Syarh Kitab At Tauhid 1

  • May 2020
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View Syarh Kitab At Tauhid 1 as PDF for free.

More details

  • Words: 118,100
  • Pages: 320
‫شرح‬ ‫كتاب التوحيد‬ ‫من صحيح البخاري‬ ‫تأليف‬

‫الشيخ عبد ال بن ممد الغنيمان‬ ‫رئيس قسم الدراسات العليا‬ ‫بالامعة السلمية بالدينة النورة‬

‫الزء الول‬

‫‪1‬‬

‫المقدمة‬ ‫أحمهد ال الحهد الصهمد‪ ،‬الذي لم يلد ولم يولد‪ ،‬ولم يكهن له كفوا أحهد‪ ،‬وأشههد أن ل إله إل ال‬ ‫وحده ل شريك له في ألوهيته وربوبيته‪ ،‬ول ند له في أسمائه وصفاته‪.‬‬ ‫وأش هد أن محمدا عبده ور سوله‪ ،‬أر سله بالهدى‪ ،‬ود ين ال حق‪ ،‬فد عا إلى توح يد ال الخالص من‬ ‫كل شائ بة شرك‪ ،‬في ح قه‪ ،‬أو فعله‪ ،‬أو أ سمائه و صفاته‪ ،‬وجا هد في هذا ال سبيل ح تى و ضح ال حق‪،‬‬ ‫وا ستبان وك مل به الد ين‪ ،‬وت مت النع مة‪ ،‬فترك ال مة على البيضاء‪ ،‬ليل ها كنهار ها‪ ،‬ل يز يغ عن ها إل‬ ‫هالك‪.‬‬ ‫وسار على نهجه صحابته‪ ،‬فلم يغيروا‪ ،‬أو يبدلوا‪ ،‬بل بذلوا جهدهم في دعوة الخلق إلى عبادة ال‬ ‫وحده‪ ،‬حتى مضوا لسبيلهم‪.‬‬ ‫فصلة ال وسلمه على عبده ورسوله محمد بن عبد ال‪ ،‬إمام الحنفاء وسيد الصفياء‪ ،‬ورضي‬ ‫ال عن صحابته أجمعين‪ ،‬وعمن سلك نهجهم إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫كمال الهداية وتمام النعمة على هذه المة‬ ‫أ ما ب عد‪ ،‬ف قد علم أن ال – تعالى – ب عث ر سوله محمدا ‪ -‬صلى ال عل يه و سلم – على ح ين‬ ‫فترة من الر سل " و في جاهل ية ل تعرف من ال حق ر سما‪ ،‬ول تق يم به في مقا طع الحقوق حكما "(‪،)1‬‬ ‫وإنما ينتحلون ما تهواه نفوسهم‪ ،‬وما تزينه لهم شياطينهم‪ ،‬وما وجدوا عليه آباءهم‪ ،‬فجاهدهم وجادلهم‬ ‫بالل ين والحك مة‪ ،‬وقارع هم بال سنان والح جة‪ ،‬ل من كابر وعا ند‪ ،‬وكان ن صر ال حلي فه‪ ،‬فا ستقام أمره‪،‬‬ ‫وانتصر على عدو ال‪ ،‬وظهر دينه‪ ،‬فجاء نصر ال ودخل الناس في دين ال أفواجا‪ ،‬وبعد تمام نعمة‬ ‫ال – تعالى – عليه وعلى أمته‪ ،‬وظهور ما جاء به من ال حق‪ ،‬ووضوح الطريق‪ ،‬توفاه ال إليه‪ ،‬فقام‬ ‫بعده صحابته بأمره خ ير قيام‪ ،‬فجاهدوا في ال القر يب والبع يد‪ ،‬ح تى تح قق ما أ خبر به ر سولهم –‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ -‬فيما رواه مسلم في "صحيحه" عن ثوبان‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال –‬ ‫ص‪6‬‬ ‫صهلى ال عليهه وسهلم‪ " :-‬إن ال زوى(‪ )2‬لي الرض فرأيهت مشارقهها‪ ،‬ومغاربهها‪ ،‬وإن أمتهي‬ ‫سيبلغ ملكها ما زوى لي منها‪ ،‬وأعطيت الكنزين‪ ،‬الحمر‪ ،‬والبيض(‪ ،)3‬وأني سألت ربي لمتي أن ل‬ ‫يهلكها بسنة عامة‪ ،‬وأن ل يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم‪ ،‬فيستبيح بيضتهم(‪ ،)4‬وإن ربي قال‪ :‬يا‬ ‫مح مد‪ ،‬إ ني إذا قض يت قضاء فإ نه ل يرد‪ ،‬وإ ني أعطي تك لم تك أن ل أهلك هم ب سنة عا مة(‪ ،)5‬وأن ل‬ ‫‪ )(1‬انتزاعًا من خطبة " العتصام" للشاطبي (ص ‪.)2‬‬ ‫‪ )(2‬معناه ‪ :‬جمعها لي فرأيت أقصاها من الشرق ومن الغرب ‪.‬‬ ‫‪ )(3‬المقصود بالكنزين ‪ :‬كنز الفرس ‪ ،‬والروم ‪ ،‬الحمر‪ :‬الذهب ‪ ،‬و البيض‪ :‬الفضة ‪.‬‬ ‫‪ )(4‬أي ‪ :‬يهلكهم جميعاً ‪ ،‬ويستولي على بلدهم ‪ ،‬وذراريهم ‪ ،‬وأموالهم ‪.‬‬ ‫‪ )(5‬أي‪ :‬ل أرسل عليهم عذابًا يعمهم ‪ ،‬ويستأصلهم‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫أ سلط علي هم عدوا من سوى أنف سهم‪ ،‬ي ستبيح بيضت هم‪ ،‬ولو اجت مع علي هم من بأقطار ها‪ ،‬ح تى يكون‬ ‫بعضهم يهلك بعضا‪ ،‬ويسبي بعضهم بعضا"(‪.)6‬‬ ‫ففتحهت بلد الروم وفارس فهي عههد الخليفهة الثانهي‪ ،‬وأنفقهت كنوزهها فهي سهبيل ال – تعالى‪-‬‬ ‫وواصهلت جحافهل التوحيهد إلى مشارق الرض ومغاربهها‪ ،‬تفتهح القلوب إلى معرفهة ال وتوحيده قبهل‬ ‫البلد‪ ،‬ح تى ت مت نع مة ال على أك ثر أ هل الرض‪ ،‬فاتجهوا إلى عبادة ال وحده‪ ،‬بعد ما كانوا يعبدون‬ ‫كل شيء‪ ،‬وكانت تستعبدهم شياطين الجن والنس‪.‬‬ ‫ولكن كثيرا من الناس ل يعجبهم ذلك‪ ،‬بل يسوؤهم ويحزنهم‪.‬‬ ‫ومن حكمة ال ‪-‬تعالى – أن جعل للباطل جنودا يناصرونه‪ ،‬ويدافعون الحق ويردونه‪ ،‬كما جعل‬ ‫للحق أنصارا يتفانون في الذياد عنه‪ ،‬والدعوة إليه‪.‬‬ ‫وقد كان ذلك منذ باء إبليس اللعين بالطرد عن رحمة ال‪ ،‬والبعد عن كل خير‪ ،‬فأقسم بعزة ال‬ ‫ُمه‬ ‫ِكه لغْ ِو َي ّنه ْ‬ ‫ليغويهن بنهى آدم أجمعيهن‪ ،‬إل عباد ال المخلصهين‪ ،‬كمها قال ال تعالى عنهه‪{ :‬قَالَ َفبِ ِع ّزت َ‬ ‫عبَا َدكَ ِم ْن ُهمُ ا ْل ُمخْلَصِينَ} (‪.)7‬‬ ‫ج َمعِينَ {‪ِ }82‬إلّ ِ‬ ‫َأ ْ‬ ‫و من المعلوم أن ال – تعالى – لم يق بض نبيه محمدا – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ح تى أك مل له‬ ‫دينه‪ ،‬وأظهره على من عاداه بالحجج والبراهين‪ ،‬وبقوة القتال لمن وقف في وجهه وعاند الحق‪ ،‬كما‬ ‫قال – تعالى – في آخر ما أنزله ال عليه‪{ :‬ا ْليَ ْو َم َأ ْكمَلْتُ َل ُكمْ دِي َن ُكمْ وََأ ْت َممْتُ عََل ْي ُكمْ ِن ْع َمتِي‬ ‫ص‪6‬‬ ‫لمَ دِينًا} (‪ ،)8‬فإذا كان ال قد أكمل لهم دينهم‪ ،‬فل بد من أنه وضحه لهم بحيث‬ ‫َورَضِيتُ َلكُمُ الِسْ َ‬ ‫ل يبقى فيه أي التباس أو اشتباه‪ ،‬ول بد من أنهم فهموه واعتقدوه على ما أريد منهم وعملوا به‪ ،‬ول بد‬ ‫من ال ستغناء به عن كل ما سواه‪ ،‬فل يحتاجون م عه إلى غيره‪ ،‬وأع ظم ما يحتاجو نه وأشر فه هو‬ ‫معرفتهم ربهم بأسمائه وصفاته‪ ،‬وما يجب له ويستحقه‪ ،‬ويحمد ويمجد به‪ ،‬ويثنى به عليه؛ لن هذا من‬ ‫سنَى فَادْعُو ُه بِهَا َو َذرُو ْا اّلذِي نَ‬ ‫سمَاء ا ْلحُ ْ‬ ‫أفضل العبادة التي أوجبها ال علي هم‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬وَلِلّ ِه الَ ْ‬ ‫ن مَا كَانُو ْا َي ْعمَلُونَ} (‪.)9‬‬ ‫جزَوْ َ‬ ‫سيُ ْ‬ ‫سمَآئِ ِه َ‬ ‫ن فِي َأ ْ‬ ‫حدُو َ‬ ‫يُ ْل ِ‬ ‫قد أوضح ال ورسوله العقيدة وضوحا جليا‬ ‫فل بد من إيضاح الوا جب ل – تعالى – والممت نع عل يه‪ ،‬والجائز عل يه‪ ،‬ح تى يكونوا على بي نة‬ ‫من دين هم‪ ،‬ومعبود هم‪ ،‬ل نه ل سبيل إلى معر فة ذلك إل من الو حي‪ ،‬إذ هو من الغ يب‪ ،‬الذي ل يعلم‬ ‫بالقياس‪ ،‬ول بالعقل‪.‬‬ ‫‪" )(6‬صحيح مسلم" (‪ )4/2215‬رقم (‪.)2889‬‬ ‫‪ )(7‬اليتان ‪ 83 ،82‬من سورة ص‪.‬‬ ‫‪ )(8‬الية ‪ 3‬من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪ )(9‬الية ‪ 180‬من سورة العراف ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫و قد ب ين ال لنها طري قة ال نبياء التهي كانوا يدعون ب ها أممههم‪ ،‬ك ما قص ال تعالى عن هم فهي‬ ‫القرآن‪ ،‬ف قد اتف قت طريقت هم في الدعوة إلى توح يد ال وعباد ته وحده‪ ،‬وخاتم هم جاء مقتفيا أثر هم في‬ ‫ذلك‪ ،‬فد عا أم ته إلى ما د عت إل يه الر سل قبله‪ ،‬من توح يد ال ومعرف ته‪ ،‬فلم يفارق هم ح تى و ضح ل هم‬ ‫الطريق‪ ،‬واستبان الحق من الباطل‪.‬‬ ‫روى ا بن ما جه عن أ بي الدرداء‪ ،‬قال‪ :‬خرج علي نا ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ون حن‬ ‫نذ كر الف قر ونتخو فه‪ ،‬فقال‪ " :‬آلف قر تخافون؟ والذي نف سي بيده لت صبن علي كم الدن يا ح تى ل يز يغ قلب‬ ‫أحدكم إل هيه‪ ،‬وايم ال لقد تركتكم على مثل البيضاء‪ ،‬ليلها ونهارها سواء"‪.‬‬ ‫قال أ بو الدرداء‪ :‬صدق وال ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬ترك نا على م ثل البيضاء‪،‬‬ ‫ليلها ونهارها سواء"(‪.)10‬‬ ‫ص‪8‬‬ ‫ُسهِلمِينَ} (‪،)11‬‬ ‫شرَى لِ ْلم ْ‬ ‫حمَةً َو ُب ْ‬ ‫شيْءٍ وَ ُهدًى َو َر ْ‬ ‫َابه ِت ْبيَانًا ّلكُلّ َ‬ ‫ْكه ا ْل ِكت َ‬ ‫وقال ال تعالى‪َ { :‬ونَزّلْنَا عََلي َ‬ ‫حمَةً لّقَوْ مٍ ُي ْؤ ِمنُو نَ} (‪،)12‬‬ ‫ختَلَفُو ْا فِي هِ وَ ُهدًى َو َر ْ‬ ‫ب ِإلّ ِل ُت َبيّ نَ َلهُ ُم اّلذِي ا ْ‬ ‫وقال تعالى‪َ { :‬ومَا أَنزَ ْلنَا عََليْ كَ ا ْل ِكتَا َ‬ ‫ن لِلنّاسِ مَا ُنزّلَ إَِل ْي ِهمْ وََلعَّل ُهمْ َيتَ َف ّكرُونَ} (‪.)13‬‬ ‫ك ال ّذكْرَ ِل ُت َبيّ َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَأَنزَلْنَا إَِل ْي َ‬ ‫فاليمان بال وأسمائه وصفاته أعظم الشياء‪ ،‬وكذلك عبادته‪ ،‬فل بد أن يبين الكتاب – الذي هو‬ ‫تبيان لكل شيء – ذلك أوضح البيان‪.‬‬ ‫ول بد أن يدل على أع ظم الهدى الذي هو معر فة ال – تعالى – بأ سمائه و صفاته‪ ،‬ك ما أن من‬ ‫أعظم ما وقع فيه الخلف في المة هو في هذا الباب‪ ،‬فل بد أن يكون قد بينه‪ ،‬لنه تعالى أخبرنا أنه‬ ‫نزله ليبين لنا ما اختلفنا فيه‪ ،‬ول بد أن نجد فيه ما يزيل كل شك ولبس؛ لنه هدى ورحمة‪ ،‬لكن ليس‬ ‫لكل أحد بل للمؤمنين فقط‪.‬‬ ‫وأعظم ما أنزل إلينا هو اليمان بال‪ ،‬ومعرفته‪ ،‬وقد أخبرنا تعالى أنه أنزل الكتاب ليبين للناس‬ ‫ما نزل إليهم‪ ،‬فكيف يترك أعظم الشياء المنزلة إلينا بدون بيان؟‬ ‫فعلم بهذا ونحوه أن ال – تعالى – بين على لسان رسوله – صلى ال عليه وسلم‪ -‬للمة كل ما‬ ‫تحتاج إليه في دينها‪ ،‬ومعرفة ربها‪ ،‬ولم يكل ذلك إلى عقولهم‪ ،‬أو قياساتهم‪.‬‬

‫‪" )(10‬سنن ابن ماجه" (‪ )1/4‬رقم (‪.)5‬‬ ‫‪ )(11‬الية ‪ 89‬من سورة النحل ‪.‬‬ ‫‪ )(12‬الية ‪ 64‬من سورة النحل ‪.‬‬ ‫‪ )(13‬الية ‪ 44‬من سورة النحل ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ت َلكُ مْ دِي َنكُ مْ وََأ ْت َممْ تُ عََل ْيكُ مْ ِن ْعمَتِي َورَضِي تُ َلكُ مُ‬ ‫قال ا بن عباس في قوله تعالى‪{ :‬ا ْليَوْ َم َأ ْكمَلْ ُ‬ ‫الِ سْلَمَ دِينًا} (‪ " :)14‬أخبر ال نبيه والمؤمنين‪ ،‬أنه أكمل لهم اليمان‪ ،‬فل يحتاجون إلى زيادة أبدا‪ ،‬وقد‬ ‫أتمه ال فل ينقصه أبدا‪ ،‬وقد رضيه ال فل يسخطه أبدا"(‪.)15‬‬ ‫ص‪9‬‬ ‫فإذا كان ال – تعالى – قد أكمل لهم اليمان‪ ،‬فكل ما لم يقله رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪-‬‬ ‫في باب اليمان ولم يأمر به ويبينه للمة فهو باطل‪ ،‬وليس من الدين الكامل الذي جاء به‪.‬‬ ‫وأصل الدين وأساسه‪ :‬معرفة ال تعالى بأسمائه وصفاته‪ ،‬ومعرفة ما يجب له على عباده‪.‬‬ ‫ول يجوز لمسلم يؤمن بال ورسوله واليوم الخر أن يظن برسول ال –صلى ال عليه وسلم‪-‬‬ ‫أنه لم يبين ما يعتقده العبد في ربه؛ لن هذا هو الذي أمر بتبليغه‪.‬‬ ‫قال شيخ السلم‪ " :‬من المحال في العقل والدين أن يكون الرسول الذي أخرج ال به الناس من‬ ‫الظلمات إلى النور‪ ،‬وأنزل عليهه الكتاب ليحكهم بيهن الناس فيمها اختلفوا فيهه‪ ،‬أن يكون قهد ترك باب‬ ‫اليمان بال والعلم به ملتبسا مشتبها‪ ،‬ولم يميز بين ما يجب ل‪ ،‬من السماء الحسنى والصفات العليا‪،‬‬ ‫و ما يجوز عل يه‪ ،‬و ما يمت نع عل يه‪ ،‬فإن معر فة هذا أ صل الد ين‪ ،‬وأف ضل العمال‪ ،‬فك يف يكون القرآن‬ ‫والرسول والصحابة – وهم أفضل الخلق بعد النبيين – لم يحكموا هذا الباب اعتقادا وقولً؟"‪.‬‬ ‫ومحال أن يعلم النبي –صلى ال عليه وسلم – أمته أدب الكل والشرب‪ ،‬وقضاء الحاجة‪ ،‬ونحو‬ ‫ذلك‪ ،‬ويترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم‪ ،‬وما يعتقدونه في قلوبهم‪ ،‬في ربهم ومعبودهم‪ ،‬مع كون ذلك‬ ‫غاية المعارف‪ ،‬وأشرف المقاصد‪ ،‬والوصول إليه غاية المطالب‪ ،‬مع قوله –صلى ال عليه وسلم‪" :‬ما‬ ‫ب عث ال من نبي إل كان حقا عل يه أن يدل أم ته على خ ير ما يعل مه ل هم‪ ،‬وينها هم عن شر ما يعل مه‬ ‫لهم"(‪.)16‬‬ ‫ومحال أن يكون الذين كان فيهم رسول ال – صلى ال عليه وسلم‪ -‬والذين يلونهم غير عالمين‬ ‫للحق في باب معرفة ال‪ ،‬وغير قائلين به‪.‬‬ ‫ومعلوم أن من في قلبه حياة ومحبة للعبادة‪ ،‬أنه يحرص أشد الحرص على معرفة ذلك‪.‬‬ ‫ص ‪10‬‬ ‫و قد صح ع نه – صلى ال عل يه و سلم – أ نه قال‪ ")17( :‬خ ير الناس قر ني‪ ،‬ثم الذ ين يلون هم‪ ،‬ثم‬ ‫الذين يلونهم‪ ،‬ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه‪ ،‬ويمينه شهادته"(‪.)18‬‬ ‫‪ )(14‬الية ‪ 3‬من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪ )(15‬رواه ابن جرير بسنده ‪ ،‬انظر " تفسيره" (‪ )9/518‬ط المعارف ‪.‬‬ ‫‪ )(16‬انظر "صحيح مسلم" (‪ )12/233‬شرح النووي‪ ،‬في المارة ‪ ،‬باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الول‬ ‫فالول ‪ ،‬وابن ماجه في الفتن ‪ ،‬انظر (‪ )2/1306‬رقم (‪ ، )3956‬والنسائي في البيعة (‪.)7/153‬‬ ‫‪ )(17‬البخاري ‪ ،‬انظر "الفتح" (‪ )7/2‬و (‪.)543، 11/244‬‬ ‫‪ )(18‬الفتوى الحموية ‪ ،‬ملخصًا ‪ ،‬انظر "مجموع الفتاوى" (‪.)5/706‬‬ ‫‪5‬‬

‫بدء النحراف‬ ‫لما سيطر حكم السلم على أكثر البلد‪ ،‬في آ سيا‪ ،‬وأفريق يا‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬دخل ت حت حكمه أمم‬ ‫كثيرة‪ ،‬رغبة ورهبة‪ ،‬وكان لها أديان مختلفة‪ ،‬من يهودية‪ ،‬ومجوسية‪ ،‬ونصرانية‪ ،‬ووثنية‪ ،‬وغير ذلك‪،‬‬ ‫وقد كان لكثير من هذه المم سلطان كبير‪ ،‬مثل المجوس‪ ،‬والرومان‪ ،‬فسلبهم المسلمون ذلك‪ ،‬وكان عند‬ ‫هؤلء من الكبر والستعلء ما يجعلهم يأنفون من كونهم تحت سلطان المسلمين‪ ،‬ول سيما وقد كانوا‬ ‫يرون العرب مهن أحقهر المهم‪ ،‬وأقلهها شأنا‪ ،‬كمها أن اليهود واجهوا السهلم ورسهوله مهن أول أمره‬ ‫بالعداء‪ ،‬وحاولوا القضاء عليه بأنواع من المكائد‪ ،‬والمؤامرات‪ ،‬ولما يئس هؤلء جميعا من قدرتهم في‬ ‫مجاب هة ال سلم بالقوة وجها لو جه ان صرف جهد هم وكيد هم إلى الد سائس‪ ،‬والمؤامرات‪ ،‬والغتيالت‬ ‫لرجاله العظام‪.‬‬ ‫ودخل في السلم ظاهرا من هؤلء من قصده إفساده‪ ،‬وتمزيق وحدة أهله‪ ،‬ول بد أن يكون ذلك‬ ‫عهن دراسهة‪ ،‬وإعمال فكهر وتخطيهط‪ .‬وربمها يكون هناك جمعيات متعاونهة‪ ،‬مهن المجوس واليهود‪،‬‬ ‫والنصارى والهنود‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وقد تكون لكل طائفة مؤسسات تعمل لفساد عقائد المسلمين؛ لتيقنهم أنه‬ ‫ل يمكهن هزيمهة المسهلمين‪ ،‬إل بإفسهاد عقيدتههم‪ ،‬فبدأت آثار تلك المؤامرات تظههر‪ ،‬شيئا فشيئا‪ ،‬فقتهل‬ ‫الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بأيد مجوسية‪ ،‬وربما بمؤامرة مجوسية يهودية‪.‬‬ ‫ثم قتل الخليفة بعده‪ ،‬بأيد مشبوهة‪ ،‬من غوغاء‪ ،‬يدفعهم بعض دهاة اليهود والمجوس‪.‬‬ ‫ثم ظهر القول بنفي القدر‪ ،‬وأول من عرف بذلك رجل مجوسي يقال له‪ :‬سيسويه‪ ،‬من الساورة‪،‬‬ ‫وإن كان قد اشتهر أن أول من قال به‬ ‫ص ‪11‬‬ ‫معبد الجهني(‪.)19‬‬ ‫ثم أوقدت نار الفتنة بين المسلمين‪ ،‬وقتال بعضهم بعضا‪.‬‬ ‫ثم خرجت الخوارج بجهلهم‪ ،‬وعتوهم‪ ،‬وتكفيرهم المسلمين‪ ،‬وقتلهم إياهم‪.‬‬ ‫ثم نجم التشيع الشنيع‪ ،‬من قبل يهود ومجوس يوقدون ناره‪ ،‬وأظهروا القول بأن للرسول –صلى‬ ‫ال عل يه و سلم‪ -‬وصيا‪ ،‬هو علي بن أ بي طالب‪ ،‬ولكن ال صحابة تمالؤوا على ظل مه‪ ،‬وكتمان الو صية‬ ‫على حد زعمهم الكاذب‪.‬‬ ‫ولم يزل التش يع يتطور بتطر فه‪ ،‬وتشع به‪ ،‬ح تى صار مل جأ ل كل من ير يد أن يحارب ال سلم‬ ‫والمسهلمين‪ ،‬وظههر فيهه القول بأن القرآن مبدل ومحرف‪ ،‬ومزيهد فيهه‪ ،‬ومنقوص منهه‪ ،‬وأن أعظهم‬ ‫الصحابة ارتدوا بعد إسلمهم إن لم يكونوا كلهم‪ ،‬ما عدا علي بن أبي طالب ونفرا قليلً معه‪.‬‬ ‫‪ )(19‬معبد الجهني البصري‪ :‬تابعي‪ ،‬كان داعية في ضلل ‪ ،‬قال الدارقطني ‪ :‬حديثه صالح ومذهبه رديء‪.‬‬ ‫تكلم فيه كثير من السلف من أجل قوله بنفي القدر ‪ ،‬قتله عبد الملك سنة ثمانين‪ .‬انظر " تهذيب التهذيب" (‬ ‫‪.)10/225‬‬ ‫‪6‬‬

‫و قد ي صل الضلل ببعض هم والجرأة على ال – تعالى – إلى أن يقول بخيا نة جبر يل للر سالة‪،‬‬ ‫وأنه أرسل إلى علي فعدل بها إلى محمد‪.‬‬ ‫ولم يزل الرفض يبتعد أهله عن الدين والعقل والفطرة إلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫ثم ظ هر القول بإنكار ال صفات ل – تعالى ‪ ،-‬وأ نه ل ي حب أحدا من عباده ول يح به أ حد‪ ،‬ول‬ ‫يتكلم‪ ،‬وليس له يد‪ ،‬ول وجه‪ ،‬ول شيء مما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله‪.‬‬ ‫وكان أول من عرف بذلك‪ ،‬رجل يقال له‪ :‬الجعد بن درهم(‪.)20‬‬ ‫قال شيخ السلم‪ " :‬أصل مقالة تعطيل الصفات‪ ،‬مأخوذ عن تلمذة اليهود والمشركين‪ ،‬وضلل‬ ‫الصابئين‪ ،‬فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في‬ ‫ص ‪12‬‬ ‫ال سلم – أع ني أن ال ل يس على العرش حقي قة‪ ،‬وأن ال ستواء بمع نى ال ستيلء‪ ،‬ون حو ذلك –‬ ‫هو الجعد بن درهم‪ ،‬وأخذها عنه الجهم بن صفوان‪ ،‬وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه‪.‬‬ ‫و قد ق يل‪ :‬إن الج عد أ خذ مقال ته عن أبان بن سمعان‪ ،‬وأخذ ها عن طالوت ا بن أ خت لب يد بن‬ ‫الع صم‪ ،‬وأخذ ها طالوت عن لب يد بن الع صم اليهودي ال ساحر‪ ،‬الذي سحر ال نبي – صلى ال عل يه‬ ‫وسلم –"(‪.)21‬‬ ‫وهذه سلسلة يهودية لها سوابق في محاربة السلم‪.‬‬ ‫وقال البخاري‪ " :‬حدثنا قتيبة‪ ،‬حدثني القاسم بن محمد‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حبيبة‪،‬‬ ‫عن أب يه‪ ،‬عن جده‪ ،‬قال‪ :‬شهدت خالد بن ع بد ال الق سري بوا سط في يوم أض حى… وقال‪ :‬ارجعوا‬ ‫فضحوا تق بل ال من كم‪ ،‬فإ ني م ضح بالج عد بن در هم‪ ،‬ز عم أن ال لم يت خذ إبراه يم خليلً‪ ،‬ولم يكلم‬ ‫موسى تكليما‪ ،‬تعالى ال علوا كبيرا عما يقول ابن درهم‪ ،‬ثم نزل فذبحه"‪.‬‬ ‫قال أبو عبدال‪ :‬قال قتيبة‪ " :‬بلغني أن جهما كان يأخذ الكلم من الجعد بن درهم"(‪.)22‬‬ ‫ف تبين أن هذا اللحاد جاء من ق بل اليهود الذ ين أرادوا إف ساد د ين ال سلم‪ ،‬ك ما أن الر فض أول‬ ‫من عرف من دعا ته يهودي ما كر حا قد‪ ،‬و هو ا بن سبأ‪ ،‬يقال له‪ :‬ا بن ال سوداء‪ ،‬وا سمه‪ :‬ع بد ال بن‬ ‫و هب بن سبأ‪ ،‬من يهود صنعاء‪ ،‬ول بد أن هؤلء الفراد الذ ين شهروا بدعوات هم المنحر فة‪ ،‬وراء هم‬ ‫من يدعمهم‪ ،‬ويخطط لهم‪ ،‬وهذا الموضوع بحاجة إلى دراسة فاحصة‪ ،‬تبين المر بوضوح‪ ،‬وهذا الذي‬ ‫أشرت إليه تدل عليه كثير من الوقائع‪ ،‬والثار عن السلف‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪ )(20‬عداده في التابعين ‪ ،‬قتله خالد بن عبدال القسري على الزندقة ‪ ،‬يذكر أنه جعل في قارورة ماء‬ ‫وتراباً ‪ ،‬فاستحال دوداً ‪ ،‬فقال‪ :‬أنا خلقته ‪ .‬وهو فارسي ‪ ،‬قتل سنة ‪ ،124‬انظر " البداية والنهاية" (‬ ‫‪.)9/394‬‬ ‫‪ " )(21‬مجموع الفتاوى" (‪.)5/20‬‬ ‫‪" )(22‬خلق أفعال العباد" (ص ‪ )30-29‬ورواه عثمان بن سعيد في "الرد على الجهمية" (ص ‪.)25‬‬ ‫‪7‬‬

‫فكان هذا هو سبب التفرق الحقي قي‪ ،‬إذ هو تفرق في العتقاد‪ ،‬و هو من شأ الخلفات‪ ،‬والحروب‬ ‫الكلمية الممزقة‪ ،‬التي لم تزل تنخر في كيان المسلمين إلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫ص ‪13‬‬ ‫وقهد ينضهم إلى ذلك عوامهل جديدة فهي كهل فترة زمنيهة‪ ،‬مهن أنواع اللحاد ومحاربهة السهلم‬ ‫بأسهاليب شتهى وأسهلحة مختلفهة‪ ،‬مقروءة ومرئيهة ومسهموعة‪ ،‬ولول أن ال – تعالى – تكفهل ببقاء هذا‬ ‫الدين إلى آخر وقت من الدنيا‪ ،‬لقضي عليه منذ زمن بعيد‪ ،‬وهذا بالضافة إلى ما هو كامن في طباع‬ ‫البشر مما يبعدهم عن الحق‪ ،‬مثل التقليد‪ ،‬واتباع المألوفات‪ ،‬وما يكون عليه رؤساء القوم وعظماؤهم‪،‬‬ ‫كما ذكر ال تعالى عن المم السابقة مع أنبيائهم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ج ْدنَا آبَاءنَا عَلَى ُأمّةٍ وَِإنّا عَلَى‬ ‫ل قَالُوا ِإنّا َو َ‬ ‫ن {‪ }21‬بَ ْ‬ ‫سكُو َ‬ ‫{أَ مْ آ َت ْينَاهُ مْ ِكتَابًا مّن َقبْلِ هِ َفهُم بِ ِه مُ سْ َت ْم ِ‬ ‫جدْنَا آبَاءنَا‬ ‫ك فِي قَ ْريَ ٍة مّ ن ّنذِيرٍ ِإلّ قَالَ ُم ْترَفُوهَا ِإنّ ا َو َ‬ ‫آثَارِهِم ّم ْه َتدُو نَ {‪َ }22‬و َكذَلِ كَ مَا َأرْ سَ ْلنَا مِن َقبْلِ َ‬ ‫ج ْئتُكُم ِبأَ ْهدَى ِممّ ا َوجَدتّ مْ عََليْ ِه آبَاءكُ مْ قَالُوا ِإنّ ا بِمَا‬ ‫ل أَوََلوْ ِ‬ ‫ن {‪}23‬قَا َ‬ ‫عَلَى ُأمّةٍ وَِإنّ ا عَلَى آثَارِهِم مّ ْق َتدُو َ‬ ‫ُأرْسِ ْلتُم بِ ِه كَافِرُونَ} (‪.)23‬‬ ‫فهذا يدل على أن النسان يصعب عليه ترك المألوف له‪ ،‬كما أن شيخه ومن يعظمه قد يسيطر‬ ‫على توجي هه إلى ما يعتقده‪ ،‬ك ما هي طري قة المتكلم ين ح يث يأخذون بآراء شيوخ هم ومعظمي هم‪ ،‬مع‬ ‫مخالفتها لكتاب ال وسنة رسوله‪.‬‬ ‫ومهن ذلك الجههل‪ ،‬واتباع الهوى‪ ،‬كمها ههو حال أكثهر الخوارج‪ ،‬فإنههم جهلوا معانهي الكتاب‪،‬‬ ‫وأرادوا من عموم المة أن ل يكون لهم ذنوب‪ ،‬وإل أصبح عندهم كافرا مخلدا في النار‪.‬‬ ‫خذَ إَِل َههُ َهوَاهُ} (‪.)24‬‬ ‫ت مَنِ ا ّت َ‬ ‫و أما الهوى فبابه واسع‪ ،‬وقد قال ال تعالى‪َ{ :‬أ َفرَأَيْ َ‬ ‫ن ا ّتبَعَ َهوَا ُه ِب َغيْرِ ُهدًى مّنَ اللّهِ}‬ ‫ن َأضَلّ ِممّ ِ‬ ‫وقال تعالى‪َ { :‬ومَ ْ‬

‫(‪)25‬‬

‫إلى غير ذلك من الدوافع نحو النحراف‪ ،‬وسأذكر شيئا مما ذكره أهل العلم يؤيد ما ذكر هنا‪:‬‬ ‫ص ‪14‬‬ ‫قال شيهخ السهلم – رحمهه ال تعالى ‪ " :-‬وقهد روي أن أول مهن ابتدع {القول بنفهي القدر}‬ ‫بالعراق رجل من أهل البصرة يقال له‪ :‬سيسويه‪ ،‬من أبناء المجوس‪ ،‬وتلقاه عنه معبد الجهني"(‪.)26‬‬ ‫وقال المام ابهن حزم‪ " :‬الصهل فهي أكثهر خروج هذه الطوائف عهن ديانهة السهلم‪ :‬أن الفرس‬ ‫كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع المم‪ ،‬وجللة الخطر في أنفسهم‪ ،‬حتى إنهم يسمون أنفسهم‪:‬‬ ‫‪ )(23‬اليات ‪ 24-20‬من سورة الزخرف ‪.‬‬ ‫‪ )(24‬الية ‪ 23‬من سورة الجاثية ‪.‬‬ ‫‪ )(25‬الية ‪ 50‬من سورة القصص ‪.‬‬ ‫‪" )(26‬مجموع الفتاوى" (‪ ،)7/384‬وذكره المقريزي في "الخطط" (‪ ، )3/360‬وسيأتي ‪ ،‬وأما ما ذكره أبو‬ ‫لبابه حسين في كتابه "موقف المعتزلة من السنة" أن معبداً أخذ مقالته عن نصراني من أهل العراق أسلم‬ ‫ثم تنصر‪ ،‬نقلً عن أدب المعتزلة ‪ ،‬ففيه نظر ‪ ،‬إذ هو خلف المشهور‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫الحرار‪ ،‬والبناء‪ ،‬وكانوا يعدون سائر الناس عبيدا ل هم‪ ،‬فل ما امتحنوا بزوال الدولة عن هم‪ ،‬على أيدي‬ ‫العرب‪ ،‬وكانهت العرب أقهل المهم عنهد الفرس خطرا‪ ،‬تعاظمههم المهر‪ ،‬وتضاعفهت لديههم المصهيبة‪،‬‬ ‫وراموا ك يد ال سلم بالمحار بة‪ ،‬في أوقات ش تى‪ ،‬ف في كل ذلك يظ هر ال – سبحانه وتعالى – ال حق‪،‬‬ ‫وكان من قائمتهم "منقاذ" و"المقنع" و"استابين"‪ ،‬و"دبابك"(‪)27‬وغيرهم‪ ،‬وقبل هؤلء رام ذلك عمار الملقب‬ ‫"خداشا"‪ ،‬و"أبو مسلم السراج"‪.‬‬ ‫فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع‪ ،‬فأظهر قوم منهم السلم‪ ،‬واستمالوا أهل التشيع بإظهار مح بة‬ ‫أ هل ب يت ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬وا ستشناع ظلم(‪)28‬علي‪ -‬ر ضي ال ع نه‪ -‬ثم سلكوا ب هم‬ ‫مسهالك شتهى‪ ،‬حتهى أخرجوههم عهن السهلم‪ ،‬فقوم منههم أدخلوههم إلى القول بأن رجلً ينتظهر يدعهى‬ ‫المهدي‪ ،‬عنده حقيقة الدين‪ ،‬إذ ل يجوز أن يؤخذ من هؤلء الكفار‪.‬‬ ‫وقوم خرجوا إلى نبوة من ادعوا له النبوة‪.‬‬ ‫ص ‪15‬‬ ‫وقوم سلكوا بهم المسلك الذي ذكرنا‪ ،‬من القول بالحلول‪ ،‬وسقوط الشرائع‪ .‬وآخرون تلعبوا بهم‪،‬‬ ‫فأوجبوا عليهم خمسين صلة في كل يوم وليلة‪.‬‬ ‫وآخرون قالوا‪ :‬بل هي سبع عشرة صلة‪ ،‬في كل صلة خمس عشرة ركعة‪.‬‬ ‫وهذا قول عبدال بن عمرو بن الحارث الكندي‪ :‬قبل أن يصير خارجيا صفريا(‪.)29‬‬ ‫و قد سلك هذا الم سلك أيضا عبدال بن سبأ الحميري اليهودي(‪ ،)30‬فإ نه لع نه ال‪ ،‬أظ هر ال سلم‬ ‫ليكيهد أهله‪ ،‬فههو كان أصهل إثارة الناس على عثمان – رضهي ال عنهه‪ -‬وحرق علي بهن أبهي طالب‬ ‫طوائف أعلنوا بإلهيته‪.‬‬ ‫ومهن هذه الصهول الملعونهة‪ ،‬حدثهت السهماعيلية‪ ،‬والقرامطهة‪ ،‬وهمها طائفتان مجاهرتان بترك‬ ‫السلم جملة‪ ،‬قائلتان بالمجوسية المحضة‪ ،‬ثم مذهب مزدك الموبذ‪ ،‬الذي كان على عهد أنو شروان بن‬ ‫قباذ‪ ،‬ملك الفرس‪ ،‬وكان يقول بوجوب تساوي الناس في النساء‪ ،‬والموال‪.‬‬

‫‪ )(27‬هذه السماء فيها اختلف بين النسختين من "الفصل" المحققة والمطبوعة سابقاً ‪ ،‬ففي القديمة‬ ‫"ستقادة" و "استاسيس" والملقب بـ " خداش" و "أبو مسلم السراج" ولم يشر المحققان إلى هذا الختلف‬ ‫‪.‬‬ ‫‪28‬‬ ‫() لم يقع على علي بن أبي طالب ظلم من الصحابة كما زعمته الرافضة ‪ ،‬وإنما هو شيء اختلق للتشنيع‬ ‫والوصول إلى المقصد الخبيث‪.‬‬ ‫‪ )(29‬يجوز أن يكون عبدال هذا يهودياً ‪ ،‬لم يشف حقده ما فعله من إفساده دين من أفسد دينه ‪ ،‬فدخل في‬ ‫الخوارج ليروي ظمأ حقده بدماء المسلمين ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬ ‫‪ )(30‬إن فعل هذين الرجلين يدلنا على أن هناك منظمات تتعاون على حرب السلم من اليهود والمجوس‬ ‫وغيرهم‪ ،‬كما أشرت إليه قبل ذلك‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫قال أبو محمد‪ " :‬فإذا بلغ الناس إلى هذين الشعبين أخرجوهم عن السلم كيف شاؤوا إذ هذا هو‬ ‫غرضهم فقط"(‪.)31‬‬ ‫وهذا الذي ذكره أ بو مح مد ا بن حزم – رح مه ال – ظا هر في أ نه كان هناك جمعيات تنظيم ية‬ ‫تخطط لهدم عقيدة المسلمين‪ ،‬بشتى الوسائل‪.‬‬ ‫قال البخاري – رحمهه ال تعالى ‪ " :-‬حدثنها محمهد بهن عبدال – أبهو جعفهر البغدادي‪ -‬قال‪:‬‬ ‫سمعت أبا زكريا‪ ،‬يحيى بن يوسف الزمي‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند عبدال ابن إدريس‪ ،‬فجاءه رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا‬ ‫محمد‪ ،‬ما تقول في قوم يقولون‪ :‬القرآن مخلوق؟ فقال‪ :‬أمن اليهود؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فمن النصارى؟ قال‪:‬‬ ‫ل‪ ،‬قال‪ :‬فمن المجوس؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬من أهل التوحيد‪ ،‬قال‪ :‬ليس هؤلء من أهل التوحيد‪ ،‬هؤلء‬ ‫ص ‪16‬‬ ‫الزنادقهة مهن زعهم أن القرآن مخلوق‪ ،‬فقهد زعهم أن ال مخلوق‪ ،‬يقول ال – تعالى‪ :-‬بسهم ال‬ ‫الرحمن الرحيم‪ ،‬فال ل يكون مخلوقا‪ ،‬والرحمن ل يكون مخلوقا‪ ،‬والرحيم ل يكون مخلوقا‪.‬‬ ‫وهذا أصل الزندقة‪ ،‬من قال هذا فعليه لعنة ال‪ ،‬ل تجالسوهم‪ ،‬ول تناكحوهم"(‪.)32‬‬ ‫وقال أبو سعيد الدارمي – رحمه ال تعالى ‪ ":-‬لم يزل {أهل الباطل} مقموعين أذلة‪ ،‬مدحورين‪،‬‬ ‫حتى كان الن بآخرة‪ ،‬حيث قلت الفقهاء‪ ،‬وقبض العلماء‪ ،‬ودعا إلى البدع دعاة الضلل‪ ،‬فشد ذلك طمع‬ ‫كل متعوذ في السلم من أبناء اليهود‪ ،‬والنصارى‪ ،‬وأنباط العراق‪ ،‬ووجدوا فرصة للكلم‪ ،‬فجدوا في‬ ‫هدم السهلم‪ ،‬وتعطيهل ذي الجلل والكرام‪،‬وإنكار صهفاته وتكذيهب رسهله‪ ،‬وإبطال وحيهه‪ ،‬إذ وجدوا‬ ‫فرصتهم‪ ،‬وأحسوا من الرعاع جهلً‪ ،‬ومن العلماء قلة‪ ،‬فنصبوا عندها الكفر للناس إماما‪ ،‬بدعوتهم إليه‪،‬‬ ‫وأظهروا لههم أغلوطات مهن المسهائل‪ ،‬وعمايات مهن الكلم‪ ،‬يغالطون بهها أههل السهلم‪ ،‬ليوقعوا فهي‬ ‫قلوبهم الشك‪ ،‬ويلبسوا عليهم أمرهم ويشككوهم في خالقهم‪ ،‬مقتدين بأئمتهم القدمين"(‪.)33‬‬ ‫وقال البخاري‪ " :‬حدث ني أ بو جع فر‪ ،‬حد ثن يح يى بن أيوب‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أ با نع يم البل خي‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫كان ر جل من أ هل "مرو" صديقا للج هم‪ ،‬ثم قط عه وجفاه‪ ،‬فق يل له‪ :‬لم جفو ته؟ فقال‪ :‬جاء م نه ما ل‬ ‫يحتمل‪ ،‬قرأت يوما آية كذا وكذا – نسيها يحيى‪ -‬فقال‪ :‬ما كان أظرف محمدا‪ ،‬فاحتملتها‪ ،‬ثم قرأ سورة‬ ‫ستَوَى} (‪ ،)34‬قال‪ :‬أما وال لو وجدت سبيلً إلى حكها لحككتها من‬ ‫طه‪ ،‬فلما قال‪{ :‬ال ّرحْمَنُ عَلَى ا ْل َعرْشِ ا ْ‬ ‫المصحف‪ ،‬فاحتملتها‪ ،‬ثم قرأ سورة القصص فلما انتهى إلى ذكر موسى‪ ،‬قال‪ :‬ما هذا؟ ذكر قصته في‬ ‫موضع فلم يتمها‪ ،‬ثم ذكرها هاهنا فلم يتمها‪ ،‬ثم رمى المصحف من حجره برجليه‪ ،‬فوثبت عليه"(‪.)35‬‬ ‫ص ‪17‬‬ ‫‪" )(31‬الفصل" (‪ )116-2/115‬وانظر "المحققة" (‪.)274-2/273‬‬ ‫‪" )(32‬خلق أفعال العباد" (ص ‪.)30‬‬ ‫‪" )(33‬الرد على الجهمية" (ص ‪" )259‬عقائد السلف" ‪.‬‬ ‫‪ )(34‬الية ‪ 5‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪" )(35‬خلق أفعال العباد" (ص ‪ ،)46‬وانظر ‪" :‬عقائد السلف" (‪.)129-128‬‬ ‫‪10‬‬

‫فهذه الوقائع – ومثلها كثير جدا – تدل على حقد دفين على هذا الدين‪ ،‬وأنه د خل في الم سلمين‬ ‫الدخ يل ذو القلب الموتور‪ ،‬وال صدر الموغور‪ ،‬والن فس ال تي تأكل ها نار عداوة ال سلم‪ ،‬و نبي ال سلم‪،‬‬ ‫وأن هؤلء يحاولون اجتثاث السهلم مهن قلوب الناس‪ ،‬بالتشكيهك فهي أصهوله‪ ،‬وأن كثيرا مهن علماء‬ ‫السهلف علموههم‪ ،‬وعرفوا أن مرادههم صهد الناس عهن السهلم‪ ،‬وإفسهاد عقائدههم‪ :‬وأن تعاونا يهوديا‪،‬‬ ‫ومجو سيا‪ ،‬ون صرانيا‪ ،‬وإلحاديا لم يزل ينت هز الفرص‪ ،‬جاهدا في إطفاء نور ال‪ ،‬ويأ بى ال إل أن ي تم‬ ‫نوره‪.‬‬ ‫ول شك أن الصراع بين الحق والباطل قديم‪ ،‬وأنه ل يخلو زمان ول مجتمع من ذلك‪ ،‬وأن ال‬ ‫– تعالى – جعل للباطل هواة ومحبين‪ ،‬ينفقون أموالهم ويبذلون نفوسهم في الدفاع عنه‪ ،‬كما جعل للحق‬ ‫ن كَ َفرُو ْا يُقَاتِلُو نَ فِي‬ ‫سبِيلِ اللّ هِ وَاّلذِي َ‬ ‫ن فِي َ‬ ‫أنصارا‪ ،‬وهذا أمر ظاهر‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬اّلذِي نَ آ َمنُواْ يُقَاتِلُو َ‬ ‫ضعِيفًا} (‪.)36‬‬ ‫ن َ‬ ‫ش ْيطَانِ كَا َ‬ ‫ش ْيطَانِ ِإنّ َك ْيدَ ال ّ‬ ‫ت فَقَاتِلُواْ َأوِْليَاء ال ّ‬ ‫سبِيلِ الطّاغُو ِ‬ ‫َ‬ ‫و إذا كان الن سان متظاهرا بم ساندة البا طل ون صرته‪ ،‬فأمره أ سهل م من يخ في ذلك‪ ،‬ويتظا هر‬ ‫بالخير واليمان‪ ،‬وهو من أبعد الناس عنه‪ ،‬وأشدهم عداوة له‪ ،‬وإنما مقصده معرفة مواطن الضعف من‬ ‫السلم وأهله‪ ،‬والمداخل التي تنفذ سمومه منها فيهم‪ ،‬ثم يرميهم بكل ما يستطيع‪.‬‬ ‫ورب ما يكون هناك تنظيمات تل بس لباس العلم والمعر فة‪ ،‬وال صلح‪ ،‬والتجد يد‪ ،‬والمق صود من ها‬ ‫القضاء على الديهن‪ ،‬وههم ينوعون أسهاليبهم فهي كهل وقهت بمها يناسهبه‪ ،‬وإن مصهائب السهلم بهؤلء‬ ‫وأمثالههم‪ ،‬مهن فجره إلى يومنها هذا تتوالى‪ ،‬وقهد وصهف ذلك المقريزي‪ -‬رحمهه ال – وصهفا مفيدا‬ ‫ألخصه فيما يلي‪:‬‬ ‫قال‪ " :‬لما بعث ال محمدا –صلى ال عليه وسلم‪ -‬إلى الناس‪ ،‬وصف لهم ربهم بما وصف به‬ ‫نف سه‪ ،‬فلم ي سأله أ حد من العرب بأ سرهم‪ ،‬قروي هم وبدوي هم‪ ،‬عن مع نى ش يء من ذلك‪ ،‬ك ما كانوا‬ ‫يسألونه عن أمر الصلة‪ ،‬وشرائع السلم‪ ،‬إذ لو سأله أحد منهم عن شيء من الصفات لنقل‪ ،‬كما نقلت‬ ‫أحاديث الحكام وغيرها‪.‬‬ ‫ص ‪18‬‬ ‫و من أم عن الن ظر في دواو ين الحد يث والثار عن ال سلف‪ ،‬علم أ نه لم يرد قط ل من طر يق‬ ‫صحيح ول سقيم عن أحد من الصحابة على اختلف طبقاتهم‪ ،‬وكثرة عددهم‪ ،‬أنه سأل النبي‪-‬صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ -‬عن معنى شيء(‪ ،)37‬مما وصف الرب‪ -‬سبحانه‪ -‬به نفسه في القرآن وعلى لسان نبيه‪ ،‬بل‬ ‫كل هم فهموا مع نى ذلك و سكتوا سكوت فا هم مقت نع‪ ،‬ولم يفرقوا ب ين صفة وأخرى‪ ،‬ولم يتعرض أ حد‬

‫‪ )(36‬الية ‪ 76‬من سورة النساء ‪.‬‬ ‫‪ )(37‬مقصوده‪ :‬أنهم لم يسألوا عن مثل اليدين والوجه والنزول والستواء ونحو ذلك‪ ،‬مما يدل على أنهم‬ ‫فهموا أن هذه الصفات على ظاهرها المفهوم من لغتهم ‪ ،‬مع علمهم انتفاء المماثلة فيها لصفات الخلق‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫منهم إلى تأويل شيء منها‪ ،‬بل أجروا الصفات كما ودرت بأجمعهم‪ ،‬ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل‬ ‫به سوى كتاب ال وسنة رسوله‪.‬‬ ‫ومضى عصرهم – رضي ال عنهم‪ -‬على هذا‪ ،‬وحدث القول بنفي القدر في عهد آخرهم‪.‬‬ ‫وكان أول من فاه بذلك معبد الجهني‪ ،‬أخذه عن رجل من الساورة‪ ،‬يقال له‪ :‬أبو يونس سيسويه‪،‬‬ ‫ويعرف بال سواري‪ ،‬و تبرأ من هذه المقالة ال صحابة‪ .‬ثم خر جت الخوارج‪ ،‬وكفروا بالذنوب‪ ،‬فقاتل هم‬ ‫أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪.‬‬ ‫وحدث التشيع لعلي‪ ،‬وغل فيه طائفة بدعوة ابن سبأ اليهودي‪ ،‬فحرقهم في النار‪ ،‬كما أحدث ابن‬ ‫سبأ القول بالوصية لعلي بالمامة من بعد الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬والقول بالرجعية‪ ،‬أي رجعة‬ ‫علي بعد موته‪ ،‬وأن فيه جزءا من اللهية‪.‬‬ ‫و من دعوة هذا اليهودي تشع بت الغلة من الراف ضة‪ ،‬كالمام ية الث نى عشر ية‪ ،‬وال سماعيلية‪،‬‬ ‫والقرامطة‪ ،‬والنصيرية‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وهو الذي أثار الفتنة على أمير المؤمنين عثمان حتى قتل‪ ،‬ولم يزل‬ ‫مذهب الرفض يستفحل حتى مل الدنيا فسادا‪.‬‬ ‫ثم حدث مذهب الجهمية‪ ،‬وتعطيل الرب‪ -‬تعالى – عن صفاته‪ ،‬والقول بخلق القرآن‪ ،‬وغير ذلك‬ ‫من العظائم‪ ،‬وعربت كتب الفلسفة في عهد المأمون‪ ،‬فعظمت الفتنة والضلل‪.‬‬ ‫ثم ظهر الشعري‪ ،‬وكان أخذ عن الجبائي العتزال‪ ،‬ولز مه دهرا طويلً‪ ،‬ثم سلك طر يق ا بن‬ ‫كلب في الصفات‪ ،‬والقدر‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫ص ‪19‬‬ ‫وسهلك طريقهه جماعهة مهن العلماء‪ ،‬مثهل الباقلنهي‪ ،‬وابهن فورك‪ ،‬والسهفراييني‪ ،‬والشيرازي‪،‬‬ ‫والغزالي‪ ،‬والشهرسهتاني‪ ،‬والرازي وغيرههم‪ ،‬ملوا الدنيها بت صانيفهم‪ ،‬يحتجون‪ ،‬ويدعون أن طريقتههم‬ ‫هي طري قة أ هل ال سنة والجما عة‪ ،‬فانت شر هذا المذ هب في البلد ال سلمية‪ ،‬وجاءت دولة ب ني أيوب‪،‬‬ ‫وكانوا على هذا المذههب‪ ،‬ثهم مواليههم التراك‪ ،‬وأخذه ابهن تومرت إلى المغرب‪ ،‬ونشره هناك‪ ،‬فصهار‬ ‫هذا المذهب هو المعروف في المصار‪ ،‬بحيث نسى ما عداه من المذاهب‪ ،‬أو جهل‪ ،‬حتى لم يبق اليوم‬ ‫مذهب يخالفه‪ ،‬إل أن يكون مذهب الحنابلة‪.‬‬ ‫ح تى جاء ت قي الد ين –أ بو العباس ا بن تيم ية‪ ،-‬فت صدى للنت صار لمذ هب ال سلف‪ ،‬ورد على‬ ‫الشاعرة‪ ،‬والرافضهة‪ ،‬والصهوفية‪ ،‬فافترق الناس فيهه فريقان‪ :‬فريهق يقتدي بهه‪ ،‬ويعول على أقواله‪،‬‬ ‫ويرى أنه شيخ السلم حقا‪ ،‬ومن أجل حفاظ أهل الملة السلمية‪.‬‬ ‫وآخر يبدعه‪ ،‬ويضلله‪ ،‬ويزري عليه إثبات الصفات وغيرها"‪.‬‬ ‫ثم قال المقريزي‪:‬‬

‫‪12‬‬

‫"فهذا‪ -‬أعزك ال‪ -‬بيان ما كانت عليه عقائد المة من ابتداء المر إلى وقتنا‪ ،‬قد فصلت فيه ما‬ ‫أجمله أهل الخبار‪ ،‬وأجملت ما فصلوا‪ ،‬فدونك طالب العلم تناول ما قد بذلت فيه جهدي‪ ،‬وأطلت بسببه‬ ‫سهري وكدي‪ ،‬في تصفح دواوين السلم‪ ،‬وكتب الخبار فقد وصل إليك صفوا"‪.‬‬

‫(‪)38‬‬

‫وقال أح مد أم ين في كل مه على ا بن سبأ‪" :‬والذي يؤ خذ من تاري خه‪ ،‬أ نه و ضع تعاليهم لهدم‬ ‫السلم‪ ،‬وألف جمعية سرية لبث تعاليمه‪ ،‬واتخذ السلم ستارا يستر به نياته"‪.‬‬

‫(‪)39‬‬

‫وذكر الطبري‪" :‬أن ابن السوداء لما وصل إلى الشام لقي أبا ذر – رضي ال عنه – فقال له‪ :‬يا‬ ‫أ با ذر‪ ،‬أل تع جب لمعاو ية‪ ،‬يقول‪ :‬المال مال ال‪ ،‬أل إن كل شئ ل‪ ،‬ير يد أن يحتج به دون الم سلمين‪،‬‬ ‫فذههب أبهو ذر إلى معاويهة وقال له‪ :‬مها يدعوك إلى أن تسهمي مال المسهلمين مال ال؟"‪ .‬ثهم أتهى ابهن‬ ‫السوداء أبا الدرداء‪ ،‬فقال له أبو‬ ‫ص ‪20‬‬ ‫الدرداء‪ :‬من أنت؟ أظنك – وال – يهوديا‪ .‬وأتى عبادة بن الصامت فأخذه عبادة‪ ،‬وذهب به إلى‬ ‫معاوية‪ ،‬وقال له‪ :‬هذا وال الذي بعث عليك أبا ذر"‪.‬‬

‫(‪)40‬‬

‫فإذا كان هذا اليهودي قد طمع بالصحابة‪ ،‬فكيف بغيرهم؟‬ ‫ومن استقرأ التاريخ يرى أن أعداء السلم لم يدخروا وسعا في محاولة القضاء عليه‪ ،‬إلى يومنا‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫كبريات الفرق السلمية‬ ‫كان من نتائج التآمر على عقيدة المسلمين من جهات متعددة‪ ،‬كما سبقت الشارة إليه‪ ،‬أن انشطر‬ ‫من ال مة السلمية عدة فرق‪ ،‬انحرفت عن الطر يق ال صحيح‪ ،‬الذي ر سمه لها نبي ها‪ -‬صلى ال عل يه‬ ‫وسهلم – وأخذت بنيات الطريهق‪ ،‬كمها سهبق فهي حكهم ال القدري الكونهي‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وََلوْ شَاء َربّك َه‬ ‫ت كَِلمَةُ َربّ كَ‬ ‫ك خَلَ َقهُ مْ َو َتمّ ْ‬ ‫ل مَن ّرحِ مَ َربّ كَ وَِلذَلِ َ‬ ‫ختَلِفِي نَ {‪ِ }118‬إ ّ‬ ‫ل َيزَالُو نَ ُم ْ‬ ‫حدَةً َو َ‬ ‫جعَلَ النّا سَ ُأمّةً وَا ِ‬ ‫َل َ‬ ‫ج َمعِينَ}‪.‬‬ ‫جنّةِ وَالنّاسِ َأ ْ‬ ‫ن ا ْل ِ‬ ‫ج َه ّنمَ مِ َ‬ ‫لمْلنّ َ‬ ‫َ‬

‫(‪)41‬‬

‫روى ابن جرير عن الحسن"قال‪:‬الناس مختلفون على أديان شتى‪ ،‬إل من رحم ربك‪ ،‬فمن رحم‬ ‫غير مختلفين"‪.‬‬ ‫وروي عن مجاهد‪ :‬قال‪" :‬ول يزالون مختلفين" أهل الباطل‪" ،‬إل من رحم ربك"أهل الحق"‪.‬‬

‫‪")(38‬الخطط" للمقريزي ملخصاً (‪.)314-3/309‬‬ ‫‪")(39‬فجر السلم" (ص ‪.)269‬‬ ‫‪")(40‬تاريخ الطبري"(‪.)4/283‬‬ ‫‪)(41‬اليتان ‪ 118،119‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪")(42‬تفسير الطبري" (‪ )15/534‬ط المعارف‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫(‪)42‬‬

‫وقال‪":‬معنهى ذلك‪ :‬ول يزال الناس مختلفيهن فهي أديانههم‪ ،‬وأهوائههم‪ ،‬على أديان وملل‪ ،‬وأهواء‬ ‫ش تى‪ ،‬إل من ر حم ر بك‪ ،‬فآ من و صدق ر سله‪ ،‬فإن هم ل يختلفون في توحيد ال‪ ،‬وت صديق ر سله‪ ،‬و ما‬ ‫جاءهم من عند ال"‪.‬‬

‫(‪)43‬‬

‫ص ‪21‬‬ ‫وقال ابن كثير‪":‬يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة‪ ،‬من إيمان أو كفران‪ ،‬كما‬ ‫جمِيعًا}‪.‬‬ ‫لرْضِ كُّل ُهمْ َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وََلوْ شَاء َربّكَ ل َمنَ مَن فِي ا َ‬

‫(‪)44‬‬

‫وقوله‪ ":‬ول يزالون مختلفيهن إل مهن رحهم ربهك" أي‪ :‬ول يزال الخلف بيهن الناس فهي أديانههم‪،‬‬ ‫واعتقاداتهم في مللهم ونحلهم‪ ،‬ومذاهبهم‪ ،‬وآرائهم‪ ،‬إل المرحومين من أتباع الرسل‪ ،‬الذين تمسكوا بما‬ ‫أمروا بهه مهن الديهن الذي جاءت بهه رسهل ال إليههم‪ ،‬ففازوا بسهعادة الدنيها والخرة‪ ،‬لنههم الفرقهة‬ ‫الناجية"‪.‬‬

‫(‪)45‬‬

‫وقد أخبر النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – بوقوع هذا الختلف‪ ،‬محذرا منه‪ ،‬فروى أبو داود‪ ،‬عن‬ ‫أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪" :-‬افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين‬ ‫فرقهة‪ ،‬وتفرقهت النصهارى على إحدى أو اثنتيهن وسهبعين فرقهة‪ ،‬وتفرقهت أمتهي على ثلث وسهبعين‬ ‫فرقة"‪.‬‬

‫(‪)46‬‬

‫ورواه أيضا من حديث معاوية بن أبي سفيان‪ -‬رضي ال عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول ال‪ -‬صلى‬ ‫ال عل يه و سلم ‪" :-‬أل إن من قبل كم من أ هل الكتاب‪ ،‬افترقوا على اثنت ين و سبعين ملة‪ ،‬وإن هذه الملة‬ ‫ستفترق على ثلث وسبعين‪ ،‬اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة‪ ،‬وهي الجماعة"‪.‬‬

‫(‪)47‬‬

‫قال ابن كثير‪" :‬روي هذا الحديث في "السنن" و"المسانيد" من طرق يشد بعضها بعضا"‪.‬‬

‫(‪)48‬‬

‫وأ صل الفرق الذي تر جع إل يه أر بع ك ما قال طائ فة من ال سلف‪ ،‬و هم الروا فض‪ ،‬والخوارج‪،‬‬ ‫والقدرية{المعتزلة}‪ ،‬والمرجئة‪ ،‬وبعض العلماء يجعلها خمسا ويدخل أهل السنة‪ ،‬كما قال أبو محمد بن‬ ‫حزم‪" :‬فرق المقرين بملة السلم‬ ‫ص ‪22‬‬

‫‪)(43‬المصدر السابق‪( ،‬ص ‪.)534‬‬ ‫‪)(44‬الية ‪ 99‬من سور يونس‪.‬‬ ‫‪")(45‬تفسير ابن كثير" (‪ )291-4/290‬ملخصاً‪ ،‬ط الشعب‪.‬‬ ‫‪")(46‬السنن" (‪ )5/4‬رقم (‪ ،)4596‬ورواه الترمذي ‪" ،‬التحفة" (‪ ،)7/397‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬وابن ماجه‬ ‫(‪ )2/1321‬رقم (‪.)3991‬‬ ‫‪")(47‬السنن" (‪ ،)5/5‬والترمذي من حديث عبد ال بن عمرو مع بعض الختلف في اللفظ‪ ،‬وقال‪ :‬حديث‬ ‫حسن مفسر‪ ،‬انظر "تحفة الحوذي" (‪.)7/399‬‬ ‫‪")(48‬تفسير ابن كثير" (‪.)4/291‬‬ ‫‪14‬‬

‫خ مس‪ ،‬و هم‪ :‬أ هل ال سنة‪ ،‬والمعتزلة‪ ،‬والشي عة‪ ،‬والخوارج‪ ،‬والمرجئة‪ ،‬ثم افتر قت كل فر قة من‬ ‫هذه على فرق"‪.‬‬

‫(‪)49‬‬

‫ومراده‪ :‬غير أهل السنة‪ ،‬فإنهم فرقة واحدة‪ ،‬وهم الذين تمسكوا بكتاب ال واتبعوا سنة رسوله‪-‬‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪.-‬‬ ‫وقال الطرطوشهي‪":‬اعلم أن علماءنها قالوا‪ :‬أصهول البدع أربعهة‪ ،‬وسهائر الصهناف الثنتيهن‬ ‫والسبعين فرقة عن هؤلء تفرقوا‪ ،‬وتشعبوا‪ .‬وهم‪ :‬الخوارج‪ :‬وهي أول فرقة خرجت على علي بن أبي‬ ‫طالب‪ ،‬والروافض‪ ،‬والقدرية‪ ،‬والمرجئة"‪.‬‬

‫(‪)50‬‬

‫ومن هذه الفرق تشعبت سائر الفرق‪ ،‬وقد ألف فيها وفي بيان نحلها مؤلفات قديما وحديثا‪.‬‬ ‫وكان من أول هذه الفرق الشي عة‪ ،‬فإن ها حد ثت في آ خر ع صر ال صحابة‪ ،‬ثم تطور التشن يع إلى‬ ‫الرفض‪ ،‬ومبدأه من ابن سبأ اليهودي‪ ،‬وغيره من المجوس ممن دخل في السلم ظاهرا وفي الباطن‬ ‫هم إما يهود ماكرون‪ ،‬أو مجوس موتورون‪ ،‬قصدهم إفساد الدين السلمي‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬ ‫فكان الر فض في أوله ي سمى التش يع‪ ،‬فاشتهروا بالشي عة‪-‬أي شي عة علي بن أ بي طالب‪ -‬وكانوا‬ ‫في زمنه ثلث فرق‪:‬‬ ‫فرقة تقول‪ :‬إنه إله‪ ،‬وقد صرحوا له بذلك‪ ،‬فحرق الذين تمكن منهم بالنار‪.‬‬ ‫والثانية‪ :‬الذين يسبون أبا بكر وعمر‪ -‬رضي ال عنهما‪ -‬وقد توعد علي – رضي ال عنه‪ -‬من‬ ‫فعل ذلك بأن يقيم عليه الحد‪ -‬قيل‪ :‬إنه القتل‪.‬‬ ‫والثالثة‪ :‬المفضلة‪ ،‬الذين يفضلون عليا على أبي بكر وعمر‪ ،‬وبقية الصحابة‪ ،‬وقد روي عنه أنه‬ ‫قال‪":‬ل أوتي برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إل جلدته الحد"‪.‬‬

‫(‪)51‬‬

‫ص ‪23‬‬ ‫ولما خرج زيد بن علي بن الحسين في أوائل المائة الثانية‪ ،‬سأله الشيعة عن أبي بكر وع مر‪،‬‬ ‫فترضى عنهما‪ ،‬وبين أنه يتولهما‪ ،‬تبرأ منه عند ذلك أكثرهم‪ ،‬فقال‪ :‬رفضتموني‪ .‬فسموا‪ :‬الرافضة‪،‬‬ ‫والذين اتبعوه سموا زيدية‪.‬‬ ‫وأ ما القدر ية‪ :‬فأ صلهم‪-‬في ما يبدو‪ ،‬وال أعلم‪ -‬من المجو سية المتعاو نة مع اليهود ية والن صرانية‬ ‫على حرب السلم‪.‬‬ ‫وحدثت هذه الضللة أيضا في آخر عهد الصحابة‪ -‬رضي ال عنهم‪ -‬ثم تطورت إلى العتزال‪.‬‬ ‫وقهد أغتهر بهذا المبدأ كثيهر مهن الناس‪ ،‬الذيهن عجزت عقولههم عهن اسهتيعاب اليمان بقدر ال‪،‬‬ ‫وأمره ونهيهه‪ ،‬ووعده ووعيده‪ ،‬وظنوا امتناع الجمهع بيهن ذلك‪ ،‬فنفوا علم ال بالمسهتقبل‪ ،‬لظنههم أنهه ل‬ ‫‪")(49‬الفصل"(‪.)2/265‬‬ ‫‪")(50‬الحوادث والبدع"(ص ‪.)31‬‬ ‫‪)(51‬انظر‪":‬فضائل الصحابة" للمام أحمد(‪.)1/83‬‬ ‫‪15‬‬

‫يحسن أن يأمر من يعلم أنه يعصي أمره ثم يعذبه على ذلك‪ ،‬حيث جعلوا هذا ظلما ل يجوز‪ ،‬فقابلتهم‬ ‫الجبرية‪ ،‬الذين هم صنو منهم‪ ،‬ثم تطورت إلى التجهم‪ ،‬والتعطيل‪ ،‬بتغذية اليهودية المفسدة في الرض‪.‬‬ ‫وأما الخوارج‪ :‬فهم الذين خرجوا عن الحق من جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪ ،‬وهم‬ ‫كذلك كان ظهورهم في آخر عهد الصحابة رضي ال عنهم‪ .‬وهم إنما أتوا من سوء فهمهم للنصوص‪،‬‬ ‫ولم يق صدوا مخال فة القرآن‪ ،‬ول كن فهم هم أدا هم إلى ما لم يدل عل يه القرآن‪ ،‬و هو تكف ير أ هل الذنوب‪،‬‬ ‫والقول بخلودهم في النار‪ ،‬ولبد أنه اندس في صفوفهم من يضللهم من منظمات الموتورين‪ ،‬والحاقدين‬ ‫على دين ال وعباده المؤمنين‪.‬‬ ‫وأمها الرجاء‪ :‬فإ نه وإن كان أخهف هذه البدع‪ ،‬ومعتنقوه من أقربههم إلى أ هل ال سنة‪ ،‬ففيهه من‬ ‫الضلل والمخالفة لشرع ال تعالى ما هو معروف في مواطنه‪.‬‬ ‫الشعرية‬ ‫من نتائج الفتراق والتش تت‪ ،‬برزت الشعر ية‪ ،‬و هي عبارة عن خل يط من مذا هب عدة فرق‪،‬‬ ‫كالمعتزلة‪ ،‬والكلبيهة‪ ،‬والجهميهة‪ ،‬وقهد كان إمام هذه النحلة‪-‬أبهو الحسهن الشعري‪ -‬تلميذا لبهي علي‬ ‫الجبائي‪ ،‬قرأ عليهه أصهول المعتزلة‪ ،‬ولزمهه مها يقرب مهن أربعيهن عاما‪ ،‬ولهذا كان خهبيرا بمذاههب‬ ‫المعتزلة‪ ،‬ثم انتقل إلى طريقة‬ ‫ص ‪24‬‬ ‫عبد ال بن سعيد بن كلب‪ ،‬وهي أقرب إلى مذهب أهل السنة من طريقة المعتزلة‪ ،‬وجعل يبين‬ ‫ف ساد مذ هب العتزال ويرد علي هم‪ ،‬ويو ضح ف ساد أ صولهم‪ ،‬وتناقض هم‪ ،‬وبعد هم عن ال حق‪ ،‬ومثل هم‬ ‫الرافضة والفلسفة‪ ،‬ولهذا صار له ذكر حسن وقدر عند المسلمين‪.‬‬ ‫والذين ينتسبون إليه من المتأخرين ليسوا على طريقته‪ ،‬مع أنه لم يكن من أهل السنة المحضة‪،‬‬ ‫إذ لم يستطيع أن يتخلص من بعض مسائل أهل الكلم‪.‬‬ ‫قال شيهخ السهلم‪" :‬ل ريهب أن الشعريهة إنمها تعلموا الكتاب والسهنة مهن أتباع المام أحمهد‪،‬‬ ‫ونحوه‪ ،‬ولهذا يو جد أك ثر ألفا ظه ال تي يذكر ها عن أ هل ال سنة والحد يث‪ ،‬إ ما ألفاظ زكر يا بن يح يي‬ ‫ال ساجي‪ ،‬ال تي و صف ب ها مذ هب أ هل ال سنة‪ ،‬أو ألفاظ أ صحاب المام أح مد‪ ،‬و ما ين قل عن أح مد في‬ ‫ر سائله الجام عة في ال سنة‪ ،‬وإل فالشعري لم ي كن له خبرة بمذ هب أ هل ال سنة‪ ،‬وأ صحاب الحد يث‪،‬‬ ‫وإنما يعرف أقوالهم من حيث الجملة‪ ،‬ل يعرف تفاصيل أقوالهم‪ ،‬وأقوال أئمتهم‪ ،‬وقد تصرف فيما نقله‬ ‫عنهم باجتهاده في مواضع يعرفها البصير‪.‬‬ ‫وأما خبرته بمقالت أهل الكلم فكانت تامة على سبيل التفصيل‪.‬‬ ‫ولهذا لم يذ كر عن أ هل ال سنة في كتاب "مقالت ال سلميين" إل جملة مقالت هم‪ ،‬مع أن ل هم في‬ ‫تفاصيل تلك ما ليس لهل الكلم‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫ول ريب أن للشعري في الرد على أهل البدع كلما حسنا‪ ،‬هو من الكلم المقبول‪ ،‬الذي يحمد‬ ‫قائله إذا أخلص فيه النية‪.‬‬ ‫وله أيضا كلم خالف به بعض السنة هو من الكلم المردود‪ ،‬الذي يذم قائله إذا أصر عليه بعد‬ ‫قيام الحجة"‬

‫(‪)52‬‬

‫وال يغفر لنا وله‪.‬‬

‫وقد انتسب إلى الشعري أكثر العالم السلمي اليوم من أتباع المذاهب الرب عة‪ ،‬وهم يعتمدون‬ ‫ل بعيدا جدا‪ ،‬وقهد‬ ‫ل يصهل أحيانا إلى التحريهف‪ ،‬وأحيانا يكون تأوي ً‬ ‫على تأويهل نصهوص الصهفات تأوي ً‬ ‫أمتلت الدنيا بكتب هذا المذهب‪ ،‬وادعى أصحابها أنهم أهل السنة‪ ،‬ونسبوا من آمن بالنصوص على‬ ‫ظاهرها إلى التشبيه والتجسيم‪.‬‬ ‫ص ‪25‬‬ ‫هذا ول بد لعلماء ال سلم‪-‬ور ثة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم – من مقاو مة هذه التيارات‬ ‫الجارفهة‪ ،‬على حسهب مها تقتضيهه الحال‪ ،‬مهن مناظرات‪ ،‬أو بالتأليهف‪ ،‬وبيان الحهق بالبراهيهن العقليهة‬ ‫والنقلية‪ ،‬وقد يصل المر أحيانا إلى شهر السلح‪.‬‬ ‫وقهد أكثهر علماء السهنة مهن التأليهف فهي الرد على أههل الهواء والنحراف‪ ،‬كمها ظههر بعهض‬ ‫الطوائف المقابلة لتلك البدع كالسالمية والكلبية‪ ،‬الذين تولوا أيضا الرد على أهل تلك النحرافات‪ ،‬غير‬ ‫أن هم كثيرا ما يردون البدع ببدع مماثلة ل ما يرد أو قريبا من ها‪ ،‬يزداد من أ جل ذلك التباس ال حق على‬ ‫كثير من الناس‪ ،‬بخلف ما إذا كان الرد بما دل عليه كتاب ال‪ -‬تعالى‪ -‬وسنة رسوله‪-‬صلى ال عليه‬ ‫وسلم – كما هو نهج أهل السنة‪ ،‬بالضافة إلى المعقول الصريح‪.‬‬ ‫ومن كبار علماء السنة الذين ردوا على أهل البدع‪ ،‬المام البخاري‪-‬رحمه ال تعالى – في كتاب‬ ‫أفرد لذلك سماه "خلق أفعال العباد"‪ ،‬ولم يقتصر فيه على ما يفهم من ال سم‪ ،‬بل رد فيه على الجهم ية‬ ‫والقدر ية وغير هم‪ ،‬ك ما رد على المرجئة في كتاب اليمان من "الجا مع ال صحيح"‪ ،‬ورد على الجهم ية‬ ‫والمعتزلة و من سلك طريق هم في كتاب "التوح يد"‪ ،‬الذي خ تم به كتا به "الجا مع ال صحيح"‪ ،‬و سلك ف يه‬ ‫طريقا واضحا فهي الرد‪ ،‬إذ اقتصهر على ذكهر النصهوص‪ ،‬من الكتاب وال سنة‪ ،‬التهي فيهها بيان بطلن‬ ‫مذاهب هؤلء المشار إليهم‪ ،‬فكأنه يقول‪ :‬هذا كتاب ربنا الذي أنزله علينا وأمرنا باتباعه‪ ،‬وحضنا على‬ ‫تدبره وفه مه‪ ،‬وجعله هدى ونورا وشفا ًء للمؤمن ين به‪ ،‬وهذه سنة نبي نا الذي كلف نا بطاع ته‪ ،‬ومتابع ته‪،‬‬ ‫وفيه ما الع صمة عن الخ طأ‪ ،‬وه ما صريحان في بيان ال حق‪ ،‬الذي ضل ع نه هؤلء المبتد عة‪ ،‬ففيه ما‬ ‫تكفل برد ما جاؤوا به‪ ،‬فل ي سع الم سلم إل ال خذ به ما‪ ،‬ورد ما خالفه ما‪ ،‬ففيه ما الهدى والنور‪ ،‬و في‬ ‫ل بين لنا كل ما نحتاج‬ ‫تركهما الضلل والهلك‪ ،‬وال‪-‬تعالى‪ -‬لم يكلنا إلى عقولنا‪ ،‬بل أرسل إلينا رسو ً‬ ‫إليه من أمور ديننا‪ ،‬وأنزل عليه كتابه‪ ،‬فيه تبيان لكل شيء فرق فيه بين الحق والباطل‪ ،‬فلسنا نحتاج‬ ‫‪")(52‬التسعينية" (‪)287-5/286‬من الفتاوى المصرية‪ ،‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪17‬‬

‫م عه إلى غيره‪ ،‬فإن تم سكنا به أو صلنا إلى ال من أقرب طر يق وأهداه‪ ،‬وإن أعرض نا ع نه تخطفت نا‬ ‫الشياطين من كل‬ ‫ص ‪26‬‬ ‫ن{‬ ‫ش ْيطَانًا فَهُ َو لَ ُه َقرِي ٌ‬ ‫ن نُ َقيّ ضْ َل هُ َ‬ ‫حمَ ِ‬ ‫جا نب‪ ،‬ك ما قال ال –تعالى‪ {:-‬وَمَن َيعْ شُ عَن ِذكْرِ ال ّر ْ‬ ‫ت َب ْينِي َو َب ْينَ كَ‬ ‫حتّى ِإذَا جَاءنَا قَالَ يَا َليْ َ‬ ‫ن َأ ّنهُم ّم ْه َتدُو نَ {‪َ }37‬‬ ‫سبُو َ‬ ‫سبِيلِ َو َيحْ َ‬ ‫صدّو َنهُمْ عَ نِ ال ّ‬ ‫‪}36‬وَِإ ّنهُ ْم َليَ ُ‬ ‫ُب ْعدَ ا ْل َمشْ ِر َقيْنِ َف ِبئْسَ الْ َقرِينُ}‪.‬‬

‫(‪)53‬‬

‫‪)(53‬اليات ‪38-36‬من سورة الزخرف‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫ص ‪27‬‬ ‫المام البخاري‬ ‫هو أبو عبد ال‪ ،‬محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه‪.‬‬

‫(‪)54‬‬

‫قال النووي‪":‬اتفهق العلماء على أنهه ولد بعهد صهلة الجمعهة‪ ،‬لثلث عشرة ليلة خلت مهن شوال‪،‬‬ ‫سهنة أربهع وتسهعين ومائة‪ ،‬وتوفهي ليلة السهبت‪ ،‬عنهد صهلة العشاء ليلة الفطهر‪ ،‬سهنة سهت وخمسهين‬ ‫ومائتين‪ ،‬ودفن يوم الفطر بعد الظهر"‪.‬‬

‫(‪)55‬‬

‫طلب العلم من صغره‪ ،‬و تبينت نجاب ته‪ ،‬وذكاؤه‪،‬وفطن ته‪،‬وحف ظه‪ ،‬ونبله من صغره‪ ،‬و قد طوف‬ ‫البلد مرارا لطلب الحديث‪ ،‬وأخباره مشهورة‪ ،‬واتفق العلماء على جللته‪ ،‬وإمامته في الحديث‪ ،‬وفقهه‪،‬‬ ‫وتميز بذلك عن غيره‪ ،‬وقد كتب في ترجمته كثيرا‪ ،‬في كتب الرجال‪ ،‬والشروح‪ ،‬وأفرد لذكر فضائله‬ ‫وشمائله كتب خاصة‪ ،‬فل نطيل في ذلك‪.‬‬ ‫وأمها كتابهه "الجامهع الصهحيح"فقال النووي‪-‬رحمهه ال‪" :-‬اتفهق العلماء على أن أصهح الكتهب‬ ‫المصهنفة‪:‬صهحيحا البخاري ومسهلم‪ ،‬واتفهق الجمهور على أن "صهحيح البخاري" أصهحهما صهحيحا‪،‬‬ ‫وأكثرهم فوائد"‪.‬‬

‫(‪)56‬‬

‫قلت‪ :‬هو كتاب عظيم ونافع جدا لمن قرأه‪ ،‬وتدبره‪ ،‬وقد أودعه من التراجم التي تعين على الفهم‬ ‫الشيء الكثير‪ ،‬وهي تدل على عظيم فقهه في الحديث‪ ،‬ودقة استنباطه‪ ،‬وقد بلغت ثلثة آلف وثمانمائة‬ ‫واثنتين وثمانين ترجمة‪ ،‬وتزيد على ذلك في بعض النسخ‪.‬‬ ‫ص ‪28‬‬ ‫هذا‪ ،‬وقد اعتنى به العلماء عناية فائقة‪ ،‬قراءة‪ ،‬وحفظا‪،‬وتدريسا‪،‬وشرحا‪.‬‬ ‫فحظي بشروح كثيرة جدا‪،‬فذكر في "كشف الظنون" ما يقرب من ثمانين شرحا للبخاري(‪ ،)57‬وله‬ ‫أكثر من ذلك بكثير‪.‬‬ ‫ومهع هذا‪ ،‬فإن كتاب التوحيهد منهه بحاجهة إلى شرح يهبين مقاصهد البخاري‪-‬رحمهه ال تعالى –‬ ‫ووجه الرد منه على أهل البدع‪ ،‬لن غالب من قام بشرحه‪ ،‬على المذهب الشعري‪ ،‬ول سيما الشروح‬ ‫المتداولة اليوم‪ ،‬ولهذا تجد أحدهم يوجه الكلم من النصوص‪ ،‬ليتفق مع ما يعتقده‪ ،‬ولو بالتعسف‪.‬‬ ‫وكث ير من ال صفات ال تي يثبت ها البخاري‪ ،‬م ستدلً علي ها ب نص من كتاب ال‪ ،‬أو عن ر سوله‪،‬‬ ‫يحاولون ردها‪ ،‬إما بالتحريف الذي يسمونه تأويلً‪ ،‬أو بدعوى الجماع على خلفها‪ ،‬كما ذكر الحافظ‪-‬‬ ‫رحمه ال تعالى‪ -‬عن ابن بطال‪ ،‬في قوله‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪" :-‬ل شخص أغير من ال"‪.‬‬ ‫‪")(54‬هدي الساري" (‪ ،)2/250‬و" تاريخ بغداد" (‪.)2/4‬‬ ‫‪ ")(55‬شرح النووي"للبخاري(ص ‪.)4‬‬ ‫‪")(56‬شرح النووي"للبخاري(ص ‪.)7‬‬ ‫‪ )(57‬انظر‪" :‬كشف الظنون"(‪.)1/545‬‬ ‫‪19‬‬

‫قال‪" :‬أجمعت المة على أن ال‪-‬تعالى‪ -‬ل يجوز أن يوصف بأنه شخص"‪.‬‬

‫(‪)58‬‬

‫وذكر عن الخطابي‪ :‬أنه رد وصف الرب –تبارك وتعالى‪ -‬بالصابع‪ ،‬كما في حديث عبد ال بن‬ ‫م سعود في ذ كر ال حبر الذي سأل ر سول ال‪ -‬صلى ال عل يه و سلم – ون سب ذلك إلى تخل يط اليهود‪،‬‬ ‫وتشبيههم‪ ،‬وقال في قوله في الحديث‪" :‬فضحك رسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم – تصديقا لقوله" إنه‬ ‫ظن من ا بن م سعود‪،‬وح سبان‪ ،‬وحاول ع كس ال مر‪ ،‬وأن الض حك من جرأة اليهود على الت شبيه(‪،)59‬‬ ‫وأمثال ذلك كثير‪ ،‬مما هو خلف ما أراد إثباته مؤلف الكتاب‪.‬‬ ‫ولذلك أرى من الواجب أن يتولى شرح هذا الكتاب العظيم‪ ،‬الذي ألفه ذلك الرجل السلفي الفاهم‬ ‫للحهق تمام الفههم‪ ،‬مهن ههو على نههج المؤلف فهي العقيدة‪ ،‬ويفههم مقصهده‪ ،‬وماذا يريهد مهن إيراده‬ ‫للنصوص‪.‬‬ ‫ولمها أعوزنهي وجود شرح على هذا الوصهف‪ ،‬ولم يسهعفني مهن طلبهت منهه القيام بذلك مهن‬ ‫مشائخنا‪ ،‬تطفلت على كتب العلماء‪ ،‬وقمت بجمع ما أراه مناسبا لشرح‬ ‫ص ‪29‬‬ ‫مها أورده البخاري‪-‬رحمهه ال تعالى‪ -‬وأرجهو مهن ال المداد بالعون والسهداد‪ ،‬فإنهه ل يخيهب‬ ‫سائله‪ ،‬ول يحرم آمله‪ ،‬ول ست أز عم أن ني أف هم من كتاب البخاري‪-‬رح مه ال‪ -‬ما ل يفه مه شارحوه‪،‬‬ ‫أمثال ابن حجر والعيني والخطابي وابن بطال والقسطلني وغير هم‪ ،‬ولكن لكل منهم نهجه الخاص‪،‬‬ ‫وعقيدته التي تملي عليه مسلكا معينا‪.‬‬ ‫وطريقتي فيه أني‪:‬‬ ‫‪-1‬أذكر نص الحديث بسنده‪ ،‬ثم أتبعه بترجمه لراويه من الصحابة موجزة جدا‪.‬‬ ‫‪-2‬أحاول بيان مراد البخاري‪-‬رح مه ال‪ -‬من إيراده ال نص‪،‬وبيان و جه ا ستدلله بذلك‪،‬‬ ‫حسب المستطاع‪.‬‬ ‫‪-3‬أعزو الكلم إلى قائله‪ ،‬مبينا مكانه من المصدر‪ ،‬بالجزء والصفحة‪ ،‬واذكر رقم الية‬ ‫واسم السورة‪ ،‬ومكان الحديث في المصدر‪ ،‬وأما"صحيح البخاري" فغالبا أعزو ما فيه‬ ‫إلى "الفتح"‪.‬‬ ‫‪-4‬ل أتطرق إلى الكلم على رجال السند‪ ،‬إذ هو أمر مفروغ منه‪ ،‬فكل ما في البخاري‬ ‫ثابت‪ ،‬عن المصطفى‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،-‬وقد تلقته المة بالقبول‪ ،‬فل يطعن فيه‬ ‫إل من كان له غرض‪ ،‬أو في قلبه مرض‪ ،‬خل بعض المعلقات‪ ،‬وقد تولى الحافظ –‬ ‫رحمه ال‪ -‬وصل أسانيده‪ ،‬والجابة عما قيل فيها في كتابه‪" :‬تغليق التعليق"‪.‬‬ ‫‪ )(58‬انظر‪" :‬الفتح" (‪ )13/400‬وسيأتي‪-‬إن شاء ال‪ -‬الكلم عليه وذكر من رواه‪.‬‬ ‫‪ )(59‬انظر‪" :‬الفتح" (‪ . )13/398‬وسيأتي‪-‬إن شاء ال – ذكر ذلك في موضعه‪ ،‬وإبطاله بالبراهين المعتمدة‬ ‫على الحق اليقيني‪ ،‬ل ظنون المتكلمين وشكوكهم‪ ،‬وال المستعان‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪-5‬أحاول جهدي بيان مذههب السهلف‪ ،‬فهي أسهامي ال –تعالى‪ ،-‬وأوصهافه‪ ،‬ومدى‬ ‫تم سكهم بالكتاب وال سنة‪ ،‬م ستعينا على ذلك بن قل ما تي سر لي من كلم هم على سبيل‬ ‫اليجاز‪.‬‬ ‫‪-6‬أحاول رد القول الباطل‪ ،‬أو الضعيف‪ ،‬الذي تؤيده النصوص‪ ،‬إذ إن مبنى أوصاف ال‬ ‫–تعالى‪ -‬على ثبوت النص في ذلك‪ ،‬ول دخل لقياس وعقل في ذلك‪ ،‬وكل ذلك حسب‬ ‫المستطاع‪.‬‬ ‫ص ‪30‬‬ ‫قال البخاري ‪ -‬رحمه ال تعالى‪:-‬‬ ‫"باب ما جاء في دعاء النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬أمته إلى توحيد ال‪-‬تبارك وتعالى‪"-‬‬ ‫مقصده بهذا أن يبين أن النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬قد أوضح ما يجب على المسلم أن يعتقده‬ ‫فهي حهق ال‪-‬تعالى‪ -‬نفيا وإثباتا‪ ،‬وأوضهح مها يجهب ل على عباده‪ ،‬مهن توحيهد القصهد والنيهة‪ ،‬لن‬ ‫قوله‪":‬توح يد ال" ي عم أنواع التوح يد‪ ،‬فلم يترك ال مر مشتبها‪ ،‬بل بي نه‪ ،‬في جب أن يت بع بيا نه في ذلك‪،‬‬ ‫فل يصار إلى رأي متكلم‪ ،‬أو عقل متفلسف‪ ،‬أو قول مؤول‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬دعاء النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – أمته" أي الدعوة التي كلفه ال بها وأمره بإبلغها‪.‬‬ ‫يع ني‪ :‬أن هذا مق صود الر سالة‪ ،‬فل بد أن يبينه‪ ،‬ويبل غه أم ته‪ ،‬البلغ ال مبين‪ ،‬بح يث ل يب قى ف يه‬ ‫التباس‪ ،‬أو اشتباه‪.‬‬ ‫و قد قام‪ -‬صلوات ال و سلمه عليه‪ -‬بهذا الوا جب خ ير قيام‪ ،‬فأوض حه غا ية اليضاح‪ ،‬فل عذر‬ ‫لمن انحرف عنه‪ ،‬وتلقى توحيده من الفلسفة والمتكلمين الذين كثر في هذا الباب اضطرابهم‪ ،‬وغلظ‬ ‫عن معرفة ال‪-‬تعالى‪ -‬حجابهم‪.‬‬

‫(‪)60‬‬

‫وبهذا يبين أن معرفة التوحيد‪ ،‬الذي جاء به رسول ال –صلى ال عليه وسلم – ودعا أمته إليه‪،‬‬ ‫ل يمكن الوصول إليها إل بما جاء به –صلى ال عليه وسلم – من كتاب ال‪ -‬تعالى‪ ،-‬وسنته التي‬ ‫هي شارحة ومبينة لكتاب ال‪ -‬تعالى‪.-‬‬ ‫والمة هنا يقصد بها‪ :‬المة المطلقة‪ ،‬أي أمة الدعوة‪.‬‬ ‫ص ‪31‬‬ ‫‪"-1‬حدث نا أ بو عا صم‪ ،‬حدث نا زكر يا بن إ سحاق‪ ،‬عن يح يى بن ع بد ال بن صيفي‪ ،‬عن أ بي‬ ‫معبد‪ ،‬عن ابن عباس‪ -‬رضي ال عنهما‪ -‬أن النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – بعث معاذا إلى‬ ‫اليمن"‪.‬‬ ‫‪-2‬وحدثني عبد ال بن أبي السود‪ ،‬حدثنا الفضل بن العلء‪ ،‬حدثنا إسماعيل ابن أمية‪ ،‬عن‬ ‫يحيى بن عبد ال بن صيفي‪ ،‬أنه سمع أبا معبد مولى ابن عباس يقول‪ :‬سمعت ابن عباس‬ ‫‪)(60‬اقتباس مكن كلم شيخ السلم في أول الحموية‪ ،‬انظر (ص ‪ )5‬بتعليقات محمد عبد الرزاق حمزة‪.‬‬ ‫‪21‬‬

‫يقول‪ ":‬لما بعث النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – معاذا إلى نحو أهل اليمن‪ ،‬قال له‪ :‬إنك تقدم‬ ‫على قوم مهن أههل الكتاب‪ ،‬فليكهن أول مها تدعوههم‪ ،‬إلى أن يوحدوا ال تعالى‪ ،‬فإذا عرفوا‬ ‫ذلك‪ ،‬فأخبرهم أن ال فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم‪ ،‬فإذا صلوا فاخبرهم‬ ‫أن ال افترض علي هم زكاة أموال هم‪ ،‬تؤ خذ من غني هم فترد على فقير هم‪ ،‬فإذا أقروا بذلك‪،‬‬ ‫فخذ منهم‪ ،‬وتوق كرائم أموال الناس"‪.‬‬ ‫ع بد ال بن العباس بن ع بد المطلب‪ ،‬الهاش مي‪ ،‬ا بن عم ر سول ال‪ -‬صلى ال عل يه و سلم ‪،-‬‬ ‫و حبر هذه ال مة‪ ،‬من المكثر ين عن ال نبي‪ -‬صلى ال عل يه و سلم ‪ ،-‬و جل ما يرو يه بوا سطة أ حد‬ ‫ال صحابة‪ ،‬د عا له ال نبي‪ -‬صلى ال عل يه و سلم – بأن يفق هه ال في الد ين‪ ،‬ويعل مه التأو يل‪ ،‬فظهرت‬ ‫عليه آثار دعوته‪-‬صلى ال عليه وسلم – حتى عرف بأنه ترجمان القرآن‪.‬‬ ‫توفي النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – وهو ابن خمس عشر سنة‪ ،‬على الراجح‪.‬‬ ‫وقد توفي سنة ثمان وستين في الطائف‪.‬‬

‫(‪)61‬‬

‫ومعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس‪ ،‬النصاري‪ ،‬الخزرجي‪ ،‬من علماء الصحابة وساداتهم‪ ،‬قال له‬ ‫ر سول ال‪ -‬صلى ال عل يه و سلم – في ما رواه أ بو داود والن سائي بإ سناد صحيح‪" :‬وال يا معاذ إ ني‬ ‫أحبك"(‪.)62‬‬ ‫وقال ابن مسعود‪" :‬إن معاذا كان أمة قانتا ل حنيفا‪ ،‬ولم يكن من المشركين‪ ،‬إنا كنا لنشبه معاذا‬ ‫بإبراهيم‪ ،‬عليه السلم"‪.‬‬

‫(‪)63‬‬

‫ص ‪32‬‬ ‫ش هد العق بة‪ ،‬والمشا هد كل ها مع ر سول ال‪ -‬صلى ال عل يه و سلم – تو في في الشام بطاعون‬ ‫عمواس‪ ،‬سنة ثماني عشرة‪ ،‬وكان عمره ثمان وثلثون سنة‪.‬‬

‫(‪)64‬‬

‫قوله‪" :‬بعث معاذا إلى اليمن" أي أرسله مبلغا عنه‪ ،‬وداعيا إلى عبادة ال وتوحيده‪.‬‬ ‫"وأصل البعث‪ :‬إثارة الشيء‪ ،‬وتوجيهه‪ .‬ويختلف باختلف ما علق به‪.‬‬ ‫فبعثت البعير‪ :‬أثرته من مبركه‪ ،‬وسيرته‪،‬وقوله تعالى‪{ :‬وَا ْلمَ ْوتَى َي ْب َع ُث ُهمُ اللّهُ}‬

‫(‪)65‬‬

‫أي يخرجهم من‬

‫الرض أحياء‪ ،‬ويسيرهم إلى المحشر‪.‬‬

‫‪)(61‬انظر‪" :‬الصابة" (‪" ،)4/141‬تذكرة الحفاظ" (‪" ،)1/37‬أسد الغابة" (‪" ،)3/290‬أسير أعلم النبلء"‬ ‫(‪ ،)3/331‬وغيرها كثير‪.‬‬ ‫‪")(62‬السنن" (‪ ،)2/180‬الحديث رقم (‪ ،)1522‬وانظر‪" :‬المجتبى" (‪.)3/53‬‬ ‫‪)(63‬انظر‪" :‬الصابة" (‪.)6/137‬‬ ‫‪")(64‬سير أعلم النبلء" (‪" ،)1/443‬أسد الغابة" (‪" ،)5/194‬الصابة" (‪.)6/136‬‬ ‫‪)(65‬الية ‪ 36‬من سورة النعام‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫وقوله تعالى‪{ :‬وَلَهكِن َكرِ هَ الّل ُه ان ِبعَاثَهُ مْ}(‪ )66‬أي‪ :‬توجه هم‪ ،‬ومضي هم م عك‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ف َبعَ ثَ‬ ‫لرْضِ } (‪ )67‬أي‪ :‬قيضه لذلك‪.‬‬ ‫غرَابًا َي ْبحَثُ فِي ا َ‬ ‫اللّهُ ُ‬ ‫ل ُأمّ ٍة رّسهُولً}‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََل َقدْ َب َعثْن َا ف ِي كُ ّ‬

‫(‪)68‬‬

‫أي‪ :‬أرسهلناهم لدعوة قومههم إلى ال تعالى‪،‬‬

‫فالبعث ضربان‪ :‬أحدهما‪ :‬يتعلق بفعل المخلوق‪ ،‬كبعث البعير‪ ،‬وبعث النسان في حاجة‪.‬‬ ‫والثاني‪:‬إلهي‪ ،‬وهو قسمان‪:‬‬ ‫الول‪ :‬إيجاد العيان‪ ،‬والجناس‪ ،‬والنواع‪ ،‬مهن العدم‪ ،‬على غيهر مثال سهابق‪ ،‬وهذا خاص بال‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬إحياء الموتى‪ ،‬وهذا قد أعطى‪،‬جل وعل‪ -‬بعض من يشاء من عباده شيئا منه‪ ،‬كعيسى‪-‬‬ ‫عليه السلم‪ -‬ليكون آية على صدقه"‬

‫(‪)69‬‬

‫ول يقع ذلك إل بإذن ال تعالى وإرادته‪.‬‬

‫ص ‪33‬‬ ‫و"اليمن" اسم البلد المعروفة الواقعة في الجنوب الغربي من جزيرة العرب‪.‬‬ ‫قال في "القاموس"‪" :‬اليمن ما كان عن يم ين القبلة من بلد الغور"(‪ ،)70‬وفي "المراصد"‪" :‬سميت‬ ‫اليمن لتيامنهم إليها‪ ،‬لما تفرقت العرب من مكة‪ ،‬كما سميت الشام لخذهم الشمال"‪.‬‬

‫(‪)71‬‬

‫قلت‪ :‬وفيه نظر‪ ،‬وذلك أن اليمن قديم‪ ،‬قبل وجود مكة على يدي إبراهيم وابنه إسماعيل‪-‬عليهما‬ ‫السلم‪-‬إل أن تكون التسمية حادثة‪ .‬وقال قطرب‪" :‬سمى اليمن ليمنه"‪.‬‬

‫(‪)72‬‬

‫قال الحافظ‪" :‬كان بعث معاذ إلى اليمن سنة عشر‪،‬قبل حجة الوداع"(‪ ،)73‬وعند أهل المغازي‪ ،‬أن‬ ‫ذلك في رب يع ال خر‪ ،‬من سنة ت سع‪ ،‬وال صحيح ما قاله الحا فظ‪ ،‬و قد أشار البخاري‪-‬رح مه ال‪ -‬إلى‬ ‫ذلك بقوله‪:‬باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع"‪.‬‬

‫(‪)74‬‬

‫وق يل‪ :‬كان ذلك في أوا خر سنة ت سع‪ ،‬ع ند من صرفه‪ -‬صلى ال عل يه و سلم – من تبوك‪ ،‬رواه‬ ‫الواقدي بإسناده إلى كعب بن مالك‪ ،‬وحكى ابن سعد أنه كان في ربيع الخر سنة عشر"‬

‫(‪)75‬‬

‫فال أعلم‪.‬‬

‫قوله‪" :‬إ نك تقدم على قوم من أ هل الكتاب"‪ .‬تقدم‪-‬بف تح الدال‪-‬لن ماض يه ثل ثي مك سور الع ين‪،‬‬ ‫ومصدره قدوما‪ ،‬لنه يدل على معالجة‪.‬‬ ‫‪)(66‬الية ‪ 46‬من سورة التوبة ‪.‬‬ ‫‪)(67‬الية ‪ 31‬من سورة المائدة‪.‬‬ ‫‪)(68‬الية ‪ 36‬من سورة النحل‪.‬‬ ‫‪")(69‬المفردات"للراغب‪ ،‬بتصرف (ص ‪.)52‬‬ ‫‪ ")(70‬القاموس" (‪.)4/279‬‬ ‫‪")(71‬المراصد" ‪.)03/1483‬‬ ‫‪")(72‬تاج العروس" (‪.)9/371‬‬ ‫‪")(73‬الفتح" (‪.)3/358‬‬ ‫‪)(74‬انظر‪" :‬البخاري" (‪.)5/204‬‬ ‫‪)(75‬انظر‪":‬الفتح" (‪. )3/358‬‬ ‫‪23‬‬

‫"القوم" الجماعة من الرجال والنساء‪ ،‬أو من الرجال خاصة‪ ،‬وتدخل النساء على التبعية‪ .‬قاله في‬ ‫"القاموس"‪.‬‬

‫(‪)76‬‬

‫ص ‪34‬‬ ‫"وأهل الكتاب" هم اليهود والنصارى‪" ،‬والمقصود هنا اليهود‪ ،‬وكان ابتداء دخولهم اليمن في زمن‬ ‫"أسعد ذي كرب" تبع الصغر‪ ،‬كما ذكر ذلك ابن إسحاق في السيرة"(‪.)77‬‬ ‫والمقصود بالكتاب‪ :‬الجنس‪ ،‬والمراد‪ :‬التوراة‪ ،‬والنجيل‪.‬‬ ‫وسمى اليهود‪ ،‬والنصارى‪:‬أهل الكتاب‪ ،‬لن ال تعالى أنزل عليهم التوراة والنجيل‪ ،‬فيهما أوامر‬ ‫ال‪ ،‬ونواهيه‪ ،‬ليعملوا بهما‪ ،‬وهدى من ال ونور يخرجهم من ظلمات الغي والشهوات‪ ،‬قال ال تعالى‪:‬‬ ‫{وَأَنزَلَ التّ ْورَاةَ وَالِنجِيلَ {‪ }3‬م ِن َقبْلُ ُهدًى لّلنّاسهِ} (‪ .)78‬فتوارثوه جيهل عهن جيهل‪ ،‬ثهم إنههم حرفوه‪،‬‬ ‫وغيروا فيه وزادوا ونقصوا‪ ،‬فاختلط حقه في باطلهم‪ ،‬ثم نسخه ال تعالى بالقرآن الذي أنزله على خاتم‬ ‫الرسل‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪.-‬‬ ‫قال الحا فظ‪":‬قوله‪" :‬إ نك تقدم" الخ‪ ،‬كالتوطئة للو صية‪ ،‬لت ستجمع هم ته علي ها‪ ،‬لكون أ هل الكتاب‬ ‫علم في الجملة‪ ،‬فل تكون مخاطبت هم كمخاط بة أ هل الج هل من عبدة الوثان"(‪ .)79‬ول يدل على أن كل‬ ‫من يقدم عليهم من أهل الكتاب‪ ،‬بل أغلبهم من عبدة الوثان‪ ،‬كما هو معلوم‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا ال تعالى" اللم لل مر‪ ،‬وإذا اقترنت بالفاء أو الواو‬ ‫فهي ساكنة في الغالب الكثر‪.‬‬ ‫وقوله‪":‬إلى أن يوحدوا ال تعالى" ذكره فهي الزكاة بلفهظ‪ ":‬ادعههم إلى شهادة أن ل إله إل ال‪،‬‬ ‫وأني رسول ال"(‪.)80‬‬ ‫وفي رواية" "فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة ال‪ ،‬فإذا عرفوا ال فأخبرهم…" الخ(‪.)81‬‬ ‫ص ‪35‬‬ ‫وفي أخرى‪ " :‬فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن محمدا رسول ال"(‪.)82‬‬ ‫و في روا ية لم سلم‪" :‬فلي كن أول ما تدعو هم إل يه عبادة ال‪ -‬عز و جل‪ -‬فإذا عرفوا ال فأ خبرهم‬ ‫…"الخ(‪.)83‬‬ ‫وهذه الروايات متفقة في المعنى‪.‬‬ ‫‪)(76‬انظر‪" :‬القاموس" (‪.)4/168‬‬ ‫‪")(77‬فتح الباري" (‪.)13/348‬‬ ‫‪)(78‬اليات ‪ 4-3‬من سورة آل عمران‪.‬‬ ‫‪")(79‬الفتح" (‪.)3/358‬‬ ‫‪)(80‬انظر‪" :‬الفتح" (‪.)3/261‬‬ ‫‪)(81‬المصدر نفسه (ص ‪.)322‬‬ ‫‪)(82‬المصدر السابق‪( ،‬ص ‪" )8/64( ،)357‬الفتح" ‪.‬‬ ‫‪)(83‬انظر‪" :‬مسلم بشرح النووي" (‪. )1/199‬‬ ‫‪24‬‬

‫فمع نى شهادة أن ل إله إل ال‪ :‬توح يد ال بالعبادة‪ ،‬والب عد عن عبادة ما سواه‪ ،‬وهذا هو الك فر‬ ‫سكَ‬ ‫اسهَتمْ َ‬ ‫ّهه فَ َقدِ ْ‬ ‫ُوته َويُؤْمِن بِالل ِ‬ ‫َنه َيكْ ُف ْر بِالطّاغ ِ‬ ‫بالطاغوت‪ ،‬واليمان بال‪ ،‬الذي قال ال تعالى فيهه" { َفم ْ‬ ‫ل ان ِفصَامَ َلهَا} (‪.)84‬‬ ‫بِا ْلعُرْ َوةِ ا ْل ُوثْ َقىَ َ‬ ‫والطاغوت‪ :‬كل ما عبد من دون ال‪ -‬كما قال مالك رحمه ال‪ )85(-‬سواء كان من البشر‪ ،‬أو من‬ ‫الحجر‪ ،‬أو الشجر‪ ،‬أو الحيوان‪ ،‬أو الضرحة والعتبات‪.‬‬ ‫والك فر به‪ :‬البتعاد عن عبادته‪ ،‬التي هي طلب البركات م نه‪ ،‬أو الشفاعات‪ ،‬أو دفع البليات‪ ،‬أو‬ ‫إنالة الحاجات‪ ،‬أو التوجه إليه بالدعاء‪ ،‬ولبد من بغضه وعداوته‪ ،‬وعداوة عابديه ومقاطعتهم‪ ،‬والتبري‬ ‫ن حَادّ اللّ هَ َورَسُوَلهُ وَلَ ْو كَانُوا‬ ‫ن مَ ْ‬ ‫ن بِاللّ هِ وَا ْليَوْ ِم الخِرِ ُيوَادّو َ‬ ‫جدُ قَ ْومًا ُي ْؤ ِمنُو َ‬ ‫منهم؛ لقول ال تعالى‪ {:‬ل َت ِ‬ ‫عشِيرَ َت ُهمْ} (‪.)86‬‬ ‫خوَا َنهُمْ َأوْ َ‬ ‫آبَاء ُهمْ َأوْ َأ ْبنَاء ُهمْ َأوْ ِإ ْ‬ ‫واليمان بال‪-‬تعالى‪ -‬ههو‪ :‬إفراده بالعبادة‪ ،‬التهي تتضمهن غايهة الحهب ومنتهاه مهع غايهة الذل‬ ‫وأقصاه‪ ،‬والنقياد لمره والتسليم له‪.‬‬ ‫ص ‪36‬‬ ‫وهذا ههو حقيقهة شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬كمها قال ‪ -‬صهلى ال عليهه وسهلم – لوفهد عبهد‬ ‫القيس‪":‬آمركم باليمان بال وحده‪ ،‬أتدرون ما اليمان بال وحده؟" قالوا‪ :‬ال ورسوله اعلم‪ ،‬قال‪" :‬شهادة‬ ‫أن ل إله إل ال …" الخ(‪.)87‬‬ ‫س َتغْ ِفرْ ِلذَنبِ كَ وَلِ ْل ُم ْؤ ِمنِي نَ} (‪ ،)88‬أ خذ البخاري‪ -‬رح مه‬ ‫وقال‪-‬تعالى‪{ :-‬فَاعْلَ مْ َأنّ ُه ل إَِل َه ِإلّ اللّ هُ وَا ْ‬ ‫ال‪ -‬من هذه الية وجوب العلم قبل العمل‪ ،‬فقال‪ :‬باب العلم قبل القول والعمل؛ لقول ال تعالى‪{ :‬فَاعْلَ مْ‬ ‫ل اللّهُ} (‪.)89‬‬ ‫َأنّ ُه ل إَِلهَ ِإ ّ‬ ‫فالعلم بمعنى هذه الشهادة التي لبد لكل داخل في دين السلم أن يشهد بها هو اليمان المطلوب‬ ‫من العباد‪ ،‬وهو معرفة حق ال على عباده‪ ،‬الذي ل يجوز الخلل بشيء منه‪ ،‬وإل استحقوا عذابه‪.‬‬ ‫و أما معنى شهادة أن محمدا رسول ال‪ ،‬فهو‪ :‬العلم اليقيني بأنه رسول من ال كلفه إبلغ العباد‬ ‫أوامر ال ونواهيه‪ ،‬وطاعته في كل ما أمر به‪ ،‬واجتناب ما نهاهم عنه‪ ،‬وأن ل يعبد ال إل بما جاء به‪،‬‬ ‫وأن كل من سلك طريقا غير سنته فمصيره إلى النار‪ ،‬وأنه بلغ العباد ما أرسل به‪ ،‬وبين لهم دينهم أتم‬ ‫بيان‪ ،‬وأنه عبد ال أكرمه بالرسالة‪ ،‬وليس له من العبادة شيء‪ ،‬بل العبادة كلها ل تعالى‪.‬‬ ‫‪)(84‬الية ‪256‬من سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪)(85‬قال ابن جرير‪ " :‬الطاغوت‪ :‬كل ذي طغيان على ال لمن عبده من دونه‪ ،‬إما بقهره لمن عبده أو‬ ‫بطاعة من العباد له‪ ،‬إنساناً كان ذلك المعبود‪ ،‬أو شيطاناً‪ ،‬أو وثناً‪ ،‬أو صنماً‪ ،‬أو كائنًا ما كان من أي شيء"‬ ‫انظر "تفسير الطبري" (‪ )5/419‬تحقيق ‪ :‬أحمد ومحمود شاكر‪.‬‬ ‫‪)(86‬الية ‪ 22‬من سورة المجادلة‪.‬‬ ‫‪ )(87‬انظر‪" :‬الفتح" (‪ ،)1/129‬و"مسلم بشرح النووي" (‪.)1/188‬‬ ‫‪ )(88‬الية ‪19‬من سورة محمد‪.‬‬ ‫‪ )(89‬انظر‪" :‬الفتح" (‪.)1/159‬‬ ‫‪25‬‬

‫وهاتان الشهادتان متلزمتان‪ ،‬ل تقبهل إحداهمها دون الخرى‪ ،‬فمهن شههد أن ل إله إل ال‪ ،‬ولم‬ ‫يشرك به شيئا‪ ،‬ولم يش هد أن محمدا ر سول ال‪ ،‬ف هو كا فر بال وخالد في النار‪ ،‬وإن جاء بعبادة أ هل‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫ومن شهد أن محمدا رسول ال‪ ،‬وأشرك بال شيئا شركا كبيرا‪ ،‬فهو كافر خالد في النار‪ ،‬فل بد‬ ‫من اجتماع هاتين الشهادتين في العبد حتى يكون موحدا‪.‬‬ ‫و أ ما مجرد الن طق بشهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن محمدا ر سول ال‪ ،‬مع عبادة غ ير ال‪ ،‬وتعلق‬ ‫القلب بمن يعتقدهم أولياء‪ ،‬وطلب الحاجات منهم التي ل يقدر عليها إل ال‪ ،‬ومع مخالفة أوامر رسول‬ ‫ال – صلى ال عليه وسلم‪ -‬وارتكاب ما نهى عنه‪ ،‬فإن ذلك ل يفيد شيئا‪ ،‬ول يكون النسان به مسلما‪.‬‬ ‫ص ‪37‬‬ ‫قال النووي‪ -‬رحمه ال‪" :-‬واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء‪ ،‬والمتكلمين على أن المؤمن‬ ‫الذي يح كم بأ نه من أ هل القبلة‪ ،‬ول يخلد في النار‪ ،‬ل يكون إل من اعت قد بقل به د ين ال سلم‪ ،‬اعتقادا‬ ‫جازما خاليا من الشكوك‪ ،‬ون طق مع ذلك بالشهادت ين‪ ،‬فإن اقت صر على أحده ما لم ي كن من أ هل القبلة‬ ‫أصلً‪ ،‬بل يخلد في النار‪ ،‬إل أن يعجز عن النطق لخلل في لسانه"(‪.)90‬‬ ‫وهذه الشهادة أيضا تتضمن اليمان بأسماء ال وصفاته؛ لن ذلك من عبادة ال التي تعبد الخلق‬ ‫بها‪.‬‬ ‫وهذا الحد يث دل يل ظا هر على أن التوح يد الذي هو إخلص العبادة ل وحده‪ ،‬والب عد عن عبادة‬ ‫ما سواه‪ ،‬واليمان بأسمائه وصفاته‪ ،‬كما جاء في وحيه إلى رسله‪ ،‬هو أول واجب على العباد‪.‬‬ ‫ل كما يقول أهل الكلم‪ ،‬من المعتزلة‪ ،‬والشعرية‪ ،‬وغيرهم‪ :‬إن أول ما يجب على العبد‪ :‬النظر‬ ‫فهي الدلة العقليهة على وجود ال تعالى‪ ،‬أو القصهد إلى النظهر أو الشهك‪ ،‬فهذا الحديهث وأمثاله مهن‬ ‫نصوص الكتاب والسنة يبطل هذا الزعم الخاطيء‪.‬‬ ‫"وذلك أن أصهل العلم اللههي ومبدأه‪ ،‬ههو اليمان بال ورسهوله‪ ،‬والهتداء بوحيهه‪ ،‬كمها قال –‬ ‫سمِيعٌ‬ ‫ت فَِإ ّنمَا َأضِلّ عَلَى نَفْ سِي وَِإ نِ ا ْه َت َديْ تُ َف ِبمَا يُوحِي إَِليّ َربّي ِإنّ هُ َ‬ ‫تعالى ‪ُ { :-‬يعِي ُد {‪}49‬قُلْ إِن ضَلَلْ ُ‬ ‫حيْنَا إَِليْ كَ رُوحًا مّ نْ َأ ْمرِنَا مَا كُن تَ َت ْدرِي مَا ا ْل ِكتَا بُ وَل‬ ‫قَرِي بٌ} (‪ .)91‬وق هال تعال هى ‪َ { :-‬و َكذَلِ كَ َأ ْو َ‬ ‫عبَا ِدنَا}‬ ‫ن ّنشَاء مِنْ ِ‬ ‫جعَ ْلنَا ُه نُورًا ّن ْهدِي بِ ِه مَ ْ‬ ‫الِيمَانُ وََلكِن َ‬

‫(‪)92‬‬

‫‪" )(90‬شرح النووي للبخاري" (ص ‪ ،)113‬ول بد مع اعتقاد القلب ‪ ،‬ونطق اللسان ‪ ،‬من العمل مع‬ ‫التمكن ‪ ،‬فلبد من إقام الصلة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وصوم رمضان ‪ ،‬وحج البيت لمن استطاع ‪ ،‬وغير ذلك‬ ‫من الواجبات‪.‬‬ ‫‪ )(91‬الية ‪ 50‬من سورة سبأ ‪.‬‬ ‫‪ )(92‬الية ‪ 52‬من سورة الشورى ‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫ص ‪38‬‬ ‫وقال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ ":-‬أمرت أن أقاتل الناس‪ ،‬حتى يشهدوا أن ل إله إل ال وأن محمدا‬ ‫رسول ال‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم‪ ،‬إل بحقها"‪.‬‬

‫(‪)93‬‬

‫ولهذا ابتدأ البخاري – رحمهه ال تعالى – "صهحيحه" ببدء الوحهي ونزوله‪ ،‬الذي يحصهل بهه‬ ‫الهدى‪ ،‬والنور‪ ،‬ثم أتب عه بكتاب اليمان‪ ،‬الذي هو القرار بالو حي والنقياد له‪ ،‬ثم اتب عه كتاب العل هم‬ ‫الذي هو معرفة ما جاء به الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬وفقهه‪ ،‬فهذا هو الترتيب الحقيقي‪.‬‬ ‫والمطلع على أقوال أ هل الكلم يع جب م ما جعلوه أ صل الد ين ال سلمي‪ ،‬وبنوا عل يه أن من لم‬ ‫يعرفه فليس بمسلم‪.‬‬ ‫قال القرطبي‪ ":‬لو لم يكن في الكلم إل مسألتان‪ ،‬هما من مبادئه‪ ،‬لكان حقيقا بالذم‪.‬‬ ‫إحداهما‪ :‬قول بعضهم‪ :‬إن أول واجب‪ :‬الشك إذ هو اللزم لوجوب النظر‪ ،‬أو القصد إلى النظر‪.‬‬ ‫والثانية‪ :‬قول جماعة منهم‪ :‬من لم يعرف ال بالطرق التي رتبها أهل الكلم‪ ،‬لم يصح إيمانه‪.‬‬ ‫والقائل بهات ين الم سألتين كا فر؛ لجعله ال شك في ال – تعالى – واجبا‪ ،‬ومع ظم الم سلمين كفارا‪،‬‬ ‫ح تى يد خل في عموم كل مه ال سلف ال صالح‪ ،‬من ال صحابة والتابع ين‪ ،‬وهذا معلوم الف ساد من الد ين‬ ‫بالضرورة‪ ،‬وإل فل يوجد في الشرعيات ضروري"(‪.)94‬‬ ‫وقال الغزالي‪ ":‬أسرفت طائفة فكفروا عوام المسلمين‪ ،‬وزعموا أن من لم يعرف العقائد الشرعية‬ ‫بالدلة التي حرروها فهو كافر‪ ،‬فضيقوا رحمة ال الواسعة‪ ،‬وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة يسيرة من‬ ‫المتكلمين"(‪.)95‬‬ ‫ص ‪39‬‬ ‫وقوله‪ " :‬فإذا عرفوا ذلك‪ ،‬فأخبرهم أن ال فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم"‪.‬‬ ‫أي إذا عرفوا توح يد ال‪ ،‬وعملوا به‪ ،‬بأن أخل صوا عبادت هم ل وحده‪ ،‬واجتنبوا عبادة كل معبود‬ ‫سهواه‪ ،‬عنهد ذلك يخهبرون بفرائض السهلم‪ ،‬ويؤمرون بهها‪ ،‬وأعظمهها – بعهد التوحيهد – الصهلوات‬ ‫الخمس‪.‬‬ ‫وفي هذا دليل على أنه ل يجب على العبد من الصلة غير الخمس المذكورة‪.‬‬ ‫ومعلوم أن بعث معاذ إلى اليمن في آخر حياة الرسول – صلى ال عليه وسلم‪ -‬كما سبق‪.‬‬

‫‪ )(93‬رواه البخاري ومسلم من حديث عبد ال بن عمر ‪" ،‬الفتح" (‪ ، )1/75‬وانظر‪" :‬مسلم بشرح النووي"‬ ‫(‪ ،)1/212‬وروى من حديث جماعة من الصحابة في "الصحيحين" وغيرهما‪.‬‬ ‫‪ )(94‬من " الفتح" (‪ )13/350‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪ )(95‬نفس المصدر ‪ )13/349( ،‬بتصرف أيضاً ‪.‬‬ ‫‪27‬‬

‫ك ما ف يه‪ :‬أ نه ي جب على إمام الم سلمين ب عث الدعاة إلى توح يد ال تعالى‪ ،‬وتعل يم الناس شرائع‬ ‫السلم‪ ،‬وأمرهم بالتزامها‪ ،‬وجباية الزكاة‪ ،‬ودفعها إلى مستحقيها‪ ،‬الذين ذكرهم ال تعالى بقوله‪ِ{ :‬إ ّنمَا‬ ‫الصّ َدقَاتُ لِلْ ُف َقرَاء وَا ْل َمسَاكِينِ} الية (‪.)96‬‬ ‫وفيه‪ :‬أن النسان ل يصير مسلما إل إذا وحد ال ‪-‬تعالى – بالعبادة‪ ،‬بأن ل يقصد بعبادته غير‬ ‫ال‪ ،‬بهل تكون عبادتهه كلهها ل وحده‪ ،‬وهذا ههو معنهى شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وأمها معنهى شهادة أن‬ ‫محمدا رسول ال هو‪ :‬أن يعبد ال بما جاء به الرسول‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬واليمان بأن ال أوحى‬ ‫إليه أوامره‪ ،‬ونواهيه‪ ،‬وكلفه إبلغ الثقلين ذلك‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أن أي تعبد يتعبد به العبد غير معتبر‪ ،‬ول معتد به بدون التوحيد‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أن أخذ خيار المال في الزكاة ظلم يجب اجتنابه‪.‬‬ ‫وق صد البخاري – رح مه ال – بيان أن ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬قد ب ين للناس التوح يد‬ ‫بأنواعه‪ ،‬وأنه أول واجب‪ ،‬وأول ما يدعى إليه‪ ،‬فل حاجة بعد بيانه إلى بيان أحد من الناس‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬ ‫قال شيخ السلم‪ ":‬وقد علم بالضطرار من دين الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬واتفقت عليه‬ ‫المة‪ ،‬أن أصل السلم‪ ،‬وأول ما يؤمر به الخلق شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال‪ ،‬فبذلك‬ ‫يصير الكافر مسلما‪ ،‬والعدو وليا‪ ،‬والمباح دمه وماله معصوم الدم والمال‪ ،‬ثم إن كان ذلك من قلبه فقد‬ ‫دخل في اليمان‪.‬‬ ‫ص ‪40‬‬ ‫و إن قال بل سانه دون قل به‪ ،‬ف هو في ظا هر ال سلم‪ ،‬دون با طن اليمان "‬

‫(‪97‬‬

‫والبخاري – رح مه‬

‫ال – فهي بدئه كتاب التوح يد بهذا الحد يث‪ ،‬يشيهر إلى الرد على المتكلم ين الذ ين جعلوا عمدت هم‪ ،‬في‬ ‫إثبات ما يثبتون‪ ،‬ونفي ما ينفون‪ :‬العقل‪.‬‬ ‫فهذا الحديث دل على أن أول ما يجب على العبد‪ :‬عبادة ربه تعالى بامتثال أوامره‪ ،‬واجتناب ما‬ ‫نههى عنهه‪ ،‬وأن المقصهود مهن الدعوة‪ :‬وصهول العباد إلى مها خلقوا بهه‪ ،‬مهن عبادة ال تعالى وحده ل‬ ‫شريك له‪.‬‬ ‫ول سبيل إلى ذلك إل باتباع الوحي الذي جاء به محمد –صلى ال عليه وسلم‪ -‬فيجب أن يتبع‪،‬‬ ‫وأن يكون هو ال صل المعول عل يه فهي معر فة عبادة ال‪ ،‬واليمان به‪ ،‬وبر سله‪ ،‬وملئك ته‪ ،‬وكت به‪،‬‬ ‫واليوم ال خر‪ ،‬واليمان بأ سمائه و صفاته وعباد ته ب ها‪ ،‬خلفا لطري قة المتكلم ين‪ ،‬الذ ين جعلوا عمدت هم‬ ‫عقولهم في إثبات وجود ال تعالى‪ ،‬بناء على حدوث الكون‪ ،‬ثم إثبات صفاته نفيا وإثباتا بالقياس العقلي‪،‬‬ ‫ثم إثبات النبوات‪ ،‬ثم بعد ذلك يتكلمون في السمعيات‪.‬‬

‫‪ )(96‬الية ‪ 60‬من سورة التوبة ‪.‬‬ ‫ل من "تيسير العزيز الحميد" (ص ‪.)101‬‬ ‫‪ )(97‬نق ً‬ ‫‪28‬‬

‫وهذه طريقة المعتزلة‪ ،‬والكرامية‪ ،‬والكلبية‪ ،‬والشعرية‪ ،‬غير أن الشعرية سلكوا هذه الطريقة‬ ‫في الصول العتقادية العلمية‪ ،‬دون العملية‪.‬‬ ‫و أمها المعتزلة فلم يفرقوا بيهن العقيدة والعمهل فهي القياس العقلي‪ ،‬حتهى إنههم ينظرون إلى القدر‬ ‫المشترك في الفعال بين الرب والعباد‪ ،‬فما كان حسنا من العباد في نظرهم‪ ،‬فهو عندهم حسن من ال‬ ‫تعالى‪ ،‬و ما كان قبيحا من هم‪ ،‬ف هو من ال تعالى قب يح‪ ،‬ولهذا سماهم أ هل ال سنة‪ :‬مشب هة الفعال‪ ،‬نفاة‬ ‫الصفات‪.‬‬ ‫ص ‪41‬‬ ‫‪"-3‬حدثنا محمد بن بشار‪ ،‬حدثنا غندر‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن أبي حصين‪ ،‬والشعث بن سليم‪ ،‬سمعا‬ ‫السود بن هلل‪ ،‬عن معاذ بن جبل – رضي ال عنه – قال‪ :‬قال رسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم‪" :-‬‬ ‫يا معاذ‪ ،‬أتدري ما حق ال على العباد؟" قال‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ " :‬أن يعبدوه‪ ،‬ول يشركوا به شيئا‬ ‫أتدري ما حقهم عليه؟" قال‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ ":‬أن ل يعذبهم "‪.‬‬ ‫جاء بصيغة الستفهام ليكون أوقع في النفس‪ ،‬وأبلغ في التعليم؛ لن النسان إذا سئل عن شيء‬ ‫ل يعلمه‪ ،‬ثم أخبر به بعد المتحان بالسؤال صار ذلك أدعى لفهمه وحفظه‪.‬‬ ‫وهذا من ح سن تعلي مه‪ ،‬وإرشاده – صلى ال عل يه و سلم‪ ،-‬وهذا ال سلوب ورد ع نه – صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ -‬كثيرا‪.‬‬ ‫يقال‪ :‬درى يدري دراية‪ :‬إذا عرف‪ ،‬فالدراية هي المعرفة‪.‬‬ ‫و"ال حق"‪ :‬كل موجود متح قق‪ ،‬أو ما سيوجد ل محالة‪ ،‬ويقال للكلم ال صدق‪ :‬حق؛ لن وقو عه‬ ‫متحقق‪ ،‬ل تردد فيه‪ ،‬ولنه مطابق للواقع‪ ،‬وكذا المستحق على الغير‪ ،‬إذا كان ل تردد فيه‪ ،‬فهو حق‪.‬‬ ‫والمراد هنها " مها يسهتحقه ال تعالى على عباده‪ ،‬ممها جعله متحتما عليههم‪ ،‬وألزمههم إياه‬ ‫بخطابه"(‪.)98‬‬ ‫فحقهه تعالى على عباده‪ :‬أن يعبدوه‪ ،‬مخلصهين له العبادة‪ ،‬ممتثليهن مها أمرههم بهه وأوجبهه‬ ‫علي هم‪،‬وأعظ مه التوح يد‪ ،‬ومجت نبين ما نها هم ع نه‪ ،‬وحر مه علي هم‪ ،‬وأعظ مه الشرك‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك‪،‬‬ ‫فحقهم عليه أن يغفر لهم‪ ،‬ول يعذبهم‪ ،‬وأن يدخلهم الجنة‪ ،‬وقد وعدهم ذلك‪ ،‬ووعده حق ل يخلف‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬ال ور سوله أعلم" يؤ خذ م نه ح سن الدب في التعلم‪ ،‬وأ نه ل ينب غي ل من سئل ع ما ل‬ ‫يعلمه أن يتكلف الجواب بدون يقين‪ ،‬ولكن يكل العلم إلى عالمه‪.‬‬ ‫" ذكر يعقوب بن سفيان بإسناده‪ ،‬عن ربيعة قال‪ :‬قال ابن خلدة‪ :‬إذا جاءك الرجل يسألك‪ ،‬فل‬ ‫يكن همك أن تخرجه مما وقع فيه‪ ،‬وليكن همك أن تتخلص مما‬ ‫ص ‪42‬‬ ‫‪" )(98‬فتح الباري" (‪.)11/339‬‬ ‫‪29‬‬

‫سألك عنه"(‪.)99‬‬ ‫قوله‪ " :‬أن يعبدوه‪ ،‬ول يشركوا به شيئا " المراد بالعبادة‪ :‬فعل الطاعات‪ ،‬واجتناب المعاصي‪.‬‬ ‫والعبادة في اللغة هي‪ :‬الذل‪ ،‬والخضوع‪.‬‬ ‫قال الزهري‪ " :‬معنى العبادة في اللغة‪ :‬الطاعة مع الخضوع‪ ،‬يقال‪ :‬طريق معبد‪ ،‬إذا كان مذللً‬ ‫بكثرة الوطء وبعير معبد إذا كان مطليا بالقطران"(‪.)100‬‬ ‫وقال الجوهري‪ " :‬أصل العبودية‪ :‬الخضوع والذلة‪ ،‬والتعبيد‪ :‬التذليل‪ ،‬والعبادة‪ :‬الطاعة‪ ،‬والتعبد‪:‬‬ ‫النسك"(‪.)101‬‬ ‫وأ ما العبادة الشرع ية ف قد قال ش يخ ال سلم ا بن تيم ية‪ ":‬العبادة‪ :‬ا سم جا مع ل كل ما يح به ال‬ ‫ويرضاه‪ ،‬من القوال والعمال الباطنة والظاهرة"(‪.)102‬‬ ‫وقيهل‪ :‬ههي كمال الحهب مهع كمال الخضوع؛ لن الحهب الكامهل مهع الذل التام يتضمهن طاعهة‬ ‫المحبوب‪ ،‬والنقياد له‪ ،‬فالعبد هو الذي ذل الحب والخضوع لمحبوبه‪ ،‬فطاعة العبد لربه تكون بحسب‬ ‫محبته وذله له‪.‬‬ ‫وعطف على العبادة عدم الشرك؛ لن العبادة ل تنفع عند ال ول تعتبر إل إذا كانت خالصة من‬ ‫الشرك‪.‬‬ ‫والمشركون كانوا يعبدون ال‪ ،‬ويعبدون معهه غيره‪ ،‬ولهذا اشترط نفهي الشرك‪ .‬والجملة حاليهة‪،‬‬ ‫والتقدير‪ :‬يعبدونه في حال عدم الشراك به‪.‬‬ ‫قال ابن حبان‪ :‬عبادة ال‪ :‬إقرار باللسان‪ ،‬وتصديق بالقلب‪ ،‬وعمل بالجوارح‪.‬‬ ‫ولهذا قال في الجواب‪ ":‬فما حق العباد إذا فعلوا ذلك؟ فعبر بالفعل‪ ،‬ولم يعبر بالقول"(‪.)103‬‬ ‫ص ‪43‬‬ ‫قوله‪ " :‬أتدري ما حقهم عليه؟" فسره بقوله‪ ":‬أن ل يعذبهم"‪.‬‬ ‫وفي الرواية الخرى‪ ":‬أن ل يعذب من ل يشرك به شيئا"(‪ ،)104‬والتقدير‪ :‬أن ل يعذب من يعبده‪،‬‬ ‫ول يشرك به شيئا؛ لن عدم الشرك مع عدم العبادة ل ينفع‪ ،‬وهذا معلوم من نصوص الشرع‪.‬‬ ‫قال الحافهظ‪ " :‬اقتصهر على نفهي الشرك؛ لنهه يسهتدعي التوحيهد بالقتضاء‪ ،‬ويسهتدعي إثبات‬ ‫الرسهالة باللزوم‪ ،‬إذ مهن كذب رسهول ال فقهد كذب ال‪ ،‬ومهن كذب ال فههو مشرك‪ ،‬أو ههو مثهل قول‬

‫‪" )(99‬تهذيب التهذيب" (‪.)7/443‬‬ ‫‪ " )(100‬تهذيب اللغة" (‪.)2/234‬‬ ‫‪" )(101‬الصحاح" (‪ ، )2/503‬هذا متفق عليه كتب اللغة ‪.‬‬ ‫‪ )(102‬انظر أول فقرة من رسالة العبودية ‪.‬‬ ‫‪" )(103‬فتح الباري" (‪.)11/339‬‬ ‫‪ )(104‬انظر ‪ " :‬الفتح" (‪.)6/58‬‬ ‫‪30‬‬

‫القائل‪ :‬من توضأ صحت صلته‪ ،‬أي مع سائر الشروط‪ ،‬فالمراد‪ :‬من مات حال كونه مؤمنا بجميع ما‬ ‫يجب اليمان به"(‪.)105‬‬ ‫وحهق العباد على ال تعالى ههو مهن فضله وكرمهه‪ ،‬وليهس اسهتحقاق عوض وجزاء‪ ،‬كمها تقول‬ ‫المعتزلة‪.‬‬ ‫والناس في هذه المسألة ثلث فرق‪:‬‬ ‫منهم " من يقول‪ :‬للمخلوق على ال حق يعلم بالعقل‪.‬‬ ‫فهم يقيسون الخالق تعالى على المخلوق – كما تقدمت الشارة إليه ‪.-‬‬ ‫ومنههم مهن يقول‪ :‬ل حهق للمخلوق على ال تعالى بحال‪ ،‬ولكهن يعلم مها يفعله بعبده بحكهم وعده‬ ‫وخبره‪.‬وهذا قول أتباع جهم‪ ،‬وبعض من ينتسب إلى السنة‪.‬‬ ‫ومنهم من يقول‪ :‬بل أوجب ال تعالى على نفسه حقا لعباده المؤمنين‪ ،‬كما حرم الظلم على نفسه‪،‬‬ ‫ولم يوجب ذلك عليه مخلوق‪.‬‬ ‫ص ‪44‬‬ ‫ول يقاس بمخلوقا ته تعالى‪ ،‬بل هو برحم ته‪ ،‬وحكم ته‪ ،‬وعدله‪ ،‬ك تب على نف سه الرح مة‪ ،‬وحرم‬ ‫على نف سه الظلم‪ ،‬ك ما في الحد يث الذي في " صحيح م سلم" وغيره‬

‫(‪)106‬‬

‫" يا عبادي‪ ،‬إ ني حر مت الظلم‬

‫على نفسي‪ ،‬وجعلته بينكم محرما‪ ،‬فل تظالموا"‪.‬‬ ‫صرُ ا ْلمُ ْؤ ِمنِي نَ}‬ ‫ن حَقّا عََل ْينَا نَ ْ‬ ‫ب َربّكُمْ عَلَى نَفْسِ ِه ال ّرحْمَةَ} (‪ ،)107‬وقال تعالى‪َ { :‬وكَا َ‬ ‫وقال تعالى‪َ { :‬كتَ َ‬ ‫(‪.)108‬‬ ‫فمهن قال‪ :‬ليهس للمخلوق على ربهه حهق‪ ،‬فههو صهحيح‪ ،‬إذا أراد أنهه ليهس عليهه حهق بالعتبار‬ ‫والقياس على خلقهه‪ ،‬كمها يجهب للمخلوق على مثله‪ ،‬وكمها يظهن جهال العباد أن لههم على ال حقا‬ ‫بعبادت هم؛ لن النفوس الجاهلة تتخيل أن الن سان بعباد ته وعل مه ي صير له على ال حق‪ ،‬من جنس ما‬ ‫ي صير للمخلوق على المخلوق(‪ ،)109‬ك من يط يع سيده ورئي سه فيجل به له منف عة‪ ،‬أو يد فع ع نه مضرة‪،‬‬ ‫ويبقى يتقاضى العوض‪ ،‬والمجازاة على ذلك‪ ،‬ويقول عند الجفاء والعراض‪ :‬ألم أفعل كذا؟ يمن عليه‬ ‫ب ما ف عل م عه‪ ،‬وإن لم يقله بل سانه‪ ،‬كان ذلك في قل به‪ ،‬وتخ يل م ثل هذا في حق ال من ج هل الن سان‬ ‫وظلمه‪.‬‬ ‫‪" )(105‬فتح الباري" (‪.)1/228‬‬ ‫‪ )(106‬انظر ‪ " :‬صحيح مسلم" (‪ )4/1994‬الحديث رقم (‪.)2577‬‬ ‫‪ )(107‬الية ‪ 54‬من سورة النعام ‪.‬‬ ‫‪ )(108‬الية ‪ 47‬من سورة الروم ‪.‬‬ ‫‪ )(109‬ولهذا نجد الجهال وأنصاف المتعلمين يلهجون إلى ال تعالى بسؤاله بحق فلن وفلن ‪ ،‬ويعتقدون أن‬ ‫هذا أقرب إلى حصول مطلوبهم ‪ ،‬وهو من جهل النسان بربه ‪ ،‬وعدم تقديره حق قدره ‪ ،‬وأكثر ما يقع‬ ‫الشرك في المسلمين من هذا الباب ‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫ولهذا بين ال تعالى أن عمل النسان يعود نفعه عليه‪ ،‬وأن ال غني عن الخلق‪.‬‬ ‫ي كَرِيمٌ}‬ ‫غ ِن ّ‬ ‫ش ُكرُ ِلنَ ْفسِهِ َومَن كَ َفرَ َفإِنّ َربّي َ‬ ‫ش َكرَ َفإِ ّنمَا َي ْ‬ ‫قال – تعالى ‪َ { :-‬ومَن َ‬

‫(‪)110‬‬

‫ص ‪45‬‬ ‫لمٍ لّ ْل َعبِيدِ} (‪.)111‬‬ ‫ن َأسَاء َفعََل ْيهَا َومَا رَ ّبكَ ِبظَ ّ‬ ‫ل صَالِحًا فَِلنَ ْفسِهِ َومَ ْ‬ ‫عمِ َ‬ ‫وقال –تعالى‪{ :-‬مَنْ َ‬ ‫ومن قال‪ :‬للمخلوق على ال حق‪ ،‬فهو صحيح‪ ،‬إذا أراد به الحق الذي أخبر ال بوقوعه‪ ،‬فإن ال‬ ‫ل يخلف الميعاد‪ ،‬وهو الذي أوجبه على نفسه بحكمته وفضله ورحمته"(‪.)112‬‬ ‫وهذا القول‪ :‬هو ال حق الذي دلت عل يه ن صوص الكتاب وال سنة‪ ،‬وأ ما القول الول ف هو ضلل‬ ‫بين‪ ،‬حيث لم يفرق قائله بين ما يجب على الخالق – تعالى – وما يجب على المخلوق‪.‬‬ ‫"والفروق بين الخالق والمخلوق ل تخفى إل على من عميت بصيرته"‬ ‫منهها‪ :‬أن الرب‪ -‬تعالى – غنهى بنفسهه عهن كهل مها سهواه‪ ،‬ويمتنهع أن يكون محتاجا إلى غيره‪،‬‬ ‫بوجه من الوجوه‪ ،‬وأما الخلق فسادتهم وملوكهم ومن دونهم محتاجون إلى غيرهم‪ ،‬حاجة ضرورية‪.‬‬ ‫ومن ها‪ :‬أن الرب – تعالى – وإن كان ي حب العمال ال صالحة‪ ،‬ويفرح بتو بة التائب ين‪ ،‬ف هو الذي‬ ‫يخلق ذلك‪ ،‬وييسره‪ ،‬فل يحصل ما يحبه ويرضاه إل بقدرته ومشيئته‪ ،‬والمخلوق كثيرا ما يحصل له ما‬ ‫يحبه بغير فعله بل بفعل غيره‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬أن الرب‪ -‬تعالى – أمر العباد بما يصلحهم‪ ،‬ونهاهم عما يفسدهم‪.‬‬ ‫قال قتادة‪ " :‬إن ال لم يأ مر العباد ب ما أمر هم به لحاج ته إلي هم‪ ،‬ول نها هم ع ما نها هم ع نه بخلً‬ ‫عليهم‪ ،‬بل أمر بما ينفعهم‪ ،‬ونهاهم عما يضرهم" بخلف المخلوق الذي يأمر غيره بما يحتاج إليه هو‪،‬‬ ‫وينهاه بخلً عليه‪.‬‬ ‫ومن ها‪ :‬أ نه – سبحانه – هو المن عم بإر سال الر سل‪ ،‬وإنزال الك تب‪ ،‬و هو المن عم بإيجاد القدرة‬ ‫والحواس‪ ،‬وغير ذلك مما يحصل به العلم والعمل الصالح‪ ،‬وهو الهادي لعباده‪ ،‬والمخلوق ل يقدر على‬ ‫شيء من ذلك‪.‬‬ ‫ص ‪46‬‬ ‫ومنها‪ :‬أن نعمه – تعالى – على عباده أعظم من أن تحصى‪ ،‬فلو قدر أن العبادة جزاء لنعمه لم‬ ‫نقم بشكر قليل منها‪ ،‬فكيف والعبادة من نعمه؟‬

‫‪ )(110‬الية ‪ 40‬من سورة النمل ‪.‬‬ ‫‪ )(111‬الية ‪ 46‬من سورة فصلت ‪.‬‬ ‫‪" )(112‬مجموع الفتاوى" (‪ )1/213‬بتصرف ‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫ومن ها‪ :‬أن العباد ل يزالون مق صرين في ح قه‪ ،‬محتاج ين إلى عفوه‪ ،‬ومغفر ته‪ ،‬فلن يد خل أ حد‬ ‫خ ُذ اللّ ُه النّا سَ بِمَا‬ ‫الج نة بعمله(‪ ،)113‬و ما من أ حد إل وله ذنوب يحتاج في ها إلى مغفرة ر به‪{ ،‬وَلَ ْو يُؤَا ِ‬ ‫ظهْرِهَا مِن دَابّةٍ} (‪.)114‬‬ ‫سبُوا مَا َت َركَ عَلَى َ‬ ‫َك َ‬ ‫فمن ظن أنه قائم بما يجب عليه‪ ،‬وأنه غير محتاج إلى مغفرة ربه وعفوه وهدايته وتوفيقه‪ ،‬فهو‬ ‫ضال"(‪.)115‬‬ ‫والمق صود من الحد يث ه نا‪ :‬بيان أن حق ال على عباده هو عباد ته – تعالى – الخال صة من‬ ‫الشرك‪ ،‬وهي‪ :‬طاعته بفعل ما أمر به‪ ،‬واجتناب ما نهى عنه‪ ،‬فل يخالف ما جاء عن ال‪ ،‬أو جاء عن‬ ‫رسوله‪ ،‬لغرض أو منفعة عاجلة أو آجلة‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫ومن ذلك – يعني حق ال على عباده‪ :-‬اتباع ما وصف ال به نفسه‪ ،‬أو وصفه به رسوله من‬ ‫غير تحريف‪ ،‬ول إلحاد فيه‪ ،‬ولهذا ترجم على هذا الحديث في كتاب الرقاق بقوله‪ :‬باب من جاهد نفسه‬ ‫في طاعة ال‪.‬‬ ‫ومراده‪ :‬أن الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬قد ب ين ما ي جب ل على عباده من عباد ته باتباع‬ ‫أمره‪ ،‬واجتناب نهيه‪ ،‬وعبادته بأسمائه وصفاته‪ ،‬وتنزيهه عن مشابهة المخلوق‪ ،‬وما يستحقه من فعل‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫ص ‪47‬‬ ‫‪"-4‬حدثنا إسماعيل‪ ،‬حدثني مالك‪ ،‬عن عبدالرحمن بن عبدال بن عبدالرحمن ابن أبي صعصعة‪،‬‬ ‫حدٌ} يرددها‪ ،‬فلما أصبح جاء‬ ‫عن أبيه‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري‪ ":‬أن رجلً سمع رجلً يقرأ {قُلْ ُهوَ اللّهُ َأ َ‬ ‫إلى النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬فذكر له ذلك‪ ،‬وكأن الرجل يتقالها‪ ،‬فقال رسول ال –صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ":-‬والذي نفسي بيده‪ ،‬إنها لتعدل ثلث القرآن "‪.‬‬ ‫زاد إسماعيل بن جعفر‪ ،‬عن مالك‪ ،‬عن عبدالرحمن‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي سعيد‪ :‬أخبرني أخي قتادة‬ ‫بن النعمان‪ ،‬عن النبي –صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫أبو سعيد الخدري هو‪ :‬سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن البجر –وهو خدرة‪ -‬الذي ينسب‬ ‫إليه‪ ،‬أنصاري خزرجي‪ ،‬بايع تحت الشجرة‪ ،‬وغزا مع رسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬غزوات عدة‪،‬‬ ‫وكان أبوه من شهداء أحد‪ .‬وأبو سعيد من علماء الصحابة وفقهائهم‪ ،‬والمكثرين الحديث عن رسول ال‬ ‫–صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬

‫‪ )(113‬في" صحيح مسلم" عن جابر‪ ،‬سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول‪ " :‬ل يدخل أحداً منكم عمله‬ ‫الجنة ول يجيره من النار ‪ ،‬ول أنا ‪ ،‬إل برحمة من ال" (‪ )4/2171‬رقم الحديث (‪ .)2817‬وأخرجه‬ ‫البخاري في عدة مواضع من "صحيحه" من حديث أبي هريرة وعائشة‪ .‬انظر ‪" :‬الفتح" (‪.)11/294‬‬ ‫‪ )(114‬الية ‪ 45‬من سورة فاطر ‪.‬‬ ‫‪" )(115‬مجموع الفتاوى" (‪.)1/216‬‬ ‫‪33‬‬

‫توفي رضي ال عنه سنة أربع وسبعين(‪.)116‬‬ ‫قوله‪ " :‬أن رجلً سمع رجلً" السامع هو أبو سعيد راوي الحديث‪ ،‬والقاريء هو قتادة‪ ،‬كما بينه‬ ‫البخاري بقوله‪" :‬زاد إسماعيل" الخ‪ .‬وقد جاء مصرحا به في مسند أحمد‪ ،‬ولفظه‪:‬‬ ‫حدٌ} فذكهر ذلك للنهبي‪-‬صهلى ال عليهه‬ ‫ّهه َأ َ‬ ‫"بات قتادة بهن النعمان يقرأ مهن الليهل كله {قُلْ ُهوَ الل ُ‬ ‫وسلم‪ ،-‬فقال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ ":-‬والذي نفسي بيده‪ :‬لتعدل نصف القرآن أو ثلثه"(‪.)117‬‬ ‫"وقتادة هو أخو أبي سعيد لمه‪ ،‬وكانا متجاورين في السكن"‬

‫(‪)118‬‬

‫قوله‪ " :‬وكأن الر جل يتقال ها" بتشد يد اللم‪ ،‬أي‪ :‬يعد ها قليلة بالن سبة إلى غير ها من سور القرآن‬ ‫"يقال"‪ :‬تقلل الشيهء واسهتقله وقاله‪ :‬إذا رآه قليلً‪ .‬والمراد أنهه رآهها قليلة فهي العمهل‪ ،‬ل أنهه عدهها‬ ‫ناقصة"(‪.)119‬‬ ‫ص ‪48‬‬ ‫قوله‪ " :‬والذي نف سي بيده" كان‪ -‬صلى ال عل يه و سلم‪ -‬كثيرا ما يحلف بهذه ال صيغة‪ ،‬و قد ذ كر‬ ‫البخاري‪ -‬رح مه ال – في اليمان والنذور في باب‪ :‬ك يف كا نت يم ين ال نبي‪ -‬صلى ال عل يه و سلم‪-‬‬ ‫عدة أحاديث بهذا اللفظ‪.‬‬ ‫وقد روى الطبراني‪ ،‬وابن ماجة‪ ،‬عن رفاعة بن عرابة‪ ":‬كان النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬إذا‬ ‫حلف قال‪ :‬والذي نفسي بيده"‪.‬‬ ‫وروى ابن أبي شيبة‪ ،‬عن أبي سعيد‪ :‬كان النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬إذا اجتهد في اليمين قال‪:‬‬ ‫" ل والذي نفس أبي القاسم بيده"‪ .‬ورواه ابن ماجه من وجه آخر‪ ،‬بلفظ‪" :‬كانت يمين رسول ال التي‬ ‫يحلف بها – أشهد عند ال‪ -‬والذي نفسي بيده"(‪.)120‬‬ ‫قلت‪ :‬وحديث أبي سعيد رواه أبو داود في "السنن"(‪.)121‬‬ ‫فقوله‪ " :‬والذي نف سي بيده" أي رو حي‪ ،‬وحيا تي ومو تي‪ ،‬يت صرف في ك يف يشاء‪ .‬و سيأتي‪ ،‬إن‬ ‫شاء ال تعالى – الكلم على صفة اليد‪ ،‬وأنها من صفات ال الثابتة قطعا‪ ،‬وأنها يد حقيقية تليق بعظمة‬ ‫الرب وقدره‪ ،‬تعالى وتقدس عن مشاب هة الخلق‪ ،‬و عن الظنون ال سيئة ال تي أوج بت ل صحابها تعط يل‬ ‫ال‪ -‬تعالى‪ -‬عن صفاته‪ ،‬ودعتهم إلى اللحاد في أسمائه وصفاته‪.‬‬

‫‪" )(116‬الصابة" (‪" ، )3/78‬أسد الغابة" (‪.)2/365‬‬ ‫‪" )(117‬المسند" (‪ ، )3/15‬وانظر‪" :‬الفتح الرباني" (‪.)18/346‬‬ ‫‪" )(118‬فتح الباري" (‪.)9/61‬‬ ‫‪" )(119‬المنهل العذب المورود" (‪.)8/113‬‬ ‫‪" )(120‬فتح الباري" (‪.)11/526‬‬ ‫‪ )(121‬انظر‪ :‬الحديث رقم (‪.)3264‬‬ ‫‪34‬‬

‫قوله‪ " :‬إنها لتعدل ثلث القرآن " عدل الشيء بفتح العين‪ :‬ما عادله من غير جنسه‪ ،‬والعدل بكسر‬ ‫الع ين‪ :‬الم ثل‪ ،‬تقول‪ :‬عندي عدل شا تك‪ ،‬أو عدل مالك‪ ،‬إذا كان عندك شاة م ثل شاة من تخاط به‪ ،‬ومال‬ ‫مثل ماله‪ ،‬فإن أردت ما يعادل ذلك من غير جنسه فتحت العين‪ ،‬ذكر ذلك بعض أهل اللغة‪.‬‬

‫(‪)122‬‬

‫ومعنهى كونهها تعدل ثلث القرآن‪ :‬أن القرآن أنزل على ثلثهة أقسهام‪ :‬ثلث منهه الحكام وبيان‬ ‫الحلل من الحرام‪.‬‬ ‫وثلث منه الوعد والوعيد‪ ،‬والجزاء‪ ،‬وما وقع بمن كذب ال ورسله‪ ،‬وما سيقع بهم في الخرة‪،‬‬ ‫وكذا من أطاعه‪.‬‬ ‫ص ‪49‬‬ ‫وثلث م نه في أ سماء ال تعالى و صفاته‪ .‬وهذه ال سورة خال صة في ال سماء وال صفات‪ ،‬قاله أ بو‬ ‫العباس ابن سريج‪ ،‬وغيره من السلف‪.‬‬ ‫واعتراض ابهن عبدالبر على هذا‪ :‬بأن فهي القرآن آيات كثيرة اشتملت على أكثهر ممها فهي هذه‬ ‫السورة من التوحيد‪ ،‬كآية الكرسي‪ ،‬وآخر سورة الحشر‪ ،‬وأول سورة الحديد‪ ،‬قد أجاب عنه القرطبي‬ ‫في شرحه لمسلم‪ :‬بأن سورة الخلص قد اشتملت على اسمين من أسماء ال متضمنين جميع أوصاف‬ ‫الكمال‪ ،‬ولم يوجدا في غيرها من السور‪ ،‬وهما "الحد" و"الصمد"‪.‬‬ ‫" والقرآن باعتبار معان يه ثل ثة أق سام‪ :‬توح يد‪ ،‬وق صص‪ ،‬وأ مر ون هي‪ ،‬وكله كلم ال تعالى‪،‬‬ ‫والكلم إما إنشاء‪ ،‬وإما إخبار‪.‬‬ ‫فالنشاء‪ :‬هو المر والنهي‪ ،‬وما يتبع ذلك كالباحة‪.‬‬ ‫والخبار‪ :‬أ ما عن الخالق – تعالى ‪ ،-‬أو عن المخلوق‪ ،‬فالخبار عن الخالق هو التوح يد و ما‬ ‫يتضمنه من أسماء ال وصفاته‪.‬‬ ‫والخبار عن المخلوق‪ ،‬هو القصص‪ ،‬وهو الخبر عما كان‪ ،‬وما يكون‪.‬‬ ‫حدٌ} هي صفة الرحمن خالصة لذلك‪ ،‬وبهذا العتبار عدلت ثلث القرآن؛ لما فيها‬ ‫و{قُلْ هُ َو اللّ هُ َأ َ‬ ‫من التوحيد‪ ،‬الذي هو ثلث معاني القرآن‪ ،‬وليس معنى ذلك أنه يكتفي بها عن سائر القرآن‪ ،‬بمعنى أن‬ ‫من قرأها ثلثا كفاه عن قراءة القرآن؛ لن النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ ":‬إنها تعدل ثلث القرآن‬ ‫"‪.‬‬ ‫ل ذَلِ كَ‬ ‫عدْ ُ‬ ‫وقد تقدم أن عدل الشيء‪ -‬بالفتح‪ -‬يطلق على ما ليس من جنسه‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬أَو َ‬ ‫صيَامًا} فجعل الصيام عدل الكفارة‪ ،‬وهما جنسان‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حدٌ} وإن كان يعدل ثواب قراءة ثلث القرآن فههي القدر‪ ،‬فليلزم أن‬ ‫فثواب قراءة {قُلْ ُهوَ اللّهههُ َأ َ‬ ‫يكون مثله فهي النوع والصهفة؛ لنهها ل تغنهي عمها اشتمهل عليهه القرآن مهن المهر والنههي‪ ،‬والوعهد‬ ‫‪ )(122‬انظر ‪ " :‬ترتيب اللسان" (‪.)3/707‬‬ ‫‪35‬‬

‫والوعيد‪ ،‬وسائر ما يحتاج إليه العباد‪ .‬فالناس محتاجون إلى جميع القرآن‪ ،‬ومنتفعون به ل تغني عنها‬ ‫سورة الخلص‪ ،‬وإن كانت تعدل ثلث القرآن "(‪.)123‬‬ ‫ص ‪50‬‬ ‫وفهي هذا الحديهث دللة ظاهرة على تفاضهل كلم ال – تعالى ‪ ،-‬وصهافته‪ ،‬وههو المأثور عهن‬ ‫السلف‪ ،‬وعليه أئمة الفقهاء وغيرهم‪ ،‬ونصوص الكتاب والسنة تؤيد ذلك‪.‬‬ ‫خ ْيرٍ ّمنْهَا أَ ْو ِمثْلِهَا}‬ ‫سهَا َنأْ تِ ِب َ‬ ‫ن آيَ ٍة َأوْ نُن ِ‬ ‫قال ال – تعالى –‪ {:‬مَا نَن سَخْ مِ ْ‬

‫(‪)124‬‬

‫فأ خبر‪ -‬تعالى –‬

‫أ نه يأ تي بخ ير من ها أو مثل ها‪ ،‬فدل على أن اليات تتما ثل مرة‪ ،‬وتتفا ضل أخرى‪ ،‬والتوراة‪ ،‬والنج يل‬ ‫والقران كلهها كلم ال – تعالى – وقهد أجمهع المسهلمون على أن القرآن أفضلهها‪ ،‬كمها قال – تعالى –‬ ‫ن َي َديْ هِ ِم نَ ا ْل ِكتَا بِ َو ُم َه ْيمِنًا عََليْ هِ} (‪)125‬أي هو المؤت من‪،‬‬ ‫صدّقًا لّمَا َبيْ َ‬ ‫{وَأَنزَلْنَا إَِليْ كَ ا ْل ِكتَا بَ بِا ْلحَقّ مُ َ‬ ‫والشاهد‪ ،‬والحاكم‪ ،‬على ما سبقه من الكتب‪.‬‬ ‫و أما الحاديث فكثيرة‪ ،‬من جملتها هذا الحديث‪ ،‬ومن تأمل كلم السلف‪ ،‬ومن سار على نهجهم‪،‬‬ ‫علم أن هذا من المور المستقرة في نفوسهم‪ ،‬ولم يعرف من السلف من قال‪ :‬ل يكون كلم ال بعضه‬ ‫أشرف من بعض؛ لنه كله من صفات ال‪ ،‬وإنما حدث ذلك لما ظهرت البدع من المعتزلة‪ ،‬والجهمية‪،‬‬ ‫ومن سلك طريقهم‪ ،‬الذين اختلفوا في القرآن‪ ،‬وجعلوه عضين‪.‬‬ ‫وتفاضل الكلم من جهة المتكلم فيه – سواء كان خبرا أو إنشاء – أمر معلوم بالفطرة‪ ،‬والشرع‪،‬‬ ‫فليس الخبر المتضمن حمد ال والثناء عليه بأسمائه الحسنى‪ ،‬كالخبر المتضمن لذكر إبليس‪ ،‬وفرعون‬ ‫وأبى لهب‪ ،‬ونحوهم‪ ،‬وإن كان الكل كلما عظيما تكلم ال به‪.‬‬ ‫وكذلك ل يس ال مر بالتوح يد‪ ،‬واليمان بال ور سله‪ ،‬والن هي عن الشرك وق تل الن فس بغ ير حق‪،‬‬ ‫والزنا‪ ،‬وغير ذلك مما أمرت به الشرائع كلها‪ ،‬أو حرمته‪ ،‬كالمر بأخذ الزينة عند كل مسجد‪ ،‬أو المر‬ ‫بالنفاق على الحامل‪ ،‬والنهي عن قول‪" :‬راعنا" وإن كان لكل واجبا‪.‬‬ ‫وليس تفاضل الكلم باعتبار نسبته إلى المتكلم به‪ ،‬فإنه سبحانه واحد‪ ،‬ولكن باعتبار معانيه التي‬ ‫يتكلم بها‪ ،‬وباعتبار ألفاظه المبينة لمعانيه‪.‬‬ ‫ص ‪51‬‬ ‫قال ش يخ السلم‪ ":‬الكلم له ن سبتان‪ :‬ن سبة إلى المتكلم به‪ ،‬ون سبة إلى المتكلم ف يه‪ ،‬ف هو يتفاضل‬ ‫حدٌ} و{ َتبّ تْ َيدَا َأبِي َلهَ بٍ َوتَبّ} كلهما كلم‬ ‫باعتبار النسبتين‪ ،‬وباعتبار نفسه أيضا‪ ،‬فه {قُلْ ُهوَ اللّ ُه َأ َ‬ ‫ال – تعالى ‪ ،-‬وهما مشتركان من هذه الجهة‪ ،‬ولكنهما متفاضلن من جهة المتكلم فيه‪ ،‬المخبر عنه‪،‬‬

‫‪" )(123‬مجموع الفتاوى" (‪ )208-17/207‬بتصرف ‪.‬‬ ‫‪ )(124‬الية ‪ 106‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪ )(125‬الية ‪ 48‬من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫حدٌ} كلم ال وخبره الذي يخبر عن نفسه‪ ،‬وصفته التي يصف بها نفسه‪ ،‬وكلمه الذي‬ ‫فه{قُلْ ُه َو اللّهُ َأ َ‬ ‫يتكلم به عن نفسه‪.‬‬ ‫ت َيدَا َأبِي َلهَ بٍ َوتَبّ} كلم ال الذي يتكلم به عن بعض خلقه‪ ،‬ويصف به حاله‪ ،‬فهما من‬ ‫و { َتبّ ْ‬ ‫هذه الجهة متفاضلن"(‪.)126‬‬ ‫ول يلزم من كثرة الحروف أفضل ية ذلك‪ ،‬ك ما توه مه ب عض العلماء؛ لن الف ضل يت بع تفا ضل‬ ‫المعاني‪.‬‬ ‫فحروف الفاتحة لقارئها بكل حرف حسنة أعظم من حسنات { َتبّتْ َيدَا َأبِي َلهَبٍ َوتَبّ}‬ ‫فل يلزم من مماثلة الشيء مساواته في الفضل‪ ،‬كما أخبر النبي –صلى ال عليه وسلم‪" -‬أنه لو‬ ‫أنفق من جاء بعد السابقين مثل أحد ذهبا‪ ،‬ما بلغ مد أحد السابقين إلى السلم‪ ،‬ول نصيفه"(‪.)127‬‬ ‫حدٌ} ح صل له من الثواب بقدر ثلث القرآن‪،‬‬ ‫قال ش يخ ال سلم‪ " :‬فإذا قرأ الن سان {قُلْ ُهوَ اللّ ُه َأ َ‬ ‫لكن ل يلزم أن يكون الثواب من جنس الثواب الحاصل بقراءة ثلث القرآن؛ لن النسان يحتاج إلى ما‬ ‫حدٌ} ل ت سد م سد ذلك‪ ،‬ول‬ ‫يح صل له من ثواب ال مر والن هي والق صص‪ ،‬وغ ير ذلك‪ ،‬و{قُلْ ُهوَ اللّ ُه َأ َ‬ ‫تقوم مقا مه‪ ،‬مع أن ف ضل القراءة والذ كر والدعاء وغ ير ذلك‪ ،‬يختلف باختلف حال الن سان‪ ،‬فالقراءة‬ ‫بتدبر أفضل من القراءة بل تدبر‪ ،‬والصلة بخشوع وحضور‬ ‫ص ‪52‬‬ ‫حدٌ} يعدل ثوابها ثواب ثلث القرآن‪،‬‬ ‫قلب‪ ،‬أفضل من الصلة بدون ذلك‪ ،‬فإذا كانت {قُلْ ُهوَ اللّ ُه َأ َ‬ ‫فل بد من اعتبار التماثل في سائر الصفات‪ ،‬وإل فقراءة غيرها مع التدبر والخشوع أفضل من قراءتها‬ ‫مع الغفلة والجهل‪.‬‬ ‫والناس متفاضلون في ف هم هذه ال سورة‪ ،‬و ما اشتملت عل يه‪ ،‬ك ما هم متفاضلون في ف هم سائر‬ ‫القرآن"(‪.)128‬‬ ‫وهذا الحد يث يدل أيضا على تعدد صفات الرب تعالى‪ ،‬وتفاضل ها؛ لن القرآن كله‪ ،‬وكل مه من‬ ‫صفاته‪.‬‬ ‫والتفاضل إنما يقع بين شيئين فصاعدا‪ ،‬إذ الواحد ل يعقل فيه شيء أفضل من شيء‪ ،‬وقد دلت‬ ‫النصهوص الكثيرة على تعدد أسهمائه تعالى وصهفاته‪ ،‬وأن لهها معانهي متعددة‪ ،‬وهذا المعنهى ههو الذي‬ ‫قصهده البخاري بهذا الحديهث‪ ،‬فيمها ظههر لي‪ ،‬ول شهك أن فضهل هذه السهورة لمها اشتملت عليهه مهن‬

‫‪ " )(126‬مجموع الفتاوى" (‪.)17/57‬‬ ‫‪ )(127‬رواه البخاري في "فضائل الصحابة" ولفظه ‪ " :‬ل تسبوا أصحابي‪ ،‬فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً‬ ‫ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه" انظر‪ " :‬الفتح" (‪ ، )7/21‬ورواه مسلم في "الفضائل" (‪.)4/1967‬‬ ‫‪ " )(128‬مجموع الفتاوى" (‪ )140-17/138‬بتلخيص وتصرف ‪.‬‬ ‫‪37‬‬

‫ن َأيّا مّا‬ ‫حمَه َ‬ ‫أوصاف ال تعالى‪ ،‬ولهذا أعقب ذلك بأن ترجم بقوله تعالى‪{ :‬قُلِ ا ْدعُو ْا اللّ َه أَ ِو ادْعُو ْا ال ّر ْ‬ ‫سنَى} (‪.)129‬‬ ‫حْ‬ ‫سمَاء ا ْل ُ‬ ‫لْ‬ ‫َتدْعُو ْا فَلَهُ ا َ‬ ‫وقال الحافهظ‪ " :‬مراده مها فيهه مهن التصهريح بلفهظ الحديهة فهي وصهفه تعالى‪ ،‬كمها فهي الذي‬ ‫بعده"(‪.)130‬‬ ‫وقول ابن بطال‪ " :‬ومذهب الشعري‪ ،‬وأبي بكر بن الطيب الباقلني‪ ،‬وابن أبي زيد‪ ،‬والداودي‪،‬‬ ‫وأبهى الحسهن القابسهي‪ ،‬وجماعهة علماء السهنة‪ :‬أن القرآن ل يفضهل بعضهه بعضا‪ ،‬إذ كله كلم ال‬ ‫وصفته‪ ،‬وهو غير مخلوق‪ ،‬ول يجوز التفاضل إل في المخلوقات "‪.‬‬ ‫ص ‪53‬‬ ‫ومثله قول ا بن الدراج‪" :‬أج مع أ هل ال سنة على أن ما ورد م ما ظاهره المفاضلة ب ين آي القرآن‬ ‫وسوره‪ ،‬ليس المراد به تفضيل ذوات بعضها على بعض‪ ،‬إذ هو كله كلم ال‪ ،‬وصفة من صفاته"(‪.)131‬‬ ‫فهذا الن قل ع من ذكر هم‪ ،‬والز عم بأن هذا مج مع عل يه من أ هل ال سنة هو بح سب ظن هؤلء‪-‬‬ ‫يع ني ا بن بطال و من يقول ذلك – لن هم ظنوا‪ :‬أن هذا القول الذي هو عدم المفاضلة لزم ل من يقول‪:‬‬ ‫إن القرآن كلم ال‪ ،‬فههو مهن صهفاته‪ ،‬والتفاضهل ل يكون إل فهي المخلوقات‪ ،‬والقرآن عندههم غيهر‬ ‫مخلوق‪.‬‬ ‫وهو ظن خطأ‪ ،‬فلم ينقل عن أحد من السلف أنه نفى المفاضلة بين آيات القرآن وسوره‪ ،‬ونحن‬ ‫نطالب مدعي الجماع على نفي ذلك بالدليل‪ ،‬ولن يجد ذلك‪ ،‬والنصوص من الكتاب والسنة تبطل هذه‬ ‫الدعوى ك ما تقد مت الشارة إلى ذلك‪ ،‬وا بن بطال –ع فا ال ع نا وع نه‪ -‬كثيرا ما يد عي الجماع على‬ ‫مسائل‪ ،‬الحق خلفها‪ ،‬كما ستأتي الشارة إلى بعضها‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪.‬‬ ‫ص ‪54‬‬ ‫‪" -5‬حدثنا محمد‪ ،‬حدثنا أحمد بن صالح‪ ،‬حدثنا ابن وهب‪ ،‬حدثنا عمرو‪ ،‬عن ابن أبي هلل‪ ،‬أن‬ ‫أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدثه‪ ،‬عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن‪ -‬وكانت في حجر عائشة‬ ‫زوج النبي –صلى ال عليه وسلم – عن عائشة‪ " :‬أن النبي –صلى ال عليه وسلم – بعث رجلً على‬ ‫حدٌ}‪ ،‬فل ما رجعوا ذكروا ذلك لل نبي‪-‬‬ ‫سرية‪ ،‬وكان يقرأ ل صحابه في صلته‪ ،‬فيخ تم ب ه {قُلْ ُهوَ اللّ ُه َأ َ‬ ‫صلى ال عليه وسلم – فقال‪" :‬سلوه لي شيء يصنع ذلك؟ " فسألوه‪ ،‬فقال‪ :‬لنها صفة الرحمن‪ ،‬وأنا‬ ‫أحب أن أقرأ بها‪ ،‬فقال النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – "أخبروه أن ال يحبه"‪.‬‬ ‫عائشة بنت أبي بكر الصديق‪ ،‬وزوجة رسول ال –صلى ال عليه وسلم – وحبيبته‪ ،‬كانت فقيهة‬ ‫ربانية‪ ،‬وعالمة بأشعار العرب وأنسابهم‪ ،‬وأيامهم‪.‬‬ ‫‪ )(129‬الية ‪ 110‬من سورة السراء ‪.‬‬ ‫‪" )(130‬الفتح" (‪ )13/355‬بالمعنى ‪.‬‬ ‫‪)(131‬انظر"مجموع الفتاوى" (‪.)17/73‬‬ ‫‪38‬‬

‫أكثرت عن رسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم – الرواية‪ ،‬فلذلك صارت مرجعا للصحابة في كثير‬ ‫من أمور الدين‪ ،‬فهي من حفاظ الصحابة وعلمائهم‪.‬‬ ‫روى عنها خلق كثير من الصحابة والتابعين‪.‬‬ ‫ولدت‪-‬رضي ال عنها‪ -‬سنة أربع من البعثة النبوية‪ ،‬وتزجها رسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم –‬ ‫ب عد موت خدي جة‪-‬ر ضي ال عن ها‪ -‬بثلث سنوات‪ ،‬ود خل ب ها في المدي نة‪ ،‬و هي أب نة ت سع سنوات‪،‬‬ ‫وتو في عن ها ول ها من الع مر ثما ني عشرة سنة‪ ،‬ومات‪ -‬صلى ال عل يه و سلم – و هي حاضن ته على‬ ‫صدرها‪.‬‬ ‫مناقبها كثيرة‪ ،‬توف يت في المدي نة سنة سبع‪-‬أو ست‪ -‬وخم سين‪ ،‬وق يل‪ :‬ثمان وخم سين‪ ،‬وصلى‬ ‫عليها أبو هريرة‪ ،‬ودفنت في البقيع‪- ،‬رضي ال عنها‪.)132(-‬‬ ‫قوله‪" :‬ب عث رجلً على سرية" هذا غ ير الر جل المتقدم ذكره في باب الج مع ب ين ال سورتين في‬ ‫ركعة واحدة؛ للفروق الواضحة بين القصتين‪.‬‬ ‫والسرية قطعة من الجيش‪ ،‬يقال‪ :‬خير السرايا أربعمائة رجل‪ ،‬وفي "اللسان" "ما بين خمسة أنفس‬ ‫ل في خفية؛ لئل ينذر بهم فيحذر العداء ويمتنعوا"(‪.)133‬‬ ‫إلى ثلثمائة‪ ،‬سميت سرية؛ لنها تسري لي ً‬ ‫ص ‪55‬‬ ‫حدٌ}قال ابن دقيق العيد‪ :‬يدل على أنه كان يقرأ بغيرها‪ ،‬والظاهر‬ ‫قوله‪" :‬فيختم به {قُلْ هُ َو اللّ ُه َأ َ‬ ‫حدٌ} مع غيرها في ركعة واحدة‪ ،‬ويختم بها في تلك الركعة‪ ،‬وإن كان اللفظ‬ ‫أنه كان يقرأ‪{ :‬قُلْ هُ َو اللّهُ َأ َ‬ ‫يحتمل أن يكون يختم بها في آخر ركعة يقرأ فيها السورة"(‪.)134‬‬ ‫وقوله‪ ":‬لنها صفة الرحمن" قال ابن دقيق العيد‪" :‬يحتمل أن يراد‪ :‬أن فيها ذكر صفة الرحمن‪،‬‬ ‫كما إذا ذكر وصف‪ ،‬فعبر عن ذلك الذكر بأنه الوصف‪ ،‬وإن لم يكن ذلك الذكر نفس الوصف‪ ،‬ويحتمل‬ ‫حدٌ} ولعل ها خ صت بذلك لخت صاصها‬ ‫أن يراد به غ ير ذلك‪ ،‬إل أ نه ل يخ تص ذلك ب ه {قُلْ هُ َو اللّ ُه َأ َ‬ ‫بصفات الرب‪-‬تعالى‪ -‬دون غيرها"(‪.)135‬‬ ‫قلت‪ :‬يريد بيان قول الصحابي لها بما ذكر‪ ،‬أنها خالصة لذكر وصف الرحمن تعال وتقدس‪.‬‬ ‫حدٌ}‪ .‬يعني أن أوصاف الرحمن‪-‬تعالى‪ -‬موجودة‬ ‫وقوله‪ :‬إل أنه ل يختص ذلك به {قُلْ ُهوَ اللّ ُه َأ َ‬ ‫في آيات كثيرة من القرآن‪.‬‬

‫‪)(132‬انظر‪" :‬الحلة" (‪" ،)2/43‬أسد الغابة" (‪" ،)7/188‬الستيعاب" (‪" ،)4/1881‬الصابة" (‪،)4/359‬‬ ‫"سير أعلم النبلء" (‪.)2/135‬‬ ‫‪")(133‬ترتيب اللسان" (‪.)2/141‬‬ ‫‪")(134‬شرح العمدة" (‪.)1/246‬‬ ‫‪)(135‬المصدر نفسه(‪.)1/247‬‬ ‫‪39‬‬

‫وهذه ال سورة و سائر سور القرآن هي صفة الرح من؛لن ها كل مه‪ ،‬وكل مه من صفاته‪ ،‬ول كن‬ ‫تميزت هذه السورة بأنها خالصة لذكر أوصاف الرحمن‪-‬تعالى‪ -‬وهذ هو المتبادر إلى الفهم من مراد‬ ‫الصحابي‪-‬رضي ال عنه‪ -‬أي أنها خالصة لوصف الرحمن‪-‬تعالى‪ -‬دون غيره‪.‬‬ ‫"قال ابن التين‪ :‬إنما قال‪ :‬لنها صفة الرحمن؛ لن فيها أسماؤه مشتقة من صفاته‪ .‬وقال غيره‪:‬‬ ‫يحتمل أن الصحابي قال ذلك مستندا إلى شيء سمعه من النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – إما بالنص‪ ،‬أو‬ ‫بال ستنباط‪ .‬وروى البيه قي في ال سماء وال صفات‪ ،‬عن ا بن عباس‪-‬ر ضي ال عنه ما‪ -‬أن اليهود أتوا‬ ‫النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – فقالوا‪ :‬صف لنا ربك؟‬ ‫ص ‪56‬‬ ‫حدٌ} إلى آخرها‪ ،‬فقال‪" :‬هذه صفة ربي‪-‬عز وجل‪"-‬‬ ‫فأنزل ال‪-‬عز وجل‪{ -‬قُلْ هُ َو اللّ ُه َأ َ‬

‫(‪)136‬‬

‫وفي الحديث حجة لمن أثبت أن ل صفات‪ ،‬وهو قول الجمهور‪ ،‬وشذ ابن حزم فقال‪ " :‬هذه لفظة‬ ‫اصطلح عليها أهل الكلم‪ ،‬من المعتزلة‪ ،‬ومن تبعهم‪ ،‬ولم يثبت عن النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – ول‬ ‫عن أحد من أصحابه‪ ،‬فإن اعترضوا بحديث الباب‪ ،‬فهو من أفراد سعيد بن أبي هلل‪ ،‬وفيه ضعف‪،‬‬ ‫حدٌ} صفة الرحمن‪ ،‬كما في هذا الحديث‪ ،‬ول يزاد عليه‪ ،‬بخلف‬ ‫وعلى تقدير صحته فه {قُلْ ُهوَ اللّ ُه َأ َ‬ ‫الصفة التي يطلقونها‪ ،‬فإنها في لغة العرب ل تطلق إل على جوهر‪ ،‬أو عرض"(‪.)137‬‬ ‫و سعيد مت فق على الحتجاج به‪ ،‬فل يلت فت إلى تضعي فه‪ ،‬وكل مه الخ ير مردود‪ ،‬باتفاق الجم يع‬ ‫سنَى فَادْعُو هُ ِبهَا} (‪ ،)138‬وقال تعالى‪{ :‬لَ هُ‬ ‫سمَاء ا ْلحُ ْ‬ ‫على إثبات السماء الحسنى‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬وَلِّل هِ الَ ْ‬ ‫سنَى} (‪ ،)139‬والسماء المذكورة فيها صفات‪ ،‬ففي إثبات أسمائه إثبات صفاته"(‪.)140‬‬ ‫حْ‬ ‫سمَاء ا ْل ُ‬ ‫لْ‬ ‫اَ‬ ‫قلت‪ :‬كلم ابن حزم – رحمه ال – باطل‪ ،‬ول حجة له فيما ذ كر‪ ،‬لن الصفة‪ :‬مصدر وصفت‬ ‫الشيء أصفه وصفا‪ ،‬وصفة‪ ،‬مثل‪ :‬وعد‪ ،‬وعدا‪ ،‬وعدة‪.‬‬ ‫فإذا ق يل‪ :‬إن ال ب كل ش يء عل يم‪ ،‬و هو رح من رح يم‪ ،‬وعلى كل ش يء قد ير‪ ،‬فالمعا ني القائ مة‬ ‫بالرب – تعالى – التهي دل عليهها هذا الكلم‪ ،‬مهن العلم‪ ،‬والرحمهة والقدرة‪ ،‬ههي الصهفات المقصهودة‪،‬‬ ‫وإنكار ذلك مكابرة‪ ،‬أو عناد وضلل‪ ،‬وإلحاد‪.‬‬ ‫و قد دلت ن صوص كتاب ال –تعالى – و سنة ر سوله – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬والفطرة والع قل‬ ‫ن ِبشَيْ ٍء مّنْ عِ ْلمِهِ} (‪.)141‬‬ ‫على ذلك‪ ،‬قال ال تعالى‪َ { :‬ولَ ُيحِيطُو َ‬

‫‪)(136‬انظر" السماء والصفات" للبيهقي(ص ‪ ،)279‬وفيه تسمية بعضهم‪ ،‬وقد ذكر عدة أحاديث بمعناه‪.‬‬ ‫‪)(137‬انظر‪" :‬الفصل" (‪ ،)2/284‬وقد أطال الكلم على هذا المعنى‪ ،‬واحتج بأشياء ل تدل على مراده‪.‬‬ ‫‪ )(138‬الية ‪ 180‬من سورة العراف ‪.‬‬ ‫‪ )(139‬الية ‪ 8‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪" )(140‬فتح الباري" (‪.)357-13/356‬‬ ‫‪ )(141‬الية ‪ 255‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫وقال – تعالى ‪{ :-‬أَنزَلَ هُ ِبعِ ْلمِ هِ} (‪ ،)142‬وقال –تعالى‪{ :-‬إِنّ اللّ َه هُ َو الرّزّا قُ ذُو ا ْلقُوّةِ ا ْل َمتِي نُ} (‪.)143‬‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَلِلّ ِه ا ْل ِعزّةُ وَِل َرسُولِهِ وَلِ ْلمُ ْؤ ِمنِينَ} (‪.)144‬‬ ‫ل شَيْ ٍء ّرحْمَ ًة وَعِ ْلمًا} (‪.)145‬‬ ‫سعْتَ كُ ّ‬ ‫وقال – تعالى‪َ { :-‬ربّنَا َو ِ‬ ‫وفي الحديث الصحيح‪ " :‬اللهم إني أستخيرك بعلمك‪ ،‬وأستقدرك بقدرتك"(‪.)146‬‬ ‫وفي حديث عمار بن ياسر‪ ،‬عن النبي –صلى ال عليه وسلم‪ ":-‬اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على‬ ‫الخلق"(‪.)147‬‬ ‫وفي "صحيح البخاري" في قصة أيوب‪ ":‬قال‪ :‬بلى وعزتك‪ ،‬ولكن ل غنى بي عن بركتك"(‪.)148‬‬ ‫وقال البخاري‪ ":‬باب الحلف بعزة ال وصفاته‪ ،‬وكلماته"‪ ،‬وقال ابن عباس‪ :‬كان النبي –صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ -‬يقول‪ :‬أعوذ بعزتك‪ ،‬وقال أبو هريرة‪ :‬عن النبي –صلى ال عليه وسلم‪ ":-‬يبقى رجل بين‬ ‫الجنة والنار‪ ،‬فيقول‪ :‬يارب‪ ،‬اصرف وجهي عن النار‪ ،‬ل وعزتك‬ ‫ص ‪58‬‬ ‫ل أ سألك غير ها‪ .‬ثم ذ كر حد يث أ نس‪ " :‬ل تزال جه نم تقول‪ :‬هل من مز يد؟ ح تى ي ضع رب‬ ‫العزة فيها قدمه‪ ،‬فتقول‪ :‬قط قط‪ ،‬وعزتك"‪.‬‬

‫(‪)149‬‬

‫وفي هذا الحديث الذي نحن بصدد الكلم عليه‪ ":‬لنها صفة الرحمن"‪.‬‬ ‫عمّ ا يَ صِفُونَ}‬ ‫ك رَبّ ا ْل ِعزّةِ َ‬ ‫ن َربّ َ‬ ‫سبْحَا َ‬ ‫وقال ال – تعالى ‪ُ { :-‬‬

‫(‪)150‬‬

‫وهذا من إضا فة المو صوف‬

‫إلى صفته‪.‬‬ ‫فثبت بهذه النصوص‪ ،‬وغيرها كثير‪ ،‬أن ل صفات‪ ،‬وأن كل اسم تسمى ال به يدل على الصفة؛‬ ‫لن السماء مشتقة من الصفات‪.‬‬ ‫وبهذا يتهبين بطلن قول المعتزلة‪ ،‬الذيهن ينفون أن يكون ل علم وقدرة ومشيئة‪ ،‬ويجعلون هذه‬ ‫الصفة هي الخرى‪ ،‬أو الصفة هي الموصوف‪ ،‬كما يتبين بهذا أيضا الفرق بين السماء والصفات‪.‬‬ ‫‪-1‬فالسهماء تدل على الذات‪ ،‬والصهفات تدل على معان قائمهة بالذات‪ ،‬وهذه المعانهي‬ ‫القائمة بالذات هي الصفات‪.‬‬ ‫‪ )(142‬الية ‪ 166‬من سورة النساء ‪.‬‬ ‫‪ )(143‬الية ‪ 58‬من سورة الذاريات‪.‬‬ ‫‪ )(144‬الية ‪ 8‬من سورة المنافقون ‪.‬‬ ‫‪ )(145‬الية ‪ 7‬من سورة غافر ‪.‬‬ ‫‪ )(146‬هو حديث جابر ‪ ،‬انظر "البخاري" (‪ )2/50‬وسنن " أبي داود" رقم (‪ ، )1538‬والترمذي رقم (‬ ‫‪ ، )480‬وسيأتي ‪.‬‬ ‫‪ )(147‬انظر ‪ " :‬سنن النسائي" (‪ )55، 3/54‬في السهو في باب نوع آخر من الدعاء ‪.‬‬ ‫‪" )(148‬صحيح البخاري" كتاب التهجد ‪ ،‬باب (‪ )1/54( ، )20‬وفي مواضع أخرى ‪ ،‬وسيأتي ‪.‬‬ ‫‪" )(149‬الصحيح" ‪ ،‬كتاب اليمان والنذور ‪ ،‬باب (‪ ، )8/114( ،)12‬وسيأتي ذلك ‪.‬‬ ‫‪ )(150‬الية ‪ 180‬من سورة الصافات ‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪-2‬وتقدم أن السماء مشتقة من الصفات‪.‬‬ ‫وقوله‪ ":‬أ خبروه أن ال يح به" قد يكون سبب مح بة ال له‪ :‬محب ته لهذه ال سورة‪ ،‬أو لمحب ته ذ كر‬ ‫صفات الرب – عز وجل ‪ ،-‬وحسن فهمه وعقيدته‪.‬في ذلك‪ ،‬أو لمجموع المرين‪ ،‬وهو الولى‪.‬‬ ‫وف يه ثبوت مح بة ال – تعالى – ل هل طاع ته من عباده‪ ،‬والدلة عل يه كثيرة جدا‪ ،‬فلذلك صار‬ ‫إنكاره ضللً بينا‪.‬‬ ‫قال المازري‪ ،‬ومن تبعه‪ :‬محبة ال لعباده‪ :‬إرادته ثوابهم‪ ،‬وتنعيمهم‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬هي نفس الثابة‪ ،‬والتنعيم‪.‬‬ ‫ومحبتهم له‪ ،‬ل يبعد فيها الميل منهم إليه‪ ،‬وهو مقدس عن الميل‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬محبتهم له‪ :‬استقامتهم على طاعته‪.‬‬ ‫والتحقيق‪ :‬أن الستقامة ثمرة المحبة‪.‬‬ ‫وحقيقة المحبة له‪ :‬ميلهم إليه؛ لستحقاقه سبحانه المحبة من جميع الوجوه‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ " :‬وفيه نظر‪ ،‬لما فيه من الطلق في موضع التقييد"(‪.)151‬‬ ‫ومقصده من الطلق‪ ،‬قوله‪ ":‬لستحقاقه‪ -‬سبحانه – المحبة من جميع الوجوه" لنه قد يدخل فيه‬ ‫الحب المتضمن للشهوة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫وقول المازري‪ :‬إن محبهة ال لعباده‪ :‬إرادتهه ثوابههم‪ ،‬وتنعيمههم‪ ،‬أو ههي نفهس الثواب والنعيهم‪،‬‬ ‫ظا هر البطلن‪ ،‬والن صوص ف يه ل تق بل هذا التأو يل؛ لكثرت ها‪ ،‬وتواطئ ها على أن ال حب في ها هو ما‬ ‫يفهمه المخاطب الذي لم تفسد فطرته بالعقائد المنحرفة عن الحق‪.‬‬ ‫وهذه طريقهة أههل التأويهل فهي صهفات ال – تعالى – المسهتلزمة للثواب أو العقاب؛ إمها أن‬ ‫يجعلوها إرادة الثواب أو العقاب‪ ،‬أو هي نفس الثواب والعقاب‪.‬‬ ‫ومعلوم أن الثواب والعقاب ونحوهما مخلوق‪.‬‬ ‫والرادة ال تي يرجعون المح بة والرح مة ونحوه ما من صفات ال –تعالى‪ -‬إلي ها‪ ،‬يلزم هم في ها‬ ‫نظيهر مها فروا منهه فهي المحبهة والرحمهة‪ ،‬حيهث قالوا‪ :‬إن المحبهة ههي‪ :‬الميهل إلى المحبوب‪ ،‬فيقال‪:‬‬ ‫والرادة هي‪ :‬ميل المريد إلى ما يوافقه في إرادته‪.‬‬ ‫وأمها تفسهيرها بالثواب والعقاب‪ ،‬فيلزم منهه أن تكون صهفته –تعالى‪ -‬مخلوقهة‪ ،‬ثهم نقول‪ :‬لسهنا‬ ‫بحاجة إلى مثل هذا التأويل السخيف البارد؛ لن ال – تعالى‪ -‬ليس كمثله شيء في صفاته‪ ،‬كما أنه ل‬ ‫مثل له في ذاته‪.‬‬ ‫ومحبته – تبارك وتعالى – لعبده المؤمن شيء فوق إنعامه‪ ،‬وإحسانه‪ ،‬وعطائه‪ ،‬وإثابته‪ ،‬فإن هذا‬ ‫أ ثر المح بة وموجب ها‪ ،‬أ ما هي فأع ظم من ذلك‪ ،‬و هي ال تي يت سابق إلي ها أ نبياؤه وملئك ته وأولياؤه‪،‬‬ ‫وعباده ال صالحون‪ ،‬و كم في كتاب ال و سنة ر سوله – من نص صريح بأ نه ي حب عباده المؤمن ين‬ ‫‪" )(151‬الفتح" (‪.)13/357‬‬ ‫‪42‬‬

‫ح ِببْكُ مُ اللّ هُ َو َيغْ ِفرْ َلكُ مْ ُذنُو َبكُ مْ} (‪،)152‬‬ ‫حبّو نَ الّل َه فَا ّت ِبعُونِي ُي ْ‬ ‫ويحبو نه‪ ،‬كقوله – تعالى –{ قُلْ إِن كُنتُ مْ ُت ِ‬ ‫ط ّهرِينَ} (‪{ ،)153‬بَلَى مَنْ َأ ْوفَى ِب َعهْدِ ِه وَاتّقَى َفإِنّ الّلهَ ُيحِبّ‬ ‫ب ا ْل ُمتَ َ‬ ‫ب التّوّابِينَ َو ُيحِ ّ‬ ‫وقوله –تعالى‪{ -‬الّلهَ ُيحِ ّ‬ ‫ص ‪60‬‬ ‫ا ْل ُمتّقِينهَ} (‪{ ،)154‬وَاللّهُه ُيحِبّ ا ْل ُمحْس ِهنِينَ} (‪{ ،)155‬إِنّ اللّه َه ُيحِبّ ا ْل ُمتَ َوكّلِينهَ} (‪ ،)156‬واليات فهي هذا‬ ‫كثيرة‪.‬‬ ‫و أ ما الحاد يث عن ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ال تي ت نص على أن ال ي حب عباده‬ ‫المؤمن ين فإح صاؤها ع سير‪ ،‬كقوله – صلى ال عل يه وسهلم‪ ":-‬لعط ين الرايهة غدا رجلً يحبهه ال‬ ‫ور سوله‪ ،‬وي حب ال ور سوله"(‪ ،)157‬وقوله – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬إن ال ي حب الع بد الت قي الغ ني‬ ‫الخفي"(‪.)158‬‬ ‫وأمها محبهة العباد لربههم فعجيهب إنكارهها‪ ،‬إذ ههي مهن الضروريات الثابتهة بالشرع‪ ،‬والعقهل‪،‬‬ ‫والفطرة‪ ،‬وإنكارها إنكار للواقع المحسوس‪.‬‬ ‫ك ما أن تأو يل المحرف ين بأن ها ال ستقامة على الطا عة‪ ،‬ك ما ذكره المازري‪ ،‬أو أن ها إرادت هم أن‬ ‫ينفعهم‪ ،‬كما نقله الحافظ عن ابن التين(‪ ،)159‬مخالف للشرع‪ ،‬والعقل‪ ،‬والواقع المحسوس‪ ،‬بل قد يؤول‬ ‫ذلك إلى إنكار أصل دين السلم؛ لن مبنى دين السلم على شهادة ل إله إل ال‪.‬‬ ‫ومعنى الله‪ :‬المحبوب الذي تألهه القلوب‪ ،‬وتحبه‪ ،‬وتعظمه‪ ،‬وتجله‪ ،‬وتقصده بالنابة والخضوع‬ ‫والذل‪ ،‬والفتقار إليه‪ ،‬والخوف منه‪ ،‬ورجائه‪.‬‬ ‫ف من أن كر م يل القلوب إل يه تعالى بال حب والتأله‪ ،‬ف قد أن كر حقي قة ال سلم‪ ،‬و هل الشرك‪ -‬الذي‬ ‫حرمت الجنة على صاحبه – إل أن يجعل للمخلوق نصيبا مع ال –تعالى‪ -‬في هذا الحب؟ كما قال –‬ ‫حبّا لّلّهِ} (‪.)160‬‬ ‫شدّ ُ‬ ‫ن آ َمنُو ْا َأ َ‬ ‫ب اللّهِ وَاّلذِي َ‬ ‫حبّو َن ُهمْ َكحُ ّ‬ ‫س مَن َي ّتخِذُ مِن دُونِ الّل ِه أَندَادا ُي ِ‬ ‫تعالى‪َ { :-‬ومِنَ النّا ِ‬ ‫ص ‪61‬‬ ‫فبين – تعالى‪ -‬أن الذي ي حب المخلوق ك حب ال أ نه مشرك قد ات خذ ل ندا‪ ،‬وأ خبر – تعالى‪-‬‬ ‫عن هؤلء أنهم سيقولون لندادهم وهم في النار‪{:‬تَاللّ ِه إِن ُكنّا لَفِي ضَللٍ ّمبِي نٍ {‪ِ }97‬إ ْذ نُ سَوّيكُم ِبرَبّ‬ ‫‪ )(152‬الية ‪ 31‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(153‬الية ‪ 222‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪ )(154‬الية ‪ 76‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(155‬الية ‪ ،148 ،134‬من سورة آل عمران ‪ ،‬و الية ‪ 93‬من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪ )(156‬الية ‪ 159‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(157‬رواه صاحبا "الصحيحين" ‪ ،‬انظر ‪" :‬الفتح" (‪ )6/111‬وأماكن أخرى‪ ،‬و "مسلم" (‪،4/1871‬‬ ‫‪.)1872‬‬ ‫‪ )(158‬رواه مسلم في "الزهد" (‪ )4/2277‬رقم (‪.)2965‬‬ ‫‪ )(159‬انظر ‪ " :‬الفتح" (‪.)13/357‬‬ ‫‪ )(160‬الية ‪ 165‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫ا ْلعَاَلمِي نَ} (‪ ،)161‬ول يجوز أن تكون ت سويتهم ل هم برب العالم ين إل في ال حب؛ ل نه ل يم كن أن يقول‬ ‫عاقل إن أحدا من الخلق يساوي ال –تعالى‪ -‬في الفعل والتصرف‪.‬‬ ‫وقول ا بن الت ين الذي نقله الحا فظ‪ " :‬إن مع نى مح بة المخلوق ين ل‪ :‬إرادت هم أن ينفع هم"‬

‫(‪)162‬‬

‫من‬

‫أبطل الكلم المخالف للواقع وللشرع والعقل ولول أن هذا مسجل في الكتب المتداولة بين المسلمين‪ ،‬لم‬ ‫يجز ذكره‪ ،‬وهل يوجد أحد من الخلق ل يريد أن ينفعه ال‪ ،‬حتى إبليس‪ ،‬ومن دونه من دعائم الكفر‬ ‫واللحاد‪ ،‬من الوليهن والخريهن؟ بهل كلههم يريهد أن ينفعههم ال‪ ،‬فههل يقال‪ :‬إنههم يحبون ال المحبهة‬ ‫المأمور بهها شرعا؟ ول شهك أن مثهل هذا القول نتيجهة نقهص العلم بكلم ال وكلم رسهوله‪ ،‬ونقهص‬ ‫اليمان بذلك‪.‬‬ ‫"وإل فإن من تيقن أن ال أصدق القائلين‪ ،‬وأن قوله الحق الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه‪ ،‬ول‬ ‫من خل فه‪ ،‬وأن قوله الف صل‪ ،‬ل يس بالهزل‪ ،‬وأ نه الهدى‪ ،‬والنور‪ ،‬والشفاء ل ما في ال صدور من الج هل‬ ‫والشكوك‪ ،‬وأنه –تعالى‪ -‬أعلم بنفسه وبغيره من خلقه‪.‬‬ ‫وعلم أن الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أعلم الخلق بالحق‪ ،‬وأفصح الخلق في النطق والبيان‪،‬‬ ‫وأ نه أن صح الخلق للخلق‪ -‬من علم ذلك تي قن أ نه قد اجت مع له كمال العلم بال حق‪ ،‬وكمال القدرة على‬ ‫بيانه‪ ،‬وكمال الرادة له‪ ،‬ومع كمال العلم والقدرة والرادة‪ ،‬يجب وجود المطلوب على أكمل وجه‪.‬‬ ‫فيجب أن يعلم أن كلم ال ورسوله‪ ،‬أبلغ ما يمكن‪ ،‬وأتم ما يكون وأعظمه بيانا لمور الدين‪ ،‬من‬ ‫حقوق ال وأسمائه‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫ف من و قر هذا فهي قل به لم يجرؤ على تحريهف الن صوص بم ثل هذه التأويلت التهي إذا تدبرهها‬ ‫العاقل المنصف‪ ،‬وجدها أبعد شيء عن كتاب ال‪ ،‬وعن صفات الرسول‬ ‫ص ‪62‬‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ -‬وعلم أن من سلك هذا المسلك فإنما هو لنقص في علمه‪ ،‬وإيمانه بكلم‬‫ال‪ ،‬وكلم رسوله –صلى ال عليه وسلم‪.)163(-‬‬ ‫وقد علم المؤمنون أن محبة العباد لربهم هي حياة القلوب‪ ،‬ونعيم الروح‪ ،‬بل هي أعلى نعيم في‬ ‫الدنيا والخرة‪ ،‬وهي فوق كل محبة تفترض‪ ،‬ول نسبة لسائر المحاب إليها‪ ،‬وهي حقيقة ل إله إل ال‪،‬‬ ‫وبتمام ها وكمال ها تتفاوت منازل العباد ع ند ال في الدن يا والخرة‪ ،‬و قد جاء في الحد يث ع نه – صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪ ":‬أحبوا ال من كل قلوبكم"(‪ .)164‬يعني‪ :‬ل يبقى في القلب موضع لغير محبة‬ ‫ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ )(161‬الية ‪ 98-97‬من سورة الشعراء ‪.‬‬ ‫‪" )(162‬الفتح" (‪.)13/357‬‬ ‫‪" )(163‬مجموع الفتاوى" (‪ )17/129‬بتصرف وزيادة ‪.‬‬ ‫‪ )(164‬رواه ابن إسحاق في "السيرة" مختصرها لبن هشام (‪.)2/147‬‬ ‫‪44‬‬

‫وفي "الصحيحين"‪ :‬مرفوعا‪" :‬ثلث من كن فيه‪ ،‬وجد بهن حلوة اليمان‪ ،‬أن يكون ال ورسوله‬ ‫أحب إليه مما سواهما‪ ،‬وأن يحب المرء ل يحبه إل ل‪ ،‬وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه ال‬ ‫منه‪ ،‬كما يكره أن يقذف في النار"(‪.)165‬‬ ‫و أصل التأله‪ :‬التعبد‪ ،‬والتعبد هو آخر مراتب الحب‪ ،‬يقال‪ :‬عبده الحب وتيمه‪ :‬إذا ملكه‪ ،‬وذللهه‬ ‫لمحبوبه‪.‬‬ ‫فالمحبة هي حقيقة العبودية‪ ،‬ول يمكن وجود العبادة التي يريدها ال ويأمر بها عباده بدونها أبدا‪،‬‬ ‫بهل ل يوجهد أي نوع مهن أنواع العبادة المطلوبهة شرعا بدونهها‪ ،‬مثهل النابهة‪ ،‬والخشيهة‪ ،‬والخوف‪،‬‬ ‫والرجاء‪ ،‬والحمد‪ ،‬والشكر‪ ،‬والصبر‪ ،‬والدعاء‪ ،‬والستغاثة‪ ،‬والستعانة‪ ،‬وغير ذلك من أنواع العبادة‪،‬‬ ‫فمنكر المحبة في الحقيقة منكر لجميع مقامات اليمان والحسان‪ ،‬وهؤلء المحرفون مثل هذا النص‬ ‫في المح بة‪ ،‬يغالطون أنف سهم‪ .‬وهذا الحد يث يدل على ح سن ف هم ال صحابة لمعا ني القرآن‪ ،‬ح يث قالوا‬ ‫عن سورة الصمد‪ :‬أنها صفة الرحمن‪ ،‬ووجه ذلك‪ :‬أن هذه السورة تضمنت أنواع التزيه ل – تعالى‪-‬‬ ‫والتحميد‪ ،‬ونفي النقائص كلها‪ ،‬وإثبات الكمال جميعه‪ ،‬ولهذا عدلت ثلث القرآن – كما تقدمت الشارة‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫ص ‪63‬‬

‫‪ )(165‬انظر ‪ " :‬الفتح" (‪ )10/463( ، )1/72‬و "مسلم" (‪.)1/66‬‬ ‫‪45‬‬

‫(الكلم على معنى أحد وصمد)‬ ‫فالصمدية تثبت الكمال المنافي لكل نقص وعيب‪ ،‬والحدية تثبت النفراد بذلك الكمال‪ ،‬فهي تدل‬ ‫على أنه – تعالى‪ -‬أحد‪ ،‬ليس من جنس شيء من المخلوقات‪ " ،‬وأنه صمد ليس من مادة‪ ،‬بل هو صمد‬ ‫لم يلد ولم يولد‪ ،‬وإذا نفهى عنهه أن يكون مولودا مهن مادة الوالد؛ فلن ينفهي عنهه أن يكون مهن سهائر‬ ‫المواد أولى وأحرى‪ ،‬فإن المولود من نظير مادته أكمل من المولود من مادة أخرى "(‪.)166‬‬ ‫وقال شيخ السلم‪ ":‬وقد فسر السلف الصمد بأنه‪ :‬الذي ل جوف له‪ ،‬كما فسروه‪ :‬بأنه السيد الذي‬ ‫ي صمه إل يه في الحوائج؛ والول قول أك ثر ال سلف‪ ،‬من ال صحابة والتابع ين وطوائف من أ هل الل غة‪،‬‬ ‫والثاني‪ :‬قول جمهور أهل اللغة‪ ،‬وطوائف من السلف والخلف‪.‬‬ ‫قال الجوهري‪ :‬صمده يصمده صمدا إذا قصده‪ ،‬والصمد بالتحريك‪ :‬السيد؛ لنه يصمد إليه في‬ ‫الحوائج(‪.)167‬‬ ‫ص َمدُ} (‪)168‬أد خل اللم في "ال صّمَد" ولم يدخل ها في‬ ‫حدٌ {‪}1‬اللّ ُه ال ّ‬ ‫وقوله – تعالى ‪{ :-‬قُلْ ُه َو اللّ هُ َأ َ‬ ‫"أحد" لنه ليس في الموجودات ما يسمى أحدا في الثبات مفردا غير مضاف إل ال –تعالى‪ ،-‬بخلف‬ ‫النفي وما في معناه‪ ،‬كالشرط‪ ،‬والستفهام‪.‬‬ ‫قال أهل اللغة‪ :‬تقول‪ :‬ل أحد في الدار‪ ،‬ول تقول‪ :‬فيها أحد‪.‬‬ ‫ص ‪64‬‬ ‫صمَد" فأدخل عليه اللف واللم‪ ،‬ليبين أنه المستحق لن يكون هو الصمد دون ما سواه‪،‬‬ ‫و أما "ال ّ‬ ‫فإنه المستوجب لغايته على الكمال‪.‬‬ ‫فالمخلوق وإن كان قد يطلق عليه بأنه صمد‪ ،‬فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه‪ ،‬فإنه يقبل التجزئة‪،‬‬ ‫وهو محتاج إلى غيره‪ ،‬فإن كل ما سوى ال فقير محتاج إلى ال‪ ،‬وليس أحد يصمد كل شيء إليه‬

‫(‪)169‬‬

‫وههو ل يصهمد إلى شيهء إل ال –تعالى‪ .-‬وليهس فهي المخلوقات شيهء إل ويقبهل التجزئة‪ ،‬ويتفرق‪،‬‬ ‫وينف صل بع ضه من ب عض؛ وال سبحانه هو ال صمد‪ ،‬الذي ل يجوز عل يه ش يء من ذلك‪ ،‬بل حقي قة‬ ‫الصمدية وكمالها له وحده واجبة ولزمة‪ ،‬ل يمكن عدمها بوجه من الوجوه‪ ،‬كما ل يمكن تثنية أحديته‬ ‫بوجه من الوجوه؛ فهو أحد ل يماثله شيء من الشياء بوجه من الوجوه"(‪.)170‬‬ ‫فقوله –تعالى‪ ":-‬أحد" مع قوله‪ " :‬لم يكن له كفوا أحد" ينفي المماثلة‪ ،‬والمشاركة‪.‬‬ ‫‪" )(166‬مجموع الفتاوى" (‪. )17/452‬‬ ‫‪ )(167‬انظر ‪ ":‬الصحاح" (‪ )2/499‬وتمامه ‪ ":‬قال‪:‬‬ ‫علوته بحسام ثم قلت له ‪ :‬خذها حذيف فأنت السيد الصمد‬ ‫وبيت مصمد –بالتشديد – أي ‪ :‬مقصود "‪.‬‬ ‫‪ )(168‬اليتان ‪ 2-1‬من سورة الخلص ‪.‬‬ ‫‪ )(169‬الصمود هنا هو ‪ :‬الطلب والقصد والتوجه إلى المصمود إليه بالحاجة ‪.‬‬ ‫‪" )(170‬مجموع الفتاوى" (‪ )17/237‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫وقوله –تعالى‪":-‬الصهمد" يتضمهن إثبات جميهع صهفات الكمال‪ ،‬فالنقائص منتفيهة عهن ال‪-‬‬ ‫تعالى‪ ،-‬وكل ما يختص له المخلوق فهو من النقائص التي تنزه ربنا عنها – جل وعل‪.-‬‬ ‫و أما ما يوصف به العبد من بعض الكمالت‪ ،‬مثل العلم‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والرحمة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فالذي‬ ‫يثبت ل –تعالى‪ -‬من هذه المعاني يكون على وجه ل يقاربه فيه أحد من الخلق‪ ،‬فضلً عن أن يماثله‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫وقد ثبت أن ما خلقه ال في الجنة من المآكل وغيرها‪ ،‬ل يماثل ما خلقه في الدنيا‪ ،‬وإن اتفقا في‬ ‫السم‪ ،‬مع أن كليهما مخلوق‪ ،‬فالخالق‪ -‬تعالى وتقدس‪ ،-‬أبعد عن مماثلة المخلوقات‪.‬‬ ‫والمعنى الصحيح الذي هو نفي المثل‪ ،‬والشريك‪ ،‬والند‪ ،‬قد دل عليه قوله‪ -‬سبحانه‪{ :-‬وَلَ مْ َيكُن‬ ‫حدٌ} (‪.)172‬‬ ‫ل هُ َو اللّ ُه َأ َ‬ ‫حدٌ} (‪ ،)171‬وقوله‪{ :‬قُ ْ‬ ‫لّ ُه كُفُوًا َأ َ‬ ‫ص ‪65‬‬ ‫سه ِميّا} (‪ ،)173‬وأمثال ذلك‪ ،‬فالمعانهي الصهحيحة لصهفات ال نفيا‬ ‫َهه َ‬ ‫َمه ل ُ‬ ‫ل َتعْل ُ‬ ‫وقوله‪-‬تعالى‪{ :-‬هَ ْ‬ ‫وإثباتا‪ ،‬ثاب تة بالكتاب وال سنة‪ ،‬والع قل يدل على ذلك‪ .‬وقول ب عض أ هل الكلم‪ :‬ال حد‪ ،‬وال صمد‪ ،‬هو‬ ‫الذي ل ينقسم‪ ،‬ول يتفرق‪ ،‬أو ليس بمركب‪ ،‬ونحو ذلك من العبارات‪ ،‬إن عني بها أنه ل يقبل التفرق‬ ‫والنق سام ف هو حق‪ ،‬وإن ع ني ب ها أ نه ل يشار إل يه بحال‪ ،‬فهذا يمت نع وجوده‪ ،‬وإن ما يقدر وجوده في‬ ‫الذهن تقديرا‪.‬‬ ‫وقد علمنا أن العرب حين أطلقوا لفظ الواحد والحد‪ ،‬نفيا وإثباتا‪ ،‬لم يريدوا هذا المعنى‪.‬‬ ‫ولهذا ل ما قالوا الذ ين جادلوا المام أح مد‪ ،‬في ن في ال صفات‪-‬م ستدلين با سم الوا حد‪ :-‬ل تكونون‬ ‫موحدين أبدا حتى تقولوا‪ :‬كان ال ول شيء‪.‬‬ ‫قال أحمد‪" :‬قلنا‪ :‬نحن نقول‪ :‬كان ال ول شيء‪ ،‬ولكن إذا قلنا‪ :‬إن ال لم يزل بصفاته كلها‪ ،‬أليس‬ ‫إنما نصف إلها واحدا؟‬ ‫وضربنها لههم فهي ذلك مثلً‪ ،‬فقلنها‪ :‬أخبرونها عهن هذه النخلة‪ ،‬أليهس لهها جذع‪ ،‬وكرب‪ ،‬وليهف‪،‬‬ ‫وسهعف‪ ،‬وخوص‪ ،‬وجمار؟ واسهمها شيهء واحهد؟ سهميت نخلة بجميهع صهفاتها؟ فكذلك ال‪-‬وله المثهل‬ ‫العلى‪ -‬بجميع صفاته إله واحد‪.‬‬ ‫ول نقول‪ :‬إ نه كان في و قت من الوقات ول قدرة له‪ ،‬ح تى خلق لنف سه قدرة‪ ،‬أو كان ول علم‬ ‫له‪ ،‬حتى خلق له علما‪ ،‬ولكن نقول‪ :‬لم يزل عالما‪ ،‬قادرا‪ ،‬مالكا‪ ،‬ل متى‪ ،‬ول كيف" انتهى(‪.)174‬‬

‫‪ )(171‬الية ‪ 4‬من سورة الخلص ‪.‬‬ ‫‪ )(172‬الية ‪ 1‬من سورة الخلص ‪.‬‬ ‫‪)(173‬الية ‪ 65‬من سورة مريم‪.‬‬ ‫‪")(174‬مجموع الفتاوى" (‪،)17/449‬وانظر‪ :‬رد المام أحمد‪ ،‬في "مجموع عقائد السلف" (ص ‪.)91‬‬ ‫‪47‬‬

‫ص َمدُ} (‪)175‬على أ نه لم يلد‪ ،‬ولم يولد‪،‬‬ ‫حدٌ {‪}1‬اللّ هُ ال ّ‬ ‫وقال أيضا‪" :‬ودل قوله‪-‬تعالى‪{ :-‬قُلْ هُ َو اللّ هُ َأ َ‬ ‫ولم يكن له كفوا أحد‪ ،‬ولهذا فسر الصمد بأنه الذي لم يلد‪ ،‬ولم يولد‪.‬‬ ‫ص ‪66‬‬ ‫فإن ال صمد‪ :‬هو الذي ل جوف له‪ ،‬ول أحشاء‪ ،‬فل يد خل ف يه ش يء؛ فل يأ كل ول يشرب‪ ،‬ك ما‬ ‫طعَمُ} (‪ ،)176‬وفي قراءة بفتح الياء الخيرة"‪.‬‬ ‫قال –تعالى‪{ :-‬وَهُ َو ُيطْ ِعمُ َولَ ُي ْ‬ ‫وفسر بعض السلف "الصمد" بأنه الذي ل يخرج منه شيء‪ ،‬وليس مرادهم أنه ل يتكلم‪ ،‬فإنه يقال‬ ‫في الكلم‪ :‬خرج منه‪ ،‬كما في الحديث‪":‬ما تقرب العباد إلى ال بشيء أفضل مما خرج منه" انتهى(‪.)177‬‬ ‫ودل الحديهث على اسهتحباب قراءة اليات التهي تشتمهل على صهفات ال تعالى‪ ،‬خلفا للمبتدعهة‬ ‫الذين يكرهون آيات الصفات عند العامة‪ ،‬وفيه التصريح بأن ال يحب ذلك ويحب من يحبه‪.‬‬ ‫ص ‪67‬‬

‫‪ )(175‬اليتان ‪2-1‬من سورة الخلص‪.‬‬ ‫‪)(176‬الية ‪14‬من سورة النعام‪.‬‬ ‫‪)(177‬المصدر السابق‪ ،‬والحديث خرجه الترمذي (‪ ،)4/249‬وعبد ال ابن المام أحمد في "السنة" (ص‬ ‫‪.)20‬‬ ‫‪48‬‬

‫سنَى} (‪.")178‬‬ ‫حْ‬ ‫سمَاء ا ْل ُ‬ ‫لْ‬ ‫حمَهنَ َأيّا مّا َتدْعُو ْا فَلَهُ ا َ‬ ‫"باب قوله –تعالى‪{ :-‬قُلِ ا ْدعُو ْا اللّ َه أَ ِو ادْعُواْ ال ّر ْ‬ ‫قال الطهبري‪-‬رحمهه ال تعالى‪" :-‬يقول –تعالى ذكره‪ -‬لنهبيه‪:‬قهل يها محمهد لمشركهي قومهك‬ ‫َسهمَاء‬ ‫َهه ال ْ‬ ‫ن َأيّاه مّاه َتدْعُواْ فَل ُ‬ ‫حمَهه َ‬ ‫المنكريهن دعاء الرحمهن‪{ :‬ادْعُواْ اللّههَ} أيهها القوم‪{ ،‬أَ ِو ادْعُو ْا ال ّر ْ‬ ‫سنَى} بأي أ سمائه‪ -‬جل جلله‪ -‬تدعون رب كم فإن ما تدعون واحدا‪ ،‬وله ال سماء الح سنى‪ ،‬وإن ما ق يل‬ ‫ا ْلحُ ْ‬ ‫ذلك له‪-‬صلى ال عليه وسلم – لن المشركين‪،‬فيما ذكر‪ -‬سمعوا النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – يدعو‬ ‫ر به‪ :‬يا رب نا ال‪ ،‬و يا رب نا الرح من‪ ،‬فظنوا أ نه يد عو إله ين‪ ،‬فأنزل ال ال ية‪ ،‬ثم روي ذلك عن ا بن‬ ‫عباس‪ ،‬وعن مكحول"(‪.)179‬‬ ‫قال ا بن ح جر‪" :‬كأ نه ل مح في هذه الترج مة بهذه ال ية إلى ما ورد في سبب نزول ها‪ ،‬و هو ما‬ ‫أخر جه ا بن مردو يه ب سند ضع يف‪ ،‬عن ا بن عباس‪ :‬أن المشرك ين سمعوا ر سول ال‪ -‬صلى ال عل يه‬ ‫وسلم – يدعو‪ :‬يا ال‪ ،‬يا رحمن‪ ،‬فقالوا‪ :‬كان محمد يأمرنا بدعاء إله واحد‪ ،‬وهو يدعو إلهين‪ .‬فنزلت‪،‬‬ ‫وأخرج عن عائشة بسند آخر نحوه"(‪.)180‬‬ ‫قلت‪ :‬يظههر لي أن مقصهود البخاري‪-‬رحمهه ال‪ -‬بالترجمهة بهذه اليهة‪ ،‬بيان اختصهاص ال‪-‬‬ ‫تبارك وتعالى‪ -‬بالسماء الحسنى‪ ،‬وأن أسماءه كاملة المعاني‪ ،‬ل يلحقها نقص‪ ،‬أو عيب‪ ،‬وأن اتصاف‬ ‫المخلوق ببعهض مها يتصهف الرب تعالى بهه مهن المعانهي‪ ،‬ل يلزم منهه نقهص أو عيهب فهي أسهمائه‬ ‫و صفاته‪-‬تعالى‪ -‬لن ها ح سنى كاملة تنا سب عظم ته‪ ،‬فل يتو هم أن في ذلك ت شبيها ك ما يتزع مه أ هل‬ ‫البدع الذين ظنوا أن مجرد المشاركة في السم أو المعاني يفيد الت شبيه‪ ،‬فنفوا صفات ال‪-‬تعالى‪ -‬من‬ ‫أجل ذلك‪.‬‬ ‫وأ ما المخلوق فأ سماؤه و صفاته لي ست ح سنى‪ ،‬ول كاملة‪ ،‬ف هي تنا سب ضع فه وعجزه‪ ،‬والذي‬ ‫يو ضح مراد البخاري بذلك الحديثان اللذان ذكره ما"ل ير حم من ل ير حم الناس"‪ ،‬و في ال خر "إن ما‬ ‫يرحهم ال مهن عباده الرحماء"‪ ،‬فإذا كان المخلوق يرحهم‪ ،‬ويسهمى رحيما‪ ،‬وال‪-‬تعالى‪ -‬يرحهم ويسهمى‬ ‫رحيما‪ ،‬فليس ما‬ ‫ص ‪68‬‬ ‫يخهص ال‪ -‬تعالى‪ -‬مهن هذا السهم أو الفعهل مماثلً أو مقاربا لمها يخهص المخلوق‪ ،‬فل يجوز‬ ‫تأو يل أو ن في رح مة ال‪-‬تعالى‪ -‬وغير ها من صفاته‪ ،‬من أ جل تو هم أن مجرد المشار كة في المع نى‬ ‫يلزم منها التشبيه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫قال ابن القيم‪" :‬أسماؤه‪-‬تعالى‪ -‬كلها مدح وثناء وتمجيد‪ ،‬ولذلك كانت حسنى وصفاته كلها صفات‬ ‫كمال"(‪.)181‬‬ ‫‪)(178‬الية ‪110‬من سورة السراء‪.‬‬ ‫‪")(179‬تفسير الطبري" (‪.)15/182‬‬ ‫‪")(180‬الفتح" (‪.)13/360‬‬ ‫‪" )(181‬مدارج السالكين" (‪.)1/125‬‬ ‫‪49‬‬

‫و ما ذكره ب عض الشراح‪ :‬مم أن البخاري ذ كر هذا الباب ليكون كال صل ل ما بعده من البواب‪،‬‬ ‫وما بعده كالفرع عليه‪ ،‬وقال‪ :‬إنه قصد السمين المذكورين في الية‪ ،‬وهما "ال"‪" ،‬والرحمن"؛ لنهما‬ ‫خاصان بال‪-‬تعالى‪ ،-‬فليس بظاهر‪ ،‬وهذان السمان جاء ذكرهما كثيرا فيما بعد‪ ،‬والظاهر لي – وال‬ ‫أعلم‪ -‬مها أشرت إليهه فيمها سهبق قبهل قليهل‪ ،‬يوضهح ذلك مها جاء فهي سهبب النزول كمها قال الحافهظ‪،‬‬ ‫"والرحمن" يأتي تابعا "ل" كغيره من السماء الحسنى‪.‬‬ ‫ه ا ْلبَا ِرئُ‬ ‫ه ا ْلخَالِق ُ‬ ‫فههو أراد بهذا الباب مها دلت عليهه اليات الخرى كقوله‪-‬تعالى‪ُ { :-‬هوَ اللّه ُ‬ ‫سنَى فَادْعُو ُه ِبهَا} (‪ ،)183‬وقوله‪{ :‬اللّ ُه ل إِلَهَ‬ ‫سمَاء ا ْلحُ ْ‬ ‫سنَى} (‪ ،)182‬وقوله‪{ :‬وَلِلّ ِه الَ ْ‬ ‫سمَاء ا ْلحُ ْ‬ ‫ا ْلمُصَ ّورُ لَ ُه الَ ْ‬ ‫سنَى} (‪.)184‬‬ ‫حْ‬ ‫سمَاء ا ْل ُ‬ ‫لْ‬ ‫ِإلّ ُهوَ َلهُ ا َ‬

‫‪)(182‬الية ‪ 24‬من سورة الحشر‪.‬‬ ‫‪)(183‬الية ‪ 180‬من سورة العراف‪.‬‬ ‫‪)(184‬الية ‪ 8‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫ص ‪69‬‬ ‫‪ -6‬قال‪" :‬حدثنا محمد‪ ،‬أخبرنا أبو معاوية‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن زيد بن وهب‪ ،‬وأبي ظبيان‪ ،‬عن‬ ‫جرير بن عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪" :-‬ل يرحم ال من ل يرحم الناس"‪.‬‬ ‫جرير هو‪ :‬أبو عمرو‪ ،‬جرير بن عبد ال بن جابر البجلي‪ ،‬الحمسي‪ ،‬وأحمس بطن من بجيلة‪،‬‬ ‫وبجيلة وخثعم أخوان‪ ،‬وهما من قحطان‪ ،‬وقيل‪ :‬من ربيعة بن نزار‪.‬‬ ‫قدم جر ير على ال نبي‪ -‬صلى ال عل يه و سلم – في آ خر حيا ته‪ ،‬فب شر به أ صحابه‪ ،‬وب سط له‬ ‫رداءه‪.‬‬ ‫وكان –رضي ال عنه‪ -‬صادق اليمان‪ ،‬صادعا بالحق‪ ،‬ل تأخذه في ال لومة لئم‪ ،‬وكان يقول‬ ‫كما في "الصحيحين"‪ ،‬وغيرهما‪" :‬بايعت النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – على إقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪،‬‬ ‫والنصح لكل مسلم"(‪.)185‬‬ ‫وبعثه النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – لهدم ذي الخلصة‪ ،‬وهو صنم كبير كان لدوس‪ ،‬فهدمه‪.‬‬ ‫ودعا له النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – ولخيل أحمس ورجالها‪.‬‬ ‫وكان حسهن الوجهه‪ ،‬حيهث كان يقال له‪ :‬يوسهف هذه المهة‪ ،‬وكان طويلً إذا ركهب الفرس تكاد‬ ‫تخط رجله في الرض‪.‬‬ ‫ل إلى معاوية‪ ،‬ثم اعتزل الحروب بينهما وتحول إلى جزيرة ابن‬ ‫نزل الكوفة‪ ،‬فأرسله علي رسو ً‬ ‫عمر‪ ،‬توفى بقرقيسيا سنة إحدى وخمسين‪ ،‬وقيل‪ :‬بعدها‪- ،‬رضي ال عنه‪.)186(-‬‬ ‫"قوله‪" :‬ل يرحم ال من ل يرحم الناس" في رواية لمسلم‪" :‬من ل يرحم الناس‪ ،‬ل يرحمه ال"‪.‬‬ ‫وعند الطبراني‪" :‬من ل يرحم من في الرض‪ ،‬ل يرحمه من في السماء" ورواته ثقات‪.‬‬ ‫ولبي داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬والحاكم‪" :‬ارحموا من في الرض يرحمكم من في السماء"‪.‬‬ ‫وفي الطبري‪" :‬من ل يرحم المسلمين لم يرحمه ال"(‪.)187‬‬ ‫ص ‪70‬‬ ‫قلت‪ :‬ومعنى هذه الروايات واحد‪ ،‬ففي هذه الحاديث وأمثالها كثير‪ ،‬دليل على أن الرحمة صفة‬ ‫تقوم بمن يشاء ال من عباده‪ ،‬الذين يريد‪-‬جل وعل‪ -‬رحمتهم‪ ،‬وتتخلف عن الشقياء‪ ،‬الذين ل يرحمهم‬ ‫ال –تعالى‪.-‬‬ ‫وقد روى البخاري في " الدب المفرد"‪ ،‬من حديث أبي هريرة‪ ،‬أن النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم –‬ ‫قال‪ " :‬ل تنزع الرحمة إل من شقي"(‪.)188‬‬ ‫‪)(185‬انظر" الفتح" (‪ )1/137‬وغيره‪ ،‬و"مسلم" (‪ )1/75‬في "اليمان" رقم (‪.)56‬‬ ‫‪)(186‬انظر‪" :‬أسد الغابة" (‪ ،)333/‬و"الستيعاب" (‪ ،)1/236‬و"الصابة" (‪ ،)1/475‬و"سير أعلم‬ ‫النبلء" (‪.)2/530‬‬ ‫‪")(187‬الفتح" (‪.)10/440‬‬ ‫‪51‬‬

‫وقهد علم مهن ديهن الرسهل‪ ،‬وكتهب ال تعالى‪ ،‬أن ال متصهف بالرحمهة‪ ،‬وليسهت رحمتهه ثوابهه‬ ‫وجزاءه‪ ،‬كما يقوله أهل التحريف والمؤولة‪ ،‬من الشعرية وغيرهم‪.‬‬ ‫ج َمعُونَ} (‪.)189‬‬ ‫خ ْيرٌ ّممّا َي ْ‬ ‫ح َمتِهِ َف ِبذَِلكَ فَلْيَ ْف َرحُو ْا هُ َو َ‬ ‫ل اللّهِ َو ِب َر ْ‬ ‫وقد قال ال‪-‬تعالى‪{ :-‬قُلْ بِ َفضْ ِ‬ ‫فع طف الرح مة على الف ضل يدل على المغايرة‪ ،‬وف ضل ال‪-‬تعالى‪ -‬الذي هو الثواب والجزاء‪-‬‬ ‫مخلوق‪ ،‬ليس من صفات ال – تعالى‪ -‬القائمة به‪ ،‬وإن كان الفضل في الية غير متعين إرادة الثواب‬ ‫به‪ ،‬بل يجوز أن يراد به التفضل الذي هو فعل ال –تعالى‪.-‬‬ ‫وإذا كان الجماع حاصهلً بيهن المهة‪ ،‬بأن ال ‪ -‬تبارك وتعالى‪ -‬ليهس كمثله شيهء فهي ذاتهه‬ ‫المقدسة‪ ،‬فيجب أن تكون صفاته كصفات خلقه؛ لن الصفة تتبع الموصوف‪ ،‬فصفات ال‪-‬تعالى‪ -‬من‬ ‫الرحمة‪ ،‬والرضا‪ ،‬والغضب‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬تليق بعظمته‪ ،‬وتناسبه‪ ،‬وصفة المخلوق من ذلك وغيره تليق‬ ‫بضعفه‪ ،‬وعجزه وفقره‪.‬‬ ‫و إن من الضلل‪ ،‬والبعد عن كتاب ال‪ ،‬وهدي رسوله‪ ،‬وسبيل المؤمنين حقا‪ ،‬نفي صفات ال –‬ ‫تعالى‪ -‬وتعطيله منها اعتللً بأنها تفيد التشبيه؛ لن المخلوق‬ ‫ص ‪71‬‬ ‫يوصف بتلك الصفات‪ ،‬وهل هذا إل مثل من يقول‪ :‬أنا ل أقر بوجود ال‪ -‬تعالى‪ -‬لن المخلوق‬ ‫موجود؟‬ ‫وقد تقدمت الشارة إلى أن مجرد الشتراك في السم أو في المعاني العامة ل يقتضي تشبيها‪،‬‬ ‫وسيأتي لذلك مزيد إن شاء ال‪ -‬تعالى‪.-‬‬

‫‪)(188‬انظر‪" :‬الدب المفرد" (ص ‪ ،)136‬قال محققه ‪ :‬أخرجه الترمذي (‪ ،)25‬كتاب البر والصلة (‪)16‬‬ ‫بابك ما جاء في رحمة المسلمين‪ ،‬و أبو داود‪ ،‬كتاب الدب(‪ ،)58‬باب في الرحمة‪ ،‬و أحمد في " المسند"‬ ‫رقم(‪ )1064 ،9946 ،9941 ،9700 ،7988‬وغيرهم‪ ،‬وسنده صحيح‪.‬‬ ‫‪)(189‬الية ‪58‬من سورة يونس‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫ص ‪72‬‬ ‫‪ -7‬قال‪ :‬حدث نا أ بو النعمان‪ ،‬حدث نا حماد بن ز يد‪ ،‬عن عا صم الحول‪ ،‬عن أ بي عثمان النهدي‪،‬‬ ‫عن أسامة بن زيد‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند النبي –صلى ال عليه وسلم – إذ جاءه رسول إحدى بناته تدعوه إلى‬ ‫ابنها في الموت‪ ،‬فقال النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪" :-‬ارجع فأخبرها‪ ،‬أن ل أخذ‪ ،‬وله ما أعطى‪ ،‬وكل‬ ‫شيء عنده بأجل مسمى‪ ،‬فمرها فلتصبر‪ ،‬ولتحتسب"‪.‬‬ ‫فأعادت إليه الرسول‪ ،‬أنها أقسمت لتأتينها‪ ،‬فقال النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – وقام معه سعد بن‬ ‫عبادة‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬فدفع الصبي إليه‪ ،‬ونفسه تقعقع كأنها في شن‪ ،‬ففاضت عيناه‪ ،‬فقال له سعد‪ :‬يا‬ ‫رسول ال‪ ،‬ما هذا؟ قال‪" :‬هذه رحمة جعلها ال في قلوب عباده‪ ،‬وإنما يرحم ال من عباده الرحماء"‪.‬‬ ‫أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل‪ ،‬الكلبي‪،‬حب رسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم – وابن حبه‬ ‫وموله‪ ،‬وابن مولته أم أيمن‪.‬‬ ‫أمره رسول ال‪-‬صلى ال عل يه وسلم – على جيش فيه كبار المهاجر ين‪ ،‬والنصار‪ ،‬من هم أبو‬ ‫بكر وعمر‪ ،‬وقال فيه –صلى ال عليه وسلم ‪" :-‬وايم ال إن كان لخليقا للمارة"(‪.)190‬‬ ‫وفهي البخاري‪ ،‬وغيره أنهه –صهلى ال عليهه وسهلم – قال له‪ ،‬وللحسهن‪" :‬اللههم إنهي أحبهمها‪،‬‬ ‫فأحبهما"(‪.)191‬‬ ‫وزوجه فاطمة بنت قيس‪ -‬وهو ابن خمس عشرة سنة‪ ،‬وتوفي رسول ال – صلى ال عليه وسلم‬ ‫– و هو ابن ت سع عشرة سنة‪ ،‬وفضله ع مر‪ -‬ر ضي ال عنه ما‪ -‬في العطاء على اب نه عبد ال‪ ،‬وح ين‬ ‫راجعه قال له‪ :‬إنه أحب إلى رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم – منك‪.‬‬ ‫واعتزل الحروب ب ين أ هل الشام وأ هل العراق‪ ،‬ومات بوادي القرى سنة أر بع وخم سين‪ ،‬وق يل‬ ‫غير ذلك(‪.)192‬‬ ‫قوله‪" :‬إحدى بناته" قال الحافظ‪" :‬هي زينب‪ ،‬كما جاء في "مصنف ابن أبي شيبة"(‪.)193‬‬ ‫ص ‪73‬‬ ‫قلت‪ :‬يشير إلى ما رواه ابهن أبي شيبة بالسند المذكور هنا‪ ،‬قال‪" :‬دمعت عين رسول ال‪-‬صلى‬ ‫ال عليه وسلم – حين أتي بابنة زينب‪ ،‬ونفسها تقعقع كأنهها في شن‪ ،‬قال‪ :‬فبكى‪ ،‬قال‪ :‬فقال له رجل‪:‬‬ ‫تبكي وقد نهيت عن البكاء…" فذكر بقية الحديث كما ذكره البخاري(‪.)194‬‬

‫‪)(190‬أخرجه البخاري في مواضع من "الصحيح"‪ ،‬انظر‪" :‬الفتح" (‪ )86، 7/498‬و (‪.)11/521‬‬ ‫‪)(191‬انظر‪" :‬الفتح" ‪ )94، 7/88‬و (‪.)10/434‬‬ ‫‪)(192‬انظر‪" :‬الصابة" (‪ )1/49‬تحقيق البجاوي‪ ،‬و"سير أعلم النبلء" (‪ )2/496‬وغيرها‪.‬‬ ‫‪)(193‬انظر‪" :‬الفتح" (‪.)3/156‬‬ ‫‪)(194‬انظر‪" :‬مصنف ابن أبي شيبة" (‪.)3/392‬‬ ‫‪53‬‬

‫ثم قال الحافظ‪" :‬ووجدت في الن ساب للبلذري‪ ،‬أن عبد ال بن عثمان بن عفان من رق ية ب نت‬ ‫النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – لما مات‪ ،‬وضعه النبي –صلى ال عليه وسلم – في حجره وقال‪" :‬إنما‬ ‫يرحم ال من عباده الرحماء"‪.‬‬ ‫وفي "مسند البزار"‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬ثقل ابن فاطمة‪ ،‬فبعث إلى النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم‬ ‫ … فذكر نحو الحديث المذكور هنا‪ ،‬فعلى هذا‪ ،‬فالبن هو محسن بن على بن أبي طالب‪ ،‬وقد اتفق‬‫أ هل العلم بالخبار أ نه مات صغيرا‪ ،‬في حياة ال نبي‪ -‬صلى ال عل يه و سلم ‪ ،-‬فهذا أولى أن يف سر به‬ ‫البن‪ ،‬لكن الصواب أن المرسلة؛ زينب‪ ،‬وأن الولد صبية‪ ،‬كما ثبت في "مسند أحمد" بالسند المذكور‪،‬‬ ‫ولفظه‪" :‬أتي النبي‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬بأمامة بنت زينب‪ ،‬ونفسها تقعقع كأنها في شن …" وذكر‬ ‫بقية الحديث(‪.)195‬ومثله في "معجم الطبراني"‪ ،‬وقد شفاها ال‪ -‬تعالى‪ -‬فعاشت زمنا بعد وفاة رسول ال‬ ‫– صلى ال عليه وسلم – وتزوجها على ابن أبي طالب‪ ،‬بعد وفاة فاطمة‪ ،‬وقتل وهي عنده‪- ،‬رضي‬ ‫ال عنهم‪ -‬جميعا"(‪.)196‬‬ ‫قوله‪" :‬إن ل ما أخذ‪ ،‬وله ما أعطى"‪ ،‬قال النووي‪-‬رحمه ال‪" :-‬هذا أحسن ما يعزى به" ثم قال‪":‬‬ ‫وهذا الحديهث مهن أعظهم قواعهد السهلم؛ لشتماله على مهمات كثيرة مهن أصهول الديهن‪ ،‬وفروعهه‪،‬‬ ‫والداب‪ ،‬وال صبر على النوازل كل ها‪ ،‬والهموم‪ ،‬وال سقام وغ ير ذلك‪ ،‬ومع نى قوله‪" :‬إن ل ما أ خذ" أن‬ ‫العالم كله ملك ل –تعالى‪ ،-‬فلم يأخذ ما هو لكم‪ ،‬بل أخذ ما هو له عندكم‪ ،‬في معنى العارية‪.‬‬ ‫ومع نى‪" :‬وله ما أع طى" أن ما وهبه ل كم ليس خارجا عن مل كه‪ ،‬بل هو له يف عل ف يه ما يشاء‪،‬‬ ‫وكل شيء عنده بأجل مسمى‪ ،‬فل تجزعوا فإن من قبض فقد‬ ‫ص ‪74‬‬ ‫انق ضى أجله الم سمى‪ ،‬فمحال تأخره أو تقد مه ع نه‪ ،‬فاعلموا ذلك‪ ،‬وا صبروا‪ ،‬واحت سبوا ما نزل‬ ‫بكم"(‪.)197‬‬ ‫وقوله‪" :‬وكل شيء عنده بأجل مسمى" من فقد محبوب‪ ،‬أو حصول مرغوب‪ ،‬وتصرف في هذا‬ ‫الكون الذي هو بأسه ملك ل يفعل فيه ما يريد‪ ،‬وأجل المسمى‪ :‬هو المقدر بوقت معين ل يتأخر عنه‪،‬‬ ‫ول يتقدم‪.‬‬ ‫و في هذه الجملة من الحد يث دل يل وا ضح على أن ال تعالى قدر كل ش يء وكت به‪ ،‬وعلم وق ته‬ ‫وحاله‪ ،‬وأن الحوادث كلها تقع على تقدير دقيق‪ ،‬ل تتأخر عن ذلك لحظة ول تتقدم‪ ،‬وهذا أصل عظيم‬ ‫من أ صول الد ين ال سلمي‪ ،‬ي جب أن يعلم‪ .‬واليمان به من أركان الد ين ل بد م نه‪ ،‬والدلة عل يه من‬ ‫الكتاب والسنة كثيرة‪.‬‬ ‫‪)(195‬انظر‪" :‬المسند " (‪.)5/204‬‬ ‫‪")(196‬الفتح" (‪.)3/156‬‬ ‫‪)(197‬انظر‪" :‬الذكار" (ص ‪.)213-212‬‬ ‫‪54‬‬

‫قوله‪" :‬فلت صبر‪ ،‬ولتحت سب" ال صبر‪ :‬ح بس الن فس عن الجزع‪ ،‬والت سخط‪ ،‬وح بس الجوارح ع ما‬ ‫ن هى ع نه الشرع من شق الثياب‪ ،‬وخ مش الوجوه ولطم ها‪ ،‬والكلم الذي ينا في الت سليم لرب العالم ين‪،‬‬ ‫وما أشبه ذلك مما يدل على تسخط القدار‪ ،‬والعتراض على القضاء الذي قضاه ال قبل وجود الخلق‪.‬‬ ‫والحتسهاب‪ :‬ههو نيهة طلب الثواب مهن ال على اليمان بالقدر‪ ،‬والتسهليم لمهر ال –تعالى‪،-‬‬ ‫واليمان بوعد ال –تعالى‪ ،-‬فإنه وعد على الصبر الجزاء‪.‬‬ ‫قال ابن القيم‪" :‬حقيقة الصبر‪ :‬أنه خلق فاضل من أخلق النفس يمتنع به من فعل ما ل يحسن‪،‬‬ ‫ول يجمل"(‪.)198‬‬ ‫قوله‪" :‬فأعادت إل يه الر سول‪ ،‬أن ها أق سمت لتأتين ها" جاء في ب عض الروايات أن ها راجع ته ثلث‬ ‫مرات‪ ،‬وإنما ذهب إليها بعد الثالثة‪.‬‬ ‫والحامل لها ما علمت من أن حضور النبي –صلى ال عليه وسلم – فيه الخير والبركة‪ ،‬وأنه‬ ‫يتوقع أن يرفع ال ببركة دعائه وحضوره ما هي فيه وابنتها من ألم وتوجع‪ ،‬وقد حقق ال – تعالى –‬ ‫أملها ورغبتها‪ ،‬فشفا مريضها كما سبق‪.‬‬ ‫ص ‪75‬‬ ‫ول يعترض على هذا أن القدر لبد من وقوعه‪ ،‬فكيف يتخلف من أجل الدعاء أو غيره‪ ،‬فإن ال‬ ‫تعالى جعل لكل شيء سببا‪ ،‬ورتب المسببات على أسبابها‪ ،‬فقدر أن هذا الشيء يقع في وقت معين مع‬ ‫سهببه‪ ،‬فالدعاء المأمور بهه ل يلزم أن يكون قدرا مكتوبا‪ ،‬بهل إذا أمهر ال عباده بالدعاء‪ ،‬فمنههم مهن‬ ‫يطي عه في ستجيب له دعاءه إن شاء ال أو ي من عل يه ب ما طل به‪ ،‬فيدل ذلك على أن المعلوم ل –تعالى‪-‬‬ ‫المقدر له هو الدعاء والجابة‪.‬‬ ‫ومنههم مهن يعصهي أمهر ال تعالى فل يدعهو‪ ،‬فل يحصهل مها علق على الدعاء‪ ،‬فيدل على أن‬ ‫المعلوم ل‪ -‬تعالى – المقدر‪ :‬عدم الدعاء وما رتب عليه من الجابة‪.‬‬ ‫فما يحصل بالدعاء قدر ال حصوله بالدعاء ل بدونه‪ ،‬وهو‪-‬جل وعل‪ -‬يبتلي خلقه بالمصائب‪،‬‬ ‫تأديبا لهم‪ ،‬وتكفيرا لذنوبهم‪ ،‬رحمة منه بهم‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬ونفسه تقعقع كأنها في شن" القعقعة‪ :‬صوت الشيء اليابس الجاف الخفيف إذا حرك‪ ،‬يعني‬ ‫بذلك‪ :‬صوت نفسه عند صعوده ونزوله في صدره من شدة اللم‪.‬‬ ‫والشن‪ :‬بفتح الشين وتشديد النون‪ :‬القربة الخلقة اليابسة‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬ففا ضت عيناه"أي ذر فت عي نا ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم – بالدموع رح مة لهذا‬ ‫الضعيف‪ ،‬وتوجعا لما نزل به من ألم شديد‪.‬‬ ‫"فقال سعد‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ما هذا؟" كان –صلى ال عليه وسلم – ينهى عن البكاء على الميت‪،‬‬ ‫ف ظن سعد‪-‬ر ضي ال ع نه‪ -‬وغيره أن الن هي يد خل ف يه د مع الع ين‪ ،‬وحزن القلب‪ ،‬فبين ل هم ال نبي –‬ ‫‪")(198‬عدة الصابرين" (ص ‪.)12‬‬ ‫‪55‬‬

‫صلى ال عليه وسلم – أن المنهي عنه هو التسخط من المقدور‪ ،‬ودعوى الجاهلية من العويل والنوح‪،‬‬ ‫وتعداد محا سن الم يت‪ ،‬و ما أش به ذلك من ل طم الو جه و شق الثياب ونحوه‪ ،‬م ما يدل على ال سخط من‬ ‫الواقع‪ ،‬وعدم الصبر‪.‬‬ ‫وأما دمع العين وحزن القلب‪ ،‬فهو من الرحمة للضعفاء التي هي سبب رحمة أرحم الراحمين‪-‬‬ ‫جل وعل‪.-‬‬ ‫قوله‪" :‬هذه رحمة جعلها ال في قلوب عباده" أي " الدمع الذي رأيته من أثر الرحمة التي جعلها‬ ‫ال – تعالى – في قلوب عباده‪ ،‬الذين أراد ‪-‬تعالى –رحمتهم؛ لن الجزاء من جنس العمل‪ ،‬والضافة‬ ‫هنها خاصهة‪ ،‬أي الذيهن عبدوه باتباع أمره‪ ،‬واجتناب نهيهه‪ ،‬وقهد تكون عامهة‪ ،‬فإن الكافهر قهد يرحهم‬ ‫الصغير‪ ،‬فيبكي عليه رحمة‪.‬‬ ‫ص ‪76‬‬ ‫قوله‪" :‬إنما يرحم ال من عباده الرحماء" أي‪ :‬رحمة ال‪-‬تعالى‪ -‬للمحسنين إلى عباده برحمت هم‪،‬‬ ‫والرحماء من صيغ المبالغة‪ ،‬ولهذا قال بعض الشراح‪" :‬المعنى‪ :‬أن ال –تعالى‪ -‬ل يرحم من عباده إل‬ ‫كثير الرحمة‪ ،‬فالرحماء جمع رحيم‪ ،‬وهو من صيغ المبالغة"(‪.)199‬‬ ‫قلت‪ :‬هذا الحصهر ل ينبغهي‪ ،‬وإن كان التركيهب فهي الحديهث يفيده‪ ،‬ولكهن فيمها يظههر لي‪-‬وال‬ ‫أعلم‪ -‬أنه غير مقصود؛ للدلة على أن رحمة ال وسعت كل شيء‪ ،‬وإنما المقصود هنا رحمة خاصة‬ ‫بمن هذه صفتهم‪.‬‬ ‫وهذا القدر من الحديث هو محل الشاهد الذي سيق الحديث من أجله‪ ،‬مع قوله "هذه رحمة جعلها‬ ‫ال في قلوب عباده" وذلك أن القدر المشترك بين أسماء ال –تعالى‪ -‬وصفاته‪ ،‬وبين أسماء المخلوقين‬ ‫وصفاتهم في اللفظ والمعنى ل يقتضي المشابهة؛ لن أسماء ال –تعالى‪ -‬حسنى‪ ،‬ل يلحقها نقص‪ ،‬ول‬ ‫عيهب‪ ،‬بخلف أسهماء المخلوقيهن‪-‬و إن كان منهها الحسهن‪ -‬فليسهت بحسهنى‪ ،‬ولن الصهفات تابعهة‬ ‫للموصوف‪ ،‬وكذلك السماء‪ ،‬فالرحمة اسمه‪-‬تعالى‪ ،-‬والرحمة صفته‪ ،‬والمخلوق يتصف بالرحمة التي‬ ‫ير حم ب ها‪ ،‬و هي تاب عة له في الخلق والمع نى‪ ،‬ف هي مخلو قة ف يه؛ ل نه مخلوق ف صفاته مخلو قة‪ ،‬و هو‬ ‫ضع يف فق ير محتاج‪ ،‬و صفاته تنا سبه في ذلك مع أ نه ي سمى "رحيما" و"راحما" وال‪-‬تعالى مو صوف‬ ‫بالرحمهة ويسهمى "رحيما"‪ ،‬ول يكون فهي ذلك تشهبيه؛ لن المخلوق اسهمه وصهفته يختهص بهه‪ ،‬وال‪-‬‬ ‫تعالى‪ -‬ا سمه وصفته يخت صان به‪ ،‬فرح مة ال صفه له عل يا‪ ،‬صفة الكمال‪ ،‬و سالمة من كل ن قص أو‬ ‫عيهب يمكهن أن يلحهق المخلوق‪ ،‬فليسهت رحمتهه‪-‬تعالى‪ -‬عهن ضعهف أو عجهز‪ ،‬بهل عهن كمال فضله‬ ‫وإحسانه‪ ،‬ول يجوز أن تؤول بالثواب أو العطاء‪ ،‬أو إرادة ذلك‪ ،‬وما أشبهه مما يقوله أهل التأويل‪ ،‬كما‬

‫‪")(199‬المنهل العذب المورود" (‪.)8/277‬‬ ‫‪56‬‬

‫ذ كر الحا فظ ا بن ح جر عن شراح البخاري وغير هم‪ ،‬كقول ا بن بطال‪":‬إن المراد برحم ته‪ :‬إراد ته ت قع‬ ‫لمن سبق في علمه أنه ينفعه‪ ،‬وأما الرحمة التي جعلها في قلوب عباده‪ ،‬فهي من صفات الفعل(‪=)200‬‬ ‫ص ‪77‬‬ ‫و صفها بأ نه خلق ها في قلوب عباده‪ ،‬و هي ر قة على المرحوم‪ ،‬و هو سبحانه منزه عن الو صف‬ ‫بذلك‪ ،‬فتتأول بما يليق به"(‪.)201‬‬ ‫وذ كر من هذا النوع أشياء تخالف ن صوص كتاب ال‪ ،‬ون صوص سنة ر سوله‪ ،‬صلى ال عل يه‬ ‫و سلم – ك ما هي عاد ته؛ ل نه‪ -‬ع فا ال ع نا وع نه‪ -‬على المذ هب الشعري الذي يعت مد على تأو يل‬ ‫صفات رب العالم ين‪ ،‬وإن كان أحيانا يذ كر مذ هب ال سلف في ما ينقله‪ ،‬ولك نه ل يتبناه‪ ،‬بل يخلط بي نه‬ ‫وبين ما يخالفه‪.‬‬ ‫وهذا المذ هب‪ -‬أع ني مذ هب الشعر ية الذي عل يه أك ثر المتأخر ين‪ -‬مخالف ل ما عل يه ر سل ال‬ ‫صلى ال علي هم و سلم‪ ،‬ومخالف لكت به‪ ،‬ول ما عل يه أتباع الر سل‪ ،‬ك ما أعترف بذلك ب عض كبار علماء‬ ‫هذا المذ هب‪ ،‬كالف خر الرازي‪ ،‬والجوي ني‪ ،‬والغزالي‪ ،‬والشهر ستاني‪ ،‬وغير هم‪ ،‬ك ما يأ تي ذ كر ذلك‪ ،‬إن‬ ‫شاء ال‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫وهكذا تبرر الشعر ية تأو يل صفات رب العالم ين ب ما تعر فه من صفات المخلوق ين‪ ،‬فكأن هم لم‬ ‫يعرفوا من الرح مة إل أن ها الع طف والر قة على المرحوم‪ ،‬ول من الغ ضب إل أ نه غليان دم القلب ثم‬ ‫همونه تأويلً‪ ،‬وجعلوه واجبا‬ ‫هأوا إلى التحريهف الذي يسه‬ ‫ها أشبهه ذلك‪ ،‬ولهذا لجهه‬ ‫طلب النتقام‪ ،‬ومه‬ ‫ضروريا‪ ،‬حتى ل يلزم التشبيه‪ ،‬فيسلم المسلم من التشبيه والتجسيم على ما زعموا‪.‬‬ ‫هذا مع أنهم ينكرون على الفلسفة تأويلهم نصوص المعاد‪ ،‬وعلى الباطنية تأويلهم الشرائع أشد‬ ‫النكار‪ ،‬فما الذي سوغ لهم تأويل نصوص الصفات مع كثرتها ووضوحها؟ وما ادعوه أن العقل يوجب‬ ‫ذلك‪ ،‬بإمكان كل مبطل أن يدعيه‪.‬‬ ‫فليس هناك عاصم من الضلل‪ ،‬إل الوقوف مع نصوص كتاب ال وسنة رسوله‪-‬صلى ال عليه‬ ‫وسلم ‪ ،-‬وقد تقدمت الشارة إلى ذلك في المقدمة‪.‬‬ ‫قال أ بو ع بد ال مح مد بن إبراه يم بن على بن المرت ضى اليما ني‪-‬رح مه ال تعالى‪":-‬ال مر‬ ‫الثا ني‪ :‬و هو الن قص في الد ين‪ ،‬برد الن صوص والظوا هر‪ ،‬ورد حقائق ها إلى المجاز‪ ،‬من غ ير ح جة‬ ‫قاطعة‪ ،‬تدل على ثبوت الموجب للتأويل‪ ،‬إل مجرد التقليد لبعض أهل الكلم في قواعد لم يتفقوا عليها‪،‬‬ ‫وأف حش ذلك مذ هب القرام طة الباطن ية في تأو يل ال سماء الح سنى كل ها‪ ،‬وفي ها عن ال‪-‬تعالى‪ ،-‬على‬ ‫سبيل التنزيه‬ ‫‪)(200‬صفات الفعل عند الشعرية‪ :‬ما فعله‪-‬تعالى‪ -‬منفصلً عنه‪ -‬يعني مخلوقاته التي وجدت بصفة الخلق‪-‬‬ ‫وليس هناك اشتباه بين ما يسميه ابن بطال صفات فعل‪ ،‬وبين صفات ال‪ ،‬حتى يلزم ما ذكره‪.‬‬ ‫‪")(201‬الفتح" (‪.)13/358‬‬ ‫‪57‬‬

‫ص ‪78‬‬ ‫له عن ها‪ ،‬وتحق يق التوح يد بذلك‪ ،‬ودعوى أن إطلق ها يقت ضي الت شبيه‪ ،‬ح تى قالوا‪ :‬ل يقال" إ نه‬ ‫موجود‪ ،‬ول معدوم‪.‬‬ ‫فكما أن كل مسلم يعلم أن هذا كفر صريح‪ ،‬فكذلك المحدث الذي طالت مطالعته للثار‪ ،‬وقد يعلم‬ ‫أن تأويل بعض المتكلمين مثل ذلك‪.‬‬ ‫و من الضروري ورود أ سماء ال الح سنى في كتا به على سبيل التمدح ب ها والثناء العظ يم عل يه‬ ‫بهها‪ ،‬أل ترى‪-‬مثلً‪ -‬أن الرحمهن الرحيهم متلوان فهي جميهع الصهلوات‪ ،‬مذكوران فهي أكثهر محافهل‬ ‫المسلمين‪ ،‬مجمعين على أنهما أحسن الثناء على ال‪ -‬تعالى‪ -‬متقربين إلى ال‪-‬تعالى‪ -‬بمدحه بهما؟‬ ‫وكرر‪-‬تعالى‪ -‬التمدح بالرح مة في كتا به أك ثر من خم سمائة مرة‪ ،‬با سم الرح من أك ثر من مائة‬ ‫وستين مرة‪ ،‬وباسمه الرحيم أكثر من مائتي مرة‪ ،‬وجمعهما مائة وستين مرة‪ .‬وجاء الرحيم مقترنا مع‬ ‫التواب مرارا‪ ،‬ومرارا مع الرؤوف‪ ،‬والرأفة أشد الرحمة‪ ،‬مرارا مع الغفور‪ ،‬وهي كثيرة‪ ،‬عرفت منها‬ ‫سبعة وستين موضعا‪.‬‬ ‫وقد فطر ال العقول على معرفة رحمة ال‪ ،‬وسعة علمه‪ ،‬وكمال قدرته‪.‬‬ ‫فما هو المانع من إثبات صفة الرحمة ونحوها مما أثبته ال ورسوله‪ ،‬مع نفي النقائص المتعلقة‬ ‫بصفات المخلوقين في حياتهم‪ ،‬وكذلك كل صفة يتصف بها الرب‪-‬تعالى‪ -‬ويوصف بها العبد‪ .‬فإنه –‬ ‫جل وعل‪ -‬يوصف بها على أكمل وجه‪ ،‬خالية عن جميع النقائص‪ ،‬والعبد يوصف بها على ما يناسبه‪،‬‬ ‫من نقص وضعف‪ ،‬وبهذا فسر أهل السنة نفي التشبيه‪ ،‬ولم يفسروه بنفي الصفات كما فعل المعطلة‪.‬‬ ‫ومما يدل على بطلن التأويل‪ :‬كون المعتزلة ي سخرون من تأويل الشعرية للحكيم‪ ،‬والشعرية‬ ‫ت سخر من تأو يل ب عض المعتزلة لل سميع الب صير‪ ،‬وأ هل ال سنة ي سخرون من تأو يل الفريق ين للرح من‬ ‫الرحيم‪ ،‬وما أشبههما‪ ،‬والكل يسخر من تأويل القرامطة‪ .‬فيجب إثبات ما وصف ال به ذاته الكريمة‪،‬‬ ‫من غير تأويل‪ ،‬ول تعطيل‪.‬‬ ‫ول يجوز القول بأن ظاهر هذه السماء كفر‪ ،‬وضلل‪ ،‬وأن الصحابة والسلف الصالح لم يفهموا‬ ‫ذلك‪ ،‬أو أنهم فهموه ولم يقوموا بالواجب من نصح المسلمين وبيان التأويل الحق؛ لمرين‪:‬‬ ‫ص ‪79‬‬ ‫الول‪ :‬قاطهع ضروري‪ ،‬وههو أن العادة توجهب أن مها كان كذلك أن يظههر التحذيهر منهه‪ ،‬مهن‬ ‫رسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم – ومن أصحابه‪ ،‬ويتواتر أعظم من تحذيرهم من الدجال الكذاب‪ ،‬ول‬ ‫يجوز‪ -‬مع كمال عقول هم وأديان هم‪ -‬أن يتركوا صبيانهم ون ساءهم وعامت هم ي سمعون ما ظاهره ك فر‪،‬‬ ‫منسوبا إلى ال‪ -‬تعالى‪ -‬ورسوله ويسكتون عليه‪ ،‬مع بلدة الكثرين‪.‬‬ ‫ولو تركوا بيان ذلك‪ ،‬ثقهة بنظهر العقول الدقيهق‪ ،‬لتركوا التحذيهر مهن فتنهة الدجال‪ ،‬فإن بطلن‬ ‫ربوبي ته أظ هر في العقول من ذلك‪ ،‬أل ترى أن المتكلم ين ل ما اعتقدوا ق بح هذه الظوا هر‪ ،‬توا تر عن هم‬ ‫‪58‬‬

‫التحذيهر عنهها‪ ،‬وتأويلهها‪ ،‬فصهنفوا فهي ذلك‪ ،‬وأيقظوا الغافليهن‪ ،‬وعلموا الجاهليهن‪ ،‬وكفروا المخالفيهن‪،‬‬ ‫وأشاعوا ذلك ب ين الم سلمين‪ ،‬بل ب ين العالم ين‪ ،‬فكان أ حق من هم بذلك سيد المر سلين وقدماء ال سابقين‪،‬‬ ‫وأنصار الدين‪ ،‬لو كان ذلك حقا‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أنه ثبت تحريم الزيادة في الدين‪ ،‬فل يصح سكوت الشرع عن النص على ما يحتاج إليه‪،‬‬ ‫من مهمات الدين‪ ،‬فالسلم متبع‪ ،‬ل مخترع‪ ،‬ولذلك كفر من أنكر شيئا من أركان الدين؛ لنها معلومة‬ ‫ضرورة‪ ،‬فأولى وأحرى أن ل يج يء الشرع بالبا طل منطوقا متكررا من غ ير ت نبيه على ذلك‪ ،‬ل سيما‬ ‫إذا كان ما سموه باطلً‪ ،‬هو المعروف في جميع كتب ال‪ ،‬ولم يأت ما يعارضه من طريق شرعي‪ ،‬ول‬ ‫عقلي‪ ،‬حتى يجب التأويل‪.‬‬ ‫وكثير منهم يزعم أنه ما جاء التصريح بالحق في آية واحدة تكون هي المحكمة التي رد إليها‬ ‫جميع المتشابه‪ ،‬وال‪-‬تعالى‪ -‬ذكر أنه أنزل في كتابه آيات محكمات‪ ،‬ترد إليها المتشابهات‪ ،‬ولم يذكر‬ ‫أن جميع كتابه متشابه‪ ،‬فبطل ما يقولون‪.‬‬ ‫و قد اعترف الرازي‪ -‬في كتا به "الربع ين"(‪ -)202‬و هو من أ كبر خ صوم أ هل ال سنة‪ -‬أن جم يع‬ ‫الك تب ال سماوية جاءت ب صفات ال –تعالى‪ -‬ولم ي نص ال‪-‬تعالى‪ -‬في آ ية واحدة على أ نه منزه عن‬ ‫الوصهف بالرحمهة والحلم والحكمهة‪ ،‬ومها أشبهه ذلك‪ .‬والمهر ظاههر وإن لم يعترف بهه‪ ،‬وهذه الكتهب‬ ‫السماوية موجودة‪.‬‬ ‫ص ‪80‬‬ ‫وهبك تقول‪ :‬هذا الصبح ليل‬

‫أيعمى العالمون عن الضياء"‬

‫(‪)203‬‬

‫قلت‪ :‬دعوى المجاز فهي اسهمه –تعالى‪" -‬الرحمهن" وغيره مهن السهماء الحسهنى‪ ،‬مهن أبطهل‬ ‫الدعاوى؛ لن ذلك يتضمهن إنكار حقيقهة صهفة الرحمهة‪ ،‬وههو أعظهم مهن إنكار الكفار لسهمه تعالى‬ ‫ت مِن َقبِْلهَا‬ ‫ك فِي ُأمّةٍ َقدْ خَلَ ْ‬ ‫"الرحمن"‪ ،‬كما ذكر ال –تعالى‪ -‬عنهم ذلك‪ ،‬قال –تعالى‪َ { :-‬كذَلِ كَ َأرْ سَ ْلنَا َ‬ ‫ن قُلْ ُهوَ َربّ ي ل إِلَ ه َه ِإلّ ُهوَ عََليْ ِه تَ َوكّلْ تُ‬ ‫حمَ ه ِ‬ ‫حيْنَا إَِليْ كَ وَهُ مْ َيكْ ُفرُو نَ بِال ّر ْ‬ ‫ُأمَ مٌ ّل َتتْلُوَ عََل ْيهِ مُ اّلذِ يَ أَ ْو َ‬ ‫وَإَِل ْيهِ َمتَابِ} (‪.)204‬‬ ‫ن قَالُوا َومَا ال ّرحْمَنُ} (‪.)205‬‬ ‫حمَ ِ‬ ‫جدُوا لِل ّر ْ‬ ‫سُ‬ ‫وقال –تعالى‪{ :-‬وَِإذَا قِيلَ َل ُهمُ ا ْ‬ ‫فهؤلء الذين كفروا بالرحمن‪ ،‬وأنكروه‪ ،‬لم يكفروا بذاته‪-‬تعالى‪ -‬وربوبيته‪ ،‬ولم ينكروا ما يدعيه‬ ‫المؤولة أن معنى اسمه الرحمن هو الحسان والنعام إلى خلقه‪ ،‬وإنما أنكروا اسمه‪-‬تعالى‪" -‬الرحمن"‬ ‫أن يسمى به‪.‬‬ ‫‪)(202‬كتاب "الربعين في أصول الدين في علم الكلم" ‪.‬‬ ‫‪ ")(203‬إيثار الحق على الخلق"‪ ،‬بتلخيص وتصرف (ص ‪.)139-129‬‬ ‫‪)(204‬الية ‪ 30‬من سورة الرعد‪.‬‬ ‫‪)(205‬الية ‪ 60‬من سورة الفرقان‪.‬‬ ‫‪59‬‬

‫وإنكار صفة الرح مة أع ظم من إنكار ال سم‪ ،‬و هو من أع ظم اللحاد في أ سمائه –تعالى‪-‬؛ لن‬ ‫وضع السم مقصود به الدللة على المعنى المراد منه‪ ،‬وهو الرحمة‪ ،‬كما هو معلوم في جميع أسمائه‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫وتعليلهم لنفي الرحمة عن ال‪-‬تعالى‪ -‬بأنها رقة القلب التي تحمل الميل إلى المرحوم‪.‬‬ ‫جوابهه‪ :‬أن هذه رحمهة المخلوق‪ ،‬ووصهفه‪ ،‬وأمها رب العالميهن‪ ،‬فليهس كمثله شيهء فهي ذاتهه‬ ‫وصفاته‪ ،‬فليست رحمته‪-‬تعالى‪ -‬من جنس رحمة خلقه‪-‬جل وعل‪.-‬‬ ‫وممها يعجهب منهه أن أههل التأويهل‬

‫(‪)206‬‬

‫يجعلون الرحمهة بالنسهبة للمخلوق حقيقهة‪ ،‬وبالنسهبة ل‪-‬‬

‫تعالى‪ -‬مجازا‪ ،‬فك يف تكون رح مة أر حم الراحم ين ال تي و سعت كل ش يء مجازا‪ ،‬ورح مة المخلوق‬ ‫الضعيف حقيقة؟‬ ‫ص ‪81‬‬ ‫و كل العقلء يدركون آثار رح مة ال –تعالى‪ -‬في الخلق‪ ،‬ك ما يدركون آثار ربوبي ته أو أع ظم‪،‬‬ ‫وهذا من أظهر الشياء وأوضحها‪.‬‬ ‫ومعلوم أن ال سماء ال تي ت سمى الرب –تعالى‪ -‬ب ها –و هي كل ها ح سنى‪ -‬ل ها معان ي ستدل ب ها‬ ‫عليها؛ لنها مشتقة من تلك المعاني‪ ،‬وهذه المعاني هي الصفات‪ ،‬وليست أسماؤه تعالى مجرد أعلم‪،‬‬ ‫فالرحمهن يدل على الرحمهة‪ ،‬والعليهم يدل على العلم‪ ،‬والحكيهم يدل على الحكمهة‪ ،‬وهكذا جميهع أسهمائه‬ ‫تعالى‪.‬‬

‫‪)(206‬أقصد الذين يؤولون الصفات كما هي طريقة أكثر الشعرية‪.‬‬ ‫‪60‬‬

‫ص ‪82‬‬ ‫قال‪ :‬باب قول ال‪-‬تعالى‪( :-‬أنا الرزاق ذو القوة المتين)‪.‬‬ ‫‪" -8‬حدث نا عبدان‪ ،‬عن أ بي حمزة‪ ،‬عن الع مش‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪ ،‬عن أ بي ع بد الرح من‬ ‫السلمي‪ ،‬عن أبي موسى الشعري‪ ،‬قال‪ :‬قال النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪" :-‬ما أحد أصبر على أذى‬ ‫سمعه من ال‪ ،‬يدعون له الولد‪ ،‬ثم يعافيهم‪ ،‬ويرزقهم"‪.‬‬ ‫أبو موسى الشعري‪ :‬هو عبد ال بن قيس بن سليم الشعري‪.‬‬ ‫وأمه ظبية بنت وهب بن عك‪ ،‬هاجر إلى الحبشة قديما‪ ،‬ثم قدم على النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم‬ ‫– في خيبر‪ ،‬مع جعفر وأصحابه‪ ،‬وهو من سادات الصحابة وعلمائهم‪ ،‬عرف بالشجاعة والجتهاد في‬ ‫طلب الخير‪ ،‬وكان قارئا حسن الصوت‪ ،‬حتى قال فيه النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم ‪":-‬لقد أعطي مزمارا‬ ‫من مزامير آل داود"‬

‫(‪)207‬‬

‫توفي –رضي ال عنه‪ -‬بمكة‪ ،‬وقيل‪ :‬بالكوفة‪ ،‬سنة اثنتين‪ ،‬أو أربع وأربعين‪ ،‬عن ثلث وستين‬ ‫سنة(‪.)208‬‬ ‫أما الية فهكذا قرأها ابن مسعود‪ ،‬وقال‪ :‬إنه أقرأه إياها رسول ال –صلى ال عليه وسلم – كما‬ ‫رواه المام أحمد بسند صحيح(‪ ،)209‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن صحيح(‪.)210‬‬ ‫ت ا ْلجِنّ وَالِن سَ ِإلّ‬ ‫وهذه ال ية مرتب طة بال ية قبل ها في المع نى‪ ،‬و هي قوله‪-‬تعالى‪{ :-‬وَمَا خَلَقْ ُ‬ ‫ط ِعمُو نِ {‪}57‬إِنّ اللّ َه هُ َو الرّزّا قُ ذُو الْ ُقوّ ِة ا ْل َمتِي نُ}‬ ‫ِل َي ْعبُدُو نِ {‪}56‬مَا ُأرِيدُ ِم ْنهُم مّن رّزْ قٍ َومَا ُأرِي ُد أَن يُ ْ‬ ‫(‪ ،)211‬والمع نى‪ :‬أ نه –تعالى‪ -‬خلق العباد ليعبدوه‪ ،‬ول يشركوا به شيئا‪ ،‬ف من أطا عه في ذلك جازاه أ تم‬ ‫الجزاء وأحسنه‪ ،‬ومن أبى وعصاه عذبه أشد العذاب‪.‬‬ ‫ص ‪83‬‬ ‫وأخبر أنه غير محتاج إليهم‪ ،‬بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم‪ ،‬فهو خالقهم ورازقهم"(‪.)212‬‬ ‫فهو‪-‬جل وعل‪ -‬لم يخلقهم ليستعين بهم أو ليقوى بهم‪ ،‬كما يقصد السادة من عبيدهم‪.‬‬ ‫قوله‪{ :‬إِنّ اللّ َه هُ َو الرّزّا قُ ذُو الْ ُقوّ ِة ا ْل َمتِي نُ} هذه القراءة المج مع علي ها‪ ،‬المتواترة‪ ،‬وقراءة ا بن‬ ‫مسعود تتفق معها في المعنى‪.‬‬

‫‪)(207‬انظر‪" :‬البخاري" (‪" )6/161‬فضائل القرآن"‪.‬‬ ‫‪)(208‬انظر‪" :‬الستيعاب" (‪" ،)3/979‬أسد الغابة" (‪" ،)3/367‬الصابة" (‪. )6/194‬‬ ‫‪)(209‬انظر‪" :‬السند" (‪.)1/394‬‬ ‫‪")(210‬تفسير ابن كثير" (‪ ،)7/402‬وانظر‪" :‬سنن أبي داود" (‪ )4/291‬وفيه ‪" :‬إني أنا الرزاق" الخ‪ ،‬ومثله‬ ‫في الترمذي(‪.)4/262‬‬ ‫‪)(211‬اليات ‪ 58-56‬من سورة الذاريات‪.‬‬ ‫‪")(212‬تفسير ابن كثير" (‪.)1/402‬‬ ‫‪61‬‬

‫والمعنى‪ :‬أن ال –تعالى‪ -‬هو المتكفل بأرزاق الخلق وحاجاتهم؛ وأكد الجملة به "إن" والضمير؛‬ ‫لقطع توهم من يعتمد على قوته‪ ،‬أو علمه وصنعته‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬في أمور الرزق‪،‬؛ ليصرف اعتمادهم‬ ‫إلى ال وحده‪.‬‬ ‫{ذُو الْ ُقوّةِ} أي القوة العظيمهة التهي ل تضاههي‪ ،‬ول تقاس بقوة خلقهة مهمها بلغهت قوتههم‪ ،‬فههو‪-‬‬ ‫تعالى‪ -‬على كل شيء قدير‪ ،‬ل يمتنع عليه شيء‪.‬‬ ‫و{ا ْل َمتِي نُ} الشد يد القوة‪ ،‬الذي ل يطرأ عل يه ع جز أو ض عف‪ ،‬تعالى وتقدس‪ ،‬وهذا المروي عن‬ ‫ابن عباس كما ذكره الطبري(‪.)213‬‬ ‫قال ابن الجوزي‪" :‬والمتين‪ :‬الشديد القوة الذي ل تنقطع قوته‪ ،‬ول يلحقه في أفعاله مشقة"(‪.)214‬‬ ‫ورفع "المتين" على أنه وصف "الرزاق" أو لذو‪ ،‬أو خبر مبتدأ محذوف‪ ،‬أو خبر بعد خبر‪ ،‬وهذه‬ ‫قراءة الجمهور‪ ،‬وقرأ يحيى بن وثاب والعمش بجر "المتين" على أنه صفة للقوة‪.‬‬ ‫وهذه اليهة ونظائرهها تدل بوضوح على أن ال –تعالى‪ -‬موصهوف بالصهفات العليها‪ ،‬كمها أنهه‬ ‫م سمى بال سماء الح سنى‪ ،‬فالقوة صفته‪ ،‬والرزاق ا سمه‪ ،‬وتقدم أن كل ا سم ل بد أن يتض من ال صفة‪،‬‬ ‫وبذلك وغيره يرد على المنكرين للصفات‪ ،‬كما سبقت الشارة إليه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫ص ‪84‬‬ ‫وأمها معنهى الحديهث‪ :‬فقال النووي‪" :‬قال العلماء‪ :‬معناه‪ :‬أن ال –تعالى‪ -‬واسهع الحلم حتهى على‬ ‫الكافهر الذي ينسهب إليهه الولد والنهد‪ ،‬قال المازري‪ :‬حقيقهة الصهبر‪ :‬منهع النفهس مهن النتقام أو غيره‪،‬‬ ‫فالصبر نتيجة المتناع‪ ،‬فأطلق اسم الصبر على المتناع في حق ال –تعالى‪.-‬‬ ‫قلت‪ :‬هذا الكلم فيه نظر فقد جاء في أسمائه تعالى‪ :‬الصبور‪ ،‬وفي هذا الحديث‪ ":‬ما أحد أصبر‬ ‫على أذى سمعه من ال – تعالى – "‪.‬‬ ‫قال القاضي‪ :‬والصبور من أسماء ال – تعالى ‪ ،-‬وهو‪ :‬الذي ل يعاجل العصاة بالنتقام‪ ،‬وهو‬ ‫بمعنى الحليم في أسمائه – سبحانه وتعالى ‪ ،-‬والحليم‪ :‬هو الصفوح مع القدرة على النتقام"(‪.)215‬‬ ‫قلت‪ :‬قول المازري‪ ":‬فأطلق اسم الصبر على المتناع في حق ال –تعالى‪."-‬‬ ‫فيه نظر‪ ،‬وذلك أن رسوله –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أطلق على ربه الصبر‪ ،‬وأنه ما أحد أصبر‬ ‫م نه‪ ،‬و هو – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬أعلم الخلق بال – تعالى – وأخشا هم له‪ ،‬وأقدر هم على البيان عن‬ ‫الحق‪ ،‬وأنصحهم للخلق‪ ،‬فل استدراك عليه‪ ،‬فيجب أن يبقى ما أطلقه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬على ال‬ ‫– تعالى – بدون تأو يل‪ ،‬إل إذا كان ير يد بذلك تف سير مع نى ال صبر‪ ،‬ول كن الولى أن يب قى ك ما قال؛‬ ‫لنه واضح ليس بحاجة إلى تفسير‪.‬‬ ‫‪)(213‬انظر‪" :‬تفسير الطبري" (‪.)27/13‬‬ ‫‪")(214‬تفسير ابن الجوزي" (‪.)8/44‬‬ ‫‪" )(215‬شرح النووي على مسلم" (‪.)17/146‬‬ ‫‪62‬‬

‫قوله في الحد يث‪ " :‬ا صبر" أف عل تفض يل من ال صبر‪ ،‬و من أ سمائه الح سنى "ال صبور"‪ ،‬ومعناه‪:‬‬ ‫الذي ل يعاجل العصاة بالعقوبة‪ ،‬وهو قريب من معنى الحليم‪ ،‬والحليم أبلغ في السلمة من العقوبة(‪.)216‬‬ ‫وقال الزجاج‪ ":‬أصهل الصهبر فهي الكلم‪ :‬الحبهس‪ ،‬يقال‪ :‬صهبرته على كذا صهبرا‪ :‬إذا حبسهته‪،‬‬ ‫ومعنى الصبر والصبور في اسم ال – تعالى – قريب من معنى الحلم"(‪.)217‬‬ ‫وقال ا بن الث ير‪ ":‬ال صبور‪ :‬هو الذي ل يعا جل الع صاة بالنتقام من هم‪ ،‬بل يؤ خر ذلك إلى أ جل‬ ‫مسمى‪ ،‬فمعنى الصبور في صفة ال – تعالى – قريب من معنى‬ ‫ص ‪85‬‬ ‫الحليم‪ ،‬إل أن الفرق بين المرين أنهم ل يأمنون العقوبة في صفة الصبور‪ ،‬كما يأمنون منها في‬ ‫صفة الحليم"(‪.)218‬‬ ‫يقصد أن صفة الحلم أكثر رجاء ورحمة وأوسع لعباده‪ ،‬من صفة الصبور‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬على أذى سمعه من ال" لفظ الذى في اللغة هو لما خف أمره‪ ،‬وضعف أثره من الشر‬ ‫والمكروه‪ ،‬وذكره الخطا بي‪ ،‬قال ش يخ ال سلم‪" :‬وهو كما قال‪ ،‬بخلف الضرر‪ ،‬ف قد أخبر ‪ -‬سبحانه‪-‬‬ ‫شيْئا}‬ ‫ضرّواْ الّل َه َ‬ ‫ن فِي ا ْلكُ ْف ِر ِإ ّنهُمْ لَن َي ُ‬ ‫ن ُيسَارِعُو َ‬ ‫ل َيحْزُنكَ اّلذِي َ‬ ‫أن العباد ل يضرونه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬و َ‬ ‫(‪ ،)219‬فبين أن الخلق ل يضرونه‪ ،‬لكن يؤذونه"(‪.)220‬‬ ‫فا بن آدم يؤذي ال ‪ -‬تعالى‪ -‬وي سبه‪ ،‬بإضا فة ما يتعالى ويتقدس ع نه‪ ،‬م ثل ن سبة الولد إل يه –‬ ‫تعالى‪ -‬وال ند‪ ،‬والشر يك في العبادة‪ ،‬ال تي ي جب أن تكون خال صة له وحده‪ ،‬وم ثل إ سناده نع مه وأفعاله‬ ‫إلى غيره‪ ،‬من الد هر‪ ،‬والطبي عة‪ ،‬والكون والمخلوقات‪ ،‬وغ ير ذلك‪ ،‬ثم ي سبون ما أ سندوا تلك الحوادث‬ ‫إل يه‪ ،‬فيقولون‪ :‬أ صابتهم قوارع الد هر‪ ،‬وأبادت هم حواد ثه‪ ،‬وأهلكت هم كوارث الطبي عة‪ ،‬و يا خي بة الد هر‪،‬‬ ‫وهذا زمان سوء‪ ،‬وما أشبه ذلك‪.‬‬ ‫و في "ال صحيحين" عن أ بي هريرة‪-‬ر ضي ال ع نه‪ -‬قال ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم ‪:-‬‬ ‫"يقول ال‪-‬تعالى‪ :‬يؤذيني ابن آدم‪ ،‬يسب الدهر‪ ،‬وأنا الدهر‪ ،‬أقلب ليله ونهاره"(‪.)221‬‬ ‫وأذيهة ال‪-‬تعالى‪ -‬بنسهبة الحوادث‪ ،‬والكوارث إلى الدههر‪ ،‬أو الطبيعهة‪ ،‬وتوجيهه اللوم والقدح‬ ‫والسب إلى ذلك كثيرة في كلم أهل الدب وغيرهم‪ ،‬مع أن ذلك‬ ‫ص ‪86‬‬ ‫‪" )(216‬فتح الباري" (‪.)13/361‬‬ ‫‪ " )(217‬تفسير أسماء ال الحسنى" (ص ‪.)65‬‬ ‫‪" )(218‬جامع الصول" (‪.)4/183‬‬ ‫‪ )1(219‬الية ‪ 176‬من سورة آل عمران‪.‬‬ ‫‪")(220‬تيسير العزيز الحميد" (ص ‪.)542‬‬ ‫‪)(221‬انظر‪" :‬البخاري" (‪ )6/166‬وتفسير سورة الجاثية (‪ ،)8/574‬و (‪)10/564‬الدب‪ ،‬و(‪)9/179‬‬ ‫التوحيد‪ ،‬و"مسلم"‪ ،‬الدب (‪.)7/45‬‬ ‫‪63‬‬

‫صنع ال وفعله‪ ،‬ولذلك يرجع السبب إليه‪ ،‬تعالى عن قولهم علوا كبيرا‪ ،‬كقول ابن المعتز‪:‬‬ ‫يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدا‬

‫وأنت والد سوء تأكل الولدا‬

‫وقال أبي الطيب المتنبي‪:‬‬ ‫قبحا لوجهك يا زمان فإنهههه‬

‫وجه له من كل قبح بهرقع‬

‫(‪)222‬‬

‫وقول الطرفي‪:‬‬ ‫عليك دهر لهل الفضل قد خانا‬

‫إن تبتلى بلئام الناس يرفعهههم‬ ‫وقول التهامي‪:‬‬

‫خلق الزمان عداوة الحههرار‬

‫ليس الزمان وإن حرصت مسالما‬ ‫وقول الخر‪:‬‬

‫ينظر لما بي من العليا ول حسبي‬

‫وغاض رزقي وعاداني الزمان ولم‬ ‫وقول الحريري‪:‬‬

‫ول تأمههن الدهههر الخؤون ومكره فكههم عالم أخنههى عليههه ونابههه‬ ‫وقوله أيضا‪:‬‬ ‫ول ما تعا مى الد هر و هو أ بو الردى عن الر شد‪ ،‬في إيجا به ومقا صهده‬ ‫تعام يت ح تى ق يل‪ :‬إ ني أ خو ع مى ول غرو أن يحذو الفتهى حذو والده‬ ‫وقوله أيضا‪:‬‬ ‫هة‬ ‫هل النقيصه‬ ‫هم أهه‬ ‫ها ملك الحكه‬ ‫هه لمه‬ ‫هي حكمه‬ ‫هر فه‬ ‫هف الدهه‬ ‫ولو أنصه‬ ‫وقول موفق الدين‪ ،‬عبدال بن عمر النصاري‪ ،‬في تخميسه مقصورة ابن دريد‪:‬‬ ‫يههها زمنهههي ماذا العمهههى فوقهت لي مهن الرزايها أسههما …‬ ‫هههههههن ………‬ ‫ههم هذي الحقود و الحه‬ ‫ههر كه‬ ‫هها دهه‬ ‫يه‬

‫(‪)223‬‬

‫ص ‪87‬‬ ‫وقال تميم بن المعتز‪:‬‬ ‫هفا‬ ‫ها أقلك منصه‬ ‫هك ومه‬ ‫هي حالتيه‬ ‫يها دههر مها أقسهاك مهن متلون فه‬ ‫هيفا مرهفا‬ ‫هب سه‬ ‫هر اللبيه‬ ‫ههههس الجهول ممهدا وعلى الحه‬ ‫أتروح للنكه‬ ‫و إذا صهفوت كدرت شيمهة باخهل و إذا وفيهت نقضهت أسهباب الوفها‬ ‫هي أدري بأنههك ل تدوم على الصههفا‬ ‫هت لننه‬ ‫هك وإن كرمه‬ ‫ل أرتضيه‬ ‫‪")(222‬ديوان المتنبي" (ص ‪.)393‬‬ ‫‪ )(223‬انظر ‪ " :‬تخميس مقصورة ابن دريد" (ص ‪.)42‬‬ ‫‪64‬‬

‫هترد عطاءه و إذا اسهههتقام بدا له فتحرفههها‬ ‫هى اسه‬ ‫هن إذا أعطه‬ ‫زمه‬ ‫هها زمان بشره أولى بنها مها قهل منهك ومها كفهى‬ ‫هها قام خيرك يه‬ ‫مه‬ ‫وقال عبد الرحيم السطنبولي‪:‬‬ ‫أرى الدههههر يسهههعف جهاله وأوفههر حههظ بههه الجاهههل‬ ‫ومثل هذا كثير جدا في أشعار أهل الدب قديما وحديثا‪ ،‬وهو ل يجوز؛ لما دل عليه هذا الحديث‬ ‫الذي ن حن ب صدد شر حه‪ ،‬وللحاد يث الخرى ال صحيحة ال صريحة في الن هي عن ذلك‪ ،‬كحد يث أ بي‬ ‫هريرة التي‪ :‬يقول ال تعالى‪" :‬يؤذيني ابن آدم‪ ،‬يسب الدهر‪ ،‬وأنا الدهر‪ ،‬اقلب ليله ونهاره"(‪.)224‬‬ ‫يعنهي‪ :‬أن الدههر‪-‬الذي ههو الليهل والنهار‪ -‬مخلوق ل مسهخر‪ ،‬وههو مؤتمهر بأمهر ال –تعالى‪-‬‬ ‫مطيع له‪ ،‬فإذا سبه الساب‪ ،‬فإن السب يعود إلى فاعل الدهر وخالقه‪.‬‬ ‫ومعلوم أن توجيهه الخطاب والملم إلى اليام والليالي لنهها ظرف لوقوع الحوادث‪ ،‬ومها يؤلم‪،‬‬ ‫فوجهه اللوم إلى الدههر لذلك‪ ،‬وإل فغالب هؤلء‪ ،‬إن لم يكهن كلههم‪ ،‬ل يعتقدون أن الليهل والنهار ههو‬ ‫الم صرف المدبر‪ ،‬والمو جد ل ما ي قع ف يه‪ ،‬فر جع اللوم في الحقي قة إلى تلك الحوادث الواق عة في الل يل‬ ‫والنهار‪ ،‬فبذلك يعلم أن اللوم والسهب يعود إلى مقدرهها وموجدهها‪ ،‬وههو ال‪-‬تعالى‪ -‬خالق كهل شيهء‪،‬‬ ‫فليحذر الم سلم من مجاراة هؤلء الذ ين سلكوا طر يق أ هل الج هل من الكفار‪ ،‬وغير هم‪ ،‬في القدح في‬ ‫أفعال ال –تعالى‪ ،-‬وسخط أقداره وتدبيراته‪.‬‬ ‫ص ‪88‬‬ ‫قال ابهن الجوزي –رحمهه ال تعالى‪" :-‬مها رأت عينهي مصهيبة نزلت بالخلق أعظهم مهن سهبهم‬ ‫للزمان‪ ،‬وعيبهم للدهر‪ ،‬وقد كان هذا في الجاهلية‪ ،‬ثم نهى رسول ال –صلى ال عليه وسلم – عنه‪،‬‬ ‫فقال‪" :‬ل تسبوا الدهر‪ ،‬فإن ال هو الدهر"(‪.)225‬‬ ‫ومعناه‪ :‬أن تم ت سبون من فرق شمل كم‪ ،‬وأمات أهلي كم‪ ،‬وتن سبونه إلى الد هر‪ ،‬وال –تعالى‪ -‬هو‬ ‫الفاعل لذلك‪.‬‬ ‫وهؤلء إن أرادوا بالدههر‪ ،‬مرور الزمان‪ ،‬فذلك ل اختيار له‪ ،‬ول مراد‪ ،‬ول يعرف رشدا مهن‬ ‫ضلل‪ ،‬ول ينبغهي أن يلم‪ ،‬فإنهه زمان مدبر‪ ،‬ول يعقهل أن يكون ذم هؤلء يقصهد بهه الزمان الذي ل‬ ‫ت صرف له‪ ،‬فلم ي بق إل أن القوم خرجوا عن رب قة ال سلم‪ ،‬ون سبوا القبائح إلى ال –تعالى‪ -‬فاعتقدوا‬ ‫ق صور حكم ته‪ ،‬وأ نه يف عل ما ل ي صلح ك ما اعتقده إبل يس في تفض يل آدم‪ ،‬وهؤلء ل ينفع هم مع هذا‬ ‫الزيغ اعتقاد إسلم‪ ،‬ول فعل صلة‪ ،‬بل هم شر من الكفار"(‪.)226‬‬ ‫‪)(224‬سيأتي هذا الباب في قول ال "يريدون أن يبدلوا كلم ال"‪.‬‬ ‫‪)(225‬رواه مسلم في اللفاظ من الدب وغيره (‪ )4/1762‬رقم الحديث (‪ )2246‬وله عدة طرق عنده‪.‬‬ ‫‪")(226‬صيد الخاطر" (ص ‪ )490‬باختصار وتصرف يسير‪.‬‬ ‫‪65‬‬

‫قلت‪ :‬أكثهر هؤلء مهن الشعراء والدباء ل يقصهدون نسهبة القبائح إلى ال –تعالى‪ -‬مهن الجور‬ ‫والظلم‪ ،‬وإنما ساروا في ذلك على سبيل المتابعة لهل الجاهلية والتقليد‪ ،‬بدون تبصر لذلك‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫وكذلك يؤذي ابن آدم ربه بمخالفته أوامره –تعالى‪ -‬وارتكابه نهيه‪ ،‬والصرار على ذلك‪ ،‬وأذية‬ ‫رسله‪ ،‬وعباده الصالحين‪ ،‬بعيبهم‪ ،‬وتنقصهم‪ ،‬كما في "مسند المام أحمد"‪ ،‬من حديث عبد ال بن مغفل‬ ‫المز ني –ر ضي ال ع نه‪ -‬قال‪ :‬قال ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم ‪" :-‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬في أ صحابي‪ ،‬ل‬ ‫تتخذو هم غرضا بعدي‪ ،‬ف من أحب هم‪ ،‬ف من أحب هم‪ ،‬و من أبغض هم فببغ ضي أبغض هم‪ ،‬و من آذا هم ف قد‬ ‫آذاني‪ ،‬ومن آذاني فقد آذى ال‪ ،‬ومن آذى ال يوشك أن يأخذه"(‪.)227‬‬ ‫ص ‪89‬‬ ‫عدّ َلهُ مْ‬ ‫وقد قههال ال –تعالى‪{ :-‬إِنّ اّلذِي نَ يُ ْؤذُو نَ اللّ هَ َورَ سُولَ ُه َل َع َنهُ مُ اللّ هُ فِي ال ّد ْنيَا وَالخِرَةِ وََأ َ‬ ‫عذَابًا ّمهِينًا} (‪.)228‬‬ ‫َ‬ ‫قال ا بن جر ير –رح مه ال تعالى‪" :-‬أي الذ ين يؤذون رب هم بمع صيتهم إياه‪ ،‬وركوب هم ما حرم‬ ‫عليهم"(‪.)229‬‬ ‫و في قوله‪ " :‬ما أ حد أ صبر على أذى سمعه من ال" دل يل وا ضح على ت سميته –تعالى‪ -‬بذلك‪،‬‬ ‫أعني "الصبور"‪ ،‬كما جاء في حديث السماء الحسنى‪.‬‬ ‫قال ا بن الق يم –رح مه ال تعالى‪" :-‬ف قد أطلق عل يه –تعالى‪ -‬أعرف الخلق به‪ ،‬وأعظم هم تنزيها‬ ‫له‪ ،‬هذه الصهفة‪" :‬ومها أحهد أصهبر على أذى سهمعه مهن ال "‪ ،‬كمها أن مها ورد فهي السهماء الحسهنى‬ ‫"الصبور" من أمثلة المبالغة‪ ،‬فهو أبلغ من "الصابر" والصبار‪ .‬ومعنى الصبر معلوم في اللغة‪ ،‬والشرع‪،‬‬ ‫والعرف‪ ،‬فلسنا بحاجة إلى تأويلت المتكلمين‪ ،‬التي تبعد عن المعنى المقصود من الخطاب‪.‬‬ ‫وصبر ال –تعالى‪ -‬ل يماثل صبر المخلوق‪ ،‬بل يختلف عنه من وجوه‪:‬‬ ‫منها‪ :‬أنه عن قدرة تامة‪ .‬ومنها‪ :‬أنه ل يخاف الفوت‪ ،‬والعبد إنما يستعجل لخوف الفوت‪ .‬ومنها‪:‬‬ ‫أنهه –تعالى‪ -‬ل يلحقهه بصهبره ألم‪ ،‬ول حزن‪ ،‬ول نقهص بوجهه مهن الوجوه‪ .‬وظهور أثهر هذا السهم‬ ‫الكريم مشهود في العالم بالعيان‪ ،‬كظهور اسمه –تعالى‪ -‬الحليم‪ .‬والفرق بين الصبر والحلم‪ :‬أن الصبر‬ ‫ثمرة الحلم‪ ،‬وموجبه‪ ،‬والحلم في صفاته –تعالى‪ -‬أوسع من الصبر‪ ،‬ولهذا جاء في القرآن في مواضع‬ ‫حكِيمًا} (‪ ،230‬وقوله –تعالى‪:-‬‬ ‫ن اللّ هُ عَلِيمًا َ‬ ‫كثيرة‪ ،‬وجاء مقرونا مع ا سمه العل يم‪ ،‬كقوله –تعالى‪َ { :‬وكَا َ‬ ‫{وَالّلهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} (‪ ،)232( )231‬وحلمه –تعالى‪ -‬من لوازم ذاته‪.‬‬ ‫ص ‪90‬‬ ‫‪")(227‬المسند" (‪.)4/87‬‬ ‫‪)(228‬الية ‪ 57‬من سورة الحزاب‪.‬‬ ‫‪")(229‬تفسير الطبري" (‪.)21/44‬‬ ‫‪)(230‬الية ‪ 51‬من سورة الحزاب‪.‬‬ ‫‪)(231‬الية ‪ 12‬من سورة النساء‪.‬‬ ‫‪66‬‬

‫وأمها صهبره –تعالى‪ -‬فمتعلق بكفهر عباده‪ ،‬وشركههم‪ ،‬ومسهبتهم له –تعالى وتقدس‪ -‬وسهائر‬ ‫معاصهيهم‪ ،‬وفجورههم‪ ،‬فل يدعوه ذلك إلى تعجيهل عذابههم‪ ،‬بهل يصهبر عليههم ويمهلههم‪ ،‬ويرفهق بههم‪،‬‬ ‫ويستصلحهم بحلمه وصبره ونعمه‪ ،‬حتى إذا لم يبق فيهم موضع للصنيعة ول يصلحون على المهال‪،‬‬ ‫ولم ينيبوا إل يه‪ ،‬ل من باب الح سان والن عم‪ ،‬ول من باب البلء والن قم‪ ،‬أخذ هم أ خذ عز يز مقتدر‪ ،‬بعد‬ ‫غاية العذار إليهم‪ ،‬وبذل النصيحة لهم‪ ،‬ودعائهم من كل باب‪.‬‬ ‫وهذا كله من موجبات صفة حلمه‪ ،‬وهي صفة ذاتية له ل تزول‪.‬‬ ‫وأمها الصهبر فإذا زال متعلقهه كان كسهائر الفعال التهي توجهد لوجود الحكمهة وتزول بزوالهها‪،‬‬ ‫فتأمله‪ ،‬فإنه فرق لطيف قل من تنبه له‪.‬‬ ‫و قد أش كل على كث ير من العلماء مج يء هذا ال سم في أ سماء ال الح سنى‪ ،‬وقالوا‪ :‬لم يأت في‬ ‫القرآن‪ ،‬فأعرضوا عن الشتغال به‪.‬‬ ‫ولو أن هم أعطوه ح قه لعلموا أن الرب –تعالى‪ -‬أ حق به من جم يع خل قه‪ ،‬ك ما هو أ حق با سم‬ ‫العليهم‪ ،‬والرحيهم‪ ،‬والقديهر‪ ،‬وال سميع‪ ،‬و سائر أ سمائه الحسهنى من المخلوقيهن‪ ،‬وأن التفاوت الذي بيهن‬ ‫صبره –تعالى‪ -‬وب ين صبرهم‪ ،‬كالتفاوت الذي ب ين حيا ته وحيات هم‪ ،‬وعل مه وعلم هم‪ ،‬وهذا في سائر‬ ‫صفاته –تعالى‪ ،-‬ولهذا قال أعرف خل قه به‪ " :‬ل أ حد أ صبر على أذى سمعه من ال" –تعالى‪ -‬فعلم‬ ‫أرباب البصائر بصبره –سبحانه‪ -‬كعلمهم برحمته وعفوه وستره‪ ،‬مع أنه صبر مع كمال علم وقدرة‪،‬‬ ‫وعظمة وعزة‪ ،‬وهو صبر على أعظم مصبور عليه‪ ،‬فإن مقابلة أعظم العظماء‪ ،‬وملك الملوك‪ ،‬وأكرم‬ ‫الكرم ين‪ ،‬و من إح سانه فوق كل إح سان بغا ية الق بح‪ ،‬وأع ظم الفجور‪ ،‬واف حش الفوا حش‪ ،‬ون سبته –‬ ‫تعالى‪ -‬إلى كل ما ل يل يق به‪ ،‬والقدح في كماله‪ ،‬و في أ سمائه و صفاته‪ ،‬واللحاد في آيا ته‪ ،‬وتكذ يب‬ ‫ر سله –علي هم ال سلم‪ -‬ومقابلت هم بال سب والش تم والذى‪ ،‬وتحر يق أوليائه‪ ،‬وقتل هم وإهانت هم‪ -‬أ مر ل‬ ‫ي صبر عل يه إل ال صبور الذي ل أ حد أ صبر م نه‪ ،‬ول ن سبة ل صبر جم يع الخلق من أول هم إلى آخر هم‬ ‫إلى صبره –سبحانه وتعالى‪.-‬‬ ‫وم ما يع ين على معر فة صبره –تعالى‪ -‬وحل مه‪ ،‬والفرق بينه ما‪ :‬تأ مل قوله –تعالى‪{ :-‬إِنّ اللّ هَ‬ ‫ن حَلِيمًا غَفُورًا}‬ ‫حدٍ مّن َبعْدِ ِه ِإنّ ُه كَا َ‬ ‫ن َأ َ‬ ‫س َك ُهمَا مِ ْ‬ ‫ض أَن َتزُول وََلئِن زَاَلتَا ِإ نْ َأمْ َ‬ ‫ت وَالَرْ َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫ُيمْ سِكُ ال ّ‬ ‫(‪،)233‬‬ ‫ص ‪91‬‬

‫‪)(232‬وقد جاء اقترانه باسمه الغفور في مواضع عدة من القرآن كقوله تعالى‪{ :‬ولقد عفا ال عنهم إن ال‬ ‫غفور حليم] {سورة آل عمران‪ :‬آية ‪.]155‬‬ ‫‪)(233‬الية ‪ 41‬من سورة فاطر‪.‬‬ ‫‪67‬‬

‫ْهه‬ ‫ْنه ِمن ُ‬ ‫ت َيتَ َفطّر َ‬ ‫السهمَاوَا ُ‬ ‫ش ْيئًا ِإدّا {‪َ }89‬تكَادُ ّ‬ ‫ُمه َ‬ ‫ج ْئت ْ‬ ‫َنه وََلدًا {‪ }88‬لَ َقدْ ِ‬ ‫حم ُ‬ ‫خذَ ال ّر ْ‬ ‫وقوله –تعالى‪{ :-‬ا ّت َ‬ ‫ن َم ْكرُهُ مْ‬ ‫حمَ نِ وََلدًا} (‪)234‬وقوله –تعالى‪{ :-‬وَإِن كَا َ‬ ‫عوْا لِل ّر ْ‬ ‫جبَالُ َهدّا {‪ }90‬أَن دَ َ‬ ‫خرّ ا ْل ِ‬ ‫لرْ ضُ َو َت ِ‬ ‫َوتَنشَقّ ا َ‬ ‫جبَالُ} (‪ ،)235‬على قراءة فتح اللم‪.‬‬ ‫ِل َتزُولَ ِمنْ ُه ا ْل ِ‬ ‫فأخبر –تعالى‪ -‬أن حلمه ومغفرته يمنعان زوال السماوات والرض‪ ،‬فالحلم وإمساكهما أن تزول‬ ‫هو الصبر‪ ،‬فبحلمه صبر عن معاجلة أعدائه‪.‬‬ ‫وفهي اليهة إشعار بأن السهماوات والرض تههم وتسهتأذن بالزوال؛ لعظهم مها يأتهي بهه العباد‪،‬‬ ‫فيمسكهما بحلمه‪ ،‬ومغفرته‪ ،‬وذلك حبس عقوبته عنهم‪ ،‬وهو حقيقة صبره –تعالى‪.-‬‬ ‫فالذي صدر عنه المساك‪ ،‬هو صفة الحلم‪ ،‬والمساك هو الصبر‪ ،‬وهو حبس العقوبة‪ ،‬ففرق بين‬ ‫حبس العقوبة‪ ،‬وبين ما صدر عنه حبسها‪ ،‬فتأمله"(‪.)236‬‬ ‫قال ابن المنير‪" :‬وجه مطاب قة الحديث لل ية(‪ :)237‬اشتماله على صفتي الرزق‪ ،‬والقوة الدالة على‬ ‫القدرة‪ ،‬أمها الرزق‪ ،‬فوا ضح من قوله‪" :‬ويرزقههم"‪ ،‬وأمها القوة ف من قوله‪" :‬أ صبر" فإن ف يه إشارة إلى‬ ‫القدرة على الح سان إلي هم‪ ،‬مع إساءتهم‪ ،‬بخلف طبع الب شر‪ ،‬فإنه ل يقدر على الح سان إلى المسيء‬ ‫إل من جهة تكلفه ذلك شرعا‪ ،‬وسبب ذلك أن خوف الفوت يحمله على المسارعة إلى المكافأة بالعقوبة‪،‬‬ ‫وال –سبحانه‪ -‬قادر على ذلك حالً‪ ،‬ومآلً‪ ،‬ل يعجزه شيء ول يفوته"(‪.)238‬‬ ‫قلت‪ :‬ل يس ع جز الن سان عن ال صبر من أ جل خوف الفوت ف قط‪ ،‬بل ول نه ل ي ستطيعه ول‬ ‫يتحمله‪ ،‬لن ذلك يضره في نفسه‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬ ‫ص ‪92‬‬ ‫والذي يظهر أن ما أراده البخاري –رحمه ال‪ -‬من الحديث‪ ،‬هو البيان بأن ال –تعالى‪ -‬مسمى‬ ‫بالسماء الحسنى‪ ،‬ومتصف بالصفات العليا‪ ،‬حقيقة على ما يليق به‪-‬تعالى‪ ،-‬وعلى ما يفهم من اللفظ‬ ‫الموضوع للمعنهى المتعارف عليهه مهن ظاههر اللغهة‪ ،‬الذي أطل قه –تعالى‪ -‬على نفسهه أو أطلقهه عل يه‬ ‫ر سوله‪ ،‬دون تكلف تأو يل‪ ،‬أو رجوع إلى ا صطلح متكلم‪ ،‬أو متفل سف‪ ،‬ك ما ب ين ذلك قوله‪ " :‬ما أ حد‬ ‫أصبر على أذى سمعه من ال‪ ،‬يدعون له الولد‪ ،‬ثم يعافيهم ويرزقهم" فهذا هو حقيقة الصبر المعروف‬ ‫فهي اللغهة‪ ،‬ونصهوص الشرع‪ ،‬فل يجوز العدول عهن ذلك بالتأويلت التهي تبعهد المعنهى عهن مقصهود‬ ‫المتكلم من الل فظ‪ ،‬ودل قوله‪ " :‬ثم يعافي هم‪ ،‬ويرزق هم" على فضله على عباده بالعاف ية والرزق‪ ،‬وأن كل‬ ‫ما يقع بأيديهم من رزقه‪ ،‬فهو الذي هيأ أسبابه ويسر طرقه‪.‬‬

‫‪)(234‬اليات ‪91-88‬من سورة مريم‪.‬‬ ‫‪)(235‬الية ‪ 46‬من سورة إبراهيم ‪.‬‬ ‫‪")(236‬عدة الصابرين" (ص ‪.)237-236‬‬ ‫‪)(237‬في "الفتح"‪( :‬مطابقة الية للحديث) والمناسب ما أثبته‪.‬‬ ‫‪")(238‬فتح الباري" (‪.)13/361‬‬ ‫‪68‬‬

‫وقوله‪" :‬ثهم يعافيههم ويرزقههم" أي أنهه –تعالى‪ -‬يقابهل إسهاءتهم بالحسهان‪ ،‬فههم يسهيئون إل يه –‬ ‫تعالى‪ -‬بالعيب والسب‪ ،‬ودعوى ما يتعالى عنه ويتقدس‪ ،‬وتكذيب رسله ومخالفة أمره‪ ،‬وفعل ما نهاهم‬ ‫عنه فعله‪ ،‬وهو يحسن إليهم بصحة أبدانهم‪ ،‬وشفائهم من أسقامهم‪ ،‬وكلءتهم بالليل والنهار مما يعرض‬ ‫لهم‪ ،‬ويرزقهم بتسخير ما في السماوات والرض لهم‪ ،‬وهذا غاية الصبر والحلم والحسان‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪69‬‬

‫ص ‪93‬‬ ‫حدًا} (‪{ ،)239‬إِنّ اللّ هَ عِندَ هُ عِلْ مُ‬ ‫غ ْي ِب هِ َأ َ‬ ‫ظهِرُ عَلَى َ‬ ‫قال‪" :‬باب قول ال –تعالى‪{ :-‬عَالِ ُم ا ْل َغيْ بِ فَل ُي ْ‬ ‫ن أُنثَى وَل تَضَ ُع ِإلّ ِبعِ ْلمِ هِ} (‪ ،)242‬و{إَِليْ ِه ُي َردّ عِلْ مُ‬ ‫حمِلُ مِ ْ‬ ‫ال سّاعَةِ} (‪ ،)240‬و{أَنزَلَ ُه ِبعِ ْلمِ هِ} (‪ ،)241‬و{وَمَا َت ْ‬ ‫السّاعَةِ} (‪.)243‬‬ ‫قال يحيي‪ :‬الظاهر على كل شيء علما‪ ،‬والباطن على كل شيء علما"‪.‬‬ ‫هه‬ ‫هن لوازم نفسه‬ ‫هه –تعالى‪ -‬مه‬ ‫هه ال‪ -‬بيان ثبوت علم ال –تعالى‪ -‬وعلمه‬ ‫أراد البخاري –رحمه‬ ‫المقدسة‪ ،‬وبراهين علمه –تعالى‪ -‬ظاهرة مشاهدة في خلقه‪ ،‬وشرعه‪ ،‬ومعلوم عند كل عاقل أن الخلق‬ ‫خبِيرُ}‬ ‫يستلزم الرادة‪ ،‬ولبد للرادة من العلم بالمراد‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬أَل َيعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ ُهوَ الّلطِيفُ ا ْل َ‬ ‫(‪.)244‬‬ ‫والخالق هو‪ :‬المبدع بتقد ير سابق الوجود في الخارج‪ ،‬وهذا يتض من تقد ير المخلوقات في العلم‬ ‫ق بل إيجاد ها في الخارج‪ ،‬و هو أيضا ي ستلزم الرادة والمشيئة‪ ،‬والرادة م ستلزمة ت صور المراد والعلم‬ ‫به‪.‬‬ ‫ووصف نفسه ‪ -‬تعالى‪ -‬في هذه الية بأنه (لطيف) يدرك الدقيق‪( ،‬خبير) يدرك الخفي‪.‬‬ ‫والدلة على وصف ال بالعلم كثيرة‪ ،‬ول ينكرها إل ضال أو معاند مكابر‪.‬‬ ‫و في هذه اليات ال تي ذكر ها البخاري مدح ال‪ -‬سبحانه وتعالى‪ -‬في ها نف سه بأ نه عالم الغ يب‪،‬‬ ‫ل على أنه ل يعلم الغيب سواه‪ ،‬فعلمه –تعالى‪ -‬وسع كل شيء‬ ‫وأنه استأثر به دون خلقه‪ ،‬فكان ذلك دلي ً‬ ‫في الماضي‪ ،‬والمستقبل‪ ،‬والحال‪ .‬وفي الية الولى استثنى –تعالى‪ -‬من ارتضاه من رسله‪ ،‬فأطلعهم‬ ‫على ما يشاء من غي به‪ ،‬عن طر يق الو حي إلي هم‪ ،‬وإعلم هم به‪ ،‬وج عل ذلك معجزة ل هم‪ ،‬ودليلً على‬ ‫نبوتهم وصدقهم‪.‬‬ ‫ص ‪94‬‬ ‫وليس المنجم والكاهن‪ ،‬ومن ضاهاهما‪ ،‬كالضارب بالحصى‪ ،‬والناظر في الكتب والكف‪ ،‬وما‬ ‫أشبه ذلك‪ ،‬ممن أرتضاه ال من الرسل‪ ،‬حتى يطلعهم على ما يشاء من الغيوب‪ ،‬بل هم مفترون على‬ ‫ال‪ ،‬يصطادون أموال الجهلة من الناس بالتلبيس والحدس والتخمين الكاذب والدعاء الفارغ‪.‬‬

‫‪)(239‬الية ‪ 26‬من سورة الجن‪.‬‬ ‫‪)(240‬الية ‪ 34‬من سورة لقمان‪.‬‬ ‫‪)(241‬الية ‪ 166‬من سورة النساء‪.‬‬ ‫‪)(242‬الية ‪ 11‬من سورة فاطر‪ ،‬والية ‪ 47‬من سورة فصلت‪.‬‬ ‫‪)(243‬الية ‪ 47‬من سورة فصلت‪.‬‬ ‫‪)(244‬الية ‪ 14‬من سورة الملك‪.‬‬ ‫‪70‬‬

‫ن ا ْلغَائِبِينَ} (‪ ،)245‬واستعمل‬ ‫"والغيب" مصدر غاب‪ ،‬إذا استتر عن العين‪ ،‬قال –تعالى‪{ :-‬أَمْ كَانَ مِ َ‬ ‫سمَاء‬ ‫في كل غائب عن الحا سة‪ ،‬وع ما يغ يب عن علم الن سان‪ ،‬قال –تعالى‪{ :-‬وَمَا مِ نْ غَا ِئبَ ٍة فِي ال ّ‬ ‫ل فِي ِكتَابٍ ّمبِينٍ} (‪ ،)246‬ويقال للشيء‪ :‬غيب‪ ،‬وغائب‪ ،‬باعتبار تعلقه بالناس‪.‬‬ ‫لرْضِ ِإ ّ‬ ‫وَا َ‬ ‫شهَادَةِ} (‪ ،)247‬أي‪ :‬ما‬ ‫أما ال –تعالى‪ -‬فإنه ل يغيب عنه شيء‪ .‬وقوله –تعالى‪{ :-‬عَالِ مُ ا ْل َغيْ بِ وَال ّ‬ ‫يغيب عنكم‪ ،‬وما تشهدونه‪ .‬والغيب في قوله –تعالى‪ُ { :-‬ي ْؤ ِمنُونَ بِا ْل َغيْبِ} (‪ :)248‬ما ل يقع تحت الحواس‪،‬‬ ‫ول يقتضيه بدائه العقول‪ ،‬وإنما يعلم بخبر النبياء عليهم السلم"(‪.)249‬‬ ‫وقوله‪{ :‬عَالِ ُم ا ْل َغيْ بِ} قال الحلي مي‪" :‬معناه أ نه يدرك الشياء على ما هي عل يه‪ ،‬وإن ما و جب أن‬ ‫يوصف –عز اسمه‪ -‬بالعالم؛ لنه قد ثبت أن ما عداه من الموجودات فعل له‪ ،‬وأنه ل يمكن فعل إل‬ ‫باختيار وإرادة‪ ،‬والفعل على هذا الوجه ل يظهر إل من عالم‪ ،‬كما ل يظهر إل من حي"(‪.)250‬‬ ‫فقوله‪{ :‬عَاِلمُ ا ْل َغيْبِ} أي المختص بعلم الغيب‪ ،‬فل يشاركه فيه أحد‪.‬‬ ‫حدًا} فيعلمه أو‬ ‫غ ْيبِ هِ َأ َ‬ ‫ظ ِهرُ عَلَى َ‬ ‫قال ابن جرير‪ :‬عالم ما غاب عن أبصار خلقه‪ ،‬فلم يروه {فَل ُي ْ‬ ‫ن ا ْرتَضَى مِن ّرسُولٍ} فإنه يظهره على ما يشاء من ذلك(‪.)251‬‬ ‫يريه إياه {ِإلّ مَ ِ‬ ‫ص ‪95‬‬ ‫وقال الق سطلني‪" :‬عالم الغ يب فل يطلع على غي به أحدا من خل قه إل من ارت ضى من ر سول‬ ‫لطلعه على بعض الغيب؛ ليكون إخباره عن الغيب معجزة له"(‪.)252‬‬ ‫عةِ} الواو ليست من الية‪ ،‬إنما جاء بها للعطف‪.‬‬ ‫ن اللّهَ عِندَهُ عِ ْلمُ السّا َ‬ ‫وقوله‪ :‬و{إِ ّ‬ ‫والمعنى‪ :‬أن علم وقت مجيء الساعة – الذي هو النفخ في الصور‪ -‬ل يعلمه إل ال –تعالى‪-‬‬ ‫وحده‪ ،‬فهو خاص به –تعالى‪ -‬ل يشاركه فيه أحد‪.‬‬ ‫قال الخازن‪" :‬ومعنى الية‪ :‬أن ال عنده علم الساعة‪ ،‬فل يدري أحد من الناس متى تقوم‪ ،‬في أي‬ ‫سنة‪ ،‬أو أي شهر أو أي يوم‪ ،‬ليلً أو نهارا"(‪.)253‬‬ ‫وقوله‪{ :‬أَنزَلَ ُه ِبعِ ْلمِ هِ} أي‪ :‬أنزل القرآن‪ ،‬عالما ب ما يتر تب على إنزاله من الخ ير والفلح وغ ير‬ ‫ذلك‪ ،‬وعالما بمن يؤمن به ويقبله‪ ،‬ويسعد بذلك‪ ،‬ومن يكفر به ويرده ويشقى بذلك‪.‬‬

‫‪)(245‬الية ‪ 20‬من سورة النمل‪.‬‬ ‫‪)(246‬الية ‪75‬من سورة النمل‪.‬‬ ‫‪)(247‬الية ‪ 22‬من سورة الحشر‪.‬‬ ‫‪)(248‬الية ‪ 3‬من سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪")(249‬المفردات" للراغب (ص ‪.)366‬‬ ‫‪")(250‬المناهج" (‪.)1/191‬‬ ‫‪" )(251‬تفسير الطبري" (‪.)29/121‬‬ ‫‪" )(252‬إرشاد الساري" (‪.)10/363‬‬ ‫‪")(253‬تفسير الخازن" (‪.)5/220‬‬ ‫‪71‬‬

‫أو المعنى‪ :‬أنزله فيه علمه الذي أراد أن يطلع عليه من يشاء من عباه‪ ،‬من اليمان به‪ ،‬ومعرفته‬ ‫–تعالى‪ -‬بأ سمائه و صفاته‪ ،‬و ما ر تب على ذلك من الجزاء في الدن يا والخرة‪ ،‬ومعر فة ح قه‪ ،‬وأمره‬ ‫ونهيه‪ ،‬والية تدل على كل المعنيين‪.‬‬ ‫وقال ابن الجوزي‪" :‬فيه ثلثة أقوال‪ :‬أحدها‪ :‬أنزله وفيه علمه‪ ،‬قال الزجاج‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أنزله من علمه‪ ،‬ذكره أبو سليمان الدمشقي‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أنزله إليك بعلم منه أنك خيرته من خلقه‪ ،‬قال ابن جرير"(‪.)254‬‬ ‫وقال الخازن‪" :‬يعني أنه –تعالى‪ -‬لما قال‪ :‬لكن ال يشهد بما أنزل إليك‪ ،‬بين صفة ذلك النزال‪،‬‬ ‫وهو أنه –تعالى‪ -‬أنزله بعلم تام‪ ،‬وحكمة بالغة‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬معناه‪ :‬أنزله وهو عالم بأنك أهل لنزاله عليك‪ ،‬وأنك مبلغه إلى عباده"(‪.)255‬‬ ‫ص ‪96‬‬ ‫وقال ابن كثير‪{ :‬أَنزَلَ ُه ِبعِ ْلمِ هِ} أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه‪ ،‬من البينات والهدى‬ ‫والفرقان‪ ،‬وما يحبه ويرضاه‪ ،‬وما يكرهه ويأباه‪ ،‬وما فيه من العلم بالغيوب‪ ،‬من الماضي والمستقبل‪،‬‬ ‫وما فيه من ذكر صفاته تعالى المقدسة التي ل يعلمها نبي مرسل‪ ،‬ول ملك مقرب‪ ،‬إل أن يعلمه ال به‪،‬‬ ‫ن ِبشَيْ ٍء مّ نْ عِ ْل ِم ِه ِإلّ ِبمَا شَاء} (‪ ،)256‬وقال –تعالى‪{ :-‬وَل ُيحِيطُو نَ ِب هِ‬ ‫ل ُيحِيطُو َ‬ ‫كما قال –تعالى‪َ { :-‬و َ‬ ‫عِ ْلمًا} (‪.)258( )257‬‬ ‫حمِلُ مِن ْه أُنثَى وَل َتضَع ُه ِإلّ ِبعِ ْلمِههِ} (‪)259‬اقتصهر البخاري‪-‬رحمهه ال تعالى‪ -‬على‬ ‫قوله‪{ :‬وَمَا َت ْ‬ ‫محل الشاهد من الية والية بتمامها‪:‬‬ ‫ن أُنثَى وَل َتضَعُ ِإلّ ِبعِ ْلمِهِ َومَا‬ ‫ل مِ ْ‬ ‫حمِ ُ‬ ‫جعََلكُمْ َأزْوَاجًا َومَا َت ْ‬ ‫{وَاللّهُ خَلَ َقكُم مّن ُترَابٍ ُثمّ مِن ّنطْفَ ٍة ُثمّ َ‬ ‫ن ذَِلكَ عَلَى اللّ ِه َيسِيرٌ} (‪.)260‬‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ل فِي ِكتَا ٍ‬ ‫ع ُمرِهِ ِإ ّ‬ ‫ص مِنْ ُ‬ ‫ُي َعمّرُ مِن ّم َع ّمرٍ وَل يُنقَ ُ‬ ‫يخبر –تعالى‪ -‬العباد بأنه ابتدأ خلقهم بخلق أبيهم آدم من تراب‪ ،‬ثم جعل خلق ذريته من نطفة –‬ ‫من ماء مهين‪ -‬وجعلهم أزواجا‪ ،‬أي ذكرا وأنثى‪ ،‬رحمة منه تعالى ولطفا‪ ،‬ثم أخبر –تعالى‪ -‬أنه عالم‬ ‫بأطوار خلقههم‪ ،‬ل يخفهى عليهه شيهء مهن مبتدئه‪ ،‬ووضعهه‪ ،‬ونوعهه‪ ،‬وعمره‪ ،‬وعمله‪ ،‬وزيادة عمره‪،‬‬ ‫خبِيرُ} (‪،)261‬‬ ‫ن خَلَقَ وَ ُهوَ الّلطِيفُ ا ْل َ‬ ‫ونقصانه‪ ،‬وأن ذلك عنده في كتاب‪ ،‬وهو سهل عليه يسير {أَل َيعْلَمُ مَ ْ‬ ‫‪")(254‬زاد المسير" (‪ ،)2/257‬وانظر "تفسير الطبري" (‪.)6/31‬‬ ‫‪")(255‬تفسير الخازن" (‪.)1/625‬‬ ‫‪)(256‬الية ‪ 255‬من سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪)(257‬الية ‪ 110‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪")(258‬تفسير ابن كثير" (‪.)2/428‬‬ ‫‪)(259‬الية ‪ 11‬من سورة فاطر‪.‬‬ ‫‪)(260‬وقال –تعالى‪*{ :-‬إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من انثى ول‬ ‫تضع إل بعلمه] {سورة فصلت‪ :‬آية ‪.]47‬‬ ‫‪)(261‬الية ‪ 14‬من سورة الملك‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫ففي هذه الية بيان شمول علمه –تعالى‪ -‬لكل شيء‪ ،‬فل تكون حياة‪ ،‬ول موت‪ ،‬ول حركة‪ ،‬ول سكون‬ ‫إل بعلمه وتصريفه ومشيئته‪.‬‬ ‫عةِ} أي هو تعالى المختص بعلم الساعة أي وقت مجيئها‪.‬‬ ‫قوله‪*{ :‬إَِليْ ِه ُي َردّ عِ ْلمُ السّا َ‬ ‫ص ‪97‬‬ ‫قال ا بن جر ير –رح مه ال تعالى‪" :-‬إلى ال يرد العالمون به علم ال ساعة‪ ،‬فإ نه ل يعلم قيام ها‬ ‫غيره"(‪.)262‬‬ ‫ففهي هذه اليات ونحوهها دللة ظاهرة على ثبوت صهفة العلم ل‪ ،‬بحيهث ل ينكهر ذلك إل معانهد‬ ‫مكابر يجادل بالباطل‪ ،‬ليدحض به الحق‪ ،‬أو جاهل قد تناهى جهله‪ ،‬ومن أوجه البيان في ذلك أنه تعالى‬ ‫أضاف العلم إلى نف سه الكري مة‪ ،‬إضا فة حقيق ية‪ ،‬والمضاف إلى ال –تعالى‪ -‬إ ما أن يكون أعيانا قائ مة‬ ‫بنف سها‪ ،‬كبيت ال‪ ،‬ونا قة ال‪ ،‬ور سول ال‪ ،‬وعرش الرح من‪ ،‬و ما أش به ذلك وهذا النوع من إضا فة‬ ‫المخلوق إلى خالقه؛ لتفضيلها على غيرها من المخلوقات‪.‬‬ ‫وإمها إضافهة معان‪ ،‬كعلم ال وقدرة ال‪ ،‬وحياة ال‪ ،‬وسهمع ال وبصهره‪ ،‬ومها أشبهه ذلك‪ ،‬وهذا‬ ‫النوع ل يكون إل إضافة صفة إلى من تقوم به؛ لنها ل تقوم بنفسها كما هو معلوم‪.‬‬ ‫ومراد البخاري‪-‬رحمهه ال‪ -‬فهي إيراده هذه اليات إثبات هذه الصهفة ل –تعالى ‪ ،-‬والرد على‬ ‫من ينكرها من المعتزلة‪ ،‬ونحوهم ممن عميت بصائرهم‪ ،‬فابتعدوا عن الحق‪ ،‬مغترين بعقولهم‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬قال يحيي‪ :‬الظاهر على كل شيء علما‪ ،‬والباطن على كل شيء علما"‪.‬‬ ‫قال الحافهظ‪" :‬يحيهي ههو ابهن زياد الفراء النحوي المشهور‪ ،‬ذكهر ذلك فهي كتاب "معانهي القرآن‬ ‫له"(‪.)263‬‬ ‫قلت‪ :‬هو يح يي بن زياد بن ع بد ال‪ ،‬بن مروان الديل مي‪ ،‬أ بو زكر يا‪ ،‬المعروف بالفراء‪ ،‬إمام‬ ‫العرب ية‪ ،‬و صفه مترجموه بأ نه كان متدينا ورعا‪ ،‬وكان ث قة‪ ،‬له م صنفات كثيرة‪ ،‬ضاع أكثر ها‪ ،‬تو في‬ ‫سنة ‪ 207‬سبع ومائتين‪.‬‬ ‫وقول الفراء هذا‪ ،‬جزء مهن معنهى هذيهن السهمين الكريميهن‪ ،‬وقهد كان مهن عادة السهلف أنههم‬ ‫يف سرون الش يء بجزء من معناه‪ ،‬وإل ف هو –تعالى‪ -‬الظا هر على كل ش يء ذاتا‪ ،‬وقوة وقهرا‪ ،‬وعلما‬ ‫وحكما‪ ،‬والباطن على كل شيء إحاطة وقربا‬ ‫ص ‪98‬‬ ‫وعلما‪ ،‬وقد صح عن رسول ال –صلى ال عليه وسلم – كما في "صحيح مسلم" من حديث أبي‬ ‫هريرة –ر ضي ال ع نه – عن ال نبي – صلى ال عل يه و سلم – أ نه كان يقول‪" :‬الل هم أ نت الول فل يس‬

‫‪")(262‬تفسير الطبري" (‪.)25/2‬‬ ‫‪")(263‬فتح الباري" (‪ ،)13/362‬وانظر‪" :‬معاني القرآن" للفراء (‪.)3/132‬‬ ‫‪73‬‬

‫قبلك شيء‪ ،‬وأنت الخر فليس بعدك شيء‪ ،‬وأنت الظاهر فليس فوقك شيء‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك‬ ‫شيء"(‪.)264‬‬ ‫فهذا أحسن ما يفسر به هذه السماء‪ ،‬وأوضحه‪ ،‬وأقربه إلى معنى الكلم‪ ،‬مع كونه من المعصوم‬ ‫الذي ل ينطق عن الهوى‪ ،‬فل ينبغي العدول عنه إلى كلم الناس‪ ،‬الذي هو عرضة للخطأ‪.‬‬

‫‪)(264‬انظر‪" :‬مسلم" (‪ )4/2084‬رقم (‪.)61‬‬ ‫‪74‬‬

‫ص ‪99‬‬ ‫‪ -9‬قوله‪" :‬حدثنا خالد بن مخلد‪ ،‬حدثنا سليمان بن بلل‪ ،‬حدثني عبد ال بن دينار‪ ،‬عن ابن عمر‬ ‫–رضي ال عنهما‪ -‬عن النبي –صلى ال عليه وسلم – قال‪" :‬مفاتيح الغيب خمس ل يعلمها إل ال‪ ،‬ل‬ ‫يعلم ما تغيض الرحام إل ال‪ ،‬ول يعلم ما في غد إل ال‪ ،‬ول يعلم متى يأتي المطر إل ال‪ ،‬ول تدري‬ ‫نفس بأي أرض تموت إل ال‪ ،‬ول يعلم متى تقوم الساعة إل ال ‪-‬تعالى‪."-‬‬ ‫ابن عمر‪ :‬هو أبو عبد الرحمن‪ ،‬عبد ال بن عمر بن الخطاب بن نفيل‪ ،‬القرشي‪ ،‬العدوي‪ .،‬وأمه‪:‬‬ ‫زي نب ب نت مظعون الجمح ية‪ ،‬ولد سنة ثلث من البع ثة النبو ية‪ ،‬وها جر إلى المدي نة و هو ا بن ع شر‬ ‫سهنين‪ ،‬وأول مشاهده مهع رسهول ال –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬الخندق‪ ،‬وكان مهن سهادات الصهحابة‪،‬‬ ‫وعباد هم المجد ين‪ ،‬و هو من المكثر ين في الحد يث عن ر سول ال‪ -‬صلى ال عل يه و سلم ‪ ،-‬عرف‬ ‫بالعزوف عن الدنيا‪ ،‬والستعداد للخرة‪ ،‬كما عرف بشدة تمسكه بسنة رسول ال –صلى ال عليه وسلم‬ ‫‪ ،‬وتتبع آثاره‪ ،‬له في "الصحيحين" مائتان وثمانون حديثا‪ ،‬توفي سنة ثلث وسبعين في مكة‪ ،‬وقد بلغ‬‫من العمر سبعا وثمانين سنة‪- ،‬رضي ال عنه‪.)265(-‬‬ ‫"قوله‪ :‬مفاتيح الغيب" ذكر البخاري ذلك الحديث في الستسقاء بلفظ "مفتاح" وفي بعض النسخ‬ ‫"مفاتح" وفي تفسير سورة النعام وسورة الرعد بلفظ "مفاتح" وفي بعض النسخ "مفاتيح"‪.‬‬ ‫والمفاتح جمع مفتح‪ ،‬بكسر الميم‪ ،‬اسم اللة التي يفتح بها‪ ،‬مثل منجل‪ ،‬ومناجل‪ ،‬وهي لغة قليلة‪،‬‬ ‫والمشهور‪ :‬مفتاح‪ ،‬وجم عه "مفات يح"‪ ،‬و قد قرأ ب ها ا بن ال سميفع‪ ،‬ويطلق المفتاح على ما كان مح سوسا‬ ‫م ما ي حل غلقا‪ ،‬كالق فل‪ ،‬وعلى ما كان معنويا‪ ،‬ك ما جاء في الحد يث الذي صححه ا بن حبان‪":‬إن من‬ ‫الناس مفاتيح للخير" الخ(‪.)266‬‬ ‫قوله‪" :‬مفاتيح الغيب خمس‪ ،‬ل يعلمها إل ال"‪ ،‬قد بين هذه الخمس‪ ،‬بأنها‪ :‬ما يغيض من الرحام‬ ‫– أي ما ينقص‪ ،-‬وما يكون في الغد من الحوادث والعمال وغيرها‪ ،‬ومجيء المطر‪ ،‬والمكان الذي‬ ‫يموت به النسان‪ ،‬ووقت مجيء الساعة‪.‬‬ ‫ص ‪100‬‬ ‫وعبر عن هذه المور الخمسة بالمفاتيح‪ ،‬لتقريب المر من السامع=؛ لن كل شيء جعل بينك‬ ‫وبينه حجاب‪ ،‬فقد غيب عنك‪ ،‬والتوصل إلى معرفته في العادة من باب الحجاب‪ ،‬فإذا كان المفتاح الذي‬ ‫ل يمكن الوصول إلى ما في داخل الحجاب إل بمعرفته ل يعلم‪ ،‬فكيف بما في داخل الحجاب؟‬ ‫ودل الحديهث على أن هذه المور ليسهت ههي الغيهب‪ ،‬وإنمها ههي منهه؛ وأن علم الغيهب مهن‬ ‫خصائص ال تعالى‪.‬‬

‫‪" )(265‬الصابة" (‪ )4/181‬والرياض النضرة (ص ‪.)194‬‬ ‫‪" )(266‬فتح الباري" (‪.)8/291‬‬ ‫‪75‬‬

‫وأما ما جاء عن النبياء من الخبار ببعض المغيبات‪ ،‬كإخبار الرسول –صلى ال عليه وسلم –‬ ‫بما يقع بعده من الفتن؛ والفتوح على أمته؛ وبعض أشراط الساعة‪ ،‬وكإخبار عيسى –عليه السلم‪ -‬بما‬ ‫يأكله ب نو إ سرائيل‪ ،‬و ما يدخرو نه في بيوت هم‪ ،‬ون حو ذلك‪ ،‬فإن هذا م ما ا ستثناه ال تعالى بقوله‪{ :‬عَالِ مُ‬ ‫ن َيدَيْ هِ َومِ نْ خَلْ ِف هِ‬ ‫ل َفِإنّ ُه يَ سُْلكُ مِن َبيْ ِ‬ ‫ن ا ْرتَضَى مِن رّ سُو ٍ‬ ‫ل مَ ِ‬ ‫حدًا {‪ِ }26‬إ ّ‬ ‫غ ْيبِ هِ َأ َ‬ ‫ب فَل ُيظْ ِهرُ عَلَى َ‬ ‫ا ْل َغيْ ِ‬ ‫صدًا {‪ِ }27‬ل َيعَْلمَ أَن قَدْ َأبَْلغُوا ِرسَالتِ َر ّبهِمْ} (‪ ،)267‬وهو من معجزاتهم التي تدل على صدقهم‪.‬‬ ‫رَ َ‬ ‫وبهذا وغيره ي تبين ضلل الذ ين يزعمون أن فريقا من الناس‪ -‬م من يدعون ل هم الول ية‪ -‬أن هم‬ ‫يعلمون الغيب‪ ،‬وكذا الذين يدعون ذلك لرسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم – فإنه ل يعلم الغيب إل ال‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫–تعالى‪ ،-‬و قد أمره ال أن يعلم الناس أ نه ل يعلم الغ يب‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬قُل لّ َيعْلَ مُ مَن فِي ال ّ‬ ‫ن َأيّا نَ ُي ْب َعثُو نَ} (‪ ،)268‬فنفى –تعالى‪ -‬علم الغيب عن الخلق عموما‪،‬‬ ‫ش ُعرُو َ‬ ‫ب ِإلّ اللّ هُ َومَا َي ْ‬ ‫لرْ ضِ ا ْل َغيْ َ‬ ‫وَا َ‬ ‫من في السماوات كالملئكة‪ ،‬ومن في الرض كالنبياء‪ ،‬فكيف يدعى علم ذلك لغيرهم؟‬ ‫وأ ما أ صحاب الد جل والتمو يه‪ ،‬الذ ين يحتالون على أ كل أموال الناس بالبا طل‪ ،‬كالذ ين يزعمون‬ ‫معرفهة مها فهي المسهتقبل‪ ،‬بواسهطة النجوم‪ ،‬أو بقراءة الكهف‪ ،‬أو فنجان القهوة‪ ،‬ونحهو ذلك‪ ،‬فهؤلء ل‬ ‫يخفى ضللهم وكذبهم إل على أجهل الناس‪ ،‬والمغفلين منهم‪.‬‬ ‫وأ ما الخبار عما ي سمى "بالط قس" أحوال ال جو من أمطار‪ ،‬أو رياح أو غيوم أو صحو أو غير‬ ‫ذلك‪ ،‬فهي توقعات مبنية على مقدمات مستفادة من مراصد‬ ‫ص ‪101‬‬ ‫الحوال الجويهة التهي تتأثهر بالرطوبهة واليبوسهة ونحهو ذلك‪ ،‬ولهذا كثيرا مها يكون المهر على‬ ‫خلف ما قالوا‪.‬‬ ‫"وأراد بالغيب في الحديث المذكور‪ :‬الغيب الحقيقي؛ إذ لبعض الغيوب علمات ومقدمات يستدل‬ ‫بها على شيء من ذلك‪ ،‬وهذا ليس غيبا حقيقيا؛ فالغيب الحقيقي ل يعلمه إل ال –تعالى‪.-‬‬ ‫ثم الغيب نوعان‪ :‬أحدهما‪ :‬ما يتعلق بذات ال –تعالى‪ -‬وحقائق صفاته‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬يتعلق بمخلوقاته‪ ،‬وهي كلها لديه معلومة‪ ،‬وقد قال –تعالى‪َ { :-‬ومَا تَ سْ ُقطُ مِن َورَقَ ٍة ِإلّ‬ ‫ل يَابِسٍ ِإلّ فِي ِكتَابٍ ّمبِينٍ} (‪.)269‬‬ ‫لرْضِ َولَ َرطْبٍ َو َ‬ ‫حبّةٍ فِي ظُُلمَاتِ ا َ‬ ‫َيعَْل ُمهَا َولَ َ‬ ‫فلما كان كل شيء محصى في كتاب كتبه ال –تعالى‪ -‬عنده‪ ،‬وعلمه محيط وسابق كل شيء‪،‬‬ ‫شبهه الرسهول‪ -‬صهلى ال عليهه وسهلم – ذلك بالمخازن التهي لهها أبواب‪ ،‬والباب له مفتاح‪ ،‬فإذا كان‬ ‫المفتاح ل يعلمه أحد ول يصل إليه‪ ،‬فكيف بما وراءه؟‬

‫‪)(267‬اليات ‪ 28-26‬من سورة الجن‪.‬‬ ‫‪)(268‬الية ‪ 65‬من سورة النمل‪.‬‬ ‫‪)(269‬الية ‪ 59‬من سورة النعام‪.‬‬ ‫‪76‬‬

‫ل بِ َق َدرٍ ّمعْلُو مٍ} (‪ ،)270‬وحصر –‬ ‫خزَا ِئنُ هُ َومَا ُن َنزّلُ هُ ِإ ّ‬ ‫شيْءٍ ِإلّ عِن َدنَا َ‬ ‫وقد قال –تعالى‪{ :-‬وَإِن مّن َ‬ ‫صلى ال عليه وسلم – مفاتيح الغيب بالخمس لنها تشمل العوامل كلها‪.‬‬ ‫فقوله‪" :‬ما تغيض الرحام" إشارة إلى ما يزيد في النفوس‪ ،‬وما ينقص منها؛ وذكر الرحام؛ لن‬ ‫للناس عليهها عوائد يعرفونهها؛ وتجارب أدركوهها‪ ،‬وقهد قرر عليهها أحكام شرعيهة‪ ،‬ومهع ذلك ل يعلم‬ ‫حقيقتها‪ ،‬ومتى تزيد ومتى تنقص إل ال –تعالى‪ ،-‬فغيرها مما هو أخفى أولى بأن ل يعلمه الخلق‪.‬‬ ‫وأشار بقوله‪" :‬ول يعلم م تى يأ تي الم طر أ حد إل ال تعالى" إلى أمور العالم العلوي‪ ،‬فذ كر م نه‬ ‫المطر؛ لن له مقدمات‪ ،‬وعلمات يستدل بها عليه عادة‪ ،‬أجراها ال –تعالى‪ ،-‬ومع ذلك ل يعلم حقيقة‬ ‫الحال إل ال –تعالى‪ ،-‬فكيهف بمها وراء ذلك ممها فهي السهماوات ومها بينهمها‪ ،‬ومها يجهد هناك مهن‬ ‫المخلوقات‪ ،‬والحوادث‪ ،‬والوامر التي يريدها ال –تعالى‪ ،-‬ويأمر بها؟‬ ‫ص ‪102‬‬ ‫وأشار بقوله‪{ :‬وَمَا َت ْدرِي َنفْ سٌ ِبأَيّ َأرْ ضٍ َتمُو تُ (‪ ،)271‬إلى الحوادث الرض ية‪ ،‬وذ كر مو ضع‬ ‫الموت من الرض‪ ،‬مع أن العادة قد جرت في الغالب أن النسان يموت في الرض التي يستقر فيها؛‬ ‫ومع ذلك ل أحد يتيقن أنه يموت في مكانه الذي يعيش فيه‪ ،‬ول يدري أين موضعه الذي يوارى فيه‪.‬‬ ‫فإذا كان المهر فهي مثهل هذا غيهر معلوم‪ ،‬فكيهف بالمور الخرى التهي ل علمات لهها‪ ،‬ول‬ ‫مقدمات يستدل بها عليها؟‬ ‫وأشار بقوله‪" :‬ول يعلم مها فهي غهد إل ال" إلى أنواع الزمان‪ ،‬ومها فيهه مهن الحوادث والتقلبات‬ ‫الطارئة‪ ،‬وخص م نه غدا؛ ل نه أقرب الزم نة من المخا طب‪ ،‬فإذا خ في ما ف يه ف ما بعده أخ فى‪ ،‬وأبعد‬ ‫عن معرفته‪.‬‬ ‫وأشار بقوله‪ " :‬ول يعلم متهى تقوم السهاعة إل ال" إلى أمور الدار الخرة‪ ،‬وذكهر منهها يوم‬ ‫القيا مة؛ ل نه أول ها إلى الدن يا‪ ،‬ول يعلم و قت مجيئه إل ال‪ ،‬ف ما بعده أولى بأن ل يعلم‪ ،‬فهذا من أبدع‬ ‫الكلم‪ ،‬وأبلغه‪ ،‬فقد حصر فيه جميع أنواع الغيوب‪ ،‬وأبطل جميع الدعاوى الفاسدة"(‪.)272‬‬ ‫ويقصهد بالدعاوى الفاسهدة‪ :‬كهل مهن يدعهي شيئا فهي علم الغيهب‪ ،‬وهذا الحديهث إيضاح لقوله –‬ ‫غدًا‬ ‫لرْحَا مِ َومَا َتدْرِي نَفْسٌ مّاذَا َتكْسِبُ َ‬ ‫عةِ َو ُي َنزّلُ ا ْل َغيْ ثَ َو َيعْلَمُ مَا فِي ا َ‬ ‫تعالى‪ِ{ :-‬إنّ اللّ هَ عِندَ هُ عِلْمُ ال سّا َ‬ ‫خبِيرٌ} (‪.)273‬‬ ‫ن اللّهَ عَلِيمٌ َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫ض َتمُو ُ‬ ‫س ِبأَيّ َأرْ ٍ‬ ‫َومَا َت ْدرِي نَفْ ٌ‬

‫‪ )(270‬الية ‪ 21‬من سورة الحجر‪.‬‬ ‫‪ )(271‬الية ‪ 34‬من سورة لقمان‪.‬‬ ‫‪)(272‬انتهى ملخصاً من "بهجة النفوس" (‪.)4/272‬‬ ‫‪)(273‬الية ‪ 34‬من سورة لقمان‪.‬‬ ‫‪77‬‬

‫ص ‪103‬‬ ‫‪" -10‬حدث نا مح مد بن يو سف‪ ،‬حدث نا سفيان‪ ،‬عن إ سماعيل‪ ،‬عن الش عبي‪ ،‬عن م سروق‪ ،‬عن‬ ‫عائ شة –ر ضي ال عن ها‪ -‬قالت‪ :‬من حد ثك أن محمدا – صلى ال عل يه و سلم – رأى ر به ف قد كذب‪،‬‬ ‫ب ِإلّ‬ ‫لبْ صَارُ} ومن حد ثك أ نه يعلم الغيب ف قد كذب‪ ،‬وهو يقول‪( :‬لّ َيعْلَ مُ ا ْل َغيْ َ‬ ‫وهو يقول‪{ :‬لّ ُت ْد ِركُ هُ ا َ‬ ‫اللّهُ)‪.‬‬ ‫"كأن سبب هذا القول من عائشة –رضي ال عنها‪ -‬ما أخرجه عبد الرزاق في هذا الحديث من‬ ‫طر يق مجالد عن الش عبي‪ ،‬قال‪ :‬ل قي ا بن عباس كعبا‪ ،‬فقال ا بن عباس‪ :‬إ نا ب نو ها شم نقول‪ :‬إن محمدا‬ ‫رأى ربه مرتين‪ ،‬فكبّر كعب‪ ،‬وقال‪ :‬إن ال قسم رؤيته وكلمه بين موسى ومحمد‪ ،‬فكلم موسى مرتين‪،‬‬ ‫ورآه محمد مرتين‪ ،‬قال مسروق‪ :‬فدخلت على عائشة‪ ،‬فقلت‪ :‬هل رأى محمد ربه؟" فذكر الحديث‪.‬‬ ‫قال النووي‪-‬تبعا لغيره‪ :-‬لم ت نف عائ شة وقوع الرؤ ية بحد يث مرفوع‪ ،‬ولو كان مع ها لذكر ته‪،‬‬ ‫وإنما اعتمدت الستنباط على ما ذكرته من ظاهر الية‪ ،‬وقد خالفها غيرها من الصحابة‪ ،‬والصحابي‬ ‫إذا قال قولً‪ ،‬وخالفه غيره منهم‪ ،‬لم يكن ذلك حجة اتفاقا‪.‬‬ ‫والمراد بالدراك‪ :‬الحاطة‪ ،‬وهو ل ينافي الرؤية‪.‬‬ ‫وهذا عج يب من النووي –رح مه ال‪ -‬فإن في " صحيح م سلم" الذي شر حه هو‪" :‬قال م سروق‪:‬‬ ‫خرَى} (‪.)274‬‬ ‫وكنت متكئا فجلست‪ ،‬فقلت‪ :‬ألم يقل ال‪{ :‬وََل َقدْ رَآ ُه َنزْلَةً ُأ ْ‬ ‫فقالت‪ :‬أ نا أول هذه ال مة سأل ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم – عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬إن ما هو‬ ‫جبريل"‪.‬‬ ‫وأخر جه ا بن مردو يه ب سند مسلم‪ ،‬فقال‪" :‬أنا أول من سأل ر سول ال –صلى ال عل يه و سلم –‬ ‫عن هذا‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬هل رأيت ربك؟ فقال‪" :‬ل‪ ،‬إنما رأيت جبريل منهبطا"(‪.)275‬‬ ‫ص ‪104‬‬ ‫قلت‪ :‬أع جب من كلم النووي ما قاله ا بن خزي مة –رح مه ال‪ -‬فإ نه ذ كر هذا الحد يث بعي نه –‬ ‫أعني قول عائشة‪" :-‬أنا سألت رسول ال –صلى ال عليه وسلم – عن هذا‪ ،‬قال‪" :‬رأيت جبريل نزل‬ ‫في الفق‪ ،‬على خلقه‪ ،‬وهيئته‪ ،‬سادا ما بين الفق" ثم بعد أسطر قال‪" :‬إن عائشة لم تحك أن النبي –‬ ‫صلى ال عليه وسلم – أخبرها أنه لم ير ربه"(‪.)276‬‬ ‫فهذا ونحوه هو ما غر النووي –رح مه ال‪ -‬ودعاه إلى رد قول عائ شة من غ ير تأ مل للدلة؛‬ ‫وال المستعان‪.‬‬

‫‪)(274‬الية ‪ 13‬من سورة النجم‪.‬‬ ‫‪")(275‬الفتح" (‪.)8/607‬‬ ‫‪)(276‬انظر‪ :‬كتاب"التوحيد"‪ ،‬لبن خزيمة (ص ‪.)226‬‬ ‫‪78‬‬

‫وكث ير من العلماء يذكر الخلف في أن النبي –صلى ال عل يه وسلم – رأى ر به ليلة المعراج‪،‬‬ ‫"وليس في الدلة ما يقضي بأنه رآه بعينه‪ ،‬ول ثبت ذلك عن أحد من الصحابة صريحا‪ ،‬ول في الكتاب‬ ‫والسنة ما يدل على ذلك‪ ،‬بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل‪ ،‬كما في "صحيح مسلم"‪ ،‬عن أبي ذر‪،‬‬ ‫قال‪ :‬سألت رسول ال –صلى ال عليه وسلم – هل رأيت ربك؟ فقال‪" :‬نور أنى أراه"(‪.)277‬‬ ‫لقْ صَى اّلذِي‬ ‫جدِ ا َ‬ ‫حرَا مِ إِلَى ا ْلمَ سْ ِ‬ ‫جدِ ا ْل َ‬ ‫سِ‬ ‫ن ا ْلمَ ْ‬ ‫سرَى ِب َعبْدِ ِه َليْلً مّ َ‬ ‫س ْبحَانَ اّلذِي أَ ْ‬ ‫وقد قال –تعالى‪ُ { :-‬‬ ‫ن آيَاتِنَا} (‪ ،)278‬ولو كان قد رأى ر به بعي نه لكان ذ كر ذلك أولى‪ ،‬وكذلك قوله –‬ ‫بَا َركْنَا حَوَْل هُ ِل ُن ِريَ ُه مِ ْ‬ ‫ت َربّ ِه ا ْل ُك ْبرَى} (‪ ،)279‬ولو كان رآه ل كن ذ كر ذلك أولى‪ .‬و في "ال صحيحين"‬ ‫ن آيَا ِ‬ ‫تعالى‪{ :-‬لَ َق ْد رَأَى مِ ْ‬ ‫جرَةَ ا ْلمَ ْلعُونَةَ فِي‬ ‫شَ‬ ‫ل ِفتْنَ ًة لّلنّا سِ وَال ّ‬ ‫جعَ ْلنَا الرّؤيَا اّلتِي َأ َر ْينَا كَ ِإ ّ‬ ‫عن ابن عباس‪ ،‬في قوله –تعالى‪َ { :‬ومَا َ‬ ‫ال ُقرْآنِ} (‪ ،)280‬قال‪ :‬هي رؤيا عين‪ ،‬أريها رسول ال –صلى ال عليه وسلم – ليلة أسرى به‪ ،‬وهذه رؤيا‬ ‫اليات؛ لنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج‪ ،‬فكان ذلك فتنة لهم‪ ،‬حيث صدقه قوم‪ ،‬وكذبه قوم‪،‬‬ ‫ولم يخبرهم بأ نه رأى ربه بعي نه‪ ،‬وليس في شيء من أحاد يث المعراج الثابتة ذ كر ذلك‪ ،‬ولو كان قد‬ ‫وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه" ا‪.‬هه(‪.)281‬‬ ‫ص ‪105‬‬ ‫وبهذا تهبين أن قول عائشهة –رضهي ال عنهها‪ -‬ههو الراجهح‪ ،‬الذي تؤيده الدلة –وال أعلم‪،-‬‬ ‫وظاهره أن مرادها أنه –تعالى‪ -‬ل يرى في الدنيا‪.‬‬ ‫خبِيرُ} استدلت عائشة‬ ‫لبْ صَارَ وَهُ َو الّلطِي فُ ا ْل َ‬ ‫لبْ صَارُ وَهُ َو ُيدْرِ كُ ا َ‬ ‫قوله‪" :‬وهو يقول‪{ :‬لّ ُت ْدرِكُ ُه ا َ‬ ‫– ر ضي ال عن ها ‪ -‬بظا هر ال ية على ن في الرؤ ية‪ ،‬و قد قال بذلك ب عض المف سرين‪ ،‬ك ما رواه ا بن‬ ‫جرير بسنده‪ ،‬عن السدي‪ ،‬قال‪" :‬ل يراه شيء وهو يرى الخلئق"(‪.)282‬‬ ‫وذكر ابن كثير ما رواه ابن أبي حاتم بسنده إلى إسماعيل ابن علية أنه قال‪" :‬هذا في الدنيا‪ ،‬وعن‬ ‫هشام بن عبيد ال نحوه"(‪.)283‬‬ ‫وذكهر السهيوطي‪ :‬أن الحسهن قال مثهل ذلك‪ ،‬قال‪ :‬أخرجهه أبهو الشيهخ‪ ،‬والبيهقهي فهي كتاب‪:‬‬ ‫الرؤية(‪.)284‬‬

‫‪)(277‬انظر‪" :‬صحيح مسلم" (‪ )3/12‬بشرح النووي‪.‬‬ ‫‪ )(278‬الية ‪ 1‬من سورة السراء‪.‬‬ ‫‪ )(279‬الية ‪ 18‬من سورة النجم‪.‬‬ ‫‪ )(280‬الية ‪ 60‬من سورة السراء‪.‬‬ ‫‪" )(281‬مجموع الفتاوى" (‪.)6/580‬‬ ‫‪)(282‬انظر‪" :‬تفسير الطبري" (‪ )7/301‬قال السيوطي‪ :‬أخرجه ابن أبي حاتم‪" ،‬الدر المنثور" (‪.)3/335‬‬ ‫‪ )(283‬انظر‪" :‬تفسير ابن كثير" (‪.)3/303‬‬ ‫‪")(284‬الدر المنثور" (‪.)3/335‬‬ ‫‪79‬‬

‫وبهذه ال ية تعلق المعتزلة في ن في رؤ ية ال –تعالى‪ -‬في الخرة‪ ،‬وو جه ذلك أ نه ج عل متعلق‬ ‫الدراك الب صر‪ ،‬فل ما نفاه ع نه كان ظا هر ذلك ن في الرؤ ية‪ .‬وال حق ثبوت رؤ ية المؤمن ين ل –تعالى‪-‬‬ ‫في الخرة‪ ،‬كما تواترت النصوص في ذلك‪.‬‬ ‫والجواب عما استدلوا به‪ :‬أن الرؤية ثبتت في آيات أخر‪ ،‬كقوله‪-‬تعالى‪ُ { :-‬وجُو ٌه يَ ْو َم ِئذٍ نّاضِرَ ٌة {‬ ‫حجُوبُو نَ} (‪ ،)286‬والخبار بذلك ثاب تة‬ ‫‪ }22‬إِلَى َربّهَا نَاظِرَةٌ} (‪ ،)285‬وقوله‪{ :‬كَلّ ِإ ّنهُ مْ عَن ّربّهِ مْ يَ ْو َم ِئذٍ ّل َم ْ‬ ‫عن رسول ال – صلى ال عليه وسلم – بل متواترة‪ ،‬كما سيأتي‪ ،‬إن شاء ال –تعالى‪.-‬‬ ‫فيتع ين أن المراد بالدراك المن في في ال ية هو الحا طة‪ ،‬وبذلك ف سره ا بن عباس –ر ضي ال‬ ‫عنهما‪ -‬وغيره من السلف‪.‬‬ ‫ص ‪106‬‬ ‫قوله‪" :‬و من حد ثك أ نه يعلم الغ يب ف قد كذب‪ ،‬و هو يقول‪" :‬ول يعلم الغ يب إل ال" الضم ير في‬ ‫قوله‪" :‬إ نه يعلم" يعود على مح مد – صلى ال عل يه و سلم – أي‪ :‬من ز عم أن محمدا – صلى ال عل يه‬ ‫وسلم‪ -‬يعلم الغيب‪ ،‬فقد كذب‪ ،‬لن علم الغيب يختص بال –تعالى‪ ،-‬كما قال –تعالى‪ -‬مخاطبا نبيه –‬ ‫خزَآئِ نُ الّل هِ وَل أَعْلَ مُ ا ْل َغيْ بَ} (‪،)287‬‬ ‫ل َأقُولُ َلكُ مْ عِندِي َ‬ ‫صلى ال عل يه و سلم – وأمرا له أن يقول‪{ :‬قُل ّ‬ ‫واليات في هذا كثيرة‪.‬‬ ‫وعلم الغيب من خصائص الرب –تعالى‪ -‬التي بعث رسله وأنزله كتبه لبيانها‪ ،‬ونفي ذلك عمن‬ ‫سواه –تعالى‪.-‬‬ ‫ن ا ْرتَضَى مِن رّ سُولٍ)‬ ‫ل مَ ِ‬ ‫حدًا {‪ِ }26‬إ ّ‬ ‫غ ْيبِ هِ َأ َ‬ ‫ظ ِهرُ عَلَى َ‬ ‫وأ ما قول –تعالى‪{ :-‬عَالِ مُ ا ْل َغيْ بِ فَل ُي ْ‬ ‫شيْءٍ مّ نْ عِ ْلمِ هِ} (‪ ،)289‬ف هي تبين أن ال –تعالى يطلع من‬ ‫(‪ ،)288‬ف هي كقوله –تعالى‪َ { :-‬ولَ ُيحِيطُو نَ ِب َ‬ ‫يشاء مهن رسهله على مها يشاء مهن المغيبات‪ ،‬وذلك بوحيهه إليههم‪ ،‬مثهل إخباره عمها جرى مهن المهم‬ ‫ب نُوحِيهَا إَِليْ كَ مَا‬ ‫الماضية‪ ،‬وما أصيبوا به من العذاب وغيره‪ ،‬كما قال –تعالى‪{ :-‬تِلْ كَ مِ نْ أَنبَاء ا ْل َغيْ ِ‬ ‫ل قَ ْومُكَه مِن َقبْلِ هَههذَا} (‪ ،)290‬وكذلك الخبار عهن المسهتقبل مهن المعاد‪ ،‬والجنهة‬ ‫كُنتَه َتعَْلمُهَا أَنتَه َو َ‬ ‫والنار‪ ،‬التهي أطلع ال عليهها رسهوله فآمهن بهها المؤمنون‪ ،‬وعرفوهها مهن كتاب ال تعالى‪ ،‬ومهن سهنة‬ ‫رسوله –صلى ال عليه وسلم – إجمالً‪.‬‬

‫‪ )(285‬الية ‪23-22‬من سورة القيامة‪.‬‬ ‫‪ )(286‬الية ‪ 15‬من سورة المطففين‪.‬‬ ‫‪)(287‬الية ‪ 50‬من سورة النعام‪.‬‬ ‫‪)(288‬اليتان ‪ 27-26‬من سورة الجن‪.‬‬ ‫‪)(289‬الية ‪ 255‬من سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪)(290‬الية ‪ 49‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫وأمها الحاطهة بالمعلومات كلياتهها وجزئياتهها مها كان منهها‪ ،‬ومها يكون‪ ،‬فهذا إلى ال وحده ل‬ ‫يضاف إلى غيره من الخلق‪ ،‬فمن ادعى شيئا من ذلك لغير ال –تعالى‪ ،-‬فقد أعظم الفرية على ال –‬ ‫تعالى‪ ،-‬وعلى رسوله –صلى ال عليه وسلم ‪.-‬‬ ‫"فعلم الغيب ل وحده‪ ،‬ول يقال لغيره‪ :‬عالم الغيب‪ ،‬ومن أطلع على شيء منه بواسطة الوحي أو‬ ‫غيره‪ ،‬يقال" أطلعه ال عليه‪ ،‬كالخبار عن حال البرزخ‪ ،‬والحساب‪ ،‬والجنة والنار‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬وما‬ ‫يدعيهه المتصهوفة فهي مشايخههم ههو مهن تلعهب الشيطان بههم‪ ،‬وكذا مها يسهمونه الكشوف ل أصهل‬ ‫له"ا‪.‬هه(‪.)291‬‬ ‫ص ‪107‬‬ ‫"وقول الداودي‪ ( :‬ما أ ظن قوله‪ " :‬من حد ثك أن محمدا يعلم الغ يب" محفوظا‪ ،‬و ما أ حد يد عي أن‬ ‫ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم – يعلم من الغ يب إل ما عل مه ال تعالى) متع قب بأن ب عض من لم‬ ‫يرسخ إيمانه يظن ذلك‪ ،‬حتى ظن بعضهم أن صحة النبوة تستلزم إطلع النبي –صلى ال عليه وسلم‬ ‫– على جم يع المغيبات‪ ،‬ك ما في مغازي ا بن إ سحاق‪ ،‬أن نا قة ال نبي – صلى ال عل يه و سلم – ضلت‪،‬‬ ‫فقال ابن الصليب‪ :‬يزعم محمد أنه نبي‪ ،‬ويخبركم عن خبر السماء‪ ،‬وهو ل يدري أين ناقته‪ ،‬فقال النبي‬ ‫–صلى ال عليه وسلم ‪" :-‬إن رجلً يقول‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬إني وال ل أعلم إل ما علمني ال‪ ،‬وقد دلني ال‬ ‫عليها‪ ،‬وهي في شعب كذا‪ ،‬قد حبستها شجرة‪ ،‬فذهبوا فجاؤوا بها " فأخبر –صلى ال عليه وسلم – أنه‬ ‫ل يعلم من الغيب إل ما علمه ال"(‪.)292‬‬ ‫قلت‪ :‬قهد ادعهى كثيهر مهن المتصهوفة والغلة أن مشايخههم ومعبوديههم مهن دون ال –تعالى‪،-‬‬ ‫يعلمون الغيوب‪ ،‬وكتبههم مشحونهة بذلك‪ ،‬مثهل الطبقات الكهبرى للشعرانهي‪ ،‬وجامهع الولياء للنبهانهي‪،‬‬ ‫وغيرهما من الكتب الخرافية‪.‬‬

‫‪")(291‬غاية الماني" بتصرف‪.)1/34( ،‬‬ ‫‪)(292‬القسطلني‪ ،‬ببعض التصرف (‪.)10/365‬‬ ‫‪81‬‬

‫ص ‪108‬‬ ‫قال‪ :‬باب قول ال –تعالى‪{ :-‬السّلمُ ا ْلمُ ْؤ ِمنُ} (‪.)293‬‬ ‫أي أن ذلك من أ سماء ال –تعالى‪ -‬التي سمي ب ها نف سه‪ ،‬ومعناه‪ :‬السالم من كل ن قص وع يب‪.‬‬ ‫وسيأتي بيان ذلك‪.‬‬ ‫"قال ا بن بطال‪ :‬غر ضه بهذا الباب‪ :‬إثبات ا سمان من أ سماء ال –تعالى‪ ،-‬قال الحا فظ‪ :‬وفي ما‬ ‫ذكره نظهر‪ ،‬ولو سهلم له ذلك‪ ،‬فإن وظيفهة الشارح بيان وجهه تخصهيص هذه السهماء بالذكهر‬

‫(‪)294‬‬

‫دون‬

‫غير ها‪ ،‬وإفراد ها بالترج مة‪ ،‬ويم كن أ نه أراد بهذا القدر جم يع اليات الثلث‪ ،‬في آ خر سورة الح شر‪،‬‬ ‫سنَى}و قد قال في سورة العراف‪{ :‬وَلِلّ هِ‬ ‫سمَاء ا ْلحُ ْ‬ ‫فإن ها خت مت بقوله تعالى‪{ :‬اللّ ُه ل إَِل َه ِإلّ ُهوَ َل ُه الَ ْ‬ ‫سنَى فَادْعُو هُ بِهَا} (‪ ،)295‬وكأ نه رح مه ال –تعالى‪ -‬ب عد إثبات القدرة‪ ،‬والقوة‪ ،‬والعلم‪ ،‬أشار‬ ‫سمَاء ا ْلحُ ْ‬ ‫الَ ْ‬ ‫إلى أن الصفات السمعية ليست محصورة في عدد معين‪ ،‬بدليل الية المذكورة‪.)296( .‬‬ ‫أو أراد الشارة إلى ذكر السماء التي تسمى ال –تعالى‪ -‬بها‪ ،‬وأطلق بعد ذلك على المخلوقين‪،‬‬ ‫والسلم ثبت في القرآن(‪ ،)297‬وفي الحديث "أنه من أسماء ال –تعالى"‪.‬‬ ‫وقد أطلق على التحية الواقعة بين المؤمنين‪.‬‬ ‫والمؤ من يطلق على من ات صف باليمان‪ ،‬و قد وق عا معا من غ ير تخلل بينه ما في ال ية المشار‬ ‫إليها‪ ،‬فناسب أن يذكرهما في ترجمة واحدة "(‪)298‬ا‪.‬هه‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ما ذكره من أن السلم أطلق على المخلوقين‪ ،‬كالتحية الواقعة بين المؤمنين‪ ،‬غير ظاهر؛‬ ‫لن ال سلم الذي ج عل تح ية للمؤمن ين ا سم من أ سماء ال –تعالى‪ ،-‬ك ما رواه البخاري –رح مه ال‬ ‫تعالى‪ -‬في "الدب المفرد"‪ ،‬من حديث أنس‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال –صلى ال عليه وسلم ‪" :-‬إن السلم‬ ‫اسم من أسماء ال –تعالى‪ ،-‬وضعه ال‬ ‫ص ‪109‬‬ ‫في الرض‪ ،‬فأفشوا السلم بينكم"(‪ ،)299‬وإسناده صحيح‪ ،‬وترجم به البخاري في الصحيح فقال‪:‬‬ ‫{باب‪ :‬السلم اسم من أسماء ال –تعالى‪} -‬‬

‫(‪)300‬‬

‫‪)(293‬الية ‪ 23‬من سورة الحشر‪.‬‬ ‫‪)(294‬يعني أنه قصر في بيان وجه إيراد البخاري هذين السمين من بين السماء الخرى‪.‬‬ ‫‪)(295‬الية ‪ 180‬من سورة العراف‪.‬‬ ‫حسْنَى فَادْعُوهُ] {سورة العراف‪ :‬آية ‪.]180‬‬ ‫سمَاء ا ْل ُ‬ ‫لْ‬ ‫‪)(296‬هي قوله تعالى‪َ { :‬ولِّ ا َ‬ ‫‪ )(297‬كما في الية المترجم بها‪.‬‬ ‫‪" )(298‬فتح الباري" (‪.)13/366‬‬ ‫‪")(299‬الدب المفرد" (ص ‪.)343‬‬ ‫‪)(300‬انظر‪" :‬الفتح" (‪.)11/13‬‬ ‫‪82‬‬

‫و في حد يث ع بد ال بن م سعود المت فق عل يه‪" :‬إن ال هو ال سلم‪ ،‬فإذا جلس أحد كم في ال صلة‬ ‫فلي قل‪ :‬التحيات ل…" و سيذكره في الباب‪ .‬وقال ا بن عباس‪" :‬ال سلم ا سم ال‪ ،‬و هو تح ية أ هل الج نة"‬ ‫أخرجه البيهقي في "الشعب"(‪.)301‬‬ ‫ويدل على ذلك حديث المهاجر بن قنفذ‪ ،‬لما سلم على النبي –صلى ال عليه وسلم – لم يرد حتى‬ ‫توضأ‪ ،‬وقال‪ " :‬إني أن أذكر ال إل على طهر" رواه أبو داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن ماجه(‪.)302‬‬ ‫قال الحافظ‪ :‬صححه ابن خزيمة وغيره(‪.)303‬‬ ‫قال الخطابي‪" :‬وفيه دليل على أن السلم الذي يحيي به الناس بعضهم بعضا اسم من أسماء ال‬ ‫–تعالى‪.)304("-‬‬ ‫وقد اختلف في معناه‪ ،‬فنقل عياض أن معناه‪ :‬اسم ال‪ ،‬أي‪ :‬كلءته عليك وحفظه‪ ،‬كما يقال‪ :‬ال‬ ‫معك ومصاحبك‪.‬‬ ‫وقيهل‪ :‬معناه‪ :‬أن اسهم ال يذكهر على العمال‪ ،‬توقعا لجتماع معانهي الخيرات فيهها‪ ،‬وانتفاء‬ ‫عوارض الفساد‪.‬‬ ‫صحَابِ ا ْل َيمِي نِ}‪305‬أن المسلم أعلم من سلم‬ ‫وقيل‪ :‬معناه‪ :‬السلمة‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬فَسَلمٌ لّكَ ِمنْ أَ ْ‬ ‫عليه أنه سالم منه‪ ،‬وأل خوف عليه منه(‪.)306‬‬ ‫ص ‪110‬‬ ‫قلت‪ :‬هذه المعا ني متلز مة؛ ل نه إذا ح صل ح فظ ال لعبده وكلء ته‪ ،‬وكان م عه‪ ،‬ف قد ح صل له‬ ‫الخير والبركة والسلمة‪.‬‬ ‫قال ابن دقيق العيد‪ " :‬السلم يطلق على معان‪ ،‬منها السلمة‪ ،‬ومنها التحية‪ ،‬ومنها أنه اسم من‬ ‫أ سماء ال –تعالى‪ ،-‬قال‪ :‬و قد يأ تي بمع نى التح ية محضا‪ ،‬و قد يأ تي بمع نى ال سلمة محضا و قد يأ تي‬ ‫مترددا بيهن المعنييهن‪ ،‬كقوله –تعالى‪( ..-‬ول تقولوا لمهن ألقهى إليكهم السهلم) (‪ ،)307‬فإنهه يحتمهل التحيهة‬ ‫ب رّحِيمٍ}‬ ‫والسلمة‪ ،‬وقوله –تعالى‪{ :-‬وََلهُم مّا َيدّعُونَ {‪}57‬سَلمٌ قَ ْولً مِن رّ ّ‬

‫(‪)309( )308‬‬

‫ا‪.‬هه‪.‬‬

‫‪)(301‬انظر‪" :‬الفتح" (‪.)11/12‬‬ ‫‪)(302‬انظر‪" :‬سنن أبي داود" (‪ )1/23‬الحديث السابع عشر‪ ،‬النسائي (‪ ،)1/37‬ابن ماجه رقم (‪.)350‬‬ ‫‪)(303‬انظر‪" :‬الفتح" (‪.)11/13‬‬ ‫‪")(304‬معالم السنن على هامش السنن" (‪.)1/23‬‬ ‫‪)(305‬الية ‪ 91‬من سورة الواقعة‪.‬‬ ‫‪")(306‬الفتح" (‪.)11/13‬‬ ‫‪)(307‬في الية قراءتان‪ ،‬في إحداهما ‪ :‬السلم‪ ،‬بمعنى الستسلم والنقياد‪ ،‬أي استسلم وانقاد لطاعة ال‬ ‫وتوحيده‪ ،‬والخرى‪ :‬السلم‪ ،‬وفسرت بالتحية بأن يقول ‪ :‬السلم عليكم‪.‬‬ ‫‪)(308‬اليتان ‪ 58-57‬من سورة يس‪.‬‬ ‫‪" )(309‬الفتح" (‪.)11/13‬‬ ‫‪83‬‬

‫قلت‪ :‬يمكن إرجاع هذه الطلقات إلى معنى واحد‪ ،‬إذ كلها في الحقيقة تدور على طلب السلمة‪،‬‬ ‫والخلص من الشر والذى‪ ،‬وهذا ما تضمنته التحية المشروعة بين المسلمين‪.‬‬ ‫فال صواب‪ :‬أن ال سلم أ سم من أ سماء ال –تعالى‪ -‬ك ما تقدم‪ ،‬و قد أ مر الم سلمون أن يفشوه في ما‬ ‫بين هم‪ ،‬فعند ما يل قي الم سلم على أخ يه ذلك‪ ،‬فإ نه يذ كر ال –تعالى‪ ،-‬طالبا م نه ال سلمة‪ ،‬متو سلً إل يه‬ ‫بذ كر ا سمه‪ -‬تعالى‪ -‬المنا سب لطل به‪ ،‬فكأ نه يقول‪ :‬أ نا م سالم لك أي ها الخ م حب‪ ،‬وداع لك‪ ،‬وطالب‬ ‫ح صول البر كة والخ ير‪ ،‬وال سلمة من كل مؤذ‪ ،‬م من يملك ذلك‪ ،‬متوسلً إليه في ح صول ذلك با سمه‬ ‫السلم‪.‬‬ ‫فتضمن ذلك ثلثة أشياء‪:‬‬ ‫أحدها‪ :‬ذكر اسم ال –تعالى‪.-‬‬ ‫الثاني‪ :‬إعلم المسلم عليه‪ :‬أنه مسالم له ل يناله منه أذى‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬طلب السهلمة والخيهر له‪ ،‬وبهذا يظههر أن قول مهن قال‪ :‬إنهه يطلق على التحيهة بيهن‬ ‫المخلوق ين‪ ،‬أ نه ل يخالف كو نه ا سما من أ سماء ال‪ ،‬أي أ نه ل يس ق سيما له‪ ،‬بل التح ية الواق عة ب ين‬ ‫المؤمن ين هي ذ كر ا سم ال –تعالى‪ ،-‬المطلوب به ح صول ال سلمة‪ ،‬وذلك أن ال سائل ي سأل في كل‬ ‫مطلوب من ال بالسم المناسب لمطلوبه‪،‬‬ ‫ص ‪111‬‬ ‫كما يعلم ذلك عند تأمل الدعية الواردة في كتهاب ال –تعالى‪ ،-‬وفي أحاديهث رسوله –صلى‬ ‫ال عليه وسلم ‪ ،-‬وال أعلم‪.‬‬ ‫والصواب‪ :‬أن مراد البخاري‪ -‬رحمه ال تعالى‪ -‬بهذه الترجمة‪ :‬تنزيه ال –تعالى‪ -‬عن مشابهة‬ ‫المخلوق‪ ،‬وأن اشتراكهه – تعالى‪ -‬مهع المخلوق فهي السهم‪ ،‬أو فهي معنهى مهن المعانهي‪ ،‬ل يكون فيهه‬ ‫تشبيه‪ ،‬نحو اليد‪ ،‬والرجل‪ ،‬والستواء‪ ،‬والمجيء‪ ،‬والضحك‪ ،‬والسخط‪ ،‬والعلم‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬وغير‬ ‫ذلك م ما أثب ته –تعالى‪ -‬لنف سه‪ ،‬وأثب ته له ر سوله‪ :‬ل نه –تعالى – ال سلم‪ ،‬أي‪ :‬ال سالم من كل ع يب‬ ‫ونقص يلحق المخلوق‪.‬‬ ‫"قال ابن قتيبة‪ :‬سمى نفسه سلماَ؛ لسلمته مما يلحق المخلوق من العيب والنقص والفناء‪ ،‬وقال‬ ‫الخطابي‪ :‬معناه ذو السلم‪ ،‬والسلم في صفة ال تعالى هو‪ :‬الذي سلم من كل عيب‪ ،‬وبرأ من كل آفة‬ ‫ونقص يلحق المخلوقين‪ ،‬وقد قيل‪ :‬هو الذي سلم الخلق من ظلمه"ا‪.‬هه(‪.)310‬‬ ‫قلت‪ :‬هذا القول الخير ل يخالف الذي قبله‪ ،‬بل كلهما يدخل في اسمه تعالى‪ :‬السلم‪ .‬قال ابن‬ ‫كثير‪" :‬السلم من جميع العيوب والنقائص‪ ،‬بكماله في ذاته وصفاته وفي أفعاله"(‪.)311‬‬

‫‪")(310‬زاد المسير" (‪.)8/225‬‬ ‫‪")(311‬تفسير ابن كثير" (‪.)8/105‬‬ ‫‪84‬‬

‫فال سلم من الكلمات الجام عة‪ ،‬وحقيق ته‪ :‬البراءة الخلص والنجاة من ال شر والعيوب‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫المعنى تدور تصاريف هذا اللفظ‪ ،‬فمن ذلك‪ :‬سلمك ال‪ ،‬وسلم فلن من الشر‪ ،‬ومنه دعاء الرسل على‬ ‫الصراط‪" :‬اللهم سلم سلم" وسلم الشيء لفلن‪ ،‬أي‪ :‬خلص له وحده من ضرر الشركة فيه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ش َركَاء ُم َتشَاكِ سُونَ َو َرجُلً سََلمًا ّل َرجُلٍ}(‪)312‬أي‪ :‬خال صا له وحده ل يمل كه‬ ‫{ضَرَ بَ اللّ ُه َمثَلً ّرجُلً فِي ِه ُ‬ ‫جنَح ْه لَهَا} (‪)313‬؛ لن كهل واحهد مهن‬ ‫هْمِ فَا ْ‬ ‫ج َنحُو ْا لِلسّل‬ ‫معهه غيره‪ .‬والسهلم ضهد الحرب‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَإِن َ‬ ‫المتحاربين يسلم من أذى الخر ويخلص منه‪ ،‬والقلب السليم هو‪:‬‬ ‫ص ‪112‬‬ ‫الن قي من ال غل والد غل‪ ،‬الذي قد سلم ل وحده‪ ،‬فخلص من د غل الشرك وغله‪ ،‬ود غل الذنوب‬ ‫والمخالفات‪ ،‬فاستقام على حب ال وحسن معاملته‪ ،‬ولذلك ضمن له النجاة من عذابه‪ ،‬والفوز بكرامته‪.‬‬ ‫وال سلم أ خذ من هذا المع نى‪ ،‬فإ نه‪ :‬ال ستسلم ل والنقياد له‪ ،‬والتخلص من شوائب الشرك‪،‬‬ ‫والبدع المضلة‪.‬‬ ‫والج نة دار ال سلم‪ ،‬أي‪ :‬دار ال سلمة من كل آ فة ون قص و شر‪ ،‬فإطلق ال سلم على ال تعالى‬ ‫اسما من أسمائه‪ ،‬أولى من هذا كله‪ ،‬وهو أحق بهذا السم من كل مسمى به؛ لسلمته تعالى من كل‬ ‫عيب ونقص من كل وجه‪ ،‬فهو –تعالى‪ -‬السلم الحق بكل اعتبار‪ ،‬سلم في ذاته عن كل عيب ونقص‬ ‫يتخيله وهم‪.‬‬ ‫وسلم في صفاته من كل عيب ونقص‪ ،‬وسلم في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل‬ ‫واقع على غير وجه الحكمة‪ ،‬فهو السلم الحق من كل وجه وبكل اعتبار‪ ،‬وهذا هو حقيقة التنزيه الذي‬ ‫نزه به نفسه‪ ،‬ونزهه به رسوله‪ ،‬فهو السلم من الصاحبة والولد‪ ،‬والسلم من النظير والكفء والسمي‬ ‫والمماثل‪ ،‬والسلم من الشريك‪.‬‬ ‫ولهذا إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلما مما يضاد كمالها‪.‬‬ ‫فحيا ته –تعالى‪ -‬سلم من الموت وال سنة والنوم‪ ،‬وقيومي ته وقدر ته سلم من الحا جة والت عب‬ ‫واللغوب‪ ،‬وعلمه سلم من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر أو تفكر‪ ،‬وإرادته‬ ‫–تعالى‪ -‬سهلم مهن خروجهها عهن الحكمهة والمصهلحة‪ ،‬وكلماتهه –تعالى‪ -‬سهلم مهن الكذب والخلف‬ ‫والظلم‪ ،‬بل ت مت كلما ته صدقا وعدلً‪ ،‬وغناه – تعالى – سلم من الحا جة إلى غيره في و جه من‬ ‫الوجوه‪ ،‬بل كل ما سواه فقير إليه محتاج‪ ،‬وملكه – تعالى – سلم من منازع فيه أو مشارك‪ ،‬أو معاون‬ ‫مظاهر‪ ،‬أو شافع عنده بدون إذنه‪ ،‬وإلهيته – تعالى – سلم من مشارك له فيها‪ ،‬بل هو ال الذي ل إله‬ ‫إل ههو‪ ،‬وحلمهه‪ ،‬وعفوه‪ ،‬وصهفحه‪ ،‬ومغفرتهه‪ ،‬وتجاوزه‪ ،‬سهلم مهن أن تكون عهن حاجهة‪ ،‬أو ذل‪ ،‬أو‬ ‫مصانعة‪ ،‬كما يكون من غيره‪ ،‬بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه‪.‬‬ ‫‪ )(312‬الية ‪ 29‬من سورة الزمر‪.‬‬ ‫‪ )(313‬الية ‪ 61‬من سورة النفال‪.‬‬ ‫‪85‬‬

‫ص ‪113‬‬ ‫وكذلك عذابهه‪ ،‬وانتقامهه‪ ،‬وشده بطشهه‪ ،‬وسهرعة عقابهه‪ ،‬سهلم مهن أن يكون ظلما‪ ،‬أو تشفيا‪ ،‬أو‬ ‫غل ظة أو ق سوة‪ ،‬بل هو م حض حكم ته وعدله‪ ،‬ووض عه الشياء مواضع ها‪ ،‬ف هو ي ستحق عل يه الح مد‬ ‫والثناء‪ ،‬كما يستحق على إحسانه ونعمه‪.‬‬ ‫وقدره وقضاؤه سلم من العبث والجور والظلم‪.‬‬ ‫وشرعه ودينه سلم من التناقض والختلف والضطراب وعدم مصلحة العباد ورحمتهم"(‪.)314‬‬ ‫وهكذا جميع صفاته وأفعاله سلم من كل ما يتوهمه معطل أو يتخيله مشبه‪ ،‬تعالى ربنا السلم‬ ‫عما يضاد كماله‪.‬‬ ‫و أما ذكره "المؤمن" مع السلم فلبيان أن ما تسمى ال به‪ ،‬وأطلق على غيره من خلقه‪ ،‬فإنه ل‬ ‫يكون بينه وبين من أطلق عليه مشابهة‪ ،‬فال – تعالى – سمى نفسه‪ :‬المؤمن‪ ،‬ومن اتصف باليمان من‬ ‫عباده يسمى‪ :‬مؤمنا‪ ،‬ولكن ال – تعالى – سالم من النقائص والعيوب التي تلزم الخلق؛ لنه – تعالى –‬ ‫هو السلم‪.‬‬ ‫وهكذا كل ما يطلق على غيره –تعالى‪ -‬مما سمى به نفسه أو اتصف به‪ ،‬نحو العزيز‪ ،‬والكريم‪،‬‬ ‫والرؤوف‪ ،‬والرحيم‪ ،‬والسميع‪ ،‬والبصير‪ ،‬والعليم‪ .‬وهو كثير‪.‬‬ ‫فلله‪ -‬تعالى‪ -‬ما يليق به من المعاني الكاملة السالمة من النقائص والعيوب‪ ،‬وللمخلوق ما يناسبه‬ ‫ويليق بضعفه‪ ،‬فهو محل كل عيب ونقص‪ .‬وال أعلم‪.‬‬ ‫المؤمن من أسمائه – تعالى‪ -‬وهو على أحد التفسيرين‪ :‬المصدق الذي يصدق الصادقين بما يقيم‬ ‫ل هم من شوا هد صدقهم‪ ،‬ف هو الذي صدق ر سله وأ نبياءه في ما بلغوا ع نه‪ ،‬وش هد ل هم بأن هم صادقون‬ ‫للدلئل التهي دل بهها على صهدقهم – قضاء وخلقا – فإنهه – سهبحانه‪ -‬أخهبر‪ -‬وخهبره الصهدق وقوله‬ ‫الحق‪ ،‬أنه لبد أن يري عباده من اليات الفقية والنفسية ما يبين لهم أن الوحي الذي بلغته رسله حق‪،‬‬ ‫حقّ َأوَلَ مْ َيكْ فِ ِب َربّ كَ َأنّ هُ‬ ‫حتّى َي َت َبيّ نَ َلهُ ْم َأنّ هُ ا ْل َ‬ ‫س ِهمْ َ‬ ‫س ُنرِي ِهمْ آيَا ِتنَا فِي الفَا قِ َوفِي أَنفُ ِ‬ ‫كما قال –تعالى‪َ { :-‬‬ ‫شهِيدٌ} (‪ )315‬فشههد لرسهوله أن مها جاء بهه حهق‪ ،‬ووعده أن يري العباد مهن آياتهه الفعليهة‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلَى كُ ّ‬ ‫والخلقية‪ :‬ما يش هد بذلك أيضا‪ ،‬ثم ذ كر ما هو أعظم من ذلك وأجل‪ ،‬وهو شهادته‪ -‬تعالى‪ -‬على كل‬ ‫شيء‪ ،‬فإن من‬ ‫ص ‪114‬‬

‫‪" )(314‬بدائع الفوائد" ملخصاً (‪)136-2/132‬‬ ‫‪ )(315‬الية ‪ 53‬من سورة فصلت‬ ‫‪86‬‬

‫أسهمائه "الشهيهد"‪ :‬الذي ل يغيهب عنهه شيهء‪ ،‬ول يعزب عنهه مثقال ذرة فهي الرض ول فهي‬ ‫السماء‪ ،‬بل هو مطلع على كل شيء وشاهد له‪ ،‬عليم بتفاصيله‪ ،‬وهذا استدلل بأسمائه وصفاته‪ ،‬والول‬ ‫استدلل بقوله وكلماته‪ ،‬والستدلل باليات الفقية والنفسية استدلل بأفعاله ومخلوقاته "(‪.)316‬‬ ‫وقال ابن الجوزي‪" :‬فأما المؤمن ففيه ستة أقوال‪:‬‬ ‫أحدها‪ :‬أنه الذي أمن الناس ظلمه‪ ،‬وأمن من آمن به عذابه‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أنه المجيب‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أنه الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه‪.‬‬ ‫ل هُوَ} (‪.)317‬‬ ‫ل إِلَههَ ِإ ّ‬ ‫الرابع‪ :‬أنه الذي وحد نفسه؛ لقوله –تعالى‪{ :-‬شَ ِهدَ الّلهُ َأنّهُ َ‬ ‫الخامس‪ :‬أنه الذي يصدق عباده وعده‪.‬‬ ‫السادس‪ :‬أنه الذي يصدق ظنون عباده المؤمنين؛ ول يخيب آمالهم"أ‪.‬هه(‪.)318‬‬ ‫قلت‪ :‬هذه القوال كل ها حهق‪ ،‬ويدل عليهها ا سمه –تعالى‪" -‬المؤمهن" ف هو الم صدق الذي يصهدق‬ ‫رسله بما يقيمه من الدلئل التي تدل على صدقهم فيما جاؤوا به وبلغوه عنه –تعالى‪ ،-‬ويصدقهم وعده‬ ‫بنصره إياهم على عدوهم‪ ،‬وبصدق عباده ما أخبرهم به من توفيتهم ما يستحقونه جزاء أعمالهم‪ ،‬ول‬ ‫يضيع أجر أحد منهم ويؤمنهم من الظلم‪ ،‬فل يخافون ظلما ول هضما‪ ،‬فهو الذي يجير عباده وينجيهم‬ ‫من المهالك والمخاوف‪ ،‬وهو الذي شهد لنفسه بأنه ل إله إل هو العزيز الحكيم‪.‬‬ ‫‪ -11‬قال‪ ":‬حدثنا أحمد بن يونس‪ ،‬حدثنا زهير‪ ،‬حدثنا مغيرة‪ ،‬حدثنا شفيق بن سلمة قال‪ :‬قال عبد‬ ‫ال‪ :‬كنا نصلي خلف النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬فنقول‪:‬السلم على ال‪ ،‬فقال النبي‪-‬صلى ال عليه‬ ‫و سلم‪ ":-‬إن ال هو ال سلم‪ ،‬ول كن قولوا‪ :‬التحيات ل‪ ،‬وال صلوات والطيبات‪ ،‬ال سلم عل يك أي ها ال نبي‪،‬‬ ‫ورحمة ال وبركاته‪ ،‬السلم علينا‪ ،‬وعلى عباد ال الصالحين‪ ،‬أشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأشهد أن محمدا‬ ‫عبده ورسوله‪.‬‬ ‫ص ‪115‬‬ ‫عبدال‪ ،‬هو عبدال بن مسعود بن غافل‪ ،‬الهذلي‪ ،‬من أهل السوابق‪ ،‬هاجر قديما إلى الحبشة‪ ،‬وقد‬ ‫ش هد مع ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬جم يع غزوا ته‪ ،‬ولز مه‪ ،‬وخد مه‪ ،‬فكان يقال له‪ :‬صاحب‬ ‫السواك‪ ،‬والنعل؛ لنه كان يحمل سواك رسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬ونعله‪.‬‬ ‫و في "ال صحيحين" أن أ با مو سى قال‪ ":‬قد مت أ نا وأ خي من الي من‪ ،‬فمكث نا حينا و ما نرى ا بن‬ ‫م سعود وأ مه إل من أ هل ب يت ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪-‬؛ ل ما نرى من كثرة دخول هم على‬ ‫رسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬ولزومهم له"‪.‬‬ ‫‪" )(316‬مدارج السالكين" (‪.)3/466‬‬ ‫‪ )(317‬الية ‪ 18‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪" )(318‬زاد المسير" (‪.)8/225‬‬ ‫‪87‬‬

‫ل وهديا بر سول ال‪ -‬صلى ال عل يه و سلم‪ -‬من ع بد‬ ‫وقال حذي فة‪ ":‬ما نعلم أحدا أقرب سمتا ود ً‬ ‫ال بن مسعود‪ ،‬ولقد علم المحظوظون من أصحاب رسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أن ابن أم عبد‬ ‫أقربهم إلى ال وسيلة"‪.‬‬ ‫وهو من علماء الصحابة‪ ،‬وفقائهم‪ ،‬توفي في الكوفة‪ ،‬وقيل‪ :‬في المدينة‪ ،‬سنة اثنتين‪ -‬أو ثلث –‬ ‫وثلثين‪ ،‬وله بضع وستون وسنة ا‪.‬هه‪.‬‬

‫(‪)319‬‬

‫قوله‪" :‬فنقول‪ :‬السلم على ال"‪ ،‬كأنهم رأوا السلم من قبيل الحمد‪ ،‬والشكر‪ ،‬فجوزوا ثبوته ل –‬ ‫تعالى ‪ ،-‬وهو تعالى السلم‪ ،‬والسلم منه بدأ وإليه يعود‪ ،‬إذ هو –تعالى‪ -‬واهب السلم لعباده‪ ،‬الذي به‬ ‫ي سلمون من شرور أنفسهم‪ ،‬وشرور أعدائ هم من ال جن وال نس‪ ،‬و هو –تعالى‪ -‬السالم من كل ما ف يه‬ ‫نقص أو شين‪ ،‬فل يطلب له السلم‪ ،‬ولهذا قال معلم الهدى‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ ":-‬إن ال هو السلم"‬ ‫أي السهالم مهن أن يلحقهه حاجهة‪ ،‬أو يناله تغيهر أو آفهة‪ ،‬بهل ههو الكامهل فهي أوصهافه العليها‪ ،‬وأسهمائه‬ ‫الحسنى‪ ،‬وهو الغني بذاته عن كل ما سواه‪.‬‬ ‫وهذا الجزء من الحد يث هو م حل الشا هد الذي سيق من أجله؛ ل نه يدل على أن ال –تعالى‪-‬‬ ‫سالم من جميع العيوب والنواقص التي تلحق الخلق‪ ،‬فإذا سمى نفسه باسم قد يتسمى به بعض خلقه‪ ،‬أو‬ ‫و صف نف سه ب صفة قد يت صف ب ها ب عض خل قه‪ ،‬فالمعا ني ال تي يدل علي ها ا سمه أو صفته تخ صه‪-‬‬ ‫تعالى‪ -‬ل يشاركه فيها المخلوق‪.‬‬ ‫ص ‪116‬‬ ‫وكل نقص في المخلوق فهو –تعالى‪ -‬سالم منه‪ ،‬ومتنزه عنه‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬فهو السلم المؤمن‪.‬‬ ‫قوله‪ ":‬التحيات ل‪ ،‬قال فهي "اللسهان"‪ ":‬التحيات ل" معناه" البقاء ل‪ ،‬والسهلمة مهن الفات كلهها‬ ‫التي تلحق العباد من العناء‪ ،‬وأسباب الفناء"(‪.)320‬‬ ‫وكذا قال غيره من أهل اللغة‪.‬‬ ‫وجيهء بلفهظ الجمهع ليدل على أن ال –تعالى‪ -‬يسهتحق جميهع الكمالت‪ ،‬مهن العظمهة‪ ،‬والبقاء‪،‬‬ ‫والملك‪ ،‬والسلمة من الفات والنقص‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫قال الخطابي‪ ":‬لم يكن في تحياتهم شيء يصلح به الثناء على ال –تعالى‪ ،-‬فلهذا أبهمت ألفاظها‪،‬‬ ‫واستعمل منها معنى التعظيم‪ ،‬فقال‪ ":‬قولوا‪ :‬التحيات ل" أي‪ :‬أنواع التعظيم له" ا‪.‬هه‪.‬‬

‫(‪)321‬‬

‫‪" )(319‬الرياض المستطابة" ملخصاً ‪ ،‬وانظر‪ ":‬الصابة" (‪ ، )4/233‬و "تهذيب التهذيب" (‪ ، )6/27‬و‬ ‫"سير أعلم النبلء" (‪.)1/461‬‬ ‫‪" )(320‬لسان العرب" (‪ )1/775‬المرتب‪.‬‬ ‫‪" )(321‬فتح الباري" (‪ )2/313‬ولفظ الخطابي لما ذكر ألفاظ تحياتهم لمعظميهم قال‪ ":‬وهذه اللفاظ ونحوها‬ ‫مما يتحيا به الناس فيما بينهم ل يصلح شيء منها للثناء على ال‪ -‬عز وجل‪ ، -‬فتركت أعيان تلك اللفاظ‪،‬‬ ‫واستعمل منها معنى التعظيم ‪ ،‬فقيل‪ :‬قولوا ‪ :‬التحيات ل‪ ،‬أي الثناء على ال والتحميد وأنواع التعظيم له‬ ‫كما يستحقه ويجب له" ‪" .‬أعلم الحديث" (‪.)2/545‬‬ ‫‪88‬‬

‫وقوله‪ " :‬ل" يفيهد وجوب الخلص فهي العبادة‪ ،‬أي أن ذلك ل يجوز أن يكون لغيهر ال منهه‬ ‫شيء‪.‬‬ ‫"وال صلوات" أي جم يع العبادات له ا ستحقاقا بمقت ضى الع قل‪ ،‬وبالشرع‪ ،‬وذلك م ثل الركوع‪،‬‬ ‫والسجود‪ ،‬والقيام‪ ،‬والدعاء‪ ،‬وأنواع العبادة له وحده ل شريك له في ذلك‪.‬‬ ‫"والطيبات" أي العمال الطيبات له – تعالى‪ -‬يتو سل ب ها إل يه‪ ،‬و هو –تعالى‪ -‬ل يق بل إل طيبا‪،‬‬ ‫"وما طاب من الكلم وحسن أن يثنى به على ال‪ ،‬دون ما ل يليق بصفاته"(‪ ،)322‬والوصف بالطيب يفيد‬ ‫خلوصها من الشرك‪ ،‬وشوائبه‪ ،‬وسلمتها من البدع‪.‬‬ ‫ص ‪117‬‬ ‫"ال سلم" ا سم ال –تعالى‪ -‬الدال على سلمته من كل ن قص وع يب‪ ،‬فيد عى ال –تعالى‪ -‬به؛‬ ‫ليسلم من ذكر عليه هذا السم الشريف‪ ،‬من المكاره والمخاوف‪.‬‬ ‫"عليك أيها النبي" أمرهم أن يفردوه بالسلم‪ ،‬ويقدموه على أنفسهم‪ ،‬لوجوب حقه عليهم‪ ،‬ووجوب‬ ‫محبته التي يجب أن تكون مقدمة على النفس‪ ،‬وما دونها‪.‬‬ ‫والحاديهث متقفهة على لفهظ الخطاب‪ ،‬وذكهر حرف النداء "عليهك أيهها النهبي" وقهد عدل بعهض‬ ‫ال صحابة ب عد وفا ته – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬إلى ل فظ خطاب الغائب فقالوا‪" :‬ال سلم على ال نبي" ك ما‬ ‫ذكره البخاري في الستئذان(‪ ،)323‬وابو عوانة في مسنده(‪ ،)324‬وغيرهما‪.‬‬ ‫وقال عبدالرزاق‪ ":‬عن ابن جريج‪ ،‬عن عطاء‪ :‬أن أصحاب النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬كانوا‬ ‫ي سلمون وال نبي‪ -‬صلى ال عل يه و سلم‪ -‬حي‪ :‬ال سلم عل يك أي ها ال نبي ورح مة ال وبركا ته‪ ،‬فل ما مات‬ ‫قالوا‪ :‬السلم على النبي ورحمة ال وبركاته"(‪.)325‬‬ ‫وبهذا ال سند أيضا‪ ":‬سمعت ا بن عباس‪ ،‬وا بن الزب ير‪ ،‬يقولن في التش هد في ال صلة‪ :‬التحيات‬ ‫المباركات ل‪ ،‬الصلوات الطيبات ل‪ ،‬السلم على النبي ورحمة ال وبركاته"(‪.)326‬‬ ‫و الولى‪ :‬اتباع لفظ الحديث كما عليه الجمهور من الصحابة‪ ،‬ومن بعدهم من أهل العلم‪ ،‬وكما‬ ‫أنه ل فرق بين الحاضر معه في وقت حياته‪ ،‬وبين من كان غائبا‪ ،‬فكذلك بعد وفاته‪.‬‬ ‫والنداء لطلب استحضار المنادي في القلب‪ ،‬فيخاطبه كأنه شاهد في قلبه‪ ،‬ومثل هذا معروف في‬ ‫كلم العرب‪ ،‬وأشعار هم‪ ،‬يخا طب أحد هم من يت صوره في نف سه‪ ،‬وإن لم ي كن في الخارج من ي سمع‬ ‫خطابه‪ ،‬قال حسان بن ثابت‪ -‬رضي ال عنه‪ -‬في رثائه لرسول ال‪-‬صلى ال عليه وسلم‪:-‬‬ ‫ص ‪118‬‬ ‫‪ )(322‬المصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪ )(323‬انظر‪" :‬الفتح" (‪.)11/56‬‬ ‫‪ )(324‬انظر‪ " :‬مسند أبي عوانة" (ص ‪.)229‬‬ ‫‪ )(325‬انظر‪ " :‬المصنف" (‪.)2/204‬‬ ‫‪ )(326‬المصدر نفسه ‪( ،‬ص ‪.)203‬‬ ‫‪89‬‬

‫مههها بال عينهههك ل تنام كأنهههها كحلت مآقيهههها بكحهههل الرمهههد‬ ‫جزعا على المهدي أصههههههبح ثاويا يها خيهر مهن وطيهء الحصهى ل تبعهد‬ ‫وجههههي يقيهههك لهفهههي ليتنهههي غيبههت قبلك فههي بقيههع الغرقههد‬ ‫هود‬ ‫هم السه‬ ‫هبحت سه‬ ‫هي صه‬ ‫ها ليتنه‬ ‫هههم بعدك بالمدينهههة بينههههم يه‬ ‫أأقيه‬

‫(‪)327‬‬

‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬ ‫يهها أيههها السههاعي ليدرك مجدنهها ثكلتهههك أمهههك ههههل ترد قتيلً‬

‫(‪)328‬‬

‫وقالت الخنساء في أخيها صخر‪:‬‬ ‫أل يهها صههخر إن أبكيههت عيههن لقههههد أضحكتنههههي دهرا طويلً‬ ‫ي‬ ‫هههاء معولت وكنهههت أحهههق مهههن أبدى العويل‬ ‫هههي نسه‬ ‫هههك فه‬ ‫بكيته‬ ‫دفعههت بههك الجليههل وأنههت حههي فمهههن ذا يدفهههع الخطهههب الجليل‬ ‫إذا قبهههههح البكاء على قتيهههههل رأيهههت بكاءك الحسهههن الجميل‬

‫(‪)329‬‬

‫وهذا كثيهر جدا‪ ،‬ول يحتاج إلى ذكهر الشواههد عليهه؛ لشهرتهه‪ ،‬وبهذا وأمثاله يتهبين ضلل‬ ‫المغرور ين الذ ين ي ستغيثون بالنهبياء‪ ،‬والولياء‪ ،‬ويتعلقون بش به واهيهة‪ ،‬م ثل ا ستدللهم بلفهظ النداء‪،‬‬ ‫والخطاب المذكور في هذا الحد يث‪ ،‬على حضور ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ع ند كل من يناد يه‪،‬‬ ‫ويخاطبه؛ ولذلك جوزوا التوجه إليه‪ ،‬ومناداته‪ ،‬في كل ملمة‪ ،‬فضلوا بذلك وأضلوا كثيرا‪.‬‬ ‫مع أن هذه الصيغة هي التي كان النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يقولها في تشهده والمة تبع له‪،‬‬ ‫تقول م ثل ما كان يقول‪ ،‬ك ما في شرح ال ثر للطحاوي ب سنده إلى عبدال بن الزب ير‪ ،‬قال‪ ":‬إن تش هد‬ ‫رسهول ال –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬الذي كان يتشههد بهه‪ :‬بسهم ال‪ ،‬وبال‪،‬خيهر السهماء‪ ،‬التحيات‪،‬‬ ‫الطيبات‪ ،‬الصهلوات ل‪ ،‬أشههد أن ل إله إل ال وحده‪ ،‬ل شريهك‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسهوله‪ ،‬أرسهله‬ ‫بالحق بشيرا‪ ،‬ونذيرا‪ ،‬وأن‬ ‫ص ‪119‬‬ ‫الساعة آتية ل ريب فيها‪ ،‬السلم عليك أيها النبي‪ ،‬ورحمة ال وبركاته‪ ،‬السلم علينا وعلى عباد‬ ‫ال الصالحين‪ ،‬اللهم اغفر لي واهدني" ا‪.‬هه‪.‬‬

‫(‪)330‬‬

‫وهو أيضا عند البزار(‪.)331‬‬ ‫‪ )(327‬انظر ‪ ":‬ديوان حسان" (ص ‪.)97‬‬ ‫‪ )(328‬انظر ‪ ":‬ديوان امرؤ القيس" (ص ‪.)178‬‬ ‫‪ )(329‬انظر ‪ ":‬ديوان الخنساء" (ص ‪)120‬‬ ‫‪" )(330‬شرح معاني الثار" (‪.)1/265‬‬ ‫‪ )(331‬انظر ‪ ":‬كشف الستار" (‪.)1/272‬‬ ‫‪90‬‬

‫قال الحافهظ‪ " :‬فإن قيهل‪ :‬لم عدل عهن الوصهف بالرسهالة إلى الوصهف بالنبوة‪ ،‬مهع أن الوصهف‬ ‫بالرسالة أعم في حق البشر؟‬ ‫أجاب بعضهم‪ :‬بأن الحكمة فيه أن يجمع له الوصفين؛ لنه وصفه بالرسالة في آخر التشهد‪ ،‬وإن‬ ‫كانت الرسالة تستلزم النبوة‪ ،‬لكن الجمع بينهما أبلغ"(‪ ،)332‬ولنها وجدت في الخارج مقدمة على الرسالة‬ ‫في الوحي كما في قوله –تعالى‪{ :-‬ا ْقرَأْ بِاسْ ِم رَ ّبكَ اّلذِي خََلقَ} (‪.)333‬‬ ‫ص ‪120‬‬ ‫قال‪" :‬باب قول ال –تعالى‪{ :-‬مَِلكِ النّاسِ} فيه ابن عمر عن النبي –صلى ال عليه وسلم‪." -‬‬ ‫الملك هو‪ :‬المتصرف بالشياء حسب إرادته‪ ،‬ومشيئته‪ ،‬ل راد لمره‪ ،‬ول معقب لحكمه‪.‬‬ ‫وخهص الناس؛ لنههم الذيهن يملكون بعهض الشياء‪ ،‬وفيههم ملوك فههو‪ -‬تعالى‪ -‬ملك مهن يملك‪،‬‬ ‫وملك الملوك‪ ،‬فدخل غيرهم في المعنى‪ ،‬وملكه – تعالى – دائم ل يزول‪.‬‬ ‫قال الطبري‪ :‬أخبر أنه ملك الناس "وهو ملك جميع الخلق‪ ،‬إنسهم وجنهم وغير ذلك‪ ،‬إعلما منه‬ ‫بذلك من كان يع ظم الناس تعظ يم المؤمن ين رب هم‪ ،‬أ نه ملك من يعظ مه‪ ،‬وأن ذلك في مل كه و سلطانه‪،‬‬ ‫تجري عليه قدرته‪ ،‬وأنه أولى بالتعظيم‪ ،‬وأحق بالتعبد له ممن يعظمه‪ ،‬وتعبد له من الناس" ا‪.‬هه‪.‬‬

‫(‪)334‬‬

‫قال الراغب‪ " :‬الملك هو‪ :‬المتصرف بالمر والنهي"(‪.)335‬‬ ‫وقال الزجاج‪ " :‬قال أصحاب المعاني‪ :‬الملك‪ :‬النافذ المر في ملكه‪ ،‬إذ ليس كل مالك ينفذ أمره‬ ‫وتصرفه فيما يملكه‪ ،‬فالملك أعم من المالك‪ ،‬وال –تعالى‪ -‬مالك المالكين كلهم‪ ،‬إنما استفادوا التصرف‬ ‫في أملكهم من جهته –تعالى‪.)336("-‬‬ ‫وقال ال طبري‪ " :‬ول خلف ب ين جم يع أ هل المعر فة بلغات العرب أن الملك من الملك مش تق؛‬ ‫وأن المالك من الملك(‪)337‬مأخوذ‪ ،‬فتأويل قراءة من قرأ "مالك يوم الدين" أن ل الملك يوم الدين خالصا؛‬ ‫دون جميهع خل قه الذيهن كانوا قبهل ذلك فهي الدنيها ملوكا جبابرة‪ ،‬ينازعونهه الملك‪ ،‬ويدافعو نه النفراد‬ ‫بالكبرياء والعظمة والسلطان والجبرية‪ ،‬فأيقنوا بلقاء ال يوم الدين أنهم الصغرة الذلة‪ ،‬وأن له – دونهم‬ ‫ودون غيرهم – الملك والكبرياء‪ ،‬والعزة والبهاء‪ ،‬كما قال‪ -‬جل ذكره‬ ‫ص ‪121‬‬

‫‪ )(332‬انظر ‪ ":‬الفتح" (‪.)2/314‬‬ ‫‪ )(333‬الية ‪ 1‬من سورة العلق‪.‬‬ ‫‪" )(334‬تفسير الطبري" (‪.)30/354‬‬ ‫‪" )(335‬المفردات" (ص ‪.)472‬‬ ‫‪" )(336‬تفسير السماء الحسنى" (ص ‪.)30‬‬ ‫‪ )(337‬الول بضم اليم والثاني بكسرها ‪.‬‬ ‫‪91‬‬

‫حدِ‬ ‫ك ا ْليَوْ َم لِلّ هِ ا ْلوَا ِ‬ ‫ن ا ْلمُلْ ُ‬ ‫شيْ ٌء ّلمَ ِ‬ ‫ن ل َيخْفَى عَلَى اللّ هِ ِم ْنهُ مْ َ‬ ‫وتقدست أسماؤه ‪{ :-‬يَوْ مَ هُم بَارِزُو َ‬ ‫الْ َقهّارِ} (‪ ،)338‬فأخهبر – تعالى ذكره‪ -‬أنهه المنفرد يومئذ بالملك‪ ،‬دون ملوك الدنيها‪ ،‬الذيهن صهاروا يوم‬ ‫الدين من ملكهم إلى ذلة وصغار‪ ،‬ومن دنياهم في معادهم إلى خسار"(‪.)339‬‬ ‫قوله‪ " :‬فيه ابن عمر" أي يدخل في هذا الباب حديث ابن عمر‪ ،‬وهو كحديث أبي هريرة المذكور‬ ‫في هذا الباب سواء‪ ،‬وسيأتي إن شاء ال – تعالى‪.-‬‬ ‫ص ‪122‬‬ ‫‪-12‬قال‪ " :‬حدثنا أحمد بن صالح‪ ،‬حدثنا ابن وهب‪ ،‬أخبرني يونس‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬عن سعيد‪-‬‬ ‫هو ابن المسيب‪ -‬عن أبي هريرة – رضي ال عنه‪ -‬عن النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ ":‬يقبض ال‬ ‫الرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أنا الملك‪ ،‬أين ملوك الرض؟"‪.‬‬ ‫أبو هريرة عرف بكنيته‪ ،‬واختلف في اسمه واسم أبيه اختلفا كثيرا‪ ،‬وصحح البخاري والنووي‬ ‫وغيرهما من الحفاظ أن اسمه عبد الرحمن بن صخر‪.‬‬ ‫قدم على النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬مسلما وهو يقسم غنائم خيبر‪ ،‬ثم لزم رسول ال‪-‬صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ -‬حضرا وسفرا‪ ،‬فلم يشغله عن ملزمته أهل ول مال‪.‬‬ ‫وهو أحفظ الصحابة‪ ،‬بل أحفظ المة‪ ،‬ولهذا صار هدفا لهل اللحاد بسبب كثرة ما يغضبهم من‬ ‫مروياته‪.‬‬ ‫قال الشافعي‪ :‬أبو هريرة أحفظ من روى الحديث دهرا‪.‬‬

‫(‪)340‬‬

‫جاء في "صحيح مسلم" في قصة إسلم أمه‪ ،‬أنه قال‪ ":‬قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ادع ال أن يحببني ال‬ ‫أنا وأمي إلى عباده المؤمنين‪ ،‬ويحببهم إلينا؟ فقال النبي –صلى ال عليه وسلم‪ :-‬اللهم حبب عبدك هذا‬ ‫وأمه إلى عبادك المؤمنين‪ ،‬وحبب إليهما المؤمنين"‪.‬‬ ‫قال أبو هريرة‪ " :‬فما خلق ال مؤمنا يسمع بي‪ ،‬ول يراني‪ ،‬إل أحبني"(‪.)341‬‬ ‫ولهذا صار حبه علمة اليمان‪ ،‬وبغضه علمة النفاق والكفر‪.‬‬ ‫توفي‪ -‬رضي ال عنه‪ -‬في المدي نة‪ ،‬وقيل‪ :‬بالعقيق‪ ،‬سنة سبع‪ -‬أو تسع – وخم سين عن ثمان‬ ‫وسبعين سنة‪.‬‬

‫(‪)342‬‬

‫‪ )(338‬الية ‪ 16‬من سورة غافر ‪.‬‬ ‫‪" )(339‬تفسير الطبري" (‪.)149-1/148‬‬ ‫‪ )(340‬انظر ‪ ":‬تهذيب السماء واللغات" (‪.)1/270‬‬ ‫‪" )(341‬صحيح مسلم" (‪.)4/1939‬‬ ‫‪ )(342‬انظر ‪ " :‬الصابة" (‪" ، )7/425‬سير أعلم النبلء" (‪" ،)2/578‬الستيعاب" (‪" ، )4/1768‬أسد‬ ‫الغابة" (‪ )6/318‬وغيرها ‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫قوله‪ " :‬يق بض ال الرض يوم القيا مة‪ ،‬ويطوي ال سماء بيمي نه"‪ ،‬الق بض هو‪ :‬أ خذ الش يء بال يد‬ ‫وجمعه‪ ،‬والطي هو ملقاة الشيء بعضه على بعض‪ ،‬وجمعه – ولفه‪ -‬وهو قريب من القبض‪ ،‬وهذا‬ ‫من صفات ال –تعالى‪ -‬الفعلية – التي تتعلق‬ ‫ص ‪123‬‬ ‫بمشيئ ته وإراد ته‪ ،‬و هي ثاب تة بآيات كثيرة وأحاد يث صحيحة عن ر سول ال – صلى ال عل يه‬ ‫وسلم‪ ،-‬وهي مما يجب اليمان به؛ لن ذلك داخل في اليمان بال – تعالى‪ ،-‬ويحرم تأويلها المخرج‬ ‫لمعانيها عن ظاهرها‪ ،‬وقد دل على ثبوتها ل –تعالى – العقل أيضا‪ ،‬فإنه ل يمكن لمن نفاها إثبات أن‬ ‫ال هو الخالق لهذا الكون المشا هد‪ ،‬لن الف عل ل بد له من فا عل‪ ،‬والفا عل ل بد له من ف عل‪ ،‬ول يس‬ ‫هناك ف عل معقول إل ما قام بالفا عل‪ ،‬سواءً كان لزما كالنزول والمج يء‪ ،‬أو متعديا كالق بض وال طي‪،‬‬ ‫فحدوث ما يحدثه – تعالى – من المخلوقات تابع لما يفعله من أفعاله الختيارية القائمة به – تعالى ‪.-‬‬ ‫و هو –تعالى‪ -‬حي قيوم‪ ،‬فعال ل ما ير يد‪ ،‬ف من أن كر قيام الفعال الختيار ية به – تعالى‪343(-‬فإن‬ ‫مع نى ذلك أ نه ين كر خل قه لهذا العالم المشا هد‪ ،‬وغ ير المشا هد‪ ،‬وين كر قوله‪ :‬إ نه على كل ش يء قد ير‪،‬‬ ‫فالعقل دل على ما جاء به الشرع‪.‬‬

‫(‪)344‬‬

‫وما صرح به في هذا الحديث من القبض والطي‪ ،‬قد جاء صريحا أيضا في كتاب ال ‪-‬تعالى‪،-‬‬ ‫ت َمطْ ِويّا تٌ‬ ‫ضتُ ُه يَوْ مَ الْ ِقيَامَةِ وَال سّماوَا ُ‬ ‫جمِيعًا َقبْ َ‬ ‫لرْ ضُ َ‬ ‫حقّ َق ْدرِ هِ وَا َ‬ ‫كما قال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬ومَا َق َدرُوا اللّ هَ َ‬ ‫شرِكُونَ}‬ ‫عمّا ُي ْ‬ ‫س ْبحَانَ ُه َو َتعَالَى َ‬ ‫ِب َيمِينِ ِه ُ‬

‫(‪)345‬‬

‫والحاد يث والثار عن ال سلف في صريح ال ية‪ ،‬والحد يث المذكور في الباب‪ ،‬كثيرة وظاهرة‬ ‫ل ول تحتاج إلى تف سير‪ ،‬ولهذا صار تأويل ها تحريفا وإلحادا في ها‪ ،‬و سيأتي – إن‬ ‫جل ية‪ ،‬ل تحت مل تأوي ً‬ ‫شاء ال تعالى – ذكر ما تيسر من ذلك في باب قوله – تعالى‪ِ{ :-‬لمَا خَلَقْتُ ِب َي َديّ}‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬ثم يقول‪ :‬أنا الملك‪ ،‬أين ملوك الرض؟" أي‪ :‬أنه –تعالى‪ -‬ينفرد بالملك‪ ،‬فهو الملك حقا‬ ‫الذي ل منازع له‪ ،‬ول معاون‪ ،‬ول ظهيهر‪ ،‬ول شريهك‪ ،‬وفهي ذلك اليوم‪ ،‬عندمها يقبهض الرض بيده‪،‬‬ ‫ويطوي السماوات بيمينه‪ ،‬ويصبح كل شيء في قبضته‪ ،‬ينادي الذين كانوا ينازعونه في الدنيا ملكه‪،‬‬ ‫ويتعدون على سهلطانه‪ ،‬مهن المتكهبرين‪ ،‬والمتجهبرين‪ ،‬مهن ملوك الدنيها‪ ،‬وقهد انفرد مالك الملك الواحهد‬ ‫القهار‪ ،‬ذي‬ ‫ص ‪124‬‬

‫‪ )(343‬قلنا ‪ :‬الختيارية ؛ لنها تقع باختياره –تعالى‪ -‬وإرادته ومشيئته ‪.‬‬ ‫‪ )(344‬أنصح القارئ بالرجوع في هذه المسألة العظيمة ‪ :‬إلى كتب شيخ السلم ابن تيمية ‪ ،‬كدرء تعارض‬ ‫العقل والنقل والرسالة الكمالية ‪ ،‬وغيرهما من كتبه ‪.‬‬ ‫‪ )(345‬الية ‪ 67‬من سورة الزمر ‪.‬‬ ‫‪93‬‬

‫السلطان – وهو منفرد به في كل آن‪ ،‬غير أنه في ذلك اليوم ينكشف جليا – فيناديهم بما يتضمن‬ ‫توبيخهم وتهديدهم‪ :‬أين ملوك الدنيا؟ فهل يستطيعون منعا أو ردا؟ وهل لديهم قوة أو حيلة أو فدى؟ لقد‬ ‫ذهب منهم كل شيء‪ ،‬وبقيت التبعات والذل والحسرات‪.‬‬ ‫ِكه النّاسهِ} داخهل فهي معنهى التحيات ل‪ ،‬أي‪ :‬الملك ل‪،‬‬ ‫قال بعهض شراح البخاري‪ ":‬قوله‪{ :‬مَل ِ‬ ‫وكأنه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أمرهم بأن يقولوا التحيات‪ ،‬امتثالً لمر {قُلْ أَعُوذُ ِبرَبّ النّاس {‪ }1‬مَلِ كِ‬ ‫النّاسِ}"‪.‬‬ ‫ثم قال‪ " :‬و في الحد يث إثبات اليم ين صفة ل – تعالى ‪ ،-‬من صفات الذات‪ ،‬ولي ست جار حة‬ ‫خلفا للمجسمة"(‪.)346‬‬ ‫قلت‪ :‬قوله‪ " :‬وليست جارحة" من كلم أهل البدع‪ ،‬الذين عدلوا عما جاء في الكتاب والسنة من‬ ‫اللفاظ إلى ما ابتدعوه من اللفاظ الموهمة للنقص –تعالى ال‪ ،-‬توهما منهم أن تلك اللفاظ الواردة في‬ ‫كتاب ال‪ ،‬و سنة ر سوله‪ ،‬يتض من ظاهر ها الت شبيه ل صفات الخلق‪ ،‬وهذا من ظن ال سوء بال وبكتا به‬ ‫وبرسوله‪ ،‬الذي أرداهم فضلوا سواء السبيل‪ ،‬وأضلوا كثيرا من عباد ال‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬خلفا للمجسمة" يقال له‪ :‬من هم المجسمة الذين تقصدهم؟ وهل تستطيع أن تعين طائفة‬ ‫تؤ من بكتاب ال و سنة ر سوله تقول‪ :‬إن يم ين ال جار حة؟ أو أن ال ج سم؟‬

‫(‪)347‬‬

‫فهؤلء ل وجود ل هم‪،‬‬

‫ول كن مراده‪ :‬الذ ين آمنوا بم ثل هذا ال نص على ظاهره‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن ل يد ين حقيقت ين بدون تأو يل‪ ،‬ك ما‬ ‫هو الواجب على الم سلم؛ لنه صريح الن صوص‪ ،‬وأيقنوا أن تأويل اليد واليمين‪ ،‬ونحوها من صفات‬ ‫ال‪ ،‬بالقوة‪ ،‬أو القدرة‪ ،‬أو النعمهة‪ ،‬أو مها أشبهه ذلك‪ ،‬تحريهف كتحريهف اليهود الذيهن حرفوا الكلم عهن‬ ‫مواضعه‪.‬‬ ‫ص ‪125‬‬ ‫فهذا الشارح ومهن على نهجهه إلى اليوم يسهمون هؤلء مجسهمة‪ ،‬ظنا منههم أن مهن أثبهت هذه‬ ‫ال صفات على ظاهر ها‪ ،‬لز مه أن يكون مج سما لر به‪ ،‬ومشبها له بأج سام الخلق‪ ،‬تعالى ال أن يكون له‬ ‫مثل أو شبيه‪.‬‬ ‫قال ش يخ ال سلم‪" :‬ول يس هناك من أطلق ل فظ الج سم‪ ،‬ل كن نفاة ال صفات ي سمون كل من أثبت ها‬ ‫مجسهما‪ ،‬بطر يق اللزوم‪ ،‬إذ كانوا يقولون‪ :‬إن ال صفات ل تقوم إل بالج سم‪ ،‬وذلك أن هم ا صطلحوا في‬ ‫معنى الجسم على غير المعنى المعروف في اللغة‪ ،‬فإن الجسم في اللغة هو البدن‪ ،‬وهم يسمون كل ما‬

‫‪" )(346‬فتح الباري" (‪.)13/368‬‬ ‫‪ )(347‬الذين نسبوا إلى التجسيم وذكرهم أصحاب المقالت بأسمائهم ‪ :‬هشام بن الحكم ‪ ،‬وهشام ابن سالم‬ ‫الجواليقي ‪ ،‬ومقاتل بن سليمان ‪ ،‬وداود الجواربي ‪ ،‬وكلهم رافضة ‪ ،‬ما عدا مقاتل بن سليمان فإنه لم يثبت‬ ‫أنه قال بالتجسيم ‪ ،‬وليس هو من الرافضة ‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫يشار إل يه ج سما‪ ،‬فيلزم على قول هم أن كل ما جاء به الكتاب وال سنة و ما ف طر ال عل يه عباده‪ ،‬و ما‬ ‫{عليه} سلف المة‪ ،‬وأئمتها‪ ،‬تجسيما‪ ،‬فهم يطلقون لفظ المجسمة والمشبهة‪ ،‬على أتباع السلف"(‪.)348‬‬ ‫وقال‪ " :‬لفهظ الجسهم لم يتكلم بهه أحهد مهن الئمهة والسهلف‪ ،‬فهي حهق ال ‪ -‬تعالى ‪ -‬ل نفيا ول‬ ‫إثباتا‪ ،‬ول ذموا أحدا ول مدحوه بهذا ال سم‪ ،‬ول ذموا مذهبا ول مدحوه بهذا ال سم‪ ،‬وإن ما توا تر عن هم‬ ‫ذم الجهمية‪ ،‬الذين ينفون الصفات‪ ،‬وذموا طوائف منهم‪ ،‬مثل المشبهة‪ ،‬وبينوا مرادهم بالمشبهة"(‪.)349‬‬ ‫قال الحا فظ‪ " :‬الذي يظ هر لي أ نه أشار {بهذه الترج مة} إلى ما قاله شي خه نع يم بن حماد‪ ":‬يقال‬ ‫حدِ ا ْل َقهّارِ} فل يجيبه‬ ‫ن ا ْلمُلْ كُ ا ْليَوْ َم لِلّ ِه الْوَا ِ‬ ‫للجهمية‪ :‬أخبرونا عن قول ال ‪-‬تعالى‪ -‬بعد فناء خلقه‪ّ{ ،‬لمَ ِ‬ ‫حدِ الْ َقهّارِ} وذلك بعد انقطاع ألفاظ خلقه بموتهم‪ ،‬أفهذا مخلوق؟"‬ ‫أحد‪ ،‬فيرد على نفسه‪{ :‬لِلّهِ ا ْلوَا ِ‬

‫(‪)350‬‬

‫قلت‪ :‬يظ هر لي أن مراده بهذا الباب كالباب الذي قبله‪ ،‬أن هذا ال سم الكر يم (الملك) من أ سماء‬ ‫ال الحسنى‪ ،‬وقد أطلق على بعض خلقه‪ ،‬ولم يكن في ذلك‬ ‫ص ‪126‬‬ ‫ت شبيه‪ ،‬إذ المع نى الذي يخ تص به ال ‪-‬تعالى‪ -‬ل يشار كه ف يه أ حد من خل قه‪ ،‬ف هو مالك الملك‪،‬‬ ‫وله الملك التام المطلق‪ ،‬وهو الذي يهب للمخلوق الملك‪ ،‬مع أن ملك المخلوق ناقص يناسب نقصه‪ ،‬قال‬ ‫ك تُ ْؤتِي ا ْلمُلْكَ مَن َتشَاء َوتَنزِعُ ا ْلمُلْكَ ِممّن َتشَاء َو ُت ِعزّ مَن َتشَاء َو ُتذِلّ مَن‬ ‫تعالى‪{ :-‬قُلِ الّل ُهمّ مَالِكَ ا ْلمُلْ ِ‬‫شيْءٍ َقدِيرٌ} (‪.)351‬‬ ‫ل َ‬ ‫خيْ ُر ِإ ّنكَ عََلىَ كُ ّ‬ ‫َتشَاء ِب َي ِدكَ ا ْل َ‬ ‫وأما التوفيق بين الحديث‪ ،‬والترجمة فظاهر‪ ،‬وهو أن الناس الذين يوجد منهم الملوك والجبابرة‪،‬‬ ‫والذين يذل لهم ويخضع بعض العباد‪ ،‬وقد يصرفون لهم ما هو خالص حق ال من العبادة‪ ،‬هؤلء ملك‬ ‫له‪ ،‬تحت قهره‪ ،‬آخذ بنواصيهم‪ ،‬يتصرف فيهم كيف يشاء‪ ،‬ويظهر ذلك جليا لكل أحد‪ ،‬يوم يقبض ال‬ ‫الرض ويطوي ال سماوات بيمي نه‪ ،‬ويقول‪ :‬أ نا الملك‪ ،‬أ ين ملوك الرض؟ فيعرف قدر هم وقدر ملك هم‬ ‫الذي أورثهم الذل والصغار‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪" )(348‬بيان تلبيس الجهمية" (‪.)1/626‬‬ ‫‪ )(349‬نفس المصدر (‪ ، )1/47‬ومراد السلف بالمشبهة‪ :‬الذين يمثلون صفاته تعالى بصفات خلقه ‪ ،‬نحو اليد‬ ‫والوجه ‪ ،‬فيجعلون يده تعالى كيد المخلوق ‪ ،‬ووجهه كوجه المخلوق ‪ ،‬تعالى ال عن ذلك ‪.‬‬ ‫‪" )(350‬الفتح" (‪.)13/368‬‬ ‫‪ )(351‬الية ‪ 26‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪95‬‬

‫ص ‪127‬‬ ‫عمّا يَصِفُونَ}‬ ‫س ْبحَانَ َربّكَ رَبّ ا ْل ِعزّةِ َ‬ ‫حكِيمُ} (‪ُ { ،)352‬‬ ‫قال‪ " :‬باب قول ال ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَهُ َو ا ْل َعزِيزُ ا ْل َ‬ ‫(‪{ ،)353‬وَلِلّ ِه ا ْل ِعزّةُ وَِلرَسُوِلهِ} (‪ ،)354‬ومن حلف بعزة ال‪ ،‬وصفاته"‪.‬‬ ‫{العزيز} هو الذي له العزة التامة‪ ،‬والقوة الكاملة‪ ،‬فل يعجزه شيء‪ ،‬القاهر لكل شيء فل يمتنع‬ ‫من قوته شيء‪ ،‬المنيع الذي ل ينال ول يغالب‪.‬‬ ‫"فالعزة تتضمهن القوة‪ ،‬ول القوة جميعا‪ ،‬يقال‪ :‬عهز يعهز – بفتهح العيهن‪ -‬إذا اشتهد وقوى‪ ،‬ومنهه‬ ‫الرض العزاز – ال صلبة الشديدة – وي عز ي عز – بك سر الع ين‪ -‬إذا امت نع م من يرو مه‪ ،‬وي عز ي عز –‬ ‫بضم العين – إذا غلب وقهر‪.‬‬ ‫فأعطوا أقوى الحركات – وهي الضمة‪ -‬لقوى المعاني‪ ،‬وهو الغلبة والقهر للغير‪ ،‬وأضعفها –‬ ‫وهي الفتحة – لضعف هذه المعاني‪ ،‬وهو كون الشيء في نفسه صلبا‪ ،‬والحركة المتوسطة – وهي‬ ‫الكسرة – للمعنى المتوسط‪ ،‬وهو القوي الممتنع عن غيره‪ ،‬ول يلزم منه أن يقهر غيره‪ ،‬ويغلبه‪.‬‬ ‫وال عز ضد الذل‪ ،‬والذل أ صله الض عف والع جز‪ ،‬فال عز يقت ضي كمال القدرة‪ ،‬ولهذا يو صف به‬ ‫المؤمن‪ ،‬ول يكون ذما له‪ ،‬بخلف الكبر‪.‬‬ ‫قال رجل للحسن البصري‪ :‬إنك متكبر‪ ،‬فقال‪ ":‬لست بمتكبر‪ ،‬ولكني عزيز"‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬وَلِلّهِ ا ْل ِعزّةُ وَِل َرسُوِلهِ وَلِ ْلمُ ْؤ ِمنِينَ} (‪.)355‬‬ ‫وقال ابن مسعود‪ ":‬ما زلنا أعزة‪ ،‬منذ أسلم عمر"(‪.)356‬‬ ‫ص ‪128‬‬ ‫وقال النبي –صلى ال عليه وسلم‪ " -‬اللهم أعز السلم بأحد هذين الرجلين‪ ،‬عمر بن الخطاب‪،‬‬ ‫أو أبي جهل بن هشام"(‪.)357‬‬ ‫وفي بعض الثار‪ ":‬إن الناس يطلبون العزة في أبواب الملوك‪ ،‬ول يجدونها إل في طاعة ال –‬ ‫عز وجل – "‪.‬‬ ‫وفي الحديث‪ ":‬اللهم أعزنا بطاعتك‪ ،‬ول تذلنا بمعصيتك"‪.‬‬

‫‪ )(352‬الية ‪ 4‬من سورة إبراهيم ‪ ،‬و الية ‪ 60‬من سورة النحل ‪ ،‬و الية ‪ 42، 26‬من سورة العنكبوت أيضاً‬ ‫‪ ،‬و الية ‪ 27‬من سورة الروم ‪ ،‬و الية ‪ 9‬من سورة لقمان ‪ ،‬و الية الثانية من سورة فاطر ‪ ،‬و الية‬ ‫الولى من سورة الحديد ‪ ،‬و الية الولى من سورة الحشر ‪ ،‬و الخيرة منها ‪ ،‬و الية الولى من سورة‬ ‫الصف ‪ ،‬و الية الثالثة من سورة الجمعة ‪.‬‬ ‫‪ )(353‬الية ‪ 180‬من سورة الصافات ‪.‬‬ ‫‪ )(354‬الية ‪ 8‬من سورة المنافقون ‪.‬‬ ‫‪ )(355‬الية ‪ 8‬من سورة المنافقون ‪.‬‬ ‫‪ )(356‬رواه البخاري وغيره ‪ ،‬انظر ‪ ":‬الفتح" (‪.)7/41‬‬ ‫‪ )(357‬قال الهيثمي‪ :‬رواه الطبراني في "الكبير" و "الوسط" ‪ ،‬انظر ‪" :‬مجمع الزوائد" (‪.)9/61‬‬ ‫‪96‬‬

‫وقال بعضههم‪ ":‬مهن أراد عزا بل سهلطان‪ ،‬وكثرة بل عشيرة‪ ،‬وغنهى بل مال‪ ،‬فلينتقهل مهن ذل‬ ‫المعصية إلى عز الطاعة"‪.‬‬ ‫فالعزة من جنس القوة" اهه(‪.)358‬‬ ‫قال الحا فظ‪ ":‬العز يز الذي يق هر ول يق هر‪ ،‬فإن العزة ال تي ل –تعالى‪ -‬هي الدائ مة الباق ية و هي‬ ‫العزة الحقيقية الممدوحة‪ ،‬وقد تستعار العزة للحمية والنفة‪ ،‬فيوصف بها الكافر والفاسق‪ ،‬وهي صفة‬ ‫ن ُيرِيدُ ا ْل ِعزّ َة فَلِلّ هِ ا ْل ِعزّةُ‬ ‫مذمو مة‪ ،‬وم نه قوله –تعالى‪{ :-‬أخذ ته العزة بال ثم} (‪ ،)359‬وأ ما قوله‪{ :‬مَن كَا َ‬ ‫جمِيعًا} (‪ ،)360‬فمعناه‪ :‬من كان يريد أن يعز‪ ،‬فليكتسب العزة من ال‪ ،‬فإنها ل تنال إل بطاعته‪ ،‬ومن ثم‬ ‫َ‬ ‫أثبتها لرسوله وللمؤمنين‪ ،‬فقال –تعالى‪{ :-‬وَلِلّ هِ ا ْل ِعزّةُ وَِلرَ سُوِلهِ} (‪ ،)361‬وقد ترد العزة بمعنى الصعوبة‪،‬‬ ‫خطَا بِ} (‪ ،)363‬وبمعنى‬ ‫عزّنِي فِي ا ْل ِ‬ ‫ع ِنتّ مْ} (‪ ،)362‬وبمعنى الغلبة ومنه { َو َ‬ ‫عزِيزٌ عََليْ ِه مَا َ‬ ‫كقوله –تعالى‪َ { :-‬‬ ‫القلة‪ :‬كقولهم‪ :‬شاة عزوز‪ ،‬إذا قل لبنها‪ ،‬وبمعنى المتناع‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬أرض عزاز‪ ،‬بفتح أوله مخففا"‬ ‫ا‪.‬هه(‪.)364‬‬ ‫ص ‪129‬‬ ‫{الحكيم} هو الذي يضع الشياء مواضعها التي يحسن أن توضع فيها‪ ،‬ول يدخل تدبيره خلل ول‬ ‫زلل‪ ،‬وهذا من أسمائه ‪-‬تعالى‪ -‬الحسنى التي كثر ذكرها‪ ،‬في القرآن‪ ،‬وما جاء عن رسول ال –صلى‬ ‫ال عل يه و سلم‪ -‬و هو ‪-‬تعالى‪ -‬مو صوف بالحك مة‪ ،‬و قد دل على ذلك شر عه ‪-‬تعالى‪ -‬وخل قه‪ ،‬ف من‬ ‫الضلل إنكار ذلك‪ ،‬وك فى بالمرء ضللً أن ين في عن ال ‪-‬تعالى‪ -‬ما و صف به نف سه‪ ،‬وو صفه به‬ ‫رسله‪.‬‬ ‫ن َربّ كَ} " أ صل الت سبيح ع ند العرب‪ :‬التنز يه ل عن إضا فة ما ل يس من صفاته إل يه‪،‬‬ ‫سبْحَا َ‬ ‫{ ُ‬ ‫والتبري من ذلك‪ ،‬كما قال أعشى بني ثعلبة‪:‬‬ ‫أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر‬ ‫أي‪ :‬سبحان ال من فخر علقمة‪ ،‬أي تنزيها ل مما أتي علقمة من الفتخار على وجه التكبر منه‬ ‫لذلك"(‪.)365‬‬

‫‪" )(358‬طريق الهجرتين" (ص ‪)109‬‬ ‫‪ )(359‬الية ‪ 206‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪ )(360‬الية ‪ 10‬من سورة فاطر ‪.‬‬ ‫‪ )(361‬الية ‪ 8‬من سورة المنافقين ‪.‬‬ ‫‪ )(362‬الية ‪ 128‬من سورة التوبة ‪.‬‬ ‫‪ )(363‬الية ‪ 23‬من سورة ص‪.‬‬ ‫‪" )(364‬الفتح" (‪ )13/369‬وذكر أن هذا كلم الراغب ‪ ،‬ولكن الحافظ تصرف فيه وغير وزاد ونقص‪،‬‬ ‫ولهذا أضفته إليه ‪.‬‬ ‫‪ )(365‬ابن جرير الطبري في "تفسيره" (‪.)1/211‬‬ ‫‪97‬‬

‫وقال أيضا‪ ":‬وسبحان‪ :‬اسم مصدر‪ ،‬ل تصرف له‪ ،‬ومعناه‪ :‬نسبحك"(‪.)366‬‬ ‫و في "تاج العروس"‪ " :‬و سبحانه‪ :‬تنزي ها ل عن كل ما ل ينب غي أن يو صف به‪ ،‬قال الزجاج‪:‬‬ ‫سبحان في اللغة‪ :‬تنزيها ل – عز وجل – عن السوء"(‪.)367‬‬ ‫فالتسبيح‪ :‬تنزيه ال – تعالى‪ -‬عما ل يليق بعظمته‪ ،‬مأخوذ من السبح‪ ،‬وهو البعاد والسرعة في‬ ‫ال سير‪ ،‬يقال‪ :‬فرس سبوح‪ ،‬إذا كا نت ت سرع في ال سبح الذي هو ال سير والجري‪ ،‬وم نه قوله ‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫س ْبحًا} فسرت بالخيل‪ ،‬وبالسفن‪ ،‬وبالنجوم‪ ،‬وكلها تسبح وتبعد في سبحها‪.‬‬ ‫{وَالسّا ِبحَاتِ َ‬ ‫س ْبحَانَ َربّ كَ رَبّ ا ْلعِزّةِ} أي ذي العزة وصاحبها‪ ،‬فرب هنا بمعنى ذي وصاحب‪ ،‬والعزة‬ ‫وقوله { ُ‬ ‫صفته‪ ،‬فهو من إضافة الموصوف إلى الصفة‪ ،‬وأخذ اسمه تعالى "العزيز" منها‪.‬‬ ‫هفُونَ} أي‪ :‬تنزيهها وتقديسها لذي العزة التهي ل ترام‪ ،‬عهن الذي يصهفه بهه‬ ‫عمّاه يَص ِ‬ ‫وقوله‪َ { :‬‬ ‫المشركون‪ ،‬من أن له صاحبة أو ولدا‪ ،‬أو شريكا‪ ،‬أو وليا من الذل‪ ،‬أو أن أحدا يشفع عنده بدون إذنه‪،‬‬ ‫أو أن أحدا يتصرف في ملكه بدون إرادته ومشيئته‪.‬‬ ‫ص ‪130‬‬ ‫وتنزيها لذي العزة التهي غلب بهها كهل شيهء عمها يقوله المعطلون لصهفاته‪ ،‬حيهث أنكروهها أو‬ ‫أولوهها تأويلً يؤول إلى إنكارهها‪ ،‬وتنزيها له ‪-‬تعالى‪ -‬عمها يقوله المحرفون الملحدون فهي صهفاته‬ ‫الظانون بال ظن السوء‪ ،‬حيث توهموا أن اتصافه ‪-‬تعالى‪ -‬بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله –‬ ‫صلى ال عليه وسلم – يقتضي التشبيه‪ ،‬فحرفوا صفاته عما أراده بناء على أوهامهم الباطلة‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وَلِلّ ِه ا ْل ِعزّةُ وَِلرَسُوِلهِ وَلِ ْلمُ ْؤ ِمنِينَ} أي‪ :‬ل القوة والغلبة والقهر‪.‬‬ ‫والعزة من صفات ذا ته –تعالى‪ -‬ال تي ل تن فك ع نه‪ ،‬بعز ته وق هر ب ها كل ش يء‪ ،‬و كل عزة‬ ‫حصلت لخلقه فهي منه‪ ،‬وكل من كان إليه أقرب وله أطوع كانت عزته أتم وأكمل من غيره‪ ،‬ولهذا‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وَلِلّ ِه ا ْل ِعزّةُ وَِلرَ سُوِلهِ وَلِ ْلمُ ْؤ ِمنِي نَ} و سبب نزول هذه ال ية الكري مة قول رأس المنافق ين ع بد‬ ‫لذَلّ} (‪ ،)368‬كما‬ ‫عزّ ِم ْنهَا ا َ‬ ‫ال بن أبي بن سلول الذي ذكره ال عنه‪َ{ :‬لئِن ّرجَ ْعنَا إِلَى ا ْل َمدِينَ ِة َل ُيخْ ِرجَنّ الَ َ‬ ‫ث بت في "ال صحيحين" وغيرهما(‪ ،)369‬يق صد بال عز‪ :‬نف سه وذو يه‪ ،‬وبالذل‪ :‬ر سول ال صلى ال عل يه‬ ‫وسلم – وأصحابه‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬و من حلف بعزة ال و صفاته"‪ .‬و صفاته‪ :‬من ع طف العام على الخاص‪ ،‬ومراده‪ :‬أ نه قد‬ ‫ثبتت النصوص بالحلف بعزة ال وبصفاته‪ ،‬نحو كلماته‪ ،‬وقد تقرر في دين السلم‪ ،‬أنه ل يحلف بغير‬

‫‪ )(366‬المصدر نفسه (‪.)1/221‬‬ ‫‪" )(367‬تاج العروس" (‪.)2/156‬‬ ‫‪)(368‬الية ‪ 8‬من سورة المنافقون‪.‬‬ ‫‪ )(369‬انظر‪ :‬البخاري مع"الفتح" (‪ ،)8/644‬و"مسلم" (‪.)4/1998‬‬ ‫‪98‬‬

‫ال ‪-‬تعالى‪ -‬وأن الحلف بغيره شرك ك ما صح عن الر سول – صلى ال عل يه و سلم – أ نه قال‪ " :‬من‬ ‫حلف بغير ال‪ ،‬فقد كفر أو أشرك"‬

‫(‪)370‬‬

‫وعند أبي داود‪" ،‬من حلف بغير ال فقد أشرك"(‪.)371‬‬

‫وعنده أيضا عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال –صلى ال عليه وسلم ‪" :-‬ل تحلفوا بآبائكم ول‬ ‫بأمهاتكم‪ ،‬ول بالنداد‪ ،‬ول تحلفوا إل بال‪ ،‬ول تحلفوا بال إل وأنتم صادقون"(‪.)372‬‬ ‫ص ‪131‬‬ ‫وفي"الصحيحين" عن عبد ال بن عمر‪ ،‬أن رسول ال –صلى ال عليه وسلم – أدرك عمر بن‬ ‫الخطاب و هو ي سير في ر كب‪ ،‬يحلف بأب يه‪ ،‬فقال‪" :‬أل إن ال ينها كم أن تحلفوا بآبائ كم‪ ،‬من كان حالفا‬ ‫بال أو ليصمت"(‪.)373‬‬ ‫وبهذا يتهبين أن الحلف بقدرة ال وعزتهه وسهائر صهفاته‪ ،‬أنهه كالحلف بهه‪-‬تعالى‪ ،-‬وأن صهفاته‬ ‫ليست مخلوقة؛ لنه ل يجوز الحلف بالمخلوق‪ ،‬ول منفصلة عنه‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫وبهذا يظهر مراد البخاري –رحمه ال‪ -‬بهذا الباب وهو إثبات الصفات ل –تعالى‪ ،-‬والرد على‬ ‫من أنكرها كالمعتزلة‪ ،‬ومن تابعهم‪ ،‬وقد تقدم الكلم في ذلك‪.‬‬ ‫قال الحا فظ‪" :‬والذي يظ هر أن مراد البخاري بالترج مة‪ :‬إثبات العزة ل‪ ،‬رادا على من قال‪ :‬إ نه‬ ‫عزيز بل عزة‪ ،‬كما قالوا‪ :‬العليم بل علم"(‪.)374‬‬ ‫قلت‪ :‬ل يقصد إثبات العزة بخصوصها‪ ،‬بل مع سائر الصفات كما هو ظاهر‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬وقال أنس‪ :‬عن النبي –صلى ال عليه وسلم ‪" :-‬تقول جهنم‪ :‬قط قط وعزتك"‪.‬‬ ‫وقال أبو هريرة‪ :‬عن النبي –صلى ال عليه وسلم ‪ :-‬يبقى رجل بين الجنة والنار‪ ،‬وهو آخر‬ ‫أهل النار دخولً الجنة‪ ،‬فيقول‪ :‬رب أصرف وجهي عن النار‪ ،‬ل أسألك غيرها"‪.‬‬ ‫قال أبهو سهعيد‪ :‬إن رسهول ال –صهلى ال عليهه وسهلم – قال‪" :‬قال ال –عهز وجهل‪" :-‬لك ذلك‬ ‫وعشرة أمثاله"‪.‬‬ ‫وقال أيوب‪" :‬وعزتك‪ ،‬ل غنى بي عن بركتك"‪.‬‬ ‫هذه المعلقات قد روا ها مو صولة‪ ،‬فحد يث أ نس سيذكره في هذا الباب مو صولً‪ ،‬وحد يث أ بي‬ ‫هريرة يأ تي كذلك‪ ،‬و قد تقدم أيضا في الرقاق‪ ،‬وقول أيوب عل يه ال سلم قد رواه في الوضوء‪ ،‬و في‬ ‫أحاديث النبياء‪.‬‬

‫‪)(370‬رواه الترمذي وقال‪ :‬حسن‪ ،‬انظر‪ :‬الترمذي مع "تحفة الحوذي" (‪.)2/371‬‬ ‫‪")(371‬السنن" (‪ ،)3/570‬ورواه أحمد في "مسنده" (‪.)2/34‬‬ ‫‪")(372‬السنن" (‪.)3/569‬‬ ‫‪)(373‬انظر‪" :‬البخاري مع الفتح" (‪ ،)11/530‬و"مسلم" (‪.)4/1239‬‬ ‫‪")(374‬الفتح" (‪.)13/370‬‬ ‫‪99‬‬

‫والمراد مهن هذه الحاديهث هنها ظاههر‪ ،‬إذ فيهها الحلف بعزة ال‪-‬تعالى‪ -‬ول يحلف إل بال أو‬ ‫بصفاته‪ ،‬ولكن حديث أبي هريرة لم يذكر محل الشاهد منه‪ ،‬وإنما أشار إليه‪ ،‬وهو قول الرجل يخاطب‬ ‫رب العالمين‪" :‬وعزتك‪ ،‬ل أسألك غيرها"‪.‬‬

‫‪100‬‬

‫ص ‪132‬‬ ‫‪ -13‬قال‪":‬حدثنا أبو معمر‪ ،‬حدثنا عبد الوارث‪ ،‬حدثنا حسين المعلم‪ ،‬حدثني عبد ال بن بريدة‪،‬‬ ‫عن يحيي بن يعمر‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬أن النبي –صلى ال عليه وسلم – كان يقول‪ ":‬أعوذ بعزتك‪ ،‬الذي‬ ‫ل إله إل أنت‪ ،‬الذي ل يموت‪ ،‬والجن والنس يموتون"‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬كان يقول" يدل على أنه سمع ذلك من النبي –صلى ال عليه وسلم – مرارا‪ ،‬لما يفهم من‬ ‫لفظة "كان"‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬أعوذ بعزتك" أعوذ‪ :‬هو اللتجاء والعتصام‪ ،‬وحقيقته‪ :‬الهرب من المخوف إلى المجير‬ ‫العاصم‪ ،‬فالعائذ بال ‪-‬تعالى‪ -‬قد هرب مما يخا فه ويؤذيه‪ ،‬أو يهلكه‪ ،‬إلى ر به ومالكه العزيز الذي ل‬ ‫يغالب‪ ،‬يعز من يشاء‪ ،‬ويذل من يشاء‪ ،‬ويجير من احتمى به‪.‬‬ ‫فالسهتعاذة ههي‪ :‬اللتجاء إلى ال‪ ،‬والحتماء مهن شهر كهل ذي شهر‪ ،‬والعوذ يكون لدفهع الشهر‪،‬‬ ‫واللوذ يكون لطلب الخير‪ ،‬كما قال بعض الشعراء‪:‬‬ ‫يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به فيما أحاذره‬ ‫وعزة ال ‪-‬تعالى‪ -‬صفته‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬فالنبي –صلى ال عليه وسلم وهو أعلم الخلق بال وأتقاهم‬ ‫له –يتعوذ ب صفاته تعالى؛ لن ذلك من عبادة ال‪ ،‬بل هو من أفضل ها‪ ،‬امتثالً لقوله –تعالى‪{ :-‬وَلِّل هِ‬ ‫سنَى فَادْعُوهُ ِبهَا}‪ .‬ومثل الستعاذة بصفات ال –تعالى‪ -‬الحلف بها‪ ،‬كما مر قريبا‪.‬‬ ‫حْ‬ ‫سمَاء ا ْل ُ‬ ‫لْ‬ ‫اَ‬ ‫وقوله‪" :‬الذي ل إله إل أنت" أي أنت الله الحق‪ ،‬الذي تجب عبادته على عباده‪ ،‬وكل تأله لغيره‬ ‫ف هو ضلل‪ ،‬يو جب الشقاء البدي‪ ،‬والخلود في النار‪ ،‬فلذلك ل أتو جه بتأل هي إل إل يك يا رب‪ ،‬فل إله‬ ‫لي غيرك‪ ،‬فبك أعوذ‪ ،‬وإليك ألوذ‪.‬‬ ‫"الذي ل يموت" أي فأنت –يا إلهي‪ -‬الحي القيوم‪ ،‬الذي ل تأخذه سنة ول نوم‪ ،‬ل مبدأ لوجودك‬ ‫ول منت هى لبقائك‪ ،‬وأ نت الغ ني بذا تك عن كل ما سواك‪ ،‬والخلق كل هم فقراء إل يك‪ ،‬وكانوا عد ما ق بل‬ ‫إيجادك إياهم‪ ،‬وهم عرضة للمراض‪ ،‬والفات والتغيرات والفناء‪ ،‬وأنت يا رب الباقي وحدك‪ ،‬والخلق‬ ‫كلهم يموتون‪ ،‬فل رب سواك يتصرف بالخلق كيف يشاء‪ ،‬ويغير ول يتغير‪- ،‬جل وعل‪.-‬‬ ‫قوله‪" :‬وال جن وال نس يموتون" المق صود بذ كر ال جن وال نس‪ :‬ج نس الخلق‪ ،‬والمع نى‪ :‬أن الخلق‬ ‫كلهم يموتون‪ ،‬ول يبقى إل الحي القيوم‪ ،‬كما قال‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫ص ‪133‬‬ ‫َامه } (‪ ،)375‬وسهمى الجهن جنا‬ ‫ل ْكر ِ‬ ‫ّكه ذُو ا ْلجَللِ وَا ِ‬ ‫ْهه َرب َ‬ ‫َانه {‪َ }26‬و َيبْق َى َوج ُ‬ ‫َنه عََليْه َا ف ٍ‬ ‫{ كُلّ م ْ‬ ‫ث لَ َترَ ْو َنهُ مْ }‬ ‫حيْ ُ‬ ‫لستتارهم عن أعين الناس‪ ،‬من الجتنان‪ ،‬كما قال‪-‬تعالى‪َ { :-‬يرَاكُ ْم هُوَ َو َقبِيلُ هُ ِم نْ َ‬ ‫(‪ ،)376‬وأما النس فسموا بذلك لن بعضهم يأنس ببعض غالبا‪ ،‬أو أنهم يرون ويأنسون‪ ،‬أي يحس بهم‬ ‫‪)(375‬اليتان ‪27، 26‬من سورة الرحمن‪.‬‬ ‫‪)(376‬الية ‪ 27‬من سورة العراف‪.‬‬ ‫‪101‬‬

‫ويشاهدون‪ ،‬وذكر الجن والنس ل ينفي عن الملئكة الموت؛ لن هذا خاص قصد به الجن والنس‪،‬‬ ‫أو على ما تقدم ذكر الجنس‪ ،‬والمقصود عموم الخلق‪ .‬وقد جاء ما يدل على هلك عموم الخلق كقوله‪-‬‬ ‫جهَهُ} (‪.)377‬‬ ‫ل شَيْ ٍء هَاِلكٌ ِإلّ َو ْ‬ ‫تعالى‪{ :-‬كُ ّ‬ ‫وقد قيل‪ :‬إن الملئكة يدخلون في الجن؛ لجتنانهم واستتارهم عن أعين الناس‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪)(377‬الية الخيرة من سورة القصص‪.‬‬ ‫‪102‬‬

‫ص ‪134‬‬ ‫‪ -14‬قال‪" :‬حدثنا ابن أبي السود‪ ،‬حدثنا حرمي‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن قتادة عن أنس‪ ،‬عن النبي –‬ ‫صلى ال عليه وسلم – قال‪" :‬يلقى في النار …" ح‬ ‫وقال لي خليفة‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ،‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس‪ ،‬ح‪.‬‬ ‫وعن معتمر‪ ،‬سمعت أبي‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس‪ ،‬عن النبي –صلى ال عليه وسلم – قال‪ :‬ل يزال‬ ‫يل قى في ها‪ ،‬وتقول‪ :‬هل من مز يد؟ ح تى ي ضع في ها رب العالم ين قد مه فينزوي بعض ها إلى ب عض‪ ،‬ثم‬ ‫تقول‪ :‬قد قد‪ ،‬بعزتك وكرمك‪ ،‬ول تزال الجنة تفضل حتى ينشئ ال لها خلقا‪ ،‬فيسكنهم فضل الجنة"‪.‬‬ ‫أنس هو ابن مالك بن النضير بن ضمضم‪ ،‬النصاري‪ ،‬الخزرجي‪ ،‬خادم رسول ال –صلى ال‬ ‫عل يه و سلم – وأ حد المكثر ين من الروا ية ع نه؛ قدم ال نبي – صلى ال عل يه و سلم – المدي نة و هو ا بن‬ ‫عشر سنين‪ ،‬فأتت به أمه إلى رسول ال –صلى ال عليه وسلم – وعرضت عليه أن يخدمه‪ ،‬فقبل ذلك‬ ‫النبي‪-‬صلى ال عليه وسلم – فلزم النبي في السفر والحضر عشر سنين‪ ،‬ودعا له رسول ال –صلى‬ ‫ال عليه وسلم – بأن يكثر ماله وولده‪ ،‬وأن يدخل الجنة‪ ،‬قال أنس‪" :‬قد رأيت أثنين‪ ،‬وأنا أرجو الثالثة"‪.‬‬ ‫توفي في البصرة سنة ثلث وتسعين‪ ،‬وله مائة وثلث سنوات‪ ،‬وهو آخر من مات في البصرة‬ ‫من الصحابة‪.)378( .‬‬ ‫قوله‪" :‬ل يزال يل قى في ها" الضم ير "في ها" يعود إلى جه نم‪ ،‬والمع نى أ نه ي ستمر إلقاء من ي ستحق‬ ‫ل ا ْمتَلْتِه َوتَقُولُ َهلْ مِن‬ ‫ج َهنّمَه هَ ِ‬ ‫ل ِل َ‬ ‫النار فيهها‪ ،‬وههي تطلب الزيادة منههم‪ ،‬قال ال‪-‬تعالى‪{ :-‬يَوْمَه نَقُو ُ‬ ‫ّمزِيدٍ} (‪.)379‬‬ ‫قال ابن كث ير‪" :‬ي خبر –تعالى‪ -‬أ نه يقول لجه نم‪ :‬هل امتلت؟ وذلك أ نه وعد ها أن سيملؤها من‬ ‫الجنة والناس أجمعين‪ ،‬فهو –سبحانه‪ -‬يأمر بمن يأمر به إليها‪ ،‬ويلقى {فيها} وهي تقول‪ :‬هل من مزيد؟‬ ‫أي‪ :‬هل بقي شيء تزيدني؟ هذا هو الظاهر من سياق الية‪ ،‬وعليه تدل الحاديث"(‪.)380‬‬ ‫يق صد بالحاد يث م ثل هذا الحد يث‪ ،‬فإن ظاهره أن ال ستفهام لطلب الزيادة‪ ،‬و هو ال صحيح الذي‬ ‫يدل على ظاهر القرآن‪ ،‬والحاديث الصحيحة‪.‬‬ ‫ص ‪135‬‬ ‫قوله‪" :‬حتى يضع فيها رب العالمين قدمه"‪ ،‬في رواية‪" :‬حتى يضع رب العزة فيها قدمه" وهذه‬ ‫الروا ية هي المنا سبة لهذا الباب‪ ،‬ول كن البخاري اكت فى بالشارة إلي ها على عاد ته‪ ،‬و في روا ية أ بي‬ ‫هريرة‪" :‬يقال لجهنم‪ :‬هل امتلت؟ وتقول‪ :‬هل من مزيد؟ فيضع الرب –تبارك وتعالى‪ -‬قدمه علي ها"‪،‬‬

‫‪")(378‬الصابة" (‪.)1/127‬‬ ‫‪ )(379‬الية ‪ 30‬من سورة ق‪.‬‬ ‫‪")(380‬تفسير ابن كثير" (‪.)7/381‬‬ ‫‪103‬‬

‫و في روا ية‪" :‬ح تى ي ضع في ها قد مه فتمتلئ"‪ ،‬و في أخرى‪" :‬ح تى ي ضع رجله‪ ،‬فتقول‪ :‬قط قط" وهذه‬ ‫الروايات كلها في البخاري‪ ،‬واتفق معه مسلم عليها(‪.)381‬‬ ‫وع ند الدارقط ني في "ال صفات"‪" :‬فأ ما النار فيل قى في ها‪ ،‬وتقول‪ :‬هل من مز يد؟ –ثلث مرات‪-‬‬ ‫حتى يأتيها –تبارك وتعالى‪ -‬فيضع قدمه عليها‪ ،‬فتنزوي‪ ،‬وتقول‪ :‬قدني قدني"(‪.)382‬‬ ‫وفهي روايهة‪" :‬ل تزال جهنهم يلقهى فيهها‪ ،‬وتقول‪ :‬ههل مهن مزيهد؟ حتهى يضهع الجبار –تبارك‬ ‫وتعالى‪ -‬فيها قدمه‪ ،‬فهناك تنزوي"(‪.)383‬‬ ‫وأخرج حديث أنس هذا أبو نعيم في "المستخرج" بلفظ‪" :‬حتى يضع ال فيها قدمه"(‪.384‬‬ ‫ففي مجموع هذه الروايات البيان الواضح بأن القدم والر جل‪-‬وكلهما عبارة عن ش يء واحد –‬ ‫صفة ل‪ -‬تعالى‪ -‬حقيقة على ما يليق بعظمته‪.‬‬ ‫كمها فيهها إبطال تأويهل المؤولة‪ ،‬نحهو قولههم‪" :‬إن القدم‪ :‬عبارة عهن إذلل جهنهم إذا بلغهت فهي‬ ‫الطغيان‪ ،‬وقولهم‪ :‬إن المراد بالقدم‪ :‬الفرط السابق من المعذبين‪ ،‬أي يضع ال فيها ما قدمه لها من أهل‬ ‫العذاب‪ ،‬وقولههم‪ :‬المراد بالقدم‪ :‬قدم بعهض المخلوقيهن‪ ،‬وقولههم‪ :‬يجوز أن يكون مخلوقا اسهمه القدم‪،‬‬ ‫وقولهم‪ :‬المراد بالقدم‪ :‬الخير من أهل النار‪ ،‬وقولهم‪ :‬إنه اسم مكان عصي ال فيه‪ ،‬فيلقى في النار‪.‬‬ ‫ص ‪136‬‬ ‫وقول الداودي‪ :‬إن المراد بالقدم‪ :‬قدم صدق‪ ،‬وهو محمد –صلى ال عليه وسلم – والشارة بذلك‬ ‫إلى شفاعته‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إن المراد بالقدم‪ :‬قدم إبليس‪ ،‬إلى غير ذلك من السخافات المضحكة‪ ،‬الدالة‬ ‫على ضلل قائليها‪.‬‬ ‫وزعم ابن الجوزي‪ ،‬وابن فورك‪ :‬أن لفظ الرجل محرف من بعض الرواة عن القدم‪ ،‬وذهب مرة‬ ‫إلى تحريهف المسهمى بالتأويهل‪ ،‬فقال‪ :‬يحتمهل أن يراد بالرجهل‪ :‬الجماعهة"(‪ ،)385‬فهذه التأويلت الباردة‬ ‫يكفي العاقل المنصف مجرد ذكرها عن تكلف ردها بالدليل لظهور بطلنها‪ ،‬فهي في الحقيقة تحريف‬ ‫للكلم الواضهح البيهن‪ ،‬كتحريهف اليهود حينمها قيهل لههم‪" :‬ادخلوا الباب سهجدا وقولوا حطهة" فدخلوا‬ ‫يزحفون على أعجازهم وقالوا‪ :‬حبة حنطة‪.‬‬ ‫فبطلن قول هؤلء المعطلة –الذيهن جعلوا صهفات ال‪-‬تعالى‪ -‬نوعا مهن المخلوقات‪ ،‬وحاولوا‬ ‫إبطالها بالتأويلت البعيدة السخيفة‪-‬واضح وظاهر‪ ،‬وذلك من وجوه‪:‬‬ ‫"الول‪ :‬أن النبي –صلى ال عليه وسلم – قال‪ :‬حتى يضع‪ ،‬ولم يقل‪ :‬حتى يلقى {فيها} كما في‬ ‫قوله‪" :‬ل يزال يلقى في النار"‪.‬‬ ‫‪ )(381‬انظر"مسلم" (‪.)2188، 4/2187‬‬ ‫‪" )(382‬الصفات" (ص ‪.)17، 14‬‬ ‫‪")(383‬الصفات" للدارقطني (ص ‪)15‬‬ ‫‪")(384‬الفتح" (‪.)13/370‬‬ ‫‪ )(385‬انظر‪" :‬الفتح"‪ ،‬فقد ذكر جميع هذه التأويلت‪ ،‬وسكت عليها (‪.)8/596‬‬ ‫‪104‬‬

‫الثانهي‪ :‬أن قوله‪" :‬قدمهه" ل يفههم منهه هذا {الذي قالوه} ل حقيقهة‪ ،‬ول مجازا‪ ،‬كمها تدل عليهه‬ ‫الضافة‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أن أولئك المؤخرين‪ ،‬إن كانوا من الصاغر المعذبين‪ ،‬فل وجه لنزوائها واكتفائها بهم‪،‬‬ ‫فإن ذلك إن ما يكون بأ مر عظ يم‪ ،‬وإن كانوا من الكابر المجرم ين‪ ،‬ف هم في الدرك ال سفل من النار‪،‬‬ ‫وفي أول المعذبين‪ ،‬ل في أواخرهم‪.‬‬ ‫الرابع‪:‬أن قوله‪" :‬فينزوي بعضها إلى بعض" دليل على أنها تنضم على من فيها فتضيق بهم‪ ،‬من‬ ‫دون أن يلقى فيها شيء‪.‬‬ ‫الخامس‪ :‬أن قوله‪" :‬ل يزال يلقى فيها وتقول‪ :‬هل من مزيد؟ حتى يضع فيها قدمه" جعل وضع‬ ‫القدم الغا ية ال تي إلي ها ينت هي اللقاء‪ ،‬ويكون ع ند ذلك النزواء‪ ،‬فيقت ضي أن تكون الغا ية أع ظم م ما‬ ‫قبل ها‪ ،‬ول يس في قول {هؤلء} المعطلة مع نى لل فظ {قد مه} إل و قد اشترك ف يه الول وال خر‪ ،‬والول‬ ‫أحق به من الخر"(‪.)386‬‬ ‫ص ‪137‬‬ ‫يضاف إلى ذلك‪ :‬أن هذا الكلم الواضهح البيهن الذي إذا سهمعه السهامع لم يتبادر إلى ذهنهه إل‬ ‫ظاهره اللئق بجلل ال‪-‬تعالى‪-‬؛ فلو كان ظاهره غيهر مراد للمتكلم‪ ،‬وأن المراد منهه مها ذكره هؤلء‬ ‫المحرفون‪ ،‬لصار إلى اللغاز والتعمية أقرب‪ ،‬ول يكون المتكلم بذلك قد أدى ما وجب عليه من البلغ‬ ‫والبيان؛ وهذا من أبطل الباطل‪.‬‬ ‫وقد علم أن المتكلم بهذا الكلم أفصح الناس وأقدرهم على اليضاح والبيان لما يريد‪ ،‬وهو أيضا‬ ‫أنصحهم لمته‪ ،‬وأعلمهم بال وبما يجب له‪ ،‬وما يمتنع عليه‪ ،‬وهو أيضا أحرصهم على إيصال الخير‬ ‫والن فع إلى الخلق‪ ،‬ود فع ال شر عن هم‪ ،‬في ستحيل مع هذه المور أن يكون ظا هر كل مه باطلً يدل على‬ ‫ن ِإلّ َك ِذبًا} (‪،)387‬‬ ‫ن َأفْوَا ِههِ مْ إِن يَقُولُو َ‬ ‫خرُ جُ مِ ْ‬ ‫الكفر والتشبيه –كما زعم المعطلة المؤولة { َك ُبرَ تْ كَِلمَ ًة َت ْ‬ ‫فظهر بذلك بطلن قول المعطلة‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‪.‬‬ ‫قال أ بو سعيد الدار مي‪" :‬و ما دعوى المع طل بأن القدم‪ :‬أ هل الشقوة الذ ين تقدم في علم ال أن هم‬ ‫شرِ اّلذِي نَ آ َمنُواْ َأنّ َلهُ مْ َقدَ مَ‬ ‫يلقون في جهنم‪ ،‬واستدلله بما روي عن ابن عباس‪ ،‬في قوله‪-‬تعالى‪َ { :-‬و َب ّ‬ ‫صِ ْدقٍ عِندَ َربّ ِهمْ}‬

‫(‪)388‬‬

‫قال‪ :‬ما قدموا من أعمالهم‪.‬‬

‫فيقال‪ :‬من المشهور عن ا بن عباس‪ ،‬أ نه قال‪" :‬الكر سي مو ضع القدم ين‪ ،‬والعرش ل يقدر قدره‬ ‫إل ال"‪ ،‬وهذا صحيح مشهور عن ا بن عباس(‪ ،)389‬ودعوى المع طل أن ها ل تمتلئ ح تى يل قى ال في ها‬ ‫‪" )(386‬مختصر الفتاوى المصرية" (ص ‪.)647‬‬ ‫‪)(387‬الية ‪ 5‬من سورة الكهف‪.‬‬ ‫‪)(388‬الية الثانية من سورة يونس‪.‬‬ ‫‪)(389‬رواه أبو سعيد الدارمي في "الرد على المريسي" (ص ‪" ،)425‬مجموع عقائد السلف"‪ ،‬والحاكم في‬ ‫"المستدرك"‪ ،‬وقال‪ :‬صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬ووافقه الذهبي (‪ ،)2/282‬وابن جرير في "التفسير" (‬ ‫‪105‬‬

‫الشقياء‪ ،‬الذين هم قدم الجبار‪-‬عند أهل التأويل‪ -‬دعوى باطلة‪ ،‬وهل استزادت إل بعد مصير الشقياء‬ ‫إليها؟ أفيلقيهم فيها ثانية؟ أو أنه –تعالى‪ -‬حبس عنها الشقياء‪ ،‬وألقى فيها السعداء‪ ،‬فلما استزادت ألقى‬ ‫فيها أهل الشقوة؟‬ ‫ص ‪138‬‬ ‫ج َمعِي نَ} (‪ ،)390‬قالوا‪:‬‬ ‫ج َهنّ مَ مِن كَ َو ِممّن َت ِبعَ كَ ِم ْنهُ مْ َأ ْ‬ ‫لمْلَنّ َ‬ ‫وأما ردهم الحديث بقوله – تعالى‪َ { :‬‬ ‫إن جهنم ل تمتلئ بغير الجن والنس‪ ،‬ومن زعم غير ذلك فقد كفر‪.‬‬ ‫ل مِن ّمزِيدٍ} (‪،)391‬‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ْته َوتَقُو ُ‬ ‫ّمه هَلِ ا ْمتَل ِ‬ ‫ج َهن َ‬ ‫ْمه نَقُولُ ِل َ‬ ‫فيقال‪ :‬إن هذه اليهة ل تخالف قوله‪{ :‬يَو َ‬ ‫ويصهح فهي الكلم أن يقال للممتلئ‪ :‬اسهتزاد‪ ،‬كمها يمتلئ الرجهل مهن الطعام‪ ،‬والشراب‪ ،‬وههو يقدر أن‬ ‫يستزيد‪ ،‬ويقال‪ :‬امتل المسجد من الناس‪ ،‬وفيه فضل وسعة‪ ،‬وامتل الوادي ماء‪ ،‬وهو يحتمل أكثر مما‬ ‫فيهه‪ ،‬وكمها فهي الحديهث‪" :‬يخرج المهدي‪ ،‬فيمل الرض قسهطا وعدلً‪ ،‬كمها ملئت جورا وظلما" وفهي‬ ‫الرض سعة لكثر من ذلك‪ ،‬فكذلك جهنم تمتلئ بما يلقى فيها من الجن والنس‪ ،‬وتقول هل من مزيد؟‬ ‫لفضل فيها‪ ،‬غضبا ل‪-‬تعالى‪ -‬على الكفار‪ ،‬حتى يفعل الجبار بها ما أخبر به رسوله‪ ،‬من وضعه قدمه‬ ‫فيها كما يشاء‪ ،‬وكما عنى رسول ال‪ ،‬فحينئذ تقول‪ :‬حسبي حسبي‪ ،‬ولها خزنة يدخلونها غير معذبين‬ ‫بها‪ ،‬وفيها حيات‪ ،‬وعقارب‪.‬‬ ‫ع ّدتَهُ مْ ِإلّ ِف ْتنَةً‬ ‫جعَ ْلنَا ِ‬ ‫ب النّا ِر ِإلّ مَل ِئكَةً َومَا َ‬ ‫صحَا َ‬ ‫جعَ ْلنَا أَ ْ‬ ‫شرَ {‪َ }30‬ومَا َ‬ ‫عَ‬ ‫وقال‪-‬تعالى‪ { :-‬عََل ْيهَا تِ سْعَةَ َ‬ ‫لّّلذِينَ كَ َفرُوا } (‪.)392‬‬ ‫ج َمعِي نَ} (‪ ،)393‬ل يخالف هذه ال ية‪ ،‬ك ما أ نه ل‬ ‫جنّةِ وَالنّا سِ َأ ْ‬ ‫ن ا ْل ِ‬ ‫ج َهنّ مَ مِ َ‬ ‫لمْلنّ َ‬ ‫فقوله‪-‬تعالى‪َ { :-‬‬ ‫يخالف قول الر سول – صلى ال عل يه و سلم ‪" :-‬ي ضع الجبار في ها قد مه"‪ ،‬وإذا كا نت جه نم ل ت ضر‬ ‫الخزنة الذين يدخلونها‪ ،‬ويقومون عليها‪ ،‬فكيف يستنكر وضع رب العالمين عليها قدمه؟" (‪.)394‬‬ ‫وقد جاءت الحاديث عن رسول ال –صلى ال عليه وسلم – تدل على أن كلمها حقي قة‪ ،‬فل‬ ‫وجه للعدول عن ذلك‪ ،‬كقوله –صلى ال عليه وسلم ‪" :-‬تحاجت الجنة والنار‪ ،‬فقالت الجنة‪ :‬ما لي‬ ‫ص ‪139‬‬ ‫ل يدخلنهي إل الضعفاء؟ وقالت النار‪ :‬مها لي يدخلنهي الجبارون‪ ،‬والمتكهبرون؟" (‪)395‬أخرجاه فهي‬ ‫"الصحيحين"‪.‬‬ ‫‪.)5/398‬‬ ‫‪)(390‬الية ‪ 119‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪)(391‬الية ‪ 30‬من سورة ق‪.‬‬ ‫‪)(392‬اليتان ‪30‬و ‪31‬من سورة المدثر‪.‬‬ ‫‪)(393‬الية ‪ 119‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪ )(394‬رد عثمان بن سعيد على بشر المريسي‪ ،‬ملخصًا بتصرف‪.‬‬ ‫‪)(395‬انظر‪" :‬البخاري مع الفتح" (‪ ،)8/595( ،)13/434‬و"مسلم" (‪.)4/2186‬‬ ‫‪106‬‬

‫وفي "مسند المام أحمد" بسند فيه عطية العوفي‪ -‬وهو ضعيف‪ -‬عن أبي سعيد عن النبي –صلى‬ ‫ال عليه وسلم –أنه قال‪" :‬يخرج عنق من النار يتكلم يقول‪ :‬وكلت اليوم بثلثة‪ ،‬بكل جبار‪ ،‬وبمن جعل‬ ‫مع ال إلها آخر‪ ،‬وبمن قتل نفسا بغير نفس‪ ،‬فينطوي عليهم‪ ،‬فيقذفهم في غمرات جهنم"(‪.)396‬‬ ‫وفيه أيضا من طريق ابن لهيعة –وفيه كلم معروف‪ -‬عن عائشة‪ -‬رضي ال عنها‪ -‬عن النبي‬ ‫– صلى ال عل يه و سلم – أ نه قال‪" :‬يخرج ع نق من النار‪ ،‬فينطوي علي هم‪ ،‬ويتغ يظ علي هم‪ ،‬ويقول ذلك‬ ‫العنق‪ :‬وكلت بثلثة‪ ،‬وكلت بمن دعا مع ال إلها آخر‪ ،‬ووكلت بمن ل يؤمن بيوم الحساب‪ ،‬ووكلت بكل‬ ‫جبار عنيد‪ ،‬فتنطوي عليهم‪ ،‬وتطرحهم في غمرات جهنم"(‪.)397‬‬ ‫وقد ذكر ابن رجب أحاديث بهذا المعنى(‪ ،)398‬وقد صح عن النبي –صلى ال عليه وسلم – أن‬ ‫حجرا كان يسهلم عليهه(‪ ،)399‬كمها صهح أن الصهحابة كانوا يسهمعون تسهبيح الطعام وههم يأكلون‪ ،‬ومهن‬ ‫المشهور حنين الجذع الذي كان النبي –صلى ال عليه وسلم – يخطب عليه حين تركه‪ ،‬فكيف يستنكر‬ ‫كلم جهنم؟‬ ‫قوله‪" :‬فينزوي بعضهها إلى بعهض" أي يلتئم بعضهها على بعهض‪ ،‬وتتضايهق على مهن فيهها‪ ،‬فل‬ ‫يبقى فيها متسع لغير من فيها‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬وتقول‪ :‬قد قد" بفتح القاف‪ ،‬وسكون الدال‪ ،‬وفي رواية‪" :‬قط قط" وهو اسم فعل‪ ،‬ومعناه‪:‬‬ ‫حسبي وكفاني ما ألقي في‪ ،‬فل متسع لغيرهم‪ ،‬أي قد امتلئت‪.‬‬ ‫ص ‪140‬‬ ‫قوله‪" :‬بعزتك وكرمك" هذا محل الشاهد من الحديث لما ترجم به‪ ،‬وهو قسم من النار بعزة ال‬ ‫وكر مه‪ ،‬أن ها قد امتلت‪ ،‬وأ صبحت ل يس في ها مت سع‪ ،‬و قد تقرر ع ند الم سلمين أن الق سم بغ ير ال ل‬ ‫يجوز‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬ل يزال يلقى فيها‪ ،‬وتقول" هذا القول من جهنم حقيقة‪ ،‬فال‪-‬تعالى‪ -‬ينطقها بكلم مسموع‬ ‫منها‪ ،‬كما ينطق‪-‬جل وعل‪ -‬الجوارح وغيرها‪ ،‬وال على كل شيء قدير‪ ،‬وأمور الخرة أعظمها على‬ ‫خلف ما يعر فه الناس في الدن يا‪ ،‬والق سم بأ سماء ال و صفاته ق سم به‪-‬تعالى‪-‬والمق صود أن ال تعالى‬ ‫مت صف بال صفات‪ ،‬فأراد أن يبين ذلك ب ما ث بت من ها في كتاب ال‪-‬تعالى‪ -‬ومن ها العزة‪ ،‬وبالحاد يث‬ ‫التي تبين ذلك وتوضحه‪ ،‬وقد تقدم البحث فيها في الباب الول‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪" :‬يؤخذ منه مشروعية الحلف بكرم ال‪ ،‬كما شرع الحلف بعزة ال"(‪.)400‬‬ ‫قوله‪" :‬ول تزال الجنة تفضل‪ ،‬حتى ينشئ ال لها خلقا‪ ،‬فيسكنهم فضل الجنة"‪.‬‬ ‫‪")(396‬المسند" (‪.)3/40‬‬ ‫‪")(397‬المسند" (‪.)6/110‬‬ ‫‪)(398‬انظر‪" :‬التخويف من النار" (ص ‪.)130‬‬ ‫‪)(399‬انظر‪" :‬فتح الباري" (‪.)13/371‬‬ ‫‪" )(400‬الفتح" (‪.)13/371‬‬ ‫‪107‬‬

‫أي أن أهل الجنة الذين يدخلونها ينتهون‪ ،‬وفيها فضل مساكن لم يصبها أحد؛ لعظم سعتها‪ ،‬قال‬ ‫ت لِ ْل ُمتّقِي نَ} (‪،)401‬‬ ‫عدّ ْ‬ ‫لرْ ضُ أُ ِ‬ ‫سمَاوَاتُ وَا َ‬ ‫ع ْرضُهَا ال ّ‬ ‫جنّةٍ َ‬ ‫ال‪-‬تعالى‪{ :-‬وَ سَارِعُواْ إِلَى َمغْ ِفرَةٍ مّ ن ّر ّبكُ مْ َو َ‬ ‫ن آ َمنُوا‬ ‫عدّتْ لِّلذِي َ‬ ‫لرْضِ ُأ ِ‬ ‫سمَاء وَا َ‬ ‫ع ْرضُهَا َك َعرْضِ ال ّ‬ ‫جنّةٍ َ‬ ‫وقال‪-‬تعالى‪{ :-‬سَابِقُوا إِلَى َمغْ ِفرَ ٍة مّن ّر ّبكُمْ َو َ‬ ‫بِاللّهِ َو ُرسُلِهِ} (‪.)402‬‬ ‫وقد وعد ال ‪-‬تعالى‪ -‬الجنة والنار أن يملؤهما من الجنة والناس‪ ،‬ومما يشاء‪ ،‬فأما النار‪ :‬فإن ال‬ ‫تعالى‪ -‬ل يد خل في ها إل من ي ستحقها‪ ،‬ول يظلم أحدا‪ ،‬ول سعتها أيضا يتن هي أهل ها دخولً في ها مع‬‫كثرت هم‪ ،‬و هي تطلب الزيادة‪ ،‬وت سأل ال وعده‪ ،‬فع ند ذلك ي ضع علي ها ‪-‬تعالى‪ -‬قد مه‪ ،‬فتتضا يق على‬ ‫أهلها‪ ،‬فينزوي بعضها إلى بعض –أي تجتمع‪ -‬فتصبح ليس فيها موضع لحد‪ ،‬فيحصل بذلك ملؤها‪.‬‬ ‫ص ‪141‬‬ ‫وأمها الج نة‪ :‬فإن ال ‪-‬تعالى‪ -‬يخلق ل ها خلقا جديدا فيسهكنهم فضلهها‪ ،‬أي المسهاكن ال تي فضلت‬ ‫عمن دخلها‪ ،‬وذلك فضل ال يؤتيه من يشاء‪ ،‬ل راد لفضله‪ ،‬ول مانع لعطائه‪.‬‬

‫‪)(401‬الية ‪ 133‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(402‬الية ‪ 21‬من سورة الحديد‪.‬‬ ‫‪108‬‬

‫ص ‪142‬‬ ‫حقّ}‬ ‫لرْضَ بِا ْل َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫قال‪" :‬باب قول ال ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَ ُهوَ اّلذِي خََلقَ ال ّ‬

‫(‪)403‬‬

‫قال القرطبي‪" :‬بالحق‪-‬أي بكلمة الحق‪ -‬يعني‪ :‬قوله‪ :‬كن"(‪.)404‬‬ ‫ومثله قال القسهطلني‪ ،‬ثهم قال‪ ":‬وقال ابهن عادل فهي لبابهه‪ :‬قيهل‪ :‬الباء بمعنهى اللم‪ ،‬أي إظهارا‬ ‫ت هَذا بَاطِلً} (‪.)405‬‬ ‫للحق؛ لنه جعل صنعه دليلً على وحدانيته‪ ،‬فهو نظير قوله – تعالى ‪{ :-‬مَا خَلَقْ َ‬ ‫وقال الخازن‪ ":‬يعنهي إظهارا للحهق‪ ،‬فعلى هذا تكون الباء بمعنهى اللم‪ ،‬لنهه جعهل صهنعه دليلً‬ ‫على وحدانيته‪ ،‬وقيل‪ :‬خلقها بكمال قدرته‪ ،‬وشمول علمه‪ ،‬وإتقان صنعه‪ ،‬وكل ذلك حق‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬خلقها بكلمه الحق‪ ،‬وهو قول "كن" وفيه دليل على أن كلم ال – تعالى‪ -‬ليس بمخلوق؛‬ ‫لنه ل يخلق مخلوق بمخلوق"(‪.)406‬‬ ‫وقال ابن الجوزي‪ " :‬فيه أربعة أقوال‪:‬‬ ‫أحدها‪ :‬خلقهما للحق‪ .‬والثاني‪ :‬خلقهما حقا‪.‬‬ ‫والثالث‪ :‬خلقهما بكلمه‪ ،‬وهو الحق‪.‬‬ ‫والرابع‪ :‬خلقهما بالحكمة"(‪.)407‬‬ ‫قلت‪ :‬هذه القوال ل يس في ها اختلف‪ ،‬و هي داخلة في مع نى ال ية‪ ،‬إل أن ال طبري ج عل القول‬ ‫الثاني والرابع قولً واحدا‪ ،‬كما سيأتي‪ ،‬وهو الظهر‪.‬‬ ‫وقال ابن جرير‪ ":‬واختلف أهل التأويل في قوله‪ ":‬بالحق"‪ :‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬وهو الذي‬ ‫لرْ ضَ‬ ‫سمَاء وَا َ‬ ‫خلق ال سماوات والرض حقا و صوابا‪ ،‬ل باطلً وخ طأ‪ ،‬ك ما قال تعالى‪{ :‬وَمَا خَلَقْنَا ال ّ‬ ‫َومَا َب ْي َن ُهمَا بَاطِلً} (‪ ،)408‬وأدخلت الباء واللف‪ ،‬كما في‬ ‫ص ‪143‬‬ ‫قولك‪ :‬فلن يقول بال حق‪ ،‬يع ني أ نه يقول ال حق‪ ،‬أي ي صيب في قوله‪ ،‬فال حق صفة للقول‪ ،‬فخلق‬ ‫السماوات والرض حكمة من حكم ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬وال موصوف بالحكمة في خلقهما‪ ،‬وخلق ما سواهما‬ ‫من سائر الخلق‪.‬‬ ‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬خلق السماوات والرض بكل مه‪ ،‬وقوله لهما‪ِ{ :‬ا ْئتِيَا طَوْعًا َأوْ َكرْهًا}‬ ‫(‪)409‬فالحق في هذا الموضع معنى به كلمه‪.‬‬ ‫‪)(403‬الية ‪ 73‬من سورة النعام‪.‬‬ ‫‪" )(404‬تفسير القرطبي" (‪.)6/19‬‬ ‫‪ )(405‬الية ‪ 191‬من سورة آل عمران ‪" ،‬هدي الساري" (‪. )10/369‬‬ ‫‪" )(406‬تفسير الخازن" (‪.)2/147‬‬ ‫‪" )(407‬زاد المسير" (‪.)3/67‬‬ ‫‪ )(408‬الية ‪ 27‬من سورة ص‪.‬‬ ‫‪ )(409‬الية ‪ 11‬من سورة فصلت ‪.‬‬ ‫‪109‬‬

‫ن قَوْلُ ُه ا ْلحَقّ} (‪ ،)410‬فال حق هو قوله وكل مه‪ ،‬فال‬ ‫وا ستشهد لذلك بقوله‪َ { :‬ويَوْ مَ يَقُولُ كُن َفيَكُو ُ‬ ‫تعالى‪ -‬خلق الشياء بكل مه وقوله‪ ،‬فمها خلق به الشياء ف هو غير ها‪ ،‬فكلم ال ‪-‬تعالى‪ -‬الذي خلق‬‫الخلق غير مخلوق"(‪.)411‬‬ ‫قلت‪ :‬وبهذا يظ هر مراد البخاري – رح مه ال تعالى – فقول ال ‪-‬تعالى‪ -‬حق‪ ،‬و هو صفة له‪،‬‬ ‫و ما و جد بقوله ف هو غ ير القول‪ ،‬بل هو المفعول المخلوق‪ ،‬فقوله ‪-‬تعالى‪ -‬الذي خلق به الشياء‪ ،‬ل‬ ‫يجوز أن يكون مماثلً ل ها‪ ،‬فل بد من التفر يق ب ين قوله الذي هو صفته‪ ،‬وب ين مفعول ته ال تي وجدت‬ ‫بقوله‪ ،‬كمها سهيأتي – إن شاء ال تعالى – فهي باب‪ :‬مها جاء فهي تخليهق السهماوات والرض وههو‬ ‫سمَاء‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫تعالى‪ -‬خلق السماوات والرض وغيرهما بقوله لها‪ :‬كوني‪ ،‬كما قال ‪-‬تعالى‪ُ { :‬ثمّ ا ْ‬‫لرْضِ ِا ْئ ِتيَا طَ ْوعًا َأوْ َكرْهًا قَاَلتَا َأ َت ْينَا طَا ِئعِينَ} (‪.)412‬‬ ‫ن فَقَالَ َلهَا وَلِ َ‬ ‫وَ ِهيَ ُدخَا ٌ‬ ‫قال الحافظ‪ ":‬كأنه أشار بهذه الترجمة إلى ما ورد في تفسير هذه الية‪ ،‬أن معنى قوله‪{ :‬بالحق}‬ ‫أي بكل مة ال حق‪ ،‬و هو قوله‪ {:‬كن} ويدل عل يه ما في أول الحد يث‪" ،‬وقولك ال حق" فكأ نه أشار إلى أن‬ ‫القول {في الحديث} الكلمة‪ ،‬وهي "كن" وال أعلم"(‪.)413‬‬ ‫ص ‪144‬‬ ‫وقال ابن المرتضى‪ " :‬هذا إشارة من البخاري إلى مذهب أهل السنة في إثبات الحكمة"(‪.)414‬‬ ‫قلت‪ :‬هذا ل ينا في ما ذكر نا‪ ،‬فيجوز أن يق صد المعني ين‪ ،‬ولك نه في الول أظ هر وأل يق بمراد‬ ‫البخاري؛ لن القول بنفي الحكمة في خلق ال وفعله‪ ،‬ظاهر البطلن‪.‬‬ ‫ه‬ ‫قال البخاري‪ " :‬الفعهل إنمها ههو إحداث الشيهء‪ ،‬والمفعول ههو الحدث؛ لقوله تعالى‪{ :‬خَلْق ُ‬ ‫لرْضِ} (‪.)415‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫ال ّ‬ ‫قلت‪ :‬يريد بذلك التفريق بين ما هو صفة ل تعالى‪ ،‬وبين ما هو مفعول له مخلوق‪.‬‬ ‫وقال الرا غب‪ ":‬أ صل ال حق‪ :‬المطاب قة والمواف قة‪ ،‬كمطاب قة ر جل الباب في ح قه لدورا نه على‬ ‫استقامة‪ ،‬والحق يقال على أوجه‪:‬‬ ‫الول‪ :‬يقال لموجد الشيء بسبب ما تقتضيه الحكمة‪ ،‬ولهذا قيل في ال ‪-‬تعالى‪ -‬هو الحق‪ ،‬قال‬ ‫ل الضّلَلُ‬ ‫تعالى‪{ :-‬ثُمّ رُدّو ْا إِلَى الّل هِ َم ْولَهُ مُ ا ْلحَقّ} (‪َ { ،)416‬فذَِلكُ مُ الّل هُ َر ّبكُ مُ ا ْلحَقّ َفمَاذَا َب ْعدَ ا ْلحَقّ ِإ ّ‬‫صرَفُونَ} (‪.)417‬‬ ‫َفأَنّى ُت ْ‬ ‫‪ )(410‬الية ‪ 73‬من سورة النعام ‪.‬‬ ‫‪" )(411‬تفسير الطبري" (‪ )459-11/458‬تحقيق‪ :‬محمود شاكر ‪ ،‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪ )(412‬الية ‪ 11‬من سورة فصلت ‪.‬‬ ‫‪" )(413‬الفتح" (‪.)13/371‬‬ ‫‪" )(414‬إيثار الحق على الخلق" (ص ‪.)205‬‬ ‫‪" )(415‬خلق أفعال العباد" (ص ‪ )210‬ضمن "العقائد السلفية" ‪.‬‬ ‫‪ )(416‬الية ‪ 62‬من سورة النعام ‪.‬‬ ‫‪ )(417‬الية ‪ 32‬من سورة يونس ‪.‬‬ ‫‪110‬‬

‫الثا ني‪ :‬يقال ل ما و جد بمقت ضى الحك مة‪ ،‬ولهذا يقال‪ :‬ف عل ال ‪-‬تعالى‪ -‬كله حق‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫ب مَا خََلقَ اللّهُ ذَِلكَ‬ ‫سنِينَ وَا ْلحِسَا َ‬ ‫ع َددَ ال ّ‬ ‫ل ِل َتعَْلمُواْ َ‬ ‫شمْسَ ضِيَاء وَالْ َق َمرَ نُورًا َو َق ّدرَ ُه َمنَازِ َ‬ ‫جعَلَ ال ّ‬ ‫{هُ َو اّلذِي َ‬ ‫حقّ} (‪.)418‬‬ ‫ِإلّ بِا ْل َ‬ ‫الثالث‪ :‬العتقاد المطا بق ل ما عل يه الش يء في نف سه‪ ،‬ك ما في الحد يث‪ " :‬ووعدك حق‪ ،‬ولقاؤك‬ ‫ختَلَفُواْ فِي هِ‬ ‫ن آ َمنُو ْا ِلمَا ا ْ‬ ‫حق‪ ،‬والجنة حق‪ ،‬والنار حق‪ ،‬والساعة حق"‪ ،‬قال ال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬هدَى الّل ُه اّلذِي َ‬ ‫ق ِبإِ ْذنِهِ} (‪.)419‬‬ ‫ن ا ْلحَ ّ‬ ‫مِ َ‬ ‫ص ‪145‬‬ ‫الرابع‪ :‬الفعل والقول الوا قع بحسب ما ي جب‪ ،‬وبقدر ما ي جب‪ ،‬وفي الو قت الذي ي جب‪ ،‬قال ال‬ ‫ت َر ّبكَ} (‪.)420‬‬ ‫ك حَقّتْ كَِلمَ ُ‬ ‫تعالى‪َ { :-‬كذَلِ َ‬‫حقّ‬ ‫قلت‪ :‬يأتي أيضا موصوفا به دين ال وشرعه‪ ،‬وأمره‪ ،‬كما في قوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬ويَسْتَن ِبئُو َنكَ َأ َ‬ ‫جزِينهَ} (‪)421‬أي‪ :‬وعده أن يبعثكهم ويجازيكهم‪ .‬وقال ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫هُ َو قُلْ إِي َو َربّيه ِإنّهُه َلحَقّ وَمَا أَنتُم ْه ِب ُم ْع ِ‬ ‫حقّ مِن ّر ّبكَ} (‪.424‬‬ ‫حقّ مِن رّبّك} (‪{ ،)423‬وَِإنّ ُه لَ ْل َ‬ ‫حقّ} (‪{ ،)422‬بِا ْل َ‬ ‫ن ا ْل َ‬ ‫{ َو َت ْك ُتمُو َ‬ ‫قال الحليمي‪ ":‬الحق" ما ل يسمع إنكاره‪ ،‬ويلزم إثباته والعتراف به‪.‬‬ ‫ووجود الباري ‪-‬تعالى‪ -‬أول ما يجب العتراف به‪ ،‬ول يسع جحده‪ ،‬إذ ل مثبت تظاهرت عليه‬ ‫الدلئل البينة مثل ما تظاهرت على وجود الباري – جل جلله‪.)425( "-‬‬ ‫وقال أيضا‪ " :‬ال حق في ال سماء الح سنى معناه – ك ما قال ا بن برجان‪ :‬الوا جب الوجود بالبقاء‬ ‫الدائم‪ ،‬الجامع للخير والمجد‪ ،‬والمحامد كلها‪ ،‬والثناء الحسن‪ ،‬والسماء الحسنى والصفات العليا‪.‬‬ ‫ومعنى واجب الوجود‪ :‬أنه اضطر جميع الموجودات إلى معرفة وجوده‪ ،‬وهو الذي أوجدها‪ ،‬قال‬ ‫شيْءٍ َقدِيرٌ} (‪ .)426‬ولما أظهر جملة‬ ‫ل َ‬ ‫حيِي ا ْلمَ ْوتَى وََأنّ هُ عَلَى كُ ّ‬ ‫تعالى‪{ :-‬ذَلِ كَ ِبأَنّ اللّ هَ ُه َو ا ْلحَقّ وََأنّ ُه ُي ْ‬‫ض بِا ْلحَقّ} (‪.)427‬‬ ‫لرْ َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫المخلوقات التي خلقها بالحق وللحق قال ‪-‬تعالى‪{ :-‬خََلقَ ال ّ‬ ‫ص ‪146‬‬

‫‪ )(418‬الية ‪ 5‬من سورة يونس ‪.‬‬ ‫‪ )(419‬الية ‪ 213‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪ )(420‬الية ‪ 13‬من سورة السجدة ‪" ،‬المفردات" (ص ‪ )125‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪ )(421‬الية ‪ 53‬من سورة يونس ‪.‬‬ ‫‪ )(422‬الية ‪ 71‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(423‬الية ‪ 147‬من سورة البقرة ‪ ،‬و الية ‪ 60‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(424‬الية ‪ 149‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪" )(425‬المنهاج" (‪.)1/188‬‬ ‫‪ )(426‬الية ‪ 6‬من سورة الحج ‪.‬‬ ‫‪ )(427‬الية ‪ 44‬من سورة العنكبوت ‪.‬‬ ‫‪111‬‬

‫فال ‪-‬تعالى‪ -‬هو ال حق ال مبين‪ ،‬ووجوده ال حق‪ ،‬وقوله ال حق‪ ،‬و صفاته ال حق‪ ،‬وأ سماؤه ال حق"‬ ‫ا‪.‬هه‪.‬‬

‫(‪)428‬‬

‫ص ‪147‬‬ ‫‪ -15‬قال‪ ":‬حدث نا قبي صة؛ حدث نا سفيان‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن سليمان‪ ،‬عن طاوس‪ ،‬عن ا بن‬ ‫عباس‪ ،‬قال‪ :‬كان النبي – صلى ال عليه وسلم – يدعو من الليل‪ :‬اللهم لك الحمد أنت رب السماوات‬ ‫والرض‪ ،‬لك الحمد أنت قيم السماوات والرض ومن فيهن‪ ،‬لك الحمد أنت نور السماوات والرض‪،‬‬ ‫قولك ال حق‪ ،‬ووعدك ال حق‪ ،‬ولقاؤك حق‪ ،‬والج نة حق‪ ،‬والنار حق‪ ،‬وال ساعة حق‪ ،‬الل هم لك أ سلمت‪،‬‬ ‫و بك آم نت‪ ،‬وعل يك توكلت‪ ،‬وإل يك أن بت‪ ،‬و بك خا صمت‪ ،‬وإل يك حاك مت‪ ،‬فاغ فر لي ما قد مت و ما‬ ‫أخرت‪ ،‬وأسررت‪ ،‬وأعلنت‪ ،‬أنت إلهي‪ ،‬ل إله لي غيرك"‪.‬‬ ‫حدثنا ثابت بن محمد‪ ،‬حدثنا سفيان بهذا وقال‪ " :‬أنت الحق‪ ،‬وقولك الحق"‪.‬‬ ‫كان النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يقول هذا الدعاء بعد أن يكبر تكبيرة الحرام في تهجده‪ ،‬كما‬ ‫بينه ابن خزيمة‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫"باب ذكر الدليل على أن النبي – صلى ال عليه وسلم‪ -‬كان يحمد بهذا التحميد بعد أن يكبر" ثم‬ ‫ساق بال سند إلى ا بن عباس‪ ،‬قال‪ :‬كان ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬إذا قام للته جد قال ب عد ما‬ ‫يكبر‪ :‬اللهم لك الحمد " الخ‪.‬‬

‫(‪)429‬‬

‫قوله‪" :‬الل هم لك الح مد " الح مد هو الثناء بالقول على المحمود ب صفاته اللز مة والمتعد ية‪ ،‬و"ال"‬ ‫ف يه لل ستغراق‪ ،‬وال ستقصاء‪ ،‬أي جم يع الح مد وا جب وم ستحق ل تعالى‪ ،‬ف هو المحمود على صفاته‪،‬‬ ‫وأ سمائه‪ ،‬وعلى نع مه‪ ،‬وأياد يه‪ ،‬وعلى خل قه وأفعاله‪ ،‬وعلى أمره وحك مه‪ ،‬و هو المحمود أولً وآخرا‪،‬‬ ‫وظاهرا وباطنا‪.‬‬ ‫و أما الشكر‪ :‬فل يكون إل على الصفات المتعدية‪ ،‬ويكون بالقلب واللسان والجوارح‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫شكْرًا} (‪.)430‬‬ ‫ل دَاوُودَ ُ‬ ‫عمَلُوا آ َ‬ ‫{ا ْ‬ ‫وقال الشاعر‪:‬‬ ‫أفادتكم النعماء مني ثلثة يدي ولساني والضمير المحجبا‬ ‫قوله‪ " :‬أنت رب السماوات والرض " أي‪ :‬أنت مالكهما ومن فيهما‪ ،‬والمتصرف بهما بمشيئتك‪،‬‬ ‫وأنت موجدهما من العدم‪ ،‬فالملك لك‪ ،‬وليس لحد معك اشتراك أو تدبير‪ ،‬تباركت وتعاليت‪.‬‬ ‫ص ‪148‬‬

‫‪" )(428‬المنهاج" (‪.)1/369‬‬ ‫‪" )(429‬صحيح ابن خزيمة" (‪.)2/184‬‬ ‫‪ )(430‬الية ‪ 13‬من سورة سبأ ‪.‬‬ ‫‪112‬‬

‫قوله‪ ":‬لك الحمهد أنهت قيهم السهماوات والرض ومهن فيههن" أي‪ :‬أنهت الذي أقمتهمها مهن العدم‪،‬‬ ‫والقائم عليهما بما يصلحهما ويقيمهما‪ ،‬فأنت الخالق الرازق‪ ،‬المالك المدبر‪ ،‬المحيي المميت‪ ،‬الغني عن‬ ‫كل شيء‪ ،‬وكل من سواك فقير إليك‪ ،‬ومصيره إليك كما أنك أنت الذي أوجدته‪ ،‬فلك الحمد‪.‬‬ ‫وفي رواية "قيام" وفي أخرى "قيوم"‪ ،‬وكلها من أبنية المبالغة‪.‬‬ ‫"والقيم معناه‪ :‬القائم بأمور الخلق‪ ،‬ومدبرهم‪ ،‬ومدبر العالم في جميع أحواله‪.‬‬ ‫والقيوم‪ :‬هو القائم بنف سه مطلقا‪ ،‬ل بغيره‪ ،‬ويقوم به كل موجود‪ ،‬ح تى ل يت صور وجود الش يء‬ ‫ول دوام وجوده إل به‪.‬‬ ‫وقال النوربش تي‪ :‬معناه‪ :‬أ نت الذي تقوم بحفظه ما‪ ،‬وح فظ من أحاط تا به واشتمل تا عل يه‪ ،‬وقال "‬ ‫من" تغليبا للعقلء على غيرهم" اهه(‪.)431‬‬ ‫قوله‪ " :‬لك الحمهد أنهت نور السهماوات والرض " قال الحافهظ‪ :‬أي منورهمها‪ ،‬وبهك يهتدي مهن‬ ‫فيهما"(‪.)432‬‬ ‫وقال القاضي عياض‪ " :‬معناه‪ :‬ذو النور‪ ،‬أي خالقه‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬منور الدنيا بالشمس والقمر والنجوم‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬منور قلوب عباده المؤمنين بالهداية والمعرفة "(‪.)433‬‬ ‫قلت‪ :‬هذا تأويل باطل كما سيأتي بيان بطلنه‪.‬‬ ‫قال شيخ السلم في جواب من قال‪ :‬إنه يجب تأويل قوله‪ ":‬ال نور السماوات والرض " قطعا‪.‬‬ ‫قال‪ " :‬ل نسلم أنه يجب تأويله‪ ،‬ول نسلم أن ذلك لو وجب قطعي‪ ،‬بل جماهير المسلمين ل يتأولون هذا‬ ‫ال سم‪ ،‬وهذا مذهب ال سلفية وجمهور ال صفاتية من أ هل الكلم والفقهاء وال صوفية وغير هم‪ ،‬و هو قول‬ ‫أبي سعيد ابن كلب‪ ،‬ورد على الجهمية تأويلهم " اسم النور" وكذا الشعري" ا‪.‬هه(‪.)434‬‬ ‫و قد نص ال –تعالى‪ -‬في كتا به أ نه نور ال سماوات والرض‪ ،‬وزاد ذلك ر سول ال _ صلى ال‬ ‫عليه وسلم_إيضاحا وبيانا‪ ،‬كما في هذا الحديث وغيره‪.‬‬ ‫ص ‪149‬‬ ‫وقد أخبر ‪-‬تعالى‪ :-‬أن الرض يوم القيامة تشرق بنوره‪ ،‬وصحت النصوص عن رسول ال –‬ ‫صلى ال عل يه و سلم‪ -‬بأ نه يحت جب بالنور‪ ،‬فإذا كا نت الرض تشرق من نوره‪ ،‬ف هو – جل وعل‪-‬‬ ‫نور‪ ،‬كما قاله رسوله‪ " :‬أنت نور السماوات والرض"‪.‬‬

‫‪ )(431‬من القسطلني (‪.)10/369‬‬ ‫‪" )(432‬الفتح" (‪.)3/4‬‬ ‫‪" )(433‬المشارق" (‪.)2/31‬‬ ‫‪" )(434‬مجموع الفتاوى" (‪.)6/379‬‬ ‫‪113‬‬

‫ْضه ِبنُورِ‬ ‫لر ُ‬ ‫َته ا َ‬ ‫شرَق ِ‬ ‫لرْضهِ} (‪)435‬وقال ‪-‬تعالى‪{ :-‬وََأ ْ‬ ‫السهمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫ّهه نُو ُر ّ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪{ :-‬الل ُ‬ ‫َربّهَا} (‪.)436‬‬ ‫وفي الحديث الذي رواه ابن إسحاق في السيرة عن رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنه قال‬ ‫في دعائه‪ " :‬أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات‪ ،‬وصلح عليه أمر الدنيا والخرة "(‪.)437‬‬ ‫وقال ابن مسعود‪ ":‬إن ربكم ليس عنده ليل ول نهار‪ ،‬نور العرش من نور وجهه"(‪.)438‬‬ ‫وفي حديث أبي ذر في "صحيح مسلم" قال‪ :‬سألت رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ :-‬هل رأيت‬ ‫ربك؟ قال‪ :‬نور أنّى أراه" وفي رواية "رأيت نورا"(‪.)439‬‬ ‫وفي حديث أبي موسى في "صحيح مسلم" قال‪ :‬قام فينا رسول ال بخمس كلمات‪ ،‬فقال‪" :‬إن ال‬ ‫ل ينام‪ ،‬ول ينب غي له أن ينام‪ ،‬يخ فض الق سط ويرف عه‪ ،‬ير فع إل يه ع مل الل يل ق بل النهار‪ ،‬وع مل النهار‬ ‫قبل الليل‪ ،‬حجابه النور‪ ،‬لو كشفه لحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"(‪.)440‬‬ ‫السبحات هي‪ :‬نوره وبهاؤه وجلله‪.‬‬ ‫ص ‪150‬‬ ‫فأ خبر – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬أ نه ‪-‬تعالى‪ -‬احت جب عن المخلوقات بحجا به النور‪ ،‬وأ نه لو‬ ‫ك شف ذلك الحجاب لحر قت سبحات وج هه ما أدر كه ب صره من خل قه‪ ،‬ومعلوم أن ب صره ل يفو ته‬ ‫شيء‪ ،‬ول يستره ساتر‪ ،‬ول يحول دونه حائل‪.‬‬ ‫وفي الترمذي عن عبد ال بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ " -‬إن ال خلق‬ ‫خلقه في ظلمة‪ ،‬وألقى عليهم من نوره‪ ،‬فمن أصابه من ذلك النور اهتدى‪ ،‬ومن أخطأه ضل"(‪.)441‬‬ ‫فقهد جاءت النصهوص "بتسهمية الرب نورا‪ ،‬وبأن له نورا مضافا إليهه‪ ،‬وبأنهه نور السهماوات‬ ‫والرض‪ ،‬وبأن حجابه النور‪ ،‬فهذه أربعة أنواع‪:‬‬ ‫فالول‪ :‬يطلق عليه ‪-‬تعالى‪ -‬اسما له‪ ،‬فإنه النور الهادي‪.‬‬

‫‪ )(435‬الية ‪ 35‬من سورة النور ‪.‬‬ ‫‪ )(436‬الية ‪ 69‬من سورة الزمر ‪.‬‬ ‫‪ )(437‬انظر ‪" :‬مختصر السيرة" لبن هشام (‪ ، )1/420‬وقال شيخ السلم ‪ :‬رواه الطبراني وغيره ‪،‬‬ ‫انظر‪" :‬مجموع الفتاوى" (‪.)6/387‬‬ ‫‪ )(438‬رواه الدارمي في "الرد على بشر" (ص ‪ ، )449‬وابن منده في "الرد على الجهمية" (ص ‪ ،)99‬قال‬ ‫ابن القيم ‪:‬رواه الطبراني في "المعجم" وفي "السنة" ‪ .‬انظر ‪" :‬اجتماع الجيوش" (ص ‪.)6‬‬ ‫‪ )(439‬انظر ‪" :‬مسلم" (‪.)1/161‬‬ ‫‪" )(440‬مسلم" (‪.)1/162‬‬ ‫‪ )(441‬انظر ‪ " :‬تحفة الحوذي‪ )7/401( :‬وقال ‪ :‬حسن ‪ ،‬ورواه أحمد بسند صحيح ‪ ،‬انظر‪" :‬المسند" (‬ ‫‪ ، )2/176‬وانظر ‪ :‬تحقيق أحمد شاكر (‪ ، )10/127‬وأخرجه الحاكم وصححه الذهبي‪ .‬انظر ‪:‬‬ ‫"المستدرك" (‪ ، )1/10‬وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (‪. )1/107‬‬ ‫‪114‬‬

‫والثا ني‪ :‬يضاف إل يه ك ما تضاف إل يه حيا ته‪ ،‬و سمعه وب صره‪ ،‬وعز ته وقدر ته وعل مه‪ ،‬ومرة‬ ‫يضاف إل يه وج هه الكر يم‪ ،‬وأخرى يضاف إلى ذا ته المقد سة‪ :‬فإضاف ته إلى وج هه ‪-‬تعالى‪ -‬كقوله –‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ":-‬أعوذ بنور وجهك " وقوله‪" :‬نور السماوات والرض من نور وجهه"‪.‬‬ ‫ض ِبنُورِ َر ّبهَا} (‪.)442‬‬ ‫لرْ ُ‬ ‫شرَقَتِ ا َ‬ ‫وإضافته إلى ذاته المقدسة كقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وََأ ْ‬ ‫وكمها فهي حديهث عبهد ال بهن عمرو‪ ":‬أن ال خلق خلقهه فهي ظلمهة ثهم ألقهى عليههم مهن نوره"‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫لرْضِ} (‪.)443‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫ويضاف نوره ‪-‬تعالى‪ -‬إلى السماوات والرض‪ ،‬كقوله‪{ :‬اللّ ُه نُورُ ال ّ‬ ‫وقوله فهي هذا الحديهث‪ " :‬أنهت نور السهماوات والرض "‪ .‬وكذا حجابهه النور كقوله‪ " :‬حجابهه‬ ‫النور – أو النار‪ "-‬كما في حديث أبي موسى" اهه‪.‬‬

‫(‪)444‬‬

‫ص ‪151‬‬ ‫هبَاحٌ}‬ ‫شكَا ٍة فِيهَها مِص ْ‬ ‫ه َك ِم ْ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬مثَلُ نُورِه ِ‬

‫(‪)445‬‬

‫على القول بأن الضميهر يعود إلى ال‬

‫تعالى‪.-‬‬‫قال ابن القيم‪ " :‬إضافة النور إلى ال ‪-‬تعالى‪ -‬على أحد وجهين‪:‬‬ ‫إضافة صفة إلى موصوفها‪ ،‬وإضافة مفعول إلى فاعله‪.‬‬ ‫لرْ ضُ ِبنُورِ َر ّبهَا} (‪)446‬فهذا يكون يوم القيا مة‪ ،‬تشرق‬ ‫ش َرقَ تِ ا َ‬ ‫فالول‪ :‬كقوله – عز و جل ‪{ :-‬وََأ ْ‬ ‫بنوره ‪-‬تعالى‪ -‬إذا جاء لفصل القضاء بين عباده‪.‬‬ ‫ومنه قوله في الدعاء المشهور‪ " :‬أعوذ بنور وجهك الكريم أن تضلني‪ ،‬ل إله إل أنت"(‪.)447‬‬ ‫وفي الثر الخر‪ " :‬أعوذ بنور وجهك‪ ،‬الذي أشرقت له الظلمات "(‪.)448‬‬ ‫فأخهبر –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬أن الظلمات أشرقهت لنور وجههه‪ ،‬كمها أخهبر ال ‪-‬تعالى‪ -‬أن‬ ‫الرض تشرق يوم القيامة بنوره‪.‬‬ ‫صبَاحٌ} (‪ ،)449‬وقد اختلف على‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬ما ذكر في قوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬مثَلُ نُورِ ِه َك ِمشْكَا ٍة فِيهَا مِ ْ‬ ‫من يعود الضمير في {نوره}‪ ،‬فقيل‪ :‬على محمد –صلى ال عليه وسلم‪ -‬وقيل‪ :‬على المؤمن‪ ،‬والصحيح‬ ‫عوده على ال ‪-‬تعالى‪.-‬‬

‫‪ )(442‬الية ‪ 69‬من سورة الزمر ‪.‬‬ ‫‪ )(443‬الية ‪ 35‬من سورة النور ‪.‬‬ ‫‪ )(444‬من "الصواعق" ملخصاً (‪.)359‬‬ ‫‪ )(445‬الية ‪ 35‬من سورة النور ‪.‬‬ ‫‪ )(446‬الية ‪ 69‬من سورة الزمر ‪.‬‬ ‫‪ )(447‬هو الحديث المتقدم ذكره ‪ ،‬قال في " الفتح الكبير" ‪ :‬خرجه الطبراني ‪ .‬انظر لفظه فيه (‪.)1/235‬‬ ‫‪ )(448‬تقدم تخريجه قبل قليل ‪.‬‬ ‫‪ )(449‬الية ‪ 35‬من سورة النور ‪.‬‬ ‫‪115‬‬

‫والمعنى‪ :‬مثل نور ال في قلب عبده المؤمن‪ ،‬وأعظم عباده نصيبا من هذا النور رسوله –صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫فهذا النور يضاف إلى ال ‪-‬تعالى‪ -‬على أن معط يه لعبده‪ ،‬وواه به‪ ،‬ك ما يضاف إلى الع بد؛ ل نه‬ ‫محله وقابله" اهه(‪.)450‬‬ ‫ص ‪152‬‬ ‫فال ‪-‬تعالى‪ -‬سمى نف سه نورا‪ ،‬وج عل كتا به نورا‪ ،‬ور سوله نورا‪ ،‬ودي نه نورا‪ ،‬واحت جب عن‬ ‫لرْ ضِ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫خل قه بالنور‪ ،‬وج عل دار أوليائه في الخرة نورا يتلل‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪{ :-‬اللّ ُه نُو ُر ال ّ‬ ‫جرَةٍ‬ ‫شَ‬ ‫َبه ُدرّيّ يُو َقدُ مِن َ‬ ‫ِصهبَاحُ فِي ُزجَاجَ ٍة ال ّزجَاجَ ُة َكَأنّهَا كَ ْوك ٌ‬ ‫ِصهبَاحٌ ا ْلم ْ‬ ‫شكَا ٍة فِيهَا م ْ‬ ‫ِهه َكمِ ْ‬ ‫َمثَلُ نُور ِ‬ ‫ّهه‬ ‫ْسهسْهُ نَارٌ نّورٌ عَلَى نُورٍ َي ْهدِي الل ُ‬ ‫َمه َتم َ‬ ‫غ ْر ِبيّةٍ َيكَادُ َز ْيتُه َا ُيضِيءُ وَلَ ْو ل ْ‬ ‫شرْ ِقيّةٍ وَل َ‬ ‫ل َ‬ ‫ّمبَا َركَ ٍة َزيْتُو ِنةٍ ّ‬ ‫شيْءٍ عَلِي مٌ} (‪ ،)451‬قال أ بي بن ك عب‪ " :‬بدأ ال‬ ‫ل ْمثَالَ لِلنّا سِ وَاللّ ُه ِبكُلّ َ‬ ‫ضرِ بُ اللّ ُه ا َ‬ ‫ِلنُورِ ِه مَن َيشَاء َو َي ْ‬ ‫بنور نفسه‪ ،‬ثم ذكر نور المؤمن"(‪.)452‬‬ ‫وفسر بكونه منور السماوات والرض‪ ،‬وبأنه هادي أهل السماوات والرض‪ ،‬وهذا ل يمنع أنه‬ ‫تعالى‪ -‬في نف سه نور‪ ،‬فإن من عادة ال سلف في تف سيرهم أن يذكروا ب عض صفات المف سر – بف تح‬‫السين – من السماء‪ ،‬أو بعض أنواع ذلك المفسر‪ ،‬ول ينافي ذلك ثبوت بقية الصفات له‪.‬‬ ‫فبنوره اهتدى أهل السماوات والرض‪ ،‬وهذا إنما هو فعله‪ ،‬وأما النور الذي هو وصفه فهو قائم‬ ‫به‪ ،‬ومنه اشتق له اسم النور‪ ،‬الذي هو أحد السماء الحسنى‪ ،‬كما دلت على ذلك النصوص‪ ،‬فل يجوز‬ ‫تحريف ذلك بالتأويلت الباطلة‪.‬‬ ‫و أ ما النوار القائ مة بأعيان مشاهدة قائ مة بأنف سها‪ ،‬فلم تأت إضافت ها إلى ال ‪-‬تعالى‪ -‬أبدا‪ ،‬فل‬ ‫يقال لنوار المصابيح‪ ،‬أو نور الشمس أو القمر أو الكواكب‪ ،‬إنها نور ال‪.‬‬ ‫والحديث تضمن ثلثة أمور شاملة عامة للسماوات والرض‪:‬‬ ‫وهي‪ :‬ربوبيتهما‪ ،‬وقيوميتهما‪ ،‬ونورهما‪.‬‬ ‫فكونه – سبحانه – ربا لهما‪ ،‬وقيوما لهما‪ ،‬ونورا لهما‪ ،‬أوصاف له ‪-‬تعالى‪ ،-‬وآثار هذه المور‬ ‫الثلثة قائمة بهما‪.‬‬ ‫ص ‪153‬‬ ‫فأثهر الربوبيهة‪ :‬الخلق واليجاد‪ ،‬وأثهر القيوميهة‪ :‬صهلحهما‪ ،‬وانتظامهمها‪ ،‬وأثهر نوره ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫استنارة السماوات‪ ،‬وإشراق الرض بنوره يوم القيامة‪.‬‬

‫‪" )(450‬اجتماع الجيوش" بتلخيص وتصرف (ص ‪.)6‬‬ ‫‪ )(451‬الية ‪ 35‬من سورة النور ‪.‬‬ ‫‪ )(452‬رواه ابن جرير في "تفسيره" (‪.)18/135‬‬ ‫‪116‬‬

‫و أما صفة الربوبية والقيومية‪ ،‬والنور‪ ،‬فهي قائمة به – تعالى – كما أن صفة الرحمة‪ ،‬والقدرة‪،‬‬ ‫والرادة‪ ،‬والر ضا‪ ،‬والغ ضب‪ ،‬قائ مة به ‪-‬تعالى‪ -‬والرح مة الموجودة في العالم‪ ،‬والح سان‪ ،‬والخ ير‪،‬‬ ‫والنعمة‪ ،‬والعقوبة‪ ،‬آثار تلك الصفات‪.‬‬ ‫وهكذا عل مه ‪-‬تعالى‪ -‬القائم به هو صفته‪ ،‬وأ ما علوم عباده ف من آثار عل مه‪ ،‬وقدرت هم من آثار‬ ‫قدرته‪.‬‬ ‫وبذلك يعلم أن قول المعطلة‪ " :‬كل عا قل يعلم بالبدي هة أ نه ال – سبحانه – ل يس هو هذا النور‬ ‫الفائض من جرم الش مس والق مر والم صابيح‪ ،‬فل بد من ح مل قوله‪ " :‬أ نت نور ال سماوات والرض"‬ ‫على معنى أنه منور السماوات والرض‪ ،‬أو هادي أهل السماوات والرض " يعلم أنه باطل من جنس‬ ‫تحريفاتهم لسائر صفات ال‪ ،‬كما هو نهجهم‪.‬‬ ‫ونحن نقول لهم أيضا‪ :‬أسأتم الظن بكلم ال‪ ،‬وكلم رسوله –صلى ال عليه وسلم‪ -‬حيث فهمتم‬ ‫أن حقيقته ومدلوله أنه سبحانه هو هذا النور الواقع على الحيطان‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وهذا الفهم الفاسد هو الذي‬ ‫أوجب لكم إنكار حقيقة نوره – تعالى – وجحده‪.‬‬ ‫فجمعتم بين الفهم الفاسد‪ ،‬وإنكار المعنى الحق‪.‬‬ ‫وليس ما ذكرتم هو نور الرب ‪-‬تعالى‪ -‬القائم به‪ ،‬الذي هو صفته‪ ،‬وإنما هو مخلوق له منفصل‬ ‫ع نه‪ ،‬فإن هذه النوار المخلو قة‪ ،‬تكون في م حل دون م حل‪ ،‬فنور الش مس والق مر ينور ب عض الرض‬ ‫ل جملتها‪ ،‬ول ينور السماوات‪.‬‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫ف من اد عى أن نور الش مس والق مر ونحوه ما‪ ،‬هو المراد بقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬اللّ ُه نُورُ ال ّ‬ ‫لرْ ضِ} (‪)453‬وقول الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬أنت نور السماوات والرض " فقد كذب على‬ ‫وَا َ‬ ‫ال ورسوله(‪.)454‬‬ ‫ص ‪154‬‬ ‫قوله‪ " :‬وقولك الحق " أي أنت قلته حقا‪ ،‬فهو صفتك‪ .‬وما قاله ال ‪-‬تعالى‪ -‬فهو صدق وحق‪ ،‬ل‬ ‫يأتيه الباطل من بين يديه‪ ،‬ول من خلفه‪ ،‬ل في خبره‪ ،‬ول في حكمه وتشريعه‪ ،‬ول في وعده ووعيده‪.‬‬ ‫وهذه الجملة هي محل الشاهد من الحديث‪ ،‬حيث وصف قوله ‪-‬تعالى‪ -‬بأنه الحق‪ ،‬فل يجوز أن‬ ‫يكون مخلوقا‪ ،‬كما تزعم الفرق الضالة من المعتزلة وغيرهم‪.‬‬ ‫قال سفيان في "تفسيره"‪ " :‬إن كل شيء مخلوق‪ ،‬والقرآن ليس بمخلوق‪ ،‬وكلمه أعظم من خلقه؛‬ ‫لنه يقول للشيء‪ :‬كن فيكون‪ ،‬فل يكون شيء أعظم مما يكون به الخلق‪ ،‬والقرآن كلم ال"(‪.)455‬‬

‫‪ )(453‬الية ‪ 35‬من سورة النور ‪.‬‬ ‫‪ )(454‬هذا مقتبس من كلم شيخ السلم ‪ .‬انظر ‪ ":‬مجموع الفتاوى" (‪.)6/374‬‬ ‫‪" )(455‬خلق أفعال العباد " للبخاري (ص ‪" ، )124‬مجموع عقائد السلف" ‪.‬‬ ‫‪117‬‬

‫وقال أ بو ذر – ر ضي ال ع نه ‪ :-‬قال ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬قال ال ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫عطائي كلم‪ ،‬وعذابي كلم‪ ،‬وإذا أردت شيئا فإنما أقوله له‪ :‬كن‪ ،‬فيكون"(‪.)456‬‬ ‫والذيهن أراد البخاري – رحمهه ال – الرد عليههم مهن الجهميهة والمعتزلة ونحوههم‪ ،‬ينكرون أن‬ ‫يكون ل ‪-‬تعالى‪ -‬كلم تكلم به يكون صفة له؛ لن هذا – بزعم هم – يقت ضي أن يكون ج سما حادثا؛‬ ‫لن الكلم – زعموا – مهن الصهفات الدالة على حدوث مهن قام بهه؛ لمها فيهه مهن الترتيهب‪ ،‬والتقديهم‬ ‫والتأخيهر‪ ،‬والتعاقهب‪ .‬ولمها رأوا اتفاق الرسهل على إثبات الكلم ل –تعالى‪ -‬وأن القرآن مملوء بذلك‪،‬‬ ‫قالوا‪ :‬إن ال متكلم‪ ،‬بمعنى أنه خالق الكلم‪.‬‬ ‫ثهم جاءت الشعريهة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن كلم ال ههو المعنهى القائم بنفسهه‪ ،‬وليهس ل كلم منطوق بهه‪،‬‬ ‫مسموع منه‪ ،‬كما سيأتي – إن شاء ال – تفصيل ذلك في أبواب الكلم‪.‬‬ ‫وهم بذلك يتفقون مع المعتزلة على إنكار ثبوت الكلم ل حقيقة‪ ،‬كما أنهم يوافقونهم في المعنى‬ ‫على أنه مخلوق‪ ،‬وعلى هؤلء جميعا اتجه الرد فيما قصده البخاري وغيره من أهل السنة‪.‬‬ ‫ص ‪155‬‬ ‫ومعلوم "أن‪ :‬اليمان الذي جاءت به الر سل عن ال ‪-‬تعالى‪ -‬وجاء به خاتم هم م صدقا ل ما ب ين‬ ‫يديه من الكتاب‪ ،‬هو أن كلم ال صفة له غير مخلوق‪ ،‬وأن القرآن‪ ،‬والتوارة‪ ،‬والنجيل‪ ،‬وغيرها من‬ ‫كتب ال‪ ،‬هي كلمه‪.‬‬ ‫وكلم ال ل يكون مخلوقا منف صلً ع نه‪ ،‬ك ما ل يكون كلم المتكلم منف صلً ع نه‪ ،‬فإن من أن كر‬ ‫ذلك فقد جحد كلم ال الذي هو رسالته‪ ،‬وأنكر حقيقة ما أخبرت به الرسل‪ ،‬وعلمته أممها‪ ،‬وألحد في‬ ‫أ سماء ال وآيا ته‪ ،‬ومثله بالمعدوم‪ ،‬والم يت‪ ،‬فإن الحياة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والكلم‪ ،‬ون حو ذلك‪ ،‬صفات‬ ‫كمال‪ ،‬وال ‪-‬تعالى‪ -‬أ حق ب كل كمال‪ ،‬فيمت نع أن يث بت للمخلوق كمال إل والخالق أ حق به‪ ،‬ك ما يمت نع‬ ‫أن يتنزه المخلوق عن نقص إل والخالق أحق بتنزهه منه؛ لنه هو الذي أعطى الكمال للكاملين‪.‬‬ ‫و من لم يت صف ب صفات الكمال‪ ،‬من الحياة‪ ،‬والعلم‪ ،‬وال سمع‪ ،‬والب صر‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والكلم‪ ،‬وغ ير‬ ‫ذلك‪:‬‬ ‫فإما أن يكون قابلً للتصاف بذلك ولم يتصف به‪.‬‬ ‫أو غير قابل للتصاف به‪.‬‬ ‫فإن قبله ولم يت صف به‪ ،‬كان مو صوفا ب صفات الن قص‪ ،‬كالموت‪ ،‬والج هل‪ ،‬والع مى‪ ،‬وال صمم‪،‬‬ ‫والعجز‪ ،‬والبكم‪.‬‬ ‫فإن لم يقبل التصاف بهذه الصفات‪ ،‬كان أنقص من القابل الذي لم يتصف بها‪.‬‬

‫‪ )(456‬نفس المصدر (ص ‪.)131‬‬ ‫‪118‬‬

‫فالحيوان الذي يكون تارة سميعا‪ ،‬وتارة أ صم‪ ،‬وتارة ب صيرا‪ ،‬وتارة أع مى‪ ،‬وتارة متكلما‪ ،‬وتارة‬ ‫أخرس‪ ،‬أك مل من الجماد الذي ل يق بل ل هذا‪ ،‬ول هذا‪ ،‬ف من لم ي صف ال ‪-‬تعالى‪ -‬ب صفات الكمال‪،‬‬ ‫لزمه إما أن يصفه بهذه النقائص‪ ،‬أو يكون أنقص ممن وصف بهذه النقائص (‪.)457‬‬ ‫قوله‪" :‬ووعدك الحق" أي‪ :‬ل بد من وقوعه‪ ،‬على ما وعدت‪ ،‬فل خلف فيه ول تبديل‪.‬‬ ‫ص ‪156‬‬ ‫"ولقاؤك حق" أي‪ :‬ل بد للميعاد من ملقا تك‪ ،‬فتجازي هم على أعمال هم‪ ،‬واللقاء يتض من الرؤ ية‪،‬‬ ‫والمعاينة‪ ،‬كما سيأتي – إن شاء ال تعالى ‪.-‬‬ ‫"والجنة حق‪ ،‬والنار حق" أي‪ :‬ثابتتان‪ ،‬موجودتان‪ ،‬كما أخبرت بذلك أنهما معدتان لهلهما‪ ،‬فهما‬ ‫دار البقاء‪ ،‬وإليهما مصير العباد‪.‬‬ ‫"والساعة حق" أي مجيء يوم القيامة حق ل مرية فيه‪ ،‬فهو ثابت ل بد منه‪ ،‬وهي نهاية الدنيا‪،‬‬ ‫ومبدأ الخرة‪ ،‬وفي ضمن هذه الخبار‪ :‬الخبار عن إيمانه بما ذكر‪ ،‬إيمانا ل يتزعزع‪ ،‬والساعة يعبر‬ ‫بها عن البعث‪ ،‬أي الساعة التي يبعث ال فيها الموتى من قبورهم أحياء‪ ،‬فيجمعهم بعد تفرق أجزائهم‬ ‫وتشتتها‪ ،‬بل واستحالتها ترابا‪ ،‬وهباء‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫فيجمعهم‪ ،‬ويحييهم‪ ،‬كما كانوا في الدنيا‪ ،‬ويجازيهم بعد حسابهم‪ ،‬وحشرهم‪ .‬وأدخلت اللف واللم‬ ‫في الساعة؛ لنها معروفة المعنى عند المخاطبين بها‪ ،‬وأنها مقصود بها قصد الساعة التي وصفت‪،‬‬ ‫قاله الطبري(‪.)458‬‬ ‫"اللهم لك أسلمت" أي‪ :‬أذعنت لمرك‪ ،‬وانقدت له‪ ،‬وخضعت لحكمك‪.‬‬ ‫" وبك آمنت" أي‪ :‬صدقت‪ ،‬وعملت بمقتضى ذلك‪ ،‬بعد تحققي باليمان بك‪.‬‬ ‫"وعليك توكلت" أي‪ :‬اعتمدت عليك‪ ،‬ووكلت أموري إليك‪ ،‬راضيا بما قضيته لي‪ ،‬بعد أن فعلت‬ ‫السباب التي جعلتها إليّ‪ ،‬دينية كانت‪ ،‬أو دنيوية‪.‬‬ ‫فالتو كل‪ :‬هو العتماد على ال ‪-‬تعالى‪ -‬والث قة به‪ ،‬وف عل ال سباب ال تي رت بت علي ها الشياء‪،‬‬ ‫والتي يستطيع العبد فعلها‪ ،‬وهو من أفضل العبادة‪ ،‬بل جاء ما يدل على أنه شرط في حصول اليمان‪،‬‬ ‫كما في قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَعَلَى اللّهِ َفتَ َوكّلُو ْا إِن كُنتُم مّ ْؤ ِمنِينَ} (‪".)459‬و إليك أنبت" أي‪ :‬رجعت إليك طائعا‬ ‫منقادا‪ ،‬مذعنا‪ ،‬خاضعا لك في جميع أموري‪.‬‬ ‫ص ‪157‬‬

‫‪" )(457‬مجموع الفتاوى" (‪.)12/355‬‬ ‫‪ )(458‬انظر ‪" :‬تفسيره" (‪ ، )11/324‬ولكثرة ما أخبروا بها ووصفت لها ‪ ،‬وخوفوا بقربها صارت معلومة‬ ‫لهم‪ ،‬فأدخلت عليها اللف واللم لذلك ‪.‬‬ ‫‪ )(459‬الية ‪ 23‬من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪119‬‬

‫"و إليك حاكمت" أي‪ :‬كل من أبى قبول الحق‪ ،‬أو جحده‪ ،‬حاكمته إليك وجعلتك الحكم بيني وبينه‬ ‫مجانبا بذلك ح كم كل طاغوت‪ ،‬من قانون وض عي‪ ،‬أو كا هن أو غيره‪ ،‬م ما يتحا كم إل يه الب شر‪ ،‬من‬ ‫الوضاع الباطلة شرعا‪.‬‬ ‫وقدم صلت هذه الفعال كلها لرادة التخصيص والحصر‪ ،‬أي‪ :‬أخصك – يا رب‪ -‬وحدك فيما‬ ‫ذكر‪ ،‬ول أعدو ذلك بحال من الحوال‪.‬‬ ‫في هذا الحديث قدم الثناء على ال ‪-‬تعالى‪ -‬بأن له الحمد‪ ،‬وبما ذكر من صفاته‪ ،‬ثم توس إليه‪،‬‬ ‫تعالى‪ -‬بإيمانه بأن قوله حق‪ ،‬ووعده حق‪ ،‬إلى آخر ما ذكر‪ ،‬وأنه مذعن لمره‪ ،‬منقاد لطاعته‪ ،‬وأنه‬‫معتمد عليه‪ ،‬وبه يخاصم وإليه يحاكم‪ ،‬ثم بعد ذلك سأل حاجته‪ ،‬وهي أن يغفر له ما قدم من خطأ‪ ،‬أو‬ ‫تقصير‪ ،‬وما أخر‪ ،‬وما أسر‪ ،‬وما أعلن‪.‬‬ ‫ثهم ختهم ذلك بأنهه ل مفزع‪ ،‬ول ملجهأ له‪ ،‬غيهر ربهه ‪-‬تعالى‪ -‬فههو إلههه الذي يعبده بمها ذكهر‪،‬‬ ‫ويخاف عقابه – ويؤمل فضله ونواله‪ ،‬فقال‪ " :‬أنت إلهي ل إله لي غيرك" فل أتوجه إلى سواك‪ ،‬إذ كل‬ ‫مألوه غيرك باطهل ودعوتهه ضلل ووبال‪ ،‬وهذا ههو التوحيهد الذي جاءت بهه رسهل ال‪ ،‬وفرضهه‬ ‫تعالى‪ -‬على عباده‪.‬‬‫قوله‪ " :‬فاغفر لي ما قدمت‪ ،‬وما أخرت‪ ،‬وأسررت‪ ،‬وأعلنت"‪.‬‬ ‫أصل الغفر‪ :‬الستر مع الوقاية‪ ،‬ومنه المغفر؛ لنه يستر الرأس ويقيه من السلح‪.‬‬ ‫"ما قدمت" أي‪ :‬قبل وقتي هذا‪.‬‬ ‫"وما أخرت" أي‪ :‬بعد وقتي هذا‪.‬‬ ‫أي‪ :‬اغ فر لي ما عملت من الذنوب‪ ،‬و ما سأعمله‪ ،‬و ما ظ هر من ها ل حد من خل قك‪ ،‬و ما خ في‬ ‫عنهم‪ ،‬ولم يعلمه غيرك‪.‬‬ ‫وقوله في الرواية الخرى‪ " :‬أنت الحق‪ ،‬وقولك الحق‪ " ،‬فيها البيان بأن اسم الحق يقع على ذات‬ ‫ال ‪-‬تعالى‪ -‬اسما‪ ،‬كما سبق بيانه‪ ،‬ويقع على صفاته‪ ،‬كما في قوله‪ " :‬وقولك الحق"‪.‬‬ ‫وفي هذا الحديث وأمثاله دليل على وقوع الذنوب من النبياء‪ ،‬إذ لو لم يكن له ذنب كيف يسأل‬ ‫المغفرة؟ وقد قص ال –تعالى‪ -‬ما وقع لبعض الرسل من‬ ‫ص ‪158‬‬ ‫المخالفات‪ ،‬وهذه مسألة مشهورة عند العلماء‪ ،‬وقد ألف فيها مؤلفات خاصة‪ ،‬وقد اتفق أهل السنة‬ ‫على أن ما يبلغونه من أمر ال وشرعه أنهم معصومون فيه من الخطأ‪ ،‬وأما وقوع الذنوب منهم ففيه‬ ‫الخلف‪ ،‬وقد بالغ بعض الناس‪ ،‬وكفر من قال بوقوع الذنب منهم‪ ،‬وهذا جهل من قائله‪.‬‬ ‫قال ش يخ ال سلم‪ ":‬ات فق الم سلمون على أن هم مع صومون في ما يبلغون عن ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬وبهذا‬ ‫يحصل المقصود من البعثة‪ ،‬ولو لم تقع منهم الذنوب لفاتهم ما في التوبة من محبة ال وفرحه‪ ،‬ورفع‬ ‫درجة التائب‪ ،‬وكون التائب بعد التوبة أفضل منه قبلها‪ ،‬مع ما في القول بأن الذنوب ل تقع منهم من‬ ‫‪120‬‬

‫تكذيب لكتاب ال‪ ،‬وأخبار رسوله‪ ،‬أو تحريف لها‪ ،‬ومن اعتقد أن كل من لم يكفر‪ ،‬ولم يذنب‪ ،‬أفضل‬ ‫من كل من آمن بعد كفره‪ ،‬أو تاب بعد الذنب‪ ،‬فهو مخالف لما علم بالضطرار من دين السلم‪ ،‬فإن‬ ‫من المعلوم أن الصحابة أفضل من أبنائهم الذين ولدوا في السلم‪.‬‬ ‫ك اللّ هُ مَا تَ َقدّ مَ مِن ذَنبِ كَ َومَا َتَأخّرَ} لما نزلت قال‬ ‫وقد قال ‪-‬تعالى‪ -‬في أفضل الرسل‪ِ{ :‬ل َيغْ ِفرَ لَ َ‬ ‫سكِينَ َة فِي قُلُو بِ‬ ‫ال صحابة‪ :‬يا ر سول ال‪ ،‬هذا لك‪ ،‬ف ما ل نا؟ فأنزل – عز و جل ‪{ :-‬هُ َو اّلذِي أَنزَلَ ال ّ‬ ‫ن ِليَ ْزدَادُوا إِيمَانًا مّ َع إِيمَانِ ِهمْ}‪.‬‬ ‫ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬ ‫وتوبة النبياء واستغفارهم أدلته كثيرة‪ ،‬فكيف يقال‪ :‬إنه لم يكن لهم ما يوجب التوبة والستغفار‪،‬‬ ‫ول تف ضل ال علي هم بمحب ته‪ ،‬وفر حه بتوبت هم‪ ،‬ومغفر ته ل هم ورحم ته‪ ،‬واعتراف جل يل القدر ب ما هو‬ ‫عل يه من الحا جة إلى التو بة وال ستغفار دل يل على صدقه‪ ،‬ورفع ته‪ ،‬وتواض عه‪ ،‬وعبودي ته ل تعالى –‬ ‫والغ نى عن الحا جة من خ صائص الربوب ية و قد قال – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬الل هم اغ فر خطئي‬ ‫وجهلي‪ ،‬وإ سرافي في أمري‪ ،‬و ما أ نت أعلم به م ني‪ ،‬الل هم اغ فر لي هزلي وجدي‪ ،‬وخطئي وعمدي‪،‬‬ ‫وكل ذلك عندي"(‪.)460‬‬

‫‪ )(460‬انظر ‪ " :‬منهاج السنة" (‪ )228-1/227‬ملخصاً ‪.‬‬ ‫‪121‬‬

‫ص ‪159‬‬ ‫سمِيعًا َبصِيرًا}"‬ ‫ن اللّ ُه َ‬ ‫قال‪ " :‬باب‪َ { :‬وكَا َ‬

‫(‪)461‬‬

‫يريهد بهذه الترجمهة بيان أن هاتيهن الصهفتين – السهمع والبصهر‪ -‬ثابتتان ل بالكتاب والسهنة‪،‬‬ ‫وإجماع أتباع الرسهل‪ ،‬وبالعقهل‪ ،‬والفطرة‪ ،‬وبيان أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬لم يزل بصهفاته‪ ،‬وبيان أن المنكهر‬ ‫لهاتين الصفتين قد ضل عن كتاب ال‪ ،‬وسنة رسوله‪ ،‬واتبع غير سبيل المؤمنين أتباع الرسل‪.‬‬ ‫قال القسطلني‪ ":‬وقد علم بالضرورة من الدين‪ ،‬وثبت في الكتاب والسنة‪ ،‬بحيث ل يمكن إنكاره‬ ‫ول تأويله‪ ،‬أن الباري ‪-‬تعالى‪ -‬حهي سهميع بصهير‪ ،‬وانعقهد إجماع أههل الديان – بهل جميهع العقلء‪-‬‬ ‫على ذلك"(‪.)462‬‬ ‫"فالسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والحياة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والكلم‪ ،‬ونحوها‪ ،‬صفات كمال ل نقص فيها‪ ،‬فمن‬ ‫اتصهف بهها أكمهل ممهن ل يتصهف بهها‪ ،‬والنقهص فهي انتفائهها ل فهي ثبوتهها بإجماع العقلء‪ ،‬والقابهل‬ ‫للتصاف بها كالحيوان أكمل‪ ،‬ممن ل يقبل التصاف بها كالجماد"‬

‫(‪)463‬‬

‫قلت‪ :‬الحامل على إنكار ذلك هو الجهل بال ‪-‬تعالى‪ -‬والقياس الفاسد؛ حيث قاسوا ذلك على ما‬ ‫يعرفون من أنفسهم بأن السمع ينشأ عن وصول الهواء إلى عصب الصماخ‪ ،‬والبصر عبارة عن وقوع‬ ‫أشعة البصار على جسم مقابل‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬هذا ل يكون إل من جوارح وأجسام‪.‬‬ ‫فيقال لهم‪ :‬هذه صفة أسماعكم وأبصاركم‪ ،‬أما رب العالمين فصفاته تابعة لذاته‪ ،‬وذاته ليس لها‬ ‫نظير أو شبيه‪ ،‬فكذلك صفاته تعالى‪.‬‬ ‫وكيفية صفاته ‪-‬تعالى‪ -‬مجهولة للخلق‪ ،‬ويكفينا أن نعلم أنه ‪-‬تعالى‪ -‬متصف بما وصف به نفسه‬ ‫سمِيعُ‬ ‫شيْءٌ وَهُ َو ال ّ‬ ‫ووصفته به رسله حقيقة‪ ،‬وأنه في ذلك ليس له مثل‪ ،‬كما قال ‪-‬تعالى‪َ{ :-‬ليْسَ َك ِمثْلِهِ َ‬ ‫ال َبصِيرُ}‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ " :‬قال ابن بطال‪ :‬غرض البخاري في هذا الباب الرد على‬ ‫ص ‪160‬‬ ‫من قال‪ :‬إن معنى "سميع بصير" عليم‪ ،‬قال‪ :‬ويلزم من قال ذلك أن يسويه بالعمى الذي يعلم أن‬ ‫ال سماء خضراء‪ ،‬ول يرا ها‪ ،‬وال صم الذي يعلم أن في الناس أ صواتا‪ ،‬ول ي سمعها‪ ،‬ول شك أن من‬ ‫سمع وأبصر‪ ،‬أدخل في صفة الكمال‪ ،‬ممن انفرد بأحدهما دون الخر‪.‬‬ ‫فصح أن كونه سميعا بصيرا‪ ،‬يفيد قدرا زائدا على كونه عليما‪.‬‬

‫‪ )(461‬الية ‪ 134‬من سورة النساء ‪.‬‬ ‫‪" )(462‬إرشاد الساري" (‪.)10/370‬‬ ‫‪" )(463‬مجموع الفتاوى" (‪.)6/88‬‬ ‫‪122‬‬

‫وكونه سميعا بصيرا يتضمن أنه يسمع بسمع‪ ،‬ويبصر ببصر‪ ،‬كما تضمن كونه عليما أنه يعلم‬ ‫بعلم‪ ،‬ول فرق بيهن إثبات كونهه سهميعا بصهيرا‪ ،‬وبيهن كونهه ذا سهمع وبصهر‪ ،‬وهذا قول أههل السهنة‬ ‫قاطبة"‬

‫(‪)464‬‬

‫وقال البيهقهي‪ " :‬السهميع من له سهمع يدرك به الم سموعات‪ ،‬والب صير من له بصهر يدرك به‬ ‫المرئيات‪ ،‬وكل منهما في حق الباري صفة قائمة بذاته"(‪.)465‬‬ ‫وقد تكاثرت الدلة من كتاب ال ‪-‬تعالى‪ -‬ومن سنة رسوله –صلى ال عليه وسلم‪ -‬على إثبات‬ ‫السمع والبصر صفتين ل ‪-‬تعالى‪ -‬حقيقتين على ما يليق بعظمته ‪-‬تعالى‪ -‬قال ال ‪-‬تعالى‪ {:-‬إِنّ الّل هَ‬ ‫ج الّليْلَ فِي ال ّنهَارِ َويُوِل جُ‬ ‫سمِيعًا بَ صِيرًا} (‪ { ،)467‬ذَلِ كَ ِبأَنّ اللّ َه يُوِل ُ‬ ‫ن اللّ هُ َ‬ ‫سمِيعًا بَ صِيرًا } (‪َ { ،)466‬وكَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫كَا َ‬ ‫سمِيعٌ بَ صِيرٌ }‬ ‫سمِي ُع ا ْلبَ صِيرُ } (‪ِ { ،)469‬إنّ اللّ هَ َ‬ ‫سمِيعٌ بَ صِيرٌ } (‪ِ { ،)468‬إنّ ُه هُ َو ال ّ‬ ‫ال ّنهَارَ فِي الّليْلِ وََأنّ اللّ هَ َ‬ ‫سمِيعُ ا ْل َبصِيرُ } (‪َ{ ،)471‬ليْسَ َك ِمثْلِ ِه شَيْ ٌء‬ ‫ن اللّ َه هُ َو ال ّ‬ ‫(‪ { ،)470‬إِ ّ‬ ‫ص ‪161‬‬ ‫ل الّتِي‬ ‫سمِعَ اللّ ُه قَوْ َ‬ ‫سمِيعُ ا ْلبَ صِيرُ} (‪َ { ،)473‬قدْ َ‬ ‫سمِيعُ البَ صِيرُ} (‪{ ،)472‬فَا سْ َت ِعذْ بِاللّ هِ ِإنّ ُه هُ َو ال ّ‬ ‫وَهُ َو ال ّ‬ ‫سمِيعٌ َبصِيرٌ} (‪.)474‬‬ ‫ن اللّ َه َ‬ ‫سمَعُ َتحَا ُو َر ُكمَا إِ ّ‬ ‫شتَكِي إِلَى اللّهِ وَاللّهُ َي ْ‬ ‫جهَا َو َت ْ‬ ‫ُتجَادُِلكَ فِي زَ ْو ِ‬ ‫في آيات كثيرة قد ذ كر ال ‪-‬تعالى‪ -‬في القرآن السمع والبصر‪ ،‬واصفا بهما نفسه‪ ،‬فيما يقرب‬ ‫من مائة آية‪ ،‬مرة يجمع بين السمع والبصر‪ ،‬ومرة بين السمع والعلم‪ ،‬ومرة يذكر البصر وحده متعلقا‬ ‫ن بَصِيرٌ} (‪{ ،)475‬وَاللّ ُه بَصِيرٌ بِا ْل ِعبَادِ} (‪.476‬‬ ‫بعمل العباد‪ ،‬كقوله‪{ :‬وَاللّ ُه ِبمَا َت ْعمَلُو َ‬ ‫و قد تقرر في الف طر والعقول‪ ،‬أن عدم ال سمع والب صر‪ ،‬والر جل واليدي‪ ،‬ن قص وع يب يمت نع‬ ‫م عه دعوة الفا قد لذلك؛ لمتناع كو نه إلها‪ ،‬إذ الله ي جب أن يكون سميعا ب صيرا حيا قادرا‪ ،‬كاملً‪ ،‬ل‬ ‫س َتجِيبُواْ‬ ‫عبَادٌ َأ ْمثَالُكُ مْ فَادْعُوهُ مْ فَ ْليَ ْ‬ ‫ن مِن دُو نِ الّل هِ ِ‬ ‫ن َتدْعُو َ‬ ‫نقص فيه‪ ،‬ول عيب‪ ،‬قال –تعالى‪{ :-‬إِنّ اّلذِي َ‬

‫‪" )(464‬الفتح" (‪.)13/373‬‬ ‫‪" )(465‬العتقاد" (ص ‪.)58‬‬ ‫‪ )(466‬الية ‪ 58‬من سورة النساء ‪.‬‬ ‫‪ )(467‬الية ‪ 134‬من سورة النساء ‪.‬‬ ‫‪ )(468‬الية ‪ 61‬من سورة الحج ‪.‬‬ ‫‪ )(469‬الية ‪ 1‬من سورة السراء ‪.‬‬ ‫‪ )(470‬الية ‪ 75‬من سورة الحج ‪.‬‬ ‫‪ )(471‬الية ‪ 20‬من سورة غافر ‪.‬‬ ‫‪ )(472‬الية ‪ 11‬من سورة الشورى ‪.‬‬ ‫‪ )(473‬الية ‪ 56‬من سورة غافر ‪.‬‬ ‫‪ )(474‬الية ‪ 1‬من سورة المجادلة ‪.‬‬ ‫‪ )(475‬الية ‪ 265‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪ )(476‬الية ‪ 20‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪123‬‬

‫ن ُي ْبصِرُونَ ِبهَا َأمْ‬ ‫عيُ ٌ‬ ‫ن {‪ }194‬أََل ُهمْ َأ ْرجُلٌ َي ْمشُونَ ِبهَا َأ ْم َل ُهمْ َأ ْيدٍ َي ْبطِشُونَ ِبهَا َأ ْم َل ُهمْ أَ ْ‬ ‫َل ُكمْ إِن كُنتُ ْم صَا ِدقِي َ‬ ‫سمَعُونَ ِبهَا} (‪.)477‬‬ ‫ن َي ْ‬ ‫َل ُهمْ آذَا ٌ‬ ‫سمَعُ‬ ‫ت لِ مَ َت ْع ُبدُ مَا ل يَ ْ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪ -‬عن خليله إبراهيم في دعوته أبيه إلى ال ‪-‬تعالى‪{ -‬يَا َأبَ ِ‬ ‫ش ْيئًا} (‪.)478‬‬ ‫صرُ وَل ُي ْغنِي عَنكَ َ‬ ‫وَل ُيبْ ِ‬ ‫ص ‪162‬‬ ‫و أ ما سنة ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ف قد جاءت مواف قة ل ما في كتاب ال ومبي نة له‪،‬‬ ‫وهي كثيرة جدا‪ ،‬نكتفي بذكر يسير منها بالضافة إلى ما ذكره البخاري في الباب‪.‬‬ ‫ف من ذلك ما رواه أ بو داود ب سنده على شرط م سلم‪ ،‬عن أ بي هريرة أ نه قرأ قول ال ‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫سمِيعًا بَ صِيرًا}‬ ‫{ َوكَا نَ الّل ُه َ‬

‫(‪)479‬‬

‫فوضع إبهامه على أذنه‪ ،‬والتي تليها على عينه‪ ،‬وقال‪ ":‬رأيت رسول‬

‫ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يقرأ ويضع إصبعيه"(‪ .)480‬قال البيهقي عقب روايته لهذا الحديث‪ " :‬والمراد‬ ‫بالشارة في هذا ال خبر‪ :‬تحق يق الو صف ل – عز و جل – بال سمع والب صر‪ ،‬فأشار إلى م حل ال سمع‬ ‫والبصهر منها لثبات صهفة السهمع والبصهر ل ‪-‬تعالى‪ ،-‬وأفاد هذا الخهبر أ نه سهميع بصهير‪ ،‬له سهمع‬ ‫وبصر‪ ،‬ل على معنى أنه عليم‪ ،‬إذ لو كان بمعنى العلم لشار في تحقيقه إلى القلب؛ لنه محل العلوم‬ ‫منا"(‪.)481‬‬ ‫ثم ذكر البيهقي لحديث أبي هريرة هذا شاهدا‪ ،‬من حديث عقبة بن عامر‪ ،‬سمعت رسول ال –‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ -‬يقول على المنبر‪ ":‬إن ربنا سميع بصير‪ ،‬وأشار بيده إلى عينيه"‬

‫(‪)482‬‬

‫قال الحافظ‪:‬‬

‫ع ُي ِننَا} فأشار بيده إلى‬ ‫جرِي ِبأَ ْ‬ ‫سنده حسن(‪ ،)483‬وروى الللكائي عن ابن عباس أنه قرأ قوله –تعالى‪َ { :-‬ت ْ‬ ‫عينيه(‪.)484‬‬ ‫قال ابن خزيمة‪ " :‬نحن نقول‪ :‬لربنا عينان يبصر بهما ما تحت الثرى‪ ،‬وتحت الرض السابعة‬ ‫السفلى‪ ،‬وما في السماوات‪ ،‬وما بينهما من صغير وكبير‪ ،‬ل يخفى‬ ‫ص ‪163‬‬ ‫عل يه خاف ية‪ ،‬ف هو تعالى يرى ما في جوف البحار ولجج ها‪ ،‬ك ما يرى عر شه الذي هو م ستو‬ ‫عليه"(‪.)485‬‬ ‫‪ )(477‬اليتان ‪ 195 ،194‬من سورة العراف ‪.‬‬ ‫‪ )(478‬الية ‪ 42‬من سورة مريم ‪.‬‬ ‫‪ )(479‬الية ‪ 134‬من سورة النساء ‪.‬‬ ‫‪ )(480‬انظر ‪ " :‬سنن أبي داود" (‪.)5/97‬‬ ‫‪" )(481‬السماء والصفات" (ص ‪ )179‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪ )(482‬هذا الحديث لم أجده في "الصفات" المطبوع ‪ ،‬فيكون في النسخة التي نقل منها الحافظ‪.‬‬ ‫‪" )(483‬الفتح" (‪.)13/373‬‬ ‫‪" )(484‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (‪.)2/411‬‬ ‫‪ )(485‬كتاب "التوحيد" (ص ‪.)50‬‬ ‫‪124‬‬

‫فالسمع والبصر من الصفات الثابتة ل ‪-‬تعالى‪ -‬بقوله عن نفسه‪ ،‬ويقول رسوله –صلى ال عليه‬ ‫و سلم‪ ،-‬وبالع قل‪ ،‬والفطرة‪ ،‬وإجماع أ هل العلم واليمان‪ ،‬ولم ين كر ذلك إل شواذ الطوائف المار قة من‬ ‫الحق‪ ،‬كالجهمية‪ ،‬وإخوانهم من بعض المعتزلة‪ ،‬وليس معهم على ذلك إل التحذلق‪ ،‬والكلم الفارغ من‬ ‫ال حق والمع نى ال صحيح‪ ،‬أو التو هم بأن إثبات ال صفات يقت ضي الت شبيه‪ ،‬ح يث توهموا أن صفات ال‬ ‫كصفات خلقه‪ ،‬تعالى ال‪.‬‬ ‫سهمِيعًا بَصهِيرًا}‪" ،‬كان" هنها تدل على الدوام والسهتمرار الذي يعهم‬ ‫ّهه َ‬ ‫َانه الل ُ‬ ‫قوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬وك َ‬ ‫جميهع الوقات‪ ،‬كمها قال علماء النحهو‪ ":‬إن "كان" تسهتعمل بمعنهى‪ :‬بقهي على حاله‪ ،‬واسهتمر شأنهه‪،‬‬ ‫وسيستمر من غير انقطاع‪ ،‬ول تقيد بزمن‪ ،‬نحو‪ :‬كان ال غفورا رحيما"(‪.)486‬‬ ‫قال ابن جرير‪ ":‬إن ال لم يزل {سميعا} بما تقولون‪ ،‬وتنطقون‪ ،‬وهو سميع لذلك منك إذا حكمتم‬ ‫بين الناس‪ ،‬ولما تحاورونهم به‪.‬‬ ‫{ب صيرا} ب ما تفعلون في ما ائتمن تم عل يه من حقوق رعيت كم وأموال هم‪ ،‬و ما تقضون به بين هم من‬ ‫أحكامكم‪ ،‬بعدل تحكمون أو جور‪ ،‬ل يخفى عليه شيء من ذلك‪ ،‬حافظ ذلك كله‪ ،‬حتى يجازي محسنكم‬ ‫بإحسانه‪ ،‬ومسيئكم بإساءته‪ ،‬أو يعفو بفضله"‬

‫(‪)487‬‬

‫ص ‪164‬‬ ‫قوله‪ " :‬قال العمهش‪ ،‬عهن تميهم‪ ،‬عهن عروة‪ ،‬عهن عائشهة‪ ،‬قالت‪ :‬الحمهد ل الذي وسهع سهمعه‬ ‫سمِعَ اللّ ُه قَوْلَ اّلتِي ُتجَادِلُكَ فِي‬ ‫الصوات‪ ،‬فأنزل ال ‪-‬تعالى‪ -‬على النبي –صلى ال عليه وسلم‪{ :-‬قَدْ َ‬ ‫جهَا}"‪.‬‬ ‫زَ ْو ِ‬ ‫هذا الحد يث رواه أح مد في "الم سند" مو صولً(‪ ،)488‬وا بن ما جه في "ال سنن"(‪ ،)489‬والن سائي(‪،)490‬‬ ‫وكلهم بأتم مما ذكر البخاري‪.‬‬ ‫ولفظ هم‪ " :‬أن ها قالت‪ :‬الح مد ل الذي و سع سمعه ال صوات‪ ،‬ل قد جاءت المجادلة – وللن سائي‪-‬‬ ‫خولة – إلى ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬وأ نا في ناح ية الب يت‪ ،‬و ما أ سمع ما تقول‪ ،‬فأنزل ال‪َ { :‬قدْ‬ ‫جهَا} إلى آخر الية‪.‬‬ ‫ل اّلتِي ُتجَادُِلكَ فِي زَ ْو ِ‬ ‫سمِعَ اللّ ُه قَوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ورواه ابن ماجه في كتاب الظهار من "السنن" بأتم مما هنا(‪.)491‬‬ ‫قال ابن عبد البر‪ " :‬روينا من وجوه عن عمر بن الخطاب‪ ،‬أنه خرج ومعه الناس فمر بعجوز‪،‬‬ ‫فا ستوقفته‪ ،‬فج عل يحدث ها وتحد ثه‪ ،‬فقال له ر جل‪ :‬يا أم ير المؤمن ين‪ ،‬حب ست الناس على هذه العجوز‪،‬‬ ‫‪" )(486‬النحو الواضح" (‪ ، )1/549‬وانظر " " المقتضب للمبرد" (‪.)4/119‬‬ ‫‪" )(487‬تفسير الطبري" (‪ )8/494‬بتحقيق محمود شاكر ‪.‬‬ ‫‪ )(488‬انظر ‪ " :‬المسند" (‪ ، )6/46‬وانظر ‪ " :‬الفتح الرباني " (‪. )18/298‬‬ ‫‪ )(489‬انظر ‪ " :‬سنن ابن ماجه " (‪.)1/67‬‬ ‫‪" )(490‬المجتبى " (‪.)6/168‬‬ ‫‪ )(491‬انظر ‪ " :‬سنن ابن ماجه" (‪.)1/666‬‬ ‫‪125‬‬

‫فقال‪ :‬ويلك! أتدري من هذه؟ هذه امرأة سمع ال شكواها من فوق سبع سماوات‪ ،‬هذه خولة بنت ثعلبة‬ ‫ش َتكِي إِلَى اللّهِ} وال لو أنهها وقفهت‬ ‫جهَا َو َت ْ‬ ‫ل اّلتِي ُتجَادِلُكَ فِي زَ ْو ِ‬ ‫سمِعَ اللّ ُه قَوْ َ‬ ‫التي أنزل ال فيها‪َ { :‬قدْ َ‬ ‫إلى الليل ما فارقتها إل لصلة‪ ،‬ثم أرجع إليها "(‪.)492‬‬ ‫قال ابن كثير‪ :‬ورواه ابن أبي حاتم‪ ،‬وساقه بسنده(‪.)493‬‬ ‫قوله‪ " :‬و سع سمعه ال صوات" أي‪ :‬ا ستوعبها وأدرك ها فل يفو ته من ها ش يء وإن خ في‪ ،‬فحين ما‬ ‫ذكرت المرأة قصتها لرسول ال – صلى ال عليه وسلم‪ -‬وقال لها‪ ":‬قد حر مت عليه" جعلت تقول –‬ ‫بصوت منخفض يخفى على عائشة مع قربها منها‪ :-‬بعدما‬ ‫ص ‪165‬‬ ‫كبرت سني ظا هر م ني؟ إلى ال أش كو حال صبية إن ضممت هم إليّ جاعوا‪ ،‬وإن تركت هم عنده‬ ‫سمِعَ‬ ‫ضاعوا‪ .‬فهذه مجادلتها لرسول ال – صلى ال عليه وسلم‪ -‬التي ذكرها ال –تعالى‪ -‬بقوله‪َ { :‬قدْ َ‬ ‫اللّ ُه قَوْلَ الّتِي ُتجَادِلُ كَ فِي زَ ْوجِهَا َو َتشْتَكِي إِلَى اللّ هِ} وهذا من أبلغ الدلة على ات صاف ال –تعالى‪-‬‬ ‫بالسمع‪ ،‬وهو أمر معلوم بالضرورة من الدين‪ ،‬ل ينكره إل من ضل عن الهدى‪.‬‬ ‫وقول عائشة هذا يدل على أن الصحابة – رضي ال عنهم‪ ،‬آمنوا بالنصوص على ظاهرها الذي‬ ‫يتبادر إلى الف هم‪ ،‬وأن هذا هو الذي أراده ال من هم و من غير هم من المكلف ين ور سوله‪ ،‬إذ لو كان هذا‬ ‫الذي آمنوا به واعتقدوه خ طأ لم يقروا عل يه ولب ين ل هم ال صواب‪ ،‬ولم يأت عن أ حد من هم تأو يل هذه‬ ‫النصوص عن ظواهرها‪ ،‬ل من طريق صحيح ول ضعيف‪ ،‬مع توافر الدواعي على نقل ذلك مما يبين‬ ‫قطعا أن الذي أر يد من هم‪ ،‬و من كل مؤ من‪ ،‬هو ظا هر الخطاب‪ ،‬وهذا وا ضح ل من تأ مل الن صوص‪،‬‬ ‫وعرف حال الصحابة‪.‬‬ ‫وبهذا يتبين بطلن التأويل‪ ،‬وأنه سلوك غير سبيل الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬وصحابته‪،‬‬ ‫والتابعين لهم‪ ،‬إلى نهاية الدنيا‪.‬‬

‫‪" )(492‬الستيعاب" (‪ )4/1831‬بتحقيق البجاوي ‪.‬‬ ‫‪ )(493‬انظر ‪ " :‬تفسير ابن كثير" (‪ )8/60‬مطبعة الشعب ‪.‬‬ ‫‪126‬‬

‫ص ‪166‬‬ ‫‪-16‬قال‪ " :‬حدثنا سليمان بن حرب‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد‪ ،‬عن أيوب‪ ،‬عن أبي عثمان‪ ،‬عن أبي‬ ‫موسى‪ ،‬قال‪ :‬كنا مع النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬في سفر‪ ،‬فكنا إذا علونا كبرنا‪ ،‬فقال‪ " :‬اربعوا على‬ ‫أنفسكم‪ ،‬فإنكم ل تدعون أصم ول غائبا‪ ،‬تدعون سميعا بصيرا قريبا" ثم أتى علىّ‪ ،‬وأنا أقول في نفسي‪:‬‬ ‫ل حول ول قوة إل بال‪ ،‬فقال‪ ":‬يا عبد ال ابن قيس‪ ،‬قل‪ :‬ل حول ول قوة إل بال‪ ،‬فإنها كنز من كنوز‬ ‫الجنة" أو قال‪ ":‬أل أدلك به"‪.‬‬ ‫قوله‪ ":‬كنا مع النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬في سفر‪ ،‬فكنا إذا علونا كبرنا" هذا مما كان النبي –‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ -‬يفعله‪ ،‬فكان يكبر إذا عل نشزا‪ ،‬ويسبح إذا هبط في منخفض من الرض‪ ،‬وقد‬ ‫بوب البخاري –رحمه ال – على المرين في الجهاد والدعوات من "صحيحه"‪ ،‬فقال‪ :‬باب التسبيح إذا‬ ‫هبط واديا‪ ،‬وبعده‪ :‬باب التكبير إذا عل شرفا‪.‬‬ ‫قال المهلب‪ ":‬تكبيره –صلى ال عليه وسلم‪ -‬عند الرتفاع‪ ،‬استشعار لكبرياء ال – عزوجل ‪،-‬‬ ‫وعندما تقع عليه العين من عظيم خلق ال أنه – أكبر من كل شيء‪.‬‬ ‫والتسبيح في الماكن المنخفضة استشعار بتنزيهه –تعالى – عن صفة السفل والنخفاض"(‪.)494‬‬ ‫وفيه دليل على علو ال ‪-‬تعالى‪ -‬فوق كل شيء‪ ،‬وأنه ل يجوز أن يكون شيء من خلقه فوقه‪،‬‬ ‫تعالى وتقدس‪ ،‬وسيأتي البحث فيه إن شاء ال ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫قوله‪ " :‬فقال‪ " :‬اربعوا على أنفسهكم" أي‪ :‬ارفقوا بأنفسهكم‪ ،‬فل تكلفوهها برفهع أصهواتكم‪ ،‬فإنهه ل‬ ‫حاجة إلى ذلك‪ ،‬فإن من تكبرونه وتسبحونه سميع بصير‪ ،‬يسمع الصوات الخفية كما يسمع الجهرية‪،‬‬ ‫ويرى الشياء وإن دقت‪ ،‬فل يخفى عليه شيء‪.‬‬ ‫قوله‪ ":‬فإنكهم ل تدعون أصهم‪ ،‬ول غائبا" قال صهاحب "القاموس"‪" :‬الصهمم‪ :‬انسهداد الذن‪ ،‬وثقهل‬ ‫السمع‪ ،‬بحيث ل يسمع الصوات إل إذا كانت مرتفعة عالية"(‪.)495‬‬ ‫ص ‪167‬‬ ‫وقيل‪ :‬هو انسداد الذن‪ ،‬وذهاب سمعها‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬غائبا" أي‪ :‬ليس بعيدا ومستور الرؤية والسمع عنكم‪ ،‬فيحتاج إلى المناداة ورفع الصوات‬ ‫س َتجِيبُواْ لِي‬ ‫عوَ َة الدّا عِ ِإذَا دَعَا نِ فَ ْليَ ْ‬ ‫عنّ ي َفِإنّ ي َقرِي بٌ ُأجِي بُ دَ ْ‬ ‫عبَادِي َ‬ ‫سأََلكَ ِ‬ ‫ك ما قال ‪-‬تعالى‪ { :-‬وَِإذَا َ‬ ‫ن } (‪.)496‬‬ ‫شدُو َ‬ ‫وَ ْل ُي ْؤ ِمنُواْ بِي َلعَّل ُهمْ َي ْر ُ‬ ‫ولهذا قال‪ " :‬تدعون سميعا بصيرا قريبا" وهذه صيغ مبالغة ل؛ لن له –تعالى‪ -‬تمام الكمال من‬ ‫هذه الصفات‪ ،‬فل يفوت سمعه أي حركة وإن خفيت‪ ،‬فيسمع دبيب النملة على الصفاة الصماء في ظلمة‬ ‫‪" )(494‬فتح الباري" (‪.)6/136‬‬ ‫‪ )(495‬انظر " القاموس" (‪.)4/140‬‬ ‫‪ )(496‬الية ‪ 186‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪127‬‬

‫الل يل‪ ،‬وأخ فى من ذلك‪ ،‬ك ما أ نه –تعالى‪ -‬ل يح جب ب صره ش يء من الحوائل‪ ،‬ف هو ي سمع نغمات كم‬ ‫وأصوات أنفاسكم وجميع ما تتلفظون به من كلمات‪ ،‬ويبصر حركاتكم‪ ،‬وهو معكم قريب من داعيه‪،‬‬ ‫و هو أيضا مع جم يع خل قه باطل عه وإحاط ته‪ ،‬و هم في قبض ته‪ ،‬و مع ذلك هو على عر شه عال فوق‬ ‫جميع مخلوقاته‪ ،‬ول يخفى عليه خافية في جميع مخلوقاته مهما كانت‪ ،‬وسيأتي بيان ذلك إن شاء ال –‬ ‫في مكانه‪.‬‬ ‫قوله‪ ":‬قهل‪ :‬ل حول ول قوة إل بال‪ ،‬فإنهها كنهز مهن كنوز الجنهة" الكنهز ههو‪ :‬المال النفيهس‬ ‫المحفوظ‪ ،‬والجمع والدخار يسمى‪ :‬كنزا‪.‬‬ ‫وكنز الجنة‪ :‬العمال الصالحة الفضيلة‪ ،‬التي يقبلها ال ويرضاها‪ ،‬فيحفظها ويدخرها لصاحبها‪،‬‬ ‫فيكون سببا في دخوله الج نة ور فع منزل ته في ها‪ ،‬و هو دل يل على تفا ضل العمال‪ ،‬والدلة على ذلك‬ ‫كثيرة جدا‪.‬‬ ‫ومعنهى هذه الكلمهة‪ :‬ل تحول مهن حالة إلى أخرى‪ ،‬ول انتقال مهن أمهر إلى آخهر‪ ،‬ول قوة على‬ ‫ذلك‪ ،‬ول قدرة إل بال‪ ،‬ف هو المع ين عل يه والمه يئ ل سبابه والمو جد ل ها‪ ،‬ف هي ا ستسلم ل‪ ،‬وإذعان‬ ‫لقدرته وإرادته‪ ،‬وإقرار بأنه ل يقع حركة أو سكون إل بمشيئته – جل وعل‪.-‬‬

‫‪128‬‬

‫ص ‪168‬‬ ‫‪-17‬قال‪ " :‬حدث نا يح يى بن سليمان‪ ،‬حدث ني ا بن و هب‪ ،‬أ خبرني عمرو‪ ،‬عن يز يد‪ ،‬عن أ بي‬ ‫الخ ير‪ ،‬سمع ع بد ال بن عمرو‪ ،‬أن أ با ب كر ال صديق – ر ضي ال ع نه – قال لل نبي – صلى ال عل يه‬ ‫وسلم‪ :-‬يا رسول ال‪ ،‬علمني دعاء أدعو به في صلتي؟ قال‪ :‬اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا‪ ،‬ول‬ ‫يغفر الذنوب إل أنت‪ ،‬فاغفر لي من عندك مغفرة‪ ،‬إنك أنت الغفور الرحيم "‪.‬‬ ‫عبهد ال بهن عمرو بهن العاص بهن وائل القرشهي‪ ،‬السههمي‪ ،‬أبهو محمهد‪ ،‬أسهلم قديما‪ ،‬وكان مهن‬ ‫أفاضل الصحابة وعبادهم‪ ،‬ومن العلماء المكثرين عن رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬فقد ثبت عن‬ ‫حافظ المة أبي هريرة – رضي ال عنه – قوله‪ ":‬ما كان أحد أكثر مني حديثا عن رسول ال –صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ -‬إل عبد ال بن عمرو‪ ،‬فإنه كان يكتب ول أكتب"(‪.)497‬‬ ‫ومع ذلك فالمروي عنه أقل بكثير من المروي عن أبي هريرة‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن السبب في ذلك أن‬ ‫عبد ال سكن مصر‪ ،‬والوارد إليها من الناس قليل‪ ،‬وأبو هريرة سكن المدينة‪ ،‬وهي مجمع الناس‪.‬‬ ‫ق يل‪ :‬إ نه تو في في م صر‪ ،‬وق يل‪ :‬في الطائف‪ ،‬وق يل‪ :‬في م كة‪ ،‬وق يل‪ :‬في فل سطين‪ ،‬سنة ثلث‬ ‫و ستين؛ أو خ مس و ستين‪ ،‬عن اثنت ين و سبعين سنة‪ - ،‬ر ضي ال ع نه‪ ،-‬و عن صحابة ر سول ال –‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ -‬أجمعين‪.‬‬ ‫و أما أبو بكر فهو‪ :‬عبد ال بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة‪،‬‬ ‫القر شي‪ ،‬كان أب يض نحيفا خف يف العارض ين‪ ،‬و هو أف ضل من صحب ر سول ال – صلى ال عل يه‬ ‫وسهلم‪ ،-‬وههو أعلم الصهحابة بال ورسهوله‪ ،‬وههو أول مهن أسهلم مهن الرجال‪ ،‬ولسهرعته إلى تصهديق‬ ‫الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬وشدة قبوله لقوله سمي‪ :‬الصديق‪ ،‬وهو رفيق رسول ال –صلى ال‬ ‫حبِهِ‬ ‫ل لِصَا ِ‬ ‫عليه وسلم‪ -‬في الهجرة‪ ،‬وصاحبه في الغار‪ ،‬كما قال ال ‪-‬تعالى‪ِ{ :-‬إذْ ُهمَا فِي ا ْلغَارِ ِإ ْذ يَقُو ُ‬ ‫حزَنْ ِإنّ الّلهَ َم َعنَا} (‪ ،)498‬وقد أخبر النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنه أمن الناس عليه‪ ،‬وأنه لو اتخذ‬ ‫لَ َت ْ‬ ‫من الناس خليلً لت خذ أ با ب كر خليلً‪ ،‬ك ما ث بت في "ال صحيحين"‪ ،‬وأ خبر أ نه أ حب الناس إل يه من‬ ‫الرجال‪ ،‬وأن ابنته عائشة زوج رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أحب الناس إليه من النساء‪.‬‬ ‫ص ‪169‬‬ ‫أمره ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬أن يؤم الناس في مرض مو ته‪ ،‬ول ما رو جع في ذلك‬ ‫غضب‪ ،‬وقال‪ :‬مروا أبا بكر فليصل بالناس‪.‬‬ ‫وفضائله كثيرة‪ ،‬وقد كتب فيه مؤلفات‪ ،‬توفي – رضي ال عنه – سنة ثلث عشرة من الهجرة‪،‬‬ ‫ودفن جوار رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪.)499( -‬‬ ‫‪ )(497‬رواه البخاري ‪ ،‬انظر "الفتح" (‪.)1/206‬‬ ‫‪ )(498‬الية ‪ 40‬من سورة التوبة‪.‬‬ ‫‪" )(499‬أسد الغابة" (‪.)3/309‬‬ ‫‪129‬‬

‫قوله‪ " :‬إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا" الظلم هو‪ :‬وضع الشيء في غير موضعه‪.‬‬ ‫"وهذا يدل على أن النسان ل ينفك عن الذنوب‪ ،‬والتقصير في حقوق ال‪ ،‬كما في الحديث‪ " :‬كل‬ ‫بني آدم خطاء وخير الخطائ ين التوابون"(‪)500‬؛ لنه أطلق هذا الظلم ولم يقيده‪ ،‬أو يخصصه بز من دون‬ ‫آخر‪ ،‬أو بحالة دون حالة‪ ،‬فلو كان هناك حالة أو زمن من عمر النسان ل يكون فيه ظلم ما صح هذا‬ ‫الطلق‪ ،‬ول صار مطابقا للواقع"(‪.)501‬‬ ‫قوله‪ " :‬ول يغ فر الذنوب إل أ نت " تقدم مع نى الغ فر في الل غة‪ ،‬والمق صود م حو الذنوب ووقا ية‬ ‫تبعاتها‪ ،‬وهذا لجوء إلى التوحيد‪ ،‬وأنه ل مفر ول ملجأ يفزع إليه في غفران الذنوب‪ ،‬ووقاية شرها إل‬ ‫ال وحده‪ ،‬ول طر يق ي سلك لذلك إل النطراح ب ين يدي رب العالم ين‪ ،‬والفتقار إل يه‪ ،‬والتو جه بكل ية‬ ‫الع بد إل يه‪ ،‬وإخلص الدعاء له وحده‪ ،‬رغ بة وره بة‪ ،‬ك ما قال ‪-‬تعالى‪ { :-‬وَاّلذِي نَ ِإذَا فَعَلُو ْا فَاحِشَ ًة أَوْ‬ ‫ل اللّ هُ وَلَ مْ يُ صِرّواْ عَلَى مَا َفعَلُواْ وَهُ مْ‬ ‫س َتغْ َفرُواْ ِل ُذنُو ِبهِ مْ َومَن َيغْ ِفرُ ال ّذنُو بَ ِإ ّ‬ ‫سهُ ْم َذكَرُو ْا اللّ هَ فَا ْ‬ ‫ظََلمُواْ َأنْفُ َ‬ ‫ن } (‪.)502‬‬ ‫َيعَْلمُو َ‬ ‫فعلم الع بد بأ نه ل يغ فر الذنوب إل ال يضطره إلى اللجوء إل يه ‪-‬تعالى‪ -‬والخلص له‪ ،‬ول يس‬ ‫هناك طريهق للنجاة إل هذا الطريهق‪ ،‬ولهذا قيهل‪ ":‬إن التوحيهد مفزع أولياء ال‪ ،‬وأعدائه" أمها أولياء ال‬ ‫فأمرهم ظاهر‪ ،‬وأما أعداؤه‪ :‬فكانوا إذا وقعوا في الشدائد أخلصوا الدعاء ل وحده‪ ،‬كما ذكر ال عنهم‬ ‫في القرآن‪ ،‬ونظر العقل يؤدي إلى هذا دائما‪.‬‬ ‫ص ‪170‬‬ ‫قوله‪ " :‬فاغفر لي من عندك مغفرة" أي أنه ل حيلة لي ول خلص إل بأن تمن علي أنت وحدك‬ ‫بالمغفرة‪ ،‬فتستر ذنوبي‪ ،‬وتعفو عني‪ ،‬وتقيني ما يترتب عليها من تبعات وشرور‪.‬‬ ‫وقال‪ " :‬مهن عندك" ليهبين الختصهاص‪ ،‬أي أن المغفرة منهك وحدك تفضهل بهها عليهّ‪ ،‬بدون‬ ‫استحقاق‪ ،‬بل هي محض جودك وكرمك‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬إنهك أنهت الغفور الرحيهم" ختهم هذا الدعاء‪ ،‬بهذيهن السهمين الكريميهن‪ ،‬لمناسهبتهما‬ ‫للمطلوب‪ ،‬فالغفور يناسب طلب المغفرة‪.‬‬ ‫والرحيم يناسب طلب التفضل والجود‪ ،‬وهو قريب من الول‪ ،‬وهذا من معاني دعاء ال بأسمائه‬ ‫الحسنى‪.‬‬

‫‪ )(500‬رواه ابن ماجه في "السنن" ‪" ،‬الزهد" (‪ )2/1420‬الحديث (‪ ، )4251‬والترمذي (‪ ، )4/70‬و أحمد‬ ‫في "المسند" (‪.)3/98‬‬ ‫‪" )(501‬شرح العمدة" لبن دقيق العيد (‪.)2/78‬‬ ‫‪ )(502‬الية ‪ 135‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪130‬‬

‫" و قد ج مع في هذا الدعاء الشر يف العظ يم القدر ب ين العتراف بحاله والتو سل إلى ر به – عز‬ ‫وجل – بفضله وجوده‪ ،‬وأنه المنفرد بغفران الذنوب‪ ،‬ثم سأل حاجته بعد التوسل بالمرين معا‪ ،‬وهكذا‬ ‫أدب الدعاء‪ ،‬وأدب العبودية"(‪.)503‬‬ ‫والمق صود من الحد يث في هذا الباب أن المد عو ل بد أن يكون سميعا ي سمع دعوة الدا عي إذا‬ ‫دعاه‪ ،‬بصهيرا بحاله فيوصهل إليهه مها طلب بقدرتهه‪ ،‬وإل تكون دعوتهه ضلل وسهدى‪ ،‬ففهي الدعاء‬ ‫واسهتجابة ال‪-،‬تعالى‪ -‬لعبده الداعهي برهان على أنهه سهميع‪ ،‬بصهير‪ ،‬قادر‪ ،‬حهي‪ ،‬عليهم‪ ،‬وقهد قال ال‬ ‫ب لَ هُ‬ ‫س َتجِي ُ‬ ‫تعالى‪ -‬فيمن يدعو من ل يسمع ول يبصر‪َ { :‬ومَ نْ َأضَلّ ِممّن َيدْعُو مِن دُو نِ اللّ ِه مَن لّ يَ ْ‬‫ِمه‬ ‫عدَاء َوكَانُوا ِب ِعبَا َدتِه ْ‬ ‫ُمه َأ ْ‬ ‫ّاسه كَانُوا َله ْ‬ ‫حشِرَ الن ُ‬ ‫ُونه {‪ }5‬وَِإذَا ُ‬ ‫ِمه غَافِل َ‬ ‫ُمه ع َن دُعَا ِئه ْ‬ ‫َومه الْ ِقيَامَةِ وَه ْ‬ ‫إِلَى ي ِ‬ ‫كَا ِفرِينَ }‬

‫(‪)504‬‬

‫صرُ وَل‬ ‫سمَعُ وَل ُيبْ ِ‬ ‫وقهال ‪-‬تعالى‪ -‬عن خليله إبراهيم في دعوته لبيه‪ { :‬يَا َأبَتِ لِمَ َت ْع ُبدُ مَا ل يَ ْ‬ ‫ش ْيئًا } (‪.)505‬‬ ‫ُي ْغنِي عَنكَ َ‬ ‫" وقد قال ابن عقيل‪ :‬قد ندب ال ‪-‬تعالى‪ -‬إلى الدعاء‪ ،‬وفي ذلك معان‪:‬‬ ‫أحدها‪ :‬الوجود‪ ،‬فإن من ليس بموجود ل يدعى‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬الغنى‪ ،‬فإن الفقير ل يدعى‪.‬‬ ‫ص ‪171‬‬ ‫الثالث‪ :‬السمع‪ ،‬فإن الصم ل يدعى‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬الكرم‪ ،‬فإن البخيل ل يدعى‪.‬‬ ‫الخامس‪ :‬الرحمة‪ ،‬فإن القاسي ل يدعى‪.‬‬ ‫السادس‪ :‬القدرة‪ ،‬فإن العاجز ل يدعى‪.‬‬ ‫ومن يقول بالطبائع‪ ،‬يعلم أن النار‪ ،‬ل يقال لها‪ :‬كفي‪ ،‬ول النجم يقال له‪ :‬أصلح مزاجي‪ ،‬لن هذه‬ ‫عندهم مؤثرة طبعا ل اختيارا‪ ،‬فشرع الدعاء‪ ،‬وصلة الستسقاء‪ ،‬ليبين كذب أهل الطبائع"(‪.)506‬‬ ‫و "فعل السمع يراد به أربعة معان‪:‬‬ ‫أحدها‪ :‬سمع إدراك‪ ،‬ومتعلقه الصوات‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬سمع فهم‪ ،‬وعقل‪ ،‬ومتعلقه المعاني‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬سمع إجابة وإعطاء ما سئل‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬سمع قبول‪ ،‬وانقياد‪.‬‬ ‫‪" )(503‬الوابل الصيب" (ص ‪.)118‬‬ ‫‪ )(504‬اليتان ‪ 6 ،5‬من سورة الحقاف ‪.‬‬ ‫‪ )(505‬الية ‪ 42‬من سورة مريم ‪.‬‬ ‫‪" )(506‬شرح الطحاوية" (ص ‪ )457‬الطبعة الثالثة ‪.‬‬ ‫‪131‬‬

‫جهَا}‪ ،‬و{لقد سمع ال قول الذين قالوا إن ال‬ ‫ل اّلتِي ُتجَادِلُ كَ فِي زَ ْو ِ‬ ‫سمِعَ اللّ هُ قَوْ َ‬ ‫فمن الول‪َ { :‬قدْ َ‬ ‫فقير ونحن أغنياء} (‪.)507‬‬ ‫س َمعُوا} (‪ ،)508‬أي‪ :‬سمع‬ ‫عنَا َوقُولُو ْا انظُ ْرنَا وَا ْ‬ ‫ل تَقُولُواْ رَا ِ‬ ‫ومن الثاني‪ :‬قوله‪{ :‬يَا َأ ّيهَا اّلذِي نَ آ َمنُواْ َ‬ ‫ن لِ ْل َكذِ بِ} أي‪ :‬قابلون له‪،‬‬ ‫سمّاعُو َ‬ ‫ف هم وع قل‪ ،‬و من الثالث‪ :‬سمع ال ل من حمده‪ ،‬و من الرا بع‪ :‬قوله‪َ { :‬‬ ‫ومنقادون‪ ،‬فسمع الدراك يتعدى بنفسه‪ ،‬وسمع القبول يتعدى باللم‪ ،‬وبمن‪ ،‬ولجابته بمن"(‪.)509‬‬ ‫ص ‪172‬‬ ‫‪ -18‬قال‪ " :‬حدثنا عبد ال بن يوسف‪ ،‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬أخبرني يونس‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬حدثني‬ ‫عروة – أن عائشة – رضي ال عنها – حدثته‪ ،‬قال النبي –صلى ال عليه وسلم‪ :-‬إن جبريل – عليه‬ ‫السلم – ناداني‪ ،‬قال‪ " :‬إن ال قد سمع قول قومك‪ ،‬وما ردوا عليك"‪.‬‬ ‫اختصر البخاري هذا الحديث هنا – فذكر الشاهد منه‪ ،‬وقد ذكره بتمامه في بدء الخلق‪ ،‬ولفظه‪":‬‬ ‫قالت للنبي –صلى ال عليه وسلم‪ :-‬هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟‬ ‫قال‪ ":‬لقد لقيت من قومك ما لقيت‪ ،‬وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة‪ ،‬إذ عرضت نفسي على‬ ‫ابن عبد ياليل بن عبد كلل‪ ،‬فلم يجبني إلى ما أردت‪ ،‬فانطلقت – وأنا مهموم‪ -‬على وجهي‪ ،‬فلم أستفق‬ ‫إل وأ نا بقرن الثعالب‪ ،‬فرف عت رأ سي‪ ،‬فإذا أ نا ب سحابة قد أظلت ني‪ ،‬فنظرت‪ ،‬فإذا في ها جبر يل فنادا ني‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬إن ال قد سمع قول قومك لك‪ ،‬وما ردوا عليك‪ ،‬وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم‪،‬‬ ‫فنادانهي ملك الجبال فسهلم علي‪ ،‬ثهم قال‪ :‬يها محمهد‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك فيمها شئت‪ ،‬إن شئت أطبقهت عليههم‬ ‫الخشبين‪ ،‬فقال النبي –صلى ال عليه وسلم‪ :-‬بل أرجو أن يخرج ال من أصلبهم من يعبد ال وحده‪،‬‬ ‫ول يشرك به شيئا"(‪.510‬‬ ‫ففهي هذا الحديهث البيان الواضهح فهي أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬يسهمع أقوال عباده‪ ،‬وأنهه ل يخفهى عليهه‬ ‫تعالى‪ -‬من ذلك شيء‪.‬‬‫و صفة ال سمع والب صر من ال صفات اللز مة ل ‪-‬تعالى‪ -‬و قد‪-‬تعالى‪ -‬تقدم بيان ثبوت ذلك له‬ ‫تعالى‪ -‬عقلً‪ ،‬وشرعا‪ ،‬وفطرة‪ ،‬وأن مهن أنكهر ذلك عرف بهه وأعلم إن كان جاهلً‪ ،‬وإل حكهم عليهه‬‫بالك فر؛ لنكاره ال حق الوا ضح‪ ،‬الوا جب اعتقاده واليمان به؛ ل نه أن كر ما ث بت‪ ،‬وتواترت عل يه ك تب‬ ‫ال‪ ،‬وجاءت به جميع رسله‪ ،‬فهو أمر ضروري‪.‬‬

‫‪ )(507‬الية ‪ 181‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(508‬الية ‪ 104‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪" )(509‬بدائع الفوائد" (‪.)2/75‬‬ ‫‪ )(510‬انظر ‪ " :‬البخاري مع الفتح" (‪.)6/312‬‬ ‫‪132‬‬

‫ص ‪173‬‬ ‫قال‪ " :‬باب قول ال ‪-‬تعالى‪{ :-‬قُلْ ُهوَ ا ْلقَادِرُ} (‪.")511‬‬ ‫هذا الخطاب الكريم‪ ،‬وأمثاله كثير في كتاب ال ‪-‬تعالى‪ -‬عام شامل‪ ،‬يجب أن يفهم على عمومه‪،‬‬ ‫كما يجب أن يفهم مراد ال ‪-‬تعالى‪ -‬فيه‪ ،‬وفي غيره من خطاباته ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫"وقهد اتفهق المسهلمون وسهائر أههل الملل على أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬على كهل شيهء قديهر‪ ،‬كمها فهي‬ ‫ن صوص القرآن الكر يم‪ ،‬وغيره من ك تب ال ‪-‬تعالى‪ -‬و ما و جد من أفراد م سائل و قع الخلف في ها‪،‬‬ ‫فهو بسبب عدم فهم النصوص‪ ،‬كقول من يدخل في هذا العموم‪ ،‬الممتنع لذاته‪ ،‬مثل الجمع بين الضدين‪،‬‬ ‫ككون الش خص ميتا حيا في آن وا حد‪ ،‬والج مع ب ين الحر كة وال سكون‪ ،‬وال سواد والبياض‪ ،‬و ما أش به‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫وكذا من ل يدخل ذلك في هذا العموم‪ ،‬فل يكون ذلك داخلً عندهم في عموم القدرة‪.‬‬ ‫والحهق أن الممتنهع لذاتهه ليهس شيئا‪ ،‬ول وجود له فهي الخارج‪ ،‬بهل ل يتصهوره الفكهر ثابتا فهي‬ ‫خارج الذهن‪ ،‬ويمتنع تحققه في العيان وتصوره في الذهان‪ ،‬إل على وجه التمثيل‪ ،‬فهو ليس بشيء‪،‬‬ ‫ل في العيان‪ ،‬ول في الذهان‪ ،‬فل يصلح أن يقال‪ :‬إنه خارج من هذا العموم‪ ،‬أو داخل فيه؛ لن هذا‬ ‫ل شَيْ ٍء قَدِيرٌ}‬ ‫يج عل له وجودا ولو في الفرض‪ ،‬فيو قع في الش به والشكوك‪ ،‬بل يقال‪{ :‬إِنّ اللّ هَ عَلَى كُ ّ‬ ‫وهذا ليس بشيء‪.‬‬ ‫و أما المعدوم‪ ،‬فليس بشيء أيضا في الوجود الخارج‪ ،‬ولكنه شيء في التصور والذهن‪ ،‬وما علم‬ ‫ال ‪-‬تعالى‪ -‬أنه سيكون‪ ،‬فهو شيء في التقدير‪ ،‬والعلم والكتاب‪ ،‬وإن لم يكن شيئا في الخارج كما قال‬ ‫ن فَ َيكُونُ} (‪.)512‬‬ ‫ل لَ ُه كُ ْ‬ ‫ش ْيئًا َأنْ َيقُو َ‬ ‫ال ‪-‬تعالى‪ِ{ :-‬إ ّنمَا َأ ْمرُهُ ِإذَا َأرَادَ َ‬ ‫فلفظ الشيء في الية يتناول ما وجد‪ ،‬وما يتصوره الذهن موجودا‪ ،‬ول يستثنى من ذلك شيء‪،‬‬ ‫ل أفعال العباد‪ ،‬ول أفعاله ‪-‬تعالى‪ ،-‬سواء المتعدية‪ ،‬أو اللزمة‪،‬‬ ‫ص ‪174‬‬ ‫ستَوَى عَلَى ا ْل َعرْ شِ}‬ ‫ستّ ِة َأيّا مٍ ثُمّ ا ْ‬ ‫ض فِي ِ‬ ‫لرْ َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫ك ما قال ‪-‬تعالى‪ُ { :-‬هوَ اّلذِي خَلَ قَ ال ّ‬ ‫(‪.)513‬‬ ‫فجمع في الية بين النوعين من الفعال‪ ،‬المتعدية واللزمة‪.‬‬ ‫والقدرة تتعلق بكهل مها تتعلق بهه المشيئة‪ ،‬فإن مها شاء ال كان‪ ،‬ول يكون شيهء إل بقدرتهه‬ ‫شيْءٍ َقدِيرٌ}‬ ‫ج ْم ِع ِهمْ ِإذَا َيشَاء َقدِيرٌ} (‪{.)514‬وَهُوَ عَلَى كُلّ َ‬ ‫تعالى‪ :-‬ولهذا قال ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَهُوَ عَلَى َ‬‫‪ )(511‬الية ‪ 65‬من سورة النعام ‪.‬‬ ‫‪ )(512‬الية ‪ 82‬من سورة يس‪.‬‬ ‫‪ )(513‬الية ‪ 4‬من سورة الحديد ‪ ،‬انتهى من "مجموع الفتاوى" ملخصاً (‪.)11-8/7‬‬ ‫‪ )(514‬الية ‪ 29‬من سورة الشورى ‪.‬‬ ‫‪ )(515‬الية ‪ 120‬من سورة المائدة‪ ،‬المصدر السابق (ص ‪.)383‬‬ ‫‪133‬‬

‫(‪)515‬‬

‫والش يء في ال صل‪ ،‬م صدر شاء‪ ،‬يشاء‪ ،‬شيئا‪ ،‬كنال‪ ،‬ينال‪ ،‬نيلً‪ ،‬ثم وضعوا الم صدر مو ضع‬ ‫المفعول‪ ،‬ف سموا "المشاء" شيئا‪ ،‬ك ما سموا المنال‪ :‬نيلً‪ ،‬فقالوا‪ :‬ن يل المعدن‪ ،‬ك ما ي سمى المقدور‪ :‬قدرة‪،‬‬ ‫شيْءٍ َقدِيرٌ} أي‪ :‬على كل ما يشاء‪ ،‬فم نه ما قد شاءه فو جد‪،‬‬ ‫والمخلوق‪ :‬خلقا‪ ،‬فقوله تعالى‪{ :‬عَلَى كُلّ َ‬ ‫ومنه ما لم يشأه {فلم يوجد} وهو شيء في العلم‪ ،‬بمعنى أنه قابل لن يشاءه‪.‬‬ ‫فهذا العموم يتناول ما كان شيئا في الخارج‪ ،‬والعلم‪ ،‬وما كان في العلم فقط‪ ،‬بخلف ما ل يجوز‬ ‫أن تتناوله المشيئة‪ ،‬وهو الحق ‪-‬تعالى‪ -‬وصفاته‪ ،‬أو الممتنع لنفسه‪ ،‬فإنه غير داخل في العموم‪ ،‬ولهذا‬ ‫اتفق الناس على أن الممتنع لنفس ليس بشيء" اهه(‪.)516‬‬

‫‪ )(516‬المصدر السابق (ص ‪.)383‬‬ ‫‪134‬‬

‫ص ‪175‬‬ ‫‪ -19‬قال‪ " :‬حدث ني إبراه يم بن المنذر‪ ،‬حدث نا م عن بن عي سى‪ ،‬حدث ني ع بد الرح من ا بن أ بي‬ ‫الموالي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت مح مد بن المنكدر يحدث ع بد ال بن الح سن‪ ،‬يقول‪ :‬أ خبرني جابر بن ع بد ال‪،‬‬ ‫ال سلمي‪ ،‬قال‪ :‬كان ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬يعلم أ صحابه ال ستخارة في المور كل ها‪ ،‬ك ما‬ ‫يعلم هم ال سورة من القرآن‪ ،‬يقول‪ :‬إذا هم أحد كم بال مر فلير كع ركعت ين من غ ير الفري ضة‪ ،‬ثم لي قل‪:‬‬ ‫الل هم إ ني أ ستخيرك بعل مك‪ ،‬وأ ستقدرك بقدر تك‪ ،‬وأ سألك من فضلك‪ ،‬فإ نك تقدر ول أقدر‪ ،‬وتعلم ول‬ ‫أعلم‪ ،‬وأ نت علم الغيوب‪ ،‬الل هم فإن ك نت تعلم هذا ال مر – ثم ت سميه بعي نه – خيرا لي‪ ،‬في عا جل‬ ‫أمري وآجله – قال‪ :‬أو‪ :‬في دي ني ومعا شي‪ ،‬وعاق بة أمري‪ -‬فاقدره لي وي سره لي‪ ،‬ثم بارك لي ف يه‪،‬‬ ‫الل هم إن ك نت تعلم أ نه شر لي في دي ني ومعا شي وعاق بة أمري – أو قال‪ :‬في عا جل أمري وآجله –‬ ‫فاصرفني عنه‪ ،‬واقدر لي الخير حيث كان‪ ،‬ثم رضني به"‪.‬‬ ‫جابر بهن عبهد ال بهن عمرو بهن حرام‪ ،‬النصهاري الخزرجهي‪ ،‬مهن أكابر علماء الصهحابة‪،‬‬ ‫والحريصين على تحصيل العلم‪ ،‬فقد ذكر له عدة رحلت في طلب الحديث‪ ،‬منها‪ :‬أنه رحل من المدينة‬ ‫إلى مصهر مهن أجهل حديهث واحهد‪ ،‬كمها ذكره البخاري فهي "صهحيحه" معلقا‪ ،‬وكان حافظا مكثرا عهن‬ ‫رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬وهو مفتي المدينة في زمانه‪ ،‬له مناقب كثيرة‪.‬‬ ‫قال الواقدي‪ :‬توفي سنة ثمان وسبعين‪ ،‬وقال صاحب الحلية‪ :‬سنة سبع وسبعين‪ .‬قيل‪ :‬إنه عاش‬ ‫أربعا وتسعين سنة‪ - ،‬رضي ال عنه – وعن سائر صحابة رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪.)517(-‬‬ ‫قوله‪ " :‬يعلمنا الستخارة" أي‪ :‬صلتها ودعاءها‪ ،‬وهذا من تمام شفقته على أمته‪ ،‬وحرصه على‬ ‫حصول الخير لهم‪ ،‬ودفع كل شر عنهم‪ ،‬وبمثل هذا يعلم أنه – صلى ال عليه وسلم – ما كان ليترك‬ ‫باب ما يعتقدونه في ربهم‪ ،‬من اليمان بأسمائه وصفاته‪ ،‬وما يجب له‪ ،‬وما يمتنع عليه‪ ،‬ما كان ليترك‬ ‫ذلك بدون إيضاح وبيان ل يح صل م عه أي التباس أو اشتباه‪ ،‬وهذا وا ضح جلي من دعوة الر سول –‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬ومن حاله‪ ،‬وهو موجب الرسالة‪ ،‬ومن حالة أصحابه أيضا‪.‬‬ ‫ص ‪176‬‬ ‫الستخارة‪ :‬طلب الخير من أحد المرين‪ ،‬الفعل لما هم به‪ ،‬أو الترك‪ ،‬وهي مشروعة في عامة‬ ‫المور‪ ،‬كمها يدل عليهه هذا الحديهث‪ ،‬ل يخرج مهن عموم ذلك إل الواجهب‪ ،‬والمحرم‪ ،‬أمها المسهتحب‬ ‫والمكروه‪ ،‬ففيهما تفصيل‪ ،‬يذكر في كتب الداب الشرعية‪ ،‬وكتب الفروع‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬كمها يعلمنها السهورة مهن القرآن " بيان لشدة الهتمام بهها والعتناء‪ ،‬وهذا مهن محاسهن‬ ‫السلم الظاهرة لكل عاقل‪ ،‬وقد كان العرب قبل ذلك إذا هم أحدهم بالمر ذهب يستقسم بالزلم‪ ،‬أو‬ ‫ذ هب يز جر الط ير لي ستدل بطيرا نه أو نعا به على ما سيحصل له في الم ستقبل‪ ،‬أو ذ هب إل يه الكه نة‬ ‫‪ )(517‬انظر ‪ " :‬سير أعلم النبلء" (‪ ، )3/189‬و "الصابة" (‪ ، )1/213‬و "أسد الغابة" (‪ )1/256‬و‬ ‫"الستيعاب" (‪.)1/219‬‬ ‫‪135‬‬

‫وإخوان الشياط ين‪ ،‬وهذا كله ر جم بالغ يب‪ ،‬وشرك بال‪ ،‬فعو ضه السلم عن ذلك بالفزع إلى من بيده‬ ‫أز مة المور كل ها‪ ،‬و من يملك الخ ير وال شر‪ ،‬فيقدمون ب ين يدي ذلك ركعت ين‪ ،‬لتكو نا و سيلة ب ين يدي‬ ‫الطلب‪ ،‬ثم يتوجهون إلى رب هم بهذا الدعاء‪ ،‬الذي ف يه التو سل إل يه ‪-‬تعالى‪ -‬بأ سمائه و صفاته‪ ،‬وتوح يد‬ ‫الطلب والنية والقصد‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬ليركع" أمر بالركوع‪ ،‬ويحمل على الندب؛ للدلة الدالة على عدم الوجوب‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬من غير الفريضة" يدل على عدم حصول سنة الستخارة بالدعاء عقب صلة الفرض‪،‬‬ ‫بل لبد أن تكون بركعتين غير الفريضة‪ ،‬ثم يدعو بهذا الدعاء‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬اللهم إني أستخيرك" أي‪ :‬أطلب منك بيان وتيسير ما هو خير لي‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬بعلمك" أي‪ :‬أسألك وأتوسل إليك بصفتك‪ ،‬صفة العلم‪ ،‬أن ترشدني إلى الخير فيما أريد‪،‬‬ ‫فإنك عالم به ل يخفى عليك شيء‪.‬‬ ‫وهذا صريح في إثبات صفة العلم ل ‪-‬تعالى‪ -‬ودعائه به‪ ،‬والدلة عليه ل حصر لها‪ ،‬كما سبقت‬ ‫الشارة إليه‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬وأستقدرك" أي‪ :‬أسألك أن تجعلني قادرا على فعل ما أريد‪ ،‬وتهيء أسباب ذلك لي‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬بقدرتك" وهذا سؤال ل ‪-‬تعالى‪ -‬بصفته التي هي القدرة‪ ،‬أي‪ :‬أنت القادر الذي ل يعجزه‬ ‫شيء‪ ،‬فأسألك بهذه القدرة العظيمة أن تنيلني ما أريد‪ ،‬وهذا هو محل الشاهد من الحديث للباب‪ ،‬كما هو‬ ‫ظاهر‪.‬‬ ‫ص ‪177‬‬ ‫ثم عاد إلى التو سل بهات ين ال صفتين‪ ،‬بقوله‪ " :‬فإ نك تقدر ول أقدر" الخ‪ ،‬يع ني‪ :‬لك القدرة الكاملة‬ ‫الشاملة‪ ،‬فأ سألك ب ها‪ ،‬ك ما أ ني أ سألك بفقري إل يك وعجزي‪ ،‬فل يس لي قدرة على ش يء ح تى تجعل ني‬ ‫قادرا عليه‪ ،‬وتيسر لي أسبابه‪ ،‬وأنت تعلم عواقب المور‪ ،‬وما تؤول إليه‪ ،‬بل ل يخفى عليك شيء في‬ ‫الماضي‪ ،‬والحاضر‪ ،‬والمستقبل‪ ،‬فعلمك شامل لكل شيء‪ ،‬ول علم لي بشيء من ذلك إل ما علمتني‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬وأنت علم الغيوب" أي‪ :‬ذلك خاص بك‪ ،‬ل يعلمه سواك‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬ثم يسميه بعي نه" ظاهر في أنه يتل فظ به معينا له باسمه؛ ليكون بذلك أقوى على اجتماع‬ ‫العزم على طلبه‪.‬‬ ‫"في عاجل أمري وآجله" أي‪ :‬في دنياي وآخرتي‪.‬‬ ‫"أو في دي ني‪ ،‬ومعا شي‪ ،‬وعاق بة أمري" شك من الراوي‪ :‬هل قال الول أو الثا ني؟ والمع نى‬ ‫واحد‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬فاقدره لي‪ ،‬وي سره لي" ا قض به لي‪ ،‬واجعل ني قادرا على الح صول عل يه‪ ،‬و سهل لي‬ ‫أسبابه بحيث أناله بل مشقة وكلفة‪ ،‬وفي هذا‪ :‬أنه ل يحصل شيء إل بسبب‪.‬‬ ‫"ثم بارك لي فيه " اجعل فيه بركة تنميه وتزيده‪ ،‬وفيما يترتب عليه‪.‬‬ ‫‪136‬‬

‫"الل هم إن ك نت تعلم أ نه شر لي‪ ،‬في دي ني‪ ،‬ومعا شي‪ ،‬وعاق بة أمري‪ -‬أو قال‪ :‬عا جل أمري‬ ‫وآجله‪ -‬فاصرفني عنه" أي‪ :‬هيئ السباب التي تصرف قلبي وتثني عزمي عن فعله‪.‬‬ ‫"واقدر لي الخير حيث كان" أي‪ :‬قدر لي فعل ما فيه خير لديني ودنياي‪ ،‬في أي مكان‪ ،‬وفي أي‬ ‫وقت‪.‬‬ ‫"ثم رضني به" أي‪ :‬اجعلني رضيا به‪ ،‬قانعا‪ ،‬ناعم البال‪ ،‬مستغنيا عن خلقك‪ ،‬مستعينا به على‬ ‫طاعتك‪ ،‬وشاكرا لك منقادا لمرك‪.‬‬ ‫ومراد البخاري‪ :‬إثبات صهفة القدرة ل ‪-‬تعالى‪ -‬وأن قدرتهه ‪-‬تعالى‪ -‬عامهة لكهل مقدور‪ ،‬والرد‬ ‫على القدر ية نفاة القدر من المعتزلة وغير هم‪ ،‬الذ ين يقيدون قدرة ال ‪-‬تعالى‪ -‬ب ما اخترعوه من ع ند‬ ‫أنفسهم‪ ،‬ولهذا اقتصر على هذا القدر من الية‪ ،‬أي القادر على كل شيء‪.‬‬ ‫ص ‪178‬‬ ‫فال ‪-‬تعالى‪ -‬يفعل ما يشاء‪ ،‬ويحكم ما يريد‪ ،‬ل مانع له‪ ،‬ول يقدر غيره أن يمنعه مراده " فهو‬ ‫قادر على كل مقدور"‪.‬‬ ‫وكل ممكن يكون مقدورا له‪ ،‬فما من ممكن في نفسه إل وال قادر عليه‪.‬‬ ‫و أما الممتنع لنفسه‪ ،‬فإنه ليس بشيء عند جميع العقلء‪ ،‬إن تنازعوا في المعدوم الممكن مثل‬ ‫إيمان الكافر‪ :‬هل هو شيء أو ل؟ فأما الممتنع لنفسه‪ :‬فلم يقل أحد إنه شيء في الخارج‪ ،‬والممتنع هو‪:‬‬ ‫ما ل يم كن وجوده في خارج الذ هن‪ ،‬م ثل كون الش يء موجودا معدوما(‪ ،)518‬فإ نه ل يع قل ثبوت ذلك‪،‬‬ ‫وكذا كون الش يء أ سود كله وأب يض كله‪ ،‬وكون الج سم الوا حد بعي نه في الو قت الوا حد في مكان ين‪،‬‬ ‫والممتنع يراد به الممتنع لنفسه مثل هذه المور‪ ،‬ويراد به الممتنع لغيره مثل ما علم ال أنه ل يكون‪،‬‬ ‫وأ خبر أ نه ل يكون‪ ،‬وك تب ذلك‪ ،‬فهذا ممت نع‪ ،‬ل نه لو كان للزم أن يكون علم ال متخلفا عن معلو مه‪،‬‬ ‫وخبره بخلف الواقع‪ ،‬تعالى عن ذلك‪ ،‬ولكن هو ممكن بنفسه وال قادر عليه‪ ،‬كما قال –تعالى‪{ :-‬بَلَى‬ ‫قَا ِدرِي نَ عَلَى أَن نّسَ ّويَ َبنَانَ هُ} (‪ ،)519‬وقال –تعالى‪ {:-‬وَِإنّا عَلَى ذَهَابٍ ِب ِه لَقَا ِدرُو نَ} (‪ ،)520‬وقال –تعالى‪:-‬‬ ‫حدَةً} (‪.)522‬‬ ‫جعَلَ النّاسَ ُأمّةً وَا ِ‬ ‫س ُهدَاهَا} (‪{ ،)521‬وَلَ ْو شَاء َر ّبكَ َل َ‬ ‫ش ْئنَا ل َت ْينَا كُلّ نَفْ ٍ‬ ‫{وََلوْ ِ‬

‫‪ )(518‬ومن ذلك قول بعض الملحدة ‪ :‬هل يقدر ال أن يخلق مثل نفسه ؟ فهذا ممتنع لنفسه ‪ ،‬و إنما يورده‬ ‫جاهل ل يتصور ما يقول ‪ ،‬أو ملبس معاند يريد إفساد عقائد عوام المؤمنين ‪ ،‬أو التشكيك في قدرة ال –‬ ‫تعالى‪. -‬‬ ‫‪ )(519‬الية ‪ 4‬من سورة القيامة ‪.‬‬ ‫‪ )(520‬الية ‪ 18‬من سورة المؤمنون‪.‬‬ ‫‪ )(521‬الية ‪ 13‬من سورة السجدة ‪.‬‬ ‫‪ )(522‬الية ‪ 118‬من سورة هود عليه السلم ‪.‬‬ ‫‪137‬‬

‫وأمثال ذلك م ما ي خبر ‪-‬تعالى‪ -‬أ نه لو شاء لفعله‪ ،‬فإن هذه المور ال تي أ خبر أ نه لو شاء لفعل ها‬ ‫يلزم أنها ممكنة مقدورة له‪ ،‬فإيمان من علم ال أنه ل يؤمن مقدور له ممكن‪ ،‬لكنه ل يقع‪ ،‬وقد علم ال‬ ‫أنه ل يؤمن‪ ،‬مع كونه مستطيع اليمان‪ ،‬كمن علم أنه ل يحج مع استطاعته الحج‪.‬‬ ‫ع ْنهُ وَِإ ّن ُهمْ َلكَاذِبُونَ}‬ ‫قال ال ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَلَ ْو ُردّواْ َلعَادُو ْا ِلمَا ُنهُواْ َ‬

‫(‪)523‬‬

‫ص ‪179‬‬ ‫وحقيقة المر هو ما أخبر ال به في غير موضع من كتابه أنه على كل شيء قدير‪ ،‬وهذا هو ما‬ ‫يعتقده أهل السنة المثبتون للقدر"(‪.)524‬‬ ‫"فعند أهل السنة أن ال على كل شيء قدير‪ ،‬وكل ممكن فهو مندرج في هذا‪ ،‬وأما المحال لذاته‬ ‫مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما‪ ،‬فهذا ل حقيقة له‪ ،‬ول يتصور وجوده‪ ،‬ول يسمى شيئا باتفاق‬ ‫العقلء‪ ،‬ومن هذا الباب خلق مثل نفسه‪ ،‬وأمثال ذلك"(‪.)525‬‬

‫‪ )(523‬الية ‪ 28‬من سورة النعام‪.‬‬ ‫‪" )(524‬منهاج السنة" (‪ )122-2/118‬ملخصاً ببعض التصرف ‪.‬‬ ‫‪ )(525‬المصدر السابق (‪.)1/213‬‬ ‫‪138‬‬

‫ص ‪180‬‬ ‫قال‪ " :‬باب مقلب القلوب" وقول ال تعالى‪َ { :‬ونُقَلّبُ َأ ْف ِئ َدتَ ُهمْ وََأ ْبصَارَ ُهمْ} (‪.)526‬‬ ‫قال الراغب‪ " :‬تقليب الشيء‪ :‬تغييره من حال إلى حال‪ ،‬والتقليب‪ :‬التصرف‪ ،‬وتقليب ال القلوب‬ ‫والبصائر‪ :‬صرفها من رأي إلى رأي "(‪.)527‬‬ ‫قال ابن عباس‪ " :‬لما جحد المشركون ما أنزل ال‪ ،‬لم تثبت قلوبهم على شيء‪ ،‬وردت عن كل‬ ‫أمر "(‪.)528‬‬ ‫وقال مجاهد‪" :‬ونحول بينهم وبين اليمان‪ ،‬ولو جاءتهم كل آية‪ ،‬فل يؤمنون‪ ،‬كما حلنا بينهم وبين‬ ‫اليمان أول مرة"(‪.)529‬‬ ‫قال الحافظ‪ " :‬المراد بتقليب القلوب‪ :‬تقليب أعراضها‪ ،‬وأحوالها‪ ،‬ل تقليب ذات القلب"(‪.530‬‬ ‫أخبر ‪-‬تعالى‪ -‬أنه يعاقب من ل يقبل الحق‪ ،‬أو يرده أول ما يبلغه بتقليب القلب‪ ،‬وتركه يعمه في‬ ‫ضلله وغ يه‪ ،‬ك ما في هذه ال ية المذكورة في الباب‪ ،‬وك ما في قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬فََلمّ ا زَاغُوا َأزَا غَ اللّ هُ‬ ‫قُلُو َب ُهمْ} (‪ ،)531‬وفي هذا بيان أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬إذا منع فضله النسان‪ ،‬بالهداية‪ ،‬أنه يكون منحرفا ضالً‪.‬‬ ‫ومراد البخاري – رحمه ال – وصف ال ‪-‬تعالى‪ -‬بأنه المنفرد بالتصرف في خلقه حتى قلوب‬ ‫العباد التي تنطوي على آرائهم‪ ،‬ونياتهم‪ ،‬وما يخططون لمستقبلهم‪ ،‬حيث يرى كثير منهم أو أكثرهم في‬ ‫الظاهر أنهم أحرار في أفكار هم‪ ،‬وما يريدونه‪ ،‬والواقع أن ال ‪ -‬تعالى‪ -‬هو الذي يصرفهم في ذلك‪،‬‬ ‫فل قدرة لهم إل بعد مشيئته‪،‬‬ ‫ص ‪181‬‬ ‫وبهذا يشير البخاري – رحمه ال – إلى تمام قدرة ال التي سبق ذكرها في الباب قبل هذا‪ ،‬حيث‬ ‫بيهن بهذا أن ال ههو المتصهرف بالقلوب‪ ،‬فإن شاء جعلهها مريدة للخيهر‪ ،‬وإن شاء جعلهها مريدة للشهر‬ ‫وبذلك يعلم أنه ل قدرة لحد على شيء إل بعد أن يجعله ال قادرا عليه‪ ،‬خلفا لما يقوله الضالون عن‬ ‫الحق‪ ،‬من أهل البدع والنحراف‪.‬‬

‫‪ )(526‬الية ‪ 110‬من سورة النعام‪.‬‬ ‫‪" )(527‬المفردات" (ص ‪.)411‬‬ ‫‪ )(528‬رواه الطبري ‪ ،‬انظر ‪ ":‬التفسير" (‪.)12/43،41‬‬ ‫‪ )(529‬المصدر نفسه (‪.)12/44‬‬ ‫‪" )(530‬الفتح" (‪.)11/527‬‬ ‫‪ )(531‬الية ‪ 5‬من سورة الصف ‪.‬‬ ‫‪139‬‬

‫ص ‪182‬‬ ‫‪-20‬قال‪ " :‬حدثنا سعيد بن سليمان‪ ،‬عن ابن المبارك‪ ،‬عن موسى بن عقبة‪ ،‬عن سالم‪ ،‬عن عبد‬ ‫ال‪ ،‬قال‪ " :‬أكثر ما كان النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يحلف‪ :‬ل‪ ،‬ومقلب القلوب"‪.‬‬ ‫ذكر البخاري – رحمه ال – هذا الحديث في كتاب القدر‪ ،‬بلفظ‪ " :‬كثيرا ما كان النبي‪-‬صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ -‬يحلف" ل‪ ،‬ومقلب القلوب"(‪.)532‬‬ ‫وذكهر عهن ابهن عمهر – أيضا ‪ " :-‬كانهت يميهن النهبي –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬ل‪ ،‬ومقلب‬ ‫القلوب"(‪.)533‬‬ ‫و في روا ية ا بن ما جه‪ " :‬كان أك ثر أيمان ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ :-‬ل‪ ،‬وم صرف‬ ‫القلوب"(‪.)534‬‬ ‫قال الحافهظ‪ " :‬فهي هذا الحديهث دليهل على أن أعمال القلب‪ ،‬مهن الرادات والدواعهي وسهائر‬ ‫العراض‪ ،‬بخلق ال ‪-‬تعالى‪ -‬وف يه جواز ت سمية ال ‪-‬تعالى‪ -‬ب ما ث بت من صفاته على الو جه الذي‬ ‫يليق به"(‪.)535‬‬ ‫ففهي هذا الحديهث‪ ،‬ومها ههو نحوه مهن الدلئل‪ ،‬أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬ههو الذي يتولى قلوب العباد‬ ‫يصرفها كيف يشاء‪ ،‬وهذا من تمام ملكه‪ ،‬فل ينازعه أحد في التدبير والتصرف‪ ،‬ول يقع في الوجود‬ ‫إل ما أراده‪ ،‬وبهذا يعلم مدى حا جة الع بد إلى ر به‪ ،‬وأ نه ل غ نى له ع نه طر فة ع ين‪ ،‬فل بد له من‬ ‫هدايته وتوفيقه‪ ،‬وإل ضل وتاه في مهامه نهايتها الهلك‪ ،‬والعذاب المؤبد‪ ،‬وهذا ل ينافي تكليف العباد‬ ‫بالعمال التي يترتب عليها الجزاء‪ ،‬كما سيأتي –إن شاء ال تعالى – في موضعه‪.‬‬ ‫وفي " صحيح مسلم" عن عبد ال بن عمرو‪ ،‬أنه سمع رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يقول‪:‬‬ ‫" إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين‪ ،‬من أصابع الرحمن‪ ،‬كقلب واحد‪ ،‬يصرفه‬ ‫ص ‪183‬‬ ‫ك يف يشاء" ثم قال ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ ":-‬الل هم م صرف القلوب‪ ،‬صرف قلوب نا‬ ‫على طاعتك"(‪.)536‬‬

‫‪ )(532‬انظر ‪ ":‬البخاري مع الفتح" (‪.)11/513‬‬ ‫‪ )(533‬انظر ‪ :‬المرجع السابق (ص ‪.)523‬‬ ‫‪ )(534‬انظر ‪ " :‬سنن ابن ماجه" (‪ )1/677‬رقم (‪.)2092‬‬ ‫‪" )(535‬فتح الباري" (‪.)11/527‬‬ ‫‪ )(536‬انظر ‪ " :‬مسلم" ‪ ،‬كتاب القدر ‪ )4/2045( ،‬رقم الحديث (‪.)2654‬‬ ‫‪140‬‬

‫ص ‪184‬‬ ‫قال‪ " :‬باب إن ل مائة اسم إل واحدة "‪.‬‬ ‫مراده بهذا الباب‪ :‬وجوب إثبات أ سماء ال ‪-‬تعالى‪ -‬على ما ورد في كتاب ال‪ ،‬و عن ر سوله‪،‬‬ ‫وأن ذلك من التوح يد الذي بي نه الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ود عا أم ته إلى اليمان به‪ ،‬ووجوب‬ ‫جزَوْنَ‬ ‫س ُي ْ‬ ‫سمَآئِهِ َ‬ ‫حدُونَ فِي أَ ْ‬ ‫سنَى فَادْعُو ُه ِبهَا َو َذرُو ْا اّلذِينَ يُ ْل ِ‬ ‫سمَاء ا ْلحُ ْ‬ ‫اعتقاده‪ ،‬قال ال ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَلِلّ ِه الَ ْ‬ ‫َهه‬ ‫حمَههنَ َأيّاه مّاه َتدْعُو ْا فَل ُ‬ ‫ّهه أَ ِو ادْعُواْ ال ّر ْ‬ ‫ل ادْعُو ْا الل َ‬ ‫مَا كَانُو ْا َي ْعمَلُونهَ} (‪ ،)537‬وقال – جهل وعل – {قُ ِ‬ ‫ئ ا ْلمُ صَ ّو ُر لَ ُه الَ سْمَاء ا ْلحُ سْنَى}‬ ‫سنَى} (‪ ،)538‬وقال – تبارك وتعالى‪ُ { :-‬هوَ اللّ هُ ا ْلخَالِ قُ ا ْلبَارِ ُ‬ ‫سمَاء ا ْلحُ ْ‬ ‫الَ ْ‬ ‫(‪.)539‬‬ ‫فهذه اليات وغيرهها ممها فهي معناهها‪ ،‬تدل على وجوب اليمان بمها ل ‪-‬تعالى‪ -‬مهن السهماء‬ ‫الحسنى‪ ،‬الدالة على عظيم جلله‪ ،‬وسمعة أوصافه‪ ،‬فكل اسم من أسمائه دال على كمال عظمته‪ ،‬وبذلك‬ ‫كانت حسنى‪ ،‬أما السماء التي ل تدل على صفات الكمال‪ ،‬فليست بحسنى‪ ،‬وكذلك إذا اشتركت دللتها‬ ‫بين الكمال والن قص‪ ،‬أو دلت على مجرد علم محض‪ ،‬مثل إبراه يم‪ ،‬وزيد‪ ،‬فل تكون حسنى حتى تدل‬ ‫على كمال ال صفة ال تي اش تق من ها ال سم‪ ،‬م ثل "العل يم" فإ نه يدل على أن له علما عاما محيطا بجم يع‬ ‫الشياء‪ ،‬ل يخرج عنهه مثقال ذرة فهي السهماوات والرض‪ ،‬ومثهل "القديهر" الدال على قدرتهه التهي ل‬ ‫يعجزها شيء‪ ،‬و"الرحيم" الدال على رحمته العظيمة التي وسعت كل شيء‪.‬‬ ‫وهكذا كل أ سمائه – جل وعل – وهذا تف صيل وبيان للباب الثا ني من الكتاب‪ ،‬ولكون ها ح سنى‬ ‫أوجب على عباده دعاءه بها‪ ،‬كما يأتي في الباب بعد هذا‪ ،‬وتوعد الملحدين بها‪.‬‬ ‫فيد عى ب كل مطلوب ب ما ينا سبه من ها‪ ،‬فقال‪ :‬الل هم اغ فر لي وارحم ني إ نك أ نت الغفور الرح يم‪،‬‬ ‫وتب عليّ إنك عفو كريم‪ ،‬والطف بي يا لطيف‪ ،‬وارزقني يا رزاق‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ص ‪185‬‬ ‫"قوله‪ " :‬إن ل مائة اسم إل واحدة" التأنيث في لفظة "واحد" نظرا إلى التسمية أو الكلمة‪ ،‬كما‬ ‫يقول النجاة‪ " :‬الكلمة اسم أو فعل أو حرف"‪.‬‬ ‫وقال ابن مالك‪ " :‬أنت باعتبار معنى التسمية‪ ،‬أو الصفة‪ ،‬أو الكلمة"(‪.)540‬‬ ‫وفي بعض روايته‪ " :‬إل واحدا"‪.‬‬ ‫قال ابن عباس‪{ :‬ذو الجلل}‪ :‬العظمة‪{ ،‬البر}‪ :‬اللطيف"‪.‬‬ ‫في روا ية‪ " :‬ذو الجلل‪ :‬العظ يم"‪ ،‬فيكون "العظ يم" تف سيرا ل ه" ذو"‪ ،‬وعلى الولى تف سيرا ل ه"‬ ‫الجلل"‪.‬‬ ‫‪ )(537‬الية ‪ 180‬من سورة العراف ‪.‬‬ ‫‪ )(538‬الية ‪ 110‬من سورة السراء ‪.‬‬ ‫‪ )(539‬الية ‪ 24‬من سورة الحشر ‪.‬‬ ‫‪" )(540‬فتح الباري" (‪.)11/219‬‬ ‫‪141‬‬

‫فذو الجلل‪ :‬صاحب العظمة‪ ،‬الذي ل تقاس عظمته بشيء من خلقه – جل وعل‪.-‬‬ ‫و أ ما "البر" ف هو‪ :‬المح سن غا ية الح سان إلى خل قه‪ ،‬من غ ير ا ستحقاق ول مقا بل‪ ،‬ف هو بل يغ‬ ‫الحسان إلى خلقه‪ ،‬وإحسانه شامل لهم‪.‬‬ ‫و أما " اللطيف" فهو‪ :‬العالم بالخفيات‪ ،‬ودقائق المور‪ ،‬وغوامضها‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫وقال الزجاج‪ ":‬اللطيف"‪ :‬المحسن إلى عباده في خفاء وستر‪ ،‬من حيث ل يعلمون"(‪.)541‬‬

‫‪" )(541‬تفسير السماء الحسنى" (ص ‪.)44‬‬ ‫‪142‬‬

‫ص ‪186‬‬ ‫‪-21‬قال‪ " :‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخبرنا شعيب‪ ،‬حدثنا أبو الزناد‪ ،‬عن العرج‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬أن‬ ‫رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ " :‬إن ل تسعة وتسعين اسما‪ ،‬مائة إل واحدا‪ ،‬من أحصاها دخل‬ ‫الجنة"‪.‬‬ ‫{أحصيناه} حفظناه‪.‬‬ ‫" قال جماعة من العلماء‪ :‬الحكمة في قوله‪ " :‬مائة إل واحدا" بعد قوله‪ " :‬تسعة وتسعين" أن يقرر‬ ‫ذلك في نفس السامع‪ ،‬جمعا بين جهتي الجمال والتفصيل‪ ،‬أو دفعا للتصحيف الخطي‪ ،‬أو اللفظي"‬

‫(‪)542‬‬

‫قوله‪ " :‬إن ل تسهعة وتسهعين اسهما" هذا ل يقصهد بهه حصهر أسهماء ال ‪-‬تعالى‪ -‬فهي هذا العدد‬ ‫المذكور‪ ،‬وإنما قصد الخبار عما يترتب على إحصائها وجزائه‪ ،‬كما تقول‪ :‬عندي مائة كتاب أعددتها‬ ‫للعارة‪ ،‬فل ين في أن يكون عندك ك تب غير ها‪ ،‬فالتقي يد بهذا العدد عائد إلى ال سماء المو صوفة بهذه‬ ‫ال صفة‪ ،‬و هي قوله‪ " :‬من أح صاها د خل الج نة" فهذه الجملة محل ها الن صب صفة " لت سعة وت سعين"‪،‬‬ ‫ويجوز أن تكون في محل رفع على البتداء‪ ،‬والمعنى " إن ل أسماء بقدر هذا العدد‪ ،‬من أحصاها دخل‬ ‫الجنة"‪.‬‬ ‫فأ سماء ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬ل تد خل ت حت ح صر‪ ،‬ول ت حد بعدد‪ ،‬بدل يل ما رواه المام أح مد في "‬ ‫المسند"‪ ،‬حدثنا يزيد‪ ،‬أنبأنا ابن مرزوق‪ ،‬حدثنا أبو سلمة الجهني(‪ ،)543‬عن القاسم بن عبد الرحمن‪ ،‬عن‬ ‫أبيه‪ ،‬عن عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬ما أصاب أحدا قط هم‪ ،‬ول حزن‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك‪ ،‬ناصيتي بيدك‪ ،‬ماض في حكمك‪ ،‬عدل في قضاؤك‪ ،‬أسألك‬ ‫بكل اسم سميت به نفسك‪ ،‬أو علمته أحدا من خلقك‪ ،‬أو أنزلته في كتابك‪ ،‬أو استأثرت به في علم الغيب‬ ‫عندك‪ ،‬أن تج عل القرآن رب يع قل بي‪ ،‬ونور صدري‪ ،‬وجلء حز ني‪ ،‬وذهاب ه مي‪ ،‬إل أذ هب ال ه مه‬ ‫وحزنه‪ ،‬وأبدله مكانه فرحا"‬

‫(‪)544‬‬

‫سنده صحيح‪.‬‬

‫ص ‪187‬‬ ‫قال ابن كثير‪ ":‬أخرجه المام أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه" بمثله"(‪.)545‬‬ ‫فهذا يدل على أن ل أسماء غير التسع والتسعين‪.‬‬ ‫وقوله في الحد يث‪ " :‬أو ا ستأثرت به في علم الغ يب عندك" معناه‪ :‬انفردت بعل مه فلم تطلع عل يه‬ ‫أحدا‪ ،‬ل ملكا مقربا‪ ،‬ول نبيا مرسلً‪.‬‬ ‫وقسم أسماء ال ‪-‬تعالى‪ -‬في هذا الحديث ثلثة أقسام‪:‬‬ ‫‪ " )(542‬الفتح" (‪.)11/219‬‬ ‫‪ )(543‬يزيد هو ‪ :‬ابن هارون ‪ ،‬إمام حافظ مشهور ‪ .‬وابن مرزوق هو ‪ :‬فضيل بن مرزوق الغر الرقاشي‬ ‫الكوفي‪ ،‬من رجال مسلم ‪ ،‬و أبو مسلمة و أبو سلمة هو موسى بن عبد ال أو ابن عبد الرحمن ‪.‬‬ ‫‪" )(544‬المسند" (‪ ، )452 ،1/391‬وانظر ‪ " :‬الفتح الرباني" (‪.)14/262‬‬ ‫‪ )(545‬انظر ‪ " :‬تفسير ابن كثير" (‪ )3/517‬ط الشعب ‪.‬‬ ‫‪143‬‬

‫أحدها‪ :‬ما سمى به نفسه‪ ،‬فأظهره لمن شاء‪ ،‬من ملئكته أو غيرهم‪ ،‬ولم ينزله في كتبه‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬أنزله في كتبه‪ ،‬أو في بعضها‪ ،‬فتعرف به إلى عباده‪.‬‬ ‫والثالث‪ :‬استأثر به في علم الغيب عنده‪ ،‬فلم يطلع عليه أحدا من خلقه‪ ،‬ولهذا قال‪" :‬أو استأثرت‬ ‫به في علم الغيب عندك " أي‪ :‬جعلته من الغيب الذي ل يعلمه غيرك‪ ،‬وليس المراد أنه ‪-‬تعالى‪ -‬انفرد‬ ‫بالت سمي به؛ لن هذا النفراد ثا بت في ال سماء ال تي أنزل ها في كت به‪ ،‬و هو ثبوت ما دلت عل يه من‬ ‫المعاني اللئقة بعظمته‪ ،‬ل مجرد التسمية‪.‬‬ ‫و من الدلة على عدم ح صرها في ما ذ كر‪ :‬قوله – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬في حد يث الشفا عة‪" :‬‬ ‫فيف تح عل يّ من محامده ما ل أح سنه الن" وتلك المحا مد‪ ،‬هي الثناء عل يه ‪-‬تعالى‪ -‬ب ما له من أ سماء‬ ‫حسنى وصفات عليا‪.‬‬ ‫و من الدلة أيضا قوله – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬ل أح صي ثناء عل يك‪ ،‬أ نت ك ما أثن يت على‬ ‫نفسك"(‪546‬و أحسن الثناء ما كان بأسمائه الحسنى وصفاته العلية‪.‬‬ ‫وبهذا ي تبين أن ال سماء الح سنى غ ير مح صورة في العدد المذكور‪ ،‬وإن ما خص ذ كر هذا العدد‬ ‫ل ما ر تب عل يه من الح كم‪ ،‬و هو‪ " :‬من أح صاها د خل الج نة "‪ ،‬فل يس في الحد يث ح صر أ سماء ال‬ ‫تعالى‪ -‬ول يدل على أنه ليس ل اسم غير هذه التسع والتسعين‪ ،‬وإنما أريد به الخبار بدخول الجنة‬‫لمن أحصاها‪ ،‬ل الخبار بحصرها‪،‬‬ ‫ص ‪188‬‬ ‫و إلى هذا ذهب جمهور العلماء‪ ،‬كما ذكره الحافظ‪ ،‬ونقل النووي التفاق على ذلك‪.547‬‬ ‫قال شيهخ السهلم‪ " :‬والصهواب الذي عليهه جمهور العلماء‪ :‬أن قول النهبي –صهلى ال عليهه‬ ‫وسلم‪ ":-‬إن ل تسعة وتسعين اسما‪ ،‬من أحصها دخل الجنة " معناه‪ :‬أن من أحصى التسعة والتسعين‬ ‫من أسمائه دخل الجنة‪ ،‬ليس مراده أنه ليس له إل ت سعة وتسعون اسما‪ ،‬فإن في الحديث الخر الذي‬ ‫رواه أحمد وأبو حاتم في "صحيحه"‪ " :‬أسألك بكل اسم هو لك" الحديث‪ ،‬وفي "الصحيحين"‪ " :‬ل أحصي‬ ‫ثناء عل يك" ولو أح صى جم يع أ سمائه‪ ،‬لح صى صفاته‪ ،‬فكان يح صي الثناء عل يه؛ لن صفاته ي عبر‬ ‫عنها بأسمائه"(‪.)548‬‬ ‫قوله‪ " :‬من أح صاها د خل الج نة" اختلف في المق صود من الح صاء‪ ،‬ورب ما ف هم من صنيع‬ ‫البخاري أنه يرى أن إحصاءها هو حفظ ألفاظها‪ ،‬كما فهم من ذلك الحافظ ابن حجر‪ ،‬وعندي فيه نظر‪،‬‬ ‫وذلك أن عادة البخاري التي سار عليها في كتابه هذا‪ ،‬أنه إذا جاء لفظ في الحديث‪ ،‬وفي القرآن لفظ‬ ‫يوافقه في اللفظ والشتقاق‪ ،‬أنه يذكره وإن كان ل يوافقه في المعنى‪ ،‬وأمثلة ذلك كثيرة‪:‬‬ ‫‪ )(546‬رواه "مسلم" في كتاب الصلة (‪ ، )1/352‬و "أبو داود" في الوتر (‪ )2/134‬وغيرهما‪.‬‬ ‫‪ )(547‬انظر ‪ " :‬فتح الباري" (‪.)11/220‬‬ ‫‪" )(548‬درء تعارض العقل والنقل" (‪.)3/332‬‬ ‫‪144‬‬

‫َامه‬ ‫ْصهيْنَا ُه ف ِي ِإم ٍ‬ ‫شيْءٍ أح َ‬ ‫فههو فهي قوله‪ " :‬أحصهيناه‪ :‬حفظناه" يشيهر إلى قوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬وكُلّ َ‬ ‫ُمبِي نٍ}‪ ،‬قال الصيلي‪ " :‬إحصاؤها‪ :‬العمل بها‪ ،‬ل عدها وحفظها؛ لن ذلك قد يقع للكافر والمنافق‪ ،‬كما‬ ‫في حديث الخوارج‪ " :‬يقرؤون القرآن ل يجاوز حناجرهم"(‪.)549‬‬ ‫وذكر العلمة ابن القيم – رحمه ال تعالى – لحصائها ثلث مراتب‪:‬‬ ‫"الولى‪ :‬إحصاء ألفاظها‪ ،‬وعددها‪ .‬والثاني‪ :‬فهم معانيها ومدلولها‪.‬‬ ‫حسْنَى فَادْعُوهُ ِبهَا}‪.‬‬ ‫لسْمَاء ا ْل ُ‬ ‫الثالثة‪ :‬دعاؤه ‪-‬تعالى‪ -‬بها‪ ،‬كما قال‪{ :‬وَلِلّ ِه ا َ‬ ‫والدعاء نوعان‪:‬‬ ‫‪-1‬دعاء ثناء وعبادة‪.‬‬ ‫ص ‪189‬‬ ‫‪-2‬ودعاء مسألة وطلب‪ ،‬وكل النوعين ورد بهما القرآن بكثرة‪.‬‬ ‫فل يثنى عليه ‪-‬تعالى‪ -‬إل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا‪ ،‬كما ل يسأل إل بها‪ ،‬ويسأل بها في‬ ‫كل مطلوب بما ينا سبه ويقتضيه من السماء الحسنى‪ ،‬وال صفات العلية الكري مة‪ ،‬كما تقد مت الشارة‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫وهذا من أعظم الوسائل إلى ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬وأنفعها‪ ،‬ولهذا جاءت أدعية الرسل مطابقة لذلك"(‪.)550‬‬ ‫وبهذا ي تبين أن إح صاءها الموعود عل يه دخول الج نة‪ ،‬يتض من حفظ ها وفهم ها‪ ،‬ودعاء ال ب ها‪،‬‬ ‫وال أعلم‪.‬‬ ‫قال أبو عمر الطلمنكي‪ " :‬من تمام المعرفة بأسماء ال ‪-‬تعالى‪ -‬وصفاته التي يستحق بها الداعي‬ ‫والحا فظ ما قال ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬المعر فة بال سماء وال صفات‪ ،‬و ما تتضم نه من‬ ‫الفوائد‪ ،‬وتدل عليه من الحقائق‪ ،‬ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالما لمعاني السماء ول مستفيدا بذكرها ما‬ ‫تدل عليه من المعاني"(‪.)551‬‬

‫‪" )(549‬فتح الباري" (‪.)11/226‬‬ ‫‪ )(550‬انظر ‪ " :‬بدائع الفوائد" (‪.)1/164‬‬ ‫‪" )(551‬فتح الباري" (‪.)11/226‬‬ ‫‪145‬‬

‫ص ‪190‬‬ ‫قال‪ " :‬باب‪ :‬السؤال بأسماء ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬والستعاذة بها"‪.‬‬ ‫السؤال‪ :‬هو الطلب بذل وخضوع وافتقار‪ ،‬والستعاذة هي‪ :‬العوذ والحتماء بمن يدفع المكروه‪،‬‬ ‫وير فع البلء ب عد نزوله‪ ،‬وه ما من أف ضل أنواع العبادة‪ ،‬فالبخاري – رح مه ال‪ -‬أراد بهذا الباب أن‬ ‫يبين معنى دعاء ال ‪-‬تعالى‪ -‬بأسمائه الذي أمر ال به‪ ،‬وأن الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قد بينه‪.‬‬ ‫قال ا بن بطال‪ " :‬مق صود بهذه الترج مة‪ :‬ت صحيح القول بأن ال سم هو الم سمى‪ ،‬فلذلك صحت‬ ‫الستعاذة بالسم‪ ،‬كما تصح بالذات"(‪.)552‬‬ ‫قلت‪ :‬هذا بعيد عن مقصود البخاري‪ ،‬وإنما مقصوده بيان كيفية دعاء ال وعبادته بأسمائه التي‬ ‫سنَى فَادْعُوهُ ِبهَا} وبين ذلك الرسول –صلى‬ ‫سمَاء ا ْلحُ ْ‬ ‫لْ‬ ‫أمر أن يدعى بها ويعبد‪ ،‬بقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَلِلّهِ ا َ‬ ‫ال عليه وسلم‪ -‬بفعله‪ ،‬وأمره‪ ،‬كما في الحاديث التي ذكرت في هذا الباب وغيرها‪.‬‬ ‫وأ ما م سألة‪ :‬هل ال سم هو الم سمى‪ ،‬أو غيره؟ ف هي من بدع الكلم‪ ،‬ال تي حد ثت ب عد القرون‬ ‫المفضلة‪ ،‬والتي اختلط فيها الحق بالباطل‪.‬‬ ‫والبخاري – رحمه ال – من أبعد الناس عن مثل ذلك‪.‬‬ ‫قال ابن جرير الطبري – رحمه ال ‪ ":-‬وأما القول في السم‪ :‬أهو المسمى أم هو غيره؟ فإنه‬ ‫من الحماقات الحادثة‪ ،‬التي ل أثر فيها فيتبع‪ ،‬ول قول من إمام فيستمع‪ ،‬فالخوض فيه شين‪ ،‬والصمت‬ ‫عنه زين‪ ،‬وحسب امرئ من العلم به والقول أن ينتهي إلى قوله – جل ثناؤه‪ -‬الصادق‪ ،‬وهو قوله –‬ ‫سمَاء‬ ‫سنَى} (‪)553‬وقوله‪{ :‬ولِ الَ ْ‬ ‫سمَاء ا ْلحُ ْ‬ ‫ن َأيّا مّا َتدْعُواْ فَلَ ُه الَ ْ‬ ‫حمَه َ‬ ‫تعالى‪{ :-‬قُلِ ادْعُو ْا اللّ َه أَ ِو ادْعُو ْا ال ّر ْ‬ ‫سنَى} (‪.)554‬‬ ‫حْ‬ ‫ا ْل ُ‬ ‫"وكان سبب حدوث هذه الم سألة‪ ،‬أن الجهم ية قالوا‪ :‬إن ال سم غ ير الم سمى‪ ،‬وأ سماء ال غيره‪،‬‬ ‫و ما كان غيره ف هو مخلوق؛ لن ال –تعالى‪ -‬وحده هو الخالق‪ ،‬و ما سواه مخلوق‪ ،‬فإذا كا نت أ سماؤه‬ ‫غيره‪ ،‬فهي مخلوقة‪ .‬فرد عليهم السلف‪ ،‬واشتد‬ ‫ص ‪191‬‬ ‫نكير هم علي هم؛ لن أ سماء ال من كل مه‪ ،‬وكلم ال غ ير مخلوق‪ ،‬ف هو الذي سمى نف سه بهذه‬ ‫السماء‪.‬‬ ‫فكان مراد الذين يقولون‪ :‬السم غير المسمى {من أهل السنة} هو هذا‪.‬‬ ‫ولهذا روي عن الشافعي‪ ،‬والصمعي‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬أنهم قالوا‪ :‬إذا سمعت الرجل يقول‪ :‬السم غير‬ ‫المسمى‪ ،‬فاشهد عليه بالزندقة"(‪.)555‬‬ ‫‪" )(552‬الفتح" (‪.)13/379‬‬ ‫‪ )(553‬الية ‪ 110‬من سورة السراء ‪.‬‬ ‫‪ )(554‬الية ‪ 180‬من سورة العراف ‪ " ،‬عقيدة الطبري" (ص ‪.)12‬‬ ‫‪" )(555‬مجموع الفتاوى" (‪.)6/187‬‬ ‫‪146‬‬

‫وللناس في هذه المسألة ثلثة أقوال‪:‬‬ ‫أحد ها‪ :‬ما ذكره ا بن بطال‪ ،‬وإل يه ذ هب كث ير من المنت سبين إلى ال سنة كأ بي القا سم ال طبري‬ ‫الللكائي‪ ،‬والبغوي‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬ ‫سمُهُ‬ ‫شرُ كَ ِبغُل مٍ ا ْ‬ ‫قال البغوي‪ " :‬وال سم هو الم سمى‪ ،‬وعي نه‪ ،‬وذا ته‪ ،‬قال ال ‪-‬تعالى‪ِ{ :-‬إنّ ا ُن َب ّ‬ ‫حيَى} (‪.)556‬‬ ‫َي ْ‬ ‫خ ِذ ا ْل ِكتَابَ بِقُوّةٍ} (‪ .)557‬وقال ‪-‬تعالى‪{ :-‬مَا‬ ‫حيَى ُ‬ ‫فأخبر أن اسمه يحيى‪ ،‬ثم نادى السم‪ ،‬فقال‪{ :‬يَا َي ْ‬ ‫س ّم ْي ُتمُوهَا} (‪ ،)558‬وأراد الشخاص المعبودة؛ لنهم كانوا يعبدون المسميات‪.‬‬ ‫سمَاء َ‬ ‫ل َأ ْ‬ ‫َت ْعبُدُونَ مِن دُونِهِ ِإ ّ‬ ‫ل ْكرَام}‪.‬‬ ‫سمُ َر ّبكَ ذِي ا ْلجَللِ وَا ِ‬ ‫سمَ َر ّبكَ الَعْلَى} وقال‪َ { :‬تبَارَكَ ا ْ‬ ‫سبّحِ ا ْ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬‬ ‫والقول الثاني‪ :‬أن السم غير المسمى‪.‬‬ ‫سمَاء‬ ‫والثالث‪ :‬أن ال سم للم سمى‪ ،‬وهذا القول دل عل يه الكتاب وال سنة‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَلِّل ِه الَ ْ‬ ‫سمَاء‬ ‫ن َأيّا مّا َتدْعُواْ فَلَ هُ الَ ْ‬ ‫حمَه َ‬ ‫سنَى فَادْعُو هُ ِبهَا} (‪ ،)559‬وقال ‪-‬تعالى‪{ :-‬قُلِ ادْعُواْ الّل َه أَ ِو ادْعُواْ ال ّر ْ‬ ‫ا ْلحُ ْ‬ ‫سمَاء ا ْلحُ سْنَى} (‪ ،)561‬وقال ‪-‬تعالى‪{ :-‬هُ َو اللّ هُ‬ ‫ل هُ َو لَ ُه الَ ْ‬ ‫سنَى} (‪،)560‬وقال ‪-‬تعالى‪{ :-‬اللّ هُ ل إِلَ هَ ِإ ّ‬ ‫ا ْلحُ ْ‬ ‫سنَى} (‪.)562‬‬ ‫حْ‬ ‫سمَاء ا ْل ُ‬ ‫لْ‬ ‫ق ا ْلبَا ِرئُ ا ْل ُمصَ ّورُ َلهُ ا َ‬ ‫ا ْلخَالِ ُ‬ ‫ومن السنة هذا الحديث‪ " :‬إن ل تسعة وتسعين اسما"‪.‬‬ ‫وقوله –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬إن لي خمسة أسماء‪ ،‬أنا مح مد‪ ،‬وأحمد‪ ،‬والما حي‪ ،‬والحاشر‪،‬‬ ‫والعاقب"(‪.)563‬‬ ‫هذا مذهب أكثر أهل السنة‪.‬‬ ‫فل يطلقون بأنه المسمى‪ ،‬ول غيره‪ ،‬بل يفصلون‪ ،‬حتى يزول اللبس‪.‬‬ ‫فإذا قيل لهم‪ :‬أهو المسمى أم غيره؟ قالوا‪ :‬ليس هو نفس المسمى‪ ،‬ولكن يراد به المسمى‪.‬‬ ‫وإن أر يد بأ نه غيره‪ :‬كو نه بائنا ع نه‪ ،‬ف هو با طل؛ لن أ سماء ال من كل مه‪ ،‬وكل مه صفة له‪،‬‬ ‫قائمة به‪ ،‬ل تكون غيره‪.‬‬

‫‪ )(556‬الية ‪ 7‬من سورة مريم ‪.‬‬ ‫‪ )(557‬الية ‪ 12‬من سورة مريم‪.‬‬ ‫‪ )(558‬الية ‪ 40‬من سورة يوسف ‪.‬‬ ‫‪ )(559‬الية ‪ 180‬من سورة العراف ‪.‬‬ ‫‪ )(560‬الية ‪ 110‬من سورة السراء‪.‬‬ ‫‪ )(561‬الية ‪ 8‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪ )(562‬الية ‪ 24‬من سورة الحشر ‪.‬‬ ‫‪ )(563‬رواه البخاري ‪ ،‬انظره مع "الفتح في التفسير" (‪ ، )8/640‬وفي "المناقب" (‪ ، )6/544‬ومسلم في‬ ‫"الفضائل" (‪ )4/1828‬رقم (‪ )2354‬ورقم (‪.)2355‬‬ ‫‪147‬‬

‫واسم ال ‪-‬تعالى‪ -‬في مثل إذا قيل‪ ":‬الحمد ل" أو "بسم ال" يتناول ذاته وصفاته‪ ،‬ل ذاتا مجردة‬ ‫عن الصفات‪ ،‬ول صفات مجردة عن الذات‪ .‬وقد نص الئمة على أن صفاته‪ ،‬داخلة في مسمى أسمائه‪،‬‬ ‫فل يقال‪ :‬إن علمه وقدرته زائدة عليه‪.‬‬ ‫و من قال من أ هل ال سنة‪ :‬إن ال صفات‪ ،‬زائدة على الذات‪ ،‬فمراده‪ :‬أن ها زائدة على ما أثب ته أ هل‬ ‫التعطيل‪ ،‬الذين أثبتوا ذاتا مجردة عن الصفات؛ لنه ليس في الوجود ذات مجردة عن الصفات‪ ،‬كما ل‬ ‫يمكن وجود صفات بل ذات‪ ،‬تقوم بها‪ ،‬فتخيل وجود أحدهما دون الخر من الهوس‪.‬‬ ‫ثم إن الذين قالوا‪ :‬إن السم هو المسمى‪ ،‬ليس مرادهم أن مجرد اللفظ هو الذات‪ ،‬التي وضع لها‬ ‫هذا السم‪ ،‬فإن هذا ل يقوله عاقل‪.‬‬ ‫ص ‪193‬‬ ‫كمها أن الذيهن قالوا أن السهم غيهر المسهمى‪ ،‬لم يريدوا أن مجرد اللفهظ غيهر الذات‪ ،‬فإن هذا ل‬ ‫جدال فيه‪.‬‬ ‫وما ذكره البغوي – رحمه ال – محتجا به على أن السم هو المسمى‪ ،‬فهو ل يدل على ما قاله‪.‬‬ ‫خذِ ا ْل ِكتَابَ ِبقُوّةٍ} فاللفظ الذي هو‬ ‫حيَى ُ‬ ‫حيَى} ثم قال {يَا َي ْ‬ ‫سمُهُ َي ْ‬ ‫شرُكَ ِبغُلمٍ ا ْ‬ ‫فقوله ‪-‬تعالى‪ِ{ :-‬إنّا ُنبَ ّ‬ ‫"الياء والحاء والياء" ليس هو ذات المسمى به‪ ،‬فمن زعم ذلك فقد كابر‪.‬‬ ‫فالمقصود نداء المسمى ل نداء اللفظ‪ ،‬والمتكلم ل يمكنه نداء من يريد مناداته إل بذكر اسمه‪ ،‬إل‬ ‫أن يكون ذلك بالشارة‪.‬‬ ‫س ّم ْي ُتمُوهَا} (‪.)564‬‬ ‫سمَاء َ‬ ‫ل َأ ْ‬ ‫و أما قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬مَا َت ْعبُدُونَ مِن دُونِهِ ِإ ّ‬ ‫فليس المراد‪ :‬أنكم تعبدون الوثان المسماة‪ ،‬فهم معترفون بذلك‪.‬‬ ‫بل المراد‪ :‬نفي ما كانوا يعتقدونه فيها من اللهية‪ ،‬والواقع أنه ليس فيها شيء من ذلك‪.‬‬ ‫فإذا عبدوها معتقد ين ثبوت إلهيت ها‪ ،‬م سمينها آل هة‪ ،‬لم يكونوا في حقي قة ال مر عبدوا إل أسماء‬ ‫ابتدعوها‪ ،‬ما أنزل ال بها من سلطان‪ ،‬وليس فيها من معنى اللهية شيء‪ ،‬فعبادتهم لما تصوروه في‬ ‫أنفسهم من معنى اللهية وعبروا عنه بألسنتهم‪.‬‬ ‫وهذا التصهور خيالي‪ ،‬ل حقيقهة له‪ ،‬فههم لم يعبدوا فهي الحقيقهة إل ذلك الخيال الفاسهد‪ ،‬الذي‬ ‫تصوروه‪ ،‬وسموه إلها‪ ،‬فكان مجرد تسمية فقط‪ ،‬ليس له من معنى اللهية شيء‪.‬‬ ‫سمَ َربّكَ الَعْلَى} فالمراد به‪ ،‬تسبيحه ‪-‬تعالى‪ -‬وتنزيهه عما ل يليق‬ ‫حاْ‬ ‫و أما قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬سَبّ ِ‬ ‫به‪ ،‬معتقدا ذلك بقل به‪ ،‬متلفظا با سمه بل سانه‪ ،‬قائلً‪ ":‬سبحان ر بي العلى" والمراد الم سمى بهذا ال سم‪،‬‬ ‫فتسبيح السم هو تسبيح المسمى‪.‬‬ ‫ص ‪194‬‬ ‫‪ )(564‬الية ‪ 40‬من سورة يوسف ‪.‬‬ ‫‪148‬‬

‫ومن قال‪ :‬المراد بتسبيح السم‪ ،‬أنك ل تسمي به غير ال‪ ،‬ول تلحد في أسمائه‪ ،‬فهذا المعنى مما‬ ‫يستحقه اسم ال ‪-‬تعالى‪ -‬وهو داخل في المراد بالية‪ ،‬ولكن المقصود المعنى الول‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫سمُ َر ّبكَ} فالمعنى‪ :‬أن البركة تكتسب‪ ،‬وتنال بذكر اسمه‪.‬‬ ‫و أما قوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬تبَا َركَ ا ْ‬ ‫ولو كان لفظ السم يراد به المسمى‪ ،‬لكفى قوله‪ :‬تبارك ربك؛ لن نفس السم عندهم هو الرب‪،‬‬ ‫فيكون بذكر السم تكرار‪.‬‬ ‫وبهذا يتبين أن الشبه التي دعت كثيرا من العلماء إلى القول بأن السم هو المسمى أنها باطلة‪،‬‬ ‫وههي‪ :‬أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬وحده ههو الخالق‪ ،‬ومها سهواه مخلوق‪ ،‬فإذا قيهل‪ :‬إن أسهماء ال غيره‪ ،‬لزم أن‬ ‫تكون مخلوقة(‪.)565‬‬

‫‪ )(565‬هذا البحث من منتصف صفحة (‪ )193‬كله مقتبس من رسالة شيخ السلم في الموضوع المثبتة في‬ ‫المجلد السادس من "الفتاوى" انظر ‪( :‬ص ‪.)185‬‬ ‫‪149‬‬

‫ص ‪195‬‬ ‫‪ -22‬قال‪ " :‬حدثنا عبد العزيز بن عبد ال‪ ،‬حدثني مالك‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد المقبري‪ ،‬عن‬ ‫أبهي هريرة – رضهي ال عنهه – عهن النهبي –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬قال‪ " :‬إذا جاء أحدكهم فراشهه‪،‬‬ ‫فلينفضه بصنفة ثوبه ثلث مرات‪ ،‬وليقل باسمك ربي وضعت جنبي‪ ،‬وبك أرفعه‪ ،‬إن أمسكت نفسي‬ ‫فاغفر لها‪ ،‬وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"‪.‬‬ ‫العبد الصادق العبودية‪ ،‬ل ينفك عن عبادة ربه‪ ،‬في أمور حياته كلها‪ ،‬في خروجه من بيته‪ ،‬وفي‬ ‫دخوله‪ ،‬وفهي أكله وشربهه‪ ،‬وفهي نومهه ويقظتهه‪ ،‬وفهي مقارفتهه لهله‪ ،‬ومعاملتهه للناس‪ ،‬ولذلك أرشهد‬ ‫الرسهول –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬إلى هذا النوع مهن العبادة‪ ،‬فهي هذا الحديهث وغيره‪ ،‬عنهد النوم‪،‬‬ ‫والستيقاظ منه‪ ،‬وهو من عبادة ال ودعائه بأسمائه‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬فلينف ضه ب صنفة ثو به ثلث مرات" صنفة الثوب‪ :‬طر فه من الدا خل‪ ،‬ل ما في الروا ية‬ ‫الخرى‪ " :‬داخلة إزاره" ولو ف عل ذلك بغ ير طرف ثو به ح صل المق صود‪ ،‬والحك مة في ذلك إزالة ما‬ ‫لعله يكون فيهه ممها يؤذيهه‪ ،‬وأمهر بأن يكون ذلك ثلث مرات‪ ،‬للمبالغهة‪ ،‬وليكون ذلك وترا‪ ،‬إذ الوتهر‬ ‫معتبر في الشرع‪.‬‬ ‫"وليقل‪ :‬باسمك ربي وضعت جنبي‪ ،‬وبك أرفعه" لما كان النوم نوعا من الموت‪ ،‬وقد يموت فيه‬ ‫ل به المغفرة‪ ،‬و هي ستر الذنوب‪ ،‬والع فو‬ ‫حقي قة‪ ،‬ل جأ إلى ر به بذ كر ا سمه‪ ،‬داعيا وم تبركا به‪ ،‬و سائ ً‬ ‫عنها‪ ،‬إن أمسك نفسه – أي قبضها في النوم – فلم يردها إلى بدنها‪.‬‬ ‫سكُ اّلتِي قَضَى عََل ْيهَا‬ ‫ت فِي َمنَا ِمهَا َف ُيمْ ِ‬ ‫قال ‪-‬تعالى‪{ :-‬اللّ ُه َيتَ َوفّى الَنفُسَ حِينَ َم ْو ِتهَا وَاّلتِي لَمْ َتمُ ْ‬ ‫ن فِي ذَِلكَ ليَاتٍ لّ َق ْومٍ َيتَ َف ّكرُونَ} (‪.)566‬‬ ‫سمّى إِ ّ‬ ‫خرَى إِلَى َأجَلٍ ُم َ‬ ‫لْ‬ ‫ا ْلمَوْتَ َو ُي ْرسِلُ ا ُ‬ ‫"وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " أي‪ :‬إن رددتها إلى بدنها‪ ،‬فاحفظها من‬ ‫الشياط ين‪ ،‬والضلل‪ ،‬والمؤذيات‪ ،‬بحف ظك وحماي تك‪ ،‬ال تي تح مي ب ها أولياءك الذ ين تتولى حفظ هم من‬ ‫كل مضر ومؤذ‪.‬‬ ‫ص ‪196‬‬ ‫ففي هذا الحديث مشروعية ذكر ال ‪-‬تعالى‪ -‬عند النوم؛ ليكون موته الصغر على اسمه‪ ،‬فيدخل‬ ‫ب ا ْلعَاَلمِينَ} (‪.)567‬‬ ‫حيَايَ َو َممَاتِي لِّلهِ رَ ّ‬ ‫ن صَلَتِي َو ُنسُكِي َو َم ْ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫بذلك في العمل بقوله تعالى‪{ :‬قُ ْ‬ ‫وف يه ال ستسلم ل‪ ،‬والفتقار إل يه‪ ،‬و سؤاله ما ل غ نى له ع نه‪ ،‬وهذا كله من عبادة ال تعالى‬ ‫سنَى فَادْعُو هُ بِهَا} (‪ ،)568‬وهذا هو و جه‬ ‫سمَاء ا ْلحُ ْ‬ ‫ودعائه بأ سمائه‪ ،‬ف هو تف سير لقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَلِلّ ِه الَ ْ‬ ‫ذكر البخاري له‪ ،‬ولما يأتي من الحاديث‪.‬‬ ‫‪ )(566‬الية ‪ 42‬من سورة الزمر ‪.‬‬ ‫‪ )(567‬الية ‪ 162‬من سورة النعام ‪.‬‬ ‫‪ )(568‬الية ‪ 180‬من سورة العراف ‪.‬‬ ‫‪150‬‬

‫ص ‪197‬‬ ‫‪-23‬قال‪ " :‬حدثنا مسلم‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن عبد الملك‪ ،‬عن ربعي‪ ،‬عن حذيفة – رضي ال عنه‬ ‫‪ " :‬كان ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬إذا أوى إلى فرا شه‪ ،‬قال‪ " :‬الل هم با سمك أح يا وأموت‪ ،‬وإذا‬‫أصبح قال‪ :‬الحمد ل الذي أحيانا بعد ما أماتنا‪ ،‬وإليه النشور"‪.‬‬ ‫حذيفة هو ابن اليمان‪ ،‬واسم اليمان‪ :‬حسل‪ ،‬أو حسيل‪ ،‬وهو عبسي‪.‬‬ ‫كان من كبار أ صحاب ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ ،-‬و من الفقهاء النجباء أ هل الفتوى‪،‬‬ ‫وصح عنه أنه قال‪ " :‬كان الناس يسألون رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬عن الخير‪ ،‬وكنت أسأله‬ ‫عن الشر‪ ،‬مخافة أن أقع فيه" ولهذا اختص بمعرفة الفتن‪ ،‬كما أنه عرف بصاحب السر‪ ،‬حيث أسر إليه‬ ‫رسول ال – صلى ال عل يه وسلم‪ -‬أ سماء المنافق ين‪ ،‬وأمره أن يك تم ذلك‪ ،‬وسأله ر جل عن أ شد الف تن‬ ‫فقال‪ " :‬أن يعرض عل يك الخ ير وال شر فل تدري أيه ما تختار" تو في – ر ضي ال ع نه – سنة ست‬ ‫وثلثين(‪.)569‬‬ ‫" إذا آوى إلى فراشه" أي‪ :‬رجع إليه بعد عمل النهار‪.‬‬ ‫"الل هم با سمك أح يا وأموت" أي ذاكرا ا سمك في حيا تي‪ ،‬مطمئنا به قل بي‪ ،‬إذ ل را حة لي ول‬ ‫اطمئنان إل بذكر اسمك‪ ،‬ول حياة نافعة إل بذلك‪ .‬وعلى ذكر اسمك يا رب أموت‪ ،‬متوسلً به إليك أن‬ ‫تتولني‪ ،‬وتحفظني في جميع أحوالي‪.‬‬ ‫" وإذا أصبح قال‪ " :‬الحمد ل الذي أحيانا بعد ما أماتنا‪ ،‬وإليه النشور"‪.‬‬ ‫النوم نوع مهن الموت‪ ،‬واليقظهة حياة‪ ،‬وههو نعمهة مهن ال على عباده حتهى ترتاح أبدانههم‪،‬‬ ‫وأفكار هم‪ ،‬و قد ينام الن سان فل تر جع إل يه رو حه‪ ،‬فإذا ا ستيقظ سالما‪ ،‬قد ر جع إل يه نشا طه وقو ته‪،‬‬ ‫ا ستوجب ذلك ش كر ال ‪-‬تعالى‪ -‬والثناء عل يه‪ ،‬فنا سب قوله ب عد يقظ ته‪ " :‬الح مد ل الذي أحيا نا بعد ما‬ ‫أماتنا" أي‪ :‬أرجع إلينا أرواحنا بفضله ومنته‪.‬‬ ‫والنشور‪ :‬هو الب عث ب عد المو تة ال كبرى‪ ،‬فم صيرنا إلى رب نا‪ ،‬ح تى يجازي نا على أعمال نا ك ما‬ ‫وعدنا‪.‬‬ ‫ففي هذا الحديث كالذي قبله‪ ،‬ذكر اسم ال ‪-‬تعالى‪ -‬عند النوم‪ ،‬والتوسل به‪ ،‬والثناء عليه بأن له‬ ‫الحمد‪ ،‬وهذا من الدعاء بأسماء ال الحسنى‪.‬‬

‫‪ )(569‬انظر ‪ ":‬الستيعاب" (‪" ، )1/334‬الرياضي المستطابة" (ص ‪.)49‬‬ ‫‪151‬‬

‫ص ‪198‬‬ ‫‪-24‬قال‪ " :‬حدثنا سعد بن حفص‪ ،‬حدثنا شيبان‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن ربعي بن حراش‪ ،‬عن خرشة‬ ‫بن الحر‪ ،‬عن أبي ذر – رضي ال عنه – قال‪ :‬كان النبي –صلى ال عل يه وسلم‪ -‬إذا أخذ مضج عه‬ ‫مهن الليهل قال‪ :‬باسهمك نموت ونحيها‪ ،‬فإذا اسهتيقظ قال‪ :‬الحمهد ل‪ ،‬الذي أحيانها بعهد مها أماتنها‪ ،‬وإليهه‬ ‫النشور"‪.‬‬ ‫أ بو ذر الغفاري‪ :‬اختلف في ا سمه‪ ،‬وا سم أب يه‪ ،‬و صحح الحفاظ أ نه جندب بن جنادة‪ ،‬كان من‬ ‫السابقين الولين إلى السلم‪ ،‬غير أنه ذهب إلى قومه فتأخرت هجرته‪ ،‬ففاتته غزوات الرسول –صلى‬ ‫ال عليه و سلم‪ -‬الولى‪ ،‬وكان عازفا عن الدنيا‪ ،‬راغبا بما عند ال‪ ،‬وقصة إ سلمه في "الصحيحين"‪،‬‬ ‫وكان من الحنفاء قبل أن يسلم‪ ،‬له أخبار كثيرة‪ ،‬ومناقب شهيرة‪ ،‬توفي في الربذة سنة اثنتين وثلثين‪،‬‬ ‫رضي ال عنه‪.)570(-‬‬‫هذا الحد يث ل يس ف يه زيادة على الذي قبله‪ ،‬إل قوله‪ " :‬من الل يل"‪ ،‬والول يد خل ف يه نوم الل يل‬ ‫والنهار‪.‬‬

‫‪ )(570‬انظر ‪ " :‬الستيعاب" (‪ ، )1/252‬و "الرياض المستطابة" (ص ‪.)272‬‬ ‫‪152‬‬

‫ص ‪199‬‬ ‫‪-25‬قال‪ " :‬حدث نا قتي بة بن سعيد‪ ،‬حدث نا جر ير‪ ،‬عن من صور‪ ،‬عن سالم‪ ،‬عن كر يب‪ ،‬عن ا بن‬ ‫عباس – ر ضي ال عنه ما‪ -‬قال‪ :‬قال ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ ":-‬لو أن أحد كم إذا أراد أن‬ ‫يأتي أهله‪ ،‬فقال‪ :‬باسم ال‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان‪ ،‬وجنب الشيطان ما رزقتنا‪ ،‬فإنه إن يقدر بينهما ولد في‬ ‫ذلك لم يضره شيطان أبدا"‪.‬‬ ‫هذا نوع آخر من الدعاء بأسماء ال ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫"باسم ال" أي‪ :‬أفعل ذلك‪ ،‬ذاكرا اسم ال‪ ،‬عابدا ربي بهذا الذكر‪ ،‬ومتبركا به‪.‬‬ ‫"اللهم جنبنا الشيطان" أي‪ :‬أبعدنا عنه‪ ،‬فل يشاركنا‪ ،‬ول يحضرنا‪.‬‬ ‫"وج نب الشيطان ما رزقت نا" أي‪ :‬أب عد الشيطان عن الرزق الذي تقدره ل نا من الولد‪ ،‬في هذا‬ ‫التصال‪.‬‬ ‫ول بد من ال صدق في ذلك من القلب‪ ،‬والرغ بة‪ ،‬واليمان‪ ،‬والث قة ب ما قاله الر سول – صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ -‬حتى يحصل الموعود‪ ،‬وهو عدم مضرة الشيطان للمولود‪.‬‬ ‫والمق صود‪ ،‬ذ كر ال ‪-‬تعالى‪ -‬ع ند مقار بة الزو جة‪ ،‬وال ستعاذة به من الشيطان‪ ،‬أن يشار كه أو‬ ‫يحضره‪ ،‬أو يضر المولود بحال من الحوال‪.‬‬ ‫سنَى فَادْعُوهُ ِبهَا}‪.‬‬ ‫حْ‬ ‫سمَاء ا ْل ُ‬ ‫لْ‬ ‫وهذا كما تقدم من بيان معنى قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَلِلّ ِه ا َ‬

‫‪153‬‬

‫ص ‪200‬‬ ‫‪-26‬قال‪ " :‬حدثنا عبد ال بن مسلمة‪ ،‬حدثنا فضيل‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن همام‪ ،‬عن‬ ‫عدي بهن حاتهم – رضهي ال عنهه – قال‪ :‬سهألت النهبي‪-‬صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬قلت‪ :‬أرسهل كلبهي‬ ‫المعلمهة؟ قال‪ " :‬إذا أرسهلت كلبهك المعلمهة وذكرت اسهم ال‪ ،‬فأمسهكن فكهل‪ ،‬وإذا رميهت بالمعراض‬ ‫فخزق فكل"‪.‬‬ ‫عدي بن حاتم هو‪ :‬أبو طريف‪ ،‬الجواد بن الجواد‪ ،‬قدم على رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪-‬‬ ‫في شعبان سنة ت سع‪ ،‬ب سبب كثرة كتا بة أخ ته‪ ،‬فأ سلم‪ ،‬و قد فرح ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪-‬‬ ‫بإسلمه‪ ،‬وهو ممن ثبت ال قومه على السلم – حين ارتد الناس – بسببه‪ ،‬شهد فتوح العراق‪ ،‬وساهم‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫عليه وقهت صهلة إل وأنها‬ ‫ّ‬ ‫وكان شريفا فاضلً‪ ،‬جوادا عابدا‪ ،‬روي عنهه أنهه يقول‪ " :‬مها دخهل‬ ‫مشتاق إليهها " ومهن أقواله‪ " :‬كثرة الكلم أوضهع شيهء لمقاديهر الرجال‪ ،‬وأمضهى الشياء عندي رد‬ ‫السؤال بغير نوال"‪ ،‬له أخبار كثيرة وفضائل‪ ،‬توفي في الكوفة سنة ثمان وستين‪ ،‬وقيل غير ذلك‪ ،‬وكان‬ ‫عمر طويلً‪ ،‬قيل‪ :‬كان عمره لما مات مائة وعشرون سنة‪ - ،‬رضي ال عنه‪.)571(-‬‬ ‫و أمها الحديهث‪ ،‬فيدل على نوع آخهر مهن أنواع عبادة ال ‪-‬تعالى‪ -‬بذكهر اسهمه على الصهيد‪،‬‬ ‫والكلب المعل مة هي‪ :‬ال تي تق بل التعل يم‪ ،‬فإذا أمرت فعلت‪ ،‬وإذا نه يت انت هت‪ ،‬فإذا أر سلها صاحبها‬ ‫أمسكت الصيد له‪ ،‬وليس لنفسها‪ ،‬فل تأكل منه‪.‬‬ ‫ومفهوم الحديث‪ :‬أنه إذا لم يذكر اسم ال ‪-‬تعالى‪ -‬عند الرسال أنه ل يأكل مما أمسكت الكلب‬ ‫المعلمهة‪ ،‬وكذا إذا لم يخزق المعراض – وههو السههم – أي لم يجرح‪ ،‬ولم يصهب الصهيد بحده‪ ،‬بأن‬ ‫أصابه بعرضه‪ ،‬فإنه ل يأكل؛ لن الصيد حينئذ يكون وقيذة‪.‬‬

‫‪" )(571‬الستيعاب" (‪ ، )3/1057‬و "أسد الغابة" (‪ ، )3/392‬و "الصابة" (‪.)2/468‬‬ ‫‪154‬‬

‫ص ‪201‬‬ ‫‪ -27‬قال‪ " :‬حدثنها يوسهف بهن موسهى‪ ،‬حدثنها أبهو خالد الحمهر‪ ،‬قال‪ :‬سهمعت هشام بهن عروة‬ ‫يحدث‪ :‬عن أب يه‪ ،‬عن عائ شة – ر ضي ال عن ها – قالت‪ :‬قالوا‪ :‬يا ر سول ال‪ ،‬إن ه نا أقواما حديثا‬ ‫عهدهم بشرك‪ ،‬يأتونا بلحمان‪ ،‬ل ندري يذكرون اسم ال عليها أم ل؟ قال‪" :‬اذكروا أنتم اسم ال وكلوا"‪.‬‬ ‫في هذا الحد يث أن ذ كر ا سم ال على الذبي حة شرط في حل ال كل من ها‪ ،‬وأ نه إذا كان ظا هر‬ ‫الذابح السلم‪ ،‬ل يلتفت إلى الحتمال بأنه ذبحها على غير اسم ال‪ ،‬أو أنه ل يعرف الحكم‪ ،‬وما أشبه‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫وقوله – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬اذكروا ا سم ال وكلوا" ل يس معناه أن ذ كر ا سم ال ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫ع ند ال كل يجعل ها حللً إذا كا نت قد ذب حت على غ ير ا سم ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬ول كن أمر هم بذ كر ا سم ال‬ ‫عند الكل؛ لنه الذي يلزمهم‪ ،‬ومطيبا بذلك قلوبهم‪ ،‬ومشيرا بذلك إلى إطراح الشك‪ ،‬إذ الصل خلفه‪،‬‬ ‫وهو أن ظاهر الذابح السلم‪.‬‬ ‫وهذا الحديث يدل على نوع آخر من عبادة ال ‪-‬تعالى‪ -‬بذكر اسمه على الذبيحة‪ ،‬وعلى الكل‪،‬‬ ‫فهو من جنس ما تقدم‪.‬‬

‫‪155‬‬

‫ص ‪202‬‬ ‫‪-28‬قال‪ " :‬حدث نا ح فص بن ع مر‪ ،‬حدث نا هشام‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أ نس – ر ضي ال ع نه‪ -‬قال‪":‬‬ ‫ضحى النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬بكبشين‪ ،‬يسمي ويكبر"‪.‬‬ ‫الضحية هي‪ :‬النسك الذي يذبح تقربا إلى ال‪ - ،‬في الوقت المحدد له‪.‬‬ ‫والكبش‪ :‬هو الذكر من الضأن‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬ي سمي وي كبر " يع ني ع ند الذ بح‪ ،‬يقول‪ :‬ب سم ال‪ ،‬وال أ كبر‪ ،‬أي‪ :‬أذ بح ب سم ال متقربا‬ ‫إليه عبادة له‪.‬‬ ‫فهذا – أيضا – مهن عبادة ال ‪-‬تعالى‪ -‬ودعائه بذكهر اسهمه ‪-‬تعالى‪ -‬فهي النسهك الذي ههو مهن‬ ‫أفضل القرب إلى ال ‪-‬تعالى‪.-‬‬

‫‪156‬‬

‫ص ‪203‬‬ ‫‪-29‬قال‪ " :‬حدثنا حفص بن عمر‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن السود بن قيس‪ ،‬عن جندب‪ ،‬أنه شهد النبي‬ ‫– صلى ال عل يه و سلم‪ -‬يوم الن حر‪ ،‬صلى ثم خ طب‪ ،‬فقال‪ ":‬من ذ بح ق بل أن ي صلي‪ ،‬فليذ بح مكان ها‬ ‫أخرى‪ ،‬ومن لم يذبح فليذبح باسم ال "‪.‬‬ ‫جندب هو‪ :‬جندب بن عبد ال بن سفيان البجلي العلقي‪ ،‬نسبة إلى علقة بن عبقر بن أنمار‪ ،‬سكن‬ ‫الكوفة‪ ،‬ثم البصرة‪ ،‬وتوفي بعد الستين‪ - ،‬رضي ال عنه‪.)572(-‬‬ ‫والمراد من الحديهث قوله‪ " :‬فليذبهح باسهم ال" أي‪ :‬ذاكرا اسهم ال على الذبيحهة‪ ،‬عبادة له بذكهر‬ ‫اسهمه وبالذبهح له‪ ،‬متقربا إليهه بذلك‪ ،‬كمها أمهر ال ‪-‬تعالى‪ -‬عباده بأن يخلصهوا ذلك له وحده {قُلْ إِنّ‬ ‫ل شَرِيكَ َلهُ َو ِبذَِلكَ ُأ ِمرْتُ} (‪.)573‬‬ ‫حيَايَ َو َممَاتِي لِّل ِه رَبّ ا ْلعَاَلمِينَ {‪َ }162‬‬ ‫سكِي َو َم ْ‬ ‫صَلَتِي َو ُن ُ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪{ :-‬فَصَلّ ِل َر ّبكَ وَا ْنحَرْ} (‪.)574‬‬

‫‪ )(572‬انظر ‪ " :‬الستيعاب" (‪ ، )1/256‬و "الرياض المستطابة" (ص ‪.)46‬‬ ‫‪ )(573‬اليتان ‪ ،163 ،162‬من سورة النعام ‪.‬‬ ‫‪ )(574‬الية ‪ 2‬من سورة الكوثر ‪.‬‬ ‫‪157‬‬

‫ص ‪204‬‬ ‫‪-30‬قال‪ " :‬حدث نا أ بو نع يم‪ ،‬حدث نا ورقاء‪ ،‬عن عبدال بن دينار‪ ،‬عن ا بن ع مر – ر ضي ال‬ ‫عنهما – قال‪ :‬قال النبي –صلى ال عليه وسلم‪ ":-‬ل تحلفوا بآبائكم‪ ،‬ومن كان حالفا فليحلف بال"‪.‬‬ ‫المقصود بالحلف‪ :‬تأكيد الخبر بذكر اسم ال العظيم‪ ،‬يوقع بالكاذب العقوبة‪ ،‬ففي ضمن ذلك‪ :‬أن‬ ‫المحلوف به مطلع على حقي قة ال مر‪ ،‬ولذلك صار الحلف بغ ير ال شركا؛ ل ما في الحد يث الذي رواه‬ ‫الترمذي‪ " :‬من حلف بغير ال فقد كفر أو أشرك"‬

‫(‪)575‬‬

‫‪ )(575‬انظر ‪ " :‬سنن الترمذي" (‪ ، )3/45‬وقال بعد ذكره ‪ :‬هذا حديث حسن ‪ ،‬وفيه أن ابن عمر سمع رجلً‬ ‫يحلف بالكعبة ‪ ،‬فقال‪ :‬ل يحلف بغير ال … ثم ذكره ‪.‬‬ ‫ورواه أحمد في "المسند" (‪ )2/125‬وهو صحيح ‪.‬‬ ‫ورواه الحاكم في " المستدرك" (‪ ، )4/297‬وقال‪ :‬حديث صحيح على شرط الشيخين ‪ ،‬ولم يخرجاه ‪.‬‬ ‫ورمز له في حاشية الذهبي (خ م ) يعني عند البخاري ومسلم ‪ ،‬وليس كذلك ‪.‬‬ ‫ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" (‪.)10/29‬‬ ‫‪158‬‬

‫ص ‪205‬‬ ‫قال‪ " :‬باب‪ :‬ما يذ كر في الذات‪ ،‬والنعوت‪ ،‬وأ سامي ال – عز و جل‪ " -‬وقال خبيب‪ :‬وذلك في‬ ‫ذات الله‪ .‬فذكر الذات باسمه ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫قال الحا فظ‪" :‬أي‪ :‬ما يذ كر في ذات ال ونعو ته‪ ،‬من تجو يز إطلق ذلك عل يه‪ ،‬كإطلق أ سمائه‬ ‫عليه‪ ،‬أو منعه‪ ،‬لعدم ورود النص"(‪.)576‬‬ ‫وقال عياض‪ " :‬ذات الشيهء‪ :‬حقيقتهه‪ ،‬وقهد اسهتعمل أههل الكلم الذات‪ ،‬باللف واللم‪ ،‬وغلطههم‬ ‫أكثر النحاة‪ ،‬وجوزه بعضهم‪ ،‬لنها ترد بمعنى النفس وحقيقة الشيء‪ ،‬واستعمال البخاري لها على أنها‬ ‫حقيقهة الشيهء على مها اسهتعملها المتكلمون فهي حهق ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬ولهذا قال‪ :‬مها جاء فهي الذات‬ ‫والنعوت‪ ،‬ففرق بينهما على طريقة المتكلمين"(‪.)577‬‬ ‫وقال الراغهب‪ ":‬ذات تأنيهث "ذو"‪ ،‬وههي كلمهة يتوصهل بهها إلى الوصهف بأسهماء الجناس‪،‬‬ ‫والنواع‪ ،‬ول ي ستعمل ش يء من ها إل مضافا‪ ،‬و قد ا ستعاروا الذات‪ ،‬فجعلو ها عبارة عن ع ين الش يء‪،‬‬ ‫جوهرا كان أو عرضا‪ ،‬واسهتعملوها مفردة‪ ،‬ومضافهة {وأدخلوا عليهها} اللف واللم‪ ،‬وأجروا مجرى‬ ‫النفس‪ ،‬والخاصة‪ ،‬وليس ذلك من كلم العرب"(‪.)578‬‬ ‫وقال ابن برهان‪ " :‬إطلق المتكلمين الذات في حق ال ‪-‬تعالى‪ -‬من جهلهم؛ لن ذات تأنيث ذو‪،‬‬ ‫وهو – جلت عظمته – ل يصلح له إلحاق تاء التأنيث‪ .‬وقولهم‪ :‬الصفات الذاتية‪ ،‬جهل منهم أيضا؛ لن‬ ‫النسب إلى ذات‪ :‬ذوى"(‪.)579‬‬ ‫وقال الكندي‪ " :‬ذات بمع نى‪ :‬صاحبة‪ ،‬تأن يث ذو‪ ،‬ول يس ل ها في الل غة مدلول غ ير ذلك‪ ،‬وإطلق‬ ‫المتكلمين وغيرهم الذات بمعنى النفس خطأ عند المحققين"(‪.)580‬‬ ‫ص ‪206‬‬ ‫قال الحا فظ‪ " :‬وتع قب بأن الممت نع‪ :‬ا ستعمالها بمع نى صاحبة‪ ،‬أ ما إذا قط عت عن هذا المع نى‪،‬‬ ‫صدُورِ} (‪)581‬أي بن فس‬ ‫وا ستعملت بمع نى ال سمية‪ ،‬فل محذور؛ لقوله –تعالى‪{ :-‬إِنّ اللّ هَ عَلِي مٌ ِبذَا تِ ال ّ‬ ‫الصدور‪.‬‬ ‫وقد حكى المطرزي‪ :‬كل ذات شيء‪ ،‬وليس كل شيء ذات‪ ،‬وأنشد ابن فارس‪ :‬فنعم ابن عم القوم‬ ‫في ذات ماله إذا كان بعض القوم في ماله وفر‬

‫(‪)582‬‬

‫‪" )(576‬الفتح" (‪.)13/381‬‬ ‫‪" )(577‬مشارق النوار" (‪ )1/273‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪" )(578‬المفردات" (ص ‪ )182‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪" )(579‬الفتح" (‪.)13/382‬‬ ‫‪ )(580‬نفس المرجع‪.‬‬ ‫‪ )(581‬المرجع المذكور ‪.‬‬ ‫‪" )(582‬الفتح" (‪.)13/382‬‬ ‫‪159‬‬

‫وقال النووي‪ " :‬مرادههم بالذات‪ :‬الحقيقهة‪ ،‬وهذا اصهطلح للمتكلميهن‪ ،‬وقهد أنكره بعهض الدباء‬ ‫عليهم‪ ،‬وقال‪ :‬ل يعرف ذات‪ ،‬لي لغة العرب‪ ،‬بمعنى حقيقة‪ ،‬وإنما ذات‪ ،‬بمعنى صاحبة‪ ،‬وهذا النكار‬ ‫من كر‪ ،‬بل الذي قاله الفقهاء والمتكلمون صحيح‪ ،‬و قد قال المام أ بو الح سن الواحدي‪ ،‬في أول سورة‬ ‫ت ِب ْي ِنكُمْ} (‪.)583‬‬ ‫النفال في قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬فَاتّقُواْ الّلهَ وََأصِْلحُواْ ذَا َ‬ ‫ت ِب ْي ِنكُمْ} أي‪ :‬الحالة التي بينكم‪ ،‬فالتأنيث عنده للحالة‪،‬‬ ‫قال أبو العباس أحمد بن يحيى‪ ،‬ثعلب‪{ :‬ذَا َ‬ ‫وهو قول الكوفيين‪.‬‬ ‫ت ِب ْينِ ُكمْ} حقيقة وصلكم‪ ،‬والبين‪ :‬الوصل‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وقال الزجاج‪ :‬معنى {ذَا َ‬ ‫قال الواحدي‪ :‬فذات عنده بمعنى النفس‪ ،‬كما يقال‪ " :‬ذات الشيء ونفسه"(‪.)584‬‬ ‫قلت‪ :‬وهذا الذي ذكره النووي هو ما يق صده البخاري – رح مه ال – ولهذا قال‪ " :‬فذ كر الذات‬ ‫باسمه ‪-‬تعالى‪ " -‬أي‪ :‬أقام الذات مقام اسمه ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫قال الحافهظ‪ " :‬واسهتعمال البخاري لهها‪ ،‬دال على أن المراد بهها‪ :‬نفهس الشيهء – على طريقهة‬ ‫المتكلمين – في حق ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬ففرق بين النعوت‪ ،‬والذات"(‪.)585‬‬ ‫ص ‪207‬‬ ‫وقال ش يخ ال سلم‪ " :‬ل فظ ذات تأن يث ذو‪ ،‬وذلك ل ي ستعمل إل في ما كان مضافا إلى غيره‪ ،‬ف هم‬ ‫يقولون‪ :‬فلن ذو علم‪ ،‬وذو قدرة‪ ،‬ون فس ذات علم وقدرة‪ ،‬وح يث جاء في القرآن أو ل غة العرب‪ ،‬ل فظ‬ ‫ت ِب ْينِكُم}‪،‬‬ ‫"ذو"‪ ،‬ول فظ "ذات" لم يج يء إل مقرونا بالضا فة‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬فَاتّقُو ْا اللّ هَ وَأَ صِْلحُو ْا ذَا َ‬ ‫صدُورِ} وقول خبيب‪ ":‬وذلك في ذات الله" ونحو ذلك‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬عَلِيمٌ ِبذَاتِ ال ّ‬ ‫لكهن لمها صهار النظار‪ ،‬يتكلمون فهي هذا الباب‪ ،‬قالوا‪ :‬إنهه يقال‪ :‬إنهها ذات علم وقدرة‪ ،‬ثهم إنههم‬ ‫قطعوا هذا اللفهظ عهن الضافهة‪ ،‬وعرفوه‪ ،‬فقالوا‪ " :‬الذات" – وههو لفهظ مولد – ليهس مهن لفهظ العرب‬ ‫العرباء‪ ،‬ولهذا أنكره طائ فة من أ هل العلم‪ ،‬كأ بي الف تح ا بن برهان‪ ،‬وا بن الدهان‪ ،‬وغيره ما‪ ،‬وقالوا‪:‬‬ ‫ليست هذه اللفظة عربية‪.‬‬ ‫ورد عليهم آخرون‪ ،‬كالقاضي‪ ،‬وابن عقيل‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬ ‫وفصهل الخطاب‪ :‬أنهها ليسهت مهن العربيهة العرباء‪ ،‬بهل مهن المولد‪ ،‬كلفهظ الموجود‪ ،‬والماهيهة‪،‬‬ ‫والكيفية‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫فهذا اللفظ يقتضي وجود صفات‪ ،‬تضاف الذات إليها‪ ،‬فيقال‪ :‬ذات علم‪ ،‬وذات قدرة‪ ،‬وذات كلم‪،‬‬ ‫فإنه ل يمكن وجود شيء قائم بنفسه في الخارج‪ ،‬ل يتصف بصفة ثبوتية أصلً"(‪.)586‬‬ ‫‪ )(583‬الية الولى من سورة النفال‪.‬‬ ‫‪" )(584‬تهذيب السماء واللغات" (‪ )2/113‬القسم الثاني ‪.‬‬ ‫‪" )(585‬الفتح" (‪.)13/382‬‬ ‫‪" )(586‬مجموع الفتاوى" (‪.)99-6/98‬‬ ‫‪160‬‬

‫وقال ا بن الق يم‪ " :‬وأ صل هذه اللف ظة‪ ،‬هو تأن يث "ذو"‪ ،‬بمع نى صاحب‪ ،‬فذات كذا‪ :‬صاحبة كذا‪،‬‬ ‫في الصل‪.‬‬ ‫ولهذا ل يقال‪ :‬ذات الشيهء‪ ،‬إل لمها له صهفات‪ ،‬ونعوت تضاف إليهه‪ ،‬فكأنهه يقول‪ :‬صهاحبة هذه‬ ‫الصفات‪ ،‬والنعوت‪.‬‬ ‫ولهذا أنكهر جماعهة مهن النحاة على الصهوليين قولههم‪ ":‬الذات"‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل مدخهل لللف واللم‬ ‫هنا‪ ،‬كما ل يقال‪":‬الذو"‪ ،‬في ذو‪ .‬وهذا إنكار صحيح‪.‬‬ ‫والعتذار عنهم‪ :‬أن لفظة الذات في اصطلحهم‪ ،‬قد صارت عبارة عن نفس الشيء‪ ،‬وحقيقته‪،‬‬ ‫وعينه‪.‬‬ ‫فل ما ا ستعملوها ا ستعمال الن فس‪ ،‬والحقي قة‪ ،‬عرفو ها باللم‪ ،‬وجردو ها من الضا فة‪ ،‬وهذا أ مر‬ ‫اصطلحي‪ ،‬ل لغوي‪.‬‬ ‫ص ‪208‬‬ ‫فإن هذا اللفظ يقال لما هو منسوب إليه‪ ،‬أو من جهته‪ ،‬كجنب الشيء‪.‬‬ ‫فإذا قالوا‪ :‬هذا في ج نب ال‪ ،‬ل يريدون إل ما ين سب إل يه‪ ،‬و في سبيله‪ ،‬ومرضا ته وطاع ته‪ ،‬ل‬ ‫يريدون غير هذا‪.‬‬ ‫فلمها اصهطلح المتكلمون على إطلق الذات‪ ،‬على النفهس‪ ،‬والحقيقهة‪ ،‬ظهن مهن ظهن أن هذا ههو‬ ‫المراد بمثل قوله‪ " :‬ثلث كذبات في ذات ال‪ ،‬وقوله‪ " :‬وذلك في ذات الله"‪ ،‬وهذا غلط‪ ،‬بل الذات هنا‬ ‫ب اللّ ِه }‪ ،‬أل ترى أنه ل يحسن أن يقال‪ :‬فرطت‬ ‫ت فِي جَن ِ‬ ‫سرَتَى علَى مَا َفرّط ُ‬ ‫حْ‬ ‫كالجنب‪ ،‬في قوله‪ { :‬يَا َ‬ ‫في نفس ال وحقيقته‪ ،‬ويحسن أن يقال‪ :‬فرط في ذات ال‪ ،‬كما يقال‪ :‬قتل في ذات ال‪ ،‬وصبر في ذات‬ ‫ال؟" (‪.)587‬‬ ‫وبهذا يتبين أن هذا الستعمال صحيح ل ينكر؛ لنه أمر اصطلحي على معنى مفهوم معين‪.‬‬ ‫وبعهض الناس يظهن أن إطلق الذات على ال ‪-‬تعالى‪ -‬كإطلق الصهفات‪ ،‬أي أنهه وصهف له‪،‬‬ ‫فينكهر ذلك بناء على هذا الظهن‪ ،‬ويقول‪ :‬هذا مها ورد‪ .‬وليهس المهر كذلك‪ ،‬وإنمها المراد التفرقهة بيهن‬ ‫الصفة‪ ،‬والموصوف‪.‬‬ ‫وقد تبين مراد الذين يطلقون هذا اللفظ‪ ،‬أنهم يريدون نفس الموصوف وحقيقته‪ ،‬فل إنكار عليهم‬ ‫في ذلك‪ ،‬كما وضحه كلم شيخ السلم‪ ،‬وتلميذه ابن القيم‪.‬‬ ‫قال القسهطلني‪" :‬والظاههر جواز إطلق لفهظ "ذات"‪ ،‬ل بالمعنهى الذي أحدثهه المتكلمون‪ ،‬ولكنهه‬ ‫غير مردود‪ ،‬إذا عرف أن المراد النفس؛ لثبوت لفظ النفس في القرآن "(‪.)588‬‬

‫‪" )(587‬بدائع الفوائد" (‪ )2/7‬ببعض التصرف‪.‬‬ ‫‪" )(588‬إرشاد الساري" (‪.)10/379‬‬ ‫‪161‬‬

‫و أ ما "النعوت" ف هو ج مع ن عت‪ ،‬و هو الو صف‪ ،‬يقال‪ :‬ن عت فلنا نعتا‪ ،‬أي و صفه و صفا‪ ،‬وز نه‬ ‫ومعناه واحد‪ ،‬ومنه الحديث‪ " :‬ل تباشر المرأة المرأة‪ ،‬فتنعتها لزوجها‪ ،‬كأنه يراها"(‪.)589‬‬ ‫ص ‪209‬‬ ‫و أما السامي‪ ،‬فهي جمع اسم‪ ،‬وتجمع أيضا على أسماء‪.‬‬ ‫قوله‪ ":‬فذكهر الذات باسهمه ‪-‬تعالى‪ -‬أي‪ :‬ذكهر ال بلفهظ الذات‪ ،‬وسهمعه النهبي –صهلى ال عليهه‬ ‫وسلم‪ -‬فلم ينكره‪ ،‬فصار دليلً على جواز ذلك‪.‬‬ ‫واعترض على ا ستدلل البخاري بذلك؛ لن خبيبا لم يرد الحقي قة‪ ،‬والن فس‪ ،‬وإن ما يع ني بقوله‪":‬‬ ‫وذلك في ذات الله" أي‪ :‬في سبيله وطاعته‪.‬‬ ‫والجواب‪ :‬أن إطلق لفهظ الذات على ال ‪-‬تعالى‪ -‬جائز فهي الجملة؛ لورود الثار‪ ،‬فيكون ذلك‬ ‫أ صلً للجواز‪ ،‬ف في الحد يث ال صحيح المت فق عل يه‪ ":‬أن إبراه يم لم يكذب إل ثلث كذبات‪ ،‬اثنت ين في‬ ‫ذات ال"(‪.)590‬‬ ‫وفي حديث ابن عباس‪ ":‬تفكروا في كل شيء‪ ،‬ول تفكروا في ذات ال"(‪.)591‬‬ ‫قال الحافظ‪ :‬سنده جيد‪.‬‬ ‫وقال أبو الدرداء‪ " :‬ل تفقه كل الفقه‪ ،‬حتى تمقت الناس في ذات ال "‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ :‬إسناده ثقات‪ ،‬إل أنه منقطع"(‪.)592‬‬ ‫وقد تقدمت الشارة إلى الفرق بين السماء والصفات في الباب الول‪.‬‬ ‫و قد ذ كر البخاري – رح مه ال – ق صة خبيب وأ صحابه‪ ،‬في كتاب المغازي‪ ،‬و هي مشهورة‪،‬‬ ‫فنكتفي بنص ما ذكره البخاري هنا‪.‬‬

‫‪ )(589‬رواه البخاري في كتاب النكاح ‪ ،‬انظر "البخاري مع الفتح" (‪.)9/338‬‬ ‫‪ )(590‬رواه البخاري ‪ ،‬انظره مع "الفتح" (‪ ، )5/246( ، )4/410‬ومواضع أخر عدة ‪ ،‬ومسلم في‬ ‫"الفضائل"‪.‬‬ ‫‪ )(591‬قال في "كشف الخفا" ‪ :‬رواه أبو نعيم في "الحلية" ‪ ،‬وابن أبي شيبة في "العرش" (ص ‪( )311‬‬ ‫‪.)4/1840‬‬ ‫‪" )(592‬الفتح" (‪.)13/383‬‬ ‫‪162‬‬

‫ص ‪210‬‬ ‫‪ -31‬قال‪ " :‬حدث نا أ بو اليمان‪ ،‬أخبر نا شع يب‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬أ خبرني عمرو بن أ بي سفيان بن‬ ‫أسيد بن جارية‪ ،‬الثقفي – حليف لبني زهرة‪ ،‬وكان من أصحاب أبي هريرة‪ -‬أن أبا هريرة قال‪ :‬بعث‬ ‫ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬عشرة‪ ،‬من هم خبيب الن صاري فأ خبرني عب يد ال بن عياض‪ ،‬أن‬ ‫ابنهة الحارث أخهبرته‪ ،‬أنههم حيهن اجتمعوا‪ ،‬اسهتعار منهها موسهى يسهتحد بهها‪ ،‬فلمها خرجوا مهن الحرم‬ ‫ليقتلوه‪ ،‬قال خبيب النصاري‪:‬‬ ‫هلما على أي شههق كان ل فههي مصههرعي‬ ‫هل مسه‬ ‫هن أقته‬ ‫هت أبالي حيه‬ ‫ولسه‬ ‫وذلك فهههي ذات الله وإن يشهههأ يبارك على أوصهههههههال شلو ممزع‬ ‫فقتله ابن الحارث‪ ،‬فأخبر النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أصحابه خبرهم يوم أصيبوا"‪.‬‬

‫‪163‬‬

‫ص ‪211‬‬ ‫حذّ ُركُ مُ اللّ ُه نَفْ سَهُ} (‪)593‬وقوله – جل ذكره –‪َ { :‬تعْلَ مُ مَا فِي نَفْ سِي‬ ‫قال‪ " :‬باب قول ال تعالى‪َ { :‬و ُي َ‬ ‫سكَ} (‪.")594‬‬ ‫ل أَعَْلمُ مَا فِي نَ ْف ِ‬ ‫َو َ‬ ‫المراد بالنفس في هذا‪ :‬ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬المتصف بصفاته‪ ،‬ول يقصد بذلك ذاتا منفكة عن الصفات‪،‬‬ ‫كما ل يراد به صفة الذات كما قاله بعض الناس‪ ،‬وسيأتي بيان ذلك من كلم السلف‪.‬‬ ‫سهُ} أن ت سخطوها علي كم بركوب كم ما‬ ‫ح ّذرُكُ مُ الّل هُ نَفْ َ‬ ‫قال ا بن جر ير – رح مه ال تعالى ‪َ { :-‬و ُي َ‬ ‫ت مِن سُوَ ٍء تَ َودّ َلوْ َأنّ‬ ‫عمِلَ ْ‬ ‫ضرًا َومَا َ‬ ‫خ ْيرٍ ّمحْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت مِ ْ‬ ‫عمِلَ ْ‬ ‫جدُ كُلّ نَفْسٍ مّا َ‬ ‫يسخطه عليكم‪ ،‬فتوافونه {يَوْ َم َت ِ‬ ‫َب ْي َنهَا َو َب ْينَ ُه َأ َمدًا َبعِيدًا} وهو عليكم ساخط‪ ،‬فينالكم من أليم عقابه ما ل قبل لكم به "(‪.)595‬‬ ‫وقال‪ " :‬ويخوفكهم ال مهن نفسهه‪ ،‬أن تركبوا معاصهيه‪ ،‬أو توالوا أعداءه‪ ،‬فإن إلى ال مرجعكهم‪،‬‬ ‫فاتقوه واحذروا أن ينالكم عقابه‪ ،‬فإنه شديد العقاب"(‪.)596‬‬ ‫وقال ا بن خزي مة‪" :‬أول ما نبدأ به من ذ كر صفات خالق نا‪ :‬ذ كر نف سه‪ ،‬جل رب نا عن أن تكون‬ ‫نفسه‪ ،‬كنفس خلقه‪ ،‬وعز عن أن يكون عدما ل نفس له "(‪.)597‬‬ ‫ْسه ِه ال ّرحْمَةَ} وقوله‬ ‫ُمه عَلَى نَف ِ‬ ‫َبه َربّك ْ‬ ‫ثهم ذكهر بعهض النصهوص فهي ذلك كقوله ‪-‬تعالى‪َ { -‬كت َ‬ ‫ك ِلنَفْ سِي} ثم ذكر ما رواه البخاري في هذا الباب‪ ،‬وحديث ابن عباس‪" :‬أن النبي‬ ‫ط َن ْعتُ َ‬ ‫تعالى‪{ :-‬وَا صْ َ‬‫– صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ح ين خرج إلى صلة ال صبح وجوير ية جال سة في الم سجد ر جع ح ين تعالى‬ ‫النهار‪ ،‬قال‪ ":‬لم تزالي جالسة بعدي؟"‬ ‫ص ‪212‬‬ ‫قالت‪ :‬ن عم‪.‬قال‪ " :‬ل قد قلت بعدك أر بع كلمات‪ ،‬لو وز نت ب هن لوزنت هن(‪ :)598‬سبحان ال العظ يم‬ ‫وبحمده‪ .‬عدد خلقه‪ ،‬ومداد كلماته‪ ،‬ورضا نفسه‪ ،‬وزنة عرشه"(‪.)599‬‬ ‫وذكر أيضا حديث محاجة موسى لدم‪ ،‬وفيه‪":‬قال آدم لموسى‪ :‬أنت الذي اصطفاك ال برسالته‪،‬‬ ‫واصطنعك لنفسه…"(‪ )600‬ثم قال‪" :‬فال – جل وعل‪ -‬أثبت في آي من كتابه أن له نفسا‪ ،‬وكذلك قد بين‬ ‫على لسان نبيه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أن له نفسا"(‪.)601‬‬ ‫‪ )(593‬الية ‪ 28‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(594‬الية ‪ 116‬من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪" )(595‬تفسير الطبري" (‪ )6/321‬بتحقيق‪ :‬محمود شاكر ‪.‬‬ ‫‪ )(596‬المرجع المذكور (‪.)6/317‬‬ ‫‪ )(597‬كتاب "التوحيد" (ص ‪.)5‬‬ ‫‪ )(598‬يعني ‪ :‬لو وزنت هذه الربع بما قلتيه منذ فارقتك لوزنتهن‪ .‬رواه مسلم في كتاب الذكر‪.‬‬ ‫‪ )(599‬كتاب "التوحيد" (ص ‪ )7‬رواه مسلم ‪ ،‬كتاب "الذكر" رقم (‪.)4/2090( )2726‬‬ ‫‪ )(600‬كتاب "التوحيد" (ص ‪ )9‬وهو في "الصحيحين" ‪ ،‬انظر ‪" :‬الفتح (‪ ، )6/441‬و (‪ ، )8/434‬و (‬ ‫‪ ، )11/505‬ومسلم (‪.)2044 ،4/2043‬‬ ‫‪ )(601‬كتاب "التوحيد" (ص ‪.)8‬‬ ‫‪164‬‬

‫و في " صحيح م سلم" في حد يث أ بي ذر الطو يل‪ " :‬يا عبادي‪ ،‬إ ني حر مت الظلم على نف سي‪،‬‬ ‫وجعلته بينكم محرما‪ ،‬فل تظالموا"(‪.)602‬‬ ‫وفي "السنن" عن علي – رضي ال عنه – أن رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬كان يقول في‬ ‫آخر وتره‪ ":‬اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك‪ ،‬وبمعافاتك من عقوبتك‪ ،‬وأعوذ بك منك‪ ،‬ل أحصي‬ ‫ثناء عليك‪ ،‬أنت كما أثنيت على نفسك"(‪.)603‬‬ ‫وتقدم ذكر حديث ابن مسعود في "المسند" مرفوعا‪" :‬أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك‪ ،‬أو‬ ‫أنزلته في كتابك"(‪.)604‬‬ ‫فهذه النصوص واضحة في أن المراد بالنفس هو ال ‪-‬تعالى‪ -‬كما قلنا‪.‬‬ ‫ول يخالف ذلك ما قاله ابن خزيمة والئمة؛ لن مقصودهم إثبات ما أثبته ال من غير تعرض‬ ‫له بتأو يل أو تمث يل‪ ،‬تعالى ال عن المثال والنداد‪ ،‬والتم سك بالن صوص ال تي قال ها ال ور سوله‪ ،‬مع‬ ‫العراض عما يقوله أهل التأويل‪ ،‬وأصحاب‬ ‫ص ‪213‬‬ ‫الوسهاوس الشيطانيهة‪ ،‬التهي تعود على النصهوص بالبطال‪ ،‬وحسهب المسهلم أن يسهعه مها وسهع‬ ‫السلف الصالح من الصحابة‪ ،‬ومن سلك طريقهم‪.‬‬ ‫وليس معنى ذلك العراض عن معاني النصوص‪ ،‬كما يتوهمه بعض الناس من مذهب السلف‪،‬‬ ‫ويعبرون عنه بالتفويض‪.‬‬ ‫بل المق صود إثبات ما أثب ته ال لنف سه‪ ،‬أو أثب ته له ر سوله‪ ،‬مع ف قه المع نى اللئق بعظ مة ال‬ ‫سمِيعُ البَصِيرُ} ونحوها من‬ ‫شيْءٌ وَهُ َو ال ّ‬ ‫تعالى‪ -‬وفهمه‪ ،‬على ما دل عليه قوله ‪-‬تعالى‪َ{ :-‬ليْسَ َك ِمثْلِ ِه َ‬‫اليات المحكمات‪ ،‬والمر في هذا واضح لمن تمسك بالكتاب والسنة‪.‬‬ ‫روى ابن جرير‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬في قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬إن الساعة آتية أكاد أخفيها} (‪.)605‬‬ ‫قال‪ :‬من نفسي‪ .‬وأصله عن ابن عباس‪.‬‬ ‫وروي عن أبي صالح‪{ :‬أكاد أخفيها} قال‪ :‬يخفيها من نفسه‪.‬‬ ‫وعن قتادة‪{ :‬أكاد أخفيها} – وهي في بعض القراءات‪ ":‬أخفيها من نفسي" (‪" :-)606‬لقد أخفاها ال‬ ‫من الملئكة المقربين‪ ،‬ومن النبياء المرسلين"(‪.)607‬‬ ‫‪" )(602‬صحيح مسلم" (‪.)4/1994‬‬ ‫‪" )(603‬سنن أبي داود" (‪ ، )2/134‬والترمذي (‪ )5/187‬رقم (‪ ، )3562‬والنسائي (‪ ، )3/249‬وابن ماجه (‬ ‫‪ )1/373‬رقم (‪ ، )1179‬ورواه مسلم في "صحيحه" (‪ )1/352‬رقم (‪. )222‬‬ ‫‪" )(604‬المسند" (‪ )6/153( ، )5/267‬تحقيق ‪ :‬أحمد شاكر‪.‬‬ ‫‪ )(605‬الية ‪ 15‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪ )(606‬هي قراءة ابن مسعود ‪ ،‬كما سيأتي عن ابن كثير وابن عباس ‪.‬‬ ‫‪" )(607‬تفسير ابن جرير" (‪ )16/149‬طبعة الحلبي‪.‬‬ ‫‪165‬‬

‫وقال ا بن كث ير‪ ":‬أكاد أخفي ها" قال الضحاك‪ :‬عن ا بن عباس أ نه كان يقرؤ ها‪" :‬أكاد أخفي ها من‬ ‫نفسي"‪ ،‬يقول‪ :‬لنها ل تخفى من نفس ال أبدا‪ ،‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬عن ابن عباس‪" ،‬من نفسه"‪ ،‬وكذا‬ ‫قال مجاهد وأبو صالح‪ ،‬ويحيى بن رافع‪.‬‬ ‫وقال السدي‪ :‬ليس أحد من أهل السماوات والرض‪ ،‬إل وقد أخفى ال عنه علم الساعة‪ ،‬وهي‬ ‫في قراءة ابن مسعود‪ ":‬إني أكاد أخفيها من نفسي"(‪.)608‬‬ ‫سكَ}‪ ،‬يقول‪ :‬إنك يا رب‬ ‫وقال ابن جرير في قوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬تعْلَ ُم مَا فِي نَفْسِي َولَ أَعَْلمُ مَا فِي نَ ْف ِ‬ ‫ل يخفى عليك ما أضمرته نفسي مما ل أنطق به ولم أظهره بجوارحي‪ ،‬فكيف بما نطقت به وأظهرته‬ ‫بجوارحي‪ ،‬لو كنت قد قلت للناس‪:‬‬ ‫ص ‪214‬‬ ‫خذُونِي وَُأمّ يَ إِلَه َهيْنِ مِن دُو نِ الّل هِ} كنت قد علمته‪ ،‬لنك تعلم ضمائر النفوس مما لم تنطق‬ ‫{ا ّت ِ‬ ‫سكَ} يقول‪ :‬ول أعلم أنا ما أخفيته عني فلم تطلعني عليه‪،‬‬ ‫ل أَعْلَ مُ مَا فِي نَفْ ِ‬ ‫به‪ ،‬فكيف بما نطقت به؟ { َو َ‬ ‫لني إنما أعلم من الشياء ما علمتنيه"(‪.)609‬‬ ‫ط َن ْع ُتكَ ِلنَفْ سِي} " أنع مت عليك – يا موسى – هذه النعم‪ ،‬ومن نت‬ ‫وقال في قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَا صْ َ‬ ‫عليك هذه المنن‪ ،‬اجتباء مني لك‪ ،‬واختبارا لرسالتي‪ ،‬والبلغ عني‪ ،‬والقيام بأمري ونهيي"(‪.)610‬‬ ‫ل لنفسي‪ ،‬أي كما أريد وأشاء"(‪.)611‬‬ ‫وقال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬اصطفيتك واجتبيتك رسو ً‬ ‫وقال ا بن سعيد الدار مي‪" :‬واد عى المعارض‪ :‬أن ال ل يو صف بالضم ير‪ ،‬والضم ير من في عن‬ ‫ال‪ ،‬وهي كلمة خبيثة قديمة‪ ،‬من كلم جهم‪ ،‬عارض بها جهم قول ال تعالى‪َ { :‬تعْلَ مُ مَا فِي نَفْ سِي َولَ‬ ‫سكَ}‪ ،‬يدفع بذلك أن يكون ال ‪-‬تعالى‪ -‬سبق له علم في نفسه من الخلق وأعمالهم قبل أن‬ ‫أَعْلَمُ مَا فِي نَفْ ِ‬ ‫يخلقهم‪.‬‬ ‫فرد عليه بعض العلماء‪ ،‬وقالوا‪ :‬كفرت بها من ثلثة أوجه‪:‬‬ ‫الول‪ :‬أنك نفيت عن ال العلم السابق في نفسه قبل حدوث الخلق‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أنك استجهلت المسيح ابن مريم – عليه السلم – بأنه وصف ربه بأن له خفايا علم في‬ ‫سكَ }‪.‬‬ ‫نفسه‪ ،‬إذ يقول‪َ { :‬ولَ َأعَْلمُ مَا فِي نَ ْف ِ‬ ‫الثالث‪ :‬أنك طعنت به على محمد –صلى ال عليه وسلم‪ -‬إذ جاء به مصدقا لعيسى‪..‬‬ ‫قال أ بو سعيد‪" :‬وقول ج هم هذا أ صل كبير في تعط يل الن فس والعلم ال سابق‪ ،‬ويرد عل يه بقوله‪:‬‬ ‫سكَ }‪ ،‬فذكر المسيح أن ل علما سابقا في نفسه‪ ،‬يعلمه ال‪ ،‬ول‬ ‫{ َتعْلَ مُ مَا فِي نَفْ سِي َولَ َأعْلَ ُم مَا فِي نَفْ ِ‬ ‫يعلمه هو"‪.‬‬ ‫‪" )(608‬تفسير ابن كثير" (‪ )5/272‬طبعة الشعب‪.‬‬ ‫‪" )(609‬تفسير ابن جرير الطبري" (‪ )11/238‬تحقيق‪ :‬محمود شاكر ‪.‬‬ ‫‪" )(610‬تفسير الطبري" (‪ )16/168‬مطبعة الحلبي‪.‬‬ ‫‪" )(611‬تفسير ابن كثير" (‪ )4/287‬طبعة الشعب ‪.‬‬ ‫‪166‬‬

‫ثم روى عن أبي البحتري أنه قال‪ " :‬ل يقولن أحدكم‪ :‬اللهم أدخلني مستقر رحمتك‪ ،‬فإن مستقر‬ ‫رحمته نفسه"(‪.)612‬‬ ‫ص ‪215‬‬ ‫وقال الرا غب‪ ":‬نف سه‪ :‬ذا ته‪ ،‬وهذا وإن كان قد ح صل – من ح يث الل فظ – مضاف‪ ،‬ومضاف‬ ‫إليه‪ ،‬يقتضي المغايرة‪ ،‬وإثبات شيئين من حيث العبارة‪ ،‬فل شيء من حيث المعنى سواه‪ ،‬سبحانه عن‬ ‫الثنوية من كل وجه"‬

‫(‪)613‬‬

‫قال الحافظ‪ :‬قال البيهقي‪ :‬والنفس في كلم العرب على أوجه‪:‬‬ ‫منها‪ :‬الحقيقة‪ ،‬كما يقولون في نفس المر‪ ،‬وليس للمر نفس منفوسة‪.‬‬ ‫سكَ} إن معناه‪:‬‬ ‫ومنها‪ :‬الذات‪ ،‬قال‪ :‬وقد قيل في قوله تعالى‪َ { :‬تعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي َولَ َأعْلَمُ مَا فِي نَفْ ِ‬ ‫تعلم ما أك نه‪ ،‬و ما أ سره‪ ،‬ول أعلم ما ت سره ع ني"(‪" ،)614‬وقال أ بو إ سحاق الزجاج في قوله ‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫حذّ ُر ُكمُ اللّ ُه نَ ْفسَ ُه } أي‪ :‬إياه‪.‬‬ ‫{ َو ُي َ‬ ‫سكَ } ثلثة أقوال‪:‬‬ ‫وحكى صاحب "المطالع" في قوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬ولَ َأعَْلمُ مَا فِي نَ ْف ِ‬ ‫أحدها‪ :‬ل أعلم ذاتك‪.‬‬ ‫ثانيها‪ :‬ل أعلم ما في غيبك‪.‬‬ ‫ثالث ها‪ :‬ل أعلم ما عندك‪ ،‬و هو بمع نى قول غيره‪ :‬ل أعلم معلو مك أو إراد تك‪ ،‬أو سرك‪ ،‬أو ما‬ ‫يكون منك"(‪.)615‬‬ ‫"قال ابهن بطال‪ :‬فهي هذه اليات والحاديهث‪ ،‬إثبات النفهس ل ‪-‬تعالى‪ -‬وللنفهس معان‪ ،‬والمراد‬ ‫بنفس ال ‪-‬تعالى‪ -‬ذاته‪ ،‬وليس بأمر مزيد عليه‪ ،‬فوجب أن يكون هو"(‪.)616‬‬ ‫وقال شيخ السلم‪" :‬ونفسه هي ذاته المقدسة"(‪.)617‬‬ ‫ص ‪216‬‬ ‫وقال أيضا‪" :‬ويراد بن فس الش يء‪ :‬ذا ته‪ ،‬وعي نه‪ ،‬ك ما يقال‪ :‬رأ يت زيدا نف سه‪ ،‬وعي نه‪ ،‬و قد قال‬ ‫ب َربّكُ مْ عَلَى نَفْ سِ ِه ال ّرحْمَةَ} وقال‪:‬‬ ‫سكَ}‪ ،‬وقال‪َ { :‬كتَ َ‬ ‫تعالى‪َ { :-‬تعْلَ مُ مَا فِي َنفْ سِي َولَ َأعْلَ مُ مَا فِي نَفْ ِ‬‫{ويحذركم ال نفسه}‪.‬‬ ‫وفي الحديث‪" :‬سبحان ال رضا نفسه"‪ ،‬وفي الخر‪ " :‬إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي"‪.‬‬ ‫‪ )(612‬نقض عثمان بن سعيد على بشر المريسي ‪( ،‬ص ‪" )550‬عقائد السلف" ‪ ،‬ملخصًا بتصرف‪.‬‬ ‫‪" )(613‬المفردات" (ص ‪.)511‬‬ ‫‪" )(614‬الفتح" (‪ . )13/384‬ذكر الحافظ كلم البيهقي بالمعنى ‪ ،‬فصار أحسن من كلم البيهقي ‪ ،‬ولهذا‬ ‫آثرته ‪ ،‬وهو في "السماء والصفات" (ص ‪.)286‬‬ ‫‪" )(615‬الفتح" (‪.)13/384‬‬ ‫‪ )(616‬المرجع نفسه ‪.‬‬ ‫‪" )(617‬مجموع الفتاوى" (‪.)14/196‬‬ ‫‪167‬‬

‫فهذه الموا ضع المراد في ها بل فظ الن فس ع ند جمهور العلماء‪ :‬ال نف سه ال تي هي ذا ته‪ ،‬المت صفة‬ ‫بصفاته‪ ،‬ليس المراد بها ذاتا منفكة عن الصفات‪ ،‬ول المراد بها صفة للذات‪.‬‬ ‫وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات‪.‬‬ ‫كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات‪ ،‬وكل القولين خطأ"(‪.)618‬‬

‫‪" )(618‬مجموع الفتاوى" (‪ ، )293-9/292‬باختصار قليل‪.‬‬ ‫‪168‬‬

‫ص ‪217‬‬ ‫‪ -32‬قال‪ " :‬حدث نا ع مر بن ح فص بن غياث‪ ،‬حدث نا أ بي حدث نا الع مش‪ ،‬عن شق يق‪ ،‬عن ع بد‬ ‫ال‪ ،‬عن النبي – صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ " :‬ما من أحد أغير من ال‪ ،‬من أجل ذلك حرم الفواحش‪،‬‬ ‫وما أحد أحب إليه المدح من ال "‪.‬‬ ‫هذا الحديث ذكره البخاري في مواضع متعددة‪ ،‬فتقدم في تفسير سورة النعام‪ ،‬وفيه‪" :‬ول شيء‬ ‫أحب إليه المدح من ال‪ ،‬ولذلك مدح نفسه"(‪" .)619‬فذكر النفس ثابت في هذا الحديث‪ ،‬وإن كان لم يقع في‬ ‫هذه الطريق‪ ،‬لكنه أشار إليه‪ ،‬كعادته‪ ،‬فإنه – رحمه ال ‪ -‬كثيرا ما يترجم ببعض ما ورد في طرق‬ ‫الحديث الذي يورده"(‪.)620‬‬ ‫قلت‪ :‬وهذه الجملة من الحديث المذكورة في التفسير هي محل الشاهد‪ ،‬فهو يشير إليها‪.‬‬ ‫وسيأتي الكلم – إن شاء ال – في الغيرة بعد أربعة أبواب غير هذا‪ ،‬وتقدم الكلم في النفس ما‬ ‫فيه الكفاية‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬من أجل ذلك حرم الفواحش " الحرام هو‪:‬الممنوع‪ ،‬وتحريم ال ‪-‬تعالى‪ -‬للشيء‪ ،‬هو منعه‬ ‫منه شرعا‪ ،‬أو قدرا‪ ،‬فالشرع نحو ما في هذا الحديث‪ ،‬وهو كثير جدا‪ ،‬أي أمثلته‪.‬‬ ‫جعُونهَ} (‪ ،)621‬وقوله‪:‬‬ ‫ه ل َي ْر ِ‬ ‫ه عَلَى َق ْريَةٍ أَهَْل ْكنَاهَها َأ ّنهُم ْ‬ ‫حرَام ٌ‬ ‫و أمها القدر فكقوله – تعالى ‪َ { :-‬و َ‬ ‫ح ّر ْمنَا عََليْ ِه ا ْل َمرَاضِعَ مِن َقبْلُ} (‪.)622‬‬ ‫{ َو َ‬ ‫والفواحش‪ :‬جمع فاحشة‪ ،‬وهي‪ :‬ما عظم قبحه من الفعال والقوال‪ ،‬في الشرع‪ ،‬أو في العقل‪،‬‬ ‫أو في العرف‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬و ما أ حد أ حب إل يه المدح من ال " كل مة "أ حد" ل يو صف ب ها في الثبات ش يء من‬ ‫العيان إل ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬ولكنها تستعمل في غير ال‪ ،‬في النفي وما في معناه‪ ،‬كالشرط‪ ،‬والستفهام‪،‬‬ ‫وتستعمل في أول العدد‪ ،‬كأحد اثنين وأحد‬ ‫ص ‪218‬‬ ‫ع شر‪ ،‬ولهذا لم يج يء في القرآن ا ستعمالها لغ ير ال‪ ،‬إل في غ ير المو جب‪ ،‬أو في الضا فة‪،‬‬ ‫ح َدكُم ِب َورِ ِق ُكمْ }‬ ‫كقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬فَا ْب َعثُوا َأ َ‬ ‫قال أهل اللغة‪ " :‬تقول‪ :‬ل أحد في الدار‪ ،‬ول تقل‪ :‬فيها أحد"(‪.)623‬‬

‫‪ )(619‬انظر ‪ " :‬الفتح" (‪.)8/295‬‬ ‫‪" )(620‬الفتح" (‪.)13/385‬‬ ‫‪ )(621‬الية ‪ 95‬من سورة النبياء‪.‬‬ ‫‪ )(622‬الية ‪ 12‬من سورة القصص‪.‬‬ ‫‪" )(623‬مجموع الفتاوى" (‪.)17/137‬‬ ‫‪169‬‬

‫والمدح‪ :‬هو الثناء الح سن‪ ،‬قال الجوهري‪" :‬المدح‪ :‬الثناء الح سن‪ ،‬و قد مد حه وامتد حه‪ ،‬بمع نى‪،‬‬ ‫وكذلك المدحة‪ ،‬والمديح‪ ،‬والمدوحة"(‪.)624‬‬ ‫وفي كليات أبي البقاء‪ ،‬بعدما ذكر قول الجوهري قال‪ ":‬وقيل‪ :‬المدح‪ :‬الثناء باللسان على الجميل‬ ‫مطلقا‪ ،‬سواء كان من الفواضل‪ ،‬أو من الفضائل‪ ،‬وسواء كان اختياريا‪ ،‬أو غير اختياري‪ ،‬ول يكون إل‬ ‫قبل النعمة"(‪.)625‬‬ ‫فالمدح‪ " :‬ذكهر محاسهن الممدوح‪ ،‬والخبار عنهها على سهبيل الثناء والتعظيهم بذلك‪ ،‬فإن اقترن‬ ‫بال حب والرادة‪ ،‬ف هو ح مد؛ لن الح مد هو‪ :‬ذ كر محا سن المحمود‪ ،‬والخبار عن ها‪ ،‬مع ح به وإجلله‪،‬‬ ‫وتعظيمه‪ ،‬فهو خبر يتضمن النشاء"(‪.)626‬‬ ‫ومدح النسان نفسه نقص يلم عليه‪ ،‬وكذلك طلبه من الناس‪ ،‬وتكلفه لذلك يدل على نقصه‪ ،‬وقد‬ ‫جاءت الحاديث الصحيحة بالنهي عن المدح ول سيما في الوجه؛ لن ذلك مظنة الفتنة والغترار‪ ،‬وقد‬ ‫يكون المدح بالكذب‪ ،‬وربما حمله المدح على ظلم من لم يمدحه‪.‬‬ ‫و في " صحيح م سلم" عن همام بن الحارث أن رجلً ج عل يمدح عثمان‪ ،‬فع مد المقداد فج ثا على‬ ‫ركبت يه – وكان رجلً ضخما – فج عل يح ثو في وج هه الح صباء‪ ،‬فقال له عثمان‪ :‬ما شأ نك؟ فقال‪ :‬إن‬ ‫رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ " :‬إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب"(‪.)627‬‬ ‫وروى ابهن ماجهه عهن معاويهة قال‪ :‬سهمعت رسهول ال –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬يقول‪" :‬إياكهم‬ ‫والتمادح فإنه الذبح"(‪)628‬وسنده حسن‪ ،‬وفي ذلك أحاديث كثيرة‪.‬‬ ‫ص ‪219‬‬ ‫ل على الجواز – أي جواز‬ ‫قال النووي‪ " :‬قال العلماء‪ :‬الجمهع بيهن هذه الحاديهث ومها جاء دا ً‬ ‫المدح – أن الن هي محمول على المجاز فة في المدح‪ ،‬والزيادة في الو صاف‪ ،‬أو على من يخاف عل يه‬ ‫الفت نة‪ ،‬من إعجاب ونحوه‪ ،‬إذا سمع المدح‪ ،‬وأ ما من ل يخاف عل يه ذلك؛ لكمال تقواه‪ ،‬ور سوخ عقله‪،‬‬ ‫ومعرفته‪ ،‬فل نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة"(‪.)629‬‬ ‫أما ال ‪-‬تعالى‪ -‬فلكماله المطلق مدح نفسه؛ لنه أهل المدح والثناء‪ ،‬ولن الخلق ل يقدرون على‬ ‫مدحه بما يستحق‪ ،‬كما قال الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬ل أحصي ثناء عليك‪ ،‬أنت كما أثنيت‬ ‫على نفسك"(‪.)630‬‬ ‫‪ )(624‬انظر ‪" :‬الصحاح" (‪.)1/403‬‬ ‫‪" )(625‬الكليات" (‪.)4/277‬‬ ‫‪" )(626‬بدائع الفوائد" (‪.)2/93‬‬ ‫‪" )(627‬مسلم" (‪ ، )4/1297‬و "ابن ماجه" (‪ )2/1232‬رقم (‪.)3742‬‬ ‫‪" )(628‬السنن" (‪ )2/1232‬رقم (‪.)3743‬‬ ‫‪" )(629‬شرح مسلم" (‪.)18/126‬‬ ‫‪ )(630‬سبق تخريجه قريباً‪.‬‬ ‫‪170‬‬

‫قال النووي‪ " :‬حقيقهة مدح العباد ل ‪-‬تعالى‪ -‬ههو مصهلحة للعباد؛ لنههم يثنون عليهه سهبحانه‬ ‫فيثيبهم‪ ،‬فينتفعون‪ ،‬وهو سبحانه غني عن العالمين‪ ،‬ل ينفعه مدحهم‪ ،‬ول يضره تركهم ذلك‪ ،‬وفيه تنبيه‬ ‫على فضل الثناء عليه سبحانه وتسبيحه‪ ،‬وتهليله‪ ،‬وتحميده‪ ،‬وتكبيره‪ ،‬وسائر الذكار"(‪.)631‬‬ ‫ص ‪220‬‬ ‫‪-33‬قال‪ " :‬حدثنا عبدان‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن أبي صالح‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن‬ ‫النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ " :‬لما خلق ال الخلق‪ ،‬كتب في كتابه – وهو يكتب على نفسه‪ ،‬وهو‬ ‫وضع عنده على العرش – إن رحمتي تغلب غضبي"‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬لما خلق الخلق " يجوز أن يكون المراد تقدير ذلك وكتابته قبل وجوده وظهوره‪ ،‬ويجوز‬ ‫أن يكون المراد جنس الخلق‪ ،‬فيكون المراد وجوده مخلوقا‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬ك تب في كتا به" يجوز أن يكون المع نى‪ :‬أمر القلم أن يك تب‪ ،‬كما قال الحا فظ‪ .‬ويجوز أن‬ ‫يكون على ظاهره بأن كتهب ‪-‬تعالى‪ -‬بدون واسهطة‪ ،‬ويجوز أن يكون قال‪ ":‬كهن" فكانهت الكتابهة‪ ،‬ول‬ ‫محذور في ذلك كله‪ ،‬وقد ثبت في "سنن الترمذي " و"ابن ماجه" في هذا الحديث‪ " :‬إن ال – عز وجل‬ ‫– لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه إن رحمتي تغلب غضبي"(‪.)632‬‬ ‫ّهه لَغِْلبَنّ أَن َا‬ ‫َبه الل ُ‬ ‫ول يصهح أن يراد بالكتابهة‪ :‬الحكهم الذي قضاه‪ ،‬نظيهر قوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬كت َ‬ ‫َو ُرسُلِي}؛ لقوله‪ " :‬فهو عنده فوق العرش"‪.‬‬ ‫وكتابتهه –تعالى‪ -‬ذلك؛ لتأكيهد هذا الحكهم‪ ،‬وإخبار عباده بهه؛ حتهى يؤمنوا بهه ويعملوا على‬ ‫مقتضاه‪ ،‬أو لحكمة ال أعلم بها‪ ،‬وليس خوفا من النسيان –تعالى ال ‪.-‬‬ ‫قوله‪" :‬و هو يك تب على نف سه " جملة حال ية يق صد ب ها بيان أن كتاب ته ‪-‬تعالى‪ -‬لم يحمله علي ها‬ ‫أ حد‪ ،‬وإنما وق عت بم حض إراد ته‪ ،‬تفضلً م نه‪ ،‬وجودا على خل قه كت به على نف سه‪ ،‬كما قال ‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫حمَةَ}‪.‬‬ ‫{ َكتَبَ َر ّبكُمْ عَلَى نَ ْفسِ ِه ال ّر ْ‬ ‫وقوله‪" :‬و هو و ضع عنده على العرش" و ضع‪ :‬بف تح الواو‪ ،‬و سكون الضاد‪ ،‬أي موضوع‪ ،‬وكذا‬ ‫جاء في‪ :‬الجمع بين "الصحيحين"‪ ،‬للحميدي(‪ ،)633‬وضبط أيضا بفتح الضاد‪ ،‬على أنه فعل ماض‪ ،‬وبضم‬ ‫الضاد أيضا‪ ،‬والول أظههر وأشههر‪ .‬وقوله‪" :‬عنده على العرش" أي أنهه ‪-‬تعالى‪ -‬وضهع الكتاب عنده‬ ‫فوق عرشه‪،‬‬ ‫ص ‪221‬‬ ‫ع ْرشُ هُ عَلَى ا ْلمَاء} بهذا الل فظ‪" :‬عنده فوق عر شه"‪ .‬وذلك للهتمام به‪،‬‬ ‫و سيأتي في باب‪َ { :‬وكَا نَ َ‬ ‫حيث وضعه على عرشه الذي استوى عليه‪.‬‬ ‫‪" )(631‬شرح مسلم" (‪.)15/77‬‬ ‫‪ )(632‬انظر ‪ " :‬سنن الترمذي" (‪ ، )5/210‬و "ابن ماجه" (‪ )2/1435‬الحديث رقم (‪.)4295‬‬ ‫‪ )(633‬قاله الحافظ ابن حجر في "الفتح" (‪.)13/385‬‬ ‫‪171‬‬

‫ك ما يدل على أن ال على العرش‪ ،‬م ستو عل يه‪ ،‬ك ما قال ‪-‬تعالى‪ -‬عن نف سه في موا ضع كثيرة‬ ‫من كتا به‪ ،‬وأ خبرت به ر سله‪ ،‬ويدل على علوه ‪-‬تعالى‪ ،-‬و سيأتي ذ كر ذلك م ستوفى –إن شاء ال –‬ ‫في موضعه‪.‬‬ ‫و ما نقله الحا فظ – ع فا ال ع نا وع نه – عن شراح كتاب البخاري من تأو يل هات ين اللفظت ين‬ ‫بالتأويلت الباطلة‪ ،‬المبنية على فساد العقيدة‪ ،‬سيأتي ردها – إن شاء ال – هناك بالبراهين‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬إن رحم تي تغلب غ ضبي" الرح مة والغ ضب كله ما من أو صاف ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬ول كن‬ ‫الرح مة أو سع وأش مل‪ ،‬فرحم ته تعالى و سعت كل ش يء‪ ،‬ك ما قال عن حملة العرش‪ ،‬و من حوله من‬ ‫حمَةً َوعِلْم ًا} (‪ ،)634‬وقال‬ ‫شيْ ٍء رّ ْ‬ ‫َسهعْتَ كُلّ َ‬ ‫الملئكهة فهي دعوتههم للمؤمنيهن‪ ،‬أنههم يقولون‪{ :‬رَبّن َا و ِ‬ ‫ل شَيْءٍ} (‪)635‬وهذه هو معنى غلبها للغضب‪.‬‬ ‫سعَتْ كُ ّ‬ ‫ح َمتِي َو ِ‬ ‫تعالى‪َ { :-‬و َر ْ‬‫و في هذه الن صوص ونحو ها كث ير أبلغ دل يل على ثبوت صفة الرح مة ل ‪-‬تعالى‪ ،-‬وكذا صفة‬ ‫الغضب‪ ،‬وبذلك يتبين بطلن قول أهل التأويل في هذه الصفة الكريمة من صفات ربنا – تبارك وتعالى‬ ‫‪ ،‬وقولهم‪ " :‬إن الرحمة‪ :‬رقة القلب‪ ،‬وهي تدل على الضعف والخور في طبيعة الراحم‪ ،‬وتألمه على‬‫المرحوم" وهذا قول باطل بالنسبة إلى صفة ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬وبيان ذلك على وجوه‪:‬‬ ‫الول‪ :‬أن هذا وصف رحمة بعض المخلوقين من النساء ونحوهن‪.‬‬ ‫و قد علم التفاوت العظ يم ب ين الخالق ‪-‬تعالى‪ -‬والمخلوق؛ بالشرع والع قل‪ ،‬والجماع‪ ،‬و قد تقرر‬ ‫أن الصفة تتبع الموصوف في الكمال‪ ،‬وضده‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬ ‫الثانهي‪ :‬أن الضعهف والخور مذموم‪ ،‬وههو نقهص‪ ،‬وأمها الرحمهة فممدوحهة‪ ،‬كمها قال ‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫حمَةِ} (‪ ،)636‬مع نهيه ‪-‬تعالى‪ -‬عباده عن‬ ‫صبْرِ َوتَوَاصَوْا بِا ْلمَ ْر َ‬ ‫{ َوتَوَاصَوْا بِال ّ‬ ‫ص ‪222‬‬ ‫ح َزنُوا} (‪ ،)637‬وحثهم على الرحمة‪ ،‬وقد تقدم ذكر‬ ‫ل َت ِهنُوا َولَ َت ْ‬ ‫الوهن‪ ،‬والحزن‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬و َ‬ ‫ب عض الحاد يث في ذلك‪ ،‬كقوله – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬من ل ير حم ل ير حم"‪ ،‬وقوله‪ " :‬ل تنزع‬ ‫الرحمة إل من شقي"‪ ،‬وقوله‪ " :‬الراحمون يرحمهم الرحمن‪ ،‬ارحموا من في الرض يرحمكم من في‬ ‫السماء"‪.‬‬ ‫ومستحيل أن يقول‪ :‬ل ينزع الضعف والخور إل من شقي‪.‬‬ ‫ولما كانت الرحمة في حق كثير من الناس‪ ،‬تقارن الضعف والخور‪ ،‬ظن من غلط في ذلك أنها‬ ‫كذلك مطلقا‪.‬‬ ‫‪ )(634‬الية ‪ 7‬من سورة غافر ‪.‬‬ ‫‪ )(635‬الية ‪ 156‬من سورة العراف ‪.‬‬ ‫‪ )(636‬الية ‪ 17‬من سورة البلد ‪.‬‬ ‫‪ )(637‬الية ‪ 139‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪172‬‬

‫الثالث‪ :‬أن أ سماء ال ‪-‬تعالى‪ -‬ح سنى‪ ،‬ل يلحق ها ن قص بو جه من الوجوه‪ ،‬و صفاته عل يا عن‬ ‫الن قص أيضا‪ ،‬وال ‪-‬تعالى‪ -‬قد تمدح بهذه ال سماء وال صفات‪ ،‬لن ها تدل على الكمال‪ ،‬ف من المحال أن‬ ‫يلحقها ما يلحق رحمة المخلوق‪.‬‬

‫‪173‬‬

‫ص ‪223‬‬ ‫‪ -34‬قال‪ " :‬حدث نا ع مر بن ح فص‪ ،‬حدث نا أ بي‪ ،‬حدث نا الع مش‪ ،‬سمعت أ با صالح‪ ،‬عن أ بي‬ ‫هريرة – رضي ال عنه – قال‪ :‬قال النبي –صلى ال عليه وسلم‪ :-‬يقول ال ‪-‬تعالى‪ " :-‬أنا عند ظن‬ ‫عبدي بي‪ ،‬وأنا معه إذا ذكرني‪ ،‬فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي‪ ،‬وإن ذكرني في مل ذكرته في‬ ‫مل خ ير من من هم‪ ،‬وإن تقرب إلىّ ب شبر تقر بت إل يه ذراعا‪ ،‬وإن تقرب إليّ ذراعا تقر بت إل يه باعا‪،‬‬ ‫وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"‪.‬‬ ‫هذا الحديث من الحاديث القدسية‪ ،‬وهي‪ :‬ما يذكره الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬مضافا إلى‬ ‫ال ‪-‬تعالى‪ -‬أنه قاله‪ ،‬ولكنه غير متعبد بتلوته‪ ،‬ول هو معجز متحدى به كالقرآن‪.‬‬ ‫ظنّو نَ َأنّهُم مّلَقُو رَ ّبهِ مْ وََأ ّنهُ مْ إَِل ْي هِ‬ ‫وال ظن يأ تي بمع نى العلم واليق ين‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬اّلذِي نَ َي ُ‬ ‫رَاجِعُونَ} (‪.)638‬‬ ‫ظنّوا َأ ّنهُ مْ‬ ‫ويأ تي وا سطههة ب ين ال شك والعلم‪ ،‬أو بمع نى ال شك‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪ -‬عن الكفار { َو َ‬ ‫جعُونَ} (‪ .)639‬والقرائن تبين ذلك وتحدده‪.‬‬ ‫إَِل ْينَا ل ُي ْر َ‬ ‫فقوله‪ " :‬أنها عنهد ظهن عبدي بهي "‪ ،‬قال صهاحب "المرعاة"‪" :‬يجوز أن يكون على ظاهره‪،‬‬ ‫والمعنى‪ :‬أنا أعامله على حسب ظنه بي‪ ،‬وأفعل به ما يتوقعه مني‪ ،‬من خير أو شر‪ ،‬والمراد‪ :‬الحث‬ ‫على تغل يب الرجاء على الخوف‪ ،‬وح سن ال ظن بال ‪-‬تعالى‪ -‬على ما دل عل يه قوله – صلى ال عل يه‬ ‫وسلم‪ " :-‬ل يموتن أحدكم إل وهو يحسن الظن بال"‪.‬‬ ‫ويجوز أن يكون المراد بالظهن‪ :‬العلم الموقهن‪ ،‬ويكون المعنهى‪ :‬أنها عنهد علمهه بهي ويقينهه بأن‬ ‫مصيره إل يّ‪ ،‬وحسابه عليّ‪ ،‬وأن ما قضيت به له أو عليه‪ ،‬من خير أو شر‪ ،‬ل مرد له‪ ،‬ل معطي لما‬ ‫منعت‪ ،‬ول مانع لما أعطيت"(‪.)640‬‬ ‫وقال الحا فظ‪ " :‬أ نا ع ند ظن عبدي بي" أي قادر على أن أع مل به ما ظن أن أعامله به‪ ،‬وقال‬ ‫الكرماني‪ :‬وفي السياق إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على‬ ‫ص ‪224‬‬ ‫الخوف‪ ،‬وكأ نه أخذه من أن العا قل يختار لنف سه وقوع الخ ير‪ ،‬و هو مق يد بالمحت ضر‪ ،‬ل ما في‬ ‫الحديث‪ " :‬ل يموتن أحدكم إل وهو يحسن الظن بال"(‪.)641‬‬ ‫قلت‪ :‬قول الحافظ هذا خلف ظاهر الحديث‪ ،‬إذ هو خبر عن ال ‪-‬تعالى‪ -‬أنه عند ظن عبده به‪،‬‬ ‫يعني أنه ‪-‬تعالى‪ -‬يفعل بعبده ما ظنه العبد أنه يفعله به‪ ،‬وقد جاءت أحاديث مصرحة بذلك‪ ،‬كما في‬ ‫"المسند" من حديث واثلة بن السقع‪ ،‬سمعت رسول ال –صلى ال عليه وسلم يقول‪ " :‬قال ال‪ :‬أنا عند‬ ‫‪ )(638‬الية ‪ 46‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪" )(639‬المرعاة" (‪ )2/414‬الطبعة الحجرية ‪.‬‬ ‫‪" )(640‬المرعاة" (‪ )2/414‬الطبعة الحجرية ‪.‬‬ ‫‪" )(641‬فتح الباري" (‪.)386-13/385‬‬ ‫‪174‬‬

‫ظهن عبدي بهي‪ ،‬إن ظهن خيرا فله‪ ،‬وإن ظهن شرا فله"(‪ ،)642‬ورواه ابهن حبان‪ ،‬وهذا لفظهه‪ ،‬وفهي هذا‬ ‫أحاديث كثيرة‪.‬‬ ‫وقال في "المفهم"‪" :‬معنى‪" :‬أنا عند ظن عبدي بي" ظن الجابة عند الدعاء‪ ،‬والقبول عند التوبة‪،‬‬ ‫والمغفرة عند الستغفار‪ ،‬والثابة على العمل‪ ،‬إيمانا بوعده ‪-‬تعالى‪-‬؛ لما في الحديث "ادعوا ال‪ ،‬وأنتم‬ ‫موقنون بالجابة"(‪.)643‬‬ ‫ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في العمل‪ ،‬موقنا بأن ال يقبله‪ ،‬ويغفر له؛ لنه وعد بذلك‪ ،‬وهو ل‬ ‫يخلف وعده‪.‬‬ ‫هذا إذا أتى بالعبادة بشروطها‪ ،‬فإن اعتقد أن ال ل يقبلها‪ ،‬وأنها ل تنفعه‪ ،‬فهذا هو اليأس‪ ،‬وهو‬ ‫من الكبائر‪ ،‬وأما ظن المغفرة مع الصرار على الذنوب‪ ،‬فهو محض الجهل‪ ،‬والغرور‪.‬‬

‫(‪)644‬‬

‫والحد يث معناه وا ضح ك ما تقدم‪ ،‬و ما ذكره صاحب المف هم من معناه‪ ،‬ووراء ذلك مع نى أدق‪،‬‬ ‫وهو قرب ال من عبده المنيب إليه‪ ،‬وخير ما يفسر به كلم الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬كلمه‪،‬‬ ‫ولكن ل يعارض النصوص الكثيرة المحذرة من عذاب ال ‪-‬تعالى‪ -‬وعقابه‪ ،‬فالمر كما قال ‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫عذَابِي هُ َو ا ْل َعذَا بُ الَلِي مَ} (‪ ،)645‬وحسن الظن يكون مع‬ ‫عبَادِي َأنّي َأنَا ا ْلغَفُورُ ال ّرحِي مُ {‪َ }49‬و أَنّ َ‬ ‫{ َنبّىءْ ِ‬ ‫حسن العمل‪،‬‬ ‫ص ‪225‬‬ ‫وقد تشعر الضافة في قوله‪ " :‬عبدي" بحسن العمل‪ ،‬أي أنه عبد ال‪ ،‬وليس للشيطان أو للدنيا أو‬ ‫غيرهما‪ .‬وال أعلم‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬وأ نا م عه إذا ذكر ني" أي‪ :‬م عه بالجا بة‪ ،‬والتوف يق‪ ،‬وب سماع كل مه‪ ،‬وإثاب ته عل يه‪ ،‬أو‬ ‫بحسب ما قصد في ذكره‪ ،‬ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم‪ ،‬فهذه المعية هي المعية الخاصة المذكورة في‬ ‫سمَعُ وََأرَى} (‪.)646‬‬ ‫مثل قوله ‪-‬تعالى‪ِ{ :-‬إ ّننِي َم َع ُكمَا َأ ْ‬ ‫ومعية ال ‪-‬تعالى‪ -‬بالنسبة لعباده نوعان‪:‬‬ ‫خمْ سَةٍ‬ ‫ن مِن ّنجْوَى ثَلثَ ٍة ِإلّ ُهوَ رَا ِب ُعهُ مْ وَل َ‬ ‫معية عامة للخلق كلهم‪ ،‬كما قال ‪-‬تعالى‪{ :-‬مَا َيكُو ُ‬ ‫ن مَا كَانُوا} (‪.)647‬‬ ‫ِإلّ ُهوَ سَا ِدسُ ُهمْ وَل َأ ْدنَى مِن ذَِلكَ وَل َأ ْك َثرَ ِإلّ ُهوَ َم َع ُهمْ َأيْ َ‬

‫‪ )(642‬انظر ‪ " :‬المسند" (‪ )3/491‬و (‪ ، )4/106‬وانظر ‪ " :‬موارد الظمآن" (ص ‪.)184‬‬ ‫‪ )(643‬رواه الترمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا حديث غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه‪ .‬انظر "السنن" (‪ )5/180‬قلت‪:‬‬ ‫هو ضعيف ؛ لن في سنده صالح المري‪.‬‬ ‫‪ )(644‬من "الفتح" (‪.)386-13/385‬‬ ‫‪ )(645‬اليتان ‪ 50 ،49‬من سورة الحجر ‪.‬‬ ‫‪ )(646‬الية ‪ 46‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪ )(647‬الية ‪ 7‬من سورة المجادلة ‪.‬‬ ‫‪175‬‬

‫ج فِيهَا‬ ‫سمَاء َومَا َيعْرُ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫خرُ جُ ِم ْنهَا َومَا يَنزِلُ مِ َ‬ ‫لرْ ضِ َومَا َي ْ‬ ‫ج فِي ا َ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬يعْلَ مُ مَا يَلِ ُ‬ ‫ن مَا كُنتُمْ} (‪ ،)648‬ومن مقتضى هذه المعية‪ :‬اطلعه ‪-‬تعالى‪ -‬وعلمه بكل شيء‪ ،‬ومراقبته‪،‬‬ ‫وَ ُهوَ َم َعكُمْ َأيْ َ‬ ‫وشهوده أفعال عباده‪ ،‬فتفيد الخوف منه ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫والنوع الثا ني‪ :‬المع ية الخا صة‪ ،‬و هي المذكورة في هذا الحد يث‪ ،‬ونحوه‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬إِنّ‬ ‫ن إِنّ اللّ َه َمعَنَا} (‪،)650‬‬ ‫ل َتحْزَ ْ‬ ‫حبِهِ َ‬ ‫ل لِ صَا ِ‬ ‫سنُونَ} (‪ ،)649‬وقوله‪ِ{ :‬إذْ يَقُو ُ‬ ‫ن هُم ّمحْ ِ‬ ‫ن اتّقَواْ وّاّلذِي َ‬ ‫اللّ َه مَ عَ اّلذِي َ‬ ‫ومن مقتضى هذه المعية‪ :‬النصر والتأييد والهداية والحماية‪.‬‬ ‫و "معي ته ‪-‬تعالى‪ -‬لخل قه‪ ،‬ل تخالف علوه‪ ،‬وا ستواءه على عر شه‪ ،‬ف كل ذلك حق على ظاهره‪،‬‬ ‫وذلك أن ال معنا حقيقة‪ ،‬وهو فوق عرشه حقيقة‪ ،‬كما جمع بينهما في قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬هُ َو اّلذِي خَلَ قَ‬ ‫خرُ جُ ِم ْنهَا َومَا‬ ‫لرْ ضِ َومَا َي ْ‬ ‫ستَوَى عَلَى ا ْل َعرْ شِ َيعْلَ مُ مَا يَِل جُ فِي ا َ‬ ‫ستّةِ َأيّا مٍ ُثمّ ا ْ‬ ‫لرْ ضَ فِي ِ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫ال ّ‬ ‫سمَاء َومَا َي ْعرُجُ فِيهَا وَ ُه َو َم َعكُمْ َأ ْينَ مَا‬ ‫ل مِنَ ال ّ‬ ‫يَنزِ ُ‬ ‫ص ‪225‬‬ ‫كُنتُ مْ وَاللّ هُ ِبمَا َت ْعمَلُو نَ بَ صِيرٌ} (‪ .)651‬فأخبر ‪-‬تعالى‪ -‬أنه فوق العرش يعلم كل شيء‪ ،‬وهو معنا‬ ‫أينما كنا‪ ،‬كما قال النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬في حديث الوعال‪" :‬وال فوق العرش‪ ،‬وهو يعلم ما‬ ‫أنتم عليه"(‪.)652‬‬ ‫وذلك أن كلمة "مع" في اللغة إذا أطلقت‪ ،‬فليس ظاهرها في اللغة إل المقارنة المطلقة‪ ،‬من غير‬ ‫وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال‪.‬‬ ‫فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى‪ ،‬فإنه يقال‪ :‬ما زلنا نسير والقمر‬ ‫معنا‪ ،‬ويقال‪ :‬هذا المتاع معي؛ لمجامعته لك‪ ،‬وإن كان فوق رأسك‪.‬‬ ‫فال مع خلقه حقيقة‪ ،‬وهو فوق عرشه حقيقة‪.‬‬ ‫ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد‪ ،‬فقوله‪{ :‬وَهُ َو َم َعكُ ْم َأيْ نَ مَا كُنتُ مْ} (‪ ،)653‬دل ظاهر‬ ‫الخطاب أن حكم هذه المعية ومقتضاها‪ :‬أنه مطلع عليكم‪ ،‬شهيد عليكم‪ ،‬ومهيمن عالم بكم‪ ،‬وهذا معنى‬ ‫قول السلف أنه معهم بعلمه‪ ،‬وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته‪.‬‬

‫‪ )(648‬الية ‪ 4‬من سورة الحديد‪.‬‬ ‫‪ )(649‬الية ‪ 128‬من سورة النحل ‪.‬‬ ‫‪ )(650‬الية ‪ 40‬من سورة التوبة ‪.‬‬ ‫‪ )(651‬الية ‪ 4‬من سورة الحديد‪.‬‬ ‫‪ )(652‬رواه أبو داود في باب في الجهمية (‪ ، )5/53‬والترمذي (‪ ،)5/97‬وابن ماجه (‪ )1/69‬الحديث رقم (‬ ‫‪ ، )193‬وقد صححه ابن القيم ‪ ،‬وأبطل حجج المضعفين له ‪ ،‬انظر ‪ " :‬تهذيب السنن" (‪.)7/91‬‬ ‫‪ )(653‬الية ‪ 4‬من سورة الحديد‪.‬‬ ‫‪176‬‬

‫حزَن ْه إِنّ اللّه َه َمعَنَا} (‪)654‬حهق على ظاهره‪ ،‬ودلت الحال على أن حكهم هذه المعيهة‪:‬‬ ‫وقوله‪{ :‬لَ َت ْ‬ ‫سمَعُ وََأرَى} (‪ ،)655‬وقوله‪{ :‬إِنّ اللّ َه مَ عَ اّلذِي نَ‬ ‫الطلع والن صر والتأي يد‪ ،‬وم ثل ذلك قوله {ِإنّنِي َم َعكُمَا أَ ْ‬ ‫سنُونَ} (‪ ،)657(")656‬وسيأتي لذلك بقية‪.‬‬ ‫حِ‬ ‫ن هُم ّم ْ‬ ‫اتّقَواْ وّاّلذِي َ‬ ‫ص ‪227‬‬ ‫قوله‪" :‬فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" أي‪ :‬إن ذكر ربه سرا في نفسه‪ ،‬فإن ال ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫يذكره سرا في نفسه‪ ،‬من غير اطلع أحد من خلقه على ذلك‪.‬‬ ‫وهذا هو محل الشاهد من الحديث‪ ،‬حيث أثبت النفس ل ‪-‬تعالى‪ -‬على ما سبق توضيحه‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬وإن ذكرني في مل ذكرته في مل خير منهم" المل‪ :‬الجماعة‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن العبد إذا ذكر‬ ‫ربه ظاهرا في جماعة يسمعون ذكره لربه‪ ،‬فإن ال ‪-‬تعالى‪ -‬يذكره ويثني عليه في جماعة أفضل من‬ ‫الجماعة الذين ذكر العبد ربه فيهم؛ لن الذين يذكر ال عبده فيهم في المل العلى عباد مكرمون‪ ،‬ل‬ ‫يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‪.‬‬ ‫وهذا مهن أقوى أدلة القائليهن بتفضيهل الملئكهة على صهالحي بنهي آدم‪ ،‬وههي مسهألة مشهورة‪،‬‬ ‫والراجح فيها‪ :‬أن النبياء والصديقين والشهداء والصالحين أفضل من الملئكة‪ ،‬وتفضيل فرد من النوع‬ ‫ل يلزم منه تفضيل النوع كله على الخر‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬وإن تقرب إليّ ب شبر تقر بت إل يه ذراعا‪ ،‬وإن تقرب إليّ ذراعا تقر بت إل يه باعا‪ ،‬وإن‬ ‫أتاني يمشي أتيته هرولة"‪.‬‬ ‫عبَادِي‬ ‫سأََلكَ ِ‬ ‫قرب ال ‪-‬تعالى‪ -‬من عابده وداعيه‪ ،‬ثبت في نصوص كثيرة‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا َ‬ ‫ع ِإذَا دَعَانِ} (‪.)658‬‬ ‫ب دَعْ َوةَ الدّا ِ‬ ‫عنّي َفِإنّي قَرِيبٌ ُأجِي ُ‬ ‫َ‬ ‫وقوله – صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"(‪.)659‬‬ ‫فالع بد إذا قرب إلى ال ‪-‬تعالى‪ -‬بالتو جه والمح بة‪ ،‬وإخلص الع مل‪ ،‬وال صدق في ذلك‪ ،‬فإن ال‬ ‫تعالى‪ -‬يقرب إليه أكثر من قربه‪ ،‬فكلما زاد قرب العبد إلى ربه بالطاعة والنابة والحب والخلص‪،‬‬‫زاد قرب ال إل يه‪ ،‬ح تى يكون قلب الع بد ب ين يدي ر به‪ ،‬كأ نه يشاهده بعين يه‪ ،‬و هو – جل وعل‪ -‬على‬ ‫عرشه‪.‬‬ ‫ص ‪228‬‬

‫‪ )(654‬الية ‪ 40‬من سورة التوبة ‪.‬‬ ‫‪ )(655‬الية ‪ 46‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪ )(656‬الية ‪ 128‬من سورة النحل‪.‬‬ ‫‪" )(657‬مجموع الفتاوى" (‪ )104-5/102‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪ )(658‬الية ‪ 186‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪ )(659‬رواه مسلم ‪ ، )1/350( : ،‬و أبو داود (‪ ، )1/545‬والنسائي (‪.)2/226‬‬ ‫‪177‬‬

‫قال شيهخ السهلم‪ " :‬فكلمها تقرب العبهد باختياره قدر شهبر‪ ،‬زاده الرب قربا إليهه‪ ،‬حتهى يكون‬ ‫كالمتقرب إل يه بذراع‪ ،‬فكذلك قرب الرب من قلب العا بد‪ ،‬و هو ما يح صل في قلب الع بد من معر فة‬ ‫الرب‪ ،‬واليمان به‪ ،‬وهو المثل العلى"(‪.)660‬‬ ‫وبهذا يتبين أن معنى قوله‪ " :‬إذا تقرب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعا" أن العبد إذا تقرب إلى ربه‬ ‫بطاع ته والقبال عل يه‪ ،‬أن الرب تعالى يزيده قربا إل يه‪ ،‬جزاءً من ج نس عمله‪ ،‬وأك ثر من قرب الع بد‬ ‫الذي حصل باختياره‪.‬‬ ‫وقال‪" :‬فإذا قرب العبد من ربه بالنابة إليه‪ ،‬قرب الرب إليه‪ ،‬فيدنو قلبه من ربه‪ ،‬وإن كان بدنه‬ ‫على الرض‪ ،‬ومتى قرب أحد الشيئين من الخر‪ ،‬صار الخر إليه قريبا بالضرورة‪ ،‬وإن قدر أنه لم‬ ‫يصدر من الخر تحرك بذاته‪ ،‬كما أن من قرب من مكة‪ ،‬قربت مكة إليه"(‪.)661‬‬ ‫وقال أيضا‪" :‬ومن الناس من غلط فظن أن قربه ‪-‬تعالى‪ -‬من جنس حركة بدن النسان إذا مال‬ ‫إلى جهة انصرف عن الخرى‪.‬‬ ‫والنسان يجد عمل روحه يخالف عمل بدنه‪ ،‬فيجد نفسه تقرب من نفوس كثير من الناس‪ ،‬من‬ ‫غير أن ينصرف عمن هي قريبة منه‪ ،‬وكذلك يجد نفسه تبعد بعيدا عن بعض النفوس بعدا غير ما يقوم‬ ‫بالبدن"(‪.)662‬‬ ‫وقال أيضا‪ ":‬وليس بين الرب والعبد إل محض العبودية‪ ،‬فكلما كمل العبد عبودية ربه قرب إليه‬ ‫تعالى‪-‬؛ ل نه – سبحانه – بر‪ ،‬جواد‪ ،‬مح سن‪ ،‬يع طى الع بد ما ينا سبه‪ ،‬فكل ما ع ظم فقره إل يه‪ ،‬كان‬‫أغنهى له‪ ،‬وكلمها عظهم ذله له‪ ،‬كان أعهز له‪ ،‬فإن النفهس‪ -‬لمها فيهها مهن أهوائهها المتنوعهة‪ ،‬وتسهويل‬ ‫الشيطان لها – تبعد عن ال –تعالى‪ -‬حتى تصير ملعونة بعيدة عن الرحمة‪ ،‬واللعنة هي‪ :‬البعد عن ال‬ ‫ورحمته‪.‬‬ ‫ومن أعظم ذنوب العبد‪ :‬علوه في الرض‪ ،‬ونسيانه ربه‪ ،‬ولهذا لما كان السجود هو غاية سفول‬ ‫النفهس‪ ،‬صهار أقرب مها يكون العبهد مهن ربهه وههو سهاجد‪ ،‬وكذلك الذكهر المتضمهن للقبال على ال‪،‬‬ ‫والخضوع له "(‪.)663‬‬ ‫ص ‪229‬‬ ‫"وقوله‪ :‬من تقرب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعا…" إلخ‪ ،‬هذا قربه ‪-‬تعالى‪ -‬من عابده‪ ،‬وأما قربه‬ ‫ب دَعْ َو َة الدّاعِ ِإذَا دَعَانِ} (‪ ،)664‬وقربه‬ ‫عنّي َفِإنّي قَرِيبٌ ُأجِي ُ‬ ‫عبَادِي َ‬ ‫سأََلكَ ِ‬ ‫من داعيه فكما في الية‪{ :‬وَِإذَا َ‬

‫‪" )(660‬مجموع الفتاوى" (‪.)5/510‬‬ ‫‪" )(661‬مجموع الفتاوى" (‪.)5/509‬‬ ‫‪ )(662‬المرجع المذكور ببعض التصرف (ص ‪.)247‬‬ ‫‪ )(663‬المرجع المذكور بتصرف (ص ‪.)238‬‬ ‫‪ )(664‬الية ‪ 186‬من سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪178‬‬

‫تعالى مهن عابده وداعيهه قرب خاص‪ ،‬أخهص مهن قرب النابهة وقرب الجابهة‪ ،‬الذي لم يثبهت أكثهر‬ ‫المتكلمين سواه"(‪.)665‬‬ ‫"فالداعهي والسهاجد تتوجهه روحهه إلى ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬والروح لهها عروج يناسهبها فتقرب من ال‬ ‫تعالى‪ -‬بل ريب‪ ،‬بحسب تخلصها من الشوائب‪ ،‬فيكون ال – عز وجل – منها قريبا‪ ،‬قربا يلزم منه‬‫قربها‪.‬‬ ‫ويكون منه قرب آخر‪ ،‬كقربه عشية عرفة‪ ،‬وفي جوف الليل‪ ،‬وإلى من تقرب منه شبرا‪ ،‬تقرب‬ ‫منه ذراعا"(‪.)666‬‬ ‫قلت‪ :‬وبهذا يتبين أن قربه ‪-‬تعالى‪ -‬من عباده نوعان‪:‬‬ ‫أولهما‪ :‬قربه ‪-‬تعالى‪ -‬من قلوب المؤمنين‪ ،‬وقرب قلوبهم منه‪ ،‬وهذا أمر معروف ل يجهل‪ ،‬فإن‬ ‫القلوب تصعد إليه على قدر ما فيها من اليمان والمعرفة به تعالى‪ ،‬وذكره‪ ،‬وخشيته‪ ،‬والتوكل عليه‪،‬‬ ‫وهذا متفق عليه بين الناس‪ ،‬لم ينكره منهم أحد‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬ما دل عليه هذا الحديث – الذي نحن بصدد شرحه – ونحوه‪ ،‬مثل قربه عشية عرفة‪،‬‬ ‫وقربهه آخهر الليهل‪ ،‬كمها ثبتهت بذلك النصهوص‪ ،‬وهذا القرب ينكره أكثهر المتكلميهن‪ ،‬مهن الجهميهة‪،‬‬ ‫والمعتزلة‪ ،‬والشعرية‪ ،‬وإنكاره منكر‪.‬‬ ‫قال شيخ السلم‪" :‬وقربه – سبحانه – ودنوه من بعض مخلوقاته‪ ،‬ل يستلزم أن تخلو ذاته من‬ ‫فوق العرش‪ ،‬بل هو فوق العرش ويقرب من خلقه كيف شاء‪ ،‬كما قال ذلك من قاله من السلف‪ ،‬وهذا‬ ‫جيّا}‬ ‫ل ْيمَ نِ َو َق ّر ْبنَاهُ َن ِ‬ ‫ب الطّورِ ا َ‬ ‫كقربه إلى موسى لما كلمه من الشجرة‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬ونَا َد ْينَاهُ مِن جَانِ ِ‬ ‫(‪.)667‬‬ ‫والذيهن يثبتون تقريبهه العباد إلى ذاتهه‪ ،‬وههو القول المعروف للسهلف‪ ،‬والئمهة‪ ،‬وههو قول‬ ‫الشعري‪ ،‬وغيره من الكلبية‪ ،‬فإنهم يثبتون قرب العباد إلى ذاته‪ ،‬وأما‬ ‫ص ‪230‬‬ ‫دنوه نف سه‪ ،‬وتقر به من ب عض عباده‪ ،‬فهذا يثب ته من يث بت قيام الفعال الختيار ية بنف سه‪ ،‬و هو‬ ‫مذهب أئمة السلف‪ ،‬وأئمة السلم المشهورين‪ ،‬وأهل الحديث‪ ،‬والنقل عنهم بذلك متواتر"(‪.)668‬‬ ‫وقوله‪" :‬وإن أتا ني يم شي أتي ته هرولة" الهرولة‪ :‬ال سرعة في الم شي‪ ،‬ب ين الم شي والعدو‪ ،‬و هو‬ ‫تمثيل لكرم ال وجوده على عبده‪ ،‬وأنه إذا أقبل إليه‪ ،‬فهو – سبحانه – أسرع إقبالً وتفضلً على عبده‪،‬‬ ‫من غير مقابل يناله من العبد‪ ،‬بل هو الغني بذاته عن كل ما سواه‪ ،‬وكل ما سواه فقير إليه‪ ،‬ويؤخذ من‬ ‫الحديث‪ :‬عظم فضل ال وكرمه‪ ،‬وعظم فضل الذكر‪.‬‬ ‫‪" )(665‬بدائع الفوائد" (‪ )3/8‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪" )(666‬مجموع الفتاوى" (‪.)5/241‬‬ ‫‪ )(667‬الية ‪ 52‬من سورة مريم ‪.‬‬ ‫‪" )(668‬مجموع الفتاوى" باختصار (‪.)466-5/460‬‬ ‫‪179‬‬

‫ص ‪231‬‬ ‫جعُونَ} (‪.)669‬‬ ‫ح ْكمُ وَإَِليْ ِه تُ ْر َ‬ ‫ج َههُ َلهُ ا ْل ُ‬ ‫شيْءٍ هَاِلكٌ ِإلّ َو ْ‬ ‫قال‪" :‬باب قول ال ‪-‬تعالى‪{ :-‬كُلّ َ‬ ‫أراد البخاري بهذا الباب؟إثبات صهفة الوجهه ل –تعالى‪ -‬وههو ثابهت ل –تعالى‪ -‬فهي آيات‬ ‫وأحاديث كثيرة‪ ،‬سيأتي ذكر شيء منها‪.‬‬ ‫جهَههُ} إخبار بأنهه الدائم الباقهي‪ ،‬الحهي القيوم الذي تموت‬ ‫ِكه ِإلّ َو ْ‬ ‫شيْ ٍء هَال ٌ‬ ‫قال ابهن كثيهر‪{ :‬كُلّ َ‬ ‫ل ْكرَا مِ} ف عبر‬ ‫الخلئق ول يموت‪ ،‬ك ما قال‪{ :‬كُلّ مَ نْ عََليْهَا فَا نٍ {‪َ }26‬و َيبْقَى َوجْ هُ َربّ كَ ذُو ا ْلجَللِ وَا ِ‬ ‫جهَهُ} أي‪ :‬إل إياه"(‪.)670‬‬ ‫ك ِإلّ َو ْ‬ ‫شيْءٍ هَاِل ٌ‬ ‫بالوجه عن الذات‪ ،‬وهكذا قوله ها هنا‪{ :‬كُلّ َ‬ ‫قلت‪ :‬قوله‪ " :‬فعبر بالوجه عن الذات" ل يقصد نفي صفة الوجه عن ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬وإنما مراده‪:‬‬ ‫أن الذات تابعة للوجه‪ ،‬فاكتفى بذلك‪.‬‬ ‫وقد ذكر البخاري – رحمه ال – هذه الية في التفسير‪ ،‬وأعقبها بقوله‪ " :‬إل ملكه‪ ،‬ويقال‪ :‬إل‪:‬‬ ‫ما أر يد به وج هه"(‪ .)671‬ولم يذ كر غ ير هذا‪ ،‬ف قد يقال‪ :‬إن هذا تأو يل سلك البخاري ف يه طر يق أ هل‬ ‫التأويل‪ ،‬وليس المر كذلك‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ " :‬في رواية النسفي(‪ :)672‬وقال معمر … فذكره‪ ،‬ومعمر هذا هو أبو عبيدة {معمر}‬ ‫بهن المثنهى‪ ،‬وهذا كلمهه فهي مجاز القرآن‪ ،‬لكنهه بلفهظ‪ :‬إل ههو‪ ،‬وكذا نقله الطهبري عهن بعهض أههل‬ ‫العربية‪ ،‬وكذا ذكره الفراء"(‪.)673‬‬ ‫قلت‪ :‬الذي فهي كتاب "مجاز القرآن" ل بي عبيده‪ ،‬يخالف ما ذكره البخاري‪ ،‬وز عم الحا فظ أ نه‬ ‫ج َه هُ} مجازه‪ :‬إل هو‪ ،‬و ما ا ستثنوه من جم يع ف هو‬ ‫ك ِإلّ َو ْ‬ ‫ل شَيْ ٍء هَالِ ٌ‬ ‫كل مه‪ .‬فإ نه قال على ال ية‪{ :‬كُ ّ‬ ‫جهَ هُ} إل هو‪،‬‬ ‫ك ِإلّ َو ْ‬ ‫شيْءٍ هَالِ ٌ‬ ‫من صوب"(‪ ،)674‬وكذا ما ذكره الفراء في "معا ني القرآن" فإ نه قال‪{ :‬كُلّ َ‬ ‫قال الشاعر‪:‬‬ ‫ص ‪232‬‬ ‫أستغفر ال ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل‬ ‫أي‪ " :‬إليه أوجه عملي"(‪.)675‬‬ ‫وبهذا يتبين أن المر ليس كما قال الحافظ؛ لن ما ذكره البخاري يختلف عما ذكره الفراء وأبو‬ ‫عبيدة‪ ،‬لفظا ومعنىً‪.‬‬ ‫‪ )(669‬الية ‪ 88‬من سورة القصص‪.‬‬ ‫‪" )(670‬تفسير ابن كثير " (‪.)6/272‬‬ ‫‪ )(671‬انظر ‪ " :‬الفتح " (‪.)8/505‬‬ ‫‪ )(672‬النسفي من رواة الصحيح عن البخاري‪.‬‬ ‫‪" )(673‬الفتح" (‪.)8/505‬‬ ‫‪" )(674‬مجاز القرآن" (‪.)2/112‬‬ ‫‪" )(675‬معاني القرآن" (‪.)2/314‬‬ ‫‪180‬‬

‫جهَ هُ} إل جلله‪ ،‬وق يل‪ :‬إل إياه‪ ،‬تقول‪ :‬أكرم‬ ‫قال الحا فظ‪ " :‬قال ا بن الت ين‪ :‬قال أ بو عبيدة‪ِ{ :‬إلّ َو ْ‬ ‫ال وجهك‪ ،‬أي‪ :‬أكرمك ال"‪.‬‬ ‫وقوله‪ :‬ويقال‪ " :‬إل مها أريهد بهه وجههه" نقله الطهبري – أيضا – عهن بعهض أههل العربههية‪،‬‬ ‫ووصله ابن أبي حاتم من طريق خصيف‪ ،‬عن مجاهد مثله‪ ،‬ومن طههريق سفيان الثوري قال‪ :‬إل ما‬ ‫ابتغي به وجه ال من العمال الصالحة" اهه(‪.)676‬‬ ‫ج َه هُ} إل ما‬ ‫ك ِإلّ َو ْ‬ ‫ل شَيْ ٍء هَالِ ٌ‬ ‫وفي "الدر المنثور"‪ " :‬وأخرج عبد بن حميد‪ ،‬عن ابن عباس‪{ :‬كُ ّ‬ ‫أريد به وجهه‪.‬‬ ‫جهَهُ} قال‪ :‬إل ما أريد به وجهه‪.‬‬ ‫شيْءٍ هَاِلكٌ ِإلّ َو ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وأخرج ابن أبي حاتم‪ ،‬عن مجاهد‪{ :‬كُ ّ‬ ‫جهَ هُ} قال‪ :‬إل ما أريد به‬ ‫شيْءٍ هَالِ كٌ ِإلّ َو ْ‬ ‫وأخرج البيهقي في "شعب اليمان" عن سفيان‪{ :‬كُلّ َ‬ ‫وجهه من العمال الصالحة "(‪.)677‬‬ ‫حمَةً‬ ‫ت َترْجُو أَن يُلْقَى إَِليْ كَ ا ْل ِكتَا بُ ِإلّ َر ْ‬ ‫جهَ هُ} ب عد قوله‪ { :‬وَمَا كُن َ‬ ‫شيْءٍ هَالِ كٌ ِإلّ َو ْ‬ ‫ل َ‬ ‫"قوله‪{ :‬كُ ّ‬ ‫ت إَِليْكَ وَادْعُ إِلَى َربّكَ‬ ‫ت اللّ ِه َبعْ َد ِإذْ أُنزِلَ ْ‬ ‫ن آيَا ِ‬ ‫عْ‬ ‫ص ّد ّنكَ َ‬ ‫ظهِيرًا لّ ْلكَا ِفرِينَ {‪ }86‬وَل يَ ُ‬ ‫مّن ّربّكَ فَل َتكُونَنّ َ‬ ‫ج َه هُ َل هُ‬ ‫شيْءٍ هَالِ كٌ ِإلّ َو ْ‬ ‫خ َر ل إِلَ َه ِإلّ ُه َو كُلّ َ‬ ‫ش ِركِي نَ {‪ }87‬وَل َتدْ عُ مَ عَ اللّ هِ إِلَهًا آ َ‬ ‫وَل َتكُونَنّ مِ نَ ا ْل ُم ْ‬ ‫ن } (‪.)678‬‬ ‫جعُو َ‬ ‫ح ْكمُ وَإَِليْ ِه ُت ْر َ‬ ‫ا ْل ُ‬ ‫ص ‪233‬‬ ‫فإن ذ كر ذلك ب عد نه يه عن الشراك‪ ،‬وأن يد عو م عه إلها آ خر‪ ،‬وقوله‪{ :‬ل إِلَ َه ِإلّ ُهوَ} يقت ضي‬ ‫في أظهر الوجهين‪ ،‬وهو أن كل شيء هالك إل ما كان لوجهه من العيان‪ ،‬والعمال‪.‬‬ ‫روي عن أبي العالية قال‪ :‬إل ما أريد به وجهه‪.‬‬ ‫وعن جعفر الصادق‪ :‬إل دينه‪ ،‬ومعناهما واحد"(‪.)679‬‬ ‫جهَ هُ} أي‪ :‬إل ما أريد به‬ ‫شيْءٍ هَالِ كٌ ِإلّ َو ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قال ابن كثير‪" :‬وقال مجاهد والثوري " في قوله‪{ :‬كُ ّ‬ ‫وجهه‪ ،‬وحكاه البخاري في "صحيحه" كالمقرر له‪.‬‬ ‫وهذا القول ل ينافي القول الول‪ ،‬فإن هذا إخبار عن كل العمال بأنها باطلة إل ما أريد به وجه‬ ‫ال – عز وجل – من العمال الصالحة‪ ،‬المطابقة لما جاء به الرسول –صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫والقول الول مقتضاه‪ :‬أن كهل الذوات فانيهة وهالكهة وزائلة إل ذاتهه ‪-‬تعالى‪ ،-‬فإنهه الول‪،‬‬ ‫والخر‪ ،‬الذي هو قبل كل شيء وبعد كل شيء"(‪.)680‬‬ ‫والقول الول هو ما ذكرناه عنه في أول الباب‪.‬‬ ‫‪" )(676‬الفتح" (‪.)8/505‬‬ ‫‪" )(677‬الدر المنثور" (‪.)6/447‬‬ ‫‪ )(678‬اليات ‪ 88 -86‬من سورة القصص‪.‬‬ ‫‪" )(679‬مجموع الفتاوى" (‪.)2/427‬‬ ‫‪" )(680‬تفسير ابن كثير" (‪.)6/272‬‬ ‫‪181‬‬

‫فعلى هذا ل يكون قوله‪ " :‬ما أر يد به وج هه" تأويلً للو جه الذي هو صفة ل ‪-‬تعالى‪ ،-‬بل هو‬ ‫صدّ ّنكَ عَ نْ‬ ‫من المعا ني الم ستنبطة من ال ية‪ ،‬ك ما يش ير إل يه سياق ال ية‪ ،‬فإ نه ‪-‬تعالى‪ -‬يقول‪{ :‬وَل يَ ُ‬ ‫خرَ‬ ‫ن {‪ }87‬وَل َتدْ عُ مَ َع اللّ هِ إَِلهًا آ َ‬ ‫ن ا ْل ُمشْ ِركِي َ‬ ‫ت اللّ هِ َب ْعدَ ِإ ْذ أُنزِلَ تْ إَِليْ كَ وَادْ عُ إِلَى رَبّ كَ وَل َتكُونَنّ ِم َ‬ ‫آيَا ِ‬ ‫جعُونَ} (‪.)681‬‬ ‫ح ْكمُ وَإَِليْ ِه ُترْ َ‬ ‫جهَهُ َلهُ ا ْل ُ‬ ‫ك ِإلّ َو ْ‬ ‫شيْءٍ هَاِل ٌ‬ ‫ل هُ َو كُلّ َ‬ ‫ل إَِلهَ ِإ ّ‬ ‫و أ ما قوله‪ " :‬إل مل كه" فهذا تأو يل بع يد‪ ،‬و هو مخالف ل صنعه ه نا‪ ،‬ح يث ذ كر ال ية ثم أتبع ها‬ ‫بحديث جابر‪ ،‬وفيه قوله –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬أعوذ بوجهك"‪ .‬فهذا ظاهر جدا في أنه أراد إثبات‬ ‫الوجه صفة ل ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫ص ‪234‬‬ ‫وممها يدل على بطلن ذلك‪ :‬أن الشياء كلهها ملك ل ‪-‬تعالى‪ ،-‬فههل يجوز أن يقال‪ :‬كهل شيهء‬ ‫هالك إل كل شيء؟ بخلف قوله‪ :‬إل ما أريد به وجهه‪ ،‬فإن هذا مما تدل عليه الية عن طريق المفهوم‬ ‫– مع بقائها نصا – في إثبات الوجه ل –تعالى‪ -‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪ )(681‬اليتان ‪ 88 ،87‬من سورة القصص‪.‬‬ ‫‪182‬‬

‫ص ‪235‬‬ ‫‪-35‬قال‪ " :‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد‪ ،‬عن عمرو‪ ،‬عن جابر بن عبدال‪ ،‬قال‪ :‬لما‬ ‫عذَابًا مّن فَ ْو ِقكُ مْ} (‪ ،)682‬قال النبي –صلى ال عليه‬ ‫نزلت هذه الية‪{ :‬قُلْ ُهوَ ا ْلقَادِرُ عَلَى أَن َي ْبعَ ثَ عََل ْيكُ مْ َ‬ ‫وسهلم‪ " -‬أعوذ بوجههك"‪ ،‬فقال‪َ{ :‬أوْ مِن َتحْت ِه َأ ْرجُِلكُمهْ} فقال النهبي –صهلى ال عليهه وسهلم‪ " :-‬أعوذ‬ ‫شيَعا } فقال النبي –صلى ال عليه وسلم‪" :-‬هذا أيسر"‪.‬‬ ‫بوجهك"‪ ،‬قال { أَ ْو يَ ْل ِبسَ ُكمْ ِ‬ ‫يخوف ال ‪-‬تعالى‪ -‬عباده إن لم يطيعوه‪ ،‬ويعبدوه وحده ل شريك له‪ ،‬ويتبعوا ر سوله‪ ،‬بأ نه قادر‬ ‫على أن يرسل عليهم عذابا من السماء‪ ،‬كما أرسل على قوم لوط وقوم شعيب‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬أو نوعا آخر‬ ‫مما يشاء‪.‬‬ ‫وهو كذلك قادر بأن يبعث العذاب من تحتهم‪ ،‬إما بخسف أو زلزل‪ ،‬وبراكين‪ ،‬أو غير ذلك مما‬ ‫ي َتمُورُ {‪ }16‬أَ مْ َأمِنتُم‬ ‫سفَ ِبكُ ُم الَرْ ضَ َفِإذَا هِ َ‬ ‫سمَاء أَن َيخْ ِ‬ ‫يشاء‪ ،‬كما قال ‪-‬تعالى‪{ :-‬أََأمِنتُم مّن فِي ال ّ‬ ‫ن َكيْ فَ َنذِيرِ} (‪ ،)683‬وعندما سمع الرسول –صلى ال‬ ‫س َتعَْلمُو َ‬ ‫صبًا فَ َ‬ ‫سمَاء أَن ُيرْ سِلَ عََل ْيكُ مْ حَا ِ‬ ‫مّن فِي ال ّ‬ ‫عليه وسلم‪ -‬هذا التهديد من ال ‪-‬تعالى‪ -‬عاذ بوجه ربه الكريم أن يكون ذلك‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ " :‬وقد روى ابن مردويه‪ ،‬من حديث ابن عباس‪ ،‬ما يفسر به حديث جابر‪ ،‬ولفظه‪" :‬‬ ‫عن النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ " :‬دعوت ال أن يرفع عن أمتي أربعا‪ ،‬فرفع عنهم اثنتين‪ ،‬وأبى‬ ‫أن ير فع عن هم اثنت ين‪ ،‬دعوت ال أن ير فع عن هم الر جم من ال سماء‪ ،‬والخ سف من الرض‪ ،‬وأن ل‬ ‫يلبسههم شيعا‪ ،‬ول يذيهق بعضههم بأس بعهض‪ ،‬فرفهع عنههم الخسهف والرجهم‪ ،‬وأبهي أن يرفهع عنههم‬ ‫الخريين"‪.‬‬ ‫ت َأ ْرجُلِكُ مْ "‪ ،‬وي ستأنس له بقوله‬ ‫في ستفاد من هذه الروا ية‪ :‬المراد بقوله‪ " :‬مّ ن فَ ْو ِقكُ مْ‪َ ،‬أوْ مِن َتحْ ِ‬ ‫صبًا} (‪ .)684‬وقد وقع أصرح من ذلك‪،‬‬ ‫سفَ ِبكُ مْ جَانِ بَ ا ْل َبرّ َأوْ ُيرْ سِلَ عََل ْيكُ مْ حَا ِ‬ ‫تعالى‪َ{ :-‬أفََأمِنتُ مْ أَن َيخْ ِ‬‫عذَابًا مّن فَ ْو ِقكُمْ} قال‪ :‬الرجم‪َ{ ،‬أوْ‬ ‫عند ابن مردويه‪ ،‬من حديث أبي بن كعب‪ ،‬قال‪ :‬في قوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬‬ ‫مِن َتحْتِ َأ ْرجُِلكُمْ} قال‪ :‬الخسف‪.‬‬ ‫ص ‪236‬‬ ‫وروى ابن أبي حاتم‪ ،‬من طريق السدي‪ ،‬عن شيوخه‪ :‬أن المراد العذاب من فوق‪ :‬الرجم‪ ،‬ومن‬ ‫تحت‪ :‬الخسف‪.‬‬ ‫وأخرج ابن عباس‪ " :‬أن المراد بالفوق‪ :‬أئمة السوء‪ ،‬وبالتحت‪ :‬خدام السوء " انتهى(‪.)685‬‬ ‫وذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الية أحاديث وآثارا كثيرة‪.‬‬ ‫‪ )(682‬الية ‪ 65‬من سورة النعام ‪.‬‬ ‫‪ )(683‬اليتان ‪ 17 ، 16‬من سورة الملك‪.‬‬ ‫‪ )(684‬الية ‪ 68‬من سورة السراء ‪.‬‬ ‫‪" )(685‬الفتح" (‪.)8/292‬‬ ‫‪183‬‬

‫قلت‪ :‬في هذه ال ية الكري مة ال تي تر جم ب ها البخاري‪ ،‬والحد يث الذي ذكره‪ ،‬دل يل وا ضح على‬ ‫وجوب اليمان بوجه ال الكريم‪ ،‬وقد جاءت نصوص كثيرة من كتاب ال وسنة رسوله تثبت ذلك‪ ،‬ولم‬ ‫يزل أهل العلم واليمان يسألون ربهم بوجهه الكريم‪ ،‬ويدعونه بأن يرزقهم النظر إليه في الجنة‪.‬‬ ‫ولم ينكر ذلك إل الجهمية‪ ،‬ومن شايعهم على مذهبهم الفاسد‪.‬‬ ‫ل ْكرَامِ} (‪.)686‬‬ ‫ن {‪َ }26‬و َيبْقَى َوجْ ُه َر ّبكَ ذُو ا ْلجَللِ وَا ِ‬ ‫ل مَنْ عََل ْيهَا فَا ٍ‬ ‫قال ال ‪-‬تعالى‪{ :-‬كُ ّ‬ ‫و "ذو" في الية‪ :‬وصف للوجه‪ ،‬فوصف ‪-‬تعالى‪ -‬وجهه الكريم بأنه ذو الجلل والكرام‪ ،‬وهذا‬ ‫يبطل دعوى أن المراد بالوجه‪ :‬الذات‪ ،‬كما يبطل دعوى كونه زائدا في الكلم‪.‬‬ ‫وفي "صحيح مسلم" عن أبي موسى الشعري‪ ،‬قال‪ :‬قام فينا رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪-‬‬ ‫بخ مس كلمات‪ ،‬فقال‪ " :‬إن ال ل ينام‪ ،‬ول ينب غي له أن ينام‪ ،‬يخ فض الق سط ويرف عه‪ ،‬ير فع إل يه ع مل‬ ‫الليل قبل النهار‪ ،‬وعمل النهار قبل الليل‪ ،‬حجابه النور‪ ،‬لو كشفه لحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه‬ ‫بصره من خلقه"‬

‫(‪)687‬‬

‫سبحات وجهه هي‪ :‬نوره‪ ،‬وبهاؤه‪ ،‬وجلله‪.‬‬

‫وقال أبو سعيد الدارمي – رحمه ال ‪ " :-‬حدثنا سليمان بن حرب‪ ،‬عن حماد بن زيد‪ ،‬عن عطاء‬ ‫بن السائب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عمار بن ياسر‪ ،‬أن رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬كان يدعو‪ " :‬اللهم‬ ‫إني أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم"‪.‬‬ ‫ص ‪237‬‬ ‫حدثنا موسى بن إسماعيل‪ ،‬وغيره‪ ،‬عن حماد بن سلمة‪ ،‬عن ثابت البناني‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬ ‫أبي ليلى‪ ،‬عن صهيب‪ ،‬عن النبي –صلى ال عليه وسلم‪ :-‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" قال‪ :‬النظر‬ ‫إلى وجه ال ‪-‬تعالى‪.)688( -‬‬ ‫حدثنا أحمد بن يونس‪ ،‬عن أبي شهاب الحناط‪ ،‬عن خالد بن دينار‪ ،‬عن حماد بن جعفر‪ ،‬عن ابن‬ ‫عمر‪ ،‬رفعه إلى النبي –صلى ال عليه وسلم‪ " -‬أن أهل الجنة إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ‪ ،‬وظنوا أن‬ ‫ل نع يم أف ضل م نه‪ ،‬تجلى ل هم الرب‪ ،‬فنظروا إلى و جه الرح من‪ ،‬فن سوا كل نع يم عاينوه‪ ،‬ح ين نظروا‬ ‫إلى وجه الرحمن"‪.‬‬ ‫ل – فيهه‪ " :‬أعوذ بوجههك الكريهم الذي أشرقهت له‬ ‫وذكهر ابهن إسهحاق فهي "السهيرة" حديثا طوي ً‬ ‫السماوات والرض‪ ،‬وكشفت به الظلمات‪ ،‬وصلح عليه أمر الولين والخرين"(‪.)689‬‬ ‫قال أبهو سهعيد‪" :‬وعلى تصهديق هذه الثار‪ ،‬واليمان بهها‪ ،‬أدركنها أههل الفقهه والعلم"‬

‫(‪)690‬‬

‫وذكهر‬

‫أحاديث في ذلك‪.‬‬ ‫‪ )(686‬اليتان ‪ 27 ، 26‬من سورة الرحمن‪.‬‬ ‫‪ )(687‬انظر ‪ " :‬مسلم" (‪ )1/162‬رقم (‪.)293‬‬ ‫‪ )(688‬رواه مسلم في "صحيحه" بلفظ ‪ " :‬النظر إلى ال تعالى " ‪ ،‬انظر ‪ )1/163( :‬الحديث رقم (‪.)180‬‬ ‫‪ )(689‬ذكره ابن كثير في "تاريخه" (‪.)3/196‬‬ ‫‪ )(690‬الرد على بشر المريسي (ص ‪ " )518‬عقائد السلف"‪.‬‬ ‫‪184‬‬

‫وقد تكاثرت الحاديث عن رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬بالستعاذة بوجه ال ‪-‬تعالى‪ -‬كما‬ ‫في هذا الحديث الذي ذكره البخاري‪ ،‬وكما في " المو طأ"‪ ،‬و"م سند أح مد" أنه –صلى ال عل يه و سلم‪-‬‬ ‫كان يقول‪ " :‬أعوذ بوجه ال الكريم وبكلمات ال التامات"(‪)691‬وفي هذا أحاديث كثيرة‪.‬‬ ‫وكذلك صح عنه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬سؤاله لذة النظر إلى وجه ال الكريم‪ ،‬كما في الحديث‬ ‫السابق وغيره‪.‬‬ ‫وبذهها يتهبين أن إثبات الوجهه واليمان بهه متعيهن‪ ،‬وأنهه داخهل فهي اليمان بال ‪-‬تعالى‪ -‬وههو‬ ‫كسائر صفات ال الثابتة‪ ،‬يجب معرفتها واليمان بها بدون تأويل‪ ،‬أو تشبيه‪ ،‬بل على ما يجب ل من‬ ‫الجلل والتعظيم‪ ،‬ليس كمثله شيء ل في ذاته ول في أسمائه وصفاته‪ ،‬ول في أفعاله – تعالى وتقدس‬ ‫– عن ظنون أهل النحراف والزيغ‬ ‫ص ‪238‬‬ ‫من المؤولين والمعطلين الذين جعلوا أنفسهم هي الصل‪ ،‬فقاسوا عليها ما أخبر ال به عن نفسه‪،‬‬ ‫وأخبر عنه رسوله‪ ،‬فحرفوا وعطلوا‪.‬‬

‫‪ " )(691‬الموطأ" (‪ )951 -2/950‬مرسل ‪ ،‬و "المسند" (‪ )2/419‬وهو حسن ‪.‬‬ ‫‪185‬‬

‫ص ‪239‬‬ ‫عيْنِهي} (‪ -)692‬تغذى‪ -‬وقوله – جهل ذكره‪:-‬‬ ‫ُصهنَعَ عَلَى َ‬ ‫قال‪ " :‬باب قول ال –تعهههالى‪{ -‬وَِلت ْ‬ ‫ع ُي ِننَا} (‪.")693‬‬ ‫{ َتجْرِي ِبأَ ْ‬ ‫ق قد دل كتاب ال ‪-‬تعالى‪ -‬و سنة ر سوله – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬صراحة‪ ،‬وإجماع أ هل العلم‬ ‫بال واليمان به‪ ،‬على أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬موصوف بأن له عينين‪ ،‬حقيقة على ما يليق بجلله وعظمته‪.‬‬ ‫وقهد جاء ذكهر العيهن وصهفا ل ‪-‬تعالى‪ -‬فهي القرآن مفردة‪ ،‬مضافهة إلى الضميهر المفرد‪ ،‬كمها‬ ‫جاءت مجمو عة‪ ،‬مضا فة إلى ضم ير الج مع‪ ،‬ك ما في هات ين اليت ين اللت ين ذكره ما البخاري‪ .‬ولم يأت‬ ‫ذكر العين وصفا ل ‪-‬تعالى‪ -‬في القرآن مثناة‪ ،‬ولكن جاء ذلك في الحديث عن رسول ال –صلى ال‬ ‫عل يه و سلم‪ ،-‬والحد يث إذا صح عن الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬و جب اليمان ب ما دل عل يه‪،‬‬ ‫والعمل به‪.‬‬ ‫قال ابن القيم‪ " :‬ذكر العين مفردة‪ ،‬ل يدل على أنها عين واحدة‪ ،‬ليس إل كقولك‪ :‬افعل هذا على‬ ‫عيني‪ ،‬ل يريد له أن له عينا واحدة‪.‬‬ ‫ولمها أضيفهت العيهن إلى اسهم الجمهع‪ ،‬ظاهرا أو مضمرا‪ ،‬حسهن جمعهها مشاكلة للفهظ‪ ،‬كقوله‬ ‫ع ُينِن َا} (‪)695‬وهذا نظيهر لفهظ اليهد‬ ‫ْكه ِبأَ ْ‬ ‫َاصهنَعِ الْفُل َ‬ ‫ع ُينِن َا} (‪ ،)694‬وقوله ‪-‬تعالى‪{ -‬و ْ‬ ‫تعالى‪َ { :-‬تجْرِي ِبأَ ْ‬‫خ ْيرُ} (‪ ،)697‬ول ما أضي فت إلى ضم ير الج مع‬ ‫المضا فة إلي المفرد‪ ،‬كقوله‪ِ { :‬ب َيدِ هِ ا ْلمُلْ كُ} (‪ ،)696‬و{ ِبيَدِ كَ ا ْل َ‬ ‫ت َأ ْيدِينَا َأ ْنعَامًا} (‪.)698‬‬ ‫عمِلَ ْ‬ ‫جمعت‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬أَوََل ْم يَرَوْا َأنّا خَلَ ْقنَا َل ُهمْ ِممّا َ‬ ‫وقد جاء في كتاب ال ‪-‬تعالى‪ -‬وسنة رسوله –صلى ال عليه وسلم‪ -‬ذكر العين مضافة إلى ال‬ ‫تعالى‪ -‬مفردة‪ ،‬ومجموعة‪.‬‬‫ص ‪240‬‬ ‫وجاءت السنة بإضافتها إليه ‪-‬تعالى‪ -‬مثناة‪ ،‬كما قال عطاء‪ :‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي –صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ " :-‬إن العبد إذا قام في الصلة‪ ،‬قام بين عيني الرحمن‪ ،‬فإذا التفت قال له ربه‪ :‬إلى من‬ ‫تلتفت؟ إلى خير لك مني "‪.‬‬ ‫وقوله –صهلى ال عليهه وسهلم‪ " :-‬إن ربكهم ليهس بأعور" صهريح بأنهه ليهس المراد إثبات عيهن‬ ‫واحدة‪ ،‬فإن ذلك عور ظاهر‪ ،‬تعالى ال عنه‪.‬‬ ‫‪ )(692‬جزء من الية ‪ 39‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪ )(693‬جزء من الية ‪ 14‬من سورة القمر ‪.‬‬ ‫‪ )(694‬جزء من الية ‪ 14‬من سورة القمر ‪.‬‬ ‫‪ )(695‬جزء من الية ‪ 37‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪ )(696‬جزء من الية مفتتح سورة الملك ‪.‬‬ ‫‪ )(697‬جزء من الية ‪ 26‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(698‬الية ‪ 71‬من سورة يس ‪.‬‬ ‫‪186‬‬

‫وهل يفهم من قول الداعي‪ " :‬اللهم احرسنا بعينك التي ل تنام" أنها عين واحدة ليس إل‪ ،‬إل ذهن‬ ‫أقلف‪ ،‬وقلب أغلف؟‬ ‫ع ُي ِننَا} وممن‬ ‫وقد استدل السلف على إثبات العينين ل –تعالى‪ -‬بقوله ‪ -‬جل وعل – { َتجْرِي ِبأَ ْ‬ ‫صرح بذلك أبو الحسن الشعري في البانة‪ ،‬والموجز‪ ،‬والمقالت"(‪.)699‬‬ ‫عيْنِي} ف سر البخاري "ت صنع" بتغذى‪ ،‬من التغذ ية‪ ،‬يقال‪ :‬صنعت‬ ‫صنَعَ عَلَى َ‬ ‫قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَِلتُ ْ‬ ‫الفرس‪ ،‬إذا أحسنت القيام عليه(‪.)700‬‬ ‫عيْنِي} قال أ بو عمران الجو ني‪ :‬تر بى بع ين ال ‪-‬تعالى‪ -‬وقال‬ ‫صنَعَ عَلَى َ‬ ‫قال ا بن كث ير‪{ :‬وَِلتُ ْ‬ ‫قتادة‪ :‬تغذى على عيني‪.‬‬ ‫ع ْينِي} بحيث أرى‪.‬‬ ‫وقال معمر بن المثنى‪{ :‬وَِلُتصْنَعَ عَلَى َ‬ ‫وقال ع بد الرح من بن ز يد بن أ سلم‪" :‬يع ني‪ :‬أجعله في ب يت الملك‪ ،‬ين عم ويترف‪ ،‬غذاؤه عند هم‬ ‫غذاء الملك‪ ،‬فتلك الصنعة"(‪.)701‬‬ ‫وأسند ابن جرير هذه القوال‪ ،‬وروى عن ابن جريج‪ :‬أنت بعيني إذ جعلتك أمك في التابوت‪ ،‬ثم‬ ‫في البحر‪ .‬واختار قول قتادة‪.‬‬ ‫ع ْينِي} بمرأى مني‪ ،‬ومحبة‪ ،‬وإرادة"(‪.)702‬‬ ‫وقال‪ " :‬وعنى بقوله‪{ :‬عَلَى َ‬ ‫ع ُينِنَا}‪ ،‬قال ا بن جريهر‪ " :‬يقول – جل ثناؤه‪ :-‬تجري ال سفينة ال تي حملنها نوح‬ ‫قوله‪َ { :‬تجْرِي ِبأَ ْ‬ ‫فيها‪ ،‬بمرأى منا‪ ،‬ومنظر"(‪.)703‬‬ ‫قلت‪ :‬وكذا قال غيره من المفسرين‪ ،‬ومن لزم الرؤية والنظر وجود العين‪ ،‬ففي هاتين اليتين‪،‬‬ ‫وغيرهما من نصوص كتاب ال وحديث رسوله كثير‪ ،‬إثبات العينين‬ ‫ص ‪241‬‬ ‫ل ‪-‬تعالى‪ -‬اللتيهن ينظهر بهمها إلى مها يريهد‪ ،‬ول يحجهب نظره حاجهب‪ ،‬وقهد تقدم و جه الجمهع‬ ‫والفراد في ذلك‪.‬‬ ‫ع ُينِنَا} قال أصهحاب النقهل والخهذ بالثهر‪ :‬العيهن‪ :‬يريهد بهه‬ ‫وقال الزهري‪{ :‬وَاص ْهنَعِ الْفُلْكَه ِبأَ ْ‬ ‫العين‪،‬قال‪ :‬وعين ال ل تفسر بأكثر من ظاهرها‪ ،‬ول يسع أحدا أن يقول‪ :‬كيف هي‪ ،‬أو ما صفتها؟ ‪-‬‬ ‫ذكره عن ابن النباري‪.)704("-‬‬

‫‪ " )(699‬مختصر الصواعق" (ص ‪ )24‬ط المام ‪.‬‬ ‫‪ " )(700‬الفتح" (‪.)13/389‬‬ ‫‪" )(701‬تفسير ابن كثير" (‪ )5/278‬ط الشعب ‪.‬‬ ‫‪" )(702‬تفسير الطبري" (‪ )163-16/162‬ط الحلبي‪.‬‬ ‫‪ )(703‬المرجع السابق (‪.)27/64‬‬ ‫‪ )(704‬انظر ‪ " :‬تهذيب اللغة" (‪.)3/205‬‬ ‫‪187‬‬

‫ص ‪242‬‬ ‫‪ -36‬قال‪ " :‬حدثنا موسى بن إسماعيل‪ ،‬حدثنا جويرية‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬ذكر الدجال‬ ‫عند النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬فقال‪ " :‬إن ال ل يخفى عليكم‪ ،‬إن ال ليس بأعور – وأشار بيده إلى‬ ‫عينه – وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى‪ ،‬كأن عينه عنبة طافية"‪.‬‬ ‫الدجال‪ :‬الكذاب‪ ،‬ودجله‪ :‬سحره وكذ به؛ ل نه يد جل ال حق بالبا طل‪ ،‬أي‪ :‬يغط يه‪ ،‬و هو ر جل من‬ ‫اليهود‪ ،‬يخرج في آخر هذه المة‪ ،‬كما جاءت الحاديث بذلك عن النبي –صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫قال أ بو علي القالي‪ :‬عن ا بن در يد‪ " :‬كل ش يء غطي ته ف قد دجل ته‪ ،‬وم نه اشتقاق دجلة‪ ،‬كأن ها‬ ‫غطت الرض إذا فاضت عليها "‪.‬‬ ‫والدجال من هذا الشتقاق؛ لنه يغطي الحق بالباطل‪.‬‬ ‫وقال قوم‪ :‬سمي بذلك لنه يغطي الرض بكثرة جموعه‪.‬‬ ‫وقال آخرون‪ " :‬يغطي على الناس بكفره"(‪.)705‬‬ ‫وقال الحافهظ‪ :‬الدجال‪ :‬فعال‪ ،‬بفتهح أوله‪ ،‬والتشديهد‪ ،‬مهن الدجهل‪ ،‬وههو التغطيهة‪ ،‬وسهمي الكذاب‬ ‫دجالً‪ ،‬لنه يغطي الحق بباطله‪.‬‬ ‫وقال ثعلب‪ " :‬الدجال‪ :‬المموه"(‪.)706‬‬ ‫قوله‪ " :‬إن ال ل يخفى عليكم" المؤمن بال وبأوصافه التي تعرف بها إلى عباده‪ ،‬ل يخفى عليه‬ ‫سمِيعُ البَصِيرُ}‪ ،‬ليس له كفؤ ول ند‪ ،‬فل يمكن أن‬ ‫س َك ِمثْلِ ِه شَيْءٌ وَ ُهوَ ال ّ‬ ‫رب العالمين‪ ،‬فهو ‪-‬تعالى‪َ{ -‬ليْ َ‬ ‫يشابه المخلوق الضعيف‪ ،‬المحتاج الناقص‪ ،‬وكل مخلوق له صفة الضعف والحاجة والنقصان‪ ،‬ول بد‪،‬‬ ‫تعالى عن مشابهة خلقه علوا كبيرا‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬إن ال ليس بأعور" هذه الجملة هي المقصودة من الحديث وفي هذا الباب‪ ،‬فهذا يدل على‬ ‫أن ل عينين حقيقة؛ لن العور فقد أحد العينين‪ ،‬أو ذهاب نورها‪.‬‬ ‫ص ‪243‬‬ ‫قال فهي " القاموس"‪ " :‬العور‪ :‬ذهاب حهس إحدى العينيهن …… والرديهء مهن كهل شيهء‪،‬‬ ‫والضعيف الجبان البليد الذي ل يدل‪ ،‬ول يندل‪ ،‬ول خير فيه "(‪.)707‬‬ ‫وعلى كهل‪ :‬العور نقهص وعيهب فهي التفاق‪ ،‬والمقصهود أنهه فهي اللغهة ههو ذهاب ضوء إحدى‬ ‫العينين‪.‬‬

‫‪" )(705‬البارع" (ص ‪.)35‬‬ ‫‪" )(706‬الفتح" (‪.)13/91‬‬ ‫‪" )(707‬القاموس" (‪.)2/97‬‬ ‫‪188‬‬

‫ولهذا صهار هذا الحديهث مهن الدلة الواضحهة على إثبات تثنيهة العيهن ل ‪-‬تعالى‪ ،-‬ويزيهد ذلك‬ ‫وضوحا إشارته –صلى ال عليه وسلم‪ -‬إلى عينه لتحقيق الوصف‪ ،‬يعني أن ل عينين سالمتين من كل‬ ‫عيب كاملتين‪ ،‬بخلف الدجال الفاقد لحدى عينيه‪ ،‬وذلك من أعظم الدلة على كذبه‪.‬‬ ‫وقال ابن المنير‪ " :‬وجه دللة الحديث على إثبات العين ل‪ ،‬من حديث الدجال من قوله‪ ":‬إن ال‬ ‫ليس بأعور" من جهة أن العور عرفا‪ :‬عدم العين‪ ،‬وضد العور ثبوت العين‪ ،‬فلما نزعت هذه النقيصة‬ ‫لزم ثبوت الكمال بضدها‪ ،‬وهو وجود العين"(‪.)708‬‬ ‫قلت‪ :‬الحديث فيه إثبات العينين ل ‪-‬تعالى‪ ،-‬ل عين واحدة‪ ،‬كما قد يتوهمه كلمه‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬عرفا " بل هو لغة قبل العرف‪.‬‬ ‫"وقال شهاب الد ين ال سهروردي في كتاب العقيدة له‪ :‬أ خبر ال في كتا به وث بت عن ر سوله‪،‬‬ ‫ال ستواء‪ ،‬والنزول‪ ،‬والن فس‪ ،‬وال يد‪ ،‬والع ين‪ ،‬فل يت صرف في ها بت شبيه‪ ،‬ول تعط يل‪ ،‬إذ لول إخبار ال‬ ‫ورسوله‪ ،‬ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى"‪.‬‬ ‫" قال الطيبي‪ :‬هذا هو المذهب المعتمد‪ ،‬وبه يقول السلف الصالح "‪.‬‬ ‫وقال غيره‪ :‬لم ين قل عن النبي –صلى ال عل يه و سلم‪ ،-‬ول عن أحد من أصحابه‪ ،‬من طر يق‬ ‫صحيح‪ ،‬التصريح بوجوب تأويل شيء من ذلك‪ ،‬ول المنع من ذكره‪.‬‬ ‫ت َلكُ مْ دِي َنكُ مْ‬ ‫ومن المحال أن يأمر ال نبيه بتبليغ ما أنزل إليه من ربه‪ ،‬وينزل عليه {ا ْليَوْ مَ َأ ْكمَلْ ُ‬ ‫لسْلَمَ دِينًا} ثم يترك هذا‬ ‫ت َل ُكمُ ا ِ‬ ‫وََأ ْت َممْتُ عََل ْي ُكمْ ِن ْع َمتِي َورَضِي ُ‬ ‫ص ‪244‬‬ ‫الباب‪ ،‬فل يميهز مها يجوز نسهبته إليهه ممها ل يجوز‪ ،‬مهع حضهه على التبليهغ عنهه بقوله‪" :‬ليبلغ‬ ‫الشاهد الغائب" حتى نقلوا أقواله‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬وأحواله‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وما فعل بحضرته‪.‬‬ ‫فدل على أنهم اتفقوا على اليمان بها‪ ،‬على الوجه الذي أراده ال منها‪.‬‬ ‫سمِيعُ البَ صِيرُ}‬ ‫شيْءٌ وَ ُهوَ ال ّ‬ ‫س َك ِمثْلِ هِ َ‬ ‫ووجب تنزيهه عن مشابهة المخلوقات‪ ،‬بقوله ‪-‬تعالى‪َ{ :-‬ليْ َ‬ ‫فمن أوجب خلف ذلك بعدهم‪ ،‬فقد خالف سبيلهم‪ ،‬وبال التوفيق" انتهى(‪.)709‬‬ ‫قال المام ابن خزيمة‪ " :‬بين النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أن ل عينين‪ ،‬فكان بيانه موافقا لبيان‬ ‫محكم التنزيل"‪.‬‬ ‫سمِيعًا‬ ‫ن َ‬ ‫ظكُم بِ ِه إِنّ اللّ َه كَا َ‬ ‫ثم ذكر بسنده حديث أبي هريرة‪ ،‬وقرأ قوله ‪-‬تعالى‪{ -‬إِنّ اللّ َه ِن ِعمّا َيعِ ُ‬ ‫بَ صِيرًا} " رأ يت ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬يضع إبها مه على أذ نه‪ ،‬وإصبعه التي تلي ها على‬ ‫عينه"(‪.)710‬‬ ‫‪" )(708‬الفتح" (‪.)13/390‬‬ ‫‪ )(709‬المرجع المذكور ‪.‬‬ ‫‪ )(710‬كتاب "التوحيد" (ص ‪.)43، 42‬‬ ‫‪189‬‬

‫قوله‪ " :‬كأن عينه عنبة طافية " أي‪ :‬قد ذهب ماؤها‪ ،‬فهي ضامرة ملتوية؛ ولهذا جاءت الحاديث‬ ‫بوصفه بأنه ممسوح العين‪ ،‬كما في "سنن أبي داود" عن عبادة بن الصامت‪ ،‬أن رسول ال –صلى ال‬ ‫عل يه و سلم‪ -‬قال‪ " :‬إ ني قد حدثت كم عن الدجال‪ ،‬ح تى خش يت أن ل تعقلوا‪ ،‬إن الم سيح الدجال ر جل‬ ‫قصير‪ ،‬أفحج‪ ،‬جعد‪ ،‬أعور‪ ،‬مطموس العين‪ ،‬ليست بناتئة‪ ،‬وجحراء‪ ،‬فإن لبس عليكم فاعلموا أن ربكم‬ ‫ليس بأعور"(‪.)711‬‬ ‫في هذا بيان أن عي نه – قب حه ال – قد ذ هب ماؤ ها‪ ،‬فضمرت‪ ،‬وبق يت سادة مكان ها‪ ،‬لم ت كن‬ ‫غائرة‪ ،‬ول ناتئة مرتفعة‪ ،‬وهذا هو وصف العنبة إذا ذهب ماؤها‪.‬‬

‫‪" )(711‬سنن أبي داود" (‪.)4/496‬‬ ‫‪190‬‬

‫ص ‪245‬‬ ‫‪-37‬قال‪ " :‬حدثنا حفص بن عمر‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬أخبرنا قتادة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أنسا – رضي ال عنه‬ ‫– عن النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ " :‬ما من نبي إل أنذر قومه العور الكذاب‪ ،‬إنه أعور‪ ،‬وإن‬ ‫ربكم ليس بأعور‪ ،‬مكتوب بين عينيه‪:‬كافر"‪.‬‬ ‫النذار‪ :‬هو الخبار مع التخو يف‪ ،‬و في قوله‪ " :‬ما من نبي " عموم يش مل جم يع ال نبيين‪ ،‬و هو‬ ‫يدل على عظم فتنته وخطره‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬العور الكذاب" تقدم أن العور‪ :‬من عميت إحدى عينيه بآفة‪ ،‬فأصبح ل يرى إل بعين‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫ووصف بأنه الكذاب؛ لعظم كذبه‪ ،‬حيث يزعم أنه رب الناس‪ ،‬مع ظهور كذبه‪ ،‬وهو يتدرج في‬ ‫كذبه‪ ،‬فأول‪ :‬يدعي أنه مصلح‪ ،‬ثم يدعي أنه نبي‪ ،‬ثم يدعي أنه إله‪ ،‬وهذا أعظم الكذب‪ ،‬وأبينه‪.‬‬ ‫وقد عين رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬عينه العوراء‪ ،‬أنها اليمنى‪ ،‬كما في حديث عبدال‬ ‫ابن عمر‪ ،‬الذي قبل هذا وغيره‪.‬‬ ‫واعلم أن المتكلمين من المعتزلة‪ ،‬والشعرية‪ ،‬ونحوهم‪ ،‬يزعمون أن من أثبت ل عينين‪ ،‬ويدين‪،‬‬ ‫ووجها‪ ،‬ونحو ذلك مما جاءت به النصوص‪ ،‬من أثبت ذلك على ظاهر اللفظ‪ ،‬أنه يثبت جوارح‪ ،‬تشبه‬ ‫جوارح الخلق على حد زعم هم‪ ،‬تعالى ال وتقدس عن زعمهم‪ ،‬وظنهم السيء في ال ورسوله‪ ،‬حيث‬ ‫ظنوا أن ظاهر وصف ال نفسه‪ ،‬وظاهر وصف رسوله إياه يقتضي التشبيه‪ ،‬ولهذا تجد الذين تلقوا هذا‬ ‫الفكر‪ ،‬وتأثروا به‪ ،‬من الذين يشتغلون بالحديث‪ ،‬إذا جاء ذكر ذلك قالوا‪ :‬مثلً‪ :‬إثبات صفة اليد ل من‬ ‫ح يث الجار حة‪ ،‬إثبات صفة الو جه ل من ح يث الجار حة‪ ،‬ون حو ذلك ك ما يقوله البيه قي في كتا به "‬ ‫ال سماء وال صفات" و سائر شراح الحد يث الذ ين ل يجرؤون على رد الن صوص‪ ،‬ف هم عند ما يتكلمون‬ ‫على مثل هذه النصوص يبادرون إلى نفي الجارحة‪ ،‬كما قال بعض زعمائهم ما يلي‪:‬‬ ‫ص ‪246‬‬ ‫"ز عم قوم‪ ،‬أن ل عي نا‪ ،‬يريدون‪ :‬كجار حة الع ين من الن سان‪ ،‬وأرادوا الترك يب‪ ،‬واحتجوا بقوله‬ ‫ع ُي ِننَا}‬ ‫حكْ مِ َربّ كَ َفِإنّ كَ ِبأَ ْ‬ ‫صبِ ْر ِل ُ‬ ‫ع ُي ِننَا} (‪ ،)713‬و{وَا ْ‬ ‫ك ِبأَ ْ‬ ‫ع ْينِي} (‪ ،)712‬و{ا صْنَعِ ا ْلفُلْ َ‬ ‫صنَعَ عَلَى َ‬ ‫تعالى‪{ :-‬وَِلتُ ْ‬‫(‪.)714‬‬ ‫قال أبو سعيد الدارمي – رح مه ال تعالى – في الرد عل يه‪ " :‬أما ما ادع يت أن قوما يزعمون‬ ‫أن ل عينا‪ ،‬فإنا نقوله؛ لن ال –تعالى‪ -‬قاله‪ ،‬ورسوله‪.‬‬

‫‪ )(712‬جزء من الية ‪ 39‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪ )(713‬جزء من الية ‪ 37‬من سورة هود ‪.‬‬ ‫‪ )(714‬الية ‪ 48‬من سورة الطور ‪.‬‬ ‫‪191‬‬

‫و أما زعمك أنهم يثبتون جارحة كجارحة العين من النسان‪ ،‬على التركيب‪ ،‬فهذا كذب‪ ،‬ادعيته‬ ‫علينا عمدا‪ ،‬وأنت تعلم أن أحدا لم يقله‪ ،‬ولكنك تريد التشنيع‪ ،‬ليكون هنالك مقبولً لدى الجهال‪ ،‬والكذب‬ ‫ل يصلح منه جد ول هزل‪ ،‬فمن الذي قال‪ :‬إنها جارحة مركبة؟ اذكره‪ ،‬فإن قائله كافر‪.‬‬ ‫وكهم تشنهع بمها تقرر مهن قولك‪ :‬جسهم مركهب‪ ،‬وجوارح‪ ،‬وأجزاء‪ ،‬وأبعاض‪ ،‬تريهد أن يكهف‬ ‫المؤمنون‪ ،‬عن وصف ال ‪-‬تعالى‪ -‬بما وصف به نفسه في كتابه‪ ،‬وما وصف به رسوله‪.‬‬ ‫ونحن لم نصف ال بجسم كأجسام المخلوقين‪ ،‬ول بعضو‪ ،‬ول بجارحة‪ ،‬لكنا نصفه بما يغيظك‬ ‫من هذه الصفات‪ ،‬التي أنت ودعاتك لها منكرون‪ ،‬فنقول‪ :‬إنه الواحد الحد‪ ،‬الفرد الصمد‪ ،‬الذي لم يلد‬ ‫ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له كفوا أحد‪ ،‬ذو الوجه الكريم‪ ،‬والسمع السميع‪ ،‬والبصر البصير"(‪.)715‬‬ ‫وقوله‪ " :‬إنهه أعور‪ ،‬وإن ربكهم ليهس بأعور" اشتملت هذه الجملة على تأكيهد وصهف الدجال‬ ‫الكذاب‪ ،‬بأ نه أعور الع ين‪ ،‬أي أ نه نا قص‪ ،‬مع يب‪ ،‬قد لح قه ال ضر لف قد إحدى عين يه‪ ،‬فمثله محال أن‬ ‫يكون إلها‪ ،‬لنه فقير محتاج إلى غيره‪ ،‬بالضافة إلى النقص والعيب الذي فيه‪ ،‬وقد جاء بأعظم الكذب‬ ‫والبهتان‪ ،‬حيث ادعى أنه إله‪ ،‬يتوجه إليه‪ ،‬بطلب السعاد‪ ،‬وصرف الشقاء‪.‬‬ ‫ص ‪247‬‬ ‫كما اشتملت هذه الجملة من الحديث على وصف ال ‪-‬تعالى‪ -‬بكمال العينين‪ ،‬ولهذا قال –صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ " :-‬وإن ربكم ليس بأعور"‪.‬‬ ‫فهذا بيان واضح بوصف ال ‪-‬تعالى‪ -‬بأن له عينين كاملتين‪ ،‬على ما يليق بعظمته‪.‬‬ ‫قال النووي‪ " :‬هذه علمهة بينهة تدل على كذب الدجال‪ ،‬دللة قطعيهة‪ ،‬بديهيهة‪ ،‬يدركهها كهل‬ ‫أحد"(‪.)716‬‬ ‫قوله‪ " :‬مكتوب بين عينيه كافر" وفي رواية‪ " :‬يقرأه كل مؤمن‪ ،‬كاتب‪ ،‬وغير كاتب"‪.‬‬ ‫قال النووي‪ " :‬والصحيح الذي عليه المحققون‪ :‬أن هذه الكتابة على ظاهرها‪ ،‬وأنها كتابة حقيقية‪،‬‬ ‫جعل ها ال آ ية‪ ،‬وعل مة من جملة العلمات القاط عة بكفره‪ ،‬وكذ به وإبطاله‪ ،‬يظهر ها ال ‪-‬تعالى‪ -‬ل كل‬ ‫مسلم كاتب‪ ،‬وغير كاتب‪ ،‬ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته‪ ،‬ول امتناع في ذلك "(‪.)717‬‬ ‫وهذا من رحمة ال بعباده‪ ،‬حيث أظهر علمات كذبه‪ ،‬إظهارا ل يخفى إل على من أريد فتنته‪،‬‬ ‫وعمي قلبه‪ ،‬وأشرب بحب الباطل‪ ،‬نسأل ال العافية في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ )(715‬نقض عثمان بن سعيد على بشر المريسي ‪ ،‬بتصرف (ص ‪ " )546-545‬عقائد السلف" ‪.‬‬ ‫‪" )(716‬شرح مسلم " (‪.)18/60‬‬ ‫‪" )(717‬شرح مسلم " (‪.)18/60‬‬ ‫‪192‬‬

‫ص ‪248‬‬ ‫قال‪ " :‬باب قول ال ‪-‬تعالى‪ُ { :-‬هوَ اللّهُ ا ْلخَاِلقُ ا ْلبَا ِرئُ ا ْلمُصَ ّورُ} (‪.)718‬‬ ‫قال ابهن جريهر‪ " :‬يقول ‪-‬تعالى‪ -‬ذكره‪ :‬ههو المعبود الخالق‪ ،‬الذي ل معبود تصهلح له العبادة‬ ‫غيره‪ ،‬ول خالق سهواه‪ ،‬البارئ الذي برأ الخلق فأوجدههم بقدرتهه‪ ،‬المصهور خلقهه كيهف شاء‪ ،‬وكيهف‬ ‫يشاء"(‪.)719‬‬ ‫ومراد البخاري بهذا‪ :‬بيان أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬متصهف بأنهه الخالق‪ ،‬البارئ‪ ،‬المصهور فهي الزل‪،‬‬ ‫وال بد‪ ،‬ف هو الخالق ق بل وجود المخلوق‪ ،‬و هو البارئ ق بل وجود ال مبري‪ ،‬و هو الم صور ق بل وجود‬ ‫المصهوّر‪ ،‬فههو ‪-‬تعالى‪ -‬لم يزل بصهفاته ول يزال‪ ،‬كمها يريهد أيضا بيان أن الخلق الذي ههو وصهفه‬ ‫تعالى‪ -‬غير المخلوق‪ ،‬خلفا لهل البدع الذين يشير بهذا إلى الرد عليهم‪.‬‬‫قال الزجاج‪ " :‬أصهل الخلق فهي الكلم‪ :‬التقديهر‪ ،‬يقال‪ :‬خلقهت الشيهء خلقا‪ ،‬إذا قدرتهه‪ ،‬كمها قال‬ ‫زهير‪:‬‬ ‫لنت تفري ما خلقت وبعض‬

‫القوم يخلق ثم ل يفري‬

‫يعني‪ :‬أنك إذا قدرت المر مضيت في عزمك وفعلته‪ ،‬ولست ممن يقدر المر ثم ل يعزم على‬ ‫فعله‪ ،‬بل ينثني عن ذلك‪.‬‬ ‫فالخلق في اسم ال ‪-‬تعالى‪ -‬هو‪ :‬ابتداء تقدير النشء‪.‬‬ ‫فاله ‪-‬تعالى‪ -‬خالق ها‪ ،‬ومنشئ ها‪ ،‬و هو متمم ها‪ ،‬ومدبر ها‪ ،‬فتبارك ال أح سن الخالق ين‪{ .‬البارئ}‬ ‫يقال‪ :‬برأ ال الخلق إذا فطرهم‪.‬‬ ‫والبرء‪ :‬خلق على صفة‪ ،‬ف كل مبروء مخلوق‪ ،‬ول يس كل مخلوق مبروءا‪ ،‬لن البرء من تبرئة‬ ‫الشيء من الشيء‪ ،‬كما يقال‪ :‬برأت من المرض‪ ،‬ومن الدين‪.‬‬ ‫فإذا فصل بعض الخلق من بعض‪ ،‬سمي فاعله بارئا‪.‬‬ ‫فهو المعنى الذي به انفصلت الصورة بعضها من بعض‪ ،‬فصورة زيد مفارقة لصورة عمرو‪،‬‬ ‫وصورة حمار مفارقة لصورة فرص‪ ،‬فتبارك ال خالقا بارئا‪.‬‬ ‫ص ‪249‬‬ ‫{المصور} أي‪ :‬مصههور كل صورة‪ ،‬ل على مثال احتذاه – ول رسم ارتسمه‪- ،‬تعالى‪ -‬عن‬ ‫ذلك علوا كبيرا "(‪.)720‬‬ ‫أي أنه لم يتقدمه أحد فعل ذلك‪ ،‬ل تقديرا‪ ،‬ول إظهارا وإيجادا‪.‬‬ ‫وقال الحافظ‪ " :‬قال الطيبي‪ :‬قيل‪ :‬اللفاظ الثلثة مترادفة‪ ،‬وهو وهم‪.‬‬ ‫‪ )(718‬الية ‪ 24‬من سورة الحشر ‪.‬‬ ‫‪" )(719‬تفسير الطبري" (‪.)18/56‬‬ ‫‪" )(720‬تفسير أسماء ال الحسنى" ببعض التصرف (ص ‪.)27-26‬‬ ‫‪193‬‬

‫فإن {الخلق}‪ :‬من الخلق‪ ،‬وأ صله التقد ير الم ستقيم‪ ،‬ويطلق على البداع‪ ،‬و هو إيجاد الش يء على‬ ‫لرْ ضِ} وعلى التكوين‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬خَلَ قَ الِنسَانَ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫غير مثال‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬خَلْ قِ ال ّ‬ ‫مِن نّطْ َفةٍ} و{البارئ} من البرء‪ ،‬وأصله خلوص الشيء عن غيره‪ ،‬إما على سبيل الخلوص منه‪ ،‬كبرء‬ ‫الرجل من مرضه‪ ،‬والمديون من دينه‪.‬‬ ‫أو على سبيل النشاء‪ ،‬كبرء ال النسمة‪.‬‬ ‫و {المصهور} مبدع صهور المخترعات‪ ،‬ومرتبهها على حسهب مقتضهى الحكمهة‪ ،‬فال ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫خالق كل شيء‪ ،‬بمعنى أنه موجده من أصل‪ ،‬ومن غير أصل‪ ،‬وبارئه‪ ،‬بحسب ما تقتضيه الحكمة‪ ،‬من‬ ‫غير تفاوت‪ ،‬ول اختلف‪ ،‬ومصوره في صورة يترتب عليها خواصه ويتم بها كماله‪.‬‬ ‫فالتقدير يقع أولً‪ ،‬ثم الحداث على الوجه المقدر يقع ثانيا‪ ،‬ثم التصوير بالتسوية يقع ثالثا "(‪.)721‬‬ ‫وبهذا يتبين الفرق بين هذه السماء الثلثة‪:‬‬ ‫فالخالق‪ :‬مبدع الشياء على غير مثال سابق‪.‬‬ ‫والبارئ‪ :‬موجد الشياء‪ ،‬ومظهرها إلى الوجود‪ ،‬من أصل ومن غير أصل‪.‬‬ ‫والم صور‪ :‬الذي خص كل مخلوق ب ما يميزه عن ال خر‪ ،‬و ما تح صل به م صلحته‪ ،‬ك ما قال‬ ‫شيْ ٍء خَلْقَ ُه ُثمّ َهدَى}(‪ .)722‬ويظهر أن "البارئ" أخص من "الخالق" كما تقدم في‬ ‫عطَى كُلّ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬اّلذِي أَ ْ‬ ‫كلم الزجاج ما يشير إلى ذلك‪ ،‬وإذا أضيف الخلق إلى النسان‪ ،‬فمعناه التقدير‪ ،‬ويأتي بمعنى الكذب‪.‬‬

‫‪" )(721‬فتح الباري" (‪ )13/391‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪ )(722‬الية ‪ 50‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪194‬‬

‫ص ‪250‬‬ ‫‪-38‬قال‪ " :‬حدث نا إ سحاق‪ ،‬حدث نا عفان‪ ،‬حدث نا وه يب‪ ،‬حدث نا مو سى – هو ا بن عق بة‪ -‬حدث ني‬ ‫محمد بن يحيى بن حبان‪ ،‬عن ابن محيريز‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬في غزوة بني المصطلق‪ ،‬أنهم‬ ‫أصابوا سبايا‪ ،‬فأرادوا أن يستمتعوا بهن‪ ،‬ول يحملن‪ ،‬فسألوا النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬عن العزل‪،‬‬ ‫فقال‪ " :‬ما عليكم أن ل تفعلوا‪ ،‬فإن ال قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة"‪ ،‬وقال مجاهد‪ :‬عن قزعة‪،‬‬ ‫سمعت أبا سعيد‪ ،‬فقال‪ :‬قال النبي –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬ليست نفس مخلوقة‪ ،‬إل ال خالقها "‪.‬‬ ‫"العزل"‪ :‬هو إنزال الماء خارج فرج المرأة‪ ،‬خوفا أن تحمل‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ " :‬هو النزع بعد اليلج لينزل خارج الفرج"(‪.)723‬‬ ‫"قوله‪ :‬ما عليكم أن ل تفعلوا " أي‪ :‬ل يضركم عدم العزل؛ لن ما قدره ال –تعالى‪ -‬من الخلق‪،‬‬ ‫فل بد من وجوده‪ ،‬عزل النسان أو لم يعزل‪ ،‬يوضحه ما في رواية مسلم فقال‪" :‬ل عليكم أن ل تفعلوا‪،‬‬ ‫ما كتب خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إل ستكون"(‪.)724‬‬ ‫وفي قصة الرجل الذي سأل عن العزل عن جاريته‪ ،‬فقال رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪" :-‬‬ ‫إن ذلك لن يمنع شيئا أراده ال "(‪.)725‬‬ ‫قال الحافهظ‪ " :‬وفهي روايهة‪ " :‬ل عليكهم أن ل تفعلوا " أي‪ :‬ل حرج عليكهم أن ل تفعلوا العزل‪،‬‬ ‫ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل‪ ،‬فأفهم ثبوت الحرج في فعل العزل‪.‬‬ ‫ولو أراد نفي الحرج عن العزل لقال‪ " :‬ل عليكم أن تفعلوا "(‪.)726‬‬ ‫وفي مسلم لما ذكر هذا الحديث "قال محمد" وقوله‪ " :‬ل عليكم" أقرب إلى النهي" ومحمد هذا هو‬ ‫ابن حاتم‪ .‬وفيه أيضا‪ " :‬وقال ابن عون‪ :‬فحدثت به الحسن‪ ،‬فقال‪ :‬وال لكأن هذا زجر"(‪.)727‬‬ ‫ص ‪251‬‬ ‫قوله‪ " :‬فإن ال قد كتب من هو خالق إلى يوم القيا مة" هذا يبين عدم فائدة العزل؛ لن كل ن فس‬ ‫قدر ال –تعالى‪ -‬خلق ها‪ ،‬ل بد أن يخلق ها‪ ،‬عزل تم أم ل‪ ،‬و ما لم ي شأ خلق ها ل ي قع ولو لم يعزلوا‪ ،‬فإن‬ ‫كان ال أراد أن يخلق في تلك المقار نة وذلك الو قت‪ ،‬فل بد من وجود ذلك ولو حر صتم كل الحرص‬ ‫على عدم النزال في الرحم‪ ،‬فل غالب على أمره‪ ،‬وهو الخالق وحده‪.‬‬ ‫وهذا ههو وجهه اسهتدلل البخاري فهي الحديهث‪ ،‬فإن ال ‪-‬تعالى‪ -‬ههو الخالق البارئ المصهور‬ ‫وحده‪ ،‬وأن كل مهن الب والم‪ ،‬ل دخهل لهمها فهي ذلك‪ ،‬بهل ال ‪-‬تعالى‪ -‬ههو الذي يقدر خلق هذا‬

‫‪" )(723‬الفتح" (‪.)9/305‬‬ ‫‪" )(724‬مسلم مع النووي" (‪.)10/10‬‬ ‫‪" )(725‬مسلم مع النووي" (‪. )10/10‬‬ ‫‪" )(726‬الفتح" (‪.)9/307‬‬ ‫‪" )(727‬مسلم مع النووي" (‪.)10/11‬‬ ‫‪195‬‬

‫المخلوق شاء الناس ذلك أو لم يشاؤوا‪ ،‬وأنهه‪ ،‬ههو بارئ النسهمة مهن الذكهر والنثهى‪ ،‬أو ممها يشاء‪،‬‬ ‫والخلق كلهم ل يستطيعون فعل شئ من ذلك‪.‬‬ ‫وهو ‪-‬تعالى‪ -‬المصور لهذا النسان السوي من نطفة مت ساوية الجزاء‪ ،‬لو اجتمع عليها أمهر‬ ‫الطباء‪ ،‬بكل ما أوتوا من علوم وآلت وإمكانيات‪ ،‬لم يستطيعوا أن يصوروا منها شيئا حيا‪ ،‬فتبارك ال‬ ‫أحسن الخالقين‪.‬‬ ‫فإن قيل‪ :‬قد يتحكم النسان بالحمل إما بالعقاقير أو بوسائل أخرى‪.‬‬ ‫فجوا به‪ :‬أن ذلك من تقد ير ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬ول يم كن أن يكون ش يء خارجا عن مشيئ ته وتقديره‪،‬‬ ‫وإذا أراد أن يخلق مخلوقا فل بد من وجوده‪ ،‬وإن استعملت الوسائل المانعة لذلك‪.‬‬ ‫"قال ابن بطال‪ :‬الخالق في هذا الباب‪ ،‬يراد به‪ :‬المبدع المنشيء لعيان المخلوقين‪ ،‬وهو معنى ل‬ ‫يشارك ال فيه أحد "‪.‬‬ ‫"وقال الكرمانهي‪ " :‬معنهى قوله‪ :‬إل وههي مخلوقهة‪ ،‬أي مقدرة الخلق‪ ،‬أو معلومهة الخلق عنهد ال‬ ‫تعالى‪ -‬لبد من إبرازها إلى الوجود"(‪.)728‬‬‫قال ش يخ ال سلم‪ :‬والذي عل يه جماه ير الم سلمين من ال سلف والخلف‪ :‬أن الخلق غ ير المخلوق‪،‬‬ ‫فالخلق ف عل الخالق‪ ،‬والمخلوق مفعوله‪ ،‬ولهذا كان ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ي ستعيذ بأفعال الرب‬ ‫وصفاته‪ ،‬كما في قوله –صلى ال عليه وسلم‪" :-‬أعوذ برضاك من سخطك‪،‬‬ ‫ص ‪252‬‬ ‫وبمعافاتك من عقوبتك‪ ،‬وبك منك‪ ،‬ل أحصي ثناء عليك‪ ،‬أنت كما أثنيت على نفسك"‬

‫(‪)729‬‬

‫فاستعاذ‬

‫بمعافاته كما استعاذ برضاه‪.‬‬ ‫و قد ا ستدل أئ مة السهنة كأحمهد وغيره‪ ،‬على أن كلم ال غيهر مخلوق‪ ،‬بأ نه ا ستعاذ به‪ ،‬فكذلك‬ ‫معافا ته ورضاه غ ير مخلو قة؛ ل نه ا ستعاذ به ما‪ ،‬والعاف ية القائ مة ببدن الن سان مخلو قة‪ ،‬فإن ها نتي جة‬ ‫معافاته "(‪.)730‬‬ ‫وسيأتي – إن شاء ال تعالى – بسط ذلك وإيضاحه في محله‪.‬‬

‫‪" )(728‬الفتح" (‪.)13/392‬‬ ‫‪ )(729‬تقدم تخريجه ‪.‬‬ ‫‪" )(730‬مجموع الفتاوى" (‪.)230-6/229‬‬ ‫‪196‬‬

‫ص ‪253‬‬ ‫قال‪ " :‬باب قول ال ‪-‬تعالى‪ِ{ :-‬لمَا خَلَ ْقتُ ِب َي َديّ} (‪.")731‬‬ ‫أراد – رحمه ال – بهذه الترجمة بيان ما أثبته ال ‪-‬تعالى‪ -‬لنفسه‪ ،‬من صفة اليدين‪ ،‬وأثبته له‬ ‫ر سوله – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬على ظا هر ما نط قت به الن صوص المتنو عة الدللة في ذلك‪ ،‬ك ما‬ ‫سيأتي – إن شاء ال تعالى ‪.-‬‬ ‫طتَانِ‬ ‫ت َأ ْيدِيهِ مْ وَُل ِعنُو ْا ِبمَا قَالُو ْا بَلْ َيدَا ُه َمبْ سُو َ‬ ‫قال ال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬وقَالَ تِ ا ْل َيهُودُ َيدُ الّل ِه َمغْلُولَةٌ غُلّ ْ‬ ‫يُن ِفقُ َك ْيفَ َيشَاء} (‪.)732‬‬ ‫ْمه الْ ِقيَامَةِ وَالسهّماوَاتُ‬ ‫ُهه َيو َ‬ ‫ضت ُ‬ ‫جمِيعًا َقبْ َ‬ ‫ْضه َ‬ ‫لر ُ‬ ‫ِهه وَا َ‬ ‫ّهه حَقّ َق ْدر ِ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَمَا َق َدرُوا الل َ‬ ‫ش ِركُونَ} (‪.)733‬‬ ‫عمّا ُي ْ‬ ‫س ْبحَانَهُ َو َتعَالَى َ‬ ‫َمطْ ِويّاتٌ ِب َيمِينِهِ ُ‬ ‫شيْءٍ‬ ‫ى كُلّ َ‬ ‫خ ْيرُ ِإنّ كَ عََل َ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬يدُ اللّ هِ فَوْ قَ َأ ْيدِيهِ مْ} (‪ِ { ،)734‬ب َيدِ ِه ا ْلمُلْ كُ} (‪ِ { ،)735‬ب َيدِ كَ ا ْل َ‬ ‫قَدِيرٌ في آيات كثيرة وقد ذكر البخاري في ذلك عدة أحاديث‪.‬‬ ‫‪ -39‬قال‪ " :‬حدثني معاذ بن فضالة‪ ،‬حدثنا هشام‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس أن النبي –صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ -‬قال‪ " :‬يجمع ال المؤمنين يوم القيامة‪ ،‬كذلك‪ ،‬فيقولون‪ :‬لو استشفعنا إلى ربنا‪ ،‬حتى يريحنا من‬ ‫مكاننا هذا‪.‬‬ ‫فيأتون آدم‪ ،‬فيقولون‪ :‬يا آدم‪ ،‬أما ترى الناس؟ خلقك ال بيده‪ ،‬وأسجد لك ملئكته‪ ،‬وعلمك أسماء‬ ‫كل شيء‪ ،‬اشفع لنا إلى ربنا‪ ،‬حتى يريحنا من مكاننا هذا‪ ،‬فيقول‪ :‬لست هناك‪ ،‬ويذكر لهم خطيئته التي‬ ‫أصاب‪ ،‬ولكن ائتوا نوحا‪ ،‬فإنه أول رسول بعثه ال إلى أهل الرض فيأتون نوحا‪ ،‬فيقول‪ :‬لست هناكم‪،‬‬ ‫ويذكر خطيئته التي أصاب‪ ،‬ولكن ائتوا إبراهيم –خليل الرحمن – فيأتون إبراهيم‪ ،‬فيقول‪ :‬لست‬ ‫ص ‪254‬‬ ‫هنا كم‪ ،‬ويذ كر خطاياه ال تي أ صابها‪ ،‬ول كن ائتوا مو سى‪ ،‬عبدا آتاه التوراة وكل مه تكليما فيأتون‬ ‫مو سى‪ ،‬فيقول‪ :‬ل ست هنا كم‪ ،‬ويذ كر ل هم خطيئ ته ال تي أ صاب‪ -‬ول كن ائتوا عي سى‪ ،‬ع بد ال ور سوله‪،‬‬ ‫وكلمته‪ ،‬وروحه‪ ،‬فيأتون عيسى‪ ،‬فيقول‪ :‬لست هناكم‪ ،‬ولكن ائتوا محمد صلى ال عليه وسلم عبدا غفر‬ ‫له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪.‬‬ ‫فيأتوني‪ ،‬فانطلق‪ ،‬فاستأذن على ربي‪ ،‬فيؤذن لي عليه‪ ،‬فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا‪ ،‬فيدعني‬ ‫ما شاء ال أن يدع ني‪ ،‬ثم يقال لي‪ :‬ار فع مح مد‪ ،‬و قل ي سمع‪ ،‬و سل تط عه‪ ،‬واش فع تش فع‪ ،‬فأح مد ر بي‬ ‫بمحامد علمنيها‪ ،‬ثم اشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة‪.‬‬ ‫‪ )(731‬الية ‪ 75‬من سورة ص‪.‬‬ ‫‪ )(732‬الية ‪ 64‬من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪ )(733‬الية ‪ 67‬من سورة الزمر‪.‬‬ ‫‪ )(734‬جزء من الية ‪ 10‬من سورة الفتح ‪.‬‬ ‫‪ )(735‬فاتحة سورة الملك‪.‬‬ ‫‪197‬‬

‫ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا‪ ،‬فيدعني ما شاء ال أن يدعني‪ ،‬ثم يقال‪ :‬ارفع محمد‪ ،‬قل‬ ‫يسمع‪ ،‬وسل تعطه‪ ،‬واشفع تشفع‪ ،‬فاحمد ربي بمحامد علمنيها‪ ،‬ثم اشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة‪.‬‬ ‫ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا‪ ،‬فيدعني ما شاء ال أن يدعني‪ ،‬ثم يقال‪ :‬ارفع محمد‪ ،‬قل‬ ‫يسمع‪ ،‬وسل تعطه‪ ،‬واشفع تشفع‪ ،‬فاحمد ربي بمحامد علمنيها‪ ،‬ثم اشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة‪.‬‬ ‫ثم أرجع فأقول‪ :‬يا رب‪ ،‬ما بقي في النار إل من حبسه القرآن‪ ،‬ووجب عليه الخلود‪.‬‬ ‫قال ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ :-‬يخرج من النار من قال‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬وكان في قل به من‬ ‫الخير ما يزن شعيرة‪.‬‬ ‫ثم يخرج من النار من قال‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬وكان في قلبه من الخير ما يزن برة‪.‬‬ ‫ثم يخرج من النار من قال‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة"‪.‬‬ ‫هذا حديث الشفاعة المشهور‪ ،‬وقد ذكره البخاري في أماكن متعددة من جامعه‪.‬‬ ‫والمقصود هنا‪ :‬قوله‪":‬خلقك ال بيده" حيث جعل ذلك ميزة لدم من بين الخلق‪ ،‬فدل على أن اليد‬ ‫ه نا على ظاهر ها‪ ،‬يد حقي قة‪ ،‬ولو كا نت ك ما يقول أ هل التأو يل‪ :‬إن ها القدرة‪ ،‬لم ي كن لدم اخت صاص‬ ‫بذلك‪ ،‬إذ الخلق كلهم مخلوقون بقدرة ال ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫ص ‪255‬‬ ‫قوله‪ " :‬يجمع ال المؤمنين يوم القيامة كذلك " قال الحافظ‪ " :‬هكذا للجميع‪ ،‬وأظن أول هذه الكلمة‬ ‫لم – أي لذلك – والشارة ليوم القيامة – أو لما يذكر بعد‪.‬‬ ‫وعند مسلم‪ " :‬يجمع ال المؤمنين‪ ،‬يوم القيامة‪ ،‬فيهتمون لذلك‪ ،‬وفي رواية "يلهمون لذلك"(‪.)736‬‬ ‫ومعنى‪ :‬يهتمون ويلهمون متقارب‪ ،‬أي أنهم يعنون بسؤال الشفاعة‪ ،‬وإزالة الكرب الذي هم فيه‪،‬‬ ‫أو أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬يلهمهم سؤال ذلك‪ ،‬واللهام‪ :‬أن يلقي ال ‪-‬تعالى‪ -‬في النفس أمرا يحمل على فعل‬ ‫الشيء أو تركه"(‪.)737‬‬ ‫قوله‪ " :‬فيقولون‪ :‬لو استشفعنا إلى ربنا‪ ،‬حتى يريحنا من مكاننا هذا " هذا هو الذي يهتمون له –‬ ‫أو يلهمو نه – أي لو طلب نا م ما هو موجود مع نا من الر سل الذ ين ل هم مقام ع ند ال من يش فع ل نا ع ند‬ ‫ربنا! ليريحنا من عناء هذا الموقف وكرباته‪ ،‬فيحاسبنا ربنا‪ ،‬ويجزينا بأعمالنا‪ ،‬وما نستحق‪ ،‬ثم نصير‬ ‫إلى منازلنا‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬فيأتون آدم" إلى عيسى‪ ،‬وكلهم يعتذر‪ ،‬ويذكر لهم ذنبه‪.‬‬ ‫فآدم – عل يه ال سلم – يقول‪ :‬نها ني عن ال كل من الشجرة فع صيته‪ .‬ونوح – عل يه ال سلم –‬ ‫يقول‪ :‬دعوت على قومهي‪ ،‬فأغرقوا‪ ،‬وسهألت مها ليهس لي بهه علم‪ .‬وإبراهيهم – عليهه السهلم – يقول‪:‬‬ ‫ل َفعَلَ ُه َكبِيرُهُ مْ َهذَا}‪ ،‬وقوله‪ِ{ :‬إنّ ي سَقِيمٌ}‬ ‫كذ بت ثلث كذبات‪ ،‬مع أن هن في سبيل ال‪ ،‬و هن‪ :‬قوله‪{ :‬بَ ْ‬ ‫‪" )(736‬الفتح" (‪.)13/394‬‬ ‫‪" )(737‬شرح النووي على مسلم" (‪.)3/53‬‬ ‫‪198‬‬

‫وقوله‪ :‬للظالم العن يد ل ما سأله عن زوج ته‪ ،‬قال‪ " :‬إن ها أخ تي"؛ لن ها أخ ته في ال سلم‪ ،‬ولو قال‪ :‬إن ها‬ ‫زوجته‪ ،‬لخذها منه ذلك الظالم‪.‬‬ ‫وموسى – عليه السلم – يقول‪ :‬قتلت نفسا بغير حق‪ ،‬ولم يذكر لعيسى عليه السلم ذنبا‪ ،‬وهذا‬ ‫كله مع قول عيسى عليه ال سلم‪ " :‬ول كن ائتوا محمدا‪ ،‬عبدا غ فر له ما تقدم من ذن به‪ ،‬وما تأ خر" يدل‬ ‫على وقوع الذنوب مهن النهبياء‪ ،‬وهؤلء المذكورون ههم أفضهل النهبياء‪ ،‬وههي مسهألة مشهورة‪ ،‬ول‬ ‫خلف أن الك فر ب عد النبوة غ ير وا قع من هم‪ ،‬ك ما أ نه ل خلف في ع صمتهم في ما يبلغو نه عن طر يق‬ ‫القول‪ .‬وأما الفعل‪ ،‬فقد يقع منهم السهو أو النسيان‪ ،‬أو الخطأ الذي ل يقرون عليه‪ ،‬كما أنهم محفوظون‬ ‫من الذنوب‪ ،‬التي تزري بفاعلها‪ ،‬وتسقط مروءته‪.‬‬ ‫ص ‪256‬‬ ‫و أما الصغائر فجائز وقوعها منهم‪ ،‬كما دل عليه هذا الحديث في الجملة‪ ،‬وغيره من النصوص‬ ‫الكثيرة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫وقد تطرف بعض شراح الكتاب وزعم أن من قال بهذا أنه كافر‪.‬‬ ‫ويدل على عظم المر‪ ،‬كيف اعتذر من هم أفضل البشر عن الشفاعة معتلين بذنوب أكثر الخلق‬ ‫ل يعدها ذنوبا‪ ،‬وهم قد تابوا منها‪ ،‬واستغفروا ربهم فغفر لهم‪ ،‬وهذا يدل على عظم ال‪ ،‬وعظيم قدره‬ ‫في قلوب هم‪ ،‬وعلى صعوبة المو قف ب ين يدي ال وشد ته‪ ،‬ف هل يف هم هذا من يهرع إلى قبور المو تى‬ ‫يطلبون منهم ما ل يطلبه أولو العزم من الرسل من ال ‪-‬تعالى‪-‬؟‬ ‫وقول كل واحد منهم‪ " :‬لست هناكم" أي‪ :‬لست كما تظنون أني أستطيع أن أشفع لكم‪ ،‬فليس ذلك‬ ‫عندي‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬فأنطلق‪ ،‬فأ ستأذن على ر بي‪ ،‬فيؤذن لي عل يه " يدل على أ نه – صلى ال عل يه و سلم‪-‬‬ ‫يقصد مكانا معينا‪ ،‬يرى فيه ربه‪ ،‬وسيأتي في باب الرؤية في هذا الحديث " فاستأذن على ربي في داره‬ ‫" وقد قيل‪ :‬إن المراد بداره هنا الجنة‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا " صريح في أن الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يرى‬ ‫ربه عيانا في ذلك الموقت‪ ،‬وسيأتي ذلك – إن شاء ال تعالى ‪.-‬‬ ‫قوله‪ " :‬فيدعني ما شاء ال أن يدعني‪ ،‬ثم يقال لي‪ :‬ارفع محمد‪ ،‬وقل يسمع‪ ،‬وسل تعطه‪ ،‬واشفع‬ ‫تشفع" أي‪ :‬أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬يمهل له في السجود‪ ،‬فيبقى ساجدا وقتا طويلً‪ ،‬يسبح ربه‪ ،‬ويمجده‪ ،‬ويثني‬ ‫عل يه‪ ،‬ويحمده‪ ،‬فل ير فع رأ سه من سجوده ح تى يأمره ال ‪-‬تعالى‪ -‬برف عه‪ ،‬ثم يأذن له ‪-‬تعالى‪ -‬بأن‬ ‫يطلب من ربه مراده‪ ،‬وقد علم ال مقصده‪ ،‬ولهذا قال له‪ :‬اشفع تشفع‪ ،‬وهذا كله من رحمته ‪-‬تعالى‪،-‬‬ ‫فهو الذي ألهم عباده طلب الشفاعة من النبياء‪ ،‬وهو الذي أذن في الشفاعة وقبلها‪ ،‬وحقيقة المر هو‬ ‫إرادة ال ‪-‬تعالى‪ -‬رح مة الخلق وإراحت هم من عناء المو قف‪ ،‬وإظهار كرا مة مح مد – صلى ال عل يه‬ ‫وسلم‪ -‬للخلق في ذلك الموقف العظيم‪ ،‬وإل فالشفاعة كلها ل‪.‬‬ ‫‪199‬‬

‫قوله‪ " :‬فأح مد ر بي بمحا مد علمني ها " قد تقدم أن هذا يدل على عدم ح صر أ سماء ال الح سنى‪،‬‬ ‫في تسع وتسعين؛ لن هذه المحامد بأسمائه الحسنى وصفاته‬ ‫ص ‪257‬‬ ‫العليا‪ ،‬وقد جاء في الرواية الخرى‪ " :‬فيفتح ال عليّ من المحامد والثناء ما ل أحسنه الن "‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬ثم أش فع‪ ،‬في حد لي حدا فأدخل هم الج نة" أي‪ :‬أن ال –تعال هى‪ -‬يع ين له من يش فع في هم‪،‬‬ ‫وهذا من الدلة الواضحة على أن الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬ل يشفع فيمن يريد‪ ،‬بل لمن يأذن‬ ‫ال له في الشفا عة في هم‪ ،‬وبذلك ي تبين أن الشفا عة ل جميعا‪ ،‬ك ما صرحت بذلك آيات من كتاب ال –‬ ‫عةُ‬ ‫ش ْيئًا وَل َيعْقِلُونَ {‪ }43‬قُل لّلّ ِه الشّفَا َ‬ ‫ل أَوََلوْ كَانُوا ل َيمِْلكُونَ َ‬ ‫ن اللّ ِه شُ َفعَاء قُ ْ‬ ‫خذُوا مِن دُو ِ‬ ‫تعالى‪{ :-‬أَمِ ا ّت َ‬ ‫جعُونَ} (‪.)738‬‬ ‫لرْضِ ُثمّ إَِل ْيهِ ُت ْر َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫جمِيعًا لّ ُه مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَل فِي‬ ‫ل ذَرّ ٍة فِي ال ّ‬ ‫ن اللّ ِه ل َيمِْلكُو نَ ِمثْقَا َ‬ ‫عمْتُم مّ ن دُو ِ‬ ‫ن زَ َ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬قُلِ ادْعُوا اّلذِي َ‬ ‫ل ِلمَ نْ َأذِ نَ َل هُ‬ ‫ظهِي ٍر {‪ }22‬وَل تَنفَ ُع الشّفَاعَةُ عِندَ هُ ِإ ّ‬ ‫لرْ ضِ َومَا َلهُ مْ فِي ِهمَا مِن شِرْ كٍ َومَا لَ ُه ِم ْنهُم مّن َ‬ ‫اَ‬ ‫حقّ وَهُ َو ا ْلعَِليّ ا ْل َكبِيرُ} (‪.)739‬‬ ‫حتّى ِإذَا ُفزّعَ عَن قُلُو ِب ِهمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ َر ّب ُكمْ قَالُوا ا ْل َ‬ ‫َ‬ ‫بهذه ال ية ي تبين أن المد عو ي جب أن يكون مالكا ل ما يد عى من أجله‪ ،‬وإل كا نت دعو ته ضللً‬ ‫مبينا‪ ،‬فإن لم يكن مالكا يكون مشاركا للمالك‪ ،‬فإن انتفى المران‪ ،‬يكون معاونا وظهيرا مساعدا للمالك‪،‬‬ ‫فإن لم يكهن ذلك‪ ،‬فل أقهل مهن أن يكون شافعا مقبول الشفاعهة عنهد مهن يملك المطلوب‪ ،‬فنفهى ال‬ ‫تعالى‪ -‬عن المدعوين من دونه هذه المور الربعة‪ ،‬وبين أن الشفاعة ل تنفع إل بعد إذنه‪ ،‬وهو –‬‫جل وعل – ل يأذن في الشفا عة إل ل من ر ضي عمله‪ ،‬و هم أ هل الخلص‪ ،‬ومتاب عة الر سول و هو‬ ‫تعالى‪ -‬ل يرضى عن المشرك‪ ،‬الذي يدعو غير ال ‪-‬تعالى‪.-‬‬‫فيجب على العاقل الذي تعز عليه نفسه أن ل يغتر بما اغتر به كثير من الناس الذين يعتمدون‬ ‫على الشفاعة‪ ،‬مع ما هم فيهم من المعاصي‪ ،‬فأفضل الشفعاء يحد ال له حدا‪ ،‬يقول‪ :‬هؤلء أشفع فيهم‪.‬‬ ‫ص ‪258‬‬ ‫قوله‪ " :‬فأقول‪ :‬يا رب‪ ،‬ما بقي إل من حبسه القرآن‪ ،‬ووجب عليه الخلود" أي‪ :‬أن أهل التوحيد‬ ‫الذ ين ا ستحقوا دخول النار بذنوب هم قد خرجوا من ها بالشفا عة ال تي حقيقت ها رح مة ال إيا هم‪ ،‬بوا سطة‬ ‫الشفاعة؛ ليظهر كرامة الشافع كما تقدم‪ ،‬وبقى من نص القرآن على أنه من أهل النار‪ ،‬الذين ل تنالهم‬ ‫شفاعة الشافعين‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬يخرج من النار من قال‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة …" إلى‬ ‫قوله‪ " :‬مها يزن برة" يدل على أن مجرد قول‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬مهن دون أن يقوم فهي القلب شيهء مهن‬ ‫اليمان‪ ،‬ل ينفع‪ ،‬ول يخرج من النار‪ ،‬فالمقصود بالخير‪ :‬اليمان الذي يقوم في القلب‪ ،‬وإن قل‪.‬‬ ‫‪ )(738‬اليتان ‪ 43‬و ‪ 44‬من سورة الزمر ‪.‬‬ ‫‪ )(739‬اليتان ‪ 22‬و ‪ 23‬من سورة سبأ ‪.‬‬ ‫‪200‬‬

‫ك ما أ نه يدل دللة واض حة على تفاوت اليمان وتفاضله‪ ،‬وأن أ هل الكبائر من المؤمن ين يد خل‬ ‫من يدخل منهم النار ثم يخرجون منها‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪201‬‬

‫ص ‪259‬‬ ‫‪ -40‬قال‪ " :‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخبرنا شعيب‪ ،‬حدثنا أبو الزناد‪ ،‬عن العرج‪ ،‬عن أبي هريرة –‬ ‫ر ضي ال ع نه‪ -‬أن ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬قال‪ " :‬يد ال ملى‪ ،‬ل يغيض ها نف قة‪ ،‬سحاء‬ ‫الليل والنهار" وقال‪ " :‬أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والرض؟ فإنه لم يغض ما في يده"‪ .‬وقال‪" :‬‬ ‫عرشه على الماء‪ ،‬وبيده الخرى الميزان‪ ،‬يخفض‪ ،‬ويرفع"‪.‬‬ ‫جاء في أول هذا الحديث في تفسير سورة هود‪ " :‬أنفق أنفق عليك"(‪ .)740‬وسيأتي كذلك‪ ،‬في باب‬ ‫قوله ‪-‬تعالى‪ُ { :-‬يرِيدُونَ أَن ُي َبدّلُوا كَلمَ اللّهِ}‪.‬‬ ‫وههو عنهد مسهلم بلفهظ‪ " :‬إن ال قال لي‪ :‬أنفهق أنفهق عليهك" وقال رسهول ال –صهلى ال عليهه‬ ‫وسلم‪ " :-‬يمين ال ملى" إلى آخره(‪.)741‬‬ ‫ع ْرشُ هُ عَلَى ا ْلمَاء " بلفظ‪ " :‬إن يمين ال ملى‪ ،‬ل يغيضها نفقة‪ ،‬سحاء‬ ‫وسيأتي في باب " َوكَا نَ َ‬ ‫الليل والنهار‪ ،‬أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والرض؟ فإنه لم ينقص ما في يمينه‪ ،‬وعرشه عل‬ ‫الماء‪ ،‬وبيده الخرى الفيض – أو الق بض – يرفع ويخ فض" و هو أبلغ في الدللة على إثبات اليد ين ل‬ ‫–تعالى‪ -‬مما ها هنا‪.‬‬ ‫وقد اضطرب أهل التأويل في تأويلهم اليد اضطرابا يدل على أنهم على باطل‪.‬‬ ‫والعاقل المنصف يعجب إذا رأى ما كتبه ابن حجر في شرحه لهذا الباب‪ ،‬فإنه ذكر بعض أقوال‬ ‫أئمهة الشعريهة‪ ،‬ثهم قال‪ " :‬واليهد فهي اللغهة تطلق لمعان كثيرة‪ ،‬اجتمهع لنها منهها خمسهة وعشرون‬ ‫ومعنى"‬

‫(‪)742‬‬

‫والنصوص في هذا الباب جاءت معينة معنى واحدا ل غير‪ ،‬هو يدا ال الكريمتان‪ ،‬وما عدا ذلك‬ ‫فهو بهتان عظيم‪.‬‬ ‫ص ‪260‬‬ ‫قوله‪ " :‬يد ال ملى" ذكرنا أنها عند مسلم‪ ،‬وعند البخاري في مواضع غير هذا‪ ،‬بلفظ "يمين ال‬ ‫" بدل‪ " :‬يد ال"‪ ،‬قال الحافظ‪ " :‬يتعقب بهذه الرواية على من فسر اليد بالنعمة‪ ،‬وأبعد منه من فسرها‬ ‫بالخزائن "(‪.)743‬‬ ‫قلت‪ :‬هذا التف سير با طل‪ ،‬ول ي صح أن ي سمى تف سيرا‪ ،‬وإن ما هو تحر يف للكلم عن مواض عه‪،‬‬ ‫كفعل اليهود‪ ،‬كما سيأتي بيان ذلك – إن شاء ال تعالى ‪.-‬‬ ‫و"ملى" بفتح الميم‪ ،‬وسكون اللم‪ ،‬وهمزة‪ ،‬مع القصر‪ ،‬أي أنها‪ :‬شديدة المتلء بالخير‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬ل يغيضها " أي‪ :‬ل ينقصها‪ ،‬يقال‪ :‬غاض الماء يغيض‪ ،‬إذا نقص‪.‬‬ ‫‪ )(740‬انظره مع الفتح (‪.)8/352‬‬ ‫‪ )(741‬انظر ‪ " :‬مسلم" (‪ )2/691‬الحديث رقم (‪ ، )37‬و (ص ‪ )690‬الحديث رقم (‪.)36‬‬ ‫‪ )(742‬انظر " فتح الباري" (‪.)13/394‬‬ ‫‪" )(743‬الفتح" (‪.)13/395‬‬ ‫‪202‬‬

‫قوله‪ " :‬سحاء" بفتح السين والحاء المشددة‪ ،‬ممدودا‪ ،‬أي دائمة الصب‪.‬‬ ‫"الليل والنهار" منصوبان على الظرفية‪ ،‬أي‪ :‬يد ال دائمة السح في الليل والنهار‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬أرأيتهم مها أنفهق منهذ خلق السهماوات والرض؟" اسهتدلل‪ ،‬وإيضاح لكثرة نفقتهه تعالى‪،‬‬ ‫وتنبيه لمن له بصيرة إلى ذلك‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬فإ نه لم يغض ما في يده" أي‪ :‬هذا النفاق الهائل‪ ،‬المستمر الدائم بدون توقف‪ ،‬لم ين قص‬ ‫ما في يده ‪-‬تعالى‪-‬؛ لن بيده الخير كله ل مانع لما أعطى‪ ،‬ول معطي لمن منعه‪ ،‬وإذا أراد شيئا قال‬ ‫له‪ :‬كن‪ ،‬فيكون‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬وعرشه على الماء" قال الحافظ‪ " :‬مناسبة ذكر العرش هنا‪ :‬أن السامع يتطلع من قوله‪" :‬‬ ‫منذ خلق السماوات والرض " ماذا كان قبل ذلك؟ فذكر أن عرشه قبل خلق السماوات والرض‪ ،‬كان‬ ‫على الماء "(‪.)744‬‬ ‫قوله‪ " :‬وبيده الخرى‪ ،‬الميزان‪ ،‬يخ فض وير فع" الميزان‪ :‬العدل‪ ،‬الذي به ير فع من يكون أهلً‬ ‫لن ير فع‪ ،‬و من هو مو ضع له‪ ،‬فيتف ضل عل يه برف عه باليمان وقبول ال حق‪ ،‬بأن يح بب إل يه اليمان‪،‬‬ ‫ويزي نه في قل به‪ ،‬ويكره إل يه الك فر والف سوق‪ ،‬والع صيان‪ ،‬ويجعله من الراشد ين‪ ،‬وهذا أع ظم الر فع‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ويخفض من ليس أه ً‬ ‫ص ‪261‬‬ ‫لذلك‪ ،‬بأن يم نع فضله ع نه‪ ،‬ويكله إلى نف سه‪ ،‬في ضل‪ ،‬ويتوله عدوه في صبح خا سرا‪ ،‬وهذا أع ظم‬ ‫الخفض؛ لنه يصير إلى أسفل سافلين‪ ،‬في جهنم – نعوذ بوجه ال منها – وأمور الدنيا تبع لذلك‪.‬‬ ‫"قال الطيهبي‪ :‬يجوز أن يكون "ملى" و"ل يغيضهها" و"سهحاء" و"أرأيتهم" أخبار مترادفهة ليهد ال‪،‬‬ ‫ويجوز أن تكون الثل ثة أوصافا "لملى" ويجوز أن يكون "أرأيتم" استئنافا فيه معنى الترقي‪ ،‬كأنه لما‬ ‫ق يل‪" :‬ملى" {خ شي} إيهام جواز النق صان‪ ،‬فأز يل بقوله‪ " :‬ل يغيض ها" و قد يمتلئ الش يء ول يغ يض‪،‬‬ ‫فقيل‪" :‬سحاء" إشارة إلى الفيض – وهو كثرة العطاء – وقرنه بما يدل على الستمرار‪ ،‬من ذكر الليل‬ ‫والنهار‪ ،‬ثم أتب عه ب ما يدل على أن ذلك ظا هر غ ير خاف على ذي ب صر وب صيرة‪ ،‬بقوله‪ " :‬أرأي تم ما‬ ‫أن فق م نذ خلق ال سماوات والرض" وهذا الكلم إذا أخذ ته بجمل ته أبان عن زيادة الغ نى‪ ،‬وكمال ال سعة‬ ‫والجود‪ ،‬والبسط في العطاء"(‪.)745‬‬ ‫قلت‪ :‬ال ستدلل بهذا الحد يث على ثبوت اليد ين ل ‪-‬تعالى‪ -‬حقي قة‪ ،‬ظا هر جدا‪ ،‬و سيأتي تقر ير‬ ‫ذلك – إن شاء ال – في آخر الباب‪.‬‬

‫‪ )(744‬المصدر المذكور ‪.‬‬ ‫‪" )(745‬الفتح" (‪.)13/395‬‬ ‫‪203‬‬

‫ص ‪262‬‬ ‫‪-41‬قال‪ " :‬حدثنا مقدم بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمي‪ ،‬القاسم بن يحيى‪ ،‬عن عبيد ال‪ ،‬عن نافع‪،‬‬ ‫عن ابن عمر – رضي ال عنهما – عن رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪ " :‬إن ال يقبض‬ ‫يوم القيامة الرض‪ ،‬وتكون السماوات بيمينه‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أنا الملك" رواه سعيد عن مالك‪.‬‬ ‫القبض‪ " :‬إمساك الشيء بجميع كف اليد‪ ،‬فقبض اليد على الشيء‪ :‬جمعها بعد تناوله"(‪ ،)746‬فقبض‬ ‫الشيء هو‪ :‬جمعه في الكف‪.‬‬ ‫فقوله‪ " :‬إن ال يقبهض يوم القيامهة الرض" أي يجمعهها بيده‪ ،‬فتكون فهي قبضتهه‪ ،‬كمها قال‬ ‫ضتُ ُه يَ ْومَ ا ْل ِقيَامَةِ}‪.‬‬ ‫جمِيعًا َقبْ َ‬ ‫لرْضُ َ‬ ‫تعالى‪{ :-‬وَا َ‬‫وقوله‪ " :‬وتكون السهماوات بيمينهه‪ ،‬ثهم يقول‪ :‬أنها الملك" أي أنهه ‪-‬تعالى‪ -‬يطوي السهماوات بيده‬ ‫اليمنى‪ ،‬والرض مقبوضة بيده الخرى‪ ،‬وأنه يهزهن ثم يقول – يعظم نفسه‪ :-‬أنا الملك – أي‪ :‬الذي‬ ‫يتصرف في كل شيء كيف يشاء‪ ،‬ول يشاركه في ذلك أحد‪ ،‬ولهذا جاء فيه‪ :‬أنه ‪-‬تعالى‪ -‬إذا قبضهن‪،‬‬ ‫يهزهن‪ ،‬ويقول‪ " :‬أنا الملك‪ ،‬أنا الملك‪ ،‬أين ملوك الدنيا؟"‪.‬‬ ‫ضتُ ُه يَوْ مَ‬ ‫جمِيعًا َقبْ َ‬ ‫ض َ‬ ‫لرْ ُ‬ ‫وهذا الحد يث مطا بق لقوله –تعالى‪{ :-‬وَمَا َقدَرُوا اللّ هَ حَقّ َقدْرِ هِ وَا َ‬ ‫ش ِركُونَ} (‪.)747‬‬ ‫عمّا ُي ْ‬ ‫س ْبحَانَهُ َو َتعَالَى َ‬ ‫ت َمطْ ِويّاتٌ ِب َيمِينِهِ ُ‬ ‫الْ ِقيَامَةِ وَالسّماوَا ُ‬ ‫وف يه الدل يل الوا ضح على ثبوت اليد ين ل ‪-‬تعالى‪ ،-‬و هو نص ل يق بل تأويلً‪ ،‬ولهذا صارت‬ ‫تأويلت المعطلين ليدي رب العالمين‪ ،‬شبه اللعب في كلم ال وكلم رسوله‪ ،‬الذي يترفع عنه العقلء‪،‬‬ ‫فضلً عن أهل التقى‪.‬‬

‫‪ )(746‬انظر ‪ " :‬المفردات" للراغب (ص ‪.)391‬‬ ‫‪ )(747‬الية ‪ 67‬من سورة الزمر ‪.‬‬ ‫‪204‬‬

‫ص ‪263‬‬ ‫‪-42‬قال‪ " :‬وقال أبو اليمان‪ :‬أخبرنا شعيب‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬أخبرني أبو سلمة‪ ،‬أن أبا هريرة قال‪:‬‬ ‫قال رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬يقبض ال الرض "‪.‬‬ ‫ك النّاسِ}‪.‬‬ ‫تقدم تفسير القبض‪ ،‬وهذا الحديث مر في باب قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬مَِل ِ‬ ‫ص ‪264‬‬ ‫‪-43‬قال‪ " :‬حدث نا م سدد‪ ،‬سمع يح يى بن سعيد‪ ،‬عن سفيان‪ ،‬حدث ني من صور‪ ،‬و سليمان‪ ،‬عن‬ ‫إبراهيم‪ ،‬عن عبيدة‪ ،‬عن عبدال‪ ،‬أن يهوديا جاء إلى النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬إن‬ ‫ال يمسك السماوات على إصبع‪ ،‬والرضيين على إصبع‪ ،‬والجبال على إصبع‪ ،‬والشجر على إصبع‪،‬‬ ‫والخلئق على إصهبع‪ ،‬ثهم يقول‪ :‬أنها الملك‪ ،‬فضحهك رسهول ال –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬حتهى بدت‬ ‫حقّ َقدْرِهِ} (‪.")748‬‬ ‫نواجذه‪ ،‬ثم قرأ‪َ { :‬ومَا َقدَرُوا اللّ َه َ‬ ‫وقال يحيى بن سعيد‪ ،‬وزاد فيه فضيل بن عياض‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن عبيدة‪ ،‬عن‬ ‫عبدال‪ " :‬فضحك رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬تعجبا وتصديقا له"‪.‬‬ ‫‪-44‬قال‪ " :‬حدثنا عمر بن حفص عن غياث‪ ،‬حدثنا أبي‪ ،‬حدثنا الع مش‪ ،‬سمعت إبراهيم قال‪:‬‬ ‫سمعت علقمة يقول‪ :‬قال عبد ال‪ :‬جاء رجل إلى النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬من أهل الكتاب‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫يها أبها القاسهم‪ ،‬إن ال يمسهك السهموات على إصهبع‪ ،‬والرضييهن على إصهبع‪ ،‬والشجهر والثرى على‬ ‫إ صبع‪ ،‬والخلئق على إ صبع‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أن الملك‪ ،‬أ نا الملك‪ ،‬فرأ يت ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪-‬‬ ‫حقّ َقدْرِهِ}"‪.‬‬ ‫ضحك حتى بدت نواجذه‪ ،‬ثم قرأ‪َ { :‬ومَا َقدَرُوا اللّ َه َ‬ ‫هذا الحديث يدل على عظمة ال ‪-‬تعالى‪ -‬حيث يضع السماوات كلها على إصبع من أصابع يده‬ ‫الكري مة العظي مة‪ ،‬وعدد المخلوقات المعرو فة للخلق بال كبر والعظ مة‪ ،‬وأ خبر أن كل نوع من ها يض عه‬ ‫تعالى‪ -‬على إصبع‪ ،‬لو أراد تعالى – لوضع السماوات والرضيين ومن فيهن على إصبع واحدة من‬‫أصابع يده – جل وعل‪.-‬‬ ‫وهذا من العلم الموروث عن النبياء المتلقى عن الوحي من ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬ولهذا صدقه رسول‬ ‫ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬بل وأعجبه ذلك وسر به‪ ،‬ولهذا ضحك حتى بدت نواجذه‪ ،‬تصديقا له‪ ،‬كما‬ ‫قال عبهد ال بهن مسهعود‪ ،‬ول التفات إلى قول مهن تبنهى التعطيهل‪ ،‬وصهار نصهيبه مهن معرفهة هذه‬ ‫الوصاف الكريمة العظيمة – التي تعرف ال بها إلى عباده – هو ما يعرفونه من أنفسهم‪ ،‬فحملهم ذلك‬ ‫على تعط يل ال ‪-‬تعالى‪ -‬من هذه الو صاف‪ ،‬مرة برد هذه الن صوص والط عن في روات ها بل ح جة‬ ‫سوى‬ ‫ص ‪265‬‬ ‫‪ )(748‬الية ‪ 67‬من سورة الزمر ‪.‬‬ ‫‪205‬‬

‫روايتهم لها‪ ،‬ومرة بتأويلها التأويل الباطل الذي يخرجها عن مراد المتكلم بها {قل ءأنتم أعلم أم‬ ‫ال}‪.‬‬ ‫هذا و قد تنو عت الن صوص من كتاب ال ‪-‬تعالى‪ -‬و سنة ر سوله – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬على‬ ‫إثبات اليدين ل ‪-‬تعالى‪ -‬وإثبات الصابع لهما‪ ،‬وإثبات القبض بهما وتثنيتهما‪ ،‬وأن إحداهما يمين‪ ،‬كما‬ ‫مر‪ ،‬وفي نصوص كثيرة‪ ،‬والخرى شمال كما في "صحيح مسلم"(‪ ،)749‬وأنه ‪-‬تعالى‪ -‬يبسط يده بالليل‬ ‫ليتوب مسيء النهار‪ ،‬وبالنهار ليتوب مسيء الليل(‪ ،)750‬وأنه ‪-‬تعالى‪ -‬يتقبل الصدقة من الكسب الطيب‬ ‫بيمينهه فيربيهها لصهاحبها(‪ ،)751‬وأن المقسهطين على منابر مهن نور عهن يميهن الرحمهن‪ ،‬وكلتها يديهه‬ ‫يم ين(‪ ،)752‬وغ ير ذلك م ما هو ثا بت عن ال ور سوله‪ ،‬و سأذكر شيئا ي سيرا من ذلك – إن شاء ال –‬ ‫وبعضه يكفي المؤمن المريد للحق‪.‬‬ ‫وهذا الذي أشرت إل يه كله يم نع تأو يل اليد ين بالنع مة‪ ،‬أو القوة‪ ،‬أو الخزائن‪ ،‬أو القدرة‪ ،‬أو غ ير‬ ‫ذلك‪ ،‬ويجعل التأويل في حكم التحريف‪ ،‬بل هو تحريف‪.‬‬ ‫وقهد آمهن المسهلمون بهذه النصهوص‪ ،‬على ظاهرهها‪ ،‬وقبلوهها‪ ،‬ولم يتعرضوا لهها بتأويهل تبعا‬ ‫لر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬و صحابته‪ ،‬وأئ مة الهدى‪ ،‬بل و كل من ق بل ما جاءت به الر سل‪،‬‬ ‫وآمن به‪.‬‬ ‫قال المام ابن خزيمة معلقا على هذا الحديث‪ " :‬معناه أن ال – جل وعل – يمسك ما ذكر في‬ ‫الخبر على أصابعه‪ ،‬على ما في الخير سواء‪ ،‬قبل تبديل ال الرض غير الرض؛ لن المساك على‬ ‫الصابع غير القبض على الش يء‪ ،‬وهو مفهوم في اللغة التي خوطبنا بها؛ لن المساك على الش يء‬ ‫بالصابع‪ ،‬غير القبض على الشيء"(‪.)753‬‬ ‫ص ‪266‬‬ ‫قال الحافظ في شرحه لهذا الحديث‪ " :‬زاد ابن خزيمة‪ ،‬عن محمد بن خلد‪ ،‬عن يحيى بن سعيد‬ ‫القطان‪ ،‬عن الع مش‪ ،‬فذ كر الحد يث‪ ،‬قال مح مد‪ :‬عد ها علينا يح يى بأ صابعه‪ .‬وكذا أخر جه أح مد في‬ ‫السنة‪ ،‬عن يحيى بن سعيد‪ ،‬وقال‪ :‬وجعل يحيى يشير بأصبعه يضع إصبعا على إصبع‪ ،‬حتى أتى على‬ ‫آخرها‪ ،‬قال‪ :‬ورواه الخلل في كتاب السنة‪ ،‬عن أبي بكر المروزي‪ ،‬عن أحمد‪ ،‬وقال‪ :‬ورأيت أبا عبد‬ ‫ال يشير بإصبع إصبع"(‪.)754‬‬

‫‪ )(749‬سيأتي ذكره بعد قليل ‪.‬‬ ‫‪ )(750‬سيأتي تخريجه ‪.‬‬ ‫‪ )(751‬سيأتي ذكره بعد قليل ‪.‬‬ ‫‪ )(752‬سيأتي ذكره في هذا الباب‬ ‫‪ )(753‬كتاب "التوحيد" (ص ‪.)79‬‬ ‫‪" )(754‬فتح الباري" (‪.)13/397‬‬ ‫‪206‬‬

‫قلت‪ :‬تبعوا في ذلك ما وقع من الحبر الذي حدث رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬حيث كان‬ ‫يشير بأصابعه‪ ،‬ولم ينكر عليه رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬بل أقره‪ ،‬وصدقه‪.‬‬ ‫فهذه النقول عن هؤلء المذكورين من السلف‪ ،‬تدل على أنهم فهموها على ظاهرها‪ ،‬وأنها أصابع‬ ‫حقيقة‪.‬‬ ‫قال عبد ال ابن المام أحمد‪ " :‬قال أبي‪ :‬قال يحيى‪ :‬قال‪ :‬فضيل بن عياض … فضحك رسول‬ ‫ال تعجبا وتصديقا‪ ،‬سمعت أبي يقول‪ :‬حدثني يحيى بن سعيد‪ ،‬بحديث سفيان‪ ،‬عن العمش‪ ،‬ومنصور‪،‬‬ ‫عن إبراه يم‪ ،‬عن عبيدة‪ ،‬عن عبدال‪ ،‬عن ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬إن ال يم سك ال سماوات‬ ‫على إصبع"‪.‬‬ ‫قال أبي‪ :‬وجعل يحيى يشير بأصابعه‪ ،‬وأراني أبي كيف جعل يحيى يشير بأصابعه‪ ،‬يضع إصبعا‬ ‫إصبعا حتى أتى على آخرها"(‪.)755‬‬ ‫وفي الترمذي عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ " :‬مر يهودي بالنبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬فقال له النبي –‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ :-‬يا يهودي‪ ،‬حدثنا‪ ،‬فقال‪ :‬كيف تقول يا أبا القاسم‪ ،‬إذا وضع السماوات على ذه‪،‬‬ ‫والراضيهن على ذه‪ ،‬والماء على ذه‪ ،‬والجبال على ذه‪ ،‬وسهائر الخلق على ذه؟ – وأشار محمهد بهن‬ ‫حقّ َق ْدرِهِ}‬ ‫الصلت – أبو جعفر – بخنصره أولً‪ ،‬ثم تابع حتى بلغ البهام – فأنزل ال‪َ { :‬ومَا َق َدرُوا اللّهَ َ‬ ‫وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب صحيح"(‪.)756‬‬ ‫ص ‪267‬‬ ‫ورواه ابن جرير في "تفسيره"‪ ،‬وسنده حسن(‪.)757‬‬ ‫وقال عبدال ابن المام أحمد‪ " :‬حدثني أبي‪ ،‬حدثنا حسين بن حسن‪ ،‬حدثنا أبو كريبة‪ ،‬عن عطاء‬ ‫عن أ بي الض حى‪ ،‬عن ا بن عباس‪ ،‬قال‪ :‬مر يهودي برسول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬و هو جالس‪،‬‬ ‫قال‪ :‬كيف تقول يا أبا القاسم‪ ،‬يوم يجعل ال السماء على ذه – وأشار بالسبابة – والرضيين على ذه‪،‬‬ ‫والماء على ذه‪ ،‬والجبال على ذه‪ ،‬و سائر الخلئق على ذه‪ -‬وج عل يش ير بأ صابعه –؟ فأنزل ال‪{ :‬وَمَا‬ ‫حقّ قَ ْدرِهِ }‪.‬‬ ‫قَ َدرُوا اللّ َه َ‬ ‫حدثني عبد ال بن عمر‪ ،‬حدثنا عمران بن عيينة‪ ،‬عن عطاء بن السائب‪ ،‬عن أبي الضحى‪ ،‬عن‬ ‫ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬مر يهودي على النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬فقال له النبي –صلى ال عليه وسلم‪:-‬‬ ‫يها يهودي خوفنها‪ ،‬فقال‪ :‬يها أبها القاسهم‪ ،‬كيهف بيوم تكون الرضون على هذه‪ ،‬والسهماوات على هذه‪،‬‬ ‫والماء على هذه‪ ،‬والخلق على هذه؟ – يعنهي أصهابعه – ثهم قرأ رسهول ال –صهلى ال عليهه وسهلم‪:-‬‬ ‫ت ِب َيمِينِهِ} (‪.)758‬‬ ‫ضتُ ُه يَ ْومَ ا ْل ِقيَامَةِ وَالسّماوَاتُ َمطْ ِويّا ٌ‬ ‫جمِيعًا َقبْ َ‬ ‫لرْضُ َ‬ ‫{وَا َ‬ ‫‪ )(755‬كتاب "السنة" (ص ‪.)54‬‬ ‫‪" )(756‬سنن الترمذي" (‪.)5/49‬‬ ‫‪ )(757‬انظر ‪ " :‬تفسير الطبري" (‪.)24/26‬‬ ‫‪ )(758‬كتاب "السنة" (لعبدال ابن المام أحمد (ص ‪.)55‬‬ ‫‪207‬‬

‫فم ثل هذه الحاد يث هى م ستند ال سلف في الشارة بال صابع‪ ،‬تحقيقا لثبات أ صابع الرح من –‬ ‫جل وعل – وقدوتهم رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫وهذه النصوص التي فيها ذكر الصابع تدل دللة قاطعة – عند المؤمنين الذين يحكمون الشرع‬ ‫– على ثبوت اليد ين ل – تعالى ‪ ،-‬و قد تنو عت الدلئل على ذلك – ك ما أشر نا إل يه آن فا – من ذ كر‬ ‫الصابع‪ ،‬والقبض‪ ،‬والبسط‪ ،‬والتثنية‪ ،‬وذكر اليمين والشمال‪.‬‬ ‫ف في "المو طأ" و"الترمذي" و" سنن أ بي داود "‪ :‬أن ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬قال‪ " :‬إن‬ ‫ال – تبارك وتعالى – خلق آدم‪ ،‬ثم مسح ظهره بيمينه‪ ،‬فاستخرج منه ذريته"‬

‫‪759‬‬

‫ورواه أحمد‪.‬‬

‫ص ‪268‬‬ ‫وفي "الترمذي" و"سنن أبى داود" مرفوعا‪ " :‬أن ال – تبارك وتعالى خلق آدم من قبضة‪ ،‬قبضها‬ ‫من جميع الرض "‬

‫(‪)760‬‬

‫وفيه أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا‪ ،‬في حديث طويل في خلق آدم‪ ،‬وفيه‪ " :‬فقال ال له‪:‬‬ ‫ويداه مقبوضتان‪ ،‬اختر أيهما شئت‪ ،‬قال‪ :‬اخترت يمين ربي‪ ،‬وكلتا يدي ربي يمين‪ ،‬مباركة‪ ،‬ثم بسطها‪،‬‬ ‫فإذا فيها ذريته "(‪.)761‬‬ ‫وفي "صحيح مسلم" عن عبدال بن عمر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬يطوي‬ ‫ال – عز و جل – ال سموات يوم القيا مة‪ ،‬ثم يأخذ هن بيده اليم نى‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أ نا الملك‪ ،‬أ ين الجبارون؟‬ ‫أين المتكبرون؟ ثم يطوي الرضين بشماله‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أنا الملك‪ ،‬أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ "(‪.)762‬‬ ‫وفيه أيضا عنه مرفوعا‪" ،‬قال‪ :‬يأخذ ال – عز وجل – سماواته‪ ،‬وأرضيه‪ ،‬بيديه‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا ال‬ ‫– ويقبض أصابعه‪ ،‬ويبسطها – أنا الملك‪ ،‬حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه‪ ،‬حتى‬ ‫إني لقول‪ :‬أساقط هو برسول ال – صلى ال عليه وسلم –؟"‬

‫(‪)763‬‬

‫ورواه أحمد‪.‬‬

‫وفيهه أيضا مهن حديهث عبدال بهن عمرو قال‪ :‬قال رسهول ال –صهلى ال عليهه وسهلم‪ " :-‬إن‬ ‫المقسطين عند ال؛ على منابر من نور‪ ،‬عن يمين الرحمن‪ ،‬وكلتا يديه يمين‪ ،‬الذين يعدلون في حكمهم‪،‬‬ ‫وأهليهم‪ ،‬وما ولوا "(‪.)764‬‬

‫‪" )(759‬الموطأ" (‪ ، )899 -2/898‬و "الترمذي" في التفسير رقم (‪ ، )3077‬و "سنن أبي داود" في السنة‬ ‫رقم (‪ ، )4703‬و "المسند" (‪.)1/324‬‬ ‫‪" )(760‬الترمذي" رقم (‪ )2948‬في التفسير ‪ ،‬و "أبو داود" في السنة ‪ ،‬في القدر ‪ ،‬رقم (‪.)4693‬‬ ‫‪" )(761‬سنن الترمذي" في التفسير في باب ‪ :‬من سورة المعوذتين ‪ ،‬رقم (‪ ، )3365‬وابن خزيمة في‬ ‫"التوحيد" (ص ‪.)67‬‬ ‫‪" )(762‬مسلم" (‪ )4/2148‬رقم (‪.)2788‬‬ ‫‪" )(763‬صحيح مسلم" الموضع المذكور ‪ ،‬وانظر ‪ " :‬المسند" (‪.)88 ،87 ،2/72‬‬ ‫‪" )(764‬مسلم" (‪ )3/1458‬رقم (‪.)1827‬‬ ‫‪208‬‬

‫وفيه أيضا من حديث أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪" :-‬وما تصدق أحد‬ ‫بصدقة‪ ،‬من طيب‪ ،‬ول يقبل ال إل الطيب‪ ،‬إل أخذها الرحمن بيمينه‪ ،‬وإن كانت تمرة‪ ،‬فتربو في كف‬ ‫الرحمن‪ ،‬حتى تكون أعظم من الجبل‪ ،‬كما يربي أحدكم فلوه‪ ،‬أو فصيله"(‪.)765‬‬ ‫ص ‪269‬‬ ‫و في "ال صحيحين" من حد يث أ بي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬من‬ ‫تصهدق بعدل تمرة‪ ،‬مهن كسهب طيهب‪ ،‬ول يقبهل ال إل الطيهب‪ ،‬فإن ال يتقبلهها بيمينهه‪ ،‬ثهم يربيهها‬ ‫لصاحبها‪ ،‬كما يربي أحدكم فلوه‪ ،‬حتى تكون مثل الجبل"(‪.)766‬‬ ‫وفي " صحيح مسلم" من حد يث أبي هريرة‪ ،‬قال ر سول ال – صلى ال عل يه وسلم‪" :-‬ينزل ال‬ ‫في ال سماء الدن يا‪ ،‬لش طر الل يل‪ ،‬أو لثلث الل يل ال خر‪ ،‬فيقول‪ :‬من يدعو ني فأ ستجيب له؟ أو ي سألني‬ ‫فأعطيه؟ ثم يبسط يديه – تبارك وتعالى – يقول‪ :‬من يقرض غير عدوم‪ ،‬ول ظلوم "(‪.)767‬‬ ‫وف يه من حد يث المغيرة بن شع بة في سؤال مو سى ر به عن أد نى أ هل الج نة منزلة‪" ،‬رب‪،‬‬ ‫فأعلهم منزلة؟ قال‪ :‬أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي‪ ،‬وختمت عليها‪ ،‬فلم تر عين‪ ،‬ولم تسمع‬ ‫أذن"(‪.)768‬‬ ‫و في "ال صحيحين" مرفوعا من حد يث أ بي سعيد الخدري‪ ،‬قال ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪":-‬‬ ‫تكون الرض يوم القيا مة خبزة واحدة‪ ،‬يتكفؤ ها الجبار بيده ك ما يتك فأ أحد كم خبز ته في ال سفر‪ ،‬نزلً‬ ‫لهل الجنة"(‪ .)769‬وفيهما من حديث أبي هريرة‪ ،‬قال رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬واحتج آدم‬ ‫وموسى فقال موسى‪ :‬يا آدم أنت أبونا‪ ،‬خيبتنا‪ ،‬وأخرجتنا من الجنة‪ .‬فقال آدم‪ :‬أنت موسى‪ ،‬اصطفاك‬ ‫ال بكلمه‪ ،‬وخط لك بيده‪ ،‬أتلومني على أمر قدره ال علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟" (‪.)770‬‬ ‫وفي رواية لمسلم‪ " :‬احتج آدم وموسى عند ربهما‪ ،‬فحج آدم موسى‪ ،‬قال موسى‪ :‬أنت آدم الذي‬ ‫خلقك ال بيده‪ ،‬ونفخ فيك من روحه‪ ،‬وأسجد لك ملئكته…"(‪.)771‬‬ ‫ص ‪270‬‬ ‫وروى البيهقي في " السماء والصفات" بسنده‪ :‬أن النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ " :‬لما خلق‬ ‫ال ‪-‬تعالى‪ -‬آدم وذريتهه‪ ،‬قالت الملئكهة‪ :‬يها رب‪ ،‬خلقتههم يأكلون ويشربون‪ ،‬وينكحون‪ ،‬ويركبون‪،‬‬

‫‪" )(765‬مسلم" (‪ )2/702‬رقم (‪.)1014‬‬ ‫‪ )(766‬انظر ‪ " :‬البخاري مع الفتح" (‪ )3/278‬و (‪ ، )13/415‬و "مسلم" (‪ ، )2/702‬وابن خزيمة في‬ ‫"التوحيد" (ص ‪.)63-61‬‬ ‫‪" )(767‬مسلم" (‪ ، )1/176‬وابن خزيمة في "التوحيد" عن عبدال بن مسعود (ص ‪.)58‬‬ ‫‪" )(768‬مسلم" (‪ ، )1/176‬وابن خزيمة في "التوحيد" (ص ‪.)70-69‬‬ ‫‪" )(769‬البخاري مع الفتح " (‪ ، )11/372‬و "مسلم" (‪ )4/2151‬رقم (‪.)2792‬‬ ‫‪" )(770‬البخاري مع الفتح" (‪ ، )11/505‬و "مسلم" (‪.)4/2042‬‬ ‫‪" )(771‬مسلم " (‪.)4/2043‬‬ ‫‪209‬‬

‫فاج عل ل هم الدن يا ول نا الخرة‪ ،‬فقال ال ‪-‬تعالى‪ :-‬ل أج عل من خلق ته بيدي‪ ،‬ونف خت ف يه من رو حي‪،‬‬ ‫كمن قلت له‪ :‬كن‪ ،‬فيكون"(‪.)772‬‬ ‫وروى بسند حسن‪ ،‬عن أنس‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬خلق ال ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫جنة عدن‪ ،‬وغرس أشجارها بيده‪ ،‬فقال لها‪ :‬تكلمي‪ ،‬فقالت‪ :‬قد أفلح المؤمنون"(‪.)773‬‬ ‫ورواه ابن جرير موقوفا(‪ ،)774‬وذكره الحافظ ابن كثير‪ ،‬عن ابن أبي الدنيا مرفوعا(‪.)775‬‬ ‫ضتُ ُه يَوْ مَ الْ ِقيَامَ ِة } يقول ‪-‬تعالى‪ -‬ذكره‬ ‫جمِيعًا قَ ْب َ‬ ‫لرْ ضُ َ‬ ‫وقال ابن جرير في قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَا َ‬ ‫‪ :‬والرض كل ها قبض ته في يوم القيا مة {وال سماوات } كل ها { َمطْ ِويّا تٌ ِب َيمِينِ ِه } ثم روى عن ا بن‬‫عباس‪ ،‬قال‪ " :‬ما السموات السبع‪ ،‬والرضون السبع في يد ال إل كخردلة في يد أحدكم"‪.‬‬ ‫ّاته‬ ‫ت َمطْ ِوي ٌ‬ ‫ْمه الْ ِقيَامَةِ وَالسهّماوَا ُ‬ ‫ُهه َيو َ‬ ‫ضت ُ‬ ‫جمِيعًا َقبْ َ‬ ‫ْضه َ‬ ‫لر ُ‬ ‫وروى عهن ربيعهة الجرشهي قال‪{ :‬وَا َ‬ ‫ِب َيمِينِهِ} قال‪ " :‬ويده الخرى خلو ليس فيها شيء"‪.‬‬ ‫ضتُ هُ} يقول‪ :‬قد ق بض الرض ين وال سموات جميعا‬ ‫جمِيعًا َقبْ َ‬ ‫لرْ ضُ َ‬ ‫و عن ا بن عباس‪ ،‬قوله‪{ :‬وَا َ‬ ‫بيمي نه‪ ،‬ألم ت سمع أ نه قال‪َ { :‬مطْ ِويّا تٌ ِب َيمِينِ هِ} يع ني‪ :‬الرض وال سماوات جميعا؟ قال ا بن عباس‪ :‬وإن ما‬ ‫يستعين بشماله المشغولة يمينه‪.‬‬ ‫ضتُهُ يَ ْو َم الْ ِقيَامَةِ} قال‪ " :‬كأنها جوزة بقضها وقضيضها"‪.‬‬ ‫جمِيعًا َق ْب َ‬ ‫ض َ‬ ‫لرْ ُ‬ ‫وعن الحسن‪{ :‬وَا َ‬ ‫حدثنا الربيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني أسامة بن زيد‪ ،‬عن أبي حازم‪ ،‬عن عبدال بن‬ ‫عمر‪ ،‬أنه رأى رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬على المنبر – يخطب الناس‪،‬‬ ‫ص ‪271‬‬ ‫ضتُ ُه يَوْ َم الْ ِقيَامَةِ} فقال رسول ال –‬ ‫جمِيعًا َق ْب َ‬ ‫لرْضُ َ‬ ‫حقّ َق ْدرِهِ وَا َ‬ ‫فمر بهذه الية‪َ { :‬ومَا َق َدرُوا اللّ َه َ‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬يأخذ السموات‪ ،‬والرضين السبع فيجعلها في كفه‪ ،‬ثم يقول بهما – كما يقول‬ ‫الغلم بالكرة ‪ :-‬أنا ال الواحد‪ ،‬أنا ال العزيز" حتى لقد رأينا المنبر‪ ،‬وإنه ليكاد أن يسقط به(‪.)776‬‬ ‫وذكر أحاديث وآثارا في هذا‪.‬‬ ‫والحاديث والثار عن السلف في ذلك كثيرة‪.‬‬ ‫وروى ا بن ما جه – قال في "الزوائد"‪ :‬و سنده صحيح‪ ،‬والمام أح مد‪ ،‬عن النواس بن سمعان‪،‬‬ ‫قال‪ :‬سهمعت رسهول ال –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬يقول‪ " :‬مها مهن قلب إل بيهن إصهبعين مهن أصهابع‬ ‫الرحمن‪ ،‬إن شاء أقامه‪ ،‬وإن شاء أزاغه"(‪.)777‬‬

‫‪ " )(772‬السماء والصفات " (ص ‪.)317‬‬ ‫‪ )(773‬المصدر المذكور (ص ‪.)318‬‬ ‫‪" )(774‬تفسير الطبري " ‪ ،‬مفتتح الجزء (‪.)18‬‬ ‫‪" )(775‬تفسير ابن كثير" (‪ )5/455‬ط الشعب ‪.‬‬ ‫‪" )(776‬تفسير الطبري" (‪.)28-24/27‬‬ ‫‪210‬‬

‫وبهذا – وغيره كثير لم نذكره – يعلم خطأ الخطابي‪ ،‬وفريق أهل التأويل‪ ،‬قطعا‪ ،‬حيث يقول‪" :‬لم‬ ‫يقع ذكر الصبع في القرآن‪ ،‬ول في حديث مقطوع به‪ ،‬وقد تقرر أن اليد ليست بجارحة‪ ،‬حتى يتوهم‬ ‫من ثبوتها ثبوت الصابع‪ ،‬بل هو توقيف أطلقه الشارع‪ ،‬فل يكيف‪ ،‬ول يشبه‪ ،‬ولعل ذكر الصابع من‬ ‫تخليط اليهودي‪ ،‬وأما ضحكه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬من قول الحبر‪ ،‬فيحتمل الرضا والنكار‪ ،‬وأما‬ ‫قول الراوي‪" :‬تصديقا له" فظن منه وحسبان"(‪.)778‬‬ ‫ون حن نجيبه بما أجاب به عبدال بن م سعود‪ ،‬لما ق يل له‪ :‬إن المنع من تعل يق التميمة ليس في‬ ‫كتاب ال‪.‬‬ ‫ُمه‬ ‫فنقول‪ :‬بلى‪ ،‬إن ذكهر الصهابع قهد وقهع فهي القرآن؛ لن ال –تعالى‪ -‬يقول فيهه‪{ :‬وَم َا آتَاك ُ‬ ‫خذُوه}‪ ،‬وقهد أتانها – صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬بذكهر الصهابع‪ ،‬وذكهر الكهف‪ ،‬وذكهر اليميهن‪،‬‬ ‫الرّسهُولُ َف ُ‬ ‫والشمال‪ ،‬واليدين‪ ،‬مرة مثناة‪ ،‬ومرة منصوص على أنها واحدة‪ ،‬وأنه‬ ‫ص ‪272‬‬ ‫يفعل بها كذا وكذا‪ ،‬وأن الخرى فيها كذا‪ ،‬كما تقدمت النصوص بذلك‪ ،‬وهو تبع لهل الكلم –‬ ‫المذموم‪ -‬ينكهر وصهف ال ‪-‬تعالى‪ -‬باليديهن حقيقهة‪ ،‬مهع أن القرآن قهد جاء بذلك صهراحة‪ ،‬كمها قال‬ ‫ضتُ ُه يَوْ مَ الْ ِقيَامَةِ‬ ‫جمِيعًا قَ ْب َ‬ ‫جدَ لِمَا خَلَقْ تُ ِب َيدَيّ} (‪{ ،)779‬وَالَرْ ضُ َ‬ ‫سُ‬ ‫س مَا َم َنعَ كَ أَن تَ ْ‬ ‫تعالى‪{ -‬يَا ِإبْلِي ُ‬‫وَال سّماوَاتُ َمطْ ِويّا تٌ ِب َيمِينِ هِ} (‪{ ،)780‬بَلْ َيدَا هُ َمبْ سُوطَتَانِ} (‪ .)781‬و هو مع ذلك ل يقبله؛ ل نه على خلف‬ ‫تلقاه عن أهل البدع‪ ،‬ولهذا نراه – عفا ال عنا وعنه – يحاول رد النصوص بدون حجة‪ ،‬وكل ما يمكن‬ ‫أن يعت مد عل يه هو – و كل من سلك م سلكه من أ هل التأو يل – ادعاؤ هم أن الع قل بخلف ذلك‪ ،‬وأ نه‬ ‫محال في العقل‪ ،‬وهو أمر غير منضبط‪ ،‬كما سنشير إليه – إن شاء ال – ودعوى بدون برهان‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬ول حديهث مقطوع بهه "‪ ،‬هذا عجيهب مهن الخطابهي‪ ،‬الذي كثهر اشتغاله بالحديهث تأليفا‪،‬‬ ‫ورواية‪ ،‬وشرحا لمتونه‪ ،‬وأسانيده‪ ،‬ثم يقول هذا القول‪ ،‬الذي هو عنوان لهل البدع‪ ،‬فهم كلما ألجأتهم‬ ‫الحجج إلى المضائق رموها بهذه الدعوى " أنها أدلة غير مقطوع بها"‪.‬‬ ‫فإذا كانت أحاديث الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬مع ثبوت أسانيدها غير مقطوع بها‪ ،‬فما هي‬ ‫الحجج المقطوع بها في نظر هؤلء؟ هل هي أقوال أقوام متهمين على الدين السلمي‪ ،‬وتحوم حولهم‬ ‫شكوك كثيرة؟ كالجعد بن درهم‪ ،‬وجهم بن صفوان‪ ،‬وبشر المريسي‪ ،‬وأحمد بن أبي دؤاد‪ ،‬وابن الثلجي‬ ‫ونحوهم‪ ،‬فإن هؤلء هم سلف متأخري الشعرية في تأويلتهم‪.‬‬ ‫‪" )(777‬سنن ابن ماجه" (‪ )1/72‬رقم (‪ ، )199‬و "المسند" (‪ ، )4/182‬والجري في الشريعة (ص‬ ‫‪ ، )317‬والحاكم (‪ ، )4/321‬وابن أبي عاصم في "السنة" (‪ ، )1/98‬وذكر عدداً من الحاديث بهذا اللفظ‪.‬‬ ‫‪ )(778‬من "الفتح" (‪.)13/398‬‬ ‫‪ )(779‬الية ‪ 75‬من سورة ص‪.‬‬ ‫‪ )(780‬الية ‪ 67‬من سورة الزمر ‪.‬‬ ‫‪ )(781‬الية ‪ 64‬من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪211‬‬

‫وإننا نربأ بالخطابي أن يسلك هذا المسلك المنحرف عن الهدى‪.‬‬ ‫وهذا دليل على ضعف مسلك التأويل في هذه النصوص‪ ،‬وأنه غير مقنع‪.‬‬ ‫ص ‪273‬‬ ‫ثم هو يقصد بقوله‪ :‬غير مقطوع به‪ ،‬عدم التواتر؛ لنه ل يقبل من الحديث في باب الصفات إل‬ ‫ما كان في القرآن‪ ،‬أو تواتر عن الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬كما ذكر ذلك عنه شيخ السلم ابن‬ ‫تيمية‪ ،‬وقد علم أن القرآن جاء بصفة اليدين ل صراحة‬ ‫ومعلوم أن الصحابة ومن سلك نهجهم لم يفرقوا بين أصول الدين وفروعه في الثبوت‪ ،‬ومعظم‬ ‫الدين السلمي ثبت بأخبار الحاد‬ ‫وهذه ال صفات ال تي ينكر ها هؤلء‪ ،‬قد ثب تت في أحاد يث مقطوع ب صحتها ع ند أ هل العلم‪ ،‬وإذا‬ ‫صح الحديث وجب قبوله‪ ،‬والعمل به‪ ،‬واليمان بما دل عليه‪ ،‬وحرمت مخالفته‬ ‫ول فرق بين كونها في العمليات‪ ،‬أو العتقادات‪ ،‬خلفا لهل البدع الذين يفرقون بين ذلك‬ ‫ومعلوم أن الذي جاء بهذه النصوص – في الصفات – هو الذي جاء بالمر بعبادة ال‪ ،‬وتحريم‬ ‫هباء الزكاة‪ ،‬وبيان واجبات كثيرة‪ ،‬ومحرمات‬ ‫هس‪ ،‬وأنصه‬ ‫هلوات الخمه‬ ‫الشرك‪ ،‬وبيان عدد ركعات الصه‬ ‫كثيرة‪ ،‬لم يأت تفصيلها في القرآن‪ ،‬ول في أخبار متواترة‪ ،‬فلماذا يقبل هذا‪ ،‬ويرد ذاك؟ إن هذا التفريق‬ ‫فعل الذين جعلوا دينهم شيعا‪ ،‬وآمنوا ببعض‪ ،‬وكفروا ببعض‪ ،‬وقد تقدم ما فيه كفاية لمن قصده الحق‬ ‫من ذكر النصوص في هذه المسألة‪ ،‬وغيرها من مسائل الصفات نظيرها‪ ،‬وقد يكون أوضح منها دليلً‬ ‫كما سيأتي بعض ذلك‬ ‫وقوله‪ " :‬و قد تقرر أن ال يد لي ست بجار حة‪ ،‬ح تى يتو هم من ثبوت ها ثبوت ال صابع" حقي قة هذا‬ ‫الكلم‪ :‬أن اليد ليست يدا‪ ،‬حتى يلزم ثبوت الصابع‪ ،‬ومعلوم أن ال –تعالهى‪ -‬خاطبنا باللغة العربية‪،‬‬ ‫وبألفاظ معلو مة المعا ني للمخا طبين‪ ،‬فالمخاطبون بهذه الن صوص‪ ،‬علموا أن المراد ب ها ما دلت عل يه‬ ‫بظاهرها‬ ‫وكذلك المخاطهب أراد منههم ذلك‪ ،‬ولهذا لم يأت عنهه –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬ول مهن طريهق‬ ‫ضعيف‪ ،‬أنه قال‪ :‬ل تعتقدوا ظاهرها‪ ،‬ول سيما وظاهرها عند الخطابي وفريقه كفر وتشبيه فهل يعقل‬ ‫أن ال ورسوله يخاطبان العباد بما ظاهره الكفر‪ ،‬ثم ل يبين ذلك لهم‪ ،‬ويحذرهم من اعتقاده؟ ولو كان‬ ‫لهذه النصوص معنى عند رسول ال غير ظاهرها لبينه؛ لنه واجب عليه بمقتضى الرسالة‬ ‫ص ‪274‬‬ ‫والصحابة سمعوا هذه النصوص‪ ،‬ورووها‪ ،‬ولم يسألوا عن معان لها غير ظاهرها‪ ،‬فلما سكتوا‬ ‫دل ذلك على أن هم علموا أن المراد ب ها هو الظا هر‪ ،‬فو جب علي نا أن ن سكت ح يث سكتوا‪ ،‬وأن نق بل‬ ‫ن المسلمين الذين يعتد بقولهم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ن مِ َ‬ ‫ونسلم كما قبلوا وسلموا لها بدون تأويل ونحن نسأل هؤلء‪ :‬مَ ْ‬

‫‪212‬‬

‫إن يهد ال جارحهة؟ وههل جاء ذلك‪ ،‬ولو بحديهث ضعيهف؟ إن هذا ل وجود له‪ ،‬ولكنهها الوهام‪،‬‬ ‫والتجاهات الفاسدة‪ ،‬وإرادة التشنيع على أتباع الرسل‬ ‫ون حن – بح مد ال وله الم نة – و كل من تل قى عن ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬بالقبول‬ ‫والتسليم‪ ،‬وفهم المراد – نعتقد مطمئنين أن ل يدين حقيقتين لهما أصابع يضع عليها السموات والرض‬ ‫ومها شاء يوم القيامهة‪ ،‬وإن زعمهت أنوف الشعريهة‪ ،‬وإمامنها فهي ذلك رسهولنا محمهد بهن عبهد ال –‬ ‫صلوات ال وسلمه عليه – وأصحابه‪ ،‬وأتباعه إلى يوم القيامة‪ ،‬وهو معلم الخير والهدى‬ ‫قال المام أحمهد‪ " :‬الحديهث عندنها على ظاهره‪ ،‬كمها جاء عهن النهبي –صهلى ال عليهه وسهلم‪-‬‬ ‫والكلم فيه بدعة‪ ،‬ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره"‬

‫(‪)782‬‬

‫ويق صد بالكلم ف يه‪ :‬التأو يل الذي يخر جه عن ظاهره وقال البربهاري(‪ " :)783‬إذا سمعت الر جل‬ ‫يطعن على الثار‪ ،‬ول يقبلها‪ ،‬أو ينكر شيئا من أخبار رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬فاتهمه على‬ ‫السلم‪ ،‬لنا إنما عرفنا ال ورسوله‪ ،‬وعرفنا القرآن‪ ،‬والخير والشر‪ ،‬بالثار"‬

‫(‪)784‬‬

‫وقال‪ " :‬واعلم أن ها لم ت كن زند قة‪ ،‬ول ك فر‪ ،‬ول شكوك‪ ،‬ول بد عة‪ ،‬ول ضللة‪ ،‬ول حيرة في‬ ‫الدين‪ ،‬إل من الكلم وأهل الكلم‪ ،‬والجدل‪ ،‬والمراء‪،‬‬ ‫ص ‪275‬‬ ‫والخ صومة وك يف يجترئ الر جل على المراء‪ ،‬والخ صومة‪ ،‬والجدال‪ ،‬وال يقول‪ { :‬مَا ُيجَادِلُ‬ ‫ل اّلذِينَ كَ َفرُوا } (‪")785‬‬ ‫ت اللّهِ ِإ ّ‬ ‫فِي آيَا ِ‬ ‫وقال أيضا‪ " :‬واعلم إنما جاء هلك الجهمية‪ ،‬من أنهم فكروا في الرب – عز وجل – فأدخلوا‪:‬‬ ‫لم‪ ،‬وك يف‪ ،‬وتركوا ال ثر‪ ،‬ووضعوا القياس‪ ،‬وقا سوا الد ين على رأي هم‪ ،‬فجاؤوا بالك فر عيا نا‪ ،‬ل يخ فى‬ ‫أنهم كفروا‪ ،‬وكفروا الخلق‪ ،‬واضطرهم المر إلى أن قالوا بالتعطيل"‬

‫(‪)786‬‬

‫وقال‪ " :‬إذا سمعت الر جل يط عن على الثار‪ ،‬أو يرد ها‪ ،‬وير يد غير ها‪ ،‬فاته مه على ال سلم‪،‬‬ ‫ول ت شك أ نه صاحب هوى مبتدع"‬

‫(‪)787‬‬

‫وقال القا ضي‪ ،‬أ بو الح سين مح مد بن أ بي يعلي‪" :‬قرأت على‬

‫المبارك‪ ،‬عن علي بن عمر البرمكي‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أحمد بن عبد ال المالكي‪ ،‬حدثنا أبي‪ ،‬حدثنا محمد‬ ‫بن إبراهيم بن عبد ال بن يعقوب ابن زوران – لفظا – حدثنا أبو العباس أحمد بن جعفر بن يعقوب‬ ‫بن عبدال الفارسي‪ ،‬الصطخري‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو عبدال‪ ،‬أحمد بن محمد بن حنبل – وذكر العقيدة إلى‬ ‫‪" )(782‬طبقات الحنابلة" (‪)1/242‬‬ ‫‪ )(783‬هو شيخ الحنابلة في وقته الحسن بن علي بن خلف ‪ ،‬كان شديد النكار على أهل البدع ‪ ،‬وكان حافظاً‬ ‫ثقة ‪ ،‬وأصوليًا متقناً ‪ ،‬له تصانيف كثيرة مفقودة ‪ ،‬توفي سنة ‪" 329‬شذرات الذهب" (‪)2/319‬‬ ‫‪" )(784‬طبقات الحنابلة" (‪)2/25‬‬ ‫‪ )(785‬المرجع المذكور (ص ‪)27‬‬ ‫‪ )(786‬المرجع المذكور (ص ‪)30‬‬ ‫‪ )(787‬المرجع المذكور (ص ‪)36‬‬ ‫‪213‬‬

‫أن قال – "وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن‪ ،‬يقلبها كيف يشاء‪ ،‬ويوعيها ما أراد‪ ،‬وخلق‬ ‫آدم بيده‪ ،‬على صهورته‪ ،‬والسهموات والرض يوم القيامهة فهي كفهه‪ ،‬ويضهع قدمهه فهي النار‪ ،‬فتنزوي"‬ ‫وذكر عقيدة طويلة جامعة(‪.)788‬‬ ‫وقال الحسن بن علي بن خلف البربهاري‪ " :‬وكل ما سمعت من الثار شيئا لم يبلغه عقلك‪ ،‬نحو‬ ‫قول ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬قلوب العباد ب ين إ صبعين من أ صابع الرح من" وقوله‪ :‬إن‬ ‫ال ينزل إلى سماء الدن يا‪ ،‬وينزل يوم عر فة‪ ،‬وينزل يوم القيا مة‪ ،‬وأن جه نم ل يزال يطرح فيها‪ ،‬ح تى‬ ‫يضع عليها قدمه‪ ،‬وقوله للعبد‪ :‬إن مشيت إليّ هرولت إليك‪ ،‬وقوله‪ :‬خلق ال آدم على صورته‪ ،‬وقول‬ ‫الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ ":-‬رأ يت ر بي في أح سن صورة"(‪ ،)789‬وأشباه هذه الحاد يث‪ ،‬فعل يك‬ ‫بالتسليم‪،‬‬ ‫ص ‪276‬‬ ‫والتصديق‪ ،‬والتفويض‬

‫(‪)790‬‬

‫والرضا‪ ،‬ول تفسر شيئا من هذه بهواك(‪ ،)791‬فإن اليمان بهذا واجب‪،‬‬

‫فمن فسر شيئا من هذا بهواه‪ ،‬أو رده‪ ،‬فهو جهمي"(‪.)792‬‬ ‫وهذا الذي ذكره المام أح مد‪ ،‬والبربهاري‪ ،‬هو مذ هب ال سلف‪ ،‬الذ ين تلقوا عن الر سول – صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ -‬ولم يزل السلف يوصي بعضهم بعضا بالتمسك به‪ ،‬والتحذير ممن يخالفه؛ لنه الذي‬ ‫دلت عليه نصوص الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬بل هو توق يف أطل قه الشارع‪ ،‬فل يك يف‪ ،‬ول يش به "‪ ،‬يع ني أن ل فظ ال يد الثا بت بكتاب‬ ‫ال‪ ،‬وبالسنة‪ ،‬توقيف أطلقه الشارع‪ ،‬فل يوقف له على معنى‪ ،‬فهو – عنده‪ -‬ل يدل على ما وضعت له‬ ‫كلمة "يد" في اللغة‪ ،‬ومضمون ذلك أن آيات الصفات وأحاديثها ل يعلم لها معان تطابق ألفاظها‪ ،‬وتؤخذ‬ ‫منهها‪ ،‬ويلزم على هذا أن الشارع خاطهب الناس بمها ظاهره غيهر مقصهود‪ ،‬ول مطلوب منههم اليمان‬ ‫بظاهره‪ ،‬بل قد يكون ظاهره باطلً وكفرا‪ ،‬فمعنى قوله‪ " :‬ل يكيف‪ ،‬ول يشبه" أي‪ :‬ل يثبت لها معنى‬ ‫مطابقا للفظ ها في و ضع الل غة‪ ،‬فل يو صف ال –تعالى‪ -‬بال يد الحقيق ية ال تي أثبت ها لنف سه‪ ،‬وأثبت ها له‬ ‫رسوله –صلى ال عليه وسلم‪-‬؛ لن هذا تشبيه‪ ،‬فهذه النصوص في هذا الباب ونحوه فيها تشبيه ل –‬ ‫تعالى‪ -‬عند هؤلء‪ ،‬ولهذا صار تأويلها متعينا‪.‬‬ ‫فضاعت النصوص التي تعرف ال بها إلى عباده بين مردود‬

‫(‪)793‬‬

‫ومؤول‪.‬‬

‫‪" )(788‬طبقات الحنابلة" (‪)29-1/24‬‬ ‫‪ )(789‬هذه رؤية منام كما هو مصرح به في الرواية ‪.‬‬ ‫‪ )(790‬المقصود بالتفويض‪ :‬تفويض الحقيقة ‪ ،‬والكيف ‪ ،‬فهو يوكل إلى ال ‪-‬تعالى‪ -‬فإن الخلق ل علم لهم‬ ‫بذلك‪.‬‬ ‫‪ )(791‬مراده التفسير ‪ :‬التأويل ‪ ،‬وتعيين معنى ل يدل عليه اللفظ إل بتكلف أو بغرابة‪.‬‬ ‫‪")(792‬طبقات الحنابلة" (‪.)2/23‬‬ ‫‪ )(793‬القاعدة عند الخطابي ‪ :‬أن الحاديث الموافقة للقرآن ‪ ،‬أو المتواترة ‪ ،‬هي التي تقبل في الصفات ‪ ،‬أما‬ ‫ما عدا ذلك ‪ ،‬فإنه ل يثبت به صفة ل ‪-‬تعالى‪ ، -‬وهذه القاعدة أخذت من كلمه ‪ ،‬كما سبق قوله في‬ ‫‪214‬‬

‫وقوله‪ " :‬ولعل ذكر الصابع من تخليط اليهودي"‪ ،‬جوابه‪ :‬أنه قد تقدم من ذكر بعض النصوص‬ ‫ال تي تب طل هذا الهراء‪ ،‬والقول الجائر‪ ،‬أن الخطا بي – ع فا ال ع نا وع نه – بهذا القول إن ما يش نع في‬ ‫الحقيقة على رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬وال المستعان‪.‬‬ ‫ص ‪277‬‬ ‫وقوله‪ " :‬فإن اليهود مشبهة‪ ،‬وفيما يدعونه من التوراة ألفاظ تدخل في باب التشبيه‪ ،‬ول تدخل في‬ ‫مذاهب المسلمين "‪ ،‬ونحن ل نبرئ اليهود من الباطل‪ ،‬ولكن نقول‪ :‬إن الحق يجب أن يقبل ممن قاله‪،‬‬ ‫سواء كان من اليهود أو من غيرهم‪.‬‬ ‫وهو لم يبين هذه اللفاظ التي تدخل في باب التشبيه على حد قوله‪.‬‬ ‫ول كن نعلم من طريق ته أن كل من أث بت ل من ال صفات ما ينكره هو و من سلك نه جه‪ ،‬أن هم‬ ‫يسهمونه مشبها‪ ،‬ولو كان متمسهكا بالكتاب والسهنة‪ ،‬فعنده مهن أثبهت ل يدا حقيقيهة فههو مشبهه‪ ،‬وكذلك‬ ‫الوجه‪ ،‬والرجل‪ ،‬والصابع‪ ،‬والعينين‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬وقوله‪ " :‬وأما ضحكه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬من‬ ‫قول الحبر‪ ،‬فيحتمل الرضا‪ ،‬والنكار"‪.‬‬ ‫فجوابه‪ :‬أن الحق الذي ل نشك فيه أنه ل يحتمل إل الرضا‪ ،‬والموافقة؛ لن الرسول –صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ -‬ل يضحك من الباطل والكفر الذي هو تشبيه رب العالمين بالخلق‪ ،‬كما هو مقتضى مذهب‬ ‫الخطابي‪.‬‬ ‫ومقتضى اليمان بالرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يمنع من أن يكون ضحكه من أجل التشبيه‬ ‫الذي يقوله اليهودي – كما زعم الخطابي – عفا ال عنا وعنه ‪.-‬‬ ‫إن ما يقوله هؤلء في الحقي قة قلب للحقائق‪ ،‬ح تى ت سلم عقيدة الشعر ية من معاول الن صوص‪،‬‬ ‫التي تأتي على أسسها بالقتلع(‪ ،)794‬ولو استطاع كثير منهم الرد على ال ور سوله لفعلوا‪ ،‬ولكن كما‬ ‫ن}‬ ‫حقّ عَلَى ا ْلبَاطِلِ َف َي ْد َمغُهُ َفِإذَا هُ َو زَا ِهقٌ وََل ُكمُ ا ْل َويْلُ ِممّا َتصِفُو َ‬ ‫يقول ال ‪-‬تعالى‪ { :-‬بَلْ نَ ْق ِذفُ بِا ْل َ‬

‫(‪)795‬‬

‫و أ ما قوله‪ " :‬وأ ما قول الراوي‪ " :‬ت صديقا له‪ ،‬ف ظن وح سبان" يع ني‪ :‬أن عبدال بن م سعود ظن‬ ‫ظنا أخطأ الحق‪ ،‬وأبعد عن الصواب‪ ،‬حيث خالف عقيدة أهل الكلم‪ ،‬فيرد قوله‪.‬‬ ‫ونحن نقول‪ :‬أيهما أولى عند ال‪ ،‬وعند المؤمنين‪ ،‬بالفهم عن رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪:-‬‬ ‫صحابته الذين عايشوه‪ ،‬وتربوا بين يديه‪ ،‬ونقلوا لنا ديننا عنه‪ ،‬أم الخطابي وذووه؟‬ ‫ص ‪278‬‬ ‫الصابع إنه لم يثبت فيه حديث‪.‬‬ ‫‪ )(794‬قال ابن خزيمة ‪ ":‬وقد أجل ال قدر نبيه ‪ ،‬عن أن يوصف الباري بحضرته بما ليس من صفاته ‪،‬‬ ‫فيسمعه فيضحك عنده ‪ ،‬ويجعل بدل وجوب النكير والغضب على المتكلم به ضحكًا حتى تبدو نواجذه ؛‬ ‫وتعجباً لقائله‪ ،‬ل يصف النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬بهذه الصفة مؤمن مصدق برسالته" كتاب "التوحيد"‬ ‫(ص ‪.)76‬‬ ‫‪ )(795‬الية ‪ 18‬من سورة النبياء‪.‬‬ ‫‪215‬‬

‫ولو سلم ذلك لمكن كل مبطل أن يقول في أي نص جاء عن الرسول –صلى ال عليه وسلم‪-‬‬ ‫وصحابته كقولك هذا‪ :‬إنه ظن وحسبان‪ ،‬وأن الصواب خلفه‪ ،‬فتبطل الشريعة كلها‪ .‬تقدم ذكر اليات‬ ‫الدالة صراحة على وصف ال ‪-‬تعالى‪ -‬باليدين‪.‬‬ ‫قال أ بو سعيد الدار مي – رح مه ال ‪ " :-‬حدث نا أح مد بن يو نس‪ ،‬عن فض يل بن عياض‪ ،‬عن‬ ‫من صور‪ ،‬عن إبراه يم‪ ،‬عن عبيدة‪ ،‬عن عبدال‪ ،‬أ نه قال‪ " :‬ض حك من قول ال حبر‪ ،‬تعجبا ل ما قال‪،‬‬ ‫وتصديقا له"(‪.)796‬‬ ‫"وقهد تواتهر فهي السهنة مجيهء اليهد – وصهفا ‪ -‬ل‪-‬تعالى‪ -‬فعلم مهن ذلك أن ل ‪-‬تعالى‪ -‬يديهن‬ ‫مختصتين به‪ ،‬ذاتيتين له‪ ،‬كما يليق بجلله‪ ،‬وأنه ‪-‬تعالى‪ -‬خلق آدم بيده دون الملئكة وإبليس‪ ،‬وأنه –‬ ‫طتَانِ} (‪.)797‬‬ ‫ل َيدَاهُ َم ْبسُو َ‬ ‫سبحانه – يقبض الرض‪ ،‬ويطوي السموات بيده اليمنى‪ ،‬وأن {بَ ْ‬ ‫ومعنهى بسهطهما‪ :‬بذل الجود‪ ،‬وسهعة العطاء‪ ،‬لن العطاء والجود فهي الغالب يكون ببسهط اليهد‬ ‫ومدها‪.‬‬ ‫فإذا قيل‪ :‬هو مبسوط اليد‪ ،‬فهم منه يد حقيقة‪ ،‬وكان ظاهره الجود والبذل‪.‬‬ ‫و قد اعت مد أ هل التأو يل‪ ،‬في تأويل هم ال يد‪ ،‬أن ها النع مة والعط ية‪ ،‬ت سمية للش يء با سم سببه‪ ،‬ك ما‬ ‫يسمى المطر والنبات‪ :‬سماء‪ ،‬ومن ذلك قولهم‪ :‬لفلن عندي أياد‪ ،‬وقول أبي طالب لما فقد النبي –صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪:-‬‬ ‫يا رب رد راكبي محمدا رده عليّ واصطنع عندي يدا‬ ‫وقول عروة بن مسعود لبي بكر يوم الحديبية‪ :‬لول يد لك عندي لم أجزك بها لجبتك‪.‬‬ ‫وقد تكون اليد بمعنى القدرة‪ ،‬تسمية للشيء باسم مسببه‪ ،‬لن القدرة هي تحرك اليد‪ ،‬يقال‪ :‬فلن‬ ‫له يهد فهي كذا وكذا‪ ،‬أي له قدرة‪ ،‬ومنهه قول زياد لمعاويهة‪ " :‬إنهي قهد أمسهكت العراق بإحدى يدي‪،‬‬ ‫والخرى فارغة " يريد نصف قدرته‪ .‬وقد يضاف الفعل إلى اليد إضافته إلى الشخص نفسه؛ لن غالب‬ ‫الفعال تكون بها‪ ،‬فصار ذكر اليد إشارة إلى أنه فعل بنفسه‪ ،‬كما قال –تعالى‪ { :-‬ذَِلكَ ِبمَا َق ّدمَتْ َأ ْيدِي ُكمْ‬ ‫} (‪.)798‬‬ ‫ص ‪279‬‬ ‫وتقول العرب‪ " :‬يداك أوكتا‪ ،‬وفوك نفخ" توبيخا لكل من جر إلى نفسه شرا‪ ،‬لن أول من قيل له‬ ‫ذلك‪ ،‬فعل بيديه وفمه‪.‬‬

‫‪ )(796‬الرد على بشر المريسي (ص ‪" )418‬عقائد السلف" ‪ ،‬ورواه ابن خزيمة في "التوحيد" (‪.)2/182‬‬ ‫‪ )(797‬الية ‪ 64‬من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪ )(798‬الية ‪ 182‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪216‬‬

‫طتَانِ} أي‪ :‬نعم ته في الدن يا الخرة‪ ،‬والل فظ‬ ‫ل َيدَا هُ َمبْ سُو َ‬ ‫ولذلك قالوا في م ثل قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬بَ ْ‬ ‫كنا ية عن ن فس الجود‪ ،‬من غ ير أن يكون هناك يد حقي قة‪ ،‬بل هذه اللف ظة صارت حقي قة في العطاء‬ ‫والجود‪.‬‬ ‫وقالوا في قوله ‪-‬تعالى‪ِ{ :-‬لمَا خَلَقْتُ ِب َي َديّ} (‪)799‬أي‪ :‬خلقته أنا‪ ،‬وليس هناك يد حقيقية‪ ،‬ونحو هذه‬ ‫التأويلت‪.‬‬ ‫والجواب‪ :‬أننا ل نن كر لغة العرب التي نزل بها القرآن‪ ،‬وأن ما ذ كر معروف في اللغة‪ ،‬ول كن‬ ‫ننكر تحريف الكلم عن مواضعه‪ ،‬واللحاد في أسماء ال وصفاته‪.‬‬ ‫فإن لفهظ "اليديهن" بصهيغة التثنيهة‪ ،‬لم يسهتعمل فهي النعمهة‪ ،‬ول فهي القدرة؛ لن مهن لغهة العرب‬ ‫خسْرٍ } (‪.)800‬‬ ‫ن الِنسَانَ لَفِي ُ‬ ‫استعمال الواحد في الجمع‪ ،‬كقوله –تعالى‪ { :-‬إِ ّ‬ ‫ن النّاسَ } (‪ ،)801‬والقائل واحد‪.‬‬ ‫ولفظ الجمع في الواحد كقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬اّلذِينَ قَالَ َل ُه ُم النّاسُ إِ ّ‬ ‫ت قُلُو ُب ُكمَا } (‪.)802‬‬ ‫ولفظ الجمع في الثنين كقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬فَ َقدْ صَغَ ْ‬ ‫أما استعمال لفظ الواحد في الثنين‪ ،‬والثنين في الواحد‪ ،‬فل أصل له في اللغة؛ لن هذه اللفاظ‬ ‫عدد‪ ،‬وهي نصوص في معناها‪ ،‬ل يتجوز بها‪ ،‬فل يجوز أن تقول‪ :‬عندي رجل‪ ،‬وأنت تريد اثنين‪ ،‬ول‬ ‫عندي رجلن‪ ،‬وأ نت تر يد واحدا‪ ،‬ول عندي رجلن‪ ،‬وأ نت تر يد الج نس؛ لن ا سم الوا حد يدل على‬ ‫الجنس‪ ،‬والجنس فيه شياع‪ ،‬وكذلك اسم الجمع فيه معنى الجنس‪ ،‬والجنس يحصل بحصول الواحد‪.‬‬ ‫ْته ِب َيدَي ّ} ل يجوز أن يراد بهه القدرة؛ لن القدرة صهفة واحدة‪ ،‬ول‬ ‫فقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬لِم َا خَلَق ُ‬ ‫يجوز أن يعبر بالثنين عن الواحد‪.‬‬ ‫ص ‪280‬‬ ‫ول يجوز أن يراد بهه النعمهة؛ لن نعهم ال ل تحصهى‪ ،‬فل يجوز أن يعهبر عهن النعهم التهي ل‬ ‫تحصى بصيغة التثنية‪.‬‬ ‫ول يجوز أن يكون ك ما قالوا‪ :‬ل ما خل قت أ نا؛ لن العرب إذا أرادوا ذلك أضافوا الف عل إلى ال يد‪،‬‬ ‫فتكون إضافته إلى اليد إضافة له إلى الفاعل‪.‬‬ ‫ت َأ ْيدِيكُ مْ } (‪ ،)804‬ومن هذا قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬أَوَلَ مْ‬ ‫ت َيدَا كَ } (‪ { ،)803‬ذَلِ كَ ِبمَا َقدّمَ ْ‬ ‫كقوله‪ِ { :‬بمَا َقدّمَ ْ‬ ‫ت َأ ْيدِينَا َأ ْنعَامًا َف ُهمْ َلهَا مَاِلكُونَ ً} (‪.)805‬‬ ‫عمِلَ ْ‬ ‫َيرَوْا َأنّا خََل ْقنَا َل ُهمْ ِممّا َ‬ ‫‪ )(799‬الية ‪ 75‬من سورة ص‪.‬‬ ‫‪ )(800‬الية ‪ 2‬من سورة العصر ‪.‬‬ ‫‪ )(801‬الية ‪ 173‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(802‬الية ‪ 4‬من سورة التحريم‪.‬‬ ‫‪ )(803‬الية ‪ 10‬من سورة الحج ‪.‬‬ ‫‪ )(804‬الية ‪ 182‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(805‬الية ‪ 71‬من سورة يس‪.‬‬ ‫‪217‬‬

‫أما إذا أضيف الفعل إلى الفاعل‪ ،‬وعدى الفعل إلى اليد بحرف الجر كقوله ‪-‬تعالى‪ِ{ :-‬لمَا خَلَقْ تُ‬ ‫ِب َيدَيّ} فإنه يكون نصا في أنه فعل ذلك بيديه‪.‬‬ ‫ولهذا ل يجوز لمهن تكلم‪ ،‬أو مشهى‪ ،‬أن يقول‪ :‬فعلت ذلك بيدي‪ ،‬ولكهن يقال‪ :‬فعلتهه يداك؛ لن‬ ‫مجرد قوله‪ " :‬فعلت" كاف في الضا فة إلى الفا عل‪ ،‬فلو لم يرد أ نه فعله بال يد حقي قة كان قوله‪{ :‬بيدي}‬ ‫زيادة ل فائدة فيهها‪ ،‬ول تجهد فهي كلم العرب أن فصهيحا يقول‪ :‬فعلت هذا بيدي‪ ،‬إل وأنهه فعله بيديهه‬ ‫حقيقة‪ ،‬ول يجوز أن يقول ذلك وهو ليس له يد"(‪.)806‬‬ ‫و أ ما تعليله لنكاره إثبات ال يد ل ‪-‬تعالى‪ -‬وال صابع‪ ،‬بأن ال يد المتعارف علي ها هي الجار حة‪،‬‬ ‫وذلك ممتنع على ال ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫فالجواب‪ :‬أن هذا ممت نع لو كا نت ال يد ال تي أثبت ها ال لنف سه من ج نس أيدي المخلوق ين‪ ،‬أ ما إذا‬ ‫كانت يدا تناسب ذاته وتليق بعظمته‪ ،‬فما هو المانع من ذلك في العقل والشرع؟ وما هو الموجب لتلك‬ ‫التمحلت؟‬ ‫وكهل مها يذكهر أههل التأويهل إنمها يدل على امتناع وصهفه –تعالى‪ -‬بمها يسهتحقه المخلوق‪،‬‬ ‫وخصائص المخلوقين منفية عنه –تعالى‪ ،-‬وكل ما أثبت ل –تعالى‪ -‬من الصفات فهي كمال‪ ،‬وفقدها‬ ‫نقص –تعالى‪ -‬عنه‪.‬‬ ‫ص ‪281‬‬ ‫ثم هل يجوز مع كثرة ما في كتاب ال‪ ،‬وسنة رسوله‪ ،‬من ذكر اليد‪ ،‬دالً على الحقيقة‪ ،‬مثل ذكر‬ ‫خلق آدم بيديهه‪ ،‬وأنهمها مبسهوطتان‪ ،‬وأن الرض جميعا قبضتهه يوم القيامهة‪ ،‬وأن السهموات مطويات‬ ‫بيمي نه‪ ،‬وأن بيده الملك‪ ،‬و في ال سنة ما ل يح صى إل بمش قة‪ ،‬م ثل ذ كر ال صابع‪ ،‬والق بض‪ ،‬والب سط‪،‬‬ ‫واليم ين‪ ،‬والشمال‪ ،‬وأن يد يه كلتاه ما يم ين‪ ،‬ثم ل يبين الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬أن هذا غ ير‬ ‫مراد منه الظاهر والحقيقة‪ ،‬مع حضه لنا على الفهم؟ وهل يجوز أن يفهم صحابته والتابعون لهم من‬ ‫هذه النصوص غير الحق المراد منها‪ ،‬ول يعرف الحق فيها إل جهم بن صفوان – بعد انقراض عهد‬ ‫الصحابة – وبشر بن غياث‪ -‬وأشباههما ممن هو مغموص عليه في النفاق؟ مع أن الرسول –صلى ال‬ ‫عل يه و سلم‪ -‬قد علم أم ته ك يف يقضون الحا جة‪ ،‬وك يف يأكلون ويشربون‪ ،‬وينامون‪ ،‬ويدخلون بيوت هم‬ ‫ويخرجون‪ ،‬ح تى أنزل ال –تعالى‪ -‬عل يه في آ خر ما أنزل‪ { :‬ا ْل َيوْ َم َيئِ سَ اّلذِي نَ كَ َفرُواْ مِن دِي ِنكُ مْ فَلَ‬ ‫خشَوْ نِ ا ْل َيوْ مَ َأ ْكمَلْ تُ َلكُ مْ دِي َنكُ مْ وََأ ْت َممْ تُ عََل ْيكُ مْ ِن ْعمَتِي} (‪ ،)807‬والر سول – صلى ال عل يه‬ ‫خشَوْهُ مْ وَا ْ‬ ‫َت ْ‬ ‫وسلم‪ -‬يقول‪ ":‬تركتم على البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك"(‪.)808‬‬

‫‪" )(806‬مجموع الفتاوى" (‪.)366-6/363‬‬ ‫‪ )(807‬الية ‪ 3‬من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪ )(808‬تقدم تخريجه‪.‬‬ ‫‪218‬‬

‫ههل يجوز – مهع هذا كله وغيره – أن يترك الكتاب المنزل عليهه‪ ،‬وسهنته الغراء‪ ،‬مملوءان بمها‬ ‫يزعهم أههل التأويهل أن ظاهره تشهبيه وتجسهيم‪ ،‬ومهن اعتقهد ظاهره – بزعمههم‪ -‬فههو ضال مشبهه ل‬ ‫ومجسم‪ ،‬ثم ل يبين ذلك ول يوضحه‪ ،‬بل يكثر من ذكر ما يؤيد الظاهر بكل صراحة؟ إنه ل يعتقد ذلك‬ ‫ويقوله إل ضال في دينه لم يعرف ما أنزل ال على رسوله‪ ،‬ولم يعرف الرسول حق المعرفة‪.‬‬ ‫قال ابن القيم‪ " :‬واطراد لفظ اليد في موارد استعمالها‪ ،‬وتنوع ذلك‪ ،‬يوجب أن تكون اليد حقيقة‪،‬‬ ‫ضتُ ُه يَوْ مَ‬ ‫جمِيعًا قَ ْب َ‬ ‫لرْ ضُ َ‬ ‫طتَانِ } (‪ { ،)810‬وَا َ‬ ‫ل َيدَا ُه َمبْ سُو َ‬ ‫كقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬لِمَا خَلَقْ تُ ِب َيدَيّ} (‪ { ،)809‬بَ ْ‬ ‫ت َمطْ ِويّاتٌ ِب َيمِينِهِ } (‪.)811‬‬ ‫الْ ِقيَامَةِ وَالسّماوَا ُ‬ ‫ص ‪282‬‬ ‫فلو كان المراد‪ :‬القدرة‪ ،‬أو النعمة‪ ،‬لم يستعمل منه لفظ "يمين"‪ ،‬كما في الحديث "المقسطون عند‬ ‫ال على منابر مهن نور عهن يميهن الرحمهن‪ ،‬وكلتها يديهه يميهن"(‪ ،)812‬فل يصهح أن تكون يهد القدرة‪،‬‬ ‫والنعمة‪ ،‬وقوله‪ " :‬يقبض ال سماوات بيده‪ ،‬والرض باليد الخرى‪ ،‬ثم يهزهن‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أنا الملك"‬

‫(‪)813‬‬

‫فالهز والقبض‪ ،‬وذكر اليدين‪ ،‬يمنع ذلك‪.‬‬ ‫ولما ذكر ذلك رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬جعل يقبض يديه ويبسطهما‪ ،‬تحقيقا للصفة‪ ،‬ل‬ ‫سمِيعًا بَ صِيرًا}‬ ‫ت شبيها ل ها‪ ،‬ك ما أ نه – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ل ما قرأ قوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬وكَا نَ الّل ُه َ‬

‫(‪)814‬‬

‫وضع إصبعه على عينه والخرى على أذنه؛ تحقيقا لصفة السمع والبصر‪.‬‬ ‫وقوله –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬لما خلق ال آدم قبض بيديه‪ ،‬وقال‪ :‬اختر‪ ،‬فقال‪ :‬اخترت يمين‬ ‫ربي‪ ،‬وكلتا يديه يمين ففتحها‪ ،‬فإذا فيها أهل اليمين من ذريته"(‪.)815‬‬ ‫وقوله –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬إن ال يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار‪ ،‬ويبسط يده بالنهار‬ ‫ليتوب مسيء الليل"(‪)816‬اهه‪.‬‬ ‫وقد تقدمت الشارة إلى بعض النصوص في ذلك‪.‬‬ ‫فاقتران الطي والقبض‪ ،‬والمساك باليد‪ ،‬جعل تأويلها بالقدرة والنعمة تحريفا باطلً‪.‬‬ ‫قال المام ا بن خزي مة‪ " :‬ن حن نقول‪ :‬ال – جل وعل‪ -‬له يدان‪ ،‬ك ما أعلم نا الباري في مح كم‬ ‫تنزيله‪ ،‬وعلى لسان نبيه المصطفي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬ونقول‪ :‬كلتا يدي ربنا يمين‪ ،‬على ما أخبر‬

‫‪ )(809‬الية ‪ 75‬من سورة ص‪.‬‬ ‫‪ )(810‬الية ‪ 64‬من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪ )(811‬الية ‪ 67‬من سورة الزمر ‪.‬‬ ‫‪ )(812‬تقدم تخريجه‪.‬‬ ‫‪ )(813‬تقدم تخريجه‪.‬‬ ‫‪ )(814‬الية ‪ 134‬من سورة النساء‪.‬‬ ‫‪ )(815‬مضى تخريجه‪.‬‬ ‫‪" )(816‬مختصر الصواعق" (ص ‪.)337‬‬ ‫‪219‬‬

‫النهبي –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬ونقول‪ :‬إن ال – عهز وجهل – يقبهض الرض بإحدى يديهه‪ ،‬ويطوي‬ ‫السماء بيده الخرى "(‪.)817‬‬ ‫ص ‪283‬‬ ‫فمن أثبت ل ‪-‬تعالى‪ -‬يدين‪ ،‬وأثبت لهما أصابع‪ ،‬على ما جاء في النصوص الصحيحة‪ ،‬ل يكون‬ ‫مشبها‪ ،‬بهل يكون متبعا لكتاب ال وسهنة رسهوله‪ ،‬مطيعا ل ورسهوله فهي ذلك؛ لنهه أثبهت ل مها أثبتهه‬ ‫لنفسه‪ ،‬وأثبته له رسوله –صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫وال ‪-‬تعالى‪ -‬ليس كمثله شيء ل في ذاته ول في أوصافه؛ لن الوصف تابع للموصوف‪.‬‬ ‫وقال البغوي‪ " :‬الصبع المذكورة في الحديث صفة‪ ،‬من صفات ال – عز وجل – وكذلك كل ما‬ ‫جاء به الكتاب أو ال سنة من هذا القب يل‪ ،‬في صفات ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬كالن فس‪ ،‬والو جه‪ ،‬والع ين‪ ،‬وال يد‬ ‫والرجل‪ ،‬والتيان‪ ،‬والمجيء‪ ،‬والنزول إلى السماء الدنيا‪ ،‬والستواء على العرش‪ ،‬والضحك‪ ،‬والفرح‪.‬‬ ‫طنَ ْع ُتكَ ِلنَفْ سِي} (‪ ،)818‬وقال – عز وجل – {ولتصنع على عيني}‬ ‫صَ‬ ‫قال ال ‪-‬تعالى‪ -‬لموسى‪{ :‬وَا ْ‬ ‫جهَ هُ} (‪ ،)820‬وقال – عز و جل ‪{ :-‬ويب قى و جه‬ ‫ك ِإلّ َو ْ‬ ‫شيْءٍ هَالِ ٌ‬ ‫(‪ ،819‬وقال – سبحانه وتعالى ‪{ :-‬كُلّ َ‬ ‫ربهك ذو الجلل والكرام} (‪ ،)821‬وقال تعالى‪ { :‬بل يداه مبسهوطتان} (‪ ،)822‬وقال – جل وعل‪{ :-‬قَالَ يَا‬ ‫ضتُ ُه يَوْ مَ الْ ِقيَامَةِ‬ ‫جمِيعًا قَ ْب َ‬ ‫ت ِب َيدَيّ} (‪ ،)823‬وقال ‪-‬تعالى‪ { :-‬وَالَرْ ضُ َ‬ ‫جدَ ِلمَا خَلَقْ ُ‬ ‫سُ‬ ‫ِإبْلِي سُ مَا َم َنعَ كَ أَن تَ ْ‬ ‫ت َمطْ ِويّا تٌ ِب َيمِينِ هِ } (‪ ،)824‬وقال ‪-‬تعالى‪{ :-‬هل ينظرون إل أن يأتيهم ال في ظلل من الغمام}‬ ‫وَال سّماوَا ُ‬ ‫(‪ ،)825‬وقال – سبحانه وتعالى ‪{ :-‬وجاء ربك والملك صفا صفا} (‪ ،)826‬وقال –‬ ‫ص ‪284‬‬ ‫حمَنُ‬ ‫ش الرّ ْ‬ ‫ستَوَى عَلَى ا ْل َعرْ ِ‬ ‫ستَوَى} (‪ ،)827‬وقال ‪-‬تعالى‪ُ { :-‬ثمّ ا ْ‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْل َعرْشِ ا ْ‬ ‫تعالى ‪{ :-‬ال ّر ْ‬ ‫} (‪.)828‬‬

‫‪)(817‬كتاب "التوحيد" (ص ‪.)83‬‬ ‫‪ )(818‬الية ‪ 41‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ )(819‬الية ‪ 39‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ )(820‬الية ‪ 88‬من سورة القصص‪.‬‬ ‫‪ )(821‬الية ‪ 27‬من سورة الرحمن ‪.‬‬ ‫‪ )(822‬الية ‪ 64‬من سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪ )(823‬الية ‪ 75‬من سورة ص‪.‬‬ ‫‪ )(824‬الية ‪ 67‬من سورة الزمر‪.‬‬ ‫‪ )(825‬الية ‪ 210‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪ )(826‬الية ‪ 22‬من سورة الفجر ‪.‬‬ ‫‪ )(827‬الية ‪ 5‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ )(828‬الية ‪ 59‬من سورة الفرقان‪.‬‬ ‫‪220‬‬

‫وقال رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث‬ ‫الل يل ال خر"(‪ ،)829‬وروى أ نس‪ ،‬عن ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬قال‪ " :‬ل تزال جه نم يل قى في ها‪،‬‬ ‫وتقول‪ :‬هل من مز يد؟ ح تى ي ضع رب العزة في ها قد مه"‪ ،‬و في روا ية أ بي هريرة‪ " :‬ح تى ي ضع ال‬ ‫رجله"(‪ ،)830‬و في حد يث أ بي هريرة في آ خر من يخرج من النار "فيض حك ال م نه‪ ،‬ثم يأذن له في‬ ‫دخول الج نة"(‪ ،)831‬و في حد يث جابر‪ " :‬فيتجلى ل هم يض حك"(‪ ،)832‬و في حد يث أ نس وغيره‪ " :‬ل أفرح‬ ‫بتوبة عبده‪ ،‬من أحدكم يسقط على بعيره‪ ،‬وقد أضله في أرض فلة"(‪.)833‬‬ ‫فهذه ونظائرها صفات ل ‪-‬تعالى‪ ،-‬ورد بها السمع‪ ،‬يجب اليمان بها‪ ،‬وإمرارها على ظاهرها‪،‬‬ ‫معرضا فيهها عهن التأويهل‪ ،‬مجتنبا التشهبيه‪ ،‬معتقدا أن الباري – سهبحانه وتعالى‪ -‬ل يشبهه شيهء مهن‬ ‫شيْءٌ وَهُ َو السّهمِيعُ‬ ‫صهفاته صهفات خلقهه‪ ،‬كمها ل تشبهه ذاتهه ذوات خلقهه‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪َ{ :-‬ليْسَه َك ِمثْلِهِه َ‬ ‫ال َبصِيرُ} (‪.)834‬‬ ‫وعلى هذا مضهى سهلف المهة‪ ،‬وعلماء السهنة‪ ،‬تلقوهها جميعا باليمان والقبول‪ ،‬وتجنبوا فيهها‬ ‫التمثيل والتأويل‪ ،‬ووكلوا العلم فيها إلى ال – عز وجل ‪.-‬‬ ‫قال سفيان بن عيينة‪ " :‬كل ما وصف ال ‪-‬تعالى‪ -‬به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته‪ ،‬والسكوت‬ ‫عليه‪ ،‬ليس لحد أن يفسره إل ال ‪-‬تعالى‪ -‬ورسوله "‪.‬‬ ‫وقال الزهري‪ " :‬على ال البيان‪ ،‬وعلى الرسول البلغ‪ ،‬وعلينا التسليم"‪.‬‬ ‫ص ‪285‬‬ ‫وقال بعض السلف‪ " :‬قدم السلم ل تثبت إل على قنطرة التسليم"(‪.)835‬‬ ‫ومراده بقوله‪ " :‬ووكلوا العلم في ها إلى ال " علم الكيف ية‪ ،‬وأ ما ما يف هم من ها في الو ضع اللغوي‬ ‫في ظاهر ومعلوم‪ ،‬وكذا ما ذكره عن سفيان أنها ل تفسر‪ ،‬أي تؤول وتطلب معرفة كيفيتها‪.‬‬ ‫وهذا كثير في أقوال العلماء والسلف من أهل السنة‪.‬‬ ‫وقال ابن القيم‪" :‬ورد لفظ اليد في القرآن‪ ،‬والسنة‪ ،‬وكلم الصحابة والتابعين‪ ،‬في أكثر من مائة‬ ‫موضهع‪ ،‬ورودا متنوعا‪ ،‬متصهرفا فيهه‪ ،‬مقرونا بمها يدل على أنهها يهد حقيقهة‪ ،‬مهن المسهاك‪ ،‬والطهي‪،‬‬ ‫والقبهض‪ ،‬والبسهط‪ ،‬والمصهافحة‪ ،‬والحثيات‪ ،‬والنضهح باليهد‪ ،‬والخلق باليديهن‪ ،‬والمباشرة بهمها‪ ،‬وكتهب‬ ‫التوارة بيده‪ ،‬وغرس جنة عدن بيده‪ ،‬وتخمير طينة آدم بيده‪ ،‬ووقوف العبد بين يديه‪ ،‬وكون المقسطين‬ ‫‪ )(829‬سيأتي شرحه ‪ ،‬إن شاء ال ‪.‬‬ ‫‪ )(830‬تقدم ‪ ،‬وهو في "مسلم" رقم (‪.)2848‬‬ ‫‪ )(831‬متفق عليه ‪ ،‬وسيأتي ‪ ،‬إن شاء ال ‪.‬‬ ‫‪ )(832‬رواه مسلم في " اليمان " رقم (‪.)191‬‬ ‫‪ )(833‬انظره في "مسلم" (‪ )4/2104‬رقم (‪.)2747‬‬ ‫‪ )(834‬الية ‪ 11‬من سورة الشورى‪.‬‬ ‫‪" )(835‬شرح السنة " (‪.)171-1/168‬‬ ‫‪221‬‬

‫عن يمينه‪ ،‬وقيام رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يوم القيامة عن يمينه‪ ،‬وتخيير آدم بين ما في يديه‪،‬‬ ‫فقال‪ " :‬اخترت يمين ربي"‪ ،‬وأخذ الصدقة بيمينه‪ ،‬يربيها لصاحبها‪ ،‬وكتابته بيده على نفسه‪ :‬أن رحمته‬ ‫تغلب غضبه‪ ،‬وأنه مسح ظهر آدم بيده‪ ،‬ثم قال له – ويداه مقبوضتان – "اختر"‪ ،‬فقال‪ " :‬اخترت يمين‬ ‫ر بي"‪ ،‬وكل تا يد يه يم ين مبار كة‪ ،‬وأن يمي نه ملى ل يغيض ها نف قة سحاء الل يل والنهار‪ ،‬وبيده الخرى‬ ‫القسط‪ ،‬يرفع ويخفض‪ ،‬وأنه خلق آدم من قبضه قبضها من جميع الرض‪ ،‬وأنه يطوي السموات يوم‬ ‫القيامة‪ ،‬ثم يأخذهن بيده اليمنى‪ ،‬ثم يطوى الرض باليد الخرى‪ ،‬وأنه خط اللواح التي كتبها لموسى‬ ‫بيده"(‪.)836‬‬

‫‪" )(836‬مختصر الصواعق" (ص ‪.)348‬‬ ‫‪222‬‬

‫ص ‪286‬‬ ‫قال‪ " :‬باب قول النبي –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬ل شخص أغير من ال"‪.‬‬ ‫وقال عبيد ال بن عمرو بن عبد الملك‪ :‬ل شخص أغير من ال‪.‬‬ ‫الغيرة – بف تح الغ ين – وإ سكان الياء – و هي في الل غة مأخوذة من التغ ير الحا صل من الن فة‪،‬‬ ‫والحمية‪.‬‬ ‫والشخص‪ :‬هو ما شخص وبان عن غيره‪.‬‬ ‫ومقصد البخاري أن هذين السمين يخبر بهما عن ال ‪-‬تعالى‪ -‬وصفا له؛ لن الرسول –صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ -‬أثبتهما ل‪ ،‬وهو أعلم الخلق بال –تعالى‪.-‬‬ ‫قال النووي‪ " :‬قال العلماء‪ :‬الغيرة بفتهح الغيهن‪ ،‬وأصهلها المنهع‪ ،‬والرجهل غيور على أهله‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫يمنعهم من التعلق بأجنبي بنظر‪ ،‬أو حديث‪ ،‬أو غيره‪ ،‬والغيرة صفة كمال"(‪.)837‬‬ ‫قال الحا فظ‪ " :‬و قد ف سر الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬غيرة ال في قوله‪ " :‬إن ال يغار‪،‬‬ ‫وغيرة ال أن يأتي المؤمن ما حرم ال "(‪.)838‬‬ ‫ومعناه‪ :‬أن ال يغار إذا انتهكهت محارمهه‪ ،‬وليهس انتهاك المحارم ههو غيرة ال؛ لن انتهاك‬ ‫المحارم فعل العبد‪ ،‬ووقوع ذلك من المؤمن أعظم من وقوعه من غيره‪.‬‬ ‫وغيرة ال ‪-‬تعالى‪ -‬من ج نس صفاته ال تي يخ تص ب ها‪ ،‬ف هي لي ست مماثلة لغيرة المخلوق‪ ،‬بل‬ ‫هي صفة تليق بعظمته‪ ،‬مثل الغضب‪ ،‬والرضا‪ ،‬ونحو ذلك من خصائصه التي ل يشاركه الخلق فيها‪.‬‬ ‫و قد تقرر أ نه ‪-‬تعالى‪ -‬ل يس كمثله ش يء في ذا ته‪ ،‬فكذلك في صفاته‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬ول كن ل بد من‬ ‫الشتراك فهي ألفاظ السهماء التهي تضاف إلى ال صهفات له‪ ،‬وبيهن ألفاظ السهماء التهي يوصهف بهها‬ ‫العباد؛ لنه ل يمكن معرفة ما غاب عنا إل بمعرفة ما شهدناه‪ ،‬فنعتبر بعقولنا الغائب بالشاهد‪.‬‬ ‫ص ‪287‬‬ ‫فلول أنها نجهد مهن أنفسهنا جوعا‪ ،‬وعطشا‪ ،‬وشبعا‪ ،‬وريا‪ ،‬وحبا‪ ،‬وبغضا‪ ،‬ولذةً‪ ،‬وألما‪ ،‬ورضا‪،‬‬ ‫وسخطا‪ ،‬لم نعرف حقيقة ما نخاطب به إذا وصف لنا وأخبرنا به عن غيرنا‪.‬‬ ‫ولو لم نعلم ما في المشاهد من الحياة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والكلم‪ ،‬لم نفهم ما نخاطب به من ذلك‬ ‫في الغائب‪.‬‬ ‫فل بد فيما شهدناه‪ ،‬وما غاب عنا‪ ،‬من قدر مشترك‪ ،‬هو مسمى اللفظ‪.‬‬ ‫وقد أخبرنا عن نعيم الخرة‪ ،‬وعذابها مما يؤكل‪ ،‬ويشرب‪ ،‬ويفرح‪ ،‬ويحزن‪ ،‬وينعم‪ ،‬ويؤلم‪ ،‬فلول‬ ‫معرفتنا بما يشبه ذلك في الدنيا‪ ،‬لم نفهم ما وعدنا به من ذلك‪ ،‬مع علمنا أن حقائق ما في الخرة ليست‬ ‫كحقائق ما في الدنيا‪ ،‬كما قال ابن عباس في تفسير قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَُأتُو ْا بِ ِه ُم َتشَابِها}‪ " :‬ليس في الدنيا‬ ‫‪" )(837‬شرح مسلم " (‪.)10/132‬‬ ‫‪" )(838‬الفتح" (‪.)9/319‬‬ ‫‪223‬‬

‫مما في الجنة إل السماء "(‪ ،)839‬ولكن بين ما في الدنيا‪ ،‬وما في الخرة‪ ،‬مشابهة واشتراك من بعض‬ ‫الوجوه‪ .‬وبذلك نفههم المراد‪ ،‬فنحهب النعيهم‪ ،‬ونرغهب فيهه‪ ،‬ونكره المؤلم‪ ،‬وننفهر عنهه‪ ،‬فنعرف معنهى‬ ‫الع سل‪ ،‬والل بن‪ ،‬والحر ير‪ ،‬والذ هب‪ ،‬ونفرق بينه ما؛ ل ما عرفناه من نظير ها في الشا هد‪ ،‬وإن كا نت‬ ‫س مّا ُأخْفِ يَ َلهُم‬ ‫حقائقها فيما هي عليه ل يعلمها إل ال –تعالى‪ ،-‬كما قال – جل وعل ‪{ :-‬فَل َتعْلَ مُ نَفْ ٌ‬ ‫عيُنٍ} (‪.)840‬‬ ‫مّن قُرّ ِة أَ ْ‬ ‫فإذا كان هذا في صفات المخلوق‪ ،‬فك يف في صفات الخالق – جل و عز – فإن ها أ شد مباي نة‪،‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬إذا قال نفاة الصهفات‪ :‬النزول‪ ،‬والسهتواء‪ ،‬مهن صهفات الجسهام‪ ،‬فإنهه ل يعقهل إل لجسهم‬ ‫مركب‪ ،‬وال منزه عن ذلك‪.‬‬ ‫فيقال لهم‪ :‬وكذلك الحياة‪ ،‬والرادة‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والعلم‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والكلم‪ ،‬هي من صفات‬ ‫الجسام‪ ،‬فإنه ل يعقل من يسمع‪ ،‬ويبصر‪ ،‬ويريد‪ ،‬ويعلم‪ ،‬ويقدر‪ ،‬ويتكلم‪ ،‬ويكون حيا‪ ،‬إل الجسم‪.‬‬ ‫فإن قالوا‪ :‬سمعه ليس كسمعنا‪ ،‬وعلمه ليس كعلمنا‪ ،‬وبصره ليس كبصرنا‪ ،‬وكذا البقية‪.‬‬ ‫ص ‪288‬‬ ‫قيل‪ :‬فكذلك نزوله‪ ،‬واستواؤه‪ ،‬وغضبه‪ ،‬وفرحه‪ ،‬وحبه‪ ،‬وغيرته‪ ،‬وسائر صفاته‪ ،‬والذين يؤولون‬ ‫النصوص في ذلك‪ ،‬مخالفون لها‪ ،‬ومتناقضون‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬وقال عبيد ال بن عمرو‪ ،‬عن عبد الملك‪ ":‬ل شخص أغير من ال" قال الحافظ‪ " :‬يعني‬ ‫أن عبيد ال بن عمرو‪ ،‬روى الحديث المذكور‪ ،‬عن عبد الملك‪ ،‬بالسند المذكور فقال‪ " :‬ل شخص" بدل‬ ‫كل مة " ل أ حد" و قد و صله الدار مي‪ ،‬ثم ذ كر سنده‪ ،‬و ساقه أ بو عوا نة – يعقوب ال سفرائيني – في‬ ‫"صحيحه" عن محمد بن عيسى العطار‪ ،‬عن زكريا بتمامه‪ ،‬وقال في المواضع الثلثة‪ " :‬ل شخص"‪.‬‬ ‫قال السماعيلي – بعد أن أخرجه ‪ :-‬من طريق عبيد ال بن عمرو القواريري‪ ،‬وأبي كامل –‬ ‫فض يل بن ح سين الجحدري – ومح مد بن ع بد الملك بن أ بي الشوارب‪ ،‬ثلثت هم عن أ بي عوا نة –‬ ‫الوضاح الب صري – بالسند الذي أخر جه {به} البخاري‪ ،‬ول كن قال في الموا ضع الثل ثة‪ " :‬ل ش خص"‬ ‫بدل " ل أحد"‪.‬‬ ‫ثم ساقه من طريق زائدة بن قدامة عن عبد الملك كذلك‪.‬‬ ‫فكأن هذه اللفظة لم تقع في رواية البخاري في حديث أبي عوانة‪ ،‬عن عبد الملك‪ ،‬فلذلك علقها‬ ‫عن عبيد ال بن عمرو‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وقد أخرجه مسلم‪ ،‬عن القواريري‪ ،‬وأبى كامل‪ ،‬كذلك" ا‪.‬هه(‪.)841‬‬

‫‪ )(839‬رواه ابن جرير في "تفسيره" انظر (‪ )394-1/393‬بتحقيق ‪ :‬محمود شاكر ‪.‬‬ ‫‪ )(840‬الية ‪ 17‬من سورة السجدة‪.‬‬ ‫‪" )(841‬الفتح" (‪.)13/400‬‬ ‫‪224‬‬

‫ل مع امرأتي لضربته بالسيف‬ ‫ولفظ مسلم‪ ،‬بعد ذكر السند‪ " :‬قال سعد بن عبادة‪ :‬لو رأيت رج ً‬ ‫غير مصفح عنه‪ ،‬فبلغ ذلك رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬فقال‪ " :‬أتعجبون من غيرة سعد؟ فوال‬ ‫لنا أغير منه‪ ،‬وال أغير مني‪ ،‬من أجل غيرة ال حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬ول شخص‬ ‫أغير من ال‪ ،‬ول شخص أحب إليه العذر من ال‪ ،‬من أجل ذلك بعث ال المرسلين مبشرين ومنذرين‪،‬‬ ‫ول شخص أحب إليه المدحة من ال‪ ،‬من أجل ذلك وعد ال الجنة"(‪.)842‬‬ ‫ورواه المام أحمد في "المسند" بهذا اللفظ(‪ ،)843‬قال عبدال ابن المام أحمد بعد ذكره‪ ،‬قال عبيد‬ ‫ال القواريري‪ :‬ليس حديث أشد على الجهمية من هذا الحديث‪.‬‬ ‫ص ‪289‬‬ ‫وبهذا يتبين خطأ ابن بطال في قوله‪ " :‬أجمعت المة على أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬ل يجوز أن يوصف‬ ‫بأنه شخص‪ ،‬لن التوقيف لم يرد به " ا‪.‬هه ذكره الحافظ(‪.)844‬‬ ‫وهذه مجازفة ودعوى عارية من الدليل‪ ،‬فأين هذا الجماع المزعوم؟ ومن قاله؟ سوى المتأثرين‬ ‫ببدع أهل الكلم‪ ،‬كالخطابي‪ ،‬وابن فورك‪ ،‬وابن بطال‪ -‬عفا ال عنا وعنهم‪-‬‬ ‫وقوله‪ " :‬لن التوقيف لم يرد به " يبطله ما تقدم من ذكر ثبوت هذا اللفظ عن رسول ال –صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ -‬بطرق صحيحة ل مطعن فيها‪.‬‬ ‫و إذا صح الحد يث عن ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬و جب الع مل به‪ ،‬والقول بموج به‬ ‫سواء كان في م سائل العتقاد‪ ،‬أو في العمليات‪ ،‬و قد صح ع نه – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬إطلق هذا‬ ‫السم – أعني الشخص – على ال ‪-‬تعالى‪ -‬خبرا‪ ،‬فيجب اتباعه في ذلك على من يؤمن بأنه رسول‬ ‫ال‪ ،‬وهو –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أعلم بربه وبما يجب له وما يمتنع عليه ‪-‬تعالى‪ -‬من غيره من سائر‬ ‫البشر‪.‬‬ ‫وتقدم أن الشخص في اللغة‪ :‬ما شخص‪ ،‬وارتفع‪ ،‬وظهر‪.‬‬ ‫قال في "اللسان"‪ " :‬الشخص كل جسم له ارتفاع وظهور"(‪.)845‬‬ ‫وال ‪-‬تعالى‪ -‬أظهر من كل شيء‪ ،‬وأعظم‪ ،‬وأكبر‪ ،‬وليس في إطلق الشخص عليه محذور على‬ ‫أصل أهل السنة الذين يتقيدون بما قاله ال ورسوله‪.‬‬

‫‪" )(842‬صحيح مسلم " (‪ )2/1136‬رقم (‪.)1499‬‬ ‫‪" )(843‬المسند" (‪ )4/248‬ورواه الدارمي في "سننه" (‪)2/73‬‬ ‫‪ )(844‬انظر ‪ " :‬الفتح" (‪.)13/400‬‬ ‫‪ )(845‬انظر ‪ " :‬لسان العرب" (‪ )2/281‬المرتب‪.‬‬ ‫‪225‬‬

‫ص ‪290‬‬ ‫‪-45‬قال‪ " :‬حدثنا موسى بن إ سماعيل التبوذكي‪ ،‬حدثنا أبو عوانة‪ ،‬حدثنا عبد الملك‪ ،‬عن وراد‬ ‫كاتب المغيرة‪ ،‬عن المغيرة‪ ،‬قال‪ :‬قال سعد بن عبادة‪ :‬لو رأيت رجلً مع امرأتي لضربته بالسيف غير‬ ‫م صفح‪ ،‬فبلغ ذلك ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬فقال‪ " :‬تعجبون من غيرة سعد‪ ،‬وال ل نا أغ ير‬ ‫منه‪ ،‬وال أغير مني‪ ،‬ومن أجل غيرة ال حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬ول أحد أحب إليه‬ ‫العذر من ال‪ ،‬ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين‪ ،‬ول أحد أحب إليه المدحة من ال‪ ،‬ومن أجل‬ ‫ذلك وعد ال الجنة "‪.‬‬ ‫نكتفي بما تقدم من كلم على معنى الحديث‪ ،‬ونذكر موجزا من الكلم مما فيه فائدة‪ ،‬وتقدم معنى‬ ‫الغيرة‪ ،‬وأن ها صفة كمال‪ ،‬ك ما تقدم أ نا ل يم كن أن نف هم ما خوطب نا به إل بوا سطة المعلوم ل نا في‬ ‫الشاهد المشارك له في المعنى في الجملة‪ ،‬وإن كان البون شاسعا‪.‬‬ ‫قال النووي‪ " :‬أ خبر – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬أن سعدا غيور‪ ،‬وأ نه أغ ير م نه‪ ،‬وأن ال أغ ير‬ ‫م نه‪ ،‬وأ نه من أ جل ذلك حرم الفوا حش‪ ،‬فهذا تف سير لمع نى غيرة ال –تعال هى‪ ،-‬أي‪ :‬أن ها من عه –‬ ‫سبحانه وتعالى – الناس من الفواحش"(‪.)846‬‬ ‫ققلت‪ :‬ل يس هذا هو غيرة ال ‪-‬تعالى‪ -‬ولك نه مقت ضى الغيرة‪ ،‬ك ما يوض حه قوله‪ " :‬و من أ جل‬ ‫غيرة ال حرم الفواحش" فبين أن تحريم الفواحش‪ ،‬والمنع منها‪ ،‬ليس هو الغيرة‪ ،‬وإنما هو من آثارها‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬لو رأ يت رجلً مع امرأ تي‪ ،‬لضرب ته بال سيف غير م صفح" أي‪ :‬لضرب ته ب حد السيف ل‬ ‫ب صفحه‪ ،‬يع ني‪ :‬لقتله بدون توقف‪ ،‬وقد أقره رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬على ذلك‪ ،‬وأخبر أ نه‬ ‫أغير من سعد‪ ،‬وأن ال أغير منه‪ ،‬وأما قول القرطبي وغيره‪ :‬إن قوله‪ " :‬ول أحد أحب إليه العذر من‬ ‫ال " إشارة إلى النكار على سعد‪ ،‬فغير صحيح‪ ،‬بل مدلول الحديث خل فه‪ ،‬ول بد من الغيرة‪ ،‬والذي‬ ‫ل غيرة له ديوث‪ ،‬والديوث ل يدخل الجنة‪ ،‬كما في "سنن النسائي"(‪)847‬وغيرها‪.‬‬ ‫ص ‪291‬‬ ‫ولهذا قال – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬تعجبون من غيرة سعد‪ ،‬وال ل نا أغ ير م نه‪ ،‬وال أغ ير‬ ‫مني" الخ‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬ومن أجل غيرة ال حرم الفواحش‪ ،‬ما ظهر منها‪ ،‬وما بطن" أي‪ :‬من أثر غيرة ال‪ :‬منع‬ ‫عباده من قربان الفواحش‪ ،‬وهي‪ :‬ما عظم وفحش في النفوس الزاكية والعقول السليمة مثل الزنا‪.‬‬ ‫والظاهر‪ :‬يشمل ما فعل علنا‪ ،‬وما باشرته الجوارح وإن كان سرا‪.‬‬ ‫والباطن‪ :‬يشمل ما في السر‪ ،‬وما انطوت عليه القلوب‪.‬‬ ‫‪" )(846‬شرح مسلم" (‪.)10/132‬‬ ‫‪" )(847‬المجتبي" (‪ ، )5/80‬رواه أحمد في "المسند" (‪ )2/134‬وفي سنده عبدال بن يسار ‪ ،‬روى له‬ ‫النسائي ‪ ،‬وذكره ابن حبان في "الثقات" ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات مشهورون‪.‬‬ ‫‪226‬‬

‫قوله‪ " :‬ول أحد أحب إليه العذر من ال‪ ،‬ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين"‪.‬‬ ‫العذر‪ :‬هو طلب الع فو عن ف عل سابق مع العتراف بالذ نب والندم على وقو عه م نه‪ ،‬ويراد به‬ ‫العذار‪ ،‬وههو إقامهة البينات‪ ،‬والحجهج‪ ،‬وإيضاح طريهق الخيهر والشهر‪ ،‬وكلهمها يدخهل فيمها ذكهر‪،‬‬ ‫والمبشرون والمنذرون هم الرسل‪ ،‬وفي رواية مسلم‪ " :‬بعث المرسلين مبشرين ومنذرين" وفي رواية‬ ‫له أيضا‪ " :‬ولذلك أنزل الكتب والرسل"‪.‬‬ ‫قال عياض‪ :‬المع نى‪ :‬ب عث المر سلين للعذار والنذار لخل قه‪ ،‬ق بل أخذ هم بالعقو بة‪ ،‬و هو كقوله‬ ‫حجّ ٌة َب ْعدَ الرّسُلِ} (‪.)848‬‬ ‫ن لِلنّاسِ عَلَى اللّ ِه ُ‬ ‫ل َيكُو َ‬ ‫شرِينَ َومُن ِذرِينَ ِلئَ ّ‬ ‫تعالى‪{ :-‬رّسُلً ّم َب ّ‬‫قوله‪ " :‬ول أ حد أ حب إل يه المد حة من ال‪ ،‬و من أ جل ذلك و عد ال الج نة" هذا لكماله المطلق‪،‬‬ ‫ف هو ‪-‬تعالى‪ -‬ي حب من عباده أن يثنوا عل يه ويمدحوه على فضله وجوده‪ ،‬و من أ جل ذلك جاد علي هم‬ ‫بكل نعمة يتمتعون بها‪ ،‬ويرضى عنهم إذا حمدوه عليها‪.‬‬ ‫ومهما أثنوا عليه ومدحوه ل يمكن أن يصلوا إلى ما يستحقه من المدح والثناء‪ ،‬ولهذا مدح نفسه‬ ‫كمها تقدم‪ ،‬فوعهد الجنهة ليكثهر سهؤاله‪ ،‬والثناء عليهه مهن عباده ومدحهه‪ ،‬ويجهدوا فهي ذلك غايهة مها‬ ‫يستطيعون؛ لن الجنة هي منتهى النعام‪.‬‬ ‫ص ‪292‬‬ ‫شهَاد ًة قُلِ اللّههِ} (‪ " ")849‬فسهمى ال ‪-‬تعالى‪ -‬نفسهه شيئا‪ ،‬وسهمى‬ ‫قال‪ " :‬باب {قُلْ أَي ّ شَيْ ٍء َأ ْك َبرُ َ‬ ‫شيْ ٍء هَالِكٌه ِإلّ‬ ‫النهبي –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬القرآن شيئا‪ ،‬وههو صهفة مهن صهفات ال‪ ،‬وقال‪{ :‬كُلّ َ‬ ‫جهَهُ} (‪.")850‬‬ ‫َو ْ‬ ‫ير يد بهذا أن يطلق على ال ‪-‬تعالى‪ -‬أ نه ش يء‪ ،‬وكذلك صفاته‪ ،‬ول يس مع نى ذلك أن "الش يء"‬ ‫من أسماء ال الحسنى‪ ،‬ولكن يخبر عنه ‪-‬تعالى‪ -‬بأنه شيء‪ ،‬وكذا يخبر عن صفاته بأنها شيء؛ لن‬ ‫كل موجود يصح أن يقال‪ :‬إنه شيء‪.‬‬ ‫قال الحافهظ‪ " :‬الش يء ي ساوي الموجود‪ ،‬لغةً‪ ،‬وعرفا‪ ،‬وأ ما قول هم‪ :‬فلن ل يس بش يء ف هو على‬ ‫طريق المبالغة في الذم‪ ،‬فلذلك وصف بصفة العدم"(‪.)851‬‬ ‫وقال‪ " :‬أي‪ :‬إذا جاءت استفهامية‪ ،‬اقتضى الظاهر أن تسمى باسم ما تضاف إليه‪ ،‬فعلى هذا صح‬ ‫الستدلل بها على تسمية ال ‪-‬تعالى‪ -‬شيئا‪.‬‬ ‫واسم الجللة خبر مبتدأ محذوف‪ ،‬أي‪ :‬ذلك الشيء هو ال‪.‬‬ ‫ويصح أن يكون مبتدأ محذوف الخبر‪ ،‬والتقدير‪ :‬ال أكبر شهادة وال أعلم "(‪.)852‬‬ ‫‪ )(848‬من "الفتح" (‪.)13/400‬‬ ‫‪ )(849‬الية ‪ 19‬من سورة النعام ‪.‬‬ ‫‪ )(850‬الية ‪ 88‬من سورة القصص‪.‬‬ ‫‪" )(851‬الفتح" (‪.)13/402‬‬ ‫‪ )(852‬نفس المصدر‪.‬‬ ‫‪227‬‬

‫جهَ هُ} قال الحافظ‪ " :‬الستدلل بهذه الية للمطلوب‪ ،‬ينبني‬ ‫شيْءٍ هَالِ كٌ ِإلّ َو ْ‬ ‫وقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬كُلّ َ‬ ‫على أن الستثناء متصل‪ ،‬فإنه يقتضي اندراج المستثنى في المستثنى منه‪ ،‬وهو الراجح‪ ،‬على أن لفظ‬ ‫شيء يطلق على ال –تعالهى‪ -‬وهو الراجح أيضا "‪.‬‬

‫(‪)853‬‬

‫قال المام عبدالعزيز الكناني‪ ،‬في محاجته لبشر المريسي‪ ،‬لما سأله بشر عن القرآن‪ :‬أهو شيء‬ ‫أم ليس بشيء؟ قال‪ " :‬فقلت لبشر‪ :‬سألت عن القرآن‪ ،‬هو شيء أم غير شيء؟ فإن كنت تريد أنه شيء‪،‬‬ ‫إثباتا للوجود‪ ،‬ونفيا للعدم‪ ،‬فنعم هو شيء‪.‬‬ ‫ص ‪293‬‬ ‫و إن كنت تريد أن الشيء اسم له‪ ،‬وأنه كالشياء فل‪.‬‬ ‫فإن ال أجرى كل مه على ما أجراه على نف سه‪ ،‬إذ كان كل مه من ذا ته‪ ،‬و من صفاته‪ ،‬فلم يت سم‬ ‫بالشيء‪ ،‬ولم يحمل الشيء اسما من أسمائه‪ ،‬ولكنه دل على نفسه أنه شيء‪ ،‬وأنه أكبر الشياء‪ ،‬إثباتا‬ ‫للوجود‪ ،‬ونفيا للعدم‪ ،‬وتكذيبا للزنادقة‪ ،‬ومن تقدمهم ممن جحد معرفته‪ ،‬وأنكر ربوبيته‪ ،‬من سائر المم‪،‬‬ ‫شهِيدٌ ِب ْينِي َو َب ْي َنكُمْ} (‪ ،)854‬فدل على‬ ‫شهَاد ًة قُلِ اللّ ِه َ‬ ‫شيْ ٍء َأ ْكبَرُ َ‬ ‫فقال لنبيه –صلى ال عليه وسلم‪{ :-‬قُلْ َأيّ َ‬ ‫نف سه أ نه ش يء‪ ،‬ل كالشياء‪ ،‬وأنزل في ذلك خبرا خا صا مفردا‪ ،‬لعل مه ال سابق أن جهما وبشرا‪ ،‬و من‬ ‫قال بقولهمها‪ ،‬سهيلحدون فهي أسهمائه وصهفاته‪ ،‬ويشبهون على خلقهه‪ ،‬ويدخلونهه وكلمهه فهي الشياء‬ ‫شيْءٌ وَهُ َو السّهمِيعُ البَصهِيرُ} (‪ ،)855‬فأخرج نفسهه وكلمهه‬ ‫المخلوقهة‪ ،‬فقال – عهز وجهل‪َ{ :-‬ليْسَه َك ِمثْلِهِه َ‬ ‫و صفاته من الشياء المخلو قة‪ ،‬بهذا ال خبر‪ ،‬تكذيبا ل من أل حد في كتا به‪ ،‬وافترى عل يه‪ ،‬وشب هه بخل قه‪.‬‬ ‫وعدد أسماءه في كتابه‪ ،‬ولم يتسم بالشيء‪ ،‬ولم يجعل الشيء اسما من أسمائه"(‪.)856‬‬ ‫ونقل الحافظ عن ابن بطال‪ " :‬أن اليات والثار المذكورة في هذا الباب ترد على من زعم أنه‬ ‫ل يجوز أن يطلق على ال ‪-‬تعالى‪ -‬أنه شيء‪ ،‬كما صرح به عبدال الناشيء المتكلم‬

‫(‪)857‬‬

‫وغيره‪.‬‬

‫كما ترد على من ز عم أن المعدوم ش يء‪ ،‬وقد أط بق العقلء على أن لفظ "ش يء" يقتضي إثبات‬ ‫موجود‪ ،‬وعلى أن ل فظ " ل شيهء" يقتضهي نفهي موجوده‪ ،‬إل مها تقدم من إطلقههم "ل يس بشيهء" فهي‬ ‫الذم"(‪.)858‬‬ ‫وهذا الذي ذكره الحافظ عن ابن بطال واضح‪ ،‬وقد تقدم ما يدل عليه‪.‬‬

‫‪ )(853‬نفس المصدر ‪.‬‬ ‫‪ )(854‬الية ‪ 19‬من سورة النعام ‪.‬‬ ‫‪ )(855‬الية ‪ 11‬من سورة الشورى ‪.‬‬ ‫‪" )(856‬الحيدة" (ص ‪ )25-24‬مطابع القصيم‪.‬‬ ‫‪ )(857‬هو ‪ :‬أبو العباس عبدال بن محمد الناشيء الشاعر المتكلم – يعرف بابن شرشير ‪ ،‬أصله من‬ ‫النبار ‪ ،‬وأقام ببغداد مدة طويلة ‪ ،‬ثم خرج إلى مصر ‪ ،‬وتوفي بها سنة ثلث وتسعين ومائتين ‪.‬‬ ‫"الشذرات" (‪.)2/214‬‬ ‫‪" )(858‬الفتح" (‪.)403-13/402‬‬ ‫‪228‬‬

‫ص ‪294‬‬ ‫‪-46‬قال‪ " :‬حدثنا عبدال بن يوسف‪ ،‬أخبرنا مالك عن أبي حازم‪ ،‬عن سهل بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬قال‬ ‫ال نبي –صلى ال عل يه و سلم‪ -‬لر جل‪ " :‬أمعك من القرآن ش يء؟ قال‪ :‬ن عم‪ ،‬سورة كذا‪ ،‬و سورة كذا –‬ ‫لسور سماها‪."-‬‬ ‫سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلب بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الن صاري‪ ،‬من‬ ‫مشاهير الصحابة‪ ،‬ذكر ابن حبان أن اسمه حزن‪ ،‬فغير رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬اسمه‪ ،‬توفي‬ ‫رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬وهو ابن خمس عشرة سنة وعمر طويلً‪ ،‬فكان آخر من مات في‬ ‫المدينهة مهن الصهحابة‪ ،‬على أحهد القوال‪ ،‬رضوان ال عليههم أجمعيهن‪ ،‬وله أحاديهث كثيرة فهي كتهب‬ ‫الحديث‪ ،‬مات سنة إحدى وتسعين من الهجرة(‪.)859‬‬ ‫هذا الحديث مختصر من قصة الواهبة نفسها للنبي – صلى ال عليه وسلم‪ -‬لما قال له رجل من‬ ‫أ صحابه‪ :‬إن لم ي كن لك ب ها حا جة‪ ،‬فزوجني ها يا ر سول ال‪ ،‬قال له – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬أم عك‬ ‫شيء تعطيها إياه؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬التمس ولو خاتما من حديد‪ ،‬فلما لم يجد‪ ،‬قال له‪ :‬هل معك شيء من‬ ‫القرآن؟ ‪ -‬أي‪ :‬هل تح فظ شيئا م نه؟ – قال‪ :‬ن عم سورة كذا‪ ،‬و سورة كذا‪ ،‬ل سور سماها‪ .‬فقال ال نبي –‬ ‫صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬زوجتك ها على ما م عك من القرآن" أي يكون تعلي مه ل ها ما م عه من سور‬ ‫القرآن صداقا لها‪.‬‬ ‫والمق صود ه نا أ نه أطلق الش يء على القرآن‪ ،‬بقوله‪ " :‬أم عك ش يء من القران؟" و هو صفة من‬ ‫صفات ال –تعالى‪ -‬والصفة لها حكم الموصوف‪ ،‬فيصح إطلق ذلك على ال –تعالى‪.-‬‬ ‫وقد تقم في كلم عبدالعزيز الكناني " أن لفظ الشيء يطلق على القرآن إثباتا لوجوده‪ ،‬وحقيقته‪،‬‬ ‫ونفيا لعدمه‪ ،‬وليس لفظ الشيء اسما له‪ ،‬كما أنه يطلق على ال ‪-‬تعالى‪ -‬كذلك‪.‬‬ ‫و أن ال أجرى كلمه على ما أجره على نفسه‪ ،‬إذ كان كلمه من ذاته‪ ،‬ومن صفاته‪ ،‬فلم يتسم‬ ‫بالشيء‪ ،‬ولم يجعل الشيء اسما من أسمائه‪ ،‬ولكنه دل على نفسه‬ ‫ص ‪295‬‬ ‫أنه شيء‪ ،‬وأنه أكبر الشياء‪ ،‬إثباتا للوجود‪ ،‬ونفيا للعدم‪ ،‬وتكذيبا للزنادقة ومن تقدمهم‪ ،‬ممن جحد‬ ‫معرفته وأنكر ربوبيته من سائر المم"(‪.)860‬‬

‫‪" )(859‬الصابة" (‪" ، )2/87‬الستيعاب" (‪.)2/94‬‬ ‫‪ )(860‬انظر ‪ " :‬الحيدة" (ص ‪.)24‬‬ ‫‪229‬‬

‫ص ‪296‬‬ ‫ش ا ْلعَظِيمِ } (‪.")862‬‬ ‫ب ا ْلعَرْ ِ‬ ‫عرْشُهُ عَلَى ا ْلمَاء } (‪ { ،)861‬وَ ُهوَ رَ ّ‬ ‫قال‪ " :‬باب‪َ { :‬وكَانَ َ‬ ‫قال الزهري‪ " :‬العرش في كلم العرب‪ :‬سرير الملك يدل على ذلك سرير ملكة سبأ‪ ،‬سماه ال‬ ‫عظِيمٌ } (‪.)863‬‬ ‫عرْشٌ َ‬ ‫شيْءٍ وََلهَا َ‬ ‫ت ا ْمرَأَةً َتمِْل ُك ُهمْ وَأُو ِتيَتْ مِن كُلّ َ‬ ‫– جل وعز‪ -‬عرشا‪ ،‬فقال‪ِ { :‬إنّي َوجَد ّ‬ ‫قلت‪ :‬والعرش في كلم العرب – أيضا ‪ :-‬سقف الب يت‪ ،‬وجم عه عروش‪ ،‬وم نه قول ال – جل‬ ‫شهَا } (‪.)864‬‬ ‫عرُو ِ‬ ‫وعز ‪ { :-‬أَ ْو كَاّلذِي َمرّ عَلَى َقرْيَ ٍة وَ ِهيَ خَا ِويَةٌ عَلَى ُ‬ ‫شهَا } على أركانها‪.‬‬ ‫عرُو ِ‬ ‫قال الكسائي‪ { :‬عَلَى ُ‬ ‫وقال غيره من أهل اللغة‪ :‬على سقوفها‪ ،‬أراد أن حيطانها قائمة‪ ،‬وقد تهدمت سقوفها‪ ،‬فصارت‬ ‫في قرارها‪ ،‬وانقعرت الحيطان من قواعدها‪ ،‬فتساقطت على السقوف المتهدمة قبلها"(‪.)865‬‬ ‫"وقال الليث‪ :‬العرش‪ :‬السرير للملك‪ ،‬والعرش‪ ،‬والعريش‪ :‬ما يستظل به‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وعرش الرجل‪ :‬قوام أمره‪ ،‬فإذا زال قوام أمره‪ ،‬قيل‪ :‬ثل عرشه"(‪.)866‬‬ ‫وقال الجوهري‪ " :‬العرش‪ :‬سرير الملك‪ ،‬وعرش الب يت‪ :‬سقفه‪ ،‬والعرش‪ ،‬والعر يش‪ :‬ما ي ستظل‬ ‫به‪ ،‬وعرش القدم‪ :‬ما ن تأ في ظهر ها‪ ،‬وف يه ال صابع‪ ،‬وعرش البئر" طي ها بالخ شب‪ ،‬ب عد أن يطوى‬ ‫أسفلها بالحجارة قدر قامة‪ ،‬فذلك الخشب هو العرش‪ ،‬والجمع عروش‪.‬‬ ‫وعرش يعرش ويعرش عرشا‪ ،‬أي‪ :‬بنى بناء من خشب"(‪.)867‬‬ ‫ص ‪297‬‬ ‫ويظ هر م ما ذكره أ هل الل غة‪ :‬أن العرش ا سم لل سرير المرت فع العظ يم‪ ،‬الذي يجلس عل يه الملك‪،‬‬ ‫ويطلق على السهقف وعرش الرب – جهل وعل – له المعنيان فههو محهل اسهتوائه تعالى‪ ،‬وههو سهقف‬ ‫المخلوقات‪.‬‬ ‫ع ْرشُ هُ عَلَى ا ْلمَاء } (‪)868‬قال ا بن جر ير‪ " :‬يقول ‪-‬تعالى‪ :-‬وكان عر شه على الماء‬ ‫قوله‪َ { :‬وكَا نَ َ‬ ‫قبل أن يخلق السموات والرض‪ ،‬وما فيهن"‪.‬‬ ‫ثم روى عن مجاهد‪ :‬وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق شيئا‪.‬‬ ‫ع ْرشُ هُ عَلَى ا ْلمَاء } ينبئ كم رب كم – تبارك وتعالى‪ -‬ك يف كان‬ ‫وروى ب سنده عن قتادة‪َ { :‬وكَا نَ َ‬ ‫بدء خلقه‪ ،‬قبل أن يخلق السموات والرض‪.‬‬ ‫‪ )(861‬الية ‪ 7‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪ )(862‬الية ‪ 129‬من سورة التوبة‪.‬‬ ‫‪ )(863‬الية ‪ 23‬من سورة النمل ‪.‬‬ ‫‪ )(864‬الية ‪ 259‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪" )(865‬تهذيب اللغة" (‪.)1/413‬‬ ‫‪ )(866‬المصدر نفسه (‪.)1/415‬‬ ‫‪" )(867‬الصحاح" (‪.)3/1010‬‬ ‫‪ )(868‬الية ‪ 7‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪230‬‬

‫ثم روى حد يث أ بي رز ين العقيلي‪ " :‬قلت‪ :‬يا ر سول ال‪ ،‬أ ين كان رب نا‪ ،‬ق بل أن يخلق خل قه؟‬ ‫قال‪ " :‬كان في عماء‪ ،‬ما فوقه هواء‪ ،‬وما تحته هواء‪ ،‬ثم خلق عرشه على الماء"‪.‬‬ ‫وفي رواية‪ " :‬قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والرض؟" الخ(‪.)869‬‬ ‫ثم روى عن ا بن عباس‪ ،‬أ نه سئل‪ " :‬وكان عر شه على الماء‪ ،‬على أي ش يء كان الماء؟ قال‪:‬‬ ‫على متن الريح"(‪.)870‬‬ ‫وقال الترمذي‪ " :‬حدثنا أحمد بن منيع‪ ،‬أخبرنا يزيد بن هارون‪ ،‬أخبرنا حماد بن سلمة‪ ،‬عن يعلى‬ ‫بن عطاء‪ ،‬عن وكيع بن حدس(‪ ،)871‬عن عمه أبي رزين‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أين كان ربنا‪ ،‬قبل‬ ‫أن يخلق خلقه؟ قال‪ :‬كان في عماء‪ ،‬ما تحته هواء‪،‬‬ ‫ص ‪298‬‬ ‫ومها فوقهه هواء‪ ،‬وخلق عرشهه على الماء"‪ ،‬قال أحمهد‪ " :‬قال يزيهد‪ :‬العماء‪ ،‬أي ليهس معهه‬ ‫شيء"(‪.)872‬‬ ‫قال أبو عبيد‪ " :‬العماء في كلم العرب‪ ،‬السحاب البيض"‪ ،‬قال الصمعي وغيره‪ ،‬هو ممدود‪.‬‬ ‫وقال الحارث بن حلزة اليشكري‪:‬‬ ‫وكأن المنون تردي بنا أعهه‬

‫هصم ينجاب عنه العماء‬

‫يقول‪ :‬هو في ارتفاعه‪ ،‬قد بلغ السحاب ينشف عنه‪ ،‬يقول‪ :‬نحن في عزنا مثل العصم‪ ،‬فالمنون‬ ‫إذا أرادتنا‪ ،‬فكأنما تريد أعصم‪.‬‬ ‫و إنمها تأولنها هذا الحديهث‪ ،‬على كلم العرب المعقول عنههم‪ ،‬ول ندري كيهف كان ذلك العماء‪،‬‬ ‫وما مبلغه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫و أما العمى في البصر‪ ،‬فإنه مقصور‪ ،‬وليس هو من معنى الحديث في شيء " ا‪.‬هه (‪ ،)873‬نقل‬ ‫هذا الكلم الزهري‪ ،‬ثم قال‪" :‬قلت‪ :‬و قد بلغ ني‪ ،‬عن أ بي الهي ثم‪ -‬ولم يعزه لي إلى ث قة – أ نه قال في‬ ‫تفسير هذا الحديث‪ ،‬ولفظه‪ :‬أنه كان في عمى مقصور‪ ،‬قال‪ :‬وكل أمر ل تدركه القلوب بالعقول‪ ،‬فهو‬ ‫عمى‪ ،‬والمعنى‪ :‬أنه كان حيث ل تدركه عقول بنى آدم‪ ،‬ول يبلغ كنهه وصف‪.‬‬

‫‪ )(869‬رواه المام أحمد في "المسند" (‪ ، )12، 4/11‬والترمذي في "التفسير" من "سننه" (‪ )4/351‬وقال‪:‬‬ ‫هذا حديث حسن ‪ ،‬وابن ماجه في "السنن" (‪ )1/64‬رقم (‪ )182‬والطبري أيضاً في "التاريخ" (‪.)1/19‬‬ ‫‪" )(870‬تفسير الطبري" (‪ )249-15/245‬بتحقيق محمود شاكر ‪.‬‬ ‫‪ )(871‬قال الترمذي ‪ :‬هكذا يقول حماد بن سلمة ‪ :‬وكيع بن حدس‪.‬‬ ‫‪" )(872‬سنن الترمذي" (‪.)4/351‬‬ ‫‪" )(873‬الغريب" (‪.)9-2/8‬‬ ‫‪231‬‬

‫قلت أنها (‪ :)874‬والقول عندي‪ ،‬مها قاله أبهو عبيهد‪ ،‬أنهه العماء‪ ،‬ممدود‪ ،‬وههو السهحاب‪ ،‬ول يدري‬ ‫كيهف ذلك العماء‪ ،‬بصهفة تحصهره‪ ،‬ول نعهت يحده‪ ،‬ويقوى هذا القول قول ال – جهل وعهز ‪{ :-‬ههل‬ ‫ينظرون إل أن يأتيهم ال في ظلل من الغمام}‬

‫(‪)875‬‬

‫فالغمام معروف في كلم العرب‪.‬‬

‫إل أنا ل ندري كيف الغمام الذي يأتي ال – عز وجل – يوم القيامة في ظلل منه‪ ،‬فنحن نؤمن‬ ‫به‪ ،‬ول نكيف صفته‪ ،‬وكذلك سائر صفات ال – عز وجل‪ " -‬ا‪.‬هه(‪.)876‬‬ ‫ص ‪299‬‬ ‫فعلى ما ذكره يزيد بن هارون‪ ،‬وأقره الترمذي‪ ،‬يكون المعنى‪ :‬ليس مع ال شيء‪ ،‬فيدل على أن‬ ‫ال ‪-‬تعالى‪ -‬كان‪ ،‬ولم يكن معه شيء‪ ،‬كما سيأتي في حديث عمران‪ - ،‬إن شاء ال تعالى ‪.-‬‬ ‫وعلى قول مهن فسهر العماء بالسهحاب الرقيهق‪ ،‬ورجحهه الزهري‪ ،‬ل يدل على قول الفلسهفة‬ ‫الدهر ية‪ ،‬بقدم العالم‪ ،‬وتب نى مذهب هم الماديون اليوم‪ ،‬وذلك أن ال –تعال هى‪ -‬أخبر نا في كتا به‪ ،‬بابتداء‬ ‫الخلق‪ ،‬وإعادته كما قال –تعالى‪{ :-‬وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده} (‪ ،)877‬كما أخبر بخلق السماوات‪،‬و‬ ‫الرض وما بينهما في ستة أيام‪ ،‬في مواضع كثيرة من كتابه –تعالى‪.)878(-‬‬ ‫هبر‬ ‫هو أكه‬ ‫هو ‪-‬تعالى‪ -‬المالك للعرش‪ ،‬الذي هه‬ ‫هم} (‪)879‬أي‪ :‬هه‬ ‫هو رب العرش العظيه‬ ‫وقوله‪{ :‬وهه‬ ‫المخلوقات‪ ،‬وأعظمها‪ ،‬وهو المتصرف فيه‪ ،‬وهو عرشه الذي استوى عليه‪ ،‬فاختاره لذلك‪.‬‬ ‫فالضافة تقتضي اختصاصا للعرش من بين المخلوقات‪ ،‬فهو ‪-‬تعالى‪ -‬رب كل مخلوق‪ ،‬فإضافة‬ ‫العرش إليهه – تعالى – ووصهفه بأنهه عظيهم‪ ،‬يدل على خصهوصية للعرش‪ ،‬ليسهت لغيره مهن سهائر‬ ‫المخلوقات‪ ،‬كما يدل على أنه ‪-‬تعالى‪ -‬مالك لكل ما دون العرش بطريق الولى‪ .‬والمتصرف فيه كيف‬ ‫يشاء‪.‬‬ ‫قال ابن جرير‪ " :‬وإنما عنى بوصفه – جل ثناؤه – نفسه بأنه " رب العرش العظيم" الخبر عن‬ ‫جميع ما دونه‪ ،‬أنهم عبيده‪ ،‬وفي ملكه وسلطانه؛ لن العرش إنما يكون للملوك‪ ،‬فوصف نفسه بأنه ذو‬ ‫العرش‪ ،‬دون سائر خلقه‪ ،‬وأنه الملك العظيم‪ ،‬دون غيره‪ ،‬وأن من دونه‪ ،‬في سلطانه وملكه‪ ،‬جار عليه‬ ‫حكمه وقضاؤه"(‪.)880‬‬

‫‪ )(874‬القائل هو الزهري ‪.‬‬ ‫‪ )(875‬الية ‪ 210‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪" )(876‬تهذيب اللغة" (‪.)3/246‬‬ ‫‪ )(877‬الية ‪ 27‬من سورة الروم‪.‬‬ ‫‪ )(878‬انظر ‪ " :‬نقض تأسيس الجهمية" (‪.)1/154‬‬ ‫‪ )(879‬آخر آية سورة التوبة ‪.‬‬ ‫‪" )(880‬تفسير الطبري" (‪ )14/587‬بتحقيق محمود شاكر‪.‬‬ ‫‪232‬‬

‫وقال ابن كث ير‪ " :‬وهو رب العرش العظ يم" أي‪ :‬هو مالك كل ش يء‪ ،‬وخالقه؛ ل نه رب العرش‬ ‫العظ يم‪ ،‬الذي هو سقف المخلوقات‪ ،‬وجم يع المخلوقات‪ ،‬من ال سماوات والرض ين‪ ،‬و ما فيه ما‪ ،‬و ما‬ ‫بينهما‪ ،‬تحت العرش‪ ،‬مقهورون بقدرة ال –‬ ‫ص ‪300‬‬ ‫تعالى ‪ ،-‬وعلمه محيط بكل شيء‪ ،‬وقدره نافذ في كل شيء‪ ،‬وهو على كل شيء وكيل"(‪.)881‬‬ ‫"قال – جل وعل‪ { :-‬ذُو ا ْل َعرْ شِ ا ْل َمجِيدُ } (‪ ،)882‬وقال – جلت عظمته‪َ { :-‬و َترَى ا ْلمَل ِئكَةَ حَافّي نَ‬ ‫حمِلُ‬ ‫ن حَوْلَ هُ} (‪ ،)884‬وقال تعالى‪َ { :‬و َي ْ‬ ‫حمِلُو نَ ا ْل َعرْ شَ َومَ ْ‬ ‫ش } (‪ ،)883‬وقال تعالى‪ { :‬اّلذِي نَ َي ْ‬ ‫ل ا ْلعَرْ ِ‬ ‫ن حَوْ ِ‬ ‫مِ ْ‬ ‫عرْشَ َر ّبكَ فَ ْو َق ُهمْ يَ ْو َم ِئذٍ َثمَا ِنيَةٌ } (‪.)885‬‬ ‫َ‬ ‫وأقوال أههل التفسهير {متفقهة} على أن العرش ههو السهرير‪ ،‬وأنهه جسهم مجسهم خلقهه ال وأمهر‬ ‫ملئكته بحمله‪ ،‬وتعبدهم بتعظيمه‪ ،‬والطواف به‪ ،‬كما خلق في الرض بيتا‪ ،‬وأمر بنى آدم بالطواف به‪،‬‬ ‫واستقباله في الصلة‪.‬‬ ‫وفي اليات المتقدمة دللة على صحة ما ذهبوا إليه " ا‪.‬هه(‪.)886‬‬ ‫والخبار عن ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬وال صحابة‪ ،‬والتابع ين ل هم‪ ،‬في ذ كر العرش‬ ‫ووصفه‪ ،‬وأن ال –تعالى‪ -‬مستو عليه‪ ،‬كثيرة جدا‪ ،‬وسيأتي طرف يسير منها‪ - ،‬إن شاء ال تعالى ‪.-‬‬ ‫ففي "الصحيحين" عن جابر بن عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬لقد اهتز‬ ‫عرش الرحمن لموت سعد"(‪.)887‬‬ ‫ْشه } قال‪ :‬العرش على الماء‪ ،‬وال فوق‬ ‫اسهتَوَى عَلَى ا ْل َعر ِ‬ ‫"وقال ابهن مسهعود فهي قوله‪ { :‬ثُم ّ ْ‬ ‫العرش‪ ،‬وهو يعلم ما أنتم عليه"(‪.)888‬‬ ‫ص ‪301‬‬ ‫وقال سهليمان التيمهي‪ :‬لو سهئلت‪ :‬أيهن ال؟ لقلت‪ :‬فهي السهماء‪ ،‬فإن قال‪ :‬أيهن كان عرشهه قبهل‬ ‫السماء؟ لقلت‪ :‬على الماء‪ ،‬فإن قال‪ :‬فأين كان عرشه قبل خلق الماء؟ قلت‪ :‬ل أعلم‪.‬‬

‫‪" )(881‬تفسير ابن كثير" (‪ )180-4/179‬ط الشعب ‪.‬‬ ‫‪ )(882‬الية ‪ 15‬من سورة البروج‪.‬‬ ‫‪ )(883‬الية ‪ 75‬من سورة الزمر‪.‬‬ ‫‪ )(884‬الية ‪ 7‬من سورة غافر‪.‬‬ ‫‪ )(885‬الية ‪ 17‬من سورة الحاقة ‪.‬‬ ‫‪ " )(886‬السماء والصفات" للبيهقي (ص ‪ ، )392‬والمفروض أن يقول‪ :‬خلقه ال واستوى عليه و أمر‬ ‫ملئكته الخ‪ .‬ولكن أبي عليه المذهب ذلك ‪.‬‬ ‫‪" )(887‬البخاري مع الفتح" (‪ ، )7/123‬و"مسلم" (‪.)4/1915‬‬ ‫‪" )(888‬خلق أفعال العباد" (ص ‪.)43‬‬ ‫‪233‬‬

‫قال البخاري‪ " :‬وذلك لقوله –تعالى‪{ :-‬ول يحيطون بشيء من علمه إل بما شاء} يعني‪ :‬إل بما‬ ‫بين"(‪.)889‬‬ ‫وقال أبهو نصهر السهجزي فهي "البانهة"‪ " :‬وأئمتنها‪ ،‬كسهفيان‪ ،‬ومالك‪ ،‬والحماديهن‪ ،‬وابهن عيينهة‪،‬‬ ‫والفض يل‪ ،‬و بن المبارك‪ ،‬وأح مد بن حن بل‪ ،‬وإ سحاق‪ ،‬متفقون على أن ال – سبحانه – فوق العرش‪،‬‬ ‫وعلمه بكل مكان‪ ،‬وأنه ينزل إلى سماء الدنيا‪ ،‬وأنه يغضب‪ ،‬ويرضى‪ ،‬ويتكلم بما يشاء"(‪.)890‬‬ ‫والنصوص في ذكر العرش‪ ،‬وأن ال ‪-‬تعالى‪ -‬مستو عليه‪ ،‬كثيرة جدا‪.‬‬ ‫وآ من ال صحابة وأتباع هم بذلك‪ ،‬على ما دلت الن صوص عل يه ظاهرا‪ ،‬دون تأو يل أو تحر يف‪،‬‬ ‫وبل تشبيه ول تمثيل‪ ،‬كما سيأتي بعض ذلك‪ - ،‬إن شاء ال تعالى ‪.-‬‬ ‫سمَاء } ارتفع‪{ ،‬فسواهن} خلقهن وقال مجاهد‪{ :‬استوى}‪:‬‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫قوله‪ " :‬قال أبو العالية‪{ :‬ا ْ‬ ‫عل على العرش"‪.‬‬ ‫هذا الذي ذكره البخاري عهن أبهي العاليهة‪ ،‬ومجاههد‪ ،‬ههو الذي يقوله ويعتقده عامهة السهلف مهن‬ ‫الصحابة وأتباعهم إلى اليوم‪.‬‬ ‫وههو الحهق الذي دلت عليهه النصهوص‪ ،‬وجاءت تعهبيراتهم فهي ذلك فهي أربعهة ألفاظ‪ ،‬مها ذكره‬ ‫البخاري هنا‪ ،‬وثالثها "صعد"‪ ،‬ورابعها "استقر"‪ ،‬وسوف أذكرها مع أسانيدها إليهم‪:‬‬ ‫ص ‪302‬‬ ‫قال ابن جرير‪ " :‬حدثت‪ ،‬عن عمار بن الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبدال بن أبي جعفر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬ ‫سمَاء } يقول‪ :‬ارتفع إلى السماء"(‪.)891‬‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫الربيع بن أنس‪ُ { :‬ثمّ ا ْ‬ ‫وروى الللكائي بسهنده‪ ،‬عهن بشهر بهن عمهر‪ ،‬قال‪ :‬سهمعت غيهر واحهد مهن المفسهرين يقولون‪:‬‬ ‫ستَوَى}‪ :‬ارتفع "(‪.)892‬‬ ‫شاْ‬ ‫{ال ّرحْمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬ ‫قال ابهن عبهد البر‪ " :‬السهتواء‪ :‬السهتقرار فهي العلو‪ ،‬وبهذا خاطبنها ال – عهز وجهل‪ -‬فقال‪:‬‬ ‫ت أَنتَ َومَن ّم َعكَ عَلَى ا ْلفُ ْلكِ } (‪.)894‬‬ ‫ستَ َويْ َ‬ ‫ستَوَتْ عَلَى ا ْلجُو ِديّ } (‪ ،)893‬وقال‪َ { :‬فِإذَا ا ْ‬ ‫{ وَا ْ‬ ‫وقال الشاعر‪:‬‬ ‫فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة وقد خلق النجم اليماني فاستوى‬ ‫وهذا ل يجوز أن يتأول فيه أحد‪ :‬استولى؛ لن النجم ل يستولي‪.‬‬

‫‪ )(889‬المصدر نفسه (ص ‪.)37‬‬ ‫‪ )(890‬نقلً عن "سير أعلم النبلء" (‪.)17/650‬‬ ‫‪" )(891‬تفسير الطبري" (‪ )1/429‬بتحقيق محمود شاكر ‪.‬‬ ‫‪" )(892‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (‪.)3/397‬‬ ‫‪ )(893‬جزء من الية ‪ 44‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪ )(894‬الية ‪ 28‬من سورة المؤمنون‪.‬‬ ‫‪234‬‬

‫ل في علم الديا نة‪ ،‬والل غة – قال‪" :‬حدث ني‬ ‫و قد ذ كر الن ضر بن شم يل –وكان ث قة مأمونا‪ ،‬جلي ً‬ ‫الخل يل – وح سبك بالخل يل‪ -‬قال‪ :‬أت يت أ با ربي عة العرا بي‪ ،‬وكان من أعلم من رأ يت‪ ،‬فإذا هو على‬ ‫سطح‪ ،‬ف سلمنا‪ ،‬فرد علي نا ال سلم‪ ،‬وقال ل نا‪ :‬ا ستووا‪ ،‬فبقي نا متحير ين‪ ،‬ولم ندر ما قال؟ قال‪ :‬فقال ل نا‬ ‫ستَوَى إِلَى‬ ‫أعرابي إلى جنبه‪ ،‬إنه أمركم أن ترتفعوا‪ ،‬قال الخليل‪ :‬هو من قول ال – عز وجل ‪ُ { :-‬ثمّ ا ْ‬ ‫ي ُدخَا نٌ} (‪ ،)895‬فصعدنا إليه‪ ،‬فقال‪ :‬هل لكم في خبز فطير‪ ،‬ولبن هجير‪ ،‬وماء نمير؟ فقلنا‪:‬‬ ‫سمَاء وَهِ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫الساعة فارقناه‪ ،‬فقال‪ :‬سلما‪ ،‬فلم ندر ما قال‪ ،‬فقال العرابي‪ :‬إنه سألكم‬ ‫ص ‪303‬‬ ‫متاركهة ل خيهر فيهها‪ ،‬ول شهر‪ ،‬قال الخليهل‪ :‬ههو مهن قول ال – عهز وجهل‪{ :-‬وإذا خاطبههم‬ ‫الجاهلون قالوا سلما}‬

‫(‪)896‬‬

‫"(‪)897‬ا‪.‬هه‪.‬‬

‫ستَوَى عَلَى ا ْل َعرْشِ } قال الكلبي‪ ،‬ومقاتل‪ :‬استقر‪.‬‬ ‫قال البغوي‪ُ { :‬ث ّم ا ْ‬ ‫وقال أبو عبيدة‪ :‬صعد"‪.‬‬ ‫ثم قال‪ " :‬وأولت المعتزلة الستواء بالستيلء‪ ،‬وأما أهل السنة‪ ،‬فيقولون‪ :‬الستواء على العرش‬ ‫صفة ل ‪-‬تعالى‪ -‬بل كيف‪ ،‬يجب على العبد اليمان به‪ ،‬ويكل العلم فيه إلى ال – عز وجل – "(‪.)898‬‬ ‫وقال البخاري‪ " :‬حد ثت عن يز يد بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬من ز عم أن الرح من على العرش ا ستوى‪،‬‬ ‫على خلف ما يقر في قلوب العامة‪ ،‬فهو جهمي"(‪.)899‬‬ ‫ومراده‪ :‬أن الستواء من المور الواضحة‪ ،‬التي يفهمها عامة المسلمين إذا كانوا من أهل اللغة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫كما أن مراد البغوي في قوله‪ " :‬ويكل العلم فيه إلى ال – عز وجل – "‪ :‬علم الكيفية‪ ،‬وأما معناه‬ ‫في اللغة‪ ،‬فهو معلوم ظاهر‪ ،‬كما يأتي في كلم المام مالك‪ ،‬وشيخه ربيعة‪ ،‬وأم سلمة‪.‬‬ ‫قال ابن جرير‪ :‬الستواء في كلم العرب يأتي على وجوه‪:‬‬ ‫منها‪ :‬انتهاء شباب الرجل‪ ،‬وقوته‪ ،‬فيقال إذا صار كذلك‪ :‬قد استوى الرجل‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬استقامة ما كان فيه أود‪ ،‬من المور والسباب‪ ،‬يقال منه‪ :‬استوى لفلن أمره‪ ،‬إذا استقام‬ ‫بعد أود‪ ،‬ومنه قول الطرماح بن حكيم‪:‬‬ ‫طال على رسم مهدد أبده وعفا واستوى به بلده‬ ‫يعنى استقام به‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬القبال على الشيء‪ ،‬يقال‪ :‬استوى فلن على فلن بما يكرهه ويسؤوه بعد الحسان إليه‪.‬‬ ‫‪ )(895‬الية ‪ 11‬من سورة فصلت ‪.‬‬ ‫‪ )(896‬الية ‪ 63‬من سورة الفرقان ‪.‬‬ ‫‪" )(897‬التمهيد" (‪.)132 ،7/131‬‬ ‫‪" )(898‬تفسير البغوي" (‪.)2/237‬‬ ‫‪" )(899‬خلق أفعال العباد " (ص ‪ )127‬مجموعة عقائد السلف‪.‬‬ ‫‪235‬‬

‫ص ‪304‬‬ ‫ومنها‪ :‬الحتياز‪ ،‬والستيلء‪ ،‬كقولهم‪ :‬استوى على المملكة‪ ،‬بمعنى‪ :‬احتوى عليها‪ ،‬وحازها‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬العلو‪ ،‬والرتفاع‪ ،‬كقول القائل‪ :‬استوى فلن على سريره‪ ،‬يعني به‪ :‬علوه عليه"‪.900‬‬ ‫قلت‪ :‬قد أنكر أهل اللغة المعنى الثالث‪ ،‬والرابع‪ ،‬مما ذكره ابن جرير في الستواء المعدى بعلى‪.‬‬ ‫قال ابهن القيهم‪" :‬ولفهظ السهتواء فهي كلم العرب الذي خاطبنها ال بهه وأنزل بهه كلمهه نوعان‪،‬‬ ‫مطلق‪ ،‬ومقيد‪.‬‬ ‫فالمطلق‪ :‬مها لم يوصهل معناه بحرف‪ ،‬مثهل قوله‪{ :‬ولمها بلغ أشده واسهتوى}‪ ،‬وهذا معناه‪ :‬كمهل‬ ‫وتم‪ ،‬استوى الزرع واستوى الطعام‪.‬‬ ‫و أما القيد‪ :‬فثلثة أضرب‪:‬‬ ‫سمَاء} (‪ ،)901‬واستوى فلن إلى السطح‪ ،‬وقد ذكر –‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫أحدها‪ :‬مقيد بإلى‪ ،‬كقوله‪ُ { :‬ثمّ ا ْ‬ ‫تبارك وتعالى – هذا المعدى بإلى فهي موضعيهن مهن كتابهه‪ ،‬فهي البقرة فهي قوله ‪-‬تعالى‪ُ { :-‬ه َو اّلذِي‬ ‫سمَاء}‪ ،‬والثاني في سورة حم السجدة‪ ،‬قوله تعالى‪ُ { :‬ثمّ‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫جمِيعا ُثمّ ا ْ‬ ‫ض َ‬ ‫لرْ ِ‬ ‫خَلَقَ َلكُم مّا فِي ا َ‬ ‫ن } وهذا بمعنى العلو والرتفاع‪ ،‬بإجماع السلف‪.‬‬ ‫سمَاء وَ ِهيَ ُدخَا ٌ‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫اْ‬ ‫ظهُورِ ِه } (‪ ،)902‬وقوله‪:‬‬ ‫ستَوُوا عَلَى ُ‬ ‫الثاني‪ :‬مقيد بعلى‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪ِ { :-‬ل َت ْ‬ ‫َاسهتَوَى عَلَى سهُوقِ ِه } (‪ ،)904‬وهذا معناه – أيضا –‬ ‫َاسهتَوَتْ عَلَى ا ْلجُودِيّه } (‪ ،)903‬وقوله‪ { :‬ف ْ‬ ‫{و ْ‬ ‫العلو والرتفاع والعتدال‪ ،‬بإجماع أهل اللغة‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬المقرون بواو المع ية‪ ،‬ال تي تعدي الف عل إلى المفعول م عه‪ ،‬ن حو‪ :‬ا ستوى الماء والخش بة‪،‬‬ ‫بمعنى‪ :‬ساواها‪.‬‬ ‫ص ‪305‬‬ ‫فهذه معاني الستواء المعقولة في كلمهم‪ ،‬ليس فيها "استولى" البتة‪ ،‬ول نقله أحد من أئمة اللغة‪،‬‬ ‫الذين يعتمد قولهم‪ ،‬وإنما قاله متأخرو النحاة‪ ،‬ممن سلك طريق المعتزلة‪ ،‬والجهمية‪.‬‬ ‫والذين قالوه‪ ،‬لم يقولوه نقلً‪ ،‬فإن ذلك مجاهرة بالكذب‪ ،‬ولكن قالوه استنباطا وحملً منهم للفظة "‬ ‫استوى" على "استولى" ولذلك لما سمع أهل اللغة ذلك أنكروه غاية النكار‪.‬‬ ‫قال ا بن العرا بي – و قد سئل هل ي صح أن يكون ا ستوى بمع نى ا ستولى؟ – فقال‪ :‬ل تعرف‬ ‫العرب ذلك – وهو من أكابر أئمة اللغة‪ "-‬ا‪.‬هه(‪.)905‬‬ ‫‪" )(900‬تفسير الطبري" (‪ )1/429‬بتحقيق محمود شاكر‪.‬‬ ‫‪ )(901‬الية ‪ 29‬من سورة البقرة ‪ ،‬و الية ‪ 11‬من سورة فصلت‪.‬‬ ‫‪ )(902‬الية ‪ 13‬من سورة الزخرف‪.‬‬ ‫‪ )(903‬الية ‪ 44‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪ )(904‬الية ‪ 29‬من سورة الفتح ‪.‬‬ ‫‪" )(905‬مختصر الصواعق" (ص ‪ )320‬ببعض التصرف‪.‬‬ ‫‪236‬‬

‫سمَاء فَ سَوّا ُهنّ }‪:‬‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫قال ا بن جر ير‪ " :‬وأولى المعا ني بقول ال – جل ثناؤه‪ { :-‬ثُمّ ا ْ‬ ‫عل عليهن‪ ،‬وارتفع‪ ،‬فدبرهن بقدرته‪ ،‬وخلقهن سبع سماوات‪ ،‬والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم‪ ،‬من‬ ‫سمَاء } الذي هو بمع نى العلو‪ ،‬والرتفاع‪،‬‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫كلم العرب‪ ،‬في تأو يل قول ال تعالى‪ { :‬ثُمّ ا ْ‬ ‫هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه – إذا تأوله بمعناه المفهوم كذلك – أن يكون إنما عل وارتفع بعد‬ ‫أن كان تحتها – إلى تأويله بالمجهول‪ ،‬المستكره‪ ،‬ثم لم ينج مما هرب منه‪.‬‬ ‫فيقال له‪ :‬زعمت أن تأويل قوله‪ " :‬استوى "‪ :‬أقبل‪ ،‬أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم‬ ‫أن ذلك ل يس بإقبال ف عل‪ ،‬ولك نه إقبال تدب ير‪ ،‬ق يل له‪ :‬فكذلك ف قل‪ :‬عل علي ها‪ ،‬علو ملك‪ ،‬و سلطان‪ ،‬ل‬ ‫علو انتقال وزوال‪ ،‬ثم لن يقول في شيء من ذلك قولً‪ ،‬إل لزم في الخر مثله"(‪.)906‬‬ ‫قوله‪ " :‬فقل‪ :‬عل عليها علو ملك وسلطان‪ ،‬ل علو انتقال وزوال" هو من جنس كلم أهل البدع‪،‬‬ ‫فل ينبغي‪ ،‬وهو خلف الظاهر من النصوص‪ ،‬بل هو من التأويل الباطل‪.‬‬ ‫قال ا بن الق يم‪ " :‬ن قل مع نى ال ستواء‪ ،‬كن قل لف ظه‪ ،‬بل أبلغ‪ ،‬فإن ال مة كل ها تعلم بالضرورة أن‬ ‫الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أخبر عن ربه بأنه استوى على عرشه‪ ،‬من يحفظ القرآن منهم‪ ،‬ومن‬ ‫ل يحفظه‪ ،‬كما قال مالك‪ ،‬وأئمة السنة‪ :‬الستواء معلوم‪ ،‬غير‬ ‫ص ‪306‬‬ ‫مجهول‪ ،‬كما أن معنى السمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والحياة‪ ،‬والرادة‪ ،‬وسائر ما أخبر به ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫عن نفسه معلوم‪ ،‬وإن كانت كيفيته غير معلومة للبشر‪ ،‬فإنهم لم يخاطبوا بالكيفية‪ ،‬ولم يرد منهم العلم‬ ‫بها‪.‬‬ ‫فإخراج ال ستواء عن حقيق ته المعلو مة‪ ،‬كإنكار لف ظه‪ ،‬بل أبلغ‪ ،‬وهذا م ما يعلم أ نه منا قض ل ما‬ ‫أخبر ال به ورسوله‪ ،‬فإن فهم معنى اللفظ هو المراد منه‪ ،‬وهو المقصود بالذات‪ ،‬ل اللفظ‪ ،‬فإن اللفظ‬ ‫مق صود ق صد الو سائل للتعر يف بالمراد‪ ،‬فإذا انت فى المع نى‪ ،‬وكا نت إراد ته محالً – ك ما زعموا – لم‬ ‫يبق لذكر اللفظ فائدة‪ ،‬بل كان تركه أنفع من التيان به‪ ،‬فإن التيان به يحصل منه إيهام التشبيه‪ ،‬ويوقع‬ ‫المة في اعتقاد الباطل – على حد زعمهم – ول ريب أن هذا إذا نسب إلى آحاد الناس كان ذمة أولى‬ ‫من مدحه‪ ،‬فيكف يجوز أن ينسب إلى من في كلمه الهدى‪ ،‬والشفاء؟ ومن المتفق عليه أنه ل يجوز أن‬ ‫يتكلم ال ورسوله بالشيء ويريد خلف ظاهره"(‪.)907‬‬ ‫وقال – أيضا‪ " :-‬وظا هر ال ستواء‪ :‬العلو‪ ،‬والرتفاع‪ ،‬ك ما نص عل يه جم يع أ هل الل غة‪ ،‬وأ هل‬ ‫التفسهير المقبول‪ ،‬فل يحتمهل اسهتواء الرب – تبارك وتعالى – على عرشهه المعدى بعلى‪ ،‬المعلق‬

‫‪" )(906‬تفسير الطبري" (‪ )1/430‬بتحقيق محمود شاكر ‪.‬‬ ‫‪" )(907‬مختصر الصواعق" (ص ‪.)332-331‬‬ ‫‪237‬‬

‫بالعرش‪ ،‬المعرف باللف واللم‪ ،‬المعطوف على خلق السهماوات والرض بثهم مطردا فهي " موارده"‬ ‫بهذا السلوب‪ ،‬ل يحتمل إل معنى واحدا‪ ،‬ل معنيين‪ ،‬ول كما يقول صاحب "العواصم والقواصم"(‪:)908‬‬ ‫ستَوَى} (‪ ،)909‬ف قل‪ " :‬ا ستوى على العرش" ي ستعمل‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫إذا قال لك المج سم‪{ :‬ال ّر ْ‬ ‫على خمسة عشر وجها‪ ،‬فأيها تريد؟‬ ‫فيقال له‪ :‬كل والذي ا ستوى على العرش‪ ،‬ل يحت مل هذا الل فظ معني ين ألب تة‪ ،‬والمد عي للحتمال‬ ‫عليه الدليل‪ ،‬والصل عدم الشتراك والمجاز‪ ،‬ولم تذكر على دعواك دليلً‪ ،‬ولم تبين الوجوه المحتملة‪،‬‬ ‫مع ذكر الدليل عليه‪.‬‬ ‫والمقصود‪ :‬أن استواء الرب ‪-‬تعالى‪ -‬على عرشه‪ ،‬المختص به‪ ،‬الموصول بأداة "على" نص في‬ ‫معناه‪ ،‬ل يحتمل سواه" ا‪.‬هه(‪.)910‬‬ ‫ص ‪307‬‬ ‫وقال الحا فظ‪ " :‬ن قل أ بو إ سماعيل الهروي‪ ،‬في كتا به‪ :‬الفاروق‪ ،‬ب سنده إلى داود ا بن علي بن‬ ‫حمَ نُ‬ ‫خلف‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند أبي عبدال بن العرابي – يعني يحيى بن زياد اللغوي‪ -‬فقال له رجل‪{ :‬ال ّر ْ‬ ‫ستَوَى} (‪ ،)911‬فقال‪ :‬هو على العرش‪ ،‬كما أخبر‪ ،‬قال‪ :‬يا أبا عبد ال إنما معناه‪ :‬استولى‪،‬‬ ‫عَلَى ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫فقال‪ :‬اسكت‪ ،‬ل يقال‪ :‬استولى على شيء‪ ،‬إل أن يكون له مضاد‪.‬‬ ‫ومن طريق محمد بن أحمد بن النضر الزدي‪ ،‬سمعت ابن العرابي يقول‪ :‬أرادني أحمد بن أبي‬ ‫ستَوَى}‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْلعَرْ شِ ا ْ‬ ‫دؤاد‪ ،‬أن أ جد له في ل غة العرب {ال ّر ْ‬

‫(‪)912‬‬

‫بمع نى ا ستولى‪ ،‬فقلت‪ :‬وال ما‬

‫أصبت هذا‪.‬‬ ‫وقال غيره‪ :‬لو كان بمعنهى اسهتولى‪ ،‬لم يختهص بالعرش؛ لنهه غالب على جميهع المخلوقات"‬ ‫ا‪.‬هه(‪.)913‬‬ ‫حمَنُ عَلَى‬ ‫وروى الللكائي بسنده من طريق الحسن‪ ،‬عن أمه‪ ،‬عن أم سلمة‪ ،‬في قوله تعالى‪{ :‬ال ّر ْ‬ ‫ستَوَى} (‪ ،)914‬قالت‪ :‬الكيف غير معقول‪ ،‬والستواء غير مجهول‪ ،‬والقرار به إيمان‪ ،‬والجحود‬ ‫ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫به كفر‪.‬‬ ‫ستَوَى} ك يف‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫وروى عن مالك‪ ،‬جاء إل يه ر جل‪ ،‬فقال‪ :‬يا أ با ع بد ال‪{ ،‬ال ّر ْ‬ ‫ا ستوى؟ قال‪ :‬ف ما رأ يت مالكا و جد من ش يء‪ ،‬كموجد ته من مقال ته‪ ،‬وعله الرح ضا‪ -‬يع نى العرق‪-‬‬ ‫‪ )(908‬هو ابن العربي المالكي ‪.‬‬ ‫‪ )(909‬الية ‪ 5‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪" )(910‬مختصر الصواعق" ملخصاً (ص ‪.)334-332‬‬ ‫‪ )(911‬الية ‪ 5‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ )(912‬ورواه الللكائي في "شرح أصول السنة" (‪.)2/399‬‬ ‫‪" )(913‬الفتح" (‪ ، )13/406‬وذكر آثارًا كثيرة بهذا المعنى فليراجع‪.‬‬ ‫‪" )(914‬شرح أصول السنة" الللكائي (‪.)2/398‬‬ ‫‪238‬‬

‫قال‪ :‬وأطرق القوم‪ ،‬وجعلوا ينظرون مها يأتهي منهه فيهه‪ ،‬فسهري عهن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬الكيهف غيهر معقول‪،‬‬ ‫وال ستواء م نه غ ير مجهول‪ ،‬واليمان به وا جب‪ ،‬وال سؤال ع نه بد عة‪ ،‬فإ ني أخاف أن تكون ضالً‪،‬‬ ‫وأمر به فأخرج‪.‬‬ ‫ص ‪308‬‬ ‫ستَوَى} (‪)915‬كيف‬ ‫حمَنُ عَلَى ا ْل َعرْشِ ا ْ‬ ‫وذكر بسنده عن ابن عيينة‪ ،‬قال‪ :‬سئل ربيعة‪ ،‬عن قوله‪{ :‬ال ّر ْ‬ ‫ا ستوى؟ قال‪ :‬ال ستواء غ ير مجهول‪ ،‬والك يف غ ير معقول‪ ،‬و من ال الر سالة‪ ،‬وعلى الر سول البلغ‪،‬‬ ‫وعلينا التصديق"‪.‬‬ ‫وذكر البيهقي بسنده‪ ،‬عن الوزاعي‪ ،‬قال‪ " :‬كنا والتابعون متوافرون‪ ،‬نقول‪ :‬إن ال فوق عرشه‪،‬‬ ‫ونؤمن بما وردت به السنة‪ ،‬من صفاته"(‪.)916‬‬ ‫قال الحافظ‪ :‬سنده جيد(‪.)917‬‬ ‫حمَ نُ‬ ‫وقال‪ " :‬وأخرج الثعلبي‪ ،‬من وجه آخر‪ ،‬عن الوزاعي‪ ،‬أنه سئل عن قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬ال ّر ْ‬ ‫ستَوَى} (‪ .)918‬فقال‪ :‬هو كما وصف نفسه"(‪.)919‬‬ ‫عَلَى ا ْل َعرْشِ ا ْ‬ ‫"قال أبو الثرم‪ ،‬في كتاب "السنة"‪ :‬حدثنا إبراهيم بن الحارث – يعني العبادي‪ -‬حدثني الليث بن‬ ‫يحيى‪ ،‬سمعت إبراهيم بن الشعث‪ ،‬قال أبو بكر – هو صاحب الفضيل – سمعت الفضيل بن عياض‪،‬‬ ‫حدٌ {‬ ‫يقول‪ :‬ل يس ل نا أن نتو هم في ال ك يف وك يف؛ لن ال و صف نف سه فأبلغ‪ ،‬فقال‪ { :‬قُلْ ُه َو اللّ ُه َأ َ‬ ‫ح ٌد } (‪)920‬فل صفة أبلغ مما وصف ال – عز‬ ‫صمَدُ {‪ }2‬لَ مْ يَِلدْ وَلَ مْ يُوَلدْ {‪ }3‬وَلَ مْ َيكُن لّ هُ كُ ُفوًا َأ َ‬ ‫‪}1‬اللّ ُه ال ّ‬ ‫وجهل – نفسهه‪ ،‬وكهل هذا النزول‪ ،‬والضحهك‪ ،‬وهذه المباهاة‪ ،‬وهذا الطلع‪ ،‬كمها شاء أن ينزل‪ ،‬وكمها‬ ‫شاء أن يباهي‪ ،‬وكما شاء أن يطلع‪ ،‬وكما شاء أن يضحك‪ ،‬فليس لنا أن نتوهم فيه كيف‪ ،‬وكيف‪ ،‬وإذا‬ ‫قال لك الجهمي‪ :‬أنا أكفر برب يزول عن مكانه‪ ،‬فقل أنت‪ :‬أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء‪.‬‬ ‫وقال الخلل‪ :‬وأنبأ نا مح مد بن علي الوراق‪ :‬حدث نا أ بو ب كر الثرم‪ ،‬حدث ني مح مد بن إبراه يم‬ ‫القيسي‪ ،‬قال‪ :‬قلت لحمد بن حنبل‪ :‬يحكى عن ابن المبارك‪ ،‬قيل‬ ‫ص ‪309‬‬ ‫له‪ :‬كيف نعرف ربنا؟ قال‪ :‬في السماء السابعة على عرشه بحد‪ ،‬فقال أحمد‪ :‬هكذا هو عندنا‪.‬‬ ‫وأخبرني حرب بن إ سماعيل‪ ،‬قال‪ :‬قلت لسحاق – يعني ابن إبراهيم – هو على العرش بحد؟‬ ‫قال‪ :‬نعم بحد‪.‬‬ ‫‪" )(915‬شرح أصول السنة" (‪.)2/398‬‬ ‫‪ " )(916‬السماء والصفات " (ص ‪.)408‬‬ ‫‪" )(917‬الفتح" (‪.)13/406‬‬ ‫‪ )(918‬الية ‪ 5‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪" )(919‬الفتح " (‪.)13/406‬‬ ‫‪ )(920‬سورة الخلص كاملة‪.‬‬ ‫‪239‬‬

‫وذكر عن ابن المبارك‪ ،‬قال‪ :‬هو على عرشه‪ ،‬بائن من خلقه‪ ،‬بحد‪.‬‬ ‫وأخبر نا المروزي‪ ،‬ق ههال‪ :‬قال إ سحاق بن إبراه يم بن راهو يه‪ :‬قال ال ‪-‬تعالى‪{ :-‬ال ّرحْمَ نُ‬ ‫اسهتَوَى} (‪ ،)921‬إجماع أههل العلم أنهه فوق العرش اسهتوى‪ ،‬ويعلم كهل شيهء‪ ،‬فهي أسهفل‬ ‫ْشه ْ‬ ‫عَلَى ا ْل َعر ِ‬ ‫الرض السابعة‪ ،‬وفي قعور البحار‪ ،‬ورؤوس الكام‪ ،‬وبطون الودية‪ ،‬وفي كل موضع‪ ،‬كما يعلم علم‬ ‫ما فوق السماوات السبع‪ ،‬وما فوق العرش‪ ،‬أحاط بكل شيء علما‪ ،‬فل تسقط من ورقة إل يعلمها‪ ،‬ول‬ ‫حبة في ظلمات البر والبحر‪ ،‬ول رطب ول يابس‪ ،‬إل قد عرف ذلك كله وأحصاه‪ ،‬فل تعجزه معرفة‬ ‫شيء عن معرفة غيره"(‪.)922‬‬ ‫ومعنهى قولههم‪" :‬بحهد" أنهه ‪-‬تعالى‪ -‬بائن مهن خلقهه‪ ،‬غيهر حال فيههم‪ ،‬ول مخالط لههم – تعالى‬ ‫وتقدس – و قد قيدوا ال حد‪ ،‬بأ نه ل يعل مه إل هو ‪-‬تعالى‪ -‬و هو قر يب من قول المام مالك وغيره‪" :‬‬ ‫الستواء معلوم‪ ،‬والكيف مجهول"‪ ،‬فبين أن كيفية استوائه ‪-‬تعالى‪ -‬على العرش مجهولة للعباد‪ ،‬ولكنه‬ ‫لم ينف ثبوت ذلك في نفس المر‪ ،‬فكذلك قولهم‪ :‬له حد ل يعلمه إل هو‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫قال المام عثمان بن سعيد الدار مي – رح مه ال تعالى – في رده على ب شر المري سي‪ " :‬وال‬ ‫تعالى‪ -‬له حد‪ ،‬ل يعل مه غيره‪ ،‬ول يجوز أن يتو هم لحده غا ية في نف سه‪ ،‬ول كن نؤ من بال حد‪ ،‬ون كل‬‫علم ذلك إلى ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬ولمكانه حد‪ ،‬وهو على عرشه‪ ،‬فوق سماواته‪ ،‬فهذان حدان"(‪.)923‬‬ ‫وقال عبد العزيز بن يحيى المكي الكناني‪ ،‬صاحب " الحيدة في الرد على الزنادقة والجهمية"‪" :‬‬ ‫ستَوَى}‬ ‫حمَنُ عَلَى ا ْل َعرْشِ ا ْ‬ ‫زعمت الجهمية في قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬ال ّر ْ‬

‫(‪)924‬‬

‫أنما‬

‫ص ‪310‬‬ ‫المعنى‪ :‬استوى‪ ،‬كقول العرب‪ :‬استوى فلن على مصر‪ ،‬استوى فلن على الشام‪ ،‬يريد‪ :‬استولى‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫فيقال له‪ :‬هل يكون خلق من خلق ال أتت عليه مدة ليس ال بمستول عليه؟ فإذا قال‪ :‬ل‪.‬‬ ‫قيل له‪ :‬فمن زعم ذلك؟ فمن قوله‪ :‬من زعم ذلك‪ ،‬فهو كافر‪.‬‬ ‫يقال له‪ :‬يلز مك أن تقول‪ :‬إن العرش قد أ تت عل يه مدة ل يس ال بم ستول عل يه‪ ،‬وذلك أن ال –‬ ‫تبارك وتعالى – أخهبر أنهه خلق العرش قبهل خلق السهماوات والرض‪ ،‬ثهم اسهتوى عليهه بعهد خلق‬ ‫السماوات والرض‪.‬‬ ‫ع ْرشُهُ عَلَى ا ْلمَاء } (‪،)925‬‬ ‫ستّ ِة َأيّامٍ َوكَانَ َ‬ ‫ض فِي ِ‬ ‫لرْ َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫قال ‪-‬تعالى‪ { :-‬وَ ُهوَ اّلذِي خَلَق ال ّ‬ ‫السهمَاوَاتِ‬ ‫َقه ّ‬ ‫فأخهبر أن العرش كان على الماء قبهل خلق السهماوات والرض‪ ،‬وقال ‪-‬تعالى‪ { :-‬خَل َ‬ ‫‪ )(921‬الية ‪ 5‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪)(922‬درء تعارض العقل والنقل" (‪.)35-34 ،2/24‬‬ ‫‪ )(923‬رد عثمان بن سعيد على بشر المريسي (ص ‪ " )382‬مجموع عقائد السلف "‬ ‫‪ )(924‬الية ‪ 5‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪ )(925‬الية ‪ 7‬من سورة هود ‪.‬‬ ‫‪240‬‬

‫سمَاء فَسَوّا ُهنّ‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫ستَوَى عَلَى ا ْل َعرْشِ } (‪ ،)926‬وقال‪ُ { :‬ثمّ ا ْ‬ ‫ستّةِ َأيّامٍ ُثمّ ا ْ‬ ‫لرْضَ َومَا َب ْي َن ُهمَا فِي ِ‬ ‫وَا َ‬ ‫} (‪.)927‬‬ ‫فأ خبر أ نه ا ستوى على العرش‪ ،‬فيلز مك أن تقول‪ :‬المدة ال تي كان على العرش في ها‪ ،‬ق بل خلق‬ ‫السماوات‪ ،‬والرض‪ ،‬ليس ال بمستول عليه‪ ،‬إذ كان‪ :‬استوى على العرش‪ ،‬معناه عندك‪ :‬استولى‪.‬‬ ‫فإنما ا ستولى بزعمك في ذلك الوقت ل قبله " ثم ذكر حديث عمران ال تي وحد يث أبي رز ين‬ ‫المتقدم‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫" فقال الجهمي‪ :‬أخبرني كيف استوى على العرش؟ أهو كما يقال‪ :‬استوى فلن على السرير‪،‬‬ ‫فيكون السرير قد حوى فلنا وحده إذا كان عليه؛ لنا ل نعقل الشيء على الشيء إل هكذا؟‬ ‫فيقال له‪ :‬أ ما قولك‪ :‬ك يف ا ستوى؟ فإن ال ل يجري عل يه ك يف‪ ،‬و قد أخبر نا أ نه ا ستوى على‬ ‫العرش‪ ،‬ولم يخبرنها كيهف اسهتوى‪ ،‬فوجهب على المؤمنيهن أن يصهدقوا ربههم‪ ،‬باسهتوائه على العرش‪،‬‬ ‫وحرم عليهم أن يصفوا كيف استوى؛ لنه لم يخبرهم‬ ‫ص ‪311‬‬ ‫كيف ذلك‪ ،‬ولم تره العيون في الدنيا فتصفه بما رأت‪ ،‬وحرم عليهم أن يقولوا عليه من حيث ل‬ ‫يعلمون‪.‬‬ ‫فآمنوا بخبره عن الستواء‪ ،‬ثم ردوا علم "كيف استوى" إلى ال‪.‬‬ ‫ولكهن يلزمهك – أيهها الجهمهي‪ -‬أن تقول‪ :‬إن ال محدود‪ ،‬وقهد حوتهه الماكهن‪ ،‬إذا زعمهت فهي‬ ‫دعواك‪ ،‬أ نه في الما كن‪ ،‬ل نه ل يع قل ش يء في مكان‪ ،‬إل والمكان قد حواه‪ ،‬ك ما تقول العرب‪ :‬فلن‬ ‫في البيت‪ ،‬والماء في الجب‪ ،‬فالبيت قد حوى فلنا‪ ،‬والجب قد حوى الماء‪.‬‬ ‫ويلزمك اشنع من ذلك؛ لنك قلت أفظع مما قالت به النصارى‪ ،‬وذلك أنهم قالوا‪ :‬إن ال – عز‬ ‫و جل – في عي سى‪ ،‬وعي سى بدن إن سان وا حد‪ ،‬وكفروا بذلك‪ ،‬وأن تم تقولون‪ :‬إ نه في كل مكان‪ ،‬و في‬ ‫بطون النساء كلهن‪ ،‬و{في} بدن عيسى‪ ،‬وأبدان الناس كلهم‪.‬‬ ‫ويلزمك أيضا أن تقول‪ :‬إنه في أجواف الكلب‪ ،‬والخنازير‪ ،‬لنها أماكن‪ ،‬وعندك أن ال في كل‬ ‫مكان‪ ،‬تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا"(‪.)928‬‬ ‫وقال أبو الحسن الشعري في "البانة"‪ " :‬إن قال قائل‪ :‬ما تقولون في الستواء؟ قيل‪ :‬نقول‪ :‬إن‬ ‫ستَوَى} (‪ ،)929‬وقال –تعالى‪:-‬‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫ال – عز و جل – م ستو على عر شه‪ ،‬ك ما قال‪{ :‬ال ّر ْ‬ ‫سمَاء } (‪ ،)930‬فالسموات فوقها العرش‪ ،‬فلما كان العرش فوق السموات قال‪ { :‬أََأمِنتُم‬ ‫{ أََأمِنتُم مّن فِي ال ّ‬ ‫‪ )(926‬الية ‪ 4‬من سورة السجدة ‪.‬‬ ‫‪ )(927‬الية ‪ 29‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪" )(928‬درء تعارض العقل والنقل" (‪.)118-6/115‬‬ ‫‪ )(929‬الية ‪ 5‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪ )(930‬الية ‪ 16‬من سورة الملك ‪.‬‬ ‫‪241‬‬

‫سمَاء} لنه مستو على العرش‪ ،‬الذي فوق السماوات‪ ،‬وكل ما عل فهو سماء‪ ،‬فالعرش أعلى‬ ‫مّن فِي ال ّ‬ ‫سمَاء } يعني جميع السموات‪ ،‬وإنما أراد العرش‪ ،‬الذي هو‬ ‫السماوات‪ ،‬وليس ذا قال‪ { :‬أََأمِنتُم مّن فِي ال ّ‬ ‫جعَلَ ا ْل َقمَ َر فِيهِنّ نُورًا } (‪،)931‬‬ ‫أعلى ال سموات‪ ،‬أل ترى أن ال – عز و جل‪ -‬ذ كر ال سموات فقال‪َ { :‬و َ‬ ‫ولم يرد أن القمر يملهن جميعا‪ ،‬وأنه فيهن جميعا‪.‬‬ ‫ص ‪312‬‬ ‫ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا‪ ،‬نحو السماء‪ ،‬لن ال – عز وجل‪ -‬مستو على‬ ‫العرش‪ ،‬الذي هو فوق السماوات‪ ،‬كما ل يحطونها إذا دعوا إلى الرض‪.‬‬ ‫ولو كان كما تقوله المعتزلة‪ ،‬والجهمية‪ ،‬أن معناه‪ :‬استولى‪ ،‬وملك‪ ،‬وقهر‪ ،‬لم يكن هناك فرق بين‬ ‫العرش‪ ،‬والرض السههابعة‪ ،‬ولكان مسههتويا على العرش‪ ،‬وعلى الرض‪ ،‬وعلى السههماء‪ ،‬وعلى‬ ‫الحشوش‪ ،‬والقذار"(‪ ،)932‬تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬ ‫وقال الباقل ني – و هو من أئ مة الشاعرة ‪ " :-‬فإن قال قائل‪ :‬أتقولون‪ :‬إ نه في كل مكان؟ ق يل‪:‬‬ ‫ستَوَى} (‪،)933‬‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫معاذ ال‪ ،‬بل هو مستو على عرشه‪ ،‬كما أخبرنا في كتابه‪ ،‬فقال‪{ :‬الرّ ْ‬ ‫سفَ‬ ‫سمَاء أَن َيخْ ِ‬ ‫ح َيرْ َفعُ ُه } (‪ ،)934‬وقال‪ { :‬أََأمِنتُم مّن فِي ال ّ‬ ‫ل الصّالِ ُ‬ ‫صعَدُ ا ْلكَلِ ُم الطّيّبُ وَا ْل َعمَ ُ‬ ‫وقال‪ { :‬إَِليْ ِه يَ ْ‬ ‫لرْضَ } (‪.)935‬‬ ‫ِب ُكمُ ا َ‬ ‫ولو كان في كل مكان‪ ،‬لكان في ب طن الن سان‪ ،‬وف مه‪ ،‬و في الحشوش‪ ،‬والموا ضع ال تي نر غب‬ ‫عن ذكرها‪ ،‬ولوجب أن يزيد بزيادة المكنة إذا خلق منها ما لم يكن خلقه‪ ،‬وينقص بنقصانها إذا بطل‬ ‫من ها ما كان‪ ،‬ول صح أن ير غب إل يه إلى ن حو الرض‪ ،‬وإلى خلف نا‪ ،‬وإلى يمين نا‪ ،‬وشمائل نا‪ ،‬وهذا قد‬ ‫أجمع المسلمون على خلفه‪ ،‬وتخطئة قائله"(‪.)936‬‬ ‫وقال شيخ السلم‪ " :‬وإذا كان المسلمون يكفرون من يقول‪ :‬إن السموات تقله‪ ،‬أو تظله‪ ،‬لما في‬ ‫ذلك من احتياجه إلى مخلوقاته‪ ،‬فمن قال‪ :‬إنه في استوائه على العرش محتاج إليه‪ ،‬كاحتياج المحمول‪،‬‬ ‫إلى حامله‪ ،‬فإنه كافر؛ لن ال غني عن العالمين – حي‪ ،‬قيوم – الغنى المطلق‪ ،‬وما سواه فقير إليه‪.‬‬ ‫ص ‪313‬‬ ‫مع أن أصل الستواء على العرش‪ ،‬ثابت بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واتفاق سلف المة‪ ،‬وأئمة السنة‪ ،‬بل‬ ‫ثابت في كل كتاب‪ ،‬أنزل على كل نبي أرسل"‬

‫(‪)937‬‬

‫‪ )(931‬الية ‪ 16‬من سورة نوح‪.‬‬ ‫‪" )(932‬البانة" (ص ‪ )87-85‬ملخصاً ‪.‬‬ ‫‪ )(933‬الية ‪ 5‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪ )(934‬الية ‪ 10‬من سورة فاطر ‪.‬‬ ‫‪ )(935‬الية ‪ 16‬من سورة الملك ‪.‬‬ ‫‪" )(936‬التمهيد" (ص ‪.)260‬‬ ‫‪" )(937‬مجموع الفتاوى " (‪.)2/188‬‬ ‫‪242‬‬

‫حمَ نُ عَلَى‬ ‫وذكر عن أبي عمرو الطلمنكي‪ :‬أنه قهال‪ " :‬قال أهل السنة‪ ،‬في قوله ‪-‬تعالى‪ {:-‬ال ّر ْ‬ ‫ستَوَى} (‪ :)938‬أن الستواء من ال على عرشه المجيد‪ ،‬على الحقيقة‪ ،‬ل على المجاز "(‪.)939‬‬ ‫ا ْل َعرْشِ ا ْ‬ ‫وقال ا بن ع بد البر في شرح حد يث النزول‪ " :‬وف يه دل يل على أن ال في ال سماء‪ ،‬على العرش‬ ‫من فوق سبع سماوات‪ ،‬كما قالت الجماعة‪ ،‬وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم‪ :‬إن ال في كل‬ ‫مكان‪ ،‬وليس على العرش‪.‬‬ ‫ستَوَى}‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫و من الدل يل على صحة ما قاله أ هل ال حق‪ ،‬قول ال ‪-‬تعالى‪{ :-‬ال ّر ْ‬ ‫(‪.")940‬‬ ‫قال شيخ السلم‪ " :‬وفي الفقه الكبر‪ ،‬المروي عن المام أبي حنيفة ‪ -‬رحمه ال – قال‪ " :‬من‬ ‫َنه عَلَى‬ ‫حم ُ‬ ‫قال‪ :‬ل أعرف ربهي فهي السهماء‪ ،‬أم فهي الرض‪ ،‬فقهد كفهر؛ لن ال –تعالى‪ -‬يقول‪{ :‬الرّ ْ‬ ‫ستَوَى} وعرشه فوق سبع سماواته‪.‬‬ ‫ا ْل َعرْشِ ا ْ‬ ‫قلت‪ :‬فإن قال‪ :‬أنهه على العرش اسهتوى‪ ،‬ولكنهه يقول‪ :‬ل أدري‪ ،‬العرش فهي السهماء‪ ،‬أم فهي‬ ‫الرض؟ قال‪ :‬هو كافر؛ لنه أنكر أن يكون في السماء؛ لنه –تعالى‪ -‬في أعلى عليين‪ ،‬وأنه يدعى من‬ ‫أعلى‪ ،‬ل من أسفل‪.‬‬ ‫و في ل فظ‪ :‬سألت أ با حني فة‪ :‬ع من يقول‪ :‬ل أعرف ر بي‪ ،‬في ال سماء‪ ،‬أم في الرض؟ قال‪ :‬قد‬ ‫ستَوَى} (‪)941‬وعرشه فوق سبع سماوات‪.‬‬ ‫حمَنُ عَلَى ا ْل َعرْشِ ا ْ‬ ‫كفر؛ لن ال –تعالى‪ -‬يقول‪{ :‬ال ّر ْ‬ ‫قال‪ :‬فإ نه يقول‪ :‬على العرش ا ستوى‪ ،‬ول كن ل يدري العرش في الرض‪ ،‬أو في ال سماء؟ قال‪:‬‬ ‫إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر"‪.‬‬ ‫ص ‪314‬‬ ‫ثم قال‪ " :‬ففي هذا الكلم المشهور عن أبي حنيفة‪ ،‬عند أصحابه؛ أنه كفر الواقف الذي يقول‪ :‬ل‬ ‫أعرف ربي‪ ،‬في السماء‪ ،‬أم في الرض‪.‬‬ ‫فكيف يكون الجاحد النافي الذي يقول‪ :‬ليس في السماء‪ ،‬أو ليس في السماء ول في الرض؟‬ ‫ستَوَى}‪ ،‬قال‪ :‬وعرشه فوق سبع سموات‪،‬‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫واحتج على كفره بقوله تعالى‪{ :‬الرّ ْ‬ ‫ستَوَى} يبين أن ال فوق السماوات‪ ،‬فوق العرش‪،‬‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫وبين بهذا أن قوله –تعالى‪{ :-‬ال ّر ْ‬ ‫وأن الستواء على العرش دل على أن ال بنفسه فوق العرش‪.‬‬ ‫ثم إ نه أردف ذلك بتكف ير من قال‪ :‬إ نه على العرش ا ستوى‪ ،‬ول كن تو قف في كون العرش في‬ ‫السماء‪ ،‬أم في الرض؛ قال‪ :‬لنه أنكر أنه في السماء‪ ،‬لن ال في أعلى عليين‪ ،‬وأنه يدعى من أعلى‪،‬‬ ‫ل من أسفل‪.‬‬ ‫‪ )(938‬الية ‪ 5‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪" )(939‬مجموع الفتاوى " (‪.)3/261‬‬ ‫‪" )(940‬التمهيد " (‪.)7/129‬‬ ‫‪ )(941‬الية ‪ 5‬من سورة طه ‪.‬‬ ‫‪243‬‬

‫وهذا تصريح من أبي حنيفة – رحمه ال – بتكفير من أنكر أن يكون ال في السماء‪.‬‬ ‫واح تج على ذلك بأن ال في أعلى علي ين‪ ،‬وأ نه يد عى من أعلى‪ ،‬ل من أ سفل‪ ،‬و كل من هات ين‬ ‫الحجتين فطرية عقلية‪ ،‬فإن القلوب مفطورة على القرار بأن ال في العلو‪ ،‬وعلى أنه يدعى من أعلى‪،‬‬ ‫ل من أسفل‪.‬‬ ‫وقد جاء اللفظ الخر صريحا عنه بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر"‬

‫(‪)942‬‬

‫وكلم العلماء من أ هل السهنة مهن السهلف وأتباعههم فهي هذا الموضوع كثيرة جدا‪ ،‬فنكتفهي بهذا‬ ‫الطرف اليسير؛ لن العاقل المنصف‪ ،‬الذي يريد الحق‪ ،‬ويطلبه إذا بان له الدليل‪ ،‬كفاه اليسير‪ ،‬وأما من‬ ‫ضل وعاند فل يفيده البيان والكثار من الكلم‪ ،‬وال الهادي‪ ،‬وهو المستعان‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬وقال ا بن عباس‪ :‬المج يد‪ :‬الكر يم‪ ،‬والودود‪ :‬ال حبيب‪ .‬يقال‪ :‬حم يد مج يد‪ ،‬كأ نه فع يل من‬ ‫ماجد‪ ،‬محمود من حمد "‪.‬‬ ‫ص ‪315‬‬ ‫قول ا بن عباس انت هى عند قوله‪ :‬يقال‪ .‬قال الحا فظ‪ " :‬وصله ا بن أ بي حا تم من طر يق علي بن‬ ‫ستَوَى}‪ ،‬قال‪ :‬المج يد الكر يم‪،‬‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫أ بي طل حة‪ ،‬عن ا بن عباس‪ ،‬في قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬ال ّر ْ‬ ‫وبه – أي بالسند – عن ابن عباس في قوله تعالى‪ { :‬وَهُ َو ا ْلغَفُو ُر الْ َودُودُ }‪ .‬قال‪ :‬الودود‪ :‬الحبيب"(‪.)943‬‬ ‫وذكر السيوطي أنه خرجه ابن جرير‪ ،‬وقال المنذر‪ ،‬والبيهقي في "الصفات" في الموضعين"(‪.)944‬‬ ‫قلت‪ :‬يقصهد البخاري – رحمهه ال – أن العرش أضيهف إلى ال ‪-‬تعالى‪ -‬الضافهة الدالة على‬ ‫ه ا ْل َمجِيدُ } أي‪ :‬صهاحب العرش‪ ،‬فدل ذلك على‬ ‫المصهاحبة‪ ،‬والختصهاص‪ ،‬حيهث قال‪ { :‬ذُو ا ْل َعرْش ِ‬ ‫اختصاص العرش المذكور بال ‪-‬تعالى‪ -‬دون سائر المخلوقات‪ ،‬والمجيد قرئ بالرفع صفة لذو‪ ،‬الذي‬ ‫هو ال ‪-‬تعالى‪ -‬وقرئ بالجر صفة للعرش‪.‬‬ ‫قال ابن جر ير‪ " :‬قرأ عا مة قراء المدي نة وم كة‪ ،‬وب عض الكوفي ين‪ ،‬بالر فع‪ ،‬ردا على قوله‪ { :‬ذُو‬ ‫ا ْل َعرْ شِ }‪ ،‬على أنه صفة ال – تعالى ذكره – وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة خفضا‪ ،‬على أنه من صفة‬ ‫العرش‪.‬‬ ‫والصواب من القول‪ :‬أنهما قراءتان‪ ،‬معروفتان‪ ،‬فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب"(‪.)945‬‬ ‫قال أ بو حيان‪ { :‬ذُو ا ْل َعرْ شِ ا ْل َمجِيدُ } خص العرش بإضا فة نف سه‪ ،‬تشريفا للعرش‪ ،‬وت نبيها على‬ ‫أنه أعظم المخلوقات"(‪.)946‬‬

‫‪" )(942‬مجموع الفتاوى" (‪.)49-8/47‬‬ ‫‪" )(943‬الفتح" (‪.)13/408‬‬ ‫‪" )(944‬الدر المنثور" (‪ ، )8/471‬وانظر ‪ " :‬الطبري" (‪.)139 ،30/138‬‬ ‫‪" )(945‬تفسير الطبري" (‪.)30/139‬‬ ‫‪" )(946‬البحر المحيط" (‪.)8/452‬‬ ‫‪244‬‬

‫و "المجيهد" فسهره ابهن عباس بالكريهم‪ ،‬وقهد جاء فهي القرآن وصهف العرش بأنهه كريهم‪ ،‬قال‬ ‫ل هُ َو رَبّ ا ْل َعرْشِ‬ ‫حقّ ل إَِلهَ ِإ ّ‬ ‫ك ا ْل َ‬ ‫تعالى‪َ { :-‬ف َتعَالَى اللّهُ ا ْلمَِل ُ‬‫ص ‪316‬‬ ‫ا ْل َكرِي مِ} (‪ ،)947‬فو صف العرش بأ نه كر يم ل سعته وح سنه‪ ،‬و هو في و صف ال‪ :‬الجواد‪ ،‬وا سع‬ ‫العطاء‪ ،‬كثير الخير‪ ،‬حميد الصفات‪.‬‬ ‫قال في "القاموس"‪{ :‬المجيد} الرفيع العالي‪ ،‬والكريم‪ ،‬والشريف الفعال"(‪.)948‬‬ ‫قوله‪{ :‬الودود} ال حبيب‪ ،‬تقدم أن هذا التف سير مروي عن ا بن عباس ب سند مت صل‪ ،‬الود‪ :‬خالص‬ ‫الحب وصافيه‪.‬‬ ‫وفي القاموس‪ " :‬الودود" كثير الحب‪ ،‬وقد تقدم الكلم في صفة المحبة‪.‬‬ ‫" الْ َودُو ُد " فعول من الود‪ ،‬قال ال عن شعيب عليه ال سلم‪ { :‬إِنّ َربّي َرحِي مٌ َودُو ٌد } (‪ ،)949‬وقال‬ ‫تعالى‪{ :‬وَهُ َو ا ْلغَفُورُ ا ْل َودُودُ} (‪ ،)950‬فقرنه بالرحيم في موضع‪ ،‬وبالغفور في موضع‪.‬‬‫قال أ بو ب كر بن النباري‪{ :‬الْ َودُود} معناه‪ :‬الم حب لعباده‪ ،‬من قول هم‪ :‬وددت الر جل أوده‪ ،‬ودا‪،‬‬ ‫وودا‪ ،‬وودا‪.‬‬ ‫ويقال‪ :‬وددت الرجل‪ ،‬ودادا‪ ،‬وودادا‪ ،‬وودادة‪.‬‬ ‫وقال الخطابي‪ :‬هو اسم مأخوذ من الود‪ ،‬وفيه وجهان‪:‬‬ ‫ل في محل مفعول‪ ،‬كما قيل‪ :‬رجل هيوب‪ ،‬بمعني مهيب‪ ،‬وفرس ركوب‪،‬‬ ‫أحدهما‪ :‬أن يكون فعو ً‬ ‫بمعنى مركوب‪ .‬وال – سبحانه وتعالى – مودود في قلوب أوليائه؛ لما يعرفونه من إحسانه إليهم‪.‬‬ ‫والوجه الخر‪ :‬أن يكون بمعنى الود‪ ،‬أي أنه تعالى يود عباده الصالحين‪.‬‬ ‫حمَنُ ُودّا}‬ ‫جعَلُ َل ُهمُ ال ّر ْ‬ ‫س َي ْ‬ ‫قال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬‬

‫(‪)951‬‬

‫فسرت بأنه يحبهم‪ ،‬ويحببهم إلى عباده‪.‬‬

‫ص ‪317‬‬ ‫ويؤيده الحد يث ال صحيح‪ " :‬إذا أ حب ال عبدا نادى‪ :‬يا جبر يل‪ ،‬أ ني أ حب فلنا‪ ،‬فأح به‪ ،‬فيح به‬ ‫جبر يل‪ ،‬ثم ينادي في ال سماء‪ :‬إن ال ي حب فلنا‪ ،‬فأحبوه‪ ،‬فيح به أ هل ال سماء ثم يو ضع له القبول في‬ ‫الرض " وسيأتي – إن شاء ال تعالى ‪.-‬‬ ‫والكثرون على ما ذكره ابن النباري‪ ،‬أنه فعول بمعنى فاعل‪ ،‬أي هو الواد‪ ،‬كما قرنه بالغفور‪،‬‬ ‫الذي يغفر‪ ،‬وبالرحيم هو الذي يرحم(‪.)952‬‬ ‫‪ )(947‬الية ‪ 116‬من سورة المؤمنون‪.‬‬ ‫‪.)1/336( )(948‬‬ ‫‪ )(949‬الية ‪ 90‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪ )(950‬الية ‪ 14‬من سورة البروج ‪.‬‬ ‫‪ )(951‬الية ‪ 96‬من سورة مريم‪.‬‬ ‫‪" )(952‬النبوات" (ص ‪ )72-71‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪245‬‬

‫وقوله‪ " :‬يقال‪ :‬حميد مجيد‪ ،‬كأنه فعيل من ماجد‪ ،‬محمود من حمد" قال الحافظ‪ " :‬أصل هذا قول‬ ‫أبي عبيدة‪ ،‬في مجاز القرآن‪ ،‬في قوله‪ :‬عليكم أهل البيت أي‪ :‬محمود ماجد"(‪.)953‬‬ ‫قال الكرماني‪ " :‬غرضه منه‪ ،‬أن مجيدا بمعنى فاعل‪ ،‬كقدير بمعنى قادر‪ ،‬حميدا بمعنى مفعول‪،‬‬ ‫فلذلك قال‪ " :‬مجيهد مهن ماجهد‪ ،‬حميهد مهن محمود‪ ،‬قال‪ :‬وفهي بعهض النسهخ‪ :‬محمود مهن حميهد‪ ،‬وفهي‬ ‫أخرى‪ :‬من ح مد‪ ،‬مب نى للفا عل‪ ،‬والمفعول أيضا‪ ،‬وذلك لحتمال أن يكون حم يد بمع نى حا مد‪ ،‬ومج يد‬ ‫بمعنى ممجد‪ ،‬ثم قال‪ :‬وفي عبارته تعقيد"‬

‫(‪)954‬‬

‫قال الحا فظ‪ " :‬قلت‪ :‬و هو في قوله‪ " :‬محمود من ح مد" و قد اختل فت الرواة ف يه‪ ،‬والولى ف يه ما‬ ‫وجد في أصله‪ ،‬وهو كلم أبي عبيدة "(‪.)955‬‬ ‫"فالحم يد الذي له من ال صفات‪ ،‬وأ سباب الح مد‪ ،‬ما يقت ضى أن يكون محمودا‪ ،‬وإن لم يحمده‬ ‫غيره‪ ،‬فهو حميد في نفسه‪.‬‬ ‫والمحمود‪ :‬مهن تعلق بهه حمهد الحامديهن‪ ،‬والحمهد والمجهد إليهمها يرجهع الكمال كله‪ ،‬فإن الحمهد‬ ‫يستلزم الثناء والمحبة للمحمود‪ ،‬فمن أحببته ولم تثن عليه لم تكن حامدا له‪.‬‬ ‫وهذا الثناء والحهب‪ ،‬يتبهع السهباب المقتضيهة له‪ ،‬وههو مها عليهه المحمود مهن صهفات الكمال‪،‬‬ ‫ونعوت الجلل‪ ،‬والح سان إلى الغ ير‪ ،‬فإن هذه هي أ سباب المح بة‪ ،‬وكل ما كا نت هذه ال صفات أج مع‬ ‫وأكمل‪ ،‬كان الحمد والحب أتم وأعظم‪.‬‬ ‫ص ‪318‬‬ ‫وال – سبحانه – له الكمال المطلق‪ ،‬الذي ل نقص فيه بوجه‪ ،‬والحسان كله له ومنه‪ ،‬فهو أحق‬ ‫ب كل ح مد‪ ،‬وب كل حب‪ ،‬ف هو أ هل أن ي حب لذا ته‪ ،‬ول صفاته‪ ،‬ولفعاله‪ ،‬ول سمائه‪ ،‬ولح سانه‪ ،‬ول كل ما‬ ‫صدر منه‪.‬‬ ‫والمجد مستلزم للعظمة‪ ،‬والسعة‪ ،‬والجلل‪ ،‬كما يدل عليه موضوعه في اللغة"(‪.)956‬‬ ‫يقال‪ :‬استمجد المرخ والعفار؛ لكثرة النار فيهما‪.‬‬ ‫قال ا بن الق يم‪ " :‬و من أ سمائه –تعالى‪ -‬ما هو دال على جملة أو صاف عديدة‪ ،‬ل يخ تص ب صفة‬ ‫معي نة‪ ،‬بل هو دال على معناه‪ ،‬ل على مع نى مفرد‪ ،‬ن حو المج يد‪ ،‬العظ يم‪ ،‬ال صمد‪ ،‬فإن المج يد‪ :‬من‬ ‫اتصهف بصهفات متعددة‪ ،‬مهن صهفات الكمال‪ ،‬ولفظهه يدل على هذا‪ ،‬فإنهه موضوع فهي اللغهة للسهعة‪،‬‬ ‫والكثرة‪ ،‬والزيادة‪ ،‬فمنه‪ :‬استمجد المرخ والعفار‪ ،‬وأمجد الناقة علفا‪ ،‬ومنه { ذُو ا ْل َعرْ شِ ا ْل َمجِي ُد } صفة‬ ‫للعرش‪ ،‬لسعته وعظمته وشرفه"(‪.)957‬‬ ‫‪" )(953‬الفتح" (‪.)13/408‬‬ ‫‪" )(954‬شرح الكرماني على البخاري" (‪.)25/129‬‬ ‫‪" )(955‬الفتح" (‪.)13/408‬‬ ‫‪" )(956‬جلء الفهام" (ص ‪.)187‬‬ ‫‪" )(957‬بدائع الفوائد " (‪.)1/160‬‬ ‫‪246‬‬

‫ص ‪319‬‬ ‫‪-47‬قال‪ " :‬حدث نا عبدان‪ ،‬عن أ بي حمزة‪ ،‬عن الع مش‪ ،‬عن جا مع بن شداد‪ ،‬عن صفوان بن‬ ‫محرز‪ ،‬عن عمران بن ح صين‪ ،‬قال‪ " :‬إ ني ع ند ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬إذ جاءه قوم من ب ني‬ ‫تم يم‪ ،‬فقال‪ " :‬اقبلوا البشرى يا ب نى تم يم" قالوا‪ :‬بشرت نا فأعط نا‪ ،‬فد خل ناس من أ هل الي من‪ ،‬فقال‪" :‬‬ ‫اقبلوا البشرى يا أهل اليمن‪ ،‬إذ لم يقبلها بنو تميم" قالوا‪ :‬قبلنا‪ ،‬جئناك لنتفقه في الدين‪ ،‬ولنسألك عن أول‬ ‫هذا المهر مها كان؟ قال‪ " :‬كان ال‪ ،‬ولم يكهن شيهء قبله‪ ،‬وكان عرشهه على الماء‪ ،‬ثهم خلق السهموات‬ ‫والرض‪ ،‬وك تب فهي الذ كر كهل شيهء" ثم أتانهي رجهل‪ ،‬فقال‪ :‬يا عمران‪ ،‬أدرك ناقتهك‪ ،‬ف قد ذهبهت‪،‬‬ ‫فانطلقت أطلبها‪ ،‬فإذا السراب ينقطع دونها‪ ،‬وايم ال لوددت أنها ذهبت ولم أقم"‪.‬‬ ‫عمران‪ ،‬هو أ بو نج يد‪ ،‬ب ضم النون وف تح الج يم‪ ،‬ا بن ح صين‪ ،‬الخزا عي‪ ،‬الب صري‪ ،‬أ سلم عام‬ ‫خ يبر‪ ،‬سنة سبع‪ ،‬وش هد ما بعد ها من غزوات ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ ،-‬وكان من فضلء‬ ‫الصهحابة‪ ،‬وكانهت الملئكهة تسهلم عليهه مواجههة‪ ،‬وكان مجاب الدعوة‪ ،‬بعثهه عمهر إلى أههل البصهرة‬ ‫يفقه هم‪ ،‬وكان الح سن الب صرى يحلف بال ما قدم ها مثله‪ ،‬اعتزل الناس في الفت نة‪ ،‬فلم يش هد شيئا من‬ ‫حروبها‪ ،‬مات في البصرة سنة اثنتين وخمسين‪ - ،‬رضي ال عنه ‪.)958(-‬‬ ‫قوله‪ :‬إ ني ع ند ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬في الروا ية ال تي ذكر ها في بدء الخلق‪ " :‬دخلت‬ ‫على النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬وعقلت ناقتي بالباب(‪.)959‬‬ ‫ويظ هر أن هذه الواق عة في المدي نة‪ ،‬في آ خر حياة ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ ،-‬ولهذا ذكر ها‬ ‫البخاري في آخر المغازي‪ ،‬في ذكر الوفود على النبي –صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫قوله‪ " :‬اقبلوا البشرى يا ب ني تم يم" و في روا ية‪ " :‬أبشروا يا ب ني تم يم"‪ ،‬والمراد بهذه البشرى‪:‬‬ ‫الخير العظيم الذي يترتب على السلم‪ ،‬والنجاة من العذاب العظيم الذي يترتب على عدم الدخول في‬ ‫السلم‪ ،‬وذلك في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ص ‪320‬‬ ‫قال الحا فظ‪ " :‬والمراد بهذه البشارة‪ :‬أن من أ سلم ن جا من الخلود في النار‪ ،‬ثم ب عد ذلك يتر تب‬ ‫جزاؤه على وفق عمله‪ ،‬إل أن يعفو ال"(‪.)960‬‬ ‫"وتم يم‪ :‬ا سم ر جل‪ ،‬و هو تم يم بن مر بن إد بن طاب خة – وا سم طاب خة‪ -‬عمرو بن إلياس بن‬ ‫مضر‪ ،‬والتميم في اللغة‪ :‬الشريد"(‪ " .)961‬قالوا‪ :‬بشرتنا فأعطنا" يظهر أنهم ما فهموا مقصد الرسول –‬ ‫صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ب ما أراده بالبشرى‪ ،‬أو أن رغبت هم في العاجلة‪ ،‬فعلقوا ب ها آمال هم‪ ،‬فقدموا ذلك‬ ‫على التفقه في الدين‪ ،‬والقبال على تفهم ما قاله الرسول – صلى ال عليه وسلم ‪ ،-‬ولهذا كره رسول‬ ‫‪" )(958‬الرياض المستطابة" (ص ‪.)219‬‬ ‫‪ )(959‬انظر ‪ " :‬البخاري مع الفتح" (‪.)6/286‬‬ ‫‪" )(960‬الفتح" (‪.)13/409‬‬ ‫‪ )(961‬انظر ‪ " :‬نهاية الرب" (ص ‪.)322، 188‬‬ ‫‪247‬‬

‫ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قولهم‪ ،‬كما في الرواية الخرى‪ ،‬وغير لون وجهه حيث استشعر قلة فقههم‬ ‫في الدين‪ ،‬ورغبتهم في الخرة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫"فدخل ناس من أهل اليمن " تقدم ذكر اليمن‪ ،‬وسبب تسميته في شرح حديث معاذ‪" ،‬فقال‪ :‬اقبلوا‬ ‫البشرى يا أ هل الي من‪ ،‬إذ لم يقبلها ب نو تم يم" البشرى‪ :‬ا سم من البش ير‪ ،‬وهي الخبار بما ي سر ويفرح‬ ‫غالبا‪ ،‬وسميت بذلك لنه يظهر أثرها على بشرة الوجه‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ " :‬أي‪ :‬اقبلوا مني ما يقتضي أن تبشروا بالجنة‪ ،‬إذا أخذتم به"(‪ .)962‬ويؤخذ من هذا‪:‬‬ ‫أنهه ينبغهي – بهل يتعيهن – قبول مها جاء عهن ال ورسهوله‪ ،‬بدون توقهف أو اسهتفسار‪ ،‬أو طلب للعلة‬ ‫والسبب؛ لن قول بني تميم‪ " :‬بشرتنا فأعطنا" ل يدل بظاهره على أنهم لم يقبلوها‪ ،‬ومع ذلك جعل عدم‬ ‫فهمهم للمقصود وطلبهم لمر عاجل‪ ،‬عدم قبول للبشرى‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬جئناك لنتفقه في الدين" الفقه هو الفهم‪ ،‬أي‪ :‬فهم المراد‪ ،‬أي‪ :‬أننا قد آمنا بك‪ ،‬وبما جئت‬ ‫به‪ ،‬وأتينا إليك لتفهمنا ديننا الذي جئت به‪ ،‬وتعلمنا ما نعتقده‪ ،‬ونعمل به‪ ،‬وهذا من توفيق ال لعبده؛ أن‬ ‫يهتم بالتفقه في دينه‪ ،‬حتى يعبد ربه على علم وبصيرة‪.‬‬ ‫قله‪ " :‬ولن سألك عن أول هذا ال مر ما كان "؟ الشارة في قوله‪ " :‬هذا" تعود إلى ش يء مشا هد‪،‬‬ ‫حا ضر‪ ،‬موجود‪ ،‬و هو هذا الخلق المرئي‪ ،‬من ال سماوات والرض‪ ،‬و ما بينه ما‪ ،‬و ما فيه ما‪ ،‬والمع نى‪:‬‬ ‫جئنا نسأل عن مبدأ خلق هذه المخلوقات المشاهدة‪ ،‬وهذا هو الظاهر‪.‬‬ ‫ص ‪321‬‬ ‫قال الحا فظ‪ " :‬كأن هم سألوا عن أحوال هذا العالم‪ ،‬و هو الظا هر‪ ،‬ويحت مل أن يكونوا سألوا عن‬ ‫أول جنس المخلوقات"(‪.)963‬‬ ‫قلت‪ :‬الحتمال الثاني بعيد‪ ،‬بل باطل‪ ،‬كما يأتي بيانه في كلم شيخ السلم‪ ،‬وقوله في الحديث‪" :‬‬ ‫عهن أول هذا المهر" برده؛ لن الشارة إلى المخلوقات المشاهدة كمها تقدم‪ ،‬وجوب السهؤال يدل على‬ ‫أنهم سألوا عن مبدأ هذا العالم المشاهد‪ ،‬والمر يطلق ويراد به المأمور‪ ،‬ويراد به المصدر‪ ،‬الذي هو‬ ‫حكم المر‪ ،‬والول هو المراد هنا قطعا‪.‬‬ ‫وقد رد شيخ السلم احتمال كونهم سألوا عن أول جنس المخلوقات من وجوه كثيرة‪ ،‬وبين أن‬ ‫ذلك باطل‪ ،‬وذكر أن الحديث روي بثلثة ألفاظ‪:‬‬ ‫أحدها‪ :‬المذكور هنا‪ " :‬كان ال ولم يكن شيء قبله"‪.‬‬ ‫والثاني‪ " :‬كان ال‪ ،‬ولم يكن شيء معه"‪.‬‬ ‫والثالث‪ " :‬كان ال ولم يكن شيء غيره"‪.‬‬

‫‪" )(962‬الفتح" (‪.)6/288‬‬ ‫‪" )(963‬الفتح" (‪.)6/288‬‬ ‫‪248‬‬

‫ثم قال‪ " :‬ل بد أن يكون الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬قال أحد ها؛ لن المجلس كان واحدا‪،‬‬ ‫وسؤالهم وجوابهم في ذلك المجلس‪ ،‬وعمران الذي روى الحديث لم يبق في المجلس إلى انقضائه‪ ،‬بل‬ ‫ذهب لما أخبر بذهاب راحلته‪ ،‬وهو أخبر بلفظ الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬ولم يرو هذا الحديث‬ ‫غيره‪ ،‬فدل ذلك على أن الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬قال واحدا من هذه اللفاظ‪ ،‬والخران رو يا‬ ‫بالمعنى‪ ،‬فيكون ما قاله‪ :‬هو لفظ "القبل"؛ لما في "صحيح مسلم"‪ ،‬من قوله –صلى ال عليه وسلم‪" :-‬‬ ‫أنت الول فليس قبلك شيء"(‪.)964‬‬ ‫و أكثر أهل الحديث يرويه بهذا اللفظ‪ ،‬وهو ذكر الجمل الثلث بالواو‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ "-1‬قوله‪ :‬كان ال‪ ،‬ولم يكن شيء قبله "‪.‬‬ ‫‪ "-2‬وكان عرشه على الماء"‪.‬‬ ‫‪ "-3‬وكتب في الذكر كل شيء"‪.‬‬ ‫ولم يذكر شيئا منها بثم‪ ،‬وإنما جاء ذلك في خلق السماوات والرض‪.‬‬ ‫ص ‪322‬‬ ‫والواو‪ ،‬ل تفيهد الترتيهب‪ ،‬على الصهحيح‪ ،‬فل يكون فهي ذلك ذكهر أول المخلوقات‪ ،‬بهل ول فيهه‬ ‫الخبار بخلق العرش‪ ،‬والماء‪ ،‬وإن كان ذلك كله مخلوقا‪ ،‬ول كن المق صود أن جوا به ل هل الي من‪ ،‬ع ند‬ ‫بدء خلق السموات والرض‪ ،‬وما بينهما‪ ،‬وهي المخلوقات التي خلقت في ستة أيام‪ ،‬ل ابتداء ما خلقه‬ ‫ال قبل ذلك‪.‬‬ ‫ويدل على ذلك‪ ،‬أ نه أ خبر عن تلك الشياء ب ما يدل على وجود ها‪ ،‬ولم يتعرض لبتداء خلق ها‪،‬‬ ‫وذكر السموات والرض بما يدل على خلقها‪ ،‬سواء قال‪ " :‬خلق السموات والرض" أو قال‪ ":‬وثم خلق‬ ‫السموات والرض" فعلى التقديرين‪ ،‬أخبر بخلق ذلك‪ ،‬وكل مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن‪.‬‬ ‫ف تبين أ نه لم ي كن مق صوده الخبار عن أول ج نس المخلوقات‪ ،‬بل ول الخبار عن خلق العرش‬ ‫والماء‪ ،‬وإن ما مق صوده الخبار عن بدء خلق ال سموات والرض و ما بينه ما‪ ،‬ح ين كان عر شه على‬ ‫الماء"‬

‫(‪)965‬‬

‫وقد ثبت في حديث عبدال بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يقول‪" :‬‬ ‫كتب ال مقادير الخلئق قبل أن يخلق السموات والرض بخمسين ألف سنة‪ ،‬قال‪ :‬وعرشه على الماء‬ ‫"(‪.)966‬‬

‫‪ )(964‬انظر ‪ " :‬صحيح مسلم" (‪ )4/2084‬الحديث رقم (‪.)2713‬‬ ‫‪" )(965‬مجموع الفتاوى" (‪ )222-18/216‬بتصرف ‪.‬‬ ‫‪" )(966‬صحيح مسلم" (‪ )4/2044‬رقم (‪.)2653‬‬ ‫‪249‬‬

‫ولمها كان شيهخ السهلم يقرر هذا‪ ،‬وههو أن ال لم يزل فعالً لمها يريهد‪ ،‬ويرد على مهن يقول‪:‬‬ ‫المعنى‪ :‬كان ال ول شيء معه‪ ،‬أي‪ :‬ل مخلوق‪ ،‬ول فعل‪ ،‬ول مفعول‪ ،‬ثم صار يخلق ويفعل بعد أن لم‬ ‫يكن يفعل ويخلق‪ ،‬وهذا هو قول الجهمية‪ ،‬والمعتزلة‪.‬‬ ‫لمها كان يقرر ذلك‪ ،‬ويرد قول الجهميهة والمعتزلة‪ ،‬ظهن كثيهر ممهن لم يفههم مراده ولم يعرف‬ ‫مذههب أههل السهنة فهي هذه المسهألة‪ ،‬زن أنهه يقول بقدم العالم؛ لنهه يقول بحوادث ل أول لهها‪ ،‬لنههم‬ ‫يسمون أفعال ال الختيارية التي يفعلها بإرادته‪ :‬حوادث‪.‬‬ ‫وما علم هؤلء أن لزم قولهم‪ ،‬أشنع‪ ،‬وأفظع‪ ،‬وهو أن الرب ‪-‬تعالى‪ -‬كان معطلً عن الفعل‪ ،‬ثم‬ ‫صار فعالً لفعاله بعد أن لم يكن كذلك‪.‬‬ ‫مع أن ما قاله شيخ السلم هو مذهب السلف‪ ،‬مثل المام أحمد والدارمي والبخاري وغيرهم‪.‬‬ ‫ص ‪323‬‬ ‫قال المام أحمهد فهي رده على الجهميهة‪ " :‬فلمها ظهرت عليهه الحجهة‪ ،‬قال‪ :‬إن ال يتكلم‪ ،‬ولكهن‬ ‫كلمه مخلوق‪.‬‬ ‫قلنا‪ :‬وكذا بنو آدم كلمهم مخلوق‪ ،‬فقد شبهتم ال بخلقه‪ ،‬حين زعمتم أن كلمه مخلوق‪.‬‬ ‫ف في مذهب كم‪ :‬قد كان في و قت من الوقات ل يتكلم‪ ،‬ح تى خلق التكلم‪ ،‬وكذلك ب نو آدم كانوا ل‬ ‫يتكلمون حتى خلق ال لهم كلما‪.‬‬ ‫وقد جمعتم بين كفر‪ ،‬وتشبيه‪ ،‬وتعالى ال عن هذه الصفة‪.‬‬ ‫بهل نقول‪ :‬إن ال لم يزل متكلما إذا شاء‪ ،‬ول نقول‪ :‬إنهه كان‪ ،‬ول يتكلم حتهى خلق الكلم‪ ،‬ول‬ ‫نقول‪ :‬إ نه قد كان ل يعلم‪ ،‬ح تى خلق علما فعلم‪ ،‬ول نقول‪ :‬إ نه قد كان ول قدرة له‪ ،‬ح تى خلق لنف سه‬ ‫القدرة‪ ،‬ول نقول‪ :‬إنه كان ول نور له‪ ،‬حتى خلق لنفسه نورا‪ ،‬ول نقول‪ :‬إنه كان ول عظمة له‪ ،‬حتى‬ ‫خلق لنفسه عظمة‪.‬‬ ‫فقال الجهميهة – لمها وصهفنا ال بهذه الصهفات ‪ :-‬إن زعمتهم أن ال ونوره‪ ،‬وال وقدرتهه‪ ،‬وال‬ ‫وعظمته‪ ،‬فقد قلتم بقول النصارى‪ ،‬حين زعموا أن ال لم يزل ونوره‪ ،‬ولم يزل وقدرته‪.‬‬ ‫قل نا‪ :‬ل نقول‪ :‬إن ال لم يزل وقدر ته‪ ،‬ولم يزل ونوره‪ ،‬ول كن نقول‪ :‬لم يزل بقدر ته ونوره‪ ،‬م تى‬ ‫قدر‪ ،‬ول كيف‪.‬‬ ‫فقالوا‪ :‬ل تكونوا موحدين أبدا‪ ،‬حتى تقولوا‪ :‬قد كان ال ول شيء‪.‬‬ ‫فقل نا‪ :‬ن حن نقول‪ :‬قد كان ال ول ش يء‪ ،‬ول كن إذا قل نا‪ :‬إن ال لم يزل ب صفاته كل ها‪ ،‬أل يس إن ما‬ ‫نصف إلها واحدا بجميع صفاته؟‬ ‫وضربنها لههم مثلً فهي ذلك‪ ،‬فقلنها‪ :‬أخبرونها عهن هذه النخلة‪ ،‬أليهس لهها جذع‪ ،‬وكرب‪ ،‬وليهف‪،‬‬ ‫و سعف‪ ،‬وخوص‪ ،‬وجمار‪ ،‬وا سمها ا سم ش يء وا حد‪ ،‬و سميت نخلة بجم يع صفاتها‪ ،‬فكذلك ال – وله‬ ‫المثل العلى – بجميع صفاته‪ ،‬إله واحد‪.‬‬ ‫‪250‬‬

‫ول نقول‪ :‬إنه كان في وقت من الوقات ول قدرة له حتى خلق له قدرة‪ ،‬والذي ليس له قدرة هو‬ ‫عاجز‪.‬‬ ‫ص ‪324‬‬ ‫ول نقول‪ :‬قهد كان فهي وقهت مهن الوقات ل يعلم حتهى خلق له علما‪ ،‬والذي ل يعلم ههو‬ ‫جاهل"(‪.)967‬‬ ‫بين المام – رحمه ال تعالى – أنه ‪-‬تعالى‪ -‬لم يزل متكلما‪ ،‬قادرا‪ ،‬فعالً لما يريد‪ ،‬فلم يكن قبل‬ ‫وجود الخلق معطلً عن الفعل‪ ،‬كما هو مقتضى قول الذين أنكروا وجود حوادث ل أول لها‪ ،‬وزعموا‬ ‫أن هذا قول الفلسفة الدهرية‪ ،‬وفي الواقع هو قول السلف‪ ،‬وهو الذي دلت عليه نصوص الشرع‪ ،‬وأيده‬ ‫الع قل‪ ،‬وإن كان كل مفعول مع ين حادث ب عد أن لم ي كن‪ ،‬وأ ما ف عل ال الذي هو صفته فلم يزل‪ ،‬فل‬ ‫أول له‪.‬‬ ‫فمفعولت ال ‪-‬تعالى‪ -‬باعتبار أعيانها لها مبدأ فهي كائنة بعد العدم‪.‬‬ ‫أ ما باعتبار كون الف عل صفة من صفات ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬وإن لم ي كن متعلق موجود‪ ،‬ف هو ل أول‬ ‫له‪.‬‬ ‫قال المام أبو سعيد الدارمي – رحمه ال ‪ " :-‬وال –تعالى وتقدس اسمه – كل أسمائه سواء‪،‬‬ ‫لم يزل كذلك‪ ،‬ول يزال‪ ،‬لم تحدث له صفة ول ا سم لم ي كن‪ ،‬كذلك كان خالقا ق بل المخلوق ين‪ ،‬ورازقا‬ ‫قبل المرزوقين‪ ،‬وعالما قبل المعلومين‪ ،‬وسميعاٌ قبل أن يسمع أصوات المخلوقين‪ ،‬بصيرا قبل أن يرى‬ ‫أعيانهم مخلوقة"(‪.)968‬‬ ‫والمق صود أن ال – سبحانه وتعالى – لم يزل فعال ل ما ير يد‪ ،‬وأ نه لم ي كن معطلً عن الف عل‬ ‫حتى خلق هذا الكون المشهود‪ ،‬الذي سأل عن مبدئه أهل اليمن‪ ،‬قال شيخ السلم‪:‬‬ ‫" ل نزاع بيهن أههل الملل أن ال – سهبحانه – كان قبهل أن يخلق هذه المكنهة والزمنهة‪ ،‬وأن‬ ‫وجوده ل يجب أن يقارن هذه الزمنة والمكنة"(‪.)969‬‬ ‫قوله‪ " :‬كان ال‪ ،‬ولم يكهن شيهء قبله " تقدم فهي كلم شيهخ السهلم أن هذا اللفهظ ههو الذي قاله‬ ‫الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬وأن اللفظين الخرين رويا بالمعنى‪ ،‬وهما " لم يكن‬ ‫ص ‪325‬‬ ‫شيهء غيره " و" لم يكهن شيهء معهه"‪ ،‬وأيهد ذلك بأنهه مهن معنهى قوله – تعالى ‪ { :-‬هُ َو الَوّلُ‬ ‫شيْءٍ عَلِيمٌ } (‪.)970‬‬ ‫ل َ‬ ‫خرُ وَالظّا ِهرُ وَا ْلبَاطِنُ وَ ُهوَ ِبكُ ّ‬ ‫وَال ِ‬ ‫‪" )(967‬الرد على الجهمية" (ص ‪ )92-90‬عقائد السلف ‪.‬‬ ‫‪ )(968‬نقض عثمان بن سعيد على بشر المريسي ‪.‬‬ ‫‪" )(969‬نقض التأسيس" (‪.)1/562‬‬ ‫‪ )(970‬الية ‪ 3‬من سورة الحديد ‪.‬‬ ‫‪251‬‬

‫ل } هو الذي ليس قبله شيء‪ ،‬كما في "صحيح مسلم" من حديث أبي‬ ‫فقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬هُ َو الَوّ ُ‬ ‫هريرة‪ ،‬عن ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬أ نه كان يقول‪ " :‬الل هم أ نت الول فل يس قبلك ش يء‪ ،‬وأ نت‬ ‫الخر‪ ،‬ليس بعدك شيء‪ ،‬وأنت الظاهر‪ ،‬فليس فوقك شيء‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك شيء"(‪.)971‬‬ ‫وأمها قول الحافهظ‪ " :‬قضيهة الجمهع بيهن الروايتيهن‪ ،‬تقتضهي حمهل هذه على روايهة‪" :‬ول شيهء‬ ‫غيره"‪ ،‬ل العكس‪ ،‬والجمع يقدم على الترجيح بالتفاق"‬

‫(‪)972‬‬

‫فيقال له‪ :‬هذا لو احتمل أن يكون الحديث صدر منه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬في مقامين‪ ،‬أما إذا‬ ‫كان في مجلس وا حد‪ ،‬والراوي وا حد‪ ،‬و قد أ خبر أ نه لم ي بق إلى نها ية المجلس‪ ،‬بل قام ل ما سمع هذا‬ ‫القول من ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ول حق براحل ته‪ ،‬فل بد أن الل فظ الذي سمعه أ حد هذه اللفاظ‬ ‫الثلثة‪ ،‬والخران رويا بالمعنى‪ ،‬فأصبح الجمع ل وجه له‪.‬‬ ‫وح مل هذه الروا ية على روا ية " ول ش يء غيره" بل دل يل‪ ،‬ح مل عل يه التع صب للمذ هب‪ ،‬وإل‬ ‫فالواجب حملها على المعروف من كلم النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬الموافق لكلم ال ‪-‬تعالى‪ -‬كما‬ ‫تقدمت الشارة إليه‪.‬‬ ‫و أما قوله‪ :‬إن هذه المسألة من مستشنع ما ينسب لبن تيمية‪ ،‬فقد تقدم أن هذا هو مذهب السلف‪،‬‬ ‫وأن ما يريد ترجيحه الحافظ هو مذهب الجهمية والمعتزلة‪ ،‬والشعرية‪ ،‬من أهل البدع‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫وكلمة "كان" هنا تفيد الزلية‪ ،‬والزلية هي‪ :‬ما ل بداية له‪.‬‬ ‫قال الط يبي‪ " :‬لف ظة كان في الموضع ين – يع ني " كان ال" و"كان عر شه على الماء"‪ -‬بح سب‬ ‫حال مدخولها‪ ،‬فالمراد بالول‪ :‬الزلية والقدم‪ ،‬وبالثاني الحدوث بعد العدم"(‪.)973‬‬ ‫ص ‪326‬‬ ‫"وقال ا بن عباس‪" :‬كان ول يزال" ولم يق يد كو نه بو قت دون و قت‪ ،‬ويمت نع أن يحدث له غيره‪،‬‬ ‫صفة‪ ،‬بل يمتنع توقف شيء من لوازمه على غيره – سبحانه‪ -‬فهو المستحق لغاية الكمال‪ ،‬وذاته هي‬ ‫الم ستوجبة لذلك الكمال المطلق‪ ،‬و هو المحمود على ذلك‪ ،‬أزلً وأبدا‪ ،‬ول يح صي الخلق ثناء عل يه بل‬ ‫هو كما أثنى على نفسه"(‪.)974‬‬ ‫وقال الراغب‪ " :‬كان عبارة عما مضى من الزمان‪ ،‬وفي كثير من وصف ال ‪-‬تعالى‪ -‬تنبئ عن‬ ‫شيْءٍ َقدِيرًا} (‪ ،)976‬و ما‬ ‫ن اللّ هُ عَلَى كُلّ َ‬ ‫ل شَيْءٍ عَلِيمًا } (‪َ { ،)975‬وكَا َ‬ ‫مع نى الزل ية‪ ،‬قال‪َ { :‬وكَا نَ اللّ هُ ِبكُ ّ‬ ‫استعمل منه في جنس الشيء متعلقا بوصف له هو موجود فيه‪ ،‬فتنبيه على أن ذلك الوصف لزم له‪،‬‬ ‫‪ )(971‬تقدم تخريجه‪.‬‬ ‫‪" )(972‬الفتح" (‪.)13/410‬‬ ‫‪" )(973‬الفتح" (‪.)13/410‬‬ ‫‪" )(974‬مجموع الفتاوى" (‪.)233-18/232‬‬ ‫‪ )(975‬الية ‪ 26‬من سورة الفتح ‪ ،‬و الية ‪ 40‬من سورة الحزاب‪.‬‬ ‫‪ )(976‬الية ‪ 27‬من سورة الحزاب ‪ ،‬و الية ‪ 21‬من سورة الفتح‪.‬‬ ‫‪252‬‬

‫ن كَفُورًا} (‪ ،)977‬وإذا اسهتعمل فهي الزمان‬ ‫لنْسهَا ُ‬ ‫َانه ا ِ‬ ‫قليهل النفكاك منهه‪ ،‬نحهو قوله فهي النسهان‪َ { :‬وك َ‬ ‫الماضي‪ ،‬فقد يجوز أن يكون المستعمل فيه على حالته‪ ،‬ويجوز أن يكون قد تغير‪ ،‬نحو‪ :‬كان فلن كذا‬ ‫ثم صار كذا"(‪.)978‬‬ ‫ومعنهى قوله‪" :‬كان ال‪ ،‬ولم يكهن شيهء قبله" أنهه ‪-‬تعالى‪ -‬ههو الول قبهل كهل شيهء‪ ،‬الذي ل‬ ‫يت صور لولي ته مبدأ‪ ،‬ح تى يم كن أن يت صور قبله ش يء‪ ،‬بل هو الول بل بدا ية‪ ،‬ك ما أ نه ال خر بل‬ ‫نها ية‪ ،‬ف ما من غا ية يقدر ها الع قل إل وأزلي ته ‪-‬تعالى‪ -‬قبل ها‪ ،‬بل غا ية محدودة‪ ،‬والزل معناه عدم‬ ‫الولية‪ ،‬فليس الزل شيئا محدودا‪ ،‬فلو قدر أن الرض كلها وعاء مملوء ذرات‪ ،‬وبعد مليون سنة تفنى‬ ‫ذرة واحدة فقهط‪ ،‬لفنيهت الذرات كلهها‪ ،‬والزل باق‪ ،‬بهل لو فرض أضعاف أضعاف ذلك بالملييهن‪،‬‬ ‫والمقصود بذلك التقريب إلى الفهم فقط‪ ،‬وإل فالزل ليس له بداية أبدا‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬وكان عرشهه على الماء" أي‪ :‬وقهت خلق السهموات والرض كان عرشهه على الماء‪،‬‬ ‫والمراد هنا الخبار بكون العرش على الماء‪ ،‬عند ابتداء خلق السموات والرض‪.‬‬ ‫ص ‪327‬‬ ‫حكِيما} (‪،)979‬‬ ‫قال ا بن خزي مة‪ " :‬مع نى قوله‪" :‬وكان عر شه على الماء" كقوله‪َ { :‬وكَا نَ الّل هُ عَلِيما َ‬ ‫يع ني‪ :‬أن "كان" ه نا ل تدل على أن ذلك أ مر قد م ضى‪ ،‬وانق ضى‪ ،‬بل تدل على ثبو ته‪ ،‬ف هو كان‪ ،‬ول‬ ‫يزال على ما كان‪ ،‬و"ل يس مع نى ذلك أن شيئا من مفعول ته قد يم م عه‪ ،‬بل هو خالق كل ش يء‪ ،‬ولك‬ ‫شيء سواه مخلوق له‪ ،‬وكل مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن‪ ،‬مع أنه ‪-‬تعالى‪ -‬لم يزل بصفاته خالقا‬ ‫فعالً لما يريد"‪.‬‬ ‫و من المعلوم أن الخلق صفة كمال‪ ،‬ك ما قال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬أفَمَن َيخْلُ قُ كَمَن لّ َيخْلُ قُ } (‪ ،)980‬فل‬ ‫يجوز أن ينفك عن هذه الصفة‪ ،‬ولكن كل مخلوق محدث‪ ،‬مسبوق بالعدم‪ ،‬وليس مع ال شيء قديم‪ ،‬ول‬ ‫ل غير قادر على الفعل‪.‬‬ ‫شك أن هذا أبلغ في الكمال‪ ،‬من أن يكون معط ً‬ ‫و أما جعل المفعول المعين مقارنا له ‪-‬تعالى‪ -‬أزلً وأبدا‪ ،‬فهو باطل عقلً وشرعا‪ ،‬ول يقوله إل‬ ‫جاهل أو معطل‪.‬‬ ‫"والدلة على بدء خلق الفلك‪ ،‬وخلق الزمان – الذي ههو مقدار حركهة الفلك – كثيرة‪ ،‬أخهبرت‬ ‫بهها الرسهل‪ ،‬كمها أخهبرت أنهها خلقهت مهن مادة موجودة قبلهها‪ ،‬وفهي زمان قبهل هذا الزمان‪ ،‬فإن ال‬ ‫تعالى‪ -‬أخبر أنه خلق السموات والرض وما بينهما في ستة أيام‪ ،‬وسوا ًء قيل‪ :‬إن تلك اليام بمقدار‬‫هذه اليام المعروفة بطلوع الشمس وغروبها‪ ،‬أو أنها أكبر منها‪ ،‬وأن كل يوم قدره ألف سنة‪.‬‬ ‫‪ )(977‬الية ‪ 67‬من سورة السراء‪.‬‬ ‫‪" )(978‬المفردات في غريب القرآن " (ص ‪.)444‬‬ ‫‪ )(979‬كتاب "التوحيد" (ص ‪.)103‬‬ ‫‪ )(980‬الية ‪ 17‬من سورة النحل ‪.‬‬ ‫‪253‬‬

‫والحق أن تلك اليام‪ ،‬التي خلقت فيها السموات والرض غير هذه اليام‪ ،‬وغير الزمان الذي هو‬ ‫مقدار حركة هذه الفلك‪ ،‬وأن تلك اليام مقدرة بحركة أجسام موجودة قبل خلق السماوات والرض‪.‬‬ ‫لرْ ضِ ِا ْئ ِتيَا‬ ‫ي ُدخَا نٌ فَقَالَ َلهَا وَلِ َ‬ ‫سمَاء وَهِ َ‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫وقد أخبر – سبحانه وتعالى – أنه { ُثمّ ا ْ‬ ‫ن } (‪ )981‬فخلقت من الدخان‪.‬‬ ‫طَوْعًا أَ ْو َكرْهًا قَاَلتَا َأ َت ْينَا طَا ِئعِي َ‬ ‫ص ‪328‬‬ ‫وقد جاءت الثار عن السلف‪ ،‬أنها خلقت من بخار الماء‪ ،‬وهو الماء الذي كان العرش عليه‪ ،‬قبل‬ ‫ع ْرشُ هُ‬ ‫ستّ ِة َأيّا مٍ َوكَا نَ َ‬ ‫لرْ ضَ فِي ِ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫وجود هذا الخلق‪ ،‬كما قال ‪-‬تعالى‪ { :-‬وَ ُهوَ اّلذِي خَلَق ال ّ‬ ‫عَلَى ا ْلمَاء } (‪.)982‬‬ ‫فأخبر ‪-‬تعالى‪ -‬أنه خلق السماوات والرض في مدة‪ ،‬ومن مادة‪ ،‬ولم يذكر القرآن أنه خلق شيئا‬ ‫ش ْيئًا} (‪)983‬؛ لنه تعالى قد‬ ‫من ل شيء‪ ،‬ول يعارض هذا بقوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬و َقدْ خَلَ ْقتُ كَ مِن َقبْلُ وَلَ مْ تَ كُ َ‬ ‫أ خبر أ نه خل قه من نط فة"(‪ ،)984‬وخلق أباه من تراب‪ ،‬و قد أ خبر الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬أن‬ ‫الملئكة خلقت من نور‪ ،‬والجن من النار‪.‬‬ ‫وهذه الجملة من الحديث هي محل الشاهد‪ ،‬وهو دليل على عظم العرش‪ ،‬وأن له شأنا غير شأن‬ ‫السماوات والرض‪ ،‬وأن وجوده قبل وجودهما‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬ثم خلق ال سماوات والرض " نص في ذلك؛ لن " ثم" تف يد الترت يب مع الترا خي‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ترتيب خلق السماوات والرض على وجود العرش والماء‪.‬‬ ‫ول شك أن العرش والماء مخلوقان‪ ،‬ولم يذ كر ال – جل وعل‪ -‬ل نا و قت خلق العرش والماء‪،‬‬ ‫كما لم يذكر لنا أن له مخلوقات قبلهما‪ ،‬ولكن النصوص من الوحي‪ ،‬والفطرة والعقل السليم‪ ،‬تدل على‬ ‫أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬لم يزل يف عل ما يشاء‪ ،‬ويتكلم ب ما يشاء‪ ،‬وهذا من الكمال الوا جب له‪ ،‬والذي يل يق به‬ ‫تعالى‪.-‬‬‫وما يقوله المتكلمون من المعتزلة‪ ،‬والشاعرة‪ ،‬ومن تبعهم‪ ،‬من أن هذا الكون المشاهد لنا‪ ،‬وما‬ ‫يت صل به من ال سموات والرض‪ ،‬وكذلك العرش والماء‪ ،‬هو مبدأ فعله وخل قه‪ ،‬ول يس قبله ش يء من‬ ‫مفعولته‪ ،‬يخالف كماله الواجب له ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫فإنه وصفه ‪-‬تعالى‪ -‬بأنه لم يكن قادرا على الفعل والكلم ونحوهما من صفات الكمال‪ ،‬ثم صار‬ ‫قادرا على ذلك‪ ،‬فيه نقص يجب أن ينزه عنه‪ ،‬وقدرته التامة الكاملة التي هي من لوازم ذاته ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫تفيهد خلف هذا القول‪ ،‬وههي مهن أظههر صهفات الكمال‪ ،‬ول يجوز أن تقيهد صهفاته ‪-‬تعالى‪ -‬وأفعاله‬ ‫بوقت دون وقت‪.‬‬ ‫‪ )(981‬الية ‪ 11‬من سورة فصلت ‪.‬‬ ‫‪ )(982‬الية ‪ 7‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪ )(983‬الية ‪ 9‬من سورة مريم ‪.‬‬ ‫‪" )(984‬مجموع الفتاوى" (‪ )18/235‬بتصرف ‪.‬‬ ‫‪254‬‬

‫ص ‪329‬‬ ‫وباليقين العقلي يمتنع أن يكون قادرا بعد أن لم يكن كذلك‪ ،‬إل بأمر جعله قادرا‪ ،‬ومن المحال أن‬ ‫يؤثر فيه شيء غيره‪ ،‬فإذا لم يكن هناك إل العدم المحض استحال كونه قادرا‪ ،‬بعد أن لم يكن كذلك‪.‬‬ ‫ك ما يمت نع أن يكون عالما ب عد أن لم ي كن كذلك‪ ،‬وأن يكون سميعا ب صيرا‪ ،‬ب عد أن لم ي كن‪ ،‬أ ما‬ ‫المخلوق المفعول‪ ،‬مثل النسان‪ ،‬فإنه كان غير عالم‪ ،‬ول قادر‪ ،‬فجعله ال عالما قادرا‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬وك تب في الذ كر كل ش يء" الكتا بة ه نا أضي فت إلى ال ‪-‬تعالى‪ -‬ول يتع ين م نه أ نه‬ ‫تعالى‪ -‬باشر الكتابة بنفسه‪ ،‬بل يجوز أن يأمر بذلك ما يشاء‪.‬‬‫وقد جاء الحديث عن رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬موضحا ذلك‪ ،‬كما في حديث عبادة بن‬ ‫الصامت‪ :‬سمعت رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يقول‪ " :‬إن أول ما خلق ال القلم‪ ،‬فقال له‪ :‬اكتب‪،‬‬ ‫قال‪ :‬رب‪ ،‬وما أكتب؟ قال‪ :‬اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة"(‪.)985‬‬ ‫والمقصود بالذكر هنا‪ :‬محل الكتابة‪ ،‬وهو اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫"والمراد أ نه ‪-‬تعالى‪ -‬ك تب كل ما أراد إيجاده من تلك ال ساعة ال تي جرت في ها الكتا بة إلى قيام‬ ‫الساعة‪.‬‬ ‫ولفظة "كل شيء" يعم في كل موضع بحسب ما سيقت له‪ ،‬كما في قوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬وَ ُه َو ِبكُلّ‬ ‫شيْءٍ }‪.‬‬ ‫ل شَيْ ٍء َقدِيرٌ} و{ اللّ ُه خَاِلقُ كُلّ َ‬ ‫شيْءٍ عَلِيمٌ } و{وَ ُهوَ عَلَى كُ ّ‬ ‫َ‬ ‫شيْءٍ } (‪.)986‬‬ ‫ل َ‬ ‫شيْءٍ } و{ وَأُو ِتيَتْ مِن كُ ّ‬ ‫و{ ُت َد ّمرُ كُلّ َ‬ ‫وقوله‪ " :‬فإذا السهراب ينقطهع دونهها" أي يشاهدهها مهن خلق السهراب‪ ،‬فههو ينقطهع بينهه وبينهها‬ ‫لبعدها‪ ،‬فيراها مرة‪ ،‬وأخرى يكاد يخفيها السراب‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬وايم ال " قيل معناه‪ :‬يمين ال‪ ،‬فهو قسم مشهور عند العرب‪ ،‬وفيه لغات عدة‪.‬‬ ‫ص ‪330‬‬ ‫وقوله‪ " :‬لوددت أنها ذهبت‪ ،‬ولم أقم" يقول‪ :‬إن رغبتي والحب إليّ أني بقيت في مجلسي عند‬ ‫ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬أتعلم م نه اليمان والعلم‪ ،‬ولم أ قم في طلب راحل تي‪ ،‬بل أترك ها‬ ‫مؤثرا ما أسمعه من رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬من غذاء القلب والروح‪ ،‬على راحلتي‪ ،‬وهذا‬ ‫شأن صحابة ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ور ضي ال عن هم – في حر صهم على التعلم م نه‪،‬‬ ‫والبحهث عهن الهدى والخيهر‪ ،‬ولهذا حفظوا كهل مها قاله الرسهول –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬ومها فعله‪،‬‬ ‫والبحث عن الهدى والخير‪ ،‬ولهذا حفظوا كل ما قاله الرسول –صلى ال عليه وسلم – وما فعله‪ ،‬حتى‬ ‫نقلوا لنا تحرك شعر لحيته وهو يصلي‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فجزاهم ال خيرا‪ ،‬وقاتل من يبغضهم وينتقصهم‪.‬‬

‫‪ )(985‬رواه أبو داود في "السنن" (‪ )5/76‬رقم (‪.)4700‬‬ ‫‪" )(986‬مجموع الفتاوى" (‪.)18/233‬‬ ‫‪255‬‬

‫ص ‪331‬‬ ‫‪-48‬قال‪ " :‬حدثنا علي بن عبدال‪ ،‬حدثنا عبدالرزاق‪ ،‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن همام‪ ،‬حدثنا أبو هريرة‬ ‫– ر ضي ال ع نه – عن ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬قال‪ " :‬إن يم ين ال ملى‪ ،‬ل يغيض ها نف قة‪،‬‬ ‫سحاء الليل والنهار‪ ،‬أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والرض؟ فإنه لم ينقص ما في يمينه‪ ،‬وعرشه‬ ‫على الماء‪ ،‬وبيده الخرى الفيض – أو القبض‪ -‬يرفع‪ ،‬ويخفض"‪.‬‬ ‫قد تقدم هذا الحد يث في باب قول ال ‪-‬تعالى‪{ :-‬لِمَا خَلَقْ تُ ِب َيدَيّ}‪ ،‬وتقدم الكلم عل يه‪ ،‬و ما ه نا‬ ‫يختلف عن الماضي في سنده‪ ،‬وفي بعض ألفاظه‪ ،‬على عادة المؤلف – رحمه ال‪ -‬إذا كرر الحديث‪،‬‬ ‫فل بد أن يأتي بما يغاير السابق‪ ،‬أما في السند والمتن‪ ،‬أو في أحدهما‪ ،‬إل إذا تيسر له ذلك‪ ،‬وهو نادر‪.‬‬ ‫والذي تقدم فيه "يد ال ملى" وما هنا " إن يمين ال ملى"‪.‬‬ ‫وما تقدم فيه " وقال‪ :‬أرأيتم"‪ ،‬وهنا كلمة "قال" ليست موجودة‪.‬‬ ‫وما تقدم فيه " فإنه لم يغض ما في يده"‪ ،‬وما هنا " فإنه لم ينقص ما في يمينه"‬ ‫وما تقدم فيه "وقال‪ :‬عرشه على الماء "‪ ،‬وهنا لفظة "قال" غير موجودة‪.‬‬ ‫و ما تقدم " وبيده الخرى الميزان"‪ ،‬وه نا "وبيده الخرى الف يض – أو الق بض‪ "-‬هذا في الم تن‪،‬‬ ‫وأما السند فهو غير المتقدم‪.‬‬ ‫والمقصهود قوله‪ " :‬وعرشهه على الماء" أي أنهه ‪-‬تعالى‪ -‬لمها خلق السهماوات والرض‪ ،‬كان‬ ‫عر شه على الماء‪ ،‬فوجود العرش والماء سابق وجود ال سماوات والرض بز من طو يل جدا ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫ال أعلم بمقداره‪.‬‬

‫‪256‬‬

‫ص ‪332‬‬ ‫‪-49‬قال‪ " :‬حدثنا أحمد‪ ،‬حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن‬ ‫أ نس‪ ،‬قال‪ :‬جاء ز يد بن حار ثة‪ ،‬يش كو‪ ،‬فجعل ال نبي –صلى ال عل يه و سلم‪ -‬يقول‪ " :‬ا تق ال وأمسك‬ ‫عليهك زوجهك" قال(‪ )987‬أنهس‪ :‬لو كان رسهول ال –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬كاتما شيئا لكتهم هذه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فكا نت زي نب تف خر على أزواج ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬تقول‪ :‬زوج كن أهالي كن‪ ،‬وزوج ني ال‬ ‫تعالى‪ -‬من فوق سبع سماوات"‪.‬‬‫سكَ مَا اللّ هُ ُم ْبدِي هِ َو َتخْشَى النّا سَ نزلت في شأن زي نب وز يد بن‬ ‫و عن ثا بت‪َ { :‬و ُتخْفِي فِي نَفْ ِ‬ ‫حارثة"‪.‬‬ ‫زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي‪ ،‬مولى رسول ال – صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫ذكر الحافظ في "الصابة" نقلً عن الكلبي بسنده‪ ،‬قال‪ " :‬زارت سعدى أم زيد قومها وزيد معها‪،‬‬ ‫فأغارت خيل لبني القين بن جسر‪ ،‬على أبيات بني معن‪ ،‬فاحتملوا زيدا وهو غلم يفعة‪ ،‬فأتوا به سوق‬ ‫عكاظ‪ ،‬فعرضوه للبيع‪ ،‬فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد‪ ،‬بأربعمائة درهم‪ ،‬فلما تزوجها‬ ‫رسول ال –صلى ال عل يه و سلم‪ -‬وهبته له‪ ،‬ثم جاء والده حار ثة‪ ،‬وعمه ك عب‪ ،‬يريدان فداءه‪ ،‬فطل با‬ ‫ذلك من رسول ال –صلى ال عليه وسلم فقال لهما رسول ال‪ " :‬ادعوه فخيروه‪ ،‬فإن اختاركم فهو لكم‬ ‫بغير فداء‪ ،‬وإن اختارني‪ ،‬فوال ما أنا بالذي أختار على من أختارني " فاختار زيد رسول ال – صلى‬ ‫ال عل يه و سلم‪ ،-‬فقال له والده وع مه‪ :‬وي حك يا ز يد‪ ،‬أتختار العبود ية على الحر ية؟ فقال‪ :‬إ ني رأ يت‬ ‫من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا‪.‬‬ ‫ل ما رأى ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ذلك خرج به إلى المح جر‪ ،‬وقال‪ :‬اشهدوا أن زيدا‬ ‫ابني‪ ،‬عند ذلك طابت نفس والده وعمه‪.‬‬ ‫وزوجه رسول ال – صلى ال عليه وسلم‪ -‬زينب بنت جحش‪ ،‬وهي ابنة عمته أميمة بنت عبد‬ ‫المطلب‪ ،‬ثم لم يتلءما‪ ،‬فطلقها زيد‪ ،‬فزوجها ال ‪-‬تعالى‪ -‬نبيه؛ لحكمة ذكرها ال –تعالى‪ -‬في القرآن‪.‬‬ ‫قال ا بن ع مر‪ " :‬إن ز يد بن حار ثة مولى ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬ما ك نا ندعوه إل‬ ‫سطُ عِن َد اللّ ِه } (‪.)988‬‬ ‫زيد بن محمد‪ ،‬حتى نزل القرآن‪ { :‬ادْعُو ُهمْ لبَا ِئ ِهمْ هُ َو َأقْ َ‬ ‫ص ‪333‬‬ ‫كان زيد هو المير في غزوة مؤتة‪ ،‬واستشهد فيها رضي ال عنه"(‪.)989‬‬ ‫قوله‪ " :‬جاء زيد بن حارثة يشكو" أي‪ :‬جاء إلى رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يشكو زوجه‬ ‫زينب ويستشيره في طلقها؛ لنها كانت تترفع عليه‪ ،‬وتقابله ببعض الكلم غير المناسب؛ لحدة كانت‬ ‫‪ )(987‬في بعض نسخ البخاري ‪ :‬قالت عائشة‪.‬‬ ‫‪ )(988‬الية ‪ 5‬من سورة الحزاب ‪ ،‬ورواه البخاري ‪ ،‬انظره مع الفتح (‪.)8/517‬‬ ‫‪" )(989‬الصابة" (‪.)601-2/599‬‬ ‫‪257‬‬

‫فيها‪ ،‬كما روى عبد الرزاق‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قال‪ " :‬جاء زيد بن حارثة‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إن‬ ‫زينب اشتد عليّ لسانها‪ ،‬وأنا أريد أن أطلقها؟ فقال له‪ " :‬اتق ال‪ ،‬وأمسك عليك زوجك"(‪.)990‬‬ ‫وهذا منقطع‪ ،‬وقد ذكر كثير من المفسرين والمؤرخين آثارا موضوعة‪ ،‬مكذوبة على رسول ال‬ ‫–صلى ال عليه وسلم‪ -‬في قصة زواجه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬بزينب‪ ،‬وبعضها ضعيف‪ ،‬ل يثبت به‬ ‫حكم‪.‬‬ ‫ثهم اسهتغل تلك الخبار بعهض أعداء الرسهل‪ ،‬مهن زنادقهة وكفار ملحدة‪ ،‬متقدمون‪ ،‬ومتأخرون‪،‬‬ ‫واغتر بذلك كثير من الجهلة‪.‬‬ ‫و قد ب ين ال ‪-‬تعالى‪ -‬المق صود من زواج ر سوله – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬بزي نب بقوله‪{ :‬فل ما‬ ‫قض ز يد من ها وط ههرا زوجناك ها ل كي ل يكون على المؤمن ين حرج في أزواج أدعيائ هم إذا قضوا‬ ‫منهن وطرا وكان أمر ال مفعولً} (‪.)991‬‬ ‫المع نى‪ :‬ل ما فرغ ز يد من ها وطا بت نف سه عن ها‪ ،‬وطلق ها‪ ،‬أمرناك بتزوج ها؛ لئل يب قى في قلوب‬ ‫المؤمن ين حرج في تزوج زوجات أدعيائ هم‪ ،‬الذ ين تبنو هم‪ ،‬ف صاروا يدعون إلي هم‪ ،‬فيقال‪ :‬ا بن فلن‪،‬‬ ‫وليس ابنا له‪ ،‬إذا فارقوهن‪.‬‬ ‫وهذا إمعان في إبطال هذا التبني‪ ،‬الذي كان معروفا في الجاهلية الولى كما عرف في الجاهلية‬ ‫الحاضرة‪ ،‬ح يث أ مر ال ‪-‬تعالى‪ -‬إمام الم سلمين وقدوت هم بذلك‪ ،‬وكان ز يد بن حار ثة قد تبناه ر سول‬ ‫ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬كما تقدمت الشارة إليه‪ ،‬فكان يدعى بزيد بن محمد‪ ،‬فأبطل ال ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫سبِيلَ {‪}4‬‬ ‫حقّ وَ ُه َو َيهْدِي ال ّ‬ ‫ل ا ْل َ‬ ‫عيَاءكُ مْ َأ ْبنَاءكُ مْ ذَِلكُ مْ قَوُْلكُم ِبَأفْوَا ِهكُ مْ وَاللّ ُه يَقُو ُ‬ ‫جعَلَ َأ ْد ِ‬ ‫ذلك بقوله‪َ { :‬ومَا َ‬ ‫جنَاحٌ‬ ‫ادْعُوهُ ْم لبَا ِئهِمْ ُهوَ َأقْسَطُ عِندَ اللّهِ َفإِن لّ ْم َتعَْلمُوا آبَاءهُ ْم فَِإخْوَا ُنكُمْ فِي الدّينِ َومَوَالِيكُمْ وََليْسَ عََل ْيكُ ْم ُ‬ ‫ط ْأتُم بِهِ وََلكِن مّا َت َع ّمدَتْ قُلُو ُب ُكمْ َوكَانَ اللّهُ غَفُورًا ّرحِيمًا } (‪.)992‬‬ ‫خَ‬ ‫فِيمَا َأ ْ‬ ‫ف هو ‪-‬تعالى‪ -‬يعلم عباده أن أدعياء هم الذ ين هم موالي هم‪ ،‬ودعو هم أبناء ل هم‪ ،‬أن هم لي سوا ل هم‬ ‫بأبناء؛ لنهم أبناء رجال آخرين‪.‬‬ ‫وقد أوحى ال –تعالى‪ -‬إلى رسوله بأنه سوف يتزوج زينب‪ ،‬أوحى ال بذلك إليه قبل أن يطلقها‬ ‫ز يد‪ ،‬فل ما جاء يشكو ها إل يه‪ ،‬وي ستشيره في طلق ها‪ ،‬قال له‪ " :‬ا تق ال يا ز يد‪ ،‬وأم سك عل يك زو جك"‬ ‫ل لِّلذِي َأ ْنعَمَه اللّهُه عََليْهِه وََأ ْن َعمْتَه عََليْهِه َأمْسِهكْ عََليْكَه زَ ْوجَكَه وَاتّقِه اللّهَه‬ ‫فعاتبهه ال –تعالى‪ { :-‬وَِإ ْذ تَقُو ُ‬ ‫طرًا‬ ‫خشَاهُه فََلمّاه قَضَى َز ْيدٌ ّمنْهَا َو َ‬ ‫َو ُتخْفِي فِي نَفْسِهكَ مَا اللّهُه ُم ْبدِيهِه َو َتخْشَى النّاسَه وَاللّهُه َأحَقّ أَن َت ْ‬ ‫جنَاكَهَا} (‪ .)993‬الية‪.‬‬ ‫زَ ّو ْ‬ ‫‪" )(990‬الفتح" (‪.)8/524‬‬ ‫‪ )(991‬الية ‪ 37‬من سورة الحزاب ‪.‬‬ ‫‪ )(992‬اليتان ‪ 4‬و ‪ 5‬من سورة الحزاب ‪.‬‬ ‫‪ )(993‬الية ‪ 37‬من سورة الحزاب‪.‬‬ ‫‪258‬‬

‫والذي كان –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يخفيه‪ ،‬هو كراهيته لزواجها؛ خوفا من قالة الناس أنه تزوج‬ ‫زوجة ابنه‪.‬‬ ‫قال ابن ح جر‪ " :‬والحا صل‪ :‬أن الذي كان يخفيه هو إخبار ال إياه أنها ستصير زوج ته‪ ،‬والذي‬ ‫كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس‪ :‬تزوج امرأة ابنه‪ ،‬وأراد ال إبطال ما كان الجاهلية عليه‪،‬‬ ‫من أحكام التبني‪ ،‬بأمر ل أبلغ في البطال منه‪ ،‬وهو تزوج امرأة الذي يدعي ابنا {له}‪ ،‬ووقوع ذلك من‬ ‫إمام المسلمين؛ ليكون أدعى لقبولهم‪.‬‬ ‫و إنما وقع الخبط في تأويل متعلق الخشية‪ ،‬وال أعلم "(‪.)994‬‬ ‫يشير إلى ما ذكره بعض المفسرين من أقوال باطلة‪ ،‬وقصص موضوعة مكذوبة‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬قال أنس‪ :‬لو كان رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬كاتما شيئا لكتم هذه"‪.‬‬ ‫ص ‪335‬‬ ‫أي‪ :‬لو قدر على سبيل الفرض الممتنع شرعا كتم شيء من الو حي‪ ،‬لكان في هذه الية‪ ،‬ولكنه‬ ‫غير واقع بل ممتنع شرعا‪.‬‬ ‫وهذه ال ية من أع ظم الدلة ل من تأمل ها على صدق الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ ،-‬فال –‬ ‫تعالى – يخبر عما وقع في نفسه من خشية الناس‪ ،‬فبلغه كما قال ال ‪-‬تعالى‪ -‬مع ما تضمنه من لومه‪،‬‬ ‫بخلف حال الكذاب‪ ،‬فإنه يتجنب كل ما يمكن أن يكون فيه عليه غضاضة‪ ،‬ومثل ذلك قوله ‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫عبَسَ َوتَوَلّى } إلى آخر اليات ونظائرها في القرآن‪.‬‬ ‫{ َ‬ ‫وقوله‪ " :‬فكانت زينب تفخر على أزواج النبي –صلى ال عليه وسلم‪." -‬‬ ‫الفخر‪ :‬هو ذكر المحاسن‪ ،‬وعدها‪ ،‬مباهاة بها غيره‪.‬‬ ‫قال الجوهري‪ " :‬الفخر‪ :‬الفتخار‪ ،‬وعد القديم"(‪.)995‬‬ ‫فزينب – رضي ال عنها – تعتد بأن زواجها برسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬كان بأمر ال‬ ‫له بذلك‪ ،‬وأنه من أعظم فضائلها‪ ،‬وأنه ل يساويها في ذلك من أزواجه أحد‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬تقول‪ :‬زوجكن أهاليكن‪ ،‬وزوجني ال – تعالى – من فوق سبع سماوات"‪.‬‬ ‫هذا القدر من الحديث هو محل الشاهد‪ ،‬وهو ثبوت علو ال ‪-‬تعالى‪ -‬وتقرره لدى المؤمنين‪ ،‬فهو‬ ‫أمهر مسهلم بهه بيهن عموم المسهلمين‪ ،‬بهل بيهن عموم الخلق إل مهن غيرت فطرتهه‪ ،‬لههو مهن الصهفات‬ ‫المعلومة بالسمع‪ ،‬والعقل‪ ،‬والفطرة‪ ،‬عند كل من لم تنحرف فطرته‪.‬‬ ‫و أما الستواء على العرش فهو من الصفات المعلومة بالسمع‪ ،‬ل بالعقل‪ ،‬كما نبه على ذلك شيخ‬ ‫السلم (‪ ،)996‬وغيره من الئمة‪.‬‬ ‫‪" )(994‬الفتح" (‪.)8/524‬‬ ‫‪" )(995‬الصحاح" (‪.)2/779‬‬ ‫‪ )(996‬انظر ‪ " :‬مجموع الفتاوى" (‪.)5/227‬‬ ‫‪259‬‬

‫ومع نى قول ها‪ " :‬وزوج ني ال" أي‪ :‬أ مر ر سوله بأن يتزوج ها بقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬فََلمّ ا قَضَى َز ْيدٌ‬ ‫طرًا} وتولى ‪-‬تعالى‪ -‬عقد زواجها عليه‪.‬‬ ‫ّم ْنهَا َو َ‬ ‫وقوله في الرواية الخرى‪ ":‬نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش"‪.‬‬ ‫ص ‪336‬‬ ‫ل أَن يُ ْؤذَ نَ َلكُ مْ إِلَى‬ ‫ت ال ّن ِبيّ ِإ ّ‬ ‫ن آ َمنُوا ل َت ْدخُلُوا ُبيُو َ‬ ‫آية الحجاب هي قوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ‬ ‫ث إِنّ ذَِلكُ ْم كَانَ‬ ‫حدِي ٍ‬ ‫شرُوا وَل مُسْ َت ْأ ِنسِينَ ِل َ‬ ‫ط ِع ْمتُمْ فَان َت ِ‬ ‫غ ْيرَ نَاظِرِينَ ِإنَاهُ وََلكِنْ ِإذَا دُعِيتُمْ فَا ْدخُلُوا َفِإذَا َ‬ ‫طعَامٍ َ‬ ‫َ‬ ‫حجَابٍ‬ ‫ن مِن َورَاء ِ‬ ‫سأَلُوهُ ّ‬ ‫ن َمتَاعًا فَا ْ‬ ‫سأَ ْل ُتمُوهُ ّ‬ ‫ن ا ْلحَقّ وَِإذَا َ‬ ‫حيِي مِ َ‬ ‫س َت ْ‬ ‫حيِي مِنكُمْ وَاللّ ُه ل يَ ْ‬ ‫س َت ْ‬ ‫يُ ْؤذِي ال ّن ِبيّ َفيَ ْ‬ ‫ذَِلكُ ْم َأطْ َهرُ لِقُلُو ِب ُكمْ َوقُلُو ِبهِنّ} إلى آخر الية‪.‬‬

‫(‪)997‬‬

‫قوله‪ " :‬وأطعم عليها يومئذ خبزا ولحما"‪.‬‬ ‫أي‪ :‬صنع وليمة لزواجه بها‪ ،‬من الخبز‪ ،‬واللحم‪ ،‬وهذا النوع من الطعام هو أعلى ما يمكن في‬ ‫زمنه –صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫قوله‪ " :‬تقول‪ :‬إن ال أنكحني في السماء"‪.‬‬ ‫هو كقولها السابق‪ " :‬وزوجني ال من فوق سبع سماوات "‪ ،‬وكثير ما تأتي "في" بمعنى "على"‬ ‫أي‪ :‬إن زواجهي صهدر مهن ال ‪-‬تعالى‪ -‬حيهث أمهر رسهوله بهه‪ ،‬وتولى عقهد نكاحهها عليهه‪ ،‬وال فهي‬ ‫السماء‪.‬‬ ‫فإمها أن تكون "فهي" بمعنهى على‪ ،‬أو يراد بالسهماء العلو‪ ،‬وكلهمها صهحيح مسهتقيم جاءت بهه‬ ‫سبَبٍ إِلَى‬ ‫طهُورًا } (‪)998‬وقال ‪-‬تعالى‪ { :-‬فَلْ َي ْم ُددْ بِ َ‬ ‫سمَاء مَاء َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫الن صوص‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪ { :-‬وَأَنزَلْنَا ِم َ‬ ‫سمَاء } (‪.)999‬‬ ‫ال ّ‬ ‫ولما كان مستقرا في نفوس المخاطبين أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬هو العلي العلى‪ ،‬وأنه فوق كل شيء‪،‬‬ ‫كان المفهوم من قوله‪ " :‬أنه في السماء" أنه في العلو‪ ،‬وأنه فوق كل شيء ولهذا قالت‪ " :‬من فوق سبع‬ ‫سماوات "‪.‬‬ ‫وكذلك الجارية‪ ،‬لما قال لها النبي – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬أين ال؟ قالت‪ :‬في السماء"‬

‫(‪)1000‬‬

‫إنما أرادت‪ :‬العلو‪ ،‬وإذا قيل‪ :‬العلو‪ ،‬فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها‪ ،‬فما فوقها كلها هو في السماء‪،‬‬ ‫ول يقتضهي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيهط بهه‪ ،‬إذ ليهس فوق العالم شيهء موجود إل ال –‬ ‫تعالى‪.-‬‬ ‫ص ‪337‬‬ ‫‪ )(997‬الية ‪ 53‬من سورة الحزاب ‪.‬‬ ‫‪ )(998‬جزء من الية ‪ 15‬من سورة الحج ‪.‬‬ ‫‪ )(999‬رواه مسلم وغيره‪.‬‬ ‫‪ )(1000‬رواه مسلم وغيره‪.‬‬ ‫‪260‬‬

‫وكذلك إذا قيهل‪ :‬العرش فهي السهماء‪ ،‬فإنهه ل يقتضهي أن يكون العرش فهي شيهء آخهر موجود‬ ‫مخلوق‪ ،‬وإن قدر أن السهماء المراد بهها الفلك‪ ،‬وكان المراد أنهه عليهها‪ ،‬كمها قال‪ { :‬فَسهِيحُو ْا ف ِي‬ ‫ض } (‪،)1003‬‬ ‫لرْ ِ‬ ‫ل } (‪ ،)1002‬وقال‪ { :‬فَ سِيرُو ْا فِي ا َ‬ ‫جذُو عِ ال ّنخْ ِ‬ ‫لرْ ضِ } (‪ ،)1001‬وقال‪ { :‬وَل صَّلبَ ّن ُكمْ فِي ُ‬ ‫اَ‬ ‫ويقال‪ :‬فلن في الج بل‪ ،‬وفي ال سطح‪ ،‬وإن كان على أعلى ش يء منه‪ ،‬فإن حرف "في" يتعلق بما قبله‪،‬‬ ‫وبما بعده‪ ،‬فيكون بحسب المضاف إليه‪.‬‬ ‫ولهذا يفرق بين كون الشيء في المكان‪ ،‬وكون الماء في الناء‪ ،‬وكون الوجه في المرآة‪ ،‬وكون‬ ‫الكلم في الكتاب‪ ،‬وكون العرش والجنة في السماء‪ ،‬فإن لكل نوع من هذه خاصة يتميز بها عن غيره‪.‬‬

‫‪ )(1001‬الية ‪ 2‬من سورة براءة‪.‬‬ ‫‪ )(1002‬جزء من الية ‪ 71‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ )(1003‬الية ‪ 137‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪261‬‬

‫ص ‪338‬‬ ‫‪-50‬قال‪ " :‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخبرنا شعيب‪ ،‬حدثنا أبو الزناد؛ عن العرج‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن‬ ‫النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ " :‬إن ال لما قضى الخلق‪ ،‬كتب عنده فوق عرشه‪ :‬إن رحمتي سبقت‬ ‫غضبي"‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬قضهى ال الخلق" قضهي‪ :‬يأتهي بمعنهى حكهم‪ ،‬وأمهر‪ ،‬وقدر‪ ،‬وفرغ‪ ،‬وأمضهى‪ ،‬وأتقهن‪،‬‬ ‫ت } أو فرغ من‬ ‫سمَاوَا ٍ‬ ‫سبْعَ َ‬ ‫ومعناها هنا‪ :‬فرغ من خلق المخلوقات‪ ،‬فهو نحو قوله تعالى‪ { :‬فَ َقضَاهُنّ َ‬ ‫تقدير الخلق‪ ،‬ويدل لذلك الرواية التية في آخر الكتاب " قبل أن يخلق الخلق"‪.‬‬ ‫ح ّذرُكُ مُ اللّ هُ نَفْ سَ ُه } و قد غا ير ب ين سنده ه نا وهناك‪،‬‬ ‫وتقدم هذا الحد يث في باب قول ال‪َ { :،‬و ُي َ‬ ‫وفهي متنهه بعهض الختلف‪ ،‬ففهي الروايهة المتقدمهة " لمها خلق ال الخلق " وهنها " إن ال لمها قضهى‬ ‫الخلق"‪ ،‬وهناك "كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه‪ ،‬وهو وضع عنده على العرش‪ ،‬وهنا "كتب عنده‪،‬‬ ‫فوق عرشه" وهناك " إن رحمتي تغلب غضبي"‪ ،‬وهنا "سبقت غضبي"‪.‬‬ ‫وقد مضى شرحه‪ ،‬والمقصود هنا‪ ،‬قوله‪ " :‬عنده‪ ،‬فوق عرشه‪ " ،‬هذان ظرفان مختصان بالمكان‪،‬‬ ‫وقهد أضيفها إلى ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬فل بهد أن هذه الضافهة تقتضهي تخصهيصا للعرش على غيره مهن‬ ‫السماوات والرض‪.‬‬ ‫عرْشَ َربّكَ فَ ْو َقهُ ْم يَ ْو َم ِئذٍ َثمَا ِنيَةٌ‬ ‫"فإضافة العرش إلى ال إضافة مخصوصة‪ ،‬وقد قال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬‬ ‫} (‪ ،)1004‬فإذا كان العرش مضافا إلى ال في هذه الية ونحوها إضافة اختصاص‪ ،‬فذلك يوجب أن يكون‬ ‫بي نه وب ين ال ‪-‬تعالى‪ -‬من الن سبة ما ل يس لغيره‪ ،‬ف ما يذكره الجهم ية من ال ستيلء‪ ،‬والقدرة‪ ،‬وغ ير‬ ‫ذلك‪ ،‬أمر مشترك بين العرش‪ ،‬وسائر المخلوقات"(‪.)1005‬‬ ‫عرْ شَ َربّ كَ } ينفي‬ ‫وما في هذا من قوله‪ " :‬عنده فوق عرشه"‪ ،‬واليات نحو { ذُو ا ْلعَرْ شِ }‪ ،‬و{ َ‬ ‫أن يكون الثا بت من الضا فة هو القدر المشترك ب ين سائر المخلوقات‪ ،‬ك ما تقوله الجهم ية وأتباع هم‪،‬‬ ‫ويوجب اختصاصا للعرش بال ليس لغيره من سائر‬ ‫‪339‬‬ ‫المخلوقات‪ ،‬وقد علم المسلمون أنه استوى على عرشه استواء يليق بجلله وعظمته‪ ،‬كما أخبرهم‬ ‫ربهم بذلك‪ ،‬ونبيهم –صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫و ما نقله الحا فظ عن الخطا بي أن مع نى "فوق العرش" أي‪ " :‬عنده علم ذلك ف هو ل ين ساه‪ ،‬ول‬ ‫يبدله" هو من تخبطات أ هل التأو يل‪ ،‬ويقال له‪ :‬و هل علم ال يخ تص بهذا الكتاب‪ ،‬ف هو الذي ل ين ساه‪،‬‬ ‫ول يبدله‪ ،‬وأمها سهائر الكون فليهس عنده علمهه أو ينسهاه ويبدله؟ إن الجدى بالخطابهي ومهن يشتغهل‬ ‫بالحديث أن يتبع كلم رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬ول يحمله على المذاهب الباطلة‪ ،‬بل يجب أن‬ ‫‪ )(1004‬الية ‪ 17‬من سورة الحاقة ‪.‬‬ ‫‪" )(1005‬نقض التأسيس" (‪.)577-1/570‬‬ ‫‪262‬‬

‫يصهونه عهن مثهل هذه التحريفات الباردة‪ .‬والحهق أن قوله‪" :‬عنده فوق عرشهه" على ظاهره‪ ،‬وأن كهل‬ ‫تأويل له عن ظاهره‪ ،‬تبديل للمعنى الذي أراده رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬ونحن نؤمن إيمانا‬ ‫يقينا قاطعا – وكل المؤمنين‪ -‬أن الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أحرص على عقيدة المسلمين‪ ،‬وعلى‬ ‫تنزيهه ال –تعالى‪ -‬مهن هؤلء المحرفيهن لكلمهه‪ ،‬وههو كذلك أقدر على البيان واليضاح منههم‪ ،‬وههو‬ ‫كذلك أعلم بال‪ ،‬وما يجب له وما يمتنع عليه من هؤلء المتخبطين‪.‬‬ ‫فهذا كتاب خاص‪ ،‬وض عه عنده فوق عر شه‪ ،‬مثبتا ف يه ما ذ كر؛ لزيادة الهتمام به‪ ،‬ول ينا في‬ ‫ذلك أن يكون مكتوبا أيضا في اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫وهو كتاب حقيقة‪ ،‬كتبه ‪-‬تعالى‪ -‬كما ذكر لنا رسولنا –صلى ال عليه وسلم‪ -‬حقيقة‪ ،‬وهو عند‬ ‫ال حقي قة‪ ،‬فوق عر شه حقي قة‪ ،‬والمق صود أن ال‪-،‬تعالى‪ -‬م ستو على عر شه على الحقي قة‪ ،‬وعر شه‬ ‫فوق مخلوقاته كلها عالٍ عليها‪.‬‬

‫‪263‬‬

‫ص ‪340‬‬ ‫‪-51‬قال‪ :‬حدثنا إبراهيم بن المنذر‪ ،‬حدثني محمد بن فليح‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬حدثني هلل‪ ،‬عن‬ ‫عطاء بن يسار‪ ،‬عن أبي هريرة – ر ضي ال عنه ‪ ،-‬عن النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ " :‬من‬ ‫آمن بال ور سوله‪ ،‬وأقام الصلة‪ ،‬وصام رمضان‪ ،‬كان حقا على ال أن يدخله الجنة‪ ،‬هاجر في سبيل‬ ‫ال‪ ،‬أو جلس في أرضه التي ولد فيها " قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أفل ننبئ الناس بذلك؟ قال‪ :‬إن في الجنة‬ ‫مائة درجة‪ ،‬أعدها ال للمجاهدين في سبيله‪ ،‬كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والرض‪ ،‬فإذا سألتم‬ ‫ال‪ ،‬فسلوه الفردوس‪ ،‬فإنه أوسط الجنة‪ ،‬وأعلى الجنة‪ ،‬وفوقه عرش الرحمن‪ ،‬ومنه تفجر أنهار الجنة"‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬من آمن بال ورسوله " هذا هو الساس الذي يبنى عليه العمل‪ ،‬فل بد من اليمان بال‬ ‫ورسوله أولً قبل العمل‪ ،‬فكل عمل مشروط لصحته أن يكون العامل مؤمنا‪ ،‬قال ال ‪-‬تعالى‪{ :-‬ومن‬ ‫يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة} (‪.)1006‬‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪{ :-‬فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فل كفران لسعيه} (‪.)1007‬‬ ‫وقد ذكر ال ‪-‬تعالى‪ -‬عن رسله الذين أرسلهم إلى الناس أنهم دعوهم إلى اليمان بال‪ ،‬وعبادته‬ ‫وحده‪ ،‬وهو معنى قوله –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل ال‪،‬‬ ‫وأني ر سول ال " كما سبق‪ ،‬وتقدم حد يث معاذ‪ ،‬ح ين بع ثه النبي –صلى ال عل يه و سلم‪ -‬إلى الي من‪،‬‬ ‫وقال له‪ " :‬فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن ل إله إل ال " الخ‪.‬‬ ‫و اليمان بال ‪-‬تعالى‪ -‬يد خل ف يه اليمان بأ نه المالك ل كل ش يء‪ ،‬المت صرف ك يف يشاء‪ ،‬وأ نه‬ ‫الله الحق‪ ،‬الذي يجب أن يعبد وحده‪ ،‬ل شريك له في ذلك‪ ،‬ل ملك ول نبي‪ ،‬ول أحد من الخلق مهما‬ ‫علت منزلته‪ ،‬وحسنت عبادته‪.‬‬ ‫ص ‪341‬‬ ‫ويد خل ف يه اليمان بأ سماء ال الح سنى‪ ،‬و صفاته العل يا‪ ،‬وأن يث بت له ما أثب ته لنف سه‪ ،‬وأث بت له‬ ‫رسله‪ ،‬من غير تحريف ول تمثيل‪ ،‬ول تكييف ول تعطيل‪ ،‬بل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬وأقام الصلة" إقامة الصلة‪ :‬التيان بها على وفق أمر ال ‪-‬تعالى‪ -‬وأمر رسوله‪ ،‬كاملة‬ ‫في أفضل أوقاتها‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬و صام رمضان" ال صيام في الل غة‪ :‬هو الم ساك‪ ،‬و في الشرع‪ :‬إم ساك مخ صوص‪ ،‬عن‬ ‫أشياء مخصوصة‪ ،‬من طلوع الفجر‪ ،‬إلى غروب الشمس‪ ،‬تعبدا ل تعالى‪.‬‬

‫‪ )(1006‬الية ‪ 40‬من سورة غافر ‪.‬‬ ‫‪ )(1007‬الية ‪ 94‬من سورة النبياء‪.‬‬ ‫‪264‬‬

‫قال الحا فظ‪ :‬و سقط ذ كر ال حج‪ ،‬على أ حد الرواة؛ ل نه قد جاء ذكره في الترمذي‪ ،‬والحد يث لم‬ ‫يذكر لبيان الركان‪ ،‬فيجوز أنه اقتصر على ذكر البعض‪ ،‬لنه هو المتكرر غالبا‪ ،‬وأما الزكاة فل تجب‬ ‫إل على من له مال‪ ،‬بشرطه‪ ،‬والحج ل يجب إل مرة على التراخي"(‪.)1008‬‬ ‫والمقصود من الحديث‪ :‬أن من حصل له اليمان بال‪ ،‬وما يلزم له‪ ،‬من إيمان برسله‪ ،‬وملئكته‪،‬‬ ‫وكتبه‪ ،‬واليوم الخر‪ ،‬وبقضاء ال وقدره‪ ،‬مع التزام ما شرعه ال لعباده من المر‪ ،‬والنهي‪ ،‬وجاهد في‬ ‫سبيل ال‪ ،‬مع ما ذكر‪ ،‬استحق دخول الجنة على ال‪ ،‬ول بد أن يوفي ال ‪-‬تعالى‪ -‬بذلك‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬كان حقا على ال أن يدخله الجنهة" قهد تقدم الكلم على حهق العباد على ال‪ ،‬فهي حديهث‬ ‫معاذ‪ ،‬في الباب الول‪ ،‬و هو حق أح قه ال ‪-‬تعالى‪ -‬على نف سه ك ما قال ‪-‬تعالى‪{ :-‬ك تب رب كم على‬ ‫نفسه الرحمة} (‪.)1009‬‬ ‫قال الحا فظ‪ " :‬ل يس مع نى ذلك‪ ،‬أ نه لزم له‪ ،‬ل نه ل آ مر له‪ ،‬ول نا هي يو جب عل يه‪ ،‬ويلز مه‬ ‫المطالبة به‪ ،‬وإنما معناه إنجاز ما وعد به من الثواب‪ ،‬وهو ل يخلف الميعاد"(‪.)1010‬‬ ‫ص ‪342‬‬ ‫قلت‪ :‬ل يلزم من كونه حقا واجبا‪ ،‬أن يكون له آمر وناه يوجب عليه ذلك‪ ،‬بل هو ‪-‬تعالى‪ -‬الذي‬ ‫أوجبه على نفسه‪ ،‬فل بد من وقوعه‪ ،‬كما أخبر ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫قوله‪ " :‬ها جر في سبيل ال‪ ،‬أو جلس في أر ضه ال تي ولد في ها" الهجرة في الل غة هي‪ :‬الترك‪،‬‬ ‫والمفارقة‪ .‬والمقصود بها هنا‪ :‬النتقال من بلد الشرك والكفر إلى بلد السلم‪ ،‬وهي واجبة على المسلم‬ ‫إذا خاف الفتنة في دينه‪ ،‬أو منع من ممارسة شعائر دينه‪ ،‬وإعلنه ظاهرا‪.‬‬ ‫وتكون الهجرة بالنية والقصد‪ ،‬وتكون باللسان‪ ،‬وبالبدن‪.‬‬ ‫قال الراغب‪ " :‬الهجر‪ ،‬والهجران‪ :‬مفارقة النسان غيره‪ ،‬إما بالبدن‪ ،‬أو باللسان‪ ،‬أو بالقلب‪ ،‬قال‬ ‫‪-‬تعالى‪{ :-‬و اهجروهن في المضاجع}‬

‫(‪)1011‬‬

‫كناية عن عدم قربهن‪.‬‬

‫وقال تعالى‪{ :‬إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا } (‪ ،)1012‬فهذا هجر بالقلب واللسان‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬و اهجرهم هجرا جميلً } (‪)1013‬يحتمل الثلثة‪ ،‬وقوله‪{ :‬والرجز فاهجر} (‪ ،)1014‬حث على‬ ‫المفارقة بالوجوه كلها‪.‬‬

‫‪" )(1008‬الفتح" (‪.)6/12‬‬ ‫‪ )(1009‬الية ‪ 54‬من سورة النعام ‪.‬‬ ‫‪" )(1010‬الفتح" (‪.)13/413‬‬ ‫‪ )(1011‬الية ‪ 34‬من سورة النساء ‪.‬‬ ‫‪ )(1012‬الية ‪ 30‬من سورة الفرقان ‪.‬‬ ‫‪ )(1013‬الية ‪ 10‬من سورة المزمل ‪.‬‬ ‫‪ )(1014‬الية ‪ 4‬من سورة المدثر‪.‬‬ ‫‪265‬‬

‫والمهاجرة فهي الصهل‪ :‬مصهارمة الغيهر‪ ،‬ومتاركتهه‪ ،‬مهن قوله عهز وجهل‪{ :‬والذيهن هاجروا‬ ‫وجاهدوا} (‪ ،)1015‬وقوله‪{ :‬للفقراء والمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } (‪ ،)1016‬وقوله‪{ :‬ومن‬ ‫يخرج من بي ته مهاجرا إلى ال } (‪ ،)1017‬وقوله‪{ :‬فل تتخذوا من هم أولياء ح تى يهاجروا في سبيل ال}‬ ‫(‪ ،)1018‬فالظاهر منه‪ :‬الخروج من دار الكفر‪ ،‬إلى دار اليمان‪ ،‬كمن هاجر من مكة إلى المدينة"(‪.)1019‬‬ ‫ص ‪343‬‬ ‫ويد خل في ذلك هجران المعا صي‪ ،‬والشهوات‪ ،‬والخلق الذمي مة‪ ،‬وجم يع المعا صي ورفض ها‬ ‫واجتنابها‪.‬‬ ‫قال ابهن القيهم‪ " :‬وللعبهد فهي كهل وقهت هجرتان‪ :‬هجرة إلى ال بالطلب‪ ،‬والمحبهة‪ ،‬والعبوديهة‪،‬‬ ‫والتوكل‪ ،‬والنابة‪ ،‬والتسليم والتفويض‪ ،‬والخوف والرجاء‪ ،‬وصدق اللجاء‪ .‬وهجرة إلى رسوله –صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ -‬في حركاته وسكناته‪ ،‬الظاهرة‪ ،‬والباطنة‪ ،‬بحيث تكون موافقة لشرعه الذي هو تفضيل‬ ‫محاب ال‪ ،‬ومرضاته‪ ،‬ول يقبل ال من أحد دينا سواه"(‪.)1020‬‬ ‫وسبيل ال‪ :‬طاعته‪ ،‬واتباع أمره‪ ،‬واجتناب نهيه‪ ،‬واتباع رسوله – صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫قوله‪ " :‬أو جلس في أرضه التي ولد فيها" وفي رواية‪ " :‬في بيته"‪.‬‬ ‫والمعنى‪ :‬أنه بقي في بلده يعبد ربه‪ ،‬ول يشرك به شيئا‪ ،‬ولم يهاجر إلى المدينة النبوية‪ ،‬وذلك أن‬ ‫الهجرة كانهت فرضا على كهل قادر‪ ،‬فلمها فتحهت مكهة‪ ،‬ودخهل الناس فهي ديهن ال أفواجا‪ ،‬وأصهبحت‬ ‫جزيرة العرب كلها دار إسلم‪ ،‬إل القليل‪ ،‬نسخت الهجرة لجل ذلك‪ ،‬ولكن حكمها باق إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫قال الحافهظ‪ " :‬فيهه تأن يس ل من حرم الجهاد‪ ،‬وأ نه ل يس محروما من ال جر‪ ،‬بل له من اليمان‬ ‫والتزام الفرائض ما يوصله إلى الجنة‪ ،‬وإن قصر عن درجة المجاهدين"(‪.)1021‬‬ ‫قوله‪ " :‬فقالوا‪ :‬يا ر سول ال‪ ،‬أفل ننبئ الناس بذلك؟" رأوا أن هذا فيه بشارة للم سلمين‪ ،‬وت سهيل‬ ‫عظ يم علي هم‪ ،‬في عدم لزوم الهجرة‪ ،‬فإن ترك الو طن‪ ،‬وال هل والقارب‪ ،‬والمألوفات‪ ،‬كل ذلك ي شق‬ ‫على النفس‪ ،‬ول يقوى عليه كل أحد‪.‬‬ ‫قال الحا فظ‪ " :‬الذي خاط به بذلك هو معاذ بن ج بل – ك ما في روا ية الترمذي‪ -‬أو أ بو الدرداء‪،‬‬ ‫كما وقع عند الطبراني‪ ،‬وأصله في النسائي‪ ،‬لكن فيه‪ :‬فقلنا"(‪.)1022‬‬ ‫ص ‪344‬‬ ‫‪ )(1015‬الية ‪ 218‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪ )(1016‬الية ‪ 8‬من سورة الحشر‪.‬‬ ‫‪ )(1017‬الية ‪ 100‬من سورة النساء ‪.‬‬ ‫‪ )(1018‬الية ‪ 89‬من سورة النساء‪.‬‬ ‫‪" )(1019‬المفردات" (‪.)537-536‬‬ ‫‪" )(1020‬طريق الهجرتين" (ص ‪.)7‬‬ ‫‪" )(1021‬الفتح" (‪.)6/12‬‬ ‫‪" )(1022‬الفتح" (‪.)6/12‬‬ ‫‪266‬‬

‫قوله‪ " :‬إن في الجنة مائة درجة " جاء في رواية الترمذي‪ ،‬عن معاذ‪ " ،‬قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أل‬ ‫أخبر الناس؟ قال‪ " :‬ذر الناس يعملون‪ ،‬فإن في الجنة مائة درجة"(‪.)1023‬‬ ‫فظهر أن المراد‪ :‬ل تبشر الناس بما ذكر من دخول الجنة‪ ،‬لمن آمن وعمل العمال المفروضة‬ ‫عل يه‪ ،‬فيقفوا ع ند ذلك‪ ،‬ول يتجاوزوه إلى ما هو أف ضل م نه من الدرجات ال تي تح صل بالجهاد‪ ،‬وهذه‬ ‫هي النكتة في قوله‪ " :‬أعدها ال للمجاهدين"‪ ،‬وفي هذا تعقب على بعض شراح المصابيح‪ ،‬في قوله‪" :‬‬ ‫سوى النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬بين الجهاد في سبيل ال‪ ،‬وبين عدمه‪ ،‬وهو الجلوس في الرض‬ ‫التهي ولد فيهها؛ لن التسهوية ليسهت على عمومهها‪ ،‬وإنمها ههي فهي أصهل دخول الجنهة‪ ،‬ل فهي تفاوت‬ ‫الدرجات "(‪.)1024‬‬ ‫وهذه الدرجات للمجاهديهن فهي سهبيل ال خاصهة‪ ،‬ول ينفهي هذا وجود درجات أخهر لغيهر‬ ‫المجاهدين في الجنة‪ ،‬كما جاء في "سنن أبي داود" و"الترمذي" و"صححه"‪ :‬يقال لصاحب القرآن‪ " :‬اقرأ‬ ‫وارتق‪ ،‬ورتل‪ ،‬كما كنت ترتل في الدنيا‪ ،‬فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها"‬

‫(‪)1025‬‬

‫وعدد آيات القرآن ست‬

‫وثلثون ومائتان وستة آلف‪ ،‬على اختلف في ذلك‪.‬‬ ‫ولهذا قال‪ " :‬أعدهها ال للمجاهديهن فهي سهبيله‪ ،‬قال ابهن القيهم‪ " :‬يجوز أن تكون هذه المائة مهن‬ ‫جملة الدرج‪ ،‬ويجوز أن تكون نهايتها هذه المائة "(‪ ،)1026‬ورجح الول‪.‬‬ ‫"الجهاد‪ :‬استفراغ الوسع في مدافعة العدو‪ .‬وهو ثلثة أضرب‪ :‬مجاهدة العدو الظاهر‪ ،‬ومجاهدة‬ ‫الشيطان‪ ،‬ومجاهدة النفس"(‪ ،)1027‬وتدخل كلها في الجهاد في سبيل‬ ‫ص ‪345‬‬ ‫ال‪ ،‬ويشملهها قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬إن الذيهن آمنوا والذيهن هاجروا وجاهدوا فهي سهبيل ال أولئك‬ ‫يرجون رحمت ال وال غفور رحيم} (‪)1028‬ونحوها من اليات‪.‬‬ ‫وقال الحافهظ‪ " :‬الجهاد بكسهر الجيهم‪ :‬أصهله لغهة‪ :‬المشقهة‪ ،‬يقال‪ :‬جهدت جهادا‪ ،‬بلغهت المشقهة‪،‬‬ ‫وشرعا‪ :‬بذل الجهد في قتال الكفار‪ ،‬ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق"‪.‬‬ ‫فأما مجاهدة النفس‪ ،‬على تعلم أمور الدين‪ ،‬ثم على العمل بها‪ ،‬ثم تعليمها‪.‬‬ ‫وأما مجاهدة الشيطان‪ ،‬فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات‪ ،‬وما يزينه من الشهوات‪.‬‬ ‫وأما مجاهدة الكفار‪ ،‬فتقع باليد‪ ،‬والمال‪ ،‬واللسان‪ ،‬والقلب‪.‬‬

‫‪ )(1023‬انظر "السنن للترمذي" (‪.)4/82‬‬ ‫‪" )(1024‬الفتح" (‪.)6/12‬‬ ‫‪ )(1025‬انظر " سنن أبي داود" (‪ ، )2/153‬و "الترمذي" (‪" ، )4/248‬فضائل القرآن " (رقم ‪.)2915‬‬ ‫‪" )(1026‬حادي الرواح" (ص ‪.)6‬‬ ‫‪" )(1027‬المفردات" (ص ‪.)101‬‬ ‫‪ )(1028‬الية ‪ 218‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪267‬‬

‫وأما مجاهدة الفساق‪ :‬فباليد‪ ،‬ثم اللسان‪ ،‬ثم القلب"(‪.)1029‬‬ ‫قوله‪ " :‬كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والرض " المقصود بالدرجة‪ :‬المنزلة المعدة لمن‬ ‫ي ستحقها من أ هل اليمان‪ ،‬والع مل‪ ،‬ودرجات الج نة كثيرة‪ ،‬ك ما تقد مت الشارة إل يه‪ ،‬ول شك أن كل‬ ‫درجة تختلف عن التي دونها بما فيها من أنواع النعيم والحسن‪.‬‬ ‫وهذا التفاوت العظيهم فهي الدرجات لتفاوت أعمال العامليهن فهي اليمان‪ ،‬والمقاصهد‪ ،‬والخشيهة‪،‬‬ ‫والخلص‪ ،‬والمحبة‪ ،‬والنابة‪ ،‬والجد‪ ،‬وكثرة العمل‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ " :‬عند الترمذي‪ :‬ما بين كل درجتين مائة عام‪ ،‬وللطبراني‪ :‬خمسمائة عام‪ ،‬فإن كانتا‬ ‫محفوظتيهن‪ ،‬كان اختلف العدد بالنسهبة إلى اختلف السهير‪ ،‬وفهي روايهة للترمذي‪ :‬لو أن العالميهن‬ ‫اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم"(‪.)1030‬‬ ‫وقال ا بن الق يم‪ :‬ل تنا قض ب ين تقد ير ما ب ين الدرجت ين‪ ،‬لختلف ال سير في ال سرعة‪ ،‬والب طء‪،‬‬ ‫والنبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬ذكر هذا تقريبا للفهام"(‪.)1031‬‬ ‫ص ‪346‬‬ ‫قوله‪ " :‬فإذا سهألتم ال‪ ،‬فسهلوه الفردوس"‪ ،‬الفردوس‪ :‬اسهم يطلق على جميهع الجنهة‪ ،‬ويطلق على‬ ‫أفضلها وأعلها‪ ،‬كأنه أحق بهذا السم من غيره من الجنات‪.‬‬ ‫قال ‪-‬تعالى‪{ :-‬أولئك هم الوارثون (‪ )10‬الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} (‪.)1032‬‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪{ :-‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلً} (‪.)1033‬‬ ‫و أصهل الفردوس‪ :‬البسهتان‪ ،‬والفراديهس‪ :‬البسهاتين‪ ،‬قال الليهث‪ :‬الفردوس‪ :‬الجنهة ذات الكروم‪،‬‬ ‫يقال‪ :‬كرم مفردس‪ ،‬أي معرش‪.‬‬ ‫وقال الضحاك‪ :‬هي الج نة الملت فة بالشجار‪ ،‬واختاره ال مبرد‪ ،‬وقال‪ :‬الفردوس في ما سمعت من‬ ‫كلم العرب‪ :‬الشجر الملتف‪ ،‬والغلب عليه العنب‪.‬‬ ‫وقال مجا هد‪ :‬هو الب ستان بالروم ية واختاره الزجاج‪ ،‬وقال‪ :‬حقيق ته‪ :‬الب ستان الذي يج مع كل ما‬ ‫يكون في البساتين"(‪.)1034‬‬ ‫و في "الل سان"‪ " :‬الفردوس‪ :‬الب ستان؛ قال الفراء‪ :‬هي عر بي‪ ،‬قال ا بن سيده‪ :‬الفردوس‪ :‬الوادي‬ ‫الخصيب عند العرب‪ ،‬وهو بلسان الروم‪ :‬البستان"(‪ ،)1035‬وذكر نحو ما تقدم‪.‬‬ ‫‪" )(1029‬الفتح" ج ‪ 6‬فاتحته ‪.‬‬ ‫‪ )(1030‬المصدر نفسه (ص ‪.)13-12‬‬ ‫‪" )(1031‬حادي الرواح" (ص ‪.)61‬‬ ‫‪ )(1032‬اليتان ‪ 10‬و ‪ 11‬من سورة المؤمنون‪.‬‬ ‫‪ )(1033‬الية ‪ 107‬من سورة الكهف ‪.‬‬ ‫‪" )(1034‬حادي الرواح" (ص ‪.)75-74‬‬ ‫‪" )(1035‬لسان العرب" (‪.)2/1069‬‬ ‫‪268‬‬

‫قوله‪ " :‬فإ نه أو سط الج نة‪ ،‬وأعلى الج نة" قال الحا فظ‪ " :‬المراد بالو سط ه نا‪ :‬العدل والف ضل‪،‬‬ ‫كقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا} (‪ ،)1036‬فعلى هذا فعطف العلى عليه للتأكيد‪.‬‬ ‫وقال الطيبي‪ :‬المراد بأحدهما‪ :‬العلو الحسي‪ ،‬وبالخر‪ :‬العلو المعنوي‪.‬‬ ‫وقال ابن حبان‪ :‬المراد بالوسط‪ :‬السعة‪ ،‬وبالعلى‪ :‬الفوقية "(‪.)1037‬‬ ‫قلت‪ :‬الظاهر أن المراد أن الفردوس‪ ،‬هو وسط الجنة‪ ،‬وهو أعلها‪ ،‬على ظاهر النص‪ ،‬يعني‪:‬‬ ‫أن الجنان الخرى عن جوانبه‪ ،‬ومن تحته‪ ،‬وهو أعلها‪ ،‬ويدل على‬ ‫ص ‪347‬‬ ‫ذلك قوله‪ " :‬وفوقه عرش الرحمن " فليس فوق الفردوس إل عرش الرحمن – جل وعل‪ ،-‬كما‬ ‫يدل عليه أيضا قوله‪ " :‬ومنه تفجر أنهار الجنة "؛ لن النهار عادة تنبع من العلى‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬وفو قه عرش الرح من " هذه الجملة هي المق صود من سياق الحد يث؛ ل نه يدل على أن‬ ‫أعلى مخلوق هو العرش‪ ،‬وليس فوق العرش مخلوق‪ ،‬ولكن الرحمن – جل وعل‪ -‬فوقه‪.‬‬ ‫قال ا بن خزي مة‪ " :‬فال خبر ي صرح أن عرش رب نا – جل وعل – فوق جن ته‪ ،‬و قد أعلم نا – عز‬ ‫ل فوق عرشه‪ ،‬الذي هو فوق جنته"‬ ‫وجل – أنه مست ٍو على عرشه‪ ،‬فخالقنا عا ٍ‬

‫(‪)1038‬‬

‫وذكر بسنده‪ ،‬عن عبدال بن مسعود‪ " :‬قال‪ :‬ما بين كل سماء إلى الخرى مسيرة خمسمائة عام‪،‬‬ ‫وما بين السماء والرض مسيرة خمسمائة عام‪ ،‬وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة‬ ‫عام‪ ،‬و ما ب ين الكر سي إلى الماء م سيرة خم سمائة عام‪ ،‬والعرش على الماء‪ ،‬وال على العرش‪ ،‬ويعلم‬ ‫أعمالكم"(‪.)1039‬‬ ‫وذكر له طرقا عدة‪ ،‬وهو صحيح‪ ،‬ورواه البيهقي عن أبي ذر مرفوعا‪ ،‬قريبا من لفظه‪.‬‬

‫(‪)1040‬‬

‫وعلو ال ‪-‬تعالى‪ -‬وا ستواؤه على عر شه‪ ،‬مج مع عل يه ب ين ال صحابة والتابع ين وأئ مة الم سلمين‬ ‫ومن تبعهم‪ ،‬ولم يخالف فيه إل من هو منهم على السلم‪ ،‬أو مغرور بالتقليد لمن يحسن به الظن‪.‬‬ ‫" وأول من ابتدع بأن ال ‪-‬تعالى‪ -‬ليس فوق العرش في السلم هو الجعد بن درهم‪ ،‬والجهم بن‬ ‫صفوان‪ ،‬وشيعته ما‪ ،‬و هم ع ند أئ مة الم سلمين من شرار أ هل الهواء‪ ،‬و قد أطلق ال سلف من القول‬ ‫بتكفير هم ما لم يطلقوه على أ حد‪ ،‬وقالوا‪ :‬نح كي كلم اليهود‪ ،‬والن صارى‪ ،‬ول ن ستطيع أن نح كي كلم‬ ‫الجهمية‪ ،‬كما‬ ‫ص ‪348‬‬

‫‪ )(1036‬الية ‪ 143‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪" )(1037‬الفتح" (‪.)6/13‬‬ ‫‪ )(1038‬كتاب " التوحيد" (ص ‪.)104‬‬ ‫‪ )(1039‬كتاب " التوحيد" (ص ‪.)105‬‬ ‫‪ )(1040‬انظر ‪ " :‬السماء والصفات" (ص ‪.)401‬‬ ‫‪269‬‬

‫قال عبدال بن المبارك‪ ،‬وقالوا‪ :‬اتفق المسلمون‪ ،‬واليهود‪ ،‬والنصارى‪ ،‬على أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬فوق‬ ‫العرش‪ ،‬وقالت الجهمية‪ :‬ليس ال فوق العرش"(‪.)1041‬‬

‫‪" )(1041‬نقض التأسيس" (‪.)1/127‬‬ ‫‪270‬‬

‫ص ‪349‬‬ ‫‪-52‬قال‪ " :‬حدثنا يحيى بن جعفر‪ ،‬حدثنا أبو معاوية‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن إبراهيم – هو التيمي –‬ ‫عن أبيه‪ ،‬عن أبي ذر‪ ،‬قال‪ " :‬دخلت المسجد‪ ،‬ورسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬جالس؛ فلما غربت‬ ‫الشمهس قال‪ :‬يها أبها ذر‪ ،‬ههل تدري أيهن تذههب هذه؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬ال ورسهوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬فإنهها تذههب‬ ‫تستأذن في السجود‪ ،‬فيؤذن لها‪ ،‬وكأنها قد قيل لها‪ :‬ارجعي من حيث جئت‪ ،‬فتطلع من مغربها‪ ،‬ثم قرأ‪:‬‬ ‫(ذلك مستقر لها) في قراءة عبد ال"‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬أتدري أيهن تذههب هذه؟" هذا السهلوب مهن التعليهم كان النهبي –صهلى ال عليهه وسهلم‪-‬‬ ‫ي ستعمله مع أ صحابه‪ ،‬و هو من ال ساليب ال تي تر سخ المعلومات في الذ هن؛ لن الم سئول يب قى بعده‬ ‫يتطلع إلى الجواب بإقبال ولهف‪ ،‬فإذا ورد عل يه الجواب وهو بهذه الحال‪ ،‬ثبت في قلبه‪ ،‬ورسخ لديه‪،‬‬ ‫وقد سبقت الشارة إلى ذلك‪.‬‬ ‫ستَ َقرّ ّلهَا} (‪ ،)1042‬قال ابن‬ ‫جرِي ِلمُ ْ‬ ‫شمْسُ َت ْ‬ ‫قوله‪ " :‬ذلك مستقر لها" هذا تفسير لقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬وَال ّ‬ ‫كثير‪ " :‬فيه قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أن المراد‪ :‬مستقرها المكاني‪ ،‬وهو تحت العرش مما يلي الرض‪ ،‬من ذلك‬ ‫الجا نب‪ ،‬و هي أين ما كا نت ف هي ت حت العرش‪ ،‬هي وجم يع المخلوقات؛ ل نه سقفها‪ ،‬ول يس بكرة‪ ،‬ك ما‬ ‫يزع مه كث ير من أرباب الهيئة‪ ،‬وإن ما هو ق بة ذات قوائم‪ ،‬تحمله الملئ كة‪ ،‬و هو فوق العالم‪ ،‬م ما يلي‬ ‫رؤوس الناس‪ ،‬فالشمس إذا كانت في قبة الفلك‪ ،‬وقت الظهيرة‪ ،‬تكون أقرب ما تكون إلى العرش‪ ،‬فإذا‬ ‫ا ستدارت في فلك ها الرا بع‪ ،‬إلى مقابلة هذا المقام‪ ،‬و هو و قت ن صف الل يل‪ ،‬صارت أب عد ما تكون من‬ ‫العرش‪ ،‬فحينئذ تسجد‪ ،‬وتستأذن في الطلوع‪ ،‬كما جاءت بذلك الحاديث " ثم ذكر هذا الحديث بطرقه‪،‬‬ ‫ثهم قال‪ " :‬والقول الثانهي‪ :‬أن المراد بمسهتقرها" ههو منتههى سهيرها‪ ،‬وههو يوم القيامهة‪ ،‬يبطهل سهيرها‪،‬‬ ‫وتسكن حركتها‪ ،‬وتكور‪ ،‬وينتهي هذا العالم إلى غايته‪ ،‬وهذا مستقرها الزماني"(‪.)1043‬‬ ‫ص ‪350‬‬ ‫قوله‪ " :‬ت ستأذن في ال سجود‪ ،‬فيؤذن ل ها" أي‪ :‬تطلب من ال الذن في موا صلة سيرها في حالة‬ ‫سجودها‪ ،‬فيأذن ال ‪-‬تعالى‪ -‬ل ها إلى الو قت الذي ت ستأذن‪ ،‬ثم ل يؤذن ل ها‪ ،‬فتب قي في مكان ها‪ ،‬ثم يقال‬ ‫ل ها‪ :‬ارج عي من ح يث جئت‪ ،‬فينع كس سيرها‪ ،‬ح يث تطلع على الناس من المغرب‪ ،‬ول بد أن تطلع‬ ‫على كل الناس من مغربها‪ ،‬وعند ذلك يؤمنون‪ ،‬ولكن ل ينفعهم إيمانهم‪ ،‬كما أخبر ال ‪-‬تعالى‪ -‬بذلك‪،‬‬ ‫وهذا إيذان بانقضاء هذه الدار‪.‬‬ ‫ِكه تَ ْقدِيرُ‬ ‫ُسهتَ َقرّ لّه َا ذَل َ‬ ‫جرِي ِلم ْ‬ ‫ْسه َت ْ‬ ‫شم ُ‬ ‫قال الكرمانهي‪ " :‬القراءة المشهورة المتواترة ههي‪ { :‬وَال ّ‬ ‫ا ْل َعزِيزِ ا ْلعَلِيمِ } وقراءة عبدال بن مسعود‪ :‬ذلك مستقرها"(‪.)1044‬‬ ‫‪ )(1042‬الية ‪ 38‬من سورة يس ‪.‬‬ ‫‪" )(1043‬تفسير ابن كثير" (‪.)563-6/562‬‬ ‫‪ )(1044‬الكرماني (‪.)25/633‬‬ ‫‪271‬‬

‫هكذا قال‪ ،‬والذي في "البخاري"‪ :‬مستقر لها‪ ،‬ولم يقرأ بها أحد من القراء‪.‬‬ ‫قال ابن كثير‪ " :‬قرأ ابن مسعود‪ ،‬وابن عباس‪( :‬والشمس تجري ل مستقر لها) أي‪ :‬ل قرار لها‪،‬‬ ‫ول سكون‪ ،‬بل هي سائرة ليلً ونهارا‪ ،‬ل تفتر‪ ،‬ول تقف"(‪.)1045‬‬ ‫فعلى هذا يكون لبن مسعود فيها قراءتان‪ ،‬وافقه ابن عباس على إحداهما‪ ،‬وهما شاذتان‪.‬‬ ‫و قد ذ كر البخاري – رح مه ال – هذا الحد يث في بدء الخلق‪ ،‬وف يه " فإن ها تذ هب ح تى ت سجد‬ ‫تحت العرش"‪.‬‬ ‫وسيأتي في آخر الباب بعد هذا‪ ،‬وفيه‪ " ،‬قال‪ :‬مستقرها تحت العرش"‪ ،‬وذكر أيضا هذين اللفظين‬ ‫في تفسير سورة يس‪ ،‬وبذلك تظهر مناسبة الحديث للباب‪ ،‬فذكره لجل ما فيه من قوله‪ " :‬تذهب حتى‬ ‫تسجد تحت العرش"‪ ،‬وقوله‪ " :‬مستقرها تحت العرش" في غير هذه الرواية هنا‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ " :‬وأخرجه النسائي بلفظ‪ " :‬تذهب حتى تنتهي تحت العرش‪ ،‬عند ربها"(‪ ،)1046‬وهو‬ ‫واضهح فهي أن سهجودها فهي أرفهع مها تكون‪ ،‬وأقرب مها تكون إلى العرش‪ ،‬ومعلوم أنهها دائما تحهت‬ ‫العرش‪ ،‬ولكن سجودها في مكان معين من‬ ‫ص ‪351‬‬ ‫مسيرها‪ ،‬وهو دليل واضح على العرش‪ ،‬وارتفاعه العظيم‪ ،‬وهذا هو مراد البخاري – رحمه ال‬ ‫– من الحديث‪ ،‬ومعلوم أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬فوق العرش كما سبق‪.‬‬ ‫قال الحا فظ‪ " :‬قوله‪ :‬ت حت العرش" ق يل‪ :‬معناه‪ :‬هي ح ين محاذات ها‪ ،‬ول يخالف هذا قوله تعالى‪:‬‬ ‫{وجدها تغرب في عين حمئة} (‪ ،)1047‬فإن المراد بها‪ :‬نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب‪ ،‬وسجودها‬ ‫تحت العرش إنما هو بعد الغروب"‪.‬‬ ‫قال‪ " :‬و في الحد يث رد على من ز عم أن المراد بم ستقرها‪ :‬غا ية ما تنت هي إل يه في الرتفاع‪،‬‬ ‫وذلك أطول يوم في السنة "‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬مستقرها‪ :‬منتهى أمرها‪ ،‬عند انتهاء الدنيا‪.‬‬ ‫وقال الخطا بي‪ :‬يحت مل أن يكون المراد با ستقرارها ت حت العرش‪ :‬أن ها ت ستقر تح ته ا ستقرارا ل‬ ‫نحيط به نحن‪ ،‬وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق سيرها ودورانها فيه‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وظا هر الحد يث أن المراد بال ستقرار‪ :‬وقو عه في كل ليلة ويوم ع ند سجودها‪ ،‬ومقا بل‬ ‫الستقرار‪ :‬المسير المعبر عنه بالجري " انتهى(‪.)1048‬‬ ‫وقال أيضا‪ " :‬وظاهر الحديث‪ :‬أن الشمس هي التي تسير‪ ،‬وتجري‪.‬‬ ‫‪" )(1045‬تفسير ابن كثير " (‪.)6/563‬‬ ‫‪" )(1046‬الفتح" (‪.)8/541‬‬ ‫‪ )(1047‬الية ‪ 86‬من سورة الكهف‪.‬‬ ‫‪" )(1048‬الفتح" ملخصاً (‪.)8/542‬‬ ‫‪272‬‬

‫وقال ا بن العر بي‪ :‬أن كر قوم سجودها‪ ،‬و هو صحيح مم كن‪ ،‬وتأوله قوم على ما هي عل يه من‬ ‫التسخير الدائم‪ ،‬ول مانع من أن تخرج عن مجراها‪ ،‬فتسجد ثم ترجع‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬إن أراد بالخروج‪ :‬الوقوف‪ ،‬فواضح‪ ،‬وإل فل دليل على الخروج" اهه‪.‬‬

‫(‪)1049‬‬

‫قلت‪ :‬وكونهها تسهجد تحهت العرش ل يقتضهي مفارقتهها لفلكهها وانتظامهها فهي مسهيرها بالنسهبة‬ ‫للرض‪ ،‬فهي دائمة الطلوع على جزء من الرض‪ ،‬والوقات بالنسبة إلى أهل الرض تختلف بمقدار‬ ‫سيرها‪.‬‬ ‫ص ‪352‬‬ ‫ومعلوم أن تعاقب الليل والنهار واختلفهما يترتب على مسيرها‪ ،‬فربما يقول قائل‪ :‬أين سجودها‬ ‫تحت العرش؟ ومتى يكون؟ وسيرها مستمر‪ ،‬وبعدها عن الرض ل يختلف في وقت من الوقات كما‬ ‫أن سيرها ل يتغير‪ ،‬كما هو مشاهد‪.‬‬ ‫والجواب‪ :‬أنها تسجد كل ليلة تحت العرش‪ ،‬كما أخبر به الصادق المصدوق‪ ،‬وهي طالعة على‬ ‫جانب من الرض‪ ،‬مع سيرها في فلكها‪ ،‬وهي دائما تحت العرش‪ ،‬في الليل والنهار‪ ،‬بل وكل شيء‬ ‫من المخلوقات ت حت العرش‪ ،‬لكن ها في و قت من سيرها‪ ،‬و في مكان مع ين‪ ،‬ي صلح سجودها‪ ،‬الذي ل‬ ‫يدركه الخلق‪ ،‬ولكن علم بالوحي‪ ،‬وهو سجود يناسبها على ظاهر النص‪.‬‬ ‫أما التسخير‪ :‬فهي ل تنفك عنه أبدا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬ ‫قال ش يخ ال سلم‪ " :‬فإذا كان ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬قد أ خبر أن ها ت سجد كل ليلة ت حت‬ ‫العرش‪ ،‬فقد علم اختلف حالها بالليل والنهار‪ ،‬مع كون سيرها في فلكها من جنس واحد‪ ،‬وأن كونها‬ ‫تحت العرش ل يختلف في نفسه‪ ،‬وإنما ذلك اختلف بالنسبة والضافة‪ ،‬علم أن تنوع النسب والضافة‬ ‫ل يقدح فيما هو ثبات في نفسه ل مختلف"(‪.)1050‬‬ ‫يعني‪ :‬أن اختلف السير يكون بالنسبة لمن في الرض‪ ،‬فهي تطلع على جانب منها وتغرب عن‬ ‫جانهب آخهر‪ ،‬مهع أن سهيرها فهي فلكهها ليهس فيهه هذا الختلف‪ ،‬فل يختلف سهجودها باختلف الليهل‬ ‫والنهار؛ لن هذا الختلف يكون بالنسبة إلى من في الرض‪ ،‬وبالضافة إليهم‪ ،‬أما هي فسجودها في‬ ‫مكان معين من سيرها‪ ،‬وفي وقت معين ل يختلف‪.‬‬ ‫ثهم قال –رحمهه ال ‪ " :-‬ومهن هنها يظههر الجواب عمها ذكره ابهن حزم‪ ،‬وغيره فهي حديهث‬ ‫النزول(‪ ،)1051‬حيهث قالوا‪ :‬قهد ثبهت أن الليهل يختلف بالنسهبة إلى الناس‪ ،‬فيكون أوله ونصهفه وثلثهه‬ ‫بالمشرق قبل أوله‪ ،‬ونصفه وثلثه بالمغرب‪ ،‬قالوا‪ :‬فلو كان‬ ‫ص ‪353‬‬ ‫‪" )(1049‬الفتح" (‪.)6/299‬‬ ‫‪" )(1050‬بيان تلبيس الجهمية" (‪.)2/228‬‬ ‫‪ )(1051‬سيأتي شرحه – إن شاء ال تعالى ‪ ، -‬وهذا الكلم محله شرح حديث النزول ‪ ،‬ولكن لشدة ارتباطاه‬ ‫بما ذكر في سير الشمس أحببت إثباته هنا ‪.‬‬ ‫‪273‬‬

‫النزول هو النزول المعروف‪ ،‬للزم أن ينزل في جميع أجزاء الليل‪ ،‬إذ ل يزال في الرض ليل‪،‬‬ ‫قالوا‪ :‬أو ل يزال نازلً وصاعدا‪ ،‬وهو جمع بين الضدين‪.‬‬ ‫وهذا إنما قالوه لتخيلهم من نزوله ‪-‬تعالى‪ -‬ما يتخيلونه من نزول أحدهم‪ ،‬وهذا عين التمثيل‪ ،‬ثم‬ ‫إن هم ب عد ذلك جعلوه كالوا حد العا جز من هم‪ ،‬الذي ل يمك نه أن يج مع من الفعال ما يع جز غيره عن‬ ‫جمعه‪.‬‬ ‫وقد جاءت الحاديث بأنه يحاسب خلقه يوم القيامة‪ ،‬كل منهم يراه مخليا به‪ ،‬ويناجيه‪ ،‬ل يرى أنه‬ ‫متخليا لغيره‪ ،‬ول مخاطبا لغيره"(‪.)1052‬‬ ‫وسيأتي – إن شاء ال تعالى – إيضاح الرد على شبههم هذه وغيرها في شرح الحديث‪.‬‬ ‫و في " صحيح م سلم"‪ ،‬عن أ بي ذر – ر ضي ال ع نه – قال‪ :‬سألت ر سول ال – صلى ال عل يه‬ ‫ستَ َقرّ ّلهَا } قال‪ " :‬مستقرها تحت العرش"(‪.)1053‬‬ ‫جرِي ِل ُم ْ‬ ‫شمْسُ َت ْ‬ ‫وسلم‪ -‬عن قول ال ‪-‬تعالى‪ { :-‬وَال ّ‬ ‫وهذا يعين المقصود بالمستقر‪ ،‬وأنه‪ :‬الموضع الذي تسجد فيه لربها‪ ،‬وتستأذن بمواصلة سيرها‪،‬‬ ‫وأن هذا يكون كل ليلة بالنسبة إلينا‪ ،‬ويجوز أن يكون بالنهار بالنسبة لغيرنا كأمريكا مثلً‪.‬‬ ‫وقد روى مسلم هذا الحديث مبسوطا مبينا‪ ،‬حيث قال بعد ذكر السند‪ " :‬عن أبي ذر – رضي ال‬ ‫عنهه – أن النهبي – صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬قال يوما‪ " :‬أتدرون أيهن تذههب هذه الشمهس؟" قالوا‪ :‬ال‬ ‫ور سوله أعلم‪ ،‬قال‪ " :‬إن هذه تجري ح تى تنت هي إلى م ستقرها ت حت العرش‪ ،‬فت خر ساجدة‪ ،‬فل تزال‬ ‫كذلك‪ ،‬حتى يقال لها‪ :‬ارتفعي‪ ،‬ارجعي من حيث جئت‪ ،‬فترجع‪ ،‬فتصبح طالعة من مطلعها‪ ،‬ثم تجري‬ ‫حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش‪ ،‬فتخر ساجدة‪ ،‬ول تزال كذلك‪ ،‬حتى يقال لها‪ :‬ارتفعي‪ ،‬ارجعي‬ ‫من حيث جئت‪ ،‬فترجع‪ ،‬فتصبح طالعة من مطلعها‪ ،‬ثم تجري ل يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي‬ ‫إلى مستقرها تحت العرش‪ ،‬فيقال لها‪ :‬ارتفعي‪ ،‬أصبحي طالعة من‬ ‫ص ‪354‬‬ ‫مغر بك‪ ،‬فت صبح طال عة من مغرب ها" فقال ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬أتدرون م تى‬ ‫ذاكم؟ ذاك حين ل ينفع نفسا إيمانها‪ ،‬لم تكن آمنت من قبل‪ ،‬أو كسبت في إيمانها خيرا"(‪.)1054‬‬ ‫جدُ‬ ‫وقد ذكر ال ‪-‬تعالى‪ -‬في كتابه أن الشمس والقمر يسجدان له تعالى فقال‪ { :‬أَلَمْ َترَ َأنّ اللّ َه يَسْ ُ‬ ‫شمْسُ وَا ْل َق َمرُ} (‪.)1055‬‬ ‫لرْضِ وَال ّ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَن فِي ا َ‬ ‫لَ ُه مَن فِي ال ّ‬

‫‪" )(1052‬بيان تلبيس الجهمية" (‪.)2/228‬‬ ‫‪" )(1053‬صحيح مسلم" (‪.)1/39‬‬ ‫‪" )(1054‬صحيح مسلم" (‪ ،)1/138‬وانظر ‪ " :‬شرح النووي" (‪.)2/195‬‬ ‫‪ )(1055‬الية ‪ 18‬من سورة الحج ‪.‬‬ ‫‪274‬‬

‫ص ‪355‬‬ ‫‪-53‬قال‪ " :‬حدثنا موسى‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬حدثنا ابن شهاب‪ ،‬عن عبيد بن السباق‪ ،‬أن زيد بن ثابت‪.‬‬ ‫وقال الل يث‪ :‬حدث ني ع بد الرح من بن خالد‪ ،‬عن ا بن شهاب‪ ،‬عن ا بن ال سباق‪ ،‬أن ز يد بن ثا بت‬ ‫حدثهه‪ ،‬قال‪ :‬أرسهل إلىّ أبهو بكهر‪ ،‬فتتبعهت القرآن‪ ،‬حتهى وجدت آخهر سهورة التوبهة مهع أبهي خزيمهة‬ ‫س ُكمْ }‬ ‫ن أَن ُف ِ‬ ‫النصاري لم أجدها مع أحد غيره‪ { :‬لَ َق ْد جَاء ُكمْ رَسُولٌ مّ ْ‬

‫(‪)1056‬‬

‫حتى خاتمة براءة "‪.‬‬

‫زيهد بهن ثابهت بهن الضحاك بهن زيهد بهن لوذان‪ ،‬النجاري‪ ،‬النصهاري‪ ،‬أبهو سهعيد‪ ،‬ويقال‪ :‬أبهو‬ ‫خارجة‪ ،‬قدم النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬المدينة‪ ،‬وهو ابن إحدى عشرة سنة‪.‬‬ ‫وكان يك تب الو حي‪ ،‬قال الش عبي‪ :‬غلب ز يد الناس على اثنت ين‪ ،‬الفرائض‪ ،‬والقرآن‪ ،‬وكان أ حد‬ ‫أصحاب الفتوى من الصحابة‪.‬‬ ‫وقال مسروق‪ " :‬قدمت المدينة‪ ،‬فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم"‪ ،‬وفضائله كثيرة‪،‬‬ ‫توفي سنة ‪ ،4‬وقيل‪ ،51 :‬وقيل‪ ،55 :‬وقيل غير ذلك"(‪.)1057‬‬ ‫ومقصود البخاري – رحمه ال – من هذا الحديث‪ :‬هو ذكر العرش في الية الكريمة‪ ،‬حيث قال‬ ‫ت وَهُ َو رَبّ ا ْل َعرْشِ ا ْل َعظِيمِ } (‪.)1058‬‬ ‫ل هُوَ عََل ْيهِ تَ َوكّلْ ُ‬ ‫س ِبيَ الّلهُ ل إِلَههَ ِإ ّ‬ ‫حْ‬ ‫تعالى‪َ { :‬فإِن تَوَلّوْ ْا فَقُلْ َ‬ ‫قال المام ابن جرير – رحمه ال تعالى ‪ " :-‬يقول – تعالى ذكره – فإن تولى‪ ،‬يا محمد‪ ،‬هؤلء‬ ‫الذين جئتهم بالحق من عند ربك‪ ،‬من قومك‪ ،‬فأدبروا عنك‪ ،‬ولم يقبلوا ما أتيتهم به من النصيحة في‬ ‫سبِيَ الّل ُه } يكفي ني ر بي {ل إَِل َه ِإلّ ُهوَ} ل معبود‬ ‫ال‪ ،‬و ما دعوت هم إل يه من النور والهدى‪ ،‬ف قل‪ { :‬حَ ْ‬ ‫سهواه { عََليْهِه تَ َوكّلْتُه } وبهه وثقهت‪ ،‬وعلى عونهه اتكلت‪ ،‬وإليهه وإلى نصهره اسهتندت‪ ،‬فإنهه ناصهري‪،‬‬ ‫ومعيني‪ ،‬على من خالفني وتولى عني ومن غيركم من الناس‪ { ،‬وَ ُهوَ رَبّ ا ْل َعرْشِ ا ْل َعظِيمِ } الذي يملك‬ ‫ما دونه‪ ،‬والملوك كلهم مماليكه‪ ،‬وعبيده‪.‬‬ ‫ص ‪356‬‬ ‫و إنما عنى بوصفه – جل ثناؤه – نفسه بأنه رب العرش العظيم‪ :‬الخبر عن جميع ما دونه أنهم‬ ‫عبيده‪ ،‬وفي ملكه‪ ،‬وسلطانه؛ لن العرش العظيم إنما يكون للملوك‪ ،‬فوصف نفسه بأنه ذو العرش‪ ،‬دون‬ ‫سهائر خلقهه‪ ،‬وأنهه المالك العظيهم‪ ،‬دون غيره‪ ،‬وأن مهن دونهه فهي سهلطانه‪ ،‬وملكهه‪ ،‬جار عليهه حكمهه‬ ‫وقضاؤه"(‪.)1059‬‬ ‫وقال ابهن كثيهر‪ " :‬وههو رب العرش العظيهم" أي‪ :‬ههو مالك كهل شيهء‪ ،‬وخالقهه؛ لن العرش‬ ‫العظيم‪ ،‬الذي هو سقف المخلوقات‪ ،‬وجميع الخلئق من السماوات والرضيين وما فيهما وما بينهما‪،‬‬ ‫‪ )(1056‬الية ‪ 128‬من سورة براءة‪.‬‬ ‫‪" )(1057‬تهذيب التهذيب" (‪.)3/399‬‬ ‫‪ )(1058‬آخر آية من سورة براءة‪.‬‬ ‫‪" )(1059‬تفسير الطبري" (‪ )78-11/77‬بتحقيق محمود شاكر ‪.‬‬ ‫‪275‬‬

‫تحت العرش‪ ،‬مقهورون بقدرة ال –تعالى‪ ،-‬وعلمه محيط بكل شيء‪ ،‬وقدره نافذ في كل شيء‪ ،‬وهو‬ ‫على كل شيء وكيل"(‪.)1060‬‬ ‫وثبت عن أبي بن كعب – رضي ال عنه – أن هذه الية آخر ما نزل من القرآن (‪.)1061‬‬ ‫و قد تقدم أن تخ صيصه ‪-‬تعالى‪ -‬العرش بأ نه ر به‪ ،‬وإضاف ته إل يه ‪-‬تعالى‪ -‬يدل على أ مر زائد‬ ‫على ما في المخلوقات غيره من السماوات والرض بأنه ربها‪.‬‬ ‫وكذلك وصفه إياه بأنه عظيم وكريم ومجيد‪ ،‬وهذه الوصاف والضافة لم تأت في غير العرش‬ ‫من المخلوقات؛ وهذا لنه تعالى اختاره لقربه‪ ،‬واستوائه عليه‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة النصاري‪ ،‬لم أجدها مع أحد غيره" يعني‪:‬‬ ‫أنه ما وجدها مكتوبة‪ ،‬مثبتة بالكتابة‪ ،‬إل عند أبي خزيمة‪.‬‬ ‫وليس معنى ذلك أنه لم يحفظها إل أبو خزيمة‪ ،‬فإن زيدا وأُبيا‪ ،‬وأبا بكر‪ ،‬وغيرهم من الصحابة‪،‬‬ ‫كانوا يحفظون القرآن كله‪ ،‬وهو يريد من كتبها عن الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬بدون واسطة‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ " :‬قوله‪ :‬لم أجدها مع أحد غيره" أي‪ :‬مكتوبة؛ لما تقدم من أنه كان ل يكتفي بالحفظ‬ ‫دون الكتابة‪.‬‬ ‫ول يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن ل تكون تواترت عند من لم يتلقها من النبي –صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ -‬وإنما زيد كان يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة‪.‬‬ ‫ص ‪357‬‬ ‫ولعل هم لما وجدها ز يد عند أبي خزي مة تذكرو ها‪ ،‬كما تذكرها ز يد‪ ،‬وفائدة التت بع‪ :‬المبال غة في‬ ‫الستظهار‪ ،‬والوقوف عند ما كتب بين يدي النبي –صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫قال الخطابي‪ :‬هذا مما يخفى معناه‪ ،‬ويوهم أنه كان يكتفي في إثبات الية بخبر الشخص الواحد‪،‬‬ ‫وليس كذلك‪ ،‬فقد اجتمع في هذه الية زيد بن ثابت‪ ،‬وأبو خزيمة‪ ،‬وعمر"‪.‬‬ ‫ثم علق الحافظ على كلم الخطابي بقوله‪:‬‬ ‫"وكأنه ظن أن قولهم‪ :‬ل يثبت القرآن بخبر الوا حد‪ ،‬أي‪ :‬الش خص الوا حد‪ ،‬وليس كما ظن‪ ،‬بل‬ ‫المراد بخهبر الواحهد‪ :‬خلف التواتهر‪ ،‬فلو بلغهت رواة الخهبر عددا كثيرا‪ ،‬وفقهد شيئا مهن شروط‬ ‫المتواتر(‪ ،)1062‬لم يخرج عن كونه خبرا لواحد‪.‬‬ ‫والحق أن المراد بالنفي‪ :‬نفي وجودها مكتوبة‪ ،‬ل نفي كونها محفوظة"(‪.)1063‬‬ ‫ثم ذكر أحاديث تؤيد ما قال‪.‬‬ ‫‪" )(1060‬تفسير ابن كثير" (‪ )180-4/179‬ط الشعب ‪.‬‬ ‫‪ )(1061‬انظر ‪ :‬المصدرين السابقين ‪.‬‬ ‫‪ )(1062‬من كون الناقلين عددًا كثيراً ‪ ،‬يمتنع تواطؤهم على الكذب ‪ ،‬من أول السند إلى نهايته‪.‬‬ ‫‪" )(1063‬فتح الباري" (‪.)9/15‬‬ ‫‪276‬‬

‫وقال في موضع آ خر‪ " :‬والذي يظهر أن الذي أشار إليه أ نه فقده‪ ،‬ف قد وجودها مكتو بة‪ ،‬ل ف قد‬ ‫وجودها محفوظة‪ ،‬بل كانت محفوظة عنده‪ ،‬وعند غيره‪ ،‬ويدل على هذا قوله في حديث جمع القرآن‪" :‬‬ ‫فأخذت أتتبعه‪ ،‬من الرقاع والعسب"‬

‫(‪)1064‬‬

‫وقال أيضا‪ " :‬والرجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة – بالكنية‪ -‬والذي وجد‬ ‫معه الية من سورة الحزاب خزيمة‪.‬‬ ‫وأ بو خزي مة‪ ،‬ق يل‪ :‬هو ا بن أوس بن يز يد بن أحرم‪ ،‬مشهور بكني ته‪ ،‬دون ا سمه‪ ،‬وق يل‪ :‬هو‬ ‫الحارث بن خزيمة‪.‬‬ ‫وأما خزيمة‪ ،‬فهو ابن ثابت ذو الشهادتين"‬

‫(‪)1065‬‬

‫‪" )(1064‬الفتح" (‪.)8/518‬‬ ‫‪" )(1065‬الفتح" (‪.)9/15‬‬ ‫‪277‬‬

‫ص ‪358‬‬ ‫‪ -54‬قال‪ " :‬حدثنا معلى بن أسد‪ ،‬حدثنا وهيب عن سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أبي العالية‪ ،‬عن ابن‬ ‫عباس – ر ضي ال عنه ما – قال‪ :‬كان ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬يقول ع ند الكرب‪ " :‬ل إله إل‬ ‫ال العل يم الحل يم‪ ،‬ل إله إل ال رب العرش العظ يم‪ ،‬ل إله إل ال رب ال سموات‪ ،‬ورب الرض‪ ،‬ورب‬ ‫العرش الكريم "‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬يقول عند الكرب" الكرب – بفتح الكاف‪ ،‬وسكون الراء – قال الزهري‪" :‬هو‪ :‬الغم الذي‬ ‫يأخذ النفس‪ ،‬يقال‪ :‬كربه الغم‪ ،‬وإنه لمكروب النفس‪ ،‬والكربة السم‪ ،‬والكريب‪ :‬المكروب"(‪.)1066‬‬ ‫وقال الجوهري‪ " :‬الكربهة بالضهم‪ :‬الغهم الذي يأخهذ بالنفهس‪ ،‬وكذلك الكرب‪ ،‬على مثال الضرب‪،‬‬ ‫تقول منه‪ :‬كربه الغم‪ ،‬إذا اشتد عليه‪ ،‬والكرائب‪ :‬الشدائد‪ ،‬الواحدة‪ :‬كريبة"(‪.)1067‬‬ ‫قوله‪ " :‬كان يقول عند الكرب" كان‪ :‬تدل على كثرة وقوع ذلك منه –صلى ال عليه وسلم‪-‬؛ لن‬ ‫لفظة "كان" تدل على الستمرار غالبا‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬ل إله إل ال " الله هو‪ :‬المعبود الذي تأله القلوب‪ ،‬وتذل له‪ ،‬وتحبه‪ ،‬وتعظمه‪ ،‬وتخافه‪،‬‬ ‫وترجوه‪ ،‬فالله ههو الذي يقصهد بالخوف والرجاء‪ ،‬مهع الذل والتعظيهم‪ ،‬وكلمها زاد الخوف والرجاء‪،‬‬ ‫والذل والتعظيم‪ ،‬صارت العبادة أكمل‪.‬‬ ‫قال شيخ السلم‪ " :‬الله هو‪ :‬الذي يؤله‪ ،‬فيعبد‪ ،‬محبة وإنابة‪ ،‬وإجللً وإكراما"(‪.)1068‬‬ ‫فقوله‪ " :‬ل إله إل ال " أي‪ :‬ل أتوجهه بقلبهي عابدا وخاضعا‪ ،‬متذللً‪ ،‬خائفا‪ ،‬راجيا‪ ،‬إل إلى ال‬ ‫وحده‪ ،‬فههو إلههي‪ ،‬ومعبودي‪ ،‬الذي يملك نفعهي وضري‪ ،‬وبإخلص التأله له كمال حياتهي‪ ،‬وسهعادتي‪،‬‬ ‫وفي عدم ذلك الشقاء والهلك‪.‬‬ ‫"فالعبد كلما كان أذل ل‪ ،‬وأعظم افتقارا إل يه‪ ،‬وخضوعا له‪ ،‬كان أقرب إليه وأعز له‪ ،‬وأعظم‬ ‫لقدره عنده‪ ،‬فأسعد الخلق أعظمهم عبودية ل تعالى‪ ،‬فأما المخلوق‬ ‫ص ‪359‬‬ ‫فكما قيل‪ :‬احتج لمن شئت تكن أسيره‪ ،‬واستغن عمن شئت تكن نظيره‪ ،‬وأحسن لمن شئت تكن‬ ‫أميره‪.‬‬ ‫فأعظم ما يكون العبد قدرا وحرمة عند الخلق‪ :‬إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه‪ ،‬فإن أحسنت‬ ‫إليهم مع الستغناء عنهم كنت أعظم ما يكون عندهم‪ ،‬ومتى احتجت إليهم ولو بشربة ماء نقص قدرك‬ ‫عندهم بقدر حاجتك إليهم‪ ،‬وهذا من حكمة ال ورحمته؛ ليكون الدين كله ل‪ ،‬ل يشرك به شيء‪.‬‬

‫‪" )(1066‬تهذيب اللغة" (‪.)10/205‬‬ ‫‪" )(1067‬الصحاح" (‪.)1/211‬‬ ‫‪" )(1068‬مجموع الفتاوى" (‪.)1/22‬‬ ‫‪278‬‬

‫والرب ‪-‬تعالى‪ -‬أكرم ما تكون عل يه أحوج ما تكون إل يه‪ ،‬وأف قر ما تكون إل يه‪ ،‬و هو ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫يعلم ما يصلح عبده‪ ،‬ويقدر على ذلك‪ ،‬ويريده‪ ،‬رحمة منه وفضلً‪ ،‬وذلك صفته من جهة نفسه‪ ،‬ل شيء‬ ‫آ خر جعله مريدا‪ ،‬راحما‪ ،‬بل رحم ته من لوازم نف سه‪ ،‬فإ نه ك تب على نف سه الرح مة‪ ،‬ورحم ته و سعت‬ ‫كل شيء"(‪.)1069‬‬ ‫قوله‪ " :‬العل يم الحل يم" أي‪ :‬هو تعالى العظ يم ب كل ش يء‪ ،‬فيعلم حالي‪.‬و ما نزل به‪ ،‬ويعلم أ سبابه‪،‬‬ ‫وما يترتب عليه‪ ،‬ل يخفى عليه خافية‪ ،‬فعلمه محيط بكل شيء‪.‬‬ ‫وهو ‪-‬تعالى‪ -‬حليم ل يعجل بالعقوبة لمن يستحقها‪ ،‬بل يعفو ويتجاوز‪ ،‬وحلمه عن علم وحكمة‪،‬‬ ‫ل ْب َتغَوْاْ إِلَى ذِي‬ ‫ُونه ِإذًا ّ‬ ‫َهه آِل َهةٌ كَم َا يَقُول َ‬ ‫َانه َمع ُ‬ ‫فله ‪-‬تعالى‪ -‬الكمال المطلق قال ‪-‬تعالى‪ { :-‬ق ُل لّ ْو ك َ‬ ‫لرْ ضُ‬ ‫سبْعُ وَا َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫سمَاوَا ُ‬ ‫ح لَ ُه ال ّ‬ ‫عمّ ا يَقُولُو نَ عُلُوّا َكبِيرًا {‪}43‬تُ سَبّ ُ‬ ‫س ْبحَانَهُ َو َتعَالَى َ‬ ‫ل {‪ُ }42‬‬ ‫سبِي ً‬ ‫ا ْل َعرْ شِ َ‬ ‫ن حَلِيمًا غَفُورًا} (‪.)1070‬‬ ‫ح ُهمْ ِإنّ ُه كَا َ‬ ‫سبِي َ‬ ‫ن َت ْ‬ ‫ح ْمدَهِ وَلَهكِن لّ تَ ْف َقهُو َ‬ ‫سبّحُ ِب َ‬ ‫َومَن فِيهِنّ وَإِن مّن شَيْ ٍء ِإلّ ُي َ‬ ‫وكثيرا مها يأتهي وصهفه ‪-‬تعالى‪ -‬بالحلم مقرونا بالمغفرة‪ ،‬ممها يدل على أن الحلم ههو‪ :‬عدم‬ ‫المعاجلة لمهن اسهتحق العقوبهة‪ ،‬وأنهه ‪-‬تعالى‪ -‬يحلم على عباده‪ ،‬ويغفهر لههم جرائمههم‪ ،‬ولهذا أخهبر‬ ‫تعالى‪ -‬أ نه لو يؤاخهذ الناس بظلمههم ومها كسهبت أيديههم مها ترك على ظههر الرض من دابهة‪ ،‬قال‬‫س بِظُ ْل ِمهِم مّا َت َركَ عََل ْيهَا مِن دَآبّةٍ }‬ ‫خذُ الّلهُ النّا َ‬ ‫‪-‬تعالى‪ { :-‬وَلَ ْو يُؤَا ِ‬

‫(‪)1071‬‬

‫ص ‪360‬‬ ‫قوله‪ " :‬ل إله إل ال رب العرش العظيم " كرر التوسل بإلهيته تعالى‪ ،‬والتبري من كل ما سواه‬ ‫مهن مألوه‪ ،‬وهذا أعظهم الوسهائل إلى ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬وههو إخلص العبادة والتوجهه إلى ال بصهدق‪،‬‬ ‫ورغبة‪ ،‬ورهبة‪.‬‬ ‫ولهذا صار إخلص التأله والدعاء ل وحده‪ ،‬مفزع جميع العقلء من المؤمن ين والكفار‪ ،‬في كل‬ ‫كرب وشدة‪ ،‬كما ذكر ال ‪-‬تعالى‪ -‬هذا المعنى عن السابقين من الكفار‪ ،‬وغيرهم من أهل اليمان‪.‬‬ ‫ن الشّا ِكرِينَ {‪}63‬قُلِ اللّ ُه ُي َنجّيكُم ّم ْنهَا َومِن كُلّ َكرْبٍ‬ ‫ن أَنجَانَا ِمنْ هَهذِ ِه َل َنكُونَنّ مِ َ‬ ‫قال تعالى‪ّ { :‬لئِ ْ‬ ‫ت َأنّ هُ ل‬ ‫حتّى ِإذَا َأ ْد َركَ ُه ا ْل َغرَ قُ قَالَ آمَن ُ‬ ‫ن } (‪ ،)1072‬وقال ‪-‬تعالى‪ -‬عن الطاغية الجبار‪َ { :‬‬ ‫ُثمّ أَنتُ مْ ُتشْ ِركُو َ‬ ‫سرَائِيلَ وََأ َناْ ِم نَ ا ْلمُ سِْلمِينَ } (‪ ،)1073‬وقال ‪-‬تعالى‪ { :-‬وَِإذَا مَ سّ الِن سَانَ‬ ‫ل اّلذِي آ َمنَ تْ ِب هِ بَنُو إِ ْ‬ ‫إِلِ ههَ ِإ ّ‬ ‫ن إِذ ذّهَ بَ‬ ‫ضُرّ دَعَا َربّ هُ ُمنِيبًا إَِل ْي هِ } (‪ ،)1074‬وقال ‪-‬تعالى‪ -‬عن نبيه يو نس عل يه ال سلم‪َ { :‬وذَا النّو ِ‬

‫‪" )(1069‬مجموع الفتاوى" (‪.)40-1/39‬‬ ‫‪ )(1070‬اليات من ‪ 44 -42‬من سورة السراء ‪.‬‬ ‫‪ )(1071‬الية ‪ 61‬من سورة النحل ‪.‬‬ ‫‪ )(1072‬اليتان ‪ 63‬و ‪ 64‬من سورة النعام‪.‬‬ ‫‪ )(1073‬الية ‪ 90‬من سورة يونس ‪.‬‬ ‫‪ )(1074‬الية ‪ 8‬من سورة الزمر ‪.‬‬ ‫‪279‬‬

‫ن}‬ ‫ن الظّاِلمِي َ‬ ‫ت مِ َ‬ ‫س ْبحَا َنكَ ِإنّي كُن ُ‬ ‫ضبًا َفظَنّ أَن لّن نّ ْق ِدرَ عََل ْي ِه َفنَادَى فِي الظُّلمَا تِ أَن لّ إَِل َه ِإلّ أَن تَ ُ‬ ‫ُمغَا ِ‬ ‫(‪ ،)1075‬وهذا كثير في القرآن‪ ،‬وقد تقدمت الشارة إلى شيء من ذلك‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬ل إله إل ال رب ال سماوات والرض‪ ،‬ورب العرش الكر يم" هذا تكر ير للتو سل إلى ال‬ ‫تعالى‪ -‬بألوهيته‪ ،‬وربوبيته‪ ،‬فبدأ بما يدل على إخلص التأله له ‪-‬تعالى‪ ،-‬ثم توسل باسميه الكريمين‪:‬‬‫العليم والحليم‪ ،‬ثم بأنه رب العرش العظيم‪ ،‬ثم بأنه رب السماوات والرض‪ ،‬ورب العرش الكريم‪.‬‬ ‫فاشت مل هذا الدعاء العظ يم على التو جه إلى ال ‪-‬تعالى‪ -‬بأنواع التوح يد الثل ثة‪ :‬توح يد الله ية‪،‬‬ ‫وتوحيد الربوبية‪ ،‬وتوحيد السماء والصفات‪.‬‬ ‫والربوب ية نوعان‪ :‬عا مة‪ ،‬وخا صة‪ ،‬ف هو ‪-‬تعالى‪ -‬رب كل ش يء وملي كه‪ ،‬المت صرف ف يه ك يف‬ ‫شيْءٍ خَلْ َق هُ ثُمّ َهدَى }‪ ،‬و قد ج مع‬ ‫ل َ‬ ‫يشاء‪ ،‬و هو القائم على كل مخلوق ب ما ي صلحه‪ ،‬ويرب يه‪{ ،‬أَعْطَى كُ ّ‬ ‫النوعين في هذا الحديث‪ ،‬فتوسل بأنه رب‬ ‫ص ‪361‬‬ ‫العرش العظيهم الكريهم‪ ،‬وبأنهه رب السهماوات والرض‪ ،‬والرب ههو‪ :‬المالك المتصهرف‪ ،‬القائم‬ ‫على كل مربوب بما يحتاجه من تربية في شؤون حياته كلها‪.‬‬ ‫والمقصهود مهن الحديهث‪ :‬قوله‪ " :‬رب العرش العظيهم" وقوله‪ " :‬رب العرش الكريهم" وكلهمها‬ ‫و صف للعرش‪ ،‬و صف بأ نه عظ يم‪ ،‬وبأ نه كر يم‪ ،‬والعظ مة تدل على ال كبر‪ ،‬وال سعة‪ ،‬والكرم يدل على‬ ‫الحسن‪ ،‬والجمال‪ ،‬والسعة أيضا‪.‬‬ ‫قال الكرما ني‪" :‬و صف العرش بالعظ مة‪ ،‬هو من ج هة الكم ية‪ ،‬وبالكرم‪ ،‬أي‪ :‬الح سن من ج هة‬ ‫الكيف ية‪ ،‬ف هو ممدوح ذاتا و صفة‪ ،‬و خص بالذ كر ل نه أع ظم أج سام العالم‪ ،‬فيد خل الجم يع تح ته دخول‬ ‫الدني تحت العلى‪ ،‬وذكر لفظ " الرب" من بين سائر السماء الحسنى؛ ليناسب كشف الكروب‪ ،‬الذي‬ ‫هو مقت ضى الترب ية‪ ،‬ول فظ "الحل يم"؛ لن كرب المؤ من غالبا إن ما هو على نوع تق صير أو غفلة في‬ ‫الطاعات"(‪.)1076‬‬ ‫وربوبيتهه ‪-‬تعالى‪ -‬للعرش‪ ،‬مهع وصهفه بأنهه عظيهم وكريهم‪ ،‬تفيهد تخصهيصا له عهن غيره مهن‬ ‫السماوات والرض‪ ،‬وذلك لنه قد خصه بقربه‪ ،‬واستوائه ‪-‬تعالى‪ -‬عليه‪ ،‬ذكر شيخ السلم‪ ،‬عن أبي‬ ‫عمرو الطلمن كي – و هو من أئ مة أ هل ال سنة – أ نه قال‪ " :‬وأجمعوا – يع ني أ هل ال سنة والجما عة –‬ ‫على أن ل عرشا‪ ،‬وعلى أنه مست ٍو على عرشه‪ ،‬وعلمه‪ ،‬وقدرته‪ ،‬وتدبيره بكل ما خلقه‪.‬‬ ‫ن مَا كُنتُ مْ} (‪،)1077‬‬ ‫قال‪ :‬فأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى‪{ :‬وَ ُهوَ َم َعكُ مْ َأ ْي َ‬ ‫ونحو ذلك في القرآن أن ذلك علمه‪ ،‬وأن ال فوق السماوات بذاته مستو على عرشه‪ ،‬كيف شاء‪ .‬قال‪:‬‬ ‫‪ )(1075‬الية ‪ 87‬من سورة النبياء‪.‬‬ ‫‪" )(1076‬شرح الكرماني على البخاري" (‪.)21/149‬‬ ‫‪ )(1077‬الية ‪ 4‬من سورة الحديد‪.‬‬ ‫‪280‬‬

‫ستَوَى} (‪ :)1078‬الستواء من ال ‪-‬تعالى‪ -‬على عرشه‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫وقال أهل السنة في قوله‪{ :‬ال ّر ْ‬ ‫المجيد‪ ،‬على الحقيقة‪ ،‬ل على المجاز‪ .‬واستدلوا بقول ال ‪-‬تعالى‪{ :-‬فإذا استويت أنت ومن معك على‬ ‫الفلك} (‪،)1079‬‬ ‫ص ‪362‬‬ ‫وبقوله‪{ :‬لتستوا على ظهوره} (‪ ،)1080‬وبقوله‪{ :‬واستوت على الجودي} (‪ ،)1081‬إل أن المتكلمين من‬ ‫أهل الثبات في هذا على أقوال‪:‬‬ ‫فقال مالك – رحمهه ال تعالى ‪ :-‬إن السهتواء معقول‪ ،‬والكيهف مجهول‪ ،‬واليمان بهه واجهب‪،‬‬ ‫والسؤال عنه بدعة‪.‬‬ ‫وقال عبدال بن المبارك‪ ،‬و من تاب عه من أ هل العلم‪ ،‬وهم كث ير‪ :‬إن مع نى ا ستوى على العرش‪:‬‬ ‫استقر‪ .‬وهو قول القتيبي‪.‬‬ ‫وقال غير هؤلء‪ :‬استوى‪ ،‬أي‪ :‬ظهر‪.‬‬ ‫وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى‪ :‬استوى بمعنى‪ :‬عل‪.‬‬ ‫وتقول العرب‪ :‬ا ستويت على ظ هر الفرس‪ ،‬بمع نى‪ :‬علوت عل يه‪ ،‬وا ستويت على سقف الب يت‪،‬‬ ‫بمعنى‪ :‬علوت عليه‪.‬‬ ‫ويقال‪ :‬استويت على السطح‪ ،‬بمعناه‪.‬‬ ‫فقوله تعالى‪{ :‬استوى على العرش} بمعنى‪ :‬عل على العرش‪.‬‬ ‫وقول الح سن(‪ ،)1082‬وقول مالك‪ ،‬من أن بل جواب و قع في هذه الم سألة‪ ،‬وأشده ا ستيعابا‪ ،‬لن ف يه‬ ‫نبذ التكييف‪ ،‬وإثبات الستواء المعقول‪ ،‬وقد ائتم أهل العلم بقوله واستجودوه‪ ،‬واستحسنوه"(‪.)1083‬‬ ‫ثم تكلم على فساد قول من تأول استوى بمعنى استولى‪ ،‬وقد مضى ما يغني عن ذكره‪ .‬ثم قال‪" :‬‬ ‫ستَوَى عَلَى ا ْل َعرْ شِ } يع ني‪ :‬ا ستقر‪ ،‬قال‪ :‬وقال أ بو عبيدة‪:‬‬ ‫وقال الثعل بي‪ :‬قال الكل بي‪ ،‬ومقا تل‪ { :‬ثُمّ ا ْ‬ ‫صعد‪.‬‬ ‫ص ‪363‬‬

‫‪ )(1078‬الية ‪ 5‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ )(1079‬الية ‪ 28‬من سورة المؤمنون‪.‬‬ ‫‪ )(1080‬الية ‪ 13‬من سورة الزخرف‪.‬‬ ‫‪ )(1081‬الية ‪ 44‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪ )(1082‬الحسن يقول‪ :‬معنى استوى ‪ :‬ارتفع‪.‬‬ ‫‪ )(1083‬إلى هنا ينتهي كلم الطلمنكي‪.‬‬ ‫‪281‬‬

‫وق يل‪ :‬ا ستولى‪ ،‬وق يل‪ :‬ملك‪ ،‬واختار هو (‪ )1084‬ما حكاه عن الفراء وجما عة أن معناه‪ :‬أق بل على‬ ‫ي ُدخَا نٌ } (‪1085‬أي‪:‬‬ ‫سمَاء وَهِ َ‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫خلق العرش‪ ،‬وع مد إلى خل قه‪ ،‬قال‪ :‬ويدل عل يه قوله‪ { :‬ثُمّ ا ْ‬ ‫عمد إلى خلق السماء‪.‬‬ ‫وهذا مهن أضعهف الوجوه(‪ ،)1086‬فإنهه قهد أخهبر أن العرش كان على الماء قبهل خلق السهماوات‪،‬‬ ‫والرض‪ ،‬وكما مر في حديث عمران‪ " :‬كان ال‪ ،‬ولم يكن شيء قبله‪ ،‬وكان عرشه على الماء‪ ،‬وكتب‬ ‫في الذكر كل شيء‪ ،‬ثم خلق السماوات والرض "‪.‬‬ ‫فإذا كان العرش مخلوقا‪ ،‬ق بل خلق ال سماوات والرض‪ ،‬فك يف يكون مع نى ا ستوائه عل يه‪ ،‬ب عد‬ ‫خلق ال سماوات والرض‪ ،‬هو عمده إلى خل قه‪ ،‬مع أ نه ل يعرف في الل غة "ا ستوى" بمع نى‪ :‬ع مد إلى‬ ‫فعل كذا‪ ،‬ل حقيقة‪ ،‬ول مجازا‪ ،‬ل في النثر‪ ،‬ول في النظم‪.‬‬ ‫ن}‬ ‫ي ُدخَا ٌ‬ ‫سمَاء وَهِ َ‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫و من قال‪ :‬ا ستوى‪ ،‬بمع نى ع مد‪ ،‬ذكره في قوله تعالى‪ { :‬ثُمّ ا ْ‬ ‫(‪)1087‬؛ لنهه عدى بحرف الغايهة‪ ،‬كمها يقال‪ :‬عمدت إلى كذا‪ ،‬وقصهدت إلى كذا‪ ،‬ول يقال‪ :‬عمدت على‬ ‫كذا‪ ،‬ول قصدت عليه‪ ،‬مع أن هذا أيضا غير معروف في اللغة‪ ،‬ول هو قول أحد من مفسري السلف‪،‬‬ ‫بل المفسرون من السلف بخلف ذلك‪.‬‬ ‫و إنما هذا القول وأمثاله ابتدع في السلم‪ ،‬لما ظهر إنكار أفعال الرب ‪-‬تعالى‪ -‬التي تقوم به‪،‬‬ ‫ويفعلها بقدرته‪ ،‬ومشيئته‪ ،‬واختياره‪ ،‬فصار كل يفسر القرآن على ما يوافق قوله‪ ،‬واعتقاده‪.‬‬ ‫ص ‪364‬‬ ‫و أما السلف فأقوالهم في هذا الباب متفقة‪ ،‬وإن اختلفت عباراتهم‪ ،‬فمقصودهم واحد‪ ،‬وهو إثبات‬ ‫علو ال واستوائه على عرشه‪.‬‬ ‫فإن قيهل‪ :‬إذا كان ال ل يزال عاليا على المخلوقات‪ ،‬فكيهف يقال‪ :‬ثهم ارتفهع إلى السهماء وههي‬ ‫دخان؟ أو يقال‪ :‬ثم عل على العرش؟‬ ‫فالجواب‪ :‬أن هذا كما أخبر أنه ينزل إلى السماء الدنيا ثم يصعد‪ ،‬وروي‪ " :‬ثم يعرج" وكما أخبر‬ ‫أنه يجيء لفصل القضاء بين عباده‪ ،‬وهو سبحانه لم يزل فوق‪ ،‬فإن صعوده من جنس نزوله ومجيئه‪،‬‬ ‫وهو –تعالى‪ -‬في نزوله ومجيئه‪ ،‬ل يصير شيء من المخلوقات فوقه‪ ،‬فهو سبحانه يصعد‪ ،‬وإن لم يكن‬ ‫منها شيء فوقه‪.‬‬

‫‪ )(1084‬يعني الثعلبي ‪ ،‬وهذه القوال منقولة من تفسيره ‪ ،‬وهو يجمع فيه بين المتناقضات ‪ ،‬وليس لديه تميز‬ ‫لمذهب السلف ‪.‬‬ ‫‪ )(1085‬الية ‪ 11‬من سورة حم فصلت ‪.‬‬ ‫‪ )(1086‬بل هو باطل مخالف للنصوص الواضحة ‪ ،‬وقد تقدم بيان بطلنه ‪ .‬وهذا الذي اختاره الثعلبي هو‬ ‫قول الجهمية والمعتزلة ‪ ،‬ومن تبعهم من الشعرية وغيرهم من أهل البدع‪.‬‬ ‫‪ )(1087‬الية ‪ 11‬من سورة حم فصلت ‪.‬‬ ‫‪282‬‬

‫فإن قيل‪ :‬فإذا كان إنما استوى على العرش بعد أن خلق السماوات والرض في ستة أيام‪ ،‬فقبل‬ ‫ذلك‪ :‬هل كان على العرش‪ ،‬أو لم يكن؟‬ ‫ق يل‪ :‬ال ستواء علو خاص‪ ،‬ف كل م ست ٍو على ش يء عال عل يه‪ ،‬ول يس كل عال على ش يء م ستو‬ ‫عليه‪ ،‬ولهذا ل يقال لكل ما كان عاليا على غيره‪ :‬إنه مستو عليه‪ ،‬ولكن كل ما قيل‪ :‬إنه استوى على‬ ‫ل عليه‪.‬‬ ‫كذا‪ ،‬فهو عا ٍ‬ ‫والذي أ خبر ال ‪-‬تعالى‪ -‬أ نه كان – خلق ال سماوات والرض – ال ستواء‪ ،‬ل مطلق العلو‪ ،‬مع‬ ‫أنه يجوز أنه كان مستويا عليه قبل خلق السماوات والرض‪ ،‬لما كان عرشه على الماء‪ ،‬ثم لما خلق‬ ‫هذا العالم كان عاليا على العرش‪ ،‬ولم ي كن م ستويا عل يه‪ ،‬ثم ا ستوى عل يه ب عد ذلك‪ .1088‬وال صل أن‬ ‫علوه على المخلوقات‪ ،‬وصف لزم له‪ ،‬كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك‪ ،‬وأما الستواء فهو فعل‬ ‫يفعله سبحانه بمشيئته وقدرته‪ ،‬ولهذا قال فيه‪ :‬ثم استوى"(‪.)1089‬‬ ‫وقال ابن عبد البر‪ " :‬وأما ادعاؤهم المجاز في الستواء‪ ،‬وقولهم في تأويل استوى‪ :‬استولى‪ .‬فل‬ ‫معنى له؛ لنه غير ظاهر في اللغة‪ ،‬ومعنى الستيلء في اللغة‪ :‬المغالبة‪ ،‬وال ل يغالبه ول يعلوه أحد‪،‬‬ ‫وهو الواحد الصمد‪.‬‬ ‫ص ‪365‬‬ ‫و من حق الكلم أن يح مل على حقيق ته‪ ،‬ح تى تت فق ال مة أ نه أر يد به المجاز‪ ،‬إذ ل سبيل إلى‬ ‫اتباع ما أنزل إلينا من رب نا‪ ،‬إل على ذلك‪ ،‬وإنما يوجه كلم ال – عز وجل – إلى الشهر والظهر‬ ‫من وجوهه‪ ،‬ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم‪.‬‬ ‫ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع‪ ،‬ما ثبت شيء من العبارات‪ ،‬وجل ال عن أن يخاطب إل بما‬ ‫تفهمه العرب في معهود مخاطباتها‪ ،‬وهو العلو والرتفاع على الشيء‪ ،‬والستقرار والتمكن فيه "(‪.)1090‬‬ ‫وقد تقدم ذكر بعض ما قاله السلف والئمة في ذلك‪ ،‬في أول الباب‪ ،‬والجواب عما اعتمده أهل‬ ‫التأويل‪.‬‬

‫‪ )(1088‬أو يقال ‪ :‬إن الستواء بعد خلق السماوات و الرض ‪ ،‬استواء خاص غير الذي قبل ذلك ‪.‬‬ ‫‪" )(1089‬مجموع الفتاوى" (‪ )523-5/519‬ببعض التصرف‪.‬‬ ‫‪" )(1090‬التمهيد" (‪.)7/131‬‬ ‫‪283‬‬

‫ص ‪366‬‬ ‫‪-55‬قال‪ " :‬حدثنا محمد بن يوسف‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن عمرو بن يحيى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي سعيد‬ ‫الخدري – رضي ال عنه – عن النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال النبي‪ " :‬يصعقون يوم القيامة فإذا‬ ‫أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش"‪.‬‬ ‫‪ "-56‬وقال الماحشون‪ :‬عن عبد ال بن الفضل‪ ،‬عن أبي سلمة‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي‪-‬‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ " :‬فأكون أول من بعث‪ ،‬فإذا موسى آخذ بالعرش"‪.‬‬ ‫"الصعق‪ :‬غشي يلحق من سمع صوتا شديدا أو يرى شيئا هائلً مفزعا"(‪.)1091‬‬ ‫وفي ال بي‪ " :‬ال صعق‪ ،‬وال صعقة‪ ،‬وال صاعقة‪ ،‬والهلك‪ ،‬والموت‪ ،‬وق يل‪ :‬كل عذاب مهلك‪ ،‬و هو‬ ‫أيضا‪ :‬الغشية تعتري من فزع لسماع صوت {مفزع‪ ،‬أو رأى مهولً} (‪ ")1092‬وقد اختلف في هذا الصعق‬ ‫المذكور في هذا الحديث‪ :‬أهو نفخة الصور للبعث‪ ،‬أو غيرها؟‬ ‫فقيل‪ :‬أنها نفخة البعث؛ لن النفخة الولى‪ ،‬ل يحس بها الموات‪ ،‬وإنما هي لموت من كان حيا‪،‬‬ ‫وإنهاء الدنيا‪ ،‬وابتداء الخرة‪.‬‬ ‫ول كن يش كل على هذا قوله – صلى ال عل يه و سلم‪ " :-‬فأكون أول من يف يق‪ ،‬فإذا مو سى آ خذ‬ ‫بقائمة من قوائم العرش‪ ،‬فل أدري أفاق قبلي‪ ،‬أو حوزي بصعقة الطور" ومعلوم أن موسى عليه السلم‬ ‫قهد مات‪ ،‬فل يجوز أن يكون المعنهى‪ " :‬فل أدري‪ :‬ههل موسهى مات‪ ،‬أم جوزي عهن الموت بصهعقة‬ ‫الطور"‪.‬‬ ‫وقد اختلف في النفخ في الصور‪ :‬هل هو مرتان أو ثلث؟‬ ‫قال المام ابن جرير – رحمه ال – في قوله تعالى‪{ :‬وله الملك يوم ينفخ في الصور}‬

‫(‪)1093‬‬

‫اختلف في الصور في هذا الموضع‪.‬‬ ‫ص ‪367‬‬ ‫فقال بعضهم‪ :‬هو قرن ينفخ فيه نفختان‪ ،‬إحداهما لفناء من كان حيا على الرض‪ ،‬والثانية لنشر‬ ‫كل ميت‪ ،‬واعتلوا لقولهم ذلك‪ ،‬بقوله‪{ :‬ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الرض إل‬ ‫من شاء ال ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون}‬

‫(‪)1094‬‬

‫وقال على قوله تعالى‪{ :‬فإذا نفخ في الصور فل أنساب بينهم يومئذ ول يتساءلون} (‪.)1095‬‬ ‫اختلف أهل التأويل في المعنى بقوله‪{ :‬فإذا نفخ في الصور} من النفختين‪ ،‬أيهما عنى بها؟ فقال‬ ‫بعضهم‪ :‬عنى بها النفخة الولى‪.‬‬ ‫‪" )(1091‬الفتح" (‪.)6/444‬‬ ‫‪ " )(1092‬شرح البي على مسلم" (‪.)6/167‬‬ ‫‪ )(1093‬الية ‪ 73‬من سورة النعام‪.‬‬ ‫‪ )(1094‬الية ‪ 68‬من سورة الزمر ‪.‬‬ ‫‪" )(1095‬تفسير الطبري" (‪ )11/462‬بتحقيق محمود شاكر‪.‬‬ ‫‪284‬‬

‫ثم ذكر عن ابن عباس‪ :‬قال‪ :‬فذلك في النفخة الولى‪ ،‬فل يبقى على الرض شيء‪ .‬وروي ذلك‬ ‫أيضا عن السدي‪.‬‬ ‫ثم ذ كر القول الثا ني‪ :‬أن المراد بذلك النف خة الثان ية‪ ،‬وروي ذلك عن ا بن م سعود وغيره"‬

‫(‪)1096‬‬

‫وهذا الذي ذكره الطبري – رحمه ال – يدل على أن النفخ في الصور مرتين‪ ،‬الولى لموت من كان‬ ‫حيا على وجه الرض‪ ،‬والثانية لبعث الموتى‪ .‬وعليه يكون الشكال في الحديث ظاهرا‪ ،‬وسيأتي ذكر‬ ‫ألفاظ الحديث في "البخاري" و"مسلم"‪.‬‬ ‫وقد أجاب القرطبي عن الشكال بقوله‪ " :‬المعنى‪ :‬فل أدري‪ :‬أبعثه ال قبلي؟ تفضيلً له‪ ،‬من هذا‬ ‫الوجه‪ ،‬كما فضل بالدنيا بالتكليم‪ ،‬أو كان جزاء له بصعقة الطور قدم بعثه على بعث النبياء‪ ،‬الخرين‪،‬‬ ‫بقدر صعقته عندما تجلى ربه للجبل؟ "‬

‫(‪)1097‬‬

‫ص ‪368‬‬ ‫فعهي هذا يكون المعنهى فهي قوله‪ " :‬أو جوزي بصهعقة الطور" أي قدم بعثهه عليّ جزاء له بمها‬ ‫حصل من صعقته في الطور‪ ،‬وهذا غير صحيح؛ لمور عدة‪:‬‬ ‫منها‪ :‬أن الحديث على هذا يصبح فيه تكرار ل معنى له‪ ،‬إذ ل يكون المعنى على قول القرطبي‪:‬‬ ‫" فل أدري أبعث قبلي؟ أو جوزي ببعثه قبلي بصعقة الطور"‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬أن ظاهر الحديث يرد هذا؛ لن قوله‪ " :‬فل أدري أبعث قبلي؟ أم جوزي بصعقة الطور؟‬ ‫" ظاهره‪ :‬فل أدري أ صعق فب عث قبلي؟ أم أ نه لم ي صعق‪ ،‬وإن ما جوزي عن ال صعق ب صعقة الطور؟‬ ‫ولهذا لم يقتنع القرطبي بهذا الجواب‪ ،‬فذكر جوابا آخر – سيأتي‪ -‬ثم قال‪:‬‬ ‫وقال شيخنا أحمد بن عمر‪ :‬وظاهر حديث النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يدل على أن ذلك إنما‬ ‫هو بعد النفخة الثانية‪ ،‬نفخة البعث‪ ،‬ونص القرآن يقتضي أن ذلك الستثناء إنما هو بعد نفخة الصعق‪،‬‬ ‫ولهذا قال ب عض العلماء‪ :‬يحت مل أن يكون مو سى – عل يه ال سلم – م من لم ي مت من ال نبياء‪ ،‬وهذا‬ ‫باطل بما صح من النصوص بذكر موته‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وقال القاضهي عياض‪ :‬يحتمهل أن يكون المراد بهذه صهعقة فزع‪ ،‬بعهد النشهر‪ ،‬حيهن تنشهق‬ ‫السماوات والرض‪ ،‬قال‪ :‬فتستقل الحاديث واليات‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫ثم قال‪ :‬قال شيخنا أبو العباس‪ :‬وهذا يرده ما جاء في الحديث أنه عليه السلم حين يخرج من‬ ‫قبره يلقى موسى‪ ،‬وهو متعلق بالعرش‪ ،‬وهذا عند نفخة البعث‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وسيأتي ما يوضح ذلك في روايات الحديث التي أذكرها‪ - ،‬إن شاء ال ‪.-‬‬

‫‪" )(1096‬تفسير الطبري" (‪ )18/54‬ط الحلبي‪.‬‬ ‫‪ )(1097‬التذكرة (‪ ، )1/208‬وهو أخذ هذا عن الحليمي كما في المنهاج ‪ ،‬انظر ‪ :‬الورقة ‪ 214‬من‬ ‫المخطوطة‪ ،‬وانظر المطبوع (‪.)1/432‬‬ ‫‪285‬‬

‫ثم قال‪ " :‬قال شيخنا أحمد بن عمر‪ :‬والذي يزيح هذا الشكال – إن شاء ال تعالى – أن الموت‬ ‫ليس بعدم محض‪ ،‬وإنما هو انتقال من حال إلى حال‪ ،‬ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم‪ ،‬أحياء عند‬ ‫ربهم يرزقون‪ ،‬فرحين‪ ،‬مستبشرين‪ ،‬وهذه صفة الحياء في الدنيا‪.‬‬ ‫و إذا كان هذا في الشهداء‪ ،‬كان النبياء بذلك أحق‪ ،‬وأولى‪ ،‬فإذا نفخ في الصور نفخة الصعق‪،‬‬ ‫صعق كل من في السماوات والرض‪ ،‬إل من شاء ال‪ ،‬فأما‬ ‫ص ‪369‬‬ ‫صعق غير النبياء فموت‪ ،‬وأما صعق ال نبياء فالظ هر أ نه غش ية‪ ،‬فإذا ن فخ في ال صور نف خة‬ ‫البعث‪ ،‬فمن مات حيي‪ ،‬ومن غشي عليه أفاق"(‪.)1098‬‬ ‫قلت‪ :‬وحا صل هذا الجواب‪ :‬أن ال صعقة المذكورة في الحد يث هي الولى‪ ،‬وأن ال صعق يكون‬ ‫للرواح‪ ،‬كل ذلك با طل؛ ل نه سيأتي أن الحد يث ي نص على أن ها نف خة الب عث‪ ،‬ومعلوم أن الرواح ل‬ ‫تموت‪ ،‬فك يف يكون صعق غ ير ال نبياء موت مع أ نه ز عم أن ال صعق للرواح‪ ،‬و كل ذلك يفت قر إلى‬ ‫دليل‪ ،‬والدلة خلفه‪.‬‬ ‫ولهذا قال ابن القيم‪ " :‬وحمل الحديث على هذا ل يصح‪ ،‬لنه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬تردد‪ :‬هل‬ ‫أفاق موسى قبله‪ ،‬أو لم يصعق‪ ،‬بل جوزي بصعقة الطور؟‬ ‫فالمعنى‪ :‬ل أدري‪ :‬أصعق أم لم يصعق؟‬ ‫وقد قال في الحديث‪ " :‬فأكون أول من يفيق"‪ ،‬وهذا يدل على أنه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يصعق‬ ‫فيمن يصعق‪ ،‬وأن التردد حصل في موسى‪ ،‬هل صعق وأفاق قبله من صعقته‪ ،‬أو لم يصعق؟‬ ‫ولو كان المراد به‪ :‬الصعقة الولى‪ ،‬وهي صعقة الموت‪ ،‬لكان – صلى ال عليه وسلم‪ -‬قد جزم‬ ‫بموتهه‪ ،‬وتردده‪ :‬ههل مات موسهى‪ ،‬أو لم يمهت‪ ،‬وهذا باطهل؛ لوجوه كثيرة‪ ،‬فعلم أنهها صهعقة فزع‪ ،‬ل‬ ‫صعقة موت‪ ،‬والية ل تدل على أن الرواح كلها تموت‪ ،‬عند النفخة الولى‪ ،‬وإنما تدل على أن من لم‬ ‫يذق الموت قبلها يموت‪ ،‬وأما من مات‪ ،‬أو من لم يكتب عليه الموت‪ ،‬فل يموت "(‪.)1099‬‬ ‫وقال السفاريني‪ " :‬وصعق الرواح عند النفخ في الصور‪ ،‬ل يلزم منه موتها‪ .‬ففي "الصحيحين"‪:‬‬ ‫" أن الناس يصعقون يوم القيامة‪ ،‬فأكون أول من يفيق‪ ،‬فإذا موسى آخذ بقائمة العرش‪ ،‬فل أدري أفاق‬ ‫قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور؟ "‪.‬‬ ‫فهذا صهعق فهي موقهف القيامهة‪ ،‬إذا جاء ال لفصهل القضاء‪ ،‬وأشرقهت الرض بنوره‪ ،‬فحينئذ‪،‬‬ ‫يصعق الخلئق كلهم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬فذرهم حتى يلقوا يومهم الذي فيه يصعقون} (‪.)1100‬‬ ‫ص ‪370‬‬ ‫‪" )(1098‬التذكرة" (‪.)209-1/208‬‬ ‫‪" )(1099‬الروح" (ص ‪.)36‬‬ ‫‪ )(1100‬الية ‪ 45‬من سورة الطور ‪.‬‬ ‫‪286‬‬

‫ولو كان هذا الصعق موتا‪ ،‬لكانت موتة أخرى "‬

‫(‪)1101‬‬

‫ثم ذكر كلم ابن القيم السابق‪ ،‬وقال ابن القيم بعد ما قرر أن هذا الصعق المذكور‪ ،‬إنما هو في‬ ‫الموقف‪ ،‬إذا جاء رب العالمين – جل وعل – لفصل القضاء بين عباده‪.‬‬ ‫قال‪ " :‬فإن قيل‪ :‬فكيف تصنعون بقوله في الحديث‪ " :‬إن الناس يصعقون يوم القيامة‪ ،‬فأكون أول‬ ‫من تنشق عنه الرض‪ ،‬فأجد موسى باطشا بقائمة العرش"؟ قيل‪ :‬ل ريب أن هذا اللفظ قد ورد هكذا‪،‬‬ ‫وم نه نشأ الشكال‪ ،‬ولك نه د خل ف يه على الراوي‪ ،‬حد يث في حد يث‪ ،‬فركب ب ين اللفظ ين‪ ،‬فجاء هكذا‪،‬‬ ‫والحديثان هكذا أحدهما‪:‬‬ ‫" أن الناس يصعقون يوم القيامة‪ ،‬فأكون أول من يفيق"‪.‬‬ ‫والثا ني‪ " :‬أ نا أول من تن شق ع نه الرض‪ ،‬يوم القيا مة "‪ ،‬فد خل على الراوي هذا الحد يث في‬ ‫الحديث الخر‪ ،‬وكان شيخنا أبو الحجاج المزي يقول ذلك "(‪.)1102‬‬ ‫قلت‪ :‬وهذا احتمال بعيد جدا‪ ،‬ويحتاج إلى دليل‪ ،‬ول وجود له‪ ،‬إذ ل يجوز تخطئة الراوي بمجرد‬ ‫إشكال يعرض للنسان في لفظ الحديث‪ ،‬فما قال ابن القيم – رحمه ال – هنا غير صحيح‪ ،‬وسيتبين‬ ‫ذلك عند ذكر روايات الحديث‪.‬‬ ‫فلفهظ حديهث أبهي سهعيد فهي "البخاري"‪ " :‬ل تخيروا النهبياء‪ ،‬فإن الناس يصهعقون يوم القيامهة‪،‬‬ ‫فأكون أول من تنشق عنه الرض‪ ،‬فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش‪ ،‬فل أدري‪ :‬أكان فيمن‬ ‫صعق؟ أم حوسب بصعقته الولى " (‪ )1103‬ثم رواه في أماكن متعددة من "صحيحه" بألفاظ متقاربة‪ ،‬ليس‬ ‫فيها‪ " :‬فأكون أول من تنشق عنه الرض" إل في هذا الموضع‪.‬‬ ‫ولكن في رواية أبي هريرة‪ :‬أنه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ " :‬ل تفضلوا بين أولياء ال‪ ،‬فإنه‬ ‫ينفخ في الصور‪ ،‬فيصعق من في السماوات‪ ،‬ومن في الرض‪ ،‬إل من شاء ال‪ ،‬ثم‬ ‫ص ‪371‬‬ ‫ينفخ فيه أخرى‪ ،‬فأكون أول من بعث‪ ،‬فإذا موسى آخذ بالعرش‪ ،‬فل أدري‪ :‬أحوسب بصعقته يوم‬ ‫الطور‪ ،‬أم بعث قبلي؟"(‪.)1104‬‬ ‫قال الحافظ‪ " :‬وقع في رواية‪ " :‬إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الثانية "‪ ،‬وفي أخرى‪ " :‬إني‬ ‫أول من يرفع رأسه بعد النفخة الخيرة"(‪.)1105‬‬

‫‪" )(1101‬لوامع النوار البهية" (‪.)2/38‬‬ ‫‪" )(1102‬الروح" (ص ‪.)37‬‬ ‫‪ )(1103‬انظر ‪ " :‬البخاري مع الفتح " (‪.)5/70‬‬ ‫‪ )(1104‬انظر ‪ " :‬الفتح" (‪.)6/451‬‬ ‫‪" )(1105‬الفتح" (‪.)6/444‬‬ ‫‪287‬‬

‫ورواه فهي "التفسهير" بسهند آخهر‪ ،‬مختصهرا‪ ،‬ولفظهه‪ " :‬إنهي أول مهن يرفهع رأسهه‪ ،‬بعهد النفخهة‬ ‫الخيرة‪ ،‬فإذا أنا بموسى‪ ،‬متعلق بالعرش‪ ،‬فل أدري‪ ،‬أكذلك كان‪ ،‬أم بعد النفخة"‬

‫(‪)1106‬‬

‫ثم ذكره معلقا في‬

‫الموضهع نفسهه بلفهظ‪ " :‬فأكون أول مهن بعهث‪ ،‬فإذا موسهى آخهذ بالعرش" ورواه مسهلم‪ ،‬ولفظهه‪ " :‬ل‬ ‫تفضلوا بين أنبياء ال‪ ،‬فإنه ين فخ في الصور‪ ،‬فيصعق من في السماوات‪ ،‬ومن في الرض‪ ،‬إل من‬ ‫شاء ال – قال‪ -‬ثهم ينفهخ فيهه أخرى‪ ،‬فأكون أول مهن بعهث‪ ،‬أو فهي أول مهن بعهث‪ ،‬فإذا موسهى آخهذ‬ ‫بالعرش‪ ،‬فل أدري‪ :‬أحوسب بصعقة يوم الطور‪ ،‬أو بعث قبلي؟"‪.‬‬ ‫ثم رواه بسند آخر – وفيه‪ " :‬فإن الناس يصعقون‪ ،‬فأكون أول من يفيق"(‪.)1107‬‬ ‫و أما حديث أبي سعيد المتقدم‪ ،‬في ذكر النشقاق‪ ،‬فقد رواه أيضا المام أحمد‪ ،‬فقال‪ :‬حدثنا وكيع‬ ‫عن سفيان‪ ،‬عن عمرو بن يح يى‪ ،‬عن أب يه‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪ :‬قال ر سول ال –صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ " :-‬ل تخيروا بين النبياء‪ ،‬وأنا أول من تنشق عنه الرض يوم القيامة‪ ،‬فأفيق‪ ،‬فأجد موسى‬ ‫متعلقا بقائمة من قوائم العرش‪ ،‬فل أدري‪ :‬أجزي بصعقة الطور‪ ،‬أو أفاق قبلي؟"(‪.)1108‬‬ ‫وذكر الحافظ أن في رواية محمد بن عمرو‪ ،‬عن أبي سلمة – عند ابن مردويه‪" :-‬أنا أول من‬ ‫تنشق عنه الرض يوم القيامة‪ ،‬فأنفض التراب عن رأسي‪ ،‬فآتي قائمة‬ ‫ص ‪372‬‬ ‫العرش فأجد موسى قائما عندها‪ ،‬فل أدري أنفض التراب عن رأسه قبلي‪ ،‬أو كان ممن استثنى‬ ‫ال"(‪.)1109‬‬ ‫فهذه الرواية تدل على أن الصعق المذكور هو النفخة الثانية في الصور‪ ،‬فإن قوله في رواية أبي‬ ‫هريرة‪ " :‬فإنه ينفخ في الصور‪ ،‬فيصعق من في السماوات ومن في الرض إل من شاء ال‪ ،‬ثم ينفخ‬ ‫فيه أخرى‪ ،‬فأكون أول من يفيق‪ ،‬فإذا موسى آخذ بالعرش" وفي الرواية الخرى‪ " :‬إني أول من يرفع‬ ‫رأسه بعد النفخة الخرة‪ ،‬فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش"‪ ،‬وفي أخرى‪ " :‬إني أول من يرفع رأسه بعد‬ ‫النفخة الثانية "‪.‬‬ ‫وفي رواية مسلم‪ " :‬ثم ينفخ فيه أخرى‪ ،‬فأكون أول من بعث"‪.‬‬ ‫فهذا وا ضح و صريح في أن المق صود‪ :‬الب عث من الموت الحا صل بن فخ ال صور النف خة الثان ية‪،‬‬ ‫وبه ي تبين أن ما قاله القرطبي وغيره مما سبق ذكره‪ ،‬وكذا ما ذهب إليه ا بن الق يم‪ ،‬كله غير صحيح‬ ‫ك ما سبق‪ ،‬وكذا قول الحلي مي في "المنهاج"‪" :‬أن ظا هر الحد يث أن هذه صعقة غ شي يوم القيا مة‪ ،‬ل‬ ‫صعقة الموت‪ ،‬الحادث عن نفخ الصور"‬

‫(‪)1110‬‬

‫مردود بما صرحت به الروايات المذكورة‪.‬‬

‫‪" )(1106‬الفتح" (‪.)8/551‬‬ ‫‪" )(1107‬مسلم" (‪ )4/1844‬رقم (‪.)2373‬‬ ‫‪" )(1108‬المسند" (‪.)3/33‬‬ ‫‪" )(1109‬الفتح" (‪.)6/445‬‬ ‫‪ )(1110‬انظر ‪ " :‬المنهاج" المخطوط رقم ‪ ،214‬وانظر ‪ :‬المطبوع (‪ )1/432‬وهو كثير التحريف‪.‬‬ ‫‪288‬‬

‫ال صواب ما ن صت عل يه هذه الروايات من أن مو سى عل يه ال سلم يب عث ق بل نبي نا – صلى ال‬ ‫عل يه و سلم‪ ،-‬وأ ما تردده‪ :‬أأ صابه ال صعق فب عث قبله‪ ،‬أو كان م من ا ستثنى ال – تعالى‪ ،-‬أو جوزي‬ ‫عن الصعق بصعقة الطور‪ ،‬كل ذلك يقتضي أنه بعث قبله‪.‬‬ ‫ولكن يبقى الشكال في أن النفخة التي استثنى ال ‪-‬تعالى‪ -‬منها هي الولى‪ ،‬ومعلوم أن موسى‬ ‫عليه السلم قد مات قبلها‪ ،‬فكيف يصح استثناؤه منها؟‬ ‫فيقال‪ :‬وكذا نبينا –صلى ال عليه وسلم‪ -‬وسائر النبياء ل ينالهم ذلك‪ ،‬وإنما ينال من كان حيا‬ ‫في ذلك الوقت‪ ،‬ويكون القرب ما قاله الحليمي‪ " :‬أن المعنى‪ :‬إذا نفخ في الصور‬ ‫ص ‪373‬‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬ك نت أول من ب عث‪ ،‬فأ جد مو سى مبعوثا قبلي‪ ،‬فل أدري‪ :‬أف ضل بذلك على سائر‬ ‫الخلق‪ ،‬أو أن ذلك جزاء له بصعقة الطور؟ "(‪.)1111‬‬ ‫وهذا بناء على أن الن فخ في ال صور مرتان‪ ،‬وهو الذي تؤيده الدلة ال صحيحة‪ ،‬ك ما مر في هذه‬ ‫الروايات السابقة‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ " :‬ثبت في "صحيح مسلم" أنهما نفختان‪ ،‬ولفظه في أثناء حديث مرفوع‪ " :‬ثم ينفخ في‬ ‫ال صور‪ ،‬فل ي سمعه أ حد إل أ صغى ليتا‪ ،‬ور فع ليتا‪ ،‬ثم ير سل ال مطرا كأ نه ال طل فتن بت م نه أج ساد‬ ‫الناس‪ ،‬ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون"‪.‬‬ ‫وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه‪ " :‬بين النفختين أربعون"‪ ،‬وفي ذلك دللة على أنهما نفختان‬ ‫فقط‪ ،‬والتغاير في كل منهما باعتبار من يسمعهما‪ ،‬فالولى‪ :‬يموت بها كل من كان حيا‪ ،‬ويغشى على‬ ‫من لم يمت ممن استثنى ال تعالى‪ ،‬والثانية‪ :‬يعيش بها من مات‪ ،‬ويفيق بها من غشي عليه"(‪.)1112‬‬ ‫وقد ذهب إلى أنها ثلث نفخات بعض العلماء‪ ،‬كالحافظ ابن كثير‪ ،‬وحمل قوله تعالى‪{ :‬ونفخ في‬ ‫ال صور ف صعق من في ال سماوات و من في الرض } على أن ها نف خة الفزع‪ ،‬وم من ذ هب إلى ذلك‬ ‫القرطبي وابن العربي وغيرهما‪ ،‬وعمدتهم في ذلك حديث الصور‪ ،‬حيث صرح فيه أن النفخات ثلث‪،‬‬ ‫ولكنه حديث ضعيف مضطرب‪ ،‬كما بينه الحافظ ابن حجر – رحمه ال – فل يعتمد عليه لذلك‪ ،‬وآية‬ ‫الزمر واضحة الدللة في أن النفخ في الصور مرتين‪.‬‬ ‫و أما قوله تعالى‪{ :‬ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الرض} فالظاهر أنها‬ ‫النفخة الولى‪ ،‬ذكرها بمقدمات ها‪ ،‬ومما يدل على أنها نفختان ف قط‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬يوم ترجف الراجفة (‬ ‫‪ )6‬تتبعها الرادفة}‪.‬‬ ‫ص ‪374‬‬ ‫‪ )(1111‬انظر ‪ " :‬المنهاج" الورقة ‪ ،214‬أو المطبوع (‪ )1/432‬وهذا معنى كلمه وليس لفظه‪.‬‬ ‫‪ )(1112‬انظر " فتح الباري" (‪ )370-11/369‬و (‪ ، )6/446‬وانظر ‪ :‬الحديث الذي يشير إليه في "صحيح‬ ‫مسلم" (‪ )2259 ،4/2258‬رقم (‪ ، )2940‬و انظر ‪ :‬حديث أبي هريرة في "البخاري مع الفتح" (‪،8/551‬‬ ‫‪ ، )689‬وفي "مسلم" (‪ )4/2270‬رقم (‪.)2955‬‬ ‫‪289‬‬

‫قوله‪ " :‬فإذا مو سى آ خذ بقائ مة من قوائم العرش " و في روا ية أ بي هريرة‪ " :‬آ خذ بالعرش" أي‪:‬‬ ‫أنه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬يجد موسى عليه السلم بعد ما بعث‪ ،‬ممسكا بأحد قوائم العرش‪ ،‬والمراد‬ ‫بالعرش‪ :‬عرش رب العالمين‪.‬‬ ‫ففي هذا فضل لموسى عليه السلم‪ ،‬حيث بعث قبل نبينا –صلى ال عليه وسلم‪ -‬وهذه القبلية إما‬ ‫مجرد فضيلة خصه ال بها كما خص بالتكليم‪ ،‬وإما جزاء بالصعقة التي أصابته‪ ،‬يوم سأل ربه الرؤية‬ ‫عندما تجلى ال ‪-‬تعالى‪ -‬للجبل‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫ومما تقدم من النصوص التي ذكرها البخاري – رحمه ال – هنا وغيرها‪ ،‬يعلم أن ال ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫خص العرش من ب ين مخلوقا ته‪ ،‬بأ نه ا ستوى عل يه‪ ،‬وأ نه فوق جم يع المخلوقات‪ ،‬وأ نه له حملة‪ ،‬ويوم‬ ‫القيامة‪ ،‬وأنه ‪-‬تعالى‪ -‬تعبد من شاء من ملئكته بأن يحفوا به‪ ،‬ويطوفوا به‪ ،‬وأن حملته ومن حوله من‬ ‫الملئكهة يسهبحون ال ‪-‬تعالى‪ -‬وي ستغفرون للمؤمنيهن‪ ،‬وأ نه أول المخلوقات المعلو مة لنها‪ ،‬فقهد أخهبر‬ ‫تعالى أن عرشه كان على الماء قبل أن يخلق السماوات والرض‪ ،‬كما قال ‪-‬تعالى‪{ :-‬وهو الذي خلق‬ ‫السماوات والرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} (‪.)1113‬‬ ‫و أنه‪ -‬تعالى – كان ولم يكن شيء قبله‪ ،‬وكان عرشه على الماء‪ ،‬وكتب في الذكر كل شيء‪ ،‬ثم‬ ‫خلق السماوات والرض‪.‬‬ ‫و قد تقدم ذ كر حد يث عبدال بن عمرو‪ " :‬إن ال قدر مقاد ير الخلئق‪ ،‬ق بل أن يخلق ال سماوات‬ ‫والرض بخمسين ألف سنة‪ ،‬وكان عرشه على الماء" وهو في "صحيح مسلم"‪.‬‬ ‫كما في هذه النصوص‪ ،‬وصف العرش بأنه عظيم‪ ،‬وأنه كريم‪ ،‬وأنه مجيد‪.‬‬ ‫وكثيرا ما يمدح ال ‪-‬تعالى‪ -‬نفسه بأنه ذو العرش‪ ،‬كما قال ‪-‬تعالى‪{ :-‬قل لو كان معه آلهة كما‬ ‫يقولون إذا لبتغوا إلى ذي العرش سبيلً (‪ )42‬سبحانه وتعالى ع ما يقولون علوا كبيرا (‪ )43‬ت سبح له‬ ‫ال سموات ال سبع والرض و من في هن وإن من ش يء إل ي سبح بحمده ل كن ل تفقهون ت سبيحهم إ نه كان‬ ‫حليما غفورا} (‪.)1114‬‬ ‫ص ‪375‬‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬رفِي عُ الدّ َرجَا تِ ذُو ا ْل َعرْ شِ } (‪ ،)1115‬وقال – جل وعل‪ { :-‬وَهُ َو ا ْلغَفُو ُر الْ َودُودُ‬ ‫ْهه‬ ‫ّهه ل إِلَههَه ِإلّ ُهوَ عََلي ِ‬ ‫َسهبِيَ الل ُ‬ ‫ْشه ا ْل َمجِيدُ } (‪ ،)1116‬وقال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬فإِن َتوَلّوْ ْا فَقُلْ ح ْ‬ ‫{‪ }14‬ذُو ا ْل َعر ِ‬ ‫ش ا ْلعَظِيمِ } (‪ ،)1117‬إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫ب ا ْلعَرْ ِ‬ ‫تَ َوكّلْتُ وَ ُهوَ رَ ّ‬

‫‪ )(1113‬الية ‪ 7‬من سورة هود‪.‬‬ ‫‪ )(1114‬اليات ‪42‬و ‪43‬و ‪ 44‬من سورة السراء‪.‬‬ ‫‪ )(1115‬الية ‪ 15‬من سورة غافر ‪.‬‬ ‫‪ )(1116‬اليتان ‪ 14‬و ‪ 15‬من سورة البروج‪.‬‬ ‫‪ )(1117‬الية الخيرة من سورة براءة‪.‬‬ ‫‪290‬‬

‫ك ما جاء في الحد يث ال صحيح ما يدل على أ نه أث قل الوزان‪ ،‬ك ما في قوله – صلى ال عل يه‬ ‫و سلم‪ -‬لجوير ية‪ " :‬ل قد قلت بعدك أر بع كلمات‪ ،‬ثلث مرات‪ ،‬لو وز نت ب ما قلت م نذ اليوم لوزنت هن‪:‬‬ ‫سبحان ال وبحمده‪ ،‬عدد خلقه‪ ،‬ورضا نفسه‪ ،‬وزنة عرشه‪ ،‬ومداد كلماته"(‪.)1118‬‬ ‫ك ما في الن صوص المتقد مة أ نه سقف أعلى الجنان‪ ،‬و هي الفردوس‪ ،‬وأن له قوائم‪ ،‬وغ ير ذلك‬ ‫مما بين ته الن صوص التي جاءت بها الر سل‪ ،‬وكل ذلك يدل على أن ال فوق العرش م ستوٍ عليه‪ ،‬وقد‬ ‫اتفق على هذا النبياء كلهم‪ ،‬وذكر في كل كتاب أنزل على كل نبي‪ ،‬واتفق عليه سلف المة وأئمتها‬ ‫من جميع الطوائف‪ ،‬إل من ضل الحق واتبع غير سبيل المؤمن ين من الجهم ية والمعتزلة والشعر ية‬ ‫وغيرهم‪.‬‬ ‫ح إَِليْ ِه } (‪ ،)1119‬وقوله – جل ذكره‪{ :-‬من‬ ‫قال‪ " :‬باب قول ال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬تعْرُ جُ ا ْلمَل ِئكَةُ وَالرّو ُ‬ ‫كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب } (‪.)1120‬‬ ‫ح إَِليْ ِه }‪ ،‬أي‪ :‬تصعد‪،‬‬ ‫قال الزهري‪ :‬في عرج‪ " :‬قال ال – جل وعز ‪َ { :-‬تعْرُجُ ا ْلمَل ِئكَةُ وَالرّو ُ‬ ‫يقال‪ :‬عرج‪ ،‬يعرج‪ ،‬عروجا‪.‬‬ ‫ص ‪376‬‬ ‫ن اللّ ِه ذِي ا ْل َمعَارِ جِ } (‪ ،)1121‬قال قتادة‪ :‬ذي المعارج‪ :‬ذي الفوا ضل‪،‬‬ ‫وقوله – جل و عز ‪ { :-‬مّ َ‬ ‫والنعم‪ ،‬وقيل‪ :‬معارج الملئكة‪ ،‬وهي مصاعدها التي تصعد وتعرج فيها‪ ،‬ذكر ذلك أبو إسحاق‪.‬‬ ‫وقال الفراء‪ :‬ذي المعارج‪ ،‬من نعت ال؛ لن الملئكة تعرج إلى ال‪ ،‬فوصف نفسه بذلك(‪.)1122‬‬ ‫وقال الل يث‪ :‬عرج يعرج‪ ،‬عروجا‪ ،‬ومعروجا‪ ،‬قال‪ :‬والمعرج‪ :‬الم صعد‪ ،‬والمعرج‪ :‬الطر يق الذي‬ ‫تصعد فيه الملئكة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬والمعراج‪ :‬يقال‪ :‬شبه السلم‪ ،‬أو درجة‪ ،‬تعرج فيه الرواح‪ ،‬إذا قبضت"(‪.)1123‬‬ ‫وقال الجوهري‪ " :‬عرج في الدرجة‪ ،‬والسلم‪ ،‬يعرج‪ ،‬عروجا‪ :‬إذا ارتقى‪.‬‬ ‫والمعراج‪ :‬السلم‪ ،‬ومنه‪ :‬ليلة المعراج‪ ،‬والجمع‪ :‬معارج‪ ،‬ومعاريج"(‪.)1124‬‬

‫‪" )(1118‬صحيح مسلم" (‪.)4/2090‬‬ ‫‪ )(1119‬الية ‪ 4‬من سورة المعارج‪.‬‬ ‫‪ )(1120‬الية ‪ 10‬من سورة فاطر ‪.‬‬ ‫‪ )(1121‬الية ‪ 3‬من سورة المعارج ‪.‬‬ ‫‪ )(1122‬انظر ‪ " :‬معاني القرآن " للفراء (‪.)3/184‬‬ ‫‪" )(1123‬تهذيب اللغة" (‪.)1/355‬‬ ‫‪" )(1124‬الصحاح" (‪..)1/328‬‬ ‫‪291‬‬

‫ح إَِليْ هِ } (‪{ ،)1125‬فظلوا‬ ‫ج ا ْلمَلئِكَ ُة وَالرّو ُ‬ ‫وقال الراغب‪ " :‬العروج‪ :‬ذهاب في صعود‪ ،‬قال‪َ { :‬ت ْعرُ ُ‬ ‫فيه يعرجون} (‪ ،)1126‬والمعارج‪ :‬المصاعد‪ ،‬قال‪ { :‬مّ نَ اللّ هِ ذِي ا ْل َمعَارِ جِ } (‪ ،)1127‬وليلة المعراج‪ ،‬سميت‬ ‫لصعود الدعاء فيها‪ ،‬إشارة إلى قوله‪{ :‬إليه يصعد الكلم الطيب} (‪.")1128‬‬ ‫قوله‪ :‬سميت‪ ،‬لصعود الدعاء فيها‪ ،‬يعني‪ :‬المعارج سميت لذلك‪ ،‬ول يعني ليلة المعراج‪.‬‬ ‫ص ‪377‬‬ ‫وقال الطهبري‪ ،‬فهي قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬ولو فتحنها عليههم بابا مهن السهماء} (‪ " :)1129‬وأمها قوله‪:‬‬ ‫{يعرجون}‪ ،‬فإن معناه‪ :‬يرقون فيه‪ ،‬ويصعدون‪ ،‬يقال منه‪ :‬عرج يعرج‪ ،‬عروجا‪ :‬إذا رقي وصعد"(‪.)1130‬‬ ‫وقال فهي قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬ذي المعارج}‪ :‬يعنهي‪ :‬ذا العلو‪ ،‬والدرجات‪ ،‬والفواضهل والنعهم" – ثهم‬ ‫روى ذلك عن ابن عباس‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وروى عن مجاهد‪ ،‬قال‪ :‬معارج السماء‪.‬‬ ‫ه }‪ :‬يقول –تعالى ذكره‪ -‬تصهعد‬ ‫ه إَِليْه ِ‬ ‫ه ا ْلمَل ِئكَةُ وَالرّوح ُ‬ ‫ثهم قال‪ " :‬وقوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬ت ْعرُج ُ‬ ‫الملئ كة‪ ،‬والروح – و هو جبر يل – عل يه ال سلم {إل يه} يع ني‪ :‬إلى ال – جل و عز‪ -‬والهاء في قوله‪:‬‬ ‫{إليه} عائدة على اسم ال "(‪.)1131‬‬ ‫قوله‪{ :‬والروح} هو‪ :‬جبر يل هذا هو الظا هر من سياق ال ية‪ ،‬فيكون من ع طف الخاص على‬ ‫العام‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إليه يصعد الكلم الطيب} قال مجاهد‪ " :‬العمل الصالح يرفع الكلم الطيب"‪.‬‬ ‫قال الحا فظ‪ " :‬و صله الفريا بي من روا ية ا بن نج يح‪ ،‬وأخرج البيه قي من طر يق علي بن أ بي‬ ‫طل حة‪ ،‬عن ا بن عباس‪ " :‬الكلم الط يب‪ :‬ذ كر ال‪ ،‬والعمل ال صالح‪ :‬أداء فرائض ال ف من ذ كر ال‪ ،‬ولم‬ ‫يؤد فراضه‪ ،‬رد كلمه"‬

‫(‪)1132‬‬

‫ورواه ابن جرير‪.‬‬

‫(‪)1133‬‬

‫قلت‪ :‬أثهر مجاههد‪ ،‬رواه ابهن جريهر فهي "تفسهيره"‪ ،‬ولفظهه‪ " :‬الكلم الطيهب‪ :‬ذكهر ال‪ ،‬والعمهل‬ ‫الصالح‪ :‬أداء فرائضه‪ ،‬فمن ذكر ال في أداء فرائضه‪ ،‬حمل عليه ذكر‬ ‫ص ‪378‬‬ ‫ال‪ ،‬فصعد به إلى ال‪ ،‬ومن ذكر ال ولم يؤد فرائضه‪ ،‬رد كلمه على عمله‪ ،‬فكان أولى به "‪.‬‬

‫‪ )(1125‬الية ‪ 4‬من سورة المعارج ‪.‬‬ ‫‪ )(1126‬الية ‪ 14‬من سورة الحجر‪.‬‬ ‫‪ )(1127‬الية ‪ 3‬من سورة المعارج‪.‬‬ ‫‪" )(1128‬المفردات" (ص ‪.)329‬‬ ‫‪ )(1129‬الية ‪ 14‬من سورة الحجر ‪.‬‬ ‫‪" )(1130‬تفسير الطبري" (‪ )14/11‬ط‪ .‬الحلبي‪.‬‬ ‫‪" )(1131‬تفسير الطبري" (‪.)29/70‬‬ ‫‪" )(1132‬الفتح" (‪.)13/416‬‬ ‫‪" )(1133‬تفسير الطبري" (‪ )22/121‬ط‪ .‬الحلبي ‪ ،‬وانظر ‪ " :‬السماء والصفات" (ص ‪.)426‬‬ ‫‪292‬‬

‫وقال ابن جرير‪{ :‬إليه يصعد الكلم الطيب} يقول –تعالى ذكره ‪ :-‬إلى ال يصعد ذكر العبد إياه‬ ‫وثناؤه‪ ،‬وأداء فرائضه‪ ،‬والنتهاء إلى ما أمر به "‬

‫(‪)1134‬‬

‫ثهم روى عهن ابهن مسهعود أنهه قال‪ " :‬إذا حدثناكهم بحديهث‪ ،‬أتيناكهم بتصهديق ذلك مهن كتاب ال‬ ‫تعالى‪ ،-‬إن العبد المسلم‪ ،‬إذا قال‪ :‬سبحان ال وبحمده‪ ،‬الحمد ل‪ ،‬ل إله إل ال وال أكبر‪ ،‬تبارك ال‪،‬‬‫أخذهن ملك‪ ،‬فجعلهن تحت جناحيه‪ ،‬ثم صعد بهن إلى السماء‪ ،‬فل يمر بهن على جمع من الملئكة‪ ،‬إل‬ ‫طيّ بُ وَا ْل َعمَلُ‬ ‫صعَدُ ا ْلكَلِ مُ ال ّ‬ ‫استغفروا لقائلهن‪ ،‬حتى يجيء بهن وجه الرحمن – ثم قرأ عبد ال‪ { :‬إَِليْ هِ يَ ْ‬ ‫الصّالِحُ َيرْ َفعُ ُه } (‪.")1135‬‬ ‫ل إل‬ ‫ثهم روى قول مجاههد الذي ذكره البخاري‪ ،‬وروى عهن الحسهن‪ ،‬وقتادة‪ " :‬ل يقبهل ال قو ً‬ ‫بعمل‪ ،‬من قال وأحسن العمل‪ ،‬قبل ال منه"(‪.)1136‬‬ ‫ومقصهود البخاري بهذا الباب‪ :‬ذكهر بعهض الدلة على علو ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬وبيان أن ذلك ثابهت‬ ‫بكتاب ال ‪-‬تعالى‪ -‬وسنة رسوله –صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬وبالعقل‪ ،‬والفطرة‪ ،‬فقد فطر ال تعالى العباد‬ ‫على اليمان بذلك‪ ،‬وآمن الصحابة به‪ ،‬واتبعهم عليه كل من سلك طريق الرسل‪.‬‬ ‫فاليمان بعلو ال ‪-‬تعالى‪ -‬وفوقيتهه‪ ،‬فطري عقلي شرعهي‪ ،‬ومهن خالف ذلك فقهد انحرف عهن‬ ‫طريق الرسل‪ ،‬وسلك في ذلك غير سبيل المؤمنين‪.‬‬ ‫ولبيان أن اليمان بذلك فطري‪ ،‬عقلي‪ ،‬ذكر قول أبي ذر‪ ،‬قبل أن يسلم‪ ،‬أنه قال لخيه‪ " :‬أعلم لي‬ ‫علم هذا الرجل‪ ،‬الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء " كما يأتي بيانه‪.‬‬ ‫ص ‪379‬‬ ‫ومعلوم أن الخبر‪ ،‬ل يأتي إل من مخبر‪ ،‬والمخبر الذي يرسل الرسل بأوامره‪ ،‬ونواهيه‪ ،‬هو ال‬ ‫– جل وعل – وهو في السماء‪ ،‬أي في العلو‪ ،‬بائن من خلقه‪.‬‬ ‫وهذه الم سألة من كبار م سائل العقيدة ال سلمية‪ ،‬و مع ظهور ها‪ ،‬وكثرة الدلة علي ها وتنوع ها‪،‬‬ ‫واتفاق الرسهل والكتهب وأتباع الرسهل عليهها‪ ،‬ضهل فيهها طوائف كثيرة كالجهميهة‪ ،‬والمعتزلة‪ ،‬وأكثهر‬ ‫الشعرية‪ ،‬ول يزال على الضلل فيها خلق كثير ممن يتبنى مذهب الشعرية‪ ،‬والماتريدية‪ ،‬معتقدين أن‬ ‫ذلك الضلل هو ال حق وأ نه مذ هب أ هل ال سنة‪ ،‬وأن أدلة ك تب ال ووح يه إلى ر سله ظوا هر تدل على‬ ‫التشبيه بظاهرها‪ ،‬فلهذا يجب صرفها عن ذلك الظاهر‪.‬‬ ‫ويرى هؤلء من اعت قد ما دل عليه القرآن وال سنة بظاهرهما‪ ،‬أنه مش به ومج سم‪ ،‬مع أن الع قل‬ ‫والفطر السالمة من النحراف‪ ،‬يتفقان على ما دل عليه وحي ال ‪-‬تعالى‪ ،-‬ولهذا ترمي الشعرية كل‬ ‫من اعتقد علو ال واستواءه على عرشه على الحقيقة‪ ،‬بالتشبيه‪ ،‬والتجسيم‪ ،‬وأحيانا يصرحون بكفرهم‬ ‫‪" 1134‬تفسير الطبري" (‪.)22/120‬‬ ‫‪ )(1135‬المرجع السابق ‪.‬‬ ‫‪" )(1136‬الطبري" (‪.)22/121‬‬ ‫‪293‬‬

‫كما هو عقيدتهم في قرار نفوسهم‪ ،‬ومع هذا ترى كثيرا منهم رافعا عقيرته داعيا إلى التفاق والوئام‪،‬‬ ‫وهذا لن يكون أبدا ما دام في الرض معتقد للحق؛ لنه ل اتفاق بين الهدى والضلل‪ ،‬والحق والباطل‪،‬‬ ‫وكيف يكون اتفاق مع من يرى أن من اعتقد ما دلت عليه النصوص الصريحة‪ ،‬الواضحة الكثيرة‪ ،‬أنه‬ ‫ضال ومشبه؟ كما سيأتي بيانه‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬وقال أبو جمرة‪ :‬عن ابن عباس‪ ،‬لما بلغ أبا ذر مبعث النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬فقال‬ ‫لخيه‪ :‬أعلم لي علم هذا الرجل‪ ،‬الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء "‪.‬‬ ‫هذا التعليق قد تقدم تاما موصولً‪ ،‬في " المناقب"‪ ،‬وفي "الفضائل"(‪.)1137‬‬ ‫ومقصهوده مهن ذلك‪ :‬بيان أن علو ال ‪-‬تعالى‪ -‬على خلقهه‪ ،‬أمهر مفطور عليهه الخلق‪ ،‬ومعلوم‬ ‫بالعقل‪ ،‬والوحي جاء مؤيدا لذلك‪ ،‬وموضحا له‪.‬‬

‫‪ )(1137‬انظر ‪ " :‬الفتح" (‪ )6/549‬و (‪.)7/173‬‬ ‫‪294‬‬

‫ص ‪380‬‬ ‫‪-57‬قال‪ " :‬حدثنا إسماعيل‪ ،‬حدثني مالك‪ ،‬عن أبي الزناد‪ ،‬عن العرج‪ ،‬عن أبي هريرة‪ -‬رضي‬ ‫ال عنه – أن رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪ " :‬يتعاقبون فيكم ملئكة بالليل‪ ،‬وملئكة بالنهار‪،‬‬ ‫ويجتمعون في صلة العصر‪ ،‬وصلة الفجر‪ ،‬ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم‪ ،‬وهو أعلم بهم‪ ،‬كيف‬ ‫تركتم عبادي؟ فيقولون‪ :‬تركناهم وهم يصلون‪ ،‬وأتيناهم وهم يصلون"‪.‬‬ ‫"يتعاقبون"‪ :‬التعاقب‪ :‬إتيان فريق‪ ،‬عقب فريق‪ ،‬ثم يعود الول‪ ،‬بعد إتيان الثاني‪.‬‬ ‫و إن ما يكون التعا قب ب ين طائفت ين‪ ،‬أو رجل ين‪ ،‬وم نه‪ :‬تعق يب الجيوش‪ ،‬بأن ير سل طائ فة من‬ ‫الجيش إلى مدة‪ ،‬ثم يرسل مكانهم طائفة أخرى‪ ،‬ويرجع الولون‪.‬‬ ‫والضم ير في قوله "في كم" يعود إلى المخا طبين‪ ،‬و هم ال مة الم ستجيبة للر سول – صلى ال عل يه‬ ‫وسلم ‪.-‬‬ ‫والظ هر أن هؤلء الملئكهة غ ير الحفظهة‪ ،‬ك ما قاله القر طبي‪ ،‬وأيده الحا فظ‪ ،‬بأنهه لم ين قل أن‬ ‫الحفظة يفارقون العبد‪ ،‬ول أن حفظة الليل‪ ،‬غير حفظة النهار‪ ،‬وبغير ذلك‪.‬‬

‫(‪)1138‬‬

‫"ويجتمعون في صلة العصر‪ ،‬وصلة الفجر" أي‪ :‬يجتمع في صلة العصر الهابطون ليبيتوا مع‬ ‫العباد‪ ،‬والذين كانوا معهم في النهار‪ ،‬فالفريقان يحضران صلة العصر‪ ،‬وصلة الفجر‪ ،‬فيصعد الذين‬ ‫صحبوا العباد بالنهار‪ ،‬ع قب صلة الع صر‪ ،‬ويب قى الذ ين يبيتون مع هم ليلً‪ ،‬ثم ب عد اجتماع الفريق ين‬ ‫أيضا في صلة الف جر ي صعد الذ ين باتوا مع العباد‪ ،‬ويب قى الذ ين نزلوا في صلة الف جر من ال سماء‪.‬‬ ‫وال ‪-‬تعالى‪ -‬ي سأل كل فر يق عن العباد‪ ،‬ك يف ترك تم عبادي‪ ،‬أي‪ :‬على أي حال تركتمو هم؟‪ -‬و هو‬ ‫جهل وعل – أعلم مهن الملئكهة المصهاحبين لههم بههم‪ ،‬ولكهن يسهأل –تعالى‪ -‬الملئكهة عنههم؛ لظهار‬ ‫كرامتهم‪ ،‬فضلً منه‪ ،‬وإحسانا إليهم‪ ،‬وبهذا يعلم أهمية المحافظة على هاتين الصلتين في الجماعة‪.‬‬ ‫ص ‪381‬‬ ‫قوله‪ " :‬ثم يعرج الذين باتوا فيكم‪ ،‬فيسألهم – وهو أعلم – كيف تركتم عبادي؟ فيقولون‪ :‬تركناهم‬ ‫يصلون‪ ،‬وأتيناهم‪ ،‬وهم يصلون"‪.‬‬ ‫تقدم مع نى العروج‪ ،‬وأ نه‪ :‬ال صعود‪ ،‬والرتفاع‪ ،‬والذهاب إلى العلو‪ ،‬وهذا هو م حل الشا هد من‬ ‫الحديث؛ لن السؤال حصل بعد صعودهم‪ ،‬حيث يصلون إلى المكان المحدد لهم‪ ،‬وال –تعالى‪ -‬فوقهم‪،‬‬ ‫وهو –تعالى‪ -‬يخاطبهم بذلك‪ ،‬بدون واسطة‪ ،‬كما هو ظاهر النص‪ ،‬ولو كان ذلك بوحي لم يكن هناك‬ ‫فرق بين كونهم في السماء‪ ،‬أو في الرض‪.‬‬ ‫ح إَِليْهِ } وكأن البخاري‬ ‫ج ا ْلمَل ِئكَةُ وَالرّو ُ‬ ‫وهذا الحديث يتفق في المعنى مع قوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬ت ْعرُ ُ‬ ‫يشير بذلك إلى تفسيرها‪ ،‬وأن عروج الملئكة المذكور في هذا الحديث‪ ،‬داخل في مدلولها‪.‬‬ ‫‪ )(1138‬انظر ‪ " :‬الفتح" (‪.)35-2/34‬‬ ‫‪295‬‬

‫ودل قوله‪ " :‬وههم أعلم بههم" أن المقصهود مهن السهؤال‪ :‬إظهار كرامهة المؤمنيهن مهن بنهي آدم‪،‬‬ ‫بطاعتهم لربهم‪ ،‬وعبادتهم إياه‪ ،‬والتنويه بفضلهم عند الملئكة الذين في السماء‪ ،‬والملئكة المسؤولون‬ ‫فهموا مهن ال‪-‬تعالى‪ -‬مها أرادوه‪ ،‬ولهذا قالوا فهي الجواب‪ " :‬تركناههم وههم يصهلون‪ ،‬وأتيناههم وههم‬ ‫يصلون"‪.‬‬ ‫و في هذا دل يل على أن من جلس في م صله‪ ،‬يذ كر ال ويدعوه‪ ،‬أ نه في صلة‪ ،‬لن الملئ كة‬ ‫يحضرون الصلة معهم‪ ،‬وبعد الفراغ منها يصعدون‪.‬‬ ‫قال الحا فظ‪ " :‬وي ستفاد م نه أن ال صلة أعلى العبادات؛ ل نه عن ها و قع ال سؤال والجواب‪ ،‬وف يه‬ ‫الشارة إلى عظهم هاتيهن الصهلتين؛ لكونهمها تجتمهع فيهمها الطائفتان‪ ،‬وفهي غيرهمها طائفهة واحدة‪،‬‬ ‫والشارة إلى شرف الوقتيهن المذكوريهن‪ ،‬وقهد ورد أن الرزق يقسهم بعهد صهلة الصهبح‪ ،‬وأن العمال‬ ‫ترفع آخر النهار‪ ،‬فمن كان حينئذ في طاعة‪ ،‬بورك في رزقه‪ ،‬وفي عمله‪.‬‬ ‫ويترتب عليه حكمة المر بالمحافظة عليهما‪ ،‬والهتمام بهما‪.‬‬ ‫وفيه تشريف هذه المة على غيرها‪ ،‬ويستلزم تشريف نبيها على غيره‪.‬‬ ‫وفيه الخبار بالغيوب‪ ،‬ويترتب عليه زيادة اليمان‪.‬‬ ‫وفيه الخبار بما نحن فيه‪ ،‬من ضبط أحوالنا‪ ،‬حتى نتيقظ‪ ،‬ونتحفظ في الوامر والنواهي‪ ،‬ونفرح‬ ‫في هذه الوقات بقدوم رسل ربنا‪ ،‬وسؤال ربنا عنا‪.‬‬ ‫ص ‪382‬‬ ‫وفيه إعلمنا بحب ملئكة ال لنا‪ ،‬لنزداد فيهم حبا‪ ،‬ونتقرب إلى ال ‪-‬تعالى‪ -‬بذلك‪.‬‬ ‫وفيه كلم ال ‪-‬تعالى‪ -‬مع الملئكة‪ ،‬وغير ذلك من الفوائد "(‪.)1139‬‬ ‫وفيه كثرة الملئكة‪ ،‬وأن لكل منهم وظائف مكلفون بها‪ ،‬وبيان نصحهم لبني آدم‪ ،‬وحبهم الخير‬ ‫لهم‪ ،‬وأن استقرارهم في السماء‪ ،‬وإنما ينزلون إلى الرض حسب أوامر ال لهم‪.‬‬

‫‪" )(1139‬الفتح" (‪.)2/37‬‬ ‫‪296‬‬

‫ص ‪383‬‬ ‫‪-58‬قال‪ " :‬وقال خالد بن مخلد‪ :‬حدث نا سليمان‪ ،‬حدث ني عبدال بن دينار‪ ،‬عن أ بي صالح‪ ،‬عن‬ ‫أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪" :-‬من تصدق بعدل تمرة‪ ،‬من كسب طيب‪ ،‬ول‬ ‫يصعد إلى ال إل الطيب‪ ،‬فإن ال يتقبلها بيمينه‪ ،‬ثم يربيها لصاحبها‪ ،‬كما يربي أحدكم فلوه‪ ،‬حتى تكون‬ ‫مثل الجبل "‪.‬‬ ‫" الصدقة‪ :‬ما يخرجه النسان من ماله‪ ،‬على وجه القربة‪ ،‬كالزكاة‪ ،‬لكن الصدقة –في الصل –‬ ‫تقال للمتطوع به‪ ،‬والزكاة للوا جب‪ ،‬و قد ي سمى الوا جب صدقة إذا تحرى صاحبها ال صدق في فعل ها‬ ‫"(‪.)1140‬‬ ‫وسميت صدقة‪ ،‬من الصدق؛ لنه تدل على صدق إيمان المتصدق غالبا‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬بعدل تمرة" بفتهح العيهن‪ ،‬قال القاضهي عياض‪ " :‬العدل – بالفتهح – المثهل ومها عادل‬ ‫الشيء‪ ،‬وكافأه‪ ،‬من غير جنسه‪ ،‬وبالكسر‪ :‬ما عادله من جنسه وكان نظيره‪ ،‬وقيل‪ :‬الفتح والكسر لغتان‬ ‫فيها‪ ،‬وهو قول البصريين"(‪.)1141‬‬ ‫والمعنى‪ :‬من تصدق بقدر تمرة‪ ،‬أو بقيمتها‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬من كسب طيب " أي‪ :‬تصدق بمال حلل‪ ،‬جيد‪ ،‬وإن كان قليلً‪.‬‬ ‫" ول ي صعد إلى ال إل الط يب" تقدم هذا الحد يث في الزكاة ب سند مت صل غ ير هذا‪ ،‬وف يه "ول‬ ‫يقبل ال إل الطيب"(‪.)1142‬‬ ‫فالذي يقبله ال ‪-‬تعالى‪ -‬يصعد إليه‪ ،‬فيبارك به لصاحبه‪ ،‬وينميه‪.‬‬ ‫وهذه الجملة من الحديث هي المقصود منه هنا‪ ،‬حيث دل على علو ال ‪-‬تعالى‪ -‬وأنه فوق‪ ،‬وما‬ ‫قبله ال مهن العمال‪ ،‬فإنهه يصهعد إليهه‪ ،‬وقهد تقدم أن الملئكهة تصهعد إلى ال ‪-‬تعالى‪ -‬وتعرج إليهه‪،‬‬ ‫والصعود والعروج سواء في المعنى‪ ،‬كما تقدم في كلم ابن جرير‪.‬‬ ‫وقد اختار البخاري بعض النصوص في هذا الباب‪ ،‬التي فيها ذكر الصعود والعروج ونحوهما؛‬ ‫لوضوح الدللة في ذلك على علو ال –تعالى‪ -‬كما أنه نوع‬ ‫ص ‪384‬‬ ‫الدلة فهي ذلك كمها تقدم لليضاح‪ ،‬وأدلة علو ال ‪-‬تعالى‪ -‬كثيرة جدا ومتنوعهة‪ ،‬كمها سهتأتي‬ ‫الشارة إلى ذلك‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬فإن ال يتقبلها بيمينه‪ ،‬ثم يربيها لصاحبها‪ ،‬كما يربي أحدكم فلوه"‪ ،‬أي‪ :‬أن ال ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫يقبلها من صاحبها‪ ،‬فيأخذها بيده اليمنى‪ ،‬وكلتا يديه يمين‪ ،‬فينميها لصاحبها‪ ،‬ويبارك فيها‪ ،‬ويعتني بها‬ ‫‪" )(1140‬المفردات " للراغب (ص ‪.)278‬‬ ‫‪" )(1141‬المشارق" (‪.)2/69‬‬ ‫‪ )(1142‬انظر ‪ " :‬الفتح" (‪.)3/378‬‬ ‫‪297‬‬

‫عنا ية بال غة‪ ،‬ك ما يعت ني أحد نا بأغلى ما لد يه من المال‪ ،‬وأنف سه‪ ،‬و هو ولد الفرس‪ ،‬الذي ي عد لمداف عة‬ ‫العداء وقتالهم‪ ،‬وحماية العراض‪ ،‬والنفوس‪ ،‬والموال‪ ،‬حتى يصير ما هو بقدر التمرة – لشدة عناية‬ ‫ال تعالى به – مثل الجبل‪.‬‬ ‫وقد تخبط شراح الحديث ممن سلك طريق الشاعرة‪ ،‬في شرح هذه الجملة‪ ،‬وجاؤوا بما ليس له‬ ‫وجه‪ ،‬مع أن المتكلم به قد أعطي من الفصاحة والبيان والنصح للسامع‪ ،‬والحرص على وصول الخير‬ ‫إل يه‪ ،‬ما ل يس عل يه مز يد‪ ،‬في جب أ خذ كل مه على ظاهره‪ ،‬واليمان به‪ ،‬وإح سان ال ظن به‪ ،‬ف هو –‬ ‫صلوات ال و سلمه عل يه – أقدر على إيضاح ما ير يد من هؤلء‪ ،‬ك ما أ نه – صلى ال عل يه و سلم‪-‬‬ ‫أعلم بال من هم‪ ،‬فل يس كل مه بحا جة إلى تلك التأويلت الباردة(‪ ،)1143‬والتمحلت المتكل فة‪ ،‬كال تي ذ كر‬ ‫ابن حجر – عفا ال عنا وعنه ‪.-‬‬

‫‪ )(1143‬انظر ‪ :‬بعض ما قاله هؤلء المؤولة في "فتح الباري" (‪.)3/280‬‬ ‫‪298‬‬

‫ص ‪385‬‬ ‫‪-59‬ثم ذكر حديث ابن عباس‪ :‬في دعاء الكرب‪.‬‬ ‫وقد تقدم في الباب قبل هذا‪ ،‬وفيه اختلف في سنده ومتنه‪ ،‬كما هي عادته‪.‬‬ ‫والمقصهود منهه هنها قول‪ " :‬رب العرش العظيهم" وقوله‪ " :‬رب العرش الكريهم"‪ ،‬وقهد تقدم أن‬ ‫العرش هو سقف المخلوقات كلها‪ ،‬وليس فوقه مخلوق‪ ،‬وقد وصفه ‪-‬تعالى‪ -‬بأنه عظيم‪ ،‬وبأنه كريم‪،‬‬ ‫وأضافه ‪-‬تعالى‪ -‬إليه مما يدل على أن له خصوصية دون غيره من السماوات والرض‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬ ‫وقد أخبرنا ‪-‬تعالى‪ -‬بأنه استوى عليه فهو من دلئل علوه ‪-‬تعالى‪ -‬فوق خلقه‪.‬‬

‫‪299‬‬

‫ص ‪386‬‬ ‫‪-60‬قال‪ " :‬حدثنا قبيصة‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي نعم – أو أبي نعم‪ ،‬شك قبيصة‬ ‫‪ ،‬عن أبي سعيد‪ ،‬قال‪ :‬بعث إلى النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬بذهيبة‪ ،‬فقسمها بين أربعة "‪.‬‬‫وحدثني إسحاق بن نصر‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق‪ ،‬أخبرنا سفيان‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي نعم‪ ،‬عن‬ ‫أ بي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪ " :‬ب عث علي‪ ،‬و هو في الي من‪ ،‬إلى ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬بذهي بة في‬ ‫تربت ها‪ ،‬فق سمها ب ين القرع بن حا بس الحنظلي‪ ،‬ثم أ حد ب ني مجا شع‪ ،‬وب ين عيي نة بن بدر الفزاري‪،‬‬ ‫وب ين علق مة بن عل ثة العامري‪ ،‬ثم أ حد ب ني كلب‪ ،‬وب ين ز يد الخ يل الطائي‪ ،‬ثم أ حد ب ني نبهان‪،‬‬ ‫فتغي ظت قر يش‪ ،‬والن صار‪ ،‬فقالوا‪ :‬يعط يه صناديد أ هل ن جد‪ ،‬ويدع نا –؟ قال‪ " :‬إن ما أتألف هم"‪ ،‬فأق بل‬ ‫رجل‪ ،‬غائر العينين‪ ،‬ناتيء الجبين‪ ،‬كث اللحية‪ ،‬مشرف الوجنتين‪ ،‬محلوق الرأس‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد‪ :‬اتق‬ ‫ال‪ ،‬فقال النبي –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬فمن يطيع ال إذا عصيته؟ فيأمنني على أهل الرض‪ ،‬ول‬ ‫تأمنوني؟" فسأل رجل من القوم قتله – أراه خالد بن الوليد – فمنعه النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬فلما‬ ‫ولى‪ ،‬قال النهبي –صهلى ال عليهه وسهلم‪ " :-‬إن مهن ضئضهئ هذا قوما يقرؤون القرآن‪ ،‬ل يجاوز‬ ‫حناجرهم‪ ،‬يمرقون من السلم مروق السهم من الرمية‪ ،‬يقتلون أهل السلم‪ ،‬ويعدون أهل الوثان لئن‬ ‫أدركتهم لقتلنهم قتل عاد "‪.‬‬ ‫أرسل النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬علي بن أبي طالب إلى اليمن‪ ،‬يدعو ال ‪-‬تعالى‪ -‬ويقبض‬ ‫الزكاة من أصحابها‪ ،‬ويقضي في المنازعات‪ ،‬وكان ذلك قبل حجة الوداع‪ ،‬كما ذكره البخاري في آخر‬ ‫المغازي‪ ،‬ثم إن عليا وافى رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬بمكة‪ ،‬في حجة الوداع راجعا من اليمن‪،‬‬ ‫وكان قد أرسل بذهيبة‪ ،‬تصغير ذهبة‪ ،‬أي قطعة من الذهب‪ ،‬فقسمها رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪-‬‬ ‫بين هؤلء الربعة المذكورين رجاء إسلمهم‪ ،‬وكانوا رؤساء قبائلهم‪ ،‬فإذا أسلموا‪ ،‬أسلم تبعا لهم خلق‬ ‫كثير‪ ،‬ولهذا أعطاهم النبي –صلى ال عليه وسلم‪ -‬المال ترغيبا لهم في السلم‪ ،‬وتأليفا لقلوبهم عليه‪،‬‬ ‫كما بينه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬في جوابه للصحابة‪ ،‬الذين قالوا‪ " :‬يعطيه صناديد أهل نجد‪ ،‬ويدعنا"‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬في تربتها" أي‪ :‬أنها لم تخلص من ترابها‪ ،‬فليست ذهبا خالصا؛ لنها مختلطة بالتراب‪.‬‬ ‫ص ‪387‬‬ ‫قيل‪ :‬أنها من الخمس‪ ،‬واستبعد ابن حجر أن يكون من أصل الغنيمة‪ ،‬ويمكن أن تكون زكاة‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬فتغي ظت قر يش‪ ،‬والن صار " من الغ يظ‪ ،‬أي غاظ ها ذلك‪ ،‬ح يث لم يعط هم من ها‪ ،‬و في‬ ‫رواية‪ " :‬فغضبت" من الغضب‪.‬‬ ‫"فقالوا‪ :‬يعطيهه صهناديد أههل نجهد‪ ،‬ويدعنها" الصهناديد‪ :‬جمهع صهنديد‪ ،‬وههو‪ :‬الرئيهس‪ ،‬وفهي‬ ‫"القاموس"‪ :‬الصهندد {بفتهح الصهاد‪ ،‬وإسهكان النون‪ ،‬وكسهر الدال الولى } (‪ :)1144‬السهيد‪ ،‬الشجاع‪ ،‬أو‬ ‫الحليم‪ ،‬أو الجواد‪ ،‬أو الكريم " اهه‪.‬‬ ‫‪ )(1144‬ما بين المعقوفتين من حاشية "القاموس" (‪.)1/309‬‬ ‫‪300‬‬

‫قوله‪ " :‬إن ما أتألف هم" أي‪ :‬أعطي هم ليألفوا الد ين‪ ،‬ويجتمعوا على ح به‪ ،‬والرغ بة ف يه‪ ،‬فأرغب هم ف يه‬ ‫على طريق الحسان إليهم بالدنيا حتى يصل إلى قلوبهم‪ ،‬فيحبوه ويرغبوا فيه‪ ،‬أو لجل ما يتحصلون‬ ‫عليه من الدنيا‪ ،‬ثم بعد ذلك لما يرجونه من جزاء ال وثوابه في الخرة‪.‬‬ ‫والتأليف من اللف‪ ،‬وهو الجتماع واللتئام مع الحب‪.‬‬ ‫والمع نى‪ :‬إ ني أعطي هم؛ ليكون ذلك داعيا ل هم إلى حب ال سلم‪ ،‬والرغ بة ف يه والجتماع عل يه‪،‬‬ ‫حتى يكونوا من أنصاره‪ ،‬ويتبعهم على ذلك أقوامهم وعشائرهم‪ ،‬فيحصل بذلك عز السلم‪ ،‬ونصره‪،‬‬ ‫فهذا العطاء مما يحبه ال ويثيب عليه‪ ،‬وهو من النفاق في سبيل ال –تعالى‪ -‬بل من أفضله‪.‬‬ ‫ووصفه الرجل المعترض على رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬هي أمور اتفقت فيه‪ ،‬وليست‬ ‫هذه الوصاف الظاهرة في هذا الهالك مذمومة لذاتها‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬فمن يطيع ال إذا عصيته؟" يعني‪ :‬أنه –صلى ال عليه وسلم‪ -‬هو أحق الناس وأولهم‬ ‫بطاعة ال –تعالى‪ -‬وتقواه‪.‬‬ ‫وهذا هو الضلل؛ أن يت صور الن سان الطا عة مع صية‪ ،‬فهذا الر جل المعترض ت صور أن ف عل‬ ‫رسهول ال –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬معصهية‪ ،‬وأنهه مهن الجور‪ ،‬فنصهب نفسهه آمرا بتقوى ال‪ ،‬فقال‬ ‫للرسول –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬اتق ال" مع أن فعل رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬هو تقوى‪،‬‬ ‫ومن أعظم الطاعات له‪ ،‬فهو يعطي ال‪ ،‬ولنصر دينه‪ ،‬وهداية عباده‪.‬‬ ‫ص ‪388‬‬ ‫قوله‪ " :‬فيأمننهي على أههل الرض‪ ،‬ول تأمنونهي" أي يأمننهي ال ‪-‬تعالى‪ -‬على الرسهالة التهي‬ ‫أرسلني بها إلى الرض‪ ،‬ول تأمنني أنت أيها المعترض‪ ،‬ومن على شاكلتك ممن ضل طريق الرشد‪،‬‬ ‫ل تأمنوني على حطام الدنيا أن أضعه حيث يجب أن يوضع‪ ،‬على وفق أمر ال ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫والرواية التي ذكرها في "المغازي"‪" :‬فقال‪ :‬أل تأمنوني‪ ،‬وأنا أمين من في السماء‪ ،‬يأتيني خبر‬ ‫السماء صباحا ومساءً"(‪.)1145‬‬ ‫وهذا اللفظ أظهر‪ ،‬وأوضح في المقصود‪ ،‬من الرواية المذكورة هنا‪.‬‬ ‫قال الحافهظ‪ " :‬وبهذا تظههر مناسهبة هذا الحديهث للترجمهة‪ ،‬لكنهه جرى على عادتهه فهي إدخال‬ ‫الحديث في الباب‪ ،‬للفظة تكون في بعض طرقه هي المناسبة لذلك الباب‪ ،‬يشير إليها‪ ،‬ويريد بذلك شحذ‬ ‫الذهان‪ ،‬والبعث على كثرة الستحضار"(‪.)1146‬‬ ‫قلت‪ :‬ول يخلو اللفظ المذكور من الدليل على المقصود‪ ،‬الذي هو علو ال ‪-‬تعالى‪-‬؛ لن قوله‪" :‬‬ ‫فيأمنني على أهل الرض" يدل على أن المن الذي هو ال –تعالى‪ -‬في السماء‪.‬‬

‫‪ )(1145‬انظر "الفتح" (‪.)8/67‬‬ ‫‪" )(1146‬الفتح" (‪.)13/418‬‬ ‫‪301‬‬

‫ومع نى قوله‪ " :‬من في ال سماء" أي‪ :‬ال الذي في ال سماء‪ ،‬و" في" ه نا بمع نى "على" ك ما ذ كر‬ ‫البيه قي‪ ،‬عن أ بي ب كر‪ ،‬أح مد بن إ سحاق الضب عي‪ " :‬أن العرب قد ت ضع " في" بمو ضع "على" قال ال‬ ‫‪-‬تعالى‪{ :-‬فسهيحوا فهي الرض} (‪ ،)1147‬وقال‪{ :‬ولصهلبنكم فهي جذوع النخهل}‬

‫(‪)1148‬‬

‫ومعناه‪ :‬على‬

‫الرض‪ ،‬وعلى جذوع النخل‪.‬‬ ‫فكذلك قوله‪ " :‬في السماء" أي‪ :‬على العرش‪ ،‬فوق السماء‪ ،‬كما صحت الخبار عن النبي –صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪.)1149(" -‬‬ ‫ص ‪389‬‬ ‫ض فَِإذَا هِ يَ‬ ‫لرْ َ‬ ‫سمَاء أَن َيخْ سِفَ ِبكُ مُ ا َ‬ ‫وهذا الحد يث م ثل قول ال ‪-‬تعالى‪ { :-‬أََأمِنتُم مّ ن فِي ال ّ‬ ‫صبًا ً} (‪.)1150‬‬ ‫سمَاء أَن ُي ْرسِلَ عََل ْي ُكمْ حَا ِ‬ ‫َتمُورُ {‪َ }16‬أمْ َأمِنتُم مّن فِي ال ّ‬ ‫فإ ما أن تكون " في" بمع نى "على" ك ما تقدم‪ ،‬أو يق صد بال سماء‪ :‬العلو‪ ،‬أي‪ :‬أأمن تم من في العلو‪،‬‬ ‫وكلهما صحيح سائغ في اللغة والمعنى‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬ف سأله ر جل من القوم قتله‪ ،‬أراه خالد بن الول يد‪ ،‬فمن عه ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪" -‬‬ ‫أي‪ :‬ا ستأذن الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬في ذلك‪ ،‬و قد تقدم في المنا قب أن ال سائل هو ع مر بن‬ ‫الخطاب‪.‬‬

‫(‪)1151‬‬

‫قال الحافظ‪ " :‬ل تنافي بين الروايتين‪ ،‬إذ يجوز أن يكون كل واحد منهما طلب ذلك"(‪.1152‬‬ ‫و قد جاء أن سبب من عه من قتله‪ ،‬خوف أن يقال‪ :‬إن محمدا يق تل أ صحابه‪ ،‬في صير بذلك تنفيرا‬ ‫عن الدخول في السلم‪.‬‬ ‫قوله‪ " :‬إن مهن ضئضهئ هذا‪ ،‬قوم يقرؤون القرآن‪ ،‬ل يجاوز حناجرههم" قال فهي "النهايهة"‪:‬‬ ‫"الضئضئ‪ :‬الصل‪ ،‬يقال‪ :‬ضئضئ صدق‪ ،‬وضؤضؤ صدق‪ ،‬يريد أن يخرج من نسله وعقبه "‬

‫(‪)1153‬‬

‫وفي "اللسان"‪" :‬الضئضئ‪ ،‬والضؤضؤ‪ :‬الصل‪ ،‬والمعدن"(‪.)1154‬‬ ‫والمقصود‪ ،‬الخبار بأنه يأتي من جنس هذا الرجل الضال‪ ،‬قوم يسلكون مسلكه‪ ،‬يقرأون القرآن‪،‬‬ ‫ولكن ل يصل إلى قلوبهم‪ ،‬فهم ل يفهمونه على ما أريد‪ ،‬بل يضعونه في غير موضعه؛ لنهم ضالون‪،‬‬ ‫وجاهلون‪ ،‬ولهذا يمرقون مهن السهلم مروق السههم مهن الرميهة‪ ،‬أي‪ :‬يخرجون مهن السهلم بسهرعة‬ ‫وسهولة‪ ،‬غير متأثرين به‪ ،‬كأنهم لم يدخلوه‪ ،‬وهذا يدل على أنهم دخلوا في السلم‪ ،‬ولكن لم يتمكن‬ ‫‪ )(1147‬الية ‪ 2‬من سورة التوبة ‪.‬‬ ‫‪ )(1148‬الية ‪ 71‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ " )(1149‬السماء والصفات " (ص ‪.)421‬‬ ‫‪ )(1150‬اليتان ‪ 16‬و ‪ 17‬من سورة الملك ‪.‬‬ ‫‪ )(1151‬انظر ‪" :‬الفتح" (‪.)6/618‬‬ ‫‪ )(1152‬المرجع السابق (‪.)6/618‬‬ ‫‪" )(1153‬النهاية" (‪.)3/69‬‬ ‫‪" )(1154‬لسان العرب" (‪ )2/503‬المرتب‪.‬‬ ‫‪302‬‬

‫ص ‪390‬‬ ‫اليمان في قلوبهم‪ ،‬ولم يفهموه على وجهه‪ ،‬ولهذا صار من أوصافهم‪ :‬أنهم يقتلون أهل السلم‪،‬‬ ‫ويدعون الكفار عباد الوثان‪ ،‬ومن أجل ذلك قال –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬لئن أدركتهم‪ ،‬لقتلنهم قتل‬ ‫عاد" أي ل أب قي من هم أحدا‪ ،‬يش ير بذلك إلى قوله ‪-‬تعالى‪ -‬في و صف هلك عاد‪{ :‬ف هل ترى ل هم من‬ ‫باقية} (‪)1155‬ولم يرد أنه يقتلهم بالشيء الذي قتلت به عاد بعينه‪.‬‬ ‫ويحتمهل أن يكون مهن الضافهة إلى الفاعهل‪ ،‬ويراد بهه‪ " :‬القتهل الشديهد القوي‪ ،‬ويكون فهي ذلك‬ ‫إشارة إلى وصفه بالشدة والقوة‪ ،‬ويؤيده أنه وقع في طريق أخرى "قتل ثمود"(‪.)1156‬‬

‫‪ )(1155‬الية ‪ 8‬من سورة الحاقة ‪.‬‬ ‫‪ )(1156‬قاله الحافظ في "الفتح" (‪.)6/377‬‬ ‫‪303‬‬

‫ص ‪391‬‬ ‫‪-61‬ثم ذكر حديث أبي ذر الذي تقدم في الباب قبل هذا فقال‪:‬‬ ‫"حدثنا عياش بن الوليد‪ ،‬حدثنا وكيع‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن إبراهيم التيمي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي ذر‪،‬‬ ‫ستَقَ ّر لّهَا ذَلِ كَ تَ ْقدِيرُ ا ْل َعزِيزِ‬ ‫جرِي ِلمُ ْ‬ ‫شمْ سُ َت ْ‬ ‫قال‪ :‬سألت ال نبي – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬عن قوله‪ { :‬وَال ّ‬ ‫ا ْلعَلِيمِ }؟ قال‪ " ::‬مستقرها تحت العرش"‪.‬‬ ‫قد تقدم شرحه والشاهد منه هنا‪ :‬أن الشمس في ارتفاعها‪،‬وأبعد ما تكون عن الرض التي عليها‬ ‫المخا طبين آنذاك‪ ،‬تكون ت حت العرش‪ ،‬فالمخلوقات كل ها تح ته‪ ،‬وال –تعالى‪ -‬فوق العرش‪ ،‬ف هو عالٍ‬ ‫على خلقه كلهم وفوقهم‪.‬‬ ‫فهي هذا الباب والذي قبله قصهد البخاري – رحمهه ال تعالى – إثبات علو ال‪ ،‬واسهتواءه على‬ ‫العرش‪ ،‬كما هو ثابت في نفس المر‪ ،‬وتضافرت عليه أدلة الوحي‪ ،‬والعقول والفطر‪ ،‬وكما هو مذهب‬ ‫السلف من الصحابة‪ ،‬وأتباعهم إلى اليوم‪.‬‬ ‫والن صوص ال تي ذكر ها البخاري ظاهرة الدللة على ذلك‪ ،‬و هي نزر ي سير جدا من الن صوص‬ ‫الكثيرة المتنوعة في ذلك‪.‬‬ ‫قال ابن أبي العز‪ " :‬ومن سمع أحاد يث الر سول –صلى ال عل يه و سلم‪ ،-‬وكلم السلف‪ ،‬وجد‬ ‫منه في إثبات الفوقية ما ل ينحصر‪.‬‬ ‫ول ر يب أن ال – سبحانه – ل ما خلق الخلق‪ ،‬لم يخلق هم في ذا ته المقد سة‪ ،‬فإ نه ال حد ال صمد‪،‬‬ ‫فتعين أنه خلقهم خارجا عن ذاته‪.‬‬ ‫ولو لم يت صف – سبحانه – بفوق ية الذات‪ ،‬مع أ نه قائم بنف سه‪ ،‬غ ير مخالط للخلق؛ لكان مت صفا‬ ‫بضهد ذلك؛ لن القابهل للشيهء ل يخلو منهه أو مهن ضده‪ ،‬وضهد الفوقيهة‪ :‬السهفول‪ ،‬وههو مذموم على‬ ‫الطلق‪.‬‬ ‫فإن قيل‪ :‬ل نسلم أنه قابل للفوقية‪ ،‬حتى يلزم من نفيها ثبوت ضدها‪.‬‬ ‫قيل‪ :‬لو لم يكن قابلً للعلو‪ ،‬والفوقية‪ ،‬لم يكن له حقيقة قائمة بنفسها‪ ،‬فمتى أقررتم أنه موجود قائم‬ ‫بنفسهه‪ ،‬ليهس وجوده ذهنيا‪ ،‬بهل وجوده خارج الذهان قطعا‪ ،‬يتعيهن أن يكون متميزا عهن خلقهه‪ ،‬عاليا‬ ‫عليهم‪.‬‬ ‫وقد علم العقلء كلهم بالضرورة‪ ،‬أن ما كان وجوده خارج الذهان‪ ،‬فهو إما أن يكون داخلً في‬ ‫الخلق‪ ،‬أو بائنا منهم خارجا عنهم‪.‬‬ ‫ص ‪392‬‬ ‫وإنكار ذلك إنكار ل ما هو أجلى وأظ هر من المور البديهيات الضرور ية‪ ،‬بل ر يب‪ ،‬فل ي ستدل‬ ‫بدليل على وجوده‪ ،‬إل كان العلم بالمباينة أظهر منه‪ ،‬وأوضح وأبين‪.‬‬

‫‪304‬‬

‫و إذا كانت صفة العلو والفوقية صفة كمال‪ ،‬ل نقص‪ ،‬ول تستلزم نقصا‪ ،‬ول محذور فيها‪ ،‬ول‬ ‫تخالف كتابا‪ ،‬ول سنة‪ ،‬ول إجماعا‪ ،‬فنفي حقيقتها يكون عين الباطل والمحال‪ ،‬الذي ل تأتي به شريعة‬ ‫أصلً‪ ،‬فكيف إذا كان ل يمكن القرار بوجوده ‪-‬تعالى‪ ،-‬وتصديق رسله‪ ،‬واليمان بكتابه‪ ،‬وما جاء به‬ ‫رسوله‪ ،‬إل بذلك؟‬ ‫فكيهف إذا انضهم إلى ذلك شهادة العقول السهليمة‪ ،‬والفطهر المسهتقيمة‪ ،‬والنصهوص الواردة‪،‬‬ ‫المتنو عة فهي الدللة‪ ،‬على علو ال –تعالى‪ -‬على خل قه‪ ،‬وكو نه فوق عباده‪ ،‬التهي تقرب من عشر ين‬ ‫نوعا‪:‬‬ ‫أحد ها‪ :‬التصريح بالفوق ية‪ ،‬مقرونا بأداة "من" المعي نة للفوق ية بالذات‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬يخَافُو نَ‬ ‫َربّهُم مّن فَ ْو ِق ِهمْ } (‪.)1157‬‬ ‫عبَادِ ِه }‬ ‫الثاني‪ :‬ذكر الفوقية‪ ،‬مجردة عن الداة‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬وَهُ َو الْقَا ِهرُ فَ ْوقَ ِ‬

‫(‪)1158‬‬

‫الثالث‪ :‬التصريح بالعروج إليه‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬ت ْعرُ جُ ا ْلمَل ِئكَةُ وَالرّو حُ إَِل ْي ِه } (‪ ،)1159‬وقوله –‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬فيعرج الذين باتوا فيكم‪ ،‬فيسألهم‪ ،‬وهو أعلم" كما تقدم‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬التصريح بالصعود إليه‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬إليه يصعد الكلم الطيب} (‪.)1160‬‬ ‫الخا مس‪ :‬الت صريح برف عه ‪-‬تعالى‪ -‬ب عض خل قه إل يه‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬بَل ّر َفعَ هُ الّل هُ إَِل ْي هِ }‬ ‫(‪ ،)1161‬وقوله‪{ :‬إني متوفيك ورافعك} (‪.)1162‬‬ ‫ص ‪393‬‬ ‫السهادس‪ :‬التصهريح بالعلو المطلق‪ ،‬الدال على جميهع مراتهب العلوم‪ ،‬ذاتا وقدرا‪ ،‬وشرفا‪ ،‬كقوله‬ ‫تعالى‪{ :-‬وَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْل َعظِي مُ }(‪ ،)1163‬وقوله ‪-‬تعالى‪{ :‬وَهُ َو ا ْلعَِليّ ا ْل َكبِيرُ}(‪ ،)1164‬وقوله ‪-‬تعالى‪ِ { :-‬إنّ هُ‬‫حكِيمٌ}(‪.)1165‬‬ ‫عَِليّ َ‬ ‫ّهه ا ْل َعزِيزِ‬ ‫ِنه الل ِ‬ ‫َابه م َ‬ ‫السهابع‪ :‬التصهريح بتنزيهل الكتاب منهه‪ ،‬كقولههه ‪-‬تعالى‪ { :-‬تَنزِيلُ ا ْل ِكت ِ‬ ‫ن اللّ ِه ا ْل َعزِيزِ ا ْلعَلِيمِ } (‪ ،)1167‬وهو كثير‪.‬‬ ‫حكِيمِ}(‪ ،)1166‬وقوله‪ { :‬تَنزِيلُ ا ْل ِكتَابِ مِ َ‬ ‫ا ْل َ‬ ‫‪ )(1157‬الية ‪ 50‬من سورة النحل‪.‬‬ ‫‪ )(1158‬الية ‪ 18‬و ‪ 61‬من سورة النعام‪.‬‬ ‫‪ )(1159‬الية ‪ 4‬من سورة المعارج‪.‬‬ ‫‪ )(1160‬الية ‪ 10‬من سورة فاطر‪.‬‬ ‫‪ )(1161‬الية ‪ 158‬من سورة النساء‪.‬‬ ‫‪ )(1162‬الية ‪ 55‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(1163‬الية ‪ 255‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪ )(1164‬الية ‪ 23‬من سورة سبأ‪.‬‬ ‫‪ )(1165‬الية ‪ 51‬من سورة الشورى‪.‬‬ ‫‪ )(1166‬الية الولى من سورة الزمر‪.‬‬ ‫‪ )(1167‬الية ‪ 2‬من سورة غافر‪.‬‬ ‫‪305‬‬

‫الثامن‪ :‬التصريح باختصاص بعض المخلوقات‪ ،‬بأنها عنده‪ ،‬وأن بعضها أقرب إليه من بعض‪،‬‬ ‫كقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬إن الذ ين ع ند ر بك } (‪ ،)1168‬وقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وله من في ال سموات والرض و من‬ ‫عنده} (‪ ،)1169‬ففرق تعالى بين من عنده عموما‪ ،‬وبين من عنده من الملئكة‪ ،‬وقد تقدم قوله –صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ " :-‬إن ال لما خلق الخلق كتب كتابا‪ ،‬فهو عنده فوق عرشه"‪.‬‬ ‫سفَ ِبكُ مُ‬ ‫سمَاء أَن َيخْ ِ‬ ‫التاسع‪ :‬التصريح بأنه ‪-‬تعالى‪ -‬في السماء‪ ،‬كقوله تعالى‪ { :‬أََأمِنتُم مّن فِي ال ّ‬ ‫لرْ ضَ َفِإذَا هِ يَ َتمُورُ } (‪ ،)1170‬وتقدم أن ذلك‪ ،‬على وجه ين‪ ،‬إ ما أن تكون " في" بمع نى "على" أو يراد‬ ‫اَ‬ ‫بالسماء العلو‪ ،‬ل يجوز غير ذلك‪.‬‬ ‫العاشهر‪ :‬التصهريح برفهع اليدي إلى ال ‪-‬تعالى‪ :-‬كقوله –صهلى ال عليهه وسهلم‪ " :-‬إن ال‬ ‫يستحي من عبده‪ ،‬إذا رفع إليه يديه‪ ،‬أن يردهما صفرا"(‪.)1171‬‬ ‫ص ‪394‬‬ ‫الحادي عشهر‪ :‬التصهريح بالسهتواء‪ ،‬مقرونا بأداة "على" مخصهوصا بالعرش الذي ههو أعلى‬ ‫المخلوقات‪.‬‬ ‫الثا ني ع شر‪ :‬الت صريح بنزوله ‪-‬تعالى‪ -‬كل ليلة إلى سماء الدن يا‪ ،‬والنزول المعقول ع ند جم يع‬ ‫المم إنما يكون من علو إلى أسفل‪.‬‬ ‫الثالث عشر‪ :‬الشارة الحسية إليه في العلو‪ ،‬كما فعل ذلك رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬في‬ ‫خطبته في حجة الوداع‪ ،‬حيث قال‪ " :‬إنكم مسئولون عني‪ ،‬فماذا أنتم قائلون؟ قالوا‪ :‬نشهد أنك قد بلغت‪،‬‬ ‫وأديت‪ ،‬ونصحت‪ ،‬فرفع إصبعه إلى السماء‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم اشهد"(‪.)1172‬‬ ‫الرابع عشر‪ :‬سؤال الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬بلفظ "أين ال؟" وإخباره عمن قال‪ " :‬ال في‬ ‫السماء" بأنه مؤمن(‪.)1173‬‬ ‫الخامس عشر‪ :‬اتفاق الكتب المنزلة من ال والرسل على أن ال فوق عباده عال عليهم‪ ،‬كما قال‬ ‫تعالى‪ -‬عهن فرعون‪{ :‬وقال فرعون يها هامان ابهن لي صهرحا لعلي أبلغ السهباب (‪ )36‬أسهباب‬‫ال سموات فأطلع إلى إله مو سى وإني لظ نه كاذبا} (‪)1174‬؛ لن مو سى عل يه السلم أخبر فرعون أن ال‬ ‫في السماء‪ ،‬فقال هذا القول ليموه على السذج أتباع كل ناعق بدون بصيرة‪.‬‬ ‫‪ )(1168‬آخر آية من سورة العراف‪.‬‬ ‫‪ )(1169‬الية ‪ 19‬من سورة النبياء‪.‬‬ ‫‪ )(1170‬الية ‪ 16‬من سورة الملك‪.‬‬ ‫‪ )(1171‬أخرجه أبو داود في "السنن" (‪ )2/165‬رقم (‪ ، )1488‬والترمذي في الدعوات (‪ ،)5/217‬وابن‬ ‫ماجه في "السنن" (‪ )2/1271‬الحديث رقم (‪.)3865‬‬ ‫‪ )(1172‬رواه مسلم في "صحيحه" وغيره ‪ ،‬انظر ‪" :‬مسلم" (‪ )2/890‬الحديث رقم (‪ ، )1218‬وهو حديث‬ ‫جابر الطويل في صفة الحج‪.‬‬ ‫‪ )(1173‬انظر ‪ " :‬صحيح مسلم" (‪ )1/382‬الحديث رقم (‪.)537‬‬ ‫‪ )(1174‬اليتان ‪ 36‬و ‪ 37‬من سورة غافر‪.‬‬ ‫‪306‬‬

‫السهادس عشهر‪ :‬عروج النهبي –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬إليهه ‪-‬تعالى‪ -‬وإخباره أنهه تردد بينهه‬ ‫تعالى‪ -‬وبين موسى‪ ،‬يطلب التخفيف من عدد الصلوات"(‪.)1175‬‬‫وقد غلط أكثر المتكلمين في مسمى السماء‪ ،‬حيث ظنوا أن السماء يقصد به مكان معين محاط‪،‬‬ ‫فتوهموا أن من قال‪ :‬إن ال في السماء‪ ،‬أن مكانا يحيط به أو يحويه – تعالى وتقدس‪.-‬‬ ‫ص ‪395‬‬ ‫قال شيخ السلم‪ " :‬من توهم أن كون ال في السماء أن السماء تحيط به‪ ،‬أو تحويه‪ ،‬فهو كاذب‬ ‫أن نقله عن غيره‪ ،‬وضال إن اعتقده في ربه‪.‬‬ ‫وما فهم هذا أحد من النصوص‪ ،‬ولم ينقل عن أحد‪ ،‬ولو سئل سائر المسلمين‪ :‬هل تفهمون من‬ ‫قول ال ور سوله‪ :‬إن ال في ال سماء‪ ،‬أن ال سماء تحو يه؟ لبادروا إلى القول‪ :‬بأن هذا ش يء ما خ طر‬ ‫بالبال‪.‬‬ ‫فمن الضلل أن يجعل ظاهر نصوص الكتاب والسنة في ذلك دالة على الباطل والتشبيه‪.‬‬ ‫بل عند الناس قولك‪ :‬إن ال في السماء‪ ،‬وقولك‪ :‬ال فوق العرش‪ ،‬سواء‪ ،‬إذ السماء إنما يراد به‬ ‫العلو‪ ،‬فالمعنى‪ :‬أن ال في العلو‪ ،‬ل في السفل‪.‬‬ ‫وقد علم المسلمون أن كرسيه – سبحانه وتعالى – وسع ال سموات‪ ،‬والرض‪ ،‬وأن الكرسي في‬ ‫العرش كحلقة ملقاة بأرض فلة‪ ،‬وأن العرش خلق من مخلوقات ال‪ ،‬ل نسبة له إلى عظمة ال تعالى‪.‬‬ ‫فكيهف يتوههم بعهد هذا أن خلقا يحصهره أو يحويهه؟ وقهد قال –تعالى‪{ :-‬ولصهلبنكم فهي جذوع‬ ‫النخهل} (‪ ،)1176‬وقال –تعالى‪{ :-‬فسهيروا فهي الرض} (‪ ،)1177‬بمعنهى‪ :‬على الرض‪ ،‬وههو كلم عربهي‬ ‫حقيقة ل مجازا‪ ،‬وهذا يعلمه من عرف حقائق الحروف"(‪.)1178‬‬ ‫وعلو ال ‪-‬تعالى‪ -‬ظاههر جدا‪ ،‬وقهد تقدم أن البخاري – رحمهه ال – أشار بمها ذكره فهي هذا‬ ‫الباب‪ ،‬إلى أن علو ال ‪-‬تعالى‪ -‬وفوقيته ثابت بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬والجماع‪ ،‬والعقل‪ ،‬والفطر‪.‬‬ ‫أما ثبوته بالكتاب والسنة فواضح‪.‬‬ ‫و أ ما الجماع‪ :‬فأشار إل يه بق صة زي نب‪ :‬أن ها كا نت تفت خر على أزواج ال نبي – صلى ال عل يه‬ ‫وسلم‪ -‬تقول‪ " :‬زوجكن أهاليكن‪ ،‬وزوجني ال من فوق سبع سماوات" فهذا يدل‬ ‫ص ‪396‬‬

‫‪" )(1175‬شرح الطحاوية" بتصرف (ص ‪ )260-256‬الطبعة الثالثة‪.‬‬ ‫‪ )(1176‬الية ‪ 71‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ )(1177‬الية ‪ 137‬من سورة آل عمران ‪ ،‬و الية ‪ 36‬من سورة النحل ‪.‬‬ ‫‪" )(1178‬مجموع الفتاوى" (‪.)5/106‬‬ ‫‪307‬‬

‫على الجماع؛ لن ذلك متقرر عند هم‪ ،‬ولم ين كر ذلك أ حد‪ ،‬بل يذ كر في كل منا سبة‪ ،‬و من ذلك‬ ‫هذا الذي قالتهه زينهب‪ ،‬فالجماع عليهه ظاههر‪ ،‬والجماع ل يكون على خلف المعقول‪ ،‬ومهن أيمان‬ ‫العرب قولهم‪ " :‬ل والذي يراني من فوق سبعة أرقعة"(‪.)1179‬‬ ‫و أما الفطرة‪ ،‬فأشار إليها بما ذكره عن أبي ذر أنه قال لخيه‪ ،‬قبل أن يسلم‪ " :‬أعلم لي علم هذا‬ ‫الر جل‪ ،‬الذي يأتيه ال خبر من السماء" أي‪ :‬يأت يه الخبر من ال الذي في ال سماء؛ ل نه يقول للناس‪ :‬أنا‬ ‫رسول ال إليكم‪.‬‬ ‫قال شيخ السلم‪ " :‬تبين وجوب إثبات العلو ل ‪-‬تعالى‪ -‬من وجوه‪:‬‬ ‫أحدهها‪ :‬أن القرآن‪ ،‬والسهنن المسهتفيضة‪ ،‬المتواترة‪ ،‬وغيهر المتواترة‪ ،‬وكلم السهابقين والتابعيهن‬ ‫وأهل القرون الثلثة‪ ،‬مملوء بما فيه إثبات العلو ل‪ ،‬وأنه مستوٍ على عرشه‪ ،‬بأنواع من الدللت‪.‬‬ ‫فال ‪-‬تعالى‪ -‬يخبرنا تارة‪ ،‬أنه خلق السموات والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش‪.‬‬ ‫وتارة يخبر بعروج الشياء‪ ،‬وصعودها‪ ،‬وارتفاعها إليه‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬بَل ّر َفعَ ُه اللّ هُ إَِل ْي ِه }‬ ‫(‪ِ{ ،)1180‬إنّيه ُمتَ َوفّيكَه َورَافِعُكَه إِلَيّ} (‪َ { ،)1181‬تعْرُجُه ا ْلمَل ِئكَةُ وَالرّوحُه إَِليْهِه } (‪ { ،)1182‬إَِليْهِه يَص ْهعَ ُد ا ْلكَلِمُه‬ ‫ل الصّالِحُ َيرْ َفعُهُ} (‪.)1183‬‬ ‫طيّبُ وَا ْل َعمَ ُ‬ ‫ال ّ‬ ‫ن آ َت ْينَاهُ مُ ا ْل ِكتَا بَ َيعَْلمُو نَ َأنّ هُ‬ ‫وتارة ي خبر بنزول ها م نه‪ ،‬أو من عنده‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬وَاّلذِي َ‬ ‫ق } (‪،)1185‬‬ ‫ح الْ ُقدُسِ مِن ّر ّبكَ بِا ْلحَ ّ‬ ‫ل مّن ّر ّبكَ } (‪ { ،1184‬قُلْ َنزّلَ ُه رُو ُ‬ ‫ُمنَزّ ٌ‬ ‫ص ‪397‬‬ ‫حكِي مِ }‬ ‫ب مِ نَ اللّ ِه ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬ ‫ب مِ نَ اللّ ِه ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِي مِ } (‪ { ،)1186‬تَنزِيلُ ا ْل ِكتَا ِ‬ ‫{ حم {‪}1‬تَنزِيلُ ا ْل ِكتَا ِ‬ ‫(‪.)1187‬‬ ‫ك الَعْلَى (‪ ،)1188‬وقوله ‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫سمَ َربّ َ‬ ‫حا ْ‬ ‫سبّ ِ‬ ‫وتارة ي خبر بأ نه العلي العلى‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪َ :-‬‬ ‫وَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْل َعظِيمُ (‪.)1189‬‬

‫‪ )(1179‬انظر ‪ ":‬أيمان العرب" للنجيرمي (ص ‪.)15‬‬ ‫‪ )(1180‬الية ‪ 158‬من سورة النساء‪.‬‬ ‫‪ )(1181‬الية ‪ 55‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(1182‬الية ‪ 4‬من سورة المعارج‪.‬‬ ‫‪ )(1183‬الية ‪ 10‬من سورة فاطر ‪.‬‬ ‫‪ )(1184‬الية ‪ 114‬من سورة النعام‪.‬‬ ‫‪ )(1185‬الية ‪ 102‬من سورة النحل ‪.‬‬ ‫‪ )(1186‬فاتحة سورة فصلت‪.‬‬ ‫‪ )(1187‬فاتحة سورة الجاثية والحقاف‪.‬‬ ‫‪ )(1188‬فاتحة سورة العلى ‪.‬‬ ‫‪ )(1189‬الية ‪ 255‬من سورة البقرة ‪ ،‬و الية ‪ 4‬من سورة الشورى ‪.‬‬ ‫‪308‬‬

‫لرْ ضَ َفِإذَا‬ ‫سمَاء أَن َيخْ سِفَ ِبكُ مُ ا َ‬ ‫وتارة يخبر بأنه في ال سماء‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪ -‬أََأمِنتُم مّن فِي ال ّ‬ ‫صبًا فَ سَ َتعَْلمُونَ َكيْ فَ َنذِيرِ (‪ ،)1190‬فذ كر‬ ‫سمَاء أَن ُيرْ سِلَ عََل ْيكُ ْم حَا ِ‬ ‫هِ يَ َتمُورُ {‪ }16‬أَ مْ َأمِنتُم مّ ن فِي ال ّ‬ ‫السماء دون الرض‪ ،‬وكقوله –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬أل تأمنوني‪ ،‬وأنا أمين من في السماء؟" وقوله‬ ‫للجار ية‪ " :‬أ ين ال؟" قالت‪ :‬في ال سماء‪ ،‬قال‪ " :‬اعتق ها‪ ،‬فإن ها مؤم نة" ولم يعلق ذلك بألوه ية أو غير ها‪،‬‬ ‫كما في قوله –تعالى‪ -‬وهو الذي في السماء إله وفي الرض إله (‪ ،)1191‬وقوله‪ :‬وهو ال في السماوات‬ ‫وفي الرض (‪ ،)1192‬أي‪ :‬هو المألوه المعبود في السموات والرض‪.‬‬ ‫وتارة يجعل بعض الخلق عنده‪ ،‬دون بعض‪ ،‬كقوله وله من في السموات والرض ومن عنده ل‬ ‫يستكبرون عن عبادته} (‪.)1193‬‬ ‫فلو كان موجهب العنديهة معنهى عاما‪ ،‬كدخولههم تحهت قدرتهه‪ ،‬ومشيئتهه‪ ،‬ونحهو ذلك‪ ،‬لكان كهل‬ ‫مخلوق عنده‪ ،‬ولم يكن أحد مستكبرا عن عبادته‪.‬‬ ‫و أما الحاديث‪ ،‬والثار عن الصحابة‪ ،‬والتابعين فل يحصيها إل ال ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫ص ‪399‬‬ ‫فل يخلو أن يكون مها اتفقهت عليهه هذه النصهوص‪ ،‬مهن إثبات علو ال ‪-‬تعالى‪ -‬على خلقهه ههو‬ ‫الحق‪ ،‬أو الحق نقيضه‪ ،‬إذ الحق ل يخلو عن النقيضين‪.‬‬ ‫فإذا كان نفهي العلو ههو الحهق‪ ،‬فمعلوم أن القرآن لم يهبين هذا‪ ،‬ل نصها‪ ،‬ول مفهوما‪ ،‬وكذلك‬ ‫الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ ،-‬ول أ حد من ال صحابة وأتباع هم‪ ،‬ول أ حد من أئ مة الم سلمين‪ ،‬ول‬ ‫يم كن أ حد أن ين قل عن وا حد من هم شيئا من ذلك‪ ،‬بل نقي ضه هو الم ستفيض عن هم‪ ،‬ك ما هو الموا فق‬ ‫للكتاب والسنة‪.‬‬ ‫ويلزم على ذلك أن يكون ال ورسوله والمؤمنون‪ ،‬لم ينطقوا بالحق في هذا الباب‪ ،‬بل تكلموا بما‬ ‫يدل على الضلل‪ ،‬إما نصا‪ ،‬أو ظاهرا‪.‬‬ ‫فإن قيهل‪ :‬هذه النصهوص مها أريهد بهها إثبات علو ال على خلقهه‪ ،‬وإنمها أريهد بهها علو المكانهة‬ ‫والقدر‪.‬‬ ‫ق يل‪ :‬فكان ي جب على المتكلم ب ها أن يبين للناس ال حق‪ ،‬الذي ي جب أن يؤ من به ويعت قد‪ ،‬ظاهرا‬ ‫وباطنا‪ ،‬وأنه لم يرد بهذا الكلم مفهومه‪ ،‬ومقتضاه‪.‬‬ ‫فإن قيل‪ :‬إنه تكلم بالمجاز‪ ،‬المخالف للحقيقة‪.‬‬ ‫قيل‪ :‬من المعلوم باتفاق العقلء‪ :‬أن المخاطب المبين إذا تكلم بمجاز‪ ،‬فل بد أن يقرن بخطابه ما‬ ‫يدل على إرادة المع نى المجازي‪ ،‬فإذا كان الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬الذي ب ين للناس ما نزل‬ ‫‪ )(1190‬اليتان ‪ 16‬و ‪ 17‬من سورة الملك ‪.‬‬ ‫‪ )(1191‬الية ‪ 84‬من سورة الزخرف‪.‬‬ ‫‪ )(1192‬الية ‪ 3‬من سورة النعام‪.‬‬ ‫‪ )(1193‬الية ‪ 19‬من سورة النبياء‪.‬‬ ‫‪309‬‬

‫إليهم – يعلم أن المراد بالكلم خلف مقتضاه وظاهره‪ ،‬وجب عليه أن يقرن بخطابه ما يصرف القلوب‬ ‫عهن فههم المعنهى الذي لم يرده‪ ،‬ول سهيما إذا كان ذلك المعنهى باطلً‪ ،‬ول يجوز اعتقاده فهي ال‬ ‫تعالى‪ ،-‬وهذا ي جب ولو لم يخاطب هم ب ما يف هم م نه خلف ال حق‪ ،‬الذي ي جب اعتقاده‪ ،‬إذا كان مخوفا‬‫عليهم‪ ،‬فكيف إذا كان في كلمه ما يفهم منه خلف الحق"(‪.)1194‬‬ ‫فل عذر لمن أنكر علو ال‪ ،‬ونفاة العلو والصفات‪ ،‬يقولون‪ :‬إن هذه النصوص لم يرد بها الحقيقة‬ ‫والظاهر المفهوم منها‪ ،‬والقرينة الصارفة عن ذلك هي دللة العقل‪ ،‬فاكتفى المتكلم بهذه القرينة؛ لنها‬ ‫عقلية‪ ،‬عند كل عاقل‪.‬‬ ‫ص ‪399‬‬ ‫فيقال ل هم‪ :‬إذا كان ما تكلم به ال ور سوله‪ ،‬إن ما يف يد مجرد الضلل‪ ،‬والهدى إن ما ي ستفاد من‬ ‫العقول‪ ،‬فلماذا ينزل ال الكتاب‪ ،‬وير سل الر سول؟ للعناء والشقاء؟ فإن ترك هم على جاهليت هم خ ير ل هم‬ ‫من أن ينزل عليهم الكتاب‪ ،‬ويرسل إليهم الرسول‪ ،‬هذا هو لزم هذا القول الباطل‪.‬‬ ‫ويقال أيضا‪ :‬الرسول جاء بإثبات العلو‪ ،‬والصفات‪ ،‬وذلك أظهر في العقل من قولكم‪.‬‬ ‫ثم الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أما أن يتكلم بالهدى‪ ،‬أو بالضلل‪ ،‬أو يسكت عنهما‪.‬‬ ‫ومعلوم أن السكوت عنهما خير من التكلم بالضلل‪.‬‬ ‫وبذلك يعلم بالع قل‪ ،‬أ نه لم ي سكت عن بيان ال حق‪ ،‬والهدى‪ ،‬والتحذ ير من اعتقاده البا طل‪ ،‬وبذلك‬ ‫يتفق ما جاء به الرسول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬مع العقل الصحيح‪ ،‬الذي لم تفسده الشياطين‪ ،‬والهوى‬ ‫المضل‪.‬‬ ‫فالع قل يوافق ما جاء به الر سول –صلى ال عليه وسلم‪ -‬ل ما يقوله نفاة الصفات‪ ،‬وليس بين‬ ‫الع قل ال صريح والن قل ال صحيح تنا قض أ صلً‪ ،‬ك ما ب ين ذلك ش يخ ال سلم ا بن تيم ية في كتا به‪ :‬درء‬ ‫تعارض العقل والنقل‪ ،‬وغيره‪.‬‬ ‫فقولهم‪ :‬إن القري نة الصارفة عن الظا هر‪ ،‬هي الع قل‪ ،‬خ طأ محض‪ ،‬إذ الع قل يوافقها ل يخالفها‬ ‫كمها توهموه‪ ،‬كمها أن إثبات الصهفات ليهس فيهه تشهبيه كمها زعموا‪ ،‬ولكهن الوهام وسهوء الظهن بال‬ ‫ورسوله أرداهم‪.‬‬ ‫و من حجج هم الباطلة ال تي حملت هم على صرف الن صوص عن ظاهر ها‪ ،‬ورأوا وجوب تأويل ها‬ ‫لذلك‪ ،‬هي قاعدتهم في أن جميع الجسام حادثة لملزمتها للعراض التي هي الصفات‪ ،‬فوجب تنزيه‬ ‫الرب ‪-‬تعالى‪ -‬عهن كهل صهفة تسهتلزم التركيهب‪ ،‬أو الجسهمية؛ لن العراض ل تكون إل فهي جسهم‪،‬‬ ‫والجسهم ل بهد أن يكون مركبا مهن الجواههر – كمها زعموا‪ ،-‬ولهذا قالوا‪ :‬إن السهتواء والعلو‪ ،‬يلزم‬ ‫منهما النقلة‪ ،‬والمكان‪ ،‬والحركة‪ ،‬وهذه من صفات الجسام‪.‬‬ ‫‪" )(1194‬مجموع الفتاوى" (‪ )168-5/164‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪310‬‬

‫فيقال ل هم‪ :‬الحياة‪ ،‬والعلم‪ ،‬وال سمع‪ ،‬والب صر – م ما جوز تم لنف سكم أن ت صفوه به‪ -‬ل يع قل أن‬ ‫تقوم إل بج سم‪ ،‬مع أنكم ت سمون ال صفات‪ :‬أعراضا‪ ،‬ول فرق ب ين ما أثبتموه و ما نفيتموه في المع نى‪،‬‬ ‫أل يجوز لغيركم أن يصف ال ‪-‬تعالى‪ -‬بما وصف‬ ‫ص ‪400‬‬ ‫ل على خل قه‪ ،‬وبأن له وجها‬ ‫به نف سه‪ ،‬وو صفته به ر سله بأ نه ‪-‬تعالى‪ -‬م ستوٍ على عر شه‪ ،‬وعا ٍ‬ ‫ويد ين حقي قة‪ ،‬ون حو ذلك م ما ت سمونه‪ :‬أبعاضا‪ ،‬ت ستلزم الترك يب‪ ،‬والج سمية؟ ك ما افتريتموه على رب‬ ‫العالمين‪ ،‬ورميتم من وصف ال –تعالى‪ -‬بما وصف به نفسه‪ ،‬بالتشبيه‪ ،‬والتجسيم‪ ،‬مع أنهم أقرب إلى‬ ‫المعقول منكم‪ ،‬وقد سلم لهم المنقول بدون تحريف‪.‬‬ ‫قال ش يخ ال سلم‪ " :‬ول ر يب أن ال موجود‪ ،‬قائم بنف سه‪ ،‬وتر فع إل يه اليدي ع ند الدعاء‪ ،‬ك ما‬ ‫فطر على ذلك جميع عباده‪ ،‬ول ريب أنه تجوز رؤيته في الخرة‪ ،‬كما أخبر بذلك في كتابه‪ ،‬فإذا سموا‬ ‫هذه المعاني تجسيما‪ ،‬فل ينبغي لنا أن نترك ما أخبر ال به عن نفسه في كتابه‪ ،‬ونذهب إلى تأويلها‪،‬‬ ‫لمجرد هذه التسميات الحادثة المبتدعة"‬

‫(‪)1195‬‬

‫وقال أيضا‪ " :‬ولفهظ الظاههر فيهه إجمال‪ ،‬واشتراك‪ ،‬فإن كان القائل يعتقهد أن ظاهرهها التمثيهل‬ ‫بصفات المخلوقين‪ ،‬أو ما هو من خصائصهم‪ ،‬فل ريب أن هذا غير مراد‪.‬‬ ‫وال سلف والئ مة لم يكونوا ي سمون هذا ظاهر ها‪ ،‬ول يرتضون أن يكون ظا هر القرآن والحد يث‬ ‫كفرا‪ ،‬وباطلً‪.‬‬ ‫وال سبحانه – وتعالى – أعلم وأح كم من أن يكون كل مه الذي و صف به نف سه‪ ،‬ل يظ هر م نه‬ ‫إل ما هو كفر‪ ،‬أو ضلل‪.‬‬ ‫والذين يجعلون ظاهرها ذلك‪ ،‬يغلطون من وجهين‪:‬‬ ‫أحدهما‪ :‬أنهم جعلوا المعنى الفاسد‪ ،‬هو ظاهر نص كلم ال وكلم رسوله‪ ،‬ولذلك أوجبوا تأويله‪،‬‬ ‫ليخالف الظاهر الذي زعموا‪ ،‬وليس المر كذلك‪.‬‬ ‫الثا ني‪ :‬أن هم ردوا المع نى ال صحيح الذي هو ظا هر الل فظ؛ لعتقاد هم أ نه با طل‪ ،‬كقول هم في‬ ‫الحد يث‪ " :‬قلوب العباد ب ين إ صبعين من أ صابع الرح من "‪ ،‬قالوا‪ :‬ل يجوز أن يراد به الظا هر‪ ،‬فل يس‬ ‫في قلوبنا أصابع‪.‬‬ ‫ص ‪401‬‬ ‫ومعلوم أنه ليس ظاهره أن القلوب متصلة بالصابع‪ ،‬ول مماسة لها‪ ،‬ول أن أصابع الرحمن في‬ ‫جوف العبد‪ ،‬ول يفهم من قول القائل‪ :‬هذا بين يدي‪ ،‬ما يقتضي مباشرته ليديه‪.‬‬

‫‪" )(1195‬مجموع الفتاوى" (‪ )45-3/43‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪311‬‬

‫و إذا قيهل‪ :‬إن السهحاب بيهن السهماء والرض‪ ،‬لم يقتهض أن يكون مماسها للسهماء‪ ،‬أو الرض‪،‬‬ ‫ونظائر ذلك كثيرة "(‪.)1196‬‬ ‫وقال أبهو نصهر السهجزي فهي "البانهة"‪" :‬وأئتمنها‪ ،‬كسهفيان‪ ،‬ومالك‪ ،‬والحماديهن‪ ،‬وابهن عيينهة‪،‬‬ ‫والفضيل‪ ،‬وابن المبارك‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬متفقون على أن ال فوق العرش‪ ،‬وعلمه في كل‬ ‫مكان‪ ،‬وأنه ينزل إلى السماء الدنيا‪ ،‬وأنه يغضب‪ ،‬ويرضى‪ ،‬ويتكلم بما يشاء"(‪.)1197‬‬ ‫وقال ابن عبد البر في شرحه لحديث النزول‪" :‬وفيه دليل على أن ال – عز وجل – في السماء‬ ‫على العرش‪ ،‬من فوق سبع سماوات‪ ،‬كما قالت الجماعة‪ ،‬وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية‪ ،‬في‬ ‫قولهم‪ :‬إن ال – عز وجل – في كل مكان‪ ،‬وليس على العرش‪ ،‬والدليل على صحة ما قال أهل الحق‪:‬‬ ‫ش مَا َلكُم مّن‬ ‫ستَوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ‬ ‫ستَوَى} (‪)1198‬وقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬ا ْ‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫قوله – تعالى ‪{ :-‬ال ّر ْ‬ ‫ي ُدخَا نٌ } (‪ ،)1200‬وقوله‬ ‫سمَاء وَهِ َ‬ ‫ستَوَى إِلَى ال ّ‬ ‫دُونِ ِه مِن وَلِيّ وَل شَفِي ٍع } (‪ ،)1199‬وقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬ثُمّ ا ْ‬ ‫تعالى‪{ :-‬إذا لبتغوا إلى ذي العرش سهبيلً} (‪ ،1201‬وقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬إليهه يصهعد الكلم الطيهب} (‪،)1202‬‬‫سفَ ِبكُ مُ‬ ‫سمَاء أَن َيخْ ِ‬ ‫جبَلِ } (‪ ،)1203‬وقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬أََأمِنتُم مّ ن فِي ال ّ‬ ‫وقوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬تجَلّى َربّ هُ لِ ْل َ‬ ‫لرْضَ } (‪ ،)1204‬وقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬سبح اسم ربك‬ ‫اَ‬ ‫ص ‪402‬‬ ‫العلى}‪ ،‬وهذا من العلو‪ ،‬وكذلك قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬العلي العظ يم} (‪ ،)1205‬وقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬ال كبير‬ ‫ن َربّهُم‬ ‫المتعال} (‪ ،)1206‬وقوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬رَفِي عُ ال ّد َرجَا تِ ذُو ا ْل َعرْ شِ } (‪ ،)1207‬وقوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬يخَافُو َ‬ ‫مّن فَ ْوقِ ِهمْ } (‪ ،)1208‬والجهمي يزعم أنه أسفل‪.‬‬

‫‪ )(1196‬المصدر السابق ‪.‬‬ ‫‪ )(1197‬ذكره الذهبي في "سير أعلم النبلء" (‪.)17/656‬‬ ‫‪ )(1198‬الية ‪ 5‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ )(1199‬الية ‪ 4‬من سورة آلم السجدة‪.‬‬ ‫‪ )(1200‬الية ‪ 11‬من سورة حم فصلت ‪.‬‬ ‫‪ )(1201‬الية ‪ 42‬من سورة السراء‪.‬‬ ‫‪ )(1202‬الية ‪ 10‬من سورة فاطر‪.‬‬ ‫‪ )(1203‬الية ‪ 143‬من سورة العراف‪.‬‬ ‫‪ )(1204‬الية ‪ 16‬من سورة الملك‪.‬‬ ‫‪ )(1205‬الية ‪ 255‬من سورة البقرة ‪ ،‬و الية ‪ 4‬من سورة الشورى‪.‬‬ ‫‪ )(1206‬الية ‪ 9‬من سورة الرعد‪.‬‬ ‫‪ )(1207‬الية ‪ 15‬من سورة غافر‪.‬‬ ‫‪ )(1208‬الية ‪ 50‬من سورة النحل‪.‬‬ ‫‪312‬‬

‫ه } (‪ ،)1209‬وقال‬ ‫ه إَِليْه ِ‬ ‫ه ثُمّه َي ْعرُج ُ‬ ‫لرْض ِ‬ ‫همَاء إِلَى ا َ‬ ‫ه الس ّ‬ ‫ل ْمرَ مِن َ‬ ‫وقال – جهل ذكره ‪ُ { :-‬ي َدبّرُ ا َ‬ ‫تعالى‪ :-‬تعرج الملئ كة والروح(‪ ،)1210‬وقال ‪-‬تعالى‪ -‬لعي سى‪ِ :‬إنّ ي ُمتَ َوفّي كَ َورَا ِفعُ كَ إِلَيّ (‪ ،)1211‬وقال‬‫ن َل هُ بِالّليْلِ وَال ّنهَارِ(‪،)1213‬‬ ‫س ّبحُو َ‬ ‫تعالى‪ :-‬بَل ّر َفعَ هُ الّل هُ إَِل ْي هِ (‪ ،)1212‬وقال ‪-‬تعالى‪ :-‬فَاّلذِي نَ عِن َد رَبّ كَ يُ َ‬‫س لَ ُه دَافِ عٌ‬ ‫ن (‪ ،)1214‬وقال تعالى‪َ :‬ليْ َ‬ ‫سرُو َ‬ ‫س َتحْ ِ‬ ‫عبَا َدتِ هِ وَل يَ ْ‬ ‫ع نْ ِ‬ ‫س َتكْ ِبرُونَ َ‬ ‫وقال ‪-‬تعالى‪َ :-‬ومَ نْ عِندَ ُه ل يَ ْ‬ ‫ن اللّهِ ذِي ا ْل َمعَارِجِ (‪ ،)1215‬والعروج‪ :‬الصعود‪.‬‬ ‫{‪ }2‬مّ َ‬ ‫لرْ ضَ } (‪ ،)1216‬فمعناه‪ :‬من على‬ ‫سفَ ِبكُ مُ ا َ‬ ‫سمَاء أَن َيخْ ِ‬ ‫و أ ما قوله ‪-‬تعالى‪ { :-‬أََأمِنتُم مّ ن فِي ال ّ‬ ‫السماء‪ ،‬يعني على العرش‪ ،‬وقد يكون "في" بمعنى "على" أل ترى إلى قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَل صَّل َب ّنكُمْ فِي‬ ‫جذُوعِ ال ّنخْلِ} (‪ ،)1217‬وقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬فَسِيحُواْ فِي‬ ‫ُ‬ ‫ص ‪403‬‬ ‫شهُرٍ} (‪)1218‬؟ أي‪ :‬على الرض‪ ،‬وهذا كله يعضده قوله –تعالى‪َ { :-‬ت ْعرُجُ ا ْلمَل ِئكَةُ‬ ‫لرْضِ َأ ْر َبعَ َة َأ ْ‬ ‫اَ‬ ‫ح إَِليْهِ} (‪ ،)1219‬وما كان مثله مما تلونا من اليات في هذا الباب"(‪)1220‬ا‪.‬هه‪.‬‬ ‫وَالرّو ُ‬ ‫ستَوَى (‪،)1221‬‬ ‫حمَ نُ عَلَى ا ْل َعرْ شِ ا ْ‬ ‫وقال أيضا‪ " :‬و ما روي عن ا بن عباس في قوله –تعالى‪ :-‬ال ّر ْ‬ ‫أنه قال على جميع بريته‪ ،‬فل يخلو منه مكان"‪.‬‬ ‫فالجواب‪ :‬أنهه منكهر‪ ،‬ونقلتهه مجهولون‪ ،‬وضعفاء‪ ،‬وههم ل يقبلون أخبار الحاد العدول‪ ،‬فكيهف‬ ‫لرْ ضِ‬ ‫سمَاء إِلَ هٌ َوفِي ا َ‬ ‫يحتجون بمثل هذا الثر الساقط؟ وأما تعلقهم بقوله –تعالى‪{ :-‬وَهُ َو اّلذِي فِي ال ّ‬ ‫ن مِن ّنجْوَى ثَلثَ ٍة ِإلّ ُهوَ رَا ِب ُعهُ مْ} الية (‪ ،)1223‬وزعمهم أنه ال –‬ ‫إِلَ هٌ} (‪ ،)1222‬وقوله –تعالى‪{ :-‬مَا َيكُو ُ‬ ‫تبارك وتعالى – فهي كهل مكان بنفسهه وذاتهه‪ .‬فيقال لههم‪ :‬أنتهم ل تخالفون بأنهه ليهس فهي الرض دون‬ ‫السماء‪ ،‬بذاته‪ ،‬فيجب حمل هذه النصوص على المعنى الصحيح المجمع عليه‪ ،‬وهو أنه في السماء إله‬ ‫معبود من أهل السماء‪ ،‬وفي الرض إله معبود من أهل الرض‪ ،‬وهو الذي قاله أهل العلم بالتفسير‪.‬‬ ‫‪ )(1209‬الية ‪ 5‬من سورة آلم السجدة‪.‬‬ ‫‪ )(1210‬الية ‪ 4‬من سورة المعارج‪.‬‬ ‫‪ )(1211‬الية ‪ 55‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫‪ )(1212‬الية ‪ 158‬من سورة النساء‪.‬‬ ‫‪ )(1213‬الية ‪ 38‬من سورة فصلت ‪.‬‬ ‫‪ )(1214‬الية ‪ 19‬من سورة النبياء‪.‬‬ ‫‪ )(1215‬اليتان ‪ 2‬و ‪ 3‬من سورة المعارج‪.‬‬ ‫‪ )(1216‬الية ‪ 16‬من سورة الملك‪.‬‬ ‫‪ )(1217‬الية ‪ 71‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ )(1218‬الية ‪ 2‬من سورة التوبة ‪.‬‬ ‫‪ )(1219‬الية ‪ 4‬من سورة المعارج ‪.‬‬ ‫‪" )(1220‬التمهيد" (‪.)130-7/129‬‬ ‫‪ )(1221‬الية ‪ 5‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ )(1222‬الية ‪ 84‬من سورة الزخرف‪.‬‬ ‫‪ )(1223‬الية ‪ 7‬من سورة المجادلة‪.‬‬ ‫‪313‬‬

‫ن مِن ّنجْوَى ثَلثَ ٍة ِإلّ ُهوَ رَا ِب ُعهُ مْ}‬ ‫وقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬مَا َيكُو ُ‬

‫(‪)1224‬‬

‫الية‪ ،‬ليس فيها حجة لهم؛ لن‬

‫علماء الصحابة والتابعين‪ ،‬الذين روي عنهم التفسير‪ ،‬قالوا في هذه الية‪ :‬هو على العرش‪ ،‬وعلمه في‬ ‫كل مكان‪ .‬ولم يخالفهم في ذلك من يعتد به‪.‬‬ ‫ثم ذ كر عن ا بن م سعود‪ :‬قال‪ " :‬ال فوق العرش‪ ،‬ل يخ فى عل يه ش يء من أعمال كم" وذ كر عن‬ ‫الضحاك‪ ،‬وسفيان الثوري مثله"(‪.)1225‬‬ ‫ص ‪404‬‬ ‫ف تبين ب ما ذكره أن هذه اليات ال تي تعلق ب ها نفاة العلو‪ ،‬تدل على ع كس قول هم‪ ،‬ف هي متف قة مع‬ ‫النصوص الصريحة في الدللة على علو ال ‪-‬تعالى‪.-‬‬ ‫من الحجج القاطعة أن ال تعالى فوق السماوات على عرشه‪ :‬أن كل داع يدعو ال ‪-‬تعالى‪ -‬يجد‬ ‫في نف سه دافعا إلى التجاه إلى ال فو قه‪ ،‬و هو أ مر ضروري وقط عي‪ ،‬فل يم كن لي سائل ي سأل ال‬ ‫ويطلب منه إل – رفع – يديه‪ ،‬واتجه بقلبه إلى من يستغيث به‪ ،‬الذي هو عال فوق جميع مخلوقاته‪،‬‬ ‫مستو على عرشه‪ ،‬فالعلم بذلك فطري ضروري عقلي‪ ،‬ونصوص الشرع جاءت مؤيدة ذلك مقررة له‪.‬‬ ‫قال شيخ السلم‪ ":‬ذكر محمد بن طاهر المقدسي‪ ،‬عن الشيخ الجليل أبي جعفر الهمدا ني‪ ،‬أنه‬ ‫ح ضر مجلس أ بي المعالي الجوي ني‪ ،‬و هو يقول‪ :‬كان ال‪ ،‬ول عرش {ول مكان} و هو على ما {كان}‬ ‫عليه {قبل خلق المكان}‪ ،‬أو كلم من هذا المعنى‪ ،‬فقال‪ :‬يا شيخ‪ ،‬دعنا من ذكر العرش‪ ،‬أخبرنا عن هذه‬ ‫الضرورة التي نجدها في قلوبنا‪ ،‬فإنه ما قال عارف قط‪ :‬يا ال‪ ،‬إل وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو‪،‬‬ ‫ول يلتفت يمنة ول يسرة‪ ،‬فكيف ندفع هذه الضرورة عن قلوبنا؟‪.‬‬ ‫فصرخ أبو المعالي‪ ،‬ولطم رأسه‪ ،‬وقال‪ " :‬حيرني الهمداني"(‪.)1226‬‬ ‫وقد تعلق نفاة العلو أيضا‪ :‬بأن ال ‪-‬تعالى‪ -‬لو كان في مكان‪ ،‬لشبه المخلوقات؛ لن ما أحاطت‬ ‫به المكنة فهو مخلوق‪.‬‬ ‫فيقال‪ :‬هذا نشأ عن القياس الفاسد‪ ،‬والتشبيه المستكن في نفوس هؤلء‪ ،‬إذ لو آمنوا بأن ال على‬ ‫كل شيء قدير‪ ،‬وأنه ليس كمثله شيء‪ ،‬ما انطلت هذه الشبه وهذا الهراء على نفوسهم‪.‬‬ ‫ويقال أيضا‪ :‬ألسهتم تقرون بأن ال ‪-‬تعالى‪ -‬موجود قبهل خلق الكون‪ ،‬فههو ‪-‬تعالى‪ -‬كمها قال‬ ‫رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬كان ال‪ ،‬ولم يكن شيء معه"‬

‫(‪)1227‬‬

‫ص ‪405‬‬

‫‪ )(1224‬الية ‪ 7‬من سورة المجادلة‪.‬‬ ‫‪" )(1225‬التمهيد" (‪ )139-7/133‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪" )(1226‬الستقامة" (‪.)1/167‬‬ ‫‪ )(1227‬تقدم هذا الحديث مشروحاً ‪ ،‬وبين أن هذا اللفظ مروي بالمعنى ‪ ،‬و أن الصواب ‪":‬ولم يكن شيء‬ ‫قبله"‪.‬‬ ‫‪314‬‬

‫ونحن وأنتم وكل العقلء‪ ،‬ل نعقل وجود أحد منا‪ ،‬إل في مكان‪ ،‬وما ليس في مكان‪ ،‬فهو عدم‪،‬‬ ‫وال بخلف ذلك‪ ،‬فل يجوز أن يقاس بخلفه كما فعلتم‪ ،‬قلتم‪ :‬لو كان في مكان لشبه خلقه‪.‬‬ ‫فإن زعموا أ نه يلزم من كو نه ‪-‬تعالى‪ -‬في العلو‪ ،‬التغ ير‪ ،‬والنتقال؛ ل نه‪ ،‬كان ول مكان‪ ،‬فل ما‬ ‫خلق المكان صار في العلو‪ ،‬فزال عن صفته في الزل وصار في مكان‪.‬‬ ‫قيل‪ :‬وأنتم يلزمكم أقبح من ذلك‪ ،‬وهو زعمكم أنه ‪-‬تعالى‪ -‬كان‪ ،‬ل في مكان‪ ،‬ثم صار في كل‬ ‫مكان‪ ،‬ف قد تغ ير عند كم معبود كم‪ ،‬وانت قل من ل مكان‪ ،‬إلى كل مكان‪ ،‬وهذا لزم ل كم‪ ،‬ل انفكاك ل كم‬ ‫منه‪.‬‬ ‫وقولهم‪ :‬كان ال‪ ،‬ول مكان‪ ،‬وهو الن على ما كان عليه قبل خلق المكان‪ ،‬كلم فاسد‪ ،‬متناقض‪،‬‬ ‫وذلك أن النفاة للستواء والعلو‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬على قسمين‪:‬‬ ‫قسهم يقول‪ :‬إن ال ل فوق‪ ،‬ول تحهت‪ ،‬ول يميهن‪ ،‬ول شمال‪ ،‬ول أمام‪ ،‬ول خلف‪ ،‬ول داخهل‬ ‫العالم‪ ،‬ول خار جه‪ ،‬وهذا ل يف هم م نه إل العدم الم حض‪ ،‬فل يس له وجود فعلي على هذا الو صف‪ ،‬ف هو‬ ‫إذا ليس له مكان أصلً‪ ،‬إذ ل وجود له‪.‬‬ ‫وق سم يقول‪ :‬إ نه في كل مكان‪ ،‬فيلزم أ نه كان في كل مكان‪ ،‬ق بل خلق المكان‪ ،‬ف هو إذا في هذا‬ ‫الكون كله‪ ،‬قبل خلقه له‪ ،‬وهذا قول ظاهر الفساد‪ ،‬إذ معناه‪ :‬كان في المكنة‪ ،‬قبل خلقها‪.‬‬ ‫فال حق " أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬ل يس كمثله ش يء‪ ،‬ل في نف سه‪ ،‬ول في فعله‪ ،‬ول في صفاته‪ ،‬ول في‬ ‫مفعولته‪ ،‬فإذا رام النسان أن ينفي شيئا مما يستحقه؛ لعدم نظيره في الشاهد المحسوس‪ ،‬صار ما يثبته‬ ‫بدل نفيه أبعد عن المعقول‪ ،‬والمشهود"(‪.)1228‬‬ ‫ومن الحجج المشهورة على وجوب علو ال ‪-‬تعالى‪ :-‬ما تقدم في كلم ابن أبي العز‪ :‬وهو أن‬ ‫يقال‪ :‬ل ما خلق ال الخلق‪ ،‬ل بد أن يكون خل قه بائنا م نه‪ ،‬فل يجوز أن يكون الخالق – جل وعل‪ -‬في‬ ‫المخلوق‪ ،‬وأن يكون المخلوق حاويا له‪ ،‬تعالى عن‬ ‫ص ‪406‬‬ ‫ذلك‪ ،‬فل بهد أن يكون بائنا عنهه‪ ،‬ول يجوز أن يكون المخلوق فوق الخالق –تعالى وتقدس – فل‬ ‫بد أن يكون عاليا فوق خلقه‪.‬‬ ‫قال شيخ السلم‪ ":‬معرفة القلوب‪ ،‬وإقرارها بفطرة ال التي فطرها عليها‪ ،‬أن ربها فوق العالم‪،‬‬ ‫ودللة الكتاب والسنة على ذلك‪ ،‬وظهور ذلك في خاصة المة وعامتها‪ ،‬وكلم السلف في ذلك‪ ،‬أعظم‬ ‫من كونه ‪-‬تعالى‪ -‬يرى بالبصار يوم القيامة‪ ،‬أو أن رؤيته بالبصار جائزة‪.‬‬ ‫ويشهد لهذا أن الجهمية‪ ،‬أول ما ظهروا في السلم‪ ،‬في أوائل المائة الثانية‪ ،‬وكان حقيقة قولهم‬ ‫في البا طن‪ :‬تعط يل الرب ‪-‬تعالى‪ -‬من ال صفات كل ها‪ ،‬ول ي صفونه ‪-‬تعالى‪ -‬إل بال سلوب المح ضة‪،‬‬ ‫التي ل تنطبق إل على المعدوم‪ ،‬وكانوا في الباطن ينكرون أن يرى‪ ،‬أو يتكلم‪ ،‬أو أنه فوق العرش‪ ،‬أو‬ ‫‪" )(1228‬بيان تلبيس الجهمية" (‪.)1/147‬‬ ‫‪315‬‬

‫أن يكون مو صوفا بال صفات ال تي جاءت ب ها ك تب ال‪ ،‬أو دلت علي ها مع ذلك الدلئل العقل ية‪ ،‬ل كن ما‬ ‫كانوا يظهرون من قولهم للناس‪ ،‬ما هو ظاهر البطلن‪ ،‬وما ليس فيه شبهة‪ ،‬مثل نفي العلو المعروف‪،‬‬ ‫المتي قن من الد ين بالضرورة ع ند العا مة والخا صة‪ ،‬وإن ما يظهرون ما ف يه شب هة‪ ،‬ول هم عل يه ح جة‪،‬‬ ‫ويكونون ف يه أ قل مخال فة ل ما يعل مه الناس من الح جج الفطر ية‪ ،‬الشرع ية‪ ،‬وهذا شأن كل من أراد أن‬ ‫يظهر خلف ما عليه أمة من المم من الحق‪ ،‬فإنهم ل ينقضون الصول العظيمة الظاهرة ابتداء"(‪.)1229‬‬ ‫و من المؤ سف أن ب عض ضللت الذ ين ذكر هم الش يخ‪ ،‬قد ورث ها كث ير من علماء الم سلمين‪،‬‬ ‫كالشعر ية الذ ين يزعمون أن هم أعداء ل هم وخ صوم‪ ،‬مع أن هم يتفقون مع هم على إنكار علو ال تعالى‪،‬‬ ‫واستوائه على عرشه‪ ،‬ومجيئه لفصل القضاء بين عباده‪ ،‬ونزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة‪ ،‬كما أخبر‬ ‫به رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬ ‫ك ما أن هم يؤولون ال صفات إل قليلً‪ ،‬تأويلً يؤول إلى النكار‪ ،‬م ثل اليد ين‪ ،‬والرجل ين‪ ،‬والو جه‪،‬‬ ‫والرحمة‪ ،‬والمحبة‪ ،‬والضحك‪ ،‬والرضا‪ ،‬والغضب‪ ،‬والسخط‪ ،‬والمقت‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫ويوافقون الجهميهة فهي كون القرآن مخلوقا‪ ،‬فإنههم يجعلون الكلم قسهمين‪ :‬نفسهي‪ ،‬وههو المعنهى‬ ‫القائمة بالنفس‪ ،‬وهذا هو الذي يصفون ال به‪ ،‬ولفظي حرفي وهو‬ ‫ص ‪407‬‬ ‫المكتوب في المصاحف‪ ،‬وهو ليس كلما ل عندهم‪ ،‬بل هو عبارة عن كلم ال‪ ،‬وهو مخلوق‪،‬‬ ‫وهذا قول الجهمية الذين كفرهم السلف من أجله‪.‬‬ ‫والمقصود‪ :‬أن علو ال ‪-‬تعالى‪ -‬واستواءه على عرشه ثابت بنصوص الكتب المنزلة على رسل‬ ‫ال‪ ،‬وأ ما العلو ف هو ثا بت بذلك‪ ،‬وبالف طر ال تي علي ها عباده‪ ،‬وبالعقول ال تي لم تنت كس بف عل الشياط ين‪،‬‬ ‫وبإجماع أههل العلم واليمان مهن جميهع المهم‪ ،‬كمها تقدمهت الشارة إليهه‪ ،‬ولم يعرف خلف فهي هذه‬ ‫المسألة‪ ،‬ونحوها إل بعدما دخل كثير من الزنادقة في السلم نفاقا‪ ،‬وقصدا لفساد الدين‪ ،‬بعد المائة‬ ‫الولى للهجرة‪ ،‬وإن كان قد وجد قبل ذلك بعض المفسدين المتطرفين‪ ،‬الذين كان لهم الثر السيء في‬ ‫المة‪.‬‬ ‫قال شيخ السلم‪ " :‬افترق الناس‪ ،‬في علو ال واستوائه‪ ،‬أربع فرق‪:‬‬ ‫الولى‪ :‬الجهميهة‪ ،‬النفاة‪ ،‬يقولون‪ :‬ليهس داخهل العالم‪ ،‬ول خارجهه‪ ،‬ول فوق‪ ،‬ول تحهت‪ ،‬وجميهع‬ ‫الطوائف‪ ،‬من أهل البدع يتمسكون بنصوص‪ ،‬إل الجهمية‪.‬‬ ‫وقسهم ثان منههم يقولون‪ :‬إنهه بذاتهه فهي كهل مكان‪ ،‬ويدخهل فيههم الشاعرة‪ ،‬وهؤلء ههم الفرقهة‬ ‫الثانية‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬من يقول‪ :‬إنه فوق العرش‪ ،‬وهو في كل مكان‪ ،‬ويزعم أنه بذلك يجمع بين النصوص‪.‬‬ ‫‪" )(1229‬بيان تلبيس الجهمية" (‪ )79-2/78‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪316‬‬

‫الراب عة‪ :‬المتبعون للكتاب‪ ،‬وال سنة‪ ،‬الذ ين أثبتوا ما أثب ته ال ور سوله‪ ،‬من غ ير تحر يف‪ ،‬فآمنوا‬ ‫بال فوق سماواته‪ ،‬مستوٍ على عرشه"(‪.)1230‬‬ ‫و قد تقدم ذ كر ب عض اليات الدالة على علو ال ‪-‬تعالى‪ -‬صراحة‪ ،‬وب عض الحاد يث م ما ذكره‬ ‫البخاري وغيره‪.‬‬ ‫وم ما لم يذكره‪ :‬ق صة معراج الر سول – صلى ال عل يه و سلم‪ -‬إلى ر به فوق ال سماوات كل ها‪،‬‬ ‫وهي ثابتة ثبوتا قطعيا بدون ريب‪.‬‬ ‫وفي حديث الرقية‪ ":‬ربنا ال الذي في السماء‪ ،‬تقدس اسمك"(‪.)1231‬‬ ‫ص ‪408‬‬ ‫وفي حديث الوعال‪ " :‬والعرش فوق ذلك‪ ،‬وال فوق عرشه‪ ،‬وهو يعلم ما أنتم عليه"‬

‫(‪)1232‬‬

‫وفي "سنن أبي داود"‪ ،‬عن جبير بن مطعم قال‪ :‬أتى رسول ال –صلى ال عليه وسلم‪ -‬أعرابي‬ ‫فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬جهدت النفس‪ ،‬وجاع العيال‪ ،‬وهلك المال‪ ،‬فادع ال لنا‪ ،‬فإنا نستشفع بك على ال‪،‬‬ ‫ون ستشفع بال عل يك‪ ،‬ف سبح ر سول ال – صلى ال عل يه و سلم‪ ،-‬ح تى عرف ذلك في وجوه أ صحابه‬ ‫وقال‪ ":‬ويحك! أتدري ما ال؟ إن ال ل يستشفع به على أحد من خلقه‪ ،‬شأن ال أعظم من ذلك‪ ،‬إن ال‬ ‫على عرشه‪ ،‬وإن عرشه على سماواته وأرضه هكذا‪ ،‬وقال بأصابعه مثل القبة"(‪.)1233‬‬ ‫وفي خطبته –صلى ال عليه وسلم‪ -‬في عرفة‪ ،‬في أعظم جمع اجتمع له –صلى ال عليه وسلم‪-‬‬ ‫بعد ما أ مر‪ ،‬ون هى‪ ،‬ج عل يقول‪ " :‬أل هل بل غت؟" فيقولون‪ :‬ن عم‪ ،‬ع ند ذلك ير فع إ صبعه إلى ال سماء‬ ‫وينكبها إليهم‪ ،‬ويقول‪ " :‬اللهم اشهد" – غير مرة ‪.)1234(-‬‬ ‫والن صوص في ذلك كثيرة جدا‪ ،‬وال حق في هذه الم سألة وا ضح جلي‪ ،‬بل و في كل ما ي جب ل‬ ‫تعالى‪ -‬وما يمتنع عليه‪ ،‬ومعلوم أن ال ‪-‬تعالى‪ -‬قد أكمل لهذه المة دينها على لسان رسولها‪ ،‬وأتم‬‫عليها النعمة بذلك‪ ،‬وأنزل كتابه فيه تبيان كل شيء‪ ،‬ومعرفته ‪-‬تعالى‪ -‬بما له من الوصاف‪ ،‬ومعرفة‬ ‫ما يمتنع عليه‪ ،‬هي أجل أمور الدين وأعظم أصوله‪ ،‬فل بد أن يكون هذا قد بين غاية البيان‪.‬‬ ‫ثم إ نه ل يس ب ين علو ال ‪-‬تعالى‪ -‬على جم يع خل قه‪ ،‬ومعي ته لخل قه‪ ،‬وقر به من عباده‪ ،‬منافاة‪،‬‬ ‫فعلوه ‪-‬تعالى‪ -‬وا ستواؤه على عر شه‪ ،‬ثا بت ثبوتا قطعيا‪ ،‬ك ما و ضح ذلك ‪-‬تعالى‪ -‬في كتا به‪ ،‬وبي نه‬ ‫رسهوله –صهلى ال عليهه وسهلم‪ -‬وكذلك معيتهه ‪-‬تعالى‪ -‬لخل قه‪ ،‬قهد وضحهها وبينهها رسهوله‪ ،‬فوجهب‬ ‫‪" )(1230‬مجموع الفتاوى" (‪ )231-5/229‬ملخصاً‪.‬‬ ‫‪ )(1231‬رواه أبو داود في "السنن" (‪ )4/218‬رقم (‪ ، )3892‬و أحمد في "المسند" (‪.)6/21‬‬ ‫‪ )(1232‬رواه أبو داود (‪ )5/93‬والترمذي وقال‪ :‬حسن غريب (‪ )5/424‬رقم (‪ ، )3320‬وابن ماجه (‪)1/69‬‬ ‫و أحمد في "المسند" (‪ )207-1/206‬وغيرهم‪.‬‬ ‫‪ )(1233‬أخرجه أبو داود في "السنن" (‪ ، )5/94‬و أبو سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية" (ص ‪، )272‬‬ ‫وفي الرد على المريسي (ص ‪.)447‬‬ ‫‪ )(1234‬تقدم أنه أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫‪317‬‬

‫اليمان بذلك‪ ،‬فكما أنه تعالى مست ٍو على عرشه‪ ،‬وعالٍ على خلقه‪ ،‬حقيقة‪ ،‬فهو كذلك موصوف بالقرب‬ ‫والمعية على الحقيقة‪.‬‬ ‫ص ‪409‬‬ ‫قال شيخ السلم‪ " :‬ل يخالف ما ثبت من علو ال‪ ،‬وأنه فوق العرش‪ ،‬معيته لخلقه‪ ،‬الثابت بمثل‬ ‫قوله‪{ :‬وَهُ َو َم َعكُمْ َأ ْينَ مَا كُن ُتمْ} (‪.)1235‬‬ ‫وقوله – صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬إذا قام أحدكم إلى الصلة‪ ،‬فإن ال قبل وجهه"(‪)1236‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫وذلك أن ال معنا حقي قة‪ ،‬وهو فوق عرشه حقيقة‪ ،‬كما جمع ال بينهما في قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬هُوَ‬ ‫خرُ جُ‬ ‫لرْ ضِ َومَا َي ْ‬ ‫ستَوَى عَلَى ا ْل َعرْشِ َيعْلَمُ مَا يَِلجُ فِي ا َ‬ ‫ستّةِ َأيّامٍ ُثمّ ا ْ‬ ‫لرْ ضَ فِي ِ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫اّلذِي خَلَقَ ال ّ‬ ‫سمَاء َومَا َيعْرُجُ فِيهَا وَهُ َو َم َعكُمْ َأيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ بَصِيرٌ} (‪ ،)1237‬فأخبر‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِم ْنهَا َومَا يَنزِلُ ِم َ‬ ‫تعالى‪ -‬أنه فوق العرش‪ ،‬يعلم كل شيء‪ ،‬وهو معنا أينما كنا‪ ،‬كما قال النبي –صلى ال عليه وسلم‪-‬‬‫في حديث الوعال‪ ":‬وال فوق العرش‪ ،‬وهو يعلم ما أنتم عليه"(‪.)1238‬‬ ‫وذلك أن كلمة "مع" في اللغة‪ ،‬إذا أطل قت‪ ،‬لم يكن ظاهر ها‪ ،‬في اللغة إل المقارنة المطل قة‪ ،‬من‬ ‫غير وجوب مماسة‪ ،‬أو محاذاة‪ ،‬عن يمين أو شمال‪ ،‬فإذا قيدت بمعنى من المعاني‪ ،‬دلت على المقارنة‬ ‫في ذلك المعنى‪ ،‬فإنه يقال‪ :‬ما زلنا نسير والقمر معنا‪ ،‬ويقال‪ :‬هذا المتاع معي‪ ،‬لمجامعته لك‪ ،‬وإن كان‬ ‫فوق رأسك‪ ،‬فال مع خلقه حقيقة‪ ،‬وهو فوق عرشه حقيقة‪.‬‬ ‫ن مَا كُنتُمْ} (‪ )1239‬دل‬ ‫ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد‪ ،‬فقوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَ ُهوَ َم َع ُكمْ َأيْ َ‬ ‫ظاهر الخطاب أن حكم هذه المعية‪ ،‬ومقتضاها‪ :‬أنه مطلع عليكم شهيد عليكم‪ ،‬ومهيمن‪ ،‬عالم بكم‪ ،‬وهذا‬ ‫معنى قول السلف‪ :‬إنه معهم بعلمه‪ ،‬وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته‪.‬‬ ‫ن اللّ َه َم َعنَا} (‪ ،)1240‬حق على ظاهره‪ ،‬ودلت الحال‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حزَ ْ‬ ‫وقوله‪{ :‬لَ َت ْ‬ ‫ص ‪410‬‬ ‫على أن ح كم هذه المع ية‪ :‬الطلع‪ ،‬والن صر‪ ،‬والتأي يد‪ ،‬ومثل ها قوله‪ِ{ :‬إنّنِي َم َعكُمَا} (‪ ،)1241‬وقوله‬ ‫سنُونَ} (‪)1242‬حق‪ ،‬وحكمها النصر‪ ،‬والتأييد"(‪.)1243‬‬ ‫حِ‬ ‫ن هُم ّم ْ‬ ‫ن اتّقَواْ وّاّلذِي َ‬ ‫ن اللّ َه مَعَ اّلذِي َ‬ ‫تعالى‪{ :-‬إِ ّ‬‫والمعية نوعان‪ :‬عامة وخاصة‪.‬‬ ‫‪ )(1235‬الية ‪ 4‬من سورة الحديد‪.‬‬ ‫‪ )(1236‬رواه البخاري في الصلة ‪ ،‬باب ‪( 33‬ص ‪ )75‬وفي أماكن متعددة ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬ ‫‪ )(1237‬الية ‪ 4‬من سورة الحديد‪.‬‬ ‫‪ )(1238‬تقدم تخريجه‪.‬‬ ‫‪ )(1239‬الية ‪ 4‬من سورة الحديد‪.‬‬ ‫‪ )(1240‬الية ‪ 40‬من سورة التوبة ‪.‬‬ ‫‪ )(1241‬الية ‪ 46‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ )(1242‬الية ‪ 128‬من سورة النحل ‪.‬‬ ‫‪" )(1243‬مجموع الفتاوى" (‪.)104-5/102‬‬ ‫‪318‬‬

‫ن مَا كُن ُتمْ} (‪.)1244‬‬ ‫فالولى‪ :‬هي المذكورة في مثل قوله تعالى‪{ :‬وَهُ َو َم َع ُكمْ َأيْ َ‬ ‫سمَعُ وََأرَى} (‪ ،)1245‬فهذه خاصة بأنبيائه‬ ‫والثانية‪ :‬هي المذكورة في مثل قوله تعالى‪ِ{ :‬إ ّننِي َم َع ُكمَا أَ ْ‬ ‫وأوليائه‪ ،‬وعباده المؤمنين‪ ،‬فهو ‪-‬تعالى‪ -‬معهم دون أعدائهم‪ ،‬ومعهم بسمعه ورؤيته‪ ،‬ونصره وتأييده‪،‬‬ ‫كما أنه ‪-‬تعالى‪ -‬معهم بإحاطته وقبضته‪.‬‬ ‫والمع ية ل تدل على المخال طة‪ ،‬والمماز جة‪ ،‬وإن ما تدل على الم صاحبة‪ ،‬ك ما قال ر سول ال –‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ " :-‬اللهم أنت الصاحب في السفر‪ ،‬والخليفة في الهل"(‪.)1246‬‬ ‫فهو – سبحانه – مع المسافر في سفره‪ ،‬ومع أهله في وطنه‪ ،‬وهو فوق عرشه‪ ،‬وكل ذلك على‬ ‫ظاهره‪ ،‬غ ير محتاج إلى تأو يل‪ ،‬ول يلزم م نه أن تكون ذا ته مختل طة بذوات خل قه –تعالى ال وتقدس‬ ‫عن ذلك –؛ وذلك لن المفهوم من المعية في اللغة العربية‪ :‬المصاحبة والمقارنة‪ ،‬حكمها حسب مورد‬ ‫ل اللّ ِه وَاّلذِي نَ َمعَ هُ}‬ ‫حمّ ٌد رّ سُو ُ‬ ‫الخطاب‪ ،‬فقوله –تعالى‪ّ { :-‬م َ‬

‫(‪)1247‬‬

‫أي‪ :‬على اليمان‪ ،‬ل أن ذوات هم حالة‬

‫في ذا ته‪ ،‬بل هم م صاحبون له ومتبعون له على اليمان‪ ،‬وقوله‪َ { :‬فأُوْلَ ه ِئكَ مَ عَ ا ْل ُم ْؤ ِمنِي نَ} يدل على‬ ‫موافقتهم في اليمان‪ ،‬وموالتهم‪.‬‬ ‫فال ‪-‬تعالى‪ -‬مع عباده‪ ،‬يرا هم‪ ،‬ويسمع كلم هم‪ ،‬وهو محيط بهم‪ ،‬وعلمه بهم من لوازم معي ته‬ ‫لهم‪ ،‬وليست المعية هي العلم كما يتوهمه بعض الناس‪ ،‬فعلمه –‬ ‫ص ‪411‬‬ ‫تعالى – محيط بكل شيء ول يختلف أو يتغير‪ ،‬ولذلك صارت المعية إلى خاصة‪ ،‬وعامة‪ ،‬وكل‬ ‫واحدة لهها مقتضاهها وحكمهها‪ ،‬فمهن مقتضهى العامهة‪ :‬المراقبهة‪ ،‬والتخويهف‪ ،‬والطلع على جميهع‬ ‫التصرفات‪ ،‬وما تكنه الصدور‪.‬‬ ‫ومن مقتضى الخاصة‪ :‬النصر‪ ،‬والتأييد‪ ،‬والحفظ‪.‬‬ ‫وتفسير من فسرها بالعلم من السلف‪ ،‬يقصد بيان أن ال ليس مختلطا بخلقه أو حالً فيهم‪ ،‬أو أن‬ ‫شيئا من مخلوقاته تحويه‪ ،‬أو تظله‪ ،‬أو تقله – تعالى وتقدس‪.-‬‬ ‫عنّي َفِإنّي‬ ‫عبَادِي َ‬ ‫سأََلكَ ِ‬ ‫و أما القرب‪ ،‬فقد جاء على صيغتين‪ :‬الفراد‪ ،‬نحو قوله ‪-‬تعالى‪{ :-‬وَِإذَا َ‬ ‫شدُو نَ} (‪ ،)1248‬وكما في حديث‬ ‫س َتجِيبُو ْا لِي وَ ْليُ ْؤ ِمنُو ْا بِي َلعَّلهُ مْ َيرْ ُ‬ ‫ن فَ ْليَ ْ‬ ‫ب دَعْ َو َة الدّا عِ ِإذَا دَعَا ِ‬ ‫قَرِي بٌ ُأجِي ُ‬ ‫أبي موسى المتقدم‪ ":‬إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته"‪.‬‬ ‫و هو ‪-‬تعالى‪ -‬فوق عر شه‪ ،‬ويقرب م من يشاء من خل قه‪ ،‬ك يف يشاء‪ ،‬ك ما قرب من مو سى –‬ ‫عليه السلم – حين كلمه‪ ،‬وهو فوق عرشه‪ ،‬فوق السماوات كلها‪ ،‬فل تنافي بين علوه‪ ،‬وقربه ومعيته؛‬ ‫‪ )(1244‬الية ‪ 4‬من سورة الحديد‪.‬‬ ‫‪ )(1245‬الية ‪ 46‬من سورة طه‪.‬‬ ‫‪ )(1246‬رواه مسلم في "الصحيح" (‪ )2/978‬الحديث رقم (‪ )1342‬ورواه غيره‪.‬‬ ‫‪ )(1247‬الية ‪ 29‬من سورة الفتح‪.‬‬ ‫‪ )(1248‬الية ‪ 186‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪319‬‬

‫لنه تعالى أكبر من كل شيء‪ ،‬وأعظم من كل شيء‪ ،‬وهو محيط بكل شيء‪ ،‬وهو بكل شيء عليم‪،‬‬ ‫وعلى كل شيء قدير‪ ،‬تعالى ال عن ظنون السوء الكاذبة‪.‬‬ ‫فعلو ال العلي العظيهم‪ ،‬واسهتواؤه على عرشهه‪ ،‬ومعيتهه وقربهه‪ ،‬كهل ذلك ثابهت له‪ ،‬حهق على‬ ‫ظاهره‪ ،‬ك ما أ خبر به ‪-‬تعالى‪ -‬عن نف سه‪ ،‬وأ خبرت به ر سله‪ ،‬فال كل ثا بت ل ‪-‬تعالى‪ -‬في الك تب‬ ‫اللهية‪ ،‬وفي نصوص النبياء‪.‬‬ ‫و أ هل الفطرة العقل ية ال سليمة‪ ،‬من الول ين والخر ين‪ ،‬يقولون‪ :‬إ نه ‪-‬تعالى‪ -‬فوق عر شه‪ ،‬عالٍ‬ ‫على خلقه‪ ،‬وهو معهم‪ ،‬بعلمه ورؤيته‪ ،‬وسمعه وإحاطته‪ ،‬وقبضته وهيمنته عليهم‪ .‬ومع أنبيائه وأوليائه‬ ‫بذلك‪ ،‬وبنصره‪ ،‬وتأييده‪ ،‬وحفظه‪ .‬ومعيته ‪-‬تعالى‪ -‬من صفاته الخاصة به‪.‬‬ ‫ص ‪412‬‬ ‫حبْلِ‬ ‫ِنه َ‬ ‫ْهه م ْ‬ ‫َبه إَِلي ِ‬ ‫ْنه َأ ْقر ُ‬ ‫و أمها الصهيغة الخرى للقرب‪ :‬صهيغة الجمهع‪ ،‬كقوله ‪-‬تعالى‪َ { :-‬و َنح ُ‬ ‫الْ َورِيدِ} (‪ ،)1249‬وهذا يقصد به لغة العرب‪ :‬الواحد العظيم‪ ،‬الذي له عبيد يطيعونه‪ ،‬ويسارعون في أمره‪،‬‬ ‫وإذا وقع الفعل منهم عن أمره قال‪ :‬نحن فعلنا‪ ،‬كما يقول الرئيس‪ :‬نحن أمرنا بكذا‪ ،‬وال ‪-‬تعالى‪ -‬رب‬ ‫ُونه مَا‬ ‫ُمه َويَ ْفعَل َ‬ ‫ّهه مَا َأ َمرَه ْ‬ ‫ن الل َ‬ ‫الملئكهة‪ ،‬وخالقههم‪ ،‬وخالق أفعالههم‪ ،‬وههم ممتثلون لمره‪{ :‬ل َيعْصهُو َ‬ ‫ل وَهُم ِبَأ ْمرِ ِه َي ْعمَلُونَ} (‪ ،)1251‬مع أنه ‪-‬تعالى‪ -‬غني بذاته عن ملئكته‪،‬‬ ‫سبِقُونَ ُه بِالْقَوْ ِ‬ ‫يُ ْؤ َمرُونَ} (‪{ ،)1250‬ل َي ْ‬ ‫وجم يع خل قه‪ ،‬و هو الذي أقدر خل قه على ما يفعلون‪ ،‬وأعطا هم القدرة على ذلك‪ ،‬وإذا شاء سلبهم ذلك‪،‬‬ ‫صرُونَ} (‪ ،)1252‬إذا كان المراد الملئكة‪ ،‬كان من‬ ‫ل ُتبْ ِ‬ ‫فإذا قال ‪-‬تعالى‪َ { :-‬و َنحْ نُ َأ ْقرَ بُ إَِل ْي هِ مِنكُ مْ وََلكِن ّ‬ ‫هذا الباب‪.‬‬ ‫والمق صود‪ :‬أن علو ال ‪-‬تعالى‪ -‬ثا بت له بالف عل‪ ،‬وأدلة الكتاب‪ ،‬و ما بل غه الر سول – صلى ال‬ ‫عليهه وسهلم‪ -‬أمتهه‪ ،‬وثابهت بالضرورة الفطريهة‪ ،‬والدلة عليهه ل تحصهى‪ ،‬ومنكره منكهر للمعلوم‬ ‫بالضرورة من الدين‪ ،‬والمعلوم بالضرورة العقلية الفطرية‪ ،‬وليس بين علو ال وا ستوائه على عرشه‪،‬‬ ‫وبين معيته لخلقه‪ ،‬ولوليائه وأنبيائه‪ ،‬وقربه منهم تعارض‪.‬‬ ‫تم الجزء الول من الشرح ويليه الجزء الثاني وأوله‪:‬‬ ‫باب قول ال تعالى‪ُ { :‬وجُو ٌه يَ ْو َم ِئذٍ نّاضِرَ ٌة {‪ }22‬إِلَى َر ّبهَا نَاظِرَةٌ}‬

‫‪ )(1249‬الية ‪ 16‬من سورة ق‪.‬‬ ‫‪ )(1250‬الية ‪ 6‬من سورة التحريم‪.‬‬ ‫‪ )(1251‬الية ‪ 27‬من سورة النبياء‪.‬‬ ‫‪ )(1252‬الية ‪ 85‬من سورة الواقعة‪.‬‬ ‫‪320‬‬

Related Documents

Kitab At Tauhid
June 2020 26
Kitab Tauhid
November 2019 44
Kitab Tauhid
November 2019 34
Kitab Tauhid
December 2019 41
Kitab Tauhid (catatan Kaki)
November 2019 32