0000

  • June 2020
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View 0000 as PDF for free.

More details

  • Words: 1,257
  • Pages: 8
‫صوت دجلة‬

‫د‪ .‬امير و‪ .‬ح‪.‬‬ ‫رجل الظل الطويل‬

‫" الشمس أجمل في بلدي من سواها ‪ ،‬و الظلم‬ ‫‪.‬حتى الظلم ‪ -‬هناك أجمل ‪ ،‬فهو يحتضن العراق "‬ ‫بدر شاكر السياب‬

‫" اذا شعرت بالغربه‪ ،‬عليك ان تتحرك دائما‪ ،‬لن الغربه ‪،‬‬ ‫المرض الوحيد الذي ل تشفيه الراحه "‬ ‫_ هنري دي فيري ستاكبول‬ ‫روائي ايرلندي‬

‫هل سأراه ؟؟‬ ‫و تلتقي عينينا مرة اخرى ‪..‬‬

‫هل سترتشف قدماى ترابه ‪ ..‬قدماي العطشى اليه ‪ ..‬و ثغري المتيبس لهواه ‪ ..‬؟‬ ‫و حضن سناء ‪ ..‬هل سالتحفه ؟ و اتغمد فيه كسيف مكسور ‪..‬‬ ‫بهذه السهولة ساعود ‪ ..‬و أراهما ؟‬ ‫طوال عشرة اعوام‪ ،‬في باريس ‪ ،‬كل اسبوع ارن عليها تنهشني الرعشه و اتساءل‬ ‫ان كانت سترد ‪.‬‬ ‫و ان صوتها الندي ذاك كغناء طير من طيور الجنه سيحط على مسامعي‪ ،‬مرة‬ ‫اخرى‪.‬‬ ‫كأني لم احدثها عقود‪ ،‬كأني لم اسمعها مذ كنت طفل‪ ،‬بل اشعر نفسي اني‬ ‫سأتعرف عليها للوهلة الولى‪.‬‬ ‫–الو‬ ‫–مساء الخير‬ ‫–مساء النور ‪ ..‬عماد ؟‬ ‫–نعم ‪ ..‬سناء ‪ ..‬سأعود ‪ ..‬سأعود ‪!! ..‬‬ ‫اخذت تصرخ ‪ ..‬تهلهل كالمجنونه ‪ ..‬سمعت طقطقه الهاتف و هو يسقط أرضا و‬ ‫صوت خطاها يبتعد‪ .‬صراخها يخفت ‪ ..‬و يموت في زحمه الشارع المكتض بالمارة‪.‬‬ ‫–عماد ‪ ..‬سيأتي ‪ ..‬سيأتي ‪..‬‬ ‫افواه باريس البارده تنهشني‪ ،‬و انا اقف امام الهاتف العمومي التحف اكتفي و‬ ‫احضن اوراقي بيدي اليسرى‪ .‬و استذكر تلك اللحظة حين تركت بغداد‪ ،‬في المطار‪،‬‬ ‫كأنها البارحه ‪ ،‬و نداء الطائرة المتوجهه الى فرنسا‪ ،‬و نظراتي التي تبحث عن‬ ‫عمارة بغدادية ‪ ..‬برجا او اي شيء‪ ..‬تتشبث به قبل الرحيل ‪ ..‬لكنها ضاعت في‬ ‫دهاليز المطار الشاسع و ضجته المزعجه ‪..‬‬ ‫كم بكيت ! ذلك الشعور الغريب بالشوق لشي ل ادركة تماما ! و ل اعرف ما عساي‬ ‫أن اشتاق اليه !‬ ‫الشعور بالشتياق لكل شيء‪ ،‬بل كأني اشتاق حتى الى نفسي‪ ،‬فاشعر بالم ل يطاق‬ ‫و ل اكاد احتمله !‬ ‫استشعر بقطرات ماء دجلة و انا في المركب‪ ،‬و سناء قربي ‪ ..‬فألمح يدي قرب‬ ‫ضوء خافت ‪ ..‬وحيدة ‪..‬‬

‫اشعر بعطش فضيع اليه‪ ،‬و جوع‪ ،‬و الم ل يشفيه ال خدره‪.‬‬ ‫هل سأراه ؟‬ ‫عدت اسأل نفسي السؤال ذات مرارا‪ ،‬حتى في الطائرة قبل ان اصل بساعات‪.‬‬ ‫هل سأراه ؟‬ ‫العراق ‪ ..‬هل سأرتمي في حضنه الدافىء مرة اخرى ؟ و اشرب من ترابه خدر‬ ‫لوجاع غربتي ؟‬ ‫حضنه الذي لم ادرك حنانه ال مرتميا في ثج الوحدة القاسي ‪! ..‬‬ ‫وصلت المطار‪ ،‬لم اجد سناء‪ ،‬لم اجد احدا هناك‪ ،‬و بعد طول انتظار‪ ،‬اخذت اجر‬ ‫حقيبه السفر متجها نحو باب الخروج‪ ،‬حيث استأجرت سيارة ‪..‬‬ ‫–الى اين ؟‬ ‫–دجلة !!‬ ‫لم يستغرب السائق طلبي الغريب‪ ،‬وقتها‪ ،‬اثار عدم اكتراثه هذا فضولي ‪..‬‬ ‫م لم تستغرب ؟‬ ‫–ل َ‬ ‫ت الوحيد الذي طلب مني ان اأخذه لدجلة ‪ ..‬بل اكاد اكون قد‬ ‫–لس َ‬ ‫اعتدت من ذلك !‬ ‫اخذت أتامل الشمس‪ ،‬و عيني كأنهما في احدى عجائب الدنيا ‪ ..‬تتدحرج على‬ ‫العمارات ‪ ،‬البيوت ‪ ..‬حتى كتل التراب و الحياء الفقيرة اخذت اتأملها كأني في‬ ‫احدى شوارع باريس الفخمه !‬ ‫لكني مع كل نظرة احس بهذا الشعور المجنون و الكثيف ‪ ..‬برغبه في تقبيل كل ما‬ ‫أراه‪ ،‬و ارمي نفسي في احضان الزقه المشمسه متربعا كالمتسول ‪ ..‬جننت ؟ ربما‬ ‫‪ ..‬ربما ‪..‬‬ ‫اخذ السائق يدخل فروعا صغيره‪ ،‬مهجورة‪ ،‬و التربه تتصاعد من الجوانب فاخذت‬ ‫انظر بصعوبة احاول ان اعرف اين انا بالضبط‪ ،‬اوصلت لدجلة ؟ اين دجلة من هذا‬ ‫الغبار؟ ربما اخذني لرض زراعيه نائيه حيث استمتع بحريه على ضفافه اكثر من اي‬ ‫مكان اخر‪ ،‬ربما يعلم مدى حاجتي المجنونه لن انزع كل ملبسي و ارمي بنفسي‬ ‫فيه ‪ ،‬اني معجب جدا بهذا السائق الصامت‪ ،‬الذي يستطيع قراءة دواخلي دون ان‬ ‫انطق حرفا و يجعلني اشعر ان ل حاجه للكلم‪ ..‬صمت فقط ‪ ..‬صمت له لحن‬ ‫الشوق القديم ‪ ..‬و العنيف ‪ ..‬انزفه بكثافه في نظراتي ‪..‬‬

‫–سنصل قريبا‬ ‫–حسنا‬ ‫اخذت اتمعن ملمحه ‪ ،‬جبينه المتسخ ‪ ،‬و شعره الشعث المترب‪ ،‬عيناه الغائرتين‬ ‫الصغيرتين اكحلتهما الشيخوخه بكحلتها السوداء ‪ ..‬و يداه تمسكان المقود بصلبه ‪..‬‬ ‫توقفت السياره ‪..‬‬ ‫اخذت اتمعن ما حولي بصمت ‪ ..‬لزال التراب الثقيل يخفي كل شيء عداه ‪ ..‬و‬ ‫تتسرب اذرعه من خلل الزجاج ‪ .‬لتمل السياره ‪..‬‬ ‫–هل وصلنا ؟ الى دجلة ؟‬ ‫–نعم ‪ ،‬سنصل قريبا‬ ‫اخذت انصت لصوت أمواجه ‪ ..‬فلدجلة صوت ل يسمعه ال محبيه‪ ،‬هكذا قال جدي‬ ‫حينما كنت صغيرا‪ ..‬و لم استغرب صديقي الفرنسي حين قال انه امضى في العراق‬ ‫قرابه الشهر‪ ،‬دون ان يسمع لدجلة همسه !‬ ‫–البحر له موج ‪ ،‬ل دجلة ‪ ..‬انه مجرد نهر ل بحر !‬ ‫اعتاد ان يقول ذلك لي ‪ ..‬دوما ‪ ..‬لكن لدجلة صوت الموج ‪ ..‬اسمعه كل مرة‬ ‫اتمشى فيها على ضفافه وقت الغروب‪ ،‬انا متأكد من ذلك و لست اهذي‪ ،‬حتى‬ ‫ياسر كان يقولها دوما‪ ،‬انه يسمعه يرن في الليل‪ ،‬و يغني بموجه اذ يضرب ضفتيه‪.‬‬ ‫–انه صوت دجلة !‬ ‫–ماذا ؟‬ ‫استغرب السائق كلمي ‪ ..‬و استدرك بغرابه ‪..‬‬ ‫–ماذا تقصد ؟‬ ‫–صوت الماء ‪ ..‬ال تسمعه ؟ لقد وصلنا !‬ ‫–ل اسمع شيئا‪ ،‬دجلة نهر و ليس بحر‪ ،‬ل يصدر صوتا ‪..‬‬ ‫و ضحك باستهزاء ثم تابع القياده بصمت‪.‬‬ ‫لم اضع كمامة على انفي مع ان الغبار كان كثيفا‪ ،‬كما اعتدت ان افعل في باريس‬ ‫لو احسست بذره غبار تتطاير قرب وجهي‪ ،‬هذا التراب مختلف تماما‪ ،‬هذا طحين‬ ‫لذيذ‪ ،‬حبات سكر‪ ،‬استلذها و استطيبها !‬ ‫مجنون انا ‪ ..‬نعم جننت‪ ،‬و كلمة مجنون تصفني بكرم في تلك اللحظات المتربه ‪..‬‬

‫استدرت نحو السائق ببطء‪ ،‬و اذا فوهه مسدس صوبها نحوي‪ ،‬ببرود ‪..‬‬ ‫–انزل !!‬ ‫رفعت يدي مرتجفا‪ ،‬فتحت باب السيارة و نزلت ببطء‪ ،‬ارتسم وسط التراب ثلث‬ ‫ش رصاصيه اللون‪ ،‬و بايديهم اسلحه لم اميزها‪،‬‬ ‫رجال ملثمين بشماغ احمر‪ ،‬و دشادي ٍ‬ ‫فل اعرف انواع السلحه تلك كي اصفها ‪..‬‬ ‫توقفت لوهلة‪ ،‬مصدوما‪ ،‬و قلبي يكاد يفر من اضلعي‪ ،‬التراب احسسته مسموما‪،‬‬ ‫موبوءا بحقد غريب‪ .‬شعرت بضربه قوية على قدمي اسقطتني أرضا ‪ ..‬و انهالوا‬ ‫بكل ما اوتوا من قوه ‪ ..‬حتى شعرت بالخدر و اللم في آن واحد ‪ ..‬و خيط من الدم‬ ‫هرب مني ليصب في التراب الملس تحتي ‪..‬‬ ‫أخذت اردد اسمها ‪..‬‬ ‫–سناء ‪ ..‬سناء !!‬ ‫و سط ضحكاتهم الساخره‪ ،‬لم عساي استنجد بسناء ؟!‬ ‫كأنني طفل ‪ ،‬ل استنجد بمن يمدني قوة‪ ،‬ل ‪ ..‬ابدا ‪ ..‬بل انني استنجد بمن يمدني‬ ‫بالحب ‪ ..‬هذا الذي يحملنا على ان نصرخ باسم امنا ان حاصرنا الخوف ‪ ..‬ل لنها‬ ‫ستحمينا‪ ،‬بل لننا نحبها ‪ ! ..‬فحينما يكون الموت قريبا جدا ‪ ..‬نشعر بأمد الحاجه‬ ‫للحب ‪ ..‬اكثر من الحياه نفسها !!‬ ‫اخذ نفسي يتثاقل ‪ ..‬يكاد ينتهي ‪ ..‬و قلبي ل استشعره ‪ ..‬ربما توقف ‪ ..‬ل اعلم‬ ‫و ل اريد ان اعلم ‪ ،‬كل ما اريده هو سناء‪ ،‬و دجلة ‪ ..‬اخذت ابحث عنهما من بين‬ ‫اقدامهم و خيط دمي البارد‪ ،‬دون ان أجدهما ‪ ..‬شعرت ان جفني ثقيل‪ ،‬و تلشى كل‬ ‫شيء في سواد الظلمة ‪ ..‬ثم سمعت صوتها ‪..‬‬ ‫–عماد ؟؟ عماد ؟؟‬ ‫ي بعينين مدمعتين‪ ،‬و انفاس تكاد تشهق‬ ‫لمحتها تقف في المطار ‪ ..‬و تتمعن ف ّ‬ ‫بالبكاء ‪ ..‬افلتت حقيبتها الجلدية لتسقط ارضا‪ ،‬و يديها ترتجفان ‪..‬‬ ‫نظرت حولي‪ ،‬زحمه مطار بغداد‪ ،‬و الحقائب تجر هنا و هناك‪ ..‬قفزت من مكاني و‬ ‫هرعت لحضنها كالطفل ‪ ..‬و عطرها اللذيذ تسلل الي ليغمرني ‪..‬‬ ‫–عماد ؟ كيف لك ان تغفو دون ان تتصل لتخبرني بقدومك ؟!‬

‫اخذت تضربني بخفه على كتفي و غمرتها ضحكة بريئة‪ ،‬و ضمتني مرة اخرى و بكت‬ ‫‪..‬‬ ‫–اين حقائبك ؟‬ ‫سألتني ‪ ،‬و انا نظرت اليها بصمت‪ ،‬أتامل ملمحها‪ ،‬و اداعب خصلت شعرها‬ ‫ت بخجل‪ ،‬و اخذت تجر حقائبي ‪..‬‬ ‫باصابعي ببطء دون ان انطق حرفا‪ ،‬ابتسم ْ‬ ‫–سناخذ سيارة اجره الي البيت ‪..‬‬ ‫ك ‪ ..‬ل اريد ‪ ..‬لنتمشى الى البيت ‪..‬‬ ‫–ل ‪ ..‬ل ‪ ..‬ارجو ِ‬ ‫نظرت الي باستغراب ‪..‬‬ ‫آه ‪ ..‬قد كان مجرد حلم !!‬

‫بقلميــــــــــ‬ ‫د‪ .‬أميـــــــر‬ ‫)رجل الظل الطويل(‬

Related Documents

0000
May 2020 3
0000
April 2020 3
0000
November 2019 2
0000
June 2020 1
0000
December 2019 3
0000.docx
December 2019 22