،لما بينهما من الغيرة ،واجتماعهما يثير الخصومة ن الحقّ لهما ،ولهما الرّجوع بعدئذٍ . والمشاجرة ،إلّ إن رضيتا بسكناهما معا ،ل ّ ن صالحين ،وهم من تقبل شهادتهم ،وذلك لتأمن فيه على نفسها ج -أن يكون بين جيرا ٍ ومالها ،ومفاده أنّ البيت بل جيرانٍ ليس مسكنا شرعيّا ،إن كانت ل تأمن فيه على نفسها ومالها . د -أن يكون مشتملً على جميع ما يلزم لمعيشة أمثالهما عادةً على ما تقدّم ،وعلى جميع ما يحتاج إليه من المرافق اللّازمة .
سكنى الطّفل الرّضيع في بيت الزّوجيّة : - 4اتّفق الفقهاء على أنّ المرأة إذا تعيّن عليها إرضاع طفلها ،أو كانت آجرت نفسها للرضاع ،وهي غير متزوّج ٍة ،ثمّ تزوّجت ،فليس للزّوج فسخ عقد الرضاع ،وكذلك ليس له الفسخ إذا أذن لها ،وفي هاتين الحالتين لها أن تسكن الرّضيع معها في بيت الزّوجيّة .
ما يجيز للزّوجة الخروج من بيت الزّوجيّة :الصل أنّه ليس للمرأة الخروج من
بيت الزّوجيّة إلّ بإذن زوجها ،إلّ في حالتٍ خاصّةٍ .وقد اختلف الفقهاء في تلك أ -زيارة أهلها :
الحالت ،وأهمّها :
- 5الرّاجح عند الحنفيّة :إنّه يجوز للمرأة أن تخرج من بيت الزّوجيّة لزيارة أبويها كلّ ل سنةٍ ،وإن لم يأذن زوجها .ولها الخروج لعيادة والديها أسبوعٍ ،أو زيارة المحارم ك ّ وحضور جنازتهما أو أحدهما .وعن أبي يوسف :تقييد خروج المرأة من بيت الزّوجيّة ل جمعةٍ بأن ل يقدرا على زيارتها ،فإن قدرا ل تذهب .وأجاز المالكيّة : لزيارة أبويها ك ّ للمرأة الخروج من بيت الزّوجيّة لزيارة والديها ،ويقضى لها بزيارتهما مرّ ًة كلّ أسبوعٍ ،إن كانت مأمونةً ولو شابّ ًة ،وحالها محمول على المانة حتّى يظهر خلفها .وإن حلف :أن ل تزور والديها يحنث في يمينه ،بأن يحكم لها القاضي بالخروج للزّيارة ،فإذا خرجت بالفعل حنث ،وهذا على فرض أنّ والديها بالبلد ،ل إن بعدا عنها فل يقضى لها ،وليس لها أن
ص منعها من الزّيارة بل تخرج لزيارتهما إن حلف باللّه أنّها ل تخرج ،وأطلق -بحيث لم يخ ّ منعها من الخروج أصلً -لفظا ونيّةً ،ول يقضى عليه بخروجها ولو لزيارة والديها إذا طلبتها ،لنّه في حال التّخصيص يظهر منه قصد ضررها ،فلذا حنث ،بخلف حال التّعميم فإنّه لم يظهر منه قصد الضّرر ،فلذا ل يقضى عليه بخروجها ول يحنث .وإن لم تكن مأمون ًة ،لم تخرج ولو متجالّ ًة ،أو مع أمين ٍة ،لتطرّق فسادها بالخروج .وجوّز الشّافعيّة خروج المرأة لزيارة أهلها ولو محارم -على المعتمد عندهم -حيث ل ريبة ،وكذا ن ،أو منع قبل غيبته ،فلو منعها عيادتهم ،وتشييع جنازتهم ،ولو في غيبة الزّوج من غير إذ ٍ قبل غيب ٍة فليس لها الخروج ،والمراد خروج لغير سفرٍ وغيبةٍ عن البلد .وأجاز الحنابلة للمرأة الخروج لزيارة والديها بإذن زوجها ،وليس لها الخروج بل إذنه ،لنّ حقّ الزّوج ب مهما كان سبب الزّيارة ،ول تخرج بغير إذنه إلّ واجب فل يجوز تركه بما ليس بواج ٍ لضرور ٍة ،ول يملك الزّوج منعها من زيارتهما إلّ مع ظنّ حصول ضررٍ يعرف بقرائن الحوال بسبب زيارتهما لها ،فله منعهما حينئذٍ من زيارتها دفعا للضّرر .
ب -سفر المرأة والمبيت خارج بيت الزّوجيّة : - 6يرى الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة جواز خروج المرأة من بيت الزّوجيّة لداء الحجّة ج فرض بأصل الشّرع ،ول يملك تحليلها إذا المفروضة ،ول يجوز للزّوج منعها لنّ الح ّ ج غير مفروضٍ ،لوجوب إتمامه بشروعها فيه .ويرى الشّافعيّة جواز أحرمت بإذنه بح ّ ج إلّ بإذن الزّوج للفرض وغيره . ج بإذن الزّوج ،إذ ليس للمرأة الح ّ خروج المرأة للح ّ
ج -العتكاف :
- 7يرى الفقهاء جواز خروج المرأة من بيت الزّوجيّة بإذن زوجها للعتكاف في المسجد مطلقا ،والمكث فيه مدّته .
د -رعاية المحارم : - 8ذهب جمهور الفقهاء -خلفا للحنابلة -إلى أنّ للمرأة أن تخرج من بيت الزّوجيّة لرعاية محارمها ،كأبويها وإخوتها ،وذلك لتمريض المريض أو عيادته ،إذا لم يوجد من يقوم عليه واحتاجها ،وعليها تعاهده بقدر احتياجه ،وكذا إذا مات أحد من أقاربها تخرج لشهود جنازته ،ويستحبّ لزوجها إذنها بالخروج ،لما في ذلك من صلة الرّحم ،وفي منعها من ذلك قطيعة رحمٍ ،وربّما حملها عدم إذنه على مخالفته ،وقد أمر اللّه سبحانه وتعالى بالمعاشرة بالمعروف ،فل ينبغي للزّوج منعها .ولم يصرّح الحنابلة بحكم هذه الصّور .
هـ -الخروج لقضاء الحوائج : - 9يرى جمهور الفقهاء أنّه يجوز للمرأة أن تخرج من بيت الزّوجيّة بل إذن الزّوج إن كانت لها نازلة ،ولم يغنها الزّوج الثّقة أو نحو محرمها ،وكذا لقضاء بعض حوائجها الّتي ل بدّ لها منها ،كإتيانها بالماء من الدّار ،أو من خارجها ،وكذا مأكل ،ونحو ذلك ممّا ل غناء عنه للضّرورة إن لم يقم الزّوج بقضائه لها ،وكذا إن ضربها ضربا مبرّحا ،أو كانت تحتاج إلى ن للمرأة أن تخرج من بيت الزّوجيّة إن الخروج لقاضٍ تطلب عنده حقّها .وصرّح الحنفيّة بأ ّ كان البيت مغصوبا ،لنّ السّكنى في المغصوب حرام ،والمتناع عن الحرام واجب ،ول تسقط نفقتها .وكذا لو أبت الذّهاب إليه .وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ للمرأة أن تخرج من بيت الزّوجيّة للعمل إن أجاز لها زوجها ذلك ،لنّ الحقّ لهما ل يخرج عنهما ،ولها الخروج للرضاع إن كانت آجرت نفسها له قبل عقد النّكاح ثمّ تزوّجت ،لصحّة الجارة ،ول يملك ن منافعها ملكت بعقدٍ سابقٍ الزّوج فسخها ،ول منعها من الرّضاع حتّى تنقضي المدّة ،ل ّ ن للمرأة أن تخرج من بيت الزّوجيّة إن على نكاح الزّوج مع علمه بذلك .وصرّح الشّافعيّة بأ ّ كانت تخاف على نفسها أو مالها من فاسقٍ أو سارقٍ ،أو أخرجها معير المنزل ،كما صرّح الشّافعيّة بأنّ لها الخروج والسّفر بإذن الزّوج مطلقا مع محرمٍ .وصرّح الحنفيّة والشّافعيّة أنّه يجوز للمرأة الخروج من بيت الزّوجيّة ولو بغير إذن الزّوج ،إن كانت في منزلٍ أضحى كلّه أو بعضه يشرف على النهدام ،مع وجود قرين ٍة على ذلك .ولها الخروج إلى مجلس العلم برضا الزّوج ،وليس لها ذلك بغير رضاه .
ما يترتّب على رفض الزّوجة القامة في بيت الزّوجيّة :
ن المرأة إذا امتنعت عن القامة في بيت الزّوجيّة بغير حقّ ،سواء أكان - 10يرى الفقهاء أ ّ بعد خروجها منه ،أم امتنعت عن أن تجيء إليه ابتداءً بعد إيفائها معجّل مهرها ،وطلب زوجها القامة فيه ،فل نفقة لها ول سكنى حتّى تعود إليه ،لنّها بالمتناع قد فوّتت حقّ الزّوج في الحتباس الموجب للنّفقة ،فتكون ناشزا .
بيت المال التّعريف - 1بيت المال لغةً :هو المكان المعدّ لحفظ المال ،خاصّا كان أو عامّا .وأمّا في الصطلح :فقد استعمل لفظ " بيت مال المسلمين ،أو " بيت مال اللّه " في صدر السلم للدّللة على المبنى والمكان الّذي تحفظ فيه الموال العامّة للدّولة السلميّة من المنقولت ،كالفيء وخمس الغنائم ونحوها ،إلى أن تصرف في وجوهها .ثمّ اكتفي بكلمة " بيت المال " للدّللة على ذلك
،حتّى أصبح عند الطلق ينصرف إليه .وتطوّر لفظ " بيت المال " في العصور السلميّة اللّاحقة إلى أن أصبح يطلق على الجهة الّتي تملك المال العامّ للمسلمين ،من النّقود والعروض ل مالٍ ثبتت عليه اليد في بلد والراضي السلميّة وغيرها .والمال العامّ هنا :هو ك ّ المسلمين ،ولم يتعيّن مالكه ،بل هو لهم جميعا .قال القاضي الماورديّ والقاضي أبو يعلى : ل استحقّه المسلمون ،ولم يتعيّن مالكه منهم ،فهو من حقوق بيت المال .ثمّ قال : كلّ ما ٍ وبيت المال عبارة عن الجهة ل عن المكان .أمّا خزائن الموال الخاصّة للخليفة أو غيره فكانت تسمّى " بيت مال الخاصّة » . ن ديوان بيت المال هو - 2وينبغي عدم الخلط بين ( ديوان بيت المال ) ( وبيت المال ) فإ ّ ي وأبي يعلى : الدارة الخاصّة بتسجيل الدّخل والخرج والموال العامّة .وهو عند الماورد ّ أحد دواوين الدّولة ،فقد كانت في عهدهما أربعة دواوين :ديوان يختصّ بالجيش .وديوان ص ببيت المال .وليس للدّيوان سلطة يختصّ بالعمال ،وديوان يختصّ بالعمّال ،وديوان يخت ّ التّصرّف في أموال بيت المال ،وإنّما عمله قاصر على التّسجيل فقط .والدّيوان في الصل بمعنى ( السّجلّ ) أو ( الدّفتر ) وكان في أوّل السلم عبارةً عن الدّفتر الّذي تثبت فيه أسماء المرتزقة ( من لهم رزق في بيت المال ) ثمّ تنوّع بعد ذلك ،كما سبق .ومن واجبات كاتب الدّيوان أن يحفظ قوانين بيت المال على الرّسوم العادلة ،من غير زياد ٍة تتحيّف بها الرّعيّة ، أو نقصانٍ ينثلم به حقّ بيت المال .وعليه فيما يختصّ ببيت المال أن يحفظ قوانينه ورسومه ، ي وأبو يعلى أعماله في ستّة أمورٍ ،نذكرها باختصارٍ : وقد حصر القاضيان الماورد ّ أ -تحديد العمل بما يتميّز به عن غيره ،وتفصيل نواحيه الّتي تختلف أحكامها . ب -أن يذكر حال البلد ،هل فتحت عنو ًة أو صلحا ،وما استقرّ عليه حكم أرضها من عشرٍ أو خراجٍ بالتّفصيل . ج -أن يذكر أحكام خراج البلد وما استقرّ على أراضيه ،هل هو خراج مقاسم ٍة ،أم خراج وظيف ٍة ( دراهم معلومة موظّفة على الرض ) . د -أن يذكر ما في كلّ ناحي ٍة من أهل ال ّذمّة ،وما استقرّ عليهم في عقد الجزية . ل جنسٍ ،ليعلم ما يؤخذ هـ -إن كان البلد من بلدان المعادن ،يذكر أجناس معادنه ،وعدد ك ّ ممّا ينال منه . و -إن كان البلد يتاخم دار الحرب ،وكانت أموالهم إذا دخلت دار السلم تعشّر عن صلحٍ استقرّ معهم ،أثبت في الدّيوان عقد صلحهم وقدر المأخوذ منهم .نشأة بيت المال في السلم : ن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه كان أوّل من اتّخذ بيت - 3تشير بعض المصادر إلى أ ّ ن أبا بكرٍ رضي ال عنه كان ن كثيرا من المصادر تذكر أ ّ المال .نقل ذلك ابن الثير .غير أ ّ
قد اتّخذ بيت مالٍ للمسلمين .ففي الستيعاب لبن عبد البرّ وتهذيب التّهذيب لبن حجرٍ في ترجمة معيقيبٍ بن أبي فاطمة :استعمله أبو بكرٍ وعمر على بيت المال .بل ذكر ابن الثير ل بالسّنح ( من ضواحي المدينة ) ن أبا بكرٍ رضي ال عنه كان له بيت ما ٍ في موضعٍ آخر :أ ّ وكان يسكنه إلى أن انتقل إلى المدينة .فقيل له :أل نجعل عليه من يحرسه ؟ قال :ل .فكان ينفق ما فيه على المسلمين ،فل يبقى فيه شيء ،فلمّا انتقل إلى المدينة جعل بيت المال في داره .ولمّا توفّي أبو بكرٍ جمع عمر المناء ،وفتح بيت المال ،فلم يجدوا فيه غير دينارٍ سقط من غرارةٍ ،فترحموا عليه .وقال :وأمر أبو بكرٍ أن ير ّد جميع ما أخذ من بيت المال لنفقته بعد وفاته .وفي كتاب الخراج لبي يوسف أنّ خالد بن الوليد -في عهده لهل الحيرة زمن أبي بكرٍ رضي ال عنه -كتب لهم :وجعلت لهم أيّما شيخٍ ضعف عن العمل ،أو أصابته آفة ،أو كان غنيّا فافتقر وصار أهل دينه يتصدّقون عليه ،طرحت جزيته ،وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار السلم ...وشرطت عليهم جباية ما صالحتهم عليه ،حتّى يؤدّوه إلى بيت مال المسلمين عمّا لهم منهم . سنّة وغيرها من المراجع -فيما اطّلعنا عليه - - 4أمّا النّبيّ صلى ال عليه وسلم فل تذكر ال ّ استعمال هذه التّسمية " بيت المال " في عهده صلى ال عليه وسلم .ولكن يظهر من كثيرٍ من الحاديث الواردة أنّ بعض وظائف بيت المال كانت قائم ًة ،فإنّ الموال العامّة من الفيء ، ل ذلك وأخماس الغنائم ،وأموال الصّدقات ،وما يهيّأ للجيش من السّلح والعتاد ونحو ذلك ،ك ّ كان يضبطه الكتّاب وكان يخزّن إلى أن يحين موعد إخراجه .أمّا فيما بعد عهد عمر رضي ال عنه فقد استمرّ بيت المال يؤدّي دوره طيلة العهود السلميّة إلى أن جاءت النّظم المعاصرة ،فاقتصر دوره في الوقت الحاضر -في بعض البلد السلميّة -على حفظ الموال الضّائعة ومال من ل وارث له ،وقام بدوره في غير ذلك وزارات الماليّة والخزانة .
سلطة التّصرّف في أموال بيت المال : - 5سلطة التّصرّف في بيت مال المسلمين للخليفة وحده أو من ينيبه .وذلك لنّ المام نائب عن المسلمين فيما لم يتعيّن المتصرّف فيه منهم .وكلّ من يتصرّف في شيءٍ من حقوق بيت المال فل بدّ أن يستمدّ سلطته في ذلك من سلطة المام .ويجب -وهو ما جرت عليه العادة أن يولّي الخليفة على بيت المال رجلً من أهل المانة والقدرة .وكان المتصرّف في بيتالمال بإنابة الخليفة يسمّى " صاحب بيت المال " وإنّما يتصرّف فيه طبقا لما يحدّده الخليفة من طرق الصّرف .وكون الحقّ في التّصرّف في أموال بيت المال للخليفة ليس معناه أن ص ،فإن كان يفعل ذلك قيل :إنّ يتصرّف فيها طبقا لما يشتهي ،كما يتصرّف في ماله الخا ّ بيت المال قد فسد ،أو أصبح غير منتظمٍ ،ويستتبع ذلك أحكاما خاصّ ًة يأتي بيانها ،بل ينبغي
أن يكون تصرّفه في تلك الموال كتصرّف وليّ اليتيم في مال اليتيم ،كما قال عمر بن الخطّاب رضي ال عنه :إنّي أنزلت نفسي من هذا المال بمنزلة وليّ اليتيم ،إن استغنيت استعففت ،وإن افتقرت أكلت بالمعروف ،فإذا أيسرت قضيت .ويعني ذلك أن يتصرّف في المال بالّذي يرى أنّه خير للمسلمين وأصلح لمرهم ،دون التّصرّف بالتّشهّي والهوى والثرة .وبيّن القاضي أبو يعلى أنّ ما يلزم المام من أمور المّة عشرة أشياء ،منها :جباية الفيء والصّدقات على ما أوجبه الشّرع .ومنها تقدير العطاء وما يستحقّ في بيت المال من غير ت ل تقديم فيه ول تأخير .وله أن يعطي الجوائز من بيت سرفٍ ول تقصيرٍ ،ودفعه في وق ٍ المال لمن كان فيه نفع ظاهر للمسلمين ،وقوّة على العدوّ ،ونحو ذلك ممّا فيه المصلحة .وقد كانت العادة في صدر الدّولة السلميّة أنّ العامل ( أي الوالي ) على بلدٍ أو إقليمٍ ،ينوب عن ض منه في الجباية لبيت المال والنفاق منه ،وكان المفترض فيه أن يتصرّف المام بتفوي ٍ على الوجه الشّرعيّ المعتبر .ولم يكن ذلك للقضاة .وربّما كان صاحب بيت المال في بعض المصار يتّبع الخليفة مباشر ًة ،مستقلّا عن عامل المصر .
موارد بيت المال : - 6موارد بيت المال الصناف التّالية ،وأمّا صفة اليد على ك ّل منها فإنّها مختلفة ،كما سنبيّنه فيما بعد . أ -الزّكاة بأنواعها ،الّتي يأخذها المام سواء أكانت زكاة أموالٍ ظاهرةٍ أم باطنةٍ ،من السّوائم والزّروع والنّقود والعروض ،ومنها عشور تجّار المسلمين إذا مرّوا بتجارتهم على ل أخذ من الكفّار بالقتال ،ما عدا العاشر .ب -خمس الغنائم المنقولة .والغنيمة هي كلّ ما ٍ الراضي والعقارات ،فيورّد خمسها لبيت المال ،ليصرف في مصارفه .قال اللّه تعالى : ن للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن { واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأ ّ السّبيل } ...الية . ج -خمس الخارج من الرض من المعادن من الذّهب والفضّة والحديد وغيرها ،وقيل : مثلها المستخرج من البحر من لؤلؤٍ وعنبرٍ وسواهما . ل مالٍ دفن في الرض بفعل النسان ،والمراد هنا كنوز د -خمس الرّكاز ( الكنوز ) وهو ك ّ أهل الجاهليّة والكفر إذا وجده مسلم ،فخمسه لبيت المال ،وباقيه بعد الخمس لواجده . ل مالٍ منقولٍ أخذ من الكفّار بغير قتالٍ ،وبل إيجاف خيلٍ ول ركابٍ . هـ -الفيء :وهو ك ّ والفيء أنواع ) 1 ( :ما جل عنه الكفّار خوفا من المسلمين من الراضي والعقارات ،وهي ل سنةٍ ،نصّ عليه الشّافعيّة .وفي ذلك توقف كالراضي المغنومة بالقتال ،وتقسّم غلّاتها ك ّ خلف ( انظر :فيء ) ) 2 ( .ما تركوه وجلوا عنه من المنقولت .وهو يقسّم في الحال ول
ج أو أجرةٍ عن الراضي الّتي ملكها المسلمون ، يوقف ) 3 ( .ما أخذ من الكفّار من خرا ٍ ودفعت بالجارة لمسلمٍ أو ذمّيّ ،أو عن الراضي الّتي أقرّت بأيدي أصحابها من أهل ال ّذمّة صلحا أو عنوةً على أنّها لهم ،ولنا عليها الخراج ) 4 ( .الجزية وهي :ما يضرب على س من الرّجال البالغين القادرين رقاب الكفّار لقامتهم في بلد المسلمين .فيفرض على كلّ رأ ٍ مبلغ من المال ،أو يضرب على البلد كلّها أن تؤدّي مبلغا معلوما .ولو أدّاها من ل تجب عليه كانت هبةً ل جزي ًة ) 5 ( .عشور أهل ال ّذمّة ،وهي :ضريبة تؤخذ منهم عن أموالهم الّتي يتردّدون بها متاجرين إلى دار الحرب ،أو يدخلون بها من دار الحرب إلى دار السلم ،أو ينتقلون بها من بلدٍ في دار السلم إلى بلدٍ آخر ،تؤخذ منهم في السّنة مرّ ًة ،ما لم يخرجوا من دار السلم ،ثمّ يعودوا إليها .ومثلها عشور أهل الحرب من ال ّتجّار كذلك ،إذا ل يؤدّونه إلى المسلمين دخلوا بتجارتهم إلينا مستأمنين ) 6 ( .ما صولح عليه الحربيّون من ما ٍ ) 7 ( .مال المرتدّ إن قتل أو مات ،ومال الزّنديق إن قتل أو مات ،فل يورث مالهما بل هو فيء ،وعند الحنفيّة في مال المرتدّ تفصيل ) 8 ( .مال ال ّذ ّميّ إن مات ول وارث له ،وما فضل من ماله عن وارثه فهو فيء كذلك ) 9 ( .الراضي المغنومة بالقتال ،وهي الراضي الزّراعيّة عند من يرى عدم تقسيمها بين الغانمين . و -غلّات أراضي بيت المال وأملكه ونتاج المتاجرة والمعاملة . ز -الهبات والتّبرّعات والوصايا الّتي تقدّم لبيت المال للجهاد أو غيره من المصالح العامّة . ح -الهدايا الّتي تقدّم إلى القضاة ممّن لم يكن يهدى لهم قبل الولية ،أو كان يهدى لهم لكن ن { النّبيّ صلى له عند القاضي خصومة ،فإنّها إن لم تردّ إلى مهديها تردّ إلى بيت المال .ل ّ ال عليه وسلم أخذ من ابن اللّتبيّة ما أهدي إليه } .وكذلك الهدايا الّتي تقدّم إلى المام من أهل الحرب ،والهدايا الّتي تقدّم إلى عمّال الدّولة ،وهذا إن لم يعط الخذ مقابلها من ماله الخاصّ .ط -الضّرائب الموظّفة على الرّعيّة لمصلحتهم ،سواء أكان ذلك للجهاد أم لغيره ،ول ل كانت موردا تضرب عليهم إلّ إذا لم يكن في بيت المال ما يكفي لذلك ،وكان لضرورةٍ ،وإ ّ غير شرعيّ .ي -الموال الضّائعة ،وهي مال وجد ولم يمكن معرفة صاحبه ،من لقطةٍ أو وديع ٍة أو رهنٍ ،ومنه ما يوجد مع اللّصوص ونحوهم ممّا ل طالب له ،فيورّد إلى بيت المال .ك -مواريث من مات من المسلمين بل وارثٍ ،أو له وارث ل يرث كلّ المال - ث فإنّ ديته تورّد إلى بيت المال ،ويصرف عند من ل يرى ال ّردّ -ومن قتل وكان بل وار ٍ هذا في مصارف الفيء .وحقّ بيت المال في هذا النّوع هو على سبيل الميراث عند الشّافعيّة والمالكيّة أي على سبيل العصوبة .وقال الحنابلة والحنفيّة :يردّ إلى بيت المال فيئا ل إرثا سنّة تغريم مانع الزّكاة بأخذ ( ر :إرث ) .ل -الغرامات والمصادرات :وقد ورد في ال ّ شطر ماله ،وبهذا يقول إسحاق بن راهويه وأبو بكرٍ عبد العزيز ،وورد تغريم من أخذ من
الثّمر المعلّق وخرج به ضعف قيمته ،وبهذا يقول الحنابلة وإسحاق بن راهويه :والظّاهر أنّ مثل هذه الغرامات إذا أخذت تنفق في المصالح العامّة ،فتكون بذلك من حقوق بيت المال . ن عمر رضي ال عنه صادر شطر أموال بعض الولة ،لمّا ظهر عليهم الثراء بسبب وورد أ ّ أعمالهم ،فيرجع مثل ذلك إلى بيت المال أيضا .
أقسام بيت المال ومصارف كلّ قسمٍ : - 7الموال الّتي تدخل بيت المال متنوّعة المصارف ،وكثير من أصنافها ل يجوز صرفه في الوجوه الّتي تصرف فيها الصناف الخرى .ومن أجل ذلك احتيج إلى فصل أموال بيت المال بحسب مصارفها ،لجل سهولة التّصرّف فيها ،وقد نصّ أبو يوسف على فصل الزّكاة عن الخراج في بيت المال ،فقال :مال الصّدقة والعشور ل ينبغي أن يجمع إلى مال ن الخراج فيء لجميع المسلمين ،والصّدقات لمن سمّى اللّه في كتابه .وقد نصّ الخراج ،ل ّ الحنفيّة على أنّه يجب على المام توزيع موجودات بيت المال على أربعة بيوتٍ ،ول تأبى قواعد المذاهب الخرى التّقسيم من حيث الجملة .وقد قال الحنفيّة :للمام أن يستقرض من أحد البيوت الربعة ليصرفه في مصارف البيوت الخرى ،ويجب ردّه إلى البيت المستقرض منه ،ما لم يكن ما صرفه إليه يجوز صرفه من هذا البيت الخر .والبيوت الربعة هي : البيت الوّل :بيت الزّكاة : - 8من حقوقه :زكاة السّوائم ،وعشور الراضي الزّكويّة ،والعشور الّتي تؤخذ من ال ّتجّار المسلمين إذا مرّوا على العاشر ،وزكاة الموال الباطنة إن أخذها المام .ومصرف هذا النّوع المصارف الثّمانية الّتي نصّ عليها القرآن العظيم .وفي ذلك تفصيل وخلف يرجع إليه في مصطلح ( زكاة ) .وقد نقل الماورديّ الخلف بين الفقهاء في صفة اليد على هذه الموال ن قول أبي حنيفة :إنّها من حقوق بيت المال ،أي أملكه الّتي يرجع التّصرّف فيها ،فنقل أ ّ إلى رأي المام واجتهاده ،كمال الفيء .ولذا يجوز صرفه في المصالح العامّة كالفيء ،وإن ن بيت المال مجرّد حر ٍز للزّكاة يحرّزها لصحابها ،فإن وجدوا وجب الدّفع رأى الشّافعيّ أ ّ إليهم ،وإن لم يوجدوا أحرزها لبيت المال ،وجوبا على مذهبه القديم ،وجوازا على مذهبه الجديد ،بنا ًء على وجوب دفع الزّكاة إلى المام ،أو جواز ذلك .ونقل أبو يعلى الحنبليّ أنّ قول أحمد كقول الشّافعيّ في ذلك وخرّج وجها في زكاة الموال الظّاهرة كقول أبي حنيفة .
- 9والمراد بالخماس :
البيت الثّاني :بيت الخماس :
أ -خمس الغنائم المنقولة ،وقيل :وخمس العقارات الّتي غنمت أيضا .
ب -خمس ما يوجد من كنوز الجاهليّة وقيل هو زكاة . ج -خمس أموال الفيء على قول الشّافعيّ ،وإحدى روايتين عن أحمد .وعلى الرّواية الخرى ومذهب الحنفيّة والمالكيّة :ل يخمّس الفيء .ومصرف هذا النّوع خمسة أسهمٍ :سهم للّه ورسوله ،وسهم لذوي القربى ،وسهم لليتامى ،وسهم للمساكين ،وسهم لبن السّبيل ، على ما قال اللّه تعالى { :واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل } وكان السّهم الوّل يأخذه النّبيّ صلى ال عليه وسلم في حياته ،وبعده يصرف في مصالح المسلمين على رأي المام ،فينقل لبيت مال الفيء التي ذكره .وسائر السهم الربعة تحرّز لصحابها في بيت المال ،حتّى تقسّم عليهم ،وليس للمام أن يصرفها في المصالح .
البيت الثّالث :بيت الضّوائع : ق ل يعلم صاحبه - 10وهي الموال الضّائعة ونحوها من لقط ٍة ل يعرف صاحبها ،أو مسرو ٍ ونحوهما على ما تقدّم ،فتحفظ في هذا البيت محرّز ًة لصحابها ،فإن حصل اليأس من معرفتهم صرف في وجهه .ومصرف أموال هذا البيت -على ما نقله ابن عابدين عن الزّيلعيّ ،وقال :إنّه المشهور عند الحنفيّة -هو اللّقيط الفقير ،والفقراء الّذين ل أولياء لهم ، فيعطون منه نفقتهم وأدويتهم وتكاليف أكفانهم ودية جناياتهم .وقال الماورديّ :عند أبي حنيفة يصرف لهؤلء صدق ًة عمّن المال له ،أو من خلّف المال .ولم نعثر لغير الحنفيّة على ص ،فالظّاهر أنّها عندهم تصرف في المصالح تخصيص هذا النّوع من الموال بمصرفٍ خا ّ العامّة كالفيء ،وهو ما صرّح به أبو يعلى والماورديّ في مال من مات بل وارثٍ ،وبناءً على ذلك تكون البيوت عندهم ثلث ًة ل أربعةً .
البيت الرّابع :وهو بيت مال الفيء :
- 11أهمّ موارد هذا البيت ما يلي : أ -أنواع الفيء الّتي تقدّم ذكرها .
ب -سهم اللّه ورسوله من الخماس . ج -الراضي الّتي غنمها المسلمون على القول بأنّها ل تقسّم ،وأنّها ليست من الوقف المصطلح عليه . د -خراج الرض الّتي غنمها المسلمون ،سواء اعتبرت وقفا أم غير وقفٍ . هـ -خمس الكنوز الّتي لم يعلم صاحبها ،أو تطاول عليها الزّمن .
و -خمس الخارج من الرض من معدنٍ أو نفطٍ أو نحو ذلك .وقيل :ما يؤخذ من ذلك هو زكاة مقدارها ربع العشر ،ويصرف في مصارف الزّكاة . ث من المسلمين ،ومن ذلك ديته .ح -الضّرائب الموظّفة على ز -مال من مات بل وار ٍ ن .ط -الهدايا إلى القضاة والعمّال والمام .ى - الرّعيّة ،الّتي لم توظّف لغرضٍ معيّ ٍ أموال البيت السّابق على قول غير الحنفيّة .
مصارف بيت مال الفيء : - 12مصرف أموال هذا البيت المصالح العامّة للمسلمين ،فيكون تحت يد المام ،ويصرف ن نفقة كذا هي منه بحسب نظره واجتهاده في المصلحة العامّة .والفقهاء إذا أطلقوا القول بأ ّ في بيت المال ،يقصدون هذا البيت الرّابع ،لنّه وحده المخصّص للمصالح العامّة ،بخلف ما عداه ،فالحقّ فيه لجهاتٍ محدّدةٍ ،يصرف لها ل لغيرها .وفيما يلي بيان بعض المصالح الّتي تصرف فيها أموال هذا البيت ممّا ورد في كلم الفقهاء ،ل على سبيل الحصر والستقصاء ،فإنّ أبواب المصالح ل تنحصر ،وهي تختلف من عصرٍ إلى عصرٍ ،ومن بلدٍ إلى بلدٍ . - 13ومن أهمّ المصالح الّتي تصرف فيها أموال هذا البيت ما يلي : ل مسلمٍ ،سواء أكان من أهل القتال أ -العطاء ،وهو نصيب من بيت مال المسلمين يعطى لك ّ أم لم يكن .وهذا أحد قولين للحنابلة قدّمه صاحب المغني ،وهو كذلك أحد قولين للشّافعيّة هو خلف الظهر عندهم .قال المام أحمد :في الفيء حقّ لك ّل المسلمين ،وهو بين الغنيّ والفقير .ومن الحجّة لهذا القول قول اللّه تعالى { :ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه وللرّسول } ...الية .ثمّ قال { :للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلً من اللّه ورضوانا وينصرون اللّه ورسوله أولئك هم الصّادقون } ثمّ قال : { والّذين تبوّءوا الدّار واليمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم } ...ث ّم قال { :والّذين جاءوا من بعدهم } ...فاستوعب كلّ المسلمين .ولهذا قال عمر بن الخطّاب رضي ال عنه بعد أن قرأ اليات من سورة الحشر :هذه -يعني الية الخيرة -استوعبت المسلمين عامّةً ،ولن ن الرّاعي بسرو حمير نصيبه منها ،لم يعرق فيه جبينه .والقول الثّاني للحنابلة ، عشت ليأتي ّ ن أهل الفيء هم أهل الجهاد المرابطون في الثّغور ،وجند وهو الظهر عند الشّافعيّة :أ ّ المسلمين ،ومن يقوم بمصالحهم -أي بالضافة إلى أبواب المصالح التي بيانها .وأمّا العراب ونحوهم ممّن ل يعدّ نفسه للقتال في سبيل اللّه فل حقّ لهم فيه ،ما لم يجاهدوا فعلً .ومن الحجّة لهذا القول ما في صحيح مسلمٍ وغيره من حديث بريدة { أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان إذا أمّر أميرا على جيشٍ أو سريّةٍ أوصاه في خاصّته بتقوى اللّه } ...إلى أن
ف عنهم ،ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من قال { :ثمّ ادعهم إلى السلم ،فإن أجابوك فاقبل منهم وك ّ دارهم إلى دار المهاجرين ،وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين ،وعليهم ما على المهاجرين .فإن أبوا أن يتحوّلوا منها ،فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين ،يجري عليهم حكم اللّه الّذي يجري على المؤمنين ،ول يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء ،إلّ أن ن الفيء كلّه يجب قسمه بين من له رزق في يجاهدوا مع المسلمين } .وقيل عند الشّافعيّة :إ ّ بيت المال في عامه ،ول يبقى منه شيء ول يوفّر شيء للمصالح ما عدا خمس الخمس ( أي الّذي للّه ورسوله ) والتّحقيق عندهم :إعطاء من لهم رزق في بيت المال كفايتهم ،وصرف ما يتبقّى من مال الفيء للمصالح . ب -السلحة والمعدّات والتّحصينات وتكاليف الجهاد والدّفاع عن أوطان المسلمين . ج -رواتب الموظّفين الّذين يحتاج إليهم المسلمون في أمورهم العامّة ،من القضاة والمحتسبين ،ومن ينفّذون الحدود ،والمفتين والئمّة والمؤذّنين والمدرّسين ،ونحوهم من كلّ من فرّغ نفسه لمصلحة المسلمين ،فيستحقّ الكفاية من بيت المال له ولمن يعوله .ويختلف ذلك باختلف العصار والبلدان لختلف الحوال والسعار .وليست هذه الرّواتب أجرةً ن القضاء ونحوه من الطّاعات ل يجوز أخذ للموظّفين من كلّ وجهٍ ،بل هي كالجرة ،ل ّ الجرة عليه أصلً .ثمّ إن سمّي للموظّف مقدار معلوم استحقّه ،وإلّ استحقّ ما يجري لمثاله ل بمرتّبٍ .وأرزاق هؤلء ،وأرزاق الجند إن لم توجد في بيت إن كان ممّن ل يعمل إ ّ المال ،تبقى دينا عليه ،ووجب إنظاره ،كالدّيون مع العسار .بخلف سائر المصالح فل ن من مات من أهل ل مع القدرة ،وتسقط بعدمها .والرّاجح عند الحنفيّة :أ ّ يجب القيام بها إ ّ العطاء ،كالقاضي والمفتي والمدرّس ونحوهم قبل انتهاء العام ،يعطى حصّته من العام ،أمّا من مات في آخره أو بعد تمامه فإنّه يجب العطاء إلى وارثه . د -القيام بشئون فقراء المسلمين من العجزة واللّقطاء والمساجين الفقراء ،الّذين ليس لهم ما ينفق عليهم منه ،ول أقارب تلزمهم نفقتهم ،فيتحمّل بيت المال نفقاتهم وكسوتهم وما يصلحهم ج وتجهيز ميّتٍ ،وكذا دية جناية من لم يكن له عاقلة من المسلمين ،أو من دواءٍ وأجرة عل ٍ ن بيت المال يتحمّل باقي الدّية ،ول تعقل عن كان له عاقلة فعجزوا عن الكلّ أو البعض ،فإ ّ ن إقرار الجاني ل يقبل على بيت المال ،كما ل يقبل على كافرٍ .ونبّه بعض الشّافعيّة إلى أ ّ العاقلة . هـ -النفاق على أهل ال ّذمّة من بيت المال :ليس لكافرٍ ذ ّميّ أو غيره حقّ في بيت مال ن ال ّذمّيّ إن احتاج لضعفه يعطى ما يسدّ جوعته .وفي كتاب الخراج لبي المسلمين .لك ّ خ ضعف ن ممّا أعطاه خالد بن الوليد رضي ال عنه في عهده لهل الحيرة :أيّما شي ٍ يوسف أ ّ عن العمل ،أو أصابته آفة من الفات ،أو كان غنيّا فافتقر ،وصار أهل دينه يتصدّقون عليه
طرحت جزيته ،وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار السلم . ونقل مثل ذلك أبو عبيدٍ في كتاب الموال . و -ومن مصارف بيت مال الفيء أيضا :فكاك أسرى المسلمين من أيدي الكفّار ،ونقل أبو يوسف في كتاب الخراج قول عمر بن الخطّاب رضي ال عنه :كلّ أسيرٍ كان في أيدي ن فكاكه في المشركين من المسلمين ففكاكه من بيت مال المسلمين .وهناك وجه للشّافعيّة بأ ّ ب -غير المأكولة ن مالك الدّوا ّ ماله هو ( ر :أسرى ) .وشبيه بهذا ما قاله بعض الشّافعيّة أ ّ لو امتنع من علفها ،ولم يمكن إجباره لفقره مثلً ينفق عليها من بيت المال مجّانا ،وكذلكالدّابّة الموقوفة إن لم يمكن أخذ النّفقة من كسبها . ز -المصالح العامّة لبلدان المسلمين ،من إنشاء المساجد والطّرق والجسور والقناطر والنهار والمدارس ونحو ذلك ،وإصلح ما تلف منها .ح -ضمان ما يتلف بأخطاء أعضاء ي المر والقاضي ونحوهم من سائر من يقوم بالعمال الدارة الحكوميّة :من ذلك أخطاء ول ّ العامّة ،إذا أخطئوا في عملهم الّذي كلّفوا به ،فتلف بذلك نفس أو عضو أو مال ،كدية من مات بالتّجاوز في التّعزير ،فحيث وجب ضمان ذلك يضمن بيت المال .فإن كان العمل ن خاصّ للمام أو غيره من المسئولين فالضّمان على عاقلته ،أو في ماله المكلّف به لشأ ٍ ن أخطاءهم قد تكثر ،فلو حملوها هم أو عاقلتهم لجحف الخاصّ بحسب الحوال .وذلك ل ّ بهم .هذا عند الحنفيّة والمالكيّة ،وهو الصحّ عند الحنابلة ،والقول غير الظهر للشّافعيّة . ن الضّمان على عاقلته .أمّا ضمان أمّا الظهر للشّافعيّة ،ومقابل الصحّ عند الحنابلة فهو أ ّ العمد فيتحمّله فاعله اتّفاقا .ط -تحمّل الحقوق الّتي أقرّها الشّرع لصحابها ،واقتضت قواعد ف أو مسجدٍ الشّرع أن ل يحملها أحد معيّن :ومن أمثلة ذلك ما لو قتل شخص في زحام طوا ٍ ي رضي ال عامّ أو الطّريق العظم ،ولم يعرف قاتله ،فتكون ديته في بيت المال لقول عل ّ ي صلى ال عليه وسلم دية عبد اللّه بن سهلٍ عنه :ل يبطل في السلم دم ،وقد { تحمّل النّب ّ ي حين قتل في خيبر ،لمّا لم يعرف قاتله ،وأبى النصار أن يحلفوا القسامة ،ولم النصار ّ يقبلوا أيمان اليهود ،فوداه النّبيّ صلى ال عليه وسلم من عنده كراهية أن يبطل دمه } .ومن ذلك أيضا أجرة تعريف اللّقطة ،فللقاضي أن يرتّب أجرة تعريفها من بيت المال ،على أن تكون قرضا على صاحبها .
أولويّات الصّرف من بيت المال : - 14يرى المالكيّة والشّافعيّة أنّه يندب البدء بالصّرف لل النّبيّ صلى ال عليه وسلم الّذين تحرم عليهم الصّدقة ،اقتداءً بفعل عمر رضي ال عنه ،إذ قدّم آل بيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم في ديوان العطاء .ثمّ بعد ذلك يجب البدء بمصالح أهل البلد الّذين جمع منهم المال ،
كبناء مساجدهم وعمارة ثغورهم وأرزاق قضاتهم ومؤذّنيهم وقضاء ديونهم وديات جناياتهم ، ويعطون كفاية سنتهم .وإن كان غير فقراء البلد الّتي جبي فيها المال أكثر احتياجا منهم ،فإنّ المام يصرف القليل لهل البلد الّتي جبي فيها المال ،ثمّ ينقل الكثر لغيرهم .ويرى الحنابلة أنّه إذا اجتمع على بيت المال حقّان ،ضاق عنهما واتّسع لحدهما ،صرف فيما يصير منهما دينا على بيت المال لو لم يؤدّ في وقته ،كأرزاق الجند وأثمان المعدّات والسّلح ونحوهما ، دون ما يجب على وجه الرفاق والمصلحة ،كالطّرق ونحوها .
الفائض في بيت المال : - 15لعلماء المسلمين فيما يفيض في بيت المال ،بعد أداء الحقوق الّتي عليه ،ثلثة اتّجاهاتٍ :الوّل -وهو مذهب الشّافعيّة :أنّه يجب تفريق الفائض وتوزيعه على من يع ّم به صلح ن ما ينوب المسلمين يتعيّن فرضه عليهم إذا حدث .وفي المنهاج المسلمين ،ول يدّخر ،ل ّ وشرحه من كتب الشّافعيّة :يوزّع الفائض على الرّجال البالغين ممّن لهم رزق في بيت المال ،ل على غيرهم ول ذراريّهم .قال القليوبيّ :والغرض أن ل يبقى في بيت المال شيء .والثّاني -وهو مذهب الحنفيّة :أنّها تدّخر في بيت المال لما ينوب المسلمين من حادثٍ . والثّالث -التّفويض لرأي المام ،قال القليوبيّ من الشّافعيّة :قال المحقّقون :للمام الدّخار .ونقل صاحب جواهر الكليل عن المدوّنة :يبدأ في الفيء بفقراء المسلمين ،فما بقي يقسّم ل أن يرى المام حبسه لنوائب المسلمين .إذا عجز بيت المال عن أداء بين النّاس بالسّويّة ،إ ّ الحقوق : - 16بيّن الماورديّ وأبو يعلى حالة عجز بيت المال عن أداء الحقوق فقال ما حاصله :إنّ المستحقّ على بيت المال ضربان :الوّل :ما كان بيت المال له مجرّد حرزٍ ،كالخماس والزّكاة ،فاستحقاقه معتبر بالوجود ،فإن كان المال موجودا فيه كان مصرفه مستحقّا ، وعدمه مسقط لستحقاقه .الثّاني :ما كان بيت المال له مستحقّا ،وهو مال الفيء ونحوه ، ومصارفه نوعان :أوّلهما :ما كان مصرفه مستحقّا على وجه البدل ،كرواتب الجنود ، وأثمان ما اشتري من السّلح والمعدّات ،فاستحقاقه غير معتبرٍ بالوجود ،بل هو من الحقوق اللّازمة لبيت المال مع الوجود والعدم .فإن كان موجودا يعجّل دفعه ،كالدّين على الموسر ، وإن كان معدوما وجب فيه ،ولزم إنظاره ،كالدّين على المعسر .ثانيهما :أن يكون مصرفه مستحقّا على وجه المصلحة والرفاق دون البدل ،فاستحقاقه معتبر بالوجود دون العدم .فإن كان موجودا وجب فيه ،إن كان معدوما سقط وجوبه عن بيت المال .ثمّ يكون -إن عمّ ضرره -من فروض الكفاية على المسلمين ،حتّى يقوم به من فيه كفاية كالجهاد ،وإن كان ب يجد النّاس غيره طريقا بعيدا ،أو انقطاع شربٍ يجد ممّا ل يعمّ ضرره كوعورة طريقٍ قري ٍ
النّاس غيره شربا .فإذا سقط وجوبه عن بيت المال بالعدم سقط وجوبه عن الكافّة ،لوجود البدل .ويلحظ أنّه قد يكون العجز في بيت المال الفرعيّ ،أي في أحد القاليم التّابعة للمام .فإذا قلّد الخليفة أميرا على إقليمٍ ،فإذا نقص مال الخراج عن أرزاق جيشه ،فإنّه يطالب الخليفة بتمامها من بيت المال .أمّا إن نقص مال الصّدقات عن كفاية مصارفها في عمله فل ن أرزاق الجيش مقدّرة بالكفاية ،وحقوق أهل يكون له مطالبة الخليفة بتمامها ،وذلك ل ّ الصّدقات معتبرة بالوجود .
تصرّفات المام في الدّيون على بيت المال : - 17إذا ثبتت الدّيون على بيت المال ،ولم يكن فيه وفاء لها ،فللمام أن يستقرض من أحد ص على ذلك الحنفيّة .وقالوا :وإذا حصل للخزانة الّتي استقرض بيوت المال للبيت الخر ،ن ّ لها مال يردّ إلى المستقرض منه ،إلّ أن يكون المصروف من الصّدقات أو خمس الغنائم على أهل الخراج ،وهم فقراء ،فإنّه ل يردّ من ذلك شيئا ،لستحقاقهم الصّدقات بالفقر .وكذا غيره إذا صرف إلى المستحقّ .وللمام أيضا أن يستعير أو يقترض لبيت المال من الرّعيّة . { وقد استعار النّبيّ صلى ال عليه وسلم دروعا للجهاد من صفوان بن أميّة } { واستسلف عليه الصلة والسلم بعيرا ور ّد مثله من إبل الصّدقة } ،وذلك اقتراض على خزانة الصّدقات من بيت المال .
تنمية أموال بيت المال والتّصرّف فيها :
- 18بالضافة إلى ما تقدّم من صلحيات النفاق في بيت المال ،فإنّ للمام التّصرّف في أموال بيت المال .والقاعدة في ذلك أنّ منزلة المام من أموال بيت المال منزلة الوليّ من مال اليتيم ،كما قال عمر بن الخطّاب رضي ال عنه :إنّي أنزلت نفسي من هذا المال منزلة وليّ اليتيم .فله فيه من التّصرّف ما لوليّ اليتيم في مال اليتيم .وليست هذه القاعدة على إطلقها ، فل يلزم التّشبيه من كلّ وجهٍ ،بدليل أنّ للمام التّمليك من بيت المال والقطاع منه .ومن المثلة الّتي تعرّض لها بعض الفقهاء ما يلي : أ -البيع :يجوز للمام بيع شيءٍ من أموال بيت المال ،إذا رأى المصلحة في ذلك .أمّا شراؤه لنفسه شيئا منها فقد جاء في ال ّدرّ المختار :ل يصحّ بيع المام ول شراؤه من وكيل ل لضرورةٍ . بيت المال لشي ٍء من أموال بيت المال ،لنّه كوكيل اليتيم ،فل يجوز ذلك منه إ ّ زاد في البحر :أو رغب في العقار بضعف قيمته ،على قول المتأخّرين المفتى به .
ب -الجارة :أرض بيت المال تجري عليها أحكام الوقوف المؤبّدة .فتؤجّر كما يؤجّر الوقف .ج -المساقاة :تصحّ المساقاة من المام على بساتين بيت المال ،كما تصحّ من جائز التّصرّف لصبيّ تحت وليته . د -العارة :اختلف قول الشّافعيّة في إعارة المام لشي ٍء من أموال بيت المال ،فأفتى السنويّ بجوازه ،بناءً على أنّه إذا جاز له التّمليك من بيت المال فالعارة أولى .وقال الرّمليّ :ل يجوز للمام مطلقا إعارة أموال بيت المال ،كالوليّ في مال مولّيه .وقال القليوبيّ :ثمّ إن أخذ أحد شيئا من بيت المال عاريّ ًة فهلك في يده فل ضمان عليه ،إن كان له في بيت المال حقّ ،وتسميته عاريّةً مجاز . ن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه أقرض هندا بنت عتبة هـ -القراض :ذكر ابن الثير أ ّ أربعة آلفٍ تتّجر فيها وتضمنها .وممّا يجري مجرى القراض النفاق بقصد الرّجوع ،ومن ذلك النفاق على البهيمة الضّائعة ونحوها ،حفظا لها من التّلف .ثمّ يرجع بيت المال بالنّفقة على صاحب البهيمة ،وإن لم يعرف بيعت ،وأخذ من ثمنها حقّ بيت المال .
إقطاع التّمليك : ن للمام أن يقطع من الراضي الّتي لم تكن لحدٍ ول في يد وارثٍ ،لمن - 19يرى الحنفيّة أ ّ فيه غناء ونفع للمسلمين على سبيل النّظر في المصلحة ،ل على سبيل المحاباة والثرة ،كما ن له أن يعطي من أموال بيت المال الخرى ،إذ الرض والمال شيء واحد .كذا قال أّ ج بما روي أنّ عمر بن الخطّاب رضي ال عنه أصفى أموال القاضي أبو يوسف ،واحت ّ ل رجلٍ قتل في الحرب أو لحق بأرض الحرب أو مغيض كسرى وأهله لبيت المال ،ومال ك ّ ماءٍ أو أجمةٍ .وكان خراج ذلك سبعة آلف ألفٍ ،فكان يقطع من هذه لمن أقطع .قال أبو يوسف :وذلك بمنزلة المال الّذي لم يكن لحدٍ ،ول في يد وارثٍ ،فللمام العادل أن يجيز منه ويعطي من كان له غناء في السلم .ونقل هذا ابن عابدين ،وقال :هذا صريح في أنّ القطائع قد تكون من الموات ،وقد تكون من بيت المال لمن هو من مصارفه ،كما يعطي ن المقطع يملك رقبة الرض ،ولذا يؤخذ منها العشر ،لنّها المال حيث رأى المصلحة ،وأ ّ بمنزلة الصّدقة .ويرى الشّافعيّة والحنابلة -على ما فصّله الماورديّ وأبو يعلى -أنّ أراضي بيت المال ثلثة أقسامٍ : أ -ما اصطفاه المام لبيت المال بحقّ الخمس أو باستطابة نفوس الغانمين ،كما اصطفى عمر أراضي كسرى وأهله ،ولم يقطع من ذلك شيئا .فلمّا جاء عثمان أقطع منه وأخذ منه حقّ الفيء .قال الماورديّ :فكان ذلك إقطاع إجار ٍة ل إقطاع تمليكٍ .ول يجوز إقطاع رقبته
،لنّه صار باصطفائه لبيت المال ملكا لكافّة المسلمين ،فجرى على رقبته حكم الوقف المؤبّد . ن أرض الخراج بعضها موقوف ، ب -أرض الخراج ،فل يجوز تمليك رقبتها ،ل ّ وخراجها أجرة ،وبعضها مملوك لهلها ،وخراجها جزية . ج -ما مات عنه أربابه ولم يستحقّه وارث بفرضٍ أو تعصيبٍ .واختلف أصحاب الشّافعيّ في هذا النّوع على وجهين :أحدهما :أنّها تصير وقفا ،فعلى هذا ل يجوز بيعها ول إقطاعها .وثانيهما :أنّها ل تصير وقفا حتّى يقفها المام .فعلى هذا يجوز له إقطاعها تمليكا ،كما ن البيع معاوضة ، يجوز بيعها .ونقل قولً آخر :أنّ إقطاعها ل يجوز ،وإن جاز بيعها ،ل ّ وهذا القطاع صلة ،والثمان إذا صارت ناضّةً لها حكم يخالف في العطايا حكم الصول الثّابتة ،فافترقا ،وإن كان الفرق بينهما ضعيفا .والحكم كذلك عند المالكيّة في أرض العنوة العامرة فإنّها ل يجوز للمام إقطاعها تمليكا ،بناءً على أنّها تكون وقفا بنفس الستيلء عليها .ولم نجد لهم تعرّضا للرض الّتي تئول إلى بيت المال بهلك أربابها .هل يجوز إقطاع التّمليك منها أم ل ؟ .
إقطاع النتفاع والرفاق والستغلل : - 20يجوز للمام -إذا رأى المصلحة -أن يقطع من أراضي بيت المال أو عقاره -بعض النّاس إرفاقا أو ليأخذ الغلّة .قال المالكيّة :ثمّ ما اقتطعه المام من العنوة ،إن كان لشخصٍ بعينه انحلّ بموت المنتفع .وإن كان لشخصٍ وذ ّريّته وعقبه استحقّته ال ّذ ّريّة بعده ،للنثى مثل الذّكر .وانظر ( إرفاق .إرصاد .أرض الحوز ) وبعضهم جعل مثل هذا وقفا .
وقف عقار بيت المال :
- 21ذكر الحنفيّة جواز وقف المام من بيت المال ،ثمّ قالوا :إن كان السّلطان اشترى الراضي والمزارع من وكيل بيت المال يجب مراعاة شرائطه ،إن وقفها من بيت المال ل تجب مراعاتها .ويرى الشّافعيّة ،كما نقل عميرة البرلّسيّ :وقف المام من بيت المال . ن له التّمليك منه ،وكما فعل عمر رضي ال عنه في أرض سواد العراق ،إذ وقفها قالوا :ل ّ على المسلمين .وانظر ( ر :إرصاد ) .
تمليك حقوق بيت المال قبل توريدها إليه : ن للمام أن يترك الخراج للمالك ل العشر ،ثمّ يحلّ ذلك للمالك عند - 22ذهب الحنفيّة إلى أ ّ ل تصدّق به .ولو ترك أبي يوسف ،إن كان المالك ممّن يستحقّ شيئا من بيت المال ،وإ ّ
المام العشر ونحوه من أموال الزّكاة فلم يأخذه ل يجوز إجماعا ،ويخرجه المالك بنفسه للفقراء ونحوهم من مصارف الزّكاة .
الدّيون الّتي لبيت المال : - 23تثبت لبيت المال الدّيون في ذمم الفراد .فلو ضرب المام أموالً على الرّعيّة عامّةً ، أو طائفةٍ منهم أو أهل بلدٍ ،لمصلحتهم ،كتجهيز الجيوش أو فداء السرى ،وكأجرة الحراسة وكري النهار ،فمن لم يؤ ّد من ذلك ما ضرب عليه بقي في ذمّته دينا واجبا لبيت المال ،ل يجوز لهم المتناع منه .
انتظام بيت المال وفساده :
ل يأخذ المال من حقّه ،ويضعه في مستحقّه . - 24يكون بيت المال منتظما إذا كان المام عد ً ل ،فيأخذ المال من أصحابه بغير حقّ .أو يأخذه بحقّ ، ويكون فاسدا إذا كان المام غير عد ٍ ولكن ينفق منه في غير مصلحة المسلمين ،وعلى غير الوجه الشّرعيّ ،كما لو أنفقه في ص أقاربه أو من يهوى بما ل يستحقّونه ،ويمنع أهل الستحقاق . مصالحه الخاصّة ،أو يخ ّ ل ،ول يستقصي عليه فيما ومن الفساد أيضا أن يفوّض المام أمر بيت المال إلى غير عد ٍ يتصرّف فيه من أموال بيت المال فيظهر منه التّضييع وسوء التّصرّف .ومن أوجه فساد بيت المال أيضا ما أشار إليه ابن عابدين :أن يخلط المام أموال بيت المال الربعة بعضها ببعضٍ ،فل تكون مفرزةً - 25 .وإذا فسد بيت المال ترتّبت عليه أحكام منها : أ -أنّ لمن عليه حقّا لبيت المال -إذا لم يطّلع عليه -أن يمنع من ذلك الحقّ بقدر حقّه هو ن له أن يصرفه في بيت المال ،إن كان له فيه حقّ لم يعطه .وإن لم يكن له فيه حقّ ،فإ ّ مباشر ًة في مصارف بيت المال ،كبناء مسجدٍ أو رباطٍ .ذكر ذلك بعض الشّافعيّة بخصوص ب ألقته الرّيح إلى داره ولم يعلم صاحبه لقط ٍة حصل اليأس من معرفة صاحبها ،أو نحو ثو ٍ وأيس من ذلك ،وقالوا أيضا :ما انحسر عنه ماء النّهر لو زرعه أحد لزمته أجرته لمصالح المسلمين ،ويسقط عنه قدر حصّته ،إن كان له حصّة في مال المصالح .واستدلّ لذلك بما روي عن عائشة رضي ال عنها أنّ رجلً قال لها :أصبت كنزا فرفعته إلى السّلطان .فقالت له :بفيك الكثكث .والكثكث :التّراب . ب -ومنها :لو منع السّلطان حقّ المستحقّين ،فظفر أحدهم بمالٍ لبيت المال ،فقد أجاز بعض الفقهاء أن يأخذ المستحقّ قدر ما كان يعطيه المام .وهذا أحد أقوالٍ أربع ٍة ذكرها ن له أن يأخذ كلّ يومٍ قدر قوته .وثالثها :يأخذ كفاية سنته .ورابعها :ل الغزاليّ .ثانيها :أ ّ يجوز له أن يأخذ شيئا لم يؤذن له فيه .وأمّا المالكيّة فقد صرّحوا بأنّه ل يجوز السّرقة من
بيت المال ،سواء انتظم أم لم ينتظم ،ويفهم من هذا أنّهم يوافقون القول الرّابع من القوال ن له في تلك الحال أن يأخذ قدر حقّه ديانةً ، الّتي نقلها الغزاليّ .ومفاد ما يذكره الحنفيّة :أ ّ إلّ أنّه ليس له الخذ من غير بيته الّذي يستحقّ هو منه إلّ للضّرورة كما في زماننا ،إذ لو لم ل من بيته لزم أن ل يبقى حقّ لحدٍ في زماننا ،لعدم إفراز كلّ بيتٍ على حدةٍ ، يجز أخذه إ ّ بل يخلطون المال كلّه .ولو لم يأخذ ما ظفر به لم يمكنه الوصول إلى شيءٍ ،كما أفتى به ابن عابدين .ج -ومنها ما أفتى به المتأخّرون من الشّافعيّة -وهم من بعد سنة 400هـ - موافق ًة لبعض المتقدّمين ،وقال به متأخّرو المالكيّة أيضا :أنّه إذا لم ينتظم بيت المال يردّ ض يردّ على ذوي على أهل الفرض غير الزّوجين ما فضل عن إرثهم ،فإن لم يكن ذو فر ٍ الرحام .والحكم الصليّ عند الشّافعيّة والمالكيّة ،في حال انتظام بيت المال ،عدم الرّدّ وعدم توريث ذوي الرحام ،بل تكون التّركة كلّها أو فاضلها عن ذوي الفروض لبيت المال ، إن لم يكن عصبة .
العتداء على أموال بيت المال : ن من أتلف شيئا من أموال بيت المال بغير حقّ كان ضامنا - 26ل خلف بين الفقهاء في أ ّ ن من أخذ منه شيئا بغير حقّ لزمه ردّه ،أو ر ّد مثله إن كان مثليّا ،وقيمته إن لما أتلفه ،وأ ّ كان قيميّا .وإنّما الخلف بينهم في قطع يد السّارق من بيت المال ،ولهم في ذلك اتّجاهان : أحدهما -وإليه ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة :أنّ السّارق من بيت المال ل تقطع يده . ن عبدا من رقيق الخمس سرق واستدلّوا على ذلك بما روى ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما { أ ّ من الخمس ،فرفع إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فلم يقطعه ،وقال :مال اللّه سرق بعضه ل سرق من بيت المال ، ن ابن مسعو ٍد سأل عمر بن الخطّاب عن رج ٍ بعضا } .وبما روي أ ّ فقال عمر :أرسله ،فما من أحدٍ إلّ وله في هذا المال حقّ .وثانيهما -وإليه ذهب المالكيّة ن السّارق من بيت المال تقطع يده ،واستدلّوا على ذلك بعموم قول اللّه تعالى { :والسّارق أّ والسّارقة فاقطعوا أيديهما } ،فإنّه عامّ يشمل السّارق من بيت المال والسّارق من غيره ،وبأنّ السّارق قد أخذ مالً محرّزا ،وليست له فيه شبهة قويّة ،فتقطع يده كما لو أخذ غيره من الموال الّتي ليست له فيها شبهة قويّة .
الخصومة في شأن أموال بيت المال :
- 27إذا ادّعي على بيت المال بحقّ ،أو كان لبيت المال حقّ قبل الغير ،ورفعت الدّعوى بذلك أمام القضاء ،كان للقاضي الّذي رفعت الدّعوى إليه أن يقضي فيها ،ولو أنّه أحد المستحقّين .وإذا كان القاضي نفسه هو المدّعي أو المدّعى عليه ،فل تتوجّه عليه دعوى
أصلً ،ول على نائبه ،بل ل ب ّد أن ينصّب من يدّعي ومن يدّعى عليه عنده ،أو عند غيره . ومن جملة ما يمكن الدّعاء به :إيرادات بيت المال إذا قبضها العامل ،وأنكر صاحب بيت المال أنّه قبضها من العامل .فيطالب العامل بإقامة الحجّة على صاحب بيت المال بالقبض ، فإن عدمها أحلف صاحب بيت المال ،وأخذ العامل بالغرم .
الستقصاء على الولة ومحاسبة الجباة : - 28على المام وولته أن يراقبوا من يوكّل إليهم جمع الزّكاة وغيرها ممّا يجب لبيت المال ،وأن يستقصوا عليهم فيما يتصرّفون فيه من أموال بيت المال ،ويحاسبوهم في ذلك محاسب ًة دقيقةً .ففي صحيح البخاريّ من حديث أبي حمي ٍد السّاعديّ قال { :استعمل النّبيّ صلى ال عليه وسلم رجلً من الزد على صدقات بني سليمٍ يدعى ابن اللّتبيّة ،فلمّا جاء حاسبه } .وقال القاضي أبو يعلى :مذهب أبي حنيفة في إيراد الصّدقات وجوب رفع الحساب عنها إلى كاتب الدّيوان ،ويجب على كاتب الدّيوان محاسبتهم على صحّة ما رفعوه ،وذلك ن مصرف العشر ومصرف الخراج عند أبي حنيفة واحد .وأمّا على مذهب الشّافعيّ فل لّ يجب على العمّال رفع الحساب عن العشور ،لنّها عنده صدقة ،ل يقف مصرفها على اجتهاد الولة .وأمّا عمّال الخراج فيلزمهم رفع الحساب باتّفاق المذهبين .ويجب على كاتب الدّيوان محاسبتهم على صحّة ما رفعوه .ث ّم من وجبت محاسبته من العمّال ل يخلو من حالين :الولى :إن لم يقع بينه وبين كاتب الدّيوان اختلف في الحساب كان كاتب الدّيوان مصدّقا في الحساب .وإن استراب فيه وليّ المر كلّفه إحضار شواهده ،فإن زالت الرّيبة عنه فل يحلف ،وإن لم تزل الرّيبة -وأراد وليّ المر تحليفه عليه -حلف العامل دون كاتب الدّيوان ،لنّ المطالبة متوجّهة على العامل دون كاتب الدّيوان .الثّانية :إن وقع بين العامل وكاتب الدّيوان اختلف في الحساب :فإن كان اختلفهما في الدّخل ،فالقول قول العامل ،لنّه منكر .وإن كان اختلفهما في الخرج ،فالقول قول الكاتب ،لنّه منكر .وإن كان اختلفهما في تقدير الخراج ،كما لو اختلفا في مساحةٍ يمكن إعادتها أعيدت ويعمل فيها بما يتبيّن .وإن لم ي وأبو يعلى صفة يمكن إعادتها يحلف ربّ المال دون الماسح - 29 .وقد فصّل الماورد ّ المحاسبة في ذلك ،واستعرضا ما يعتبر حجّةً في قبض ،الولة من الجباة ،وأنّه يعمل في ذلك بالقرار بالقبض ،أمّا الخطّ إذا أنكره ،أو لم يعترف به فعرف الدّواوين أن يكتفى به ، جةً .والّذي عليه الفقهاء أنّه إن لم يعترف الوالي أنّه خطّه أو أنكره لم يلزمه ،ولم ويكون ح ّ جةً في القبض .ول يجوز أن يقاس بخطّه في اللزام إجبارا ،وإنّما يقاس بخطّه إرهابا يكن ح ّ ليعترف به طوعا .وقد يعترف الوالي بالخطّ وينكر القبض ،وحينئذٍ يكون ذلك في الحقوق السّلطانيّة خاصّ ًة حجّ ًة للعاملين بالدّفع ،وحجّ ًة على الولة بالقبض اعتبارا بالعرف .وأورد
الماورديّ ذلك ثمّ قال :هذا هو الظّاهر من مذهب الشّافعيّ .أمّا أبو حنيفة فالظّاهر من مذهبه أنّه ل يكون حجّةً عليه .ول للعاملين ،حتّى يق ّر به لفظا كالدّيون الخاصّة .قال :وفيما ن كلّ ما ورد إلى عمّال المسلمين ،أو خرج من قدّمناه من الفرق بينهما مقنع .ويلحظ أ ّ أيديهم من المال العامّ ،فحكم بيت المال جارٍ عليه في دخله إليه وخرجه عنه ،ولذلك تجرى المحاسبة عليه .
بيت المقدس
1
-بيت المقدس :اسم لمكان العبادة المعروف في أرض فلسطين .
وأصل التّقديس التّطهير ،والرض المقدّسة أي :المطهّرة .قال ابن منظورٍ : والنّسبة إليه مقدسيّ ومقدسيّ .وفي معجم البلدان سمّاه في بعض مواضع من كلمه عنه " البيت المقدّس » .
- 2وهذا السم " بيت المقدس " يطلق الن على المدينة الّتي فيها المسجد القصى ،ول يطلق على مكان العبادة بخصوصه ،أمّا في كلم الفقهاء والمؤرّخين فإنّ السم دائر بين المعنيين ،كما استعمله صاحب معجم البلدان وغيره .وتسمّى المدينة الن أيضا ( القدس ) . ووردت هذه التّسمية أيضا في كلم العرب .ففي اللّسان :قال الشّاعر :ل نوم حتّى تهبطي أرض العدس وتشربي من خير ماءٍ بقدس هذا وإنّ للمسجد القصى ببيت المقدس أحكاما يختصّ بها عن سائر المساجد ( ر :المسجد القصى ) .
بيت النّار .انظر :معابد . بيتوتة .انظر :تبييت . بيض التّعريف - 1البيض معروف ،يقال :باض الطّائر يبيض بيضا ،واحدته :بيضة ،وتطلق البيضة أيضا على الخصية .وتنظر أحكامها في مصطلح ( :خصية ) .الحكام المتعلّقة بالبيض : بيض الحيوانات المأكولة اللّحم وغير المأكولة : - 2سبق في مصطلح ( أطعمة ) تفصيل ما يتّصل بحلّ الكل وحرمته بالنّسبة للبيض ،وهو ل أكل لحمه في الجملة حلّ أكل بيض ما يؤكل لحمه من الحيوان ،وحرمة أكل بيض ما ل يح ّ .
بيض الجلّالة : - 3اختلف الفقهاء في حكم أكل بيض الجلّالة ( وهي الّتي تتّبع النّجاسات وتأكلها إذا كانت مخلّاةً تجول في القاذورات ) .فبنى الحنفيّة والشّافعيّة في الصّحيح الحكم على تغيّر لحمها ونتنه ،فإن تغيّر ووجدت منها رائحة منتنة كره أكل بيضها عند الحنفيّة ،وحرم الكل في الصّحيح عند الشّافعيّة ،لنّها صارت من الخبائث { ،ولنهي النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن أكل لحم الجلّالة وشرب لبنها } .وقيّد الحنابلة وبعض الشّافعيّة حرمة أكل بيض الجلّالة بما إذا كان أكثر علفها النّجاسة للحديث الوارد في ذلك .وقال بعض الشّافعيّة :يكره أكل بيض ن النّهي إنّما هو لتغيّر اللّحم ،وهو ل يوجب التّحريم .قالوا :وهو الجلّالة كراه ًة تنزيهً ،ل ّ ل أكل بيضها لتولّده من الصحّ ،وهو رواية عند الحنابلة .والمختار عند المالكيّة ،أنّه يح ّ ل حيّ طاهر .وإن لم يتغيّر لحم الجلّالة ولم ينتن ،بأن كانت تخلط ولم يكن أكثر حيّ ،وك ّ علفها النّجاسة حلّ أكل بيضها باتّفاقٍ .
سلق البيض في ماءٍ نجسٍ :
ل أكله عند الجمهور ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو - 4إذا سلق البيض في ماءٍ نجسٍ ح ّ القول المرجوح عند المالكيّة ) وفي الرّاجح عند المالكيّة ل يحلّ أكله لنجاسته وتعذّر تطهيره لسريان الماء النّجس في مسامّه . 5
-البيض المذر ( وهو الفاسد بوجهٍ عامّ ) :هـ -إذا استحالت البيضة دما
صارت نجسةً عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في الصّحيح من مذهبهم ،وفي
الصحّ عند الشّافعيّة ،ومقابله أنّها طاهرة ،وإذا تغيّرت بالتّعفّن فقط فهي طاهرة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،كاللّحم المنتن ،وهي نجسة عند المالكيّة .وإن اختلط صفارها ببياضها من غير عفونةٍ فهي طاهرة . البيض الخارج بعد الموت :
- 6البيض الخارج من مأكول اللّحم بعد موته ول يحتاج لتذكي ٍة يحلّ أكله باتّفاقٍ ،إلّ إذا كان فاسدا .أمّا ما يحتاج لتذكي ٍة ولم يذكّ فالبيض الخارج بعد موته يحلّ أكله إن تصلّبت قشرته ، وهذا عند الحنابلة ،وأصحّ الوجه عند الشّافعيّة ،لنّه صار شيئا آخر منفصلً فيحلّ أكله . ل أكله عند الحنفيّة ولو لم تتصلّب قشرته ،وهو وجه عند الشّافعيّة ،لنّه شيء طاهر في ويح ّ ل ما ي الّذي له نفس سائلة إذا لم يذكّ ،إ ّ ل عند المالكيّة أكل بيض الحيوان البرّ ّ نفسه ،ول يح ّ كانت ميتته طاهرةً دون ذكاةٍ -كالجراد والتّمساح -فيحلّ أكل بيضه .
بيع البيض : - 7يشترط في بيع البيض ما يشترط في غيره من المبيعات ،وهو أن يكون موجودا متقوّما طاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه ( ...ر :بيع ) .ولذلك ل يجوز بيع البيض الفاسد ، لنّه ل ينتفع به ،ول بيع بيضٍ في بطن دجاج ٍة ،لنّه في حكم المعدوم ...هذا ويختلف الفقهاء في اعتبار البيض من الرّبويّات وعدم اعتباره .فذهب الحنفيّة والحنابلة وابن شعبان من المالكيّة ،وهو القديم عند الشّافعيّة :إلى أنّه ل يعتبر البيض من الرّبويّات ،لنّ علّة الرّبا عندهم الكيل مع الجنس ،أو الوزن مع الجنس ،وهذا بالنّسبة لربا الفضل .ول يتحقّق الرّبا إلّ بإجماع الوصفين :الجنس والقدر ( الكيل أو الوزن ) ،وعلى ذلك يجوز بيع بيضةٍ ببيضتين إذا كان يدا بيدٍ ،لنّه ل تتحقّق فيه العلّة .إلّ أنّه روي عن المام أحمد كراهة بيع بيض ٍة ببيضتين لعلّة الطّعم .ويحرم بيع البيض بالبيض نساءً ،لنّ علّة ربا النّساء هي أحد وصفي علّة ربا الفضل ،أمّا الكيل أو الوزن المتّفق ،أو الجنس فالجنس بانفراده يحرّم النّساء ح الرّوايات : .وهذا عند الحنفيّة بالنّسبة للنّساء .وهو إحدى الرّوايات عند الحنابلة ،وفي أص ّ ل يحرم النّساء في بيع البيض بالبيض .وذهب المالكيّة غير ابن شعبان والشّافعيّة في الجديد إلى اعتبار البيض من الرّبويّات ،لعلّة القتيات والدّخار في ربا الفضل ،وعلّة الطّعم في ربا النّساء ،وذلك عند المالكيّة ،وعلّة الطّعم في ربا الفضل والنّساء عند الشّافعيّة .والبيض يقتات ويدّخر ويطعم فيكون ربويّا .وعلى ذلك يحرم الفضل والنّساء في بيع البيض بالبيض ، فإذا بيع بعضه ببعضٍ فل بدّ أن تكون حالّا ،مثلً بمثلٍ ،يدا بيدٍ .والصل في ذلك ما رواه مسلم عن عبادة قال { :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ينهى عن بيع الذّهب بالذّهب ،والفضّة بالفضّة ،والب ّر بالبرّ ،والشّعير بالشّعير ،والتّمر بالتّمر ،والملح بالملح ، ن ،فمن زاد أو ازداد فقد أربى } فإن اختلف الجنس ولم تختلف إلّ سواءً بسوا ٍء ،عينا بعي ٍ العلّة جاز التّفاضل ،لنّ اختلف الجنس ل يحرم معه التّفاضل ويحرم النّساء لوجود علّة ي صلى ال عليه وسلم في تتمّة الحديث السّابق { :فإذا اختلفت هذه الطّعم ،وقد قال النّب ّ الصناف ،فبيعوا كيف شئتم ،إذا كان يدا بيدٍ } .وبيع البيض بالبيض ل يجوز إلّ وزنا عند الشّافعيّة ،وبالوزن أو التّحرّي لتحقّق المماثلة عند المالكيّة .
السّلم في البيض :
- 8إسلم البيض في البيض ل يجوز عند جمهور الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وروايةٍ عند الحنابلة -لنّه يعتبر ربا لعلّة الجنس عند الحنفيّة ،وعلّة الطّعم عند المالكيّة والشّافعيّة وروايةٍ عند الحنابلة .ويجوز في أصحّ الرّوايات عند الحنابلة إسلم البيض في
ن النّبيّ البيض ،لنّه ليس من الرّبويّات ،واستدلّوا على ذلك بحديث { ابن عمرٍو ،وهو أ ّ صلى ال عليه وسلم أمره أن يأخذ على قلئص الصّدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصّدقة } .ويجوز أن يكون البيض مسلما فيه عند جمهور الفقهاء ،ويشترط فيه ما يشترط في ك ّل مسلمٍ فيه من كونه معلوم الجنس والصّفة ،وأن يكون ممّا يمكن ضبط قدره وصفته .. وهكذا .والبيض يمكن ضبطه قدرا وصفةً ،لنّ الجهالة يسيرة ل تفضي إلى المنازعة ، وصغير البيض وكبيره سواء ،لنّه ل يجري التّنازع في ذلك القدر من التّفاوت بين النّاس عاد ًة فكان ملحقا بالعدم ،وبذلك يجوز السّلم في البيض عددا ،وهذا عند الحنفيّة خلفا لزفر ، وكذلك عند من يقول بجوازه من الحنابلة يجوز السّلم فيه عددا ،ويذهب التّفاوت باشتراط الكبر أو الصّغر أو الوسط .ويجوز عند المالكيّة أيضا أن يسلم فيه عددا إذا أمكن ضبطه أو ن لختلف الغراض بالكبر والصّغر .أمّا عند الشّافعيّة فل قياسه بنحو خيطٍ يوضع عند أمي ٍ يجوز السّلم في البيض عددا ول كيلً ،وإنّما يجوز بالوزن التّقريبيّ .وعند أبي الخطّاب من الحنابلة ،وزفر من الحنفيّة ،وفي قولٍ عند الشّافعيّة :ل يجوز السّلم في البيض ،لنّه ل يمكن ضبطه لختلفه في الصّغر والكبر .
العتداء على البيض في الحرم وحال الحرام : ل ما حرم صيده في الحرم حرم التّعرّض لبيضه ،فإذا كسره أحد أو شواه لزمه قيمته -9كّ بمحلّه يوم التّلف ،لنّه أصل الصّيد ،إذ الصّيد يتولّد منه فيعطى له حكم الصّيد احتياطا .وقد روي عن الصّحابة رضي ال تعالى عنهم أنّهم حكموا في بيض النّعامة بالقيمة .وهذا عند الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة ،عدا المزنيّ فإنّه قال :هو حلل ل جزاء فيه .وعند المالكيّة يجب في كلّ فردٍ من أفراد البيض عشر قيمة أمّه طعاما أو عدله صياما -صوم يومٍ عن كلّ ن في العشر البيضات شا ًة .واستثنى المالكيّة بيض حمام حرم مدّ -واستظهر ابن عرفة أ ّ مكّة ففيه عشر قيمة شاةٍ طعاما ،لقضاء عثمان رضي ال عنه فيه بذلك .ول ضمان في البيض الفاسد باتّفاقٍ إذا كان غير بيض نعامةٍ ،لنّ الضّمان لعرضيّة أن يصير البيض صيدا وهو مفقود في الفاسد .أمّا إذا كان الفاسد بيض نعامةٍ فعند الحنفيّة والمالكيّة وإمام الحرمين من الشّافعيّة وابن قدامة من الحنابلة ل شيء فيه أيضا ،لنّه إذا لم يكن فيه حيوان ول مآله إلى أن يصير منه حيوان صار كالحجار والخشب .وقال الشّافعيّة غير إمام الحرمين ، ن لقشره قيمة لكن قال ابن قدامة : والحنابلة غير ابن قدامة يضمن قيمة قشر بيض النّعام ،ل ّ الصّحيح ل شيء فيه .وإن كسر البيض فخرج منه فرخ ميّت ،فإن كان موت الفرخ بسبب الكسر ،فعند الجمهور عليه قيمته حيّا ،وعند المالكيّة عليه عشر قيمة أمّه -فإن علم موت الفرخ قبل الكسر فل شيء فيه .وإذا كسر المحرم بيضا أو شواه وضمنه أو أخذه حلل من
أجله حرم عليه أكله لنّه صار كالميتة ،وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،ويحلّ أكله ل أكله لغير المحرم عند الحنفيّة والشّافعيّة كما صحّحه في المجموع وجزم عند الحنفيّة .ويح ّ به ابن المقري ،وكذلك يحلّ عند الحنابلة -غير القاضي -وسندٍ من المالكيّة .وعند المالكيّة غير سندٍ ،وفي قولٍ عند الشّافعيّة والقاضي من الحنابلة يحرم على الحلل ( غير المحرم ) أكله كما يحرم على المحرم .وما مرّ إنّما هو بالنّسبة لبيض حرم مكّة ،أمّا بالنّسبة لحرم المدينة فل جزاء فيه وإن كان يحرم ويأثم بذلك .هذا كلّه في بيض الصّيد وهو غير المستأنس من الطّيور .أمّا المستأنس ( ما يربّى في البيوت كالدّجاج ) فل شيء في بيضه .
غصب البيض : - 10غصب البيض -كغصب غيره من الموال -حرام ،وعلى الغاصب الضّمان ،فإن كان البيض المغصوب باقيا وجب ردّه ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم { :ل يأخذنّ أحدكم مال أخيه لعبا ول جادّا ومن أخذ عصا أخيه فليردّها } فإن تلف ضمن مثله ،إذ البيض من المثليّات عند الجمهور ،وإن تعذّر المثل فالقيمة .ويختلف الفقهاء فيمن غصب بيضا فحضنه تحت دجاجٍ حتّى أفرخ .فعند الحنفيّة والمالكيّة يكون على الغاصب بيض مثله لربّه والفراخ للغاصب ،لنّ المغصوب قد تبدّل وصار شيئا آخر ،وعند الشّافعيّة والحنابلة تكون الفراخ لربّ البيض لنّه عين ماله نمّي ،ول شيء للغاصب .
بيطرة
1
-البيطرة في اللّغة :معالجة الدّوابّ .مأخوذ من بطر الشّيء إذا شقّه .
ومنه البيطار ،وهو معالج الدّوابّ .ول تخرج البيطرة في معناها الصطلحيّ عن ذلك ( .الحكم التّكليفيّ ) :
- 2مداواة البهائم وعلجها بما فيه منفعتها ولو بالفصد والكيّ جائز شرعا وهو مطلوب شرعا ،لنّه من الرّحمة بالحيوان ومن حفظ المال وهل يضمن من باشر مداواتها وعلجها ح عندهم :ل إذا أتلفها أو عطبت بفعله ؟ قال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في الص ّ ضمان عليه إن كان قد أذن بذلك ،وكانت له بصنعته خبرة ومعرفة ،ولم يتجاوز ،فإن لم ت ل يصلح يؤذن له أو كان قد جاوز ما أذن فيه ،أو قطع بآل ٍة كآلةٍ يكثر ألمها ،أو في وق ٍ القطع فيه وأشباه هذا ،ضمن في هذا كلّه ،لنّه إتلف ل يختلف ضمانه بالعمد والخطأ ، فأشبه إتلف المال ،ولنّ هذا فعل محرّم فيضمن سرايته كالقطع ابتداءً ،وفي الحديث : ب ولم يسبق له تجربة فيه . ب فهو ضامن } .أي من تعاطى الطّ ّ { من تطبّب ولم يعلم منه ط ّ فالحديث يدلّ بمنطوقه على أنّ من طبّب وليست له خبرة بالطّبّ يكون ضامنا .وكذلك من له
خبرة بالطّبّ ولكنّه أهمل أو تعدّى .والتّفصيل في ذلك يرجع إليه في مواطنه ( إجارة - جنايات ،حيوان ،ضمان ) .
نهاية الجزء الثامن /الموسوعة الفقهية