Subul Al-salam 02 - Shalat

  • May 2020
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View Subul Al-salam 02 - Shalat as PDF for free.

More details

  • Words: 122,022
  • Pages: 147
‫سبل السلم‬ ‫شرح بلوغ المرام‬ ‫للصنعاني‬ ‫كتاب الصلة‬

‫باب المواقيت‬ ‫الصلة لغة‪ :‬الدعاء‪ ،‬سميت هذه العبادة الشرعية باسم الدعاء؛ لشتمالها عليه‪ .‬والمواقيت‪ :‬جمع ميقات‪ ،‬والمراد‬ ‫به‪ :‬الوقت الذي عينه ال لداء هذه العبادة‪ ،‬وهو القدر المحدود للفعل من الزمان‪.‬‬ ‫شمْ سُ‪،‬‬ ‫ظ ْهرِ إذا زَالَ تِ ال ّ‬ ‫عمْرو ر ضي ال عنه ما‪ ،‬أنّ ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ‪َ " :‬وقْ تُ ال ّ‬ ‫عَ نْ عب ِد ال بن َ‬ ‫شمْ سُ‪ ،‬ووق تُ صلةِ ال َم ْغرِ بِ‬ ‫ت العصرِ‪ ،‬ووقت العصر ما ل مْ ت صْ َفرّ ال ّ‬ ‫ن ظِلّ ال ّرجُلِ كطوِل ِه ما لَ مْ يحضُ ْر وقْ ُ‬ ‫وكا َ‬ ‫ع الفجر ما ل مْ‬ ‫سطِ‪ ،‬ووق تُ صل ِة ال صّبحِ ِم نْ طُلو ِ‬ ‫ت صلةِ العِشاءِ إلى نصفِ الّليْلِ الوْ َ‬ ‫مَا ل ْم يغب الشّف قُ‪ ،‬ووق ُ‬ ‫تطلعِ الشّمس" رواه مسلم‪.‬‬ ‫( عن ع بد ال بن عمرو ر ضي ال ع نه‪ :‬ــــ أن النبي صلى ال عل يه وآله و سلم واله قال‪ :‬ــــ وقت‬ ‫الظهْر إذا زالت الشمْ سُ) أي مالت إلى جهة المغرب‪ ،‬وهو‪ :‬الدلوك الذي أراده تعالى بقوله‪{ :‬ذَ ْرنِي َومَ نْ خَلَ ْق تُ‬ ‫َوحِيدا} ‪( ،‬وكان ظلّ الرّجل كطوله) أي ويستمر وقتها حتى يصير ظل كل شيء مثله‪ ،‬فهذا تعريف لول وقت‬ ‫الظهر واخره‪ .‬فقوله "وكان" عطف على زالت‪ ،‬كما قررناه‪ :‬أي ويستمر وقت الظهر إلى صيرورة ظل الرجل‬ ‫مثله ( ما لم يحضُر و قت الع صر) وحضوره بم صير ظل كل ش يء مثله‪ ،‬ك ما يفيده مفهوم هذا‪ ،‬و صريح غيره‬ ‫(ووقْتُ) العَصْر يستمر (ما لم تَصْفَ ّر الشمسُ) وقد عين اخره في غيره‪ :‬بمصير ظل الشيء مثليه (ووقت صَلة‬ ‫المغْرب) من ع ند سقوط قرص الش مس‪ ،‬وي ستمر ( ما لم يَ غب الشفَ قُ) الح مر‪ ،‬وتف سيره بالحمرة سيأتي ن صا‪.‬‬ ‫ت صلة‬ ‫(و َوقْ تُ صلة العشاء) من غيبو بة الش فق‪ ،‬وي ستمر (إلى ن صْف الليْل الو سَط) المراد به الول‪( ،‬ووقْ ُ‬ ‫ن طُلُوع الفجْر) ‪ ،‬ويستمر ما لم َتطْلُع الشمْسُ‪ .‬رواه مسلم) تمامه في مسلم‪" :‬فإذا طلعت الشمس‪،‬‬ ‫صبْح) أوله (م ْ‬ ‫ال ّ‬ ‫فأمسك عن الصلة؛ فإنها تطلع بين قرني الشيطان"‪.‬‬ ‫الحد يث أفاد تعي ين أك ثر الوقات الخم سة‪ :‬أولً‪ ،‬واخرا‪ ،‬فأول الظ هر زوال الش مس واخره م صير ظل الش يء‬ ‫مثله‪ ،‬وذ كر الر جل في الحد يث تمثيلً‪ ،‬وإذا صار كذلك ف هو أول الع صر‪ ،‬ولك نه يشار كه الظ هر في قدر يت سع‬ ‫لربع ركعات فإنه يكون وقتا لهما‪ ،‬كما يفيده حديث جبريل فإنه صلى بالنبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم الظهر في‬ ‫اليوم الول بعد الزوال‪ ،‬وصلى به العصر عند مصير ظل الشيء مثله‪ ،‬وفي اليوم الثاني صلى به الظهر عند‬ ‫مصير ظل الشيء مثله‪ :‬في الوقت الذي صلى فيه العصر اليوم الول‪ ،‬فدل ذلك على أن ذلك وقت يشترك فيه‬ ‫الظ هر والع صر‪ ،‬وهذا هو الو قت المشترك‪ ،‬وف يه خلف‪ ،‬ف من أثب ته‪ ،‬فحج ته ما سمعته‪ ،‬و من نفاه تأول قوله‪:‬‬ ‫"وصلى به الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل الشيء مثله"‪ .‬بأن معناه فرغ من صلة الظهر في ذلك الوقت‪،‬‬ ‫وهو بعيد‪ .‬ثم يستمر وقت العصر إلى اصفرار الشمس‪ ،‬وبعد الصفرار ليس بوقت للداء‪ ،‬بل وقت قضاء‪ ،‬كما‬ ‫قاله أبو حنيفة‪ .‬وقيل‪ :‬بل أداء إلى بقية تسع ركعة؛ لحديث‪" :‬من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغيب الشمس‬ ‫فقد أدرك العصر"‪.‬‬ ‫وأول وقت المغرب إذا وجبت الشمس‪ :‬أي غربت‪ ،‬كما ورد عند الشيخين‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬وفي لفظ‪" :‬إذا غربت"‪،‬‬ ‫واخره ما لم يغب الشفق‪ ،‬وفيه دليل على اتساع وقت الغروب‪ ،‬وعارضه حديث جبريل؛ فإنه صلى به صَلّى ال‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم المغرب في وقت واحد في اليومين‪ ،‬وذلك بعد غروب الشمس‪ ،‬والجمع بينهما‪ :‬أنه ليس في حديث‬ ‫جبريل حصر لوقتها في ذلك‪ ،‬ولن أحاديث تأخير المغرب إلى غروب الشفق متأخرة‪ ،‬فإنها في المدينة‪ ،‬وإمامة‬ ‫ل على أنه ل وقت لها إل الذي صلى فيه‪.‬‬ ‫جبريل في مكة‪ ،‬فهي زيادة تفضل ال بها‪ .‬وقيل‪ :‬إن حديث جبريل دا ٌ‬

‫وأول العشاء غيبو بة الش فق‪ ،‬وي ستمر إلى ن صف الل يل‪ ،‬و قد ث بت في الحد يث التحد يد لخره بثلث الل يل‪ ،‬ل كن‬ ‫أحاديث النصف صحيحة‪ ،‬فيجب العمل بها‪ .‬وأول وقت صلة الصبح طلوع الفجر‪ ،‬ويستمر إلى طلوع الشمس‪.‬‬ ‫فهذا الحديث الذي في مسلم قد أفاد أول كل وقت من الخمسة واخره‪ ،‬وفيه دليل على أن لوقت كل صلة أولً‬ ‫واخرا‪ ،‬و هل يكون ب عد ال صفرار وب عد ن صف الل يل و قت لداء الع صر والعشاء‪ ،‬أو ل؟ هذا الحد يث يدل على‬ ‫أنه ليس بوقت لهما‪ ،‬ولكن حديث "من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر" يدل على‬ ‫أن ب عد ال صفرار وقتا للع صر‪ ،‬وإن كان في ل فظ "أدرك" ما يش عر بأ نه إذا كان تراخ يه عن الو قت المعروف‬ ‫لعذر أو نحوه‪ ،‬وورد في الف جر مثله و سيأتي‪ ،‬ولم يرد مثله في العشاء‪ ،‬ولك نه ورد في م سلم‪" :‬ول يس في النوم‬ ‫تفريط على من لم يصل ال صلة حتى يج يء وقت ال صلة الخرى" فإنه دل يل على امتداد وقت كل صلة إلى‬ ‫دخول وقـت الخرى‪ ،‬إل أنـه مخصـوص بالفجـر‪ ،‬فإن اخـر وقتهـا طلوع الشمـس‪ ،‬وليـس بوقـت للتـي بعدهـا‪،‬‬ ‫وب صلة العشاء فإن اخره ن صف الل يل ول يس وقتا لل تي بعد ها‪ .‬و قد ق سم الو قت إلى اختياري واضطراري‪ ،‬ولم‬ ‫يقم دليل ناهض على غير ما سمعت‪ ،‬وقد استوفينا الكلم على المواقيت في رسالة بسيطة‪ ،‬سميناها اليواقيت في‬ ‫المواقيت‪.‬‬ ‫ن حديث بريد َة في العصر‪" :‬والشمسُ بيضا ُء نَ ِقيّةٌ"‪.‬‬ ‫ولَ ُه مِ ْ‬ ‫(وله) أي لمسلم (من حديث بريدة) بضم الموحدة فراء فمثناة تحتية فدال مهملة فتاء تأنيث‪ ،‬هو أبو عبد ال‪ ،‬أو‬ ‫أ بو سهل‪ ،‬أو أ بو الح صيب‪ ،‬بريدة بن الح صيب ب ضم الحاء المهملة ف صاد مهملة مفتو حة فمثناة تحت ية ساكنة‬ ‫فموحدة‪ ،‬ال سلمي‪ ،‬أ سلم ق بل بدر‪ ،‬ولم يشهد ها‪ ،‬وبا يع بي عة الرضوان سكن المدي نة‪ ،‬ثم تحول إلى الب صرة‪ ،‬ثم‬ ‫خرج إلى خرا سان غازيا فمات بمرو ز من يز يد بن معاو ية سنة اثنت ين‪ ،‬أو ثلث و ستين ( في الع صر) أي في‬ ‫بيان وقتها‪( :‬والشمس بيضاءُ نقية) بالنون والقاف ومثناة تحتية مشددة‪ ،‬أي‪ :‬لم يدخلها شيء من الصفرة‪.‬‬ ‫ومن حديث أبي موسى‪ :‬والشمس مرتفعة"‪.‬‬ ‫(ومن حديث أبي موسى) أي ولمسلم من حديث أبي موسى‪ ،‬وهو عبد ال بن قيس الشعري‪ ،‬أسلم قديما بمكة‪،‬‬ ‫وهاجر إلى الحبشة‪ ،‬وقيل‪ :‬رجع إلى أرضه‪ ،‬ثم وصل إلى المدينة مع وصول مهاجري الحبشة‪ ،‬وله عمر بن‬ ‫الخطاب الب صرة ب عد عزل المغيرة سنة عشر ين‪ ،‬فافت تح أ بو مو سى الهواز‪ ،‬ولم يزل على الب صرة إلى صدر‬ ‫خل فة عثمان‪ ،‬فعزله‪ ،‬فانت قل إلى الكو فة وأقام ب ها‪ ،‬ثم أقره عثمان عاملً على الكو فة‪ ،‬إلى أن ق تل عثمان‪ ،‬ثم‬ ‫انت قل ب عد أ مر التحك يم إلى م كة‪ ،‬ولم يزل ب ها ح تى مات سنة خم سين‪ ،‬وق يل‪ :‬بعد ها‪ ،‬وله ن يف و ستون سنة‬ ‫(والشمس ُمرْتفعة) أي وصلى العصر‪ ،‬وهي مرتفعة لم تمل إلى الغروب‪.‬‬ ‫و في الحاد يث ما يدل على الم سارعة بالع صر؛ وأ صرح الحاد يث في تحد يد أول وقت ها حد يث جبر يل‪" :‬أ نه‬ ‫صلها بالنبي صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم وظل الرجل مثله" وغيره من الحاديث‪ :‬كحديث بريدة‪ ،‬وحديث أبي موسى‪،‬‬ ‫محمولة عليه‪.‬‬ ‫صرَ ثمّ َيرْجعُ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم يصلي الع ْ‬ ‫وعن أبي برزة السلمي رضي ال تعالى عنْهُ قالَ‪ :‬كان رسو ُ‬ ‫ن يؤخّر من العِشاء‪ ،‬وكان يكر ُه النّو َم قَبْلَها‪،‬‬ ‫س َتحِبّ أ ْ‬ ‫حيّةٌ‪ ،‬وكان يَ ْ‬ ‫أحدُنا إلى رحْل ِه في أقصى المدي نة والشّمس َ‬ ‫ستّين إلى المائَةِ‪ .‬متف قٌ‬ ‫ل من صل ِة ا ْل َغدَا ِة ح ين َيعْر فُ ال ّرجُلُ جلي سهُ‪ ،‬وكان يقرأ بال ّ‬ ‫والحدي ثَ َب ْعدَهَا‪ ،‬وكا نَ َينْ َفتِ ُ‬ ‫عليهِ‪.‬‬ ‫(و عن أ بي برزة) بف تح الموحدة و سكون الراء فزاي فهاء‪ ،‬ا سمه‪ :‬نضلة بف تح النون فضاد ساكنة معج مة‪ ،‬ا بن‬ ‫عبيد‪ ،‬وقيل‪ :‬ابن عبد ال‪ ،‬أسلم قديما‪ ،‬وشهد الفتح‪ ،‬ولم يزل يغزو مع رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم حتى توفي‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬فنزل الب صرة‪ ،‬ثم غزا خرا سان‪ ،‬وتو في بمرو‪ ،‬وق يل‪ :‬بغير ها سنة ستين (ال سلمي قال‪:‬‬ ‫كان رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم يصلي العصر ثم يرجع أحدنا) بعد صلته (إلى رحله) بفتح الراء وسكون‬ ‫الحاء المهملة‪ ،‬و هو م سكنه ( في أق صى المدي نة حال من رحله‪ ،‬وق يل‪ :‬صفة له (والش مس حيةٌ) أي ي صل إلى‬ ‫رحله حال كون الشمس حية‪ :‬أي بيضاء قوية الثر حرارة ولونا وإنارة‪.‬‬ ‫ستَحب أن يؤخر من العشاء) لم يبين إلى متى‪ ،‬وكأنه يريد مطلق التأخير‪ ،‬وقد بينه غيره من الحاديث‬ ‫(وكان يَ ْ‬ ‫(وكان يكره النوم قبلهـا) لئل يسـتغرق النائم فيـه حتـى يخرج اختيار وقتهـا (والحديـث) التحادث مـع الناس‬ ‫(بعدها) ‪ ،‬فينام عقب تكفير الخطيئة بالصلة‪ ،‬فتكون خاتمة عمله‪ ،‬ولئل يشتغل بالحديث عن قيام اخر الليل‪ ،‬إل‬ ‫أنه قد ثبت‪ :‬أنه صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم كان يسمر مع أبي بكر في أمر المسلمين‪.‬‬ ‫(وكان َينْ َفتِل) بالفاء فمثناة بعدها فوقية مكسورة أي‪ :‬يلتفت إلى من خلفه‪ ،‬أو ينصرف (من صلة الغداة) الفجر‬ ‫(حين يعر فُ الرجُلُ جلي سهُ) أي بضوء الفجر‪ ،‬ل نه كان م سجده صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ل يس ف يه م صابيح‪ ،‬و هو‬ ‫‪2‬‬

‫يدل على أ نه كان يد خل في ها والر جل ل يعرف جلي سه‪ ،‬و هو دل يل التبك ير ب ها (وكا نَ يقرأ بال ستين إلى المائة)‬ ‫يريد‪ :‬أنه إذا اختصر قرأ بالستين في صلته في الفجر‪ ،‬وإذا طول فإلى المائة من اليات (متفق عليه)‪.‬‬ ‫فيه ذكر وقت صلة العصر والعشاء‪ ،‬والفجر من دون تحديد للوقات‪ ،‬وقد سبق في الذي مضى ما هو أصرح‬ ‫وأشمل‪.‬‬ ‫ج َتمَعوا عَجّل‪ ،‬وإذا را هم أبطأوا‬ ‫خرُ ها‪ :‬إذا راهُ ُم ا ْ‬ ‫ن حد يث جابرٍ‪ :‬والعشاء أحْيانا يُقدمُ ها‪ ،‬وأحْيانا يؤ ّ‬ ‫وعندهُ ما ِم ْ‬ ‫أخّر‪ ،‬والصّبحُ‪ :‬كان النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم ُيصَلّيها ِبغَلَسٍ‪.‬‬ ‫(وعندهما) أي‪ :‬الشيخين المدلول عليهما بقوله‪ :‬متفق عليه (من حديث جابر‪ :‬والعشاء أحيانا يقدمها) أول وقتها‬ ‫عجّلَ) رفقا بهم (وإذا‬ ‫"وأحيانا يؤخرها) عنه‪ ،‬كما فصله قوله (إذا راهُمْ) أي‪ :‬الصحابة (اجتمعوا) في أول وقتها ( َ‬ ‫خرَ) مراعاة لما هو الرفق بهم‪ ،‬وقد ثبت عنه‪" :‬أنه لول خوف المشقة عليهم لخرهم‬ ‫راهم أبطأوا) عن أوله (أ ّ‬ ‫ح كان النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم يصليها بغلس) الغلس محركة‪ :‬ظلمة اخر الليل‪ ،‬كما في القاموس‪ ،‬وهو‬ ‫(والصّب ُ‬ ‫أول الفجر‪ ،‬ويأتي ما يعارضه‪ :‬في حديث رافع بن خديج‪.‬‬ ‫ض ُهمْ بعْضا‪.‬‬ ‫جرُ‪ ،‬والنّاس ل يكادُ يعرفُ بع ُ‬ ‫جرَ حين انشقّ الف ْ‬ ‫ولمسلمٍ ِمنْ حديث أبي مُوسى‪ :‬فأقامَ ال َف ْ‬ ‫(ولمسلم) وحده (من حديث أبي موسى‪ :‬فأقام الفجر حين انشق الفجرُ والناس ل يكاد يعرف بعضهم بعضا) وهو‬ ‫كما أفاده الحديث الول‪.‬‬ ‫وعنْ رافعِ بن خديج رضي ال عنه قالَ‪ُ :‬كنّا نُصَلي المغْربَ معَ رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم ف َينْصرفُ أحدُنا‬ ‫وإنه َليُبصرُ مَوَاقعَ َنبِْلهِ‪ .‬متفق عليه‪.‬‬ ‫(و عن را فع بن خد يج) بف تح الخاء المعج مة وك سر الدال المهملة‪ ،‬فمثناة تحت ية فج يم‪ ،‬ورا فع هو أ بو ع بد ال‪،‬‬ ‫ويقال‪ :‬أ بو خد يج الخزر جي الن صاري الو سي من أ هل المدي نة‪ .‬تأ خر عن بدر ل صغر سنه‪ ،‬وش هد أحدا و ما‬ ‫بعد ها‪ ،‬أ صابه سهم يوم أ حد‪ ،‬فقال له ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬أ نا أش هد لك يوم القيا مة"‪ ،‬وعاش إلى زمان‬ ‫عبد الملك بن مروان‪ ،‬ثم انتق ضت جراح ته فمات سنة ثلث‪ ،‬أو أر بع و سبعين‪ ،‬وله ست وثمانون سنة‪ ،‬وق يل‪:‬‬ ‫زمن يزيد بن معاوية (قال‪ُ :‬كنّا نصلي المغرب مع النبي صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم فينصرف أحدنا وإنه ليبْصرُ مواقع‬ ‫َنبْله) بفتح النون وسكون الموحدة‪ ،‬وهي‪ :‬السهام العربية‪ ،‬ل واحد لها من لفظها‪ ،‬وقيل‪ :‬واحدها نبلة كتمر وتمرة‬ ‫(متفق عليه)‪.‬‬ ‫والحديـث فيـه دليـل على المبادرة بصـلة المغرب‪ ،‬بحيـث ينصـرف منهـا والضوء باق‪ ،‬وقـد كثـر الحـث على‬ ‫المسارعة بها‪.‬‬ ‫عتَمَ النبيّ صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم ذاتَ ليَْلةٍ بالعشاء‪ ،‬حتى ذَهَب عامّ ُة الّليْلِ‪ ،‬ثم‬ ‫وعن عائش َة رضي ال عنها قالتْ‪ :‬أ ْ‬ ‫خرَجَ فصَلى‪ ،‬وقالَ‪" :‬إنهُ َل َو ْقتُها لول أن أشقّ على أمّتي" رواه مسلمٌ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬أعتم) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة فمثناة فوقية مفتوحة‪ ،‬يقال‪ :‬أعتم‬ ‫إذا دخل في العتمة‪ ،‬والعتمة محركة‪ :‬ثلث الليل الول بعد غيبوبة الشفق‪ ،‬كما في القاموس (رسول ال صَلّى ال‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم ذات ليلة بالعشاء) أي أ خر صلتها (ح تى ذ هب عا مة الل يل) كث ير م نه‪ ،‬ل أكثره ( ثم خرج ف صلى‪،‬‬ ‫ق على ُأمّتي) أي لخرتها إليه (رواه مسلم)‪.‬‬ ‫وقال‪ :‬إنّهُ ل َوقْتها) أي‪ :‬المختار والفضل (لول أن أشُ ّ‬ ‫و هو دل يل على أن و قت العشاء مم تد‪ ،‬وأن آخره أفضله‪ ،‬وأ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان يرا عي ال خف على‬ ‫المة‪ ،‬وأنه ترك الفضل وقتا‪ .‬وهي بخلف المغرب‪ .‬فأفضله أوله‪ ،‬وكذلك غيره إل الظهر أيام الحر‪ ،‬كما يفيد‬ ‫قوله‪.‬‬ ‫شتَدّ الحرّ فأبْردوا بال صّلةِ‪ ،‬فإنّ‬ ‫ل رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا ا ْ‬ ‫وعن أبي هريرةَ رضي ال عن هُ قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫ج َهنّم"‪ ،‬متّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫ن فَيْح َ‬ ‫شدّ َة الحرّ مِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ـّم‪ :‬إذا اشتـد الحـر فأبردوا) بهمزة‬ ‫ـّى ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫(وعـن أبـي هريرة رضـي ال عنـه قال‪ :‬قال رسـول ال صَل‬ ‫مفتو حة مقطو عة وك سر الراء (بال صلة) أي‪ :‬صلة الظ هر (فإن شدة ال حر من فَيْح جهنّم) بف تح الفاء و سكون‬ ‫المثناة التحتية فحاء مهملة‪ ،‬أي‪ :‬سعة انتشارها وتنفسها (متفق عليه)‪ .‬يقال‪ :‬أبرد إذا دخل في وقت البرد‪ ،‬كأظهر‬ ‫إذا دخل في الظهر‪ ،‬كما يقال أنجد وأتهم إذا بلغ نجدا وتهامة‪ ،‬ذلك في الزمان‪ ،‬وهذا في المكان‪.‬‬ ‫والحديث دليل على وجوب البراد بالظهر عند شدة الحر؛ لنه الصل في المر‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه للستحباب‪ ،‬وإليه‬ ‫ذهـب الجمهور‪ ،‬وظاهره عام للمنفرد‪ ،‬والجماعـة‪ ،‬والبلد الحار‪ ،‬وغيره‪ ،‬وفيـه أقوال غيـر هذه‪ .‬وقيـل‪ :‬البراد‬ ‫سنة‪ ،‬والتعجيل أفضل؛ لعموم أدلة فضيلة الوقت‪ .‬وأجيب‪ :‬بأنها عامة مخصوصة‪ ،‬بأحاديث البراد‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وعورض حد يث البراد‪ :‬بحد يث خباب "شكو نا إلى ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم حر الرمضاء في جباه نا‬ ‫وأكفنا‪ ،‬فلم يشكنا" أي‪ :‬لم يزل شكوانا‪ ،‬وهو حديث صحيح رواه مسلم‪.‬‬ ‫وأج يب ع نه بأجو بة‪ :‬أح سنها‪ :‬أن الذي شكوه شدة الرمضاء في ال كف والجباه‪ ،‬وهذه ل تذ هب عن الرض إل‬ ‫ا خر الو قت‪ ،‬أو ب عد اخره‪ ،‬ولذا قال ل هم صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ " :‬صلوا ال صلة لوقت ها" ك ما هو ثا بت في روا ية‬ ‫خباب هذه بل فظ‪" :‬فلم يشك نا‪ .‬وقال‪ :‬صلوا ال صلة لوقت ها" روا ها ا بن المنذر؛ فإ نه دال على أن هم طلبوا تأخيرا‬ ‫زائدا عن وقت البراد‪ ،‬فل يعارض حديث المر بالبراد‪.‬‬ ‫وتعل يل البراد بأن شدة ال حر من ف يح جه نم‪ :‬يع ني‪ :‬وع ند شد ته يذ هب الخشوع الذي هو روح ال صلة وأع ظم‬ ‫المطلوب منها‪ .‬قيل‪ :‬وإذا كان العلة ذلك‪ ،‬فل يشرع البراد في البلد الباردة‪ ،‬وقال ابن العربي في القبس‪" :‬ليس‬ ‫في البراد تحديد‪ ،‬إل ما ورد في حديث ابن مسعود‪ :‬يعني الذي أخرجه أبو داود‪ ،‬والحاكم من طريق السود‬ ‫ع نه‪" :‬كان قدر صلة ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم الظ هر في ال صيف ثل ثة أقدام‪ ،‬إلى خم سة أقدام‪ ،‬و في‬ ‫الشتاء خمسة أقدام‪ ،‬إلى سبعة أقدام" ذكره المصنف في التلخيص‪ ،‬وقد بينا ما فيه‪ ،‬وأنه ل يتم به الستدلل في‬ ‫المواقيت‪ ،‬وقد عرفت أن حديث البراد يخصص فضيلة صلة الظهر في أول وقتها بزمان شدة الحر كما قيل‪:‬‬ ‫إنه مخصص بالفجر‪.‬‬ ‫صبْحِ فإنّه أعظ مُ‬ ‫ص ِبحُوا بال ّ‬ ‫و عن رافِع بن خد يج ر ضي ال ع نه قالَ‪ :‬قالَ ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬أَ ْ‬ ‫حبّانَ‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫لجوركم" رواهُ الخمسة‪ .‬وصححهُ التّرمذي واب ُ‬ ‫(وعن رافع بن خديج قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬أصبحوا بال صّبح) وفي رواية‪" :‬أسفروا" (فإنه‬ ‫أعْظم لجوركم"‪ .‬رواه الخمسة‪ ،‬وصححه الترمذي‪ ،‬وابن حبان) ‪ ،‬وهذا لفظ أبي داود‪.‬‬ ‫و به احت جت الحنف ية على تأخ ير الف جر إلى ال سفار‪ .‬وأج يب ع نه‪ :‬بأن ا ستمرار صلته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫بغلس‪ ،‬وبما أخرج أبو داود من حديث أنس‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أسفر بالصبح مرة‪ ،‬ثم كانت صلته بعد‬ ‫بغلس‪ ،‬ح تى مات"‪ ،‬يش عر بأن المراد‪ :‬بأ صبحوا غ ير ظاهره‪ ،‬فق يل‪ :‬المراد به تح قق طلوع الف جر‪ ،‬وأن أع ظم‬ ‫ليس للتفضيل‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد به إطالة القراءة في صلة الصبح‪ ،‬حتى يخرج منها مسفرا‪ .‬وقيل‪ :‬المراد به الليالي‬ ‫المقمرة؛ فإ نه ل يت ضح أول الف جر مع ها؛ لغل بة نور الق مر لنوره‪ ،‬أو أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فعله مرة واحدة‬ ‫لعذر‪ ،‬ثم استمر على خلفه‪ ،‬كما يفيده حديث أنس‪.‬‬ ‫وأما الرد على حديث السفار بحديث عائشة عند ابن أبي شيبة‪ ،‬وغيره بلفظ‪" :‬ما صلى النبي صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم الصلة لوقتها الخر‪ ،‬حتى قبضه ال" فليس بتام؛ لن السفار ليس اخره وقت صلة الفجر‪ ،‬بل اخر ما‬ ‫يفيده‪.‬‬ ‫ن أَدرك من الصبح ركْع ًة َقبْل أن‬ ‫وعن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه أنّ النبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪" :‬مَ ْ‬ ‫شمْ سُ فقدْ أدرَك ال صّبْحَ‪ ،‬و من أدرَ كَ َركْع ًة من الع صرِ َقبْلَ أن َت ْغرُب الشم سُ فَ َقدْ أدر كَ الْع صْر" مت فق‬ ‫َتطْلُ عَ ال ّ‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬من أدر كَ من ال صّبح ركعة قبل أن‬ ‫تطلع الش مس) أي‪ :‬وأضاف إلي ها أخرى ب عد طلوع ها‪( ،‬ف قد أدرك ال صّبح) ضرورة أ نه ل يس المراد‪ :‬من صلى‬ ‫ركعة فقد‪ .‬والمراد فقط أدرك صلته أداء؛ لوقوع ركعة في الوقت (ومن أدرك ركعة من العصر") ففعلها (قبلَ‬ ‫أنْ ت ْغرُب الشمس فقد أدرك العصر) ‪ ،‬وإن فعل الثلث بعد الغروب (متفق عليه)‪.‬‬ ‫وإنما حملنا الحديث على ما ذكرناه من أن المراد‪ :‬التيان بالركعة بعد الطلوع‪ ،‬وبالثلث بعد الغروب؛ للجماع‬ ‫على أنه ليس المراد‪ :‬من أتى بركعة فقط من الصلتين صار مدركا لهما‪ .‬وقد ورد في الفجر صريحا في رواية‬ ‫البيهقـي بلفـظ‪" :‬مـن أدرك مـن الصـبح ركعـة قبـل أن تطلع الشمـس‪ ،‬وركعـة بعـد أن تطلع الشمـس‪ ،‬فقـد أدرك‬ ‫الصلة"‪ ،‬وفي رواية‪" :‬من أدرك في الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس‪ ،‬فليصل إليها أخرى"‪ ،‬وفي العصر من‬ ‫حديث أبي هريرة بلفظ‪" :‬من صلى من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس‪ ،‬ثم صلى ما بقي بعد غروبها لم‬ ‫يفته العصر"‪ ،‬والمراد من الركعة‪ :‬التيان بواجباتها من الفاتحة واستكمال الركوع والسجود‪.‬‬ ‫وظا هر الحاد يث أن ال كل أداء‪ ،‬وأن التيان ببعض ها ق بل خروج الو قت ين سحب حك مه على ما ب عد خرو جه‬ ‫فضلً من ال‪ .‬ثم مفهوم ما ذكر‪ :‬أنه من أدرك دون ركعة‪ ،‬ل يكون مدركا للصلة‪ ،‬إل أن قوله‪:‬‬ ‫سجْدةً" بدَلَ " َر ْكعَةً"‪ .‬ثمّ قالَ‪ :‬والسّجدة إنّما هي ال ّركْعةُ"‬ ‫ل"َ‬ ‫ول ُمسْلمٍ عن عائش َة رضي ال عنهَا َنحْ َوهُ‪ ،‬وقا َ‬ ‫(ولمسلم عن عائشة رضي ال عنها نحوه‪ ،‬وقال‪ :‬سجد ًة بدل ركعةً) فإنه ظاهر‪ :‬أن من أدرك سجدة صار مدركا‬ ‫للصلة‪ ،‬إل أن قوله‪( :‬ثم قال) أي الراوي‪ ،‬ويحتمل أنه النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪( :‬والسجْدةُ إنما هي الركعةُ)‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫يدفع أن يراد بالسجدة نفسها‪ ،‬لن هذا التفسير‪ :‬إن كان من كلمه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ ،‬فل إشكال‪ ،‬وإن كان من‬ ‫كلم الراوي‪ ،‬فهو أعرف بما روى‪.‬‬ ‫وقال الخطا بي‪ :‬المراد بال سجدة‪ :‬الرك عة ب سجودها وركوع ها‪ ،‬والرك عة إن ما تكون تا مة ب سجودها‪ ،‬ف سميت على‬ ‫هذا المعنى سجدة اهـ‪ ،‬ولو بقيت السجدة على بابها لفادت‪ :‬أن من أدرك ركعة بإحدى سجدتيها صار مدركا‪،‬‬ ‫ول يس بمراد؛ لورود سائر الحاد يث بل فظ الرك عة‪ ،‬فتح مل روا ية ال سجدة علي ها‪ ،‬فيب قى مفهوم من أدرك رك عة‬ ‫سالما عما يعارضه‪ .‬ويحتمل‪ :‬أن من أدرك سجدة فقط‪ ،‬صار مدركا للصلة‪ ،‬كمن أدرك ركعة‪ ،‬ول ينافي ذلك‬ ‫ورود من أدرك ركعة‪ :‬لن مفهومه غير مراد بدليل‪" :‬من أدرك سجدة" ويكون ال تعالى قد تفضل‪ ،‬فجعل من‬ ‫أدرك سجدة مدركا‪ ،‬ك من أدرك رك عة‪ ،‬ويكون إخباره صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم بإدراك الرك عة ق بل أن يعل مه ال‬ ‫ج عل من أدرك ال سجدة مدركا لل صلة‪ ،‬فل يرد‪ :‬أ نه قد علم أن من أدرك الرك عة ف قد أدرك ال صلة بطر يق‬ ‫الولى‪.‬‬ ‫وأ ما قوله‪ :‬وال سجدة إن ما هي الرك عة‪ ،‬ف هو محت مل أ نه من كلم الراوي‪ ،‬ول يس بح جة‪ ،‬وقول هم تف سير الراوي‬ ‫مقدم‪ :‬كلم أغلبي‪ ،‬وإل فحديث‪" :‬فربّ مبلغ أوعى من سامع"‪ ،‬وفي لفظ‪" :‬أفقه" يدل على أنه يأتي بعد السلف من‬ ‫هو أفقه منهم‪ .‬ثم ظاهر الحديث‪ :‬أن من أدرك الركعة من صلة الفجر‪ ،‬أو العصر‪ :‬ل تكره الصلة في حقه‬ ‫عند طلوع الشمس‪ ،‬وعند غروبها‪ ،‬وإن كانا وقتي كراهة‪ ،‬ولكن في حق المتنفل فقط‪ ،‬وهو الذي أفاده قوله‪.‬‬ ‫ن أبي سعيد الخدريّ رضي ال تعالى عن ُه قالَ‪ :‬س ِمعْتُ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يقول‪" :‬ل صلةَ َب ْعدَ‬ ‫وع ْ‬ ‫ب الشّم سُ" مت فق عل يه‪ .‬ولَف ظُ م سلم‪" :‬ل صلة ب عد‬ ‫ح ح تى َتطْلُ عَ الشم سُ ول صل َة ب عد الع صْرِ ح تى تغي َ‬ ‫ال صّب ِ‬ ‫جرِ"‪.‬‬ ‫صلة الف ْ‬ ‫(وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال‪ :‬سمعت رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يقول‪ :‬ل صلة) أي نافلة‬ ‫(بعد الصّبح) أي صلته‪ ،‬أو زمانه (حتى تطلُع الشّمس ول صلة بعد العصر) أي صلته‪ ،‬أو وقته (حتى تغيب‬ ‫الشمس‪ .‬متفق عليه‪ .‬ولفظ مسلم‪ :‬ل صلة بعد صلة الفجْر) فعينت المراد من قوله بعد الفجر‪ ،‬فإنه يحتمل ما‬ ‫ذكرناه‪ ،‬ك ما ورد في روا ية‪ :‬ــــ "ل صلة ب عد الع صر" ن سبها ا بن الث ير إلى الشيخ ين‪ ،‬و في روا ية‪" :‬ل‬ ‫صلة ب عد طلوع الف جر إل ركع تي الف جر" ستأتي فالن في قد تو جه إلى ما ب عد ف عل صلة الف جر‪ ،‬وف عل صلة‬ ‫العصر‪ ،‬ولكنه بعد طلوع الفجر ل صلة إل نافلته فقط‪ ،‬وأما بعد دخول العصر فالظاهر إباحة النافلة مطلقا ما‬ ‫لم يصل العصر‪ ،‬وهذا نفي للصلة الشرعية‪ ،‬وهو في معنى النهي‪ ،‬والصل فيه التحريم‪ .‬فدل على تحريم النفل‬ ‫في هذين الوقتين مطلقا‪.‬‬ ‫والقول‪ :‬بأن ذات ال سبب تجوز‪ ،‬كتح ية الم سجد مثلً‪ ،‬و ما ل سبب ل ها ل تجوز‪ ،‬قد بي نا أ نه ل دل يل عل يه في‬ ‫حوا شي شرح العمدة‪ :‬وأ ما صلته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ركعت ين ب عد صلة الع صر في منزله‪ ،‬ك ما أخر جه‬ ‫البخاري من حد يث عائ شة‪ " :‬ما ترك ال سجدتين ب عد الع صر عندي قط"‪ :‬و في ل فظ‪" :‬لم ي كن يدعه ما سرا ول‬ ‫علنية"‪ .‬فقد أجيب عنه‪ :‬بأنه صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم صلهما قضاء لنافلة الظهر لما فاتته‪ ،‬ثم استمر عليهما‪ ،‬لنه‬ ‫ل أثبته‪ ،‬فدل على جواز قضاء الفائتة في وقت الكراهة‪ ،‬وبأنه من خصائصه جواز النفل في‬ ‫كان إذا عمل عم ً‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬كما دل له حديث أبي داود عن عائشة‪" :‬أنه كان يصلي بعد العصر‪ ،‬وينهي عنها‪ ،‬وكان يواصل‪،‬‬ ‫وينهي عن الوصال"‪.‬‬ ‫وقد ذهب طائفة من العلماء‪ :‬إلى أنه ل كراهة للنفل بعد صلتي الفجر والعصر؛ لصلته صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬ ‫هذه بعد العصر‪ ،‬ولتقريره صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لمن راه يصلي بعد صلة الفجر نافلة الفجر‪ ،‬ولكنه يقال‪ :‬هذان‬ ‫دليلن على جواز قضاء النافلة في و قت الكرا هة‪ ،‬ل أنه ما دليلن على أ نه ل يكره الن فل مطلقا؛ إذ ال خص ل‬ ‫يدل على رفع العم‪ ،‬بل يخصصه‪ ،‬وهو من تخصيص القوال بالفعال‪ ،‬على أنه يأتي النص على أن من فاتته‬ ‫نافلة الظ هر‪ ،‬فل يقضي ها ب عد الع صر‪ ،‬ول نه لو تعارض القول‪ ،‬والف عل‪ ،‬كان القول مقدما عل يه‪ .‬فال صواب أن‬ ‫هذين الوقتين يحرم فيهما إذن النوافل‪ ،‬كما تحرم في الوقات الثلثة التي أفادها‪.‬‬ ‫ث ساعاتٍ كان ر سولُ ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم َينْها نا أن نُ صلي فيهنّ‪ ،‬وأن ن قبر‬ ‫ول ُه عن عُ ْقبَ َة بن عامِر‪ :‬ثَل ُ‬ ‫ن َت َتضَيّفُ‬ ‫فيهن َموْتانا‪" :‬حين تطْلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفِعَ‪ ،‬وحينَ يقو ُم قائمُ الظّهير ِة حتى تَزولَ الشمسُ‪ ،‬وحي َ‬ ‫الشمسُ للغُروبِ"‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫(وله) أي لمسلم (عن عقبة) بضم العين المهملة وسكون القاف فموحدة مفتوحة (ابن عامر) هو أبو حماد‪ ،‬أو أبو‬ ‫عامر‪ ،‬عقبة بن عامر الجهني‪ .‬كان عاملً لمعاوية على مصر‪ ،‬وتوفي بها سنة ثمان وخمسين‪ ،‬وذكر خليفة‪ :‬أنه‬ ‫قتل يوم النهروان مع علي عليه السلم‪ ،‬وغلطه ابن عبد البر‪.‬‬ ‫(ثلث ساعات كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ينهانا أن نصلي فيهن‪ ،‬وأن نَقْبرَ) بضم الباء وكسرها (فيهنّ‬ ‫موتا نا‪ :‬ح تى تطلع الش مس باز غة ح تى تر فع) ب ين قدر ارتفاع ها الذي عنده تزول الكرا هة‪ :‬حد يث عمرو بن‬ ‫عب سة بل فظ‪" :‬وترت فع ق يس ر مح أو رمح ين" وق يس بك سر القاف و سكون المثناة التحت ية ف سين مهملة‪ :‬أي قدر‪،‬‬ ‫أخرجه أبو داود‪ ،‬والنسائي (وحين يقوم قائم الظّهيرة) في حديث ابن عبسة‪" :‬حتى يعدل الرمح ظله" (حتى تزول‬ ‫الشمس) أي تميل عن كبد السماء (وحين تتضيفُ) بفتح المثناة الفوقية فمثناة بعدها وفتح الضاد المعجمة وتشديد‬ ‫الياء وفاء‪ :‬أي تميل (الشمس للغروب)‪.‬‬ ‫فهذه ثل ثة أوقات‪ ،‬إن انضا فت إلى الول ين كا نت خم سة‪ ،‬إل أن الثل ثة تخ تص بكرا هة أمر ين‪ :‬د فن المو تى‪،‬‬ ‫وال صلة‪ ،‬والوقتان الولن يخت صان بالن هي عن الثا ني منه ما‪ ،‬و قد ورد تعل يل عن هذه الثل ثة في حد يث ا بن‬ ‫عبسة عند من ذكر‪" :‬بأن الشمس عند طلوعها تطلع بين قرني شيطان‪ ،‬فيصلي لها الكفار‪ ،‬وبأنه عند قيام قائم‬ ‫الظهيرة ت سجر جه نم‪ ،‬وتف تح أبواب ها‪ ،‬وبأن ها تغرب ب ين قر ني شيطان‪ ،‬وي صلي ل ها الكفار"‪ :‬ومع نى قوله‪" :‬قائم‬ ‫الظهيرة" قيام الشمس وقت الزوال‪ ،‬من قول هم‪ :‬قامت به داب ته‪ :‬وق فت‪ .‬والش مس إذا بل غت و سط ال سماء أبطأت‬ ‫حركة الظل إلى أن تزول‪ ،‬فيتخيل الناظر المتأمل أنها وقفت وهي سائرة‪.‬‬ ‫والنهي عن هذه الوقات الثلثة‪ :‬عام بلفظه لفرض الصلة ونفلها‪ .‬والنهي للتحريم‪ ،‬كما عرفت من أنه أصله‪.‬‬ ‫وكذا يحرم قبر الموتى في ها‪ .‬ولكن فرض الصلة أخرجه حديث‪" :‬من نام عن صلته" الحد يث‪ ،‬وفيه‪" :‬فوقتها‬ ‫حين يذكر ها"‪ ،‬ففي أي وقت ذكر ها‪ ،‬أو استيقظ من نومه أتى ب ها‪ .‬وكذا من أدرك رك عة ق بل غروب الشمس‪،‬‬ ‫وقبل طلوعها ل يحرم عليه‪ ،‬بل يجب عليه أداؤها في ذلك الوقت‪ ،‬فيخص النهي بالنوافل دون الفرائض‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬بل يعمها بدليل‪ :‬أنه صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم لما نام في الوادي عن صلة الفجر‪ ،‬ثم استيقظ لم يأت بالصلة‬ ‫في ذلك الوقت‪ ،‬بل أخرها إلى أن خرج الوقت المكروه‪ .‬وأجيب عنه‪ ،‬أولً‪ :‬بأنه صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم لم يستيقظ‬ ‫هو وأ صحابه إل ح ين أ صابهم حر الش مس‪ ،‬ك ما ث بت في الحد يث‪ ،‬ولم يوقظ هم حر ها‪ ،‬إل و قد ارتف عت وزال‬ ‫و قت الكرا هة‪ .‬وثانيا‪ :‬بأ نه قد ب ين صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم تأخ ير أدائ ها ع ند ال ستيقاظ‪ :‬بأن هم في واد ح ضر ف يه‬ ‫الشيطان‪ ،‬فخرج صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عنه وصلى في غيره‪ ،‬وهذا التعليل يشعر بأنه ليس التأخير لجل وقت‬ ‫الكراهة‪ :‬لو سلم أنهم استيقظوا ولم يكن قد خرج الوقت‪.‬‬ ‫فتحصل من الحاديث‪ :‬أنها تحرم النوافل في الوقات الخمسة‪ ،‬وأنه يجوز أن تقضي النوافل بعد صلة الفجر‪،‬‬ ‫وصلة العصر‪ .‬أما صلة العصر؛ فلما سلف من صلته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قاضيا لنافلة الظهر بعد العصر‪،‬‬ ‫إن لم نقل‪ :‬إنه خاص به‪ .‬وأما صلة الفجر؛ فلتقريره لمن صلى نافلة الفجر بعد صلته‪ ،‬وأنها تصلى الفرائض‬ ‫في أي الوقات الخمسة لنائم‪ ،‬وناسٍ‪ ،‬ومؤخر عمدا‪ ،‬وإن كان اثما بالتأخير‪ .‬والصلة أداء في الكل‪ ،‬ما لم يخرج‬ ‫وقت العامد‪ ،‬فهي قضاء في حقه‪ .‬ويدل على تخصيص وقت الزوال يوم الجمعة من هذه الوقات بجواز النفل‬ ‫فيه‪ :‬الحديث التي‪ .‬وهو قوله‪:‬‬ ‫ع ْندَ الشافعي من حديثِ أبي هُريرة بس َندٍ ضعيفٍ‪ .‬وزادَ "إلّا يو َم الجمعةِ"‪.‬‬ ‫وا ْلحُكمُ الثاني ِ‬ ‫(والح كم الثا ني) و هو الن هي عن ال صلة و قت الزوال‪ ،‬والح كم الول الن هي عن ها ع ند طلوع الش مس‪ ،‬إل أ نه‬ ‫تسامح المصنف في تسميته حكما‪ ،‬فإن الحكم في الثلثة الوقات واحد‪ ،‬وهو النهي عن الصلة فيها‪ ،‬وإنما هذا‬ ‫الثاني أحد محلت الحكم‪ ،‬ل أنه حكم ثان‪ .‬وف سّر الشارح الحكم الثاني‪ :‬بالنهي عن الصلة في الوقات الثلثة‪،‬‬ ‫كما أفاده حديث أبي سعد‪ ،‬وحديث عقبة‪ ،‬لكن فيه أنه الحكم الول‪ ،‬لن الثاني هو النهي عن قبر الموات‪ ،‬فإنه‬ ‫الثاني في حديث عقبة‪ ،‬وفيه‪ :‬أنه يلزم أن زيادة استثناء يوم الجمعة يعم الثلثة الوقات في عدم الكراهة‪ ،‬وليس‬ ‫كذلك اتفاقا‪ ،‬إنما الخلف في ساعة الزوال يوم الجمعة (عند الشافعي من حديث أبي هريرة بسند ضعيف وزاد)‬ ‫فيه‪( :‬إل يوم الجمعة)‪.‬‬ ‫والحديث المشار إليه أخرجه البيهقي في المعرفة‪ :‬من حديث عطاء بن عجلن عن أبي نضرة عن أبي سعيد‪،‬‬ ‫وأبي هريرة قال‪" :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ينهى عن الصلة نصف النهار إل يوم الجمعة"‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫إنما كان ضعيفا؛ لن فيه إبراهيم بن يحيى‪ ،‬وإسحاق بن عبد ال بن أبي فروة‪ ،‬وهما ضعيفان‪ ،‬ولكنه يشهد له‬ ‫قوله‪.‬‬ ‫ن أبي قَتادَ َة َنحْ ُوهُ‪.‬‬ ‫وكذا لبي داودَ ع ْ‬ ‫‪6‬‬

‫(وكذا لبي داود عن أبي قتادة نحوه)‪.‬‬ ‫ولف ظه‪" :‬وكره ال نبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم ال صلة ن صف النهار إل يوم الجم عة‪ ،‬وقال‪ :‬إن جه نم ت سجر إل يوم‬ ‫الجمعة"‪ .‬قال أبو داود‪" :‬إنه مرسل‪ ،‬وفيه ليث بن أبي سليم‪ ،‬وهو ضعيف‪ .‬إل أنه أيده فعل أصحاب النبي صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَسَلّم‪ ،‬فإنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة‪ .‬ولنه صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم حث على التبكير إليها‬ ‫ثم رغب في الصلة إلى خروج المام من غير تخصيص‪ ،‬ول استثناء‪.‬‬ ‫ثم أحاديث النهي عامة لكل محل يصلي فيه‪ ،‬إل أنه خصها بغير مكة قوله‪:‬‬ ‫ع ْبدِ منا فٍ‪ ،‬ل َتمْنعُوا أحدا طا فَ بهذا‬ ‫و عن جُبير بن ُمطْع مٍ قال‪ :‬قالَ ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬يا بَ ني َ‬ ‫ت وصلّى أيّةَ ساع ٍة شاءَ من َليْلٍ أو نهارٍ" رواهُ الخمسةُ‪ .‬وصحح ُه الترمذي وابن حبّان‪.‬‬ ‫ال َبيْ ِ‬ ‫(وعن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية فراء (ابن مطعم) بضم الميم وسكون الطاء وكسر‬ ‫العين المهملة‪ ،‬وهو أبو محمد‪ :‬جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل‪ :‬القرشي النوفلي‪ ،‬كنيته أبو أمية‪ .‬أسلم قبل‬ ‫الفتح‪ ،‬ونزل المدينة‪ ،‬ومات بها سنة أربع‪ ،‬أو سبع‪ ،‬أو تسع وخمسين‪ .‬وكان جبير عالما بأنساب قريش‪ ،‬قيل‪ :‬إنه‬ ‫أخذ ذلك من أبي بكر‪.‬‬ ‫ف بهذا البيت وصلى أية ساعة‬ ‫(قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬يا بني عبد مناف ل تمنعوا أحدا طا َ‬ ‫شاء من ل يل أو نهار" رواه الخم سة‪ ،‬و صححه الترمذي وا بن حبان) ‪ ،‬وأخر جه الشاف عي‪ ،‬وأح مد‪ ،‬والدارقط ني‪،‬‬ ‫وابن خزيمة‪ ،‬والحاكم من حديث جبير أيضا‪ .‬وأخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس‪ .‬وأخرجه غيرهم‪ .‬وهو‬ ‫دال على أنه ل يكره الطواف بالبيت‪ ،‬ول الصلة فيه‪ ،‬في أي ساعة من ساعات الليل والنهار‪ ،‬وقد عارض ما‬ ‫سلف‪.‬‬ ‫فالجمهور‪ :‬عملوا بأحاديث النهي؛ ترجيحا لجانب الكراهة‪ ،‬ولن أحاديث النهي ثابتة في الصحيحين‪ ،‬وغيرهما‪،‬‬ ‫و هي أر جح من غير ها‪ .‬وذ هب الشاف عي وغيره‪ :‬إلى الع مل بهذا الحد يث‪ ،‬قالوا‪ :‬لن أحاد يث الن هي قد دخل ها‬ ‫التخ صيص بالفائ تة والمنوم عن ها‪ ،‬والنافلة ال تي تق ضى‪ ،‬فضعفوا جا نب عموم ها‪ ،‬فتخ صص أيضا بهذا الحد يث‪.‬‬ ‫ول تكره النافلة بمكة في أي ساعة من الساعات‪.‬‬ ‫وليس هذا خاصا بركعتي الطواف‪ ،‬بل يعم كل نافلة لرواية ابن حبان في صحيحه‪" :‬يا بني عبد المطلب‪ :‬إن كان‬ ‫لكم من المر شيء‪ ،‬فل أعرفن أحدا منكم يمنع من يصلي عند البيت‪ ،‬أي ساعة شاء من ليل أو نهار"‪ .‬قال في‬ ‫الن جم الوهاج‪ :‬وإذا قل نا‪ :‬بجواز الن فل‪ ،‬يع ني في الم سجد الحرام في أوقات الكرا هة‪ ،‬ف هل يخ تص ذلك بالم سجد‬ ‫الحرام‪ ،‬أو يجوز في جميع بيوت حرم مكة؟ فيه وجهان‪ ،‬والصواب‪ :‬أنه يعم جميع الحرم‪.‬‬ ‫ق الحمْرةُ"‪ ،‬روا ُه الدارقطنيّ‪،‬‬ ‫و عن ا بن عمر رضي ال تعالى عنهُما أنّ النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬الشّف ُ‬ ‫ع َمرَ‪.‬‬ ‫ن خُزيمةَ‪ ،‬وغيرُ ُه وقَفَ ُه على ابن ُ‬ ‫وصحح ُه اب ُ‬ ‫ح ْمرَةُ" رواه الدارقطنـي‪،‬‬ ‫(وعـن ابـن عمـر رضـي ال عنهمـا‪ :‬عـن النـبي صَـلّى ال عََليْهِـ وَسَـلّم قال‪" :‬الشفقُـ ال ُ‬ ‫وصححه ابن خزيمة‪ .‬وغيره وقفه على ابن عمر)‪.‬‬ ‫وتمام الحديث‪" :‬فإذا غاب الشفق وجبت الصلة"‪ ،‬وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث ابن عمر مرفوعا‪:‬‬ ‫"وو قت صلة المغرب‪ :‬إلى أن تذ هب حمرة الش فق"‪ ،‬وقال البيه قي‪ :‬روى هذا الحد يث عن علي‪ ،‬وع مر‪ ،‬وا بن‬ ‫عباس‪ ،‬وعبادة بن الصامت‪ ،‬وشداد بن أوس‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬ول يصح منها شيء‪ :‬قلت‪ :‬البحث لعوي‪ ،‬والمرجع‬ ‫فيه إلى أهل اللغة وقح الغرب‪ ،‬فكلمه حجة وإن كان موقوفا عليه‪ .‬وفي القاموس‪ :‬الشفق محركة‪ :‬الحمرة في‬ ‫الفق من الغروب إلى العشاء‪ ،‬وإلى قريبها‪ ،‬أو إلى قريب العتمة اهـ‪.‬‬ ‫والشافعي يرى‪ .‬أن وقت المغرب عقيب غروب الشمس بما يتسع لخمس ركعات‪ ،‬ومضى قدر الطهارة‪ ،‬وستر‬ ‫العورة‪ ،‬وأذان‪ ،‬وإقامة‪ ،‬ل غير‪ ،‬وحجته حديث جبريل‪ :‬أنه صلى به صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم المغرب في اليومين‬ ‫معا؛ في وقت واحد عق يب غروب الشمس‪ .‬قال‪ :‬فلو كان للمغرب وقت ممتد لخره إليه‪ ،‬كما أ خر الظهر إلى‬ ‫م صير ظل الش يء مثله في اليوم الثا ني‪ .‬وأج يب ع نه‪ :‬بأن حد يث جبر يل متقدم في أول فرض ال صلة بم كة‬ ‫ل وأفعالً‪ ،‬فالحكم لها‪ ،‬وبأنها أصح‬ ‫اتفاقا‪ ،‬وأحاديث‪ :‬أن اخر وقت المغرب الشفق‪ :‬متأخرة واقعة في المدينة أقوا ً‬ ‫إسنادا من حديث توقيت جبريل‪ ،‬فهي مقدمة عند التعارض‪.‬‬ ‫وأما الجواب بأنها أقوال وخبر جبريل فعل فغير ناهض‪ ،‬فإن خبر جبريل فعل وقول‪ ،‬فإنه قال له صَلّى ال عََليْهِ‬ ‫وَ سَلّم ب عد أن صلى به الوقات الخم سة‪ " :‬ما ب ين هذ ين الوقت ين و قت لك ولم تك" ن عم‪ ،‬ل بين ية ب ين المغرب‬ ‫والعشاء على صلة جبريل‪ ،‬فيتم الجواب‪ :‬بأنه فعل بالنظر إلى وقت المغرب‪ ،‬والقوال مقدمة على الفعال عند‬ ‫التعارض على ال صح‪ .‬وأ ما ه نا‪ ،‬ف ما ثم تعارض‪ ،‬إن ما القوال أفادت زيادة في الو قت للمغرب‪ ،‬من ال ب ها‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫قلت‪ :‬ل يخفى أنه كان الولى تقديم هذا الحديث في أول باب الوقات عقب أول حديث فيه‪ ،‬وهو حديث عبد ال‬ ‫بن عمر رضي ال عنه‪.‬‬ ‫واعلم أن هذا القول هو قول الشاف عي في الجد يد‪ ،‬وقوله القد يم‪ :‬إن ل ها وقت ين‪ :‬أحده ما هذا‪ ،‬والثا ني يم تد إلى‬ ‫مغيب الشفق‪ ،‬وصححه أئمة من أصحابه‪ ،‬كابن خزيمة‪ ،‬والخطابي‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وقد ساق النووي في‬ ‫شرح المهذب الدلة على امتداده إلى الشفق‪ ،‬فإذا عرفت الحاديث الصحيحة تعين القول به جزما؛ لن الشافعي‬ ‫نص عليه في القديم‪ ،‬وعلق القول به في الملء على ثبوته‪ ،‬وقد ثبت الحديث‪ ،‬بالحاديث‪.‬‬ ‫جرٌ يحرّ مُ الطّعا مَ‬ ‫جرُ َفجْرَان‪َ :‬ف ْ‬ ‫وعن ابن عبّاس رضي ال عنهما قال‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ال َف ْ‬ ‫ح ــــ ويحلّ ف يه الطّعا مُ" روا هُ اب نُ‬ ‫وتحلّ ف يه ال صّلةُ‪ ،‬وفَجْر تحْر مُ ف يه ال صّل ُة ــــ أي صل ُة ال صّب ِ‬ ‫صحّحاه‪.‬‬ ‫خزَيمَةَ والحا ِكمُ و َ‬ ‫ُ‬ ‫جرُ) أي ل غة ( َفجْران‪َ :‬فجْرٌ‬ ‫(و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬ال َف ْ‬ ‫ل ف يه ال صّلةُ) أي يد خل و قت وجوب صلة الف جر (وفجرٌ تحرَ مُ ف يه‬ ‫يحرّ مُ الطّعام) ير يد على ال صائم (وتح ّ‬ ‫الصل ُة ــــ أي صلة الصبح) ‪ ،‬فسره بها؛ لئل يتوهم أنها تحرم فيه مطلق الصلة‪ ،‬والتفسير يحتمل أنه‬ ‫ل فيه الطعام‪ .‬رواه ابن خزيمة‪ ،‬والحاكم‪،‬‬ ‫منه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬وهو الصل‪ ،‬ويحتمل أنه من الراوي (ويح ّ‬ ‫وصححاه)‪ .‬لما كان الفجر لغة مشتركا بين الوقتين‪ ،‬وقد أطلق في بعض أحاديث الوقات‪ :‬أن أول صلة الصبح‬ ‫الفجر‪ ،‬بين صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم المراد به‪ ،‬وأنه‪ :‬الذي له علمة ظاهرة واضحة؛ وهي التي أفاده قوله‪:‬‬ ‫وللحاكم من حديث جابرٍ َنحْوُ هُ‪ ،‬وزاد في الذي يُحرّ مُ الطّعام‪" :‬أنه يذه بُ مستطيلً في الفُق"‪ .‬وفي الخر‪" :‬إنّه‬ ‫س ْرحَانِ"‪.‬‬ ‫َك َذنَبِ ال ّ‬ ‫(وللحاكم من حديث جابر‪ :‬نحوه) نحو حديث ابن عباس ولفظه في المستدرك‪" :‬الفجر فجران‪ :‬فأما الفجر الذي‬ ‫يكون كذنب السرحان‪ ،‬فل يحل الصلة‪ ،‬ويحل الطعام‪ ،‬وأما الذي يذهب مستطيلً في الفق‪ ،‬فإنه يحل الصلة‪،‬‬ ‫ويحرم الطعام"‪ ،‬و قد عر فت مع نى قول الم صنف‪( :‬وزاد في الذي يحرم الطعام أ نه يذ هب م ستطيلً) أي ممتدا‬ ‫(في الفق) وفي رواية للبخاري‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم مد يده عن يمينه ويساره"‪( ،‬وفي الخر) وهو الذي‬ ‫ل تحل فيه الصلة ول يحرم فيه الطعام‪ :‬أي وقال في الخر‪( :‬إنه) في صفته (كذنب السرحان) بكسر السين‬ ‫المهملة وسـكون الراء فحاء مهملة وهـو الذئب‪ :‬والمراد أنـه ل يذهـب مسـتطيلً ممتدا‪ ،‬بـل يرتفـع فـي السـماء‬ ‫كالعمود‪ ،‬وبينهما ساعة‪ ،‬فإنه يظهر الول‪ ،‬وبعد ظهوره يظهر الثاني ظهورا بينا‪.‬‬ ‫فهذا فيه بيان وقت الفجر‪ :‬وهو أول وقته‪ ،‬واخره ما يتسع لركعة‪ ،‬كما عرف تَ‪ .‬ولما كان لكل وقت أول واخر‪،‬‬ ‫بين صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم الفضل منهما في الحديث التي وهو‪:‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬أفضلُ العْمال ال صّل ُة في‬ ‫و عن ا بن م سعود ر ضي ال تعالى ع نه قال‪ :‬قال ر سو ُ‬ ‫أوّل وقْتها" رواهُ الترمذي‪ ،‬والحاكم‪ ،‬وصحّحاه‪ ،‬وأصْلُ ُه في الصّحيحين‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬أفضلُ العْمال ال صّل ُة في‬ ‫و عن ا بن م سعود ر ضي ال تعالى ع نه قال‪ :‬قال ر سو ُ‬ ‫أوّل وقْتها" رواهُ الترمذي‪ ،‬والحاكم‪ ،‬وصحّحاه‪ ،‬وأصْلُ ُه في الصّحيحين‪.‬‬ ‫أخرجه البخاري عن ابن مسعود بلفظ‪" :‬سألت النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪ :‬أيّ العمل أحب إلى ال؟ قال‪ :‬الصلة‬ ‫لوقتها" وليس فيه لفظ أول‪.‬‬ ‫فالحديث دل على أفضلية الصلة في أول وقتها‪ ،‬على كل عمل من العمال‪ ،‬كما هو ظاهر التعريف للعمال‬ ‫باللم‪ .‬وقد عورض بحديث‪" :‬أفضل العمال إيمان بال"‪ ،‬ول يخفى أنه معلوم‪ :‬أن المراد من العمال في حديث‬ ‫ابن مسعود‪ :‬ما عدا اليمان‪ ،‬فإنه إنما سأل عن أفضل أعمال أهل اليمان‪ .‬فمراده‪ :‬غير اليمان‪ ،‬قال ابن دقيق‬ ‫العيـد‪ :‬العمال هنـا‪ .‬أي فـي حديـث ابـن مسـعود محمولة على البدنيـة‪ ،‬فل تتناول أعمال القلوب‪ ،‬فل تعارض‬ ‫حديث أبي هريرة‪" :‬أفضل العمال‪ :‬اليمان بال عز وجل"‪.‬‬ ‫ولكنها قد وردت أحاديث أخر في أنواع من أعمال البر‪ ،‬بأنها أفضل العمال‪ ،‬فهي التي تعارض حديث الباب‬ ‫ظاهرا‪ .‬وقد أجيب‪ :‬بأنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أخبر كل مخاطب بما هو أليق به‪ ،‬وهو به أقوم‪ ،‬وإليه أرغب‪،‬‬ ‫ونفعه فيه أكثر‪ .‬فالشجاع أفضل العمال في حقه‪ :‬الجهاد؛ فإنه أفضل من تخليه للعبادة‪ .‬والغني أفضل العمال‬ ‫في حقه‪ :‬الصدقة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬أو أن كلمة "من" مقدرة‪ ،‬والمراد من أفضل العمال‪ ،‬أو كلمة "أفضل" لم يرد بها‬ ‫الزيادة‪ ،‬بل الفضل المطلق‪ .‬وعورض تفضيل الصلة في أول وقتها‪ ،‬على ما كان منها في غيره بحديث العشاء؛‬ ‫فإ نه قال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬لول أن أ شق على أم تي لخرت ها" يع ني‪ :‬إلى الن صف‪ ،‬أو قر يب م نه‪ .‬وبحد يث‬ ‫‪8‬‬

‫ال صباح‪ ،‬أو ال سفار بالف جر‪ ،‬وبأحاد يث البراد بالظ هر‪ .‬والجواب‪ :‬أن ذلك تخ صيص لعموم أول الو قت‪ ،‬ول‬ ‫معارضة بين عام وخاص‪.‬‬ ‫وأما القول‪ :‬بأن ذكر أول وقتها تفرد به علي بن حفص من بين أصحاب شعبة‪ ،‬وأنهم كلهم رووه بلفظ‪" :‬على‬ ‫وقت ها" من دون ذ كر أول‪ .‬ف قد أج يب ع نه من ح يث الروا ية‪ :‬بأن تفرده ل ي ضر؛ فإ نه ش يخ صدوق من رجال‬ ‫مسلم؛ ثم قد صحح هذه الرواية الترمذي‪ ،‬والحاكم‪ ،‬وأخرجها ابن خزيمة في صحيحه؛ ومن حيث الدرا ية أن‬ ‫روا ية ل فظ‪ :‬على وقت ها تف يد‪ :‬مع نى ل فظ‪ :‬أول؛ لن كل مة "على" تقت ضي ال ستعلء على جم يع الو قت‪ ،‬وروا ية‪:‬‬ ‫لوقتها باللم تفيد ذلك؛ لن المراد استقبال وقتها؛ ومعلوم ضرورة شرعية‪ :‬أنها ل تصح قبل دخوله‪ ،‬فتعين أن‬ ‫ج ْبنَا لَ هُ َووَ َهبْنَا لَ ُه َيحْيَى‬ ‫س َت َ‬ ‫المراد ل ستقبالكم الك ثر من وقت ها‪ ،‬وذلك بالتيان ب ها أول وقت ها‪ ،‬ولقوله تعالى‪{ :‬فَا ْ‬ ‫شعِي نَ} ‪ ،‬ولنه صَلّى‬ ‫خ ْيرَا تِ َو َيدْعُو َننَا رَغَبا َورَهَبا َوكَانُواْ َلنَا خا ِ‬ ‫ن فِي ا ْل َ‬ ‫ج هُ ِإ ّنهُ مْ كَانُو ْا يُ سَارِعُو َ‬ ‫وَأَ صَْلحْنَا َل هُ زَ ْو َ‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان دأ به دائما التيان بال صلة في أول وقت ها؛ ول يف عل إل الف ضل‪ .‬إل ل ما ذكرناه كال سفار‪،‬‬ ‫ونحوه كالعشاء‪ .‬ولحديث علي عند أبي داود‪" :‬ثلث ل تؤخر‪ ،‬ثم ذكر منها الصلة إذا حضر وقتها" والمراد‪ :‬أن‬ ‫ذلك الفضل‪ ،‬وإل فإن تأخيرها بعد حضور وقتها جائز‪ ،‬ويدل له أيضا قوله‪.‬‬ ‫حمَةُ ال‪ ،‬واخرُهُ عَفْوُ‬ ‫سطُهُ ر ْ‬ ‫ت رضوان ال‪ ،‬وَأوْ َ‬ ‫وعن أبي محْذورةَ أنّ النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قال‪" :‬أوّلُ الوَق ِ‬ ‫خرَج ُه الدّار ُقطْني بسندٍ ضعيف جدا‪.‬‬ ‫ال" أ ْ‬ ‫(و عن أ بي محذورة) بف تح الم يم و سكون الحاء المهملة و ضم الذال المعج مة ب عد الواو راء‪ .‬واختلفوا في ا سمه‬ ‫على أقوال‪ :‬أصحها أنه سمرة بن معين بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح المثناة التحتية‪ ،‬وقال ابن عبد‬ ‫البر‪ :‬إنه اتفق العالمون بطريق أنساب قريش‪ :‬أن اسم أبي محذورة‪ :‬أوس‪ ،‬وأبو محذورة مؤذن النبي صَلّى ال‬ ‫عََليْهِ َوسَلّم‪ .‬أسلم عام الفتح‪ ،‬وأقام بمكة إلى أن مات وهو يؤذن بها للصلة‪ ،‬مات سنة تسع وخمسين‪.‬‬ ‫(أن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪ :‬أول الو قت) أي لل صلة المفرو ضة (رضوان ال) أي‪ :‬يح صل بأدائ ها ف يه‬ ‫رضوان ال تعالى عن فاعل ها‪( .‬وأو سطه رح مة ال) أي يح صل لفا عل ال صلة في رحم ته‪ ،‬ومعلوم أن رت بة‬ ‫الرضوان أبلغ (واخره ع فو ال) ول ع فو إل عن ذ نب (أخر جه الدارقط ني ب سند ضع يف) ؛ ل نه من روا ية‬ ‫يعقوب بن الوليد المدني‪ .‬قال أحمد‪ :‬كان من الكذابين الكبار‪ ،‬وكذبه ابن معين‪ ،‬وتركه النسائي‪ ،‬ونسبه ابن حبان‬ ‫إلى الوضع‪ ،‬كذا في حواشي القاضي‪ .‬وفي الشرح‪ :‬أن في إسناده‪ :‬إبراهيم بن زكريا البجلي‪ ،‬وهو متهم‪ ،‬ولذا‬ ‫قال المصنف (جدا) مؤكدا لضعفه‪ ،‬وقدمنا إعراب جدا‪ ،‬ول يقال‪ :‬إنه يشهد له قوله‪.‬‬ ‫سطِ‪ ،‬وَهُو ضعيفٌ أيضا‪.‬‬ ‫وللترمذي من حديثِ ابن عُمرَ َنحْ ُوهُ‪ ،‬دون ال ْو َ‬ ‫(وللترمذي من حديث ابن عمر نحوه) في ذكر أول الوقت واخره (دون الوسط وهو ضعيف أيضا) ؛ لن فيه‬ ‫يعقوب بن الول يد أيضا‪ ،‬وف يه ما سمعت‪ ،‬وإن ما قل نا ل ي صح شاهدا؛ لن الشا هد والمشهود له فيه ما‪ ،‬من قال‬ ‫الئمـة فيـه‪ :‬إنـه كذاب‪ ،‬فكيـف يكون شاهدا ومشهودا له؟ وفـي الباب عـن جابر‪ ،‬وابـن عباس‪ ،‬وأنـس‪ ،‬وكلهـا‬ ‫ضعي فة‪ .‬وفيه عن علي عليه السلم‪ :‬من رواية موسى بن محمد عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن‬ ‫علي‪ .‬قال البيه قي‪ :‬إ سناده في ما أ ظن أ صح ما روي في هذا الباب‪ ،‬مع أ نه معلول‪ ،‬فإن المحفوظ رواي ته عن‬ ‫جعفر بن محمد عن أبيه موقوفا‪ .‬قال الحاكم‪ .‬ل أعرف فيه حديثا‪ ،‬يصح عن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬ول‬ ‫عن أحد من الصحابة‪ ،‬وإنما الرواية فيه عن جعفر بن محمد عن أبيه موقوفا‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬إذا صـح هذا الموقوف‪ ،‬فله حكـم الرفـع؛ لنـه ل يقال فـي الفضائل بالرأي‪ ،‬وفيـه احتمال‪ .‬ولكـن هذه‬ ‫الحاديث‪ ،‬وإن لم تصح‪ ،‬فالمحافظة منه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم على الصلة أول الوقت‪ :‬دالة على أفضليته‪ ،‬وغير‬ ‫ذلك من الشواهد التي قدمناها‪.‬‬ ‫وعن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما أنّ رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم قالَ‪" :‬ل صل َة ب ْعدَ الفجر إل سجْد َتيْنِ‪،‬‬ ‫جرِ"‪.‬‬ ‫أخرجه الخمْسَ ُة إل النسائيّ وفي رواية عبد الرزاق‪" :‬ل صلة ب ْعدَ طلوع الفجْر إل ركعتي ال َف ْ‬ ‫(و عن ا بن ع مر ر ضي ال عنه ما‪ :‬ــــ أن ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪ :‬ل صل َة ب عد الفَجْر إل‬ ‫سجدتين) أي ركعتي الفجر‪ ،‬كما يفسره ما بعده (أخرجه الخمسة إل النسائي) وأخرجه أحمد‪ ،‬والدارقطني‪ ،‬قال‬ ‫الترمذي‪ :‬غريب‪ ،‬ل يعرف‪ ،‬إل من حديث قدامة بن موسى‪.‬‬ ‫والحديث‪ :‬دليل على تحريم النافلة بعد طلوع الفجر قبل صلته‪ ،‬إل سنة الفجر‪ .‬وذلك أنه‪ ،‬وإن كان لفظه نفيا‪،‬‬ ‫ف هو في معنى الن هي‪ ،‬وأ صل الن هي التحر يم‪ .‬قال الترمذي‪ :‬أج مع أهل العلم على كرا هة أن يصلي الرجل ب عد‬ ‫الف جر إل ركع تي الف جر‪ .‬قال الم صنف‪ :‬دعوى الترمذي الجماع عج يب‪ .‬فإن الخلف ف يه مشهور‪ ،‬حكاه ا بن‬ ‫المنذر‪ ،‬وغيره‪ ،‬وقال الحسـن البصـري‪ :‬ل بأس بهـا‪ ،‬وكان مالك يرى‪ :‬أن يفعـل مـن فاتتـه الصـلة فـي الليـل‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫والمراد بب عد الف جر‪ :‬ب عد طلو عه ك ما دل له قوله‪( :‬و في روا ية ع بد الرزاق) أي عن ا بن ع مر‪( :‬ل صلة ب عد‬ ‫طلوع الفجْر إل ركعتي ال َفجْر) ‪ ،‬وكما يدل له قوله‪.‬‬ ‫عمْرو بن العاص‪ ،‬رضي ال عنهُ‪.‬‬ ‫ومثلُهُ للدّارقطني عن َ‬ ‫عمْرو بن العاص‪ ،‬رضي ال عنهُ‪.‬‬ ‫ومثلُهُ للدّارقطني عن َ‬ ‫فإنهما فسرا المراد ببعد الفجر‪ ،‬وهذا وقت سادس من الوقات التي نهى عن الصلة فيها‪ ،‬وقد عرفت الخمسة‬ ‫الوقات مما مضى‪ ،‬إل أنه قد عارض النهي عن الصلة بعد العصر الذي هو أحد الستة الوقات‪:‬‬ ‫صرَ‪ .‬ثمّ َدخَلَ بيْتي‪ ،‬فصلّى‬ ‫وعن ُأمّ سََلمَةَ رضي ال تعالى عنها قالتْ‪ :‬صلى رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم ا ْلعَ ْ‬ ‫ظهْرِ ف صَّليْ ُت ُهمَا الن"‪ ،‬فقل تُ‪َ :‬أ َفنَقضيه ما إذا فات تا؟ قال‪" :‬ل"‬ ‫شغِلْ تُ عن ركعت ين بعدَ ال ّ‬ ‫ركْعت ين‪ .‬ف سأَ ْلتُهُ‪ ،‬فقالَ‪ُ " :‬‬ ‫أخرج ُه أحمدُ‪.‬‬ ‫(وعن أم سلمة رضي ال عنها قالت‪ :‬صلى رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين‬ ‫ف سألته) في سؤالها‪ :‬ما يدل على أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لم يصلهما قبل ذلك عند ها‪ ،‬أو أنها قد كا نت علمت‬ ‫بالن هي‪ ،‬فا ستنكرت مخال فة الف عل له (فقال‪ :‬شغلت عن ركعت ين ب عد الظ هر) قد ب ين الشا غل له صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم‪" :‬أنه أتاه ناس من عبد القيس"‪ ،‬وفي رواية عن ابن عباس عند الترمذي‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أتاه ما‬ ‫شغله عن الركعت ين ب عد الظ هر" (ف صَّليْتُهما الن) أي‪ :‬قضاء عن ذلك‪ ،‬و قد فه مت أم سلمة أنه ما قضاء‪ ،‬فلذا‬ ‫قالت‪( :‬قلت‪ :‬أفنقضيه ما إذا فات تا؟) أي ك ما قضيته ما في هذا الو قت (قال‪ :‬ل) أي ل تقضوه ما في هذا الو قت‪،‬‬ ‫بقرينة السياق‪ ،‬وإن كان النفي غير مقيد (أخرجه أحمد) إل أنه سكت عليه المصنف هنا‪ .‬وقال بعد سياقه له في‬ ‫فتح الباري‪ :‬إنها رواية ضعيفة ل تقوم بها حجة‪ ،‬ولم يبين هنالك وجه ضعفها‪ ،‬وما كان يحسن منه أن يسكت‬ ‫هنا عما قيل فيه‪.‬‬ ‫والحديث‪ :‬دليل على ما سلف من أن القضاء في ذلك الوقت كان من خصائصه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ .‬وقد دل‬ ‫على هذا حديث عائشة‪" :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬كان يصلي بعد العصر‪ ،‬وينهى عنها‪ ،‬ويواصل‪ ،‬وينهى عن‬ ‫الوصال" أخرجه أبو داود‪ ،‬ولكن قال البيهقي‪ :‬الذي اختص به صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪ :‬المداومة على الركعتين بعد‬ ‫العصـر‪ ،‬ل أصـل القضاء اهــ‪ .‬ول يخفـى أن حديـث أم سـلمة المذكور‪ :‬يرد هذا القول‪ ،‬ويدل على أن القضاء‬ ‫خاص به أيضا‪ ،‬وهذا الذي أخرجه أبو داود‪ ،‬هو الذي أشار إليه المصنف بقوله‪:‬‬ ‫عنْها بمعناهُ‪.‬‬ ‫ولبي داود عنْ عائشةَ رضي ال تعالى َ‬ ‫و (لبي داود عنْ عائشةَ رضي ال عنهاا بمعناه)‪.‬‬ ‫تقدم الكلم فيه‪.‬‬ ‫باب الذان‬ ‫ل ْكبَرِ أَنّ اللّ هَ َبرِيءٌ مّ نَ‬ ‫الذان ل غة‪ :‬العلم‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬وََأذَا نٌ مّ نَ اللّ هِ َورَ سُولِ ِه إِلَى النّا سِ يَوْ َم ا ْلحَجّ ا َ‬ ‫ن كَ َفرُواْ ِب َعذَا بٍ‬ ‫جزِي اللّ هِ َو َبشّ ِر اّلذِي َ‬ ‫غ ْيرُ ُم ْع ِ‬ ‫خ ْيرٌ ّلكُ مْ وَإِن َتوَّل ْيتُ مْ فَاعَْلمُو ْا َأ ّنكُ مْ َ‬ ‫ش ِركِي نَ َورَ سُوُلهُ َفإِن ُت ْبتُ مْ َفهُوَ َ‬ ‫ا ْل ُم ْ‬ ‫أَلِي مٍ}‪ .‬وشرعا‪ :‬العلم بو قت ال صلة‪ :‬بألفاظ مخ صوصة‪ ،‬وكان فر ضه بالمدي نة في ال سنة الولى من الهجرة‪،‬‬ ‫ووردت أحاديث تدل على أنه شرع بمكة‪ .‬والصحيح الول‪.‬‬ ‫عن عبد ال بن زيد بن عبد ربّه قال‪ :‬طافَ بي ــــ وأنا نائمٌ ــــ رجلٌ فقالَ‪ :‬تقولُ‪ :‬ال أكبر ال أكبر‪،‬‬ ‫فذ كر الذان ــــ بترب يع الت كبير بغ ير ترج يع‪ ،‬والقا مة فُرَادَى‪ ،‬إل قد قا مت ال صّل ُة ــــ قال‪ :‬فلَمّا‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ ،‬فقالَ‪" :‬إنّها َلرُؤيا حقَ ــــ الحديثَ" أخرج ُه أحمد وأبو داود‪.‬‬ ‫ت رسو َ‬ ‫ص َبحْتُ أتي ُ‬ ‫أ ْ‬ ‫ن خُزيمْةَ‪.‬‬ ‫وصحّح ُه ال ّترْمذي واب ُ‬ ‫(عن عبد ال بن زيد) هو أبو محمد عبد ال بن زيد (بن عبد ربه) النصاري الخزرجي‪ .‬شهد عبد ال العقبة‪،‬‬ ‫وبدرا‪ ،‬والمشاهد بعدها‪ ،‬مات بالمدينة سنة اثنتين وثلثين‪( .‬قال‪ :‬طاف بي وأنا نائم رجل)‪.‬‬ ‫وللحد يث سبب‪ ،‬هو ما في الروايات‪ :‬أ نه "لما ك ثر الناس‪ ،‬ذكروا‪ :‬أن يعلموا وقت ال صلة بش يء يجمع هم ل ها‪،‬‬ ‫فقالوا‪ :‬لو اتخذنا ناقوسا؟ فقال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬ذلك للنصارى‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو اتخذنا بوقا؟ قال‪ :‬ذلك‬ ‫لليهود‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو رفعنـا نارا؟ قال‪ :‬ذلك للمجوس‪ ،‬فافترقوا‪ ،‬فرأى عبـد ال بـن زيـد‪ ،‬فجاء إلى النـبي ص َـلّى ال‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم‪ ،‬فقال‪ :‬طاف بي" الحد يث؛ و في سنن أ بي داود‪" :‬فطاف بي وأ نا نائم ر جل يح مل ناقو سا في يده‪،‬‬ ‫فقلت‪ :‬يا ع بد ال‪ ،‬أ تبيع الناقوس؟ قال‪ :‬و ما ت صنع به؟ قلت‪ :‬ند عو به إلى ال صلة‪ .‬قال‪ :‬أفل أدلك على ما هو‬ ‫خ ير من ذلك؟ قلت‪ :‬بلى" (فقال‪ :‬تقول‪ :‬ال أ كبر ال أ كبر‪ ،‬فذ كر الذان) أي إلى اخره (بترب يع الت كبير) تكريره‬ ‫أربعا‪ ،‬ويأ تي ما عاضده‪ ،‬و ما عار ضه (بغ ير ترج يع) أي في الشهادت ين‪ .‬قال في شرح م سلم‪ :‬هو العود إلى‬ ‫‪10‬‬

‫الشهادتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت‪ ،‬ويأتي قريبا (والقامة فرادى) ل تكرير في شيء‬ ‫من ألفاظ ها (إل قد قا مت الصلة) فإنها تكرر (قال‪ :‬فل ما أ صبحت أت يت ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم فقال‪:‬‬ ‫إنها لرؤيا حق‪ .‬الحديث‪ .‬أخرجه أحمد‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬وصححه الترمذي‪ ،‬وابن خزيمة)‪.‬‬ ‫الحديث دليل على مشروعية الذان للصلة‪ ،‬دعاء للغائبين ليحضروا إليها‪ ،‬ولذا اهتم صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم في‬ ‫الن ظر في أ مر يجمع هم لل صلة‪ ،‬و هو إعلم بدخول وقت ها أيضا‪ ،‬واختلف العلماء في وجو به‪ ،‬ول شك أ نه من‬ ‫شعار أ هل ال سلم‪ ،‬و من محا سن ما شر عه ال‪ .‬وأ ما وجو به‪ ،‬فالدلة ف يه محتملة‪ ،‬وتأ تي‪ .‬وكم ية ألفا ظه قد‬ ‫اختلف فيها‪.‬‬ ‫وهذا الحديـث دل على أ نه ي كبر في أوله أر بع مرات‪ ،‬و قد اختل فت الروا ية‪ ،‬فوردت بالتثنيـة فـي حديـث أبـي‬ ‫محذورة في بعض رواياته‪ ،‬وفي بعضها بالتربيع أيضا‪ .‬فذهب الكثر‪ :‬إن العمل بالتربيع؛ لشهرة روايته؛ ولنها‬ ‫زيادة عدل‪ ،‬ف هي مقبولة‪ ،‬ودل الحد يث على عدم مشروع ية الترج يع‪ ،‬و قد اختلف في ذلك‪ ،‬ف من قال‪ :‬إ نه غ ير‬ ‫مشروع عمل بهذه الرواية؛ ومن قال‪ :‬إنه مشروع‪ :‬عمل بحديث أبي محذورة وسيأتي‪.‬‬ ‫ودل على أن القامة تفرد ألفاظها‪ ،‬إل لفظ القامة فإنه يكررها‪ .‬وظاهر الحديث أنه يفرد التكبير في أولها‪ ،‬ولكن‬ ‫الجمهور على أن الت كبير في أول ها يكرر مرت ين‪ ،‬قالوا‪ :‬ولك نه بالن ظر إلى تكريره في الذان أربعا‪ ،‬كأ نه غ ير‬ ‫مكرر في ها‪ ،‬وكذلك يكرر في اخر ها‪ ،‬ويكرر ل فظ القا مة‪ ،‬وتفرد بق ية اللفاظ‪ .‬و قد أخرج البخاري حد يث‪ :‬أ مر‬ ‫بلل‪" :‬أن يش فع الذان ويو تر القا مة إل القا مة" و سيأتي؛ و قد ا ستدل به من قال‪ :‬الذان في كل كلما ته مث نى‬ ‫مثنى‪ ،‬والقامة ألفاظها مفردة‪ ،‬إل قد قامت الصلة‪ ،‬وقد أجاب أهل التربيع‪ :‬بأن هذه الرواية صحيحة دالة على‬ ‫ما ذكر‪ ،‬لكن رواية التربيع قد صحت بل مرية‪ ،‬وهي زيادة من عدل مقبولة‪ ،‬فالقائل بتربيع التكبير أول الذان‬ ‫قد ع مل بالحديث ين‪ ،‬ويأ تي أن روا ية‪" :‬يش فع الذان" ل تدل على عدم الترب يع للت كبير‪ .‬هذا‪ ،‬ول يخ فى أن ل فظ‪:‬‬ ‫كلمة التوحيد في اخر الذان‪ ،‬والقامة مفردة بالتفاق‪ ،‬فهو خارج عن الحكم بالمر بشفع الذان‪.‬‬ ‫قال العلماء‪ :‬والحكمة في تكرير الذان وإفراد ألفاظ القامة هي‪ :‬أن الذان لعلم الغائبين‪ ،‬فاحتيج إلى التكرير‪،‬‬ ‫ولذا يشرع فيه رفع الصوت‪ ،‬وأن يكون على محل مرتفع‪ ،‬بخلف القامة‪ ،‬فإنها لعلم الحاضرين‪ ،‬فل حاجة‬ ‫إلى تكرير ألفاظها؛ ولذا شرع فيها خفض الصوت والحدر‪ ،‬وإنما كررت جملة "قد قامت الصلة" لنها مقصود‬ ‫القامة‪.‬‬ ‫ل بلل في أَذان ال َفجْر‪ :‬الصّل ُة خيرٌ من النوم‪.‬‬ ‫وزا َد أحمد في اخره قِصّة قو ِ‬ ‫(وزاد أح مد في اخره) ظاهره في حد يث ع بد ال بن ز يد‪( :‬ق صة قول بلل في أذان الف جر‪ :‬ال صّلة خيرٌ من‬ ‫النوم) روى الترمذي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وأحمد من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى‪ :‬عن بلل قال‪ :‬قال لي رسول ال‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ل تثوبنّ في ش يء من ال صلة‪ ،‬إل في صلة الف جر"‪ .‬إل أن ف يه ضعيفا‪ ،‬وف يه انقطاع‬ ‫أيضا‪ .‬وكان على الم صنف أن يذ كر ذلك على عاد ته‪ ،‬ويقال‪ :‬التثو يب‪ :‬مرت ين ك ما في سنن أ بي داود‪ ،‬ول يس‬ ‫"الصلة خير من النوم" في حديث عبد ال بن زيد‪ ،‬كما ربما توهمه عبارة المصنف حيث قال في اخره‪ ،‬وإنما‬ ‫يريد أن أحمد ساق رواية عبد ال بن زيد‪ ،‬ثم وصل بها رواية بلل‪.‬‬ ‫ن في ال َفجْر‪ :‬حيّ على الفل حِ‪ ،‬قالَ‪ :‬ال صّلةُ‬ ‫سنّة إذا قالَ المؤذّ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن أَنس رضي ال ع ْن ُه قال‪ :‬م َ‬ ‫ولبن خُزيم َة ع ْ‬ ‫خيرٌ من النّوْم‪.‬‬ ‫(ولبن خزيمة عن أنس رضي ال عنه قالَ‪ :‬من السنة) أي طريقة النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم (إذا قال المؤذن‬ ‫في الف جر‪ :‬حيّ على الفلح) الفلح‪ :‬هو الفوز والبقاء‪ .‬أي هلموا إلى سبب ذلك (قال‪ :‬ال صّلة خيرٌ من النوْم)‬ ‫وصححه ابن السكن‪ ،‬وفي رواية النسائي‪" :‬الصلة خير من النوم‪ ،‬الصلة خير من النوم في الذان الول من‬ ‫الصبح" وفي هذا تقييد لما أطلقته الروايات‪ .‬قال ابن رسلن‪ :‬وصحح هذه الرواية ابن خزيمة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فشرعية التثويب إنما هي في الذان الول للفجر؛ لنه ليقاظ النائم؛ وأما الذان الثاني فإنه إعلم بدخول‬ ‫الوقت‪ ،‬ودعاء إلى الصلة‪ .‬ولفظ النسائي في سننه الكبرى‪ :‬من جهة سفيان عن أبي جعفر عن أبي سليمان عن‬ ‫أ بي محذورة‪ .‬قال‪" :‬ك نت أؤذن لر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬فك نت أقول في أذان الف جر الول‪ :‬حيّ على‬ ‫الصلة‪ ،‬حيّ على الفلح‪ ،‬الصلة خير من النوم‪ ،‬الصلة خير من النوم" قال ابن حزم‪ :‬وإسناده صحيح اهـ من‬ ‫تخريج الزركشي لحاديث الرافعي‪.‬‬ ‫ومثل ذلك في سنن البيهقي الكبرى‪ :‬من حديث أبي محذورة‪" :‬أنه كان يثوب في الذان الول من الصبح‪ ،‬بأمره‬ ‫ص َـلّى ال عََليْه ِـ وَس َـلّم"‪ .‬قلت‪ :‬وعلى هذا‪ ،‬ليـس "الصـلة خيـر مـن النوم" مـن ألفاظ الذان المشروع للدعاء إلى‬ ‫‪11‬‬

‫الصلة‪ ،‬والخبار بدخول وقتها‪ ،‬بل هو من اللفاظ التي شرعت ليقاظ النائم‪ ،‬فهو كألفاظ التسبيح الخير الذي‬ ‫اعتاده الناس في هذه العصار المتأخرة‪ :‬عوضا‪ :‬عن الذان الول‪.‬‬ ‫وإذا عرفت هذا‪ :‬هان عليك ما اعتاده الفقهاء من الجدال في التثويب‪ :‬هل هو من ألفاظ الذان‪ ،‬أو ل؟ وهل هو‬ ‫بدعة‪ ،‬أو ل؟ ثم المراد من معناه‪ :‬اليقظة للصلة خير من النوم‪ .‬أي من الراحة التي يعتاضونها في الجل خير‬ ‫من النوم‪ .‬ولنا كلم في هذه الكلمة أودعناه رسالة لطيفة‪.‬‬ ‫وعن أبي محذورة رضي ال عنه أنّ النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم علّمه الذان‪ ،‬فذَكَر في هِ التّرجيع‪ .‬أخرج ُه مسلمٌ‪.‬‬ ‫ولكن ذكرَ التّكبير في أوّله مرّتين فَ َقطْ‪ .‬وروَاهُ الخمْس ُة فذكرو ُه مُربعا‪.‬‬ ‫(و عن أ بي محذورة) تقدم ضب طه وبيان حاله (أن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عَّل َم ُه الذَا نَ) أي ألقاه صَلّى ال‬ ‫عََليْهِ َوسَلّم بنفسه‪ ،‬في قصة حاصلها‪:‬‬ ‫"أنـه خرج أبـو محذورة بعـد الفتـح إلى حنيـن‪ ،‬هـو وتسـعة مـن أهـل مكـة‪ ،‬فلمـا سـمعوا الذان‪ ،‬أذنوا اسـتهزاء‬ ‫بالمؤمنين‪ ،‬فقال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم‪" :‬قد سمعت في هؤلء تأذين إنسان حسن الصوت‪ ،‬فأرسل إلينا فأذنّا رجلً‬ ‫رجلً‪ ،‬وكنت اخرهم؛ فقال حين أذنت‪ :‬تعال‪ ،‬فأجلسني بين يديه‪ ،‬فمسح على ناصيتي‪ ،‬وبرّك عل يّ ثلث مرات‪.‬‬ ‫ثم قال‪ :‬اذ هب فأذّن ع ند الم سجد الحرام‪ ،‬فقلت‪ :‬يا ر سول ال‪ ،‬فعلم ني‪ .‬الحد يث (فذ كر ف يه التّرج يع) أي في‬ ‫الشهادتين‪ ،‬ولفظه عند أبي داود‪" :‬ثم تقول أشهد أن ل إله إل ال أشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬أشهد أن محمدا رسول‬ ‫ال أشهد أن محمدا رسول ال‪ ،‬تخفض بها صوتك" قيل‪ :‬المراد أن يسمع من بقربه‪ .‬قيل‪ :‬والحكمة في ذلك‪ :‬أن‬ ‫ل بتدب ير وإخلص‪ ،‬ول يتأ تى كمال ذلك إل مع خ فض ال صوت‪ .‬قال‪ " :‬ثم تر فع صوتك بالشهادة‪:‬‬ ‫يأ تي به ما أو ً‬ ‫أشهد أن ل إله إل ال أشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬أشهد أن محمدا رسول ال‪ ،‬أشهد أن محمدا رسول ال"‪.‬‬ ‫فهذا هو الترج يع‪ ،‬الذي ذ هب جمهور العلماء‪ :‬إلى أ نه مشروع؛ لهذا الحد يث ال صحيح؛ و هو زيادة على حد يث‬ ‫عبد ال بن زيد‪ ،‬وزيادة العدل مقبولة‪.‬‬ ‫ل من هم بحد يث ع بد ال بن ز يد الذي تقدم (أخر جه‬ ‫وإلى عدم القول به ذ هب الهادي وأ بو حني فة‪ ،‬واخرون؛ عم ً‬ ‫مسلم‪ ،‬ولكن ذكر التكبير في أوله مرتين فقط) ل كما ذكره عبد ال بن زيد انفا‪ .‬وبهذه الرواية عملت الهادوية‪،‬‬ ‫ومالك‪ ،‬وغير هم (ورواه) أي حد يث أ بي محذورة هذا (الخم سة) هم أ هل ال سنن الرب عة‪ ،‬وأح مد (فذكروه) أي‬ ‫التكبير في أول الذان (مربعا) كروايات حديث عبد ال بن زيد‪.‬‬ ‫قال ا بن ع بد البر في ال ستذكار‪ :‬الت كبير أر بع مرات في أول الذان محفوظ من روا ية الثقات‪ :‬من حد يث أ بي‬ ‫محذورة‪ ،‬ومن حديث عبد ال بن زيد‪ ،‬وهي زيادة يجب قبولها‪ .‬واعلم أن ابن تيمية في المنتقى نسب التربيع في‬ ‫حد يث أ بي محذورة إلى روا ية م سلم‪ ،‬والم صنف لم ين سبه إل يه‪ ،‬بل ن سبه إلى روا ية الخم سة‪ ،‬فراج عت صحيح‬ ‫مسلم وشر حه فقال النووي‪ :‬إن أكثر أ صوله في ها التكبير مرت ين في أوله‪ .‬وقال القا ضي عياض‪ :‬إن في ب عض‬ ‫طرق الفارسي لصحيح مسلم‪ :‬ذكر التكبيع أربع مرات في أوله‪ ،‬وبه تعرف أن المصنف اعتبر أكثر الروايات‪،‬‬ ‫وابن تيمية اعتمد بعض طرقه‪ ،‬فل يتوهم المنافاة بين كلم المصنف‪ ،‬وابن تيمية‪.‬‬ ‫ن أنس رضي ال عنه قال‪ُ :‬أ ِمرَ بللٌ‪ :‬أن يشْ فع الذان شَفْعا‪ ،‬ويوترَ القامةَ‪ ،‬إل القامةَ‪َ ،‬يعْ ني‪ :‬إل قدْ قام تِ‬ ‫وع ْ‬ ‫الصّلة‪ .‬متّفقٌ عليه‪ ،‬ولم يذكر مُسلمٌ الستثناء‪.‬‬ ‫(وعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬أُمر) بضم الهمزة مبني لما لم يسم‪ :‬بنى كذلك للعلم بالفاعل؛ فإنه ل يأمر في‬ ‫ن يشْ فع)‬ ‫ال صول الشرع ية إل ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم؛ ويدل له الحد يث ال تي قريبا (بللٌ) نائب الفا عل (أ ْ‬ ‫بفتـح أوله (الذان) يأتـي بكلماتـه شفعا (أي مثنـى مثنـى أو أربعا أربعا) ‪ ،‬فالكـل يصـدق عليـه أنـه شفـع‪ ،‬وهذا‬ ‫إجمال‪ ،‬بينه حديث عبد ال بن زيد‪ ،‬وأبي محذورة‪ ،‬فشفع التكبير‪ :‬أن يأتي به أربعا أربعا؛ وشفع غيره‪ :‬أن يأتي‬ ‫به مرت ين مرت ين‪ ،‬وهذا بالنظر إلى الكثر‪ ،‬وإل‪ ،‬فإن كل مة التهليل في اخره مرة واحدة اتفاقا‪( .‬ويوتر القامة)‬ ‫يفرد ألفاظها (إل القامة) بين المراد بها بقوله‪( :‬يعني‪ :‬قد قامت الصلة) ‪ ،‬فإنه يشرع أن يأتي بها مرتين‪ ،‬ول‬ ‫يوترها (متفق عليه ولم يذكر مسلم الستثناء) ‪ ،‬أعني قوله‪ :‬إل القامة‪.‬‬ ‫فاختلف العلماء في هذا على ثل ثة أقوال‪ :‬الول‪ ،‬للهادو ية‪ ،‬فقالوا‪ :‬تشرع تثن ية ألفاظ القا مة كل ها؛ لحد يث‪" :‬إن‬ ‫بللً كان يثنـي الذان والقامـة" رواه عبـد الرزاق‪ ،‬والدارقطنـي‪ ،‬والطحاوي‪ ،‬إل أنـه قـد ادعـى فيـه الحاكـم‬ ‫النقطاع‪ ،‬وله طرق فيهـا ضعـف‪ ،‬وبالجملة ل تعارض روايـة التربيـع فـي التكـبير روايـة الفراد فـي القامـة؛‬ ‫لصحتها‪ .‬فل يقال‪ :‬إن التثنية في ألفاظ القامة زيادة عدل‪ ،‬فيجب قبولها‪ ،‬لنك قد عرفت أنها لم تصح‪ ،‬والثاني‪:‬‬ ‫لمالك‪ ،‬فقال‪ :‬تفرد ألفاظ القامـة حتـى‪ :‬قـد قامـت الصـلة‪ .‬والثالث‪ :‬للجمهور‪ :‬أنهـا تفرد ألفاظهـا‪ ،‬إل قـد قامـت‬ ‫الصلة‪ ،‬فتكرر؛ عملً بالحاديث الثابتة بذلك‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫وللنسائي‪ :‬أ َمرَ النبيّ صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم بللً‪.‬‬ ‫(وللنسائي) أي عن أنس‪( :‬أمر) بالبناء للفاعل‪ ،‬وهو (النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بللً) ‪ ،‬وإنما أتى به المصنف‬ ‫ليفيـد‪ :‬أن الحديـث الول‪ :‬متفـق عليـه‪ ،‬مرفوع‪ ،‬وإن ورد بصـيغة البناء للمجهول‪ .‬قال الخطابـي‪ :‬إسـناد تثنيـة‬ ‫الذان‪ ،‬وإفراد القامـة أصـحها‪ .‬أي الروايات‪ ،‬وعليـه أكثـر علماء المصـار‪ ،‬وجرى العمـل بـه فـي الحرميـن‪،‬‬ ‫والحجاز‪ ،‬والشام‪ ،‬واليمن‪ ،‬وديار مصر‪ ،‬ونواحي الغرب‪ ،‬إلى أقصى حجر من بلد السلم‪ ،‬ثم عد من قاله من‬ ‫الئمة‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وكأنه أراد باليمن من كان فيها شافعي المذهب‪ .‬وإل‪ ،‬فقد عرفت مذهب الهادوية وهم سكان غالب اليمن‪.‬‬ ‫و ما أح سن ما قاله ب عض المتأخر ين ــــ و قد ذ كر الخلف في ألفاظ الذان‪ .‬هل هو مث نى‪ ،‬أو أر بع؟ أي‬ ‫التكبير في أوله ــــ وهل فيه ترجيع الشهادتين‪ ،‬أو ل؟ والخلف في القامة ــــ ما لفظه‪:‬‬ ‫هذه المسألة من غرائب الواقعات‪ ،‬يقلّ نظيرها في الشريعة‪ ،‬بل وفي العادات‪ ،‬وذلك أن هذه اللفاظ في الذان‪،‬‬ ‫والقامة‪ :‬قليلة محصورة معينة‪ ،‬يصاح بها في كل يوم دليلة خمس مرات‪ ،‬في أعلى مكان‪ ،‬وقد أمر كل سامع‬ ‫أن يقول كما يقول المؤذن‪ ،‬وهم خير القرون في غرة السلم‪ ،‬شديدو المحافظة على الفضائل‪ ،‬مع هذا كله‪ ،‬لم‬ ‫يذكر خوض الصحابة‪ ،‬ول التابعين‪ ،‬واختلفهم فيها؛ ثم جاء الخلف الشديد في المتأخرين‪ ،‬ثم كل من المتفرقين‬ ‫أدلى بش يء صالح في الجملة‪ ،‬وإن تفاوت‪ ،‬ول يس ب ين الروايات تناف؛ لعدم الما نع من أن يكون كل سنة‪ ،‬ك ما‬ ‫نقوله‪ ،‬وقد قيل‪ :‬في أمثاله‪ ،‬كألفاظ التشهد‪ ،‬وصورة صلة الخوف‪.‬‬ ‫صبِعاهُ في أُذنيْه‪ .‬روا ُه أحمدُ‬ ‫ت بللً يؤذن وَأ َت َتبّ عُ فَاه ههنا و َههُنا‪ ،‬وإ ْ‬ ‫وعن أبي جُحيفة رضي ال عن ُه قال‪ :‬رأيْ ُ‬ ‫والترمذي وصححهُ‪.‬‬ ‫ولبن ماجَهْ‪ :‬وجعَلَ إص َب َعيْهِ في ُأذُنيه‪.‬‬ ‫عنُقَهُ‪ ،‬لما بلغ حيّ على الصلة‪ ،‬يمينا وشمالً ولم يستدرْ‪ .‬وأصْلُه في الصّحيحين‪.‬‬ ‫ولبي داود‪ :‬لَوى ُ‬ ‫(وعن أبي جحي فة) ب ضم الجيم وفتح الحاء المهملة فمثناة تحت ية ساكنة ففاء‪ ،‬هو وهب بن عبد ال‪ ،‬وق يل‪ :‬ا بن‬ ‫م سلم‪ :‬ال سوائي ب ضم ال سين المهملة وتخف يف الواو وهمزة ب عد اللف‪ :‬العامري‪ .‬نزل الكو فة وكان من صغار‬ ‫ي على ب يت المال‪،‬‬ ‫ال صحابة‪ ،‬تو في ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ولم يبلغ الحلم‪ ،‬ولك نه سمع م نه‪ .‬جعله عل ّ‬ ‫وشهد معه المشاهد كلها؛ توفي بالكوفة سنة أربع وسبعين‪.‬‬ ‫(قال‪ :‬رأ يت بللً يُؤذّن‪ ،‬وأتت بع فاه) أي أن ظر إلى ف يه متتبعا (هه نا) أي يم نة (وهه نا) أي ي سرة (وأُ صبعاه) أي‬ ‫إبهاماه‪ ،‬ولم يرد تعي ين ال صبعين‪ ،‬وقال النووي‪ :‬ه ما الم سبحتان ( في أذن يه‪ .‬رواه أح مد‪ ،‬والترمذي‪ ،‬و صححه‪،‬‬ ‫ولبن ماجه) أي من حديث أبي جحيفة أيضا‪( :‬وجعل أصبعيه في أذنيه‪ .‬ولبي داود) من حديثه أيضا‪( :‬لوى‬ ‫عنُ قه ل ما بلغ حيّ على ال صلة يمينا وشمالً) هو بيان لقوله‪ :‬هه نا وهه نا (ولم ي ستدر) بجملة بد نه (وأ صله في‬ ‫ُ‬ ‫الصحيحين)‪.‬‬ ‫الحديث دل على اداب للمؤذن و هي‪ :‬اللتفات إلى ج هة اليم ين‪ ،‬وإلى ج هة الشمال‪ ،‬وقد ب ين م حل ذلك ل فظ أ بي‬ ‫داود ح يث قال‪" :‬لوى عن قه ل ما بلغ حي على ال صلة"‪ :‬وأ صرح م نه حديث م سلم بل فظ‪( :‬فجعلت أتتبع فاه ههنا‬ ‫وهه نا يمينا وشمالً‪ ،‬يقول‪ :‬حي على ال صلة‪ ،‬حي على الفلح) ‪ ،‬فف يه بيان أن اللتفات ع ند الحيعلت ين‪ .‬وبوّب‬ ‫عل يه ا بن خزي مة بقوله‪" :‬انحراف المؤذن ع ند قوله حيّ على ال صلة حيّ على الفلح بف مه‪ ،‬ل ببد نه كله" قال‪:‬‬ ‫وإن ما يم كن النحراف بال فم بانحراف الو جه‪ ،‬ثم ساق من طر يق وك يع‪" :‬فج عل يقول في أذا نه‪ :‬هكذا‪ ،‬وحرف‬ ‫رأسه يمينا وشمالً" وأما رواية‪" :‬إن بللً استدار في أذانه"‪ ،‬فليست بصحيحة‪ ،‬وكذلك رواية‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْيهِ‬ ‫وَ سَلّم أمره أن يج عل أ صبعيه في أذن يه" روا ية ضعي فة‪ .‬و عن أح مد بن حن بل‪ :‬ل يدور إل إذا كان على منارة‬ ‫قصدا لسماع أهل الجهتين‪.‬‬ ‫وذكر العلماء‪ :‬أن فائدة التفاته أمران‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه أرفع لصوته‪ .‬وثانيهما‪ :‬أنه علمة للمؤذن؛ ليعرف من يراه‬ ‫على بعد‪ ،‬أو من كان به صمم أنه يؤذن‪ ،‬وهذا في الذان‪ .‬وأما القامة فقال الترمذي‪ :‬إنه استحسنه الوزاعي‪.‬‬ ‫خزْيمة‪.‬‬ ‫ن النّبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم أعجب ُه صَ ْوتُهُ‪َ ،‬فعَلّمهُ الذان‪ .‬رواه ابنُ ُ‬ ‫وعن أبي َمحْذورة رضي ال عنه أ ّ‬ ‫خزْيمة‪.‬‬ ‫ن النّبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم أعجب ُه صَ ْوتُهُ‪َ ،‬فعَلّمهُ الذان‪ ،‬رواه ابنُ ُ‬ ‫وعن أبي َمحْذورة رضي ال عنه أ ّ‬ ‫وصححه‪ ،‬وقد قدمنا القصة‪ ،‬واستحسانه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم لصوته‪ ،‬وأمره له بالذان بمكة‪.‬‬ ‫وفيه دللة على أنه يستحب أن يكون صوت المؤذن حسنا‪.‬‬ ‫غ ْيرَ مرّة‪ ،‬ول مرّتين‪ ،‬بغير أذان‪ ،‬ول‬ ‫سمُرةَ قَالَ‪ :‬صَّليْت مع النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم العيدي نِ‪َ ،‬‬ ‫وعن جابر بن َ‬ ‫إقامة‪ .‬رَوَا ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫(و عن جابر بن سمرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬صليت مع ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم العيدَيْن غ ير مرّة ول‬ ‫مرّتين) أي‪ :‬بل مرات كثيرة (بغير أذان‪ ،‬ول إقامة) أي حال كون الصلة غير مصحوبة بأذان‪ ،‬ول إقامة (رواه‬ ‫مسلم)‪.‬‬ ‫ف يه دل يل‪ :‬على أ نه ل يشرع ل صلة العيد ين أذان‪ ،‬ول إقا مة‪ ،‬و هو كالجماع‪ .‬و قد روى خلف هذا عن ا بن‬ ‫الزبير‪ ،‬ومعاوية‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز‪ ،‬قياسا منهم للعيدين على الجمعة‪ ،‬وهو قياس غير صحيح‪ ،‬بل فعل ذلك‬ ‫بدعة‪ ،‬إذ لم يؤثر عن الشارع‪ ،‬ول عن خلفائه الراشدين‪ ،‬ويزيده تأكيدا قوله‪:‬‬ ‫ونحوه في المتفق عليه عن ابن عباس رضي ال عنهما وغيره‪.‬‬ ‫(ونحوه) أي نحو حديث جابر بن سمرة (في المتفق عليه) أي الذي اتفق على إخراجه الشيخان (عن ابن عباس‬ ‫رضي ال عنهما‪ ،‬وغيره) من الصحابة‪.‬‬ ‫وأ ما القول بأ نه يقال في الع يد عوضا عن الذان‪" :‬ال صلة جام عة" فلم ترد به سنة في صلة العيد ين‪ .‬قال في‬ ‫الهدي النبوي‪ :‬وكان صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلة‪ :‬أي صلة العيد من غير أذان‪،‬‬ ‫ول إقامـة‪ ،‬ول قول‪ :‬الصـلة جامعـة‪ ،‬والسـنة‪ :‬أن ل يفعـل شيـء مـن ذلك‪ ،‬وبـه يعرف أن قوله فـي الشرح‪:‬‬ ‫ويستحب في الدعاء إلى الصلة في العيدين‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬مما ل يشرع فيه أذان‪ ،‬كالجنازة‪ :‬الصلة جامعة‪ :‬غير‬ ‫صحيح؛ إذ ل دل يل على ال ستحباب‪ ،‬ولو كان م ستحبا ل ما تر كه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬والخلفاء الراشدون من‬ ‫بعده‪ ،‬نعم‪ ،‬ثبت ذلك في صلة الكسوف ل غير‪ ،‬ول يصح فيه القياس؛ لن ما وجد سببه في عصره‪ ،‬ولم يفعله‪،‬‬ ‫ففعله بعد عصره بدعة‪ ،‬فل يصح إثباته بقياس‪ ،‬ول غيره‪.‬‬ ‫و عن أ بي قتادة ر ضي ال عن هُ ــــ في الحد يث الطو يل‪ ،‬في نوْم هم عن ال صّلة ــــ ثمّ َأذّن بللٌ‪،‬‬ ‫فصلى النّبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪ ،‬كما كان يصْنعُ كل يوم‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫(وعن أبي قتادة‪ :‬في الحديث الطويل في نومهم عن الصلة) أي عن صلة الفجر‪ ،‬وكان عند قفولهم من غزوة‬ ‫خيبر‪ .‬قال ابن عبد البر‪ :‬هو الصحيح‪( :‬ثم أذّن بللٌ) أي‪ :‬بأمره صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬كما في سنن أبي داود‪:‬‬ ‫" ثم أ مر بللً أن ينادي بال صلة فنادى ب ها"‪( ،‬ف صلى ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ك ما كان ي صنَع كُلّ يوْم‪.‬‬ ‫رواه مسلم)‪.‬‬ ‫ف يه دللة على شرع ية التأذ ين لل صلة الفائ تة بنوم‪ ،‬ويل حق به المن سية؛ ل نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم جمعه ما في‬ ‫الحكم؛ حيث قال‪" :‬من نام عن صلته‪ ،‬أو نسيها" الحديث‪ .‬وقد روى مسلم من حديث أبي هريرة‪ :‬أنه صَلّى ال‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم "أمر بللً بالقامة‪ ،‬ولم يذكر الذان‪ ،‬وبأنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لما فاتته الصلة يوم الخندق‪ ،‬أمر‬ ‫لها بالقا مة‪ ،‬ولم يذ كر الذان" ك ما في حد يث أبي سعيد عند الشافعي‪ ،‬وهذه ل تعارض روا ية أبي قتادة؛ ل نه‬ ‫مث بت‪ ،‬و خبر أ بي هريرة‪ ،‬وأ بي سعيد ل يس فيه ما ذ كر الذان بن في‪ ،‬ول إثبات‪ ،‬فل معار ضة؛ إذ عدم الذ كر ل‬ ‫يعارض الذكر‪.‬‬ ‫ول ُه عن جابر ر ضي ال ع نه أنّ ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أ تى المُزدلفةَ ف صلى ب ها المغرب والعشاءَ‪ ،‬بأذان‬ ‫واحدٍ وإقامتين‪.‬‬ ‫(وله) أي لمسلم ( عن جابر‪ :‬أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أتى الم ْزدَل فة) أي منصرفا من عرفات (فصلى بها‬ ‫المغرب والعشاء) ج مع بينه ما (بأذان وا حد وإقامت ين)‪ .‬و قد روى البخاري من حد يث ا بن م سعود‪" :‬أ نه صلى"‬ ‫أي‪ :‬بالمزدلفـة "المغرب بأذان‪ ،‬وإقامـة‪ ،‬والعشاء بأذان‪ ،‬وإقامـة‪ ،‬وقال‪ :‬رأيـت رسـول ال صَـلّى ال عََليْهِـ وَسَـلّم‬ ‫يفعله"‪ ،‬ويعارضهما معا قوله‪:‬‬ ‫ول ُه عن ابن عمرَ رضي ال عنهُما‪ :‬جم عَ النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم بيْ نَ المغر بِ والعشاء بإقامة واحدةٍ‪ .‬وزاد‬ ‫أبو داود‪ :‬لكل صلةٍ‪ ،‬وفي رواية لهُ‪ :‬ولم يُناد في واحدة منهُما‪.‬‬ ‫(وله) أي لمسلم (عن ابن عمر رضي ال عنهما‪ ،‬جمع النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم بين المغرب والعشاء بإقامة‬ ‫واحدة) وظاهره‪ :‬أ نه ل أذان فيه ما‪ ،‬و هو صريح في م سلم‪ :‬أن ذلك بالمزدل فة‪ ،‬فإن ف يه‪ ،‬قال سعيد بن جبير‪:‬‬ ‫جمْعا‪ .‬أي المزدل فة‪ ،‬فإ نه ا سم ل ها و هو بف تح الج يم و سكون الم يم‪ ،‬ف صلى ب ها‬ ‫أفض نا مع ا بن ع مر‪ ،‬ح تى أتي نا َ‬ ‫المغرب والعشاء بإقامـة واحدة‪ ،‬ثـم انصـرف وقال‪" :‬هكذا صـلى بنـا رسـول ال ص َـلّى ال عََليْهِـ وَس َـلّم فـي هذا‬ ‫المكان"‪.‬‬ ‫وقد دل‪ :‬على أنه ل أذان بهما‪ ،‬وأنه ل إقامة إل واحدة للصلتين‪ ،‬وقد دل قوله‪( :‬وزاد أبو داود) أي من حديث‬ ‫ابن عمر (لكل صلة) أي‪ :‬أنه أقام لكل صلة؛ لنه زاد بعد قوله بإقامة واحدة‪ :‬لكل صلة‪ ،‬فدل على أن لكل‬ ‫صلة إقامة‪ ،‬فرواية مسلم تقيد برواية أبي داود هذه‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫(و في روا ية له) أي ل بي داود عن ا بن ع مر‪( :‬ولم يناد في واحدة منه ما) و هو صريح في ن في الذان‪ ،‬و قد‬ ‫تعارضت هذه الروايات‪ ،‬فجابر أثبت أذانا واحدا‪ ،‬وإقامتين‪ ،‬وابن عمر نفى الذان‪ ،‬وأثبت القامتين؛ وحديث ابن‬ ‫مسـعود الذي ذكرناه‪ :‬أثبـت الذانيـن‪ ،‬والقامتيـن‪ .‬فإن قلنـا المثبـت مقدم على النافـي عملنـا بخـبر ابـن مسـعود‪.‬‬ ‫والشارح رحمه ال قال‪ :‬يقدم خبر جابر‪ .‬أي‪ :‬لنه مثبت للذان على خبر ابن عمر؛ لنه ناف له‪ ،‬ولكن نقول‪:‬‬ ‫بل نقدم خبر ابن مسعود؛ لنه أكثر إثباتا‪.‬‬ ‫ن بليْلٍ‪ ،‬فكُلوا‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إنّ بللً يؤذ ُ‬ ‫و عن ابْن عمرَ وعائش َة رضي ال عنه مْ قال‪ :‬قالَ ر سو ُ‬ ‫ن رجلً أعمى ل يُنادي‪ ،‬حتى يقال له‪ :‬أصبحْتَ‪ .‬أَ صْبحتَ‪ ،‬متف قٌ عليه‪،‬‬ ‫واشْرَبوا حتى ينادي اب نُ ُأمّ َمكْتوم" وكا َ‬ ‫وفي آخره إدراجٌ‪.‬‬ ‫ل يؤذن بل يل)‪ .‬قد‬ ‫(وعن ابن عمر‪ ،‬وعائ شة رضي ال عنهم قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬إن بل ً‬ ‫بي نت روا ية البخاري‪ :‬أن المراد به‪ :‬قب يل الف جر‪ ،‬فإن في ها‪" :‬ولم ي كن بينه ما إل أن ير قى ذا‪ ،‬وينزل ذا" وع ند‬ ‫الطحاوي بلفظ‪" :‬إل أن يصعد هذا‪ :‬وينزل هذا" (فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أ َم َم ْكتُوم) واسمه عمرو (وكان)‬ ‫أي‪ :‬ا بن أم مكتوم (رجلً أع مى ل ينادي ح تى يقال له‪ :‬أ صبحت أ صبحت) أي دخلت في ال صباح (مت فق عل يه‪،‬‬ ‫وفي اخره إدراج) أي كلم‪ ،‬ليس من كلمه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬يريد به قوله‪" :‬وكان رجلً أعمى إلى اخره"‪،‬‬ ‫ول فظ البخاري هكذا‪" :‬قال‪ :‬وكان رجلً أع مى" بزيادة ل فظ قال‪ ،‬وب ين الشارح فا عل قال أ نه‪ :‬ا بن ع مر‪ ،‬وق يل‪:‬‬ ‫الزهري‪ ،‬فهو كلم مدرج من كلم أحد الرجلين‪.‬‬ ‫وفـي الحديـث‪ :‬شرعيـة الذان قبـل الفجـر‪ ،‬ل لمـا شرع له الذان‪ ،‬فإن الذان شرع‪ ،‬كمـا سـلف للعلم بدخول‬ ‫الوقت‪ ،‬ولدعاء السامعين لحضور الصلة‪.‬‬ ‫وهذا الذان الذي قبل الفجر‪ ،‬قد أخبر صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم بوجه شرعيته بقوله‪" :‬ليوقظ نائمكم‪ ،‬ويرجع قائمكم"‬ ‫رواه الجماعـة إل الترمذي‪ .‬والقائم‪ :‬هـو الذي يصـلي صـلة الليـل‪ ،‬ورجوعـه عوده إلى نومـه‪ ،‬أو قعوده عـن‬ ‫صلته إذا سمع الذان‪ ،‬فليس للعلم بدخول وقت‪ ،‬ول لحضور الصلة‪ .‬إنما هو كالتسبيحة الخيرة التي تفعل‬ ‫في هذه الع صار‪ ،‬غاي ته أ نه كان بألفاظ الذان‪ ،‬و هو م ثل النداء الذي أحد ثه عثمان في يوم الجم عة ل صلتها‪،‬‬ ‫فإنـه كان يأمـر بالنداء لهـا فـي محـل‪ ،‬يقال له‪ :‬الزوراء؛ ليجتمـع الناس للصـلة‪ ،‬وكان ينادي لهـا بألفاظ الذان‬ ‫المشروع‪ ،‬ثم جعله الناس من بعده تسبيحا بالية‪ ،‬والصلة على النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ .‬فذكر الخلف في‬ ‫المسألة‪ ،‬والستدلل للمانع والمجيز‪ ،‬ل يلتفت إليه من همه العمل بما ثبت‪.‬‬ ‫و في قوله‪" :‬كلوا واشربوا" أي أيهـا‪ :‬المريدون للصـيام "حتـى يؤذن ا بن أم مكتوم"‪ :‬ما يدل على إباحـة ذلك إلى‬ ‫أذانه‪.‬‬ ‫وفـي قوله‪" :‬إنـه كان ل يؤذن" أي ابـن أم مكتوم "حتـى يقال له‪ :‬أصـبحت أصـبحت"‪ :‬مـا يدل على جواز الكـل‬ ‫والشرب ب عد دخول الف جر‪ .‬وقال به جما عة‪ .‬و من م نع من ذلك قال‪ :‬مع نى قوله‪" :‬أ صبحت أ صبحت" قار بت‬ ‫الصباح‪ ،‬وأنهم يقولون له ذلك‪ ،‬عند اخر جزء من أجزاء الليل‪ ،‬وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر‪.‬‬ ‫و في الحد يث دل يل على جواز اتخاذ مؤذن ين‪ ،‬في م سجد وا حد‪ ،‬ويؤذن وا حد ب عد وا حد‪ .‬وأ ما أذان اثن ين معا‪،‬‬ ‫فمنعه قوم‪ ،‬وقالوا‪ :‬أول من أحدثه بنو أمية‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يكره‪ ،‬إل أن يحصل بذلك تشويش‪ .‬قلت‪ :‬في هذا المأخذ‬ ‫نظر؛ لن بللً لم يكن يؤذن للفريضة‪ ،‬كما عرفت‪ ،‬بل المؤذن لها واحد‪ :‬هو ابن أم مكتوم‪.‬‬ ‫واسـتدل بالحديـث على جواز تقليـد المؤذن العمـى‪ ،‬والبصـير‪ ،‬وعلى جواز تقليـد الواحـد‪ ،‬وعلى جواز الكـل‬ ‫والشرب مع ال شك في طلوع الف جر؛ إذ ال صل بقاء الل يل‪ .‬وعلى جواز العتماد على ال صوت في الروا ية إذا‬ ‫عرفه‪ ،‬وإن لم يشاهد الراوي‪ ،‬وعلى جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة‪ ،‬إذا كان القصد التعريف به ونحوه‪،‬‬ ‫وجواز نسبته إلى أمه إذا اشتهر بذلك‪.‬‬ ‫عمَر رضي ال عنهما أن بللً أذّن َقبْل ال َفجْر‪ ،‬فأمَر ُه النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم أن يرجعَ‪ ،‬فيُناديَ "أل‬ ‫وعن ابنِ ُ‬ ‫إنّ ال َع ْبدَ نامَ" روا ُه أبو داودَ‪ ،‬وضعّفه‪.‬‬ ‫عمَر رضي ال عنهما أن بللً أذّن َقبْل ال َفجْر‪ ،‬فأمَر ُه النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم أن يرجعَ‪ ،‬فيُناديَ "أل‬ ‫وعن ابنِ ُ‬ ‫إنّ ال َع ْبدَ نامَ" روا ُه أبو داودَ‪ ،‬وضعّفه‪.‬‬ ‫فإنـه قال عقـب إخراجـه‪ :‬هذا حديـث لم يروه عـن أيوب إل حماد بـن سـلمة‪ .‬وقال المنذري‪ :‬قال الترمذي‪ :‬هذا‬ ‫حديث غير محفوظ‪ .‬وقال علي بن المديني‪ :‬حديث حماد بن سلمة‪ :‬هو غير محفوظ‪ ،‬وأخطأ فيه حماد بن سلمة‪.‬‬ ‫وقد استدل به من قال‪ :‬ل يشرع الذان قبل الفجر‪ ،‬ول يخفى أنه ل يقاوم الحديث الذي اتفق عليه الشيخان‪ ،‬ولو‬ ‫ثبت أنه صحيح لتؤول على‪ :‬أنه قبل شرعية الذان الول؛ فإنه كان بلل هو المؤذن الول‪ ،‬الذي أمر صَلّى ال‬ ‫‪15‬‬

‫عََليْ ِه وَسَلّم عبد ال بن زيد أن يلقي عليه ألفاظ الذان‪ ،‬ثم اتخذ ابن أم مكتوم بعد ذلك مؤذنا مع بلل‪ ،‬فكان بلل‬ ‫يؤذن الذان الول؛ لما ذكره صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم من فائدة أذانه‪ ،‬ثم إذا طلع الفجر أذن ابن أم مكتوم‪.‬‬ ‫خدْريّ رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا سمعتُم النّداءَ فقُولوا ِمثْل‬ ‫وعن أبي سعيدٍ ال ُ‬ ‫ل المؤذّنُ" مت َفقٌ عليه‪.‬‬ ‫ما يقُو ُ‬ ‫ف يه شرع ية القول ل من سمع المؤذن‪ :‬أن يقول‪ ،‬ك ما يقول على أي حال كان من طهارة‪ ،‬وغير ها‪ ،‬ولو جنبا‪ ،‬أو‬ ‫حائضا‪ ،‬إل حال الجماع‪ ،‬وحال التخلي؛ لكراهة الذكر فيهما‪ ،‬وأما إذا كان السامع في حال الصلة‪ ،‬ففيه أقوال‪:‬‬ ‫القرب‪ :‬أنه يؤخر الجابة إلى بعد خروجه منها‪ .‬والمر يدل على الوجوب على السامع‪ ،‬ل على من راه فوق‬ ‫المنارة ولم يسمعه‪ ،‬أو كان أصم‪.‬‬ ‫و قد اختلف في وجوب الجا بة‪ ،‬فقال به الحنف ية‪ ،‬وأ هل الظا هر‪ ،‬واخرون‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬ل ي جب‪ ،‬وا ستدلوا‪:‬‬ ‫بأنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم سمع مؤذنا‪ ،‬فلما كبر قال‪" :‬على الفطرة"‪ ،‬فلما تشهد قال‪( :‬خرجت من النار) أخرجه‬ ‫م سلم‪ .‬قالوا‪ :‬فلو كا نت الجا بة واج بة‪ ،‬لقال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪ ،‬ك ما قال المؤذن‪ .‬فل ما لم ي قل‪ :‬دل على أن‬ ‫المر في حديث أبي سعيد للستحباب‪ .‬وتعقب‪ :‬بأنه ليس في كلم الراوي ما يدل على أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم‬ ‫لم ي قل‪ ،‬ك ما قال‪ .‬فيجوز أ نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال م ثل قوله‪ ،‬ولم ينقله الراوي‪ ،‬اكتفاء بالعادة‪ ،‬ون قل الزائد‪،‬‬ ‫وقوله‪" :‬مثل ما يقول" يدل على أنه يتبع كل كلمة يسمعها‪ ،‬فيقول مثلها‪ .‬وقد روت أم سلمة‪ :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫َوسَلّم‪ :‬كان يقول‪ ،‬كما يقول المؤذن حتى يسكت" أخرجه النسائي‪ ،‬فلو لم يجاوبه حتى فرغ من الذان‪ ،‬استحب له‬ ‫التدارك إن لم يطل الفصل‪.‬‬ ‫وظاهر قوله‪" :‬النداء" أنه‪ :‬يجيب كل مؤذن أذن بعد الول‪ ،‬وإجابة الول أفضل‪ .‬قال في الشرح‪ :‬إل في الفجر‪،‬‬ ‫والجمعة‪ ،‬فهما سواء؛ لنهما مشروعان‪ .‬قلت‪ :‬يريد الذان قبل الفجر‪ ،‬والذان قبل حضور الجمعة‪ ،‬ول يخفى‬ ‫أن الذي قبل الفجر قد صحت مشروعيته‪ ،‬وسماه النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم أذانا في قوله‪" :‬إن بللً يؤذن بليل"‪،‬‬ ‫فيدخل تحت حديث أبي سعيد‪ ،‬وأما الذان قبل الجمعة‪ ،‬فهو محدث بعد وفاته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬ول يسمى‬ ‫أذانا شرعيا‪ .‬وليـس المراد مـن المماثلة‪ :‬أن يرفـع صـوته كالمؤذن؛ لن رفعـه لصـوته لقصـد العلم‪ ،‬بخلف‬ ‫المجيب‪ ،‬ول يكفي إمراره الجابة؛ على خاطره فإنه ليس بقول‪:‬‬ ‫وظاهر حديث أبي سعيد والحديث التي وهو‪:‬‬ ‫وللبخاري عنْ معاوية رضي ال عنه ِمثُْلهُ‪.‬‬ ‫وللبخاري عنْ معاوية رضي ال عنه ِمثُْلهُ‪.‬‬ ‫أي م ثل حد يث أ بي سعيد‪ :‬أن ال سامع يقول كقول المؤذن في جم يع ألفا ظه‪ ،‬إل في الحيعلت ين‪ ،‬فيقول‪ :‬ما أفاده‬ ‫قوله‪:‬‬ ‫حيْعلَتين‪ ،‬فيقولُ‪" :‬ل حوْل‬ ‫ن كلمةً كلمةً‪ ،‬سوى ال َ‬ ‫ل المُؤذّ ُ‬ ‫ولم سْلمٍ عن عُمرَ رضي ال عنه في فَضْل القوْل كما يقو ُ‬ ‫ول قُوّةَ إل بال"‪.‬‬ ‫(ولمسلم عن عمر في فضل القول‪ ،‬كما يقول المؤذن كلمة كلمة‪ ،‬سوى الحيعلتين) حي على الصلة‪ ،‬حي على‬ ‫الفلح‪ ،‬فإنه يخصص ما قبله (فيقول) أي السامع‪( :‬ل حول ول قوة إل بال) عند كل واحدة منهما‪.‬‬ ‫وهذا المتـن هـو الذي رواه معاويـة‪ ،‬كمـا فـي البخاري‪ ،‬وعمـر كمـا فـي مسـلم‪ ،‬وإنمـا اختصـر المصـنف فقال‪:‬‬ ‫وللبخاري عن معاوية‪ .‬أي القول‪ ،‬كما يقول المؤذن إلى اخر ما ساقه في رواية مسلم عن عمر‪ .‬إذا عرفت هذا‬ ‫فيقولها أربع مرات؛ ولفظه عند مسلم‪" :‬إذا قال المؤذن‪ ،‬ال أكبر ال أكبر‪ .‬فقال أحدكم‪ :‬ال أكبر ال أكبر‪ ،‬إلى‬ ‫أن قال‪ :‬فإذا قال‪ :‬حيّ على ال صلة‪ ،‬قال‪ :‬ل حول ول قوة إل بال‪ ،‬ثم قال‪ :‬حيّ على الفلح‪ ،‬قال‪ :‬ل حول ول‬ ‫قوة إل بال؛ فيحت مل أ نه ير يد إذا قال‪ :‬حيّ على ال صلة حو قل؛ وإذا قال ها ثانيا حو قل‪ ،‬ومثله حيّ على الفلح‪،‬‬ ‫فيكن أربعا‪ .‬ويحتمل أنها تكفي حوقلة واحدة عند الولى من الحيعلين؛ وقد أخرج النسائي‪ ،‬وابن خزيمة حديث‬ ‫معاوية‪ ،‬وفيه "يقول ذلك‪ ،‬وقال المصنف‪" :‬في فضل القول" لن اخر الحديث أنه قال‪" :‬إذا قال السامع‪ :‬ذلك من‬ ‫قلبـه دخـل الجنـة" والمصـنف لم يأت بلفـظ الحديـث‪ ،‬بـل بمعناه‪ .‬هذا‪ ،‬والحول‪ :‬هـو الحركـة‪ :‬أي ل حركـة‪ ،‬ول‬ ‫ا ستطاعة إل بمشيئة ال‪ ،‬وق يل‪ :‬ل حول في د فع شر‪ ،‬ول قوة في تح صيل خ ير إل بال‪ ،‬وق يل‪ :‬ل حول عن‬ ‫معصية ال إل بعصمته‪ ،‬ول قوة على طاعته إل بمعونته‪ ،‬وحكى هذا عن ابن مسعود مرفوعا‪.‬‬ ‫واعلم أن هذا الحديث مقيد لطلق حديث أبي سعيد الذي فيه‪" :‬فقولوا مثل ما يقول" أي فيما عدا الحيعلة‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫يجمع السامع بين الحيعلة والحوقلة؛ عملً بالحديثين والول أولى؛ لنه تخصيص للحديث العام أو تقييد لمطلقه؛‬ ‫ولن المع نى منا سب لجا بة الحيعلة من ال سامع بالحوقلة؛ فإ نه ل ما د عي إلى ما ف يه الفوز‪ ،‬والفلح‪ ،‬والنجاة‪،‬‬ ‫‪16‬‬

‫وإصابة الخير‪ ،‬ناسب أن يقول‪ :‬هذا أمر عظيم‪ ،‬ل أستطيع مع ضعفي القيام به‪ ،‬إل إذا وفقني ال بحوله وقوته‪،‬‬ ‫ولن ألفاظ الذان ذكـر ال‪ ،‬فناسـب أن يجيـب بهـا؛ إذ هـو ذكـر له تعالى‪ .‬وأمـا الحيعلة‪ :‬فإنمـا هـي دعاء إلى‬ ‫الصلة‪ ،‬والذي يدعو إليها هو المؤذن‪ ،‬وأما السامع‪ ،‬فإنما عليه المتثال والقبال على ما دعي إليه‪ ،‬وإجابته في‬ ‫ذكر ال ل فيما عداه‪.‬‬ ‫والعمل بالحديثين‪ ،‬كما ذكرنا هو الطريقة المعروفة في حمل المطلق على المقيد‪ ،‬أو تقديم الخاص على العام‪،‬‬ ‫ف هي أولى بالتباع‪ ،‬و هل يج يب ع ند الترج يع أو ل يج يب؟ وع ند التثو يب؟ ف يه خلف‪ .‬وق يل‪ :‬يقول في جواب‬ ‫التثويب صدقت وبررت؛ وهذا استحسان من قائله؛ وإل فليس فيه سنة تعتمد‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬أخرج أبو داود عن بعض أصحاب النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬أن بللً أخذ في القامة‪ ،‬فلما أن قال‪ :‬قد‬ ‫قامت الصلة‪ ،‬قال النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬أقامها ال وأدامها" وقال في سائر القامة‪ :‬بنحو حديث عمر في‬ ‫الذان‪ .‬يريد بحديث عمر‪ :‬ما ذكره المصنف‪ ،‬وسقناه في الشرح‪ :‬من متابعة المقيم في ألفاظ القامة كلها‪.‬‬ ‫جعَل ني إمام قَوْ مي‪ .‬فقال‪َ" :‬أنْ تَ إما ُمهُ مْ‪ ،‬واقْتدِ‬ ‫و عن عُثما نَ ب نِ أ بي العاص ر ضي ال ع نه قال‪ :‬يا ر سول ال ا ْ‬ ‫خذْ مُؤذّنا ل يأخذُ على أَذانِهِ أجرا" أخرجه الخمسة‪ ،‬وحسن ُه الترمذيّ‪ ،‬وصحّحهُ الحا ِكمُ‪.‬‬ ‫بأَضعفهمْ‪ ،‬وا ّت ِ‬ ‫(وعن عثمان بن أبي العاص) هو أبو عبد ال عثمان بن أبي العاص بن بشر الثقفي‪ ،‬استعمله النبي صَلّى ال‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم على الطائف‪ ،‬فلم يزل علي ها مدة حيا ته صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬وخل فة أ بي ب كر و سنين من خل فة‬ ‫ع مر‪ ،‬ثم عزله‪ ،‬ووله عمان‪ ،‬والبحر ين‪ ،‬وكان من الوافد ين عل يه صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم في و فد ثق يف‪ ،‬وكان‬ ‫أصغرهم سنا‪ ،‬له سبع وعشرون سنة‪ ،‬ولما توفي رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم عزمت ثقيف على الردة‪ ،‬فقال‬ ‫لهـم‪ :‬يـا ثقيـف كنتـم اخـر الناس إسـلما‪ ،‬فل تكونوا أولهـم ردة‪ ،‬فامتنعوا مـن الردة‪ ،‬مات بالبصـرة سـنة إحدى‬ ‫وخم سين (أ نه قال‪ :‬يا ر سول ال اجعل ني إمام قو مي‪ ،‬فقال‪ :‬أ نت إمامُهُم‪ ،‬واقْتِد بَأضْعف هم) أي اج عل أضعف هم‬ ‫بمرض‪ ،‬أو زما نه‪ ،‬أو نحوه ما قدوة لك‪ ،‬ت صلي ب صلته تخفيفا (وات خذ ُم َؤذّنا ل يأخذُ على أذا نه أجْرا‪ .‬أخر جه‬ ‫الخمسة‪ ،‬وحسنه الترمذي‪ ،‬وصححه الحاكم)‪.‬‬ ‫الحديـث يدل على جواز طلب المامـة فـي الخيـر‪ .‬وقـد ورد فـي أدعيـة عباد الرحمـن الذيـن وصـفهم ال بتلك‬ ‫ل َيعَْلمُونَ} ‪ ،‬وليس من طلب الرياسة‬ ‫ن َأ ْكثَرَهُمْ َ‬ ‫ن ذَلِكَ وَلَـكِ ّ‬ ‫عذَابا دُو َ‬ ‫الوصاف أنهم يقولون‪{ :‬وَإِنّ لِّلذِينَ ظََلمُواْ َ‬ ‫المكروهة‪ ،‬فإن ذلك فيما يتعلق برياسة الدنيا‪ ،‬التي ل يعان من طلبها‪ ،‬ول يستحق أن يعطاها‪ ،‬كما يأتي بيانه‪.‬‬ ‫وأ نه ي جب على إمام ال صلة أن يل حظ حال الم صلي خل فه‪ ،‬فيج عل أضعف هم كأ نه المقتدي به‪ ،‬فيخ فف لجله‪،‬‬ ‫ويأ تي في أبواب الما مة في ال صلة تخفي فه‪ .‬وأ نه يت خذ المتبوع مؤذنا ليج مع الناس لل صلة‪ ،‬وأن من صفة‬ ‫المؤذن المأمور باتخاذه‪ :‬أن ل يأخـذ على أذا نه أجرا‪ :‬أي أجرة‪ ،‬و هو دليـل على أن من أخـذ على أذا نه أجرا‪،‬‬ ‫ل يس مأمورا باتخاذه‪ ،‬و هل يجوز له أ خذ الجرة؟ فذ هب الشافع ية‪ .‬إلى جواز أخذه الجرة مع الكرا هة‪ .‬وذه بت‬ ‫الهادوية‪ ،‬والحنفية‪ :‬إلى أنها تحرم عليه الجرة؛ لهذا الحديث‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ول يخ فى أنه ل يدل على التحر يم‪ ،‬وق يل‪ :‬يجوز أخذ ها على التأذ ين في محل مخ صوص؛ إذ لي ست على‬ ‫الذان حينئذ‪ ،‬بل على ملزمة المكان‪ ،‬كأجرة الرصد‪.‬‬ ‫ضرَت الصلةُ فَليُؤذن لكم‬ ‫ث رضي ال عنه قالَ‪ :‬قالَ لنَا النّبيّ صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪" :‬إذا ح َ‬ ‫وعن مالك بن الحُ َويْر ِ‬ ‫حدُكم" الحديث‪ .‬أخرجَهُ السبعةُ‪.‬‬ ‫أَ‬ ‫(وعن مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة وفتح الواو وسكون المثناة التحتية وكسر الراء وثاء مثلثة؛ وهو‪:‬‬ ‫أ بو سليمان مالك بن الحويرث اللي ثي و فد على ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وأقام عنده عشر ين ليلة‪ ،‬و سكن‬ ‫ن لكُمْ‬ ‫البصرة‪ ،‬ومات سنة أربع وتسعين بها (قال‪ :‬قال لنا النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬إذا حضرت الصّلة فليُؤذ ْ‬ ‫أح ُد ُكمْ"‪ ،‬الحديث أخرجه السبعة)‪.‬‬ ‫هو مختصر من حديث طويل أخرجه البخاري بألفاظ‪ :‬أحدها‪ :‬قال مالك‪" :‬أتيت النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم في‬ ‫ن فر من قو مي‪ ،‬فأقم نا عنده عشر ين ليلة‪ ،‬وكان رحيما رفيقا‪ ،‬فل ما رأى شوقنـا إلى أهلي نا قال‪ :‬ارجعوا فكونوا‬ ‫فيهم‪ ،‬وعلموهم‪ ،‬وصلوا‪ ،‬فإذا حضرت الصلة‪ ،‬فليؤذن لكم أحدكم‪ ،‬وليؤمكم أكبركم" زاد في رواية‪" :‬وصلوا كما‬ ‫رأيتمو ني أ صلي"‪ ،‬ف ساق الم صنف قط عة م نه‪ ،‬هي مو ضع ما يريده من الدللة على ال حث على الذان‪ ،‬ودل يل‬ ‫إيجابه المر به‪ ،‬وفيه أنه ل يشترط في المؤذن غير اليمان لقوله‪" :‬أحدكم"‪.‬‬ ‫ح ُدرْ‬ ‫و عن جابر ر ضي ال ع نه أنّ ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال لبلل‪" :‬إذا أ ّذنْ تَ فتر سّلْ‪ ،‬وإذا أقَمْت فا ْ‬ ‫ضعّفهُ‪.‬‬ ‫واجعل بين أذانِك وإقامَتك مقدار ما ي ْف ُرغُ الكل ِمنْ أكلِهِ" الحديث رواهُ الترمذيّ و َ‬ ‫‪17‬‬

‫(وعن جابر رضي ال عنه‪ :‬أن رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال لبلل‪ :‬إذا أذ نت فتر سل) أي ر تل ألفا ظه‪،‬‬ ‫ول تع جل‪ ،‬ول ت سرع في سردها (وإذا َأ َقمْ تَ فاحْدُر) بالحاء والدال المهملت ين والدال مضمو مة فراء‪ .‬والحدر‪:‬‬ ‫السراع (واجعل بين أذانك‪ ،‬وإقامتك مقْدارَ ما ي ْف ُرغُ الكل منْ أكله) أي تمهل وقتا يقدر فيه فراغ الكل من أكله‬ ‫(الحديث) بالنصب على أنه مفعول فعل محذوف‪ :‬أي‪ :‬اقرأ الحديث‪ ،‬أو أتم‪ ،‬أو نحوه‪ ،‬ويجوز رفعه على خبرية‬ ‫مبتدأ محذوف‪ .‬وإنما يأتون بهذه العبارة‪ ،‬إذا لم يستوفوا لفظ الحديث‪ ،‬ومثله قولهم‪ :‬الية‪ ،‬والبيت‪ ،‬وهذا الحديث‬ ‫لم يستوفه المصنف‪ ،‬وتمامه "والشارب من شربه‪ ،‬والمعتصر إذا دخل لقضاء الحاجة‪ ،‬ول تقوموا حتى تروني"‬ ‫(رواه الترمذي وضعفه)‪ .‬قال‪ :‬ل نعرفه إل من حديث عبد المنعم‪ ،‬وإسناده مجهول‪ .‬وأخرجه الحاكم أيضا‪ ،‬وله‬ ‫شاهد من حديث أبي هريرة‪ ،‬ومن حديث سليمان‪ ،‬أخرجه أبو الشيخ‪ .‬ومن حديث أبيّ بن كعب‪ ،‬أخرجه عبد ال‬ ‫بن أحمد‪ ،‬وكلها واهية‪.‬‬ ‫إل أنه يقويها المعنى الذي شرع له الذان؛ فإنه نداء لغير الحاضرين‪ ،‬ليحضروا الصلة‪ ،‬فل بد من تقدير وقت‬ ‫يتسع للذاهب للصلة وحضورها‪ ،‬وإل لضاعت فائدة النداء‪ .‬وقد ترجم البخاري‪( :‬باب كم بين الذان والقامة)‬ ‫ولكن لم يثبت التقدير‪ .‬قال ابن بطال‪ :‬ل حد لذلك غير تمكن دخول الوقت‪ ،‬واجتماع المصلين‪.‬‬ ‫وفيه دليل على شرعية الترسل في الذان‪ ،‬لن المراد من العلم للبعيد‪ ،‬وهو مع الترسل أكثر إبلغا‪ .‬وعلى‬ ‫شرعية الحدر‪ ،‬والسراع في القامة؛ لن المراد منها إعلم الحاضرين‪ ،‬فكان السراع بها أنسب‪ ،‬ليفرغ منها‬ ‫بسرعة؛ فيأتي بالمقصود‪ ،‬وهو الصلة‪.‬‬ ‫ضعّفهُ أيضا‪.‬‬ ‫ن إلّا مُتوضىء" و َ‬ ‫ولهُ عن أبي هُريرة رضي ال عنهُ أنّ النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم قال‪" :‬ل يُؤذّ ُ‬ ‫ن إِلّا مُتوضىء‪.‬‬ ‫(وله) أي الترمذي (عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ :‬أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪ :‬ل يُ َؤذّ ُ‬ ‫وضعفـه أيضا) أي كمـا ضعـف الول‪ ،‬فإنـه ضعـف هذا بالنقطاع؛ إذ هـو عـن الزهري عـن أبـي هريرة‪ .‬قال‬ ‫الترمذي‪ :‬والزهري لم يسمع من أبي هريرة‪ ،‬والراوي عن الزهري ضعيف‪ ،‬ورواية الترمذي من رواية يونس‬ ‫عن الزهري عنه موقوفا‪ ،‬إل أنه بلفظ "ل ينادي" وهذا أصح‪ ،‬ورواه أبو الشيخ في كتاب الذان من حديث ابن‬ ‫عباس بلفظ‪" :‬إن الذان متصل بالصلة فل يؤذن أحدكم إل وهو طاهر"‪ ،‬وهو دليل على اشتراط الطهارة للذان‬ ‫من الحدث ال صغر‪ ،‬و من الحدث ال كبر بالولى‪ .‬وقالت الهادو ية‪ :‬يشترط ف يه الطهارة من الحدث ال كبر‪ ،‬فل‬ ‫يصح أذان الجنب‪ ،‬ويصح من غير المتوضيء‪ ،‬عملً بهذا الحديث‪ ،‬كما قاله في الشرح‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ول يخفى أن الحديث دال على شرطية كون المؤذن متوضئا‪ ،‬فل وجه لما قالوه من التفرقة بين الحديثين‪.‬‬ ‫وأ ما ا ستدللهم ل صحته من المحدث حدثا أ صغر بالقياس على جواز قراءة القران‪ ،‬فقياس في مقابلة ال نص‪ ،‬ل‬ ‫ل بهذا‬ ‫يعمل به عندهم في الصول‪ .‬وقد ذهب أحمد‪ ،‬واخرون إلى‪ :‬أنه ل يصح أذان المحدث حدثا أصغر‪ ،‬عم ً‬ ‫الحديث‪ ،‬وإن كان فيه ما عرفت‪ .‬والترمذي صحح وقفه على أبي هريرة‪.‬‬ ‫وأما القامة فالكثر على شرطية الوضوء لها‪ .‬قالوا‪ :‬لنه لم يرد أنها وقعت على خلف ذلك في عهد رسول‬ ‫َسـلّم‪ ،‬ول يخفـى مـا فيـه‪ ،‬وقال قوم‪ :‬تجوز على غيـر وضوء‪ ،‬وإن كان مكروها‪ ،‬وقال‬ ‫ْهـ و َ‬ ‫صـلّى ال عََلي ِ‬ ‫ال َ‬ ‫اخرون‪ :‬تجوز بل كراهة‪.‬‬ ‫ن أذّنَ فهو يُقيمُ" وضعفهُ‬ ‫ولهُ عن زياد بن الحارث رضي ال عنهُ قالَ‪ :‬قالَ رسولُ ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬وم ْ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫(وله) أي الترمذي (عن زياد بن الحارث) هو زياد بن الحارث الصدائي‪ :‬بايع النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ ،‬وأذن‬ ‫بين يديه‪ ،‬يعد في البصريين‪ ،‬وصداء بضم الصاد المهملة وتخفيف الدال المهملة وبعد اللف همزة‪ :‬اسم قبيلة‬ ‫ن َأذّن) عطف على ما قبله‪ .‬وهو قوله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إن‬ ‫(قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬و َم ْ‬ ‫أخا صداء قد أذن" (ف ُهوَ يُقيم‪ ،‬وضعفه أيضا) أي‪ :‬كما ضعف ما قبله‪ .‬قال الترمذي‪ :‬إنما يعرف من حديث زياد‬ ‫ا بن أن عم الفري قي‪ ،‬و قد ضع فه ا بن القطان‪ ،‬وغيره‪ ،‬وقال البخاري‪ :‬هو مقارب لحد يث ضع فه أ بو حا تم‪ ،‬وا بن‬ ‫حبان‪ .‬وقال الترمذي‪ :‬والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم‪ :‬أن من أذن فهو يقيم‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن القامة حق لمن أذن‪ ،‬فل تصح من غيره‪ ،‬وعليه الهادوية‪ ،‬وعضد حديث الباب حديث‬ ‫ابن عمر بلفظ‪" :‬مهلً يا بلل‪ ،‬فإنما يقيم من أذن" أخرجه الطبراني‪ ،‬والعقيلي‪ ،‬وأبو الشيخ‪ ،‬وإن كان قد ضعفه‬ ‫أ بو حا تم‪ ،‬وا بن حبان‪ .‬وقال الحنف ية وغير هم‪ :‬تجزىء إقا مة غ ير من أذن؛ لعدم نهوض الدل يل على ذلك‪ ،‬ول ما‬ ‫يدل له قوله‪:‬‬ ‫ت أُريدُ هُ‪ .‬قالَ‬ ‫ن حديث عبد ال بن زيد أنه قالَ‪ :‬أَنا رَأ ْيتُ ُه ــــ يعني الذان ــــ وأنا ُكنْ ُ‬ ‫ولبي داودَ مِ ْ‬ ‫ض ْعفٌ أيضا‪.‬‬ ‫"فأَ ِقمْ َأنْتَ" وفيه َ‬ ‫‪18‬‬

‫(ول بي داود من حد يث ع بد الله بن ز يد) أي‪ :‬ا بن ع بد ر به‪ ،‬الذي تقدم حدي ثه أول الباب‪( :‬أ نه قال)‪ :‬أي ال نبي‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لما أمره أن يلقيه على بلل‪( :‬أنا رأيته يعني الذان) في المنام (وأنا كنت أريده قال‪ :‬فأقم‬ ‫أنت‪ .‬وفيه ضعف أيضا)‪ .‬لم يتعرض الشارح رحمه ال لبيان وجهه‪ ،‬ول بينه أبو داود‪ ،‬بل سكت عليه‪ ،‬لكن قال‬ ‫الحا فظ المنذري‪ :‬إ نه ذ كر البيه قي‪ :‬أن في إ سناده‪ ،‬ومت نه اختلفا‪ .‬وقال أ بو ب كر الحاز مي‪ :‬في إ سناده مقال‪،‬‬ ‫وحينئذ‪ ،‬فل يتم به الستدلل‪ ،‬نعم الصل جواز كون المقيم غير المؤذن‪ ،‬والحديث يقوي ذلك الصل‪.‬‬ ‫ك بالذان‪ ،‬والما مُ َأمْلك بالقامة" روا هُ‬ ‫ن أمْلَ ُ‬ ‫ل رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬المؤذّ ُ‬ ‫وعن أبي هريرة قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫ابن عدي وضعّفهُ‪.‬‬ ‫وللبيهقي نحوه عن علي رضي ال عنه من قوله‪.‬‬ ‫ن َأمْلَ كُ بالذان) أي‪ :‬وق ته‬ ‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قالَ‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬المُ َؤذّ ُ‬ ‫موكول إليه؛ لنه أمين عليه (والمام أمْل كُ بالقامة) فل يقيم إل بعد إشارته (رواه ابن عدي) هو الحافظ الكبير‬ ‫المام الشه ير‪ ،‬أ بو أح مد‪ :‬ع بد ال بن عدي الجرجا ني‪ ،‬ويعرف أيضا با بن الق صار‪ ،‬صاحب كتاب الكا مل في‬ ‫الجرح والتعد يل‪ ،‬كان أ حد العلم‪ ،‬ولد سنة ت سع و سبعين ومائت ين‪ ،‬و سمع على خلئق‪ ،‬وع نه أ مم‪ .‬قال ا بن‬ ‫ع ساكر‪ :‬كان ث قة على ل حن ف يه‪ .‬قال حمزة ال سهمي‪ :‬كان ا بن عدي حافظا متفننا‪ ،‬لم ي كن في زما نه أ حد مثله‪.‬‬ ‫قال الخليلي‪ :‬كان عديم النظر حفظا وجللة‪ ،‬سألت عبد ال بن محمد الحافظ فقال‪ :‬زرّ قميص ابن عدي أحفظ‬ ‫من ع بد البا قي بن قا نع‪ .‬تو في في جمادى الخرة سنة خ مس و ستين وثلثمائة (وضع فه) ؛ ل نه أخر جه في‬ ‫ترجمة شريك القاضي‪ ،‬وتفرد به شريك‪ .‬وقال البيهقي‪ :‬ليس بمحفوظ‪ ،‬ورواه أبو الشيخ‪ ،‬وفيه ضعف‪.‬‬ ‫طهُورُهَا"‪،‬‬ ‫عنْ هُ‪ ،‬قَالَ‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬دِبا غُ جُلُو ِد ا ْل َم ْيتَةِ ُ‬ ‫حبّ قِ رضي ال َ‬ ‫ن سََلمَ َة بن ا ْل ُم َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ َ‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫صححهُ ابنُ ِ‬ ‫والحديث دليل على أن المؤذن أملك بالذان‪ :‬أي أن‪ :‬ابتداء وقت الذان إليه؛ لنه المين على الوقت‪ ،‬والموكول‬ ‫بارتقابـه‪ ،‬وعلى أن المام أملك بالقامـة‪ ،‬فل يقيـم إل بعـد إشارة المام بذلك‪ ،‬وقـد أخرج البخاري‪" .‬إذا أقيمـت‬ ‫الصلة فل تقوموا حتى تروني"‪ ،‬فدل على أن المقيم يمقيم‪ ،‬وإن لم يحضر المام‪ ،‬فإقامته غير متوقفة على إذنه‪،‬‬ ‫كذا في الشرح‪ ،‬ولكن قد ورد‪" :‬أنه كان بلل قبل أن يقيم يأتي إلى منزله صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم يؤذنه‪ ،‬بالصلة"‬ ‫واليذان لهـا بعـد الذان‪ :‬اسـتئذان فـي القامـة‪ .‬وقال المصـنف‪ :‬إن حديـث البخاري معارض بحديـث جابر بـن‬ ‫ل كان ل يق يم ح تى يخرج ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم" قال‪ :‬ويج مع بينه ما‪ :‬بأن بللً كان‬ ‫سمرة‪" :‬إن بل ً‬ ‫يراقب وقت خروج رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ ،‬فإذا راه يشرع في القامة‪ ،‬قبل أن يراه غالب الناس‪ ،‬ثم إذا‬ ‫رأواه قاموا‪ .‬اهـ‪.‬‬ ‫وأما تعيين وقت قيام المؤتمين إلى الصلة‪ ،‬فقال مالك في الموطأ‪ :‬لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلة حدا‬ ‫محدودا‪ ،‬إل أني أرى ذلك على طاقة الناس‪ ،‬فإن منهم الثقيل‪ ،‬والخفيف‪ ،‬وذهب الكثرون إلى أن المام إن كان‬ ‫مع هم في الم سجد لم يقوموا ح تى تفرغ القا مة‪ .‬و عن أ نس‪ :‬أ نه كان يقوم إذا قال المؤذن‪ " :‬قد قا مت ال صلة"‪.‬‬ ‫رواه ابن المنذر‪ ،‬وغيره‪ ،‬وعن ابن المسيب‪ :‬إذا قال المؤذن‪ :‬ال أكبر‪ ،‬وجب القيام‪ ،‬وإذا قال‪ :‬حيّ على الصلة‬ ‫عدلت الصفوف‪ ،‬وإذا قال‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬كبر المام‪ ،‬ولكن هذا رأي منه‪ ،‬لم يذكر فيه سنة‪.‬‬ ‫(وللبيهقي نحوه) أي نحو حديث أبي هريرة (عن علي عليه السلم من قوله)‪.‬‬ ‫و عن أنس رضي ال عنه قالَ‪ :‬قالَ ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬ل ُي َردّ الدعا ُء بي نَ الذان والقا مة" روا هُ‬ ‫ن خُز ْيمَةَ‪.‬‬ ‫النسائيّ‪ ،‬وصحّح ُه اب ُ‬ ‫سمَعُ ال ّندَاءَ‪ :‬الّلهُمّ رَبّ َه ِذ هِ‬ ‫ن قَالَ حَي نَ يَ ْ‬ ‫عنْ ُه أَنّ رَ سُولَ ال صَلّ ال عََل ْي هِ وَ سَّلمَ قَالَ‪" :‬مَ ْ‬ ‫ع نْ جَا ِبرٍ رَضِ يَ ال َ‬ ‫وَ َ‬ ‫عتِي يَوْ مَ‬ ‫ع ْدتَ هُ‪ ،‬حَلّ تْ َل ُه شَفَا َ‬ ‫حمُودا اّلذِي َو َ‬ ‫حمّدا الْو سِيلَةَ وَالْ َفضِيلَةَ وََأ ْب َعثَ هُ َم ْ‬ ‫عوَ ِة التّامَة‪ ،‬وال صّل ِة الْقَا ِئمَةِ‪ ،‬آ تِ ُم َ‬ ‫الدّ ْ‬ ‫ل ْر َبعَةُ‪.‬‬ ‫خ َرجَهُ ا َ‬ ‫الْ ِقيَامَةِ"‪َ .‬أ ْ‬ ‫و عن أنس رضي ال عنه قالَ‪ :‬قالَ ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬ل ُي َردّ الدعا ُء بي نَ الذان والقا مة" روا هُ‬ ‫ن خُز ْيمَةَ‪.‬‬ ‫النسائيّ‪ ،‬وصحّح ُه اب ُ‬ ‫والحديث مرفوع في سنن أبي داود أيضا‪ ،‬ولفظه هكذا‪ :‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫َسـلّم‪" :‬ل يرد الدعاء بيـن الذان والقامـة" اهــ‪ .‬قال المنذري‪ :‬وأخرجـه الترمذي‪ ،‬والنسـائي فـي عمـل اليوم‬ ‫و َ‬ ‫والليلة اهـ‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫والحديث دليل على قبول الدعاء في هذه المواطن؛ إذ عدم الرد يراد به‪ :‬القبول والجابة‪ :‬ثم هو عام لكل دعاء‪،‬‬ ‫ول بد من تقييده ب ما في الحاد يث غيره‪ :‬من أ نه ما لم ي كن دعاء بإ ثم‪ ،‬أو قطي عة ر حم‪ .‬هذا‪ ،‬و قد ورد تعي ين‬ ‫أدعية تقال بعد الذان‪ ،‬وهو ما بين الذان والقامة‪.‬‬ ‫قل نا‪ :‬في غيره من الدلة غن ية ع نه‪ .‬فمن ها ما أخر جه أح مد من حد يث أ نس‪" :‬أ نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم دعاه‬ ‫يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأكل منها" بفتح السين وسكون النون المعجمة فخاء مفتوحة أي متغيرة‪.‬‬ ‫الول‪ :‬أن يقول "رضيت بال ربا‪ ،‬وبالسلم دينا‪ ،‬وبمحمد رسولً"‪ .‬قال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إن من قال ذلك‬ ‫غفر له ذنبه"‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أن يصلي على النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بعد فراغه من إجابة المؤذن‪ ،‬قال ابن القيم في الهدى‪ :‬أكمل‬ ‫ما يصلي به‪ ،‬ويصل إليه‪ ،‬كما علم أمته‪ :‬أن يصلوا عليه‪ ،‬فل صلة عليه أكمل منها‪ .‬قلت‪ :‬وستأتي صفتها في‬ ‫كتاب الصلة إن شاء ال تعالى‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أن يقول بعد صلته عليه‪" :‬اللهم رب هذه الدعوة التامة‪ ،‬والصلة القائمة ات محمدا الوسيلة والفضيلة‪،‬‬ ‫وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته" وهذا في صحيح البخاري‪ ،‬وزاد غيره‪" :‬إنك ل تخلف الميعاد"‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬أن يدعو لنفسه بعد ذلك‪ ،‬ويسأل ال من فضله‪ ،‬كما في ال سنن عنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬قل مثل ما‬ ‫يقول" أي المؤذن "فإذا انتهيت فسل تعطه"‪ ،‬وروى أحمد بن حنبل عنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬أنه قال‪" :‬من قال‬ ‫ح ين ينادي المنادي‪ :‬الل هم رب هذه الدعوة القائ مة‪ ،‬وال صلة الناف عة‪ ،‬صل على مح مد‪ ،‬وارض ع نه رضا‪ ،‬ل‬ ‫سخط بعده‪ ،‬استجاب ال دعوته"‪ ،‬وأخرج الترمذي من حديث أم سلمة رضي ال عنها قالت‪" :‬علمني رسول ال‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أن أقول ع ند أذان المغرب‪ :‬الل هم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك‪ ،‬وأ صوات دعا تك‪ ،‬فاغ فر‬ ‫لي"‪ ،‬وأخرج الحاكـم عـن أبـي أمامـة يرفعـه قال‪" :‬كان إذا سـمع المؤذن قال‪ :‬اللهـم رب هذه الدعوة المسـتجابة‬ ‫المستجاب لها‪ ،‬دعوة الحق‪ ،‬وكلمة التقوى‪ ،‬توفني عليها‪ ،‬وأحيني عليها‪ ،‬واجعلني من صالحي أهلها عملً يوم‬ ‫القيامة" وقد عين صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ما يدعي به أيضا لما قال‪" :‬الدعاء بين الذان والقامة ل يرد‪ .‬قالوا‪ :‬فما‬ ‫نقول يا ر سول ال؟ قال‪ :‬سلوا ال الع فو والعاف ية في الدن يا والخرة"‪ .‬قال ا بن الق يم‪ :‬إ نه حد يث صحيح‪ .‬وذ كر‬ ‫البيهقي‪ :‬أنه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم كان يقول عند كلمة القامة‪" :‬أقامها ال وأدامها"‪ ،‬وفي المقام أدعية أُخر‪.‬‬ ‫باب شروط الصلة‬ ‫الشرط لغة‪ :‬العلمة‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪َ { :‬تظُنّ أَن يُ ْفعَلَ ِبهَا فَا ِقرَةٌ} ـــ أي علمات الساعة ـــ وفي لسان‬ ‫الفقهاء‪ :‬ما يلزم من عدمه العدم‪.‬‬ ‫ح ُدكُم ْـ فـي الصـلةِ‬ ‫ل ال صَـلّى ال عََليْهِـ وَسَـلّم‪" :‬إذا فَسـَا أ َ‬ ‫عـن عليّ بـن طَلْق ٍـ رضـي ال عنـه قالَ‪ :‬قالَ رسـو ُ‬ ‫فلْينصرفْ‪ ،‬و ْليَتوضّأ‪ ،‬و ْل ُيعِد الصلة"‪ ،‬رواهُ الخمسةُ‪ ،‬وصحّحه ابنُ حبّان‪.‬‬ ‫(عن علي بن طلق) تقدم طلق بن علي في نواقض الوضوء‪ .‬قال ابن عبد البر‪ :‬أظنه والد طلق بن علي الحنفي‪.‬‬ ‫ومال أح مد والبخاري‪ :‬إلى أن علي بن طلق‪ ،‬وطلق بن علي ا سم لذات واحدة (قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال‬ ‫حبّان)‬ ‫ح ُدكُ مْ في ال صّلة ف ْل َينْصرف ول َيتَ َوضّأ‪ ،‬و ْليُعدُ ال صّلةَ‪ ،‬رواه الخمسة‪ ،‬وصححه ابن ِ‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم‪ :‬إذا فسا َأ َ‬ ‫حبّان‪ ،‬وصححه" وقد تقدمت له هذه العبارة مرارا‪،‬‬ ‫كأنه عبر بهذه العبارة اختصارا‪ ،‬وإل فأصلها‪" :‬وأخرجه ابن ِ‬ ‫ويحتمل‪ :‬أن ابن حبان صحح أحاديث أخرجها غيره‪ ،‬ولم يخرجها هو‪ ،‬وهو بعيد‪ .‬وقد أعل الحديث ابن القطان‬ ‫بم سلم بن سلم الحن في؛ فإ نه ل يعرف‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬قال البخاري‪ :‬ل أعلم لعلي بن طلق غ ير هذا الحد يث‬ ‫الواحد‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن الفساء ناقض للوضوء‪ ،‬وهو مجمع عليه‪ ،‬ويقاس عليه غيره من النواقض‪ ،‬وأنه تبطل به‬ ‫ال صلة‪ ،‬و قد تقدم حد يث عائ شة في من أ صابه ق يء في صلته‪ ،‬أو رعاف‪ ،‬فإ نه ين صرف‪ ،‬ويب ني على صلته‪،‬‬ ‫حيـث لم يتكلم‪ .‬وهـو معارض لهذا‪ ،‬وكـل منهمـا فيـه مقال‪ ،‬والشارح جنـح إلى ترجيـح هذا‪ ،‬قال‪ :‬لنـه مثبـت‬ ‫لستئناف الصلة‪ ،‬وذلك ناف‪ .‬وقد يقال‪ :‬هذا ناف لصحة الصلة‪ ،‬وذلك مثبت لها‪ ،‬فالولى الترجيح‪ :‬بأن هذا‪:‬‬ ‫قال بصحته ابن حبان‪ ،‬وذلك‪ :‬لم يقل أحد بصحته‪ ،‬فهذا أرجح من حيث الصحة‪.‬‬ ‫ل ال صلةَ حائ ضٍ إل بخمار" روا هُ‬ ‫و عن عائ شة ر ضي ال عن ها أن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬ل يقْب ُ‬ ‫خ َزيْمة‪.‬‬ ‫الخمس ُة إل النسائيّ وصححهُ ابن ُ‬ ‫ل ال صلةَ حائض) المراد بها المكلفة؛‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنها‪ :‬أن النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قال‪ :‬ل يَ ْقبَ ُ‬ ‫وإن تكل فت بالحتلم مثلً‪ ،‬وإن ما عبر بالح يض نظرا إلى الغلب (إل بخمار) بك سر الخاء المعج مة اخره راء‪،‬‬ ‫هـو هنـا‪ :‬مـا يغطـي بـه الرأس والعنـق (رواه الخمسـة إل النسـائي‪ ،‬وصـححه ابـن خزيمـة) ‪ ،‬وأخرجـه أحمـد‪،‬‬ ‫‪20‬‬

‫والحاكـم‪ ،‬وأعله الدارقطنـي‪ ،‬وقال‪ :‬إن وقفـه أشبـه‪ ،‬وأعله الحاكـم بالرسـال‪ .‬ورواه الطـبراني فـي الصـغير‪،‬‬ ‫والو سط من حد يث أ بي قتادة بل فظ‪" :‬ل يق بل ال من امرأة صلة ح تى توارى زينت ها‪ ،‬ول من جار ية بل غت‬ ‫المحيض حتى تختمر"‪.‬‬ ‫ونفى القبول المراد به هنا‪ :‬نفي الصحة والجزاء‪ ،‬وقد يطلق القبول‪ ،‬ويراد به‪ :‬كون العبادة بحيث يترتب عليها‬ ‫الثواب‪ ،‬فإذا نفى‪ :‬كان نفيا لما يترتب عليها من الثواب‪ ،‬ل نفيا للصحة‪ ،‬كما ورد‪" :‬إن ال ل يقبل صلة البق‪،‬‬ ‫ول من في جوفه خمر" كذا قيل‪ .‬وقد بينا في رسالة السبال وحواشي شرح العمدة‪ :‬أن نفي القبول يلزم نفي‬ ‫ال صحة‪ ،‬و في قوله‪" :‬إل بخمار" ما يدل على أ نه ي جب على المرأة ستر رأ سها‪ ،‬وعنق ها‪ ،‬ونحوه م ما ي قع عل يه‬ ‫الخمار‪.‬‬ ‫ويأ تي في حد يث أ بي داود‪ :‬من حد يث أم سلمة في صلة المرأة في درع وخمار‪ ،‬ل يس علي ها إزار‪ ،‬وأ نه قال‬ ‫صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا كان الدرع سابغا يغ طي ظهور قدمي ها" فيدل على أن ها ل بد في صلتها من تغط ية‬ ‫رأسها‪ ،‬ورقبتها‪ ،‬كما أفاده حديث الخمار‪ ،‬ومن تغطية بقية بدنها حتى ظهر قدميها‪ ،‬كما أفاده حديث أم سلمة‪،‬‬ ‫ويباح كشف وجهها حيث لم يأت دليل بتغطيته‪ ،‬والمراد‪ :‬كشفه عند صلتها بحيث ل يراها أجنبي‪ ،‬فهذه عورتها‬ ‫في الصلة‪.‬‬ ‫وأ ما عورت ها بالن ظر إلى ن ظر الج نبي إلي ها فكل ها عورة‪ ،‬ك ما يأ تي تحقي قه‪ .‬وذكره ه نا‪ ،‬وج عل عورت ها في‬ ‫الصلة هي عورتها بالنظر إلى نظر الجنبي‪ ،‬وذكر الخلف في ذلك ليس محله هنا؛ إذ لها عورة في الصلة‪،‬‬ ‫وعورة في نظر الجانب‪ ،‬والكلم الن في الول‪ .‬والثاني يأتي في محله‪.‬‬ ‫ن الثّوْبُ واسعا فا ْلتَحفْ ب هِ ــــ في‬ ‫ل ل هُ‪" :‬إذا كا َ‬ ‫وعن جابر رضي ال عنه أنّ النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَسَلّم قا َ‬ ‫طرَ َفيْهِ‪ ،‬وإن كان ضيّقا فاتّزرْ بهِ" متفق عليه‪.‬‬ ‫الصلة"‪ .‬ول ُمسْلمٍ‪" :‬فخالف بين َ‬ ‫ن الثّوْ بُ وا سعا فالت حف به‪ :‬يع ني في‬ ‫(و عن جابر ر ضي ال ع نه‪ :‬أن ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪ :‬إذا كا َ‬ ‫ضيّقا فاتّزر به‪ .‬مت فق‬ ‫ن كا نَ َ‬ ‫ال صلة‪ .‬ولم سلم‪ :‬فخَال فْ ب ين طرف يه) وذلك‪ :‬بأن يج عل شيئا م نه على عات قه (وإ ْ‬ ‫عل يه) اللتحاف في مع نى الرتداء‪ ،‬و هو أن يتزر بأ حد طر في الثوب‪ ،‬ويرتدي بالطرف ال خر‪ ،‬وقوله‪" :‬يع ني‬ ‫في الصلة"‪ ،‬الظاهر‪ :‬أنه مدرج من كلم أحد الرواة‪ ،‬قيد به أخذا من القصة؛ فإن فيها‪ :‬أنه قال جابر‪" :‬جئت إليه‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وهو يصلي‪ ،‬وعليّ ثوب‪ ،‬فاشتملت به‪ ،‬وصليت إلى جانبه‪ ،‬فلما انصرف‪ .‬قال لي صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬ما هذا الشتمال الذي رأ يت؟ قلت‪ :‬كان ثوب‪ ،‬قال‪ :‬فإن كان وا سعا فالت حف به‪ ،‬وإذا كان ضيقا‬ ‫فاتزر به"‪.‬‬ ‫فالحديث قد أفاد‪ :‬أنه إذا كان الثوب واسعا التحف به بعد اتزاره بطرفيه‪ ،‬وإذا كان ضيقا اتزر به لستر عورته‪.‬‬ ‫سرّة إلى الركبة‪ ،‬على أشهر القوال‪.‬‬ ‫فعورة الرجل من تحت ال ّ‬ ‫س على عاتقِ ِه منه شيء"‪.‬‬ ‫ولهُما من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪" :‬ل يُصلي أحدُكمْ في الثوب الواحدِ لي َ‬ ‫ح ُدكُ مْ في الثّوب الواحد ليس على عاتقه‬ ‫(ولهما) أي الشيخين (من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪ :‬ل يُصلي أ َ‬ ‫من هُ شيءٌ)‪ .‬أي إذا كان واسعا‪ ،‬كما دل له الحديث الول‪ .‬والمراد‪ :‬أل يتزر في وسطه‪ ،‬ويشد طرفي الثوب في‬ ‫حقو يه‪ ،‬بل يتو شح به على عات قه‪ ،‬فيح صل ال ستر لعالي البدن‪ ،‬وح مل الجمهور هذا الن هي‪ :‬على التنز يه‪ ،‬ك ما‬ ‫حملوا المر في قوله‪" :‬فالتحف به" على الندب‪ .‬وحمله أحمد على الوجوب‪ ،‬وأنها ل تصح صلة من قدر على‬ ‫ذلك‪ ،‬فتركه‪ ،‬وفي رواية عنه‪ :‬تصح الصلة‪ ،‬ويأثم‪ ،‬فجعله على الرواية الولى من الشرائط‪ ،‬وعلى الثانية من‬ ‫الواجبات‪.‬‬ ‫وا ستدل الخطا بي للجمهور‪ :‬ب صلته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في ثوب وا حد‪ ،‬كان أ حد طرف يه على ب عض ن سائه‬ ‫و هي نائ مة قال‪ :‬ومعلوم أن الطرف الذي هو لب سه من الثوب غ ير مت سع لن يتزر به‪ ،‬ويف ضل م نه ما كان‬ ‫لعات قه‪ .‬قلت‪ :‬وقد يجاب عنه بأن مراد أحمد‪ :‬مع القدرة على اللتحاف‪ ،‬ل أنه ل ت صح صلته‪ ،‬أو يأثم مطلقا‪.‬‬ ‫كما صرح به قوله‪ :‬ل تصح صلة من قدر على ذلك‪ .‬ويحتمل أنه في تلك الحالة ل يقدر على غير ذلك الثوب‪،‬‬ ‫بل صلته فيه‪ ،‬والحال أن بعضه على النائم‪ :‬أكبر دليل على أنه ل يجد غيره‪.‬‬ ‫وعن ُأمّ سلم َة رضي ال عنها أنّها سألت النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪َ :‬أتُصلي المْرأَ ُة في درع وخمار‪ ،‬بغير إزار؟‬ ‫ححَ الئمّةُ َوقْفَهُ‪.‬‬ ‫ظهُور قد َميْهَا" أخرجه أبو داود‪ .‬وص ّ‬ ‫ع سابغا يُغطّي ُ‬ ‫قال‪" :‬إذا كانَ ال ّد ْر ُ‬ ‫(وعن أم سلمة‪ :‬أنها سألت النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬أت صّلي المرأة في درع وخمار بغير إزار؟ قالَ‪ :‬إذا كان‬ ‫ظهُور َقدَ َم ْيهَا‪ .‬أخرجه أبو داود‪،‬‬ ‫الدرع سابغا) بسين مهملة فموحدة بعد اللف فغين معجمة‪ :‬أي واسعا (يُغطي ُ‬ ‫و صحح الئ مة وق فه) و قد تقدم بيان معناه‪ ،‬وله ح كم الر فع‪ ،‬وإن كان موقوفا‪ ،‬إذ القرب أ نه ل م سرح للجتهاد‬ ‫‪21‬‬

‫في ذلك‪ ،‬وقد أخرجه مالك‪ ،‬وأبو داود موقوفا‪ ،‬ولفظه عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة‪:‬‬ ‫ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ قالت‪ :‬تصلي في الخمار والدرع السابغ‪ ،‬إذا غيب ظهور قدميها‪.‬‬ ‫شكَل تْ عََليْنَا‬ ‫و عن عا مر بن ربيع َة ر ضي ال عن ُه قالَ‪ :‬كُنّا مع ال نبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في َليْلَ ٍة ُمظْلمةٍ‪ ،‬فَأ ْ‬ ‫ل أَن يَنكِ حَ‬ ‫ستَطِ ْع مِنكُ مْ طَ ْو ً‬ ‫ال ِقبَْلةُ‪ ،‬فَ صَلّينا‪ .‬فلما طَلَعت الشّمس إذا نح نُ صل ْينَا إلى غير ال ِقبْلَةِ‪ ،‬فنزل تْ { َومَن لّ مْ يَ ْ‬ ‫ض ُكمْ مّن َبعْضٍ فَانكِحُو ُهنّ‬ ‫ن مّا مََلكَتْ َأ ْيمَا ُنكُم مّن فَ َتيَا ِتكُ ُم ا ْلمُ ْؤ ِمنَاتِ وَاللّ ُه أَعَْلمُ ِبإِيمَا ِنكُمْ َب ْع ُ‬ ‫صنَاتِ ا ْلمُ ْؤ ِمنَاتِ َفمِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ا ْل ُم ْ‬ ‫ن فَإِ نْ َأ َتيْ نَ‬ ‫ن َفِإذَآ ُأحْ صِ ّ‬ ‫خدَا ٍ‬ ‫خذَا تِ َأ ْ‬ ‫غ ْيرَ مُ سَافِحَاتٍ َولَ ُم ّت ِ‬ ‫صنَاتٍ َ‬ ‫ِبِإذْ نِ أَهِْلهِنّ وَآتُوهُنّ ُأجُورَهُنّ بِا ْل َم ْعرُو فِ ُمحْ َ‬ ‫خ ْيرٌ ّلكُ مْ وَاللّ هُ‬ ‫ص ِبرُواْ َ‬ ‫خشِ يَ ا ْل َعنَ تَ ِم ْنكُ مْ وَأَن تَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ا ْل َعذَا بِ ذَلِ كَ ِلمَ ْ‬ ‫ت مِ َ‬ ‫صنَا ِ‬ ‫حشَ ٍة َفعَلَ ْيهِنّ نِ صْفُ مَا عَلَى ا ْل ُمحْ َ‬ ‫بِفَا ِ‬ ‫غَفُو ٌر رّحِيمٌ} أخرجه الترمذي وضعّفه‪.‬‬ ‫(و عن عا مر بن ربي عة ر ضي ال ع نه) هو أ بو ع بد ال عا مر بن ربي عة بن مالك العنزي بف تح الع ين المهملة‬ ‫وسـكون النون‪ ،‬وقيـل‪ :‬بفتحهـا‪ ،‬والزاي‪ .‬نسـبة إلى عنـز بـن وائل‪ ،‬ويقال له‪ :‬العدوي‪ .‬أسـلم قديما‪ ،‬وهاجـر‬ ‫الهجرتين‪ ،‬وشهد المشاهد كلها‪ .‬مات سنة اثنتين أو ثلث‪ ،‬أو خمس وثلثين (قال‪ :‬كنا مع النبي صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم في ليلة مظل مة فَأشْكَلَ تْ علي نا القبَْلةُ ف صَلّينا) ظاهره من غ ير ن ظر في المارات (فل ما طَلَع تْ الش مس إذا‬ ‫ن مّ ا مََلكَ تْ‬ ‫ت فَمِ ْ‬ ‫صنَاتِ ا ْلمُ ْؤ ِمنَا ِ‬ ‫ط ْولً أَن يَنكِ حَ ا ْل ُمحْ َ‬ ‫س َتطِعْ مِنكُ مْ َ‬ ‫ن صَلّينا إلى غ ير القبْلة ف َنزَلَ تْ" {وَمَن لّ مْ يَ ْ‬ ‫نح ُ‬ ‫ن أَهِْلهِنّ وَآتُوهُنّ ُأجُورَهُنّ‬ ‫ض فَان ِكحُوهُنّ ِبِإذْ ِ‬ ‫ضكُ ْم مّ ن َبعْ ٍ‬ ‫َأ ْيمَانُكُم مّ ن َف َتيَا ِتكُ مُ ا ْلمُ ْؤ ِمنَا تِ وَاللّ ُه أَعْلَ مُ ِبإِيمَا ِنكُ مْ َبعْ ُ‬ ‫ف مَا عَلَى‬ ‫ن بِفَاحِشَ ٍة َفعََل ْيهِنّ نِ صْ ُ‬ ‫ن فَإِ نْ َأ َتيْ َ‬ ‫ن َفِإذَآ ُأحْ صِ ّ‬ ‫خدَا ٍ‬ ‫خذَا تِ َأ ْ‬ ‫غ ْيرَ مُ سَافِحَاتٍ َولَ ُم ّت ِ‬ ‫صنَاتٍ َ‬ ‫بِا ْل َم ْعرُو فِ ُمحْ َ‬ ‫خيْ ٌر ّلكُ مْ وَاللّ هُ غَفُو ٌر رّحِي مٌ} أخرجه الترمذي‪،‬‬ ‫صبِرُو ْا َ‬ ‫ت ِم ْنكُ مْ وَأَن تَ ْ‬ ‫خشِ يَ ا ْل َعنَ َ‬ ‫ن ا ْل َعذَا بِ ذَلِ كَ ِلمَ نْ َ‬ ‫صنَاتِ ِم َ‬ ‫ا ْل ُمحْ َ‬ ‫وضعفه) ‪ ،‬لن فيه أشعث بن سعيد السمان‪ ،‬وهو ضعيف الحديث‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن من صلى إلى غير القبلة لظلمة‪ ،‬أو غيم‪ :‬أنها تجزئه صلته‪ ،‬سواء كان مع النظر في‬ ‫المارات والتحري‪ ،‬أو ل‪ ،‬وسواء انكشف له الخطأ في الوقت‪ ،‬أو بعده‪ .‬ويدل له ما رواه الطبراني من حديث‬ ‫معاذ بن ج بل قال‪ " :‬صلينا مع ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في يوم غ يم‪ ،‬في ال سفر‪ ،‬إلى غ ير القبلة‪ ،‬فل ما‬ ‫قضى صلته تجلت الشمس‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول ال صلينا إلى غير القبلة‪ ،‬قال‪ :‬قد رفعت صلتكم بحقها إلى ال"‪.‬‬ ‫وفيه أبو عيلة‪ ،‬وقد وثقه ابن حبان‪.‬‬ ‫و قد اختلف العلماء في هذا الح كم‪ ،‬فالقول‪ :‬بالجزاء‪ :‬مذ هب الش عبي‪ ،‬والحنف ية‪ ،‬والكوفي ين‪ ،‬في ما عدا من صلى‬ ‫بغ ير ت حر‪ ،‬وتي قن الخ طأ‪ .‬فإ نه ح كى في الب حر‪ :‬الجماع على وجوب العادة عل يه‪ ،‬فإن تم الجماع خص به‬ ‫عموم الحديث‪.‬‬ ‫وذ هب اخرون‪ :‬إلى أ نه ل ت جب عل يه العادة إذا صلى بت حر‪ ،‬وانك شف له الخ طأ‪ ،‬و قد خرج الو قت‪ .‬وأ ما إذا‬ ‫تيقن الخطأ‪ ،‬والوقت باق‪ :‬وجبت عليه العادة‪ ،‬لتوجه الخطاب مع بقاء الوقت‪ ،‬فإن لم يتيقن‪ ،‬فل يأمن من الخطأ‬ ‫في ال خر‪ ،‬فإن خرج الو قت فل إعادة للحد يث‪ .‬واشترطوا التحري؛ إذ الوا جب عل يه عل يه تي قن ال ستقبال‪ ،‬فإن‬ ‫تعذر اليقين فعل ما أمكنه من التحري‪ ،‬فإن قصر فهو غير معذور‪ ،‬إل إذا تيقن الصابة‪.‬‬ ‫وقال الشافعي‪ :‬تجب العادة عليه في الوقت‪ ،‬وبعده‪ ،‬لن الستقبال واجب قطعا‪ ،‬وحديث السرية فيه ضعف‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬الظهر العمل بخبر السرية‪ ،‬لتقويه بحديث معاذ؛ بل هو حجة وحده‪ .‬والجماع قد عرف كثرة دعواهم له‪،‬‬ ‫ول يصح‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬ما َبيْن المشرق والمغْربِ ِقبْلَةٌ" رواهُ‬ ‫وعن أبي هُريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫الترمذي وقواه البخاريّ‪.‬‬ ‫وعن أبي هُريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬ما َبيْن المشرق والمغْرب ِقبْلَةٌ" رواهُ‬ ‫الترمذي وقواه البخاريّ‪.‬‬ ‫وفـي التلخيـص حديـث‪" :‬مـا بيـن الشرق والمغرب قبلة" رواه الترمذي عـن أبـي هريرة مرفوعا‪ ،‬وقال حسـن‬ ‫صحيح‪ ،‬فكان عليه هنا أن يذكر تصحيح الترمذي له على قاعدته‪ ،‬ورأيناه في الترمذي بعد سياقه له بسنده من‬ ‫طريقين حسن إحداهما‪ ،‬وصححها ثم قال‪ :‬وقد روى عن غير واحد من أصحاب النبي صلى ال عليه واله وسلم‬ ‫"ما بين المشرق والمغرب قبلة"‪ .‬منهم عمر بن الخطاب‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ ،‬وابن عباس‪ .‬وقال ابن عمر‪ :‬إذا‬ ‫جعلت المغرب عن يمينك‪ ،‬والمشرق عن يسارك‪ ،‬فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة‪ ،‬وقال ابن المبارك‪ :‬ما بين‬ ‫المشرق‪ ،‬والمغرب قبلة لهل المشرق‪ .‬اهـ‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن الواجب استقبال الجهة‪ ،‬ل العين في حق من تعذرت عليه العين‪ ،‬وقد ذهب إليه جماعة‬ ‫من العلماء؛ لهذا الحديث‪ .‬ووجه الستدلل به على ذلك‪ :‬أن المراد‪ :‬أن ما بين الجهتين قبلة لغير المعاين‪ ،‬ومن‬ ‫‪22‬‬

‫في حك مه؛ لن المعا ين ل تنح صر قبل ته ب ين الجهت ين المشرق والمغرب‪ ،‬بل كل الجهات في ح قه سواء‪ ،‬م تى‬ ‫قابل العين‪ ،‬أو شطرها‪ .‬فالحديث‪ :‬دليل على أن ما بين الجهتين قبلة‪ :‬وأن الجهة كافية في الستقبال‪ ،‬وليس فيه‬ ‫دليل على أن المعاين يتعين عليه العين‪ ،‬بل ل بد من الدليل على ذلك‪.‬‬ ‫ع ْنهُمْ‬ ‫عفَا اللّهُ َ‬ ‫ش ْيطَانُ ِب َبعْضِ مَا كَسَبُواْ وََل َقدْ َ‬ ‫ستَزَّل ُهمُ ال ّ‬ ‫ن ِإ ّنمَا ا ْ‬ ‫ج ْمعَا ِ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اّلذِينَ َتوَلّوْ ْا مِنكُمْ يَوْمَ ا ْلتَقَى ا ْل َ‬ ‫ِإنّ اللّ هَ غَفُو ٌر حَلِي مٌ} ‪ ،‬خطاب له صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وهو في المدينة‪ ،‬واستقبال العين فيها متعسر‪ ،‬أو متعذر‪،‬‬ ‫إل ما قيل‪ :‬في محرابه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬ولكن المر بتوليته وجهه شطر المسجد الحرام عام لصلته في‬ ‫سبُواْ وَلَ َقدْ‬ ‫ض مَا كَ َ‬ ‫شيْطَا نُ ِب َبعْ ِ‬ ‫س َتزَّلهُ ُم ال ّ‬ ‫ج ْمعَا نِ ِإ ّنمَا ا ْ‬ ‫ن تَوَلّوْاْ مِنكُ مْ يَوْ َم ا ْلتَقَى ا ْل َ‬ ‫محرابه‪ ،‬وغيره‪ ،‬وقوله‪ِ{ :‬إنّ اّلذِي َ‬ ‫ع ْنهُمْ ِإنّ اللّهَ غَفُو ٌر حَلِيمٌ}‪ :‬دال على كفاية الجهة؛ إذ العين في كل محل تتعذر على كل مصل‪ ،‬وقولهم‪:‬‬ ‫عَفَا اللّهُ َ‬ ‫يق سم الجهات ح تى يح صل له أ نه تو جه إلى الع ين تع مق‪ ،‬لم يرد به دل يل‪ ،‬ول فعله ال صحابة و هم خ ير قب يل‪.‬‬ ‫فالحق أن الجهة كافية‪ ،‬ولو لمن كان في مكة وما يليها‪.‬‬ ‫حيْ ثُ‬ ‫و عن عا مر بن ربي عة ر ضي ال ع نه قالَ‪ :‬رأ يت ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم يُ صلي على راحِلَتِ ِه َ‬ ‫جهَتْ به‪ .‬متفقٌ عليه‪ ،‬زادَ البخاريّ‪ :‬يومِىء برأسه ــــ ولم يكن يصنعهُ في المكتوبة‪.‬‬ ‫تو ّ‬ ‫حيْ ثُ‬ ‫(و عن عا مر بن ربي عة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬رأ يت ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يُ صلي على راحل ته َ‬ ‫َت َوجّهتْ به‪ .‬متفق عليه)‪ .‬هو في البخاري عن عامر بن ربيعة بلفظ‪" :‬كان يسبح على الراحلة" وأخرجه عن ابن‬ ‫عمر بلفظ‪" :‬كان يسبح على ظهر راحلته" وأخرج الشافعي نحوه من حديث جابر بلفظ‪" :‬رأيت رسول ال صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم يصلي وهو على راحلته النوافل" وقوله‪( :‬زاد البخاري‪ :‬يومىء برأسه) أي في سجوده وركوعه‪.‬‬ ‫زاد ا بن خزي مة‪" :‬ولك نه يخ فض ال سجدتين من الرك عة" (ولم ي كن ي صنعه) ‪ ،‬أي‪ :‬هذا الف عل‪ ،‬و هو ال صلة على‬ ‫ظهر الراحلة (في المكتوبة) أي الفريضة‪.‬‬ ‫الحديث دليل على صحة صلة النافلة على الراحلة‪ ،‬وإن فاته استقبال القبلة‪ ،‬وظاهره سواء كان على محمل أو‬ ‫ل أو ق صيرا‪ ،‬إل أن في روا ية رز ين في حد يث جابر زيادة‪ " :‬في سفر الق صر"‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬و سواء كان ال سفر طوي ً‬ ‫وذهب إلى شرطية هذا جماعة من العلماء‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يشترط‪ ،‬بل يجوز في الحضر‪ ،‬وهو مروي عن أنس من‬ ‫قوله‪ ،‬وفعله‪ .‬والراحلة‪ :‬هي الناقة‪.‬‬ ‫والحديث ظاهر في جواز ذلك للراكب‪ ،‬وأما الماشي فمسكوت عنه‪ .‬وقد ذهب إلى جوازه جماعة من العلماء‪،‬‬ ‫قياسـا على الراكـب بجامـع التيسـير للمتطوع‪ ،‬إل أنـه قيـل‪ :‬ل يعفـى له عدم السـتقبال فـي ركوعـه وسـجوده‪،‬‬ ‫وإتمامه ما‪ ،‬وأ نه ل يم شي إل في قيا مه وتشهده‪ .‬ول هم في جواز مش يه ع ند العتدال من الركوع قولن‪ :‬وأ ما‬ ‫اعتداله ب ين ال سجدتين فل يم شي ف يه‪ ،‬إذ ل يم شي إل مع القيام‪ ،‬و هو ي جب عل يه القعود بينه ما وظا هر قوله‪:‬‬ ‫"حيث توجهت" أنه ل يعتدل لجل الستقبال‪ ،‬ل في حال صلته‪ ،‬ول في أولها‪ ،‬إل أن في قوله‪:‬‬ ‫ولبي داود من حديث أنس رضي ل عنه‪ :‬وكان إذا سافرَ فأراد أن يتطوَع استقبلَ بناقتِ ِه القِبلة‪ ،‬فكبّر ثمّ صلى‬ ‫حيث كانَ وجْ ُه ِركَابِه‪ ،‬وإسنادُ ُه حسنٌ‪.‬‬ ‫ولبي داود من حديث أنس رضي ل عنه‪ :‬وكان إذا سافرَ فأراد أن يتطوَع استقبلَ بناقتِ ِه القِبلة‪ ،‬فكبّر ثمّ صلى‬ ‫حيث كانَ وجْ ُه ِركَابِه‪ ،‬وإسنادُ ُه حسنٌ‪.‬‬ ‫ما يدل على أنه عند تكبيرة الحرام يستقبل القبلة‪ ،‬وهي زيادة مقبولة‪ ،‬وحديثه حسن‪ ،‬فيعمل بها‪ .‬وقوله‪ :‬ناقته‪،‬‬ ‫وفي الول‪ :‬راحلته‪ :‬هما بمعنى واحد‪ ،‬وليس بشرط أن يكون ركوبه على ناقة‪ ،‬بل قد صح في رواية مسلم‪" :‬أنه‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم صلى على حماره" وقوله‪" :‬إذا سافر" تقدم أن السفر شرط عند بعض العلماء‪ ،‬وكأنه يأخذه‬ ‫من هذا‪ ،‬وليس بظاهر في الشرطية‪.‬‬ ‫وفي هذا الحديث؛ والذي قبله‪ :‬أن ذلك في النفل‪ ،‬ل الفرض‪ ،‬بل صرح البخاري‪ :‬أنه ل يصنعه في المكتوبة‪ ،‬إل‬ ‫أنه قد ورد في رواية الترمذي والنسائي‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أتى إلى مضيق هو وأصحابه‪ ،‬والسماء من‬ ‫فوق هم‪ ،‬والبلة من أ سفل من هم‪ ،‬فحضرت ال صلة‪ ،‬فأ مر المؤذن‪ ،‬فأذن‪ ،‬وأقام‪ .‬ثم تقدم ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم على راحلته‪ ،‬فصلى بهم يومىء إيماء‪ ،‬فيجعل السجود أخفض من الركوع"‪ .‬قال الترمذي‪ :‬حديث غريب‪،‬‬ ‫وث بت ذلك عن أ نس من فعله‪ ،‬و صححه ع بد ال حق‪ ،‬وح سنه الثوري‪ ،‬وضع فه البيه قي‪ ،‬وذ هب الب عض‪ :‬إلى أن‬ ‫الفريضة تصح على الراحلة إذا كان مستقبل القبلة في هودج‪ ،‬ولو كانت سائرة كالسفينة‪ ،‬فإن الصلة تصح فيها‬ ‫إجماعا‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬و قد يفرق‪ :‬بأ نه قد يتعذر في الب حر وجدان الرض فع في ع نه‪ ،‬بخلف را كب الهودج‪ .‬وأ ما إذا كا نت‬ ‫الراحلة واقفة‪ ،‬فعند الشافعي تصح الصلة للفريضة‪ ،‬كما تصح عندهم في الرجوحة المشدودة بالحبال‪ ،‬وعلى‬ ‫‪23‬‬

‫السرير المحمول على الرجال إذا كانوا واقف ين‪ .‬والمراد من المكتوبة‪ :‬التي كتبت على جميع المكلفين‪ ،‬فل يرد‬ ‫عليهّ‪ :‬أنه صلى ال عليه واله وسلم كان يوتر على راحلته‪ ،‬والوتر واجب عليه‪.‬‬ ‫و عن أ بي سعيد الخدريّ ر ضي ال ع نه أنّ ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬الرض كُلّ ها م سجدٌ إل الم قبرة‬ ‫والحمام" رواه الترمذيّ وَلهُ علّةٌ‪.‬‬ ‫و عن أ بي سعيد الخدريّ ر ضي ال ع نه أنّ ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬الرض كُلّ ها م سجدٌ إل الم قبرة‬ ‫والحمام" رواه الترمذيّ وَلهُ علّةٌ‪.‬‬ ‫وهي الختلف في وصله‪ ،‬وإرساله‪ ،‬فرواه حماد موصولً عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد‪ ،‬ورواه‬ ‫الثوري مرسلًا عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى ال عليه وآله وسلم‪ ،‬ورواية الثوري أصح‪ ،‬وأثبت‪.‬‬ ‫وقال الدارقطني‪ :‬المحفوظ المرسل‪ ،‬ورجحه البيهقي‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن الرض كلها تصح فيها الصلة‪ ،‬ما عدا المقبرة وهي‪ :‬التي تدفن فيها الموتى‪ ،‬فل تصح‬ ‫فيها الصلة‪ ،‬وظاهره سواء كان على القبر‪ ،‬أو بين القبور‪ ،‬وسواء كان قبر مؤمن‪ ،‬أو كافر‪ ،‬فالمؤمن تكرمة له‪،‬‬ ‫والكافر بعدا من خبثه‪ .‬وهذا الحديث يخصص "جعلت لي الرض كلها مسجدا" الحديث‪ .‬وكذلك الحمام‪ ،‬فإنه ل‬ ‫ت صح ف يه ال صلة فق يل‪ :‬للنجا سة فيخ تص ب ما ف يه النجا سة م نه‪ ،‬وق يل‪ :‬تكره ل غ ير‪ .‬وقال أح مد بن حن بل‪ :‬ل‬ ‫ل بالحديث‪ ،‬وذهب الجمهور‪ :‬إلى صحتها‪ ،‬ولكن مع كراهته‪ ،‬وقد ورد‬ ‫تصح فيه الصلة‪ ،‬ولو على سطحه عم ً‬ ‫النهي معللً بأنه محل الشياطين‪ ،‬والقول الظهر مع أحمد‪ .‬ثم ليس التخصيص لعموم حديث‪" :‬جعلت لي الرض‬ ‫مسجدا" بهذين المحلين فقط‪ ،‬بل بما يفيده الحديث التي وهو قوله‪:‬‬ ‫ن يُ صَلى في سبْ ِع مَواطِن‪ :‬الم ْزبَلَة‪،‬‬ ‫و عن ا بن ع مر ر ضي ال عنه ما‪ :‬أن ال نبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم ن هى "أ ْ‬ ‫ـ ال تعالى" رواه الترمذي‬ ‫ظهْ ِر بيت ِ‬ ‫ـ َ‬ ‫ـ البلِ‪ ،‬وفوْق َ‬ ‫والمجْزَرة‪ ،‬والم ْقبَرَةِ‪ ،‬وقارعةِ الطريـق والحمّام‪ ،‬ومعَاطن ِ‬ ‫وضعّ َفهُ‪.‬‬ ‫سبْع‪ :‬الم ْزبَلَة) هي مجتمع‬ ‫(وعن ابن عمر رضي ال عنهما‪ :‬أن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم نهى أن يصلي في َ‬ ‫إلقاء الزبـل (والمجزرة) محـل جزر النعام (والمقـبرة) وهمـا بزنـة مفعلة بفتـح العيـن ولحوق التاء بهمـا شاذ‬ ‫(وقارعة الطريق) ما تقرعه القدام بالمرور عليها (والحمام) تقدم فيه الكلم (ومعاطن) بفتح الميم فعين مهملة‬ ‫وكسـر الطاء المهملة فنون (البـل) وهـو مـبرك البـل حول الماء (وفوق ظهـر بيـت ال تعالى‪ ،‬رواه الترمذي‪،‬‬ ‫وضعفه) فإنه قال بعد إخراجه ما لفظه‪ :‬وحديث ابن عمر ليس بذاك القوي‪ ،‬وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل‬ ‫حفظه‪ ،‬وجبيرة بفتح الجيم وكسر الموحدة فمثناة تحتية فراء‪ .‬وقال البخاري‪ :‬فيه متروك‪.‬‬ ‫و قد تكلف ا ستخراج علل للن هي عن هذه المحلت‪ ،‬فق يل‪ :‬الم قبرة والمجزرة؛ للنجا سة‪ ،‬وقار عة الطر يق كذلك‪،‬‬ ‫وق يل‪ :‬لن في ها حقا للغ ير‪ ،‬فل ت صح في ها ال صلة‪ ،‬وا سعة كا نت‪ ،‬أو ضي قة؛ لعموم الن هي‪ .‬ومعا طن ال بل ورد‬ ‫التعليل فيها منصوصا‪" :‬بأنها مأوى الشياطين"‪ .‬أخرجه أبو داود‪ ،‬وورد بلفظ‪" :‬مبارك البل"‪ ،‬وفي لفظ‪" :‬مزابل‬ ‫البل"‪ ،‬وفي أخرى‪" :‬مناخ البل" وهي أعم من معاطن البل‪.‬‬ ‫وعللوا النهي عن الصلة على ظهر بيت ال‪ ،‬وقيدوه بأنه إذا كان على طرف بحيث يخرج عن هوائها لم تصح‬ ‫صلته‪ ،‬وإل صحت‪ ،‬إل أنه ل يخفى أن هذا التعليل أبطل معنى الحديث‪ ،‬فإنه إذا لم يستقبل بطلت الصلة لعدم‬ ‫الشرط‪ ،‬ل لكون ها على ظ هر الكع بة‪ ،‬فلو صح هذا الحد يث لكان بقاء الن هي على ظاهره في جم يع ما ذ كر هو‬ ‫الواجب‪ ،‬وكان مخصصا لعموم‪" ،‬جعلت لي الرض مسجدا"‪ ،‬لكن قد عرفت ما ف يه‪ ،‬إل أن الحديث في القبور‬ ‫من بين هذه المذكورات قد صح‪ ،‬كما يفيده‪:‬‬ ‫ت ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقولُ‪" :‬ل تُ صلّوا إلى القُبور‪ ،‬ول تجْلِ سُوا‬ ‫و عن أ بي َم ْر َثدٍ ال َغنَوي قالَ‪ :‬سمع ُ‬ ‫عََليْها" روا ُه ُمسْلِمٌ‪.‬‬ ‫(وعن أبي مرثد) بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة (الغنوي) بفتح الغين المعجمة والنون‪ ،‬وهو مرثد بن أبي‬ ‫مرثد‪ .‬أسلم هو وأبوه‪ ،‬وشهد بدرا‪ ،‬وقتل مرثد يوم غزوة الرجيع شهيدا في حياته صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪( .‬قال‪:‬‬ ‫سمعت رسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم يقول‪ :‬ل ُتصَلّوا إلى القبور‪ ،‬ول تجلسوا عليها‪ .‬رواه مسلم)‪.‬‬ ‫وف يه دل يل على الن هي عن ال صلة إلى ال قبر‪ ،‬ك ما ن هى عن ال صلة على ال قبر‪ ،‬وال صل التحر يم‪ ،‬ولم يذ كر‬ ‫المقدار الذي يكون به الن هي عن ال صلة إلى ال قبر‪ ،‬والظا هر‪ :‬أ نه ما ي عد م ستقبلً له عرفا‪ .‬ودل على تحر يم‬ ‫الجلوس على ال قبر‪ ،‬و قد وردت به أحاد يث‪ ،‬كحد يث جابر في و طء ال قبر‪ ،‬وحد يث أ بي هريرة‪" :‬لن يجلس‬ ‫أحد كم على جمرة‪ ،‬فتحرق ثيا يه‪ ،‬فتخلص إلى جلده‪ :‬خ ير له من أن يجلس على قبر" أخر جه م سلم‪ ،‬و قد ذ هب‬ ‫إلى تحريم ذلك جماعة من العلماء‪ .‬وعن مالك‪ :‬أنه ل يكره القعود عليها ونحوه‪ ،‬وإنما النهي عن القعود لقضاء‬ ‫‪24‬‬

‫الحاجة‪ .‬وفي الموطأ‪ :‬عن علي عليه السلم‪" :‬أنه كان يتوسد القبر ويضطجع عليه"‪ ،‬ومثله في البخاري‪ :‬عن ابن‬ ‫ع مر‪ ،‬و عن غيره‪ .‬وال صل في الن هي التحر يم‪ ،‬ك ما عر فت غ ير مرة‪ ،‬وف عل ال صحابي ل يعارض الحد يث‬ ‫المرفوع‪ ،‬إل أن يقال‪ :‬إن فعل الصحابي دليل لحمل النهي على الكراهة‪ ،‬ول يخفى بعده‪.‬‬ ‫ح ُدكُ مْ الم سْجد‪ ،‬فَ ْل َينْظُر‪ ،‬فإن‬ ‫وعن أبي سعيدٍ رضي ال عنه قال‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا جاءَ أ َ‬ ‫ن خز ْيمَة‪.‬‬ ‫سحْهُ و ْل ُيصَلّ فيهما" أخرجه أبو داود‪ .‬وصححه اب ُ‬ ‫رأى في نعليْه أذىً أوْ قَذرا فَ ْل َيمْ َ‬ ‫(وعن أبي سعيد رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬إذا جا َء أحدكم إلى المسجد فلينظر)‬ ‫سحْهُ وليُ صَلّ فيهما‪ .‬أخرجه‬ ‫أي نعليه‪ ،‬كما دل له قوله‪( :‬فإن رأى في نعَْليْ هِ أذى أو قَذرا) شك من الراوي (فَ ْل َيمْ َ‬ ‫أبو داود‪ ،‬وصححه ابن خزيمة) اختلف في وصله‪ ،‬وإرساله‪ ،‬ورجح أبو حاتم وصله‪ ،‬ورواه الحاكم من حديث‬ ‫أنس‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس‪ ،‬وعبد ال بن الشخير‪ ،‬وإسنادهما ضعيف‪.‬‬ ‫وفـي الحديـث دللة على شرعيـة الصـلة فـي النعال‪ ،‬وعلى أن مسـح النعـل مـن النجاسـة مطهـر له مـن القذر‬ ‫والذى‪ ،‬والظا هر فيه ما ع ند الطلق النجا سة رط بة أو جا فة‪ ،‬ويدل له‪ :‬سبب الحد يث‪ ،‬و هو إخبار جبر يل له‬ ‫صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬أن في نعله أذى‪ ،‬فخلعه في صلته‪ ،‬واستمر فيها‪ ،‬فإنه سبب هذا‪ .‬وأن المصلي إذا دخل‬ ‫في ال صلة و هو متل بس بنجا سة‪ ،‬غ ير عالم ب ها‪ ،‬أو نا سيا ل ها‪ ،‬ثم عرف ب ها في أثناء صلته‪ ،‬أ نه ي جب عل يه‬ ‫إزالتها‪ ،‬ثم يستمر في صلته‪ ،‬ويبني على ما صلى‪ ،‬وفي الكل خلف‪ ،‬إل أنه ل دليل للمخالف‪ ،‬يقاوم الحديث‪،‬‬ ‫فل نطيل بذكره‪ .‬ويؤيد طهورية النعال بالمسح بالتراب الحديث التي وهو‪:‬‬ ‫ـّم‪" :‬إذا وَطىءَ أحدُكُم الذَى بخُ ّفيْهِـ‬ ‫ـّى ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫ل رسـول ال صَل‬ ‫وعـن أبـي هريرة رضـي ال عنـه قال‪ :‬قا َ‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫فطهُورُهُما التّراب"‪ .‬أخرَجَ ُه أبو داود وصحّحهُ ابنُ ِ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬إذا وطىء أحدكم الذى بخفّيه) أي‬ ‫مثلً‪ ،‬أو نعل يه‪ ،‬أو أي ملبوس لقدم يه (فطهوره ما) أي الخف ين (التراب‪ ،‬أخر جه أ بو داود و صححه ا بن حبان) ‪،‬‬ ‫وأخرجه ابن السكن‪ ،‬والحاكم‪ ،‬والبيهقي‪ :‬من حديث أبي هريرة‪ ،‬وسنده ضعيف‪ .‬وأخرجه أبو داود‪ :‬من حديث‬ ‫عائشة‪ ،‬وفي الباب غير هذه بأسانيد‪ ،‬ل تخلو من ضعف‪ ،‬إل أنه يشد بعضها بعضا‪.‬‬ ‫وقد ذهب الوزاعي‪ :‬إلى العمل بهذه الحاديث‪ ،‬وكذا النخعي وقال‪ :‬يجزيه أن يمسح خفيه إذا كان فيهما نجاسة‬ ‫بالتراب‪ ،‬ويصلي فيهما؛ ويشهد له‪ :‬أن أم سلمة سألت النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم فقالت‪ :‬إني امرأة أطيل ذيلي‪،‬‬ ‫وأم شي في المكان القذر‪ ،‬فقال‪" :‬يطهره ما بعده"‪ .‬أخر جه أ بو داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وا بن ما جه‪ .‬ونحوه‪" :‬أن امرأة‬ ‫من ب ني ع بد الش هل قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا ر سول ال إن ل نا طريقا إلى الم سجد منت نة‪ ،‬فك يف نف عل إذا مطر نا؟ فقال‪:‬‬ ‫أليس من بعدها طريق هي أطيب منها؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فهذه بهذه" أخرجه أبو داود‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬ ‫قال الخطا بي‪ :‬وفي إسناد الحديث ين مقال‪ ،‬وتأوله الشاف عي‪ :‬بأنه إن ما هو فيما جرى على ما كان يابسا‪ ،‬ل يعلق‬ ‫بالثوب منه شيء‪ ،‬قلت‪ :‬ول يناسبه قولها‪" :‬إذا مطرنا"‪ .‬وقال مالك؛ معنى كون الرض يطهر بعضها بعضا‪ :‬أن‬ ‫ي طأ الرض القذرة‪ ،‬ثم ي صل للرض الطي بة الياب سة‪ ،‬فإن بعض ها يط هر بعضا‪ .‬أ ما النجا سة ت صيب الثوب أو‬ ‫الجسد‪ ،‬فل يطهرها إل الماء؛ قال‪ :‬وهو إجماع‪.‬‬ ‫قيل‪ :‬ومما يدل لحديث الباب‪ ،‬وأنه على ظاهره‪ :‬ما أخرجه البيهقي عن أبي المعلى عن أبيه عن جده قال‪ :‬أقبلت‬ ‫مع علي بن أ بي طالب عل يه ال سلم إلى الجم عة‪ ،‬و هو ماش؛ فحال بي نه وب ين الم سجد حوض من ماء وط ين‪،‬‬ ‫فخلع نعل يه و سراويله؛ قال‪ :‬قلت‪ :‬هات يا أم ير المؤمن ين أحمله ع نك‪ .‬قال‪ :‬ل‪ ،‬فخاض‪ ،‬فل ما جاوزه ل بس نعل يه‬ ‫وسـراويله‪ ،‬ثـم صـلى بالناس‪ ،‬ولم يغسـل رجليـه‪ .‬أي ومـن المعلوم‪ :‬أن الماء المجتمـع فـي القرى ل يخلو عـن‬ ‫النجاسة‪.‬‬ ‫وعن معاوية بن الحكم رضي ال عنه قال‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إنّ هذه ال صّلةَ ل يَ صْلُحُ فيها‬ ‫شيءٌ من كلم الناس‪ ،‬إنما هُ َو ال ّتسْبيحُ‪ ،‬والتّكبير‪ ،‬وقراء ُة القُران" رواه مُسلمٌ‪.‬‬ ‫(و عن معاو ية بن الح كم) هو معاو ية بن الح كم ال سلمي كان ينزل المدي نة‪ ،‬وعداده في أ هل الحجاز (قال‪ :‬قال‬ ‫ح فيها شيءٌ من كلم النّاس‪ ،‬إنّما هو التسبيحُ والتّكبيرُ‬ ‫رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬إنّ هذه الصلة ل ي صْلُ ُ‬ ‫وقراءة القران‪ .‬رواه مسلم)‪.‬‬ ‫وللحديث سبب حاصله‪" :‬أنه عطس في الصلة رجل‪ ،‬فشمته معاوية‪ ،‬وهو في الصلة‪ ،‬فأنكر عليه من لديه من‬ ‫الصحابة بما أفهمه ذلك‪ ،‬ثم قال له النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم بعد ذلك‪ :‬إن هذه الصلة‪ .‬الحديث" وله عدة ألفاظ‪.‬‬ ‫والمراد من عدم ال صلحية‪ :‬عدم صحتها‪ ،‬و من الكلم مكال مة الناس ومخاطبت هم‪ ،‬ك ما هو صريح ال سبب‪ .‬فدل‬ ‫على أن المخاط بة في ال صلة تبطل ها‪ ،‬سواء كا نت ل صلح ال صلة‪ ،‬أو غير ها؛ وإذا احت يج إلى ت نبيه الدا خل‬ ‫‪25‬‬

‫فيأتي حكمه‪ ،‬وبماذا يثبت‪ .‬ودل الحديث‪ :‬على أن الكلم من الجاهل في الصلة ل يبطلها‪ ،‬وأنه معذور لجهله؛‬ ‫فإنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم لم يأمر معاوية بالعادة‪ .‬وقوله‪" :‬إنما هو"‪ :‬أي الكلم المأذون فيه في الصلة‪ ،‬أو الذي‬ ‫يصلح فيها‪ :‬التسبيح‪ ،‬والتكبير‪ ،‬وقراءة القران‪ :‬أي إنما يشرع فيها ذلك‪ ،‬وما انضم إليه من الدعية‪ ،‬ونحوها‪،‬‬ ‫لدليله التي وهو‪:‬‬ ‫و عن ز يد بن أرْقَم أ نه قالَ‪ :‬إ نْ كُ نا َل َنتَكلّم في ال صلة على عهْد ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يُكلّ مُ أحدُ نا‬ ‫سطَى َوقُومُو ْا للّ ِه قَا ِنتِي نَ} فأمر نا بال سكوت ‪،‬‬ ‫صاحب ُه بحاجَتِ هِ‪ ،‬حتّى َنزَلَ تْ {حَافِظُواْ عَلَى ال صّلَوَاتِ وال صّلَةِ ا ْلوُ ْ‬ ‫ونهينا عن الكلم‪ .‬متفق عليه ‪ ،‬واللفظ لمسلم‪.‬‬ ‫(وعن زيد بن أرقم قال‪ :‬إن كنا لنتكلم في الصلة على عهد رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم) والمراد‪ :‬ما ل بد‬ ‫م نه من الكلم‪ ،‬كرد ال سلم ونحوه‪ ،‬ل أن هم كانوا يتحادثون في ها تحادث المتجال سين‪ ،‬ك ما يدل قوله‪( :‬يكلم أحد نا‬ ‫سطَى َوقُومُو ْا للّ هِ قَا ِنتِي نَ} وهي صلة العصر‬ ‫صاحبه بحاجته‪ ،‬حتى نزلت‪{ :‬حَا ِفظُواْ عَلَى ال صّلَوَاتِ وال صّلَ ِة الْوُ ْ‬ ‫سطَى َوقُومُو ْا للّهِ قَا ِنتِينَ}‬ ‫ت والصّلَ ِة الْ ُو ْ‬ ‫على أكثر القوال‪ .‬وقد ادعى فيه الجماع {حَا ِفظُواْ عَلَى الصّلَوَا ِ‬ ‫قال النووي في شرح م سلم‪ :‬ف يه دل يل على تحر يم جم يع أنواع كلم الدمي ين‪ .‬وأج مع العلماء‪ :‬على أن المتكلم‬ ‫فيها عامدا عالما بتحريمه‪ ،‬لغير مصلحتها‪ ،‬ولغير إنقاذ هالك‪ ،‬وشبهه‪ :‬مبطل للصلة‪ ،‬وذكر الخلف في الكلم‬ ‫لمصـلحتها‪ ،‬ويأتـي فـي شرح حديـث ذي اليديـن فـي أبواب السـهو‪ .‬وفهـم الصـحابة المـر بالسـكوت مـن قوله‪:‬‬ ‫"قانتين"؛ لنه أحد معاني القنوت‪ ،‬وله أحد عشر معنى معروفة‪ ،‬وكأنهم أخذوا خصوص هذا المعنى من القرائن‪،‬‬ ‫أو من تف سيره صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ل هم ذلك‪ .‬والحد يث ف يه أبحاث قد سقناها في حوا شي شرح العمدة‪ ،‬فإن‬ ‫اضطر المصلي إلى تنبيه غيره‪ ،‬فقد أباح له الشارع نوعا من اللفاظ كما يفيده الحديث‪:‬‬ ‫ل رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬التّ سْبيحُ للرجالِ‪ ،‬والتّ صْفيقُ للنّساءِ" ُمتّف قٌ علي هِ‪ ،‬زادَ‬ ‫وعن أبي هريرة قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫ُمسْلمٌ "في الصّلةِ"‪.‬‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬التسبيح للرجال) وفي رواية‪" :‬إذا‬ ‫نابكم أمر فالتسبيح للرجال" (والتّصفيق للنساء متفق عليه‪ .‬زاد مسلم‪ :‬في الصلة) وهو المراد من السياق‪ ،‬وإن‬ ‫لم يأت بلفظه‪.‬‬ ‫والحديث دليل‪ :‬على أنه يشرع لمن نابه في الصلة أمر من المور‪ ،‬كأن يريد‪ :‬تنبيه المام على أمر سها عنه‪،‬‬ ‫وتنبيه المار‪ ،‬أو من يريد منه أمرا‪ ،‬وهو ل يدري أنه يصلي‪ ،‬فينبهه على أنه في صلة‪ ،‬فإن كان المصلي رجلً‬ ‫قال‪ :‬سبحان ال؛ وقد ورد في البخاري بهذا اللفظ‪ ،‬وأطلق فيما عداه‪ ،‬وإن كانت المصلية امرأة نبهت بالتصفيق‪.‬‬ ‫وكيفيته‪ ،‬كما قال عيسى بن أيوب‪ :‬أن تضرب بأصبعين من يمينها على كفها اليسرى‪ .‬وقد ذهب إلى القول بهذا‬ ‫الحديث جمهور العلماء‪ ،‬وبعضهم فصل بل دليل ناهض‪ ،‬فقال‪ :‬إن كان ذلك للعلم‪ :‬بأنه في صلة فل يبطلها‪،‬‬ ‫وإن كان لغير ذلك‪ :‬فإنه يبطلها‪ ،‬ولو كان فتحا على المام‪ .‬قالوا‪ :‬لما أخرجه أبو داود من قوله صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫َوسَلّم‪" :‬يا علي ل تفتح على المام في الصلة"‪ .‬وأجيب‪ :‬بأن أبا داود ضعفه بعد سياقه له‪.‬‬ ‫فحديث الباب باق على إطلقه‪ ،‬ل تخرج منه صورة إل بدليل‪ .‬ثم الحديث ل يدل على وجوب التسبيح تنبيها‪ ،‬أو‬ ‫التصفيق؛ إذ ليس فيه أمر‪ ،‬إل أنه قد ورد بلفظ المر في رواية‪" :‬إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفق النساء"‪.‬‬ ‫وقـد اختلف فـي ذلك العلماء‪ .‬قال شارح التقريـب‪ :‬الذي ذكره أصـحابنا‪ :‬ومنهـم‪ :‬الرافعـي‪ ،‬والنووي‪ :‬أنـه سـنة‪،‬‬ ‫وحكاه عن الصحاب‪ ،‬ثم قال بعد كلم‪ :‬والحق انقسام التنبيه في الصلة إلى‪ :‬ما هو واجب‪ ،‬ومندوب‪ ،‬ومباح‪،‬‬ ‫بحسب ما يقتضيه الحال‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يُ صَلي‪ ،‬وفي صدره‬ ‫شخّير عن أبيه قال‪ :‬رََأيْ تُ رسو َ‬ ‫ن مُطرّف بن عبد ال بن ال ّ‬ ‫وع ْ‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫صحّحهُ ابن ِ‬ ‫أَزيزٌ كأزيز المرْجلِ‪ ،‬من ا ْلبُكاءِ‪ .‬أخرجهُ الخمسة إل ابن ماجهْ‪ ،‬و َ‬ ‫(وعن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وتشديد الراء المكسورة وبالفاء (ابن عبد ال بن الشخير) بكسر‬ ‫الشين المعجمة وكسر الخاء المشددة‪ ،‬ومطرف تابعي جليل (عن أبيه) عبد ال بن الشخير‪ ،‬وهو ممن وفد إلى‬ ‫النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم في بني عامر‪ ،‬يعد في البصريين‪.‬‬ ‫صدْرهِ أزيزٌ) بفتح الهمزة فزاي مكسورة فمثناة تحتية‬ ‫(قال‪ :‬رأيت رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يصلي وفي َ‬ ‫ساكنة فزاي‪ ،‬و هو‪ :‬صوت القدر في غليانها (كأز يز المرجل) بك سر الميم وسكون الراء وفتح الجيم هو القدر‬ ‫(من البكاء) بيان للزيز (أخرجه الخمسة) هم عنده على ما ذكره في الخطبة‪ :‬من عدا الشيخين‪ ،‬فهم أصحاب‬ ‫ال سنن‪ ،‬وأح مد‪ ،‬إل أ نه ه نا أراد ب هم غ ير ذلك‪ ،‬و هم أ هل ال سنن الثل ثة وأح مد‪ ،‬ك ما بي نه قوله‪ :‬إل ا بن ما جه‪،‬‬ ‫وصححه ابن حبان) ‪ ،‬وصححه أيضا ابن خزيمة‪ ،‬والحاكم‪ ،‬ووهم من قال‪ :‬إن مسلما أخرجه‪ ،‬ومثله ما روى‪:‬‬ ‫‪26‬‬

‫حرّقُو هُ وَان صُرُو ْا آِل َه َتكُ ْم إِن كُنتُ ْم‬ ‫"أن ع مر صلى صلة ال صبح‪ ،‬وقرأ سورة يو سف ح تى بلغ إلى قوله‪{ :‬قَالُو ْا َ‬ ‫فَاعِلِينـَ} (يوسـف‪ .)86 :‬فسـمع نشيجـه‪ ،‬أخرجـه البخاري مقطوعا‪ ،‬ووصـله سـعيد بـن منصـور‪ ،‬وأخرجـه ابـن‬ ‫المنذر‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن مثل ذلك ل يبطل الصلة‪ ،‬وقيس عليه النين‪.‬‬ ‫حنَ حَ لي‪.‬‬ ‫و عن عليّ قال‪ :‬كان لي من ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم َمدْخلن‪ ،‬ف ُكنْ تُ إذَا أتيتُ هُ و ُه َو يُ صلي َت َن ْ‬ ‫رَواهُ النسائيّ وابنُ مَاجَهْ‪.‬‬ ‫(و عن علي ر ضي ال ع نه قال‪ :‬كان لي من ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم مدخلن) بف تح الم يم ودال مهملة‬ ‫وخاء معجمة تثنية مدخل بزنة مقتل‪ :‬أي وقتان أدخل عليه فيهما (فكنت أذا أَت ْيتُه وهو يُصلي َت َنحْنَ حَ لي‪ ،‬رواه‬ ‫النسائي‪ ،‬وابن ماجه) وصححه ابن السكن‪ ،‬وقد روى بلفظ‪" :‬سبح" مكان "تنحنح"‪ :‬من طريق أخرى ضعيفة‪.‬‬ ‫والحديث دليل‪ :‬على أن التنحنح غير مبطل للصلة‪ ،‬وقد ذهب إليه الناصر‪ ،‬والشافعي؛ عملً بهذا الحديث‪ ،‬وعند‬ ‫الهادوية‪ :‬أنه مفسد إذا كان بحرفين فصاعدا‪ ،‬إلحاقا له بالكلم المفسد‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذا الحديث فيه اضطراب‪ ،‬ولكن‬ ‫قد سمعت‪ :‬أن رواية‪ :‬تنحنح صححها ابن السكن‪ ،‬ورواية سبح ضعيفة‪ ،‬فل تتم دعوى الضطراب؛ ولو ث بت‬ ‫الحديثان معا‪ ،‬لكان الج مع بينه ما ــــ بأ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان تارة ي سبح‪ ،‬وتارة يتنح نح ــــ‬ ‫صحيحا‪.‬‬ ‫وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬قُلتُ لبللٍ‪ :‬كيْفَ رأيت النّبيّ صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم ي ُردّ عليهمْ حين يُسلّمون‬ ‫صحّحهُ‪.‬‬ ‫ل هكذا‪ ،‬و َبسَطَ كَ ّفهُ‪ .‬أخرجهُ أبو داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬و َ‬ ‫عليه‪ ،‬وهو يُصلي؟ قال‪َ :‬يقُو ُ‬ ‫(وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬قلت لبلل‪ :‬كيف رأيت النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يرد عليهم) أي على‬ ‫الن صار‪ ،‬ك ما دل له ال سياق (ح ين ي سلمون عل يه و هو يُ صلي؟ قال‪ :‬يقول‪ :‬هكذا وب سط ك فه‪ .‬أخر جه أ بو داود‬ ‫والترمذي‪ ،‬وصححه) ‪ ،‬وأخرجه أيضا أحمد‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وأصل الحديث‪" :‬أنه خرج رسول ال صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم إلى قباء ي صلي ف يه‪ ،‬فجاءت الن صار‪ ،‬و سلموا عل يه‪ ،‬فقلت لبلل‪ :‬ك يف رأ يت؟ الحد يث‪ ،‬ورواه‬ ‫أحمد‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬والحاكم أيضا من حديث ابن عمر‪" :‬أنه سأل صهيبا عن ذلك" بدل بلل‪ ،‬وذكر الترمذي‪ :‬أن‬ ‫الحديثين صحيحان جميعا‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن إذا سلم أحد على المصلي رد عليه السلم‪ ،‬بالشارة دون الن طق‪ .‬وقد أخرج مسلم عن‬ ‫جابر‪" :‬أن رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم بعثه لحاجة‪ .‬قال‪ :‬ثم أدركته وهو يصلي‪ ،‬فسلمت عليه‪ ،‬فأشار إل يّ‪،‬‬ ‫فلما فرغ دعاني‪ :‬وقال‪ :‬إنك سلمت علي‪ ،‬فاعتذر إليه بعد الرد بالشارة"‪ .‬وأما حديث ابن مسعود‪" :‬أنه سلم عليه‬ ‫وهو يصلي‪ ،‬فلم يرد عليه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬ول ذ كر الشارة‪ ،‬بل قال له بعد فرا غه من ال صلة‪" :‬إن في‬ ‫الصلة شغلً"‪ ،‬إل أنه قد ذكر البيهقي في حديثه‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم أومأ له برأسه"‪.‬‬ ‫و قد اختلف العلماء في رد ال سلم في ال صلة على من سلم على الم صلي‪ .‬فذ هب جما عة‪ :‬إلى أ نه يرد بالل فظ‪.‬‬ ‫وقال جماعـة‪ :‬يرد بعـد السـلم مـن الصـلة‪ .‬وقال قوم‪ :‬يرد فـي نفسـه‪ .‬وقال قوم‪ :‬يرد بالشارة‪ ،‬كمـا أفاده هذا‬ ‫الحديث‪ ،‬وهذا هو أقرب القوال للدليل‪ ،‬وما عداه لم يأت به دليل‪ .‬قيل‪ :‬وهذا الرد بالشارة استحباب‪ ،‬بدليل‪ :‬أنه‬ ‫لم يرد صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم به على ابن مسعود‪ ،‬بل قال له‪" :‬إن في الصلة شغلً"‪.‬‬ ‫قد عرفت من رواية البيهقي‪ ،‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم رد عليه بالشارة برأسه‪ ،‬ثم اعتذر إليه عن الرد باللفظ‪،‬‬ ‫لنه الذي كان يرد به عليهم في الصلة‪ ،‬فلما حرم الكلم‪ ،‬رد عليه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بالشارة‪ ،‬ثم أ خبره‪:‬‬ ‫"أن ال أحدث من أمره أن ل يتكلموا في الصلة" فالعجب من قول من قال‪ :‬يرد باللفظ مع أنه صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَسَـلّم قال هذا‪ .‬أي أن ال أحدث مـن أمره فـي العتذار عـن رده على ابـن مسـعود السـلم باللفـظ‪ ،‬وجعـل رده‬ ‫السلم في الصلة كلما‪ ،‬وأن ال نهى عنه‪ .‬والقول‪ :‬بأنه من سلم على المصلي ل يستحق جوابا‪ .‬يعني بالشارة‬ ‫ل باللفظ‪ ،‬يرده‪ :‬رده صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم على النصار‪ ،‬وعلى جابر بالشارة؛ ولو كانوا ل يستحقون لخبرهم‬ ‫بذلك‪ ،‬ولم يرد عليهم‪.‬‬ ‫وأما كيفية الشارة‪ ،‬ففي المسند من حديث صهيب قال‪" :‬مررت برسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وهو يصلي‪،‬‬ ‫فسلمت‪ ،‬فرد علي إشارة" قال الراوي‪ :‬ل أعلمه إل قال "إشارة بأصبعه" وفي حديث ابن عمر‪ :‬في وصفه لرده‬ ‫صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم على النصار‪ :‬أنه صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم قال‪" :‬هكذا‪ ،‬وبسط جعفر بن عون ــــ الراوي‬ ‫عن ابن عمر ــــ كفه‪ ،‬وجعل بطنه أسفل‪ ،‬وجعل ظهره إلى فوق"‪ .‬فتحصل من هذا‪ :‬أنه يجيب المصلي‬ ‫بالشارة إما برأسه‪ ،‬أو بيده‪ ،‬أو بأصبعه‪.‬‬ ‫‪27‬‬

‫والظاهر‪ :‬أنه واجب؛ لن الرد بالقول واجب‪ ،‬وقد تعذر في الصلة‪ ،‬فبقي الرد بأي ممكن‪ ،‬وقد أمكن بالشارة‪،‬‬ ‫ستَقِيما} وأما حديث أبي‬ ‫صرَاطا مّ ْ‬ ‫وجعله الشارع ردا‪ ،‬وسماه الصحابة ردا ودخل تحت قوله تعالى‪{ :‬وََل َه َد ْينَاهُ مْ ِ‬ ‫هريرة‪ :‬أنه قال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬من أشار في الصلة إشارة تفهم عنه فليعد صلته" ذكره الدارقطني؛ فهو‬ ‫حديث باطل؛ لنه من رواية أبي غطفان عن أبي هريرة‪ ،‬وهو رجل مجهول‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يُ صَلي وهو حامِلٌ أُمام َة ــــ بنت‬ ‫وعن أبي قتَادة رضي ال عنه قالَ‪ :‬كان رسو ُ‬ ‫حمََلهَا‪ .‬متفقٌ عليه‪ .‬ولمسلمٍ‪ :‬وهو يؤ ّم الناسَ في المسجدِ‪.‬‬ ‫جدَ وضعها‪ .‬وإذا قامَ َ‬ ‫سَ‬ ‫زينب ــــ فإذا َ‬ ‫(و عن أ بي قتادة قال‪ :‬كان ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يُ صلي وهوحاملٌ أُمامةَ) ب ضم الهمزة (ب نت زي نب)‬ ‫هي أُمها‪ ،‬وهي زينب‪ :‬بنت رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم‪ .‬وأبوها‪ :‬أبو العاص بن الربيع (فإذا سجد وضعها‪،‬‬ ‫وإذا قام حمل ها مت فق عل يه‪ :‬ولم سلم) زيادة (و هو يؤم الناس في الم سجد) في قوله‪ :‬كان ي صلي ما يدل على أن‬ ‫َسـلّم مرة واحدة‪ ،‬ل‬ ‫ْهـ و َ‬ ‫صـلّى ال عََلي ِ‬ ‫هذه العبارة ل تدل على التكرار مطلقا؛ لن هذا الحمـل لمامـة وقـع منـه َ‬ ‫غير‪.‬‬ ‫والحديـث دليـل على أن حمـل المصـلي فـي الصـلة حيوانا ادميا‪ ،‬أو غيره ل يضـر صـلته‪ ،‬سـواء كان ذلك‬ ‫لضرورة‪ ،‬أو غير ها‪ ،‬و سواء كان في صلة فري ضة أو غير ها‪ ،‬و سواء كان إماما أو منفردا‪ ،‬و قد صرح في‬ ‫رواية مسلم‪ :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان إماما‪ ،‬فإذا جاز في حال المامة جاز في حال النفراد‪ .‬وإذا جاز في‬ ‫الفريضـة جاز فـي النافلة بالولى‪ .‬وفيـه دللة على طهارة ثياب الصـبيان وأبدانهـم‪ ،‬وأنـه الصـل مـا لم تظهـر‬ ‫النجاسة‪.‬‬ ‫وأن الفعال ال تي م ثل هذه ل تب طل ال صلة؛ فإ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان يحمل ها ويضع ها‪ ،‬و قد ذ هب إل يه‬ ‫الشافعي‪ ،‬ومنع غيره من ذلك‪ ،‬وتأولوا الحديث بتأويلت بعيدة‪ :‬منها‪ :‬أنه خاص به صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ .‬ومنها‪:‬‬ ‫أن أُمام َة كان تعلق به من دون فعل منه‪ .‬ومنها‪ :‬أنه للضرورة‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬إنه منسوخ‪ ،‬وكلها دعاوى بغير‬ ‫برهان واضح‪ ،‬وقد أطال ابن دقيق العيد في شرح العمدة القول في هذا‪ ،‬وزدناه إيضاحا في حواشيها‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬اقتُلُوا السوَديْنِ في الصلة‪ :‬الحيّةَ‪،‬‬ ‫وعن أبي هُريرة رضي ال عنه قالَ‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫والعقرب" أخرجه الربعة‪ ،‬وصححه ابنُ ِ‬ ‫وعن أبي هُريرة رضي ال عنه قالَ‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬اقتُلُوا السوَديْنِ في الصلة‪ :‬الحيّةَ‪،‬‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫والعقرب" أخرجه الربعة‪ ،‬وصححه ابنُ ِ‬ ‫وله شواهد كثيرة‪ ،‬والسودان اسم يطلق على الحية والعقرب‪ ،‬على أي لون كانا‪ ،‬كما يفيده كلم أئمة اللغة‪ ،‬فل‬ ‫يتوهم أنه خاص بذي اللون السود فيهما‪.‬‬ ‫و هو دل يل على وجوب ق تل الح ية والعقرب في ال صلة إذ هو ال صل في ال مر‪ ،‬وق يل‪ :‬إ نه للندب‪ ،‬و هو دل يل‬ ‫على أن الفعل الذي ل يتم قتلهما إل به ل يبطل الصلة‪ ،‬سواء كان بفعل قليل‪ ،‬أو كثير‪ ،‬وإلى هذا ذهب جماعة‬ ‫من العلماء‪ .‬وذهبت الهادوية‪ :‬إلى أن ذلك يفسد الصلة‪ ،‬وتأولوا الحديث بالخروج من الصلة‪ ،‬قياسا على سائر‬ ‫الفعال الكثيرة التـي تدعـو إليهـا الحاجـة‪ ،‬وتعرض وهـو يصـلي‪ ،‬كإنقاذ الغريـق ونحوه‪ ،‬فإنـه يخرج لذلك مـن‬ ‫صلته‪ ،‬وفيه لغيرهم تفاصيل أخر‪ ،‬ل يقوم عليها دليل‪ .‬والحديث حجة للقول الول‪.‬‬ ‫وأحاديث الباب اثنان وعشرون‪ ،‬وفي الشرح ستة وعشرون‪.‬‬ ‫باب سترة المصلي‬ ‫ن يدي‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬لوْ َيعْلَ مُ المارّ َبيْ َ‬ ‫ل ر سو ُ‬ ‫جهَيْم بن الحارث ر ضي ال عن هُ قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫عن أ بي ُ‬ ‫ن يمُر بين يديه" متّفق عليه‪ ،‬واللف ظُ للبخاريّ‪،‬‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن خيْرا له م ْ‬ ‫المُصلي ماذا عليْه من الثم لكان أن يقف أربعي َ‬ ‫ووقعَ في ال َبزّار من وج ٍه اخر "أَربعين خريفا"‪.‬‬ ‫( عن أ بي جه يم) ب ضم الج يم م صغر ج هم‪ ،‬و هو ع بد ال بن جه يم‪ .‬وق يل‪ :‬هو ع بد ال بن الحارث بن ال صمة‬ ‫بكسر المهملة وتشديد الميم‪ ،‬النصاري‪ ،‬له حديثان‪ ،‬هذا أحدهما‪ ،‬والخر في السلم على من يبول‪ .‬وقال فيه أبو‬ ‫داود‪ :‬أبو الجهيم بن الحارث بن الصمة‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن راوي حديث البول‪ :‬رجل اخر‪ ،‬هو عبد ال بن الحارث‪،‬‬ ‫والذي هنا عبد ال بن جهيم وأنهما اثنان‪.‬‬ ‫(قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬ل ْو يعلم المارّ ب ين َيدَ يِ المُ صَلّي ماذا عل يه من الث مِ) ل فظ من الثم‬ ‫ليس من ألفاظ البخاري‪ ،‬ول مسلم‪ ،‬بل قال المصنف في فتح الباري‪ :‬إنها ل توجد في البخاري إل عند بعض‬ ‫رواته‪ ،‬وقدح فيه‪ :‬بأنه ليس من أهل العلم‪ .‬قال‪ :‬وقد عيب على الطبري نسبتها إلى البخاري في كتابه الحكام‪،‬‬ ‫وكذا عيب على صاحب العمدة نسبتها إلى الشيخين معا اهـ فالعجب من نسبة المصنف لها هنا إلى الشيخين‪،‬‬ ‫‪28‬‬

‫فقد وقع له من الوهم ما وقع لصاحب العمدة (لكان أن يقف أربعي نَ خيرا لَ ُه من أن َي ُمرّ بين يدي هِ‪ .‬متفق عليه‬ ‫واللفظ للبخاري) وليس فيه ذكر مميز الربعين (ووقع في البزار) أي من حديث أبي جهيم (من وجه) أي من‬ ‫طر يق رجال ها غ ير ر جل المت فق عل يه (أربع ين خريفا) أي عاما‪ ،‬أطلق الخر يف على العام‪ ،‬من إطلق الجزء‬ ‫على الكل‪.‬‬ ‫والحديث دليل على تحريم المرور بين يدي المصلي‪ :‬أي ما بين موضع جبهته في سجوده‪ ،‬وقدميه‪ ،‬وقيل‪ :‬غير‬ ‫هذا‪ ،‬و هو عام في كل م صل فرضا‪ ،‬أو نفلً‪ ،‬سواء كان إماما‪ ،‬أو منفردا‪ ،‬وق يل‪ :‬يخ تص بالمام والمنفرد‪ ،‬إل‬ ‫المأموم‪ ،‬فإنه ل يضره من مر بين يديه؛ لن سترة المام سترة له‪ ،‬وإمامه سترة له‪ ،‬إل أنه قد رد هذا القول‪:‬‬ ‫بأن ال سترة إن ما تر فع الحرج عن الم صلي‪ ،‬ل عن المار‪ .‬ثم ظا هر الوع يد يخ تص بالمار‪ ،‬ل ب من و قف عامدا‬ ‫مثلً بين يدي المصلي‪ ،‬أو قعد‪ ،‬أو رقد‪ ،‬ولكن إذا كان العلة فيه التشويش على المصلي‪ ،‬فهو في معنى المار‪.‬‬ ‫ن سُترةِ المُصَلي‪ .‬فقَالَ‪:‬‬ ‫سئِل النّبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَسَلّم ــــ في غَزوةِ تَبوك ــــ ع ْ‬ ‫وعن عائشة قالت‪ُ :‬‬ ‫"مثل مُؤخِرةِ ال ّرحْلِ" أخرجه ُمسِْلمٌ‪.‬‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬سئل رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في غزوة تبوك‪ :‬عن سترة المصلي‬ ‫فقال‪ :‬مثل مؤخرة) بضم الميم وهمزة ساكنة وكسر الخاء المعجمة وفيها لغات أخر (الرحل‪ ):‬هو العود الذي في‬ ‫اخر الرحل (أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫وفي الحديث ندب للمصلي إلى اتخاذ سترة‪ ،‬وأنه يكفيه مثل مؤخرة الرحل‪ ،‬وهي قدر ثلثي ذراع‪ ،‬وتحصل بأي‬ ‫شيء أقامه بين يديه‪.‬‬ ‫قال العلماء‪ :‬والحكمة في السترة كف البصر عما وراءها‪ ،‬ومنع من يجتاز بقربه‪ .‬وأخذ من هذا‪ .‬أنه ل يكفي‬ ‫الخط بين يدي المصلي‪ ،‬وإن كان قد جاء به حديث‪ ،‬أخرجه أبو داود‪ ،‬إل أنه ضعيف مضطرب‪ ،‬وقد أخذ به‬ ‫أحمد بن حنبل فقال‪ :‬يكفي الخط‪ ،‬وينبغي له أن يدنو من السترة‪ ،‬ول يزيد ما بينه وبينها على ثلثة أذرع‪ ،‬فإن‬ ‫لم ي جد ع صا‪ ،‬أو نحو ها ج مع أحجارا‪ ،‬أو ترابا‪ ،‬أو متا عه‪ ،‬قال النووي‪ :‬ا ستحب أ هل العلم الد نو من ال سترة‪:‬‬ ‫بحيث يكون بينه وبينها قدر مكان السجود‪ ،‬وكذلك بين الصفوف‪ .‬وقد ورد المر بالدنو منها‪ ،‬وبيان الحكمة في‬ ‫اتخاذها‪ ،‬وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث سهل بن أبي حثمة مرفوعا‪" :‬إذا صلى أحدكم إلى سترة‪ ،‬فليدن‬ ‫من ها‪ ،‬ل يق طع الشيطان عل يه صلته"‪ ،‬ويأ تي في الحد يث الرا بع‪ :‬ما يف يد ذلك‪ ،‬والقول بأن أ قل ال سترة م ثل‬ ‫مؤخرة الرحل يرده الحديث التي‪:‬‬ ‫س ْهمٍ"‬ ‫ستِت ْر أحدُ كم في ال صلة ول ْو ب َ‬ ‫سبْرة بن َمعْبدٍ الجُهنيّ قال‪ :‬قالَ ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ِ" :‬ليَ ْ‬ ‫و عن َ‬ ‫أخرجه الحاكم‪.‬‬ ‫(وعن سبرة) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة‪ ،‬وهو أبو ثرية بضم المثلثة وفتح الراء وتشديد المثناة التحتية‬ ‫وهو سبرة (ابن معبد الجهني) سكن المدينة‪ ،‬وعداده في البصريين (قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪:‬‬ ‫ليستتر أحدكم في الصلة‪ ،‬ولو بسهم‪ .‬أخرجه الحاكم)‪.‬‬ ‫ف يه ال مر بال سترة‪ ،‬وحمله الجماه ير على الندب‪ ،‬وعر فت أن فائدة اتخاذ ها‪ :‬أ نه مع اتخاذ ها ل يق طع ال صلة‬ ‫شيء‪ ،‬ومع عدم اتخاذها‪ :‬يقطعها ما يأتي‪ ،‬وفي قوله‪" :‬لو بسهم" ما يفيد‪ :‬أنها تجزىء السترة‪ ،‬غلظت أو دقت‪،‬‬ ‫وأنه ليس أقلها مثل مؤخرة الرحل‪ ،‬كما قيل‪ :‬قالوا‪ :‬والمختار أن يجعل السترة عن يمينه‪ ،‬أو شماله‪ ،‬ول يصمد‬ ‫إليها‪.‬‬ ‫و عن أ بي ذرّ الغفاري ر ضي ال ع نه قالَ‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬يَقْط عُ صلة الرّ جل الم سلم‬ ‫ــــ إذا لم ي كن ب ين يديْ ِه ِمثْلُ مُؤخِر ِة الرّ حل ــــ المرأةُ‪ ،‬والحمارُ‪ ،‬والكَلْ بُ ال سودُ ــــ الحد يث"‬ ‫وفيه "الكلبُ السو ُد شيطانٌ" أخرجه مسلمٌ‪.‬‬ ‫(وعن أبي ذرّ) بفتح الذال المعجمة وقد تقدمت ترجمته (قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬ي ْقطَ عُ صلة‬ ‫ن بين يديه ِمثْلُ ُمؤْخرة الرّحل) أي مثلً‪ ،‬وإل فقد أجزأ السهم‬ ‫المرء المسلم) أي يفسدها‪ ،‬أو يقلل ثوابها (إذا لم يكُ ْ‬ ‫ك ما عر فت (المرأة) هو فا عل يق طع‪ :‬أي مرور المرأة (والحمار والكل بُ ال سودُ‪ .‬الحد يث) أي‪ :‬أ تم الحد يث‪،‬‬ ‫وتمامه "قلت‪ :‬فما بال السود من الحمر من الصفر من البيض؟ قال‪ :‬يا ابن أخي سألت رسول ال صَلّى ال‬ ‫شيْطا نُ) الجار يتعلق بمقدر‪ :‬أي وقال‪:‬‬ ‫ب الس َودُ َ‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم عما سألتني فقال‪" :‬الكلب السود شيطان" (وفيه الكل ُ‬ ‫(أخرجه مسلم) ‪ ،‬وأخرجه الترمذي‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن ماجه مختصرا‪ ،‬ومطولً‪.‬‬ ‫الحديث دليل‪ :‬على أنه يقطع صلة من ل سترة له مرور هذه المذكورات‪ ،‬وظاهر القطع البطال‪ .‬وقد اختلف‬ ‫العلماء في الع مل بذلك‪ ،‬فقال قوم‪ :‬يقطع ها المرأة‪ ،‬والكلب ال سود‪ ،‬دون الحمار؛ لحد يث ورد في ذلك عن ا بن‬ ‫‪29‬‬

‫عباس‪" :‬أ نه مرّ ب ين يدي ال صف على حمار‪ ،‬وال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ي صلي‪ ،‬ولم ي عد ال صلة‪ ،‬ول أ مر‬ ‫أصحابه بإعادتها" أخرجه الشيخان فجعلوه مخصصا لما هنا‪ .‬وقال أحمد‪ :‬يقطعها الكلب السود‪ .‬قال‪ :‬وفي نفسي‬ ‫من المرأة‪ ،‬والحمار‪ .‬أما الحمار‪ ،‬فلحديث ابن عباس‪ .‬وأما المرأة‪ ،‬فلحديث عائشة عند البخاري أنها قالت‪" :‬كان‬ ‫رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يصلي من الليل‪ ،‬وهي معترضة بين يديه‪ ،‬فإذا سجد غمز رجليها فكفتهما‪ ،‬فإذا‬ ‫قام بسطتهما" فلو كانت الصلة يقطعها مرور المرأة‪ :‬لقطعها اضطجاعها بين يديه‪.‬‬ ‫وذ هب الجمهور إلى أ نه ل يقطع ها ش يء‪ ،‬وتأولوا الحد يث بأن المراد بالق طع‪ :‬ن قص ال جر‪ ،‬ل البطال‪ .‬قالوا‪:‬‬ ‫لشغل القلب بهذه الشياء‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬هذا الحديث منسوخ بحديث أبي سعيد التي‪" :‬ل يقطع الصلة شيء"‬ ‫ويأ تي الكلم عل يه‪ ،‬و قد ورد‪" :‬أ نه يق طع ال صلة‪ :‬اليهودي والن صراني‪ ،‬والمجو سي‪ ،‬والخنز ير" و هو ضع يف‪،‬‬ ‫أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس‪ ،‬وضعفه‪.‬‬ ‫ولهُ عن أبي هريرة نحو ُه دون الكلْبِ‪.‬‬ ‫(وله) أي لمسلم (عن أبي هريرة نحوه) أي نحو حديث أبي ذر (دون الكلب) كذا في نسخ بلوغ المرام‪ ،‬ويريد‪:‬‬ ‫أن لفظ الكلب لم يذكر في حديث أبي هريرة‪ ،‬ولكن راجعت الحديث‪ ،‬فرأيت لفظه في مسلم عنه قال‪ :‬قال رسول‬ ‫ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪" :‬يقطع الصلة‪ :‬المرأة‪ ،‬والحمار‪ ،‬والكلب‪ ،‬ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل"‪.‬‬ ‫ولبي داود والنسائيّ عن ابن عباس رضي ال عنهما نحْ ُوهُ‪ ،‬دون آخرهِ‪ .‬و َقيّد المرْأة بالحائض‪.‬‬ ‫حوُهُ‪ ،‬دون آخرهِ‪ .‬و َقيّد المرْأة بالحائض)‪.‬‬ ‫(ولبي داود والنسائيّ عن ابن عباس رضي ال عنهما ن ْ‬ ‫في أ بي داود عن شع بة قال‪ :‬حدث نا قتادة قال‪ :‬سمعت جابر بن ز يد‪ :‬يحدث عن ا بن عباس‪ ،‬رف عه شع بة‪ .‬قال‪:‬‬ ‫"يق طع ال صلة المرأة الحائض‪ ،‬والكلب"‪ ،‬وأخر جه الن سائي وا بن ما جه وقوله‪" :‬دون اخره" ير يد‪ :‬أ نه ل يس في‬ ‫حديـث ابـن عباس‪ :‬اخـر حديـث أبـي هريرة الذي فـي مسـلم‪ ،‬وهـو قوله‪" :‬ويقـي مـن ذلك مثـل مؤخرة الرحـل"‬ ‫فالضمير في اخره في عبارة المصنف‪ :‬لخر حديث أبي هريرة‪ ،‬مع أنه لم يأت بلفظه‪ ،‬كما عرفت‪ ،‬ول يصح‬ ‫أنه يريد‪ :‬دون اخر حديث أبي ذر‪ ،‬كما ل يخفى‪ ،‬من أن حق الضمير عوده إلى القرب‪ .‬ثم راجعت سنن أبي‬ ‫داود‪ ،‬وإذا لف ظه "يق طع ال صلة المرأة الحائض‪ ،‬والكلب" فاحتملت عبارة الم صنف‪ :‬أن مراده‪ :‬دون ا خر حد يث‬ ‫أبي ذر وهو قوله‪" :‬الكلب السود شيطان"‪ ،‬أو دون اخر حديث أبي هريرة‪ ،‬وهو‪ :‬ما ذكرناه في الشرح‪ ،‬والول‬ ‫أقرب؛ لنه ذكر لفظ أبي ذر‪ ،‬دون لفظ حديث أبي هريرة‪ ،‬وإن صح أن يعيد إليه الضمير‪ ،‬وإن لم يذكره‪ :‬إحالة‬ ‫على الناظر‪ .‬وتقييد المرأة بالحائض يقتضي ــــ مع صحة الحديث ــــ حمل المطلق على المقيد‪ ،‬فل‬ ‫تقطع إل الحائض‪ ،‬كما أنه أطلق الكلب عن وصفه بال سود في بعض الحاد يث‪ .‬وقيد في بعضها به‪ ،‬فحملوا‬ ‫المطلق على المقيد‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل يقطع إل السود‪ ،‬فتعين في المرأة الحائض‪ :‬حمل المطلق على المقيد‪.‬‬ ‫ل رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا صلى أحدكم إلى شيء‬ ‫وعن أبي سعيد الخدريّ رضي ال عنه قال‪ :‬قا َ‬ ‫ش ْيطَا نٌ" متّ فق عل يه‪ ،‬و في‬ ‫ن يجتا َز ب ين يدي ِه فلْيدفعْ هُ‪ ،‬فإن أ بى فَ ْليُقاتل هُ‪ ،‬فإنّ ما هو َ‬ ‫ي سترُهُ من الناس‪ ،‬فأراد أحدٌ أ ْ‬ ‫ن معهُ القرين"‪.‬‬ ‫رواية‪" :‬فإ ّ‬ ‫(وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬إذا صلى أحدُكم إلى شيء‬ ‫ن الناس) م ما سلف تعيي نه من ال سترة‪ ،‬وقدر ها‪ ،‬وقدر كم يكون بين ها وب ين الم صلي (فأراد أحدٌ أن‬ ‫ستُرهُ م َ‬ ‫يَ ْ‬ ‫يجْتاز) أي يمضي (بين ي َديْ ِه فلْيد َفعْ هُ) ظاهره وجوبا (فإن أبى) أي عن الندفاع (ف ْليُقاتِلْهُ) ظاهره كذلك (فإنما هو‬ ‫شيْطانٌ) تعليل للمر بقتاله‪ ،‬أو لعدم اندفاعه‪ ،‬أو لهما (متفق عليه‪ .‬وفي رواية) أي لمسلم‪ :‬من حديث أبي هريرة‬ ‫َ‬ ‫(فإن معَه القرين) في القاموس‪ :‬القرين‪ :‬الشيطان المقرون بالنسان ل يفارقه‪ ،‬وظاهر كلم المصنف أن رواية‪:‬‬ ‫(فإن معه القرين) متفق عليها بين الشيخين من حديث أبي سعيد‪ ،‬ولم أجدها في البخاري‪ ،‬ووجدتها في صحيح‬ ‫مسلم‪ ،‬لكن من حديث أبي هريرة‪.‬‬ ‫والحديث دال بمفهومه‪ :‬على أنه إذا لم يكن للمصلي سترة‪ ،‬فليس له دفع المار بين يديه‪ ،‬وإن كان له سترة دفعه‪.‬‬ ‫قال القرطـبي‪ :‬بالشارة‪ ،‬ولطيـف المنـع‪ ،‬فإن لم يمتنـع عـن الندفاع قاتله‪ :‬أي دفعـه دفعا أشـد مـن الول‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫وأجمعوا‪ :‬أنـه ل يلزمـه أن يقاتله بالسـلح؛ لمخالفـة ذلك قاعدة الصـلة‪ :‬مـن القبال عليهـا والشتغال بهـا‪،‬‬ ‫والخشوع‪ .‬هذا كلمه‪ ،‬وأطلق جماعة‪ :‬أن له قتاله حقيقة‪ ،‬وهو ظاهر اللفظ‪ .‬والقول بأنه يدفعه بلعنه وسبه يرده‪:‬‬ ‫لفظ هذا الحديث‪ ،‬ويؤيده‪ :‬فعل أبي سعيد راوي الحديث مع الشاب الذي أراد أن يجتاز بين يديه‪ ،‬وهو يصلي‪.‬‬ ‫أخرجه البخاري عن أبي صالح السمان قال‪" :‬رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من‬ ‫الناس‪ ،‬فأراد شاب من ب ني أ بي مع يط أن يجتاز ب ين يد يه‪ ،‬فدف عه أ بو سعيد في صدره‪ ،‬فن ظر الشاب‪ ،‬فلم ي جد‬ ‫‪30‬‬

‫مساغا إل بين يديه‪ ،‬فعاد ليجتاز‪ ،‬فدفعه أبو سعيد أشد من الول‪ .‬الحديث" وقيل‪ :‬يرده بأسهل الوجود‪ ،‬فإذا أبى‪،‬‬ ‫فبأشدّ‪ ،‬ولو أدى إلى قتله‪ ،‬فإن قتله‪ ،‬فل شيء عليه؛ لن الشارع أباح قتله‪.‬‬ ‫والمر في الحديث‪ ،‬وإن كان ظاهره اليجاب‪ ،‬لكن قال النووي‪ :‬ل أعلم أحدا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع‪،‬‬ ‫بل صرح أ صحابنا‪ :‬بأ نه مندوب‪ ،‬ول كن قال الم صنف‪ :‬قد صرح بوجو به أ هل الظا هر‪ .‬و في قوله‪" :‬فإن ما هو‬ ‫شيطان"‪ :‬تعليـل بأن فعله فعـل الشيطان‪ :‬فـي إرادة التشويـش على المصـلي‪ ،‬وفيـه دللة على جواز إطلق لفـظ‬ ‫حجَا بٌ َوعَلَى‬ ‫الشيطان على النسان الذي يريد إفساد صلة المصلي‪ ،‬وفتنته في دينه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬و َب ْي َن ُهمَا ِ‬ ‫لمٌ عََل ْيكُ مْ لَ ْم َيدْخُلُوهَا وَهُ ْم َيطْ َمعُو نَ} وق يل‪:‬‬ ‫جنّ ِة أَن سَ َ‬ ‫صحَابَ ا ْل َ‬ ‫ل بِ سِيمَاهُمْ َونَادَوْاْ أَ ْ‬ ‫ل َيعْ ِرفُو نَ كُ ّ‬ ‫عرَا فِ ِرجَا ٌ‬ ‫الَ ْ‬ ‫المراد بأن الحامل له على ذلك شيطان‪ ،‬ويدل له رواية مسلم‪" :‬فإن معه القرين"‪.‬‬ ‫وقد اختلف في الحكمة المقتضية للمر بالدفع‪ ،‬فقيل‪ :‬لدفع الثم عن المار‪ ،‬وقيل‪ :‬لدفع الخلل الواقع بالمرور في‬ ‫الصلة‪ ،‬وهذا الرجح؛ لن عناية المصلي بصيانة صلته أهم من دفعه الثم عن غيره‪ ،‬قلت‪ :‬ولو قيل‪ :‬إنه لهما‬ ‫معا‪ ،‬لما َبعُد‪ ،‬فيكون لدفع الثم عن المار‪ ،‬الذي أفاده حديث‪" :‬لو يعلم المار"‪ ،‬ولصيانة الصلة عن النقصان من‬ ‫أجرها‪ ،‬فقد أخرج أبو نعيم عن عمر‪" :‬لو يعلم المصلي ما ينقص من صلته بالمرور بين يديه‪ ،‬ما صلى إل إلى‬ ‫ش يء ي ستره من الناس"‪ ،‬وأخرج ا بن أ بي شي بة‪ :‬عن ا بن م سعود‪" :‬إن المرور ب ين يدي الم صلي يق طع ن صف‬ ‫صلته"‪ ،‬ولهما حكم الرفع‪ ،‬وإن كانا موقوفين‪ ،‬إل أن الول فيمن لم يتخذ سترة‪ .‬والثاني مطلق‪ ،‬فيحمل عليه‪.‬‬ ‫وأما من اتخذ السترة فل نقص في صلته بمرور المار؛ لنه قد صرح الحديث‪ :‬أنه مع اتخاذ السترة ل يضره‬ ‫مرور من مرّ‪ ،‬فأمره بدف عه للمار‪ ،‬ل عل وج هه‪ :‬إنكار المن كر على المارّ؛ لتعد يه ما نهاه ع نه الشارع‪ ،‬ولذا يقدم‬ ‫الخف على الغلظ‪.‬‬ ‫جهِه شَيئا‪ ،‬فإن لم يجد‬ ‫وعن أبي هريرة أن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم قالَ‪" :‬إذَا صلى أحدُكم فَلْيجعل تِلْقاءَ َو ْ‬ ‫ضرّ ُه م نْ مرّ بين يديْه" أخرج هُ أحمد واب نُ ماج هْ‪ ،‬وصحّحهُ اب نُ‬ ‫خطّ خطّا‪ ،‬ثمّ ل ي ُ‬ ‫فلينْ صِب عصا‪ ،‬فإن ل مْ يكُن فلْ َي ُ‬ ‫حبّان‪ ،‬ولمْ ُيصِبْ من زعمَ أنّ ُه مُضطَربٌ‪ ،‬بل هو حسنٌ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه‪ :‬أن رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪ :‬إذا صلى أحدكم فلْيجعلْ تلقا َء وج ِه هِ‬ ‫ن لم يجد فلْينصب عصا‪ ،‬فإن لم ي كن ف ْل َيخُطّ خطّا‪ ،‬ثمّ ل يضره من مرّ بين يد يه‪ .‬أخر جه أح مد‪ ،‬وا بن‬ ‫شيئا‪ ،‬فإ ْ‬ ‫ماجه‪ ،‬وصححه ابن حبان‪ ،‬ولم يصب من زعم) وهو ابن الصلح (أنه مضطرب) فإنه أورده مثالً للمضطرب‬ ‫ف يه (بل هو ح سن) وناز عه المصنف في الن كت‪ ،‬وقد صححه أح مد‪ ،‬وابن المدي ني‪ ،‬وفي مختصر السنن‪ ،‬قال‬ ‫سفيان بن عيي نة‪ :‬لم ن جد شيئا ن شد به هذا الحد يث‪ ،‬ولم يج يء إل من هذا الو جه‪ ،‬وكان إ سماعيل بن أم ية إذا‬ ‫حدث بهذا الحديث يقول‪ :‬هل عندكم شيء تشدونه به؟ وقد أشار الشافعي‪ :‬إلى ضعفه‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬ل بأس به‬ ‫في مثل هذا الحكم‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن السترة تجزىء بأي شيء كانت‪ .‬وفي مختصر السنن‪ :‬قال سفيان بن عيينة‪ :‬رأيت شريكا‬ ‫صلى بنا في جنازة العصر‪ ،‬فوضع قلنسوته بين يديه‪ .‬وفي الصحيحين من رواية ابن عمر‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْيهِ‬ ‫وَسَلّم‪ :‬كان يعرض راحلته فيصلي إليها"‪ ،‬وقد تقدم‪ :‬أنه أي‪ :‬المصلي إذا لم يجد‪ :‬جمع ترابا‪ ،‬أو أحجارا‪ ،‬واختار‬ ‫أح مد بن حن بل‪ :‬أن يكون ال خط كالهلل‪ .‬و في قوله‪ " :‬ثم ل يضره ش يء" ما يدل‪ :‬أ نه يضره إذا لم يف عل‪ :‬إ ما‬ ‫بنقصان من صلته‪ ،‬أو بإبطالها على ما ذكر‪ :‬أنه يقطع الصلة‪ ،‬إذ في المراد بالقطع‪ :‬الخلف‪ ،‬كما تقدم‪ .‬وهذا‬ ‫فيمـا إذا كان المصـلي إماما‪ ،‬أو منفردا‪ ،‬ل إذا كان مؤتما‪ ،‬فإن المام سـترة له‪ ،‬أو سـترته سـترة له‪ ،‬وقـد سـبق‬ ‫قريبا‪ ،‬و قد بوب له البخاري‪ ،‬وأ بو داود‪ ،‬وأخرج ال طبراني في الو سط من حد يث أ نس مرفوعا‪ " :‬سترة المام‬ ‫لمن خلفه"‪ ،‬وإن كان فيه ضعف‪.‬‬ ‫واعلم أن الحديث عام‪ :‬في المر باتخاذ السترة في الفضاء وغيره‪ ،‬فقد ثبت‪ :‬أنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬كان إذا‬ ‫صلى إلى جدار ج عل بي نه وبي نه قدر م مر الشاة‪ ،‬ولم ي كن يتبا عد م نه‪ ،‬بل أ مر بالقرب من ال سترة‪ ،‬وكان إذا‬ ‫صلى إلى عود‪ ،‬أو عمود‪ ،‬أو شجرة‪ :‬جعله على جانبـه اليمـن‪ ،‬أو اليسـر‪ ،‬ولم يصـمد له صمدا‪ ،‬وكان يركـز‬ ‫الحر بة في ال سفر‪ ،‬أو العنزة‪ ،‬في صلي إلي ها‪ ،‬فتكون سترته‪ ،‬وكان يعرض راحل ته في صلي إلي ها"‪ .‬وقال الشافع ية‬ ‫على ذلك‪ :‬بسط المصلي لنحو سجادة‪ ،‬بجامع إشعار المار أنه في الصلة‪ ،‬وهو صحيح‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ل يقط عُ ال صّلةَ شَيءٌ‪،‬‬ ‫ل ر سو ُ‬ ‫و عن أ بي سعيدٍ الخدْري ر ضي ال ع نه قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫ضعْفٌ‪.‬‬ ‫وادرَأُوا ما استطعتمْ" أخرجهُ أبو داود‪ ،‬وفي سنده َ‬ ‫(و عن أ بي سعيدٍ الخدْري ر ضي ال ع نه قالَ‪ :‬قالَ ر سولُ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل يقط عُ ال صّل َة شَيءٌ‪،‬‬ ‫ضعْفٌ)‪.‬‬ ‫وادرَأُوا ما استطعتمْ" أخرجهُ أبو داود‪ ،‬وفي سنده َ‬ ‫‪31‬‬

‫في مخت صر المنذري‪ :‬في إ سناده مجالد‪ ،‬و هو أ بو سعيد بن عم ير الهمدا ني الكو في‪ .‬و قد تكلم ف يه غ ير وا حد‪،‬‬ ‫وأخرج له مسلم حديثا مقرونا بغيره من أصحاب الشعبي‪ ،‬وأخرج نحوه أيضا الدارقطني‪ :‬من حديث أنس‪ ،‬وأبي‬ ‫أمامة‪ ،‬والطبراني‪ :‬من حديث جابر‪ ،‬وفي إسنادهما ضعف‪.‬‬ ‫وهذا الحديـث معارض لحديـث أبـي ذر‪ ،‬وفيـه‪ :‬أنـه يقطـع صـلة مـن ليـس له سـترة‪ :‬المرأة‪ ،‬والحمار‪ ،‬والكلب‬ ‫السود"‪ .‬ولما تعارض الحديثان اختلف نظر العلماء فيهما‪ ،‬فقيل‪ :‬المراد بالقطع في حديث أبي ذر‪ :‬نقص الصلة‬ ‫بشغل القلب‪ :‬بمرور المذكورات‪ ،‬وبعدم القطع في حديث أبي سعيد‪ :‬عدم البطلن‪ ،‬أي أنه ل يبطلها شيء‪ ،‬وإن‬ ‫ن قص ثواب ها بمرور ما ذ كر‪ :‬في حد يث أ بي ذر‪ .‬وق يل‪ :‬حد يث أ بي سعيد هذا‪ :‬نا سخ لحد يث أ بي ذر‪ ،‬وهذا‬ ‫ضعيف؛ لنه ل نسخ مع إمكان الجمع؛ لما عرفت؛ ولنه ل يتم النسخ إل بمعرفة التاريخ‪ ،‬ول يعلم هنا المتقدم‬ ‫من المتأخر‪ ،‬على أنه لو تعذر الجمع بينهما لرجع إلى الترجيح‪ ،‬وحديث أبي ذر أرجح؛ لنه أخرجه مسلم في‬ ‫صحيحه‪ ،‬وحديث أبي سعيد في سنده ضعف‪ ،‬كما عرفت‪.‬‬ ‫باب الحث على الخشوع في الصلة‬ ‫فـي القاموس‪ :‬الخشوع‪ :‬الخضوع‪ ،‬أو قريـب من الخضوع‪ ،‬أو هـو فـي البدن‪ ،‬والخشوع فـي الصـوت والبصـر‬ ‫والسكون والتذلل‪ .‬وفي الشرع‪ :‬الخضوع‪ :‬تارة يكون في القلب‪ ،‬وتارة يكون من قبل البدن‪ ،‬كالسكوت‪ ،‬وقيل ل‬ ‫بد من اعتباره ما‪ ،‬حكاه الف خر الرازي في تف سيره‪ .‬ويدل على أ نه من ع مل القلب‪ :‬حد يث عل يّ عل يه ال سلم‪:‬‬ ‫"الخشوع في القلب" أخرجه الحاكم‪ .‬قلت‪ :‬ويدل له حديث‪" :‬لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه"‪ ،‬وحديث الدعاء‬ ‫في الستعاذة‪" :‬وأعوذ بك من قلب ل يخشع"‪ .‬وقد اختلف في وجوب الخشوع في الصلة‪ .‬فالجمهور على عدم‬ ‫وجو به‪ ،‬و قد أطال الغزالي في الحياء‪ :‬الكلم في ذلك‪ ،‬وذ كر أدلة وجو به‪ ،‬واد عى النووي‪ :‬الجماع على عدم‬ ‫وجوبه‪.‬‬ ‫عن أ بي هُريرة ر ضي ال ع نه قالَ‪ :‬نَ هى ر سُولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أن يُ صَلي ال ّرجُلُ مخت صرا‪ .‬متف قٌ‬ ‫عليه‪ .‬واللفظ لمسْلم‪ ،‬ومعناه أن يجْعلَ يد ُه على خاصرتِه‪.‬‬ ‫(عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬نهى رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم) هذا إخبار من أبي هريرة‪ :‬عن نهيه‬ ‫ن يُ صَليَ ال ّرجُلُ) ومثله المرأة‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬ولم يأت بلفظه الذي أفاد النهي‪ ،‬لكن هذا‪ :‬له حكم الرفع (أ ْ‬ ‫(مخت صرا) ب ضم الم يم و سكون الخاء المعج مة‪ ،‬وف تح المثناة الفوق ية ف صاد مهملة مك سورة فراء‪ ،‬و هو منت صب‬ ‫على الحال‪ ،‬وعامله يصلي‪ ،‬وصاحبه الرجل‪( .‬متفق عليه واللفظ لمسلم) ‪ ،‬وفسره المصنف أيضا بقوله‪( :‬ومعناه‬ ‫أن يجعل يده) اليمنى أو اليسرى (على خاصرته) كذلك‪ :‬أي الخاصرة اليمنى‪ ،‬أو اليسرى‪ ،‬أو هما معا عليهما‪،‬‬ ‫إل أن تفسـيره بمـا ذكـر يعارضـه‪ :‬مـا فـي القاموس مـن قوله‪ :‬وفـي الحديـث‪" :‬المختصـرون يوم القيامـة على‬ ‫وجوه هم النور" أي‪ :‬الم صلون بالل يل‪ ،‬فإذا تعبوا وضعوا أيدي هم على خوا صرهم‪ .‬اه ـ‪ ،‬إل أ ني لم أ جد الحد يث‬ ‫مخرجا‪ ،‬فإن صح‪ ،‬فالجمع بينه وبين حديث الكتاب‪ :‬أن يتوجه النهي إلى من فعل ذلك بغير تعب‪ ،‬كما يفيده قوله‬ ‫في تف سيره‪ :‬فإذا تعبوا‪ ،‬إل أ نه يخال فه تف سير النها ية فإ نه يقول‪ :‬أراد‪ :‬أن هم يأتون‪ ،‬ومع هم أعمال صالح يتكئون‬ ‫عليها‪ .‬وفي القاموس‪ :‬الخاصرة‪ :‬الشاكلة وما بين الحرقفة‪ ،‬والقصيري‪ ،‬وفسر الحرقفة بعظم الحجبة‪ :‬أي‪ :‬رأس‬ ‫الورك‪ ،‬وهذا التف سير الذي ذكره الم صنف عل يه الك ثر‪ ،‬وق يل‪ :‬الخت صار في ال صلة هو‪ :‬أن يأ خذ بيده ع صا‬ ‫يتو كأ علي ها‪ ،‬وق يل‪ :‬أن يخت صر ال سورة‪ ،‬ويقرأ من اخر ها ا ية أو ايت ين‪ ،‬وق يل‪ :‬أن يحذف من ال صلة‪ ،‬فل ي مد‬ ‫قيامها وركوعها وسجودها وحدودها‪ .‬والحكمة في النهي عنه بينها قوله‪:‬‬ ‫وفي البخاري عن عائشةَ‪ :‬أنّ ذلك فِعْل اليهود في صلتهم‪.‬‬ ‫(وفي البخاري عن عائشة أن ذلك) أي الختصار في الصلة (فعل اليهود في صلتهم)‪.‬‬ ‫وقد نهينا عن التشبه بهم في جميع أحوالهم‪ ،‬فهذا وجه حكمة النهي‪ ،‬ل ما قيل‪ :‬إنه فعل الشيطان‪ ،‬أو أن إبليس‬ ‫أهبط من الجنة كذلك‪ ،‬أو إنه فعل المتكبرين؛ لن هذه علل تخمينية‪ ،‬وما ورد منصوصا‪ :‬أي عن الصحابي هو‬ ‫العمدة؛ لنـه أعرف بسـبب الحديـث‪ ،‬ويحتمـل أنـه مرفوع‪ ،‬ومـا ورد فـي الصـحيح مقدم على غيره؛ لورود هذه‬ ‫الشياء أثرا‪ .‬و في ذ كر الم صنف للحد يث في باب الخشوع ما يش عر بأن العلة في الن هي عن الخت صار‪ :‬أ نه‬ ‫ينافي الخشوع‪.‬‬ ‫و عن أنَس ر ضي ال ع نه‪ :‬أن ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬إذا ُقدّم العشا ُء فابدَءوا به قبلَ أن تُ صَلّوا‬ ‫المغْربَ" متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫ـّم قال‪ :‬إذا قدم العشاءُ) ممدود‪ ،‬كسـماء‪ :‬طعام‬ ‫ـّى ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫(وعـن أنـس رضـي ال عنـه‪ :‬أن رسـول ال صَل‬ ‫العشـى‪ ،‬كمـا فـي القاموس (فابْدأوا بـه) أي بأكله (قبلَ أن تُصـلوا المغْرب‪ ،‬متفـق عليـه) وقـد ورد بإطلق لفـظ‬ ‫‪32‬‬

‫الصلة‪ ،‬قال ابن دقيق العيد‪ :‬فيحمل المطلق على المقيد‪ ،‬وورد بلفظ‪" :‬إذا وضع العشاء‪ ،‬وأحدكم صائم" فل يقيد‬ ‫به؛ لما عرف في الصول‪ :‬من أن ذكر حكم الخاص الموافق‪ :‬ل يقتضي تقييدا‪ ،‬ول تخصيصا‪.‬‬ ‫والحديث دالّ على إيجاب تقديم أكل العشاء إذا حضر على صلة المغرب‪ ،‬والجمهور حملوه على الندب‪ ،‬وقالت‬ ‫الظاهرية‪ :‬بل يجب تقديم أكل العشاء‪ ،‬فلو قدم الصلة لبطلت؛ عملً بظاهر المر‪ .‬ثم الحديث ظاهر في أنه يقدم‬ ‫العشاء مطلقا‪ :‬سواء كان محتاجا إلى الطعام‪ ،‬أو ل‪ ،‬وسواء خشي فساد الطعام‪ ،‬أو ل‪ ،‬وسواء كان خفيفا‪ ،‬أو ل‪.‬‬ ‫و في مع نى الحد يث تفا صيل أ خر بغ ير دل يل‪ ،‬بل تتبعوا علة ال مر بتقد يم الطعام‪ ،‬فقالوا‪ :‬هو تشو يش الخا طر‬ ‫بحضور الطعام‪ ،‬و هو يف ضي إلى ترك الخشوع في ال صلة‪ ،‬و هي علة ل يس علي ها دل يل‪ ،‬إل ما يف هم من كلم‬ ‫بعض الصحابة؛ فإنه أخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة‪ ،‬وابن عباس‪" :‬أنهما كانا يأكلن طعاما‪ ،‬وفي التنور‬ ‫شواء‪ ،‬فأراد المؤذن أن يقيم الصلة‪ ،‬فقال له ابن عباس‪ :‬ل تعجل‪ :‬ل نقوم وفي أنفسنا منه شيء"‪ ،‬وفي رواية‪:‬‬ ‫"لئل يعرض لنا في صلتنا"‪ ،‬وله عن الحسن بن علي عليهما السلم أنه قال‪" :‬العشاء قبل الصلة يذهب النفس‬ ‫اللّوامة"‪ .‬ففي هذه الثار‪ :‬إشارة إلى التعليل بما ذكر‪ .‬ثم هذا إذا كان الوقت موسعا‪.‬‬ ‫واختلف إذا تض يق‪ :‬بح يث لو قدم أ كل العشاء خرج الو قت‪ ،‬فق يل‪ :‬يقدم ال كل‪ ،‬وإن خرج الو قت؛ محاف ظة على‬ ‫تحصـيل الخشوع فـي الصـلة‪ .‬قيـل‪ :‬وهذا على قول مـن يقول بوجوب الخشوع فـي الصـلة‪ ،‬وقيـل‪ :‬بـل يبدأ‬ ‫بال صلة؛ محاف ظة على حر مة الو قت‪ ،‬و هو قول الجمهور من العلماء‪ .‬وف يه أن حضور الطعام عذر في ترك‬ ‫الجما عة‪ :‬ع ند من أوجب ها‪ ،‬وع ند غيره‪ .‬ق يل‪ :‬و في قوله‪" :‬فابدأوا" ما يش عر‪ :‬بأ نه إذا كان حضور ال صلة و هو‬ ‫يأكل‪ .‬فل يتمادى فيه‪ .‬وقد ثبت عن ابن عمر‪ :‬أنه كان إذا حضر عشاؤه‪ ،‬وسمع قراءة المام في الصلة‪ ،‬لم يقم‬ ‫حتى يفرغ من طعامه‪ .‬وقد قيس على الطعام غيره‪ :‬مما يحصل بتأخيره تشويش الخاطر‪ ،‬فالولى البداءة به‪.‬‬ ‫حدُ كم في ال صل ِة فل يم سَح‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا قا مَ َأ َ‬ ‫و عن أ بي َذرَ ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قالَ ر سو ُ‬ ‫جهُهُ‪ ،‬رواهُ الخمسة بإسنادٍ صحيح‪ ،‬وزادَ أحْمدُ "واحدةً أ ْو َدعْ"‪.‬‬ ‫الحَصى‪ ،‬فإنّ الرحمَ َة تُوا ِ‬ ‫(وعن أبي ذر رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا قام أحدكم في الصلة) أي دخل فيها‬ ‫(فل يمسح الحصى) أي من جبهته أو من محل سجوده‪( ،‬فإنّ الرحمة تُواجِهه‪ .‬رواه الخمسة بإسناد صحيح وزاد‬ ‫أحمـد) فـي روايتـه (واحدة‪ ،‬أ ْو دَعـْ) فـي هذا النقـل قلق؛ لنهـم يفهـم أنـه زاد أحمـد على هذا اللفـظ الذي سـاقه‬ ‫الم صنف‪ ،‬ومعناه‪ :‬على هذا فل يم سح واحدة‪ ،‬أو دَ عْ‪ ،‬و هو غ ير مراد‪ .‬ولف ظه ع ند أح مد عن أ بي ذر‪ " :‬سألت‬ ‫النبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم عن كل شيء‪ ،‬حتى سألته عن مسح الحصاة‪ ،‬فقال‪ :‬واحدة‪ ،‬أو دع" أي امسح واحدة‪،‬‬ ‫أو اترك الم سح‪ ،‬فاختصار المصنف أ خل بالمع نى‪ ،‬وكأ نه اتكل في بيان معناه على لف ظه ل من عر فه‪ ،‬ولو قال‪:‬‬ ‫وفي رواية لحمد‪ :‬الذن بمسحة واحدة‪ ،‬لكان واضحا‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل على الن هي عن م سح الح صاة ب عد الدخول في ال صلة‪ ،‬ل قبله‪ ،‬فالولى له أن يف عل ذلك‪ ،‬لئل‬ ‫يشغل باله وهو في الصلة‪ ،‬والتقييد بالحصى‪ ،‬أو التراب‪ ،‬كما في رواية‪ :‬للغالب‪ ،‬ول يدل على نفيه عما عداه‪.‬‬ ‫ق يل والعلة في الن هي‪ :‬المحاف ظة على الخشوع‪ ،‬ك ما يفيده سياق الم صنف للحد يث في هذا الباب‪ ،‬أو لئل يك ثر‬ ‫العمل في الصلة‪ .‬وقد نص الشارع على العلة بقوله‪" :‬فإن الرحمة تواجهه"‪ :‬أي تكون تلقاء وجهه‪ ،‬فل يغير ما‬ ‫تعلق بوجهه من التراب والحصى‪ ،‬ول ما يسجد عليه‪ ،‬إل أن يؤلمه‪ ،‬فله ذلك‪ ،‬ثم النهي ظاهر في التحريم‪.‬‬ ‫وفي الصحيح عن ُم َعيْقيب نحو ُه بغير تعْليل‪.‬‬ ‫(و في ال صحيح) أي المت فق عل يه ( عن معيق يب) ب ضم الم يم وف تح الع ين المهملة والمثناة التحت ية‪ ،‬وك سر القاف‬ ‫بعد ها تحت ية ساكنة بعد ها موحدة‪ .‬هو معيق يب بن أ بي فاط مة الدو سي‪ ،‬ش هد بدرا‪ ،‬وكان قد أ سلم قديما بم كة‪،‬‬ ‫وهاجر إلى الحبشة‪ :‬الهجرة الثانية‪ ،‬وأقام بها حتى قدم النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم المدينة‪ ،‬وكان على خاتم النبي‬ ‫صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬وا ستعمله أ بو ب كر‪ ،‬وع مر ر ضي ال عنه ما على ب يت المال‪ .‬مات سنة ست وأربع ين‪،‬‬ ‫وقيل‪ :‬في اخر خلفة عثمان (نحوه) أي‪ :‬نحو حديث أبي ذر‪ ،‬ولفظه‪" :‬ل تمسح الحصى وأنت تصلي‪ ،‬فإن كنت‬ ‫ل بد فاعلً فواحدة لتسوية الحصى" (بغير تعليل) أي ليس فيه‪ :‬أن الرحمة تواجهه‪.‬‬ ‫ن ال ْلتِفَا تِ في ال صّلة؟ فقالَ‪" :‬هوَ‬ ‫وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬سألْتُ رسولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ع ْ‬ ‫ن من صلة العبْد" روا ُه البُخاريّ‪.‬‬ ‫ختَِلسُ ُه الشْيطا ُ‬ ‫اختلسٌ َي ْ‬ ‫ن كان ل ُبدّ ففي التط ّوعِ"‪.‬‬ ‫وللترمذي ــــ وصحّح ُه ــــ‪" :‬إيّاكِ واللتِفات في الصلة‪ ،‬فإنّه هََل َكةٌ‪ ،‬فإ ْ‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬سألت رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عن اللتفات في الصلة‪ ،‬فقال‪ :‬هو‬ ‫ن من صلة‬ ‫شيْطا ُ‬ ‫ختَلسُ ُه ال َ‬ ‫اختلس) بالخاء المعجمة فمثناة فوقية اخره سين مهملة‪ ،‬هو الخذ للشيء على غفلة ( َي ْ‬ ‫ال َع ْبدِ‪ .‬رواه البخاري) قال الط يبي‪ :‬سماه اختل سا؛ لن الم صلي يق بل على ر به تعالى‪ ،‬ويتر صد الشيطان فوات‬ ‫‪33‬‬

‫ذلك عل يه‪ ،‬فإذا الت فت ا ستلبه ذلك‪ ،‬و هو دل يل على كرا هة اللتفات في ال صلة‪ ،‬وحمله الجمهور على ذلك‪ ،‬إذا‬ ‫ل للصلة‪.‬‬ ‫كان التفاتا ل يبلغ إلى استدبار القبلة بصدره‪ ،‬أو عنقه كله‪ ،‬وإل كان مبط ً‬ ‫وسبب الكراهة‪ :‬نقصان الخشوع‪ ،‬كما أفاده إيراد المنصف للحديث في هذا الباب‪ ،‬أو ترك استقبال القبلة ببعض‬ ‫البدن‪ ،‬أو لما فيه من العراض عن التوجه إلى ال تعالى‪ ،‬كما أفاده ما أخرجه أحمد وابن ماجه من حديث أبي‬ ‫ذر‪" :‬ل يزال ال مقبلً على العبـد فـي صـلته مـا لم يلتفـت‪ ،‬فإذا صـرف وجهـه انصـرف" أخرجـه أبـو داود‪،‬‬ ‫والنسائي‪.‬‬ ‫(وللترمذي) أي عن عائشة (وصححه‪ :‬إيّا كِ) بكسر الكاف؛ لنه خطاب المؤنث (واللتفات) بالنصب لنه محذّر‬ ‫منه (في الصلة فإنه هلكة) ؛ لخلله بأفضل العبادات‪ ،‬وأي هلكة أعظم من هلكة الدين؟ (فإن كان ل بدّ) من‬ ‫اللتفات (ففي ال ّتطَوّ عِ) قيل‪ :‬والنهي عن اللتفات إذا كان لغير حاجة‪ ،‬وإل فقد ثبت‪" :‬أن أبا بكر رضي ال عنه‬ ‫التفت لمجيء النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في صلة الظهر"‪ ،‬والتفت الناس‪ .‬لخروجه صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم في‬ ‫مرض موته‪ ،‬حيث أشار إليهم‪ ،‬ولو لم يلتفتوا ما علموا بخروجه‪ ،‬ول إشارته‪ ،‬وأقرهم على ذلك‪.‬‬ ‫حدُك ْم في ال صّلة فإنّ ُه يُناجي‬ ‫نأَ‬ ‫[رح ‪ ]7‬ــــ وعن أنس قالَ‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا كا َ‬ ‫ت قدَمِهِ"‪.‬‬ ‫ربّهُ‪ ،‬فل َي ْبصُقَنّ بين يديه ول عن يمينه‪ ،‬ولكن عن شماله َتحْتَ قدَمه" متّفقٌ عليه‪ .‬وفي رواية‪" :‬أو َتحْ َ‬ ‫(وعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪ :‬إذا كان أحدكم في الصّلة فإنه يناجي ربّه)‬ ‫وفي رواية في البخاري‪" :‬فإن ربه بينه وبين القبلة" والمراد من المناجاة‪ :‬إقباله تعالى عليه بالرحمة والرضوان‬ ‫ن عن شمال ِه تحت‬ ‫(فل َيبْ صُقنّ بين يديه ول ع نْ يمينه) قد علل في حديثه أبي هريرة‪ :‬بأن عن يمينه ملكا (ولك ْ‬ ‫قدمِه متفق عليه‪ .‬وفي رواية‪ :‬أو تحت ق َدمِهِ)‪.‬‬ ‫الحديث نهى عن البصاق إلى جهة القبلة‪ ،‬أو جهة اليمين إذا كان العبد في الصلة‪ .‬وقد ورد النهي مطلقا عن‬ ‫أ بي هريرة‪ ،‬وأ بي سعيد‪" :‬أن ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم رأى نخا مة في جدار الم سجد‪ ،‬فتناول ح صاة‪،‬‬ ‫فحت ها وقال‪" :‬إذا تن خم أحد كم‪ ،‬فل يتنخ من قِ بل وج هه‪ ،‬ول عن يمي نه‪ ،‬وليب صقن عن ي ساره‪ ،‬أو ت حت قد مه‬ ‫اليسرى" متفق عليه‪ .‬وقد جزم النووي‪ :‬بالمنع في كل حالة‪ :‬داخل الصلة وخارجها‪ :‬سواء كان في المسجد أو‬ ‫غيره‪ ،‬و قد أفاده حد يث أ نس في حق الم صلي‪ ،‬إل أن غيره من الحاد يث قد أفادت تحر يم الب صاق إلى القبلة‬ ‫مطلقا‪ ،‬في المسجد وفي غيره‪ ،‬وعلى المصلي وغيره‪.‬‬ ‫ففي صحيح ابن خزيمة وابن حبان‪ :‬من حديث حذيفة مرفوعا‪" :‬من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفلته بين‬ ‫عين يه"‪ ،‬ول بن خزي مة‪ :‬من حد يث ا بن ع مر مرفوعا‪" :‬يب عث صاحب النخا مة في القبلة يوم القيا مة و هي في‬ ‫وجهه"‪ ،‬وأخرج أبو داود وابن حبان‪ :‬من حديث السائب بن خلد‪" :‬أن رجلً أمّ قوما فبصق في القبلة‪ ،‬فلما فرغ‪،‬‬ ‫قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل يصلي لكم"‪ .‬ومثل البصاق إلى القبلة‪ :‬البصاق عن اليمين‪ ،‬فإنه منهي‬ ‫عنه مطلقا أيضا‪ .‬وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود‪" :‬أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في الصلة"‪ ،‬وعن‬ ‫معاذ بن جبل‪" :‬ما بصقت عن يميني منذ أسلمت"‪ ،‬وعن عمر بن عبد العزيز‪ :‬أنه نهى عنه أيضا‪ .‬وقد أرشد‬ ‫صَلّى ال عََل ْي هِ وَسَلّم إلى أي جهة يبصق فقال‪" :‬عن شماله تحت قدمه"‪ ،‬فبيّن الجهة‪ :‬أنها جهة الشمال‪ ،‬والمحل‪:‬‬ ‫أنه تحت القدم‪ .‬وورد في حديث أنس عند أحمد‪ ،‬ومسلم بعد قوله‪" :‬ولكن عن يساره أو تحت قدمه" زيادة‪" :‬ثم‬ ‫أ خذ طرف ردائه فب صق ف يه ورد بع ضه على ب عض فقال‪ :‬أو يف عل هكذا‪ ،‬وقوله‪" :‬أو ت حت قد مه" خاص ب من‬ ‫ل يس في الم سجد‪ ،‬وأ ما إذا كان ف يه‪ ،‬ف في ثو به؛ لحد يث‪" :‬الب صاق في الم سجد خطيئة"‪ ،‬إل أ نه قد يقال‪ :‬المراد‬ ‫البصاق إلى جهة القبلة‪ ،‬أو جهة اليمين خطيئة‪ ،‬ل تحت القدم‪ ،‬أو عن شماله؛ لنه قد أذن فيه الشارع‪ ،‬ول يأذن‬ ‫في خطيئة‪ .‬هذا وقد سمعت‪ :‬أنه علل صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم النهي عن البصاق على اليمين‪ :‬بأن عن يمينه ملكا‪،‬‬ ‫فأورد سؤال‪ ،‬و هو‪ :‬أن على الشمال أيضا ملكا‪ ،‬و هو كا تب ال سيئات‪ ،‬وأج يب‪ :‬بأ نه اخ تص بذلك ملك اليم ين‪:‬‬ ‫تخصـيصا له وتشريفا وإكراما‪ ،‬وأجاب بعـض المتأخريـن‪ :‬بأن الصـلة‪ :‬أم الحسـنات البدنيـة‪ ،‬فل دخـل لكاتـب‬ ‫السيئات فيها‪.‬‬ ‫وا ستشهد لذلك ب ما أخر جه ا بن أ بي شي بة‪ :‬من حد يث حذي فة موقوفا في هذا الحد يث‪" :‬ول عن يمي نه؛ فإن عن‬ ‫يمي نه كا تب الح سنات"‪ ،‬و في ال طبراني من حد يث أما مة‪ :‬في هذا الحد يث‪" :‬فإ نه يقوم ب ين يدي ال‪ ،‬وملك عن‬ ‫يمينه‪ ،‬وقرينه عن يساره"‪ ،‬وإذا ثبت هذا فالتفل يقع على القرين‪ ،‬وهو الشيطان‪ ،‬ولعل ملك اليسار حينئذ بحيث‬ ‫ل يصيبه شيء من ذلك‪ ،‬أو أنه يتحول في الصلة إلى جهة اليمين‪.‬‬ ‫ك هذا‪،‬‬ ‫ستَرت به جانب َب ْيتِها‪ ،‬فقال لها النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬أميطي عنّا ِقرَامَ ِ‬ ‫وعنه قالَ‪ :‬كان قِرامٌ ِلعَائشة َ‬ ‫فإنّهُ ل تَزالُ تصَاويرُهُ َتعْرض لي في صلتي" رواه البخاريّ‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫(وعنه) أي أنس رضي ال عنه (قال‪ :‬كان قرام) بكسر القاف وتخفيف الراء‪ :‬الستر الرقيق‪ ،‬وقيل‪ :‬الصفيق من‬ ‫صوف ذي ألوان (لعائ شة سترت به جا نب بيت ها‪ ،‬فقال ل ها ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬أمي طي ع نا) أي أزيلي‬ ‫(قرامك هذا؛ فإنه ل تزال تصاويرُهُ تَعرضُ) بفتح المثناة الفوقية وكسر الراء (لي في صلتي‪ ،‬رواه البخاري)‪.‬‬ ‫في الحديث دللة‪ :‬على إزالة ما يشوش على المصلي صلته‪ :‬مما في منزله أو في محل صلته‪ ،‬ول دليل فيه‬ ‫على بطلن الصلة؛ لنه لم يرو أنه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم أعادها‪ ،‬ومثله‪:‬‬ ‫جهْمٍ‪ ،‬وفيهِ‪" :‬فإنّها أَل َهتْني عنْ صلتي"‪.‬‬ ‫واتّفقا على حديثها في قصة َأنْبجانيّة أبي َ‬ ‫(واتف قا) أي الشيخان (على حديث ها) أي عائ شة ( في ق صة أنبجان ية) بف تح الهمزة و سكون النون وك سر الموحدة‬ ‫جهْمٍ) بفتح الجيم وسكون الهاء هو عامر بن‬ ‫وتخفيف الجيم‪ ،‬وبعد النون ياء النسبة‪ :‬كساء غليظ ل علم فيه (أبي َ‬ ‫حذيفة (وفيه‪ :‬فإنها) أي‪ :‬الخميصة "وكانت ذات أعلم أهداها له صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أبو جهم"‪ ،‬فالضمير لها‪،‬‬ ‫وإن لم يتقدم في كلم الم صنف ذكر ها‪ .‬ول فظ الحد يث عن عائ شة‪" :‬أن ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم صلى في‬ ‫خمي صة ل ها أعلم‪ ،‬فن ظر إلى أعلم ها نظرة‪ ،‬فل ما ان صرف قال‪ :‬اذهبوا بخمي صتي هذه إلى أ بي ج هم وأتو ني‬ ‫بأنبجان ية أ بي ج هم‪ ،‬فإن ها ألهت ني انفا عن صلتي" هذا ل فظ البخاري‪ ،‬وعبارة الم صنف تف هم‪ :‬أن ضم ير فإن ها‪:‬‬ ‫للنبجانية‪ ،‬وكذا ضمير (ألهتني عن صلتي)‪.‬‬ ‫وذلك أن أبا جهم أهدى للنبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم خميصة لها أعلم‪ ،‬كما روى مالك في الموطأ‪ :‬عن عائشة‬ ‫قالت‪" :‬أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم خميصة لها علم‪ ،‬فشهد فيها الصلة‪ ،‬فلما‬ ‫ان صرف قال‪ :‬ردي هذه الخمي صة إلى أ بي ج هم" و في روا ية عن ها‪" :‬ك نت أن ظر إلى علم ها وأ نا في ال صلة‪،‬‬ ‫فأخاف أن يفتنني" قال ابن بطال‪ :‬إنما طلب منه ثوبا غيرها؛ ليعلمه أنه لم يرد عليه هديته استخفافا به‪.‬‬ ‫وفي الحديث‪ :‬دليل على كراهة ما يشغل عن الصلة من النقوش‪ ،‬ونحوها‪ :‬مما يشغل القلب‪ ،‬وفيه مبادرته صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم إلى صيانه ال صلة ع ما يل هي‪ ،‬وإزاله ما يش غل عن القبال علي ها‪ .‬قال الط يبي‪ :‬ف يه إيذان بأن‬ ‫لل صور‪ ،‬والشياء الظاهرة تأثيرا في القلوب الطاهرة‪ ،‬والنفوس الزك ية‪ ،‬فضلً ع ما دون ها‪ .‬وف يه كرا هة ال صلة‬ ‫على المفارش‪ ،‬والسجاجيد المنقوشة‪ ،‬وكراهة نقش المساجد‪ ،‬ونحوه‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪َ" :‬ل َي ْن َتهِينّ أقوا مٌ َيرْفعُو نَ أبْصارَهُمْ‬ ‫سمُر َة رضي ال عنه قالَ‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫وعن جابر بن َ‬ ‫إلى السما ِء في الصلة أ ْو ل َت ْرجِعُ إل ْي ِهمْ" رواه مسلم‪.‬‬ ‫(وعن جابر بن سمرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لينتهينّ) بفتح اللم وفتح المثناة‬ ‫التحتية وسكون النون وفتح المثناة الفوقية وكسر الهاء (أقوام يرفعون أبصارَهُم إلى السماء في ال صّلة) أي إلى‬ ‫ما فوقهم مطلقا (أو ل ترجع إليهم‪ .‬رواه مسلم) قال النووي في شرح مسلم‪ :‬فيه النهي الكيد‪ ،‬والوعيد الشديد في‬ ‫ذلك‪ ،‬وقد نقل الجماع على ذلك‪ ،‬والنهي يفيد تحريمه‪ .‬وقال ابن حزم‪ :‬تبطل به الصلة‪ .‬قال القاضي عياض‪:‬‬ ‫واختلفوا في غير الصلة في الدعاء‪ ،‬فكرهه قوم‪ ،‬وجوزه الكثرون‪.‬‬ ‫طعَام ول‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم يقول‪" :‬ل صل َة بحضرَ ِة َ‬ ‫ت رسو َ‬ ‫سمِعْ ُ‬ ‫ولهُ عن عائشة رضي ال عنها قالت‪َ :‬‬ ‫خبَثانِ"‪.‬‬ ‫هو ُيدَا ِفعُهُ ال ْ‬ ‫(وله) أي لمسلم (عن عائشة قالت‪ :‬سمعت رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقول‪ :‬ل صلة بحضرة طعام) تقدم‬ ‫الكلم في ذلك‪ ،‬إل أن هذا يف يد‪ :‬أن ها ل تقام ال صلة في مو ضع ح ضر ف يه الطعام‪ ،‬و هو عام للن فل‪ ،‬والفرض‪،‬‬ ‫ُهـ (الخبثان) البول‬ ‫وللجائع‪ ،‬وغيره‪ .‬والذي تقدم أخـص مـن هذا (ول) أي‪ :‬ل صـلة (وهوَ) أي المصـلي يُدافع ُ‬ ‫والغائط‪ .‬ويلحق بهما مدافعة الريح‪ ،‬فهذا مع المدافعة‪ ،‬وأما إذا كان يجد في نفسه ثقل ذلك‪ ،‬وليس هناك مدافعة‪،‬‬ ‫فل نهي عن الصلة معه‪ ،‬ومع المدافعة فهي مكروهة‪ ،‬قيل‪ :‬تنزيها لنقصان الخشوع‪ ،‬فلو خشى خروج الوقت‬ ‫إن قدم التبرز وإخراج الخبثين‪ :‬قدم الصلة‪ ،‬وهي صحيحة مكروهة‪ ،‬كذا قال النووي‪ :‬ويستحب إعادتها‪ .‬وعن‬ ‫الظاهرية‪ :‬أنها باطلة‪.‬‬ ‫ب من الشيطا نِ‪ ،‬فإذا تثَاءَب أحدُكم‬ ‫و عن أبي هريرة رضي ال عن هُ أنّ النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬التّثاؤ ُ‬ ‫ظمْ ما استطاع" روا ُه مسلمٌ والترمذيّ‪ ،‬وزادَ‪" :‬في الصّلة"‪.‬‬ ‫فَلْيك ِ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه‪ :‬أن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪ :‬التثاؤُب من الشيطان) ؛ لنه يصدر عن‬ ‫المتلء والكسل‪ ،‬وهما مما يحبه الشيطان‪ ،‬فكأن التثاؤب منه (فإذا تثاءَب أحدُكم فلْيكظمْ) أي‪ :‬يمنعه ويمسكه (ما‬ ‫ا ستطاع‪ .‬رواه م سلم‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وزاد) أي الترمذي ( في ال صلة) فق يد ال مر بالك ظم بكو نه في ال صلة‪ ،‬ول‬ ‫ينافي النهي عن تلك الحالة مطلقا‪ ،‬لموافقة المقيد‪ ،‬والمطلق في الحكم‪ ،‬وهذه الزيادة هي في البخاري أيضا‪ ،‬وفيه‬ ‫بعد ها‪" :‬ول ي قل‪ :‬ها؛ فإن ما ذلك من الشيطان يض حك م نه"‪ ،‬و كل هذا م ما ينا في الخشوع‪ ،‬وينب غي أن ي ضع يده‬ ‫‪35‬‬

‫على فيـه لحديـث‪" :‬إذا تثاءب أحدكـم فليضـع يده على فيـه؛ فإن الشيطان يدخـل مـع التثاؤب" وأخرجـه أحمـد‪،‬‬ ‫والشيخان‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫باب المساجد‬ ‫المساجد‪ :‬جمع مسجد بفتح الجيم وكسرها‪ ،‬فإن أريد به المكان المخصوص‪ ،‬فهو بكسر الجيم‪ ،‬ل غير‪ ،‬وإن أريد‬ ‫به موضع السجود‪ ،‬وهو موضع وقوع الجبهة في الرض‪ ،‬فإنه بالفتح‪ ،‬ل غير‪ .‬وفي فضائل المساجد أحاديث‬ ‫واسعة‪ ،‬وأنها "أحب البقاع إلى ال"‪ ،‬وأن "من بنى ل مسجدا من مال حلل بنى ال له بيتا في الجنة"‪ ،‬وأحاديثها‬ ‫في مجمع الزوائد وغيره‪.‬‬ ‫عن عائ شة ر ضي ال عن ها قال تْ‪ :‬أمرَ ر سولُ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ِببِنا ِء الم ساجد في الدّور‪ ،‬وأن ُت َنظّ فَ‬ ‫و ُتطَيبَ‪ .‬رواهُ أحمدُ‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وصحح إرسالهُ‪.‬‬ ‫( عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت‪ :‬أ مر ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ببناء الم ساجد في الدور) يحت مل أن‬ ‫المراد ب ها‪ :‬البيوت‪ ،‬ويحت مل أن المراد‪ :‬المحالّ ال تي تب نى في ها الدور (وأن تن ظف) عن القذار (وتط يب رواه‬ ‫أحمد وأبو داود والترمذي وصحح إرساله) والتطييب بالبخور‪ ،‬ونحوه‪ .‬والمر بالبناء للندب لقوله‪" :‬أينما أدركتك‬ ‫ال صلة ف صل" أخر جه م سلم‪ ،‬ونحوه ع ند غيره‪ .‬ق يل‪ :‬وعلى إرادة المع نى الول في الدور‪ ،‬ف في الحد يث دل يل‬ ‫على أن الم ساجد شرط ها ق صد الت سبيل‪ ،‬إذ لو كان ي تم م سجدا بالت سمية‪ :‬لخر جت تلك الما كن ال تي اتخذت في‬ ‫جرَةٍ‬ ‫شَ‬ ‫خبِيثَةٍ َك َ‬ ‫الم ساكن عن ملك أهل ها‪ .‬و في شرح ال سنة أن المراد‪ :‬المحال ال تي في ها الدور‪ .‬وم نه { َومَثلُ كَِلمَ ٍة َ‬ ‫لرْ ضِ مَا َلهَا مِن َقرَارٍ} لنهم كانوا يسمون المحال التي اجتمعت فيها القبيلة دارا‪ .‬قال‬ ‫ج ُتثّ تْ مِن فَوْ قِ ا َ‬ ‫خبِيثَ ٍة ا ْ‬ ‫َ‬ ‫سفيان‪ :‬بناء المساجد في الدور يعني‪ :‬القبائل‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬قاتل ال اليهود اتّخذُوا قبورَ َأ ْنبِيائِه مْ‬ ‫ل رسو ُ‬ ‫وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قا َ‬ ‫مساجد" متفقٌ عليه وزادَ مسلم‪" :‬والنّصارى"‪.‬‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬قاتل ال اليهود) أي‪ :‬لعن‪ ،‬كما جاء‬ ‫في روا ية‪ ،‬وق يل‪ :‬معناه‪ :‬قتل هم وأهلك هم (اتخذوا قبور أ نبيائهم م ساجد‪ .‬مت فق عل يه) ‪ ،‬و في م سلم عن عائ شة‪:‬‬ ‫"قالت‪ :‬إن أم حبي بة‪ ،‬وأم سلمة ذكر تا لر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كني سة رأتا ها بالحب شة‪ ،‬في ها ت صاوير‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا‪ ،‬وصوروا تلك التصاوير‪ ،‬أولئك شرار‬ ‫الخلق عند ال يوم القيامة" واتخاذ القبور مساجد‪ :‬أعم من أن يكون بمعنى الصلة إليها‪ ،‬أو بمعنى الصلة عليها‪.‬‬ ‫وفي مسلم‪" :‬ل تجلسوا على القبور‪ ،‬ول تصلوا إليها‪ ،‬ول عليها"‪.‬‬ ‫قال البيضاوي‪ :‬ل ما كا نت اليهود والن صارى ي سجدون لقبور أ نبيائهم‪ ،‬تعظيما لشأن هم‪ ،‬ويجعلون ها قبلة يتوجهون‬ ‫في الصلة نحوها‪ ،‬اتخذوها أوثانا‪ :‬لعنهم‪ ،‬ومنع المسلمين من ذلك قال‪ :‬وأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح‪،‬‬ ‫وقصد التبرك بالقرب منه‪ ،‬ل لتعظيم له‪ ،‬ول لتوجه نحوه‪ ،‬فل يدخل في ذلك الوعيد‪ .‬قلت‪ :‬قوله‪ :‬ل لتعظيم له‪.‬‬ ‫يقال اتخاذ المساجد بقربه وقصد التبرك به‪ :‬تعظيم له‪ .‬ثم أحاديث النهي‪ ،‬مطلقة‪ ،‬ول دليل على التعليل بما ذكر‪.‬‬ ‫والظاهر أن العلة سدّ الذريعة والبعد عن التشبه بعبدة الوثان‪ :‬الذين يعظمون الجمادات‪ ،‬التي ل تسمع ول تنفع‬ ‫ول تضر‪ ،‬ولما في اتفاق المال في ذلك من العبث والتبذير الخالي عن النفع بالكلية؛ ولنه سبب ليقاد السرج‬ ‫عليهـا الملعون فاعله‪ .‬ومفاسـد مـا يبنـى على القبور مـن المشاهـد والقباب ل تحصـر‪ .‬وقـد أخرج أبـو داود‪،‬‬ ‫والترمذي‪ ،‬والن سائي‪ ،‬وا بن ما جه‪ :‬عن ا بن عباس قال‪" :‬ل عن ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم زائرات القبور‪،‬‬ ‫والمتخذين عليها المساجد والسرج" (وزاد مسلم‪ :‬والنصارى) زاد في حديث أبي هريرة هذا بعد قوله‪ :‬اليهود‪.‬‬ ‫وقد استشكل ذلك؛ لن النصارى ليس لهم نبي إل عيسى عليه السلم؛ إذ ل نبي بينه وبين محمد صَلّى ال عََليْهِ‬ ‫وَ سَلّم‪ ،‬و هو حي في ال سماء‪ ،‬وأج يب‪ :‬بأ نه كان في هم أ نبياء غ ير المر سلين‪ ،‬كالحواري ين‪ ،‬ومر يم في قول‪ ،‬وأن‬ ‫المراد مـن قوله‪" :‬أنـبيائهم" المجموع مـن اليهود والنصـارى‪ ،‬أو المراد النـبياء‪ ،‬وكبار أتباعهـم‪ ،‬واكفـى بذكـر‬ ‫النـبياء‪ ،‬ويؤيـد ذلك قوله فـي روايـة مسـلم‪" :‬كانوا يتخذون قبور أنـبيائهم وصـالحيهم مسـاجد" ولهذا‪ ،‬لمّا أفرد‬ ‫النصارى كما في الحديث التي‪.‬‬ ‫ح َبنَوْا على قبره َمسْجدا" وفيه‪" :‬أُولئك شرا ُر الخَلْق"‪.‬‬ ‫ن حديث عائش َة "كانوا إذا مات فيهمُ ال ّرجُلُ الصّال ُ‬ ‫ول ُهمَا م ْ‬ ‫(ولهما) أي البخاري ومسلم (من حديث عائشة‪ :‬كانوا إذا مات فيهم) أي النصارى‪ .‬قال‪( :‬الرّجلُ الصالحُ) ‪ ،‬ولما‬ ‫أفرد اليهود‪ ،‬كما في حديث أبي هريرة قال‪" :‬أنبيائهم"‪ .‬وأحسن من هذا أن يقال‪ :‬أنبياء اليهود‪ :‬أنبياء النصارى؛‬ ‫لن النصارى مأمورون باليمان بكل رسول‪ ،‬فرسل بني إسرائيل يسمون أنبياء في حق الفريقين ( َبنَوْا على قبره‬ ‫‪36‬‬

‫َمسْجدا‪ ،‬وفيه أولئك شرار الخلق) اسم الشارة عائد إلى الفريقين‪ ،‬وكفى به ذما‪ .‬والمراد من التخاذ‪ :‬أعم من أن‬ ‫يكون ابتداعا‪ ،‬أو اتباعا‪ ،‬فاليهود ابتدعت والنصارى اتبعت‪.‬‬ ‫خيْلً‪ ،‬فجَاءَ تْ برجُلٍ‪،‬‬ ‫ي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َ‬ ‫[رح ‪ ]4‬ـــ و عن أ بي هريرة ر ضي ال عن ُه قال‪ :‬بع ثَ ال نب ّ‬ ‫َف َربَطُوهُ بساريةٍ من سواري المسجد‪ .‬الحديث متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫الرجل هو‪ :‬ثمامة بن أسال‪ ،‬صرح بذلك في الصحيحين‪ ،‬وغيره ما‪ ،‬وليس فيه‪ :‬أن الربط عن أمره صَلّى ال‬ ‫عََليْهِ وَسَلّم‪ ،‬ولكنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قرر ذلك؛ لن في القصة‪ :‬أنه كان يمر به ثلثة أيام ويقول‪" :‬ما عندك يا‬ ‫ثمامة‪ .‬الحديث"‪.‬‬ ‫وفيه دليل‪ :‬على جواز ربط السير بالمسجد‪ ،‬وإن كان كافرا‪ ،‬وأن هذا تخصيص لقوله صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬إن‬ ‫المسجد لذكر ال والطاعة"‪ ،‬وقد أنزل صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم وفد ثقيف في المسجد‪.‬‬ ‫قال الخطا بي‪ :‬ف يه جواز دخول المشرك الم سجد‪ ،‬إذا كان له ف يه حا جة م ثل‪ :‬أن يكون له غر يم في الم سجد ل‬ ‫يخرج إل يه‪ ،‬وم ثل أن يحا كم إلى قاض هو في الم سجد‪ ،‬و قد كان الكفار يدخلون م سجده صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪،‬‬ ‫ويطيلون ف يه الجلوس‪ ،‬و قد أخرج أ بو داود من حد يث أ بي هريرة‪" :‬أن اليهود أتوا ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬ ‫وهو في المسجد"‪.‬‬ ‫سبُونَ} فالمراد به‪ :‬ل يمكنون من ح جّ‪ ،‬ول‬ ‫جزَآءً بِمَا كَانُواْ َيكْ ِ‬ ‫حكُواْ قَلِيلً وَ ْل َي ْبكُو ْا َكثِيرا َ‬ ‫ضَ‬ ‫وأ ما قوله تعالى‪{ :‬فَلْ َي ْ‬ ‫عمرة‪ ،‬كما ورد في القصة التي بعث لجلها صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم بايات براءة إلى مكة‪ ،‬وقوله‪" :‬فل يحج نّ بعد‬ ‫خمْ سَةِ‬ ‫هذا العام مشرك"‪ ،‬وكذلك قوله تعالى‪{ :‬بَلَى إِن تَ صْ ِبرُواْ َو َتتّقُواْ َو َي ْأتُوكُ مْ مّ ن فَ ْورِهِ مْ هَ ـذَا ُي ْم ِد ْدكُ مْ َر ّبكُ مْ ِب َ‬ ‫ن ا ْلمَل ِئكَ ِة مُ سَ ّومِينَ} ل ي تم ب ها دل يل على تحر يم الم ساجد على المشرك ين‪ ،‬لن ها نزلت في حق من‬ ‫آل فٍ مّ َ‬ ‫اسـتولى عليهـا‪ ،‬وكانـت له الحكمـة والمنعـة‪ ،‬كمـا وقـع فـي سـبب نزول اليـة الكريمـة‪ ،‬فإنهـا نزلت فـي شأن‬ ‫الن صارى‪ ،‬وا ستيلئهم على ب يت المقدس‪ ،‬وإلقاء الذى ف يه والزبال‪ ،‬أو أن ها نزلت في شأن قر يش‪ ،‬ومنع هم له‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عام الحديب ية عن العمرة‪ ،‬وأ ما دخوله من غ ير ا ستيلء وم نع وتخر يب‪ ،‬فلم تفده ال ية‬ ‫الكريمة‪ ،‬وكأن المصنف ساقه لبيان جواز دخول المشرك المسجد‪ ،‬وهو مذهب إمامه‪ ،‬فيما عدا المسجد الحرام‪.‬‬ ‫ت ُأنْشدُ فيه‪ ،‬وفيه مَ نْ هُو‬ ‫شدُ في المسجد‪ ،‬فَلحَ ظَ إليه‪ ،‬فقال‪ :‬قد ُكنْ ُ‬ ‫وعن هُ أنّ عُمر رضي ال عنه مرّ بح سّان ُينْ ِ‬ ‫خيرٌ م ْنكَ‪ ،‬متّفق عليه‪.‬‬ ‫(وع نه) أي أ بي هريرة‪( :‬أن ع مر ر ضي ال ع نه مرّ بح سان) بالحاء المهملة مفتو حة ف سين مهملة مشددة‪ .‬هو‬ ‫ابن ثابت‪ ،‬شا عر رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬يك نى أبا عبد الرح من‪ .‬أطال ا بن عبد البر في ترجمته في‬ ‫الستيعاب قال‪ :‬وتوفي حسان قبل الربعين في خلفة عل يّ عليه السلم‪ ،‬وقيل‪ :‬بل مات سنة خمسين‪ ،‬وهو ابن‬ ‫مائة وعشرين سنة (ينشد) بضم حرف المضارعة وسكون النون وكسر الشين المعجمة (في المسجد فلحظ إليه)‬ ‫أي نظر إليه‪ ،‬وكأنّ ح سّانا فهم منه نظر النكار (فقال‪ :‬قد كنتُ أنشد فيه‪ ،‬وفي هِ) أي المسجد (من هو خير منك)‬ ‫يعني‪ :‬رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم (متفق عليه) وقد أشار البخاري في باب بدء الخلق‪ :‬في هذه القصة‪ :‬أن‬ ‫حسانا أنشد في المسجد‪ :‬ما أجاب به المشركين عنه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪.‬‬ ‫ف في الحد يث دللة على جواز إنشاد الش عر في الم سجد‪ .‬و قد عار ضه أحاد يث‪ .‬أخرج ا بن خزي مة‪ ،‬و صححه‬ ‫الترمذي من حد يث عمرو بن شع يب عن أب يه عن جده قال‪" :‬ن هى ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عن تنا شد‬ ‫الشعار في المسجد" وله شواهد‪ ،‬وجمع بينها وبين حديث الباب‪ :‬بأن النهي محمول على تناشد أشعار الجاهلية‬ ‫وأهل البطالة‪ ،‬وما لم يكن فيه غرض صحيح‪ ،‬والمأذون فيه ما سلم من ذلك‪ ،‬وقيل‪ :‬المأذون فيه مشروط‪ :‬بأن‬ ‫ل يكون ذلك مما يشغل من في المسجد‪.‬‬ ‫سجِدِ فَ ْليَقُلْ‪ :‬ل‬ ‫سمِعَ َرجُلً َي ْنشُ ُد ضالّ ًة في الم ْ‬ ‫وعن ُه رضي ال عنه قال‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬مَن َ‬ ‫ن المساجدَ لمْ تُبن لهذا" رواه مُسلمٌ‪.‬‬ ‫َردّهَا ال عَل ْيكَ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ل ينشدُ) بف تح المثناة التحت ية‬ ‫(وع نه) أي أ بي هريرة (قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬من سمعَ رجُ ً‬ ‫و سكون النون و ضم الش ين المعج مة‪ ،‬من ن شد الدا بة‪ :‬إذا طلب ها (ضالّة في الم سجد فليقُل‪ :‬ل ردّ ها ال عل يك)‬ ‫عقو بة له؛ لرتكا به في الم سجد ما ل يجوز‪ .‬وظاهره أ نه يقول‪ :‬جهرا‪ ،‬وأ نه وا جب (فإن الم ساجد لم ُت ْب نَ لهذا‪.‬‬ ‫رواه مسلم) أي‪ :‬بل بنيت لذكر ال‪ ،‬والصلة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والمذاكرة في الخير‪ ،‬ونحوه‪.‬‬ ‫والحديث دليل‪ :‬على تحريم السؤال عن ضالة الحيوان في المسجد‪ ،‬وهل يلحق به السؤال عن غيرها من المتاع‪،‬‬ ‫ولو ذهب في المسجد؟ قيل‪ :‬يلحق للعلة‪ ،‬وهي قوله‪" :‬فإن المساجد لم تبن لهذا"‪ ،‬وأن من ذهب له متاع فيه‪ ،‬أو‬ ‫في غيره ق عد في باب الم سجد‪ :‬ي سأل الخارج ين والداخل ين إل يه‪ .‬واختلف أيضا في تعل يم ال صبيان القران في‬ ‫‪37‬‬

‫المسجد‪ ،‬وكأن المانع يمنعه لما فيه من رفع الصوات المنهي عنه في حديث واثلة‪" :‬جنبوا مساجدكم مجانينكم‬ ‫وصبيانكم ورفع أصواتكم" أخرجه عبد الرزاق‪ ،‬والطبراني في الكبير‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬ ‫وعن ُه رضي ال عنه‪ ،‬أن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬إذا رََأ ْيتُ مْ م نْ يَبيعُ‪ ،‬أوْ َيبْتا عُ في المسجدِ فقُولوا‬ ‫سنَهُ‪.‬‬ ‫لهُ‪ :‬ل َأ ْربَحَ ال تَجارَتك" روا ُه النسائيّ والترمذي‪ ،‬وح ّ‬ ‫(وع نه) أي أ بي هريرة‪( :‬أن ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪ :‬إذا رأيت مْ م نْ يبيعُ أو يبتا عُ) يشتري ( في‬ ‫المسجد فقولوا لهُ‪ :‬ل َأ ْربَحَ ال تجارتك‪ .‬رواه الترمذي‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وحسنه)‪.‬‬ ‫ف يه دللة على تحر يم الب يع والشراء في الم ساجد‪ ،‬وأ نه ي جب على من رأى ذلك ف يه أن يقول ل كل من البائع‬ ‫والمشتري‪ :‬ل أربح ال تجارتك‪ ،‬يقول جهرا‪ :‬زجزا للفاعل لذلك‪ ،‬والعلة‪ :‬هي قوله فيما سلف‪" :‬فإن المساجد لم‬ ‫تبن لذلك" وهل ينعقد البيع؟ قال الماوردي‪ :‬إنه ينعقد اتفاقا‪.‬‬ ‫وعن حكيم بن حزام رضي ال عنه قالَ‪ :‬قالَ ر سُولُ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل تُقام الحدودُ في المساجدِ‪ ،‬ول‬ ‫ستَقادُ فيها" رواهُ أحمد وأبو داودَ بسندٍ ضعيفٍ‪.‬‬ ‫ُي ْ‬ ‫(و عن حك يم بن حزام) بالحاء المهملة المك سورة والزاي‪ .‬وحك يم صحابي كان من أشراف قر يش في الجاهل ية‬ ‫والسلم‪ :‬أسلم عام الفتح‪ ،‬عاش مائة وعشرين سنة‪ ،‬ستين في الجاهلية‪ ،‬وستين في السلم‪ .‬وتوفي بالمدينة سنة‬ ‫أر بع وخم سين‪ ،‬وله أرب عة أولد صحابيون كل هم‪ :‬ع بد ال‪ ،‬وخالد‪ ،‬ويح يى‪ ،‬وهشام (قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬ل تُقا مُ الحدودُ في الم ساجد ول يُ ستقاد في ها) أي يقام القود في ها (رواه أح مد‪ ،‬وأ بو داود ب سند‬ ‫ضعيف) ‪ ،‬ورواه الحاكم‪ ،‬وابن السكن‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬والدارقطني‪ ،‬والبيهقي‪ .‬وقال المصنف في التلخيص‪ :‬ل‬ ‫بأس بإسناده‪.‬‬ ‫والحديث دليل‪ :‬على تحريم إقامة الحدود في المساجد‪ ،‬وعلى تحريم الستفادة فيها‪.‬‬ ‫س ْعدٌ يومَ الخنْدقِ فضرب عليهِ رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم خ ْيمَةً‬ ‫[رح ‪ ]9‬ــــ وعن عائشةَ قالت‪ :‬أُصيب َ‬ ‫في المسْجدِ‪ِ ،‬ل َيعُودَ ُه من قريب‪ .‬متّفق عليه‪.‬‬ ‫س ْعدٌ) هو ابن معاذ بضم الميم فعين مهملة بعد اللف ذال معجمة‪،‬‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬أصيبَ َ‬ ‫هو أبو عمرو‪ ،‬سعد بن معاذ الوسي‪ ،‬أسلم بالمدينة بين العقبة الولى والثانية‪ ،‬وأسلم بإسلمه بنو عبد الشهل‪،‬‬ ‫وسماه رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم سيد النصار‪ ،‬وكان مقداما مطاعا‪ ،‬شريفا في قومه‪ ،‬من كبار الصحابة‪،‬‬ ‫ش هد بدرا وأحدا‪ ،‬وأ صيب يوم الخندق في أكحله‪ ،‬فلم ير قأ دمه ح تى مات بعد ش هر‪ .‬تو في في ش هر ذي القعدة‬ ‫سنة خ مس من الهجرة (يوم الخندق فضرب عل يه ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم) أي ن صب عل يه (خي مة في‬ ‫ق عليه)‪.‬‬ ‫المسجد ليعوده من قريب) أي ليكون مكانه قريبا منه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪ ،‬فيعوده (متف ٌ‬ ‫ف يه دللة على جواز النوم في الم سجد‪ ،‬وبقاء المر يض ف يه‪ ،‬وإن كان جريحا‪ ،‬وضرب الخي مة‪ ،‬وإن من عت من‬ ‫الصلة‪.‬‬ ‫ظرُ إلى الحبشةِ يلعبون في الم سجد‪".......‬‬ ‫ستُرني وأ نا َأ ْن ُ‬ ‫وعنْ ها قالَ تْ‪ :‬رأَيْت ر سُولَ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ي ْ‬ ‫الحديثَ‪ .‬متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫(وعنها) أي عن عائشة (قالت‪ :‬رأيت رسولَ ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم يسترني‪ ،‬وأنا أنظ ُر إلى الحبشة يلعبون في‬ ‫المسجد‪ .‬الحديث‪ .‬متفق عليه) قد بين في رواية للبخاري‪ :‬أن لعبهم كان بالدرق والحراب‪ .‬وفي رواية لمسلم‪:‬‬ ‫"يلعبون في المسجد بالحراب" وفي رواية للبخاري‪" :‬وكان يوم عيد"‪.‬‬ ‫فهذا يدل على جواز م ثل ذلك في الم سجد في يوم م سرة‪ ،‬وق يل‪ :‬إ نه من سوخ بالقران وال سنة‪ .‬أ ما القران‪ :‬فقوله‬ ‫ح لَ ُه فِيهَا بِا ْل ُغدُوّ وَالصَالِ} ‪،‬‬ ‫سبّ ُ‬ ‫سمُهُ ُي َ‬ ‫ن اللّ ُه أَن ُترْفَعَ َو ُي ْذكَرَ فِيهَا ا ْ‬ ‫ت َأذِ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬فِي ُبيُو ٍ‬ ‫سنّة فبحد يث‪" :‬جنبوا م ساجدكم صبيانكم" الحد يث‪ ،‬وتع قب بأ نه حد يث ضع يف‪ ،‬ول يس ف يه ول في ال ية‬ ‫وأ ما ال ّ‬ ‫تصريح بما ادعاه ول عرف التاريخ فيتم النسخ‪.‬‬ ‫وقد حكى أن لعبهم كان خارج المسجد‪ ،‬وعائشة كانت في المسجد‪ .‬وهذا مرود بما ثبت في بعض طرق الحديث‬ ‫هذا أن عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد‪ ،‬فقال له النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬دعهم"‪ .‬وفي ألفاظه أنه صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال لع مر‪" :‬لتعلم اليهود أن في دين نا ف سحة وأ ني بع ثت بحنيف ية سمحة"‪ .‬وكأن ع مر ب نى على‬ ‫الصل في تنزيه المساجد فبين له صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أن التعمق والتشدد ينافي قاعدة شريعته صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَس َـلّم مـن التسـهيل والتيسـير‪ .‬وهذا يدفـع قول مـن قال‪ :‬إن اللعـب بالحراب ليـس لعبا مجردا‪ ،‬بـل فيـه تدريـب‬ ‫الشجعان على موا ضع الحروب وال ستعداد للعدو‪ ،‬ف في ذلك من الم صلحة ال تي تج مع عا مة الم سلمين‪ ،‬ويحتاج‬ ‫إليها في إقامة الدين‪ ،‬فأجيز فعلها في المسجد‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫وهذا وأ ما ن ظر عائ شة إلي هم و هم يلعبون و هي أجنب ية‪ ،‬فف يه دللة على الجواز ن ظر المرأة إلى جملة الناس من‬ ‫دون تف صيل لفراد هم‪ ،‬ك ما تنظر هم إذا خر جت لل صلة في الم سجد وع ند الملقاة في الطرقات‪ ،‬ويأ تي تحق يق‬ ‫هذه المسألة في محلها‪.‬‬ ‫حدِي ثَ‪،‬‬ ‫ع ْندِي‪ "..‬ا ْل َ‬ ‫حدّ ثُ ِ‬ ‫جدِ‪َ ،‬فكَانَ تْ َت ْأتِينِي َف َت َ‬ ‫سِ‬ ‫خبَاءٌ فِي ا ْلمَ ْ‬ ‫ع ْنهَا‪" :‬أَن وَلِيدَ ًة سَ ْودَا َء كَا نَ َلهَا ِ‬ ‫[رح ‪ ]11/442‬ـ و َ‬ ‫ُمتّ َفقٌ عََليْهِ‪.‬‬ ‫(وعنها) أي عائشة (أن الوليدة المة (سوداء فكان لها خباء) بكسر الخاء المعجمة وموحدة فهمزة ممدودة الخيمة‬ ‫من وبر أو غيره‪ ،‬وقيل‪ :‬ل تكون إل من شعر (في المسجد فكانت تأتيني فتحدث عندي ـ الحديث متفق عليه)‪.‬‬ ‫والحديث برمته في البخاري عن عائشة‪ :‬أو وليدة سوداء كان لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم فخرجب‬ ‫صـبية لهـم عليهـا وشاح أحمـر مـن سـيور‪ ،‬قال‪ :‬فوضعتـه أو وقـع منهـا فمرت حدأة وهـو ملقـي فحسـبته لحما‬ ‫فخطف ته‪ ،‬قالت‪ :‬وال إ ني لطقائ مة مع هم‪ ،‬إذ مرت الحدأة فألق ته قالت‪ :‬فو قع بين هم‪ ،‬فجاءت إلى ر سول ال صَلّى‬ ‫ال عََليْهِ وَسَلّم فأسلمت‪ ،‬قال عائشة‪ :‬فكان لها خباء في المسجد أو حفش‪ ،‬فكانت تأتيني فتحدث عندي‪ ،‬قالت‪ :‬فل‬ ‫تجلس إل قالت‪:‬‬ ‫[شع] ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا‬ ‫أَل إِنه من دارة الكفر نجاني[‪/‬شع]‪.‬‬ ‫قالت عائ شة‪ :‬قلت ل ها‪ :‬ما شأ نك ل تقعد ين إل قلت هذا‪ ،‬فحدثت ني بهذا الحد يث"‪ ،‬فهذا الذي أشار إل يه الم صنف‬ ‫بقوله‪" :‬الحديث"‪.‬‬ ‫وفي الحديث دللة على إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن ليس له مسكن من المسلمين رجلً كان أو امرأة‬ ‫عند أمن الفتنة‪ ،‬وجواز ضرب الخيمة له ونحوها‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬الب صاق) في القاموس‬ ‫ل رَ سُو َ‬ ‫ع ْن هُ‪ ،‬قَا َ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ن َأنَ سٍ َرضِ َ‬ ‫[رح ‪ ]21/542‬ـ ( َوعَ ْ‬ ‫الب صاق كغراب والب ساق والبزاق ماء ال فم إذ خرج م نه‪ ،‬و ما دام ف يه ف هو ر يق‪ ،‬و في ل فظ للبخاري‪ :‬البزاق‪،‬‬ ‫ولمسلم‪ :‬التفل‪( .‬في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها" متفق عليه)‪.‬‬ ‫الحديث دليل على أن البصاق في المسجد خطيئة والدفن يكفرها‪ ،‬وقد عارضه ما تقدم من حديث‪" :‬فليبصق عن‬ ‫يسـاره أو تحـت قدمـه"‪ .‬فإن ظاهره سـواء كان فـي المسـجد أو غيره‪ .‬قال النووي‪ :‬عمـا عمومان‪ ،‬لكـن الثانـي‬ ‫مخصـوص بمـا إذا لم يكـن فـي المسـجد ويبقـى عموم الخطيئة إذا كان فـي المسـجد مـن دون تخصـيص‪ ،‬وقال‬ ‫القاضي عياض‪ :‬إنما يكون البصاق في المسجد خطيئة إذا لم يدفنه‪ ،‬وأما إذا أراد دفنه فل‪ .‬وذهب إلى هذا أئمة‬ ‫من أهل الحديث‪ ،‬ويدل له حديث أحمد‪ ،‬والطبراني بإسناد حسن‪ ،‬من حديث أبي أمامة مرفوعا‪" :‬من تنخع في‬ ‫المسجد فلم يدف نه فسيئة فإن دف نه فح سنه"‪ .‬فلم يجعله سيئة إل بقيد عدم الد فن‪ ،‬ونحوه حديث أ بي ذر ع ند مسلم‬ ‫مرفوعا‪" :‬وجدت في مساوىء أمتي النخاعة تكون في المسجد ل تدفن"‪ ،‬وهكذا فهم السَلفَ‪ ،‬ففي سنن سعيد بن‬ ‫من صور‪ ،‬و عن أ بي عبيدة بن الجراح‪" :‬أ نه تن خم في الم سجد ليلة فن سى أن يدفن ها ح تى ر جع إلى منزله‪ ،‬فأ خذ‬ ‫شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها‪ ،‬وقال‪ :‬الحمد ل‪ ،‬حيث لم تكتب على خطيئة الليلة"‪ .‬فدل على أنه فهم أن‬ ‫الخطيئة مختصة بمن تركها وقدمنا وجها من الجمع‪ ،‬وهو أن الخطيئة حيث كان التفل عن اليمين أو إلى جهة‬ ‫ال ِقبْلة ل إذا كان عن الشمال وتحت القدم‪ ،‬فالحديث هذا مخصص بذلك ومقيد به‪ ،‬قال الجمهور‪ :‬والمراد أي من‬ ‫دفنها في تراب المسجد ورمله وحصاه‪ ،‬وقول من قال‪ :‬المراد من دفنها إخراجها من المسجد بعيد‪.‬‬ ‫حتّى َي َتبَاهَى النّاسُ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ :‬ل تَقُومُ السّاعَ ُة َ‬ ‫عنْهُ‪ ،‬قَالَ رَسُو َ‬ ‫عنْهُ َرضِيَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]31/642‬ـ وَ َ‬ ‫خ َزيْمَةَ‪.‬‬ ‫ن ُ‬ ‫صحّحَ ُه ابْ ُ‬ ‫خ ْمسَةُ إِل ال ّترْ ِم ِذيّ‪َ ،‬و َ‬ ‫فِي ا ْل َمسَاجِدِ"‪َ .‬أخْ َرجَ ُه ا ْل َ‬ ‫(وعنه) أي أ نس‪( ،‬قال ر سول ال‪" :‬ل تقوم ال ساعة حتى يتباهى) يتفا خر‪( ،‬الناس في المساجد) بأن يقول واحد‬ ‫في مسجدي " أحسن من مسجدك علوا وزينة وغير ذلك‪( .‬أخرجه الخمسة إل الترمذي وصححه ابن خزيمة)‪.‬‬ ‫الحديث من أعلم النبوة وقوله‪" :‬ل تقوم الساعة" قد يؤخذ منه أنه من أشراطها والتباهي‪ ،‬إما بالقول كما عرفت‪،‬‬ ‫أو بالفعل كأن يبالغ كل واحد في تزيين مسجده ورفع بنائه وغير ذلك‪ .‬وفيه دللة مفهمة بكراهة ذلك‪ ،‬وأنه من‬ ‫أشراط الساعة‪ ،‬وأن ال ل يحب تشييد المساجد ول عمارتها إل بالطاعة‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ " :‬ما ُأ ِمرْ تُ‬ ‫ل رَ سُو َ‬ ‫ع ْنهُمَا‪ ،‬قَالَ‪ :‬قَا َ‬ ‫عبّا سٍ َرضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]41/724‬ـ وَعَ نِ ا ْب نِ َ‬ ‫حبّانَ‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫صحّحَ ُه ابْ ُ‬ ‫خ َرجَهُ َأبُو دَا ُودَ‪َ ،‬و َ‬ ‫جدِ"‪َ .‬أ ْ‬ ‫شيِيد ا ْل َمسَا ِ‬ ‫ِب َت ْ‬

‫‪39‬‬

‫(وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬ما أمرت بتشيد المساجد" أخرجه‬ ‫أبو داود وصححه ابن حبان) وتمام الحديث قال ابن عباس‪" :‬لتزخرفنها كما زخرفتها اليهود والنصارى"‪ .‬وهذا‬ ‫مدرج من كلم ا بن عباس‪ ،‬كأ نه فه مه من الخبار النبو ية من أن هذه ال مة تحذو حذو ب ني إ سرائيل‪ .‬والتشي يد‬ ‫رفع البناء وتزيينه بالشيد‪ ،‬وهو الجص كذا في الشرح‪ .‬والذي في القاموس‪ :‬شاد الحائط يشيده طله بالشيد وهو‬ ‫ما يطلى به الحائط من جص ونحوه وانتهى‪ .‬فلم يجعل رفع البناء من مسماه‪.‬‬ ‫والحديث ظاهر في الكراهة أو التحريم لقوله ابن عباس كما زخرفت اليهود والنصارى فإن التشبه بهم محرم‪،‬‬ ‫وذلك أنه ليس المقصود من بناء المساجد إل أن تكن الناس من الحر والبرد وتزيينها يشغل القلوب عن الخشوع‬ ‫الذي هو روح جسم العبادة‪ .‬والقول بأنه يجوز تزيين المحراب باطل‪.‬‬ ‫قال المهدي في الب حر‪ :‬إن تزي ين الحرم ين لم ي كن برأي ذي حل وع قد ول سكوت ر ضا أي من العل ما‪ ،‬وإن ما‬ ‫فعله أهل الدول الجبابرة من غير مؤاذنة لحد من أهل الفضل وسكت المسلمون والعلماء من غير رضا‪ ،‬وهو‬ ‫كلم حسن وفي قوله صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬ما أمرت"‪ ،‬إشعار بأنه ل يحسن ذلك فإنه لو كان حسنا لمره ال به‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ .‬وأخرج البخاري‪ ،‬من حديث ابن عمر‪" :‬أن مسجده صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان على عهده‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل‪ ،‬فلم يزد فيه أبو بكر شيئا‪ ،‬وزاد فيه عمر‬ ‫وبناه على بنائه في عهد رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم باللبن والجريد وأعاد عمده خشبا‪ ،‬ثم غيره عثمان فزاد‬ ‫فيه زيادة كبيرة وبنى جدرانه بالحجار المنقوشة والجص وجعل عمدة من حجارة منقوشة وسقفه بالساج"‪.‬‬ ‫قال ا بن بطال‪ :‬وهذا يدل على أن ال سنة في بنيان الم ساجد الق صد وترك الغلو في تح سينها‪ ،‬ف قد كان ع مر مع‬ ‫كثرة الفتوحات في أيا مه وكثرة المال عنده لم يغ ير الم سجد ع ما كان عل يه‪ ،‬وإن ما احتاج إلى تجديده لن جر يد‬ ‫النخل كان قد نخر في أيامه‪ ،‬ثم عند عمارته‪" :‬أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس"‪ ،‬ثم‬ ‫كان عثمان والمال في زمنه أكثر فحسنه بما ل يقتضي الزخرفة‪ ،‬ومع ذلك أنكر بعض الصحابة عليه‪ ،‬وأول من‬ ‫زخرف المساجد الول يد بن عبد الملك‪ ،‬وذلك في أوا خر عصر ال صحابة و سكت كث ير من أهل العلم عن إنكار‬ ‫ذلك خوفا من الفتنة‪.‬‬ ‫وللعلماء في ذلك قولن‪ :‬أحدهما أن يغمس يديه في الماء‪ ،‬ثم يضع باطن كفه اليسرى تحت عقب الخف‪ ،‬وكفه‬ ‫اليمنى على أطراف أصابعه‪ ،‬ثم يمر اليمنى إلى ساقه‪ ،‬واليسرى إلى أطراف أ صابعه‪ .‬وهذا للشافعي‪ .‬واستدل‬ ‫لهذه الكيفية بما ورد في حديث المغيرة‪" :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم مسح على خفيه‪ ،‬ووضع يده اليمنى على خفه‬ ‫اليمن‪ ،‬ويده اليسرى على خفه اليسر‪ ،‬ثم مسح أعلهما مسحة واحدة‪ ،‬كأني أنظر أصابعه على الخفين" رواه‬ ‫البيهقي‪ ،‬وهو منقطع‪ ،‬على أنه ل يفي بتلك الصفة‪.‬‬ ‫عرِضَ تُ عَلَيّ ُأجُورُ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ُ :‬‬ ‫عنْ ُه قَالَ‪ :‬قَالَ رَ سُو ُ‬ ‫س رَضِ يَ ال َ‬ ‫ع نْ َأنَ ٍ‬ ‫[رح ‪ ]51/842‬ـ وَ َ‬ ‫خ َز ْيمَةَ‪.‬‬ ‫ححَهُ ا ْبنُ ُ‬ ‫صّ‬ ‫س َت ْغ َربَهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫سجِدِ" رَوَاهُ َأبُو دَا ُودَ وال ّت ْر ِمذِيّ‪ ،‬وَا ْ‬ ‫ن ا ْل َم ْ‬ ‫جهَا ال ّرجُلُ مِ َ‬ ‫خ ِر ُ‬ ‫حتّى ا ْل َقذَاةُ ُي ْ‬ ‫ُأ ّمتِي‪َ ،‬‬ ‫(و عن أ نس ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬عر ضت على أجور أم تي ح تى القذاة‬ ‫يخرجها الرجل من المسجد" رواه أبو داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬واستغربه‪ ،‬وصححه ابن خزيمة) القذاة بزنة حصاة هي‬ ‫مستعملة في كل شيء يقع في البيت وغيره إذا كان يسيرا‪ ،‬وهذا إجبار بأن ما يخرجه الرجل من المسجد وإن‬ ‫قل وح قر مأجور ف يه لن ف يه تنظ يف ب يت ال وإزالة ما يؤذي المؤمن ين ويف يد بمفهو مه أن من الوزار إدخال‬ ‫القذاة إلى المسجد‪.‬‬ ‫ح ُدكُ مُ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ِ" :‬إذَا َدخَلَ َأ َ‬ ‫عنْ هُ‪ ،‬قَالَ‪ :‬قَالَ رَ سُو ُ‬ ‫ع نْ أَبِي قَتَادَ َة رَضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]61/942‬ـ وَ َ‬ ‫حتّى ُيصَّليَ َركْ َع َتيْنِ" ُمتّ َفقٌ عََليْهِ)‪.‬‬ ‫جدَ فَل َيجْلِسْ َ‬ ‫سِ‬ ‫ا ْل َم ْ‬ ‫(و عن أ بي قتادة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا د خل أحد كم الم سجد فل يجلس‬ ‫حتى يصلي ركعتين" متفق عليه)‪.‬‬ ‫الحديث نهى عن جلوس الداخل إلى المسجد إل بعد صلته ركعتين وهما تحية المسجد‪ .‬وظاهره وجوب ذلك‪،‬‬ ‫ـّم للذي رآه يتخطـى‪" :‬اجلس فقـد آذيـت"‪ ،‬ولم‬ ‫ـّى ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫وذ هب الجمهور إلى أنـه ندب واسـتدلوا بقوله صَل‬ ‫يأمره بصلتهما وبأنه قال صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم لمن علمه الركان الخمسة فقال‪ :‬ل أزيد عليها‪ :‬أفلح إن صدق"‪.‬‬ ‫الول‪ :‬مردود بأ نه ل دل يل على أ نه لم ي صلهما فإ نه يجوز أ نه صلهما في طرف الم سجد‪ ،‬ثم جاء يتخ طى‬ ‫الرقاب‪ .‬والثاني‪ :‬بأنه قد وجب غير ما ذكر كصلة الجنائز ونحوها ول مانع من أنه وجب بعد قوله‪" :‬ل أزيد"‬ ‫واجبات وأعلمه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم بها‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫ثم ظاهر الحديث أنه يصليهما في أي وقت شاء ووقت الكراهة‪ ،‬وفيه خلف وقررناه في حواشي شرح العمدة‬ ‫أ نه ل ي صليهما من د خل الم سجد في أوقات الكرا هة‪ ،‬وقرر نا أيضا أن وجوبه ما هو الظا هر لكثرة الوا مر‬ ‫الواردة به وظاهره أ نه إذا جلس ولم ي صلهما ل يشرع له أن يقوم في صليهما‪ ،‬وقال جما عة‪ :‬يشرع له التدارك‪،‬‬ ‫لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر أنه دخل المسجد‪ ،‬فقال له النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬ركعت‬ ‫ركعتين قال‪ :‬ل قال‪ :‬قم فاركعهما"‪ .‬وترجم عليه ابن حبان تحية المسجد ل تفوت بالجلوس‪ ،‬وكذلك ما يأتي من‬ ‫قصة سليك الغطفاني وقوله‪" :‬ركعتين" ل مفهوم له في جانب الزيادة‪ ،‬بل في جانب القلة فل تتأدى سنة التحية‬ ‫برك عة واحدة‪ .‬قال في الشرح‪ :‬و قد أخرج من عموم الم سجد الم سجد الحرام فتحي ته الطواف‪ ،‬وذلك لن ال نبي‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم بدأ فيه بالطواف‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬هكذا ذكره ابن القيم في الهدى‪ .‬وقد يقال‪ :‬إنه لم يجلس فل تحية للمسجد الحرام إذ التحية إنما تشرع لمن‬ ‫جلس‪ ،‬والداخل المسجد الحرام يبدأ بالطواف ثم يصلي صلة المقام فل يجلس إل وقد صلى نعم لو دخل المسجد‬ ‫الحرام وأراد القعود قبل الطواف‪ ،‬فإنه يشرع له صلة التحية كغيره من المساجد‪ ،‬وكذلك قد استثنوا صلة العيد‬ ‫لنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم لم يصل قبلها ول بعدها‪ ،‬ويجاب عنه بأنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ما جلس حتى يتحقق‬ ‫في حقه أنه ترك التحية‪ ،‬بل وصل إلى الجنانة أو إلى المسجد فإنه صلى العيد في مسجده مرة واحدة‪ ،‬ولم يقعد‬ ‫بل و صل إلى الم سجد ود خل في صلة الع يد‪ ،‬وأ ما الجنا بة فل تح ية ل ها إذ لي ست بم سجد إذا‪ ،‬وأ ما إذا اشت غل‬ ‫الداخل بالصلة كأن يدخل وقد أقيمت الفريضة فيدخل فيها فإنها تجزئه عن ركعتي التحية‪ ،‬بل هو منهي عنها‬ ‫بحديث‪" :‬إذا أقيمت الصلة فل صلة إل المكتوبة"‪.‬‬ ‫باب صفة الصلة‬ ‫سبِغِ‬ ‫ع ْنهُ‪ ،‬أَنّ ال ّن ِبيّ صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قَالَ‪ِ" :‬إذَا قُمْتَ إلَى الصّلةِ َفأَ ْ‬ ‫ن َأبِي ُهرَ ْيرَ َة رَضِيَ ال َ‬ ‫عْ‬ ‫[رح ‪ ]1/052‬ـ َ‬ ‫حتّى‬ ‫ط َمئِنّ رَاكِعا‪ُ ،‬ثمّ ارْفَ عْ َ‬ ‫حتَى َت ْ‬ ‫ا ْل ُوضُوءَ‪ُ ،‬ثمّ ا سْت َقبِلِ الْ ِقبَْلةَ‪َ ،‬فكَ ّبرْ‪ُ ،‬ثمّ ا ْقرَأْ مَا َتيَ سّرَ َمعَ كَ مِ نَ ا ْل ُقرُآ نَ‪ُ ،‬ثمّ اركْ عْ َ‬ ‫ط َمئِنّ سَاجِدا‪ُ ،‬ثمّ افْعَلْ‬ ‫حتَى َت ْ‬ ‫سجُ ْد َ‬ ‫ط َمئِنّ جَالِسا‪ُ ،‬ثمّ ا ْ‬ ‫حتَى َت ْ‬ ‫حتَى َتطْمَئنّ سَاجِدا‪ُ ،‬ثمّ ارْفَ ْع َ‬ ‫جدْ َ‬ ‫سُ‬ ‫َت ْع ِتدِلَ قَائِما‪ُ ،‬ثمّ ا ْ‬ ‫ن قَائِما"‪.‬‬ ‫ط َمئِ ّ‬ ‫حتّى َت ْ‬ ‫سنَادِ ُمسْلِمِ‪َ " :‬‬ ‫ن مَاجَهْ ِبِإ ْ‬ ‫س ْبعَةُ‪ ،‬وَاللّ ْفظُ لِ ْل ُبخَارِيّ‪ ،‬وَلبْ ِ‬ ‫ذَِلكَ فِي صَل ِتكَ كُّلهَا"‪ .‬أخرجه ال ّ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال)‪ :‬مخطبا للمسيء في صلته وهو خلد بن‬ ‫را فع‪( ،‬إذا ق مت إلى ال صلة فا سبغ الوضوء) تقدم أن إ سباغ الوضوء إتما مه‪ ( ،‬ثم ا ستقبل القبلة ف كبر) ت كبيرة‬ ‫الحرام‪( ،‬ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) فيه أنه ل يجب دعاء الستفتاح‪ ،‬إذ لو وجب لمره به‪ ،‬وظاهره أنه‬ ‫يجزئه من القرآن غير الفاتحة ويأتي تحقيقه‪( ،‬ثم اركع حتى تطمئن راكعا) فيه إيجاب الرجوع والطمئنان فيه‪،‬‬ ‫(ثم ارفع) من الركوع‪( ،‬حتى تعتدل قائما) من الركوع‪( ،‬ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا) فيه أيضا وجوب السجود‬ ‫ووجوب الطمئنان ف يه‪ ( ،‬ثم ار فع) من ال سجود‪( ،‬ح تى تطمئن جال سا) ب عد ال سجدة الولى‪ ( ،‬ثم ا سجد) الثان ية‪،‬‬ ‫(حتى تطمئن ساجدا) كالولى فهذه صفة ركعة من ركعات الصلة قياما وتلوة وركوعا واعتدالً منه وسجودا‬ ‫وطمأنينة وجلوسا بين السجدتين ثم سجدة باطمئنان كالولى‪ ،‬فهذه صفة ركعة كاملة‪( ،‬ثم افعل ذلك) أي جميع ما‬ ‫ذكر من القوال والفعال إل تكبيرة الحرام‪ ،‬فإنها مخصوصة بالركعة الولى لما علم شرعا من عدم تكرارها‬ ‫(فـي صـلتك) فـي ركعات صـلتك‪( ،‬كلهـا‪ .‬أخرجـه السـبعة) بألفاظ متقاربـة‪( ،‬و) هذا (اللفـظ) الذي سـاقه هنـا‬ ‫(للبخاري) وحده‪( ،‬ولبن ماجه) أي من حديث أبي هريرة‪( ،‬بإسناد مسلم) أي بإسناد رجاله رجال مسلم‪( ،‬حتى‬ ‫تطئمـن قائما) عوضا مـن قوله فـي لفـظ البخاري حتـى تعتدل‪ ،‬فدل على إيجاب الطمئنان عنـد العتدال مـن‬ ‫الركوع‪( ،‬ومثله) أي مثل ما أخرجه ابن ماجه ما في قوله‪.‬‬ ‫ن قَائِما"‪.‬‬ ‫حتّى َتطُ َمئِ ّ‬ ‫حبّانَ‪َ " :‬‬ ‫حمَدَ‪ ،‬وَا ْبنِ َ‬ ‫ع ْن َد َأ ْ‬ ‫ن رَافِعِ‪ِ ،‬‬ ‫عةَ بْ ِ‬ ‫ث رِ َفاَ َ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫[رح ‪ ]2/152‬ـ َو ِمثْلُ ُه فِي َ‬ ‫حتّى َترْجعَ الْعظَامُ"‪.‬‬ ‫حمَدَ‪" :‬فَأَقمْ صُ ْلبَكَ َ‬ ‫لْ‬ ‫َو َ‬ ‫سبِغع الْوضُوءَ َكمَا َأ َمرَ ُه ال‬ ‫حتّى يُ ْ‬ ‫حدِكُ مْ َ‬ ‫ن رَافِ عِ‪" :‬إ ّنهَا ل َت ِتمّ صَل ُة َأ َ‬ ‫ث رِفَاعَ َة بْ ِ‬ ‫وَلِ ْلنّ سَا ِئيّ‪ ،‬وََأبِي دَا ُو َد مِ نْ حَديِ ِ‬ ‫ح َمدِ ال َو َكبّرْ ُه وَهَلّلْهُ"‪.‬‬ ‫ن فَا َقرَأْ وَإِل فَا ْ‬ ‫ك قُرْآ ٌ‬ ‫ن كَانَ َم َع َ‬ ‫حمَدَهُ َو ُي ْثنَـيَ عََل ْيهِ"‪َ .‬وفِيهَا‪" :‬فَإ ْ‬ ‫َتعَالَى‪ُ ،‬ثمّ ُي َكّبرَ ال َتعَالَى َو َي ْ‬ ‫لبِي دَا ُودَ‪ُ :‬ثمّ اقْرأْ ِب ْأمّ ا ْلكِتابِ َو ِبمَا شَاءَ ال"‪.‬‬ ‫َو َ‬ ‫شئْتَ"‪.‬‬ ‫حبّانَ‪ُ " :‬ثمّ ِبمَا ِ‬ ‫وَلبْنِ ِ‬ ‫(في حديث رفاعة) بكسر الراء هو ابن رافع صحابي أنصاري شهد بدرا وُأحُدا وسائر المشاهد مع رسول ال‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وشهد مع عل يّ عليه السلم الجمل وصفين وتوفي أول إمارة معاو ية‪( ،‬عند أحمد وا بن‬ ‫حبان) فإنـه عندهمـا بلفـظ‪ :‬انخفضـت حال الركوع ترجـع إلى مـا كانـت عليـه حال القيام للقراءة‪ ،‬وذلك بكمال‬ ‫‪41‬‬

‫العتدال‪( ،‬وللنسائي) وأبي داود من حديث (رفاعة بن رافع) أي مرفوعا‪( ،‬إنها ل تتم صلة أحدكم حتى يسبغ‬ ‫الوضوء كما أمره ال) في آ ية المائدة‪( ،‬ثم يكبر ال) تكبيرة الحرام (ويحمده) بقراءة الفاتحة إل أن قوله‪( :‬فإن‬ ‫كان م عك قرآن) يش عر بأن المراد بقوله يحمده غ ير القراءة و هو دعاء الفتتاح فيؤ خذ م نه وجوب مطلق الح مد‬ ‫والثناء بعد تكبيرة الحرام‪ ،‬ويأتي الكلم في ذلك‪( ،‬ويثني عليه) بها (وفيه) أي في رواية النسائي وأبي داود عن‬ ‫رفا عة‪( ،‬فإن كان م عك قرآن فاقرا وإل) أي وإن لم ي كن م عك قرآن‪( ،‬فاح مد ال) أي ألفاظ الح مد ال والظ هر‬ ‫أن يقول الحمد ل‪( ،‬وكبره) بلفظ ال أكبر (وهلله) بقول ل إله إل ال‪ ،‬فدل على أن هذه عوض القراءة لمن ليس‬ ‫له قرآن يحفظه‪( ،‬ولبي داود) أي من رواية رفاعة‪( ،‬ثم اقرأ بأم الكتاب وبما شاء ولبن حبان ثم بما شئت)‪.‬‬ ‫هذ حديث جليل يعرف بحديث المسيء صلته‪ ،‬وقد اشتمل على تعليم ما يجب في الصلة‪ ،‬وما ل تتم به فدل‬ ‫على وجوب الوضوء لكل قائم إلى ال صلة‪ ،‬كما عرف من غيره‪ ،‬وقد فصل ما أجمل ته رواية البخاري‪ :‬روا ية‬ ‫النسائي بلفظ‪" :‬حتى يسبغ الوضوء‪ ،‬كما أمره ال‪ ،‬فيغسل وجهه‪ ،‬ويديه إلى المرفقين‪ ،‬ويمسح برأسه‪ ،‬ورجليه‬ ‫إلى الك عبين" وهذا التف صيل دل‪ :‬على عدم وجوب المضم ضة وال ستنشاق‪ ،‬ويكون هذا قري نة على ح مل ال مر‬ ‫به ما ــــ ح يث ورد ــــ على الندب‪ ،‬ودل على إيجاب ا ستقبال القبلة ق بل ت كبيرة الحرام‪ ،‬و قد تقدم‬ ‫وجوبه‪ ،‬وبيان عفو الستقبال للمتنفل الراكب‪.‬‬ ‫ودل على وجوب تكبيرة الحرام‪ ،‬وعلى تعيين ألفاظها رواية الطبراني لحديث رفاعة بلفظ‪" :‬ثم يقول ال أكبر"‬ ‫ورواية ابن ماجه التي صححها ابن خزيمة‪ ،‬وابن حبان‪ :‬من حديث أبي حميد‪ :‬من فعله صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪:‬‬ ‫"إذا قام إلى الصلة اعتدل قائما ورفع يديه ثم قال ال أكبر"‪ ،‬ومثله‪ :‬أخرجه البزار من حديث علي عليه السلم‪،‬‬ ‫بإسناد صحيح على شرط مسلم‪" :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان إذا قام إلى الصلة قال‪ :‬ال أكبر"‪ ،‬فهذا يبين أن‬ ‫المراد من تكبيرة الحرام‪ :‬هذا اللفظ‪.‬‬ ‫ودل على وجوب قراءة القران فـي الصـلة‪ ،‬سـواء كان الفاتحـة أو غيرهـا لقوله‪" :‬مـا تيسـر معـك مـن القران"‬ ‫وقوله‪" :‬فإن م عك قران"‪ ،‬ول كن روا ية أ بي داود بل فظ‪" :‬فاقرأ بأُم الكتاب"‪ ،‬وع ند أح مد‪ ،‬وا بن حبان‪ " :‬ثم اقرأ بأُم‬ ‫القران ثم اقرأ بما شئت"‪ ،‬وترجم له ابن حبان‪" :‬باب فرض المصلي فاتحة الكتاب في كل ركعة"‪ ،‬فمع تصريح‬ ‫الرواية بأم القران‪ ،‬يحمل قوله‪" :‬ما تيسر معك" على الفاتحة؛ لنها كانت المتيسرة لحفظ المسلمين لها‪ ،‬أو يحمل‬ ‫أنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم عرف من حال المخاطب‪ :‬أنه ل يحفظ الفاتحة‪ ،‬ومن كان كذلك‪ ،‬وهو يحفظ غيرها‪ ،‬فله‬ ‫أن يقرأه‪ ،‬أو أ نه من سوخ بحد يث تعي ين الفات حة‪ ،‬أو أن المراد‪ :‬ما تي سر في ما زاد على الفات حة‪ ،‬ويؤيده روا ية‬ ‫أحمد‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬فإنها عينت الفاتحة‪ ،‬وجعلت ما تيسر لما عداها‪ ،‬فيحتمل أن الراوي حيث قال‪ :‬ما تيسر‪ ،‬ولم‬ ‫يذكر الفاتحة‪ ،‬ذهل عنها‪ .‬ودل على إيجاب غير الفاتحة معها‪ :‬لقوله‪" :‬بأم الكتاب‪ ،‬وبما شاء ال‪ ،‬أو شئت"‪ .‬ودل‬ ‫على أن من لم يح فظ القران يجزئه الح مد والتكبير والتهل يل‪ ،‬وأ نه ل يتع ين عليه م نه قدر مخ صوص‪ ،‬ول ل فظ‬ ‫مخصوص‪ .‬وقد ورد تعيين اللفاظ بأن يقول‪ :‬سبحان ال‪ ،‬والحمد ال‪ ،‬ول إله إل ال‪ ،‬وال أكبر‪ ،‬ول حول ول‬ ‫قوة إل بال العلي العظيم‪.‬‬ ‫ودل على وجوب الركوع‪ ،‬ووجوب الطمئنان فيـه‪ .‬وفـي لفـظ لحمـد بيان كيفيتـه فقال‪" :‬فإذا ركعـت‪ ،‬فاجعـل‬ ‫راحت يك على ركبت يك‪ ،‬وامدد ظهرك‪ ،‬ومكّن ركو عك"‪ ،‬و في روا ية‪ " :‬ثم ت كبر‪ ،‬وتر كع ح تى تطمئن مفا صلك‬ ‫وتسترخي"‪ .‬ودل على وجوب الرفع من الركوع‪ ،‬وعلى وجوب النتصاب قائما‪ ،‬وعلى وجوب الطمئنان لقوله‪:‬‬ ‫"حتى تطمئن قائما"‪ .‬وقد قال المصنف‪ :‬إنها بإسناد مسلم‪ ،‬وقد أخرجها السراج أيضا بإسناد على شرط البخاري‪،‬‬ ‫فهي على شرط الشيخين‪.‬‬ ‫ودل على وجوب السجود‪ ،‬والطمأنينة فيه‪ .‬وقد فصلتها رواية النسائي عن إسحاق بن أبي طلحة بلفظ‪" :‬ثم يكبر‬ ‫ويسجد حتى يمكن وجهه وجبهته حتى تطمئن مفاصله وتسترخي"‪ .‬ودل على وجوب القعود بين السجدتين‪ .‬وفي‬ ‫رواية الن سائي‪" :‬ثمّ يكبر‪ ،‬فير فع رأ سه حتى ي ستوي قاعدا على مقعد ته ويق يم صلبه"‪ ،‬وفي روا ية‪" :‬فإذا رف عت‬ ‫رأسك‪ ،‬فاجلس على فخذك اليسرى"‪ ،‬فدل على أن هيئة القعود بين السجدتين بافتراش اليسرى‪.‬‬ ‫ودل على أ نه ي جب أن يف عل كل ما ذ كر في بق ية ركعات صلته‪ ،‬إل ت كبيرة الحرام؛ فإ نه معلوم‪ :‬أن وجوب ها‬ ‫خاص بالدخول في الصلة أول ركعة‪ .‬ودل على إيجاب القراءة في كل ركعة‪ ،‬وعلى ما عرفت من تفسير ما‬ ‫تيسر بالفاتحة‪ ،‬فتجب الفاتحة في كل ركعة‪ ،‬وتجب قراءة ما شاء معها في كل ركعة‪ ،‬ويأتي الكلم على إيجاب‬ ‫ما عدا الفاتحة في الخرتين‪ ،‬والثالثة من المغرب‪.‬‬ ‫واعلم أن هذا حديث جليل‪ ،‬تكرر من العلماء الستدلل به على وجوب كل ما ذكر فيه‪ ،‬وعدم وجوب كل ما لم‬ ‫يذكر فيه‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫أ ما ال ستدلل على أن كل ما ذ كر ف يه وا جب؛ فل نه ساقه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بل فظ ال مر ب عد قوله‪" :‬لن ت تم‬ ‫الصلة إل بما ذكر فيه"‪.‬‬ ‫وأ ما ال ستدلل بأن كل ما لم يذ كر ف يه ل ي جب؛ فلن المقام مقام تعل يم الواجبات في ال صلة‪ .‬فلو ترك ذ كر‬ ‫بعض ما يجب‪ :‬لكان فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة‪ ،‬وهو ل يجوز بالجماع‪.‬‬ ‫فإذا حصرت ألفاظ هذا الحديث الصحيح أخذ منها بالزائد‪ ،‬ثم إن عارض الوجوب الدال عليه ألفاظ هذا الحديث‪،‬‬ ‫أو عدم الوجوب‪ :‬دل يل أقوى م نه ع مل به‪ ،‬وإن جاءت صيغة أ مر بش يء لم يذ كر في هذا الحد يث‪ ،‬احت مل أن‬ ‫يكون هذا الحد يث قري نة على ح مل ال صيغة على الندب‪ ،‬واحت مل البقاء على الظا هر‪ ،‬فيحتاج إلى مر جح للع مل‬ ‫به‪ .‬ومن الواجبات المتفق عليها‪ ،‬ولم تذكر في هذا الحديث‪ :‬النية‪ .‬قلت‪ :‬كذا في الشرح‪ .‬ولقائل أن يقول‪ :‬قوله‪:‬‬ ‫"إذا قمت إلى الصلة" دالّ على إيجابها إذ ليس النية إل القصد إلى فعل الشيء‪ .‬وقوله‪ :‬فتوضأ‪ :‬أي قاصدا له‪.‬‬ ‫ثم قال‪ :‬والقعود الخير‪ :‬أي من الواجب المتفق عليه ولم يذكره في الحديث‪ ،‬ثم قال‪ :‬ومن المختلف فيه التشهد‬ ‫الخير‪ ،‬والصلة على النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم فيه‪ ،‬والسلم في اخر الصلة‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم إذا َكّبرَ جعلَ َي َديْ هِ‬ ‫و عن أ بي حُميدٍ ال سّاعدي ر ضي ال تعالى ع نه قالَ‪ :‬رأي تُ ر سو َ‬ ‫ن يديهِ من ركبتيْهِ‪ ،‬ثمّ هَصَرَ ظهرَهُ‪ ،‬فإِذ رفعَ رأسه استَوى حتى يعُودَ كُل فَقَارٍ َمكَانَهُ‪،‬‬ ‫حذْ َو َمنْكبيه‪ ،‬وإذا َركَعَ أمْك َ‬ ‫َ‬ ‫غ ْيرَ مُفْتر شٍ ول قابضهما‪ ،‬واستقبل بأطرا فِ أصابع رجْليْه ال ِقبْلة‪ ،‬وإذا جلس في ال ّركْعتين‬ ‫فإذا سجدَ وضَ عَ يديْ هِ َ‬ ‫سرَى ونَ صَبَ الخْرى‪،‬‬ ‫ب ا ْليُم نى‪ ،‬وإذا جلس في ال ّركْعةِ الخيرة قدّ مَ رجْل هُ اليُ ْ‬ ‫جلس على رجْله اليُ سرى ونَ صَ َ‬ ‫وقعدَ على مقْع َدتِهِ‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫(و عن أبي حم يد) ب صيغة الت صغير (ال ساعدي) هو أبو حم يد بن عبد الرحمن بن سعد النصاري الخزرجي‪،‬‬ ‫الساعدي منسوب إلى ساعدة‪ ،‬وهو أبو الخزرج المدني‪ ،‬غلب عليه كنيته‪ ،‬مات اخر ولية معاوية‪.‬‬ ‫ح ْذوَ‪ ):‬بفتـح الحاء‬ ‫ـّم إذا كـبرَ) أي للحرام (جعـل يديْه) أي كفيـه ( َ‬ ‫ـّى ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫(قال‪ :‬رأيـت رسـول ال صَل‬ ‫المهملة و سكون الذال المعج مة (منْ كبيْه) وهذا هو ر فع اليد ين ع ند ت كبيرة الحرام (وإذا رك عَ أم كن يد يه من‬ ‫ركبت يه) تقدم بيا نه‪ :‬في روا ية أح مد لحد يث الم سيء صلته‪" :‬فإذا رك عت فاج عل راحت يك على ركبت يك‪ ،‬وامدد‬ ‫ظهرك‪ ،‬وم كن ركو عك" (ثمّ هَ صَر) بف تح الهاء ف صاد مهملة مفتو حة فراء (ظهْره) قال الخطا بي‪ :‬أي ثناه في‬ ‫استواء من غير تقويس‪ ،‬وفي رواية للبخاري‪" :‬ثم حنى" بالحاء المهملة والنون وهو بمعناه‪ ،‬وفي رواية‪" :‬غير‬ ‫مقنع رأسه ول مصوبه"‪ ،‬وفي رواية‪" :‬وفرّج بين أصابعه" (فإذا رفع رأسه) أي من الركوع (استوى) زاد أبو‬ ‫داود‪ :‬ــــ فقال‪ :‬سمع ال لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ورفع يديه"‪ ،‬وفي رواية لعبد الحميد زيادة‪" :‬حتى‬ ‫يحاذي به ما من كبيه معتدلً" (ح تى يعود كل فقار) بف تح الفاء والقاف اخره راء ج مع فقارة‪ ،‬و هي عظام الظ هر‪،‬‬ ‫وفيها رواية بتقديم القاف على الفاء (مكانه) وهي التي عبر عنها في حديث رفاعة بقوله‪ :‬حتى ترجع العظام"‬ ‫(فإذا سـجد وضـع يديـه غيـر مفترش) أي لهمـا‪ .‬وعنـد ابـن حبان‪" :‬غيـر مفترش ذراعيـه"‪( ،‬ول قابضهمـا) بأن‬ ‫يضمهما إليه (واستقبل بأطراف أصابع رجليْه القبلة) ويأتي بيانه في شرح حديث‪" :‬أمرت أن أسجد على سبعة‬ ‫أع ظم" (وإذا جلس في الركعت ين) جلوس التش هد الو سط (جلس على رجله الي سرى ون صب اليم نى‪ ،‬وإذا جلس‬ ‫في الركعة الخيرة) للتشهد الخير (قدم رجله اليسرى ونصب الخرى‪ ،‬وقعد على مقعدته‪ .‬أخرجه البخاري)‪.‬‬ ‫حد يث أ بي حم يد هذا روى ع نه قولً‪ ،‬وروى ع نه فعلً‪ ،‬وا صفا فيه ما صلته صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ .‬وف يه بيان‬ ‫صلته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ .‬وأنه كان عند تكبيرة الحرام يرفع يديه حذو منكبيه‪ ،‬ففيه دليل على أن ذلك من‬ ‫أفعال الصلة‪ ،‬وأن رفع اليدين مقارن للتكبير‪ ،‬وهو الذي دل عليه حديث وائل بن حجر عند أبي داود‪ ،‬وقد ورد‬ ‫تقد يم الر فع على الت كبير وعك سه‪ ،‬فورد بل فظ‪" :‬ر فع يد يه ثم كبر"‪ ،‬وبل فظ " كبر ثم ر فع يد يه"‪ .‬وللعلماء قولن‪:‬‬ ‫الول‪ :‬مقار نة الر فع للت كبير‪ .‬والثا ني‪ :‬تقد يم الر فع على الت كبير‪ ،‬ولم ي قل أ حد بتقد يم الت كبير على الر فع‪ ،‬فهذه‬ ‫صفته‪.‬‬ ‫وفي المنهاج وشرحه النجم الوهاج‪ :‬الول‪ :‬رفعه ــــ وهو الصح ــــ مع ابتدائه؛ لما رواه الشيخان‬ ‫عن ابن عمر‪" :‬أن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر" فيكون ابتداؤه مع ابتدائه‪،‬‬ ‫ول ا ستصحاب في انتهائه‪ ،‬فإن فرغ من الت كبير ق بل تمام الر فع‪ ،‬أو بالع كس أ تم ال خر‪ ،‬فإن فرغ منه ما حط‬ ‫يديه‪ ،‬ولم يستدم الرفع‪ .‬والثاني‪ :‬يرفع غير مكبر ثم يكبر‪ ،‬ويداه قارتان‪ ،‬فإذا فرغ أرسلهما‪ ،‬لن أبا داود رواه‬ ‫كذلك بإسناد حسن‪ ،‬وصحح هذا البغوي‪ ،‬واختاره الشيخ‪ ،‬ودليله في مسلم في رواية ابن عمر‪ .‬والثالث‪ :‬يرفع مع‬ ‫ابتداء الت كبير ويكون انتهاؤه مع انتهائه‪ ،‬ويحطه ما ب عد فراغ الت كبير‪ ،‬ل ق بل فرا غه‪ ،‬لن الر فع للت كبير‪ ،‬فكان‬ ‫‪43‬‬

‫معه‪ ،‬وصححه المصنف‪ ،‬ونسبه إلى الجمهور‪ .‬انتهى بلفظه‪ ،‬وفيه تحقيق القوال‪ ،‬وأدلتها‪ ،‬ودلت الدلة أنه من‬ ‫العمل المخير فيه‪ ،‬فل يتعين شيء بحكمه‪.‬‬ ‫وأ ما حك مه فقال داود‪ ،‬والوزا عي‪ ،‬والحميدي ش يخ البخاري‪ ،‬وجما عة‪ :‬إ نه وا جب‪ ،‬لثبو ته من فعله صَلّى ال‬ ‫عََليْ ِه وَسَلّم‪ ،‬فإنه قال المصنف‪ :‬إنه روى رفع اليدين في أول الصلة خمسون صحابيا‪ ،‬منهم العشرة المشهود لهم‬ ‫الج نة‪ .‬وروى البيه قي عن الحا كم قال‪ :‬ل تعلم سنة ات فق على روايت ها عن ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‬ ‫الخلفاء الربعة‪ ،‬ثم العشرة المشهود لهم بالجنة‪ ،‬فمن بعدهم من الصحابة‪ ،‬مع تفرقهم في البلد الشاسعة‪ :‬غير‬ ‫هذه السنة‪ .‬قال البيهقي‪ :‬هو كما قال أستاذنا أبو عبد ال‪ .‬قال الموجبون‪ :‬قد ثبت الرفع عند تكبيرة الحرام هذا‬ ‫الثبوت‪ ،‬وقد قال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪" :‬صلوا كما رأيتموني أصلي" فلذا قلنا بالوجوب‪.‬‬ ‫وقال غيرهم‪ :‬إنه سنة من سنن الصلة‪ ،‬وعليه الجمهور‪ ،‬وزيد بن عليّ‪ ،‬والقاسم‪ ،‬والناصر‪ ،‬والمام يحيى‪ .‬وبه‬ ‫قالت الئمة الربعة من أهل المذاهب‪ ،‬ولم يخالف فيه‪ ،‬ويقول‪ :‬إنه ليس سنة‪ ،‬إل الهادي‪ ،‬وبهذا تعرف‪ :‬أن من‬ ‫روى عن الزيدية‪ :‬أنهم ل يقولون به‪ ،‬فقد عمم النقل بل علم‪ .‬هذا‪.‬‬ ‫وأما إلى أي محل يكون الرفع‪ ،‬فرواية أبي حميد هذه تفيد‪ :‬أنه إلى مقابل المنكبين‪ ،‬والمنكب مجمع رأس عظم‬ ‫الكتف والعضد‪ ،‬وبه أخذت الشافعية‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه يرفع حتى يحاذي بهما فروع أذنيه‪ ،‬لحديث وائل بن حجر بلفظ‪:‬‬ ‫"حتى حاذى أذنيه" وجمع بين الحديثين‪ :‬بأن المراد أنه يحاذي بظهر كفيه المنكبين‪ ،‬وبأطراف أنامله الذنين‪ ،‬كما‬ ‫تدل له رواية لوائل عند أبي داود بلفظ‪" :‬حتى كانت حيال منكبيه ويحاذي بإبهاميه أذنيه"‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬أمكن يديه من ركبتيه" قد فسر هذا المكان رواية أبي داود‪" :‬كأنه قابض عليهما"‪ ،‬وقوله‪" :‬هصر ظهره"‬ ‫تقدم قول الخطابي فيه‪ ،‬وتقدم في رواية‪" :‬ثم حنى" بالحاء المهملة والنون‪ ،‬وهو بمعناه‪ ،‬وفي رواية "غير مقنع‬ ‫رأ سه ول م صوبه" في روا ية "وفرج ب ين أ صابعه" و قد سبق‪ .‬وقوله‪" :‬ح تى يعود كل فقار" المراد م نه‪ :‬كمال‬ ‫العتدال‪ ،‬وتفسره رواية‪" :‬ثم يمكث قائما حتى يقع كل عضو موضعه"‪.‬‬ ‫وفي ذكره كيفية الجلوسين الجلوس الوسط‪ ،‬والخير‪ :‬دليل على تغايرهما‪ ،‬وأنه في الجلسة الخيرة يتورّك‪ :‬أي‬ ‫يفضي بوركه إلى الرض‪ ،‬وينصب رجله اليمنى‪ ،‬وفيه خلف بين العلماء سيأتي‪ ،‬وبهذا الحديث عمل الشافعي‪،‬‬ ‫ومن تابعه‪.‬‬ ‫ن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬أنّ هُ كان إذا قام إلى الصلة قالَ‪:‬‬ ‫وعن عليّ بن أبي طالب رضي ال عنه ع ْ‬ ‫ن المُ سْلمين‪ ،‬اللهمّ أنت الملك ل إل َه إلّ أنت‪،‬‬ ‫جهْ تُ وجْهي للذي َفطَ َر ال سّمواتِ والرض ــــ إلى قوله‪ :‬م َ‬ ‫"و ّ‬ ‫ع ْبدُك ــــ إلى اخره" روا ُه ُمسْلمٌ‪ ،‬وفي رواية له‪ :‬إنّ ذلك في صلة الليل‪.‬‬ ‫َأنْت ربّي وأنا َ‬ ‫(وعن علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪ :‬عن رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪ :‬أنه كان إذا قام إلى الصلة قال‪:‬‬ ‫(وج هت وج هي للذي ف طر ال سموات) أي ق صدت بعباد تي (إلى قوله‪ :‬من الم سلمين) وف يه روايتان‪ :‬أن يقول‪:‬‬ ‫ستَقِيمَ} بلفظ الية‪ ،‬ورواية‪ :‬وأنا من المسلمين‪ ،‬وإليها أشار المصنف (اللهم أنت الملك ل إله‬ ‫صرَاطَ ا ْلمُ ْ‬ ‫{ا ْه ِدنَا ال ّ‬ ‫إلّا أنت‪ ،‬أنت ربي وأنا عبد كَ إلى اخره‪ .‬رواه مسلم) تمامه‪" :‬ظلمت نفسي‪ ،‬واعترفت بذنبي‪ ،‬فاغفر لي ذنوبي‬ ‫جميعا‪ ،‬إنه ل يغفر الذنوب إل أنت‪ ،‬واهدني لحسن الخلق‪ ،‬ل يهدي لحسنها إل أنت‪ ،‬واصرف عني سيئها‪،‬‬ ‫ل يصرف عني سيئها إل أنت‪ ،‬لبيك وسعديك‪ ،‬والخير كله في يديك‪ ،‬والشر ليس إليك‪ ،‬أنا بك وإليك‪ ،‬تباركت‬ ‫وتعاليت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك"‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬فطر السموات والرض" أي ابتدأ خلقهما من غير مثال سبق‪ .‬وقوله‪" :‬حنيفا" أي مائلً إلى الدين الحق‪،‬‬ ‫و هو ال سلم‪ ،‬وزيادة‪" :‬و ما أ نا من المشرك ين" بيان للحن يف‪ ،‬وأيضا لمعناه‪ ،‬الن سك‪ :‬العبادة‪ ،‬و كل ما يتقرب به‬ ‫إلى ال‪ ،‬وعطفه على الصلة من عطف العام على الخاص‪ .‬وقوله‪" :‬ومحياي ومماتي" أي حياتي وموتي ل‪ :‬أي‬ ‫هو المالك لهما والمختص بهما‪ .‬وقوله‪" :‬رب العالمين" الرب‪ :‬الملك‪ ،‬والعالمين جمع عالم مشتق من العلم‪ ،‬وهو‬ ‫اسم لجميع المخلوقات‪ ،‬كذا قيل‪ .‬وفي القاموس العالم‪ :‬الخلق كله‪ ،‬أو ما حواه بطن الفلك‪ ،‬ول يجمع فاعل بالواو‬ ‫والنون غيره‪ ،‬وغير ياسم‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬ل شر يك له" تأك يد لقوله‪" :‬رب العالم ين" المفهوم م نه الخت صاص‪ .‬وقوله‪" :‬الل هم أ نت الملك" أي المالك‬ ‫لجميع المخلوقات‪ .‬وقوله‪" :‬ظلمت نفسي" اعتراف بظلم نفسه‪ ،‬قدمه على سؤال المغفرة‪ .‬ومعنى (لبيك) أقيم على‬ ‫طاعتك‪ ،‬وامتثال أمرك إقامة متكررة "وسعديك" أي أسعد أمرك‪ ،‬وأتبعه إسعادا متكررا‪ .‬ومعنى "الخير كله في‬ ‫يديك" القرار بأن كل خير واصل إلى العباد‪ ،‬ومرجو وصوله‪ ،‬فهو في يديه تعالى‪ .‬ومعنى "والشر ليس إليك"‬ ‫أي ليس مما يتقرب إليه به‪ :‬أي يضاف إليك‪ ،‬فل يقال يا رب الشر‪ ،‬أو ل يصعد إليك؛ فإنه إنما يصعد إليه الكلم‬ ‫‪44‬‬

‫الطيب‪ ،‬ومعنى "أنا بك وإليك" أي‪ :‬التجائي وانتهائي إليك‪ ،‬وتوفيقي بك‪ ،‬ومعنى "تباركت"‪ :‬استحققت الثناء‪ ،‬أو‬ ‫ثبت الخير عندك‪ ،‬فهذا ما يقال في الستفتاح مطلقا‪.‬‬ ‫(و في روا ية له) أي لم سلم‪( :‬أنّ ذلك) كان يقوله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ( في صلة الل يل) ‪ ،‬ون قل الم صنف في‬ ‫التلخيص عن الشافعي‪ ،‬وابن خزيمة‪ :‬أنه يقال في المكتوبة‪ ،‬وأن حديث علي عليه السلم ورد فيها‪ ،‬فعلي كلمه‬ ‫ه نا يحت مل أ نه مخ تص ب ها هذا الذ كر‪ ،‬ويحت مل أ نه عام‪ ،‬وأ نه يخ ير الع بد ب ين قوله عق يب الت كبير‪ ،‬أو قول ما‬ ‫أفاده‪:‬‬ ‫ل أَ نْ‬ ‫ت ُه َن ْيهَةً‪ ،‬قَبْ َ‬ ‫سكَ َ‬ ‫وع نْ أبي هُريرة رضي ال عنه قالَ‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا ك ّبرَ لِل صّلَاةِ َ‬ ‫ت ب ين المشرق والم ْغرِ بِ‪ ،‬الّلهُمّ نقّ ني من‬ ‫ن خطاياي ك ما باعدْ َ‬ ‫سأَ ْلتُهُ‪ ،‬فقالَ‪" :‬أقولُ‪ :‬الّلهُمّ باعدْ بيْ ني و َبيْ َ‬ ‫يقْرأَ‪ ،‬ف َ‬ ‫ب البيض من الدّنس‪ ،‬الل ُهمّ اغسلني من خطايايَ بالماءِ والثلجِ والب َردِ" متفق عليه‪.‬‬ ‫خَطايايَ‪ ،‬كما ينقّى الثّو ُ‬ ‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬كان ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا كبر في ال صلة) أي ت كبيرة‬ ‫الحرام (سكت هُنيهة) بضم الهاء فنون فمثناة تحتية فهاء مفتوحة فتاء‪ :‬أي ساعة لطيفة (قبل أن يقرأ فسألته) أي‬ ‫عن سكوته ما يقول فيه‪( :‬فقال‪ :‬أقول‪ :‬اللهم باعد ببين وبين خطاياي) المباعدة المراد بها‪ :‬محو ما حصل منها‪،‬‬ ‫أو العصمة عما يأتي منها (كما باعدت بين المشرق والمغرب) فكما ل يجتمع المشرق والمغرب‪ ،‬ل يجتمع هو‬ ‫وخطاياه (اللهم نقّني من خطايا يَ‪ ،‬كما ينقى الثو بُ البي ضُ من الدنس) بفتح الدال المهملة والنون فسين مهملة‪.‬‬ ‫فـي القاموس‪ :‬أنـه‪ :‬الوسـخ‪ ،‬والمراد‪ :‬أزل عنـي الخطايـا بهذه الزالة (اللهـم اغسـلني مـن خطاياي بالماءِ والثلج‬ ‫والبرَد) بالتحر يك ج مع بردة قال الخطا بي‪ :‬ذ كر الثلج والبرد تأك يد‪ ،‬أو لنه ما ماءان لم ت ستعملها اليدي‪ .‬وقال‬ ‫ابن دقيق العيد‪ :‬عبر بذلك عن غاية المحو؛ فإن الثوب الذي تكرر عليه ثلثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء‪،‬‬ ‫وفيه أقوال أخر (متفق عليه)‪.‬‬ ‫و في الحد يث دل يل‪ :‬على أ نه يقول هذا الذ كر ب ين الت كبيرة‪ ،‬والقراءة سرا‪ ،‬وأ نه يخ ير الع بد ب ين هذا الدعاء‪،‬‬ ‫والدعاء الذي في حديث علي عليه السلم‪ ،‬أو يجمع بينهما‪.‬‬ ‫جدّ كَ‪ ،‬ول إله غيرُ كَ‪،‬‬ ‫وعن عمر رضي ال عنه أنه كا نَ يقولُ‪ :‬سُبحانك الل ُهمّ وبحمدِ كَ‪ ،‬و َتبَارَ كَ اسمُك‪ ،‬وتعالى َ‬ ‫س َندٍ منقطعٍ‪ .‬وروا ُه الدارقطني موصولً وموقُوفا‪.‬‬ ‫رواهُ ُمسْلمٌ ب َ‬ ‫(و عن ع مر ر ضي ال ع نه أ نه كان يقول‪ ):‬أي ب عد ت كبيرة الحرام ( سُبحانك الل هم وبحمدك) أي أ سبحك حال‬ ‫كوني متلبسا بحمدك (تبارك اسمك‪ ،‬وتعالى ج ّدكَ‪ ،‬ول إله غيركَ‪ .‬رواه مسلم بسند منقطع)‪.‬‬ ‫قال الحاكم‪ :‬قد صح عن عمر‪ .‬وقال في الهدي النبوي‪ :‬إنه قد صح عن عمر‪ :‬أنه كان يستفتح به في مقام النبي‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪ ،‬ويجهر به‪ ،‬ويعلمه الناس‪ ،‬وهو بهذا الوجه في حكم المرفوع‪ ،‬ولذا قال المام أحمد‪ :‬أما أنا‬ ‫ل ا ستفتح بب عض ما روي لكان ح سنا‪ ،‬و قد ورد في التو جه بألفاظ‬ ‫فأذ هب إلى ما روي عن ع مر‪ ،‬ولو أن رج ً‬ ‫كثيرة‪ ،‬والقول‪ :‬بأنه يخير العبد بينها‪ :‬قول حسن‪ .‬وأما الجمع بين هذا وبين "وجهت وجهي" الذي تقدم‪ ،‬فقد ورد‬ ‫في حد يث ا بن عمر رواه ال طبراني في الكبير وفي رواته ضعف (والدارقط ني) عطف على م سلم‪ :‬أي ورواه‬ ‫الدارقطني (موصولً وموقوفا) على عمر‪ ،‬وأخرجه أبو داود‪ ،‬والحاكم من حديث عائشة مرفوعا‪" :‬كان رسول‬ ‫ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم إذا استفتح الصلة قال‪ :‬سبحانك" الحديث‪ .‬ورجال إسناده ثقات‪ ،‬وفيه انقطاع‪ ،‬وأعله أبو‬ ‫داود‪ .‬وقال الدارقطني‪ :‬ليس بالقوي‪.‬‬ ‫ل ب عد التّ كبير‪" :‬أعو ُذ بال‬ ‫خدْري ر ضي ال ع نه مرفوعا ع ْندَ الخم سة‪ ،‬وف يه وكان يقو ُ‬ ‫ن أ بي سعيد ال ُ‬ ‫ونحوه ع ْ‬ ‫السميع العليم من الشيطان الرّجيم‪ ،‬من همزهِ‪ ،‬ونفْخهِ‪ ،‬و َن ْفثِهِ"‪.‬‬ ‫(ونحوه) أي ن حو حد يث ع مر ( عن أ بي سعيد مرفوعا ع ند الخم سة‪ ،‬وف يه‪ :‬وكان يقول ب عد الت كبير‪ :‬أعوذ بال‬ ‫السميع) لقوالهم (العليم) بأقوالهم‪ ،‬وأفعالهم‪ ،‬وضمائرهم (من الشيطان الرجيم) المرجوم (من همزه) المراد به‬ ‫الجنون (ونَفْخه) بالنون فالفاء فالخاء المعجمة‪ ،‬والمراد به‪ :‬الكبر (ونفثه) بالنون والفاء والمثلثة المراد به‪ :‬الشعر‬ ‫وكأنه أراد به‪ :‬الهجاء‪.‬‬ ‫والحديث دليل‪ :‬على الستعاذة‪ ،‬وأنها بعد التكبيرة‪ ،‬والظاهر أنها أيضا بعد التوجه بالدعية؛ لنها تعوذ القراءة‪،‬‬ ‫وهو قبلها‪.‬‬ ‫وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم يَسْتفتِح الصّل َة بالتّكبير‪ ،‬وال ِقرَا َءةَ بالحمد‬ ‫ن بيْن ذلك‪ .‬وكان إذا َرفَ عَ من الركُوع لم‬ ‫شخِ صْ رأ سَهُ‪ ،‬ول مْ يُ صَ ّوبْهُ‪ ،‬ولك ْ‬ ‫ل ربّ العالم ين‪ .‬وكا نَ إذا رَكَ عَ لم ي ْ‬ ‫ل في كُلّ‬ ‫ن يقُو ُ‬ ‫ي جَالِ سا‪ .‬وكا َ‬ ‫سجُ ْد ح تى ي سْتو َ‬ ‫ن ال سّجود‪ ،‬لم ي ْ‬ ‫ن إذا رفَ عَ رأ سَهُ م َ‬ ‫سجُد ح تى ي سْتوي قائما‪ .‬وكا َ‬ ‫ي ْ‬ ‫‪45‬‬

‫ن يفتر شَ‬ ‫حيّةَ‪ .‬وكان يَفْر شُ رجْلَ هُ اليُ سْرى و َينْ صِبُ الْيمنى‪ .‬وكا نَ ينْهى ع نْ عُ ْق َبةِ الشّيطان‪ ،‬وينهى أ ْ‬ ‫ركعتين ال ّت ِ‬ ‫خ َرجَهُ ُمسْلمٌ‪ ،‬ولَهُ عِّلةٌ‪.‬‬ ‫سبُع‪ .‬وكان يخْتمُ الصّلة بالتسليم‪َ .‬أ ْ‬ ‫الرّجل ذراعي ِه افْتراشَ ال ّ‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم يستفتح) أي يفتتح (الصلة بالتكبير) أي‬ ‫يقول‪ :‬ال أكبر‪ ،‬كما ورد بهذا اللفظ في الحلية لبي نع يم‪ ،‬والمراد‪ :‬تكبيرة الحرام‪ ،‬ويقال لها‪ :‬تكبيرة الفتتاح‬ ‫(والقراءة) منصـوب عطـف على الصـلة‪ :‬أي ويسـتفتح القراءة (بالحمـد) بضـم الدال على الحكايـة (ل رب‬ ‫العالمين‪ ،‬وكان إذا ركع لم يشخص) بضم المثناة التحتية فشين فخاء معجمتان فصاد مهملة (رأسه) أي لم يرفعه‬ ‫يصـوّبهُ) بضمهـا أيضا وفتـح الصـاد المهملة وكسـر الواو المشددة (أي لم يخفضـه خفضا بليغا‪ ،‬بـل بيـن‬ ‫َ‬ ‫(ولم‬ ‫الخفض والرفع‪ ،‬وهو التسوية‪ ،‬كما دل له قوله‪( :‬ولكن بين ذلك) أي بين المذكور من الخفض والرفع (وكان إذا‬ ‫ر فع) أي رأ سه ( من الركوع لم ي سجد ح تى ي ستوي قائما) تقدم في حد يث أ بي هريرة في أول الباب‪ " :‬ثم ار فع‬ ‫حتى تعتدل قائما" (وكان إذا رفع رأسه من السجود)‪ :‬أي الول (لم يسجد) الثانية (حتى يَ سْتوي) بينهما (جالسا)‬ ‫وتقدم‪" :‬ثم ارفع حتى تطمئن جالسا" (وكان يقول‪ :‬في كل ركعتين) أي بعدهما (التحية) أي يتشهد بالتحيات ل‪،‬‬ ‫كما يأتي‪ .‬ففي الثلثية والرباعية‪ ،‬المراد به‪ :‬الوسط‪ ،‬وفي الثنائية‪ :‬الخير (وكان يفْرش رجل ُه اليسرى وينصب‬ ‫اليُمنى) ظاهره‪ :‬أن هذا جلوسه في جميع الجلسات بين السجودين‪ ،‬وحال التشهدين‪ .‬وتقدم في حديث أبي حميد‪:‬‬ ‫"وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى" (وكان ينهى عن عُقْبة الشيطان) بضم العين‬ ‫المهملة و سكون القاف فموحدة‪ ،‬ويأ تي تف سيرها (وين هى أن يفترش الر جل ذراع يه افتراش ال سّبع) بأن يب سطهما‬ ‫في سجوده‪ ،‬وف سر ال سبع‪ :‬بالكلب‪ ،‬وورد في روا ية‪ :‬بلف ظه‪( ،‬وكان يخ تم ال صلة بالت سليم‪ .‬أخر جه م سلم‪ ،‬وله‬ ‫علة) وهي‪ :‬أنه أخرجه مسلم من رواية أبي الجوزاء بالجيم والزاي عن عائشة‪ .‬قال ابن عبد البر‪ :‬هو مرسل‪،‬‬ ‫أبو الجوزاء لم يسمع من عائشة‪ .‬وأعل أيضا‪ :‬بأنه أخرجه مسلم من طريق الوزاعي مكاتبة‪.‬‬ ‫والحد يث ف يه دللة‪ :‬على تعي ين الت كبير ع ند الدخول في ال صلة‪ ،‬وتقدم الكلم ف يه‪ :‬في حد يث أ بي هريرة أول‬ ‫الباب‪ :‬واستدل بقولها‪" :‬والقراءة بالحمد"‪ :‬على أن البسملة ليست من الفاتحة‪ ،‬وهو قول أنس‪ ،‬وأبيّ من الصحابة‪،‬‬ ‫وقال به مالك‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬واخرون‪ ،‬وحجتهم هذا الحديث‪.‬‬ ‫وقد أجيب عنه‪ :‬بأن مرادها بالحمد ل رب العالمين‪ :‬السورة نفسها‪ ،‬ل هذا اللفظ؛ فإن الفاتحة تسمى بالحمد ل‬ ‫رب العالمين‪ ،‬كما ثبت ذلك في صحيح البخاري‪ ،‬فل حجة فيه على أن البسملة ليست من الفاتحة‪ ،‬ويأتي الكلم‬ ‫عليه مستوفى في حديث أنس قريبا‪ .‬وتقدم الكلم على أنه في ركوعه ل يرفع رأسه‪ ،‬ول يخفضه‪ ،‬كما تقدم على‬ ‫قوله‪" :‬وكان إذا رفع رأسه" إلى قوله‪:‬‬ ‫"وكان يقول‪ :‬التح ية" والمراد ب ها‪ :‬الثناء المعروف بالتحيات ل‪ :‬ال تي لف ظه في حد يث ا بن م سعود إن شاء ال‬ ‫تعالى‪ ،‬فف يه شرع ية التش هد الو سط‪ ،‬والخ ير‪ .‬ول يدل على الوجوب؛ ل نه ف عل‪ ،‬إل أن يقال‪ :‬إ نه بيان لجمال‬ ‫الصـلة فـي القران‪ :‬المأمور بهـا وجوبا‪ ،‬والفعال لبيان الواجـب واجبـة‪ ،‬أو يقال‪ :‬بإيجاب أفعال الصـلة لقوله‬ ‫صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪" :‬صلوا كما رأيتموني أصلي" وقد اختلف في التشهدين‪ ،‬فقيل‪ :‬واجبان‪ ،‬وقيل‪ :‬سنتان‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫الول سنة‪ ،‬والخير واجب‪ ،‬ويأتي الكلم في حديث ابن مسعود إن شاء ال تعالى‪ :‬على التشهد الخير‪.‬‬ ‫وأ ما الو سط‪ ،‬فإ نه ا ستدل من قال بالوجوب بهذا الحد يث ك ما قررناه‪ ،‬وبقوله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا صلى‬ ‫أحدكم فليقل‪ :‬التحيات ل" الحديث‪ .‬ومن قال‪ :‬بأنها سنة‪ ،‬استدل بأنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم لما سها عنه‪ ،‬لم يعد‬ ‫لدائه‪ ،‬و جبره ب سجود ال سهو‪ ،‬ولو و جب لم ي جبره سجود ال سهو‪ ،‬كالركوع وغيره من الركان‪ ،‬و قد رد هذا‬ ‫الستدلل‪ :‬بأنه يجوز أن يكون الوجوب مع الذكر‪ ،‬فإن نسي حتى دخل في فرض اخر‪ :‬جبره سجود السهو‪.‬‬ ‫وفي قولها‪" :‬وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى" ما يدل على أنه كان جلوسه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بين‬ ‫السـجدتين‪ ،‬وحال التشهـد‪ ،‬وقـد ذهـب إليهـا الهادويـة‪ ،‬والحنفيـة‪ ،‬ولكـن حديـث أبـي حميـد الذي تقدم فرّق بيـن‬ ‫الجلوسين‪ ،‬فجعل هذا صفة الجلوس بعد الركعتين‪ ،‬وجعل صفة الجلوس الخير‪ :‬تقديم رجله اليسرى‪ ،‬ونصب‬ ‫الخرى‪ ،‬والقعود على مقعدته‪ .‬وللعلماء خلف في ذلك‪ ،‬والظاهر‪ :‬أنه من الفعال المخير فيها‪.‬‬ ‫و في قول ها‪" :‬ين هى عن عق بة الشيطان" أي في القعود‪ ،‬وف سرت بتف سيرين‪ :‬أحده ما‪ :‬أ نه يفترش قدم يه ويجلس‬ ‫بأليتيه على عقبيه‪ ،‬ولكن هذه القعدة اختارها العبادلة في القعود غير الخير‪ ،‬وهذه تسمى إقعاء‪ ،‬وجعلوا المنهي‬ ‫عنه هو الهيئة الثانية‪ ،‬وتسمى أيضا‪ :‬إقعاء وهي‪ :‬أن يلصق الرجل أليتيه في الرض‪ ،‬وينصب ساقيه وفخذيه‪،‬‬ ‫وي ضع يد يه على الرض‪ ،‬ك ما يق عى الكلب‪ .‬وافتراش الذراع ين تقدم أ نه‪ :‬ب سطهما على الرض حال ال سجود‪،‬‬ ‫وقد نهى صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم عن التشبه بالحيوانات‪ ،‬نهى عن بروك‪ :‬كبروك البعير‪ ،‬والتفات‪ :‬كالتفات الثعلب‪،‬‬ ‫‪46‬‬

‫وافتراش‪ :‬كافتراش السبع‪ ،‬وإقعاء‪ :‬كإقعاء الكلب‪ ،‬ونقر‪ :‬كنقر الغراب‪ ،‬ورفع اليدي وقت السلم‪ :‬كأذناب خيل‬ ‫شمس‪.‬‬ ‫وفي قولها‪" :‬وكان يختم الصلة بالتسليم" دللة على شرعية التسليم‪ ،‬وأما إيجابه فيستدل له بما قدمناه سابقا‪.‬‬ ‫ح الصّلةَ‪ ،‬وإذَ‬ ‫حذْ َو َمنْكبي ِه إذا ا ْف َتتَ َ‬ ‫ع َمرَ رضي ال عنهما أنّ النبيّ صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم كان يرفعُ يديْهِ َ‬ ‫وعن ابن ُ‬ ‫َكّبرَ للرّكوعِ‪ ،‬وإذا رفع رأس ُه منَ الرّكوعِ‪ .‬متفق عليه‪.‬‬ ‫(وعن ابن عمر‪ :‬أن النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم كا نَ يرفع يديه حذوَ) بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة‪:‬‬ ‫أي مقا بل (من كبيه إذا افت تح ال صلة) تقدم في حد يث أ بي حم يد ال ساعدي (وإذا كبّر للركوع) رفعه ما (وإذا ر فع‬ ‫رأسه) أي أراد أن يرفعه (من الركوع‪ .‬متفق عليه)‪.‬‬ ‫ف يه شرع ية ر فع اليد ين في هذه الثل ثة الموا ضع‪ .‬أ ما ع ند ت كبيرة الحرام‪ ،‬فتقدم ف يه الكلم‪ .‬وأ ما ع ند الركوع‬ ‫والر فع م نه‪ ،‬فهذا الحد يث دل على مشروع ية ذلك‪ .‬قال مح مد بن ن صر المروزي‪ :‬أج مع علماء الم صار على‬ ‫ذلك‪ ،‬إل أهل الكوفة‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬والخلف ف يه للهادو ية مطلقا في المواضع الثل ثة‪ .‬واستدل للهادي في الب حر بقوله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪:‬‬ ‫"مالي أراكم‪ .‬الحديث"‪ .‬قلت‪ :‬وهو إشارة إلى حديث جابر بن سمرة‪ ،‬أخرجه مسلم‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬ولفظه‬ ‫عنه قال‪" :‬كنا إذا صلينا مع رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬قلنا بأيدينا‪ :‬السلم عليكم ورحمة ال‪ ،‬وأشار بيديه‬ ‫َسـلّم‪ :‬علم تومئون بأيديكـم‪ .‬مالي أرى أيديكـم‪ ،‬كأذناب خيـل‬ ‫ْهـ و َ‬ ‫صـلّى ال عََلي ِ‬ ‫إلى الجانـبين‪ ،‬فقال رسـول ال َ‬ ‫شمس‪ ،‬اسكنوا في الصلة‪ ،‬وإنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه‪ ،‬ثم يسلم على أخيه‪ :‬عن يمي نه وشماله"‬ ‫انتهى بلفظه‪ ،‬وهو حديث صريح في أنه كان ذلك في إيمائهم بأيديهم عند السلم‪ ،‬والخروج من الصلة‪ ،‬وسببه‬ ‫صريح في ذلك‪.‬‬ ‫وأما قوله‪" :‬اسكنوا في الصلة" فهو عائد إلى ما أنكره عليهم‪ :‬من اليماء إلى كل حركة في الصلة‪ :‬فإنه معلوم‬ ‫أن ال صلة مرك بة من حركات‪ ،‬و سكون‪ ،‬وذ كر ال‪ .‬قال المقبلي في المنار على كل مم المام المهدي‪ :‬إن كان‬ ‫هذا غفلة مـن المام إلى هذا الحـد‪ ،‬فقـد أبعـد‪ ،‬وإن كان مـع معرفتـه حقيقـة المـر فهـو أورع وأرفـع مـن ذلك‪.‬‬ ‫والكثار فـي هذا لجاج مجرد‪ ،‬وأمـر الرفـع أوضـح مـن أن تورد له الحاديـث المفردات‪ ،‬وقـد كثرت كثرة ل‬ ‫توازى‪ ،‬و صحت صحة ل تم نع‪ ،‬ولذا لم ي قع الخلف المح قق ف يه إل للهادي ف قط‪ ،‬ف هي من النوادر ال تي ت قع‬ ‫لفراد العلماء‪ ،‬م ثل مالك‪ ،‬والشاف عي‪ ،‬وغيره ما‪ ،‬ما أ حد من هم إل له نادرة‪ ،‬ينب غي أن تغ مر في ج نب فضله‪،‬‬ ‫وتجتنب‪ ،‬انتهى‪.‬‬ ‫وخالفت الحنفية فيما عدا الرفع عند تكبيرة الحرام‪ ،‬واحتجوا برواية مجاهد‪" :‬أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره‬ ‫يفعل ذلك"‪ ،‬وبما أخرجه أبو داود من حديث ابن مسعود‪" :‬بأنه رأى النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يرفع يديه عند‬ ‫الفتتاح‪ ،‬ثم ل يعود"‪ ،‬وأجيب‪ :‬بأن الول فيه أبو بكر بن عياش‪ ،‬وقد ساء حفظه؛ ولنه معارض برواية نافع‪،‬‬ ‫وسالم ا بن ع مر لذلك‪ ،‬وهما مثبتان‪ ،‬ومجا هد ناف‪ ،‬والمث بت مقدم‪ ،‬وبأن تر كه لذلك إذا ث بت‪ ،‬ك ما رواه مجا هد‪،‬‬ ‫يكون مبينا لجوازه‪ ،‬وأنه ل يراه واجبا‪ ،‬وبأن الثاني وهو حديث ابن مسعود لم يثبت كما قال الشافعي‪ ،‬ولو ثبت‬ ‫لكانت رواية ابن عمر مقدمة عليه؛ لنها إثبات‪ ،‬وذلك نفي‪ ،‬والثبات مقدم‪.‬‬ ‫وقد نقل البخاري عن الحسن‪ ،‬وحميد بن هلل‪ :‬أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك‪ .‬قال البخاري‪ :‬ولم يستثن الحسن‬ ‫أحدا‪ ،‬ونقل عن شيخه علي بن المديني أنه قال‪ :‬حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع‪ ،‬والرفع منه؛‬ ‫لحديث ابن عمر‪ ،‬هذا‪ .‬وزاد البخاري في موضع اخر بعد كلم ابن المديني‪ :‬وكان عل يّ أهم أهل زمانه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ومن زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة‪ ،‬ويدل له قوله‪:‬‬ ‫وفي حديث أبي حُميدٍ‪ ،‬عند أبي داود‪ :‬يرفعُ يديهِ حتى يحاذي ِب ِهمَا َمنْكبيه‪ .‬ثمّ يكبرُ‪.‬‬ ‫(وفي حديث أبي حُميدٍ‪ ،‬عند أبي داود‪ :‬يرفعُ يدي ِه حتى يحاذي ِب ِهمَا َمنْكبيه‪ .‬ثمّ يكبرُ)‪.‬‬ ‫تقدم حديث أبي حميد من رواية البخاري‪ ،‬لكن ليس فيه ذكر الرفع إل عند تكبيرة الحرام‪ ،‬بخلف حديثه عند‬ ‫أبي داود‪ ،‬ففيه إثبات الرفع في الثلثة المواضع‪ ،‬كما أفاده حديث ابن عمر‪ ،‬ولفظه عند أبي داود‪" :‬كان رسول‬ ‫ال صلى ال عليه واله وسلم‪ ،‬إذا قام إلى الصلة اعتدل قائما‪ ،‬ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه‪ ،‬فإذا أراد أن‬ ‫يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه" الحديث‪ ،‬تمامه‪" :‬ثم قال ال أكبر‪ ،‬وركع‪ ،‬ثم اعتدل‪ ،‬فلم يصوب رأسه‪،‬‬ ‫ولم يقنع‪ ،‬ووضع يديه على ركبتيه‪ ،‬ثم قال‪ :‬سمع ال لمن حمد‪ ،‬ورفع يديه‪ ،‬واعتدل حتى رجع كل عظم إلى‬ ‫موضعه معتدلً‪ .‬الحديث"‪ .‬فأفاد رفعه رسول ال صلى ال عليه واله وسلم يديه في الثلثة المواضع‪.‬‬ ‫‪47‬‬

‫وكان على المصنف أن يقول بعد قوله ثم يكبر‪ :‬الحديث‪ ،‬ليفيد‪ :‬أن الستدلل به جميعه‪ ،‬فإنه قد يتوهم أن حديث‬ ‫أبي حميد ليس فيه إل الرفع عند تكبيرة الحرام‪ ،‬كما أن قوله‪:‬‬ ‫ع َمرَ‪ ،‬لكن قالَ‪ :‬حتى يحاذي بهمَا فُروع ُأ ُذ َنيْهِ‪.‬‬ ‫ولمسلم عن مالك بن ا ْلحُ َويْرثِ نحو حديث ابن ُ‬ ‫(ولمسلم عن مالك بن الحويرث‪ :‬نحو حديث ابن عمر) أي الرفع في الثلثة المواضع (لكن قال‪ :‬حتى يحاذي‬ ‫بهما) أي اليدين (فروع أذنيه) أطرافهما‪ .‬فخالف رواية ابن عمر‪ ،‬وأبي حميد في هذا اللفظ‪ .‬فذهب البعض إلى‬ ‫ترجيح رواية ابن عمر؛ لكونها متفقا عليها‪ ،‬وجمع اخرون بينهما فقالوا‪ :‬يحاذي بظهر كفيه المنكبين‪ ،‬وبأطراف‬ ‫أنامله الذن ين‪ ،‬وأيدوا ذلك بروا ية أ بي داود عن وائل بل فظ‪" :‬ح تى كا نت حيال من كبيه‪ ،‬وحاذى بإبهام يه أذن يه"‪،‬‬ ‫وهذا جمع حسن‪.‬‬ ‫ي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬فوضَ عَ يدَ هُ ا ْل ُيمْنَى على يد ِه اليُ سْرى على‬ ‫و عن وائل بن حُجْر قالَ‪ :‬صَّليْتُ مع ال نب ّ‬ ‫خزَ ْيمَةَ‪.‬‬ ‫ن ُ‬ ‫خ َرجَ ُه اب ُ‬ ‫صدره‪ .‬أ ْ‬ ‫حجْر) بن ربيعة الحضرمي‪ ،‬كان‬ ‫(وعن وائل) بفتح الواو وألف فهمزة‪ ،‬هو أبو هنيد بضم الهاء وفتح النون (بن ُ‬ ‫أبوه من ملوك حضرموت‪ ،‬و فد وائل على ال نبي صلى ال عل يه واله و سلم‪ ،‬فأ سلم‪ ،‬ويقال‪ :‬إ نه صلى ال عل يه‬ ‫واله وسلم بشر أصحابه قبل قدومه فقال‪" :‬يقدم عليكم وائل بن حجر من أرض بعيدة‪ ،‬طائعا‪ ،‬راغبا في ال عز‬ ‫وجل وفي رسوله‪ ،‬وهو بقية أبناء الملوك‪ ،‬فلما دخل عليه صلى ال عليه واله وسلم رحب به وأدناه من نفسه‪،‬‬ ‫وب سط له رداءه فأجل سه عل يه وقال‪ :‬الل هم بارك على وائل وولده‪ ،‬واستعمله على القيال من حضرموت"‪ ،‬روى‬ ‫له الجماعة‪ ،‬إل البخاري‪ ،‬وعاش إلى زمن معاوية‪ ،‬وبايع له‪( .‬قال‪ :‬صلّيْت مع رسول ال‪ :‬صلى ال عليه واله‬ ‫وسلم‪ ،‬فوضع يد هُ اليمنى على يده اليسرى على صدره‪ :‬أخرجه ابن خزيمة) ‪ ،‬وأخرج أبو داود والنسائي بلفظ‪:‬‬ ‫"ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد"‪ ،‬الرسغ‪ :‬بضم الراء وسكون السين المهملة بعدها‬ ‫معجمة‪ :‬هو المفصل بين الساعد والكف‪.‬‬ ‫والحد يث‪ :‬دل يل على مشروع ية الو ضع المذكور في ال صلة‪ ،‬ومحله على ال صدر‪ ،‬ك ما أفاد هذا الحد يث‪ ،‬وقال‬ ‫النووي في المنهاج‪ :‬ويج عل يد يه ت حت صدره‪ .‬قال في شرح الن جم الوهاج‪ :‬عبارة ال صحاب "ت حت صدره"‬ ‫يريد‪ ،‬والحديث بلفظ‪" :‬على صدره" قال‪ :‬وكأنهم جعلوا التفاوت بينهما يسيرا‪ ،‬وقد ذهب إلى مشروعيته زيد بن‬ ‫علي‪ ،‬وأح مد بن عي سى‪ .‬وروى أح مد بن عي سى حد يث وائل هذا في كتا به المالي‪ ،‬وإل يه ذه بت الشافع ية‪،‬‬ ‫والحنفية‪ .‬وذهبت الهادوية إلى عدم مشروعيته‪ ،‬وأنه يبطل الصلة لكونه فعلً كثيرا‪ .‬قال ابن عبد البر‪ :‬لم يأت‬ ‫عن النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم فيه خلف‪ ،‬وهو قول جمهور الصحابة والتابعين‪ .‬قال‪ :‬وهو الذي ذكره مالك في‬ ‫الموطأ‪ ،‬ولم يحك ابن المنذر‪ ،‬وغيره عن مالك غيره‪ ،‬وروى عن مالك الرسال‪ ،‬وصار إليه أكثر أصحابه‪.‬‬ ‫ن لمْ يقرَأْ بُأمّ القران" متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫ن الصّامتِ قالَ‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪" :‬ل صَل َة لمَ ْ‬ ‫وعن عبادة ب ِ‬ ‫وفي رواية‪ ،‬لبن حبّان والدّارقُطنيّ‪" :‬ل ُتجْزىء صل ٌة ل يُ ْقرَأ فيها بفاتحة الكتاب"‪.‬‬ ‫حبّان‪" :‬لَعّلكُ مْ ت ْقرَءون خَلْف إما ِمكُ مْ"؟ قُلنا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪" :‬ل تَفْعلوا‬ ‫حمَد وأبي داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وابن ِ‬ ‫وفي أُخرى‪ ،‬ل ْ‬ ‫ن لمْ يقرأ بها"‪.‬‬ ‫إلّا بفاتحة الكتاب‪ ،‬فإنهُ ل صل َة لم ْ‬ ‫(وعن عبادة) بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة وبعد اللف دال مهملة‪ ،‬وهو أبو الوليد عبادة (بن الصامت)‬ ‫بن قيس الخزرجي النصاري السالمي‪ ،‬كان من نقباء النصار‪ ،‬وشهد العقبة الولى‪ ،‬والثانية‪ ،‬والثالثة‪ ،‬وشهد‬ ‫بدرا‪ ،‬والمشاهد كلها‪ ،‬وجهه عمر إلى الشام قاضيا‪ ،‬ومعلما‪ ،‬فأقام بحمص‪ ،‬ثم انتقل إلى فلسطين‪ ،‬ومات بها في‬ ‫الرملة‪ ،‬وقيل‪ :‬في بيت المقدس سنة أربع وثلثين‪ ،‬وهو ابن اثنتين وسبعين سنة‪.‬‬ ‫ن لم يقرأ بأُمّ القران‪ .‬متف قٌ عل يه) هو دل يل على ن في‬ ‫(قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪ :‬ل صلة لم ْ‬ ‫الصلة الشرعية إذا لم يقرأ فيها المصلي بالفاتحة؛ لن الصلة مركبة من أقوال وأفعال‪ ،‬والمركب ينتفي بانتفاء‬ ‫جم يع أجزائه‪ ،‬وبانتفاء الب عض‪ ،‬ول حا جة إلى تقد ير ن في الكمال؛ لن التقد ير إن ما يكون ع ند تعذر صدق ن في‬ ‫الذات‪ ،‬إل أن الحديـث الذي أفاده قوله‪( :‬وفـي روايـة لبـن حبان‪ ،‬والدارقطنـي‪ :‬ل تجزىء صـلةٌ ل يقرأ فيهـا‬ ‫بفات حة الكتاب) ف يه دللة‪ :‬على أن الن في متو جه إلى الجزاء‪ ،‬و هو كالن في للذات في المال؛ لن ما ل يجزىء‪،‬‬ ‫فليس بصلة شرعية‪.‬‬ ‫والحديث دليل على وجوب قراءة الفاتحة في الصلة‪ ،‬ول يدل على إيجابها في كل ركعة‪ ،‬بل في الصلة جملة‪،‬‬ ‫وف يه احتمال أ نه في كل رك عة؛ لن الرك عة ت سمى صلة‪ ،‬وحد يث الم سيء صلته قد دل على أن كل رك عة‬ ‫ت سمى صلة؛ لقوله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ب عد أن عل مه ما يفعله في رك عة‪" :‬واف عل ذلك في صلتك كل ها" فدل‬ ‫‪48‬‬

‫على إيجابها في كل ركعة؛ لنه أمر أن يقرأ فيها بفاتحة الكتاب‪ ،‬وإلى وجوبها في كل ركعة ذهبت الشافعية‪،‬‬ ‫وغيرهم‪.‬‬ ‫وعند الهادوية‪ ،‬واخرين‪ :‬أنها ل تجب قراءتها في كل ركعة‪ ،‬بل في جملة الصلة‪.‬‬ ‫والدليل ظاهر مع أهل القول الول‪ .‬وبيانه من وجهين‪:‬‬ ‫الول‪ :‬أن في بعض ألفاظه بعد تعليمه صلى ال عليه واله وسلم له ما ذكره‪ :‬من القراءة‪ ،‬والركوع‪ ،‬والسجود‪،‬‬ ‫والطمئنان إلى اخره‪ ،‬أ نه قال الراوي‪ :‬فو صف أي‪ :‬ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم واله ال صلة هكذا أر بع‬ ‫ركعات‪ ،‬حتى فرغ‪ ،‬ثم قال‪" :‬ل تتم صلة أحدكم حتى يفعل ذلك" ومعلوم أن المراد من قوله يفعل ذلك‪ ،‬أي‪ :‬كل‬ ‫ما ذكره من القراءة بأم الكتاب‪ ،‬وغيرها في كل ركعة لقوله‪ :‬فوصف الصلة هكذا أربع ركعات‪.‬‬ ‫والثا ني‪ :‬أن ما ذكره صلى ال عل يه واله وسلم مع القراءة‪ :‬من صفات الركوع‪ ،‬وال سجود‪ ،‬والعتدال‪ ،‬ونحوه‪:‬‬ ‫مأمور به في كل ركعة‪ ،‬كما يفيده هذا الحديث‪ .‬والمخالف في قراءة الفاتحة في كل ركعة‪ ،‬ل يقول ــــ إنه‬ ‫يكفي الركوع والسجود والطمئنان في ركعة واحدة من صلته؛ أو يفرقها في ركعاتها‪ ،‬فكيف يقول‪ :‬إن القراءة‬ ‫بالفات حة تنفرد من ب ين هذه المأمورات بأن ها ل ت جب إل في رك عة واحدة‪ ،‬أو يفرق ب ين الركعات؟ وهذا تفر يق‬ ‫ب ين أجزاء الدل يل بل دل يل فتع ين حينئذ أن المراد من قوله‪ " :‬ثم اف عل ذلك في صلتك كل ها"‪ :‬في ركعات ها‪ ،‬ثم‬ ‫رأيت بعد كتبه‪ :‬أنه أخرج أحمد‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وابن حبان بسند صحيح‪ ،‬أنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم واله قال لخلد بن‬ ‫رافع وهو المسيء صلته‪" :‬ثم اصنع ذلك في كل ركعة"؛ ولنه صلى ال عليه واله وسلم كان يقرأ بها في كل‬ ‫ركعة‪ ،‬كما رواه مسلم‪ ،‬وقال‪" :‬صلوا كما رأيتموني أصلي"‪.‬‬ ‫ثم ظاهر الحديث وجوب قراءتها في سرية وجهرية‪ :‬للمنفرد‪ ،‬والمؤتم‪ .‬أما المنفرد فظاهر‪ ،‬وأما المؤتم فدخوله‬ ‫في ذلك وا ضح‪ ،‬وزاده إيضاحا في قوله‪( :‬و في أخرى) من روا ية عبادة (لح مد‪ ،‬وأ بي داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وا بن‬ ‫ن لم يقرأ بها) ‪،‬‬ ‫حبان‪ :‬لعلكم تقْرءُون خل فَ إمامكم؟ قلنا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ل تفعلوا إلّا بفاتحة الكتا بِ‪ ،‬فإن ُه ل صلة لم ْ‬ ‫فإنه دليل على إيجاب قراءة الفاتحة خلف المام تخصيصا‪ ،‬كما دل اللفظ الذي عند الشيخين بعمومه‪ ،‬وهو أيضا‬ ‫ظاهر في عموم الصلة‪ :‬الجهرية‪ ،‬والسرية‪ ،‬وفي كل ركعة أيضا‪ ،‬وإلى هذا مذهب الشافعية‪.‬‬ ‫وذهبت الهادوية‪ :‬إلى أنه ل يقرؤها المؤتم خلف إمامه في الجهرية إذا كان يسمع قراءته‪ ،‬ويقرؤها في السرية‪،‬‬ ‫وحيث ل يسمع في الجهرية‪ .‬وقالت الحنفية‪ :‬ل يقرؤها المأموم في سرية ول جهرية‪ ،‬وحديث عبادة‪ :‬حجة على‬ ‫الجميع‪.‬‬ ‫واستدللهم بحديث‪" :‬من صلى خلف المام فقراءة المام قراءة له" مع كونه ضعيفا‪ .‬قال المصنف في التلخيص‪:‬‬ ‫بأ نه مشهور من حد يث جابر‪ ،‬وله طرق عن جما عة من ال صحابة‪ ،‬كل ها معلولة انت هى‪ ،‬و في المنت هى‪ :‬رواه‬ ‫الدارقطني من طرق كلها ضعاف‪ ،‬والصحيح أنه مرسل‪ ،‬ل يتم به الستدلل؛ لنه عام‪ .‬لن لفظ قراءة المام‬ ‫س َت ِمعُواْ َل هُ وَأَن صِتُو ْا َلعَّلكُ مْ‬ ‫ن فَا ْ‬ ‫اسم جنس مضاف يعم كل ما يقرؤه المام‪ ،‬وكذلك قوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا ُقرِى َء الْ ُقرْآ ُ‬ ‫حمُو نَ} ‪ ،‬وحد يث‪" :‬إذا قرأ فأن صتوا"‪ ،‬فإن هذه عمومات في الفات حة وغير ها‪ ،‬وحد يث عبادة خاص بالفات حة‬ ‫ُت ْر َ‬ ‫فيخص به العام‪.‬‬ ‫ثم اختلف القائلون بوجوب قراءتها خلف المام‪ ،‬فقيل‪ ،‬في محل سكتاته بين اليات‪ ،‬وقيل‪ :‬في سكوته بعد تمام‬ ‫قراءة الفاتحة‪ ،‬ول دليل على هذين القولين في الحديث‪ ،‬بل حديث عبادة دال أنها تقرأ عند قراءة المام الفاتحة‪،‬‬ ‫ويزيده إيضاحا‪ :‬ما أخر جه أ بو داود من حد يث عبادة‪" :‬أ نه صلى خلف أ بي نع يم‪ ،‬وأ بو نع يم يج هر بالقراءة‪،‬‬ ‫فجعل عبادة يقرأ بأم القران‪ ،‬فلما انصرفوا من الصلة‪ ،‬قال لعبادة بعض من سمعه يقرأ‪ :‬سمعتك تقرأ بأم القران‬ ‫وأبو نعيم يجهر‪ ،‬قال‪ :‬أجل‪ ،‬صلى بنا رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فالتب ست عل يه القراءة‪ ،‬فل ما فرغ أق بل علي نا بوج هه فقال‪ :‬هل تقرءُون إذا جهرت بالقراءة؟ فقال بعض نا‪:‬‬ ‫ن عم‪ ،‬إ نا ن صنع ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فل‪ ،‬وأ نا أقول‪ :‬مالي ينازع ني القران‪ ،‬فل تقرءُوا بش يء إذا جهرت إل بأُمّ القران‪.‬‬ ‫فهذا عبادة راوي الحديث قرأ بها جهرا خلف المام؛ لنه فهم من كلمه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ :‬أنه يقرأ بها خلف‬ ‫المام جهرا‪ ،‬وإن نازعه‪.‬‬ ‫وأما أبو هريرة‪ ،‬فإنه أخرج عنه أبو داود‪ :‬أنه لما حدث بقوله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬من صلى صلة ل يقرأ‬ ‫في ها بأُم القران‪ ،‬ف هي خداج‪ ،‬ف هي خداج‪ ،‬ف هي خداج‪ ،‬غ ير تمام"‪ .‬قال له الراوي ع نه‪ ،‬و هو أ بو ال سائب مولى‬ ‫هشام بن زهرة‪ :‬يا أبا هريرة إني أكون أحيانا وراء المام‪ ،‬فغمز ذراعه‪ ،‬وقال‪ :‬اقرأ بها يا فارسي في نفسك‪.‬‬ ‫الحديث‪ .‬وأخرج عن مكحول‪ :‬أنه كان يقول‪ :‬اقرأ في المغرب‪ ،‬والعشاء‪ ،‬والصبح بفاتحة الكتاب‪ ،‬وفي كل ركعة‬ ‫سرا‪ ،‬ثم قال مكحول‪ :‬اقرأ بها فيما جهر به المام إذا قرأ بفاتحة الكتاب وسكت سرا‪ ،‬فإن لم يسكت قرأتها قبله‪،‬‬ ‫‪49‬‬

‫ومعه‪ ،‬وبعده‪ ،‬ل تتركها على حال‪ .‬وقد أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة‪" :‬أنه أمره صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪:‬‬ ‫أن ينادي في المدينة‪ :‬أنه ل صلة إل بقراءة فاتحة الكتاب‪ ،‬فما زاد"‪ ،‬وفي لفظ‪" :‬إل بقران‪ ،‬ولو بفاتحة الكتاب‪،‬‬ ‫ل على أنه ل يقرأ خلف المام إل بفاتحة‬ ‫فما زاد"‪ ،‬إل أنه يحمل على المنفرد‪ ،‬جمعا بينه وبين حديث عبادة‪ :‬الدا ّ‬ ‫الكتاب‪.‬‬ ‫عمَر كانوا يَ ْف َت ِتحُو نَ ال صّلة بالحمد ل ربّ‬ ‫وعن أنس رضي ال عنه أنّ النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم وأبا بكر و ُ‬ ‫العالمين‪ ،‬متفق عليه‪.‬‬ ‫زاد مسلمٌ‪ :‬ل يَذكرونَ (بسم ال الرحمن الرحيم في أوّل قِراء ٍة ول في اخرها‪.‬‬ ‫جهَرون ببسمِ ال الرّحمنِ الرحيمِ‪.‬‬ ‫وفي رواية لح َمدَ والنسائي وابن خُزيمة‪ :‬ل َي ْ‬ ‫وفي أُخرى لبن خُزيمة‪ :‬كانوا يُسرونَ‪.‬‬ ‫ن أَعَلّها‪.‬‬ ‫وعلى هذا يحمل النّفيُ في رواية مسلم‪ ،‬خلفا لم ْ‬ ‫(وعن أنس رضي ال عنه‪ ،‬أن النبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪ ،‬وأبا ب كر‪ ،‬وعمر كانوا يفتتحون الصلة بالحمد ل‬ ‫رب العالمين) أي‪ :‬القراءة في الصلة بهذا اللفظ (متفق عليه)‪ .‬ول يتم هنا أن يقال‪ :‬ما قلناه في حديث عائشة‪:‬‬ ‫أن المراد بالحمد ل رب العالمين السورة‪ ،‬فل يدل على حذف البسملة‪ ،‬بل يكون دليلً عليها‪ ،‬إذ هي من مسمى‬ ‫السورة لقوله‪( :‬زاد مسلم‪ :‬ل يذكرون بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬في أول قراءة‪ ،‬ول في اخرها) زيادة في المبالغة‬ ‫في النفي‪ ،‬وإل فإنه ليس في اخرها بسملة‪ ،‬ويحتمل أن يريد باخرها‪ :‬السورة الثانية التي تقرأ بعد الفاتحة‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل‪ :‬على أن الثل ثة كانوا ل ي سمعون من خلف هم ل فظ الب سملة ع ند قراءة الفات حة جهرا‪ ،‬مع احتمال‬ ‫أنهم يقرءون البسملة سرا‪ ،‬ول يقرءونها أصلً‪ ،‬إل أن قوله‪( :‬وفي رواية) أي عن أنس (لحمد‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن‬ ‫خزي مة‪ :‬ل يجْهرون بب سم ال الرح من الرح يم) يدل بمفهو مه أن هم يقرءون ها سرا‪ ،‬ودل قوله‪( :‬و في أخرى) أي‬ ‫رواية أخرى عن أنس (لبن خزيمة‪ :‬كانوا يسرون) فمنطوقه أنهم كانوا يقرءون بها سرا‪ ،‬ولذا قال المصنف‪:‬‬ ‫(وعلى هذا) أي على قراءة النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وأبي بكر‪ ،‬وعمر البسملة سرا (يحمل النفي في رواية‬ ‫م سلم) ح يث قال‪ :‬ل يذكرون‪ :‬أي‪ :‬ل يذكرون ها جهرا (خلفا ل من أعل ها) أي أبدى علة ل ما زاده م سلم‪ ،‬والعلة‬ ‫هي‪ :‬أن الوزا عي روى هذه الزيادة عن قتادة مكاتبة‪ ،‬وقد ردت هذه العلة‪ :‬بأن الوزا عي لم ينفرد بها‪ ،‬بل قد‬ ‫رواها غيره رواية صحيحة‪.‬‬ ‫والحديث قد استدل به من يقول‪ :‬إن البسملة ل يجهر بها في الفاتحة‪ ،‬ول في غيرها‪ ،‬بناء على أن قوله‪ :‬ول في‬ ‫اخرها مراد به أول السورة الثانية‪ ،‬ومن أثبتها قال‪ :‬المراد‪ :‬أنه لم يجهر بها الثلثة حال جهرهم بالفاتحة‪ ،‬بل‬ ‫يقرءونها سرا‪ ،‬كما قرره المصنف‪ .‬وقد أطال العلماء في هذه المسئلة الكلم‪ ،‬وألف فيها بعض العلم‪ ،‬وبين أن‬ ‫حديث أنس مضطرب‪.‬‬ ‫قال ابن عبد البر في الستذكار‪ :‬بعد سرده روايات حديث أنس هذه ما لفظه‪ :‬هذا الضطراب ل تقوم معه حجة‬ ‫ل حد من الفقهاء الذ ين يقرؤون ب سم ال الرح من الرح يم‪ ،‬والذ ين ل يقرؤون ها‪ .‬و قد سئل عن ذلك أ نس فقال‪:‬‬ ‫كـبرت سـني ونسـيت انتهـى‪ ،‬فل حجـة فيـه‪ .‬والصـل‪ :‬أن البسـملة مـن القران‪ .‬وطال الجدال بيـن العلماء مـن‬ ‫الطوائف؛ لختلف المذا هب‪ ،‬و قد ا ستوفينا الب حث في حوا شي شرح العمدة ب ما ل زيادة عل يه‪ .‬واختار جما عة‬ ‫من المحققين‪ :‬أنها مثل سائر ايات القران‪ ،‬يجهر بها فيما يجهر فيه‪ ،‬ويسر بها فيما يسر فيه‪.‬‬ ‫وأما الستدلل بكونه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لم يقرأ بها في الفاتحة‪ ،‬ول في غيرها في صلته‪ ،‬على أنها ليست‬ ‫با ية‪ ،‬والقراءة ب ها تدل على أن ها ا ية‪ ،‬فل ين هض؛ لن ترك القراءة ب ها فـي ال صلة لو ث بت ل يدل على ن في‬ ‫قرانيت ها؛ فإ نه ل يس الدل يل على القران ية الج هر بالقراءة بال ية في ال صلة‪ ،‬بل الدل يل أ عم من ذلك‪ ،‬وإذا انت فى‬ ‫الدليل الخاص‪ ،‬لم ينتف الدليل العام‪.‬‬ ‫جمِر‪ ،‬قالَ‪ :‬صَلّيتُ وراءَ أبي هريرة رضي ال تعالى عنه‪ .‬فقرأ (بسم ال الرّحمن الرّحيم)‪ .‬ثمّ قرأ‬ ‫وع نْ ُن َعيْ مِ ال ُم ْ‬ ‫ل كُلّما سجدَ‪ ،‬وإذا قا مَ من الجلوس‪ :‬ال أكبرُ‪ ،‬ثمّ يقول‬ ‫بُأمّ القُران‪ ،‬حتى إذا بلغ (ول الضّالين) قال‪" :‬امين" ويَقو ُ‬ ‫خ َز ْيمَةَ‪.‬‬ ‫ش َبهُ ُكمْ صل ًة برسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪ .‬روا ُه النسائي وابنُ ُ‬ ‫إذا سَلّمَ‪ :‬والذي نفسي بيده إني ل ْ‬ ‫(و عن نع يم) ب ضم النون وف تح الع ين المهملة م صغر (المج مر) ب ضم الم يم و سكون الج يم وك سر الم يم وبالراء‪،‬‬ ‫ويقال‪ :‬وتشد يد الم يم الثان ية‪ ،‬ذكره الحل بي في شرح العمدة‪ ،‬هو أ بو ع بد ال مولى ع مر بن الخطاب‪ ،‬سمع من‬ ‫أ بي هريرة‪ ،‬وغيره‪ ،‬و سمى مجمرا؛ ل نه أ مر أن يج مر م سجد المدي نة كل جم عة ح ين ينت صف النهار (قال‪:‬‬ ‫صليت وراء أبي هريرة‪ ،‬فقرأ بسم ال الرحمن الرحيم ثم قرأ بأُم القران‪ ،‬حتى إذا بلغ "ول الضّالين" قال‪ :‬امين‬ ‫ويقول كل ما سجد‪ ،‬وإذا قام من الجلوس) أي‪ :‬التش هد الو سط‪ ،‬وكذلك إذا قام من ال سجدة الولى‪ ،‬والثان ية (ال‬ ‫‪50‬‬

‫أ كبر) و هو ت كبير الن قل (ثمّ يقول) أي أ بو هريرة‪( :‬إذا سلم والذي نف سي بيده) أي‪ :‬رو حي في ت صرفه (إ ني‬ ‫لشبهكم صلة برسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪ .‬رواه النسائي وابن خزيمة)‪.‬‬ ‫وذكره البخاري تعليقا وأخر جه ال سراج‪ ،‬وا بن حبان‪ ،‬وغير هم‪ ،‬وبوب عل يه الن سائي‪" :‬الج هر بب سم ال الرح من‬ ‫الرحيم"‪ ،‬وهو أصح حديث ورد في ذلك‪ ،‬فهو مؤيد للصل‪ ،‬وهو كون البسملة حكمها‪ :‬حكم الفاتحة في القراءة‪:‬‬ ‫جهرا‪ ،‬وإسرارا؛ إذ هو ظاهر في أنه كان صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يقرأ بالبسملة؛ لقول أبي هريرة‪" :‬إني لشبهكم‬ ‫صلة برسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم"‪ ،‬وإن كان محتملً‪ :‬أنه يريد‪ :‬في أكثر أفعال الصلة‪ ،‬وأقوالها‪ ،‬إل أنه‬ ‫خلف الظاهر‪ ،‬ويبعد من الصحابي‪ :‬أن يبتدع في صلته شيئا‪ :‬لم يفعله رسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم فيها‪ ،‬ثم‬ ‫يقول‪ :‬والذي نفسي بيده إني لشبهكم‪.‬‬ ‫وف يه دل يل‪ :‬على شرع ية التأم ين للمام‪ ،‬و قد أخرج الدارقط ني في ال سنن من حد يث وائل بن ح جر‪ " :‬سمعت‬ ‫رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم إذا قال‪" :‬غير المغضوب عليهم ول الضالين"‪ .‬قال‪ :‬امين يمد بها صوته" وقال‪:‬‬ ‫إنه حديث صحيح‪ ،‬ودليل على تكبير النقل‪ ،‬ويأتي ما فيه مستوفى‪ ،‬في حديث أبي هريرة‪.‬‬ ‫وأما الرعاف ففي نقضه الخلف أيضا‪ ،‬فمن قال بنقضه فهو عمل بهذا الحديث‪ ،‬ومن قال بعدم نقضه فإنه عمل‬ ‫بالصل‪ ،‬ولم يرفع هذا الحديث‪.‬‬ ‫ل رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا قرأتُ مُ الفاتحة فا ْقرَءُوا‪ :‬بسم ال‬ ‫وعن أبي هُريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قا َ‬ ‫صوّبَ َوقْفَهُ‪.‬‬ ‫الرّحمن الرحيم‪ ،‬فإنها إحْدى اياتها" رواه الدارقطني‪ ،‬و َ‬ ‫(وعن أبي هُريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا قرأتُ مُ الفاتحة فا ْقرَءُوا‪ :‬بسم ال‬ ‫صوّبَ َوقْفَهُ)‪.‬‬ ‫الرّحمن الرحيم‪ ،‬فإنها إحْدى اياتها" رواه الدارقطني‪ ،‬و َ‬ ‫ل يدل الحديث هذا على الجهر بها‪ ،‬ول السرار‪ ،‬بل يدل على المر بمطلق قراءتها‪ ،‬وقد ساق الدارقطني في‬ ‫السنن له أحاديث‪ :‬في الجهر ببسم ال الرحمن الرحيم في الصلة واسعة مرفوعة عن علي عليه السلم‪ ،‬وعن‬ ‫عمار‪ ،‬وعن ابن عباس‪ ،‬وعن ابن عمرو وعن أبي هريرة‪ ،‬وعن أم سَلمة‪ ،‬وعن جابر‪ ،‬وعن أنس بن مالك‪ ،‬ثم‬ ‫قال ب عد سرد أحاد يث هؤلء‪ ،‬وغير هم ما لف ظه‪ :‬وروى الج هر بب سم ال الرح من الرح يم‪ :‬عن ال نبي صَلّى ال‬ ‫عََليْهِـ وَسَـلّم‪ :‬مـن أصـحابه‪ ،‬ومـن أزواجـه غيـر مـن سـمينا‪ ،‬كتبنـا أحاديثهـم بذلك فـي كتاب الجهـر بهـا مفردا‪،‬‬ ‫واقتصرنا على ما ذكرنا هنا؛ طلبا للختصار‪ ،‬والتخفيف‪ ،‬انتهى لفظه‪.‬‬ ‫والحديث دليل‪ :‬على قراءة البسملة‪ ،‬وأنها إحدى ايات الفاتحة‪ ،‬وتقدم الكلم في ذلك‪.‬‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬كان ر سولُ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم إذا فرَ غَ من قراءة أُمّ القران رَفَ عَ صَوْته‪ ،‬وقال‪" :‬ام ين" روا هُ‬ ‫وَ‬ ‫الدارقطني وحسّنهُ‪ .‬والحاكمُ وصحّحهُ‪.‬‬ ‫(وع نه) أي أ بي هريرة (قال‪ :‬كان ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا فر غَ من قراءة أُمّ القران رف عَ صوته‬ ‫وقال‪ :‬اميـن‪ .‬رواه الدارقطنـي وحسـنه‪ ،‬والحاكـم‪ ،‬وصـححه) قال الحاكـم‪ :‬إسـناده صـحيح على شرطهمـا‪ ،‬وقال‬ ‫البيهقي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬ ‫والحديـث دليـل على أنـه يشرع للمام التأميـن بعـد قراءة الفاتحـة جهرا‪ ،‬وظاهره فـي الجهريـة وفـي السـرية‪،‬‬ ‫وبشرعيته قالت الشافعية‪ .‬وذهبت الهادوية‪ :‬إلى عدم شرعيته‪ ،‬لما يأتي‪ .‬وقالت الحنفية‪ :‬يسر بها في الجهرية‪.‬‬ ‫ولمالك قولن‪ :‬الول‪ :‬كالحنفية‪ ،‬والثاني‪ :‬أن ل يقولها‪.‬‬ ‫والحديـث حجـة بينـة للشافعيـة‪ .‬وليـس فـي الحديـث تعرض لتأميـن المأموم‪ ،‬والمنفرد‪ .‬وقـد أخرج البخاري فـي‬ ‫شرعية التأمين للمأموم من حديث أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬إذا أمن المام فأمنوا؛‬ ‫فإ نه من وا فق تأمي نه تأم ين الملئ كة‪ ،‬غ فر ال ما تقدم من ذن به" وأخرج أيضا من حدي ثه قال‪ :‬قال ر سول ال‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا قال المام ول الضالين فقولوا‪ :‬امين" الحديث‪ ،‬وأخرج أيضا من حديثه مرفوعا‪" :‬إذا‬ ‫قال أحدكم‪ :‬امين‪ ،‬وقالت الملئكة في السماء‪ :‬امين‪ ،‬فوافق أحدهما الخر غفر ال له ما تقدم من ذنبه"‪ ،‬فدلت‬ ‫الحاد يث على شرعي ته للمأموم‪ ،‬والخ ير ي عم المنفرد‪ ،‬و قد حمله الجمهور من القائل ين به على الندب‪ ،‬و عن‬ ‫ل بظاهر المر‪ ،‬فأوجبوه على كل مصلّ‪.‬‬ ‫بعض أهل الظاهر‪ :‬أنه للوجوب‪ ،‬عم ً‬ ‫واستدلت الهادوية‪ :‬على أنه بدعة مفسدة للصلة بحديث‪" :‬إن هذه الصلة ل يصلح فيها شيء من كلم الناس"‪،‬‬ ‫الحد يث‪ ،‬ول ي تم به ال ستدلل‪ ،‬لن هذا قام الدل يل على أ نه من أذكار ال صلة‪ ،‬كالت سبيح‪ ،‬ونحوه‪ ،‬وكلم الناس‬ ‫المراد به‪ :‬مكالمتهم‪ ،‬ومخاطبتهم‪ ،‬كما عرفت‪.‬‬ ‫جرٍ نحوهُ‪.‬‬ ‫حْ‬ ‫ن ُ‬ ‫لبِ‬ ‫ولبي داود والترمذي من حديث وائ ْ‬ ‫جرٍ نحوهُ)‪.‬‬ ‫حْ‬ ‫(ولبي داود والترمذي من حديث وائلْ بنِ ُ‬ ‫‪51‬‬

‫أي نحو حديث أبي هريرة ولفظه في السنن‪" :‬إذا قرأ المام ول الضالين قال‪ :‬امين‪ ،‬ورفع بها صوته"‪ ،‬وفي لفظ‬ ‫ـّم‪ ،‬فجهـر باميـن" واميـن بالمـد والتخفيـف فـي جميـع‬ ‫ـّى ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫له عنـه‪" :‬أنـه صـلى خلف رسـول ال صَل‬ ‫الروايات‪ ،‬وعن جميع القراء‪ ،‬وحكى فيها لغات‪ ،‬ومعناها‪ :‬اللهم استجب‪ ،‬وقيل‪ :‬غير ذلك‬ ‫ن أبي أَ ْوفَى رضي ال عن هُ قالَ‪ :‬جاءَ رَجلٌ إلى النبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فَقَالَ‪ :‬إني ل أ سْتطيعُ‬ ‫ع ْبدِ ال ب ِ‬ ‫وع نْ َ‬ ‫ن شيئا‪ ،‬فعَلّمني ما يُجزئُني عنه‪ .‬فقال‪" :‬قُل‪ :‬سُبحان ال‪ ،‬والحمدُ ل‪ ،‬ول إل هَ إل ال وال أكبرُ‪،‬‬ ‫ن اخذَ م نَ القُرا ِ‬ ‫أ ْ‬ ‫حبّان‪،‬‬ ‫ابنـ ِ‬ ‫رواهـ أحْمدُ‪ ،‬وأبـو داود‪ ،‬والنسـائي‪ .‬وصـحّحهُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ول حوْل ول قوةَ إل بال العلي العظيـم" الحديـث‪.‬‬ ‫والدارقطني‪ ،‬والحاكم‪.‬‬ ‫(وعن عبد ال بن أبي أوفى) هو أبو إبراهيم‪ ،‬أو محمد‪ ،‬أو معاوية‪ ،‬واسم أبي أوفى‪ ،‬علقمة بن قيس بن الحرث‬ ‫السلمي‪ ،‬شهد الحديبية‪ ،‬وخيبر وما بعدهما‪ ،‬ولم يزل في المدينة حتى قبض صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬فتحول إلى‬ ‫الكو فة‪ ،‬ومات ب ها‪ ،‬و هو ا خر من مات بالكو فة من ال صحابة‪( .‬قال‪ :‬جاء ر جل إلى النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫فقال‪ :‬إني ل أستطيع أن اخذ من القران شيئا‪ ،‬فعلمني ما يجزئني عنه‪ ،‬فقال‪ :‬قُلْ‪ :‬سبحان ال والحمد ل‪ ،‬ول إله‬ ‫إل ال وال أكبر‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪ .‬الحديث) بالنصب‪ :‬أي أتم الحديث‪.‬‬ ‫وتما مه في سنن أ بي داود‪" :‬قال‪ :‬أي الر جل‪ :‬يا ر سول ال هذا ل ف ما لي؟ قال‪ :‬قل‪ :‬الل هم ارحم ني وارزق ني‬ ‫وعافني واهدني‪ ،‬فلما قام‪ ،‬قال هكذا بيديه‪ ،‬فقال رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪ :‬أما هذا فقد مل يديه من الخير"‬ ‫انت هى‪ .‬إل أ نه ل يس في سنن أ بي داود العلي العظ يم‪( .‬رواه أح مد‪ ،‬وأ بو داود‪ ،‬والن سائي‪ ،‬و صححه ا بن حبان‪،‬‬ ‫والدارقطني‪ ،‬والحاكم)‪.‬‬ ‫الحديث دليل على أن هذه الذكار قائمة مقام القراءة للفاتحة‪ ،‬وغيرها‪ ،‬لمن ل يحسن ذلك‪ ،‬وظاهره‪ :‬أنه ل يجب‬ ‫عل يه تعلم القران ليقرأ به في ال صلة‪ ،‬فإن مع نى ل أ ستطيع‪ :‬ل أح فظ الن م نه شيئا‪ ،‬فلم يأمره بحف ظه‪ ،‬وأمره‬ ‫بهذه اللفاظ‪ ،‬مع أنه يمكنه حفظ الفاتحة‪ ،‬كما يحفظ هذه‪ .‬وقد تقدم في حديث المسيء صلته‪.‬‬ ‫وعن أبي قتادَة رضي ال عن هُ قالَ‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يُ صَلي بنا‪ ،‬فيَقْرُأ في الظّهر والعصر‬ ‫ــــ في الركعتين الول َييْن ــــ بفاتحة الكتاب و سُورتين‪ ،‬ويسمعنا الية أحيانا‪ ،‬و ُيطَوّلُ ال ّركْعةَ الولى‪،‬‬ ‫ويقرأُ في الخْر َييْن بفاتحة الكتاب‪ .‬متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫(و عن أ بي قتادة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬كان ر سول ال صلى ال عل يه واله و سلم يُ صلي ب نا فيقرأُ في الظهـر‬ ‫والع صر في الركعت ين الولي ين) بيا َءيْ نِ تثن ية أولى (بفات حة الكتاب) أي في كل رك عة منه ما (و سورتين) أي‪:‬‬ ‫يقرؤهما في كل ركعة سورة (ويُسمعنا الية أحيانا) وكأنه من هنا علموا مقدار قراءته (ويطوّل الركعة الولى)‬ ‫يجعل السورة فيها أطول من التي في الثانية (ويقرأ في الخريين) تثنية أخرى (بفاتحة الكتاب) ‪ ،‬من غير زيادة‬ ‫عليها (متفق عليه)‪.‬‬ ‫فيه دليل‪ :‬على شرعية قراءة الفاتحة في الربع الركعات في كل واحدة‪ ،‬وقراءة سورة معها في كل ركعة من‬ ‫الولي ين‪ ،‬وأن هذا كان عاد ته عل يه ال صلة وال سلم‪ ،‬ك ما يدل له‪ :‬كان ي صلي؛ إذ هي عبارة تف يد ال ستمرار‬ ‫غالبا‪ .‬وإ سماعهم ال ية أحيانا دل يل‪ :‬على أ نه ل ي جب ال سرار في ال سرية‪ ،‬وأن ذلك ل يقت ضي سجود ال سهو‪،‬‬ ‫وفي قوله‪" :‬أحيانا"‪ :‬ما يدل على أنه تكرر ذلك منه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ .‬وقد أخرج النسائي من حديث البراء‬ ‫قال‪" :‬كنا نصلي خلف النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم الظهر‪ ،‬ونسمع منه الية بعد الية من سورة لقمان‪ ،‬والذاريات"‬ ‫وأخرج ابن خزيمة من حديث أنس نحوه‪ ،‬ولكن قال‪" :‬سبح ل اسم ربك العلى‪ ،‬وهل أتاك حديث الغاشية"‪.‬‬ ‫وفي الحديث دليل على تطويل الركعة الولى‪ ،‬ووجهه‪ :‬ما أخرجه عبد الرزاق في اخر حديث أبي قتادة هذا‪:‬‬ ‫"وظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الولى"‪ ،‬وأخرج أبو داود من حديث عبد الرزاق عن عطاء‪" :‬أني‬ ‫لحب أن يطوّل المام الركعة الولى"‪.‬‬ ‫وقد ادعى ابن حبان‪ :‬أن التطويل إنما هو بترتيل القراءة فيها مع استواء المقروء‪ .‬وقد روى مسلم من حديث‬ ‫حفصة‪" :‬كان يرتل السورة‪ ،‬حتى تكون أطول من أطول منها" وقيل‪ :‬إنما طالت الولى بدعاء الفتتاح والتعوذ‪،‬‬ ‫وأما القراءة فيها فهما سواء‪ .‬وفي حديث أبي سعيد التي‪ :‬ما يرشد إلى ذلك‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬يطول في الولى إن‬ ‫كان ينتظر أحدا‪ ،‬وإل فيسوى بين الوليين‪.‬‬ ‫وفيه دليل‪ :‬على أنه ل يزاد في الخريين على الفاتحة‪ ،‬وكذلك الثالثة في المغرب‪ ،‬وإن كان مالك قد أخرج في‬ ‫الموطأ من طريق الصنابحي‪" :‬أنه سمع أبا بكر يقرأ فيها‪َ { :‬ر ّبنَا لَ ُتزِ غْ قُلُو َبنَا َب ْعدَ ِإذْ َه َد ْي َتنَا وَ َه بْ َلنَا مِن ّل ُدنْ كَ‬ ‫حمَ ًة ِإ ّنكَ َأنْتَ ا ْلوَهّابُ} الية‪ .‬وللشافعي‪ :‬قولن في استحباب قراءة السورة في الخريين‪.‬‬ ‫َر ْ‬ ‫‪52‬‬

‫وفيه دليل على جواز أن يخبر الن سان بالظن‪ ،‬وإل فمعرفة القراءة بالسورة ل طريق فيه إلى اليقين‪ ،‬وإسماع‬ ‫ال ية أحيانا ل يدل على قراءة كل ال سورة‪ ،‬وحد يث أ بي سعيد ال تي‪ :‬يدل على الخبار عن ذلك بال ظن‪ .‬وكذا‬ ‫حديث خباب حين سئل‪" :‬بم كنتم تعرفون قراءة النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم في الظهر والعصر؟ قال‪ :‬باضطراب‬ ‫لحيته" ولو كانوا يعلمون قراءته فيهما بخبر عنه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم لذكروه‪.‬‬ ‫وعن أبي سعيد الخُدري رضي ال عنه قال‪ُ :‬كنّا نحْ ُزرُ قيا َم رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم في الظّهر والعصْر‪،‬‬ ‫ن ذلك‪.‬‬ ‫حزَ ْرنَا قيامَ ُه في الرّكعتين الوليين من الظّهْر قَدْر‪( :‬الم‪ .‬تنزيل) ال سّجدةَ‪ .‬وفي الخْريَين َقدْر النّصف م ْ‬ ‫َف َ‬ ‫خرَيين على النّصف من ذلك‪ .‬رواه مُسلمٌ‪.‬‬ ‫ن الظّهر‪ ،‬وال ْ‬ ‫ن مِ َ‬ ‫وفي الول َييْن من العصر على َقدْر الخريي ِ‬ ‫(وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال‪ُ :‬كنّا نحْزر) بفتح النون وسكون الحاء المهملة وضم الزاي نخرص‬ ‫ونقدر‪ ،‬وفـي قوله‪" :‬كنـا نحزر"‪ :‬مـا يدل على أن المقدريـن لذلك جماعـة‪ .‬وقـد أخرج ابـن ماجـه روايـة‪ :‬أن‬ ‫الحازرين ثلثون رجلً من الصحابة (قيام رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في الظهر والعصر‪ ،‬فحزرنا قيامه‬ ‫في الرّكعتين الوليين من الظّهر قدر ألم تنزيل السّجدة) أي في كل ركعة بعد قراءة الفاتحة (وفي الخريين َقدْرَ‬ ‫النّصـف مـن ذلك) فيـه دللة على قراءة غيـر الفاتحـة معهـا فـي الخرييـن‪ ،‬ويزيده دللة على ذلك قوله (وفـي‬ ‫الوليين من العصر على قدر الخريين من الظّهر) ‪ ،‬ومعلوم أنه كان يقرأ في الوليين من العصر سورة غير‬ ‫الفاتحة (والخْريين) أي من العصر (على النّصف من ذلك) أي من الوليين منه (رواه مسلم)‪.‬‬ ‫الحاديث في هذا قد اختلفت‪ ،‬فقد ورد أنها‪" :‬كانت صلة الظهر تقام‪ ،‬فيذهب الذاهب إلى البقيع‪ ،‬فيقضي حاجته‪،‬‬ ‫ثم يأ تي إلى أهله‪ ،‬فيتو ضأ‪ ،‬ويدرك ال نبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم في الرك عة الولى؛ م ما يطيل ها" أخر جه م سلم‪،‬‬ ‫والنسائي عن أبي سعيد‪ .‬وأخرج أحمد‪ ،‬ومسلم من حديث أبي سعيد أيضا‪" :‬أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان‬ ‫يقرأ في صلة الظهر‪ ،‬في الركعتين الوليين‪ ،‬في كل ركعة‪ ،‬قدر ثلثين اية‪ ،‬وفي الخريين قدر خمس عشرة‬ ‫ايـة‪ ،‬أو قال‪ :‬نصـف ذلك‪ ،‬وفـي العصـر‪ :‬فـي الركعتيـن الولييـن‪ :‬فـي كـل ركعـة قدر خمـس عشرة ايـة‪ ،‬وفـي‬ ‫الخريين قدر نصف ذلك" هذا لفظ مسلم‪ .‬وفيه دليل على أنه ل يقرأ في الخريين من العصر إل الفاتحة‪ ،‬وأنه‬ ‫يقرأ في الخريين من الظهر غيرها معها‪.‬‬ ‫وتقدم حديث أبي قتادة‪" :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان يقرأ في الخري ين من الظهر بأُم الكتاب‪ ،‬ويسمعنا ال ية‬ ‫أحيانا"‪ .‬وظاهره أ نه ل يز يد على أُم الكتاب فيه ما‪ ،‬ولعله أر جح من حد يث أ بي سعيد‪ ،‬من ح يث الروا ية؛ ل نه‬ ‫اتفق عليه الشيخان من حيث الرواية‪ ،‬ومن حيث الدراية؛ لنه إخبار مجزوم به‪ ،‬وخبر أبي سعيد انفرد به مسلم؛‬ ‫ولنه خبر عن حزر وتقدير وتظنن‪ ،‬ويحتمل أن يجمع بينهما‪ :‬بأنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان يصنع هذا تارة‪،‬‬ ‫فيقرأ في الخريين غير الفاتحة معها‪ ،‬ويقتصر فيهما أحيانا‪ ،‬فتكون الزيادة عليها فيهما سنة‪ ،‬تفعل أحيانا‪ ،‬وتترك‬ ‫أحيانا‪.‬‬ ‫ن الظّ هر‪ ،‬ويخفّف الع صْر‪ ،‬ويقرأ في المغرب بق صار‬ ‫ن يط يل الوليَ ين م َ‬ ‫و عن سليمان بن ي سار قال‪ :‬كان فل ٌ‬ ‫شبَهَ صل ًة برسول ال‬ ‫حدٍ أ ْ‬ ‫المُفَصّل‪ ،‬وفي العِشاءِ بوَسَطه وفي الصّبح بطواِلهِ‪ .‬فقال أبو هُريرة‪ :‬ما صَلّيتُ ورا َء أ َ‬ ‫ن هذا‪ .‬أخرجَ ُه النسائي بإسنادٍ صحيح‪.‬‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم مِ ْ‬ ‫(وعن سليمان بن يسار) هو أبو أيوب سليمان بن يسار بفتح المثناة التحتية وتخفيف السين المهملة‪ ،‬وهو مولى‬ ‫ميمونة‪ :‬أم المؤمنين‪ ،‬وأخو عطاء بن يسار من أهل المدينة‪ ،‬وكبار التابعين‪ .‬كان فقيها فاضلً‪ ،‬ثقة عابدا‪ ،‬ورعا‬ ‫حجـة‪ ،‬وهـو أحـد الفقهاء السـبعة (قال‪ :‬كان فلن) فـي شرح السـنة للبغوي‪ :‬أن فلنا يريـد بـه‪ :‬أميرا كان على‬ ‫المدينة‪ .‬قيل‪ :‬اسمه عمرو بن سلمة‪ ،‬وليس هو عمر بن عبد العزيز‪ ،‬كما قيل؛ لن ولدة عمر بن عبد العزيز‬ ‫كا نت ب عد وفاة أ بي هريرة‪ ،‬والحد يث م صرح‪ :‬بأن أ با هريرة صلى خلف فلن هذا (يُط يل الولي ين في الظ هر‬ ‫ويخ فف الع صر‪ ،‬ويقرأ في المغرب بق صار المُف صل)‪ .‬اختلف في أول المف صل‪ .‬فق يل‪ :‬إن ها من ال صافات‪ ،‬أو‬ ‫الجاث ية‪ ،‬أو القتال‪ ،‬أو الف تح‪ ،‬أو الحجرات‪ ،‬أو ال صف‪ ،‬أو تبارك‪ ،‬أو سبح‪ ،‬أو الضحـى‪ ،‬وات فق أن منتهاه ا خر‬ ‫القران (وفي العشاء بوَ سَطه‪ ،‬وفي الصبح بطِواله‪ ،‬فقال أبو هريرة‪ :‬ما صَليْتُ ورا َء أحد أشبه صلة برسول ال‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم من هذا‪ .‬أخرجه النسائي بإسناد صحيح)‪.‬‬ ‫قال العلماء‪ :‬السـنة أن يقرأ فـي الصـبح والظهـر بطوال المفصـل‪ ،‬ويكون الصـبح أطول‪ ،‬وفـي العشاء والعصـر‬ ‫بأو سطه‪ ،‬و في المغرب بق صاره‪ .‬قالوا‪ :‬والحك مة في تطو يل ال صبح والظ هر‪ :‬أنه ما وق تا غفلة بالنوم في ا خر‬ ‫الل يل‪ ،‬والقائلة‪ ،‬فطوله ما ليدركه ما المتأخرون لغفلة‪ ،‬أو نوم‪ ،‬ونحوه ما‪ ،‬و في الع صر لي ست كذلك‪ ،‬بل هي في‬ ‫و قت العمال فخ فت لذلك‪ ،‬و في المغرب‪ :‬لض يق الو قت‪ ،‬فاحت يج إلى زيادة تخفيف ها‪ ،‬ولحا جة الناس إلى عشاء‬ ‫‪53‬‬

‫صائمهم وضيفهم‪ ،‬وفي العشاء لغلبة النوم‪ ،‬ولكن وقتها واسع‪ ،‬فأشبهت العصر‪ ،‬هكذا قالوه‪ ،‬وستعرف اختلف‬ ‫أحوال صلته صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم مما يأتي‪ ،‬بما ل يتم به هذا التفصيل‪.‬‬ ‫جبَيْر بن مُطع مٍ ر ضي ال ع نه قالَ‪ :‬سمعت ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقرأُ في المغْرب بالطّور‪.‬‬ ‫ع نْ ُ‬ ‫وَ‬ ‫متّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫(وعن جبير بن مطعم رضي ال عنه) تقدم ضبطهما‪ ،‬وبيان حال جبير (قال‪ :‬سمعت رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ‬ ‫َوسَلّم‪ :‬يقرأ في المغرب بالطور‪ .‬متفق عليه)‪.‬‬ ‫قد بين في فتح الباري‪ :‬أن سماعه لذلك كان قبل إسلمه‪ ،‬وهو دليل على أن المغرب ل يختص بقصار المفصل‪،‬‬ ‫وقد ورد‪ :‬أنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قرأ في المغرب بـ "المص"‪ ،‬وأنه قرأ فيها "بالصافات"‪ ،‬وأنه قرأ فيها "بحم‬ ‫الدخان"‪ ،‬وأنه قرأ فيها "سبح اسم ربك العلى"‪ ،‬وأنه قرأ فيها "والتين والزيتون"‪ ،‬وأنه قرأ فيها بالمعوذتين‪ ،‬وأنه‬ ‫قرأ فيها بالمرسلت‪ ،‬وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل‪ ،‬وكلها أحاديث صحيحة‪.‬‬ ‫وأما المداومة في المغرب على قصار المفصل‪ ،‬فإنما هو فعل مروان بن الحكم‪ ،‬وقد أنكر عليه زيد بن ثابت‪،‬‬ ‫َسـلّم يقرأ فـي المغرب بطولى‬ ‫ْهـ و َ‬ ‫صـلّى ال عََلي ِ‬ ‫وقال له‪" :‬مالك تقرأ بقصـار المفصـل‪ ،‬وقـد رأيـت رسـول ال َ‬ ‫الطولييـن" تثنيـة طولى‪ ،‬والمراد بهمـا‪ :‬العراف‪ ،‬والنعام‪ ،‬والعراف أطول مـن النعام‪ ،‬إلى هنـا أخرجـه‬ ‫البخاري‪ :‬وهي العراف‪ .‬وقد أخرج النسائي‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم فرق العراف في ركعتي المغرب‪ .‬وقد‬ ‫قرأ في العشاء بالتين والزيتون‪ ،‬ووقت لمعاذ فيها بالشمس وضحاها‪ ،‬والليل إذا يغشى‪ ،‬وسبح اسم ربك العلى‬ ‫َسـلّم باختلف الحالت‪ ،‬والوقات‪،‬‬ ‫ْهـ و َ‬ ‫صـلّى ال عََلي ِ‬ ‫ونحوه" والجمـع بيـن هذه الروايات‪ :‬أنـه وقـع ذلك منـه َ‬ ‫والشغال‪ ،‬عدما ووجودا‪.‬‬ ‫جمُع ِة "ألم‬ ‫وعن أبي هُريرة رضي ال عن هُ قالَ‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم يَ ْقرَأُ في صلة الفجر يَوْمَ ال ُ‬ ‫تنزيل" السّجدة‪ ،‬و"هَلْ أتَى على النسان" متّفق عليه‪.‬‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم يقرأُ في صلة الفجر يوم الجمعة ألم‬ ‫تنزيل السجدة) أي في الركعة الولى (وهل أتى على النسان) أي في الثانية (متفق عليه)‪.‬‬ ‫فيه دليل على أن ذلك كان دأبه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم في تلك الصلة‪ ،‬وزاد استمراره على ذلك بيانا قوله‪:‬‬ ‫ن حديث ابن مسْعودٍ‪ :‬يديم ذلك‪.‬‬ ‫وللطبراني م ْ‬ ‫ن حديث ابن مسْعودٍ‪ :‬يديم ذلك)‪.‬‬ ‫(وللطبراني م ْ‬ ‫أي يجعله عادة دائ مة له‪ .‬قال ش يخ ال سلم ا بن تيم ية‪ :‬ال سر في قراءته ما في صلة ف جر يوم الجم عة‪ :‬أنه ما‬ ‫تضمن تا ما كان‪ ،‬و ما يكون في يومه ما‪ ،‬فإنه ما اشتمل تا على خلق ادم‪ ،‬وعلى ذ كر المعاد‪ ،‬وح شر العباد‪ ،‬وذلك‬ ‫يكون في يوم الجمعة‪ ،‬ففي قراءتهما تذكير للعباد بما كان فيه‪ ،‬ويكون‪ .‬قلت‪ :‬ليعتبروا بذكر ما كان‪ ،‬ويستعدوا‬ ‫لما يكون‪.‬‬ ‫وعن حُذيفةَ رضي ال عنه قالَ‪ :‬صَّليْتُ مع النبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم َفمَا َمرّ تِ به اية رحْم ٍة إل َوقَ فَ عنْدها‬ ‫عذَاب إلّا تَعوّذ منها‪ .‬أخرجهُ الخمسة‪ .‬وحسنه الترمذي‪.‬‬ ‫سأَلُ‪ .‬ول اية َ‬ ‫يْ‬ ‫(وعن حذيفة رضي ال عنه قال‪ :‬صليت مع النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم فما مرّت به اية رحمةً إل وقف عندها‬ ‫يسأل) أي يطلب من ال رحمته (ول اية عذاب إل تعوذ منها) مما ذكر فيها (أخرجه‪ ،‬وحسنه الترمذي)‪.‬‬ ‫في الحديث دليل على أنه ينبغي للقارئ في الصلة تدبر ما يقرؤه‪ ،‬وسؤال رحمته‪ ،‬والستعاذة من عذابه‪ ،‬ولعل‬ ‫هذا كان في صلة الليل‪ ،‬وإنما قلنا ذلك؛ لن حديث حذيفة مطلق‪ ،‬وورد تقييده بحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى‬ ‫عن أب يه قال‪ " :‬سمعت ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يقرأ في صلة ليست بفريضة‪ ،‬ف مر بذ كر الج نة والنار‬ ‫فقال‪ :‬أعوذ بال من النار ويل ل هل النار" رواه أح مد‪ ،‬وابن ما جه بمعناه‪ ،‬وأخرج أحمد عن عائشة‪" :‬قمت مع‬ ‫رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ليلة التمام‪ ،‬فكان يقرأ بالبقرة‪ ،‬والنساء‪ ،‬وال عمران‪ ،‬ول يمر باية فيها تخويف‬ ‫إل دعا ال عز وجل‪ ،‬واستعاذ‪ ،‬ول يمر باية فيها استبشار إل دعا ال عز وجل‪ ،‬ورغب إليه"‪.‬‬ ‫وأخرج النسائي‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬من حديث عوف بن مالك‪" :‬قمت مع رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ ،‬فبدأ‪ ،‬فاستاك‪،‬‬ ‫وتوضأ‪ ،‬ثم قام فصلى‪ ،‬فاستفتح البقرة‪ ،‬ل يمر باية رحمة إل وقف‪ ،‬فسأل‪،‬ول يمر باية عذاب إل وقف‪ ،‬وتعوذ"‬ ‫الحديث‪ ،‬وليس لبي داود ذكر السواك‪ ،‬والوضوء‪.‬‬ ‫فهذا كله في النافلة‪ ،‬كما هو صريح الول‪ ،‬وفي قيام الليل‪ ،‬كما يفيده الحديثان الخران‪ ،‬فإنه لم يأت عنه صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم في رواية قط‪ :‬أنه أمّ الناس بالبقرة‪ ،‬وال عمران‪ :‬في فريضة أصلً‪ .‬ولفظ‪ :‬قمت يشعر أنه في‬ ‫الليل‪ ،‬فتم ما ترجينا بقولنا‪ :‬ولعل هذا في صلة الليل باعتبار ما ورد‪ ،‬فلو فعله أحد في الفريضة‪ ،‬فلعله ل بأس‬ ‫‪54‬‬

‫فيـه‪ ،‬ول يخ ّل بصـلته‪ ،‬سـيما إذا كان منفردا؛ لئل يشـق على غيره إذا كان إماما‪ ،‬وقولهـا‪" :‬ليلة التمام" فـي‬ ‫القاموس‪ :‬ليلة التمام ككتاب‪ ،‬ول يل تمام‪ :‬أطول ليالي الشتاء‪ ،‬أو هي ثلث ل ي ستبان نق صانها‪ ،‬أو هي إذا بل غت‬ ‫اثنتي عشرة ساعة فصاعدا‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫و عن ا بن عبّاس ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬أل وإ ني نُه يت أن أقرأَ القران‬ ‫ن يُستجابَ لكُم"‪ .‬رَوَاهُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫سجُودُ فاجْ َت ِهدُوا في الدّعاءِ‪ ،‬فقم ٌ‬ ‫ظمُوا فيه الرّبّ‪ ،‬وأمّا ال ّ‬ ‫راكعا أو ساجدا‪ ،‬فأما الرّكوع فعَ ّ‬ ‫مُسلمٌ‪.‬‬ ‫(و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬أل وإ ني نه يت أن أقرأ القران‬ ‫راكعا أو ساجدا) فكأنه قيل‪ :‬فماذا تقول فيهما؟ فقال‪( :‬فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّب) قد بين كيفية هذا التعظيم‬ ‫حديث مسلم عن حذيفة‪" :‬فجعل يقول‪ ،‬أي‪ :‬رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬سبحان ربي العظيم" (وأما السجود‬ ‫فاجتهدوا في الدّعاءِ ف َقمِنٌ) بفتح القاف وكسر الميم‪ ،‬ومعناه‪ :‬حقيق (أن يُستجاب لكم‪ .‬رواه مسلم)‪.‬‬ ‫الحد يث دل يل على تحر يم قراءة القران حال الركوع وال سجود‪ ،‬لن ال صل في الن هي التحر يم‪ ،‬وظاهره وجوب‬ ‫تسـبيح الركوع‪ ،‬ووجوب الدعاء فـي السـجود؛ للمـر بهمـا‪ .‬وقـد ذهـب إلى ذلك أحمـد بـن حنبـل‪ ،‬وطائفـة مـن‬ ‫المحدث ين‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬أ نه م ستحب؛ لحد يث الم سيء صلته‪ ،‬فإ نه لم يعل مه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ذلك‪ ،‬ولو‬ ‫كان واجبا لمره به‪ ،‬ثم ظاهر قوله‪" :‬فعظموا فيه الرب"‪ :‬أنها تجزىء المرة الواحدة‪ ،‬ويكون بها ممتثلً ما أمر‬ ‫به‪ .‬وقد أخرج أبو داود من حديث ابن مسعود‪" :‬إذا ركع أحدكم فليقل ثلث مرات‪ :‬سبحان ربي العظيم‪ ،‬وذلك‬ ‫أدناه" ورواه الترمذي‪ ،‬وابن ما جه‪ ،‬إل أنه قال أبو داود‪ :‬فيه إر سال‪ ،‬وكذا قال البخاري‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وفي قوله‪:‬‬ ‫"ذلك أدناه"‪ :‬ما يدل على أنها ل تجزىء المرة الواحدة‪.‬‬ ‫والحديث دليل على مشروعية الدعاء حال السجود‪ ،‬بأي دعاء كان‪ :‬من طلب خيري الدنيا والخرة‪ ،‬والستعاذة‬ ‫من شرهما‪ ،‬وأنه محل الجابة‪ ،‬وقد بين بعض الدعية ما أفاده قوله‪:‬‬ ‫ل في ركوع هِ وسجوده‪" :‬سبحانك‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يقو ُ‬ ‫و عن عائشة ر ضي ال عنها قال تْ‪ :‬كان ر سو ُ‬ ‫حمْدكَ‪ ،‬اللّهمّ اغفرْ لي" ُمتّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫اللهمّ ربّنا و ِب َ‬ ‫(وعن عائ شة رضي ال عنها قالت‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقول في ركو عه و سجوده‪ :‬سبحانك‬ ‫اللهمّ ربنا وبحمدك) الواو للعطف والمعطوف عليه ما يفيده ما قبله‪ ،‬والمعطوف متعلق بحمدك‪ ،‬والمعنى‪ :‬أنزهك‬ ‫وأتلبس بحمدك‪ ،‬ويحتمل أن تكون للحال‪ ،‬والمراد‪ :‬أسبحك‪ ،‬وأنا متلبس بحمدك‪ :‬أي حال كوني متلبسا به (اللهم‬ ‫اغْ ِفرْ لي‪ .‬متفقٌ عليه)‪.‬‬ ‫الحديث ورد بألفاظ منها‪ :‬أنها قالت عائشة‪( :‬ما صلى النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بعد أن أنزلت عليه "إذا جاء‬ ‫نصر ال والفتح" إل يقول‪ :‬سبحانك ربنا وبحمدك‪ ،‬اللهم اغفر لي)‪.‬‬ ‫والحديث دليل‪ :‬على أن هذا من أذكار الركوع والسجود‪ ،‬ول ينافيه حديث‪" :‬أما الركوع فعظموا في الرب"؛ لن‬ ‫هذا الذ كر زيادة على ذلك التعظ يم‪ ،‬الذي كان يقوله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬فيج مع بي نه وب ين هذا‪ .‬وقوله‪" :‬الل هم‬ ‫اغ فر لي" امتثال لقوله تعالى‪" :‬ف سبح بح مد ر بك وا ستغفره"‪ ،‬وف يه م سارعته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إلى امتثال ما‬ ‫أمره ال به‪ ،‬قياما بحق العبودية‪ ،‬وتعظيما لشأن الربوية‪ ،‬زاده ال شرفا وفضلً‪ ،‬وقد غفر له ما تقدم من ذنبه‪،‬‬ ‫وما تأخر‪.‬‬ ‫وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم إذا قامَ إلى الصلة يكبّرُ حين يقُومُ‪ ،‬ثمّ‬ ‫سمِعَ ال ل من حمده" ح ين يرف عُ صُلبه من الرّكوع‪ ،‬ثمّ يقولُ و هو قائ مٌ‪" :‬رب نا ول كَ‬ ‫يك ّبرُ ح ين يرك عُ ثم يقولُ‪َ " :‬‬ ‫سجُدُ‪ ،‬ثمّ يكبّر حي نَ يرْف عُ‪ ،‬ثم ي ْفعَلُ‬ ‫الح ْمدُ" ثمّ يكبّر حين يهْوى ساجدا‪ ،‬ثمّ يكبّر حين يرْف عُ رأ سَهُ‪ ،‬ثمّ يكبّر حين ي ْ‬ ‫ذلكَ في الصل ِة كُلّها‪ ،‬ويُك ّبرُ حين يقو ُم من ال ّث ْنتَيْن َب ْعدَ الجُلوس‪ .‬متّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا قام إلى الصلة) أي إذا قام فيها‬ ‫(يكبر) أي‪ :‬تكبيرة الحرام (حين يقوم) فيه دليل‪ :‬على أنه ل يتوجه ول يصنع قبل التكبيرة شيئا (ثم يكبر حين‬ ‫يركـع) تكـبيرة النقـل (ثـم يقول سـمع ال لمن ْـ حمده) أي أجاب ال مـن حمده؛ فإن مـن حمـد ال تعالى متعرضا‬ ‫لثوا به‪ ،‬ا ستجاب ال له‪ ،‬وأعطاه ما تعرض له‪ ،‬فنا سب بعده أن يقول‪" :‬رب نا ولك الح مد" (ح ين ير فع صلبه من‬ ‫الركوع) فهذا في حال أخذه في ر فع صلبه من هو يه للقيام ( ثم يقول‪ :‬و هو قائ مٌ رب نا ولك الح مد) بإثبات الواو‬ ‫للع طف على مقدر‪ :‬أي رب نا أطعناك وحمدناك‪ ،‬أو للحال‪ ،‬أو زائدة‪ ،‬وورد في روا ية‪ :‬بحذف ها‪ ،‬و هي ن سخة في‬ ‫بلوغ المرام (ثم يكبر حين يهوى ساجدا) تكبير النقل (ثم يكبر حين يرفع رأسه) أي من السجود الول (ثم يكبر‬ ‫حين يسجدُ) أي السجدة الثانية (ثم يكبر حين يرفع) أي من السجدة الثانية‪ .‬هذا كله تكبير النقل (ث ّم يفعلُ ذلك) أي‬ ‫‪55‬‬

‫ما ذكر‪ ،‬ما عدا التكبيرة الولى التي للحرام (في الصلة) أي‪ :‬ركعاتها (كلها‪ ،‬ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد‬ ‫الجلوس) للتشهد الوسط (متفق عليه)‪.‬‬ ‫الحديث دليل على شرعية ما ذكر فيه من الذكار‪ .‬فأما أول التكبير فهي تكبيرة الحرام‪ ،‬وقد تقدم الدليل على‬ ‫وجوبها من غير هذا الحديث‪.‬‬ ‫وأما ما عداها من التكبير الذي وصفه‪ ،‬فقد كان وقع من بعض أمراء بني أمية تركه تساهلً‪ ،‬ولكنه استقر العمل‬ ‫من ال مة على فعله‪ :‬في كل خ فض‪ ،‬ور فع‪ :‬في كل رك عة خ مس ت كبيرات‪ ،‬ك ما عرف ته من ل فظ هذا الحد يث‪،‬‬ ‫ويز يد في الرباع ية‪ ،‬والثلث ية‪ :‬ت كبير النهوض من التش هد الو سط‪ ،‬فيتح صل في المكتوبات الخ مس بت كبيرة‬ ‫الحرام أربع وتسعون تكبيرة‪ ،‬ومن دونها تسع وثمانون تكبيرة‪.‬‬ ‫ل لحمد بن حنبل‪ ،‬وذلك لنه صَلّى ال عََل ْي هِ‬ ‫واختلف العلماء في حكم تكبير النقل‪ :‬فقيل‪ :‬إنه واجب‪ ،‬وروي قو ً‬ ‫َوسَلّم داوم عليه‪ ،‬وقد قال‪" :‬صلوا كما رأيتموني أصلي"‪ .‬وذهب الجمهور‪ :‬إلى ندبه؛ لنه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم لم‬ ‫يعل مه الم سيء صلته‪ ،‬وإن ما عل مه ت كبيرة الحرام‪ ،‬و هو مو ضع البيان للوا جب‪ ،‬ول يجوز تأخيره عن و قت‬ ‫الحاجة‪ .‬وأجيب عنه‪ :‬بأنه قد أخرج تكبيرة النقل في حديث المسيء أبو داود من حديث رفاعة بن رافع‪ ،‬فإنه‬ ‫ساقه‪ ،‬وفيه‪" :‬ثم يقول‪ :‬ال أكبر‪ ،‬ثم يركع" وذكر فيه قول‪" :‬سمع ال لمن حمده" وبقية تكبيرات النقل‪ ،‬وأخرجها‬ ‫الترمذي‪ ،‬والنسائي‪ ،‬ولذا ذهب أحمد‪ ،‬وداود إلى وجوب تكبير النقل‪.‬‬ ‫وظاهر قوله‪ :‬يكبر حين كذا‪ ،‬وحين كذا‪ :‬أن التكبير يقارن هذه الحركات‪ ،‬فيشرع في التكبير عند ابتدائه للركن‪.‬‬ ‫وأ ما القول‪ :‬بأ نه ي مد الت كبير ح تى ي مد الحر كة‪ ،‬ك ما في الشرح وغيره‪ ،‬فل و جه له‪ ،‬بل يأ تي بالل فظ من غ ير‬ ‫زيادة على أدائه‪ ،‬ول نقصان منه‪.‬‬ ‫وظاهر قوله‪ :‬ثم يقول "سمع ال لمن حمده ربنا ولك الحمد"‪ :‬أنه يشرع ذلك لكل مصلّ‪ :‬من إمام ومأموم‪ ،‬إذ هو‬ ‫حكا ية لمطلق صلته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وإن كان يحت مل أ نه حكا ية ل صلته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إماما‪ ،‬إذ‬ ‫المتبادر من الصلة عند إطلقها‪ :‬الواجبة‪ ،‬وكانت صلته صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم الواجبة جماعة‪ ،‬وهو المام فيها‪،‬‬ ‫إل أنه لو فرض هذا‪ ،‬فإن قوله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬صلوا كما رأيتموني أصلي"‪ :‬أمر لكل مصلَ أن يصلي‪،‬‬ ‫كصلته صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪ :‬من إمام ومنفرد‪.‬‬ ‫وذه بت الشافع ية‪ ،‬والهادو ية‪ ،‬وغير هم إلى‪ :‬أن الت سميع مطلقا‪ :‬لمتن فل‪ ،‬أو مفترض‪ :‬وللمام‪ ،‬والمنفرد‪ ،‬والح مد‬ ‫للمؤت مّ‪ ،‬لحديث‪" :‬إذا قال المام سمع ال لمن حمده‪ ،‬فقولوا‪ :‬ربنا لك الحمد" أخرجه أبو داود‪ .‬وأجيب‪ :‬بأن قوله‪:‬‬ ‫"إذا قال المام سمع ال ل من حمده فقولوا‪ :‬رب نا لك الح مد" ل ين في قول المؤ تم‪ :‬سمع ال ل من حمده‪ ،‬وإن ما يدل‬ ‫على أنه يقول المؤت مّ‪ :‬ربنا لك الحمد عقب قول المام‪ :‬سمع ال لمن حمده‪ ،‬والواقع هو ذلك؛ لن المام يقول‪:‬‬ ‫سمع ال ل من حمده في حال انتقاله‪ ،‬والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله‪ ،‬واستفيد الجمع بينهما من الحد يث‬ ‫الول‪ .‬قلت‪ :‬ل كن أخرج أ بو داود عن الش عبي‪" :‬ل يقول المؤ تم خلف المام‪ :‬سمع ال ل من حمده‪ ،‬ول كن يقول‪:‬‬ ‫"ربنا لك الحمد"‪ ،‬ولكنه موقوف على الشعبي‪ ،‬فل تقوم به حجة‪.‬‬ ‫وقد ادعى الطحاوي‪ ،‬وابن عبد البر الجماع على كون المنفرد يجمع بينهما‪ ،‬وذهب اخرون إلى أنه يجمع بينهما‬ ‫المام والمنفرد‪ ،‬ويحمد المؤتم‪ .‬قالوا‪ :‬والحجة جمع المام بينهما؛ لتحاد حكم المام والمنفرد‪.‬‬ ‫ن الرّكو عِ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذَا رف عَ رأ سَهُ م َ‬ ‫و عن أ بي سعيد الخُدري ر ضي ال ع نه قالَ‪ :‬كا نَ ر سو ُ‬ ‫حقّ ما‬ ‫ل الثّناءِ وال َمجْد‪ ،‬أ َ‬ ‫قالَ‪" :‬اللهُمّ َربّنا ل كَ الح ْمدُ‪ ،‬مل َء ال سّموات والرض‪ ،‬ومل َء ما شئ تَ من شي ٍء َب ْعدُ‪ ،‬أَهْ َ‬ ‫ع ْب ٌد ــــ الل ُهمّ ل مانعَ لما أعْطيتَ‪ ،‬ول مُعطِي لما َم َنعْتَ‪ ،‬ول َينْفَ ُع ذا الجدّ ِمنْكَ‬ ‫قال ال َع ْبدُ ــــ وكلّنا لكَ َ‬ ‫جدّ"‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫ال َ‬ ‫(وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا رفع رأسه من الركوع‬ ‫قال‪ :‬اللهم) لم أجد لفظ اللهم في مسلم في رواية أبي سعيد‪ ،‬ووجدتها في رواية ابن عباس (ربنا لك الحمدُ ملء)‬ ‫بنصـب الهمزة على المصـدرية‪ ،‬ويجوز رفعـه خـبر مبتدأ محذوف (السـموات والرض) وفـي سـنن أبـي داود‬ ‫وغيره‪" :‬وملء الرض" و هي في روا ية ا بن عباس ع ند م سلم‪ ،‬فهذه الروا ية كل ها لي ست ل فظ أ بي سعيد‪ ،‬لعدم‬ ‫وجود الل هم في أوله‪ ،‬ول ل فظ ا بن عباس لوجود ملء الرض في ها (وملء ما شئت من ش يء بعدُ) ب ضم الدال‬ ‫على البناء للق طع عن الضا فة‪ ،‬ون ية المضاف إل يه (أ هل) بن صبه على النداء‪ ،‬أو رف عه‪ :‬أي أ نت أ هل (الثناء‬ ‫والم جد‪ .‬أ حق ما قال الع بد) بالر فع خبر مبتدأ محذوف‪ ،‬و ما م صدرية‪ ،‬تقديره هذا‪ :‬أي قوله‪ :‬الل هم لك الح مد‪،‬‬ ‫أ حق قول الع بد‪ ،‬وإن ما لم يج عل‪" :‬ل ما نع ل ما أعط يت" خبرا وأ حق مبتدأ‪ ،‬ل نه محذوف في ب عض الروايات‪،‬‬ ‫فجعلناه جملة استئنافية‪ ،‬إذا حذف تم الكلم من دون ذكره‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫وفي الشرح‪ :‬جعل أحق مبتدأ وخبره ل مانع لما أعطيت‪ .‬وفي شرح المهذب نقلً عن ابن الصلح معناه‪ :‬أحق‬ ‫ما قال العبد قوله‪ :‬ل مانع لما أعطيت إلى اخره‪ ،‬وقوله‪" :‬وكلنا لك عبد" اعتراض بين المبتدأ والخبر‪ .‬قال‪ :‬أو‬ ‫يكون قوله‪ :‬أحق ما قال العبد خبرا لما قبله‪ :‬أي قوله‪ :‬ربنا لك الحمد إلى اخره أحق ما قال العبد‪ .‬قال‪ :‬والول‬ ‫أولى‪ .‬قال النووي‪ :‬لمـا فيـه مـن كمال التفويـض إلى ال تعالى‪ ،‬والعتراف بكمال قدرتـه وعظمتـه وقهره‬ ‫وسـلطانه‪ ،‬وانفراده بالوحدانيـة‪ ،‬وتدبيـر مخلوقاتـه انتهـى (وكلنـا لك ع ْبدٌ) ثـم اسـتأنف فقال‪( :‬اللهـم ل مانـع لمـا‬ ‫أعطيت ول معطي لما َم َنعْتَ‪ ،‬ول ينْفَعُ ذا الجدّ منْك الجدّ‪ .‬رواه مسلم)‪.‬‬ ‫الحديث دليل على مشروعية هذا الذكر في هذا الركن لكل مصلَ‪ ،‬وقد جعل الحمد كالجسام‪ ،‬وجعله سادا لما‬ ‫ذكره من الظروف‪ ،‬مبال غة في كثرة الح مد‪ ،‬وزاد مبال غة بذ كر ما يشاؤه تعالى‪ ،‬م ما ل يعل مه الع بد‪ ،‬والثناء‪:‬‬ ‫الو صف بالجميل والمدح والم جد والعظ مة ونها ية الشرف‪ ،‬والجد بفتح الجيم معناه ال حظ‪ :‬أي‪ :‬ل ينفع ذا الحظ‬ ‫من عقوب تك ح ظه‪ ،‬بل ينف عه الع مل ال صالح‪ ،‬وروى بالك سر للج يم‪ ،‬أي‪ :‬ل ينف عه جده واجتهاده‪ ،‬و قد ضع فت‬ ‫رواية الكسر‪.‬‬ ‫جدَ على سبعة أعظ مٍ‪:‬‬ ‫سُ‬ ‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما قالَ‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ُ" :‬أ ِمرْت أن أَ ْ‬ ‫ج ْبهَةِ ــــ وَأشَارَ بيدهِ إلى أَنفِ ِه ــــ وال َيدَيْن‪ ،‬وال ّركْب َتيْن‪ ،‬وَأطْرَافِ القدمَين" متّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫على ا ْل َ‬ ‫جدَ على سبعة أعظمٍ‪:‬‬ ‫سُ‬ ‫(وعن ابن عباس رضي ال عنهما قالَ‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ُ" :‬أ ِمرْت أن أَ ْ‬ ‫ج ْبهَةِ ــــ وَأشَارَ بيدهِ إلى أَنفِ ِه ــــ وال َيدَيْن‪ ،‬وال ّركْب َتيْن‪ ،‬وَأطْرَافِ القدمَين" متّفقٌ عليه)‪.‬‬ ‫على ا ْل َ‬ ‫وفي رواية‪" :‬أمرنا" أي‪ :‬أيها المة‪ ،‬وفي رواية‪" :‬أمر النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم" والثلث الروايات‪ :‬للبخاري‪،‬‬ ‫وقوله‪" :‬وأشار بيده إلى أنفه" فسرتها رواية النسائي‪ .‬قال ابن طاوس‪" :‬وضع يده على جبهته‪ ،‬وأمرها على أنفه‪،‬‬ ‫وقال‪ :‬هذا وا حد" قال القر طبي‪ :‬هذا يدل على أن الجب هة ال صل في ال سجود‪ ،‬وال نف ت بع ل ها‪ .‬قال ا بن دق يق‬ ‫العيد‪ :‬معناه‪ :‬أنه جعلهما كأنهما عضو واحد‪ ،‬وإل لكانت العضاء ثمانية‪ .‬والمراد من اليدين‪ :‬الكفان‪ ،‬وقد وقع‬ ‫بلفظهما في رواية‪ ،‬والمراد من قوله‪" :‬وأطراف القدمين"‪ :‬أن يجعل قدميه قائمتين على بطون أصابعهما‪ :‬وعقباه‬ ‫مرتفعتان‪ ،‬فيستقبل بظهور قدميه القبلة‪ .‬وقد ورد هذا في حديث أبي حميد في صفة السجود‪ ،‬وقيل‪ :‬يندب ضم‬ ‫أصابع اليد ين؛ لنها لو انفرجت انحرفت رءوس بعضها عن القبلة‪ ،‬وأما أصابع الرجل ين‪ ،‬ف قد تقدم في حديث‬ ‫أبي حميد الساعدي في باب صفة الصلة بلفظ‪" :‬واستقبل بأصابع رجليه القبلة"‪ .‬هذا‪.‬‬ ‫والحديث دليل على وجوب السجود على ما ذكر؛ لنه ذكر صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بلفظ الخبار عن أمر ال له‪،‬‬ ‫ولمته‪ ،‬والمر ل يرد إل بنحو صيغة أفعل‪ ،‬وهي تفيد الوجوب‪.‬‬ ‫وقـد اختلف فـي ذلك‪ ،‬فالهادويـة وأحـد قولي الشافعـي‪ :‬أنـه للوجوب‪ :‬لهذا الحديـث‪ ،‬وذهـب أبـو حنيفـة‪ :‬إلى أنـه‬ ‫يجزىء السجود على النف فقط‪ ،‬مستدلً بقوله‪" :‬وأشار بيده إلى أنفه"‪ .‬قال المصنف في فتح الباري‪ :‬وقد احتج‬ ‫لبـي حنيفـة بهذا‪ :‬فـي السـجود على النـف‪ ،‬قال ابـن دقيـق العيـد‪ :‬والحـق أن مثـل هذا ل يعارض‪ :‬التصـريح‬ ‫بالجبهة‪ ،‬وإن أمكن أن يعتقد أنهما كعضو واحد‪ ،‬فذلك في التسمية والعبارة‪ ،‬ل في الحكم الذي دل عليه‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫واعلم أنه وقع هنا في الشرح‪ :‬أنه ذهب أبو حنيفة‪ ،‬وأحد قولي الشافعي‪ ،‬وأكثر الفقهاء إلى‪ :‬أن الواجب الجبهة‬ ‫فقط؛ لقوله‪ :‬صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم في حديث المسيء صلته‪" ،‬ومكن جبهتك"؛ فكان قرينة على حمل المر هنا‬ ‫على غ ير الوجوب‪ .‬وأج يب ع نه‪ :‬بأن هذا ل ي تم إل ب عد معر فة تقدم هذا على حد يث الم سيء صلته‪ ،‬ليكون‬ ‫قرينة على حمل المر على الندب‪ ،‬وأما لو فرض تأخره لكان في هذا زيادة شرع‪ ،‬ويمكن أن تتأخر شرعيته‪،‬‬ ‫ومع جهل التاريخ‪ :‬يرجح العمل بالموجب لزيادة الحتياط‪ ،‬كذا قاله الشارح‪ ،‬وجعل السجود على الجبهة والنف‬ ‫مذهبا للعترة‪ ،‬فحول نا عبار ته إلى الهادو ية‪ ،‬مع أ نه ل يس مذهب هم إل ال سجود على الجب هة ف قط‪ ،‬ك ما في الب حر‬ ‫وغيره‪.‬‬ ‫ول فظ الشرح ه نا‪ :‬والحد يث ف يه دللة على وجوب ال سجود على ما ذ كر ف يه‪ ،‬و قد ذ هب إلى هذا العترة‪ ،‬وأ حد‬ ‫قولي الشافعي‪ :‬انتهى‪.‬‬ ‫وعرفت أنه وهم في قوله‪ :‬إن أبا حنيفة يوجبه على الجبهة‪ ،‬فإنه يجيزه عليها‪ ،‬أو على النف‪ ،‬وأنه مخير في‬ ‫ذلك‪ :‬ثم ظاهره وجوب السجود على العضو جميعه‪ ،‬ول يكفي بعض ذلك‪ ،‬والجبهة يضع منها على الرض ما‬ ‫أمكنه بدليل‪" :‬وتمكن جبهتك"‪.‬‬ ‫وظاهره أنه ل يجب كشف شيء من هذه العضاء؛ لن مسمى السجود عليها يصدق بوضعها من دون كشفها‪،‬‬ ‫ول خلف أن كشف الركبتين غير واجب؛ لما يخاف من كشف العورة‪.‬‬ ‫‪57‬‬

‫واختلف في الجبهة‪ .‬فقيل‪ :‬يجب كشفها؛ لما أخرجه أبو داود في المراسيل‪" :‬أن رسول ال صلى ال عليه واله‬ ‫و سلم‪ :‬رأى رجلً ي سجد على جن به‪ ،‬و قد اع تم على جبه ته‪ ،‬فح سر عن جبه ته"‪ ،‬إل أ نه قد علق البخاري عن‬ ‫الح سن‪" :‬كان أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه واله و سلم ي سجدون وأيدي هم في ثياب هم‪ ،‬وي سجد الر جل من هم‬ ‫على عمامته"‪ ،‬ووصله البيهقي‪ ،‬وقال‪ :‬هذا أصح ما في السجود موقوفا على الصحابة‪ ،‬وقد وردت أحاديث‪" :‬أنه‬ ‫صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان ي سجد على كور عمام ته" من حد يث ا بن عباس‪ :‬أخر جه أ بو نع يم في الحل ية‪ ،‬و في‬ ‫إسناده ضعف‪ ،‬ومن حديث ابن أبي أوفى‪ :‬أخرجه الطبراني في الوسط‪ ،‬وفيه ضعف‪ ،‬ومن حديث جابر‪ :‬عند‬ ‫ا بن عدي‪ ،‬وف يه متروكان‪ ،‬و من حد يث أ نس‪ :‬ع ند ا بن أ بي حا تم في العلل‪ ،‬وف يه ض عف‪ .‬وذ كر هذه الحاد يث‬ ‫وغيرها البيهقي ثم قال‪ :‬أحاد يث "كان يسجد على كور عمامته" ل يث بت فيها شيء يعني‪ :‬مرفوعا‪ .‬والحاديث‬ ‫مـن الجانـبين غيـر ناهضـة على اليجاب‪ ،‬وقوله‪" :‬سـجد على جبهتـه" يصـدق على المريـن وإن كان مـع عدم‬ ‫الحائل أظهر‪ ،‬فالصل جواز المرين‪.‬‬ ‫وأ ما حد يث خباب‪" :‬شكو نا إلى ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم حر الرمضاء في جباه نا وأكف نا‪ ،‬فلم يشك نا"‬ ‫الحديث‪ .‬فل دللة فيه على كشف هذه العضاء‪ ،‬ول عدمه‪ ،‬وفي حديث أنس عند مسلم‪" :‬أنه كان أحدهم يبسط‬ ‫ثوبه من شدة الحر‪ ،‬ثم يسجد عليه"‪ ،‬ولعل هذا مما ل خلف فيه‪ ،‬والخلف في السجود على محموله‪ ،‬فهو محل‬ ‫النزاع‪ ،‬وحديث أنس محتمل‪.‬‬ ‫ح ْينَةَ أنّ ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬كان إذا صلى و سجد فرّج ب ين يد يه‪ ،‬ح تى يبدو بيا ضُ‬ ‫و عن ا بن ُب َ‬ ‫إبطيه‪ ،‬متفق عليه‪.‬‬ ‫(وعن ابن بحينة) هو عبد ال بن مالك بن بحينة بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة‪ ،‬وسكون المثناة التحتية‬ ‫وبعد ها نون‪ ،‬و هو ا سم لم ع بد ال‪ ،‬وا سم أب يه‪ :‬مالك بن الق شب بك سر القاف و سكون الش ين المعج مة فموحدة‬ ‫الزدي‪ .‬مات عبد ال في ولية معاوية بين سنة أربع وخمسين وثمان وخمسين‪( :‬أن النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‬ ‫كان إذا صلى وسجد فرّج) بفتح الفاء وتشديد الراء اخره جيم (بين يديه) أي باعد بينهما‪ :‬أي نحى كل يد على‬ ‫الجنب الذي يليها (حتى يبدو بياض إبطيه‪ ،‬متفق عليه)‪.‬‬ ‫الحديث دليل على فعل هذه الهيئة في الصلة‪ .‬قيل‪ :‬والحكمة في ذلك‪ :‬أن يظهر كل عضو بنفسه ويتميز‪ ،‬حتى‬ ‫يكون النسـان الواحـد فـي سـجوده‪ ،‬كأنـه عدد‪ .‬ومقتضـى هذا أن يسـتقل كـل عضـو بنفسـه‪ ،‬ول يعتمـد بعـض‬ ‫العضاء على ب عض‪ .‬و قد ورد هذا المع نى م صرحا به في ما أخر جه ال طبراني‪ ،‬وغيره‪ :‬من حد يث ا بن ع مر‬ ‫بإسناد ضعيف أنه قال‪" :‬ل تفترش افتراش السبع‪ ،‬واعتمد على راحتيك‪ ،‬وأبد ضبعيك‪ ،‬فإذا فعلت ذلك سجد كل‬ ‫عضو منك"‪ .‬وعند مسلم من حديث ميمونة‪" :‬كان النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يجافي بيديه‪ ،‬فلو أن بهيمة أرادت‬ ‫أن تمر مرت"‪.‬‬ ‫وظا هر الحد يث الول‪ ،‬وهذا‪ ،‬مع قوله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ " :‬صلوا ك ما رأيتمو ني أ صلي" يقت ضي الوجوب‪،‬‬ ‫ولك نه قد أخرج أ بو داود من حد يث أ بي هريرة‪ :‬ما يدل على أن ذلك غ ير وا جب بل فظ‪" :‬ش كا أ صحاب ال نبي‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم له مشقة السجود عليهم إذا تفرجوا‪ ،‬فقال‪ :‬استعينوا بالركب"‪ ،‬وترجم له‪( :‬الرخصة في ترك‬ ‫التفر يج) قال ا بن عجلن أ حد روا ته‪ :‬وذلك أن ي ضع مرفق يه على ركبت يه إذا أطال ال سجود‪ ،‬وقوله‪" :‬ح تى يرى‬ ‫بياض إبطيه" ليس فيه‪ ،‬كما قيل دللة‪ :‬على أنه لم يكن صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم لبسا القميص؛ لنه وإن كان لبسا‬ ‫فإنه قد يبدو منه أطراف إبطيه؛ لنها كانت أكمام قمصان أهل ذلك العصر غير طويلة‪ ،‬فيمكن أن يرى البط‬ ‫من كمها‪ ،‬ول دللة فيه‪ :‬على أنه لم يكن على إبطيه شعر‪ ،‬كما قيل‪ ،‬لنه يمكن أن المراد يرى أطراف إبطيه‪،‬‬ ‫ل باطنه ما ح يث الش عر؛ فإ نه ل يرى إل بتكلف‪ ،‬وإن صح ما ق يل‪ :‬إن من خوا صه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬أ نه‬ ‫ليس على إبطيه شعر‪ ،‬فل إشكال‪.‬‬ ‫جدْتَ‬ ‫سَ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا َ‬ ‫[رح ‪ ]33‬ــــ وعن البرا ِء بن عاز بٍ رضي ال عنه قال‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫َفضَعْ كفّيك‪ ،‬وارْفعْ مرفقيْك" رواه مسلمٌ‪.‬‬ ‫(وعـن البراء) بفتـح الموحدة فراء‪ ،‬وقيـل‪ :‬بالقصـر ثـم همزة ممدودة‪ ،‬هـو أبـو عمارة فـي الشهـر‪ ،‬وهـو (ابـن‬ ‫عازب) بع ين مهملة فزاي بعـد اللف مك سورة فموحدة‪ :‬ا بن الحرث الو سي الن صاري الحارثـي‪ ،‬أول مشهـد‬ ‫شهده الخندق‪ ،‬نزل الكو فة‪ ،‬وافت تح الر يّ سنة أر بع وعشر ين في قول‪ ،‬وش هد مع أم ير المؤمن ين علي بن أ بي‬ ‫طالب عليه السلم الجمل‪ ،‬وصفين‪ ،‬والنهروان‪ .‬مات بالكوفة أيام مصعب بن الزبير (قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى‬ ‫ال عََليْهِ َوسَلّم‪ :‬إذا سجدت فضع ك ّفيْك وارفع مرفقيك‪ .‬رواه مسلم)‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫الحد يث دل يل على وجوب هذه الهيئة لل مر ب ها‪ ،‬وحمله العلماء على ال ستحباب‪ ،‬قالوا‪ :‬والحك مة ف يه‪ :‬أ نه أش به‬ ‫بالتوا ضع‪ ،‬وأ تم في تمك ين الجب هة وال نف من الرض‪ ،‬وأب عد من هيئة الك سالى‪ ،‬فإن المنب سط يش به الكلب‪،‬‬ ‫ويشعر حاله بالتهاون بالصلة‪ ،‬وقلة العتناء بها‪ ،‬والقبال عليها‪.‬‬ ‫وهذا في حق الرجل‪ ،‬ل المرأة‪ ،‬فإنها تخالفه في ذلك؛ لما أخرجه أبو داود في مراسيله عن زيد بن أبي حبيب‪:‬‬ ‫أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم مرّ على امرأتين تصليان‪ ،‬فقال‪" :‬إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى الرض‪ ،‬فإن‬ ‫المرأة فـي ذلك ليسـت كالرجـل" قال البيهقـي‪ :‬وهذا المرسـل أحسـن مـن موصـولين فيـه‪ :‬يعنـي‪ :‬مـن حديثيـن‬ ‫موصولين‪ ،‬ذكرهما البيهقي في سننه‪ ،‬وضعفهما‪.‬‬ ‫ومن السنة‪ :‬تفريج الصابع في الركوع؛ لما رواه أبو داود من حديث أبي حميد الساعدي‪" :‬أنه كان صَلّى ال‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم يمسك يديه على ركبتيه كالقابض عليهما ويفرج بين أصابعه" ومن السنة في الركوع‪ :‬أن يوتر يديه‪،‬‬ ‫فيجافي عن جنبيه‪ ،‬كما في حديث أبي حميد عند أبي داود بهذا اللفظ‪ ،‬ورواه ابن خزيمة‪" :‬ونحى يديه عن جنبيه"‬ ‫وتقدم قريبا‪ ،‬وذكر المصنف‪ :‬حديث ابن بحينة هذا الذي ذكره في بلوغ المرام‪ :‬في التلخيص مرتين‪ .‬أولً‪ :‬في‬ ‫وصف ركوعه‪ ،‬وثانيا‪ :‬في وصف سجوده‪ ،‬دليلً على التفريج في الركوع‪ ،‬وهو صحيح‪ ،‬فإ نه قال‪" :‬إذا صلى‬ ‫فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه"؛ فإنه يصدق على حالة الركوع والسجود‪.‬‬ ‫جدَ‬ ‫سَ‬ ‫ج بين أصابعهِ‪ ،‬وإذا َ‬ ‫حجْر رضي ال عنه أنّ النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬كان إذا رك عَ َفرّ َ‬ ‫وعن وائل بن ُ‬ ‫ضمّ َأصَابَعَهُ‪ .‬رواه الحاكِمُ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫(وعن وائل بن حجر‪ :‬أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم كان إذا ركع فرج بين أصابعه) أي أصابع يديه (وإذا سجد‬ ‫ضم أصابعه‪ ،‬رواه الحاكم) قال العلماء‪ :‬الحكمة في ضمه أصابعه عند سجوده‪ :‬لتكون متوجهة إلى سمت القبلة‪.‬‬ ‫وعـن عائشـة رضـي ال عنهـا قالتـْ‪ :‬رأيتُـ رسـُول ال صَـلّى ال عََليْهِـ وَسَـلّم يُصـَلي مُتربّعا‪ .‬رواهُـ النسـائي‪،‬‬ ‫ن خُزيمة‪.‬‬ ‫وصحّحه اب ُ‬ ‫(و عن عائ شة ر ضي ال عن ها قال تْ‪ :‬رأي تُ ر سُول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يُ صَلي مُتربّعا‪ .‬روا ُه الن سائي‪،‬‬ ‫ن خُزيمة‪).‬‬ ‫وصحّحه اب ُ‬ ‫وروى البيه قي من حد يث ع بد ال بن الزب ير عن أب يه‪" :‬رأ يت ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يد عو هكذا‪،‬‬ ‫ووضع يديه على ركبتيه‪ ،‬وهو متربع جالس"‪ ،‬ورواه البيهقي عن حميد‪" :‬رأيت أنسا يصلي متربعا على فراشه"‬ ‫وعلقه البخاري‪ .‬قال العلماء‪ :‬وصفة التربع‪ :‬أن يجعل باطن قدمه اليمنى تحت الفخذ اليسرى‪ ،‬وباطن اليسرى‬ ‫تحت اليمنى‪ :‬مطمئنا‪ ،‬وكفيه على ركبتيه مفرّقا أنامله‪ ،‬كالراكع‪.‬‬ ‫والحديث دليل على كيفية قعود العليل إذا صلى من قعود؛ إذ الحديث وارد في ذلك‪ ،‬وهو في صفة صلته صَلّى‬ ‫ـّم‪ ،‬لمـا سـقط عـن فرسـه‪ ،‬فانفكـت قدمـه‪ ،‬فصـلى متربعا‪ .‬وهذه القعدة اختارهـا الهادويـة فـي قعود‬ ‫ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫المريض لصلته‪ .‬ولغيرهم اختيار اخر‪ ،‬والدليل مع الهادوية‪ ،‬وهو هذا الحديث‪.‬‬ ‫جدَتينِ‪" :‬اللهمّ اغفرْ لي‪،‬‬ ‫سْ‬ ‫ل بي نَ ال ّ‬ ‫وع نْ ا بن عباس ر ضي ال عنه ما‪ ،‬أن ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كا نَ يقو ُ‬ ‫صحّح ُه الحاكمُ‪.‬‬ ‫وارحَمْني‪ ،‬واهدني وعَافِني‪ ،‬وا ْرزُقني"‪ .‬رواه الربعة إل النسائيّ‪ ،‬واللفظُ لبي داود‪ ،‬و َ‬ ‫جدَتينِ‪" :‬اللهمّ اغف ْر لي‪،‬‬ ‫سْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما‪ ،‬أن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كا نَ يقولُ بي َ‬ ‫(وع ْ‬ ‫صحّح ُه الحاكمُ)‪.‬‬ ‫وارحَمْني‪ ،‬واهدني وعَافِني‪ ،‬وا ْرزُقني"‪ .‬رواه الربعة إل النسائيّ‪ ،‬واللفظُ لبي داود‪ ،‬و َ‬ ‫ول فظ الترمذي‪" :‬وا جبرني" بدل وارحم ني‪ ،‬ولم ي قل‪ ،‬وعاف ني‪ .‬وج مع ا بن ما جه في ل فظ رواي ته ب ين‪ :‬ارحم ني‪،‬‬ ‫واجبرني‪ ،‬ولم يقل‪ :‬اهدني‪ ،‬ول عافني‪ ،‬وجمع الحاكم بينهما‪ ،‬إل أنه لم يقل‪ :‬وعافني‪.‬‬ ‫والحديث دليل‪ :‬على شرعية الدعاء في القعود بين السجدتين‪ ،‬وظاهره أنه كان صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم يقوله جهرا‪.‬‬ ‫ن في وترٍ من‬ ‫و عن مالك بن الحُويْر ثِ ر ضي ال عن هُ‪َ :‬أنّ ُه رأى ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يُ صَلي‪ ،‬فإذا كا َ‬ ‫صلته لمْ ينهض حتى َيسْتويَ قاعدا‪ .‬روا ُه البُخاري‪.‬‬ ‫ن في وترٍ من‬ ‫(و عن مالك بن الحُويْر ثِ ر ضي ال عن هُ‪َ :‬أنّ هُ رأى ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يُ صَلي‪ ،‬فإذا كا َ‬ ‫صلته لمْ ينهض حتى َيسْتويَ قاعدا‪ .‬روا ُه البُخاري)‪.‬‬ ‫وفي لفظ له‪" :‬فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس‪ ،‬واعتمد على الرض‪ ،‬ثم قام" وأخرج أبو داود من حديث‬ ‫أبي حميد في صفة صلته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وفيه‪" :‬ثم أهوى ساجدا‪ ،‬ثم ثنى رجليه‪ ،‬وقعد حتى رجع كل‬ ‫عضو في موضعه‪ ،‬ثم نهض" وقد ذكرت هذه القعدة في بعض ألفاظ رواية حديث المسيء صلته‪.‬‬ ‫و في الحد يث دل يل‪ :‬على شرع ية هذه القعدة ب عد ال سجدة الثان ية من الرك عة الولى‪ ،‬والرك عة الثال ثة‪ ،‬ثم ين هض‬ ‫لداء الرك عة الثان ية‪ ،‬أو الراب عة‪ ،‬وت سمى جل سة ال ستراحة‪ .‬و قد ذ هب إلى القول بشرعيت ها‪ :‬الشاف عي في أ حد‬ ‫‪59‬‬

‫قوليه‪ ،‬وهو غير المشهور عنه‪ .‬والمشهور عنه‪ ،‬وهو رأي الهادوية‪ ،‬والحنفية‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ :‬أنه ل‬ ‫يشرع القعود‪ ،‬م ستدلين‪ :‬بحد يث وائل بن ح جر‪ :‬في صفة صلته صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪ :‬بل فظ‪" :‬فكان إذا ر فع‬ ‫رأ سه من ال سجدتين ا ستوى قائما" أخر جه البزار في م سنده‪ ،‬إل أ نه ضع فه النووي‪ ،‬وب ما رواه ا بن المنذر من‬ ‫حديث النعمان بن أبي عياش‪" :‬أدركت غير واحد من أصحاب رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬فكان إذا رفع‬ ‫رأسه من السجدة في أول ركعة وفي الثالثة قام كما هو ولم يجلس"‪.‬‬ ‫ويجاب عن الكل‪ :‬بأنه ل منافاة؛ إذ من فعلها فلنها سنة‪ ،‬ومن تركها فكذلك‪ ،‬وإن كان ذكرها في حديث المسيء‬ ‫يشعر بوجوبها‪ ،‬لكن لم يقل به أحد فيما أعلم‪.‬‬ ‫وعن َأنَس رضي ال عنه أنّ النبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َقنَ تَ شهرا‪َ ،‬ب ْعدَ الرّكوع‪َ ،‬يدْعُو على أحياء من العرب‪،‬‬ ‫ثمّ تركَهُ‪ ،‬متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫حمَدَ والدارقطني نحوُهُ من وج ٍه اخر‪ ،‬وزاد‪ :‬وأمّا في الصّبح فلمْ يزل يَ ْقنُتُ حتى فارق الدنيا‪.‬‬ ‫ول ْ‬ ‫(و عن أ نس ر ضي ال ع نه‪ :‬أن ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم َقنَ تَ شهرا ب عد الرّكوع يد عو على أحياء من‬ ‫ل عن‬ ‫العرب) وورد تعيينهم‪ :‬أنهم‪ ،‬رعل‪ ،‬وعصية وبنو لحيان‪( .‬ثم تركه‪ .‬متفق عليه) لفظه في البخاري مطو ً‬ ‫عا صم الحول قال‪ " :‬سألت أ نس بن مالك عن القنوت فقال‪ :‬قد كان القنوت‪ ،‬قلت‪ :‬ق بل الركوع أو بعده؟ قال‪:‬‬ ‫قبله‪ ،‬قلت‪ :‬فإن فلنا أخبرني عنك أنك قلت‪ :‬بعد الركوع‪ ،‬قال‪ :‬كذب‪ ،‬إنما قنت رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬ ‫ب عد الركوع شهرا‪ ،‬أراه‪ ،‬كان ب عث قوما يقال ل هم‪ :‬القراء‪ ،‬زهاء سبعين رجلً إلى قوم من المشرك ين‪ ،‬فغدروا‪،‬‬ ‫وقتلوا القراء‪ ،‬دون أولئك‪ ،‬وكان بين هم وب ين ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم ع هد‪ ،‬فق نت ر سول ال صَلّى ال‬ ‫عََليْهِ َوسَلّم شهرا يدعو عليهم"‪.‬‬ ‫(ولحمد‪ ،‬والدارقطني‪ :‬نحوه) أي من حديث أنس‪( :‬من وجه اخر‪ ،‬وزاد‪ :‬فأما في الصبح‪ ،‬فلم يزل يقنت حتى‬ ‫فارق الدنيا) ‪ ،‬فقوله في الحديث الول‪" :‬ثمّ تركه" أي فيما عدا الفجر‪ ،‬ويدل على أنه أراده‪ :‬قوله‪" :‬فلم يزل يقنت‬ ‫في كل صلته"‪ .‬هذا‪ ،‬والحاديث عن أنس في القنوت قد اضطربت‪ ،‬وتعارضت في صلة الغداة‪.‬‬ ‫و قد ج مع بين ها في الهدى النبوي فقال‪ :‬أحاد يث أ نس كل ها صحاح‪ ،‬ي صدق بعض ها بعضا‪ ،‬ول تنا قض في ها‪،‬‬ ‫والقنوت الذي ذكره قبل الركوع غير الذي ذكره بعده‪ ،‬والذي وقته غير الذي أطلقه‪ ،‬فالذي ذكره قبل الركوع هو‬ ‫إطالة القيام للقراءة‪ ،‬الذي قال فيه النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬أفضل الصلة طول القيام"‪ ،‬والذي ذكره بعد‪ ،‬هو‪:‬‬ ‫إطالة القيام للدعاء‪ ،‬ففعله شهرا يد عو إلى قوم‪ ،‬ويد عو لقوم‪ ،‬ثم ا ستمر تطو يل هذا الر كن للدعاء والثناء إلى أن‬ ‫فارق الدن يا‪ ،‬ك ما دل له الحد يث‪" :‬أن أن سا كان إذا ر فع رأ سه من الركوع انت صب قائما ح تى يقول القائل‪ :‬قد‬ ‫نسى‪ ،‬وأخبرهم أن هذه صفة صلته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم" أخر جه عنه في ال صحيحين‪ ،‬فهذا هو القنوت الذي‬ ‫قال فيه أنس‪" :‬إنه ما زال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم حتى فارق الدنيا"‪ ،‬والذي تركه هو الدعاء على أقوام من العرب‪،‬‬ ‫وكان ب عد الركوع‪ ،‬فمراد أ نس بالقنوت‪ :‬ق بل الركوع‪ ،‬وبعده‪ ،‬الذي أ خبر أ نه ما زال عل يه‪ :‬هو إطالة القيام في‬ ‫هذين المحلين بقراءة القران‪ ،‬وبالدعاء‪.‬‬ ‫هذا مضمون كل مه‪ .‬ول يخ فى أ نه ل يوا فق قوله‪" :‬فأ ما في ال صبح فلم يزل يق نت ح تى فارق الدن يا"‪ .‬وأ نه دل‬ ‫على أن ذلك خاص بالفجـر‪ ،‬وإطالة القيام بعـد الركوع عام للصـلوات جميعهـا‪ .‬وأمـا حديـث أبـي هريرة الذي‬ ‫أخرجه الحاكم‪ ،‬وصححه‪" :‬بأنه كان رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم إذا رفع رأسه من الركوع من صلة الصبح‬ ‫الرك عة الثان ية‪ ،‬ير فع يد يه‪ ،‬فيد عو بهذا الدعاء‪ :‬الل هم اهد ني في من هد يت إلى اخره"‪ .‬فف يه ع بد ال بن سعيد‬ ‫المقبري ول تقوم به حجة‪ .‬وقد ذهب‪ :‬إلى أن الدعاء عقيب اخر ركوع من الفجر سنة جماعة من السلف‪ ،‬ومن‬ ‫الخلف‪ :‬الهادي‪ ،‬والقاسـم‪ ،‬وزيـد بـن علي والشافعـي‪ .‬وإن اختلفوا فـي ألفاظـه‪ ،‬فعنـد الهادي‪ :‬بدعاء مـن القران‪،‬‬ ‫وعند الشافعي‪ :‬بحديث‪" :‬اللهم اهدني فيمن هديت إلى اخره"‪.‬‬ ‫صحّحهُ‬ ‫ت إل إذا دعَا لِ َقوْم‪ ،‬أو د عا على قوم‪َ ،‬‬ ‫وعنه ر ضي ال ع نه أنّ النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬كان ل ي ْقنُ ُ‬ ‫ن خزيمةَ‪.‬‬ ‫اب ُ‬ ‫(وع نه) أي أ نس‪( :‬أن ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان ل يق نت إل إذا د عا لقوم أو د عا على قوم‪ .‬صححه ا بن‬ ‫خزيمة)‪ .‬أما دعاؤه لقوم فكما ثبت‪ :‬أنه كان يدعو للمستضعفين من أهل مكة‪ .‬وأما دعاؤه على قوم‪ ،‬فكما عرفته‬ ‫قريبا‪.‬‬ ‫ومن هنا قال بعض العلماء‪ :‬يسن القنوت في النوازل‪ ،‬فيدعو بما يناسب الحادثة‪ .‬وإذا عرفت هذا فالقول‪ :‬بأنه‬ ‫يسن في النوازل‪ :‬قول حسن‪ ،‬تأسيا بما فعله صَلّى ال عََل ْي هِ وَسَلّم‪ :‬في دعائه على أولئك الحياء من العرب‪ ،‬إل‬ ‫‪60‬‬

‫أ نه قد يقال‪ :‬قد نزل به صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم حوادث‪ ،‬كح صار الخندق‪ ،‬وغيره‪ ،‬ولم يرو أ نه ق نت ف يه‪ ،‬ولعله‬ ‫يقال‪ :‬الترك لبيان الجواز‪.‬‬ ‫وقد ذهب أبو حنيفة‪ :‬وأبو يوسف‪ :‬إلى أنه منهي عن القنوت في الفجر وكأنهم استدلوا بقوله‪:‬‬ ‫وعن سعد بن طارق الشجعي رضي ال عنه قالَ‪ :‬قلتُ لبي‪ :‬يا أبَتِ‪ ،‬إنك قد صلّيت خلْف رسول ال صَلّى ال‬ ‫عثْمان‪ ،‬وعل يَ‪ ،‬أَفكانوا يَ ْق ُنتُون في ال َفجْر؟ قالَ‪ :‬أي بُنيّ‪ ،‬محد ثٌ‪ ،‬رواه الخمسةُ‬ ‫ع َمرَ‪ ،‬و ُ‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وأبي بكْر‪ ،‬و ُ‬ ‫إل أبا داود‪.‬‬ ‫(وعن سعيد) كذا في نسخ البلوغ سعيد وهو سعد بغير مثناة تحتية (بن طارق الشجعي قال‪ :‬قلت لبي‪ ):‬وهو‬ ‫طارق بن أشيم بفتح الهمزة فشين معجمة فمثناة تحتية مفتوحة بزنة أحمر‪ ،‬قال ابن عبد البر‪ :‬يعد في الكوفيين‪.‬‬ ‫روى عنه ابنه أبو مالك سعد بن طارق (يا أبت إنك صليْتَ خَلْف رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬وأبي بكر‪،‬‬ ‫عمَر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال‪ :‬أ يْ بُن يّ‪ :‬محد ثٌ‪ .‬رواه الخمسة إل أبا داود)‪ .‬وقد روى‬ ‫وُ‬ ‫خل فه عمن ذكر‪ .‬والجمع بينهما‪ .‬أنه وقت القنوت لهم تارة‪ ،‬وتركوه أخرى‪ ،‬وأما أبو حني فة‪ ،‬ومن ذكر معه‪،‬‬ ‫فإنهم جعلوه منهيا عنه؛ لهذا الحديث؛ لنه إذا كان محدثا فهو بدعة‪ ،‬والبدعة منهي عنها‪.‬‬ ‫ت أقُوُلهُنّ في ُقنُوت‬ ‫ن علي رضي ال عنهما أنّ ُه قالَ‪ :‬علّمني رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم كلما ٍ‬ ‫وعن الحسَن ب ْ‬ ‫طيْ تَ‪ ،‬وقِني شرّ‬ ‫عَ‬ ‫ن توَلّيت‪ ،‬وبارك لي فيما أَ ْ‬ ‫ن هديْ تَ‪ ،‬وعافِني فيمَ نْ عَا َفيْت‪ ،‬وتولّني فيم ْ‬ ‫الوتْر‪" :‬اللهمّ اهدني فيمَ ْ‬ ‫ت ربّنا وتعاَليْت" رواه الخمسة‪ .‬وزاد‬ ‫ل مَ نْ واَليْ تَ‪َ ،‬تبَا َركْ َ‬ ‫ضيْ تَ‪ ،‬فإنّ كَ تَ ْقضِي ول يُ ْقضَى علي كَ‪ ،‬وإنّ ُه ل يذِ ّ‬ ‫ما َق َ‬ ‫جهٍ اخر في اخرهِ‪" :‬وصلّى ال تعالى على النبيّ"‪.‬‬ ‫الطّبرانيّ والبيهقي‪" :‬ول يعزّ من عا َديْت" زادَ النسائي منْ و ْ‬ ‫(وعن الحسن بن علي عليهما السلم) هو أبو محمد الحسن بن علي‪ ،‬سبط رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم‪ .‬ولد‬ ‫في النصف من شهر رمضان‪ :‬سنة ثلث من الهجرة‪ .‬قال ابن عبد البر‪ :‬إنه أصح ما قيل في ذلك‪ .‬وقال أيضا‪:‬‬ ‫كان الحسن حليما ورعا فاضلً‪ ،‬ودعاه ورعه وفضله إلى أنه ترك الدنيا والملك‪ :‬رغبة فيما عند ال‪ ،‬بايعوه بعد‬ ‫أبيه عليه السلم‪ ،‬فب قي نحوا من سبعة أشهر خليفة بالعراق‪ ،‬وما وراءهما من خرا سان‪ ،‬وفضائله ل تحصى‪،‬‬ ‫وقد ذكرنا منها شطرا صالحا في الروضة الندية‪ .‬وفاته سنة إحدى وخمسين بالمدينة النبوية‪ ،‬ودفن في البقيع‪،‬‬ ‫وقد أطال ابن عبد البر في الستيعاب‪ :‬في عده لفضائله‪.‬‬ ‫ن في قنوت الوتر) أي في دعائه وليس فيه بيان لمحله‬ ‫(قال‪ :‬علمني رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم كلمات أقوله ّ‬ ‫ضيْت‬ ‫طيْت وقِني شر ما قَ َ‬ ‫ن هديْت وعافني فيم نْ عافيْت وتولّني فيمن توليت وبارك لي فيما أع َ‬ ‫(الل ُهمّ اهدني فيمَ ْ‬ ‫ل من واليْت‪ ،‬تبار كت رب نا وتعاليْت‪ ،‬رواه الخم سة‪ ،‬وزاد ال طبراني‪،‬‬ ‫فإ نك تقْ ضي ول يُق ضى عليْك وإ نه ل يذ ّ‬ ‫والبيهقي) بعد قوله‪ :‬ول يذل من واليت (ول ي ِعزّ من عادي تَ‪ .‬زاد النسائي في وجه آخر في آخره‪ :‬وصلى ال‬ ‫على النبيّ إلخ)‪ .‬إل أنه قال المصنف في تخريج أحاديث الذكار‪ :‬إن هذه الزيادة غريبة ل تثبت؛ لن فيها عبد‬ ‫ال بن علي‪ ،‬ل يعرف‪ ،‬وعلى القول‪ :‬بأنه عبد ال بن علي بن الحسين بن علي‪ ،‬فالسند منقطع؛ فإنه لم يسمع من‬ ‫عمه الحسن؛ ثم قال‪ :‬فتبين أن هذا الحديث ليس من شرط الحسن‪ ،‬لنقطاعه‪ ،‬أو جهالة رواته‪ .‬انتهى‪ .‬فكان عليه‬ ‫أن يقول‪ :‬ول تثبت هذه الزيادة‪.‬‬ ‫والحديث دليل على مشروعية القنوت في صلة الوتر‪ ،‬وهو مجمع عليه في النصف الخير من رمضان‪ ،‬وذهب‬ ‫الهادويـة‪ ،‬وغيرهـم‪ :‬إلى أنـه يشرع أيضا فـي غيره‪ ،‬إل أن الهادويـة ل يجيزونـه بالدعاء مـن غيـر القران‪.‬‬ ‫والشافعية يقولون‪ :‬إنه يقنت بهذا الدعاء في صلة الفجر‪ ،‬ومستندهم في ذلك قوله‪:‬‬ ‫ت من صلة‬ ‫س قال‪ :‬كا نَ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ُيعَّلمْنا دُعا ًء ندعو به في ال ُقنُو ِ‬ ‫وللبيْهقيّ عن ابن عبا ٍ‬ ‫ض ْعفٌ‪.‬‬ ‫س َندِهِ َ‬ ‫الصّبح وفي َ‬ ‫(وللبيهقي عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يُعلمنا دُعاءً ندعو به في‬ ‫القنوت من صلة ال صبح) قلت‪ :‬أجمله ه نا‪ ،‬وذكره في تخر يج الذكار من روا ية البيه قي وقال‪" :‬الل هم اهد ني‪.‬‬ ‫الحد يث" إلى اخره‪ ،‬رواه البيه قي من طرق أحد ها عن بر يد‪ :‬بالموحدة والراء ت صغير برد‪ ،‬و هو ثق بة بن أ بي‬ ‫مريم‪ .‬سمعت ابن الحنفية‪ ،‬وابن عباس يقولن‪" :‬كان النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقنت في صلة الصبح‪ ،‬ووتر‬ ‫الليل بهؤلء الكلمات"‪ ،‬وفي إسناده مجهول‪ ،‬وروى من طريق أخرى‪ ،‬وهي التي ساق المصنف لفظها عن ابن‬ ‫جريج بلفظ‪" :‬يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلة الصبح" وفيه عبد الرحمن بن هرمز ضعيف‪ ،‬ولذا قال‬ ‫المصنف‪( :‬وفي سنده ضعف)‪.‬‬ ‫ك البعيرُ‪ ،‬و ْل َيضَ عْ‬ ‫سجَدَ أَحدُك مْ فل َي ْبرُ كْ كما يبر ُ‬ ‫ل رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا َ‬ ‫وعن أَبي هُريرةَ قال‪ :‬قا َ‬ ‫حجْر‪:‬‬ ‫يديه قبلَ ركبتيهِ‪ ،‬أخرجه الثلثة‪ ،‬وه َو أقوى من حديث وائل بن ُ‬ ‫‪61‬‬

‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪ :‬إذا سجد أحدُكم‪ ،‬فل يبرك كما يبرك‬ ‫البع ير‪ ،‬ولي ضع يد يه ق بل ركبت يه‪ .‬أخر جه الثل ثة)‪ .‬هذا الحد يث أخر جه أ هل ال سنن‪ ،‬وعلله البخاري والترمذي‪،‬‬ ‫والدارقطني‪ .‬قال البخاري‪ :‬محمد بن عبد ال بن الحسن ل يتابع عليه‪ .‬وقال‪ :‬ل أدري‪ :‬سمع من أبي الزناد أم‬ ‫ل‪ .‬وقال الترمذي‪ :‬غريب ل نعرفه من حديث أبي الزناد‪ .‬وقد أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة أيضا عنه‪:‬‬ ‫"أن النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم" ولم يذكر فيه‪" :‬وليضع يديه قبل ركبتيه"‪ ،‬وقد أخرج ابن أبي داود من حديث أبي‬ ‫هريرة‪" :‬أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان إذا سجد بدأ بيديه قبل ركبتيه"‪ ،‬ومثله أخرج الدراوردي من حديث‬ ‫ابن عمر‪ ،‬وهو الشاهد الذي سيشير المصنف إليه‪ .‬وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه من حديث مصعب بن‬ ‫سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال‪" :‬كنا نضع اليدين قبل الركبتين‪ ،‬فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين"‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل على أ نه يقدم الم صلي يد يه ق بل ركبت يه ع ند النحطاط إلى ال سجود‪ ،‬وظا هر الحد يث الوجوب؛‬ ‫لقوله‪ :‬ل يبركن وهو نهي‪ ،‬وللمر بقوله‪" :‬وليضع" قيل‪ :‬ولم يقل أحد بوجوبه‪ ،‬فتعين أنه مندوب‪.‬‬ ‫وقد اختلف العلماء في ذلك‪ ،‬فذهب الهادوية‪ ،‬ورواية عن مالك‪ ،‬والوزاعي‪ :‬إلى العمل بهذا الحديث‪ ،‬حتى قال‬ ‫الوزا عي‪ :‬أدرك نا الناس يضعون أيدي هم ق بل ركب هم‪ .‬وقال ا بن أ بي داود‪ :‬و هو قول أ صحاب الحد يث‪ ،‬وذه بت‬ ‫الشافعيـة‪ ،‬والحنفيـة‪ ،‬وروايـة عـن مالك‪ ،‬إلى العمـل بحديـث وائل وهـو قوله (وهـو) أي حديـث أبـي هريرة هذا‬ ‫(أقوى) في سنده (من حديث وائل) وهو أنه قال‪:‬‬ ‫جدَ وضعَ ركبتيهِ قبْلَ َي َديْهِ‪ ،‬أخرجه الربعةُ‪.‬‬ ‫سَ‬ ‫رأيت النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪ :‬إذا َ‬ ‫ن خُزيمة‪ ،‬وذكره البخاري مُعلقا موْقوفا‪.‬‬ ‫ل شاهدا من حديث ابن عُمرَ رضي ال تعالى عنهُ‪ ،‬صحّح ُه اب ُ‬ ‫فإنّ للو ِ‬ ‫(رأيت النبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم إذا سجدَ وضع ركبتيه قبلَ يديه‪ :‬أخرجه الربعة‪ ،‬فإن للول) أي حديث أبي‬ ‫هريرة (شاهدا مـن حديـث ابـن عمـر‪ ،‬صـححه ابـن خزيمـة) تقدم ذكـر الشاهـد هذا قريبا (وذكره) أي‪ :‬الشاهـد‬ ‫(البخاري معلقا موقوفا) قال‪ :‬قال نا فع‪ :‬كان ا بن ع مر ي ضع يد يه ق بل ركبت يه‪ ،‬وحد يث وائل أخر جه أ صحاب‬ ‫السنن الربعة‪ ،‬وابن خزيمة‪ ،‬وابن السكن في صحيحيهما‪ :‬من طريق شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه‪ .‬قال‬ ‫البخاري‪ ،‬و الترمذي‪ ،‬و أبو داود‪ ،‬و البيهقي‪ :‬تفرد به شريك‪.‬‬ ‫ول كن له شا هد عن عا صم الحول عن أ نس قال‪" :‬رأ يت ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم انح طّ بالت كبير ح تى‬ ‫سبقت ركبتاه يديه"‪ .‬أخرجه الدارقطني‪ ،‬والحاكم‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وقال الحاكم‪ :‬هو على شرطهما‪ .‬وقال البيهقي‪ :‬تفرد‬ ‫به العلء بن العطار‪ ،‬والعلء مجهول‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وحديث وائل هو دليل الحنفية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬وهو مروي عن عمر‪ ،‬أخرجه عبد الرزاق‪ ،‬وعن ابن مسعود‪:‬‬ ‫أخر جه الطحاوي‪ ،‬وقال به أح مد‪ ،‬وإ سحاق‪ ،‬وجما عة من العلماء‪ ،‬وظا هر كلم الم صنف ترج يح حد يث أ بي‬ ‫هريرة‪ ،‬وهو خلف مذهب إمامه الشافعي‪ .‬وقال النووي‪ :‬ل يظهر ترجيح أحد المذهبين على الخر‪ ،‬ولكن أهل‬ ‫هذا المذهب رجحوا حديث وائل‪ ،‬وقالوا في أبي هريرة إنه مضطرب؛ إذ قد روى عنه المران‪ .‬وحقق ابن القيم‬ ‫المسألة‪ ،‬وأطال فيها وقال‪ :‬إن في حديث أبي هريرة قلبا من الراوي حيث قال‪ :‬وليضع يديه قبل ركبتيه‪ ،‬وإن‬ ‫أ صله‪ :‬ولي ضع ركبت يه ق بل يد يه‪ .‬قال‪ :‬ويدل عل يه أول الحد يث و هو قوله‪" :‬فل يبرك‪ ،‬ك ما يبرك البع ير" فإن‬ ‫المعروف من بروك البع ير هو تقد يم اليد ين على الرجل ين‪ ،‬و قد ث بت عن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬ال مر‬ ‫بمخال فة سائر الحيوانات في هيئات ال صلة‪ ،‬فن هى عن التفات كالتفات الثعلب‪ ،‬و عن افتراش كافتراش ال سبع‪،‬‬ ‫وإقعاء كإقعاء الكلب‪ ،‬ونقر كنقر الغراب‪ ،‬ورفع اليدي كأذناب خيل شمس‪ :‬أي حال السلم‪ ،‬وقد تقدم ويجمعها‬ ‫قولنا‪:‬‬ ‫[شع] إذا نحن قمنا في الصلة فإننا‬ ‫نهينا عن التيان فيها بستة[‪/‬شع]‬ ‫[شع] بروك بعير والتفات كثعلب‬ ‫ونقر غراب في سجود الفريضة[‪/‬شع] [شع] وإقعاء كلب أو كبسط ذراعه‬ ‫وأذناب خيل عند فعل التحية[‪/‬شع]‬ ‫وزدنا على ما ذكره في الشرح قولنا‪:‬‬ ‫[شع] وزدنا كتدبيح الحمار بمده‬ ‫لعنق وتصويب لرأس بركعة[‪/‬شع]‬

‫‪62‬‬

‫هذا ال سابع‪ ،‬و هو بالدال بعد ها موحدة ومثناة تحت ية وحاء مهملة‪ ،‬وروي بالذال المعج مة‪ .‬ق يل‪ :‬و هو ت صحيف‪.‬‬ ‫قال في النهاية‪ :‬هو أن يطأطىء المصلي رأسه حتى يكون أخفض من ظهره‪ .‬انتهى‪ .‬إل أنه قال النووي‪ :‬حديث‬ ‫التدبيح ضعيف‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬كان وضع اليدين قبل الركبتين‪ ،‬ثم أمروا بوضع الركبتين قبل اليدين‪ ،‬وحديث ابن خزيمة الذي أخرجه‬ ‫عن سعد بن أبي وقاص ــــ وقد قدمناه قريبا ــــ يشعر بذلك‪ ،‬وقول المصنف‪ :‬إن لحديث أبي هريرة‬ ‫شاهدا يقوى به ــــ معارض‪ :‬بأن لحد يث وائل أيضا شاهدا‪ ،‬قد قدمناه‪ .‬وقال الحا كم‪ :‬إ نه على شرطه ما‪.‬‬ ‫وغاي ته ــــ وإن لم ي تم كلم الحا كم ــــ ف هو م ثل شا هد أ بي هريرة‪ ،‬الذي تفرد به شر يك‪ ،‬ف قد ات فق‬ ‫حديث وائل‪ ،‬وحديث أبي هريرة في القوة‪.‬‬ ‫وعلى تحقيق ابن القيم‪ ،‬فحد يث أبي هريرة عائد إلى حد يث وائل‪ ،‬وإنما وقع ف يه قلب‪ ،‬ول ينكر ذلك‪ ،‬فقد وقع‬ ‫القلب في ألفاظ الحديث‪.‬‬ ‫شهّد وضع يده اليُسرى على‬ ‫عمَر رضي ال عنهما أن رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ :‬كان إذا َق َعدَ لل ّت َ‬ ‫وعن ابن ُ‬ ‫سبّابةِ‪ ،‬روا هُ مسلمٌ‪ .‬وفي رواية له‪:‬‬ ‫ركْبتي هِ اليُسرى‪ ،‬واليُمنى على اليُمنى‪ ،‬وعقد ثلثا وخمسين‪ ،‬وأشا َر بإ صْبعهِ ال ّ‬ ‫و َقبَض أصابع ُه كلّها‪ ،‬وأشار بالّتي تلي البْهامَ‪.‬‬ ‫شهّدِ وضَ َع يد ُه الي سرى‬ ‫(و عن ا بن ع مر ر ضي ال عنه ما‪ .‬أن ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان إذا َق َعدَ لل ّت َ‬ ‫على ركبتـه اليسـرى واليمنـى على اليمنـى وعقـد ثلثا وخمسـين وأشار بأصـبعه السـبابة) قال العلماء‪ :‬خصـت‬ ‫السبابة بالشارة لتصالها بنياط القلب‪ ،‬فتحريك ها سبب لحضوره (رواه مسلم‪ .‬و في روا ية له‪" :‬وقب ضَ أصابعهُ‬ ‫كُلّها وأشار بالتي تلي البهام)‪.‬‬ ‫ووضع اليد ين على الركبت ين مج مع على استحبابه‪ .‬وقوله‪" :‬وع قد ثلثا وخم سين"‪ .‬قال الم صنف في التلخ يص‪:‬‬ ‫صورتها أنه يجعل البهام مفتوحة تحت المسبحة‪ ،‬وقوله‪" :‬وقبض أصابعه كلها" أي‪ :‬أصابع يده اليمنى قبضها‬ ‫على الرا حة وأشار بال سبابة‪ .‬وفي رواية وائل بن حجر‪( :‬حلق بين البهام والو سطى) أخر جه ابن ما جه‪ ،‬فهذه‬ ‫ثلث هيئات‪ :‬جعل البهام تحت المسبحة مفتوحة‪ ،‬وسكت في هذه عن بقية الصابع‪ .‬هل تضم إلى الراحة أو‬ ‫تب قى منشورة على الرك بة؟ الثان ية‪ :‬ضم ال صابع كل ها على الرا حة والشارة بالم سبحة‪ .‬الثال ثة‪ :‬التحل يق ب ين‬ ‫البهام والوسطى ثم الشارة بالسبابة‪.‬‬ ‫وورد بل فظ الشارة‪ ،‬ك ما ه نا‪ ،‬وك ما في حد يث ا بن الزب ير‪" :‬أ نه صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم كان يش ير بال سبابة ول‬ ‫يحركها" أخرجه أحمد‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن حبان في صحيحه‪ .‬وعن ابن خزيمة‪ ،‬والبيهقي من حديث‬ ‫وائل‪" :‬أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ر فع إ صبعه‪ ،‬فرأي ته يحرك ها‪ ،‬يد عو ب ها" قال البيه قي‪" :‬يحت مل أن يكون مراده‬ ‫بالتحر يك‪ :‬الشارة‪ ،‬ل تكر ير تحريك ها‪ ،‬ح تى ل يعارض حد يث ا بن الزب ير‪ ،‬ومو ضع الشارة عند قوله‪ :‬ل إله‬ ‫إل ال‪ ،‬لما رواه البيهقي من فعل النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ .‬وينوي بالشارة‪ :‬التوحيد والخلص فيه‪ ،‬فيكون‬ ‫جامعا في التوحيد بين الفعل‪ ،‬والقول‪ ،‬والعتقاد؛ ولذلك نهى النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم عن الشارة بالصبعين‪،‬‬ ‫وقال‪" :‬أحد أحد" لمن راه يشير بأصبعيه‪.‬‬ ‫ثم الظا هر أ نه مخيـر ب ين هذه الهيئات‪ .‬وو جه الحك مة ش غل كل ع ضو بعبادة‪ ،‬وورد في ال يد اليسـرى ع ند‬ ‫الدارقط ني من حد يث ا بن ع مر‪" :‬أ نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أل قم ك فه الي سرى ركب ته"‪ .‬وف سر اللقام‪ .‬بع طف‬ ‫الصابع على الركبة‪ ،‬وذهب إلى هذا بعضهم‪ :‬عملً بهذه الرواية‪ ،‬قال‪ :‬وكأن الحكمة فيه‪ :‬منع اليد عن العبث‪.‬‬ ‫واعلم أن قوله في حديث ابن عمر‪" :‬وعقد ثلثا وخمسين" إشارة إلى طريقة معروفة‪ ،‬تواطأت عليها العرب في‬ ‫عقود الح ساب‪ ،‬و هي أنواع من الحاد‪ ،‬والعشرات‪ ،‬والمئ ين‪ ،‬واللوف‪ .‬أ ما الحاد‪ ،‬فللوا حد‪ :‬ع قد الخن صر إلى‬ ‫أقرب ما يليه من باطن الكف‪ .‬وللثنين‪ :‬عقد البنصر معها كذلك‪ .‬وللثلثة‪ :‬عقد الوسطى معها كذلك‪ .‬وللربعة‪:‬‬ ‫حل الخنصر‪ .‬وللخمسة‪ :‬حل البنصر معها دون الوسطى‪ .‬وللستة‪ :‬عقد البنصر وحل جميع النامل‪ .‬وللسبعة‪:‬‬ ‫ب سط البن صر إلى أ صل البهام م ما يلي ال كف‪ .‬وللثمان ية‪ :‬ب سط البن صر فوق ها كذلك‪ .‬وللت سعة‪ :‬ب سط الو سطى‬ ‫فوقها كذلك‪.‬‬ ‫وأ ما العشرات‪ :‬فل ها البهام وال سبابة‪ .‬فللعشرة الولى‪ :‬ع قد رأس البهام على طرف ال سبابة وللعشر ين‪ :‬إدخال‬ ‫البهام بيـن السـبابة والوسـطى‪ .‬وللثلثيـن‪ :‬عقـد رأس السـبابة على رأس البهام‪ ،‬عكـس العشرة‪ .‬وللربعيـن‪:‬‬ ‫تركيـب البهام على العقـد الوسـط مـن السـبابة‪ ،‬وعطـف البهام على أصـلها‪ .‬وللخمسـين‪ :‬عطـف البهام إلى‬ ‫أ صلها‪ .‬ولل ستين‪ :‬ترك يب ال سبابة على ظ هر البهام‪ ،‬ع كس الربع ين‪ .‬ولل سبعين‪ :‬إلقاء رأس البهام على الع قد‬ ‫الوسط من السبابة‪ ،‬ورد طرف السبابة إلى البهام‪ .‬وللثمانين‪ :‬رد طرف السبابة إلى أصلها‪ ،‬وبسط البهام على‬ ‫‪63‬‬

‫جنـب السـبابة مـن ناحيـة البهام‪ .‬وللتسـعين‪ :‬عطـف السـبابة إلى أصـل البهام‪ ،‬وضمهـا بالبهام‪ .‬وأمـا المئيـن‬ ‫فكالحاد إلى تسعمائة في اليد اليسرى‪ ،‬واللوف كالعشرات في اليسرى‪.‬‬ ‫ت إليْنا رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ ،‬فقَالَ‪" :‬إذا صلى أحدَكم‬ ‫وعن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬الْتف َ‬ ‫طيّبا تُ‪ ،‬ال سّلمُ عليك أيّها النبيّ ورحمةُ ال وبركاتُ هُ‪ ،‬ال سّلم علينا وعلى عباد‬ ‫حيّات ل‪ ،‬وال صّلواتُ‪ ،‬وال ّ‬ ‫ف ْليَقُل‪ :‬ال ّت ِ‬ ‫خيّر من الدّعا ِء أَعْج َب ُه إليه‪ ،‬ف َيدْعو"‬ ‫ش َهدُ أنّ محمدا ع ْبدُ ُه ورسولُهُ‪ ،‬ثمّ ليت َ‬ ‫ال الصالحينَ‪ ،‬أشهدُ أن ل إلَه إلّا ال‪ ،‬وأ ْ‬ ‫متفقٌ عليه‪ ،‬واللفظ للبخاري‪.‬‬ ‫ل قبلَ أن يُفرض علينا التشهد‪.‬‬ ‫وللنسائي‪ُ :‬كنّا نقو ُ‬ ‫ولحمد‪ :‬أن النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم علمه التشهد وأمره أن يعلمه الناس‪.‬‬ ‫(وعن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬التفت إلينا رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم فقال‪ :‬إذا صلى أحدكم‬ ‫فليقل التّحيات) جمع تحية‪ ،‬ومعناها‪ :‬البقاء والدوام‪ ،‬أو العظمة‪ ،‬أو السلمة من الفات‪ ،‬أو كل أنواع التعظيم (ل‬ ‫وال صّلوات) قيل‪ :‬الخمس‪ ،‬أو ما هو أعم من الفرض والنفل‪ ،‬أو العبادات كلها‪ ،‬أو الدعوات‪ ،‬أو الرحمة‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫طيّبات) أي‪ :‬ما طاب من كلم وح سن أن يث ني به‬ ‫التحيات‪ :‬العبادات القول ية‪ ،‬وال صلوات‪ :‬العبادات الفعل ية (وال ّ‬ ‫على ال‪ ،‬أو ذكر ال‪ ،‬أو القوال الصالحة‪ ،‬أو العمال الصالحة‪ ،‬أو ما هو أعم من ذلك‪ ،‬وطيبها‪ :‬كونها كاملة‬ ‫خال صة عن الشوائب‪ ،‬والتحيات مبتدأ خبر ها ل‪ ،‬وال صلوات والطيبات ع طف عل يه‪ ،‬وخبره ما محذوف؛ وف يه‬ ‫تقادير أخر‪.‬‬ ‫(السّلمُ) أي السلم الذي يعرفه كل أحد (علَيك أيها النبي ورحمةُ ال وبركاته) خصوه صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم أولًا‬ ‫بال سلم عل يه لع ظم ح قه علي هم‪ ،‬وقدموه على الت سليم على أنف سهم‪ ،‬لذلك‪ ،‬ثم أتبعوه بال سلم علي هم في قول هم‪:‬‬ ‫(السـّلم علينـا وعلى عباد ال الصـّالحين) وقـد ورد‪ :‬أنـه يشمـل كـل عبـد صـالح فـي السـماء والرض‪ ،‬وفسـر‬ ‫الصالح‪ :‬بأنه القائم بحقوق ال‪ ،‬وحقوق عباده‪ ،‬ودرجاتهم متفاوتة‪.‬‬ ‫(أشهد أن ل إله إل ال) ل مستحق للعبادة بحق غيره‪ ،‬فهو قصر إفراد‪ :‬لن المشركين كانوا يعبدونه‪ ،‬ويشركون‬ ‫م عه غيره (وأش هد أنّ محمدا عبده ور سوله) هكذا هو بل فظ عبده ور سوله في جم يع روايات المهات ال ست‪،‬‬ ‫ووهـم ابـن الثيـر فـي جامـع الصـول‪ ،‬فسـاق حديـث ابـن مسـعود بلفـظ‪( :‬وأن محمدا رسـول ال) ونسـبه إلى‬ ‫الشيخين‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬وتبعه على وهمه‪ :‬صاحب تيسير الوصول‪ ،‬وتبعهما على الوهم‪ :‬الجلل في ضوء النهار‪،‬‬ ‫وزاد‪ :‬أنه لفظ البخاري‪ ،‬ولفظ البخاري كما قاله المصنف‪ ،‬فتنبه‪.‬‬ ‫(ثم ليتخير من الدعاء أعجبَ ُه إليه فيدعو‪ .‬متفق عليه واللفظ للبخاري) قال البزار‪ :‬أصح حديث عندي في التشهد‬ ‫حد يث ا بن م سعود‪ ،‬يروى ع نه من ن يف وعشر ين طريقا‪ ،‬ول نعلم روى عن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في‬ ‫التشهد أثبت منه‪ ،‬ول أصح إسنادا‪ ،‬ول أثبت رجالً‪ ،‬ول أشد تظافرا بكثرة السانيد والطرق‪ .‬وقال مسلم‪ :‬إنما‬ ‫أجمع الناس على تشهد ابن مسعود؛ لن أصحابه ل يخالف بعضهم بعضا‪ ،‬وغيره قد اختلف عنه أصحابه‪ .‬وقال‬ ‫محمد بن يحيى الذهلي‪ :‬هو أصح ما روى في التشهد‪ .‬وقد روى حديث التشهد أربعة وعشرون صحابيا‪ ،‬بألفاظ‬ ‫مختلفة‪ ،‬اختار الجماهير منها حديث ابن مسعود‪.‬‬ ‫والحديث فيه دللة على وجوب التشهد لقوله‪" :‬فليقل"‪ ،‬وقد ذهب إلى وجوبه أئمة من الل‪ ،‬وغيرهم من العلماء‪،‬‬ ‫وقالت طائفة‪ :‬إنه غير واجب لعدم تعليمه المسيء صلته‪ .‬ثم اختلفوا في اللفاظ التي تجب عند من أوجبه‪ ،‬أو‬ ‫ع ند من قال‪ :‬إ نه سنة‪ .‬و قد سمعت أرجح ية حد يث ا بن م سعود‪ ،‬و قد اختاره الك ثر‪ ،‬ف هو الر جح‪ .‬و قد ر جح‬ ‫جماعة غيره من ألفاظ التشهد الواردة عن الصحابة‪ ،‬وزاد ابن أبي شيبة قول‪" :‬وحده ل شريك له" في حديث ابن‬ ‫مسعود من رواية أبي عبيدة عن أبيه‪ ،‬وسنده ضعيف‪ ،‬لكن ثبتت هذه الزيادة من حديث أبي موسى عند مسلم‪،‬‬ ‫وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ‪ ،‬وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني‪ ،‬إل أنه بسند ضعيف‪ ،‬وفي سنن‬ ‫أبي داود‪ :‬قال[اث] ابن عمر[‪/‬اث]‪ :‬زدت فيه‪" :‬وحده ل شريك له"‪ .‬وظاهره‪ :‬أنه موقوف على ابن عمر‪.‬‬ ‫وقوله‪ " :‬ثم ليتخ ير من الدعاء أعج به"‪ .‬زاد أ بو داود‪" :‬فيد عو به" ونحوه للن سائي من و جه ا خر بل فظ‪" :‬فليدع"‪.‬‬ ‫وظاهره الوجوب أيضا للمر به‪ ،‬وأنه يدعو بما شاء من خيري الدنيا والخرة‪ .‬وقد ذهب إلى وجوب الستعاذة‬ ‫التية‪ :‬طاوس‪ ،‬فإنه أمر ابنه بالعادة للصلة؛ لما لم يتعوذ من الربع التي ذكرها‪ ،‬وبه قال بعض الظاهرية‪.‬‬ ‫وقال ابـن حزم‪ :‬ويجـب أيضا فـي التشهـد الول‪ ،‬والظاهـر مـع القائل بالوجوب‪ ،‬وذهـب الحنفيـة‪ ،‬والنخعـي‪،‬‬ ‫وطاوس‪ :‬إلى أنه ل يدعو في الصلة إل بما يوجد في القران‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬ل يدعو إل بما كان مأثورا‪ ،‬ويرد‬ ‫القولين‪ :‬قوله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ثم ليتخير من الدعاء أعجبه" وفي لفظ‪" :‬ما أحب"‪ ،‬وفي لفظ للبخاري‪" :‬من‬ ‫الثناء ما شاء" فهو إطلق للداعي أن يدعو بما أراد‪ .‬وقال ابن سيرين‪ :‬ل يدعو في الصلة إل بأمر الخرة‪ .‬وقد‬ ‫‪64‬‬

‫أخرج سعيد بن من صور من حد يث ابن م سعود‪ :‬فعلم نا التشهد في ال صلة‪ :‬أي النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ثم‬ ‫يقول‪ :‬إذا فرغ أحدكم من التشهد فليقل‪ :‬اللهم إني أسألك من الخير ما علمت منه وما لم أعلم‪ ،‬وأعوذ بك من‬ ‫الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم‪ ،‬اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون‪ ،‬وأعوذ بك من‬ ‫شيَاطِي نُ عَلَى مُلْ كِ سَُل ْيمَانَ َومَا كَ َفرَ سَُل ْيمَانُ وَلَـكِنّ‬ ‫شر ما استعاذك منه عبادك الصالحون‪{ ،‬وَا ّت َبعُو ْا مَا َتتْلُو ْا ال ّ‬ ‫حتّى‬ ‫حدٍ َ‬ ‫ن َأ َ‬ ‫ل هَارُو تَ َومَارُو تَ َومَا ُيعَّلمَا نِ ِم ْ‬ ‫ن ِببَابِ َ‬ ‫حرَ َومَآ ُأ ْنزِلَ عَلَى ا ْلمََل َكيْ ِ‬ ‫سْ‬ ‫ن النّا سَ ال ّ‬ ‫شيْاطِي نَ َك َفرُواْ ُيعَّلمُو َ‬ ‫ال ّ‬ ‫حدٍ ِإلّ‬ ‫ن َأ َ‬ ‫ن ا ْل َمرْءِ َوزَ ْوجِ هِ َومَا هُم بِضَآرّي نَ ِب هِ مِ ْ‬ ‫ن ِم ْنهُمَا مَا يُ َفرّقُو نَ ِب هِ َبيْ َ‬ ‫ن ِف ْتنَةٌ فَلَ َتكْ ُفرْ َف َي َتعَّلمُو َ‬ ‫يَقُولَ ِإ ّنمَا َنحْ ُ‬ ‫شرَوْاْ بِهِ‬ ‫س مَا َ‬ ‫ن خَلَقٍ وََل ِبئْ َ‬ ‫ش َترَا ُه مَا لَ ُه فِي الخِرَ ِة مِ ْ‬ ‫ضرّهُمْ َولَ يَن َف ُعهُمْ وَلَ َقدْ عَِلمُو ْا َلمَنِ ا ْ‬ ‫ن مَا َي ُ‬ ‫ن اللّهِ َو َي َتعَّلمُو َ‬ ‫ِبِإذْ ِ‬ ‫س ُهمْ َلوْ كَانُو ْا َيعَْلمُونَ} الية‪.‬‬ ‫َأنْ ُف َ‬ ‫و من أدلة وجوب التش هد ما أفاده قوله‪( :‬وللن سائي) أي من حد يث ا بن م سعود‪( :‬ك نا نقول ق بل أن يفرض علي نا‬ ‫التشهد) حذف المصنف تمامه وهو‪" :‬السلم على ال‪ ،‬السلم على جبريل‪ ،‬وميكائيل‪ ،‬فقال رسول ال صَلّى ال‬ ‫عََليْه ِـ وَس َـلّم‪ :‬ل تقولوا هذا‪ ،‬ولكـن قولوا‪ :‬التحيات‪ .‬إلى اخره"‪ .‬ففـي قوله‪ :‬يفرض عليـه‪ :‬دليـل اليجاب‪ ،‬إل أنـه‬ ‫أخرج النسائي هذا الحديث من طريق ابن عيينة‪ .‬قال ابن عبد البر في الستذكار‪ :‬تفرد ابن عيينة بذلك‪ ،‬وأخرج‬ ‫مثله‪ :‬الدارقطني‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وصححاه‪.‬‬ ‫(ولحمد) أي من حديث ابن مسعود وهو من أدلة الوجوب أيضا‪( :‬أن النبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم علّمه التشهد‪،‬‬ ‫وأمره أن يعلم هُ الناس) أخر جه أح مد عن ا بن عبيدة عن ع بد ال قال‪" :‬عل مه ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬ ‫التشهد‪ ،‬وأمره أن يعلمه الناس‪ :‬التحيات وذكره إلخ"‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يُعّلمُنا التّشهدَ‪" :‬التحيات المُباركا تُ ال صلوات‬ ‫ولم سْلمٍ عن ا بن عباس قالَ‪ :‬كا نَ ر سو ُ‬ ‫طيّبات ل ــــ إلى اخرِهِ"‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫ن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يُعّلمُنا التّشهد‪" :‬التحيات المُباركات الصوات‬ ‫(ولم سْلمٍ عن ابن عباس قالَ‪ :‬كا َ‬ ‫طيّبات ل ــــ إلى اخرِهِ")‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫تمامه‪" :‬السلم عليك أيها النبي ورحمة ال وبركاته‪ ،‬السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين‪ ،‬أشهد أن ل إله إل‬ ‫ال‪ ،‬وأشهد أن محمدا رسول ال" هذا لفظ مسلم‪ ،‬وأبي داود‪ ،‬ورواه الترمذي‪ ،‬وصححه كذلك‪ ،‬لكنه ذكر السلم‬ ‫منكرا‪ ،‬ورواه ا بن ما جه كم سلم‪ ،‬لك نه قال‪" :‬وأشهـد أن محمدا عبده ور سوله" ورواه الشاف عي‪ ،‬وأح مد‪ :‬بتنك ير‬ ‫ال سلم أيضا‪ ،‬وقال ف يه‪" :‬وأن محمدا"‪ ،‬ولم يذكرا‪ :‬أش هد‪ ،‬وف يه زيادة‪ :‬المباركات‪ ،‬وحذف الواو من‪ :‬ال صلوات‬ ‫و من الطيبات‪ .‬و قد اختار الشاف عي‪ :‬تش هد ا بن عباس هذا‪ .‬قال الم صنف‪ :‬إ نه قال الشاف عي ل ما ق يل له‪ :‬ك يف‬ ‫صرت إلى حد يث ا بن عباس في التش هد؟ قال‪ :‬ل ما رأي ته وا سعا‪ ،‬و سمعته عن ا بن عباس صحيحا‪ ،‬كان عندي‬ ‫أجمع وأكثر لفظا من غيره‪ ،‬فأخذت به‪ ،‬غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح‪.‬‬ ‫ع َب ْيدٍ ر ضي ال عن هُ قالَ‪ :‬سمع ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم رجلً يد عو في صلته‪ ،‬ولم‬ ‫و عن فَضال َة بن ُ‬ ‫ي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬فقال‪" :‬ع جل هذا" ثمّ دعا هُ‪ ،‬فقالَ‪" :‬إذا صلى أحدكم فلْيبدأ‬ ‫يحْ مد ال‪ ،‬ولم ي صل على النب ّ‬ ‫بتحم يد ربّ ه والثناء عل يه‪ ،‬ثمّ ي صلي على ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬ثمّ يد عو ب ما شاءَ" روا ُه أح مد والثل ثة‪،‬‬ ‫حبّان‪ ،‬والحاكم‪.‬‬ ‫وصحّح ُه الترمذي‪ ،‬وابن ِ‬ ‫(وعن فضالة) بفتح الفاء بزنة سحابة‪ ،‬هو أبو محمد‪ :‬فضالة (بن عبيد) بصيغة التصغير لعبد‪ ،‬أنصاري أوسي‪.‬‬ ‫أول مشاهده أحد‪ ،‬ثم شهد ما بعدها‪ ،‬وبايع تحت الشجرة‪ ،‬ثم انتقل إلى الشام‪ ،‬وسكن دمشق‪ ،‬وتولى القضاء بها‪،‬‬ ‫ومات بها‪ ،‬وقيل غير ذلك‪.‬‬ ‫(قال‪ :‬سمع رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم رجلً يدعو في صلته‪ ،‬ولم يحمد ال‪ ،‬ولم يصل على النبي صَلّى‬ ‫ال عََليْهِ وَسَلّم فقال‪ :‬عجل هذا) أي‪ :‬بدعائه قبل تقديم المرين (ثم دعاه‪ ،‬فقال‪ :‬إذا صلى أحدكمْ ف ْليَبدأ بتحميدِ ربّه‬ ‫والثناءِ عليه) هو عطف تفسيري‪ ،‬ويحتمل أن يراد بالتحميد‪ :‬نفسه‪ ،‬وبالثناء‪ :‬ما هو أعم) أي‪ :‬عبارة‪ ،‬فيكون من‬ ‫ع طف العام على الخاص (ث مّ ي صلي) هو خبر محذوف‪ :‬أي ثم ي صلي ع طف جملة على جملة‪ ،‬فلذا لم تجزم‬ ‫(على ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬ثم يد عو ب ما شاء) من خ ير الدن يا والخرة (رواه أح مد‪ ،‬والثل ثة‪ ،‬و صححه‬ ‫الترمذي‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬والحاكم)‪.‬‬ ‫الحديث دليل‪ :‬على وجوب ما ذكر من التحميد والثناء‪ ،‬والصلة عليه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬والدعاء بما شاء‪،‬‬ ‫وهو موافق في المعنى‪ :‬لحديث ابن مسعود وغيره‪ ،‬فإن أحاديث التشهد تتضمن ما ذكر من الحمد والثناء‪ ،‬وهي‬ ‫مبي نة ل ما أجمله هذا‪ .‬ويأ تي الكلم في ال صلة عل يه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وهذا إذا ث بت‪ :‬أن هذا الدعاء الذي‬ ‫سمعه النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم من ذلك الرجل‪ ،‬كان في قعدة التشهد‪ ،‬وإل فليس في هذا الحديث دليل على أنه‬ ‫‪65‬‬

‫كان ذلك حال قعدة التشهد‪ ،‬إل أن ذكر المصنف له هنا يدل على أنه كان في قعود التشهد‪ ،‬وكأنه عرف ذلك من‬ ‫جدُو نَ وَِليّا َولَ نَ صِيرا}‬ ‫سياقه‪ .‬وفيه دليل على تقديم الوسائل بين يدي المسائل وهي نظير {خَاِلدِي نَ فِيهَآ َأبَدا لّ َي ِ‬ ‫(فكيف نصلي عليك؟ فسكت) أي رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وعند أحمد‪ ،‬ومسلم زيادة‪" :‬حتى تمنينا أنه لم‬ ‫ي سأله" ( ثم قال‪ :‬قولوا‪ :‬الل هم صلى على مح مد وعلى ال مح مد‪ ،‬ك ما صليت على إبراه يم‪ ،‬وبارك على مح مد‬ ‫وعلى ال محمد‪ ،‬كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ)‪.‬‬ ‫الحميد‪ :‬صيغة مبالغة فعيل بمعنى مفعول‪ ،‬يستوي فيه المذكر والمؤنث‪ .‬أي إنك محمود بمحامدك اللئقة بعظمة‬ ‫شأ نك‪ ،‬و هو تعل يل لطلب ال صلة‪ ،‬أي‪ :‬ل نك محمود‪ ،‬و من محامدك‪ :‬إفاض تك أنواع العنايات‪ ،‬وزيادة البركات‬ ‫على نبيك‪ ،‬الذي تقرب إليك بامتثال ما أهلته له من أداء الرسالة‪ ،‬ويحتمل أن حميدا بمعنى‪ :‬حامد‪ :‬أي أنك حامد‬ ‫من ي ستحق أن يح مد‪ ،‬ومح مد من أ حق عبادك بحمدك‪ ،‬وقبول دعاء من يد عو له‪ ،‬ولله‪ ،‬وهذا أن سب بالمقام‪،‬‬ ‫"مجيد" مبالغة ماجد‪ ،‬والمجد‪ :‬الشرف‪.‬‬ ‫(والسلم كما علمتم) بالبناء للمجهول وتشديد اللم‪ ،‬وفيه رواية بالبناء للمعلوم وتخفيف اللم (رواه مسلم‪ .‬وزاد‬ ‫ابـن خزيمـة‪ :‬فكيـف نصـلي عليـك إذا نحـن صـلينا عليـك فـي صـلتنا)‪ .‬وهذه الزيادة رواهـا أيضا ابـن حبان‪،‬‬ ‫والدارقطني‪ ،‬والحاكم‪ ،‬وأخرجها أبو حاتم‪ ،‬وابن خزيمة في صحيحيهما‪ ،‬وحديث الصلة أخرجه الشيخان‪ :‬عن‬ ‫كعب بن عجرة عن أبي حميد الساعدي‪ ،‬وأخرجه البخار يّ‪ :‬عن أبي سعيد‪ ،‬والنسائي‪ :‬عن طلحة‪ ،‬والطبراني‪:‬‬ ‫عن سهل بن سعد‪ ،‬وأحمد والنسائي‪ :‬عن زيد بن خارجة‪.‬‬ ‫والحديث دليل على وجوب الصلة عليه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم في الصلة؛ لظاهر المر‪ ،‬أعني‪" :‬قولوا" وإلى هذا‬ ‫ذ هب جما عة من ال سلف‪ ،‬والئ مة‪ ،‬والشاف عي‪ ،‬وإ سحق‪ ،‬ودليل هم‪ :‬الحد يث مع زياد ته الثاب تة‪ ،‬ويقت ضي أيضا‬ ‫وجوب الصلة على الل‪ ،‬وهو قول الهادي‪ ،‬والقاسم‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬ول عذر لمن قال‪ :‬بوجوب الصلة عليه‬ ‫ل بهذا الحديث من القول‪ :‬بوجوبها على الل‪ ،‬إذ المأمور به واحد‪ ،‬ودعوى النووي‪،‬‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم مستد ً‬ ‫وغيره الجماع على أن الصلة على الل مندوبة‪ :‬غير مسلمة‪ ،‬بل نقول‪ :‬الصلة عليه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ل‬ ‫ت تم‪ ،‬ويكون الع بد ممتثلً ب ها‪ ،‬ح تى يأ تي بهذا الل فظ النبوي الذي ف يه ذ كر الل؛ ل نه قال ال سائل‪" :‬ك يف ن صلي‬ ‫عليك" فأجابه بالكيفية‪ :‬أنها الصلة عليه وعلى اله‪ ،‬فمن لم يأت بالل‪ ،‬فما صلى عليه بالكيفية التي أمر بها‪ ،‬فل‬ ‫يكون ممتثلً للمر‪ ،‬فل يكون مصليا عليه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ .‬وكذلك بقية الحديث‪ :‬من قوله‪" :‬كما صليت إلى‬ ‫اخره" يجب؛ إذ هو من الكيفية المأمور بها‪ ،‬ومن فرق بين ألفاظ هذه الكيفية‪ ،‬بإيجاب بعضها‪ ،‬وندب بعضها‪ ،‬فل‬ ‫دليل له على ذلك‪.‬‬ ‫وأمـا اسـتدلل المهدي فـي البحـر على‪ :‬أن الصـلة على الل سـنة‪ :‬بالقياس على الذان؛ فإنهـم لم يذكروا معـه‬ ‫صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم فيه‪ ،‬فكلم باطل‪ ،‬فإنه كما قيل‪ :‬ل قياس مع النص‪ ،‬لنه ل يذكر الل في تشهد الذان ل‬ ‫ندبا ول وجوبا‪ ،‬ول نه ل يس في الذان دعاء له صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬بل شهادة بأ نه ر سول ال‪ ،‬والل لم يأت‬ ‫تعبد بالشهادة بأنهم اله‪.‬‬ ‫ومن هنا تعلم‪ :‬أن حذف لفظ الل من الصلة‪ ،‬كما يقع في كتب الحديث ليس على ما ينبغي‪ .‬وكنت سئلت عنه‬ ‫قديما فأجبت‪ :‬أنه قد صح عند أهل الحديث بل ريب كيفية الصلة على النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪ ،‬وهم رواتها‪،‬‬ ‫وكأنهم حذفوها خطأ؛ تقية لما كان في الدولة الموية من يكره ذكرهم‪ .‬ثم استمر عليه عمل الناس متابعة من‬ ‫الخر للول‪ ،‬فل وجه له‪ ،‬وبسطت هذا الجواب في حواشي شرح العمدة بسطا شافيا‪.‬‬ ‫وأ ما من هم الل‪ ،‬ف في ذلك أقوال‪ :‬ال صح‪ :‬أن هم من حر مت علي هم الزكاة‪ ،‬فإ نه بذلك ف سرهم ز يد بن أر قم‪،‬‬ ‫والصـحابي أعرف بمراده ص َـلّى ال عََليْه ِـ وَس َـلّم‪ ،‬فتفسـيره قرينـة على تعييـن المراد مـن اللفـظ المشترك‪ ،‬وقـد‬ ‫فسرهم‪ :‬بال علي‪ ،‬وال جعفر‪ ،‬وال عقيل‪ ،‬وال العباس‪.‬‬ ‫فإن ق يل‪ :‬يحت مل أن يراد بقوله‪" :‬إذا ن حن صلينا عل يك في صلتنا" أي إذا ن حن دعو نا لك في دعائ نا‪ ،‬فل يدل‬ ‫على إيجاب الصلة عليه في الصلة‪ .‬قلت‪ :‬الجواب من وجهين‪ :‬الول‪ :‬المتبادر في لسان الصحابة من الصلة‬ ‫في قوله‪" :‬صلتنا"‪ :‬الشرعية‪ ،‬ل اللغوية‪ ،‬والحقيقة العرفية مقدمة إذا ترددت بين المعنيين‪ .‬الثاني‪ :‬أنه قد ثبت‬ ‫وجوب الدعاء في اخر التشهد‪ ،‬كما عرفت من المر به‪ ،‬والصلة عليه صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قبل الدعاء واجبة؛‬ ‫لما عرفت من حديث فضالة‪ ،‬وبهذا يتم إيجاب الصلة عليه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بعد التشهد‪ :‬قبل الدعاء الدالّ‬ ‫على وجوبه‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫س َت ِعذْ بال مِ ْ‬ ‫ن‬ ‫ل ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا تش ّهدَ أحدُ كم ف ْليَ ْ‬ ‫و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قا َ‬ ‫ب جهنّم‪ ،‬ومن عذاب القبر‪ ،‬ومن فتنة المحيا والممات‪ ،‬ومن فتنة المسيحِ‬ ‫ن عذا ِ‬ ‫أربعٍ‪ ،‬يقولُ‪ :‬الّل ُهمّ إني أعو ُذ بكَ مِ ْ‬ ‫ال ّدجّالِ" متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫وفي رواية لمسلم‪ :‬إذا فرغ أحدكم من التشهد الخير‪.‬‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬إذا تشهد أحدكم) مطلق في التشهد‬ ‫الو سط‪ ،‬والخير (فليستعذ بال من أربع) بينها بقوله‪( :‬يقول‪ :‬اللهم إني أعوذُ بك من عذاب جهنم ومن عذاب‬ ‫القبر‪ ،‬ومن فتنة المحيا والممات‪ ،‬ومن فتنة المسيح الدجال‪ .‬متفق عليه‪ .‬وفي رواية لمسلم‪ :‬إذا فرَ غَ أحدكُ مْ من‬ ‫التش هد الخ ير) هذه الروا ية قيدت إطلق الولى‪ ،‬وأبا نت أن ال ستعاذة المأمور ب ها ب عد التش هد الخ ير‪ .‬ويدل‬ ‫التعقيب بالفاء أنها تكون قبل الدعاء المخير فيه بما شاء‪.‬‬ ‫والحديث‪ :‬دليل على وجوب الستعاذة مما ذكر‪ ،‬وهو مذهب الظاهرية‪ .‬وقال ابن حزم منهم‪ :‬ويجب أيضا في‬ ‫التشهد الول عملً منه بإطلق اللفظ المتفق عليه‪ ،‬وأمر طاوس ابنه بإعادة الصلة لما لم يستعذ فيها؛ فإنه يقول‬ ‫بالوجوب‪ ،‬وبطلن صلة من تركها‪ ،‬والجمهور حملوه على الندب‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬دللة على ثبوت عذاب القبر‪ .‬والمراد من فتنة المحيا‪ :‬ما يعرض للنسان مدة حياته من الفتتان بالدنيا‪،‬‬ ‫والشهوات‪ ،‬والجهالت‪ .‬وأعظم ها ــــ والعياذ بال ــــ أ مر الخات مة ع ند الموت‪ .‬وق يل‪ :‬هي‪ :‬البتلء‬ ‫مع عدم الصبر‪ .‬وفتنة الممات‪ ،‬قيل‪ :‬المراد بها الفتنة عند الموت؛ أضيفت إليه لقربها منه‪ ،‬ويجوز أن يراد بها‬ ‫فتنة القبر‪ ،‬وقيل‪ :‬أراد بها السؤال مع الحيرة‪ ،‬وقد أخرج البخاري‪" :‬إنكم تفتنون في قبوركم مثل‪ ،‬أو قريبا من‬ ‫فتنة الدجال" ول يكون هذا تكريرا لعذاب القبر؛ لن عذاب القبر متفرع على ذلك‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬فتنـة المسـيح الدجال" قال العلماء أهـل اللغـة‪ :‬الفتنـة‪ :‬المتحان‪ ،‬والختبار‪ ،‬وقـد يطلق على‪ :‬القتـل‪،‬‬ ‫والحراق‪ ،‬والته مة‪ ،‬وغ ير ذلك‪ ،‬والم سيح بف تح الم يم وتخف يف ال سين المهملة‪ ،‬واخره حاء مهملة‪ ،‬وف يه ض بط‬ ‫ا خر‪ ،‬وهذا ال صح‪ ،‬ويطلق على الدجال‪ ،‬وعلى عي سى‪ ،‬ول كن إذا أر يد به الدجال‪ :‬ق يد با سمه‪ .‬سمي الم سيح؛‬ ‫لم سحه الرض‪ ،‬وق يل‪ :‬ل نه مم سوح الع ين‪ .‬وأ ما عي سى فق يل له‪ :‬الم سيح؛ ل نه خرج من ب طن أ مه مم سوحا‬ ‫بالدهن‪ ،‬وقيل‪ :‬لن زكريا مسحه‪ .‬وقيل‪ :‬لنه كان ل يمسح ذا عاهة إل برأ‪ .‬وذكر صاحب القاموس‪ :‬أنه جمع‬ ‫في وجه تسميته بذلك خمسين قولً‪.‬‬ ‫و عن أ بي بكْر ال صّديق ر ضي ال ع نه أن ُه قال لر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬عّلمْ ني دُعاءً أدْ عو به في‬ ‫صلتي‪ ،‬قال‪" :‬قلْ‪" :‬الل هم إ ني ظلَمْت نف سي ظلما كثيرا‪ ،‬ول يغْ ِف ُر الذنو بَ إلّا أ نت‪ ،‬فاغْ فر لي مغفر ًة من عندك‬ ‫وارحمني‪ ،‬إنك أنت الغفور الرحيم" متّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫(و عن أ بي ب كر ال صديق ر ضي ال ع نه‪ :‬أ نه قال لر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪ :‬علم ني دعاء أد عو به في‬ ‫صلتي‪ ،‬قال‪ :‬قل‪ :‬اللهُ مّ إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا) يروى بالمثلثة وبالموحدة فيخير الداعي بين اللفظين‪ ،‬ول‬ ‫يجمع بينهما‪ ،‬لنه لم يرد إل أحدهما (ول يغفر الذنوب إل أنت) إقرار بالوحدانية (فاغفر لي) استجلب للمغفرة‬ ‫(مغفِرة) نكرها للتعظيم‪ :‬أي مغفرة عظيمة‪ ،‬وزادها تعظيما بوصفها بقوله‪( :‬من عندك) ؛ لن ما يكون من عنده‬ ‫تعالى ل تح يط بو صفه عبارة (وارحم ني إ نك أ نت الغفور الرح يم) تو سل إلى ن يل مغفرة ال ورحم ته ب صفتي‬ ‫غفرانه‪ ،‬ورحمته (متفق عليه)‪.‬‬ ‫الحديث دليل على شرعية الدعاء في الصلة على الطلق من غير تعيين محل له‪ ،‬ومن محلته بعد التشهد‪،‬‬ ‫والصلة عليه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪ ،‬والستعاذة لقوله‪" :‬فليتخير من الدعاء ما شاء" والقرار بظلم نفسه‪ :‬اعتراف‬ ‫بأنه ل يخلو أحد من البشر عن ظلم نفسه‪ :‬بارتكابه ما نهى عنه‪ ،‬أو تقصيره عن أداء ما أمر به‪ .‬وفيه‪ :‬التوسل‬ ‫إلى ال تعالى بأسمائه عند طلب الحاجات‪ ،‬واستدفاع المكروهات‪ ،‬وأنه يأتي من صفاته في كل مقام ما يناسبه‪،‬‬ ‫ت َربّنَا َلمّا جَآ َء ْتنَا َر ّبنَآ َأ ْفرِ غْ عََل ْينَا‬ ‫كلفظ الغفور الرحيم عند طلب المغفرة‪ ،‬ونحو‪َ { :‬ومَا تَنقِ مُ ِمنّآ ِإلّ أَ نْ آ َمنّا بِآيَا ِ‬ ‫صبْرا َو َت َوفّنَا ُمسِْلمِينَ} عند طلب الرزق‪ .‬والقران‪ ،‬والدعية النبوية‪ :‬مملوءة بذلك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وفي الحديث دليل على طلب التعليم من العالم‪ ،‬سيما في الدعوات المطلوب فيها جوامع الكلم‪.‬‬ ‫واعلم أنه قد ورد في الدعاء بعد التشهد ألفاظ غير ما ذكر‪ .‬أخرج النسائي عن جابر‪" :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫كان يقول في صلته بعد التشهد‪ :‬أحسن الكلم كلم ال‪ ،‬وأحسن الهدي هدى محمد"‪ ،‬وأخرج أبو داود عن ابن‬ ‫مسعود‪" :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان يعلمهم من الدعاء بعد التشهد‪ :‬اللهم ألّف على الخير بين قلوبنا‪ ،‬وأصلح‬ ‫ذات بيننا‪ ،‬واهدنا سبل السلم‪ ،‬ونجنا من الظلمات إلى النور‪ ،‬وجنبنا الفواحش والفتن‪ :‬ما ظهر منها وما بطن‪،‬‬ ‫‪67‬‬

‫وبارك لنا في أسماعنا‪ ،‬وأبصارنا‪ ،‬وقلوبنا‪ ،‬وأزواجنا‪ ،‬وذرياتنا‪ ،‬وتب علينا‪ ،‬إنك أنت التواب الرحيم‪ ،‬واجعلنا‬ ‫شاكرين لنعمتك‪ ،‬مثنين بها‪ ،‬قابليها‪ ،‬وأتمها علينا" أخرجه أبو داود‪ .‬وأخرج أبو داود أيضا‪ ،‬عن بعض الصحابة‪:‬‬ ‫أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال لر جل‪" :‬ك يف تقول في ال صلة؟" قال‪ :‬أتش هد‪ ،‬ثم أقول‪ :‬الل هم إ ني أ سألك الج نة‪،‬‬ ‫وأعوذ بك من النار‪ ،‬أما إني ل أحسن دندنتك‪ ،‬ول دندنة معاذ‪ ،‬فقال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬حول ذلك ندندن أنا‪،‬‬ ‫ومعاذ" ففيه أنه يدعو النسان بأيّ لفظ شاء‪ :‬من مأثور‪ ،‬وغيره‪.‬‬ ‫ن حُجر رضي ال عنه قال‪ :‬صَلّيت مع النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬فكان يسلّم عن يمينه‪" :‬السلم‬ ‫وعن وائل ب ُ‬ ‫عليكم ورحمة ال وبركاتُه" وعن شماله‪" :‬السلم عليكم ورحمةُ ال وبركاتهُ" رواهُ أبو داود بإسناد صحيح‪.‬‬ ‫(وعن وائل ب نُ حُجر رضي ال عنه قال‪ :‬صَلّيت مع النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬فكان يسلّم عن يمينه‪" :‬السلم‬ ‫عليكم ورحمة ال وبركاتُه" وعن شماله‪" :‬السلم عليكم ورحمةُ ال وبركاتهُ" رواهُ أبو داود بإسناد صحيح)‪.‬‬ ‫هذا الحديث أخرجه أبو داود من حديث علقمة بن وائل عن أبيه‪ ،‬ونسبه المصنف في التلخيص إلى عبد الجبار‬ ‫بن وائل‪ ،‬وقال‪ :‬لم ي سمع من أب يه‪ ،‬فأعله بالنقطاع‪ ،‬وه نا قال‪ :‬صحيح‪ ،‬وراجع نا سنن أ بي داود‪ ،‬فرأيناه‪ :‬رواه‬ ‫عن علقمة بن وائل عن أبيه‪ ،‬وقد صح سماع علقمة عن أبيه‪ ،‬فالحديث سالم عن النقطاع‪ ،‬فتصحيحه هنا هو‬ ‫الولى‪ ،‬وإن خالف ما في التلخيص‪.‬‬ ‫وحديث التسليمتين رواه خمسة عشر من الصحابة بأحاديث مختلفة‪ ،‬ففيها صحيح‪ ،‬وحسن‪ ،‬وضعيف‪ ،‬ومتروك‪،‬‬ ‫وكلها بدون زيادة‪" :‬وبركاته" إل في رواية وائل هذه‪ ،‬ورواية عن ابن مسعود‪ .‬وعند ابن ماجه‪ ،‬وعند ابن حبان‪،‬‬ ‫ومع صحة إسناد حديث وائل‪ ،‬كما قال المصنف هنا‪ :‬يتعين قبول زيادته؛ إذ هي زيادة عدل‪ ،‬وعدم ذكرها في‬ ‫رواية غيره ليست رواية لعدمها‪ .‬قال الشارح‪ :‬إنه لم ير من قال‪ :‬وجوب زيادة وبركاته‪ ،‬إل أنه قال‪ :‬قال المام‬ ‫يح يى‪ :‬إذا زاد وبركا ته ورضوا نه وكرام ته أجزأ‪ ،‬إذ هو زيادة فضيلة‪ ،‬و قد عر فت أن الوارد زيادة "وبركا ته"‪،‬‬ ‫وقد صحت ول عذر عن القول بها‪ ،‬وقال به السرخسي‪ ،‬والمام‪ ،‬والروياني في الحلية‪.‬‬ ‫وقول ابن الصلح‪ :‬إنها لم تثبت قد تعجب منه المصنف وقال‪ :‬هي ثابتة عند ابن حبان في صحيحه‪ ،‬وعند أبي‬ ‫داود‪ ،‬وع ند ا بن ما جه قال الم صنف‪ :‬إل أ نه قال ا بن ر سلن في شرح ال سنن‪ :‬لم نجد ها في ا بن ما جه‪ .‬قلت‪:‬‬ ‫راجعنا سنن ابن ماجه من نسخة صحيحة مقروءة فوجدنا فيه ما لفظه‪" :‬باب التسليم" حدثنا محمد بن عبد ال بن‬ ‫نمير حدثنا عمر بن عبيد عن ابن إسحاق عن الحوص عن عبد ال‪" :‬أن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان‬ ‫يسلم عن يمينه‪ ،‬وعن شماله‪ ،‬حتى يرى بياض خده‪ :‬السلم عليكم ورحمة ال وبركاته"‪ ،‬انتهى بلفظه‪ :‬وفي تلقيح‬ ‫الفكار تخر يج الذكار للحا فظ ا بن ح جر‪ :‬ل ما ذ كر النووي‪ :‬أن زيادة وبركا ته زيادة فردة‪ ،‬ساق الحا فظ طرقا‬ ‫عدة لزيادة "وبركاته" ثم قال‪ :‬فهذه عدة طرق ثبتت بها‪" :‬وبركاته" بخلف ما يوهمه كلم الشيخ أنها رواية فردة‪،‬‬ ‫انتهى كلمه‪.‬‬ ‫وح يث ث بت أن الت سليمتين من فعله صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم في ال صلة‪ ،‬و قد ث بت قوله‪ " :‬صلوا ك ما رأيتمو ني‬ ‫أصلي"‪ ،‬وثبت حديث‪" :‬تحريمها التكبير وتحليلها السلم" أخرجه أصحاب السنن بإسناد صحيح‪ ،‬فيجب التسليم‬ ‫لذلك‪ .‬و قد ذ هب إلى القول بوجو به الهادو ية‪ ،‬والشافع ية‪ .‬وقال النووي‪ :‬إ نه قول جمهور العلماء من ال صحابة‪،‬‬ ‫والتابعين‪ ،‬ومن بعدهم‪.‬‬ ‫وذهب الحنفية‪ ،‬واخرون إلى‪ :‬أنه سنة‪ ،‬مستدلين على ذلك بقوله صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم في حديث ابن عمر‪" :‬إذا‬ ‫ر فع المام رأ سه من ال سجدة وق عد ثم أحدث ق بل الت سليم‪ ،‬ف قد ت مت صلته" فدل على أن الت سليم ل يس بر كن‬ ‫واجب‪ ،‬وإل لوجبت العادة؛ ولحديث المسيء صلته؛ فإنه صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم لم يأمره بالسلم‪ .‬وأجيب عنه‪:‬‬ ‫بأن حد يث ا بن ع مر ضع يف باتفاق الحفاظ؛ فإ نه أخر جه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حد يث إ سناده ل يس بذاك القوي‪،‬‬ ‫وقد اضطربوا في إسناده‪ .‬وحديث المسيء صلته ل ينافي الوجوب؛ فإن هذه الزيادة‪ ،‬وهي مقبولة‪ ،‬والستدلل‬ ‫خ ْيرَ َلعَّلكُ مْ تُفِْلحُو نَ} على عدم وجوب‬ ‫ع ُبدُو ْا َربّكُ مْ وَا ْفعَلُواْ ا ْل َ‬ ‫جدُواْ وَا ْ‬ ‫سُ‬ ‫بقوله تعالى‪{ :‬يَأيّهَا اّلذِي نَ آ َمنُو ْا ا ْر َكعُواْ وَا ْ‬ ‫السلم‪ :‬استدلل غير تام؛ لن الية مجملة بيّن المطلوب منها فعله صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪ ،‬ولو عمل بها وحدها‬ ‫لما وجبت القراءة‪ ،‬ول غيرها‪.‬‬ ‫ودل الحديث‪ :‬على وجوب التسليم على اليمين واليسار‪ ،‬وإليه ذهبت الهادوية‪ ،‬وجماعة‪ ،‬وذهب الشافعي‪ :‬إلى أن‬ ‫الوا جب ت سليمة واحدة‪ ،‬والثان ية م سنونة‪ .‬قال النووي‪ :‬أج مع العلماء الذ ين يع تد ب هم‪ :‬أ نه ل ي جب إل ت سليمة‬ ‫واحدة‪ ،‬فإن اقت صر علي ها ا ستحب له أن ي سلم تلقاء وج هه‪ ،‬فإن سلم ت سليمتين‪ ،‬ج عل الولى عن يمي نه‪ ،‬والثان ية‬ ‫عن يساره‪ ،‬ولعل حجة الشافعي حديث عائشة‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم كان إذا أوتر بتسع ركعات‪ ،‬لم يقعد إل‬ ‫في الثامنة‪ ،‬فيحمد ال‪ ،‬ويذكره‪ ،‬ويدعو‪ ،‬ثم ينهض‪ ،‬ول يسلم‪ ،‬ثم يصلي التاسعة‪ ،‬فيجلس ويذكر ال ويدعو‪ ،‬ثم‬ ‫‪68‬‬

‫ي سلم ت سليمة" أخر جه ا بن حبان‪ ،‬وإ سناده على شرط م سلم‪ .‬وأج يب ع نه‪ :‬بأ نه ل يعارض حد يث الزيادة‪ ،‬ك ما‬ ‫عر فت من قبول الزيادة إذا كا نت من عدل‪ .‬وع ند مالك‪ :‬أن الم سنون ت سليمة واحدة‪ .‬و قد ب ين ا بن ع بد البر‪:‬‬ ‫ضعف أدلة هذا القول من الحاديث‪.‬‬ ‫وا ستدل المالك ية‪ :‬على كفا ية الت سليمة الواحدة‪ :‬بع مل أ هل المدي نة‪ ،‬و هو ع مل توارثوه كابرا عن كابر‪ .‬وأج يب‬ ‫عنه‪ :‬بأنه قد تقرر في الصول‪ :‬أن عملهم ليس بحجة‪ ،‬وقوله‪" :‬عن يمينه وعن شماله" أي منحرفا إلى الجهتين‬ ‫بحيث يرى بياض خده‪ ،‬كما ورد في رواية سعد‪" :‬رأيت رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم سلم عن يمينه وعن‬ ‫شماله‪ ،‬حتى كأني أنظر إلى صفحة خده" وفي لفظ‪" :‬حتى أرى بياض خده"‪ .‬أخرجه مسلم والنسائي‪.‬‬ ‫ل في ُدبُر كل صلة مكتوبة‪" :‬ل‬ ‫وعن المغيرة بن شعبة رضي ال عنه‪ :‬أن النبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كا نَ يقو ُ‬ ‫طيْ تَ‪ ،‬ول‬ ‫عَ‬ ‫إله إل ال وحدَه ل شري كَ ل هُ‪ ،‬ل هُ الملك ول هُ الح مد‪ ،‬و هو على كل ش يء قديرٌ‪ ،‬الل هم ل ما نع لِمَا أَ ْ‬ ‫ق عليه‪.‬‬ ‫ُمعْطيَ لما َم َنعْتَ‪ ،‬ول َينْفَ ُع ذا الجدّ منْك الجدّ" متف ٌ‬ ‫(و عن المغيرة بن شع بة‪ :‬أن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان يقول في دبر) قال في القاموس‪ :‬الدبر ب ضم الدال‬ ‫وبضمت ين‪ :‬نق يض الق بل من كل ش يء‪ ،‬عق به ومؤخره‪ ،‬وقال في الدبر محر كة الدال والباء بالف تح‪ :‬ال صلة في‬ ‫ا خر وقت ها‪ ،‬وت سكن الباء ول يقال بضمت ين؛ فإ نه من ل حن المحدث ين ( كل صلة مكتو بة‪ :‬ل إله إل ال وحده ل‬ ‫شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪ ،‬وهو على كل شيء قديرٌ‪ ،‬اللهم ل مانع لما أعطيت‪ ،‬ول معطي لما مَنعت) ووقع‬ ‫عند عبد بن حميد بعده‪" :‬ول راد لما قضيت" (ول ينفع ذا الجد منك الجدّ‪ .‬متفق عليه)‪ .‬زاد الطبراني من طريق‬ ‫أخرى عن المغيرة بعد قوله‪" :‬له الملك وله الحمد" ــــ "يحيي ويميت وهو حي ل يموت بيده الخير" ورواته‬ ‫موثوقون‪ ،‬وثبت مثله عند البزار‪ :‬من حديث عبد الرحمن بن عوف بسند صحيح‪ ،‬لكنه في القول‪ :‬إذا أصبح وإذا‬ ‫أمسى‪.‬‬ ‫ومع نى‪" :‬ل ما نع ل ما أعط يت"‪ :‬أن من قض يت له بقضاء من رزق‪ ،‬أو غيره‪ ،‬ل يمن عه أ حد ع نه‪ ،‬ومع نى‪" :‬ل‬ ‫معطي لما منعت"‪ :‬أنه من قضيت له بحرمان‪ ،‬ل معطى له‪ .‬والجد بفتح الجيم كما سلف‪ .‬قال البخاري‪ :‬معناه‬ ‫الغنـى‪ ،‬والمراد‪ :‬ل ينفعـه‪ ،‬ول ينجيـه حظـه فـي الدنيـا بالمال والولد والعظمـة والسـلطان‪ ،‬وإنمـا ينجيـه فضلك‬ ‫ورحمتك‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل على ا ستحباب هذا الدعاء ع قب ال صلوات‪ ،‬ل ما اشت مل على توح يد ال‪ ،‬ون سبة ال مر كله إل يه‪،‬‬ ‫والمنع‪ ،‬والعطاء‪ ،‬وتمام القدرة‪.‬‬ ‫ن َي َتعَ ّوذُ بهنّ ُدبُر كلّ صلة‪:‬‬ ‫وعن سعد بن أبي وقّاص رضي ال عنه‪ ،‬أن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كا َ‬ ‫"الل ُهمّ إني أعوذُ بك من البخلِ وأعو ُذ بك من الجبن‪ ،‬وأعوذُ بك من أن ُأ َردّ إلى َأ ْرذَلِ العمر‪ ،‬وأعو ُذ بك من فِ ْتنَةِ‬ ‫الدنيا‪ ،‬وأعوذُ بك من عذاب القبر" رواه البخاري‪.‬‬ ‫(و عن سعد بن أ بي وقاص رضي ال عنه‪ :‬أن ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان يتع ّو ُذ بهنّ ُدبُر كلّ صلة‬ ‫الل ُهمّ إنّي أعوذ بك) أي‪ :‬ألتجيء إليك (من ال ُبخْل) بضم الموحدة وسكون الخاء المعجمة‪ .‬وفيه لغات (وأعوذُ بك‬ ‫من الجبن) بزنة البخل (وأعو ُذ بك من أن أراد إلى أرذل العمر‪ ،‬وأعوذُ بك من فتنة الدنيا‪ ،‬وأعو ُذ بك من عذاب‬ ‫القبر‪ .‬رواه البخاري)‪.‬‬ ‫قوله‪ :‬دبر الصلة هنا‪ ،‬وفي الول‪ ،‬يحتمل‪ ،‬أنه قبل الخروج؛ لن دبر الحيوان منه‪ ،‬وعليه بعض أئمّة الحديث‪،‬‬ ‫ويحت مل‪ :‬أ نه بعد ها‪ ،‬و هو أقرب‪ .‬والمراد بال صلة ع ند الطلق‪ :‬المفرو ضة‪ .‬والتعوذ من الب خل قد ك ثر في‬ ‫الحاد يث‪ ،‬ق يل‪ :‬والمق صود م نه‪ :‬م نع ما ي جب بذله من المال شرعا‪ ،‬أو عادة‪ .‬والج بن‪ :‬هو المها بة للشياء‪،‬‬ ‫والتأ خر عن فعل ها يقال م نه‪ :‬جبان‪ ،‬ك سحاب‪ :‬ل من قام به‪ ،‬والمتعوذ م نه هو‪ :‬التأ خر عن القدام بالن فس إلى‬ ‫الجهاد الواجـب‪ ،‬والتأخـر‪ :‬عـن المـر بالمعروف والنهـي عـن المنكـر‪ ،‬ونحـو ذلك‪ .‬والمراد مـن الرد إلى أرذل‬ ‫العمر‪ :‬هو بلوغ الهرم والخرف حتى يعود‪ ،‬كهيئته الولى في أوان الطفولية‪ ،‬ضعيف البنية‪ ،‬سخيف العقل‪ ،‬قليل‬ ‫الفهم‪ .‬وأما فتنة الدنيا‪ ،‬فهي‪ :‬الفتتان بشهواتها وزخارفها‪ ،‬حتى تلهيه عن القيام بالواجبات‪ ،‬التي خلق لها العبد‪،‬‬ ‫جرٌ‬ ‫ل ُدكُ مْ فِ ْتنَةٌ وََأنّ اللّ هَ عِندَ ُه َأ ْ‬ ‫وهي عبادة بارئه وخالقه‪ ،‬وهو المراد من قوله تعالى‪{ :‬وَاعَْلمُو ْا َأ ّنمَآ َأمْوَاُلكُ مْ وَأَ ْو َ‬ ‫عظِيمٌ} وتقدم الكلم على عذاب القبر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫[رح ‪]55‬ـــ و عن ثوبان رضي ال عن هُ قالَ‪ :‬كا نَ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم إذا انصرف من صلته‬ ‫استغفر ال ثلثا‪ ،‬وقال‪" :‬اللهمّ أنت السّلم ومنك السلم‪ ،‬تباركت يا ذا الجلل والكرام" رواه مسلم‪.‬‬ ‫(و عن ثوبان ر ضي ال ع نه قال‪ :‬كان ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم إذا ان صرف من صلته) أي سلم من ها‬ ‫(ا ستغفر ال ثلثا) بل فظ‪ :‬أ ستغفر ال‪ .‬و في الذكار للنووي‪ :‬ق يل للوزا عي‪ ،‬و هو أ حد رواة هذا الحد يث‪ :‬ك يف‬ ‫‪69‬‬

‫السـتغفار؟ قال‪ :‬تقول‪ :‬أسـتغفر ال أسـتغفر ال (وقال‪ :‬اللهُمّ أنـت السـلم ومنـك السـلم تباركـت يـا ذا الجلل‬ ‫والكرام‪ ،‬رواه مسلم)‪.‬‬ ‫وال ستغفار‪ :‬إشارة إلى أن الع بد ل يقوم ب حق عبادة موله؛ ل ما يعرض له من الو ساوس والخوا طر‪ ،‬فشرع له‬ ‫الستغفار تداركا لذلك‪.‬‬ ‫وشرع له‪ :‬أن يصف ربه بالسلم‪ ،‬كما وصف به نفسه‪ ،‬والمراد‪ :‬ذو السلمة من كل نقص وافة‪ ،‬مصدر وصف‬ ‫بـه للمبالغـة "ومنـك السـلم" أي منـك نطلب السـلمة مـن شرور الدنيـا والخرة‪ ،‬والمراد بقوله‪ :‬يـا ذا الجلل‬ ‫والكرام‪ :‬يـا ذا الغنـى المطلق والفضـل التام‪ ،‬وقيـل‪ :‬الذي عنده الجلل والكرام لعباده المخلصـين‪ ،‬وهـو مـن‬ ‫عظائم صفاته تعالى‪ ،‬ولذا قال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ألظوا ب يا ذا الجلل والكرام" و مر بر جل ي صلي و هو‬ ‫يقول‪ :‬يا ذا الجلل والكرام‪ ،‬فقال‪" :‬قد استجيب لك"‪.‬‬ ‫سبّح ال دُبر كل صلة ثلثا‬ ‫و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه عن ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪ " :‬من َ‬ ‫وثلث ين‪ ،‬وح مد ال ثلثا وثلث ين‪ ،‬وكبّر ال ثلثا وثلث ين‪ ،‬فتلك تِ سْعٌ وت سْعون‪ ،‬وقال تمام المائة‪ :‬ل إله إل ال‬ ‫ل شي ٍء قديرٌ‪ ،‬غفرَت خطاياه‪ ،‬ولوْ كان تْ ِمثْلَ َز َبدِ ال َبحْر"‬ ‫وحدَ ُه ل شري كَ َل هُ‪َ ،‬ل ُه المل كُ‪ ،‬وله الحمْد‪ ،‬وهو على ك ّ‬ ‫ن التكبير أربعٌ وثلثون‪.‬‬ ‫رواه مسلمٌ‪ ،‬وفي رواية أخرى‪ :‬أ ّ‬ ‫ل صلة ثلثا‬ ‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه عن ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪ :‬من سبّح ال ُدبُر ك ّ‬ ‫وثلث ين) يقول‪ :‬سبحان ال (وح مد ال ثلثا وثلث ين) يقول‪ :‬الح مد ل (و كبر ال ثلثا وثلث ين) يقول‪ :‬ال أ كبر‬ ‫(فتلك ت سعٌ وت سعون) عدد أ سماء ال الح سنى (وقال تمام المائة‪ :‬ل إله إل ال وحده ل شر يك له‪ ،‬ل ُه المُلْ كُ ول هُ‬ ‫الح ْمدُ‪ ،‬و ُهوَ على كلّ شيء قديرٌ‪ ،‬غُ ِفرَت خطاياه‪ ،‬ولو كانت مثل َزبَد البحر) وهو ما يعلو عليه عند اضطرابه‬ ‫(رواه م سلم‪ ،‬و في روا ية أخرى) لم سلم‪ ،‬عن أ بي هريرة‪( :‬أنّ الت كبير أرب عٌ وثلثون) و به ت تم المائة‪ ،‬فينب غي‬ ‫العمل بهذا تارة‪ ،‬وبالتهليل أخرى؛ ليكون قد عمل بالروايتين‪.‬‬ ‫وأما الجمع بينهما‪ ،‬كما قال الشارح‪ ،‬وسبقه غيره‪ ،‬فليس بوجه؛ لنه لم يرد الجمع بينهما‪ ،‬ولنه يخرج العدد عن‬ ‫المائة‪ ،‬هذا‪.‬‬ ‫وللحديث سبب‪ ،‬وهو‪" :‬أن فقراء المهاجرين أتوا رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪ ،‬وقالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬قد ذهب‬ ‫أهل الدثور بالدرجات العُلى‪ ،‬والنعيم المقيم‪ ،‬فقال‪ :‬وما ذلك؟ قالوا‪ :‬يصلون كما نصلي‪ ،‬ويصومون كما نصوم‪،‬‬ ‫ويتصدقون ول نتصدق‪ ،‬ويعتقون ول نعتق‪ ،‬فقال رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم‪ :‬أفل أعلمكم شيئا‪ ،‬تدركون به‬ ‫من سبقكم‪ ،‬وتسبقون به من بعد كم‪ ،‬ول يكون أحد أفضل منكم‪ ،‬إل من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا بلى‪ :‬قال‪:‬‬ ‫سبحوا ال‪ .‬الحد يث" وكيف ية الت سبيح وأخو يه ك ما ذكرناه‪ .‬وق يل‪ :‬يقول‪ :‬سبحان ال والح مد ل‪ ،‬وال أ كبر ثلثا‬ ‫وثلثين‪.‬‬ ‫و قد ورد في البخاري من حد يث أ بي هريرة أيضا‪" :‬ي سبحون عشرا‪ ،‬يحمدون عشرا‪ ،‬وي كبرون عشرا"‪ .‬و في‬ ‫صـفة أخرى‪" :‬يسـبحون خمسـا وعشريـن تسـبيحة‪ ،‬ومثلهـا تحميدا‪ ،‬ومثلهـا تكـبيرا‪ ،‬ومثله ل إله إل ال وحده ل‬ ‫شريك له‪ ،‬له الملك‪ ،‬وله الحمد‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ ،‬فتتم المائة"‪.‬‬ ‫وأخرج أبو داود من حديث زيد بن أرقم‪" :‬كان رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يقول دبر كل صلة‪ :‬اللهم ربنا‬ ‫ورب كل شيء‪ ،‬أنا شهيد‪ :‬أنك أنت الرب وحدك ل شريك لك‪ ،‬اللهم ربنا ورب كل شيء‪ ،‬أنا شهيد‪ :‬أن محمدا‬ ‫صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم عبدك ورسولك‪ ،‬اللهم ربنا ورب كل شيء‪ ،‬أنا شهيد‪ :‬أن العباد كلهم إخوة‪ ،‬اللهم ربنا ورب‬ ‫كل شيء‪ ،‬اجعلني مخلصا لك وأهلي‪ ،‬في كل ساعة من الدنيا والخرة‪ ،‬يا ذا الجلل والكرام‪ ،‬استمع واستجب‪،‬‬ ‫ال أكبر ال أكبر‪ ،‬ال نور السموات والرض‪ ،‬ال أكبر الكبر‪ ،‬حسبي ال ونعم الوكيل‪ ،‬ال أكبر الكبر"‪.‬‬ ‫وأخرج أبو داود من حديث علي عليه السلم‪" :‬وكان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا سلم من الصلة قال‪:‬‬ ‫اللهم اغفر لي ما قدمت‪ ،‬وما أخرت‪ ،‬وما أسررت وما أعلنت‪ ،‬وما أسرفت‪ ،‬وما أنت أعلم به مني‪ ،‬أنت المقدم‬ ‫وأنت المؤخر‪ ،‬ل إله إل أنت" وأخرج أبو داود‪ ،‬والنسائي‪ :‬من حديث عقبة بن عامر‪" :‬أمرني رسول ال صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلة"‪ ،‬وأخرج مسلم من حديث البراء‪ :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان‬ ‫يقول بعد الصلة‪" :‬رب قني عذابك يوم تبعث عبادك"‪.‬‬ ‫وورد ب عد صلة المغرب‪ ،‬وب عد صلة الف جر‪ ،‬بخ صوصهما‪" :‬قول ل إله إل ال وحده ل شر يك له‪ ،‬له الملك‪،‬‬ ‫وله الحمد‪ ،‬وهو على كل شيء قدير عشر مرات" أخرجه أحمد‪ ،‬وهو زيادة على ما ذكر في غيرهما‪ ،‬وأخرج‬ ‫الترمذي عن أ بي ذر‪ :‬أن ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪ " :‬من قال في دبر صلة الف جر و هو ثان رجل يه‬ ‫ق بل أن يتكلم‪ :‬ل إله إل ال وحده ل شر يك له‪ ،‬له الملك‪ ،‬وله الح مد‪ ،‬يح يي ويم يت‪ ،‬و هو على كل ش يء قد ير‬ ‫‪70‬‬

‫عشر مرات‪ ،‬كتب ال له عشر حسنات‪ ،‬ومحا عنه عشر سيئات‪ ،‬ورفع له عشر درجات‪ ،‬وكان يومه ذلك في‬ ‫حرز من كل مكروه‪ ،‬وحرز من الشيطان‪ ،‬ولم ين بغ لذ نب أن يدر كه في ذلك اليوم‪ ،‬إل الشرك بال عزّ و جل"‪،‬‬ ‫وقال الترمذي‪ :‬غريب حسن صحيح‪ .‬وأخرجه النسائي من حديث معاذ‪ ،‬وزاد فيه‪" :‬بيده الخير" وزاد فيه أيضا‪:‬‬ ‫"وكان له بكل واحدة قالها‪ :‬عتق رقبة"‪.‬‬ ‫وأخرج الترمذي والنسائي من حديث عمارة بن شبيب قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬من قال‪ :‬ل إله‬ ‫إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪ ،‬يحيي ويميت‪ ،‬وهو على كل شيء قدير عشر مرات‪ ،‬على إثر‬ ‫المغرب‪ ،‬بعث ال له ملئكة يحفظونه من الشيطان الرجيم حتى يصبح‪ ،‬وكتب له بها عشر حسنات‪ ،‬ومحا عنه‬ ‫عشر سيئات موبقات‪ ،‬وكانت له بعدل عشر رقبات مؤمنات" قال الترمذي‪ :‬حسن ل نعرفه إل من حديث ليث بن‬ ‫سعد‪ ،‬ول نعرف لعمارة سماعا من النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪.‬‬ ‫وأما قراءة الفاتحة بنية كذا‪ ،‬وبنية كذا‪ ،‬كما يفعل الن‪ ،‬فلم يرد بها دليل‪ ،‬بل هي بدعة‪ .‬وأما الصلة على النبي‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بعد تمام التسبيح وأخويه من الثناء‪ ،‬فالدعاء بعد الذكر سنة‪ ،‬والصلة على النبي صَلّى ال‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم أمام الدعاء كذلك سنة‪ ،‬إنما العتياد لذلك‪ ،‬وجعله في حكم السنن الراتبة‪ ،‬ودعاء المام مستقبل القبلة‬ ‫مستدبرا للمأمومين‪ ،‬فلم يأت به سنة‪ ،‬بل الذي ورد‪ :‬أنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم كان يستقبل المأمومين إذا سلم‪ ،‬قال‬ ‫البخاري‪" :‬باب يستقبل المام الناس إذا سلم"‪ ،‬وورد في حديث سمرة بن جندب‪ ،‬وحديث زيد بن خالد‪" :‬كان إذا‬ ‫صلى أقبل علينا بوجهه"‪ ،‬وظاهره المداومة على ذلك‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ َل هُ‪" :‬أُو صِيك يا ُمعَاذُ‪ :‬ل تدعنّ ُد ُبرَ كل صلة أن‬ ‫وعن مُعاذ بن جبل‪ ،‬أنّ رسو َ‬ ‫ن عبادتك" روا ُه أحمدُ‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي بسند قوي‪.‬‬ ‫تقول‪ :‬اللهم أعني على ِذكْرك وشُكركَ وحسْ ِ‬ ‫(وعن معاذ بن جبل رضي ال عنه‪ :‬أن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال له‪ :‬أُوصيك يا معاذ ل تدعَنّ) هو‬ ‫نهي من ود عه‪ ،‬إل أنه هجر ماض يه في الك ثر‪ ،‬استغناء عنه بترك‪ ،‬وقد ورد قليلً وقرىء‪" :‬ما ود عك ربك"‬ ‫ل صلة أن تقول‪ :‬اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك‪ .‬رواه أحمد‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي بسند‬ ‫(دُبرَ ك ّ‬ ‫قوي) النهي أصله‪ :‬التحريم‪ ،‬فيدل على إيجاب هذه الكلمات دبر الصلة‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه نهى إرشاد‪ ،‬ول بد من قرينة‬ ‫على ذلك‪ .‬وقيل‪ :‬يحتمل أنها في حق معاذ نهي تحريم‪ ،‬وفيه بعد‪ .‬وهذه الكلمات عامة لخير الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ل صلةٍ‬ ‫ي ُدبُر ك ّ‬ ‫ن قرَأَ اية الكرس ّ‬ ‫ل رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬م ْ‬ ‫وعن أبي أُمامة رضي ال عنه قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫مكتوبةٍ لم يمنعه من ُدخُول الجّنةِ إلّا المَوْت"‪ .‬روا ُه النسائي‪ ،‬وصحيحه ابن حبّان‪.‬‬ ‫وزاد فيه الطّبراني‪" :‬وقُلْ ه َو ال أحدٌ"‪.‬‬ ‫(وعن أبي أمامة) هو إياس على الصح‪ ،‬كما قاله ابن عبد البر‪ ،‬ابن ثعلبة‪ ،‬الحارثي النصاري الخزرجي‪ ،‬لم‬ ‫يشهد بدرا‪ ،‬إل أنه عذره صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عن الخروج‪ ،‬لعلته بمرض والدته‪ .‬وأبو أمامة الباهلي‪ ،‬تقدم في‬ ‫أول الكتاب‪ ،‬فإذا أطلق فالمراد به‪ :‬هذا‪ ،‬وإذا أريد الباهلي‪ ،‬قيد به‪.‬‬ ‫ل صلة مكتوبة) أي مفروضة (لم ي ْم َنعْ هُ‬ ‫(قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪ :‬من قرأ اية الكرسي ُدبُر ك ّ‬ ‫من دخول الجنّة إل الموت‪ .‬رواه النسائي‪ ،‬وصححه ابن حبان‪ ،‬وزاد فيه الطبراني‪ :‬و"قُل هو ال أحدٌ") وقد ورد‬ ‫نحوه من حديث علي عليه السلم بزيادة‪ :‬من قرأها حين يأخذ مضجعه‪ ،‬أمنه ال على داره‪ ،‬ودار جاره‪ ،‬وأهل‬ ‫دويرات حوله‪ ،‬رواه البيه قي في ش عب اليمان‪ ،‬وض عف إ سناده‪ .‬وقوله‪" :‬لم يمن عه من دخول الج نة إل الموت"‬ ‫هـو على مضاف‪ :‬أي‪ :‬ل يمنعـه إل عدم موتـه‪ ،‬حذف لدللة المعنـى عليـه‪ .‬واختصـت ايـة الكرسـي بذلك؛ لمـا‬ ‫اشتملت عل يه من أ صول ال سماء‪ ،‬وال صفات الله ية‪ ،‬والوحدان ية‪ ،‬والحياة‪ ،‬والقيوم ية‪ ،‬والعلم‪ ،‬والملك‪ ،‬والقدرة‪،‬‬ ‫والرادة‪ .‬وقل هو ال أحد‪ :‬متمحضة لذكر صفات ال تعالى‪.‬‬ ‫وعن مالك بن الحُويرث رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬صلّوا كما رَأ ْي ُتمُوني أصلي"‬ ‫رواهُ البخاريّ‪.‬‬ ‫(وعن مالك بن الحُويرث رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬صلّوا كما رأَ ْي ُتمُوني أصلي"‬ ‫رواهُ البخاريّ)‪.‬‬ ‫هذا الحديث‪ :‬أصل عظيم في دللته‪ :‬على أن أفعاله صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم في الصلة‪ ،‬وأقواله‪ :‬بيان لما أجمل من‬ ‫المر بالصلة في القران‪ ،‬وفي الحاديث‪ ،‬وفيه دللة‪ :‬على وجوب التأسي به صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم فيما فعله في‬ ‫الصلة‪ ،‬فكل ما حافظ عليه من أفعالها‪ ،‬وأقوالها‪ ،‬وجب على المة‪ ،‬إل لدليل يخصص شيئا من ذلك‪ ،‬وقد أطال‬ ‫العلماء الكلم في الحديث‪ ،‬واستوفاه ابن دقيق العيد في شرح العمدة‪ ،‬وزدناه تحقيقا في حواشيها‪.‬‬ ‫‪71‬‬

‫عمْران بن حصين رضي ل عنه أنّ النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬صلّ قائما‪ ،‬فإن لم تَ سْتطع فقاعدا‪،‬‬ ‫وعن ِ‬ ‫جنْبٍ‪ ،‬وإل فأَوْم"‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬ ‫فإن لم تستطعْ فعلى َ‬ ‫(يتبع‪)...‬‬ ‫(تابع‪ :)1 ...‬واختلف العلماء في حكم تكبير النقل‪ :‬فقيل‪ :‬إنه واجب‪ ،‬وروي قولً لحمد‪... ...‬‬ ‫(وعـن عمران بـن حصـين رضـي ال عنـه قال‪ :‬صـلّ قائما‪ ،‬فإن لم تسـتطع) أي الصـلة قائما (فقاعدا فإن لم‬ ‫تسـتطع) أي وإن لم تسـتطع الصـلة قاعدا (فعلى جنْب‪ ،‬وإلّا) أي‪ :‬وإن لم تسـتطع الصـلة على جنـب (فأوْم) لم‬ ‫نجده في ن سخ بلوغ المرام من سوبا‪ ،‬و قد أخرج البخاري دون قوله‪" :‬وإل فأوْم" والن سائي‪ ،‬وزاد‪" :‬فإن لم ت ستطع‬ ‫فمستلق" ل يكلف ال نفسا إل وسعها وقد رواه الدارقطني من حديث علي عليه السلم بلفظ‪" :‬فإن لم تستطع أن‬ ‫تسجد أوم‪ ،‬واجعل سجودك أخفض من ركوعك‪ ،‬فإن لم يستطع أن يصلي قاعدا صلى على جنبه اليمن مستقبل‬ ‫القبلة‪ ،‬فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه اليمن‪ ،‬صلى مستلقيا رجله مما يلي القبلة" وفي إسناده ضعف‪ ،‬وفيه‬ ‫متروك‪.‬‬ ‫وقال الم صنف‪ :‬لم ي قع في الحد يث ذ كر اليماء‪ ،‬وإن ما أورده الراف عي‪ .‬قال‪ :‬ولك نه ورد في حد يث جابر‪" :‬إن‬ ‫ا ستطعت‪ ،‬وإل فأوم إيماء‪ ،‬واج عل سجودك أخ فض من ركو عك" أخر جه البزار‪ ،‬والبيه قي في المعر فة‪ .‬قال‬ ‫البزار‪ :‬وقد سئل عنه أبو حاتم‪ ،‬فقال‪ :‬الصواب عن جابر موقوفا‪ ،‬ورفعه خطأ‪ ،‬وقد روي أيضا من حديث ابن‬ ‫عمر‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وفي إسناديهما ضعف‪.‬‬ ‫والحديث دليل‪ :‬على أنه ل يصلي الفريضة قاعدا إل لعذر‪ ،‬وهو عدم الستطاعة‪ ،‬ويلحق به ما إذا خشي ضررا‬ ‫لقوله تعالى‪{ :‬وَاّلذِي نَ هُ مْ عَلَى صَلَوَا ِت ِهمْ ُيحَا ِفظُو نَ} وكذا قوله‪" :‬فإن لم ت ستطع فعلى ج نب" و في قوله في حد يث‬ ‫الطبراني‪" :‬فإن نالته مشقة فجالسا‪ ،‬فإن نالته مشقة فنائما" أي مضجعا‪ ،‬وفيه حجة على من قال‪ :‬إن العاجز عن‬ ‫القعود تسقط عنه الصلة‪ ،‬وهو يدل على أن من نالته مشقة‪ ،‬ولو بالتألم‪ ،‬يباح له الصلة من قعود‪ ،‬وفيه خلف‪.‬‬ ‫والحد يث مع من قال‪ :‬إن التألم يب يح ذلك‪ .‬و من المش قة‪ :‬صلة من يخاف دوران رأ سه‪ ،‬إذا صلى قائما في‬ ‫السفينة‪ ،‬أو يخاف الغرق‪ :‬أبيح له القعود‪ ،‬هذا‪.‬‬ ‫ولم يبين الحديث هيئة القعود على أي صفة‪ ،‬ومقتضى إطلقه صحته على أي هيئة شاءها المصلي‪ ،‬وإليه ذهب‬ ‫جماعة من العلماء‪ .‬وقال الهادي وغيره‪ :‬إنه يتربع واضعا يده على ركبتيه‪ ،‬ومثله عند الحنفية‪ ،‬وذهب زيد بن‬ ‫علي‪ ،‬وجماعة إلى‪ :‬أنه مثل قعود التشهد‪ .‬قيل‪ :‬والخلف في الفضل‪.‬‬ ‫قال الم صنف في ف تح الباري‪ :‬اختلف في الف ضل‪ ،‬فع ند الئ مة الثل ثة‪ :‬التر بع‪ ،‬وق يل‪ :‬مفترشا‪ ،‬وق يل متوركا‪،‬‬ ‫و في كل من ها أحاد يث‪ .‬وقوله في الحد يث‪" :‬على ج نب" الكلم في ال ستطاعة ه نا‪ ،‬ك ما مر‪ ،‬و هو ه نا مطلق‪.‬‬ ‫وقيده في حديث عليّ عليه السلم عند الدارقطني‪ ،‬على جنبه اليمن‪ ،‬مستقبل القبلة بوجهه‪ ،‬وهو حجة الجمهور‪.‬‬ ‫وأ نه يكون على هذه ال صفة‪ ،‬كتو جه الم يت في ال قبر‪ .‬ويؤ خذ من الحد يث‪ :‬أ نه ل ي جب ش يء ب عد تعذر اليماء‬ ‫على الجنب‪ .‬وعن الشافعي‪ ،‬والمؤيد‪ :‬يجب اليماء بالعينين والحاجبين‪ .‬وعن زفر‪ :‬اليماء بالقلب‪.‬‬ ‫وق يل‪ :‬ي جب إمرار القران‪ ،‬والذ كر على الل سان‪ ،‬ثم على القلب‪ ،‬إل أن هذه الكل مة لم تأت في الحاد يث‪ ،‬و في‬ ‫اليـة {فَ َقدْ َك ّذبُواْ بِا ْلحَقّ َلمّاـ جَآءَهُم ْـ فَسَـ ْوفَ َي ْأتِيهِم ْـ َأ ْنبَاءُ مَا كَانُو ْا بِهِـ يَس ْـَتهْزِءُونَ} وإن كان عدم الذكـر ل ينفـي‬ ‫الوجوب بدليـل اخـر‪ .‬وقـد وجبـت الصـلة على الطلق‪ ،‬وثبـت‪" :‬إذا أمرتـم بأمـر فأتوا منـه مـا اسـتطعتم" فإذا‬ ‫استطاع شيئا مما يفعل في الصلة وجب عليه‪ ،‬لنه مستطيع له‪.‬‬ ‫ض ــــ صلى على وسادةٍ‪ ،‬فرمى بها‬ ‫و عن جابر رضي ال ع نه أنّ النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال لمري ٍ‬ ‫ن رُكوع كَ" روَا هُ‬ ‫ــــ وقال‪ " :‬صلّ على الرض إن ا سْتطعْتَ‪ ،‬وإلّا فأوم إيماءً‪ ،‬واجْعَل سُجودكَ أخْ فض م ْ‬ ‫صحّح أبو حاتمٍ وقْ َفهُ‪.‬‬ ‫البيهقي بسندٍ قوي‪ ،‬ولكن َ‬ ‫(وعن جابر رضي ال عنه أنّ النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال لمري ضٍ ــــ صلى على وسادةٍ‪ ،‬فرمى بها‬ ‫ن رُكوع كَ" روَا هُ‬ ‫ــــ وقال‪ " :‬صلّ على الرض إن ا سْتطعْتَ‪ ،‬وإلّا فأوم إيماءً‪ ،‬واجْعَل سُجودكَ أخْ فض م ْ‬ ‫صحّح أبو حاتمٍ وقْ َفهُ)‪.‬‬ ‫البيهقي بسندٍ قوي‪ ،‬ولكن َ‬ ‫الحد يث أخر جه البيه قي في المعر فة من طر يق سفيان الثوري‪ .‬و في الحد يث‪" :‬فر مى ب ها وأ خذ عودا لي صلي‬ ‫عليه‪ ،‬فأخذه ورمى به" وذكر الحديث‪ .‬وقال البزار‪ :‬ل يعرف أحد رواه عن الثوري غير أبي بكر الحنفي‪ .‬وقد‬ ‫سئل ع نه أ بو حا تم فقال‪ :‬ال صواب عن جابر موقوفا ورف عه خ طأ‪ .‬و قد روى ال طبراني من حد يث طارق بن‬ ‫شهاب عن ابن عمر قال‪" :‬عاد رسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم مريضا فذكره"‪ ،‬وفي إسناده ضعف‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫والحد يث دليل على أنه ل يتخذ المريض ما يسجد عليه‪ ،‬حيث تعذر سجوده على الرض‪ ،‬وقد أرشده إلى أنه‬ ‫يف صل ب ين ركو عه و سجوده‪ ،‬ويج عل سجوده أخ فض من ركو عه‪ ،‬فإن تعذر عل يه القيام والركوع‪ ،‬فإ نه يومىء‬ ‫من قعود له ما‪ ،‬جاعلً اليماء بال سجود أخ فض من الركوع‪ ،‬أو لم يتعذر عل يه القيام‪ ،‬فإ نه يومىء للركوع من‬ ‫قيام‪ ،‬ثم يق عد ويومىء لل سجود من قعود‪ ،‬وق يل في هذه ال صورة‪ :‬يومىء له ما من قيام ويق عد للتش هد‪ ،‬وق يل‪:‬‬ ‫يومىء لهما كليهما من القعود‪ ،‬ويقوم للقراءة‪ ،‬وقيل‪ :‬يسقط عنه القيام ويصلي قاعدا‪ ،‬فإن صلى قائما جاز‪ ،‬وإن‬ ‫تعذر عليه القعود أومأ لهما من قيام‪.‬‬ ‫باب سجود السهو وغيره من سجود التلوة والشكر‬ ‫ح ْينَ َة ر ضي ال ع نه أنّ ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم صلى ب هم الظهرَ‪ ،‬فقا مَ في الركعت ين‬ ‫عن ع بد ال بن ُب َ‬ ‫جدَ‬ ‫سَ‬ ‫ظرَ النّاس ت سْليمَهُ‪َ ،‬كبّر وهو جال سٌ‪ .‬و َ‬ ‫الوليَين‪ ،‬ول مْ يجل سْ‪ ،‬فقا مَ النّا سُ مع هُ‪ ،‬حتى إذا قضى ال صّلة‪ ،‬وانت َ‬ ‫سجْدتين‪ ،‬قبْلَ أنْ يسَّلمَ‪ ،‬ثم سَلّمَ‪ .‬أخرجه السبعة وهذا اللفظ للبخاريّ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫س معهُ‪ ،‬مكان ما نسي من الجلوس‪.‬‬ ‫جدُ النا ُ‬ ‫سُ‬ ‫سجُد‪ .‬و َي ْ‬ ‫س و َي ْ‬ ‫وفي رواية لمسلم‪ :‬يُكبّر في كلّ سجْدةٍ وهو جال ٌ‬ ‫(وعن عبد ال بن بحينة رضي ال عنه) تقدم ضبطه وترجمته‪ ،‬وتكرر على الشارح ترجمته فأعادها هنا (أنّ‬ ‫ال نبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم صلى ب هم الظ هر فقام في الركعت ين الولييْن) بالمثنات ين التحتيت ين (ولم يجْلس) هو‬ ‫تأكيـد لقام مـن باب‪ :‬أقول له‪ :‬ارحـل ل تقيمـن عندنـا (فقام الناسُـ معـه حتـى إذا قضـى الصـلة وانتظـر الناس‬ ‫ن يسلم ث ّم سلم‪ .‬أخرجه السبعة وهذا لفظ البخاري)‪.‬‬ ‫تسليمه‪ ،‬كبر وهو جالس وسجد سجدتين قبل أ ْ‬ ‫الحد يث‪ :‬دل يل على أن ترك التش هد الول سهوا ي جبره سجود ال سهو‪ ،‬وقوله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ " :‬صلوا ك ما‬ ‫رأيتمو ني أ صلي" يدل على وجوب التش هد الول‪ ،‬و جبرانه ه نا ع ند تر كه‪ :‬دل على أ نه وإن كان واجبا‪ ،‬فإ نه‬ ‫يجبر بسجود السهو‪ ،‬والستدلل على عدم وجوبه‪ :‬بأنه لو كان واجبا لما جبره السجود؛ إذ حق الواجب أن يفعل‬ ‫بنفسه ــــ ل يتم؛ إذ يمكن أنه كما قال أحمد بن حنبل‪ :‬واجب‪ ،‬ولكنه إن ترك سهوا جبره سجود السهو‪.‬‬ ‫وحا صله أ نه ل ي تم ال ستدلل على عدم وجو به‪ ،‬ح تى يقوم الدل يل على أن كل وا جب ل يجزىء ع نه سجود‬ ‫السهو إن ترك سهوا‪ .‬وقوله‪" :‬كبر" دليل على شرعية تكبيرة الحرام لسجود السهو‪ ،‬وأنها غير مختصة بالدخول‬ ‫في الصلة‪ ،‬وأنه يكبرها‪ ،‬وإن كان لم يخرج من صلته بالسلم منها‪.‬‬ ‫وأما تكبيرة النقل فلم تذكر هنا‪ ،‬ولكنها ذكرت في قوله‪( :‬وفي رواية لمسلم) أي عند عبد ال بن بحينة‪( :‬يكبّر‬ ‫جدُ‪ ،‬ويسجدُ مع ُه النّاس) فيه دليل على شرعية تكبير النقل‪ ،‬كما سلف في الصلة‪،‬‬ ‫س ويس ُ‬ ‫ل سجدة وهو جال ٌ‬ ‫في ك ّ‬ ‫وقوله‪( :‬مكان مـا نسـي مـن الجلوس) كأنـه عرف الصـحابي ذلك مـن قرينـة الحال‪ ،‬فهذا لفـظ مدرج مـن كلم‬ ‫الراوي‪ ،‬ليس حكاية لفعله صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم الذي شاهده‪ ،‬ول لقوله صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪.‬‬ ‫ثم فيه دليل‪ :‬على أن محل مثل هذا السجود قبل السلم‪ ،‬ويأتي ما يخالفه والكلم عليه‪ .‬وفي رواية مسلم دللة‪:‬‬ ‫على وجوب متابعة المام‪ .‬وفي الحديث دللة أيضا‪ :‬على وجوب متابعته‪ ،‬وإن ترك ما هذا حاله؛ فإنه صَلّى ال‬ ‫عََليْهِ وَسَلّم أقرهم على متابعته‪ ،‬مع تركهم للتشهد عمدا‪ ،‬وفيه تأمل‪ ،‬لحتمال أنه ما ذكر أنه ترك وتركوا إل بعد‬ ‫تلبسه وتلبسهم بواجب اخر‪.‬‬ ‫وعن أبي هريرة رضي ال عنه قالَ‪ :‬صلى النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم إحْدى صلتي العشيّ ركعتين‪ ،‬ثمّ سلّم‪،‬‬ ‫ع َمرُ‪ ،‬فهابا أ نْ يُكلما ُه وخرج سرعانُ‬ ‫ثمّ قام إلى خشب ٍة في مقدّم الم سْجد‪ ،‬فوض عَ يد ُه عليها‪ ،‬وفي القوْم أبو بكر و ُ‬ ‫النّاس‪ ،‬فقالوا‪ :‬قُصِرتِ الصّلة‪ ،‬وفي القوم رجُلٌ يدْعُو ُه النبيّ صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم ذا اليدين‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال‪،‬‬ ‫صرْ" فقال‪ :‬بَلى‪ ،‬ق ْد نَ سِيتَ‪ ،‬فَ صَلى ركعتين ثمّ سلّم‪ ،‬ثمّ كبّر‪ ،‬ثمّ‬ ‫أنسيتَ أ ْم قُ صِرتِ ال صّلةُ؟ فقالَ‪" :‬ل ْم أن سَ ول ْم تُقْ َ‬ ‫سجَدَ مثل سُجوده‪ ،‬أَو أَطوَل‪ ،‬ثمّ رفع‬ ‫سجَد مثل سُجوده َأوْ َأطْوَل‪ ،‬ثمّ رفع رأ سَهُ فكبر‪ ،‬ثمّ وَضع رأ سَهُ‪ ،‬فك ّبرَ‪ ،‬ف َ‬ ‫َ‬ ‫رأسه وكبّر‪ .‬متفقٌ عليه‪ ،‬واللفظ للبخاري‪.‬‬ ‫وفي رواية لمسلم‪ :‬صلة ال َعصْر‪.‬‬ ‫ولبي داود‪ ،‬فقال‪َ" :‬أصَدقَ ذو اليدينْ؟" فأَ ْو َمأُوا‪ :‬أي نعم‪ ،‬وهي في الصحيحين‪ ،‬لكن بلفظ‪ :‬فقالوا‪.‬‬ ‫وفي رواية لهُ‪ :‬ول ْم يسْجد حتى ي ّق َنهُ ال تعالى ذلك‪.‬‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬صلى النبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم إحدى صلتي العشي) هو بفتح العين‬ ‫المهملة وك سر الش ين المعج مة وتشد يد المثناة التحت ية‪ .‬قال الزهري‪ :‬هو ما ب ين زوال الش مس وغروب ها‪ ،‬و قد‬ ‫عينها أبو هريرة في رواية لمسلم‪ :‬أنها الظهر‪ ،‬وفي أخرى أنها العصر‪ ،‬ويأتي‪ ،‬وقد جمع بينهما بأنها تعددت‬ ‫القصة (ركعت ين‪ ،‬ثم سلم‪ ،‬ثم قام إلى خش بة في مقدم المسجد فوضع يده علي ها‪ ،‬وفي القوم) المصلين (أبو بكر‬ ‫وع مر‪ ،‬فها با أن يكلماه) أي بأ نه سلم على ركعت ين (وخرج) من الم سجد ( سرعان الناس) بف تح ال سين المهملة‬ ‫‪73‬‬

‫وف تح الراء هو المشهور‪ ،‬ويروى بإ سكان الراء‪ ،‬هم الم سرعون إلى الخروج‪ ،‬قيل وبضمها وسكون الراء على‬ ‫أ نه ج مع سريع كقف يز وقفزان (فقالوا ق صرت) ب ضم القاف وك سر ال صاد (ال صلة) وروى بف تح القاف و ضم‬ ‫الصاد‪ ،‬وكلهما صحيح‪ ،‬والول أشهر (ورجل يدعوه) أي ي سميه (النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ذا اليدين) وفي‬ ‫رواية‪" :‬رجل يقال له‪ :‬الخرباق بن عمرو" بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء فباء موحدة‪ ،‬آخره قاف‪ ،‬لقب ذي‬ ‫اليدين‪ ،‬لطول كان في يديه‪ ،‬وفي الصحابة رجل اخر يقال له‪ :‬ذو الشمالين هو غير ذي اليدين‪ ،‬ووهم الزهري‬ ‫فجعل ذا اليدين وذا الشمالين واحدا‪ ،‬وقد بين العلماء وهمه‪.‬‬ ‫(فقال‪ :‬يـا رسـول ال أنسـيت أم قصـرت الصـلة؟) أي شرع ال قصـر الرباعيـة إلى اثنتيـن (فقال‪ :‬لم أنـس ولم‬ ‫تقصر) أي في ظني (فقال‪ :‬بلى قد نسيت‪ ،‬فصلى ركعتين ثم سلم‪ ،‬ثم كبر‪ ،‬ثم سجد مثل سجوده أو أطول‪ ،‬ثم‬ ‫رفع رأسه فكبر‪ ،‬ثم وضع رأسه فكبر‪ ،‬فسجد مثل سجوده أو أطول‪ ،‬ثم رفع رأسه وكبر‪ .‬متفق عليه‪ ،‬واللفظ‬ ‫للبخاري)‪.‬‬ ‫هذا الحديث قد أطال العلماء الكلم عليه‪ ،‬وتعرضوا لمباحث أصولية‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وأكثرهم استيفاء لذلك‪ ،‬القاضي‬ ‫عياض‪ ،‬ثم المح قق‪ :‬ا بن دق يق الع يد في شرح العمدة‪ ،‬و قد وفي نا المقام ح قه في حواشي ها‪ ،‬والم هم ه نا‪ :‬الح كم‬ ‫الفرعي المأخوذ منه‪ ،‬وهو‪ :‬أن الحديث دليل على أن نية الخروج من الصلة‪ ،‬وقطعها إذا كانت بناء على ظن‬ ‫التمام‪ ،‬ل يوجب بطلنها‪ ،‬ولو سلم التسليمتين‪ ،‬وأن كلم الناسي ل يبطل الصلة‪ ،‬وكذا كلم من ظن التمام‪ ،‬و‬ ‫بهذا قال جمهور العلماء مـن السـلف‪ ،‬والخلف‪ ،‬وهـو قول ابـن عباس‪ ،‬وابـن الزبيـر‪ ،‬وأخيـه عروة‪ ،‬وعطاء‪،‬‬ ‫والحسن وغيرهم‪ ،‬وقال به‪ :‬الشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وجميع أئمة الحديث‪ .‬وقال به‪ :‬الناصر من أئمة الل‪.‬‬ ‫ل يبطلها مستدلين بحديث ابن مسعود‪ ،‬وحديث زيد بن‬ ‫وقالت الهادوية والحنفية‪ :‬التكلم في الصلة ناسيا‪ ،‬أو جاه ً‬ ‫أرقم‪ :‬في النهي عن التكلم في الصلة‪ ،‬وقالوا‪ :‬هما ناسخان لهذا الحديث‪.‬‬ ‫وأجيـب‪ :‬بأن حديـث ابـن مسـعود كان بمكـة متقدما على حديـث الباب بأعوام‪ ،‬والمتقدم ل ينسـخ المتأخـر‪ ،‬وبأن‬ ‫حديـث زيـد بـن أرقـم‪ ،‬وحديـث ابـن مسـعود أيضا عمومان‪ ،‬وهذا الحديـث خاص بمـن تكلم ظانا لتمام صـلته‪،‬‬ ‫فيخص به الحديثان المذكوران‪ ،‬فتجتمع الدلة من غير إبطال لشيء منها‪.‬‬ ‫ويدل الحد يث أيضا على أن الكلم عمدا ال صلح ال صلة ل يبطل ها‪ ،‬ك ما في كلم ذي اليد ين‪ ،‬وقوله‪" :‬فقالوا‪:‬‬ ‫ــــ يريد الصحابة ــــ‪ :‬نعم" كما في رواية تأتي؛ فإنه كلم عمد لصلح الصلة‪.‬‬ ‫و قد روي عن مالك‪ :‬أن المام إذا تكلم ب ما تكلم به ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬من ال ستفسار‪ ،‬وال سؤال ع ند‬ ‫الشـك‪ ،‬وإجابـة المأموم‪ ،‬أن الصـلة ل تفسـد‪ .‬وقـد أجيـب‪ :‬بأنـه صَـلّى ال عََليْهِـ وَسَـلّم تكلم معتقدا للتمام‪ ،‬وتكلم‬ ‫ال صحابة معتقد ين للن سخ‪ ،‬وظنوا حينئذ التمام‪ .‬قلت‪ :‬ول يخ فى أن الجزم باعتقاد هم التمام م حل ن ظر‪ ،‬بل في هم‬ ‫متردد ب ين الق صر والن سيان‪ ،‬و هو ذو اليد ين‪ ،‬ن عم سرعان الناس اعتقدوا الق صر‪ ،‬ول يلزم اعتقاد الجم يع‪ ،‬ول‬ ‫يخ فى أ نه ل عذر عن الع مل بالحد يث ل من يت فق له م ثل ذلك‪ ،‬و ما أح سن كلم صاحب المنار‪ ،‬فإ نه ذ كر كلم‬ ‫ل لذلك‪:‬‬ ‫الهدى ودعواه نسخه‪ ،‬كما ذكرناه‪ ،‬ثم رده بما رددناه‪ ،‬ثم قال‪ :‬وأنا أقول أرجو ال للعبد إذا لقي ال عام ً‬ ‫أن يثبته في الجواب بقوله‪ :‬صح لي ذلك عن رسولك‪ ،‬ولم أجد ما يمنعه‪ ،‬وأن ينجو بذلك‪ ،‬ويثاب عن العمل به‪،‬‬ ‫وأخاف على المتكلفين‪ ،‬وعلى المجبرين على الخروج من الصلة للستئناف‪ ،‬فإنه ليس بأحوط‪ ،‬كما ترى‪ ،‬لن‬ ‫الخروج بغير دليل ممنوع‪ ،‬وإبطال للعمل‪.‬‬ ‫وفي الحديث دليل‪ ،‬على أن الفعال الكثيرة التي ليست من جنس الصلة إذا وقعت سهوا‪ ،‬أو مع ظن التمام ل‬ ‫تف سد ب ها ال صلة‪ ،‬فإن في روا ية "أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم خرج إلى منزله" و في أخرى‪" :‬يجرّ رداءه مغضبا"‬ ‫وكذلك خروج سرعان الناس فإنها أفعال كثيرة قطعا‪ ،‬وقد ذهب إلى هذا الشافعي‪.‬‬ ‫وتقدم حديث عائشة‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَسَلّم كان يذكر ال على كل أحيانه"‪ ،‬وقدّمنا أنه مخصص بحديث علي‬ ‫عل يه ال سلم هذا‪ ،‬ول كن ال حق أ نه ل ين هض على التحر يم‪ ،‬بل يحت مل أ نه ترك ذلك حال الجنا بة للكرا هة‪ ،‬أو‬ ‫نحوها‪ ،‬إل أنه أخرج أبو يعلى من حديث علي عليه السلم قال‪" :‬رأيت رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم توضأ‪،‬‬ ‫ثم قرأ شيئا من القران‪ ،‬ثم قال هكذا ل من ل يس بج نب‪ ،‬فأ ما الج نب فل‪ ،‬ول ا ية"‪ .‬قال الهيث مي‪ :‬رجاله موثقون‪،‬‬ ‫وهو يدل على التحريم؛ لنه نهي‪ ،‬وأصله ذلك‪ ،‬ويعاضد ما سلف‪.‬‬ ‫وفيه دليل‪ :‬على صحة البناء على الصلة بعد السلم‪ ،‬وإن طال زمن الفصل بينهما‪ ،‬وقد روي هذا عن ربيعة‪،‬‬ ‫ونسب إلى مالك‪ ،‬وليس بمشهور ع نه‪ .‬ومن العلماء من قال‪ :‬يخ تص جواز البناء إذا كان الفصل بزمن قر يب‪،‬‬ ‫وقيل‪ :‬بمقدار ركعة‪ ،‬وقيل‪ :‬بمقدار الصلة‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫ويدل أيضا أنه يجبر ذلك سجود السهو وجوبا لحديث‪" :‬صلوا كما رأيتموني أصلي" ويدل أيضا‪ :‬على أن سجود‬ ‫ال سهو ل يتعدد بتعدد أ سباب ال سهو‪ ،‬ويدل على أن سجود ال سهو ب عد ال سلم خلف الحد يث الول‪ ،‬ويأ تي ف يه‬ ‫الكلم‪.‬‬ ‫وأما تعيين الصلة التي اتفقت فيها القصة فيدل له قوله‪( :‬وفي رواية لمسلم) أي من حديث أبي هريرة‪( :‬صلة‬ ‫العصر) عوضا عن قوله في الرواية الولى‪" :‬إحدى صلتي العشي" (ولبي داود) أي من حديثه أيضا‪( :‬فقال)‬ ‫صدَق ذُو اليد ين‪ ،‬فأومئوا‪ ،‬أي ن عم‪ ،‬و هي في ال صحيحين‪ ،‬ل كن بل فظ‪ :‬فقالوا)‬ ‫أي ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪( :‬أ َ‬ ‫قلت‪ :‬وهي في رواية لبي داود بلفظ‪" :‬فقال الناس‪ :‬نعم"‪ ،‬وقال أبو داود‪ :‬إنه لم يذكر‪" :‬فأومئوا" إل حماد بن زيد‬ ‫(وفي رواية له) أي لبي داود من حديث أبي هريرة‪( :‬ولم يسجد حتى يقنه ال ذلك) ولفظ أبي داود‪" :‬ولم يسجد‬ ‫سجدتي السهو حتى يقنه ال ذلك" أي صير تسليمه على ثنتين يقينا عنده‪ ،‬إما بوحي‪ ،‬أو تذكر حصل له اليقين‬ ‫به‪ .‬وال أعلم ما مستند أبي هريرة في هذا‪.‬‬ ‫سهَا فسجد سجْدتين‪ ،‬ثمّ تشهّد‪،‬‬ ‫ن النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم صلى بهم‪ ،‬ف َ‬ ‫حصَين رضي ال عنه أ ّ‬ ‫وعن عمْران بن ُ‬ ‫صحّحهُ‪.‬‬ ‫ثمّ سلم‪ ،‬روا ُه أبو داود والترمذي وحسّنه‪ ،‬والحاكم و َ‬ ‫سهَا ف سجد سجْدتين‪ ،‬ثمّ‬ ‫(و عن عمْران بن حُ صَين ر ضي ال ع نه أنّ ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم صلى ب هم‪ ،‬ف َ‬ ‫صحّحهُ)‪.‬‬ ‫تشهّد‪ ،‬ثمّ سلم‪ ،‬روا ُه أبو داود والترمذي وحسّنه‪ ،‬والحاكم و َ‬ ‫في سياق حديث السنن‪ :‬أن هذا السهو سهوه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬الذي في خبر ذي اليدين‪ ،‬فإن فيه‪ :‬بعد أن‬ ‫ساق حديث أبي هريرة‪ :‬مثل ما سلف من سياق الصحيحين إلى قوله‪" :‬ثم رفع وكبر" ما لفظه‪ :‬فقيل لمحمد‪ :‬أي‬ ‫ابن سيرين الراوي‪ :‬سلم في السهو؟ فقال‪ :‬لم أحفظه من أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال‪" :‬ثم‬ ‫سلم"‪ ،‬و في ال سنن أيضا من حد يث عمران بن ح صين‪ ،‬قال‪ " :‬سلم ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في ثلث‬ ‫ركعات مـن العصـر‪ ،‬ثـم دخـل‪ ،‬فقام إليـه رجـل يقال له‪ :‬الخرباق‪ ،‬كان طويـل اليديـن‪ .‬إلى قوله‪ :‬فقال‪:‬أصـدق؟‬ ‫فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فصلى تلك الركعة‪ ،‬ثم سجد سجدتيها‪ ،‬ثم سلم" انتهى‪ .‬ويحتمل أنها تعددت القصة‪.‬‬ ‫و في الحد يث‪ :‬دل يل أ نه ي ستحب عق يب ال صلة‪ ،‬ك ما تدل له الفاء وف يه ت صريح بالتش هد‪ ،‬ق يل‪ :‬ولم ي قل أ حد‪:‬‬ ‫بوجو به‪ ،‬ول فظ تش هد‪ :‬يدل أ نه أ تى بالشهادت ين‪ ،‬و به قال ب عض العلماء‪ ،‬وق يل‪ :‬ــــ يك في التش هد الو سط‪،‬‬ ‫واللفظ في الول أظهر‪ ،‬وفيه دليل على شرعية التسليم‪ ،‬كما تدل له رواية عمران بن حصين التي ذكرناها‪ ،‬ل‬ ‫الرواية التي أتى بها المصنف‪ ،‬فإنها ليست بصريحة‪ :‬أن التسليم كان لسجدتي السهو‪ ،‬فإنها تحتمل أنه لم يكن‬ ‫سلم للصلة‪ ،‬وأنه سجد لها قبل السلم‪ ،‬ثم سلم تسليم الصلة‪.‬‬ ‫ل رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا شكّ أحدكُ مْ في صلته‪،‬‬ ‫خدْريّ رضي ال عن هُ قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫وعن أبي سعيد ال ُ‬ ‫سجْدتين قبل أن يُ سَلّمَ‪ ،‬فإن كا نَ‬ ‫جدُ َ‬ ‫سُ‬ ‫فلم ي ْدرِ كَ مْ صلى أثلثا أ مْ أربعا؟ فلْيطرح الشكّ ول َيبْن على ما استيقنَ‪ ،‬ثمّ يَ ْ‬ ‫صلى خمسا شَ َفعْنَ ل ُه صلتَهُ‪ ،‬وإن كانَ صلى تماما كانتا ترْغيما للشيطان" رواهُ مسلمٌ‪.‬‬ ‫(وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬إذا شك أحدكم في صلته‪،‬‬ ‫فلم يدر كم صلى أثلثا أم أربعا؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن‪ ،‬ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم‪ ،‬فإن كان‬ ‫صلى خمسا) في رباعية (ش َفعْنَ) أي السجدتان (له صلته) صيرنها شفعا؛ لن السجدتين قامتا مقام ركعة‪ ،‬وكأن‬ ‫المطلوب من الرباعية‪ :‬الشفع‪ ،‬وإن زادت على الربع (وإ نْ كان صلى تماما كانتا ترغيما للشيطان) أي إلصاقا‬ ‫لنفه بالرغام‪ ،‬والرغام‪ :‬بزنة غراب‪ :‬التراب‪ ،‬وإلصاق النف به في قولهم‪ :‬رغم أنفه‪ :‬كناية عن إذلله وإهانته‪،‬‬ ‫والمراد‪ :‬إهانة الشيطان حيث لبس عليه صلته (رواه مسلم)‪.‬‬ ‫الحديث فيه دللة على أن الشاك في صلته يجب عليه البناء على اليقين عنده‪ ،‬ويجب عليه أن يسجد سجدتين‪،‬‬ ‫وإلى هذا ذهب جماهير العلماء‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ .‬وذهب الهادوية‪ ،‬وجماعة من التابعين‪ :‬إلى وجوب‬ ‫العادة عليه حتى يستيقن‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬يعيد ثلث مرات‪ ،‬فإذا شك في الرابعة‪ ،‬فل إعادة عليه‪ .‬والحديث مع‬ ‫الول ين‪ .‬والحد يث ظا هر في أن هذا ح كم الشاك مطلقا‪ :‬مبتدأ كان أو مبتلي‪ .‬وفرق الهادو ية بين هم‪ ،‬فقالوا‪ :‬في‬ ‫الول ي جب عل يه العادة‪ ،‬و في الثا ني يتحرى بالن ظر في المارات‪ ،‬فإن ح صل له ظن التمام‪ ،‬أو الن قص ع مل‬ ‫به‪ ،‬وإن كان النظر في المارات ل يحصل له بحسب العادة شيئا‪ ،‬فإنه يبني على القل‪ ،‬كما في هذا الحديث‪،‬‬ ‫وإن كان عادته أن يفيده النظر الظن‪ ،‬ولكنه لم يفده في هذه الحالة‪ ،‬وجب عليه أيضا العادة‪ ،‬وهذا التفصيل يرد‬ ‫عل يه هذا الحد يث ال صحيح‪ ،‬ويرد عل يه أيضا حد يث ع بد الرح من بن عوف ع ند أح مد قال‪ :‬سمعت ر سول ال‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقول‪" :‬إذا شك أحدكم في صلته فلم يدر واحدة صلى‪ ،‬أو اثنتين‪ ،‬فليجعلها واحدة‪ ،‬وإذا لم‬ ‫‪75‬‬

‫يدر اثنتين صلى‪ ،‬أو ثلثا‪ ،‬فليجعلها اثنتين‪ ،‬وإذا لم يدر ثلثة صلى‪ ،‬أو أربعا‪ ،‬فليجعلها ثلثا‪ ،‬ثم يسجد ــــ‬ ‫إذا فرغ من صلته‪ ،‬وهو جالس قبل أن يسلم ــــ سجدتين"‪.‬‬ ‫سعُو ٍد رضي ال عنه قالَ‪ :‬صلى رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ .‬فلمّا سَّلمَ قيلَ ل هُ‪ :‬يا رسول ال‪،‬‬ ‫وعن ابن مَ ْ‬ ‫ت كذا وكذا‪ ،‬قالَ‪َ :‬فثَنَى رجَْليْه ِـ واسـت ْقبَلَ القِبلةَ‪ ،‬فسـجد‬ ‫حدَث َـ فـي الصـّلة شيءٌ؟ قال‪" :‬ومـا ذاكـَ؟" قالوا‪ :‬صـلّيْ َ‬ ‫َأ َ‬ ‫سجْدتين‪ ،‬ثمّ سلّم‪ ،‬ثمّ أَقبلَ على النّاس بوجهِ هِ فقالَ‪" :‬إنّه لو حد ثَ في ال صّلةِ شيءٌ أَنبأ ُتكُ مْ به‪ ،‬ولكن إنّما أنا بشرٌ‬ ‫َ‬ ‫سجُدْ‬ ‫حرّ الصّواب‪ ،‬فَ ْليُ ِتمّ عليه‪ ،‬ثمّ ليَ ْ‬ ‫مثْلُكم أنسى كما َتنْسَون‪ ،‬فإذا نسيتُ فذكّروني‪ ،‬وإذا شكّ أحدكُمْ في صلته ف ْل َيتَ َ‬ ‫سجْدتين" متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫سجُد"‪.‬‬ ‫وفي رواية للبخاريّ‪" :‬ف ْليُتمّ ثمّ يسلم ثمّ ي ْ‬ ‫سهْوِ َبعْد السلم والكلمِ‪.‬‬ ‫سجْدتي ال ّ‬ ‫سجَدَ َ‬ ‫ن النبيّ صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم َ‬ ‫ولمسلم‪ :‬أ ّ‬ ‫(وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬صلى رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم) أي‪ :‬إحدى الرباعيات خمسا‪ ،‬وفي‬ ‫رواية‪ :‬أنه قال إبراهيم النخعي‪" :‬زاد أو نقص" (فلما سلم قيل له‪ :‬يا رسول ال أحدث في الصلة شيء؟ قال‪:‬‬ ‫وما ذاك؟ قالوا‪ :‬صليت كذا وكذا‪ ،‬فثنى رجليه‪ ،‬واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم‪ ،‬ثم أقبل على الناس بوجهه‬ ‫فقال‪ :‬إنّه لو حدث في الصلة شيءٌ أنبأتكم به‪ ،‬ولكن إنّما أنا بش ٌر مثلكم) في البشرية‪ ،‬وبين وجه المثلية بقوله‪:‬‬ ‫(أنسى‪ ،‬كما تنسون‪ ،‬فإذا نسيت فذكّروني‪ ،‬وإذا شكّ أحدُكم في صلته) هل زاد أو نقص؟ (فليتحرّ الصواب) بأن‬ ‫يعمل بظنه من غير تفرقة بين الشك في ركعة‪ ،‬أو ركن‪ ،‬وقد فسره حديث عبد الرحمن بن عوف الذي قدمناه‬ ‫(فليُتمّ عليه ثم ليسجدْ سجدتين‪ .‬متفقٌ عليه)‪.‬‬ ‫ظا هر هذا الحد يث أنهم تابعوه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم على الزيادة‪ ،‬ففيه دل يل‪ :‬على أن متاب عة المؤتم للمام فيما‬ ‫ظ نه واجبا ل يفسد صلته‪ ،‬فإنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم لم يأمرهم بالعادة‪ ،‬وهذا في حق أ صحابه في مثل هذه‬ ‫الصورة؛ لتجويزهم التغيير في عصر النبوة‪ ،‬فأما لو اتفق الن قيام المام إلى الخامسة سبح له من خلفه‪ ،‬فإن لم‬ ‫يقعد انتظروه قعودا‪ ،‬حتى يتشهدوا بتشهده ويسلموا بتسليمه‪ ،‬فإنها لم تفسد عليه حتى يقال يعزلون‪ ،‬بل فعل ما‬ ‫هو واجب في حقه‪.‬‬ ‫وفي هذا دليل‪ ،‬على أن محل سجود السهو بعد السلم‪ ،‬إل أنه قد يقال‪ :‬إنه صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم ما عرف سهوه‬ ‫في الصلة إل بعد أن سلم منها‪ ،‬فل يكون دليلً‪.‬‬ ‫واعلم أ نه قد اختل فت الحاد يث فـي م حل سجود ال سهو‪ .‬واختل فت ب سبب ذلك أقوال الئ مة‪ .‬قال ب عض أئ مة‬ ‫الحد يث‪ :‬أحاد يث باب سجود ال سهو قد تعددت‪ :‬من ها حد يث أ بي هريرة في من شك‪ ،‬فلم يدر كم صلى؟‪ ..‬وف يه‬ ‫المر أن يسجد سجدتين‪ ،‬ولم يذكر موضعهما‪ ،‬وهو حديث أخرجه الجماعة‪ ،‬ولم يذكروا فيه محل السجدتين‪ ،‬هل‬ ‫هو قبل السلم أو بعده؟ نعم عند أبي داود‪ ،‬وابن ماجه فيه زيادة‪" :‬قبل أن يسلم"‪ .‬ومنها حديث أبي سعيد من‬ ‫شك‪ .‬وفيه‪" :‬أنه يسجد سجدتين قبل التسليم"‪ .‬ومنها حديث أبي هريرة‪ ،‬وفيه‪" :‬القيام إلى الخشبة‪ ،‬وأنه سجد بعد‬ ‫السلم" ومنها حديث ابن بحينة‪ ،‬وفيه‪ :‬السجود قبل السلم‪.‬‬ ‫ولما وردت هكذا اختلفت اراء العلماء في الخذ بها‪ ،‬فقال داود‪ :‬تستعمل في مواضعها على ما جاءت به‪ ،‬ول‬ ‫يقاس علي ها‪ ،‬ومثله قال أح مد في هذه ال صلة خا صة‪ ،‬وخالف في ما سواها‪ ،‬فقال‪ :‬ي سجد ق بل ال سلم ل كل سهو‪.‬‬ ‫وقال اخرون‪ :‬هو مخير في كل سهو‪ :‬إن شاء سجد بعد السلم‪ ،‬وإن شاء قبل السلم في الزيادة والنقص‪ .‬وقال‬ ‫مالك‪ :‬إن كان ال سجود لزيادة سجد ب عد السلم‪ ،‬وإن كان لنق صان سجد قبله‪ .‬وقالت الهادوية‪ ،‬والحنف ية‪ :‬الصل‬ ‫في سجود السهو بعد السلم‪ ،‬وتأولوا الحاديث الواردة في السجود قبله‪ ،‬وستأتي أدلتهم‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬الصل‬ ‫السجود قبل السلم‪ ،‬وردّ ما خالفه من الحاديث بادعائه نسخ السجود بعد السلم‪ .‬وروى عن الزهري قال‪ :‬سجد‬ ‫ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم سجدتي ال سهو ق بل ال سلم‪ ،‬وبعده‪ ،‬وا خر المر ين ق بل ال سلم‪ ،‬وأيده بروا ية‬ ‫معاو ية‪" :‬أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم سجدهما ق بل ال سلم" و صحبته متأخرة‪ .‬وذ هب إلى م ثل قول الشاف عي أ بو‬ ‫هريرة‪ ،‬ومكحول‪ ،‬والزهري‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫ل وفعلً فيها نوع تعارض‪ ،‬وتقدم بعض ها‪،‬‬ ‫قال في الشرح‪ :‬وطريق النصاف‪ :‬أن الحاديث الواردة في ذلك قو ً‬ ‫وتأخر البعض غير ثابت برواية صحيحة موصولة‪ ،‬حتى يستقيم القول بالنسخ‪ ،‬فالولى الحمل على التوسع في‬ ‫جواز المرين‪.‬‬ ‫ومن أدلة الهادوية والحنفية‪ :‬رواية البخاري التي أفادها قوله‪( :‬وفي رواية للبخاري) أي من حديث ابن مسعود‪:‬‬ ‫(فلي تم ثم ي سلم ثم ي سجد) ما يدل على أ نه ب عد ال سلم‪ .‬وكذلك روا ية م سلم ال تي أفاد ها قوله‪( :‬ولم سلم) أي من‬ ‫‪76‬‬

‫حديث ا بن م سعود‪( :‬أن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم سجد سجدتي السهو ب عد السلم) من ال صلة (والكلم) أي‬ ‫الذي خوطب به وأجاب عنه بما أفاده اللفظ الول؛ ويدل له أيضا‪:‬‬ ‫ن شكّ في صلته فلْيسجدْ سجْدتين بعد ما‬ ‫حمَد وأبي داود والنّسائيّ من حديث عبد ال بن جعفر مرفوعا‪" :‬مَ ْ‬ ‫ول ْ‬ ‫صحّحهُ ابنُ خُزيمةَ‪.‬‬ ‫يُسّلمُ" و َ‬ ‫ن شكّ في صلته فلْيسجدْ سجْدتين بعد ما‬ ‫حمَد وأبي داود والنّسائيّ من حديث عبد ال بن جعفر مرفوعا‪" :‬مَ ْ‬ ‫(ول ْ‬ ‫صحّحهُ ابنُ خُزيمةَ)‪.‬‬ ‫يُسّلمُ" و َ‬ ‫فهذه أدلة من يقول‪ :‬إنه يسجد بعد السلم مطلقا‪ ،‬ولكنه قد عارضها ما عرفت‪ ،‬فالقول بالتخيير أقرب الطرق إلى‬ ‫الجمع بين الحاديث‪ ،‬كما عرفت‪ .‬قال الحافظ أبو بكر البيهقي‪ :‬روينا عن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬أنه سجد‬ ‫للسهو قبل السلم‪ ،‬وأنه أمر بذلك‪ ،‬وروينا‪ :‬أنه سجد بعد السلم‪ ،‬وأنه أمر به‪ ،‬وكلهما صحيح‪ ،‬ولهما شواهد‬ ‫يطول بذكرها الكلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬الشبه بالصواب جواز المرين جميعا‪ ،‬قال‪ :‬وهذا مذهب كثير من أصحابنا‪.‬‬ ‫وعن المغيرة بن شُعبةَ أنّ رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قال‪" :‬إذا شكّ أحدُكمْ‪ ،‬فقامَ في الرّكعتينِ‪ ،‬فاستْتمّ قائما‪،‬‬ ‫سجْدتين‪ ،‬فإ نْ ل مْ يَس ْـَت ِتمّ قائما فَ ْل َيجْلس ول سـهو عل يه" رواه أبـو داود وا بن ماج هْ‬ ‫فلْيمضـِ‪ ،‬ول يعودُ‪ ،‬و ْليَ سْجد َ‬ ‫سنَد ضَعيفٍ‪.‬‬ ‫والدارقطني‪ ،‬واللفظُ لهُ‪ ،‬ب َ‬ ‫(وعن المغيرة بن شعبة‪ :‬أن رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قال‪ :‬إذا شك أحدكم‪ ،‬فقام في الركعتين فاستتم قائما‪،‬‬ ‫فلي مض ول يعود) للتشهد الول (ولَي سْجد سجْدتين) لم يذكر محلهما (فإ نْ لم يستتم قائما فليجلس) ليأتي بالتشهد‬ ‫الول (ول سهو عليه‪ .‬رواه أبو داود وابن ماجه‪ ،‬والدارقطني واللفظ له بسند ضعيف) وذلك أن مداره في جميع‬ ‫طرقه على جابر الجعفي‪ ،‬وهو ضعيف‪ .‬وقد قال أبو داود‪ :‬ليس في كتابي عن جابر الجعفي غير هذا الحديث‪.‬‬ ‫وفي الحديث دللة‪ :‬على أنه ل يسجد للسهو إل لفوات التشهد الول‪ ،‬ل لفعل القيام لقوله‪" :‬ول سهو عليه" وقد‬ ‫ذهب إلى هذا جماعة‪.‬‬ ‫وذهبت الهادوية‪ ،‬وابن حنبل‪ :‬إلى أنه يسجد للسهو؛ لما أخرجه البيهقي من حديث أنس‪" :‬أنه تحرك للقيام من‬ ‫الركعتين الخريين من العصر على جهة السهو‪ ،‬فسبحوا فقعد‪ ،‬ثم سجد للسهو" وأخرجه الدارقطني‪ ،‬والكل من‬ ‫ف عل أ نس موقوف عل يه؛ إل أن في ب عض طر قه أ نه قال‪" :‬هذه ال سنة" و قد ر جح حد يث المغيرة عل يه‪ ،‬لكو نه‬ ‫مرفوعا؛ ول نه يؤيده حد يث ا بن ع مر مرفوعا‪" :‬ل سهو إل في قيام عن جلوس‪ ،‬أو جلوس عن قيام" أخر جه‬ ‫الدارقطني‪ ،‬والحاكم‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وفيه ضعف‪ ،‬ولكن يؤيد ذلك‪ :‬أنها وردت أحاديث كثيرة في الفعل القليل‪ ،‬وأفعال‬ ‫صدرت منه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬ومن غيره مع علمه بذلك‪ ،‬ولم يأمر فيها بسجود السهو‪ ،‬ول سجد لما صدر‬ ‫عنه منها‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وأخرج الن سائي من حد يث ا بن بحي نة‪" :‬أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم صلى فقام في الركعت ين‪ ،‬ف سبحوا به‪،‬‬ ‫فمضى‪ ،‬فلما فرغ من صلته‪ ،‬سجد سجدتين‪ ،‬ثم سلم" وأخرج أحمد‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وصححه من حديث زياد بن‬ ‫علقة قال‪" :‬صلى بنا المغيرة بن شعبة‪ ،‬فلما صلى ركعتين‪ ،‬قام ولم يجلس‪ ،‬فسبح له من خلفه‪ ،‬فأشار إليهم أن‬ ‫قوموا‪ ،‬فل ما فرغ من صلته سلم‪ ،‬ثم سجد سجدتين و سلم؛ ثم قال هكذا صنع ب نا ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ‬ ‫َوسَلّم"‪ ،‬إل أن هذه فيمن مضى بعد أن يسبحوا له‪ ،‬فيحتمل أنه سجد لترك التشهد‪ ،‬وهو الظاهر‪.‬‬ ‫سهَا المامُ‬ ‫ن َ‬ ‫سهْوٌ‪ ،‬فإ ْ‬ ‫عمَر رضي ال عنه عن النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قال‪" :‬ليس على من خَلْف المام َ‬ ‫وعن ُ‬ ‫َفعََليْهِ وعلى من خَلْفهُ"‪ .‬روا ُه الترمذي‪ ،‬والب ْيهَقِي بسندٍ ضعيفٍ‪.‬‬ ‫سهَا المامُ‬ ‫سهْوٌ‪ ،‬فإنْ َ‬ ‫عمَر رضي ال عنه عن النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم قال‪" :‬ليس على من خَلْف المام َ‬ ‫(وعن ُ‬ ‫َفعََليْهِ وعلى من خَلْفهُ"‪ .‬روا ُه الترمذي‪ ،‬والب ْيهَقِي بسندٍ ضعيفٍ)‪.‬‬ ‫وأخرجه الدارقطني في السنن بلفظ اخر‪ ،‬وفيه زيادة‪" :‬وإن سها من خلف المام فليس عليه سهو‪ ،‬والمام كافيه"‬ ‫والكل من الروايات فيها خارجة بن مصعب‪ :‬ضعيف‪ .‬وفي الباب عن ابن عباس‪ ،‬إل أن فيه متروكا‪.‬‬ ‫والحديث دليل‪ :‬على أنه ل يجب على المؤتم سجود السهو إذا سها في صلته‪ ،‬وإنما يجب عليه إذا سها المام‬ ‫فقط‪ ،‬وإلى هذا ذهب زيد بن علي‪ ،‬والناصر‪ ،‬والحنفية‪ ،‬والشافعية‪ .‬وذهب الهادي‪ :‬إلى أنه يسجد للسهو؛ لعموم‬ ‫أدلة سجود ال سهو للمام‪ ،‬والمنفرد‪ ،‬والمؤ تم‪ .‬والجواب‪ :‬أ نه لو ث بت هذا الحد يث لكان مخ صصا لعمومات أدلة‬ ‫سجود السهو‪ ،‬ومع عدم ثبوته‪ ،‬فالقول قول الهادي‪.‬‬ ‫سهْوٍ سجْدتان بعدما يُسلّم" روا ُه أبو داود‬ ‫[رح ‪]9‬ـــ وعن ثوْبانَ عن النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم أنّه قال‪" :‬لكُلّ َ‬ ‫وابن ماجه بسندٍ ضعيف‪.‬‬ ‫‪77‬‬

‫سهْ ٍو سجْدتان بعدما يُسلّم" روا ُه أبو داود وابن ماجه‬ ‫(وعن ثوْبا نَ عن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أنّه قال‪" :‬لكُلّ َ‬ ‫بسندٍ ضعيف)‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬لن فـي إسـناده إسـماعيل بـن عياش‪ ،‬وفيـه مقال وخلف‪ .‬قال البخاري‪ :‬إذا حدّث عـن أهـل بلده‪ :‬يعنـي‬ ‫الشاميين فصحيح‪ ،‬وهذا الحديث من روايته عن الشاميين‪ ،‬فتضعيف الحديث به‪ :‬فيه نظر‪.‬‬ ‫والحديث دليل لمسألتين‪ :‬الولى‪ :‬أنه إذا تعدد المقتضى لسجود السهو تعدد لكل سهو سجدتان‪ .‬وقد حكي عن ابن‬ ‫أ بي ليلى‪ .‬وذ هب الجمهور‪ :‬إلى أ نه ل يتعدد ال سجود‪ ،‬وإن تعدد موج به‪ ،‬لن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في‬ ‫حد يث ذي اليد ين سلم‪ ،‬وتكلم‪ ،‬وم شى نا سيا‪ ،‬ولم ي سجد إل سجدتين‪ .‬ولئن ق يل‪ :‬إن القول أولى بالع مل به من‬ ‫الف عل‪ ،‬فالجواب‪ :‬أ نه ل دللة ف يه على تعدد ال سجود لتعدد مقتض يه‪ ،‬بل هو للعموم ل كل ساه‪ ،‬فيف يد الحد يث‪ :‬أن‬ ‫كل من سها في صلته بأي سهو كان يشرع له سجدتان‪ ،‬ول يختصان بالمواضع التي سها فيها النبي صَلّى ال‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬ول بالنواع ال تي سها ب ها‪ ،‬والح مل على هذا المع نى أولى من حمله على المع نى الول‪ ،‬وإن كان‬ ‫هو الظاهر فيه‪ ،‬جمعا بينه وبين حديث ذي اليدين‪ ،‬على أن لك أن تقول‪ :‬إن حديث ذي اليدين لم يقع فيه السهو‬ ‫المذكور حال الصلة‪ ،‬فإنه محل النزاع‪ ،‬فل يعارض حديث الكتاب‪.‬‬ ‫والمسألة الثانية‪ :‬يحتج به من يرى سجود السهو بعد السلم‪ ،‬وتقدم فيه تحقيق الكلم‪.‬‬ ‫ك َفتْحا ّمبِينا} و‬ ‫حنَا لَ َ‬ ‫وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬سَجدَنا مع رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في {ِإنّا َف َت ْ‬ ‫{ا ْلحَاقّةُ} رواه مسلم‪.‬‬ ‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬سجدنا مع ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم في {إذا ال سماء انش قت} و‬ ‫{اقرأ باسم ربك الذي خلق} رواه مسلم) هذا من أحاديث سجود التلوة وهو داخل في ترجمة المصنف الماضية‬ ‫كما عرفت‪ ،‬حيث قال‪ :‬باب سجود السهو وغيره‪.‬‬ ‫والحديـث دليـل على مشروعيـة سـجود التلوة‪ ،‬وقـد أجمـع على ذلك العلماء‪ ،‬وإنمـا اختلفوا فـي الوجوب‪ ،‬وفـي‬ ‫مواضع السجود‪ ،‬فالجمهور أنه سنة‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬واجب غير فرض ثم هو سنة في حق التالي والمستمع إن‬ ‫سجد التالي‪ ،‬وقيل‪ :‬وإن لم يسجد‪ ،‬فأما مواضع السجود‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬يسجد فيما عدا المفصل فيكون أحد عشر‬ ‫موضعا‪.‬‬ ‫وقالت الهادو ية والحنف ية‪ :‬في أرب عة ع شر محلً إل أن الحنف ية ل يعدون في ال حج إل سجدة‪ ،‬واع تبروا ب سجدة‬ ‫سور ص والهادوية عكسوا ذلك كما ذكر ذلك المهدي في البحر‪ ،‬وقال أحمد وجماعة‪ :‬يسجد في خمسة عشر‬ ‫موضعا عدوا سجدتي ال حج و سجدة ص‪ ،‬واختلفوا أيضا هل يشترط في ها ما يشترط فـي ال صلة من الطهارة‬ ‫وغيرها‪ ،‬فاشترط ذلك جماعة‪ ،‬وقال قوم‪ :‬ل يشترط‪.‬‬ ‫وقال البخاري‪ :‬كان عمر يسجد على غير وضوء‪ ،‬وفي مسند ابن أبي شيبة‪" :‬كان ابن عمر ينزل عن راحلته‬ ‫فيهريق الماء ثم يركب فيقرأ السجدة فيسجد وما يتوضأ"‪ ،‬ووافقه الشعبي على ذلك‪ ،‬وروي عن ابن عمر أّه ل‬ ‫يسجد الرجل إل وهو طاهر‪ ،‬وجمع بين قوله وفعله على الطهارة من الحدث الكبر‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وال صل إ نه ل يشترط الطهارة إل بدل يل وأدلة وجوب الطهارة وردت لل صلة وال سجدة ل ت سمى صلة‪،‬‬ ‫فالدليل على من شرط ذلك وكذلك أوقات الكراهة ورد النهي عن الصلة فيها فل تشمل السجدة الفردة‪.‬‬ ‫وهذا الحديث دل على السجود للتلوة في المفصل‪ ،‬ويأتي الخلف في ذلك‪ .‬ثم رأيت لبن حزم كلما في شرح‬ ‫المحلي لفظه‪ :‬السجود في قراءة القرآن ليس ركعة أو ركعتين فليس صلة‪ ،‬وإذا كان ليس صلة فهو جائز بل‬ ‫وضوء وللجنـب والحائض وإلى غيـر ال ِقبْلة كسـائر الذكـر ول فرق‪ ،‬إذ ل يلزم الوضوء إل للصـلة ولم يأت‬ ‫بإيجابه لغير الصلة قرآن ول سنة ول إجماع ول قياس‪ ،‬فإن قيل‪ :‬السجود من الصلة وبعض الصلة صلة‪.‬‬ ‫قلنا‪ :‬والتكبير بعض الصلة والجلوس والقيام والسلم بعض الصلة‪ ،‬فهل يلتزمون أن ل يفعل أحد شيئا من هذه‬ ‫الفعال والقوال إل وهو على وضوء هذا ل يقولونه ول يقوله أحد‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫سجُودِ‪َ ،‬و َقدْ رََأيْ تُ رَ سُولَ ال‬ ‫عزَائِ مِ ال ّ‬ ‫ع ْن ُهمَا‪ ،‬قَالَ‪ :‬ص َليْ سَتْ مِ نْ َ‬ ‫عبّا سٍ َرضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]11/123‬ـ وَعَ نْ ا ْب نِ َ‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم يسجد فيها‪ .‬روَا ُه ا ْل ُبخَا ِريّ‪.‬‬ ‫(وعن ابن عباس رضي ال عنه قال‪ :‬ص ليست من عزائم السجود‪ ،‬وقد رأيت رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫يسجد فيها‪ .‬رواه البخاري) أي ليست مما ورد في السجود فيها أمر ول تحريص ول تخصيص ول حث‪ ،‬وإنما‬ ‫ورد بصيغة الخبار عن داود عليه السلم بأنه فعلها وسجد نبينا صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم فيها اقتداء به لقوله تعالى‪:‬‬ ‫{فبهداهم اقتده}‪.‬‬ ‫‪78‬‬

‫ـّم‪:‬‬ ‫ـّى ال عََليْ هِ وَسَل‬ ‫وف يه دللة على‪ :‬أن الم سنونات قـد يكون بعضهـا ا كد من ب عض‪ ،‬وقـد روي‪ :‬أ نه قال صَل‬ ‫"سـجدها داود توبـة وسـجدناها شكرا" وروى ابـن المنذر‪ ،‬وغيره بإسـناد حسـن‪ :‬عـن علي بـن أبـي طالب عليـه‬ ‫ال سلم‪" :‬إن العزائم حم‪ ،‬والن جم‪ ،‬واقرأ‪ ،‬وألم تنز يل"‪ ،‬وكذا ث بت عن ا بن عباس في الثل ثة ال خر‪ ،‬وق يل‪ :‬في‬ ‫العراف‪ ،‬وسبحان‪ ،‬وحم‪ ،‬وألم‪ .‬أخرجه ابن أبي شيبة‪.‬‬ ‫جدَ بال ّنجْمِ‪ ....،‬رواهُ البخاريّ‪.‬‬ ‫سَ‬ ‫وعنهُ‪ :‬أنّ النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم َ‬ ‫(وعنه) أي ابن عباس‪( :‬أن النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم سجد بالنجم‪ .‬رواه البخاري)‪.‬‬ ‫هو دليل على السجود في المفصل‪ ،‬كما أن الحديث الول دليل على ذلك‪ ،‬وقد خالف فيه مالك‪ ،‬وقال‪ :‬ل سجود‬ ‫لتلوة في المفصل‪ ،‬وقد قدمنا لك الخلف في أول الفصل محتجا بما روي عن ابن عباس‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْي هِ‬ ‫وَ سَلّم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة" أخرجه أبو داود‪ ،‬وهو ضعيف السناد‪ ،‬وفيه أبو‬ ‫قدا مة‪ ،‬وا سمه الحارث بن ع بد ال‪ ،‬إيادي‪ ،‬ب صري‪ ،‬ل يح تج بحدي ثه‪ ،‬ك ما قال الحا فظ المنذري في مخت صر‬ ‫السنن‪ ،‬ومحتجا أيضا بقوله‪:‬‬ ‫جدْ فيها‪ ،‬متفق‬ ‫سُ‬ ‫وعن زيد بن ثاب تٍ رضي ال عن ُه قال‪ :‬قرَأَ تُ على رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ال ّنجْم‪ ،‬فل مْ يَ ْ‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫سجُدْ فيها‪ ،‬متفق‬ ‫(وعن زيد بن ثابتٍ رضي ال عنهُ قال‪ :‬قرَأَتُ على رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم ال ّنجْم‪ ،‬فلمْ يَ ْ‬ ‫عليه)‪.‬‬ ‫وزيد بن ثابت من أهل المدينة‪ ،‬وقراءته بها كانت في المدينة‪ ،‬قال مالك‪ :‬فأيد حديث ابن عباس‪ .‬وأجيب عنه‪:‬‬ ‫بأن ترك السـجود‪ ،‬تارة‪ ،‬وفعله تارة‪ :‬دليـل السـنية‪ ،‬أو لمانـع عارض ذلك‪ ،‬ومـع ثبوت حديـث زيـد‪ ،‬فهـو نافـٍ‪،‬‬ ‫وحديث غيره ــــ وهو ابن عباس ــــ مثبت‪ ،‬والمثبت مقدم‪.‬‬ ‫سجْدتين‪ ،‬رواهُ أبو داود في المراسيل‪.‬‬ ‫وعن خالد بن معدان رضي ال عنه قال‪ :‬فُضّلَتْ سورةُ الحجّ ب َ‬ ‫(وعن خالد بن معدان رضي ال عنه) بفتح الميم وسكون العين المهملة وتخفيف الدال‪ ،‬وخالد هو أبو عبد ال بن‬ ‫معدان‪ ،‬الشامي‪ ،‬الكلعي بفتح الكاف‪ ،‬تابعي‪ ،‬من أهل حمص قال‪ :‬لقيت سبعين رجلً من أصحاب النبي صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وكان من ثقات الشامي ين‪ ،‬مات سنة أر بع ومائة‪ ،‬وق يل‪ :‬سنة ثلث (قال‪ :‬فضلت سورة ال حج‬ ‫بسـجدتين‪ .‬رواه أبـو داود فـي المراسـيل) كذا نسـبه المصـنف إلى مراسـيل أبـي داود‪ ،‬وهـو موجود فـي سـننه‬ ‫مرفوعا‪ :‬من حد يث عق بة بن عا مر بل فظ‪" :‬قلت‪ :‬يا ر سول ال في سورة ال حج سجدتان؟ قال‪ :‬ن عم‪ ،‬و من لم‬ ‫يسجدهما فل يقرأهما"‪ .‬فالعجب كيف نسبه المصنف إلى المراسيل مع وجوده في سننه مرفوعا؟ ولكنه قد وصل‬ ‫في‪.‬‬ ‫ورواه أحمد والترمذي موْصولً من حديث عُقب َة بن عامرٍ‪ ،‬وزادَ‪ :‬فمن لم يَسجدْهما فل يقرأهما‪ ،‬وسن ُدهُ ضعيفٌ‪.‬‬ ‫ل من حديث عقبة بن عامر‪ ،‬وزاد) أي الترمذي في روايته‪( :‬فمن لم يسجدها فل‬ ‫(ورواه أحمد والترمذي موصو ً‬ ‫يقرأها) بضمير مفرد‪ :‬أي السورة‪ ،‬أو اية السجدة ويراد الجنس (وسنده ضعيف) ؛ لن فيه ابن لهيعة‪ .‬قيل‪ :‬إنه‬ ‫تفرد به‪ ،‬وأيده الحاكم‪ :‬بأن الرواية صحت فيه من قول عمر‪ ،‬وابنه‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وأبي الدرداء‪،‬‬ ‫وأبي موسى‪ ،‬وعمار‪ ،‬وساقها موقوفة عليهم‪ ،‬وأكده البيهقي بما رواه في المعرفة‪ :‬من طريق خالد بن معدان‪.‬‬ ‫وفي الحديث ر ّد على أبي حنيفة وغيره ممن قال‪ :‬إنه ليس بواجب‪ ،‬كما قال‪ :‬إنه ليس في سورة الحج إل سجدة‬ ‫واحدة‪ :‬في الخيرة منها‪ ،‬وفي قوله‪" :‬فمن لم يسجدها فل يقرأها" تأكيد لشرعية السجود فيها‪ ،‬ومن قال بإيجابه‪،‬‬ ‫ف هو من أدل ته‪ ،‬و من قال‪ :‬ل يس بوا جب‪ ،‬قال‪ :‬ل ما ترك ال سنة‪ ،‬و هو سجود التلوة بف عل المندوب‪ ،‬و هو القران‪،‬‬ ‫كان الليق العتناء بالمسنون وأن ل يتركه‪ ،‬فإذا تركه‪ ،‬فالحسن له أن ل يقرأ السورة‪.‬‬ ‫سجُدْ فل إثم عليه‪.‬‬ ‫ن لمْ يَ ْ‬ ‫ن سجدَ فَ َقدْ أصابَ‪ ،‬ومَ ْ‬ ‫عمَ َر رضي ال عن ُه قال‪ :‬يا أيها النّاسُ إنا نم ّر بالسجود فَمَ ْ‬ ‫وعنْ ُ‬ ‫رواهُ البخاري‪ ،‬وفيه‪ :‬إن ال تعالى ل ْم يفرض السّجودَ إل أن نشاءَ‪ ،‬وهُو في الموطأ‪.‬‬ ‫(و عن ع مر ر ضي ال ع نه قال‪ :‬يا أي ها الناس إ نا نمرّ بال سجود) أي باي ته (ف من سجد‪ ،‬ف قد أ صاب) أي ال سنة‬ ‫(و من لم ي سجد‪ ،‬فل إ ثم عل يه‪ .‬رواه البخاري‪ .‬وف يه) أي البخاري عن ع مر‪( :‬إن ال لم يفرض ال سجود) أي لم‬ ‫يجعله فرضا (إل أن نشاء‪ ،‬وهو في الموطأ)‪.‬‬ ‫فيـه دللة على أن عمـر كان ل يرى وجوب سـجود التلوة‪ ،‬واسـتدل بقوله‪" :‬إل أن نشاء"‪ :‬أن مـن شرع فـي‬ ‫ال سجود و جب عليه إتما مه؛ ل نه مخرج من بعض حالت عدم فرض ية ال سجود‪ .‬وأجيب‪ :‬بأ نه استثناء منق طع‪،‬‬ ‫والمراد‪ :‬ولكن ذلك موكول إلى مشيئتنا‪.‬‬ ‫‪79‬‬

‫ع َمرَ ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬كان ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقرأُ عََليْ نا القران‪ ،‬فإذا َمرّ بال سّجدَ ِة َكبّرَ‬ ‫و عن ا بن ُ‬ ‫س َندٍ فيه لينٌ‪.‬‬ ‫جدْنا َمعَهُ‪ .‬روا ُه أبو داود ب َ‬ ‫سَ‬ ‫جدَ َو َ‬ ‫سَ‬ ‫وَ‬ ‫ع َمرَ رضي ال عنهما قال‪ :‬كان النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقرأُ عََليْنا القران‪ ،‬فإذا مَ ّر بال سّجدَ ِة َكّبرَ‬ ‫(وعن ابن ُ‬ ‫س َندٍ فيه لينٌ)‪.‬‬ ‫جدْنا َمعَهُ‪ .‬روا ُه أبو داود ب َ‬ ‫سَ‬ ‫جدَ َو َ‬ ‫سَ‬ ‫وَ‬ ‫ل نه من روا ية ع بد ال ــــ المكبر ــــ العمري‪ ،‬و هو ضع يف‪ ،‬وأخر جه الحا كم من روا ية عبيد ال‬ ‫ــــ المصغر ــــ وهو ثقة‪.‬‬ ‫و في الحد يث دللة على الت كبير‪ ،‬وأ نه مشروع‪ ،‬وكان الثوري يعج به هذا الحد يث‪ .‬قال أ بو داود‪ :‬يعج به‪ ،‬ل نه‬ ‫كبر‪ ،‬و هل هو ت كبير الفتتاح‪ ،‬أو الن قل؟ الول أقرب‪ ،‬ولك نه يجتزىء ب ها عن ت كبيرة الن قل‪ ،‬لعدم ذ كر ت كبيرة‬ ‫أخرى‪ ،‬وقيـل‪ :‬يكـبر له‪ ،‬وعدم الذكـر ليـس دليلً‪ ،‬قال بعضهـم‪ :‬ويتشهـد ويسـلم‪ ،‬قياسـا للتحليـل على التحريـم‪،‬‬ ‫وأجيب‪ :‬بأنه ل يجزىء هذا القياس‪ ،‬فل دليل على ذلك‪.‬‬ ‫وفي الحديث دليل‪ :‬على مشروعية سجود التلوة للسامع؛ لقوله‪ :‬وسجدنا‪ ،‬وظاهره سواء كانا مصليين معا‪ ،‬أو‬ ‫أحدهما في الصلة‪ .‬وقالت الهادوية‪ :‬إذا كانت الصلة فرضا أخرها حتى يسلم‪ .‬قالوا‪ :‬لنها زيادة عن الصلة‬ ‫فتفسدها‪ ،‬ولما رواه نافع عن ابن عمر أنه قال‪" :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم يقرأ علينا السورة في غير‬ ‫ال صلة‪ ،‬في سجد‪ ،‬ون سجد م عه" أخر جه أ بو داود‪ .‬قالوا‪ :‬ويشرع له أن ي سجد إذا كا نت ال صلة نافلة‪ ،‬لن النافلة‬ ‫مخفف فيها‪ .‬وأجيب عن الحديث‪ :‬بأنه استدلل بالمفهوم‪ ،‬وقد ثبت من فعله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬أنه قرأ سورة‬ ‫النشقاق في الصلة‪ ،‬وسجد‪ ،‬وسجد من خلفه‪ ،‬وكذلك‪ :‬سورة تنزيل السجدة‪ ،‬قرأ بها‪ ،‬وسجد فيها‪ .‬وقد أخرج أبو‬ ‫داود‪ ،‬والحاكم‪ ،‬والطحاوي من حديث ابن عمر‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم سجد في الظهر‪ ،‬فرأى أصحابه أنه‬ ‫قرأ اية سجدة‪ ،‬فسجدوها"‪.‬‬ ‫واعلم أ نه قد ورد الذ كر في سجود التلوة بأن يقول‪ " :‬سجد وج هي للذي خل قه‪ ،‬و صوره و شق سمعه وب صره‬ ‫بحوله وقوته" أخرجه أحمد‪ ،‬وأصحاب السنن‪ ،‬والحاكم‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وصححه ابن السكن‪ ،‬وزاد في اخره‪" :‬ثلثا"‬ ‫شدِيدا} ‪ ،‬وفي حديث ا بن عباس‪" :‬أنه صَلّى ال‬ ‫وزاد الحا كم في اخره‪ُ { :‬هنَالِ كَ ا ْبتُلِ يَ ا ْلمُ ْؤ ِمنُو نَ َوزُ ْلزِلُواْ زِ ْلزَالً َ‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم كان يقول في سجود التلوة‪ :‬الل هم اك تب لي ب ها عندك أجرا‪ ،‬واجعل ها لي عندك ذخرا‪ ،‬و ضع ع ني‬ ‫بها وزرا‪ ،‬وتقبلها مني‪ ،‬كما تقبلتها من عبدك داود"‪.‬‬ ‫خرّ ساجدا ل‪ .‬رواه‬ ‫خ َبرٌ ي سرّ ُه َ‬ ‫و عن أ بي بكرة ر ضي ال عن هُ‪ ،‬أنّ ال نبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كا نَ إذا جاءَ هُ َ‬ ‫الخمسة إل النسائي‪.‬‬ ‫خرّ ساجدا ل‪ .‬رواه‬ ‫خ َبرٌ ي سرّ ُه َ‬ ‫ن إذا جاءَ ُه َ‬ ‫(و عن أ بي بكرة ر ضي ال عن هُ‪ ،‬أنّ ال نبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كا َ‬ ‫الخمسة إل النسائي)‪.‬‬ ‫هذا م ما شمل ته الترج مة بقوله‪ :‬وغيره‪ ،‬و هو دل يل على شرع ية سجود الش كر‪ ،‬وذه بت إلى شرعي ته الهادو ية‪،‬‬ ‫والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬خلفا لمالك‪ ،‬ورواية أبي حنيفة‪ :‬بأنه ل كراهة فيه‪ :‬ول ندب‪ ،‬والحديث دليل للولين‪ ،‬وقد‬ ‫سجد صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم في اية ص‪ ،‬وقال‪" :‬هي لنا شكر"‪.‬‬ ‫واعلم أ نه قد اختلف‪ :‬هل يشترط ل ها الطهارة أم ل؟ فق يل‪ :‬يشترط قيا سا على ال صلة‪ ،‬وق يل‪ :‬ل يشترط؛ لن ها‬ ‫ليست بصلة‪ ،‬وهو القرب كما قدمناه‪ .‬وقال المهدي‪ :‬إنه يكبر لسجود الشكر‪ .‬وقال أبو طالب‪ :‬ويستقبل القبلة‪.‬‬ ‫وقال المام يح يى‪ :‬ول يسـجد للشكـر فـي الصـلة قولً واحدا؛ إذ ل يس من توابعهـا‪ .‬ق يل‪ :‬ومقتضـى شرعيتـه‪:‬‬ ‫حدوث نعمة‪ ،‬أو اندفاع مكروه‪ ،‬فيفعل ذلك في الصلة‪ ،‬ويكون كسجود التلوة‪.‬‬ ‫ل ال سّجودَ‪ ،‬ثمّ رف عَ‬ ‫جدَ النّبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬فأطا َ‬ ‫سَ‬ ‫و عن عب ِد ال ّرحْ من بن عوف ر ضي ال ع نه قالَ‪َ :‬‬ ‫ت ل شُكرا" رواهُ أحمد وصححهُ الحاكمُ‪.‬‬ ‫سجَدْ ُ‬ ‫ل أتاني‪ ،‬ف َبشّرني‪ ،‬ف َ‬ ‫رأسَهُ‪ ،‬فقالَ‪" :‬إن جبري َ‬ ‫(وعن عبد الرحمن بن عوف رضي ال عنه قال‪ :‬سجد رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ ،‬فأطال السجود‪ ،‬ثم رفع‬ ‫رأ سه‪ ،‬فقال‪ :‬إن جبريل أتاني فبشرني) وجاء تفسير البشرى‪ :‬بأنه تعالى قال‪" :‬من صلى عليك صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫َسـلّم صـلة‪ :‬صـلى ال عليـه بهـا عشرا" رواه أحمـد فـي المسـند مـن طرق (فسـجدت ل شكرا‪ .‬رواه أحمـد‪،‬‬ ‫و َ‬ ‫وصححه الحاكم) أخرجه البزار‪ ،‬وابن أبي عاصم في فضل الصلة عليه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪.‬‬ ‫قال البيهقي‪ :‬وفي الباب عن جابر‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وأنس‪ ،‬وجرير‪ ،‬وأبي جحيفة‪.‬‬ ‫ب رضي ال عنهُ‪ ،‬أنّ النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم بَعثَ عليا إلى اليمن ــــ فذكرَ الحديث‬ ‫وعنَ البراءِ بن عاز ٍ‬ ‫ب عليّ بإسلمهم فلما قرأ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم الكتا بَ خرّ ساجدا‪ ،‬شُكرا ل تعالى‬ ‫ــــ قالَ‪َ :‬فكَتَ َ‬ ‫على ذلك‪ .‬روا ُه البيهقيّ‪ .‬وأصْلُ ُه في البُخاريّ‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫ب ر ضي ال عن هُ‪ ،‬أنّ ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بَع ثَ عليا إلى الي من ــــ فذك َر‬ ‫ن البراءِ بن عاز ٍ‬ ‫(وع َ‬ ‫الحديث ــــ قالَ‪َ :‬ف َكتَبَ عليّ بإسلمهم فلما قرأ رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم الكتابَ خرّ ساجدا‪ ،‬شُكرا ل‬ ‫تعالى على ذلك‪ .‬رواهُ البيهقيّ‪ .‬وأصْلُ ُه في البُخاريّ)‪.‬‬ ‫وفي معناه سجود كعب بن مالك لما أنزل ال توبته‪ ،‬فإنه يدل على أن شرعية ذلك كانت متقررة عندهم‪.‬‬ ‫باب صلة التطوع‬ ‫أي صلة العبد التطوع فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله وحذف فاعله‪ .‬في القاموس صلة التطوع‪ :‬النافلة‪.‬‬ ‫عنْ هُ‪ ،‬قَالَ‪ :‬قَالَ لِي ال ّن ِبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ " :‬سَلْ"‪،‬‬ ‫ن َربِيعَةَ بْ نِ مَالِ كٍ الَ سْلَ ِميّ َرضِ يَ ال َ‬ ‫ع ْ‬ ‫[رح ‪ ]1/133‬ـ َ‬ ‫سجُودِ"‪.‬‬ ‫سكَ ِب َك ْثرَةِ ال ّ‬ ‫عنّي عَلَى نَفْ ِ‬ ‫غ ْيرَ ذَلِ كَ"‪ .‬فَقُلْ تُ‪ُ :‬هوَ ذَا كَ‪ ،‬قَالَ‪ :‬فَأَ ِ‬ ‫جنّةِ‪ ،‬فَقَالَ‪" :‬أَوْ َ‬ ‫سأَُلكَ ُمرَافَ َقتَ كَ فِي ا ْل َ‬ ‫فَقُل تُ‪ :‬أَ ْ‬ ‫رَوَاهُ ُمسِْلمٌ‪.‬‬ ‫( عن ربي عة بن ك عب ال سلمي ر ضي ال ع نه) من أ هل ال صفة كان خادما لر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬ ‫صحبه قديما ولز مه حضرا و سفرا‪ ،‬مات سنة ثلث و ستين من الهجرة‪ ،‬وكني ته أ بو فراس بك سر الفاء فراء‬ ‫آخره سين مهملة‪( ،‬قال‪ :‬قال لي رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬سل‪ ،‬فقلت‪ :‬اسألك مرافقتك في الجنة‪ ،‬فقال أو‬ ‫غ ير ذلك) ‪ ،‬قلت‪ :‬هو ذاك‪ ،‬قال‪" :‬فأع ني على نف سك" أي على ن يل مراد نف سك‪( ،‬بكثرة ال سجود"‪ .‬رواه م سلم)‬ ‫ل فجعـل الحديـث دليلً على التطوع‪ ،‬وكأنـه صـرفه عـن الحقيقـة كون‬ ‫حمـل المصـنف السـجود على الصـلة نف ً‬ ‫السجود بغير صلة غير مرغب فيه على انفراده والسجود وإن كان يصدق على الفرض‪ ،‬لكن التيان بالفرائض‬ ‫ل بد منه لكل مسلم‪ ،‬وإنما أرشده صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم إلى شيء يختص به ينال به ما طلبه‪.‬‬ ‫وف يه دللة على كمال إيمان المذكور و سمو هم ته إلى أشرف المطالب وأغلى المرا تب وعزف نف سه عن الدن يا‬ ‫وشهواتها‪ .‬ودللة على أن الصلة أفضل العمال في حق من كان مثله فإنه لم يرشده صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم إلى‬ ‫نيل ما طلبه إل بكثرة الصلة مع أن مطلوبة أشرف المطالب‪.‬‬ ‫عشْ َر رَكَعا تٍ‪:‬‬ ‫ن ال ّنبِيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َ‬ ‫ع ْنهُمَا‪ ،‬قَالَ‪" :‬حَفِظْ تُ مِ َ‬ ‫ع َمرَ رَضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]2/233‬ـ وَعَ نِ ُ‬ ‫ظ ْهرِ‪َ ،‬ورَ ْك َع َتيْ نِ َب ْعدَهَا‪َ ،‬و َر ْك َع َتيْ نِ َب ْعدَ ا ْل َم ْغرِ بِ فِي َب ْيتِ هِ‪َ ،‬و َر ْك َع َتيْ نِ َب ْعدِ ا ْل ِعشَاءِ فِي َب ْيتِ هِ‪َ ،‬و َر ْك َع َتيْ نِ‬ ‫َر ْك َع َتيْ نِ َقبْلَ ال ّ‬ ‫ج ْمعَ ِة فِي َب ْيتِهِ"‪.‬‬ ‫صبْحِ"‪ُ .‬متّ َفقٌ عََليْهِ‪َ .‬وفِي رِوَايَ ٍة َل ُهمَا‪َ " :‬و َر ْك َع َتيْنِ َب ْعدَ ا ْل َ‬ ‫َقبْلَ ال ّ‬ ‫جرُ ل ُيصَلّي إِل َر ْك َع َتيْنِ خَفِي َف َت ْينِ"‪.‬‬ ‫وَِل ُمسْلِمٍ‪" :‬كَانَ ِإذَا طَلَعَ الْف ْ‬ ‫(وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬حفظت من النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم عشر ركعات) هذا إجمال فصله‬ ‫بقوله‪( :‬ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته) تقييدها يدل على أن ما عداها كان‬ ‫يفعله في الم سجد‪" ،‬وكذلك" قوله‪( :‬ركعت ين ب عد العشاء في بي ته وركعت ين ق بل ال صبح) لم يقيده ما مع أ نه كان‬ ‫يصليهما صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في بيته وكأنه ترك التقييد لشهرة ذلك من فعله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم (متفق عليه‪.‬‬ ‫وفي رواية لهما وركعتين بعد الجمعة في بيته) فيكون قوله عشر ركعات نظرا إلى التكرار كل يوم‪( ،‬ولمسلم)‬ ‫أي من حديث ابن عمر (كان إذا طلع الفجر ل يصلي إل ركعتين خفيفتين) هما المعدوتان في العشر‪ ،‬وإنما أفاد‬ ‫لفظ مسلم خفتهما‪ ،‬وإنه ل يصلي بعد طلوعه سواهما وتخفيفهما مذهب مالك والشافعي وغيرهما‪ .‬وقد جاء في‬ ‫حديث عائشة‪" .‬حتى أقول أقرأ بأم الكتاب" يأتي قريبا‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن هذه النوافل للصلة‪ ،‬وقد قيل في حكمة شرعيتها إن ذلك ليكون ما بعد الفريضة جبرا لما‬ ‫فرط فيها من أدابها وما قبلها لذلك وليدخل في الفريضة ‪ ،‬وقد انشرح صدره للتيان بها وأقبل قلبه علي فعلها‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬قد أخرج أح مد‪ ،‬وأ بو داود‪ ،‬وا بن ما جه‪ ،‬والحا كم من حد يث تم يم الداري قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلته فإن كان أتمها كتبت له تامة وإن لم يكن أتمها‪ ،‬قال ال‬ ‫لملئكتـه‪ :‬انظروا هـل تجدون لعبدي مـن تطوع فتكملون بهـا فريضتـه ثـم الزكاة كذلك ثـم تؤخـذ العمال على‬ ‫ح سب ذلك"‪ .‬انت هى و هو دل يل ل ما ق يل من حك مة شرعيت ها‪ ،‬وقوله في حد يث م سلم‪" :‬إ نه ل ي صلي ب عد طلوع‬ ‫الفجر إل ركعتيه"‪ .‬قد استدل به من يرى كراهة النفل بعد طلوع الفجر وقد قدمنا ذلك‪.‬‬ ‫ظ ْهرِ‪،‬‬ ‫ن ل َيدَ عُ َأ ْربَعا َقبْلَ ال ّ‬ ‫عنْهَا‪" :‬أَن ال ّنبِيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كَا َ‬ ‫ع نْ عَا ِئشَةَ َرضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]3/333‬ـ وَ َ‬ ‫ل ا ْل َغدَاةِ"‪ .‬رَوَا ُه ا ْل ُبخَا ِريّ‪.‬‬ ‫ن قَبْ َ‬ ‫َو َركْ َع َتيْ ِ‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنه أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان ل يدع أربعا قبل الظهر وركعتين قبل الغداة‪.‬‬ ‫رواه البخاري) ل ينافي حديث ا بن عمر في قوله ركعتين قبل الظ هر لن هذه زيادة علمت ها عائ شة ولم يعلمها‬ ‫ابن عمر‪ ،‬ثم يحتمل أن الركعتين اللتين ذكرهما من الربع وأنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان يصليهما مثنى‪ ،‬وأن‬ ‫ابن عمر شاهد اثنتين فقط ويحتمل أنهما من غيرها‪ ،‬وأنه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم كان يصليهما أربعا متصلة‪.‬‬ ‫‪81‬‬

‫ويؤ يد هذا حد يث أ بي أيوب ع ند أ بي داود‪ ،‬والترمذي في الشمائل‪ ،‬وا بن ما جه‪ ،‬وا بن خزي مة بل فظ‪" :‬أر بع ق بل‬ ‫الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء"‪ .‬وحديث أنس‪" :‬أربع قبل الظهر كعدلهن بعد العشاء وأربع بعد‬ ‫العشاء كعدلهـن مـن ليلة القدر"‪ .‬أخرجـه الطـبراني فـي الوسـط‪ ،‬وعلى هذا فيكون قبـل الظهـر سـت ركعات‪،‬‬ ‫ويحتمل أنه كان يصلي الربع تارة ويقتصر عليها وعنها أخبرت عائشة‪ ،‬وتارة يصلي ركعتين وعنهما أخبر‬ ‫ابن عمر‪.‬‬ ‫شدّ‬ ‫ن النّوَافِلِ َأ َ‬ ‫ع ْنهَا‪ ،‬قَالَ تْ‪" :‬لَ مْ َي ُك نِ ال ّن ِبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عَلَى شَيْ ٍء مِ َ‬ ‫عنْها رَضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]4/433‬ـ وَ َ‬ ‫جرِ"‪ُ .‬متّ َفقَ عََليْهِ‪.‬‬ ‫َتعَاهُدا ِمنْهُ عَلَى َر ْك َعتِي الْ َف ْ‬ ‫ن ال ّد ْنيَا َومَا فِيهَا"‪.‬‬ ‫خ ْيرٌ مِ َ‬ ‫جرِ َ‬ ‫وَِل ُمسْلِمٍ‪" :‬رَ ْك َعتَا الْ َف ْ‬ ‫(وعنها) أي عن عائشة (قالت‪ :‬لم النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي‬ ‫الفجر‪ .‬متفق عليه) تعاهدا‪ ،‬أي محافظة‪ ،‬وقد ثبت أنه كان ل يتركهما حضرا ول سفرا‪ ،‬وقد حكى وجوبهما عن‬ ‫الحسن البصري (ومسلم) أي عن عائشة مرفوعا‪( ،‬ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) ‪ ،‬أي أجرهما خير من‬ ‫الدن يا‪ ،‬وكأ نه أر يد بالدن يا الرض و ما في ها أثاث ها ومتاع ها‪ .‬وف يه دل يل على الترغ يب في فعله ما وأن ها لي ستا‬ ‫بواجبتين إذ لم يذكر العقاب في تركهما بل الثواب في فعلهما‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬ ‫س ِمعْتُ رَ سُو َ‬ ‫عنْهَا‪ ،‬قَالَ تْ‪َ :‬‬ ‫ي ال َ‬ ‫حبِيبَةَ أُمّ ا ْل ُم ْؤ ِمنِي نَ َرضِ َ‬ ‫ع نْ أُمّ َ‬ ‫[رح ‪ ]5/333‬ـ وَ َ‬ ‫جنّةِ"‪ .‬رَوَا هُ مُ سِْلمٌ‪ .‬وَفِي رِوَايَةٍ‪:‬‬ ‫ت فِي ا ْل َ‬ ‫عشَرَ َة َر ْكعَةً فِي يَ ْو ِم هِ وََليَْلتِ هِ ُبنِ يَ َل هُ ِبهِنّ َبيْ ٌ‬ ‫ن صَلّى ا ْث َنتَ يْ َ‬ ‫يَقُولُ‪ :‬مَ ْ‬ ‫َتطَوّعا"‪.‬‬ ‫ْنـ َب ْعدَ ا ْل ِعشَاءِ‪،‬‬ ‫ْنـ َب ْعدَ ا ْل َم ْغرِبـِ‪َ ،‬و َر ْك َع َتي ِ‬ ‫ْنـ َبعْدَه َا‪َ ،‬و َركْ َع َتي ِ‬ ‫ظهْرِ‪َ ،‬و َر ْك َع َتي ِ‬ ‫حوَهـُ‪ ،‬وزَادَ‪َ" :‬أرْبعا َقبْلَ ال ّ‬ ‫وَلل ّترْ ِمذِي ّ َن ْ‬ ‫جرِ"‪.‬‬ ‫ل صَلةِ الْ َف ْ‬ ‫ن قَبْ َ‬ ‫َو َركْ َع َتيْ ِ‬ ‫ح ّرمَ ُه ال َتعَالَى عَلَى النّارَ"‪.‬‬ ‫ل الظّ ْهرِ وََأ ْربَعٍ َب ْعدَهَا َ‬ ‫ن حَا َفظَ عَلَى َأرْبَع قَبْ َ‬ ‫ع ْنهَا‪" :‬مَ ْ‬ ‫خ ْمسَةِ َ‬ ‫وَلِ ْل َ‬ ‫(وعن أم حبيبة أم المؤمنين) تقدم ذكر اسمها وترجمتها‪( ،‬قالت‪ :‬سمعت رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يقول‪:‬‬ ‫" من صلى اثن تي عشرة رك عة في يو مه وليل ته) كأن المراد في كل يوم وليلة ل في يوم من اليام وليلة من‬ ‫الليالي‪( ،‬بني له بهن بيت في الجنة) ‪ ،‬ويأتي تفصيلها في رواية الترمذي‪( ،‬رواه مسلم وفي رواية) أي مسلم عن‬ ‫أم حبي بة (تطوعا) تمي يز للثن تي عشرة زيادة في البيان وإل فإ نه معلوم‪( ،‬وللترمذي) أي عن أم حبي بة (نحوه)‬ ‫أي ن حو حد يث م سلم‪( ،‬وزاد) تف صيل ما أجمل ته روا ية م سلم (أربعا ق بل الظ هر) هي ال تي ذكرت ها عائ شة في‬ ‫حديثها السابق‪( ،‬وركعتين بعدها) هي التي في حديث ابن عمر‪( ،‬وركعتين بعد المغرب) هي التي قيدها حديث‬ ‫ابن عمر بفي بيته‪( ،‬وركعتين بعد العشاء) هي التي قيدها أيضا بفي بيته‪( ،‬وركعتين قبل الصلة الفجر) هما‬ ‫اللتان اتفق عليهما ابن عمر وعائشة في حديثيهما السابقين‪( ،‬وللخمسة عنها) أي عن أم حبيبة‪( ،‬من حافظ على‬ ‫أر بع ق بل الظ هر وأر بع بعد ها) يحت مل أن ها غ ير الركعت ين المذكورت ين سابقا‪ ،‬ويحت مل أن المراد أر بع في ها‬ ‫الركعتان اللتان مر ذكره ما‪( ،‬حر مه ال على النار) أي من عه عن دخول ها ك ما يم نع الش يء المحرم م من حرم‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬رَحِ مَ ال َأمْرا‬ ‫ع ْنهُمَا‪ ،‬قَالَ‪ :‬قَالَ رَ سُو ُ‬ ‫ع َمرَ َرضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]6/633‬ـ وَعَ نْ ا ْب نِ ُ‬ ‫صحّحَهُ‪.‬‬ ‫خزَ ْيمَةَ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن ُ‬ ‫حسّنَهُ‪ ،‬وَابْ ُ‬ ‫ح َمدُ‪ ،‬وََأبُو دَا ُودَ‪ ،‬وَالتّ ْر ِم ِذيّ‪َ ،‬و َ‬ ‫صرِ"‪ .‬رَوَاهُ َأ ْ‬ ‫ل ا ْلعَ ْ‬ ‫صَلّى َأ ْر َبعَا قَبْ َ‬ ‫(و عن ا بن ع مر ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ر حم ال أمرا صلى أربعا ق بل‬ ‫الع صر") هذه الر بع لم تذ كر فيما سلف من النوا فل‪ ،‬فإذا ض مت إلى حديث أم حبي بة الذي عند الترمذي كا نت‬ ‫النوافـل قبـل الفرائض وبعدهـا سـت عشرة ركعـة‪( ،‬رواه أحمـد وأبـو داود والترمذي وحسـنه وابـن خزيمـة‬ ‫وصححه)‪ .‬وأما صلة ركعتين قبل العصر فقط فيشملها حديث‪" :‬بين كل أذانين صلة"‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪:‬‬ ‫عنْ هُ‪ ،‬قَالَ‪ :‬قَالَ رَ سُو َ‬ ‫ن ُمغَفّلٍ ا ْل ُم َزنِيّ َرضِ يَ ال َ‬ ‫ع ْبدِ ال ْب ِ‬ ‫[رح ‪ ]7/733‬ـ وَعَ نْ َ‬ ‫سنّةً‪ .‬رَوَا هُ‬ ‫خذَهَا النّا سُ ُ‬ ‫ن َي ّت ِ‬ ‫ن شَاءَ"‪َ .‬كرَا ِهيَةَ َأ ْ‬ ‫صَلّوا َقبْلَ ا ْل َم ْغرِ بِ‪ ،‬صَلّوا َقبْلَ ا ْل َم ْغرِ بِ"‪ .‬ثُمّ قَالَ في الثّاِلثَةِ‪ِ" :‬لمَ ْ‬ ‫ا ْل ُبخَارِيّ‪.‬‬ ‫ب َركْ َع َتيْنِ‪.‬‬ ‫حبّانَ‪ ،‬أَن ال ّنبِي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم َقبْلَ ا ْل َمغْرِ ِ‬ ‫َوفِي ِروَايَةٍ ل ْبنِ ِ‬ ‫(وعن عبد ال بن مغفل المزني) بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء مفتوحة هو أبو سعيد في الشهر‬ ‫عبد ال بن مغفل بن غنم كان من أصحاب الشجرة سكن المدينة المنورة ثم تحول إلى البصرة وابتني بها دارا‪،‬‬ ‫وكان أحد العشرة الذين بعثهم عمر إلى البصرة يفقهون الناس‪ ،‬ومات عبد ال بها سنة ستين وقيل قبلها بسنة‪،‬‬ ‫‪82‬‬

‫(قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب‪ ،‬ثم قال في الثالثة "لمن شاء كراهية)‬ ‫أي لكراهيـة (أن يتخذهـا الناس") أي طريقـة مألوفـة ل يتخلفون عنهـا فقـد يؤدي إلى فوات أول الوقـت‪( ،‬رواه‬ ‫البخاري) و هو دل يل على أن ها تندب ال صلة ق بل صلة المغرب‪ ،‬إذ هو المراد من قوله‪" :‬ق بل المغرب" ل أن‬ ‫المراد قبل الوقت لما علم من أنه منهي عن الصلة فيه‪( ،‬وفي رواية لبن حبان) أي من حديث عبد ال المذكور‬ ‫(أن النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم صلى قبل المغرب ركعتين) فثبت شرعيتهما بالقول والفعل‪.‬‬ ‫شمْسِ‪َ ،‬وكَانَ ال ّن ِبيّ صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‬ ‫ب ال ّ‬ ‫غرُو ِ‬ ‫س قَالَ‪ُ " :‬كنّا ُنصَلّي َر ْك َع َتيْنِ َب ْعدَ ُ‬ ‫عنْ َأنَ ٍ‬ ‫[رح ‪ ]8/833‬ـ وَِل ُمسِْلمٍ َ‬ ‫َيرَانَا‪ ،‬فََلمْ َي ْأ ُمرْنَا وََلمْ َي ْن َهنَا"‪.‬‬ ‫(ولمسلم عن أنس قال‪ :‬كنا نصل ركعتين بعد غروب الشمس‪ ،‬وكان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يرانا فلم‬ ‫يأمر نا ولم ينه نا) فتكون ثاب تة بالتقر ير أيضا‪ ،‬فثب تت هاتان الركعتان بأق سام ال سنة الثل ثة‪ ،‬ول عل أن سا لم يبل غه‬ ‫حديث عبد ال الذي فيه المر بهما‪ ،‬وبهذه تكون النوافل عشرين ركعة تضاف إلى الفرائض وهي سبع عشرة‬ ‫ركعة فيتم لمن حافظ على هذه النوافل في اليوم والليلة سبع وثلثون ركعة وثلث ركعات الوتر تكون أربعين‬ ‫ركعة في اليوم والليلة‪ ،‬وقال ابن القيم‪ :‬ثبت أنه كان صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم يحافظ في اليوم والليلة على أربعين‬ ‫رك عة سبع عشرة الفرائض واثن تي عشرة ال تي روت أم حبي بة وإحدى عشرة صلة الل يل فكا نت أربع ين رك عة‬ ‫انتهى‪ ،‬ول يخفى أنه بلغ عدد ما ذكر هنا من النوافل غير الوتر اثنتين وعشرين إن جعلنا الربع قبل الظهر‬ ‫وبعده داخلة تحتها الثنتان اللتان في حديث ابن عمر ويزاد ما في حديث أم حبيبة التي بعد العشاء فالجميع أربع‬ ‫وعشرون ركعة من دون الوتر والفرائض‪.‬‬ ‫ن َقبْلَ‬ ‫ع ْنهَا قَالَتْ‪" :‬كَا نَ ال ّن ِبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم ُيخَفّفُ ال ّر ْك َع َتيْ نِ الّل َتيْ ِ‬ ‫عنْ عَا ِئشَةَ َرضِيَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]9/933‬ـ وَ َ‬ ‫حتّى إنّي َأقُولُ‪َ :‬أ َقرَأَ ِبُأمّ ا ْل ِكتَابِ؟ ُمتّ َفقٌ عَلَيهِ‪.‬‬ ‫صبْحِ َ‬ ‫صَل ِة ال ّ‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنه قالت‪ :‬كان النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يخفف الركعتين اللتين قبل الصبح) أي نافلة‬ ‫الفجر (حتى إني أقول أقرأ بأم الكتاب) يع ني أم ل لتخفيفه قيامها (مت فق عليه) ‪ ،‬وإلى تخفيفهما ذهب الجمهور‬ ‫ويأتي تعيين قدر ما يقرأ فيهما وذهبت الحنفية إلى تطويلهما ونقل عن النخعي‪ ،‬وأورد فيه البيهقي حديثا مرسلً‬ ‫عن سعيد بن جبير وفيه لم يسم‪ ،‬وما ثبت في الصحيح ل يعارضه مثل ذلك‪.‬‬ ‫جرِ‪{ :‬قُلْ يَا َأ ّيهَا ا ْلكَا ِفرُونَ}‬ ‫عنْ َأبِي ُهرَ ْيرَةَ‪ ،‬أَن ال ّن ِبيّ صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قَرَأَ فِي َر ْك َعتِي ا ْل َف ْ‬ ‫[رح ‪ ]01/043‬ـ وَ َ‬ ‫حدٌ}‪ .‬رَوَاهُ ُمسِْلمٌ‪.‬‬ ‫‪ ،‬و {قُلْ ُهوَ ال َأ َ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قرأ في ركعتي الفجر {قل يا أيها الكافرون}) أي‬ ‫في الولى بعد الفاتحة‪ ،‬و {قل هو ال أحد} أي في الثانية بعد الفاتحة‪( ،‬رواه مسلم) ‪ ،‬وفي رواية لمسلم أي عن‬ ‫أبي هريرة‪" :‬قرأ اليتين أي في ركعتي الفجر‪{ :‬قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا} ـ إلى آخر الية في البقرة ـ‬ ‫عوضا عن‪{ :‬قل يا أيها الكافرون} ‪ ،‬و {قل يا أهل الكتاب تعالوا} ـ الية في آل عمران ـ عوضا عن {قل هو‬ ‫ال أحد} ‪ ،‬وفيه دليل على جواز القتصار على آية من وسط السورة‪.‬‬ ‫جرِ‬ ‫ن ال ّنبِيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ِإذَا صَلّى َر ْك َعتَ يِ الْ َف ْ‬ ‫ع ْنهَا‪ ،‬قَالَ تْ‪" :‬كَا َ‬ ‫ع نْ عَا ِئشَةَ َرضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]11/143‬ـ وَ َ‬ ‫ل ْيمَنِ"‪ .‬رَوَاهُ ا ْل ُبخَارِيّ‪.‬‬ ‫طجَعَ عَلَى شِقّهِ ا َ‬ ‫ضَ‬ ‫ا ْ‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬كان النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه‬ ‫اليمن‪ .‬رواه البخاري) العلماء في هذه الضجعة بين مفرط ومفرط ومتوسط فأفرط جماعة من أهل الظاهر منهم‬ ‫ابن حزم ومن تابعه فقالوا بوجوبها‪ ،‬وأبطلوا صلة الفجر بتركها‪ ،‬وذلك لفعله المذكور في هذا الحديث‪ ،‬ولحديث‬ ‫المر بها في حديث أبي هريرة عن النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم "إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع‬ ‫على جنبه اليمن"‪ .‬قال الترمذي‪ :‬حديث حسن صحيح غريب‪ ،‬وقال ابن تيمية‪ :‬ليس بصحيح لنه تفرد به عبد‬ ‫الواحد ابن زياد وفي حفظ مقال‪.‬‬ ‫حجّة إل أنه صرف المر عن الوجوب ما ورد من عدم مداومته صَلّى ال‬ ‫قال المصنف‪ :‬والحق أنه تقوم به ال ُ‬ ‫عََليْهِ َوسَلّم على فعلها‪.‬‬ ‫وفرط جماعـة فقالوا بكراهتهـا واحتجوا بأن ابـن عمـر كان ل يفعـل ذلك ويقول‪" :‬كفـى بالتسـليم" أخرجـه عبـد‬ ‫الرزاق وبأ نه كان يح صب من يفعل ها‪ ،‬وقال ا بن م سعود‪ " :‬ما بال الر جل إذا صلى الركعت ين تم عك ك ما يتم عك‬ ‫الحمار"‪ ،‬وتو سط في ها طائ فة من هم مالك وغيره فلم يروا ب ها بأ سا لم فعل ها را حة‪ ،‬وكرهو ها ل من فعل ها ا ستنانا‪.‬‬ ‫ومنهم من قال باستحبابها على الطلق سواء فعلها استراحة أم ل‪.‬‬ ‫‪83‬‬

‫قيل‪ :‬وقد شرعت لمن يتجهد من الليل لما أخرجه عبد الرزاق عن عائشة كانت تقول‪" :‬إن النبي صَلّى ال عََليْ ِه‬ ‫وَ سَلّم لم يضط جع ل سنة لك نه كان يدأب ليلة فيضط جع لي ستريح م نه"‪ .‬وف يه راوٍ لم ي سم‪ ،‬وقال النووي‪ :‬المختار‬ ‫أنها سنة لظاهر حديث أبي هريرة‪ .‬قلت‪ :‬وهو القرب وحديث عائشة لو صح فغايته أنه إخبار عن فهمها‪ ،‬وعدم‬ ‫استمراره صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم عليها دليل سنيتها ثم إنه يسن على الشق اليمن‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬فإن تعذر على‬ ‫اليمن فإنه يوميء ول يضطجع على اليسر‪.‬‬ ‫ح ُدكُ مُ‬ ‫عنْ هُ قَالَ‪ :‬قَالَ رَ سُولَ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ِ" :‬إذَا صَلّى َأ َ‬ ‫[رح ‪ ]21/243‬ـ وَعَ نْ َأبِي ُه َر ْيرَةَ َرضِ يَ ال َ‬ ‫صحّحَهُ‪.‬‬ ‫ح َمدُ‪ ،‬وََأبُو دَا ُودَ وَال ّترْ ِم ِذيّ‪َ ،‬و َ‬ ‫ل ْيمَنِ"‪ .‬رَوَا ُه َأ ْ‬ ‫ج ْنبِ ِه ا َ‬ ‫طجِعْ عَلَى َ‬ ‫ضَ‬ ‫ح فَ ْليَ ْ‬ ‫ال ّر ْك َع َتيْنِ َقبْلَ صل ِة الصّبْ ِ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪ :‬إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلة‬ ‫الصبح فليضطجع على جنبه اليمن‪ .‬رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه) تقدم الكلم‪ ،‬وأنه كان صَلّى ال‬ ‫عََليْهِ َوسَلّم يفعلها‪ ،‬وهذه رواية في المر بها وتقدم أنه صرفه عن اليجاب ما عرفت وعرفت كلم الناس فيه‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ " :‬صَل ُة الّليْلِ‬ ‫ع ْنهُ ما‪ ،‬قَالَ‪ :‬قَالَ رَ سُو ُ‬ ‫ع َمرَ َرضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]31/343‬ـ وَعَ نْ ا ْب نِ ُ‬ ‫حدَةً‪ ،‬تُو ِترُ مَا َقدْ صَلّى"‪ُ .‬متّ َفقٌ عََليْهِ‪.‬‬ ‫ح صَلّى َر ْكعَةً وَا ِ‬ ‫صبْ َ‬ ‫ح ُدكُمُ ال ّ‬ ‫شيَ َأ َ‬ ‫خِ‬ ‫َم ْثنَى‪َ ،‬فِإذَا َ‬ ‫خطَأ‪.‬‬ ‫حبّانَ‪ ،‬بِلَ ْفظِ‪" :‬صَلةُ الّليْلِ وَال ّنهَارِ َم ْثنَى َم ْثنَى"‪ .‬وقَالَ ال ّنسَائِيّ‪َ :‬هذَا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ححَ ُه ابْ ُ‬ ‫خ ْمسَةِ َوصَ ّ‬ ‫وَلِ ْل َ‬ ‫(وعن ابن عمر رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬صلة الليل مثنى مثنى‪ ،‬فإذا خشي‬ ‫أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى" متفق عليه)‪.‬‬ ‫الحديث دليل على مشروعية نافلة الليل مثنى مثنى‪ ،‬فيسلم على كل ركعتين‪ .‬وإليه ذهب جماهير العلماء‪ ،‬وقال‬ ‫مالك‪ :‬ل تجوز الزيادة على اثنت ين لن مفهوم الحديث الحصر‪ ،‬لنه في قوة ما صلة الليل إل مثنى مثنى لن‬ ‫تعريف المبتدأ قد يفيد ذلك على الغلب‪ ،‬وأجاب الجمهور بأن الحديث وقع جوابا لمن سأل عن صلة الليل فل‬ ‫دللة فيه على الحصر‪ ،‬وبأنه لو سلم فقد عارضه فعله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم وهو ثبوت إيتاره بخمس‪ ،‬كما في‬ ‫حديث عائشة عند الشيخين والفعل قرينة على عدم إرادة الحصر‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬فإذا خشي أحدكم الصبح أوتر بركعة" دليل على أنه ل يوتر بركعة واحدة إل لخشية طلوع الفجر وإل‬ ‫أو تر بخ مس أو سبع أو نحو ها ل بثلث للن هي عن الثلث‪ ،‬فإ نه أخرج الدارقط ني‪ ،‬والحا كم‪ ،‬وا بن حبان من‬ ‫حديث أبي هريرة مرفوعا "أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو إحدى عشرة"‪ ،‬زاد الحاكم‪" :‬ول توتروا بثلث ل‬ ‫تشبهوا بصلة المغرب"‪ .‬قال المصنف‪ :‬ورجاله كلهم ثقات ول يضره وقف من وقفه‪ ،‬إل أنه قد عارضه حديث‬ ‫أبي أيوب‪" :‬من أحب أن يوتر بثلث فليفعل"‪ ،‬أخرجه أبو داود والنسائي‪ ،‬وابن ماجه وغيرهم‪.‬‬ ‫وقد جمع بينهما بأن النهي عن الثلثة إذا كان يقعد للتشهد الوسط لنه يشبه المغرب‪ ،‬وأما إذا لم يقعد إل في‬ ‫آخرها فل يشبه المغرب‪ ،‬وهو جمع حسن قد أيده حديث عائشة عند أحمد‪ ،‬والنسائي‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬والحاكم‪" :‬كان‬ ‫صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يو تر بثلث ل يجلس إل في آخرت هن"‪ .‬ول فظ أح مد‪" :‬كان يو تر بثلث ل يف صل بين هن"‪.‬‬ ‫ولفظ الحاكم‪" :‬ل يقعد"‪.‬‬ ‫هذا وأما مفهوم أنه ل يوتر بواحدة إل لخشية طلوع الفجر‪ ،‬فإنه يعارضه حديث أبي أيوب هذا فإن فيه‪" :‬ومن‬ ‫أ حب أن يو تر بواحدة فليف عل"‪ .‬و هو أقوى من مفهوم حد يث الكتاب‪ ،‬و في حد يث أ بي أيوب دل يل على صحة‬ ‫الحرام بركعة واحدة‪ ،‬وسيأتي قريبا‪.‬‬ ‫(وللخمسـة) أي مـن حديـث أبـي هريرة‪( ،‬وصـححه ابـن حبان بلفـظ‪" :‬صـلة الليـل والنهار مثنـى مثنـى"‪ ،‬وقال‬ ‫الن سائي‪ :‬هذا خ طأ) أخر جه المذكور ين من حد يث عل يّ بن ع بد ال البار قي عن ا بن ع مر بهذا‪ ،‬وأ صله في‬ ‫الصحيحين بدون ذكر النهار‪ ،‬وقال ابن عبد البر‪ :‬لم يقله أحد عن ابن عمر غير عل يّ وأنكروه عليه‪ ،‬وكان ابن‬ ‫معين يضعف حدي ثه هذا ول يح تج به‪ ،‬ويقول‪ :‬إن نافعا وعبد ال بن دينار وجما عة رووه عن ا بن عمر بدون‬ ‫ذكر النهار‪ ،‬وروي بسنده عن يحيى بن معين أنه قال‪ :‬صلة النهار أربع ل يفصل بينهن فقيل له‪ :‬فإن أحمد بن‬ ‫حنبل يقول‪ :‬صلة الليل والنهار مثنى مثنى‪ ،‬قال‪ :‬بأي حديث قيل بحديث الزدي‪ ،‬قال‪ :‬ومن الزدي حتى أقبل‬ ‫منه‪ .‬قال النسائي‪ :‬هذا الحديث عندي خطأ‪ ،‬وكذا قال الحاكم في علوم الحديث‪ ،‬وقال الدارقطني في العلل‪ :‬ذكر‬ ‫النهار ف هي و هم‪ ،‬وقال الخطا بي‪ :‬روي هذا الحد يث طاوس ونا نع وغيره ما عن ا بن ع مر فلم يذ كر أ حد ف يه‬ ‫النهار إل أن سبيل الزيادة من الثقة أن تقبل‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬هذا حديث صحيح‪ ،‬وقال‪ :‬والبارقي احتج به مسلم‬ ‫والزيادة من الثقة مقبولة‪ ،‬انتهى كلم المصنف في التلخيص‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫فان ظر إلى كلم الئ مة في هذه الزيادة ف قد اختلفوا في ها اختلفا شديدا‪ .‬ول عل المر ين جائزان‪ ،‬وقال أ بو حني فة‪:‬‬ ‫يخ ير في النهار ب ين أن ي صلي ركعت ين ركعت ين أو أربعا أربعا ول يز يد على ذلك‪ .‬و قد أخرج البخاري ثمان ية‬ ‫أحاديث في "صلة النهار ركعتين"‪.‬‬ ‫عنْ ُه قَالَ‪ :‬قَالَ رَ سُولَ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪َ" :‬أفْضَلُ ال صّلةِ‬ ‫ع نْ أَبِي ُهرَ ْيرَ َة رَضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]41/443‬ـ وَ َ‬ ‫َب ْعدَ الْ َفرِيضَةِ صَل ُة الّليْلِ"‪َ .‬أخْ َرجَ ُه ُمسِْلمٌ‪.‬‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬أفضل الصلة بعد الفريضة) فإنها‬ ‫أفضل الصلة‪( ،‬صلة الليل" أخرجه مسلم) يحتمل أنه يريد بالليل جوفه‪ ،‬لحديث أبي هريرة عند الجماعة إل‬ ‫البخاري قال‪ " :‬سئل ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أي ال صلة أف ضل ب عد المكتو بة؟ قال‪" :‬ال صلة في جوف‬ ‫الل يل"‪ .‬و في حد يث عمرو بن عب سة ع ند الترمذي و صححه‪" :‬أقرب ما يكون الرب من الع بد في جوف الل يل‬ ‫ال خر‪ ،‬فإن استطعت أن تكون م من يذ كر ال في تلك ال ساعة ف كن"‪ .‬وفي حدي ثه أيضا ع ند أبي داود‪" :‬قلت‪ :‬يا‬ ‫ر سول ال أي الل يل أ سمع"؟ قال‪" :‬جوف الل يل ال خر ف صل ما شئت فإن ال صلة ف يه مكتو بة مشهودة"‪ .‬والمراد‬ ‫من جوفه الخر هو الثلث الخر كما وردت به الحاديث‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قَالَ‪" :‬الْ َو ْترُ حَقّ عَلَى كُلّ‬ ‫لنْ صَا ِريّ‪ ،‬أَنّ رَ سُو َ‬ ‫باَ‬ ‫[رح ‪ ]51/543‬ـ وَعَ نْ أَبِي َأيُو َ‬ ‫حدَ ٍة فَ ْليَ ْفعَلْ"‪.‬‬ ‫ب أَ نْ ُي ِو َترَ بِوَا ِ‬ ‫ن َأحَ ّ‬ ‫ث فَلْيَ ْفعَلْ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫ن َأحَبّ أَ نْ يُو ِترَ ِبثَل ٍ‬ ‫خمْ سٍ فَلْيَ ْفعَلْ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫ن يُو ِترَ ِب َ‬ ‫مُ سْلِمِ‪ ،‬مَ نْ َأحَبّ َأ ْ‬ ‫ح ال ّنسَائِي َوقْفَهُ‪.‬‬ ‫حبّان‪َ ،‬و َرجّ َ‬ ‫ححَهُ ا ْبنُ ِ‬ ‫صّ‬ ‫ل ْر َبعَ ُة إِل ال ّت ْرمِ ِذيّ‪َ ،‬و َ‬ ‫رَوَاهُ ا َ‬ ‫(وعن أبي أيوب النصاري رضي ال عنه أن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬الوتر حق على كل مسلم)‬ ‫هو دليل لمن قال بوجوب الوتر‪( ،‬من أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلث فليفعل) ‪ ،‬قد قدمنا‬ ‫الجمع بي نه وبين ما عار ضه‪( ،‬ومن أ حب أن يوتر بواحدة) من دون أن يضيف إليها غيرها كما هو الظا هر‪،‬‬ ‫(فليفعل" رواه الربعة إل الترمذي وصححه ابن حبان ورجح النسائي وقفه) ‪ ،‬وكذا صحح أبو حاتم‪ ،‬والذهلي‪،‬‬ ‫والدارقطني في العلل‪ ،‬والبيهقي وغير واحد وقفه‪.‬‬ ‫قال المصنف‪ :‬وهو الصواب‪ ،‬قلت‪ :‬وله حكم الرفع إذ ل مسرح للجتهاد فيه أي في المقادير‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل على إيجاب الو تر‪ ،‬ويدل له أيضا حد يث أ بي هريرة ع ند أح مد‪ " :‬من لم يو تر فل يس م نا"‪ .‬وإلى‬ ‫ي رضي ال عنه‪" :‬الوتر ليس‬ ‫وجوبه ذهبت الحنفية‪ ،‬وذهب الجمهور إلى أنه ليس بواجب مستدلين بحديث عل ّ‬ ‫بحتم كهيئة المكتوبة ولكنه سنة سنها رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم" ويأتي‪ ،‬ولفظه عند ابن ماجه‪" :‬إن الوتر‬ ‫ليس بحتم ول كصلتكم المكتوبة ولكن رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم أوتر وقال‪ :‬يا أهل القرآن أوتروا فإن ال‬ ‫وتر يحب الوتر"‪.‬‬ ‫وذكر المجد ابن تيمية أن ابن المنذر روى حديث أبي أيوب‪ ،‬بلفظ‪" :‬الوتر حق وليس بواجب"‪ ،‬وبحديث‪" :‬ثلث‬ ‫هن على فرائض ولكم تطوع"‪.‬‬ ‫وعد منها الوتر وإن كان ضعيفا فله متابعات يتأيد بها‪ ،‬على أن حديث أبي أيوب الذي استدل به على اليجاب‬ ‫قد عر فت أن ال صح وق فه عل يه‪ ،‬وإن سبق أن له ح كم المرفوع ف هو ل يقاوم الدلة الدالة على عدم اليجاب‪،‬‬ ‫واليجاب قد يطلق على الم سنون تأكيدا ك ما سلف في غ سل الجم عة‪ ،‬وقوله‪" :‬بخ مس وبثلث" أي‪ :‬ول يق عد إل‬ ‫في آخر ها‪ ،‬ويأ تي حد يث عائ شة في الخ مس‪ .‬وقوله‪" :‬بواحدة" ظاهره مقت صرا علي ها‪ ،‬و قد روى ف عل ذلك عن‬ ‫جماعة من الصحابة‪ ،‬فأخرج محمد بن نصر وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد‪" :‬أن عمر قرأ القرآن‬ ‫ليلة في ركعة لم يصل غيرها"‪ .‬وروى البخاري‪" :‬أن معاوية أوتر بركعة وأن ابن عباس استصوبه"‪.‬‬ ‫سنّةٌ‬ ‫حتْ مٍ َك َه ْيئَ ِة ا ْل َم ْكتُوبَةِ‪ ،‬وََل ِك نْ ُ‬ ‫ع ْن هُ‪ ،‬قَالَ‪َ" :‬ليْ سَ ا ْل ِوتْ ُر ِب َ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ن َأبِي طَالِ بٍ َرضِ َ‬ ‫ع نْ عَِليّ بْ ِ‬ ‫[رح ‪ ]61/643‬ـ وَ َ‬ ‫ححَهُ‪.‬‬ ‫صّ‬ ‫سنَهُ‪ ،‬وَال ّنسَا ِئيّ‪ ،‬وَا ْلحَاكِمُ َو َ‬ ‫حْ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم"‪ .‬رَوَاهُ ال ّت ْر ِم ِذيّ َو َ‬ ‫س ّنهَا رَسُو ُ‬ ‫سنّ ٌة َ‬ ‫َ‬ ‫(وعن عليّ بن أبي طالب عليه السلم قال‪ :‬ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول ال صَلّى ال‬ ‫عََليْهِ َوسَلّم" رواه الترمذي والنسائي وحسنه والحاكم وصححه) تقدم أنه من أدلة الجمهور على عدم الوجوب‪.‬‬ ‫وفي حديث عليّ هذا عاصم بن ضمرة تكلم في غير واحد وذكره القاضي الخيمي في حواشيه على بلوغ المرام‬ ‫ولم أجده في التلخيص‪ ،‬بل ذكر هنا أنه صححه الحاكم ولم يتعقبه فما أدري من أين نقل القاضي ثم رأيت في‬ ‫التقريب ما لفظه‪ :‬عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي صدوق من السادسة‪ ،‬مات سنة أربع وسبعين‪.‬‬ ‫ش ْهرِ‬ ‫ع ْنهُمَا‪ ،‬أَنّ رَ سُولَ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قَا مَ فِي َ‬ ‫ع ْبدِ ال َرضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]71/743‬ـ وَعَ نْ جَا ِبرِ بْ نِ َ‬ ‫حبّانَ‪.‬‬ ‫خشِيتُ َأنْ ُي ْكتَبَ عََل ْي ُكمْ ا ْل ِوتْرُ" رَوَاهُ ا ْبنُ ِ‬ ‫خرُجْ‪َ ،‬وقَالَ‪" :‬إنّي َ‬ ‫ن الْقَابِلَ ِة فَلَمْ َي ْ‬ ‫ظرُو ُه مِ َ‬ ‫َر َمضَانَ‪ُ ،‬ثمّ ا ْن َت َ‬ ‫‪85‬‬

‫(وعن جابر بن عبد ال رضي ال عنه أن رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم قام في شهر رمضان ثم انتظروه من‬ ‫القابلة فلم يخرج‪ ،‬وقال‪ :‬إني خشيت أن يكتب عليكم الوتر‪ .‬وراه ابن حبان) أبعد المصنف النجعة‪.‬‬ ‫والحديث في البخاري إل أنه بلفظ‪" :‬أن تفرض عليكم صلة الليل"‪ ،‬وأخرجه أبو داود من حديث عائشة‪ ،‬ولفظه‪:‬‬ ‫"أن ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم صلى في الم سجد ف صلى ب صلته ناس‪ ،‬ثم صلى من القابلة فك ثر الناس‪ ،‬ثم‬ ‫اجتمعوا في الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪ ،‬فلما أصبح قال‪" :‬قد رأيت الذي صنعتم‬ ‫ولم يمنعني من الخروج إليكم إل أني خشيت أن تفرض عليكم" هذا‪ ،‬والحديث في البخاري بقريب من هذا‪.‬‬ ‫وأعلم أنه قد أشكل التعليل لعدم الخروج بخشية الفرضية عليهم مع ثبوت حديث‪" :‬هي خمس وهن خمسون ل‬ ‫يبدل القول لدي"‪ ،‬فإذا أ من التبد يل ك يف ي قع الخوف من الزيادة‪ ،‬و قد ن قل الم صنف ع نه أجو بة كثيرة وزيف ها‪،‬‬ ‫وأجاب بثلثة أجوبة‪ ،‬قال‪ :‬إنه فتح الباري عليه بها وذكرها واستجود منها أن خوفه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان‬ ‫من افتراض قيام الليل يع ني جعل التهجد في المسجد جما عة شرطا في صحة التنقل بالل يل قال‪ :‬ويوميء إل يه‬ ‫قوله في حديث زيد بن ثابت‪" :‬حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في‬ ‫بيوتكم" فمنعهم من التجمع في المسجد إشفاقا عليهم من اشتراطه انتهى‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ول يخ فى أ نه ل يطا بق قوله‪" :‬أن تفرض علي كم صلة الل يل" ك ما في البخاري‪ ،‬فإ نه ظا هر أ نه خش ية‬ ‫فرضها مطلقا‪ ،‬وكان ذلك في رمضان‪ ،‬فدل على أنه صلى بهم ليلتين‪ .‬وحديث الكتاب أنه صلى بهم ليلة واحدة‬ ‫وفي رواية أحمد‪" :‬إنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم صلى بهم ثلث ليال وغص المسجد بأهله في الليلة الرابعة"‪ ،‬وفي‬ ‫قوله‪" :‬خشيت أن يكتب عليكم الوتر" دللة على أن الوتر غير واجب‪.‬‬ ‫واعلم أن أثبت صلة التراويح وجعلها سنة في قيام رمضان استدل بهذا الحديث على ذلك‪ ،‬وليس فيه دليل على‬ ‫كيفية ما يفعلونه ول كميته‪ ،‬فإنهم يصلونها جماعة عشرين يتروحون بين كل ركعتين‪ ،‬فأما الجماعة فإن عمر‬ ‫أول من جمعهم على إمام معين وقال‪" :‬إنها بدعة" كما أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬وأخرجه غيره من حديث أبي‬ ‫هريرة‪" :‬أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان يرغب هم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم ف يه بعزي مة فيقول من قام‬ ‫رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬قال‪ :‬وتوفي رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم والمر على ذلك‪،‬‬ ‫و في خل فة أ بي ب كر و صدر من خل فة ع مر"‪ ،‬زاد في روا ية عند البيه قي‪" :‬قال عروة فأ خبرني ع بد الرح من‬ ‫القاري أن ع مر بن الخطاب خرج ليلة فطاف فـي رمضان في الم سجد وأ هل المسـجد أوزاع متفرقون ي صلي‬ ‫الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلته الرهط"‪ ،‬فقال عمر‪ :‬وال لظن لو جمعناهم على قارىء واحد فأمر‬ ‫أبي بن كعب أن يقوم بهم في رمضان فخرج عمر والناس يصلون بصلته فقال عمر‪" :‬نعم البدعة هذه"‪ ،‬وساق‬ ‫البيهقي في السنن عدة روايات في هذا المعنى‪.‬‬ ‫واعلم أ نه يتع ين ح مل قوله بد عة على جم عه ل هم على مع ين وإلزام هم بذلك ل أ نه أراد أن الجما عة بد عة فإ نه‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم قد جمع بهم كما عرفت‪ .‬إذا عرفت هذا عرفت أن عمر هو الذي جعلها جماعة على معين‬ ‫وسماها بدعة‪.‬‬ ‫وأما قوله‪" :‬نعم البدعة"‪ ،‬فليس في البدعة ما يمدح بل كل بدعة ضللة‪ ،‬وأما الكمية وهي جعلها عشرين ركعة‪،‬‬ ‫فل يس ف يه حد يث مرفوع إل ما رواه ع بد بن حم يد وال طبراني من طر يق أ بي شي بة إبراه يم بن عثمان‪ ،‬عن‬ ‫الحكم‪ ،‬عن مقسم‪ ،‬عن ابن عباس‪" :‬أن رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة‬ ‫والوتـر"‪ ،‬قال فـي سـبل الرشاد‪ :‬أبـو شيبـة ضعفـه أحمـد‪ ،‬وابـن معيـن‪ ،‬والبخاري‪ ،‬ومسـلم‪ ،‬وداود‪ ،‬والترمذي‬ ‫والنسائي‪ ،‬وغيرهم وكذبه شعبة‪ ،‬وقال ابن معين‪ :‬ليس بثقة‪ ،‬وعد هذا الحديث من منكراته‪ ،‬وقال الذرعي في‬ ‫المتوسط‪ :‬وأما ما نقل أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم صلى في الليلتين اللتين خرج فيهما عشرين ركعة فهو منكر‪،‬‬ ‫وقال الزركشي في الخادم‪ :‬دعوى أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم صلى بهم في تلك الليلة عشرين ركعة لم تصح‪ ،‬بل‬ ‫الثابت في الصحيح الصلة من غير ذكر بالعداد ولما في رواية جابر‪" :‬أنه صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم صلى بهم ثمان‬ ‫ركعات والوتر‪ ،‬ثم انتظروه في القابلة فلم يخرج إليهم"‪ .‬رواه ابن حبان في صحيحهما انتهى‪.‬‬ ‫وأخرج البيهقي رواية ابن عباس من طريق أبي شيبة‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنه ضعيف وساق روايات‪" :‬أن عمر أمر أبيا‬ ‫وتميما الداري يقومان بالناس بعشرين ركعة"‪ .‬وفي رواية‪" :‬أنهم كانوا يقومون في زمن عمر بعشرين ركعة"‪،‬‬ ‫و في روا ية بثلث وعشر ين رك عة‪ .‬و في روا ية‪" :‬أن عليا ر ضي ال ع نه كان يؤم هم بعشر ين رك عة ويو تر‬ ‫بثلث"‪ ،‬قال‪ :‬وفيه قوة‪.‬‬ ‫إذا عرفت هذا علمت أنه ليس في العشرين رواية مرفوعة‪ ،‬بل يأتي حديث عائشة المتفق عليه قريبا‪" :‬أنه صَلّى‬ ‫ال عََليْهِـ وَسَـلّم مـا كان يزيـد فـي رمضان ول غيره على إحدى عشرة ركعـة"‪ ،‬فعرفـت مـن هذا كله أن صـلة‬ ‫‪86‬‬

‫التراويح على هذا السلوب الذي اتفق عليه الكثر بدعة نعم قيام رمضان سنة بل خلف‪ ،‬والجماعة في نافلته‬ ‫ل تن كر‪ ،‬و قد ائ تم ا بن عباس ر ضي ال ع نه وغيره به صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم في صلة الل يل‪ ،‬ل كن ج عل هذه‬ ‫الكيفية والكمية سنة‪ ،‬والمحافظة عليها هو الذي نقول‪ :‬إنه بدعة‪ ،‬وهذا عمر رضي ال عنه خرج أولً‪ ،‬والناس‬ ‫أوزاع متفرقون منهم من يصلي منفردا ومنهم من يصلي جماعة على ما كانوا في عصره صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬ ‫وخير المور ما كان على عهده‪.‬‬ ‫وأما تسميتها بالتراويح فكأن وجهه ما أخرجه البيهقي من حديث عائشة قالت‪" :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم ي صلي أر بع ركعات في الل يل ثم يتروح فأطال ح تى رحم ته"‪ .‬الحد يث‪ ،‬قال البيه قي‪ :‬تفرد به المغيرة بن‬ ‫دياب وليس بالقوي‪ ،‬فإن ثبت فهو أصل في تروح المام في صلة التراويح‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫وأ ما حد يث‪" :‬علي كم ب سنتي و سنة الخلفاء الراشد ين بعدي تم سكوا ب ها وعضوا علي ها بالنوا جذ"‪ .‬أخر جه أح مد‪،‬‬ ‫وأ بو داود‪ ،‬وا بن ما جه‪ ،‬والترمذي‪ ،‬و صححه الحا كم‪ ،‬وقال‪ :‬على شرط الشيخ ين‪ .‬ومثله حد يث‪" :‬اقتدوا باللذ ين‬ ‫من بعدي أ بي ب كر وع مر" أخر جه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬ح سن‪ ،‬وأخر جه أح مد‪ ،‬وا بن ما جه‪ ،‬وا بن حبان‪ ،‬وله طرق‬ ‫في ها مقال إل أ نه يقوي بعض ها بعضا‪ .‬فإ نه ل يس المراد ب سنة الخلفاء الراشد ين إل طريقت هم المواف قة لطريق ته‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم من جهاد العداء وتقوية شعائر الدين ونحوها‪ ،‬فإن الحديث عام لكل خليفة راشد ل يخص‬ ‫الشيخين‪ ،‬ومعلوم من قواعد الشريعة أن ليس لخليفة راشد أن يشرع طريقة غير ما كان عليها النبي صَلّى ال‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم ثم عمر رضي ال عنه نفسه الخليفة الراشد سمي ما رآه من تجميع صلته ليالي رمضان بدعة ولم‬ ‫يقل‪ :‬إنها سنة فتأمل على أن الصحابة رضي ال عنهم خالفوا الشيخين في مواضع ومسائل‪ ،‬فدل أنه لم يحملوا‬ ‫حجّة‪ ،‬وقد حقق البرماوي الكلم في شرح ألفيته في أصول الفقه مع أنه قال‪:‬‬ ‫الحديث على أن ما قالوه وفعلوه ُ‬ ‫حجّ ة ل إذا انفرد وا حد من هم والتحق يق أن‬ ‫إن ما الحد يث الول يدل أ نه إذا ات فق الخلفاء الرب عة على قول كان ُ‬ ‫القتداء ليس هو التقليد بل هو غيره كما حققناه في شرح نظم الكافل في بحث الجماع‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إنّ ال‬ ‫عنْ هُ‪ ،‬قَالَ‪ :‬قَالَ رَ سُو َ‬ ‫حذَافَ َة رَضِ يَ ال َ‬ ‫ع نْ خَا ِرجَ َة بْ نِ ُ‬ ‫[رح ‪ ]81/843‬ـ وَ َ‬ ‫ن صَل ِة ا ْل ِعشَا ِء إِلَى‬ ‫ي يَا رَ سُولَ ال؟ قَالَ‪" :‬الْ ِو ْترُ‪ ،‬مَا َبيْ َ‬ ‫حمْ ِر ال ّنعَ مِ"‪ .‬قُ ْلنَا‪َ :‬ومَا هِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫خ ْيرٌ َلكُ مْ ِم ْ‬ ‫َأ َم ّدكُ مْ بِ صَلةٍ هِ يَ َ‬ ‫ححَ ُه ا ْلحَاكِمُ‪.‬‬ ‫صّ‬ ‫خ ْمسَ ُة ِإلّ ال ّنسَائِيّ‪َ .‬و َ‬ ‫جرِ"‪ .‬رَوَاهُ ا ْل َ‬ ‫ع الْ َف ْ‬ ‫طُلُو ِ‬ ‫جدّهِ َنحْ َوهُ‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫ن َأبِيهِ‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ش َعيْبٍ‪ ،‬عَ ْ‬ ‫عمْرو ْبنِ ُ‬ ‫عنْ َ‬ ‫ح َمدُ َ‬ ‫َورَوَى َأ ْ‬ ‫(وعن خارجة) بالخاء المعجمة فراء بعد اللف فجيم هو (ابن حذافة) بضم المهلمة فذال بعدها معجمة ففاء بعد‬ ‫اللف وهو قَرشي عدوي كان يعدل بألف فارس‪ ،‬روي أن عمرو بن العاص استمد من عمر بثلثة آلف فارس‬ ‫فأمده بثلثة وهم خارجة بن حذافة والزبير بن العوام والمقداد بن السود‪ .‬ولي خارجة القضاء بمصر لعمرو بن‬ ‫العاص‪ ،‬وق يل‪ :‬كان على شرط ته وعداده في أ هل م صر‪ ،‬قتله الخار جي ظنا م نه أ نه عمرو بن العاص ح ين‬ ‫تعاقدت الخوارج على قتل ثلثة علي عليه السلم ومعاوية وعمرو بن العاص رضي ال عنهما فتم أمر ال في‬ ‫ي عليه السلم دون الخرين وإلى الغلط بخارجة أشار من قال شعرا‪:‬‬ ‫أمير المؤمنين عل ّ‬ ‫[شع] فليتها إذ فدت عمرا بخارجة‬ ‫فدت عليا بمن شاءت من البَشر [‪/‬شع]‪.‬‬ ‫وكان قتل خارجة سنة أربعين (قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم‪ :‬إن ال أمدكم بصلة هي خير لكم من‬ ‫حمر النعم" قل نا‪ :‬وما هي يا رسول ال قال‪" :‬الوتر ما بين الصلة العشاء إلى طلوع الفجر"‪ .‬رواه الخمسة إل‬ ‫النسائي وصححه الحاكم)‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬قال الترمذي عقيب إخراجه له‪ :‬حديث خارجة بن حذافة‪ ،‬حديث غريب ل نعرفه إل من حديث يزيد بن‬ ‫أبي حبيب‪ ،‬وقد وهم بعض المحدثين في هذا الحديث ثم ساق الوهم فيه؟ فكان يحسن من المصنف التنبيه على‬ ‫ما قاله الترمذي هذا‪.‬‬ ‫وفي الحديث ما يفيد عدم وجوب الوتر لقوله‪" :‬أمدكم"‪ ،‬فإن المداد هو الزيادة بما يقوي المزيد عليه‪ ،‬يقال‪ :‬مد‬ ‫الجيش وأمده إذا زاده وألحق به ما يقويه ويكثره ومد الدواة وأمدها زادها ما يصلحها‪ ،‬ومددت السراج والرض‬ ‫إذا أصلحتهما بالزيت والسماد‪.‬‬ ‫"فائدة في حكمة شرعية النوافل"‬ ‫أخرج أح مد‪ ،‬وأ بو داود‪ ،‬وا بن ما جه‪ ،‬والحا كم من حد يث تم يم الداري مرفوعا‪" :‬أول ما يحا سب به الع بد يوم‬ ‫القيا مة صلته‪ ،‬فإن كان أتم ها كت بت له تا مة‪ ،‬وإن لم ي كن أتم ها‪ ،‬قال ال تعالى لملئك ته‪{ :‬انظروا هل تجدون‬ ‫لعبدي من تطوع فتكملون بها فريضته} ثم الزكاة كذلك} ‪ ،‬ثم تؤخذ العمال على حسب ذلك"‪ ،‬وأخرجه الحاكم‬ ‫‪87‬‬

‫في الك نى من حد يث ا بن ع مر مرفوعا‪" :‬أول ما افترض ال على أم تي ال صلوات الخ مس‪ ،‬وأول ما ير فع من‬ ‫أعمال هم ال صلوات الخ مس‪ ،‬وأول ما ي سألون عنه ال صلوات الخ مس‪ ،‬ف من كان ضيع شيئا من ها يقول ن قص من‬ ‫الفريضـة؟ وانظروا صـيام عبدي شهـر رمضان فإن كان ضيـع شيئا منـه فانظروا هـل تجدون لعبدي نافلة مـن‬ ‫صيام تتمون بها ما نقص من الصيام؟ وانظروا في زكاة عبدي‪ ،‬فإن كان ضيع شيئا فانظروا هل تجدون لعبدي‬ ‫نافلة من صدقة تتمون بها ما نقص من الزكاة؟ فيؤخذ ذلك على فرائض ال وذلك برحمة ال وعدله‪ ،‬فإن وجد‬ ‫له فضل وضع في ميزانه‪ ،‬وقيل له‪ :‬ادخل الجنة مسرورا وإن لم يوجد له شيء من ذلك أمرت الزبانية‪ ،‬فأخذت‬ ‫بيديه ورجليه ثم قذف في النار"‪ ،‬وهو كالشرح والتفصيل لحديث تميم الداري (وروي أحمد عن عمرو بن شعيب‬ ‫عن أبيه عن جده نحوه) أي نحو حديث خارجة فشرحه شرحه‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪:‬‬ ‫ن َأبِي هِ‪ ،‬قَالَ‪ :‬قَالَ رَ سُو َ‬ ‫عنْه‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ع ْبدِ ال ْب نِ ُب َر ْيدَةَ َرضِ يَ ال َ‬ ‫ع نْ َ‬ ‫[رح ‪ ]91/943‬ـ وَ َ‬ ‫ححَهُ ا ْلحَا ِكمُ‪.‬‬ ‫صّ‬ ‫خ َرجَهُ َأبُو دَا ُو َد ِبسَ َندٍ َليّنٍ‪َ ،‬و َ‬ ‫حقٌ‪َ ،‬فمَنْ َلمْ يُو ِترْ فََليْسَ ِمنّا"‪َ .‬أ ْ‬ ‫"الْ ِو ْترُ َ‬ ‫ح َمدَ‪.‬‬ ‫ع ْندَ َأ ْ‬ ‫عنْهُ ِ‬ ‫ضيَ ال َ‬ ‫عنْ َأبِي ُه َر ْيرَ َة رَ ِ‬ ‫وَلَ ُه شَا ِهدٌ ضَعِيفٌ َ‬ ‫(وعن عبد ال بن بريدة) بضم الموحدة بعدها راء مهملة مفتوحة ثم مثناة تحتية ساكنة فدال مهملة مفتوحة هو‬ ‫ابن الحصيب بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة والمثناة التحتية والباء الموحدة السلمي وعبد ال من ثقات‬ ‫التابع ين سمع أباه و سمرة بن جندب وآخر ين وتولي قضاء مرو وماب ب ها ( عن أب يه) بريدة بن الح صيب تقدم‬ ‫ذكره (قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬الو تر حق) أي لزم ف هو من أدلة اليجاب‪( ،‬ف من لم يو تر‬ ‫فليس منا" أخرجه أبو داود بسند لين) لن فيه عبد ال بن عبد ال العتكي‪ ،‬ضعفه البخاري والنسائي‪ ،‬وقال أبو‬ ‫حاتم‪ :‬صالح الحديث‪( ،‬وصححه الحاكم) ‪ ،‬وقال ابن معين‪ :‬إنه موقوف (وله شاهد ضعيف عن أبي هريرة عند‬ ‫أحمد) ‪ ،‬رواه بلفظ‪" :‬من لم يوتر فليس منا"‪ ،‬وفيه الخليل بن مرة منكر الحديث‪ ،‬وإسناده منقطع كما قاله أحمد‪،‬‬ ‫ومعنى "ليس منا" ليس على سنتنا وطريقتنا‪ ،‬والحديث محمول على تأكد السنية للوتر جمعا بينه وبين الحاديث‬ ‫الدالة على عدم الوجوب‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم َيزِيدُ فِي َر َمضَا نَ‬ ‫ن رَ سُو ُ‬ ‫عنْ هُ قَالَتْ‪" :‬مَا كَا َ‬ ‫[رح ‪ ]02/053‬ـ وَعَ نْ عَا ِئشَةَ َرضِ يَ ال َ‬ ‫سأَلْ‬ ‫سنِهِنّ َوطُوِل ِهنّ‪ُ ،‬ثمّ يُصَلّي َأ ْربَعا‪ ،‬فَل تَ ْ‬ ‫سأَلْ عَنْ حُ ْ‬ ‫عشْرَة َر ْكعَةً‪ ،‬يُصَلّي َأ ْربَعا‪ ،‬فَل تَ ْ‬ ‫حدَى َ‬ ‫غ ْيرِ هِ عَلَى ِإ ْ‬ ‫وَل فِي َ‬ ‫ل ال‪َ ،‬أ َتنَا مُ َقبْلَ َأ نْ تُو ِترَ؟ قَالَ‪ :‬يَا عَا ِئشَةُ‪ ،‬إِنّ‬ ‫ن حُ سْ ِنهِنّ َوطُوِل ِهنّ‪ُ ،‬ثمّ يُ صَلّي ثَلثا‪ .‬قَالَ تْ عَا ِئشَةُ‪ :‬قُلْ تُ‪ :‬يَا رَ سُو َ‬ ‫عَ ْ‬ ‫ي َتنَامَانِ وَل َينَامُ قَ ْلبِي"‪ُ .‬متّ َفقٌ عََليْهِ‪.‬‬ ‫ع ْينَ ّ‬ ‫َ‬ ‫جرِ‪َ ،‬فتِلْ كَ ثَل ثَ‬ ‫جدَةٍ َو َيرْكَ عُ َر ْكعَتَي الْ َف ْ‬ ‫سْ‬ ‫شرَ َر َكعَا تٍ‪َ ،‬ويُو ِترُ بِ َ‬ ‫عْ‬ ‫ن يُ صَلّي مِ نَ الّليْلِ َ‬ ‫عنْهَا‪" :‬كَا َ‬ ‫وفَي رِوَايَ ٍة َلهُمَا َ‬ ‫عشْرَ َة َر ْكعَةً‪.‬‬ ‫َ‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنه قالت‪ :‬ما كان رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم يزيد في رمضان ول في غيره على‬ ‫إحدى عشرة ركعة) ‪ ،‬ثم فصلتها بقولها (يصلي أربعا) يحتمل أنها متصلً وهو الظاهر‪ ،‬ويحتمل أنها مفصلت‬ ‫وهو بعيد إل أنه يوافق حديث "صلة الليل مثنى مثنى"‪( ،‬فل تسأل عن حسنهن وطولهن) نهت عن سؤال ذلك‬ ‫إما أنه ل يقدر المخاطب على مثله فأي حاجة له في السؤال‪ ،‬أو لنه قد علم حسنهن وطولهن لشهرته فل يسئل‬ ‫عنه أو لنها ل تقدر تصف ذلك‪( ،‬ثم يصلي أربعا فل تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلثا قالت‪ :‬فقلت يا‬ ‫رسول ال أتنام قبل أن يوتر) كأنه كان ينام بعد الربع ثم يقوم فيصلي الثلث وكأنه كان قد تقرر عند عائشة أن‬ ‫النوم نا قض للوضوء ف سألته فأجاب ها بقوله‪( :‬قال‪ :‬يا عائ شة إن عي ني تنامان ول ينام قل بي) دل على أن النا قض‬ ‫نوم القلب وهو حاصل مع كل من نام مستغرقا فيكون من الخصائص أن النوم ل ينقض وضوءه صَلّى ال عََليْهِ‬ ‫وَ سَلّم‪ ،‬وقد صرح المصنف بذلك في التلخيص‪ ،‬واستدل بهذا الحديث وبحديث ابن عباس‪" :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم نام ح تى ن فخ ثم قام ف صلى ولم يتو ضأ"‪ .‬و في البخاري‪" :‬إن ال نبياء تنام أعين هم ول تنام قلوب هم" (مت فق‬ ‫عليه)‪.‬‬ ‫اعلم أنه قد اختلفت الروايات عن عائشة في كيفية صلته صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم في الليل وعددها‪ ،‬فقد روي عنها‬ ‫سـبع وتسـع وإحدى عشرة سـوى ركعتـي الفجـر ومنهـا هذه الروايـة التـي أفادهـا قوله‪( :‬وفـي روايـة لهمـا) أي‬ ‫الشيخيـن (عنهـا) أي عـن عائشـة (كان يصـلي مـن الليـل عشـر ركعات) وظاهره أنهـا موصـولة ل قعود فيهـا‪،‬‬ ‫(ويو تر ب سجدة) أي رك عة‪( ،‬وير كع ركع تي الف جر) أي ب عد طلو عه‪( ،‬فتلك) أي ال صلة في الل يل مع تغل يب‬ ‫ركعتي الفجر أو فتلك الصلة جميعا‪( ،‬ثلث عشرة ركعة) ‪ ،‬وفي رواية‪" :‬أنه كان يصلي من الليل ثلث عشرة‬ ‫رك عة ثم ي صلي إذا سمع النداء ركعت ين خفيفت ين فكا نت خ مس عشرة رك عة"‪ .‬ول ما اختل فت ألفاظ حد يث عائ شة‬ ‫زعم البعض أنه حديث مضطرب‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬بل الروايات محمولة على أوقات متعددة وأوقات مختلفة بحسب‬ ‫‪88‬‬

‫النشاط وبيان الجواز وأن ال كل جائز‪ ،‬وهذا ل ينا سبه قول ها ول في غيره‪ ،‬والح سن أن يقال‪ :‬إن ها أ خبرت عن‬ ‫الغلب من فعله صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم فل ينافيه ما خالفه لنه إخبار عن النادر‪.‬‬ ‫شرَةَ َر ْكعَةً‪،‬‬ ‫عْ‬ ‫ل ثَلثَ َ‬ ‫عنْها رَضِيَ قَالَتْ‪" :‬كَانَ رَسُولَ ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم يُصَلّي مِنَ الّليْ ِ‬ ‫[رح ‪ ]12/153‬ـ وَ َ‬ ‫خرِهَا‪.‬‬ ‫شيْ ٍء إِل فِي آ ِ‬ ‫س فِي َ‬ ‫خمْسٍ‪ ،‬ل َيجْلِ ُ‬ ‫ك ِب َ‬ ‫يُوتِ ُر مِنْ ذَِل َ‬ ‫(وعنها) أي عائشة‪( ،‬قالت‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يصلي من الليل ثلث عشرة ركعة) لم تفصلها‬ ‫وتبين على كم كان يسلم كما ثبت ذلك في الحديث السابق إنما بينت هذا في الوتر بقولها‪( :‬ويوتر من ذلك) أي‬ ‫العدد المذكور (بخمس ل يجلس في شيء إل في آخرها) كأن هذا أحد أنواع إيتاره صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم كما إن‬ ‫اليتار بثلث أحدها كما أفاده حديثها السابق‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وَا ْن َتهَى‬ ‫ل قَدْ َأ ْو َترَ رَ سُو َ‬ ‫ن كُلّ الّليْ ِ‬ ‫عنْه قَالَ تْ‪" :‬مِ ْ‬ ‫عنْها رَضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]22/253‬ـ وَ َ‬ ‫حرِ"‪ُ .‬متّ َفقٌ عََل ْي ِهمَا‪.‬‬ ‫سَ‬ ‫ِو ْترُهُ إِلَى ال ّ‬ ‫(وعنها) أي عائشة (قالت‪ :‬من كل الليل قد أوتر رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم) أي من أوله وأوسطه وآخره‪،‬‬ ‫(وانتهى وتره إلى السحر‪ .‬متفق عليهما) أي على الحديثين وهذا الحديث بيان لوقت الوتر وأنه الليل كله من بعد‬ ‫صلة العشاء‪ ،‬وقد أفاد ذلك حديث خارجة حيث قال‪" :‬الوتر ما بين صلة العشاء إلى طلوع الفجر"‪ ،‬وقد ذكرنا‬ ‫أنواع الوتر التي وردت في حاشية ضوء النهار‪.‬‬ ‫ع ْنهُما‪ ،‬قَالَ‪ :‬قَالَ‪ :‬قَالَ لي رَ سُولُ ال صَلّى ال‬ ‫ص َرضِ يَ ال َ‬ ‫ن ا ْلعَا ِ‬ ‫عمْرو بْ ِ‬ ‫ع ْبدِ ال ْب نِ َ‬ ‫[رح ‪ ]32/353‬ـ وَعَ نْ َ‬ ‫ن الّليْلِ‪َ ،‬فتَ َركَ ِقيَامَ الّليْلِ"‪ُ .‬متّ َفقٌ عََليْهِ‪.‬‬ ‫ن ِمثْلَ فَلنٍ‪ ،‬كَانَ يَقُومُ مِ َ‬ ‫ع ْبدَ ال‪ ،‬ل َتكُ ْ‬ ‫عََليْهِ َوسَلّم‪" :‬يَا َ‬ ‫(وعن عبد ال بن عمرو بن العاص قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬يا عبد ال ل تكن مثل فلن كان‬ ‫يقوم من الليل فترك قيام الليل‪ .‬متفق عليه)‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬مثل فلن" قال المصنف في فتح الباري‪ :‬لم أقف على تسميته في شيء من الطرق وكأن إبهام هذا القصد‬ ‫للستر عليه‪ ،‬قال ابن العربي‪ :‬هذا الحديث دليل على أن قيام الليل ليس بواجب‪ ،‬إذ لو كان واجبا لم يكتف لتاركه‬ ‫بهذا القدر‪ ،‬بل كان يذمه أبلغ ذم‪ .‬وفيه استحباب الدوام على ما اعتداه المرء من الخير من غير تفريط ويستنبط‬ ‫منه كراهة قطع العبادة‪.‬‬ ‫ل الْ ُقرْآ نَ؛ َفإِنّ ال ِو ْترٌ ُيحِبّ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬أَ ْو ِترُوا يَا أَهْ َ‬ ‫ل رَ سُو ُ‬ ‫[رح ‪ ]42/453‬ـ وَعَ نْ عَلَيّ قَا َ‬ ‫خ َز ْيمَةَ‪.‬‬ ‫ححَهُ ا ْبنُ ُ‬ ‫صّ‬ ‫خ ْمسَةُ‪َ ،‬و َ‬ ‫ا ْل ِو ْترَ"‪ .‬رَوَا ُه ا ْل َ‬ ‫(و عن عل يّ عل يه ال سلم قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬أوتروا يا أ هل القرآن فإن ال و تر") في‬ ‫النهاية أي واحد في ذاته ل يقبل النقسام ول التجزئة واحد في صفاته ل شبيه له ول مثل‪ .‬واحد في أفعاله ل‬ ‫شريك له ول معين‪( ،‬يحب الوتر) يثيب عليه ويقبله من عامله‪( ،‬رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة)‪.‬‬ ‫المراد بأهل القرآن المؤمنون لنهم الذي صدقوا القرآن وخاصة من يتولى حفظه ويقوم بتلوته ومراعاة حدوده‬ ‫وأحكامه‪ .‬والتعليل بأنه تعالى وتر فيه ـ كما قال القاضي عياض‪ :‬ـ أن كل ما ناسب الشيء أدنى مناسبة كان‬ ‫أحب إليه وقد عرفت أن المر للندب للدلة التي سلفت الدالة على عدم وجوب الوتر‪.‬‬ ‫خرَ صَل ِت ُكمُ‬ ‫جعَلُوا آ ِ‬ ‫ع ْن ُهمَا‪ ،‬أَنّ ال ّن ِبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قَالَ‪" :‬ا ْ‬ ‫ع َمرَ رَضِ يَ ال َ‬ ‫ع نِ ا ْب نِ ُ‬ ‫[رح ‪ ]52/553‬ـ وَ َ‬ ‫بِالّليْلِ ِوتْرا"‪ُ .‬متّ َفقٌ عََل ْيهِ‪.‬‬ ‫(وعن ابن عمر رضي ال عنهما عن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬اجعلوا آخر صلتكم بالليل وترا" متفق‬ ‫عل يه) في ف تح الباري أ نه اختلف ال سَلَف في موضع ين‪ :‬أحده ما في مشروع ية ركعت ين ب عد الو تر من جلوس‪.‬‬ ‫والثا ني‪ :‬من أو تر ثم أراد أن ينت فل من الل يل هل يكت في بوتره الول وينت فل ما شاء أو يش فع وتره برك عة ثم‬ ‫ينتفل‪ ،‬ثم إذا فعل هذا هل يحتاج إلى وتر آخر أو ل‪.‬‬ ‫أ ما الول فو قع ع ند م سلم من طر يق أ بي سلمة عن عائ شة‪" :‬أ نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان ي صلي من الل يل‬ ‫ركعت ين ب عد الو تر و هو جالس"‪ .‬و قد ذ هب إل يه ب عض أ هل العلم وج عل ال مر في قوله‪" :‬اجعلوا آ خر صلتكم‬ ‫بالليل وترا" مختصا بمن أوتر آخر الليل‪ ،‬وأجاب من لم يقل بذلك بأن الركعتين المذكورتين هما ركعتا الفجر‪،‬‬ ‫وحمله النووي على أنه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم فعل ذلك لبيان جواز النفل بعد الوتر وجواز التنفل جالسا‪.‬‬ ‫وأما الثاني‪ :‬فذهب الكثر إلى أنه يصلي شفعا ما أراد ول ينقض وتره الول عملً بالحديث‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يَقُولُ‪" :‬ل ِو ْترَا نِ فِي َليْلَةٍ"‪.‬‬ ‫س ِمعْتُ رَ سُو َ‬ ‫ع نْ طَلْ قِ بْ نِ عَِليّ قَالَ‪َ :‬‬ ‫[رح ‪ ]62/653‬ـ وَ َ‬ ‫حبّانَ‪.‬‬ ‫ححَ ُه ابْنُ ِ‬ ‫صّ‬ ‫ح َمدُ وَالثّلثَةُ‪ ،‬و َ‬ ‫رَوَاهُ َأ ْ‬ ‫‪89‬‬

‫وهو (وعن طلق بن عليّ رضي ال عنه سمعت رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم يقول‪" :‬ل وتران في ليلة" رواه‬ ‫أحمد والثل ثة وصححه ا بن حبان) ‪ ،‬فدل على أنه ل يوتر بل يصلي شفعا ما شاء‪ ،‬وهذا ن ظر إلى ظا هر فعله‬ ‫وإل فإنه لما شفع وتره الول لم يبق إل وتر واحد هو ما يفعله آخرا‪ .‬وقد روي‪ ،‬عن ابن عمر أنه قال‪ :‬لما سئل‬ ‫عن ذلك‪" :‬إذا كنت ل تخاف الصبح ول النوم فاشفع ثم صل ما بدا لك ثم أوتر"‪.‬‬ ‫سمَ‬ ‫حا ْ‬ ‫سبّ ِ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يُو ِترُ بِ َ‬ ‫ن رَ سُو َ‬ ‫عنْ هُ‪ ،‬قَالَ‪" :‬كَا َ‬ ‫ن َكعْ بٍ َرضِ يَ ال َ‬ ‫ع َنُأ ِبيّ بْ ِ‬ ‫[رح ‪ ]72/753‬ـ وَ َ‬ ‫ح َمدُ‪ ،‬وََأبُو دَا ُودَ‪ ،‬وَال ّنسَا ِئيّ‪َ .‬وزَادَ‪" :‬وَل يُسَّلمُ إِل فِي‬ ‫ك الَعْلَى‪َ ،‬وقُلْ يَا أ ّيهَا ا ْلكَا ِفرُونَ‪َ ،‬وقُلْ ُهوَ ال أَحدٌ"‪ .‬رَوَاهُ َأ ْ‬ ‫َربّ َ‬ ‫خرِهِنّ"‪.‬‬ ‫آِ‬ ‫(وعن أبي بن كعب رضي ال عنه قال‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يوتر) أي يقرأ في صلة الوتر‬ ‫(بسبح اسم ربك العلى) أي في الولى بعد قراءة الفاتحة‪( ،‬وقل يا أيها الكافرون) أي في الثانية بعدها‪( ،‬وقل‬ ‫هو ال أحد) أي في الثالثة بعدها‪( .‬رواه أحمد وأبو داود والنسائي وزاد) أي النسائي (ول يسلم إل في آخرهن)‬ ‫الحديث دليل على اليتار بثلث‪ ،‬وقد عارضه حديث‪" :‬ل توتروا بثلت" وهو عن أبي هريرة‪ ،‬صححه الحاكم‪،‬‬ ‫و قد صحح الحا كم عن ا بن عباس‪ ،‬وعائ شة كراه ية الو تر بثلث‪ ،‬و قد قدم نا و جه الج مع ثم الو تر بثلث أ حد‬ ‫أنواعه كما عرفت فل يتعين فيه‪.‬‬ ‫فذهبت الحنفية والهادوية إلى تعيين اليتار بالثلث تصلي موصولة‪ ،‬قالوا‪ :‬لن الصحابة أجمعوا على أن اليتار‬ ‫بثلث موصولة جائز‪ ،‬اختلفوا فيما عداه‪ ،‬فالخذ به أخذ بالجماع ورد عليهم بعدم صحة الجماع كما عرفت‪.‬‬ ‫ع ْنهَا‪َ ،‬وفِيه‪" :‬كُلّ سُورَةٍ فِي رَ ْكعَةٍ‪َ ،‬وفِي‬ ‫ع نْ عَا ِئشَةَ َرضِ يَ ال َ‬ ‫لبِي دَُادَ‪ ،‬وَال ّت ْرمِ ِذيّ َنحْوَ هُ‪َ ،‬‬ ‫[رح ‪ ]82/853‬ـ َو َ‬ ‫حدٌ} (الخلص‪ )1 :‬وَا ْل ُمعَو َذ َتيْنِ"‪.‬‬ ‫لخِيرَةِ {قُلْ ُه َو ال َأ َ‬ ‫اَ‬ ‫(ولبي داود والترمذي نحوه) أي حديث أبي (عن عائشة وفيه كل سورة) من سبح والكافرون (في ركعة) من‬ ‫الولى والثان ية ك ما بيناه‪( ،‬و في الخيرة { قل هو ال أ حد} والمعوذت ين) في حد يث عائ شة ل ين لن ف يه خ صيفا‬ ‫الجزري‪ ،‬ورواه ا بن حبان والدارقط ني من حد يث يح يى بن سعيد عن عمرة عن عائ شة‪ .‬قال العقيلي‪ :‬إ سناده‬ ‫صالح‪ .‬وقال ابن الجوزي‪ :‬أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين‪ ،‬وروى ابن السكن له شاهدا من حديث‬ ‫عبد ال بن سرجس بإسناد غريب‪.‬‬ ‫عنْ هُ أَن ال ّنبِيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬أَ ْو ِترُوا َقبْلَ أَ نْ‬ ‫خ ْدرِيّ َرضِ يَ ال َ‬ ‫سعِيد ا ْل ُ‬ ‫[رح ‪ ]92/953‬ـ وَعَ نْ أَبِي َ‬ ‫ص ِبحُوا"‪ .‬رَوَا ُه ُمسْلِمٌ‪.‬‬ ‫ُت ْ‬ ‫ك الصّبْحَ وََل ْم يُو ِترْ فَل ِو ْترَ َلهُ"‪.‬‬ ‫ن َأ ْدرَ َ‬ ‫حبّانَ‪" :‬مَ ْ‬ ‫وَلبْنِ َ‬ ‫(و عن أ بي سعيد الخدري ر ضي ال ع نه أن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪ :‬أوتروا ق بل أن ت صبحوا‪ .‬رواه‬ ‫مسلم) هو دليل على أن الوتر قبل الصبح (ولبن حبان) أي من حديث أبي سعيد‪( ،‬من أدرك الصبح ولم يوتر‬ ‫فل وتر له) وهو دليل على أنه ل يشرع الوتر بعد خروج الوقت‪.‬‬ ‫وإما أنه ل يصح قضاؤه فل‪ ،‬إذ المراد من تركه متعمدا فإنه فاتته السنة العظمى حتى أنه ل يمكنه تداركه‪ ،‬وقد‬ ‫حكى ابن المنذر عن جماعة من ال سَلَف أن الذي يخرج بالفجر وقته الختياري‪ ،‬وأما وقته الضطراري فيبقى‬ ‫إلى قيام صلة الصبح‪ ،‬وأما من نام عن وتره ونسيه فقد بين حكمه الحديث‪.:‬‬ ‫صبَحَ‬ ‫ل ِإذَا أَ ْ‬ ‫سيَ ُه فَلْيُصَ ّ‬ ‫ن ا ْل ِوتْ ِر أَ ْو نِ ِ‬ ‫ن نَامَ عَ ِ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬مَ ْ‬ ‫عنْهُ قَالَ‪ :‬قَالَ رَسُو َ‬ ‫[رح ‪ ]03/063‬ـ وَ َ‬ ‫خ ْمسَ ُة إِل النّسائِيّ‪.‬‬ ‫َأوْ َذ َكرَ"‪ .‬رَوَاهُ ا ْل َ‬ ‫(وهو قوله)‪( :‬وعنه) أي عن أبي سعيد (قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬من نام عن الوتر أو نسيه‬ ‫فليصل إذا أصبح أو ذكر") لف ونشر مرتب‪ ،‬حيث كان نائما أو ذكر إذا كان ناسيا (رواه الخمسة إل النسائي) ‪،‬‬ ‫فدل على أن من نام عن وتره أو نسيه فحكمه حكم من نام عن الفريضة أو نسيها أنه يأتي بها عند الستيقاظ أو‬ ‫الذكر أو القياس أنه أداء كما عرفت فيمن نام عن الفريضة أو نسيها‪.‬‬ ‫خرِ الّليْلِ‬ ‫نآِ‬ ‫ن ل يَقُو مَ مِ ْ‬ ‫ن خَا فَ أ ْ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬مَ ْ‬ ‫ع نْ جَا ِبرٍ قَالَ‪ :‬قَالَ رَ سُو َ‬ ‫[رح ‪ ]13/163‬ـ وَ َ‬ ‫ل َمشْهُو َدةٌ‪َ ،‬وذَِلكَ َأ ْفضَلُ" رَوَا ُه ُمسِْلمٌ‪.‬‬ ‫خرِ الّليْ ِ‬ ‫ن صَلةَ آ ِ‬ ‫خرَ الّليْلِ‪َ ،‬فإِ ّ‬ ‫خرَ ُه فَلْيُو ِترْ آ ِ‬ ‫طمِعَ َأنْ يَقُومَ آ ِ‬ ‫فَ ْليُو ِترْ َأوّلَهُ‪َ ،‬و َمنْ َ‬ ‫(وعن جابر رضي ال عنه) هو ابن عبد ال‪( ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬من خاف أن ل يقوم‬ ‫من الل يل فليو تر أوله‪ ،‬و من ط مع أن يقوم آخره فليو تر آ خر الل يل‪ ،‬فإن صلة آ خر الل يل مشهودة وذلك أف ضل"‬ ‫رواه م سلم) ف يه دللة على أن تأخ ير الو تر أف ضل‪ ،‬ول كن إن خاف أن ل يقوم قد مه لئل يفو ته فعلً‪ ،‬و قد ذ هب‬

‫‪90‬‬

‫جماعة من ال سَلَف إلى هذا وإلى هذا وفعل كل بالحالين‪ ،‬ومعنى كون صلة آخر الليل مشهودة تشهدها ملئكة‬ ‫الليل وملئكة النهار‪.‬‬ ‫ع ْنهُمَا‪ ،‬عَ نِ ال ّنبِيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قَالَ‪ِ" :‬إذَا طَلَ عَ ا ْل َفجْ ُر فَ َقدْ‬ ‫ع َمرَ َرضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]23/263‬ـ وَعَ نْ ا ْب نِ ُ‬ ‫جرِ"‪َ .‬روَا ُه ال ّترْ ِم ِذيّ‪.‬‬ ‫ل طُلُوعِ الْ َف ْ‬ ‫ل صَلةِ الّليْلِ وَا ْل َو ْترِ‪َ ،‬فأَ ْو ِترُوا قَبْ َ‬ ‫ذَهَبَ َوقْتُ كُ ّ‬ ‫(وعن ابن عمر رضي ال عنهما عن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬إذا طلع الفجر فقد ذهب وقت كل صلة‬ ‫الليل) أي النوافل المشروعة فيه‪( ،‬والوتر) عطف خاص على عام فإنه من صلة الليل عطفه عليه لبيان شرفه‪،‬‬ ‫(فأوتروا قبل طلوع الفجر)‪.‬‬ ‫فتخصيص المر باليتار لزيادة العناية بشأنه وبيان أنه أهم صلة الليل‪ ،‬فإنه يذهب وقته بذهاب الليل وتقدم في‬ ‫حديث أبي سعيد أن النائم والناسي يأتيان بالوتر عند اليقظة إذا أصبح والناسي عند التذكر فهو مخصص لهذا‪،‬‬ ‫فبين أن المراد بذهاب وقت الوتر بذهاب الليل على من ترك الوتر لغير العذرين‪ .‬وفي ترك ذلك للنوم ما رواه‬ ‫الترمذي عن عائ شة‪" :‬كان ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا لم ي صل من الل يل من عه من ذلك النوم أو غلب ته‬ ‫عيناه صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة"‪ .‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬وكأنه تداركه لما فات‪( ،‬رواه الترمذي) ‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫وقال عقيبه‪ :‬سليمان بن موسى قد تفرد به على هذا اللفظ‪.‬‬ ‫عنْهَا قَالَ تْ‪" :‬كَا نَ رَ سُولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يُ صَلّي الضّحَى‬ ‫[رح ‪ ]33/363‬ـ وَعَ نْ عَا ِئشَةَ َرضِ يَ ال َ‬ ‫َأ ْربَعا‪َ ،‬و َيزِيدُ مَا شَاءَ ال"‪ .‬رَوَاهُ ُمسِْلمٌ‪.‬‬ ‫(و عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت‪ :‬كان ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ي صلي الض حى أربعا ويز يد ما شاء‬ ‫ال‪ .‬رواه مسلم) هذا يدل على شرعية صلة الضحى‪ ،‬وأن أقلها أربع‪ ،‬وقيل‪ :‬ركعتان‪ ،‬وهذا في الصحيحين من‬ ‫رواية أبي هريرة "وركعتي الضحى"‪.‬‬ ‫وقال ابن دقيق العيد‪ :‬لعله ذكر القل الذي يوجد التأكيد بفعله‪ .‬قال‪ :‬وفي هذا دليل على استحباب صلة الضحى‬ ‫وأن أقل ها ركعتان‪ ،‬وعدم مواظ بة ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم على فعل ها ل ينا في ا ستحبابها ل نه حا صل بدللة‬ ‫القول وليس من شرط الحكم أن تتظافر عليه أدلة القول والفعل‪ ،‬لكن ما واظب النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم على‬ ‫فعل مرجح على ما لم يواظب عليه انتهى‪.‬‬ ‫وأما حكمها فقد جمع ابن القيم القوال فبلغت ستة أقوال‪ .‬الول‪ :‬أنها سنة مستحبة‪ .‬الثاني‪ :‬ل تشرع إل لسبب‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬ل تستحب أصلً‪ .‬الرابع‪ :‬يستحب فعلها تارة وتركها تارة فل يواظب عليها‪ .‬الخامس‪ :‬يستحب الموظبة‬ ‫عليها في البيوت‪ .‬السادس‪ :‬أنها بدعة‪ .‬وقد ذكر هنالك مستند كل قول‪ .‬هذا وأرجح القوال أنها سنة مستحبة كما‬ ‫قرره ابن دقيق العيد‪ ،‬نعم وقد عارض حديث عائشة هذا حديثها الذي أفاده قوله‪:‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم يُصَلّي الضّحَى؟ قَالَتْ‪ :‬ل‪ .‬إِل‬ ‫ن رَسُو َ‬ ‫ل كَا َ‬ ‫سئِلَتْ‪ :‬هَ ْ‬ ‫ع ْنهَا‪َ :‬أنّها ُ‬ ‫[رح ‪ ]43/463‬ـ وَلَهُ َ‬ ‫أنْ َيجِيءَ ِمنْ َمغِيبِهِ‪.‬‬ ‫حهَا"‪.‬‬ ‫لسَ ّب ُ‬ ‫ضحَى‪ ،‬وَإنّي ُ‬ ‫سبْحَ َة ال ّ‬ ‫ع ْنهَا‪" :‬مَا رََأيْتُ َرسُولَ ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم يُصلّي َقطّ ُ‬ ‫وَلَهُ َ‬ ‫(وله) أي لمسلم (عنها) أي عن عائشة (أنها سئلت هل كان النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يصلي الضحى؟ قالت‪:‬‬ ‫ل‪ .‬إل أن يج يء من مغي به) فإن الول دل على أ نه كان ي صليها دائما ل ما تدل عل يه كل مة كان فإن ها تدل على‬ ‫التكرار‪ ،‬والثانية دلت على أنه كان ل يصليها إل في حال مجيئه من مغيبه وقد جمع بينهما‪ .‬فإن كلمة كان يفعل‬ ‫كذا ل تدل على الدوام دائما بـل غالبا‪ ،‬وإذا قامـت قرينـة على خلف صـرفتها ع نه كمـا هنـا‪ ،‬فإن اللفـظ الثانـي‬ ‫صرفها عن الدوام وأن ها أرادت بقول ها‪" :‬ل إل أن يج يء من مغي به" ن في رؤيت ها صلة الض حى‪ ،‬وأن ها لم تره‬ ‫يفعلها إل في ذلك الوقت‪ ،‬واللفظ الول إخبار عما بلغها في أنه ما كان يترك صلة الضحى إل أنه يضعف هذا‬ ‫قوله‪( ،‬وله) أي لم سلم و هو أيضا في البخاري بلف ظه‪ ،‬فلو قال‪ :‬وله ما كان أولى (عن ها) أي عائ شة ( ما رأ يت‬ ‫رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم صلي قط سبحة الضحى) بضم السين وسكون الباء أي نافلته‪( ،‬وإني لسبحها)‬ ‫فنفت رؤيتها لفعله صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم لها‪ ،‬وأخبرت أنها كانت تفعلها كأنه استناد إلى ما بلغها من الحث عليها‬ ‫ومن فعله صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم لها فألفاظها ل تتعارض حينئذ‪.‬‬ ‫وقال البيه قي‪ :‬المراد بقول ها ما رأي ته سبحها أي داوم علي ها‪ ،‬وقال ا بن ع بد البر‪ :‬ير جح ما ات فق عل يه الشيخان‬ ‫وهو رواية إثباتها دون ما انفرد به مسلم وهي رواية نفيها‪ ،‬قال‪ :‬وعدم رؤية عائشة لذلك ل يستلزم عدم الوقوع‬ ‫الذي أثب ته غير ها هذا مع نى كل مه‪ .‬قلت‪ :‬وم ما اتف قا عل يه في إثبات ها حد يث أ بي هريرة في ال صحيحين‪" :‬أ نه‬ ‫أوصاه صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم بأن ل يترك ركعتي الضحى"‪ ،‬وفي الترغيب في فعلها أحاديث كثيرة وفي عددها‬ ‫كذلك‪ :‬مبسوطة في كتب الحديث‪.‬‬ ‫‪91‬‬

‫لوّابِي نَ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قَالَ‪ " :‬صَلةُ ا َ‬ ‫ع ْن هُ ‪َ ،‬أنّ رَ سُو َ‬ ‫ن َأ ْرقَ َم َرضِ يَ ال َ‬ ‫ع نْ َز ْيدِ بْ ِ‬ ‫[رح ‪ ]53/563‬ـ وَ َ‬ ‫ن َت ْرمَضُ الْ ِفصَالُ"‪ .‬رَوَاهُ ال ّت ْر ِم ِذيّ‪.‬‬ ‫حِي َ‬ ‫(وعن زيد بن أرقم رضي ال عنه أن رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قال‪ :‬صلة الوابين) الواب‪ :‬الرجاع إلى‬ ‫ال تعالى بترك الذنوب وف عل الخيرات (ح ين تر مض الف صال) بف تح الم يم من رم ضت بك سرها أي تحترق من‬ ‫الرمضاء وهـو شدة حرارة الرض مـن قوع الشمـس على الرمـل وغيره‪ ،‬وذلك يكون عنـد ارتفاع الشمـس‬ ‫وتأثيرها الحر والفصال جمع فصيل وهو ولد الناقة سمي بذلك لفصله عن أمه‪( ،‬رواه الترمذي) ولم يذكر لها‬ ‫عددا‪.‬‬ ‫و قد أخرج البزار من حد يث ثوبان‪" :‬أن ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان ي ستحب أن ي صلي ب عد ن صف‬ ‫النهار‪ ،‬فقال عائشة‪ :‬يا رسول ال إنك تستحب الصلة هذه الساعة؟ قال‪" :‬تفتح فيها أبواب السماء وينظر تبارك‬ ‫وتعالى فيها بالرحمة إلى خلقه وهي صلة كان يحافظ عليها آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى‪.‬‬ ‫ن صَلّى الضّحَى‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬مَ ْ‬ ‫ل رَ سُو َ‬ ‫عنْ هُ‪ ،‬قَالَ‪ :‬قَا َ‬ ‫س رَضِ يَ ال َ‬ ‫ع نْ َأنَ ٍ‬ ‫[رح ‪ ]63/663‬ـ وَ َ‬ ‫س َتغْ َربَهُ‪.‬‬ ‫جنّةِ"‪ .‬رَوَاهُ ال ّت ْر ِمذِيّ وَا ْ‬ ‫شرَ َة َركْعَ ًة َبنَى ال َلهُ َقصْرا فِي ا ْل َ‬ ‫عَ‬ ‫ا ْث َن َتيْ َ‬ ‫(وعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم من صلى الضحى اثنتي عشرة ركعة بنى‬ ‫له قصرا في الجنة رواه الترمذي واستغربه) قال المصنف‪ :‬وإسناده ضعيف‪ .‬وأخرج البزار عن ابن عمر‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫"قلت لبي ذر‪ :‬يا عماه أوصني‪ ،‬قال‪ :‬سألتني عما سألت عنه رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ،‬فقال‪ :‬إن صليت‬ ‫الض حى ركعت ين لم تك تب من الغافل ين‪ ،‬وإن صليت أربعا كت بت من العابد ين‪ ،‬وإن صليت ستا لم يلح قك ذ نب‪،‬‬ ‫وإن صليت ثمانيا كت بت من القانت ين‪ ،‬وإن صليت ثن تي عشرة ب ني لك ب يت في الج نة"‪ .‬وف يه ح سين بن عطاء‬ ‫ضع فه أ بو حا تم وغيره‪ .‬وذكره ا بن حبان في الثقات‪ ،‬وقال‪ :‬يخط يء ويدلس‪ ،‬و في الباب أحاد يث ل تخلو عن‬ ‫مقال‪.‬‬ ‫ـّم َبيْتِي‪ .‬فَ صَلّى‬ ‫ـّى ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫عنْهَا قَالَ تْ‪َ " :‬دخَلَ رَ سُولُ ال صَل‬ ‫[رح ‪ ]73/763‬ــ وَعَ نْ عَا ِئشَةَ َرضِيَـ ال َ‬ ‫ن فِي صَحِيحِهِ‪.‬‬ ‫حبّا َ‬ ‫ضحَى َثمَانِي َر َكعَاتٍ"‪ .‬رَوَاهُ ا ْبنُ ِ‬ ‫ال ّ‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬دخل رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بيتي فصلى الضحى ثماني ركعات‪.‬‬ ‫رواه ا بن حبان في صحيحه) ‪ ،‬و قد تقدم روا ية م سلم عن ها "أ نا ما رأ ته صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ي صلي سبح‬ ‫الضحى"‪.‬‬ ‫وهذا الحد يث أثب تت ف يه صلته في بيتها وجمع بينه ما بأن ها ن فت الرؤ ية وصلته في بيت ها يجوز أنها لم تره‪،‬‬ ‫ولكنه ثبت لها برواية‪ ،‬واختار القاضي عياض هذا الوجه ول يعد في ذلك‪ ،‬وإن كان في بيتها لجواز غفلتها في‬ ‫الوقت فل منافاة والجمع مهما أمكن هو الوجب‪.‬‬ ‫"فائدة"‬ ‫من فوائد صلة الضحى أنها تجزىء عن الصدقة التي تصبح على مفاصل النسان في كل يوم وهي ثلثمائة‬ ‫وستون مفصلً‪ ،‬لما أخرجه مسلم من حديث أبي ذر قال فيه‪ :‬وتجزىء من ذلك ركعتا الضحى"‪.‬‬ ‫باب صلة الجماعة والمامة‬ ‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬صـَلةُ‬ ‫ع ْنهُمـا أَنّ رَ سُو َ‬ ‫ع َمرَ رَضِ يَ اللّ هُ َ‬ ‫ع ْبدِ ال بْ نِ ُ‬ ‫‪ 1‬ـــــ[رح] عَ نْ َ‬ ‫ن َدرَجَةً" ُمتّ َفقٌ عََل ْيهِ‪.‬‬ ‫سبْعٍ وعِشري َ‬ ‫ن صَلةِ الْ َف ّذ ِب َ‬ ‫عةِ َأ ْفضَلُ مِ ْ‬ ‫جمَا َ‬ ‫ا ْل َ‬ ‫سعِيدٍ رَض يَ‬ ‫ن أَبي َ‬ ‫ع ْ‬ ‫جزْءًا َو َكذَا لِ ْل ُبخَاريّ َ‬ ‫خمْ سٍ وَعشْرين ُ‬ ‫ن َأبِي ُه َريْرةَ رَض يَ اللّ هُ عَن هُ " ِب َ‬ ‫‪ 2‬ــــ وََل ُهمَا عَ ْ‬ ‫عنْهُ َوقَالَ‪َ " :‬د َرجَةً"‪.‬‬ ‫اللّهُ َ‬ ‫( عن ع بد ال بن ع مر ر ضي ال عنه ما أن ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪ " :‬صلة الجما عة أف ضل من‬ ‫صلة الفذ" بالفاء والذال المعجمة‪ :‬الفرد "بسبع وعشرين درجة" متفق عليه)‪.‬‬ ‫(ولهما) أي الشيخين (عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ :‬بخمس وعشرين جزءا) عوضا عن قوله‪" :‬سبع وعشرين‬ ‫درجة" (وكذا) أي وبلفظ "بخمس وعشرين" (للبخاري عن أبي سعيد وقال‪" :‬درجة") عوضا عن جزء‪.‬‬ ‫ورواه جماعة من الصحابة غير الثلثة المذكورين منهم أنس وعائشة وصهيب ومعاذ وعبد ال بن زيد وزيد بن‬ ‫ثابت‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫قال الترمذي‪ :‬عامة من رواه قالوا‪ :‬خمسا وعشرين إل ابن عمر فقال‪" :‬سبعة وعشرين" وله رواية فيها "خمسا‬ ‫وعشرين" ول منافاة فإن مفهوم العدد غير مراد فرواية الخمس والعشرين داخلة تحت رواية السبع والعشرين‪،‬‬ ‫أو أنه أخبر صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم بالقل عددا أولً ثم أخبر بالكثر‪ ،‬وأنه زيادة تفضل ال بها‪.‬‬ ‫وقد زعم قوم أن السبع محمولة على من صلى في المسجد‪ ،‬والخمس لمن صلى في غيره‪.‬‬ ‫وق يل‪ :‬ال سبع لبع يد الم سجد والخ مس لقري به‪ ،‬ومن هم من أبدى منا سبات وتعليلت ا ستوفاها الم صنف في ف تح‬ ‫الباري‪ ،‬وهي أقوال تخمينية ليس عليها نص‪.‬‬ ‫والجزء والدرجة بمعنى واحد هنا لنه عبر بكل واحد منهما عن الخر وقد ورد تفسيرهما بالصلة وأن الصلة‬ ‫الجماعة بسبع وعشرين صلة فرادى‪.‬‬ ‫والحديث حث على الجماعة‪ .‬وفيه دليل على عدم وجوبها‪ ،‬وقد قال بوجوبها جماعة من العلماء مستدلين بقوله‪:‬‬ ‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬وَالّذي نَفْسي بيدَ هِ‬ ‫عنْ هُ َأنّ رَ سُو َ‬ ‫[رح ‪ ]3‬ــــ وَعَ نْ أَبي ُه َر ْيرَةَ رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫حطَ بٍ فيحتطب ُثمّ آ ُمرُ بال صّل ِة َفيُؤدّ نُ لهَا ُثمّ آ ُمرُ َرجُلًا فَيَ ُؤمّ النّا سَ ُثمّ ُأخَالِ فُ إلى رجَالٍ "ل‬ ‫لَ َق ْد َه َممْ تُ َأ نْ آ ُمرَ ب َ‬ ‫س َن َتيْنِ‬ ‫سمِينا َأ ْو مِ ْرمَام َتيْنِ حَ َ‬ ‫عرْقا َ‬ ‫جدُ َ‬ ‫حدُهُمْ َأنّ ُه َي ِ‬ ‫حرّقُ عَلَيهِمْ ُبيُو َتهُمْ‪ ،‬وَالّذي نَفْسي ب َيدِهِ َلوْ َيعْلَمُ َأ َ‬ ‫ش َهدُنَ الصّلة" فُأ َ‬ ‫َي ْ‬ ‫ش ِهدَ ا ْل ِعشَاءَ" ُمتّفقٌ عََل ْيهِ وَاللّ ْفظُ ل ْل ُبخَاريّ‪.‬‬ ‫َل َ‬ ‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬والذي نف سي بيده) أي في مل كه‬ ‫وتحت تصرفه (لقد هممت) جواب القسم‪ ،‬والقسام منه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم لبيان عظم شأن ما يذكره زجرا عن‬ ‫ترك الجماعـة (أن آمـر بحطـب فيُحطـب ثـم آم ُر بالصـّلة فيؤذّن لهـا ثمّ آمرُ رجلً فيؤُمّ الناس ثـم أُخالِف) فـي‬ ‫الصـحاح خالف إلى فلن أي أتاه إذا غاب عنـه (إلى رجال "ل يشهدون الصـّلة") أي ل يحضرون الجماعـة‬ ‫فأُحرق علي هم بيوت هم‪ .‬والذي نف سي بيده لو يعلم أحدُ هم أ نه ي جد عرقا) بف تح المهملة و سكون الراء ثم قاف هو‬ ‫العظم إذا كان عليه لحم (سمينا أوْ مرمامتين) تثنية مرماة بكسر الميم فراء ساكنة وقد تفتح الميم وهي ما بين‬ ‫ظل في الشاة من الل حم (ح سنتين) بمهملت ين من الح سن (لش هد العِشاء") أي صلته جما عة (مت فق عل يه) أي ب ين‬ ‫الشيخين (واللفظ للبخاري)‪.‬‬ ‫والحديث دليل على وجوب الجماعة عينا ل كفاية إذ قد قام بها غيرهم فل يستحقون العقوبة‪ ،‬ول عقوبة إل على‬ ‫ترك واجب أو فعل محرم‪.‬‬ ‫وإلى أنها فرض عين‪ :‬ذهب عطاء والوزاعي وأحمد وأبو ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان ومن أهل‬ ‫البيت أبو العباس وقالت به الظاهرية‪.‬‬ ‫وقال داود‪ :‬إنها شرط في صحة الصلة بناءً على ما يختاره من أن كل واجد في الصلة فهو شرط فيها‪ ،‬ولم‬ ‫يسله له هذا‪ ،‬لن الشرطية ل بد لها من دليل‪ ،‬ولذا قال أحمد وغيره‪ :‬إنها واجبة غير شرط‪.‬‬ ‫وذهب أبو العباس تحصيلً لمذهب الهادي أنها فرض كفاية‪ ،‬وإليه ذهب الجمهور من متقدمي الشافعية‪ ،‬وكثير‬ ‫من الحنفية والمالكية‪.‬‬ ‫وذهب زيد بن علي والمؤيد بال وأبو حنيفة وصاحباه والناصر إلى أنها سنة مؤكدة‪.‬‬ ‫استدل القائل بالوجوب بحديث الباب‪ ،‬لن العقوبة البالغة ل تكون إل على ترك الفرائض‪ ،‬وبغيره من الحاديث‬ ‫كحديث ابن مكتوم أنه قال‪ :‬يا رسول ال قد علمت ما بي وليس لي قائد ــــ زاد أحمد ــــ وإن بيني‬ ‫وبين المسجد شجرا ونخلً ول أقدر على قائد كل ساعة‪ ،‬قال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬أتسمع القامة؟" قال‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫قال‪" :‬فاحضرها" أخر جه أحمد وا بن خزي مة والحاكم وابن حبان بل فظ "أت سمع الذان؟ قال‪ :‬ن عم‪ .‬قال‪ :‬فات ها ولو‬ ‫حبْوا" والحاد يث في معناه كثيرة ويأ تي حد يث ا بن أم مكتوم‪ ،‬وحد يث ا بن عباس‪ ،‬و قد أطلق البخاري الوجوب‬ ‫َ‬ ‫عليها وبوّبة بقوله‪" :‬باب وجوب صلة الجماعة"‪ .‬وقالوا‪ :‬هي فرض عين إذ لو كانت فرض كفاية لكان قد أسقط‬ ‫وجوبها فعل النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم ومن معه لها‪.‬‬ ‫وأما التحريق في العقوبات بالنار فإنه وإن كان قد ثبت النهي عنه عاما‪ ،‬فهذا خاص‪.‬‬ ‫وأدلة القائل بأنها فرض كفاية أدلة من قال إنها فرض عين بناءً على قيام الصارف للدلة على فرض العين إلى‬ ‫فرض الكفاية‪.‬‬ ‫وقد أطال القائلون بالسنية الكلم في الجوابات عن هذا الحديث بما ل يشفي وأقربها أنه خرج مخرج الزجر ل‬ ‫الحقيقة بدليل أنه لم يفعله صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪.‬‬

‫‪93‬‬

‫واستدل القائل بالسنية بقوله صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم في حديث أبي هريرة "صلة الجماعة أفضل من صلة الفذّ" فقد‬ ‫اشتركا في الفضيلة‪ ،‬ولو كانت الفرادى غير مجزئة لما كانت لها فضيلة أصلً وحديث "إذا صليتما في رحالكما"‬ ‫فأثبت لهما الصلة في رحالهما ولم يبين أنها إذا كانت جماعة وسيأتي‪.‬‬ ‫ل ال صّلةِ عَلى ال ُمنَافقي نَ‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪َ" :‬أثْقَ ُ‬ ‫ع ْن هُ قالَ‪ :‬قالَ رَ سُو ُ‬ ‫ع ْن هُ رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]4‬ــــ وَ َ‬ ‫حبْوا" ُمتّ َفقٌ عََل ْيهِ‪.‬‬ ‫ن مَا فِيهمَا ل َتوْهُما وََلوْ َ‬ ‫جرِ وَلَ ْو َيعَْلمُو َ‬ ‫صَل ُة ال ِعشَاءِ َوصَل ُة الْف ْ‬ ‫(وع نه) أي أ بي هريرة (قال‪:‬قال ر سول ال صلى ال عل يه وآله و سلم‪" :‬أث قل ال صلة على المنافق ين) ف يه أن‬ ‫الصلة كلها عليهم ثقيلة فإنهم الذين إذا قاموا إلى الصلة قاموا كسالى‪ ،‬ولكن الثقل عليهم (صلة العشاء) لنها‬ ‫في وقت الراحة والسكون (وصلة الفجر) لنها في وقت النوم وليس لهم داع ديني ول تصديق بأجرهما حتى‬ ‫يبثهم على إتيانهما‪ ،‬ويخف عليهم التيان بهما‪ ،‬ولنهما في ظلمة الليل‪ ،‬وداعي الرياء الذي لجله يصلون منتفٍ‪،‬‬ ‫لعدم مشاهدة من يراءو نه من الناس إل القل يل‪ ،‬فانت فى البا عث الدي ني منه ما ك ما انت فى في غيره ما‪ ،‬ثم انت فى‬ ‫البا عث الدنيوي الذي في غيره ما‪ .‬ولذا قال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ناظرا إلى انتفاء البا عث الدي ني عند هم‪( :‬ولو‬ ‫حبْوا") أي ولو مشوا حبوا أي كحبو الصبيّ‬ ‫يعلمون ما فيهما) في فعلهما من الجر (لتوهما) إلى المسجد (ول ْو َ‬ ‫على يديه وركبتيه‪ ،‬وقيل هو الزحف على الركب‪ ،‬وقيل على الست‪ ،‬وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني "ولو‬ ‫حبوا على يديه ورجليه"‪ .‬وفي رواية جابر عنده أيضا بلفظ‪" :‬ولو حبوا أو زحفا"‪.‬‬ ‫فيه حث بليغ على التيان إليهما‪ .‬وأن المؤمن إذا علم ما فيهما أتى إليهما على أي حال‪ ،‬فإنه ما حال بين المنافق‬ ‫وبين هذا التيان إل عدم تصديقه بما فيهما (متفق عليه)‪.‬‬ ‫ل ال إنّ هُ‬ ‫ي ال ع نه قالَ‪ :‬أتَى النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َرجُلٌ أعْمَى فَقَالَ‪ :‬يَا رَ سُو َ‬ ‫ع ْن ُه رض َ‬ ‫[رح ‪ ]5‬ـــ وَ َ‬ ‫سمَعُ ال ّندَاءَ بِال صّلةِ؟ قالَ‪َ :‬نعَ مْ‪ ،‬قالَ‪:‬‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫جدِ َفرَخّص َل ُه فَلَمّا وَلّى دَعَا ُه فَقَالَ‪" :‬هَ ْ‬ ‫َليْ سَ لي قَا ِئدٌ يَقُودُ ني إلى المَ سْ ِ‬ ‫" َفَأجِبْ" رَوَا ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫(وعنه) أي عن أبي هريرة رضي ال عنه (قال‪ :‬أتى النبيّ صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم رجلٌ أعمى) قد وردت بتفسيره‬ ‫الرواية الخرى وأنه ابن أم مكتوم (قال‪ :‬يا رسول ال ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فرخص له) أي في عدم‬ ‫إتيان الم سجد (فل ما ولى دعاه فقال‪ " :‬هل ت سمع النداءَ) و في روا ية "القا مة" (بال صلة؟" قال‪ :‬ن عم قال‪" :‬فأ جب"‬ ‫رواه مسلم)‪.‬‬ ‫ل مطلقا عن التقييد بسماعه النداء فرخص له ثم سأله هل تسمع النداء قال‪ :‬نعم فأمره بالجابة‪.‬‬ ‫كان الترخيص أو ً‬ ‫ومفهومه أنه إذا لم يسمع النداء كان ذلك عذرا له‪ ،‬وإذا سمعه لم يكن له عذر عن الحضور‪.‬‬ ‫والحديث من أدلة اليجاب للجماعة عينا‪ ،‬لكن ينبغي أن يقيد الوجوب عينا على سامع النداء لتقييد حديث العمى‬ ‫وحديث ابن عباس له‪ ،‬وما أطلق من الحاديث يحمل على المقيد‪.‬‬ ‫وإذا عر فت هذا فاعلم أن الدعوى وجوب الجما عة عينا أو كفا ية‪ ،‬والدل يل هو الحد يث الهمّ بالتحر يق وحد يث‬ ‫العمى‪ ،‬وهما إنما دلّ على وجوب حضور جماعته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في مسجده لسامع النداء وهو أخص‬ ‫من وجوب الجماعة‪ ،‬ولو كانت الجماعة واجبة مطلقا لبين صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ذلك للعمى ولقال له انظر من‬ ‫ي صلي م عك‪ ،‬ولقال في المتخلف ين إن هم ل يحضرون جماع ته صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ول يجمعون في منازل هم‪.‬‬ ‫والبيان ل يجوز تأخيره عن وقت الحاجة‪.‬‬ ‫فالحاد يث إن ما دلت على وجوب حضور جماع ته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عينا على سامع النداء ل على وجوب‬ ‫مطلق الجماعة كفاية ول عينا‪.‬‬ ‫وفيه أنه ل يرخص لسامع النداء عن الحضور وإن كان له عذر فإن هذا ذكر العذر وأنه ل يجد قائدا فلم يعذره‬ ‫إذن‪.‬‬ ‫ويحتمل أن الترخيص له ثابت للعذر‪ ،‬ولكنه أمره بالجابة ندبا ل وجوبا ليحرز الجر في ذلك‪ .‬والمشقة تغتفر‬ ‫بما يجده في قلبه من الروح في الحضور ويدل لكون المر للندب أي مع العذر قوله‪:‬‬ ‫سمِعَ النّدا َء فلم يأت‬ ‫ع نِ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬مَ نْ َ‬ ‫ع ْن ُهمَا َ‬ ‫عبّا سٍ َرضِ يَ اللّ هُ َ‬ ‫ن ابْ نِ َ‬ ‫[رح ‪ ]6‬ـــ َوعَ ْ‬ ‫ط مُ سْلمٍ لك نْ َرجّ جَ‬ ‫شرْ ِ‬ ‫سنَادُهُ عَلى َ‬ ‫حبّا نَ وَالحْاكِ مُ وَإ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ع ْذرٍ" رَوَا هُ ا ْب نُ مَاجَه وَالدّا َرقُطْنيّ وابْ ُ‬ ‫فَل صَل َة لَ ُه إل مِ نْ ُ‬ ‫ضهُمْ َوقْفَهُ‪.‬‬ ‫َب ْع ُ‬ ‫الحديث أخرج من طريق شعبة موقوفا ومرفوعا‪ ،‬والموقوف في زيادة "إل من عذر" فإن الحاكم وقفه عند أكثر‬ ‫أصحاب شعبة‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫وأخرج الطبراني في الكبير من حديث أبي موسى عنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬من سمع النداء فلم يجب من غير‬ ‫ضرر ول عذر فل صلة له"‪ ،‬قال الهيثمي‪ :‬فيه قيس بن الربيع وثقه شعبة وسفيان الثوري وضعفه جماعة‪.‬‬ ‫و قد أخرج حد يث ا بن عباس المذكور أ بو داود بزيادة "قالوا‪ :‬و ما العذر؟ قال‪ :‬خوف أو مرض لم يق بل ال م نه‬ ‫الصلة التي صلى" بإسناد ضعيف‪.‬‬ ‫والحديث دليل على تأكد الجماعة وهو حجة لمن يقول إنها فرض عين‪.‬‬ ‫ومن يقول إنها سنة يؤول قوله‪" :‬فل صلة له" أي كاملة‪ ،‬وأنه نزّل نفي الكمال منزلة نفي الذات مبالغة‪.‬‬ ‫والعذار في ترك الجماعة منها ما في حديث أبي داود‪ .‬ومنها المطر والريح الباردة‪ .‬ومن أكل كراثا أو نحوه‬ ‫من ذوات الريح الكريهة فليس له أن يقرب المسجد؛ قيل‪ :‬ويحتمل أن يكون النهي عنها لما يلزم من أكلها من‬ ‫تفو يت الفري ضة فيكون آكل ها آثما ل ما ت سبب له من ترك الفري ضة‪ ،‬ول كن ل عل من يقول إن ها فرض ع ين يقول‬ ‫تسقط بهذه العذار صلتها في المسجد ل في البيت فيصليها جماعة‪.‬‬ ‫ع ْن ُه َأنّ هُ صَلى مَ عَ رَ سُولِ اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم صَلةَ‬ ‫ن ال سْو ِد رَضِ يَ اللّ هُ َ‬ ‫ن يَزيدَ ب ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫[رح ‪ ]7‬ـــ وَ َ‬ ‫عدُ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا ُهوَ ب َرجَُليْ نِ لَ ْم يُ صَلّيَا َفدَعَا ِبهِمَا‪ ،‬فجيءَ بهمَا َترْ ُ‬ ‫صبْحِ‪ ،‬فَلَمّا صلى رَ سُو ُ‬ ‫ال ّ‬ ‫ن تُ صَلّيا َمعَنَا؟" قالَا‪َ :‬قدْ صَلّينَا في رحَالِنَا‪ ،‬قالَ‪" :‬فل َت ْفعَل إذَا صَّل ْيتُما في‬ ‫صهُما فَقَالَ َلهُمَا‪" :‬مَا َم َن َعكُمَا أَ ْ‬ ‫َف َرئِ ُ‬ ‫صحّحَ ُه ال ّت ْرمِ ِذيّ‬ ‫حمَدُ وَاللّفْظُ لَهُ والثّلثَةُ وَ َ‬ ‫رحَاِلكُما ثمّ َأدْ َر ْكتُما المامَ وَلَمْ يُصَلّ فَصَّليَا َمعَهُ فإنها َل ُكمَا نَافِلَة" رَوَا ُه َأ ْ‬ ‫حبّانَ‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫وَاب ُ‬ ‫(وعن يزيد بن السود رضي ال عنه) هو أبو جابر يزيد بن السود السّوائي بضم المهملة وتخفيف الواو والمد‬ ‫ويقال الخزاعي ويقال العامري روى عنه ابنه جابر وعداده في أهل الطائف وحديثه في الكوفيين (أنه صلى مع‬ ‫رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم صلة الصبح‪ ،‬فلما صلى رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم) أي فرغ من صلته‬ ‫(إذا هو برجلين لم يصليا) أي معه (فدعا بهما فجيء بهما ترعد) بضم المهملة (فرائضهما) جمع فريصة وهي‬ ‫اللح مة ال تي ب ين ج نب الدا بة وكتفي ها أي تر جف من الخوف قاله في النها ية (فقال له ما‪ " :‬ما منعك ما أن ت صليا‬ ‫مع نا؟" قال‪ :‬قد صلينا في رحال نا) ج مع ر حل بف تح الراء و سكون المهملة هو المنزل ويطلق على غيره ول كن‬ ‫المراد هنا به المنزل (قال‪" :‬فل تفعل إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما المام ولم يصل فصليا معه فإنها) أي‬ ‫ال صلة مع المام ب عد صلتهما الفري ضة (لك ما نافلة") والفري ضة هي الولى سواء صليت جما عة أو فرادى‬ ‫لطلق الخـبر (رواه أحمـد واللفـظ له والثلثـة وصـححه الترمذي وابـن حبان) زاد المصـنف فـي التلخيـص‪:‬‬ ‫"والحاكم والدارقط ني وصححه ابن ال سكن كل هم من طر يق يعلي بن عطاء عن جابر بن يز يد بن ال سود عن‬ ‫أبيه"‪.‬‬ ‫قال الشافعي في القديم‪ :‬إسناده مجهول‪ ،‬قال البيهقي‪ :‬لن يزيد بن السود ليس له راوٍ غير ابنه ول لبنه جابر‬ ‫را ٍو غير يعلى‪ .‬قلت‪ :‬يعلى من رجال مسلم‪ ،‬وجابر وثقه النسائي وغيره‪ .‬انتهى"‪.‬‬ ‫حجّة الوداع‪.‬‬ ‫وهذا الحديث وقع في مسجد الخيف‪ ،‬في ُ‬ ‫فدل على مشروعيـة الصـلة مـع المام إذا وجده يصـلي أو سـيصلي بعـد أن كان قـد صـلى جماعـة أو فرادى‪،‬‬ ‫والولى هي الفريضة والخرى نافلة كما صرح به الحديث‪.‬‬ ‫وظاهره أنـه ل يحتاج إلى رفـض الول‪ .‬وذهـب إلى هذا زيـد بـن علي والمؤيـد وجماعـة مـن الل وهـو قول‬ ‫الشافعي‪.‬‬ ‫وذهب الهادي ومالك وهو قول الشافعي إلى أن الثان ية هي الفريضة‪ ،‬لما أخر جه أ بو داود من حد يث يزيد بن‬ ‫عا مر‪ :‬إ نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪" :‬إذا جئت ال صلة فوجدت الناس ي صلون ف صل مع هم إن ك نت قد صليت‬ ‫تكن لك نافلة وهذه مكتوبة"‪.‬‬ ‫وأجيب بأنه حديث ضعيف ضعفه النووي وغيره‪ ،‬وقال البيهقي هو مخالف لحديث يزيد بن السود وهو أصح‬ ‫ورواه الدارقط ني بل فظ‪" :‬وليج عل ال تي صلى في بي ته نافلة" قال الدارقط ني هذه روا ية ضعي فة شاذة وعلى هذا‬ ‫القول ل بدّ من الرفض للولى بعد دخوله في الثانية‪ ،‬وقيل بشرط فراغه من الثانية صحيحة‪.‬‬ ‫وللشافعي قول ثالث أن ال تعالى يحتسب بأيهما شاء‪ ،‬لقول ابن عمر لمن سأله عن ذلك‪" :‬أو ذلك إليك؟ إنما ذلك‬ ‫إلى ال تعالى يحتسب بأيهما شاء" أخرجه مالك في الموطأ‪.‬‬ ‫وقد عورض حديث الباب بما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما عن ابن عمر يرفعه "ل تصلوا صلة في يوم‬ ‫مرتين"‪.‬‬ ‫‪95‬‬

‫ويجاب عنه بأن المنهي عنه أن يصلي كذلك على أنهما فريضة ل على أن إحداهما نافلة‪ ،‬أو المراد ل يصليهما‬ ‫مرتين منفردا‪.‬‬ ‫ثم ظاهر حديث الباب عموم ذلك في الصلوات كلها وإليه ذهب الشافعي‪.‬‬ ‫وقال أ بو حني فة‪ :‬ل يعاد إل الظ هر والعشاء أ ما ال صبح والع صر فل‪ .‬للن هي عن ال صلة بعده ما وأ ما المغرب‬ ‫فلنها وتر النهار فلو أعادها صارت شفعا‪.‬‬ ‫وقال مالك‪ :‬إذا كان صلها في جماعة لم يعدها وإن كان صلها منفردا أعادها‪.‬‬ ‫والحديث ظاهر في خلف ما قاله أبو حنيفة ومالك بل في حديث يزيد بن السود أن ذلك كان في صلة الصبح‬ ‫فيكون أظهر في ردّ ما قاله أبو حنيفة ويخص به عموم النهي عن الصلة في الوقتين‪.‬‬ ‫ل الِما مُ‬ ‫جعِ َ‬ ‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إنّما ُ‬ ‫عنْ هُ قالَ‪ :‬قالَ رَ سُو ُ‬ ‫[رح ‪ ]8‬ــــ وَعَ نْ أَبي ُه َر ْيرَةَ َرضِ يَ اللّ هُ َ‬ ‫ِل ُي ْؤ َتمّ بِه‪ ،‬فإذَا َكبّرَ َف َكّبرُوا وَل ُت َكّبرُوا حتى يُكبّرَ‪ ،‬وإذَا رَكَ عَ فَا ْركَعوا وَل َترْ َكعُوا حَتى َي ْركَ عَ‪ ،‬وإذَا قالَ‪ :‬سمِعَ ال‬ ‫جدَ‪ ،‬وَإذا صَلى قائما فَ صلّوا‬ ‫سُ‬ ‫جدُوا حَ تى يَ ْ‬ ‫سُ‬ ‫سجُدُوا وَل تَ ْ‬ ‫سجَدَ فا ْ‬ ‫ح ْمدُ‪ ،‬وَإذَا َ‬ ‫ح ِمدَ ُه فَقُولُوا‪ :‬اللهُمّ َربّنَا لَ كَ ا ْل َ‬ ‫ن َ‬ ‫ِلمَ ْ‬ ‫ِقيَاما‪ ،‬وَإذا صلى قاعِدا فَصَلّوا ُقعُودا َأجْمعينَ" رَوَاهُ َأبُو دَا ُودَ وَهذَا َل ْفظُهُ وَأَصلُهُ في الصّحيحيْنِ‪.‬‬ ‫جعِل المام ليؤتمّ به فإذا كبّر)‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إنما ُ‬ ‫أي للحرام أو مطلقا فيشمل تكبير النقل (فكبروا ول تكبروا حتى يكبّر) زاده تأكيدا لما أفاده مفهوم الشرط كما‬ ‫في سائر الجمل التية‪( :‬وإذا ركع فاركعوا ول تركعوا حتى يركع) أي حتى يأخذ من الركوع ل حتى يفرغ منه‬ ‫ن حمده فقولوا‪ :‬الل هم رب نا لك الح مد؛ وإذا سجد) أ خذ في ال سجود‬ ‫ك ما يتبادر من الل فظ (وإذا قال‪ :‬سمع ال لم ْ‬ ‫(فاسجدوا ول تسجدوا حتى يسجدَ وإذا صلى قائما فصلّوا قياما‪ ،‬وإذا صلى قاعدا) لعذر (فصلوا ُقعُودا أَجمعين")‬ ‫هكذا بالنصب على الحال وهي رواية في البخاري وأكثر الروايات على "أجمعون" بالرفع تأكيدا لضمير الجمع‬ ‫(رواه أبو داود وهذا لفظه وأصله في الصحيحين)‪.‬‬ ‫إنما يفيد جعل المام مقصورا على التصاف بكونه مؤتما به ل يتجاوزه المؤتم إلى مخالفته‪.‬‬ ‫والئتمام‪ :‬القتداء والتباع‪.‬‬ ‫والحديث دل على أن شرعية المامة ليقتدى بالمام‪ ،‬ومن شأن التابع والمأموم أن ل يتقدم متبوعه‪ ،‬ول يساويه‪،‬‬ ‫ول يتقدم عليه في موقفه‪ ،‬بل يراقب أحواله ويأتي على أثرها بنحو فعله‪ ،‬ومقتضى ذلك أن ل يخالفه في شيء‬ ‫من الحوال‪ ،‬وقد فصل الحديث ذلك بقوله فإذا كبر إلى آخره‪.‬‬ ‫ويقاس ما لم يذكر من أحواله كالتسليم على ما ذكر فمن خالفه في شيء مما ذكر فقد أثم ول تفسد صلته بذلك‪،‬‬ ‫إل أنه إن خالف في تكبيرة الحرام بتقديمها على تكبيرة المام فإنها ل تنعقد معه صلته لنه لم يجعله إماما إذ‬ ‫الدخول بها بعده وهي عنوان القتداء به واتخاذه إماما‪.‬‬ ‫واستدل على عدم فساد الصلة بمخالفته لمامه لنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم توعد من سابق المام في ركوعه أو‬ ‫سجوده بأن ال يجعل رأسه رأس حمار ولم يأمره بإعادة صلته ول قال فإنه ل صلة له‪.‬‬ ‫ثم الحديث لم يشترط المساواة في النية فدل أنها إذا اختلفت نية المام والمأموم كأن ينوي أحدهما فرضا والخر‬ ‫ل أو ينوي هذا عصرا والخر ظهرا أنها تصح الصلة جماعة وإليه ذهبت الشافعية‪ .‬ــــ ويأتي الكلم‬ ‫نف ً‬ ‫على ذلك في حديث جابر في صلة معاذ ــــ‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬إذا قال سـمع ال لمـن حمده" يدل أنـه الذي يقوله المام ويقول المأموم‪ :‬اللهـم ربنـا لك الحمـد‪ ،‬وقـد ورد‬ ‫بزيادة الواو وورد بحذف اللهم والكل جائز‪ ،‬والرجح العمل بزيادة اللهم وزيادة الواو لنهما يفيدان معنى زائدا‪.‬‬ ‫و قد اح تج بالحد يث من يقول إ نه ل يج مع المام والمؤ تم ب ين الت سميع والتحم يد و هم الهاد ية والحنف ية‪ ،‬قالوا‪:‬‬ ‫ويشرع للمام والمنفرد التسميع وقد قدمنا هذا‪.‬‬ ‫وقال أبو يوسف ومحمد‪ :‬يجمع بينهما المام والمنفرد ويقول المؤتم‪ :‬سمع ال لمن حمده لحديث أبي هريرة أنه‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم كان يفعل ذلك‪ ،‬وظاهره منفردا وإماما فإن صلته صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم مؤتما نادرة‪.‬‬ ‫ويقال عليه فأين الدليل على أنه يشمل المؤتم فإن الذي في حديث أبي هريرة هذا أنه يحمد‪.‬‬ ‫وذهب المام يحيى والثوري والوزاعي إلى أنه يجمع بينهما المام والمنفرد ويحمد المؤتم لمفهوم حديث الباب‬ ‫إذ يفهم من قوله‪" :‬فقولوا اللهم‪ "..‬إلخ أنه ل يقول المؤتم إل ذلك‪.‬‬ ‫وذهب الشافعي إلى أنه يجمع بينهما المصلي مطلقا مستدلً بما أخرجه مسلم من حديث ابن أبي أوفى "أنه صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان إذا ر فع رأ سه من الركوع قال‪ :‬سمع ال ل من حمده الل هم رب نا لك الح مد"‪ .‬الحد يث قال‪:‬‬ ‫والظاهر عموم أحوال صلته جماعة ومنفردا وقد قال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬صلوا كما رأيتموني أصلي" ول‬ ‫‪96‬‬

‫حجة في سائر الروايات على القتصار إذ عدم الذكر في اللفظ ل يدل على عدم الشرعية‪ ،‬فقوله إذا قال المام‬ ‫سمع ال ل من حمده ل يدل على ن في قول المؤ تم سمع ال ل من حمده‪ ،‬وحد يث ا بن أ بي أو فى في حكاي ته لفعله‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم زيادة وهي مقبولة‪ ،‬لن القول غير معارض لها‪.‬‬ ‫وقد روى ابن المنذر هذا القول عن عطاء وابن سيرين وغيرهما فلم ينفرد به الشافعي ويكون قول سمع ال لمن‬ ‫حمده عند رفع رأسه وقوله ربنا لك الحمد عند انتصابه‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬ف صلوا قعودا أجمع ين" دل يل أ نه ي جب متاب عة المام في القعود لعذر وأ نه يق عد المأموم مع قدر ته على‬ ‫القيام‪ .‬وقد ورد تعليله بأنه فعل فارس والروم أي القيام مع قعود المام فإنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪" :‬إن كدتم‬ ‫آنفا لتفعلون ف عل فارس والروم يقومون على ملوك هم و هم قعود فل تفعلوا" و قد ذ هب إلى ذلك أح مد بن حن بل‬ ‫وإسحق وغيرهما‪.‬‬ ‫وذهبت الهادوية ومالك وغيرهم إلى أنها ل تصح متابعة القاعد ل قائما ول قاعدا لقوله صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪" :‬ل‬ ‫تختلفوا على إمامكـم ول تتابعوه فـي القعود" كذا فـي شرح القاضـي ولم يسـنده إلى كتاب ول وجدت قوله‪" :‬ول‬ ‫تتابعوه في القعود" في حديث فينظر‪.‬‬ ‫وذهب الشافعي إلى أنها تصح صلة القائم خلف القاعد ول يتابعوه في القعود قالوا‪ :‬لصلة أصحاب رسول ال‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في مرض مو ته قياما ح ين خرج وأ بو ب كر قد افت تح ال صلة فق عد عن ي ساره فكان ذلك‬ ‫نا سخا لمره صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم ل هم بالجلوس في حد يث أ بي هريرة فإن ذلك كان في صلته ح ين ج حش‬ ‫وانفكت قدمه فكان هذا آخر المرين فتعين العمل به كذا قرره الشافعي‪.‬‬ ‫وأجيب‪ :‬بأن الحاديث التي أمرهم فيها بالجلوس لم يختلف في صحتها ول في سياقها‪ .‬وأما صلته صَلّى ال‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم في مرض موته‪ ،‬فقد اختلف فيها هل كان إماما أو مأموما‪ ،‬والستدلل بصلته في مرض موته ل‬ ‫يتم إل على أنه كان إماما‪:‬‬ ‫ومنها أنه يحتمل أن المر بالجلوس للندب‪ ،‬وتقرير القيام قرينة على ذلك فيكون هذا جمعا بين الروايتين خارجا‬ ‫عن المذهبين جميعا‪ ،‬لنه يقتضي التخيير للمؤتم بين القيام والقعود‪.‬‬ ‫ومنها أنه قد ثبت فعل ذلك عن جماعة من الصحابة بعد وفاته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أنهم أمّوا قعودا أيضا منهم‬ ‫أسيد بن حضير وجابر وأفتى به أبو هريرة قال ابن المنذر‪ :‬ول يحفظ عن أحد من الصحابة خلف ذلك‪.‬‬ ‫وأما حديث "ل يؤمن أحدكم بعدي قاعدا قوما قياما" فإنه حديث ضعيف أخرجه البيهقي والدارقطني من حديث‬ ‫جابر الجعفي عن الشعبي عن النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪[ .‬تض]وجابر[‪/‬تض] ضعيف جدا وهو مع ذلك مرسل‪،‬‬ ‫قال الشافعي‪ :‬قد علم من احتج به أنه ل حجة فيه لنه مرسل‪ ،‬ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية‬ ‫عنه ــــ يعني جابرا الجعفي ــــ‪.‬‬ ‫وذ هب أح مد بن حن بل في الج مع ب ين الحديث ين إلى أ نه ابتدأ المام الرا تب ال صلة قاعدا لمرض ير جى برؤه‪،‬‬ ‫فإن هم ي صلون خل فه قعودا‪ ،‬وإذا ابتدأ المام ال صلة قائما لزم المأموم ين أن ي صلوا خل فه قياما‪ ،‬سواء طرأ ما‬ ‫يقتضي صلة إمامهم قاعدا أم ل‪ ،‬كما في الحاديث التي في مرض موته‪ ،‬فإنه صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم لم يأمرهم‬ ‫بالقعود لنه ابتدأ إمامهم صلته قائما‪ ،‬ثم أمّهم صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم في بقية الصلة قاعدا‪ ،‬بخلف صلته صَلّى‬ ‫ال عََليْهِ َوسَلّم بهم في مرضه الول فإنه ابتدأ صلته قاعدا فأمرهم بالقعود وهو جمع حسن‪.‬‬ ‫ع ْن هُ أنّ رسولَ ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم رأى في أَ صْحَابِهِ‬ ‫خدْري رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]9‬ــــ وَعَ نْ أَبي سَعيدٍ ال ُ‬ ‫ن َب ْع َدكُمْ" رَوَاهُ ُمسِْلمٌ‪.‬‬ ‫َتَأخّرا فَقَالَ لهم‪" :‬تَ َقدّمُوا فَا ْئتَمُوا بي وَ ْليَأتَمّ ِب ُكمْ مَ ْ‬ ‫(وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه أن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم‪:‬‬ ‫"تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم" رواه مسلم) كأنهم تأخروا عن القرب والدنو منه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫وقوله‪" :‬ائتموا بي" أي اقتدوا بأفعالي وليقتد بكم من بعدكم مستدلين بأفعالكم على أفعالي‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أنه يجوز اتباع من خلف المام ممن ل يراه ول يسمعه كأهل الصف الثاني يقتدون بالول‪،‬‬ ‫وأهل الصف الثالث بالثاني ونحوه أو بمن يبلغ عنه‪.‬‬ ‫وفي الحديث حث على الصف الول وكراهة البعد عنه‪ .‬وتمام الحديث "ل يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم ال‬ ‫عز وجل"‪.‬‬ ‫حجْرَةً‬ ‫ـّم ُ‬ ‫ـّى ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫جرَ رَسـُولُ ال صَل‬ ‫ح َت َ‬ ‫عنْهُـ قَالَ‪ :‬ا ْ‬ ‫[رح ‪ ]10‬ـــــ وَعَن ْـ َز ْيدِ بْنِـ ثَابتٍـ َرضِيَـ اللّهُـ َ‬ ‫بخَ صَفَ ٍة فَ صَلّى فيها فَ َت َتبّ عَ إَليْ ِه رجَالٌ َوجَاءُوا يُ صَلّونَ بِ صَلتِهِ"‪ ،‬الحديث‪َ .‬وفِي هِ‪َ" :‬أ ْفضَلُ صَلةِ ال َمرْءِ في َب ْيتِ ِه إلّ‬ ‫ال َم ْكتُو َبةَ" ُمتّفقٌ عََل ْيهِ‪.‬‬ ‫‪97‬‬

‫(وعن زيد بن ثابت قال‪ :‬احتجر) هو بالراء المنع أي اتخذ شيئا كالحجارة من الخصف وهو الحصير ويروى‬ ‫بالزاي أي ات خذ حاجزا بي نه وب ين غيره أي مانعا (ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم حجرة مخ صفة ف صلى في ها‬ ‫فتت بع إليه رجال وجاءوا ي صلون بصلته" الحد يث وف يه "أَفضلُ صلة المر ِء في بي ته إل المكتوبة" مت فق عل يه)‬ ‫وقد تقدم في شرح حديث جابر في باب صلة التطوع‪.‬‬ ‫وف يه دللة على جواز ف عل م ثل ذلك في الم سجد إذا لم ي كن ف يه تضي يق على الم صلين ل نه كان يفعله بالل يل‬ ‫ويبسط بالنهار‪ ،‬وفي رواية مسلم "ولم يتخذه دائما"‪.‬‬ ‫وقوله "فتتبع" من التتبع الطلب والمعنى طلبوا موضعه واجتمعوا إليه‪ ،‬وفي رواية البخاري "فثار إليه" وفي رواية‬ ‫له "فصلى فيها ليالي فصلى بصلته ناس من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم فقال‪ :‬قد عرفت الذي‬ ‫رأيت من صنيعكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلة صلة المرء في بيته إل المكتوبة" هذا لفظه‪،‬‬ ‫وفي مسلم قريب منه‪.‬‬ ‫والمصنف ساق الحديث في أبواب المامة لفادة شرعية الجماعة في النافلة وقد تقدم معناه في التطوّع‪.‬‬ ‫صحَابه العشاءَ فطَوّلَ عََل ْيهَمْ فَقَال‬ ‫ع ْنهُما قال‪ :‬صَلّى ُمعَاذٌ بأَ ْ‬ ‫ع ْب ِد اللّ ِه رَضيَ اللّهُ َ‬ ‫عنْ جَابر بْنِ َ‬ ‫[رح ‪ ]11‬ــــ وَ َ‬ ‫ح ا سْم‬ ‫سبّ ِ‬ ‫ن َتكُو نَ َفتّانا؟ إذا أَممْ تَ النّا سَ فَا ْقرَأ بالشمس َوضُحَاهَا‪ ،‬وَ َ‬ ‫النّبيّ صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬أتُريدُ يا مُعاذُ َأ ْ‬ ‫َر ّبكَ العْلى‪ ،‬وَا ْقرَأ باسْم َربّكَ‪ ،‬وَالليّل إذا يغشى" ُمتّفقٌ عََليْهِ واللّفظ ِل ُمسْلِمٍ‪.‬‬ ‫والحديث في البخاري لفظ "أقبل رجلين بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذا يصلي فترك ناضحيه وأقبل إلى‬ ‫معاذ فقرأ ب سورة البقرة أو الن ساء فانطلق الر جل" ب عد أن ق طع القتداء بمعاذ وأ تم صلته منفردا‪ ،‬وعل يه بوب‬ ‫البخاري بقوله‪" :‬إذا طول المام وكان للرجـل أي المأموم حاجـة فخرج" "وبلغـه أن معاذا نال منـه" وقـد جاء مـا‬ ‫قاله معاذ مفسرا بلفظ "فبلغ ذلك معاذا فقال إنه منافق" "فأتى النبي صلى ال عليه وآله وسلم فشكا إليه معاذا فقال‬ ‫النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬يا معاذ أفتان أنت؟ أو أفاتن ــــ ثلث مرات ــــ فلول صليت بسبح اسم‬ ‫ربك العلى‪ ،‬والشمس وضحاها‪ ،‬والليل إذا يغشى‪ ،‬فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة" وله في‬ ‫البخاري ألفاظ غير هذه‪.‬‬ ‫والمراد بفتان أي أتعذب أصحابك بالتطويل‪ ،‬وحمل ذلك على كراهة المأمومين للطالة وإل فإنه صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫َسـلّم قرأ العراف فـي المغرب وغيرهـا‪ .‬وكان مقدار قيامـه فـي الظهـر بالسـتين آيـة وقرأ بأقصـر مـن ذلك‪.‬‬ ‫و َ‬ ‫والحاصل أنه يختلف ذلك باختلف الوقات في المام والمأمومين‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل على صحة صلة المفترض خلف المتن فل فإن معاذا كان ي صلي فري ضة العشاء م عه صَلّى ال‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم ثم يذ هب إلى أ صحابه في صليها ب هم نفلً‪ .‬و قد أخرج ع بد الرزاق والشاف عي والطحاوي من حد يث‬ ‫جابر ب سند صحيح وف يه " هي له تطوع" و قد طول الم صنف الكلم على ال ستدلل بالحد يث على ذلك في ف تح‬ ‫الباري‪ ،‬و قد كتب نا ف يه ر سالة م ستقلة جواب سؤال وأبَنّا في ها عدم نهوض الحد يث على صحة صلة المفترض‬ ‫خلف المتنفل‪.‬‬ ‫والحديث أفاد أنه يخفف المام في قراءته وصلته وقد عين صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم مقدار القراءة ويأتي حديث "إذا‬ ‫أمّ أحدكم الناس فليخفف"‪.‬‬ ‫ع ْنهَا في قِ صّ ِة صَل ِة رَ سُول اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بالنّا سِ وَ ُهوَ‬ ‫[رح ‪ ]12‬ــــ وَعَ نْ عَا ِئشَةَ رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ن يُ صَلي بالنّاس جَالِ سا وَأَبُو َب ْكرٍ قائما‪ ،‬يَ ْق َتدِي أَبُو َب ْكرٍ‬ ‫ع نْ يَ سَارِ أَ بي َب ْكرٍ فَكَا َ‬ ‫مَري ضٌ قَالَ تْ‪َ " :‬فجَاءَ ح تى جَلَ سَ َ‬ ‫بصَل ِة النّبيّ صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪َ ،‬ويَ ْقتَدي النّاس بصل ِة أَبي َبكْرٍ" ُمتّ َفقٌ عََليْهِ‪.‬‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنها في قصة صلة رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بالناس وهو مريض قالت‪ :‬فجاء‬ ‫حتى جلس عن يسار أبي بكر) هكذا في رواية البخاري في "باب الرجل يأتم بالمام" تعيين مكان جلوسه صَلّى‬ ‫ال عََليْهِ وَسَلّم وأنه عن يسار أبي بكر‪ ،‬وهذا هو مقام المام‪ .‬ووقع في البخاري في "باب حد المريض أن يشهد‬ ‫الجماعة" بلفظ "جلس إلى جنبه" ولم يعين فيه محل جلوسه‪ ،‬لكن قال المصنف‪ :‬إنه عين المحل في رواية بإسناد‬ ‫حسين "أنه عن يساره" قلت‪ :‬حيث قد ثبت في الصحيح في بعض رواياته فهي تبين ما أجمل في أخرى‪ ،‬وبه‬ ‫يت ضح أ نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان إماما (فكان) النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم (ي صلي بالناس جال سا وأ بو بكر)‬ ‫يصلي (قائما‪ ،‬يقتدي أبو بكر بصلة النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم ويقتدي الناس بصلة أبي بكر" متفق عليه)‪.‬‬ ‫فيه دللة على أنه يجوز وقوف الواحد عن يمين المام‪ ،‬وإن حضر معه غيره ويحتمل أنه صنع ذلك ليبلغ عنه‬ ‫أ بو ب كر‪ ،‬أو لكو نه كان وإماما أول ال صلة أو لكون ال صف قد ضاق‪ ،‬أو لغ ير ذلك من المحتملت‪ ،‬و مع عدم‬ ‫الدليل على أنه فعل لواحد منها فالظاهر الجواز على الطلق‪.‬‬ ‫‪98‬‬

‫وقولها‪" :‬يقتدي أبو بكر" يحتمل أن يكون ذلك القتداء على جهة الئتمام فيكون أبو بكر إماما ومأموما ويحتمل‬ ‫أن يكون أبو بكر إنما كان مبلغا وليس بإمام‪.‬‬ ‫واعلم أ نه قد و قع الختلف في حد يث عائ شة و في غيره هل كان ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إماما أو مأموما‬ ‫ووردت الروايات بما يفيد هذا وما يفيد هذا‪ ،‬لكنا قدمنا ظهور أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان المام‪ ،‬فمن العلماء‬ ‫من ذهب إلى الترجيح بين الروايات فرجح أنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان المام لوجوه من الترجيح مستوفاة في‬ ‫فتح الباري‪ .‬وفي الشرح بعض من ذلك‪ .‬وتقدم في شرح الحديث التاسع بعض وجوه ترجيح خلفه‪.‬‬ ‫ومن العلماء من قال بتعدد القصة وأنه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم صلى تارة إماما وتارة مأموما في مرض موته‪.‬‬ ‫هذا‪ :‬و قد ا ستدل بحد يث عائ شة هذا وقول ها‪" :‬يقتدي أ بو ب كر ب صلة ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ويقتدي الناس‬ ‫بصلة أبي بكر" أن أبا بكر كان مأموما إماما‪ :‬وقد بوب البخاري على هذا فقال‪" :‬باب الرجل يأتم بالمام ويأتم‬ ‫الناس بالمأموم"‪.‬‬ ‫قال ابن بطال‪ :‬هذا يوافق قول مسروق والشعبي‪ :‬أن الصفوف يؤم بعضها بعضا خلفا للجمهور‪.‬‬ ‫قال المصنف‪ :‬قال الشعبي فيمن أحرم قبل أن يرفع الصف الذي يليه رؤوسهم من الركعة أنه أدركها ولو كان‬ ‫المام رفع قبل ذلك لن بعضهم لبعض أئمة‪.‬‬ ‫فهذا يدل أ نه يرى أن هم متحملون عن بعض هم بعضا ما يتحمله المام‪ .‬ويؤ يد ما ذ هب إل يه قوله صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫َوسَلّم‪" :‬تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم" وقد تقدم‪.‬‬ ‫وفي رواية مسلم "أن أبا بكر كان يسمعهم التكبير" دليل على أنه يجوز رفع الصوت بالتكبير لسماع المأمومين‬ ‫فيتبعونه‪ ،‬وأنه يجوز للمقتدي اتباع صوت المكبر‪ ،‬وهذا مذهب الجمهور وفيه خلف للمالكية‪.‬‬ ‫قال القاضي عياض عن مذهبهم‪ :‬إن منهم من يبطل صلة المقتدي ومنهم من ل يبطلها ومنهم من قال إن أذن له‬ ‫بالسماع صح القتداء به وإل فل‪ ،‬ولهم تفاصيل غير هذه ليس عليها دليل‪ ،‬وكأنهم يقولون في هذا الحديث إن‬ ‫أبا بكر كان هو المام ول كلم أنه يرفع صوته لعلم من خلفه‪.‬‬ ‫ح ُدكُ مْ النّا سَ‬ ‫عنْ هُ أنّ النّبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قَال‪" :‬إذا أمّ َأ َ‬ ‫[رح ‪ ]13‬ــــ وَعَ نْ أ بي ُه َريْرةَ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ف شَاءَ" ُمتّفقٌ عََليْهِ‪.‬‬ ‫حدَهُ فَ ْل ُيصَلّ َكيْ َ‬ ‫فَ ْل ُيخَ ّففْ فإنّ فيه ُم الصّغيرَ وَالْكبيرَ والضّعِيفَ وَذا الْحاجَةِ‪ ،‬فإذا صَلّى َو ْ‬ ‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه أن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬إذا أمّ أَحد كم النّاس فليخ فف فإن في هم‬ ‫ال صّغير وال كبير والضّع يف وذا الحا جة) وهؤلء يريدون التخف يف فيلحظ هم المام (فإذا صلى وحده فلي صل‬ ‫كيف شاء" متفق عليه) مخففا ومطولً‪.‬‬ ‫وفيـه دليـل على جواز تطويـل المنفرد للصـلة فـي جميـع أركانهـا ولو خشـي خروج الوقـت‪ ،‬وصـححه بعـض‬ ‫الشافع ية‪ ،‬ولك نه معارض بحد يث أ بي قتادة "إن ما التفر يط أن تؤ خر ال صلة ح تى يد خل و قت الخرى" أخر جه‬ ‫م سلم فإذا تعار ضت م صلحة المبال غة في الكمال بالتطو يل‪ ،‬ومف سدة إيقاع ال صلة في غ ير وقت ها كا نت مراعاة‬ ‫ترك المفسدة أولى"‪.‬‬ ‫ويحتمل أنه إنما يريد بالمؤخر حتى يخرج الوقت من لم يدخل في الصلة أصلً حتى خرج‪ ،‬وأما من خرج وهو‬ ‫في الصلة فل يصدق عليه ذلك‪.‬‬ ‫عنْد‬ ‫ج ْئ ُتكُ مْ ــــ وال ــــ مِ نْ ِ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ أبي‪ِ :‬‬ ‫عمْرو ْب نِ سَِلمَ َة رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ع نْ َ‬ ‫[رح ‪ ]14‬ــــ وَ َ‬ ‫ح ُدكُمْ وليؤمكم أَكث ُركُم قُرآنا" قَال‪َ :‬ف َنظَرُوا فَلَمْ‬ ‫ضرَتِ الصّل ُة فَلْيُؤذّنْ َأ َ‬ ‫ح َ‬ ‫النّبيّ صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم حَقّا فقال‪" :‬فَإذا َ‬ ‫سنِينَ‪ ،‬رَوَاهُ ا ْل ُبخَاريّ وَأَبو دَا ُودَ وَال ّنسَائيّ‪.‬‬ ‫سبْع ِ‬ ‫ن سِتّ َأوْ َ‬ ‫حدٌ َأ ْكثَر قُرْآنا ِمنّي فَ َق ّدمُوني بين أيديهم وََأنَا ابْ ُ‬ ‫ن َأ َ‬ ‫َيكُ ْ‬ ‫(وعن عمرو بن سلمة) بكسر اللم هو أبو يزيد من الزيادة كما قاله البخاري وغيره‪ ،‬وقال مسلم وآخرون‪ :‬بُريد‬ ‫ب ضم الباء الموحدة وف تح الراء و سكون المثناة التحت ية فدال مهملة هو‪ :‬عمرو بن سلمة الجر مي بالج يم والراء‬ ‫مخ فف قال ا بن ع بد البر‪ :‬عمرو بن سلمة أدرك ز من ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم وكان يؤم قو مه على ع هد‬ ‫رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪ ،‬لنه كان أقرأهم للقرآن‪ ،‬وقيل إنه‪ ،‬قدم على النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم مع أبيه‪،‬‬ ‫ولم يختلف في قدوم أبيه نزل عمرو البصرة وروى عنه أبو قلبة وعامر الحول وأبو الزبير المكي (قال‪ :‬قال‬ ‫أبي) أي سلمة بن نُ َفيْع بضم النون أو ابن ليْ بفتح اللم وسكون الهمزة على الخلف في اسمه (جئتكم من عند‬ ‫ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم حقا) ن صب على صفة الم صدر المحذوف أي نبوة حقا أو أ نه م صدر مؤ كد للجملة‬ ‫المتضم نة إذ هو في قوة هو ر سول ال حقا ف هو م صدر مؤ كد لغيره (قال‪" :‬إذا حضرت ال صلة فليؤذن أَحد كم‬ ‫وليؤمكم ْـ أَكثركـم قرآنا" قال‪ :‬أي عمرو بن سلمة (فنظروا فلم ي كن أ حد أكثـر منـي قرآنا) و قد ورد بيان سـبب‬ ‫أكثر ية قرآني ته أ نه كان يتل قى الركبان الذ ين كانوا يفدون إل يه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ويمرون بعمرو وأهله فكان‬ ‫‪99‬‬

‫يتل قى من هم ما يقرأو نه وذلك ق بل إ سلم أب يه وقو مه (فقدمو ني ب ين أيدي هم وأ نا ا بن ست أو سبع سنين‪ .‬رواه‬ ‫البخاري وأبو داود والنسائي)‪.‬‬ ‫وفيه دللة على أن الحق بالمامة الكثر قرآنا ويأتي الحديث بذلك قريبا‪.‬‬ ‫وفيه أن المامة أفضل من الذان لنه لم يشترط في المؤذن شرطا‪.‬‬ ‫وتقديمه وهو ابن سبع سنين دليل لما قاله الحسن البصري والشافعي وإسحاق من أنه ل كراهة في إمامة المميز‪.‬‬ ‫وكرهها مالك والثوري‪.‬‬ ‫وعن أحمد وأبي حنيفة روايتان والمشهور عنهما الجزاء في النوافل دون الفرائض‪.‬‬ ‫وقال بعدم صحتها الهادي والنا صر وغيره ما قيا سا على المجنون قالوا‪ :‬ول ح جة في ق صة عمرو هذه ل نه لم‬ ‫يرو أن ذلك كان من أمره صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم ول تقريره‪.‬‬ ‫وأجيب بأن دليل الجواز وقوع ذلك في زمن الوحي ول يقرر فيه على فعل ما ل يجوز‪ ،‬سيما في الصلة التي‬ ‫هي أعظم أركان السلم‪ ،‬وقد نبه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بالوحي على القذى الذي كان في نعله‪ ،‬فلو كان إما مة‬ ‫الصبي ل تصح لنزل الوحي بذلك‪ ،‬وقد استدل أبو سعيد وجابر بأنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل‪.‬‬ ‫والو فد الذ ين قدّموا عمرا كانوا جما عة من ال صحابة قال ا بن حزم‪ :‬ول نعلم ل هم مخالفا في ذلك‪ ،‬واحتمال أ نه‬ ‫أم هم في نافلة يبعده سياق الق صة فإ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم علم هم الوقات للفرائض ثم قال ل هم‪" :‬إ نه يؤم كم‬ ‫أكثركم قرآنا" وقد أخرج أبو داود في سننه قال عمرو‪" :‬فما شهدت مشهدا في جرم ــــ اسم قبيلة ــــ‬ ‫إل كنت إمامهم" وهذا يعم الفرائض والنوافل‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬يحتاج من ادّعى التفرقة بين الفرض والنفل وأنه تصح إمامة الصبي في هذا دون ذلك إلى دليل‪.‬‬ ‫ثم الحديث فيه دليل على القول بصحة صلة المفترض خلف المتنفل كذا في الشرح وفيه تأمل‪.‬‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬يَؤُمّ القْوَ مْ‬ ‫ل رَ سُو ُ‬ ‫ع ْن هُ قَالَ‪ :‬قا َ‬ ‫سعُودٍ َرضِ يَ اللّ هُ َ‬ ‫ع نْ أ بن مَ ْ‬ ‫[رح ‪ ]15‬ــــ وَ َ‬ ‫سنّ ِة سَوا ًء فََأ ْقدَ ُمهُ ْم ِهجْرَةً‪،‬‬ ‫ن كَانُوا في ا ْل ِقرَاءَ ِة سَوَا ًء َفأَعَْل ُمهُ مْ بال سّنّةِ‪ ،‬فَإ نْ كَانُوا في ال ُ‬ ‫َأ ْقرَؤهُ ْم ِلكِتا بِ ال تعالى‪ ،‬فإ ْ‬ ‫ل في سُ ْلطَانِهِ‪،‬‬ ‫سنّا ــــ ول َي ُؤمّنّ ال ّرجُلُ ال ّرجُ َ‬ ‫ن كَانُوا في الهجرة سَوَاءً فَأقْ َد ُمهُمْ سِلْما ــــ وَفي روَاية ِ‬ ‫فإ ْ‬ ‫ول يَ ْق ُعدُ في َب ْيتِهِ عَلى َتكْر َمتِهِ إلّا بإ ْذنِهِ" رَوَا ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫(وعن أبن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬يؤمّ القوم أَقرؤهم لكتاب ال تعالى)‬ ‫الظاهـر أن المراد أكثرهـم له حفظا وقيـل أعلمهـم بأحكامـه والحديـث الول يناسـب القول الول (فإن كانوا فـي‬ ‫القراءَة سواءً فأَعلم هم بال سّنة‪ ،‬فإن كانوا في ال سّنة سوا ًء فأَقدم هم هجرة‪ ،‬فإن كانوا في الهجرة سواءً فأَقدم هم‬ ‫سِلْما) أي إسلما‪ ،‬و في روا ية " سنا" عوضا عن سلما (ول يؤ من الرجلُ الرجل في سلطانهِ‪ ،‬ول يق عد في بي ته‬ ‫على تكرمته) بفتح المثناة الفوقية وكسر الراء‪ :‬الفراش ونَحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويختص به (إل بإذنه"‬ ‫رواه مسلم)‪.‬‬ ‫الحديث دليل على تقديم القرأ على الفقه وهومذهب أبي حنيفة وأحمد‪.‬‬ ‫وذهب الهادوية إلى أنه يقدم الفقه على القرأ لن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط‪ ،‬والذي يحتاج إليه من‬ ‫الفقـه غيـر مضبوط‪ ،‬وقـد تعرض له فـي الصـلة أمور ل يقدر على مراعاتهـا إل كامـل الفقـه‪ ،‬قالوا‪ :‬ولهذا قدم‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أ با ب كر على غيره مع قوله‪" :‬أقرؤ كم أب يّ"‪ ،‬قالوا‪ :‬والحد يث خرج على ما كان عل يه حال‬ ‫الصحابة من أن القرأ هو الفقه وقد قال[اث] ابن مسعود[‪/‬اث]‪ :‬ما كنا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف حكمها‬ ‫وأمرها ونهيها‪.‬‬ ‫ول يخ فى أ نه يب عد هذا قوله‪" :‬فإن كانوا في القراءة سواء فأعلم هم بال سنة" فإ نه دل يل على تقد يم القرأ مطلقا‪،‬‬ ‫والقرأ على ما فسروه به هو العلم بالسنة فلو أريد به ذلك لكان القسمان قسما واحدا‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬فأقدم هم هجرة" هو شا مل ل من تقدم هجرة سواء ما كان في زم نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أو بعده ك من‬ ‫يها جر في دار الكفار إلى دار ال سلم‪ .‬وأ ما حد يث "ل هجرة ب عد الف تح" فالمراد من م كة إلى المدي نة لنه ما‬ ‫جميعا صارا دار إسلم ولعله يقال‪ :‬وأولد المهاجرين لهم حكم آبائهم في التقديم‪.‬‬ ‫وقوله "سلما" أي من تقدم إسلمه يقدم على من تأخر‪.‬‬ ‫وكذا رواية "سنا" أي الكبر في السن وقد ثبت في حديث مالك بن الحويرث "ليؤمكم أكبركم"‪.‬‬ ‫و من الذ ين ي ستحقون التقد يم قر يش لحد يث "قدموا قريشا"‪ :‬قال الحا فظ الم صنف‪ :‬إ نه قد ج مع طر قه في جزء‬ ‫كبير‪.‬‬ ‫ومنهم الحسن وجها لحديث ورد به وفيه راو ضعيف‪.‬‬ ‫‪100‬‬

‫وأما قوله‪" :‬ول يؤمن الرجل الرجل في سلطانه" فهو نهي عن تقديم غير السلطان عليه والمراد ذو الولية سواء‬ ‫كان ال سلطان الع ظم أو نائ به وظاهره وإن كان غيره أك ثر قرآنا وفقها فيكون هذا خا صا‪ ،‬وأول الحد يث عام‪،‬‬ ‫ويلحق بالسلطان صاحب البيت لنه ورد في صاحب البيت بخصوصه بأنه الحق‪ .‬أخرج الطبراني من حديث‬ ‫ابن مسعود‪" :‬لقد علمت أن من السنة أن يتقدم صاحب البيت"‪ .‬قال المصنف‪ :‬رجاله ثقات‪.‬‬ ‫وأما إمام المسجد فإن كان عن ولية من السلطان أو عامله فهو داخل في حكم السلطان وإن كان باتفاق من أهل‬ ‫المسجد فيحتمل أنه يصير بذلك أحق وأنها ولية خاصة‪ ،‬وكذلك النهي عن القعود مما يختص به السلطان في‬ ‫منزله أو الرجل من فراش وسرير ونحوه ول يقعد فيه أحد إل بإذنه‪ ،‬ونحوه قوله‪:‬‬ ‫عرَابيّ ُمهَاجرا‪،‬‬ ‫عنْ ُه "وَل َت ُؤمّنّ امْرَأَ ٌة َرجُلً‪ ،‬وَل َأ ْ‬ ‫ن مَاجَ هْ ِم نْ حَدي ثِ جَا ِبرٍ رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]16‬ــــ وَلبْ ِ‬ ‫سنَادُهُ وَاهٍ‪.‬‬ ‫وَلَا فَاجِرٌ م ْؤمِنا" وإ ْ‬ ‫(ول بن ما جه من حد يث جابر ر ضي ال ع نه "ول تؤمنّ امرأة رجل‪ ،‬ول أعرابيّ مهاجرا‪ ،‬ول فاجرٌ مؤمنا"‬ ‫وإسناده واه)‪.‬‬ ‫ف يه ع بد ال بن مح مد العدوي عن علي بن ز يد بن جدعان‪ ،‬والعدوي‪ ،‬اته مه وك يع بو ضع الحد يث‪ ،‬وشي خه‬ ‫ضعيف‪ ،‬وله طرق أخرى فيها عبد الملك ابن حبيب‪ ،‬وهو متهم بسرقة الحديث وتخليط السانيد‪.‬‬ ‫وهو يدل على أن المرأة ل تؤم الرجل وهو مذهب الهادوية والحنفية والشافعية وغيرهم‪.‬‬ ‫وأجاز المزني وأبو ثور إمامة المرأة‪.‬‬ ‫وأجاز الطبري إمامتها في التراويح إذا لم يحضر من يحفظ القرآن‪ ،‬وحجتهم حديث أمّ ورقة وسيأتي ويحملون‬ ‫هذا النهي على التنزيه أو يقولون الحديث ضعيف‪.‬‬ ‫ويدل أيضا على أنه ل يؤم العرابي مهاجرا ولعله محمول على الكراهة إذ كان في صدر السلم‪.‬‬ ‫ويدل أيضا على أنه ل يؤم الفاجر وهو المنبعث في المعاصي مؤمنا‪ ،‬وإلى هذا ذهبت الهادوية فاشترطوا عدالة‬ ‫من يصلي خلفه‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل تصح إمامة الفاسق‪.‬‬ ‫وذهبت الشافعية والحنفية إلى صحة إمامته مستدلين بما يأتي من حديث ابن عمر وغيره‪ ،‬وهي أحاديث كثيرة‬ ‫دالة على صحة الصلة خلف كل برّ وفاجر إل أنها كلها ضعيفة وقد عارضها حديث‪" :‬ل يؤمنكم ذو جرأة في‬ ‫دينه"‪ .‬ونحوه‪ ،‬وهي أيضا ضعي فة‪ ،‬قالوا‪ :‬فلما ضع فت الحاديث من الجانبين رجعنا إلى‪ ،‬الصل وهي أن من‬ ‫صحت صلته صحت إمامته‪.‬‬ ‫وأيّد ذلك فعل ال صحابة فإ نه أخرج البخاري في التار يخ عن ع بد الكريم أ نه قال‪" :‬أدر كت عشرة من أ صحاب‬ ‫محمد صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم يصلون خلف أئمة الجور"‪.‬‬ ‫ويؤيده أيضا حديث مسلم‪" :‬وكيف أنت إذا كان عليكم أمراء يؤخرون الصلة عن وقتها أو يميتون الصلة عن‬ ‫وقتهـا؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬فمـا تأمرنـي؟ قال‪ :‬صـل الصـلة لوقتهـا فإن أدركتهـا معهـم فصـل فإنهـا لك نافلة"‪ .‬فقـد أذن‬ ‫بالصلة خلفهم وجعلها نافلة لنهم أخرجوها عن وقتها‪،‬وظاهره أنهم لو صلوها في وقتها لكان مأمورا بصلتها‬ ‫خلفهم فريضة‪.‬‬ ‫ع نِ النّ بيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬رُ صّوا صُفُوفَ ُكمْ‪َ ،‬وقَاربُوا‬ ‫س ر ضي ال ع نه َ‬ ‫ع نْ َأنَ ٍ‬ ‫[رح ‪ ]17‬ــــ وَ َ‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫ححَهُ ابْ ُ‬ ‫صّ‬ ‫عنَاقِ" رَوَا ُه َأبُو دَا ُودَ وَالنّسائيّ َو َ‬ ‫َب ْي َنهَا‪َ ،‬وحَاذُوا بال ْ‬ ‫(و عن أ نس ر ضي ال ع نه عن ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪" :‬ر صّوا) أي في صلة الجما عة ب ضم الراء‬ ‫والصـاد المهملة مـن رص البناء (صـُفوفكمُ) بانضمام بعضكـم إلى بعـض (وقاربوا بينهـا) أي بيـن الصـفوف‬ ‫(وحاذوا) أي يسـاوي بعضكـم بعضا فـي الصـف (بالعناق" رواه أ بو داود والنسـائي وصـححه ابـن حبان) تمام‬ ‫الحد يث من سنن أ بي داود "فوالذي نف سي بيده إ ني لرى الشياط ين تد خل في خلل ال صف كأن ها الحذف" بف تح‬ ‫الحاء المهملة والذال المعجمة هي صغار الغنم‪.‬‬ ‫وأخرج الشيخان وأ بو داود من حد يث النعمان بن بش ير قال‪ :‬أق بل ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم على الناس‬ ‫بوجهـه فقال‪" :‬أقيموا صفوفكم ثلثا وال لتقيمنّـ صـفوفكم أو ليخالف نّ ال بيـن قلوبكـم" قال فرأيـت الر جل يلزق‬ ‫منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه" وأخرج[اث] أبو داود[‪/‬اث] عنه أيضا قال‪" :‬كان النبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‬ ‫يسوّينا في الصفوف كما يقوّم القداح حتى إذا ظن أن قد أخذنا ذلك عنه وفقهنا‪ :‬أقبل ذات يوم بوجهه إذا رجل‬ ‫ن صـفوفكم أو ليخالفـن ال بيـن وجوهكـم" وأخرج أيضا مـن حديـث [اث]البراء بـن‬ ‫منتبـذ بصـدره فقال‪" :‬لتسـو ّ‬ ‫عازب[‪/‬اث] رضي ال عنه قال‪" :‬كان رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح‬ ‫صدورنا ومناكبنا ويقول‪" :‬ل تختلفوا فتختلف قلوبكم"‪.‬‬ ‫‪101‬‬

‫وهذه الحاد يث والوع يد الذي في ها دالة على وجوب ذلك و هو م ما ت ساهل ف يه الناس‪ ،‬ك ما ت ساهلوا في ما يفيده‬ ‫حد يث أ نس ع نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم "أتموا ال صف المقدم ثم الذي يل يه ف ما كان من ن قص فلي كن في ال صف‬ ‫المؤ خر" أخر جه أ بو داود؛ فإ نك ترى الناس في الم سجد يقومون للجما عة و هم ل يملؤن ال صف الول لو قاموا‬ ‫ف يه فإذا أقي مت ال صلة يتفرقون صفوفا على اثن ين وعلى ثل ثة ونحوه‪ .‬وأخرج أ بو داود من حد يث جابر بن‬ ‫سمرة قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬أل تصفون كما تصف الملئكة عند ربهم؟ قلنا‪ :‬وكيف تصف‬ ‫الملئكة عند ربهم؟ قال‪ :‬يتمون الصفوف المقدمة ويتراصون في الصف"‪.‬‬ ‫وورد في سدّ الفُرج في الصفوف أحاديث‪ .‬كحديث ابن عمر "ما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها الرجل‬ ‫في فرجة في الصف فسدّها" أخرجه الطبراني في الوسط‪ ،‬وأخرج أيضا فيه من حديث عائشة قال صَلّى ال‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬من سدّ فرجة في صف رفعه ال بها درجة وبنى له بيتا في الجنة" قال الهيثمي‪ :‬فيه مسلم بن خالد‬ ‫الزن جي و هو ضع يف وث قه ا بن حبان وأخرج البزار من حد يث أبي جحي فة ع نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم "من سد‬ ‫فرجة في الصف غفر له" قال الهيثمي‪ :‬إسناده حسن ويغني عنه "رصوا صفوفكم" الحديث‪ ،‬إذ الفرج إنما تكون‬ ‫من عدم رصهم الصفوف‪.‬‬ ‫خيْرُ صُفُوفِ‬ ‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪َ " :‬‬ ‫عنْ هُ قالَ‪ :‬قالَ رَ سُو ُ‬ ‫[رح ‪ ]18‬ــــ وَعَ نْ أَبي ُه َر ْيرَةَ رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫شرّهَا َأوُّلهَا" رَوَا ُه ُمسْلِمٌ‪.‬‬ ‫خرُها َو َ‬ ‫خيْ ُر صُفوفِ النّساء آ ِ‬ ‫خرُهَا‪َ ،‬و َ‬ ‫شرّهَا آ ِ‬ ‫الرّجالِ َأوُْلهَا َو َ‬ ‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬خ ير صفوف الرجال َأوّل ها) أي‬ ‫أكثرها أجرا وهو الصف الذي يصلي الملئكة على من صلى فيه كما يأتي (وشرّها آخرها) أقلها أجرا (وخير‬ ‫صفوف النساء آخرها وشرّها أوّلها" رواه مسلم) ورواه أيضا البزار والطبراني في الكبير والوسط‪.‬‬ ‫والحاديـث فـي فضائل الصـف الول واسـعة‪ .‬أخرج أحمـد ـــــ قال الهيثمـي‪ :‬رجاله موثقون ـــــ‬ ‫والطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إن ال وملئكته يصلون‬ ‫على الصـف الول" قالوا‪ :‬يـا رسـول ال وعلى الثانـي؟ قال‪" :‬وعلى الثانـي"‪ .‬وأخرج أحمـد والبزار ـــــ‬ ‫قال[اث] الهيثمـي[‪/‬اث]‪ :‬برجال ثقات ـــــ مـن حديـث[اث] النعمان بـن بشيـر[‪/‬اث] قال‪ :‬سـمعت رسـول ال‬ ‫صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم استغفر للصف الول ثلثا‪ ،‬وللثاني مرتين‪ ،‬وللثالث مرة"‪ .‬قال الهيثمي‪ :‬فيه[تض] أيوب بن‬ ‫عتبة[‪/‬تض] ضعف من قبل حفظه‪.‬‬ ‫ثم قد ورد في ميمنة الصف الول ومسامتة المام وأفضليته على اليسر أحاديث‪ ،‬فأخرج الطبراني في الوسط‬ ‫من حد يث أ بي بردة قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬إن ا ستطعت أن تكون خلف المام وإل ف عن‬ ‫يمينه" قال الهيثمي‪ :‬فيه من لم أجد له ذكرا‪ .‬وأخرج أيضا في الوسط والكبير من حديث[اث] ابن عباس[‪/‬اث]‪:‬‬ ‫"علي كم بال صف الول وعلي كم بالميم نة وإيا كم وال صف ب ين ال سواري" قال الهيث مي‪ :‬ف يه[ تض] إ سماعيل بن‬ ‫مسلم[‪/‬تض] المكي ضعيف‪.‬‬ ‫واعلم أن ال حق بالصـف الول أولو الحلم والنّ هى‪ ،‬ف قد أخرج البزار مـن حديـث عامـر بن ربي عة قال‪ :‬قال‬ ‫ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ليلي ني من كم أ هل الحلم والن هى ثم الذ ين يلون هم" قال الهيث مي‪ :‬ف يه عا صم‬ ‫[تض]ابن عبيد ال العمري[‪/‬تض] والكثر على تضعيفه واختلف في الحتجاج به‪ :‬وأخرجه مسلم والربعة من‬ ‫حديث ابن مسعود بزيادة "ول تختلفوا فتختلف قلوبكم وإياكم وهيشات السواق"‪.‬‬ ‫وفي الباب أحاديث غيره‪.‬‬ ‫و في حد يث الباب دللة على جواز ا صطفاف الن ساء صفوفا‪ ،‬وظاهره سواء كا نت صلتهن مع الرجال أو مع‬ ‫النساء‪ ،‬وقد علل خيرية آخر صفوفهن بأنهن عند ذلك يبعدن عن الرجال وعن رؤيتهم وسماع كلمهم إل أنها‬ ‫علة ل تتم إل إذا كانت صلتهن مع الرجال‪ ،‬وإما إذا صلين وإمامتهن امرأة فصفوفهن كصفوف الرجال أفضلها‬ ‫أولها‪.‬‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم ذَاتَ َليْلةٍ‬ ‫ع ْن ُهمَا قال‪" :‬صَّليْتُ مَعَ رَسُو ِ‬ ‫عبّاسٍ َرضِيَ اللّهُ َ‬ ‫[رح ‪ ]19‬ــــ وعنِ ا ْبنِ َ‬ ‫عنْ يمينِهِ" ُمتّ َفقٌ عََليْهِ‪.‬‬ ‫خذَ َرسُولُ اللّهِ صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم بِرأسي ِمنْ وَرائي فَجعَلَني َ‬ ‫ن َيسَارهِ‪َ ،‬فَأ َ‬ ‫فَ ُقمْتُ عَ ْ‬ ‫(و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬صليت مع ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ذات ليلة) هي ليلة مبيته‬ ‫عنده المعروفة (فقمت عن يساره فأخذ رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه‪.‬‬ ‫متفق عليه)‪.‬‬ ‫دل على صحة صلة المتن فل بالمتن فل‪ ،‬وعلى أن مو قف الوا حد مع المام عن يمي نه‪ ،‬بدل يل الدارة‪ ،‬إذ لو كان‬ ‫اليسار موقفا له لما أداره في الصلة‪.‬‬ ‫‪102‬‬

‫وإلى هذا ذ هب الجماه ير‪ ،‬وخالف النخ عي فقال‪ :‬إذا كان المام ووا حد‪ ،‬قام الوا حد خلف المام‪ ،‬فإن ر كع المام‬ ‫ق بل أن يج يء أ حد قام عن يمي نه‪ ،‬أخر جه سعيد بن من صور‪ ،‬وو جه بأن الما مة مظ نة الجتماع فاع تبرت في‬ ‫موقف المأموم حتى يظهر خلف ذلك‪.‬‬ ‫ق يل‪ :‬ويدل على صحة صلة من قام عن ي سار المام ل نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم لم يأ مر ا بن عباس بالعادة‪،‬‬ ‫وفيه أنه يجوز أنه لم يأمره لنه معذور بجهله‪ ،‬أو بأنه ما كان قد أحرم بالصلة‪.‬‬ ‫ثم قوله‪" :‬فجعلني عن يمينه" ظاهر في أنه قام مساويا له‪ ،‬وفي بعض ألفاظه "فقمت إلى جنبه"‪.‬‬ ‫و عن ب عض أ صحاب الشاف عي أ نه ي ستحب أن ي قف المأموم دو نه قليلً‪ .‬إل أ نه قد أخرج ا بن جر يج قال‪ :‬قل نا‬ ‫لعطاء‪ :‬الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه؟ قال‪ :‬إلى شقه‪ ،‬قلت‪ :‬أيحاذيه حتى يصف معه ل يفوت أحدهما‬ ‫ال خر؟ قال‪ :‬ن عم‪ :‬قلت‪ :‬بح يث أن ل يب عد ح تى يكون بينه ما فر جه‪ ،‬قال‪ :‬ن عم‪ .‬ومثله في المو طأ عن ع مر من‬ ‫حديث ابن مسعود أنه صف معه فقربه حتى جعله حذاءه عن يمينه‪.‬‬ ‫[رح ‪ ]20‬ــــ وع نْ أن سٍ رض يَ اللّ ُه ع ْن ُه قالَ‪ :‬صَلّى رَ سُولُ اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فَ ُقمْ تُ َو َي َتيِ مٌ خَلْفَ هُ وَُأمّ‬ ‫سُل ْيمٍ خَلْفَنا" ُمتّ َفقٌ عَلَيه وَاللّ ْفظُ لِ ْل ُبخَاريّ‪.‬‬ ‫(وعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬صلى رسول صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فقمت ويتيم خلفه) فيه العطف على المرفوع‬ ‫المت صل من دون تأك يد ول ف صل و هو صحيح على مذ هب الكوفي ين‪ ،‬وا سم اليت يم ضميره وهو جدّ ح سين ا بن‬ ‫عبد ال بن ضميرة (وأمّ سليم) هي أمّ أنس واسمها مليكة مصغرا (خلفنا) متفق عليه واللفظ للبخاري)‪.‬‬ ‫دل الحديث على صحة الجماعة في النفل‪.‬‬ ‫وعلى صحة الصلة للتعليم والتبرك كما تدل عليه القصة‪.‬‬ ‫وعلى أن مقام الثنين خلف المام‪.‬‬ ‫وعلى أن الصغير يعتد بوقوفه ويسد الجناح وهو الظاهر من لفظ اليتيم إذ ل يتم بعد الحتلم‪.‬‬ ‫وعلى أن المرأة ل ت صف مع الرجال وأن ها تنفرد في ال صف‪ ،‬وإن عدم امرأة تن ضم إلي ها عذر في ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫انضمت المرأة مع الرجل أجزأت صلتها لنه ليس في الحديث إل تقريرها على التأخر وأنه موقفها‪ ،‬وليس فيه‬ ‫دللة على فساد صلتها لو صلت في غيره‪.‬‬ ‫وعند الهادوية أنها تفسد عليها وعلى من خلفها وعلى من في صفها إن علموا‪.‬‬ ‫وذهب أبو حنيفة إلى فساد صلة الرجل دون المرأة ول دليل على الفساد في الصورتين‪.‬‬ ‫ع ْن ُه ا ْنتَهى إلى النّبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم وَ ُهوَ رَاكعٌ َفرَكَعَ َقبْلَ أَنْ‬ ‫[رح ‪ ]21‬ــــ وَعَنْ أَبي ِب َكرَةَ رَضيَ اللّهُ َ‬ ‫حرْصا وَل َت ُعدْ" رَوَا هُ ال ُبخَاريّ‪ ،‬زَادَ‬ ‫صفّ‪ ،‬فذكر ذلك للنبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فقال‪" :‬زَادَ كَ اللّ هُ ِ‬ ‫يَ صِلَ إلى ال ّ‬ ‫صفّ"‪.‬‬ ‫َأبُو دَا ُو َد فِيهِ "فَ َركَعَ دُون الصّفّ ُثمّ مَشى إلى ال ّ‬ ‫(و عن أبي بكرة ر ضي ال ع نه أ نه انت هى إلى ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم و هو را كع فر كع ق بل أن ي صل إلى‬ ‫ال صف فذ كر ذلك لل نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فقال‪" :‬زادك ال حرْ صا) أي على طلب الخ ير (ول ت عد") بف تح‬ ‫المثناة الفوقية من العود (رواه البخاري وزاد أبو داود في "فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف")‪.‬‬ ‫الحديث يدل على أن من وجد المام راكعا فل يدخل في الصلة حتى يصل الصف لقوله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬ ‫"ول تعد"‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬بل يدل على أنه يصح منه ذلك لنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم لم يأمره بالعادة لصلته‪ ،‬فدل على صحتها‪،‬‬ ‫ل للحكم والجهل عذر‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬لعله صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم لم يأمره لنه كان جاه ً‬ ‫وروى ال طبراني في الو سط من روا ية عطاء عن ا بن الزب ير ــــ قال الهيث مي‪ :‬رجاله رجال ال صحيح‬ ‫ــــ أنه قال‪" :‬إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف‬ ‫فإن ذلك السنة"‪ .‬قال عطاء‪ :‬قد رأيته يصنع ذلك‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬وقد رأيت عطاء يصنع ذلك‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وكأ نه مب ني على أن ل فظ "ول ُت ِعدْ" ب ضم المثناة الفوق ية من العادة أي زادك ال حر صا على طلب الخ ير‬ ‫ول تعد صلتك فإنها صحيحة‪.‬‬ ‫وروى ب سكون الع ين المهملة من العدو وتؤيده روا ية ا بن ال سكن من حد يث أ بي بكرة بل فظ‪ :‬أقي مت ال صلة‬ ‫فانطلقت أسعى حتى دخلت في الصف فلما قضى الصلة قال‪ :‬من الساعي آنفا؟ قال أبو بكرة‪ :‬فقلت‪ :‬أنا‪ ،‬قال‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪" :‬زادك ال حرصا ول َتعْد"‪.‬‬

‫‪103‬‬

‫والقرب رواية أن "ل َتعُد" من العود أي ل تعد ساعيا إلى الدخول قبل وصولك الصف فإنه ليس في الكلم ما‬ ‫يشعر بفساد صلته حتى يفتيه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم بأنه ل يعيدها بل قوله زادك ال حرصا يشعر بإجزائها‪ .‬أو‬ ‫"ل ت ْعدُ" من العدو‪.‬‬ ‫ل اللّهِ صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم رَأَى َرجُلً‬ ‫عنْ ُه "أَنّ رَسُو َ‬ ‫[رح ‪ ]22‬ــــ وَعَنْ وَابِصَة بْنِ ِم ْع َبدٍ الجُه ِنيّ رَضيَ اللّهُ َ‬ ‫حبّانَ‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫ححَهُ ابْ ُ‬ ‫صّ‬ ‫سنَه َو َ‬ ‫حّ‬ ‫حدَ ُه فََأ َمرَهُ َأنْ ُيعِيدَ الصّلةَ" رَوَا ُه أَحمدُ وََأبُو دَا َودَ وَالتّر ِمذِيّ َو َ‬ ‫ُيصَلي خَ ْلفَ الصّفّ َو ْ‬ ‫(وعن وابِصَة) بفتح الواو وكسر الموحدة فصاد مهملة وهو أبو قرصافة بكسر القاف وسكون الراء فصاد مهملة‬ ‫وبعد اللف فاء (ابن ِمعْبد رضي ال عنه) بكسر الميم وسكون العين المهملة فدال مهملة وهو ابن مالك من بني‬ ‫أسد بن خزيمة النصاري السدي نزل وابصة الكوفة ثم تحول إلى الحيرة ومات بالرقة (أن رسول ال صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم رأى رجلً ي صلي خلف ال صف وحده فأمره أن يع يد ال صلة‪ .‬رواه أح مد وأ بو داود والترمذي‬ ‫وحسنه وصححه ابن حبان)‪.‬‬ ‫فيه دللة على بطلن صلة من صلى خلف الصف وحده‪ ،‬وقد قال ببطلنها النخعي وأحمد‪.‬‬ ‫وكان الشاف عي يض عف هذا الحد يث ويقول‪ :‬لو ث بت هذا الحد يث لقلت به‪ ،‬قال البيه قي‪ :‬الختيار أن يتو قى ذلك‬ ‫لثبوت الخبر المذكور‪.‬‬ ‫ومن قال بعدم بطلنها استدل بحديث أبي بكرة وأنه لم يأمره صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بالعادة‪ ،‬مع أنه أتى ببعض‬ ‫الصلة خلف الصف منفردا‪ ،‬قالوا‪ :‬فيحمل المر بالعادة ههنا على الندب‪.‬‬ ‫ق يل‪ :‬والولى أن يح مل حد يث أ بي بكرة على العذر و هو خش ية الفوات مع انضما مه بقدر المكان‪ ،‬وهذا لغ ير‬ ‫عذر في جميع الصلة‪.‬‬ ‫"قلت"‪ :‬وأح سن م نه أن يقال هذا ل يعارض حد يث أ بي بكرة بل يواف قه وإن ما لم يأ مر صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أ با‬ ‫بكرة بالعادة لنه كان معذورا بجهله ويحمل أمره بالعادة لمن صلى خلف الصف بأنه كان عالما بالحكم ويدل‬ ‫على البطلن أيضا ما تضمنه قوله‪:‬‬ ‫ط َبرَانَيّ في‬ ‫صفّ" َوزَادَ ال ّ‬ ‫عنْ هُ‪" :‬ل صَل َة لِمنُفَردٍ خَلْ فَ ال ّ‬ ‫ن طَلْ قٍ بن عليّ رَضي اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]23‬ــــ وََل هُ عَ ْ‬ ‫ت َم َعهُمْ أو اج ْت َررَتَ َرجُل"‪.‬‬ ‫عنْ ُه "أَل َدخَلْ َ‬ ‫حديثٍ وابصةَ رَضي اللّهُ َ‬ ‫صفّ") فإن‬ ‫(وله) أي لبن حبان (عن طلق بن علي رضي ال عنه) الذي سلف ذكره ("ل صلة لمنفرد خلف ال ّ‬ ‫الن في ظا هر في ن في ال صحة (وزاد ال طبراني في حد يث واب صة "أل دخلت) أي ها الم صلي منفردا عن ال صف‬ ‫(م َعهُ مْ) أي في ال صف (أو اجْتررت رجُل) أي من ال صف فين ضم إل يك وتمام حد يث ال طبراني "إن ضاق بك‬ ‫المكان أعد صلتك فإنه ل صلة لك" وهو في مجمع الزوائد من رواية ابن عباس "إذا انتهى أحدكم إلى الصف‬ ‫وقد تم فليجذب إليه رجلً يقيمه إلى جنبه" وقال‪ :‬رواه الطبراني في الوسط وقال‪ :‬ل يروى عن النبي صَلّى ال‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم إل بهذا السناد‪ ،‬وفيه[تض] "السري بن إبراهيم"[‪/‬تض] وهو ضعيف جدا؛ ويظهر من كلم مجمع‬ ‫الزوائد أن في حديث وابصة؛ السري بن إسماعيل وهو ضعيف‪ ،‬والشارح ذكر أن السري في رواية الطبراني‬ ‫التي فيها الزيادة إل أنه قد أخرج أبو داود في المراسيل من رواية مقاتل بن حيان مرفوعا "إذا جاء أحدكم فلم‬ ‫يجد موضعا فليختلج إليه رجلً من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المختلج" وأخرج الطبراني في الوسط من‬ ‫حديث ابن عباس "أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أمر التي وقد تمت الصفوف بأن يجتذب إليه رجلً يقيمه إلى‬ ‫جنبه"‪ ،‬وإسناده واه‪.‬‬ ‫س ِم ْع ُتمْ القا مة‬ ‫ن النّ بيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬إذَا َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ع ْن هُ َ‬ ‫ن أَ بي ُه َر ْيرَ َة رَ ضي اللّ هُ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫[رح ‪ ]24‬ــــ وَ َ‬ ‫فَا ْمشُوا إلى الصلة وَعليكُم ال سّكينةُ والوقَارُ وَل تُ سْرعُوا فَما َأدْر ْكتُ مْ فَ صَلّوا َومَا فَاتَك ْم فَأتمّوا"‪ُ .‬متّفَ قٌ عََليْ هِ وَاللفْظ‬ ‫ل ْلبُخاريّ‪.‬‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا سمعتم القامة) أي للصلة (فامشوا‬ ‫إلى الصـّلة وعليكـم السـكينة) قال النووي‪ :‬السـكينة التأنـي فـي الحركات واجتناب العبـث (والوقار) فـي الهيئة‬ ‫كغض الطرف وخفض الصوت وعدم اللتفات‪ ،‬وقيل معناهما واحد وذكر الثاني تأكيدا وقد نبه في رواية مسلم‬ ‫على الحك مة في شرع ية هذا الدب بقوله في آ خر حد يث أ بي هريرة هذا "فإن أحد كم إذا كان يع مد إلى ال صلة‬ ‫فإنه في صلة" أي فإنه في حكم المصلي‪ ،‬فينبغي اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي له اجتنابه‬ ‫(ول تسرعوا فما أدر ْكتُم) من الصلة مع المام (فصلوا وما فاتكم فأتموا" متفق عليه واللفظ للبخاري)‪.‬‬ ‫فيه المر بالوقار وعدم السراع في التيان إلى الصلة‪ ،‬وذلك لتكثير الخطأ فينال فضيلة ذلك فقد ثبت عند مسلم‬ ‫من حد يث جابر "إن ب كل خطوة يخطو ها إلى ال صلة در جة" وع ند أ بي داود مرفوعا "إذا تو ضأ أحد كم فأح سن‬ ‫‪104‬‬

‫الوضوء ثم خرج إلى الصلة لم يرفع قدمه اليمنى إل كتب ال له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إل حط ال عنه‬ ‫سيئة فليقرب أحدكم أو ليبعد فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له‪ ،‬فإن جاء وقد صلوا بعضا وبقي بعض‬ ‫فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك وإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلة‪ ،‬كان كذلك"‪.‬‬ ‫وقوله "فما أدركتم فصلوا" جواب شرط محذوف أي‪ :‬إذا فعلتم ما أمرتم به من ترك السراع ونحوه فما أدركتم‬ ‫فصلوا‪.‬‬ ‫وفيه دللة على أن فضيلة الجماعة يدركها ولو دخل مع المام في أي جزء من أجزاء الصلة ولو دون ركعة‬ ‫وهو قول الجمهور‪.‬‬ ‫وذ هب آخرون إلى أ نه ل ي صير مدركا ل ها إل بإدراك رك عة لقوله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ " :‬من أدرك رك عة من‬ ‫الصلة فقد أدركها" وسيأتي في الجمعة اشتراط إدراك ركعة ويقاس عليها غيرها‪.‬‬ ‫وأجيب بأن ذلك في الوقات ل في الجماعة وبأن الجمعة مخصوصة فل يقاس عليها‪.‬‬ ‫واستدل بحديث الباب على صحة الدخول مع المام في أي حالة أدركه عليها‪ ،‬وقد أخرج ابن أبي شيبة مرفوعا‬ ‫"من وجدني راكعا أو قائما أو ساجدا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها"‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ول يس ف يه دللة على اعتداده ب ما أدر كه مع المام‪ ،‬ول على إحرا مه في أي حالة أدر كه علي ها‪ ،‬بل ف يه‬ ‫المر بالكون معه‪ ،‬وقد أخرج الطبراني في الكبير برجال موثقين ــــ كما قال الهيثمي ــــ عن علي‬ ‫وا بن م سعود قال‪ " :‬من لم يدرك الرك عة فل يع تد بال سجدة" وأخرج أيضا في ال كبير ــــ قال الهيث مي أيضا‬ ‫برجال موثقين ــــ من حديث زيد بن وهب قال‪ :‬دخلت أنا وابن مسعود المسجد والمام راكع فركعنا‪ ،‬ثم‬ ‫مشينا حتى استوينا بالصف فلما فرغ المام قمت أقضي فقال‪ :‬قد أدركته‪.‬‬ ‫وهذه آثار موقوفة‪ ،‬وفي الخر دليل ــــ أي مأنوس ــــ بما ذهب‪ ،‬وهو أحد احتمالت حديث أبي بكرة‬ ‫وإل فإنها آثار موقوفة ليست بأدلة على ما ذهب إليه ابن الزبير وقد تقدم‪.‬‬ ‫وورد في ب عض الروايات حد يث الباب بل فظ "فاقضوا" عوض "أتموا" والقضاء يطلق على أداء الش يء ف هو في‬ ‫معنى "أتموا" فل مغايرة‪.‬‬ ‫ثم قد اختلف العلماء فيما يدركه اللحق مع إمامه هل هي أول صلته أو آخرها؟ والحق أنها أولها وقد حققناه‬ ‫في حواشي ضوء النهار‪.‬‬ ‫واختلف فيما إذا أدرك المام راكعا فركع معه هل تسقط قراءة تلك الركعة عند من أوجب الفاتحة فيعتد بها أو‬ ‫ل تسقط فل يعتد بها؟ قيل‪ :‬يعتد بها لنه قد أدرك المام قبل أن يقيم صلبه‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يعتد بها لنه فاتته الفاتحة‬ ‫وقد بسطنا القول في ذلك في مسألة مستقلة وترجح عندنا الجزاء‪ ..‬ومن أدلته حديث أبي بكرة حيث ركع وهم‬ ‫ركوع‪ ،‬ثم أقره صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم على ذلك وإن ما نهاه عن العودة إلى الدخول ق بل النتهاء إلى ال صف ك ما‬ ‫عرفت‪.‬‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ رَ سُولُ اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ " :‬صَل ُة الرّجلِ‬ ‫ب رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ع نْ أَبيّ بْ نِ َكعْ ٍ‬ ‫[رح ‪ ]25‬ــــ وَ َ‬ ‫ن َأ ْكثَرَ َفهُ َو َأحَبّ‬ ‫ن صلتهِ مَ َع ال ّرجُلِ‪َ ،‬ومَا كا َ‬ ‫ن َأزْكَى م ْ‬ ‫حدَ هُ‪ ،‬وَصلتُ ُه مَ عَ ال ّرجَُليْ ِ‬ ‫مَ َع الرّجلِ َأزْكى ِم نْ صَلتِهِ َو ْ‬ ‫عزّ َوجَلّ" رَواهُ َأبُو داود والنسائي وصححهُ ابنُ حبان‪.‬‬ ‫إلى ال َ‬ ‫ي بن كعب رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬صلة الرّجل مع الرجل أزكى‬ ‫(وعن أب ّ‬ ‫من صلته وحده) أي أكثر أجرا من صلته منفردا (وصلتهُ مع الرجلين أزكى من صلته مع الرجل‪ ،‬وما كان‬ ‫أكثر فهو أحبّ إلى ال عزّ وجلّ" رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان) وأخرجه ابن ماجه‪ ،‬وصححه ابن‬ ‫ال سكن والعقيلي والحا كم‪ ،‬وذ كر الختلف ف يه‪ ،‬وأخر جه البزار وال طبراني بل فظ " صلة الرجل ين يؤم أحده ما‬ ‫صاحبه أزكى عند ال من صلة مائة تترى"‪.‬‬ ‫وفيه دللة على أن أقل صلة الجماعة إمام ومأموم‪ ،‬ويوافقه ما أخرجه ابن ماجه من حديث أبي موسى "اثنان‬ ‫فما فوقهما جماعة" ورواه البيهقي أيضا من حديث أنس وفيهما ضعف‪.‬‬ ‫وبوّب البخاري "باب اثنان فما فوقهما جماعة" واستدل بحديث مالك ابن الحويرث "إذا حضرت الصلة فأذنا ثم‬ ‫أقيما ثم ليؤمكما أكبركما"‪ .‬وقد روى أحمد من حديث أبي سعيد‪ :‬أنه دخل المسجد رجل وقد صلى النبي صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم بأصحابه الظهر فقال له النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ما حبسك يا فلن عن الصلة"؟ فذكر شيئا‬ ‫اعتل به؛ قال‪ :‬فقام يصلي‪ ،‬فقال رسول الله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬أل رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟" فقام‬ ‫رجل معه‪ .‬قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح‪.‬‬ ‫‪105‬‬

‫ن تَ ُؤمّ أهْل دارها" روَاهُ‬ ‫ن النبيّ صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم َأ َمرَهَا أ ْ‬ ‫عنْها "أَ ّ‬ ‫عنْ ُأمّ َو َرقَة رضي اللّهُ َ‬ ‫[رح ‪ ]26‬ــــ وَ َ‬ ‫خ َزيْمة‪.‬‬ ‫صحّحه ا ْبنُ ُ‬ ‫أبو داود َو َ‬ ‫(وعن أم ورقة رضي ال عنها) بفتح الواو والراء والقاف هي أم ورقة بنت نوفل النصارية‪ ،‬وقيل بنت عبد ال‬ ‫بن الحرث بن عويمر كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يزورها ويسميها الشهيدة‪ ،‬وكانت قد جمعت القرآن‪،‬‬ ‫وكانت تؤم أ هل دار ها‪ ،‬ولما غزا رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بدرا قالت‪ :‬يا رسول ال ائذن لي في الغزو‬ ‫م عك ــــ الحد يث ــــ وأمر ها أن تؤم أ هل دار ها وج عل ل ها مؤذنا يؤذن‪ ،‬وكان ل ها غلم وجار ية‬ ‫فدبرتهما‪ ،‬وفي الحديث أن الغلم والجارية قاما إليها في الليل بقطيفة لها حتى ماتت‪ ،‬وذهبا فأصبح عمر فقام في‬ ‫الناس فقال‪ :‬من عنده من علم هذ ين أو من رآه ما فليج يء بهما فوجدا فأ مر به ما ف صلبهما وكانا أول م صلوب‬ ‫بالمدينة (أن النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم أمرها أن تؤم أهل دارها‪ .‬رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة)‪.‬‬ ‫والحد يث دليل على صحة إما مة المرأة أ هل دارها‪ ،‬وإن كان في هم الر جل‪ ،‬فإ نه كان لها مؤذن وكان شيخا كما‬ ‫في الرواية‪ ،‬والظاهر أنها كانت تؤمه وغلمها وجاريتها‪ ،‬وذهب إلى صحة ذلك أبو ثور والمزني والطبري‪.‬‬ ‫وخالف في ذلك الجماهير‪.‬‬ ‫وأما إمامة الرجل النساء فقط فقد روى عبد ال بن أحمد من حديث أبي بن كعب‪ :‬أنه جاء إلى النبي صَلّى ال‬ ‫عََليْ ِه وَسَلّم فقال‪ :‬يا رسول ال عملت الليلة عملً قال‪" :‬ما هو؟" قال‪ :‬نسوة معي في الدار‪ ،‬قلن إنك تقرأ ول نقرأ‬ ‫فصلّ بنا‪ ،‬فصليت ثمانيا والوتر‪ ،‬فسكت النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪ :‬فرأينا أن سكوته رضا"‪ .‬قال الهيثمي‪:‬‬ ‫سمّ قال‪ :‬ورواه أبو يعلى والطبراني في الوسط وإسناده حسن‪.‬‬ ‫في إسناده من لم ُي َ‬ ‫ن ُأمّ َمكْتوم ي ُؤمّ النّاس‬ ‫س َتخْلف ابْ َ‬ ‫ي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ا ْ‬ ‫س رض يَ ال عن ُه "أَنّ النّب ّ‬ ‫[رح ‪ ]27‬ــــ وع نْ َأنَ ٍ‬ ‫ح َمدُ وَأبُو دا ُودَ‪.‬‬ ‫عمَى" رَوَاهُ َأ ْ‬ ‫وهُ َو أَ ْ‬ ‫(وعن أنس رضي ال ع نه أن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم استخلف ابن أ مّ مكتوم) وتقدم اسمه في الذان (يؤ مّ‬ ‫الناس وهو أعمى‪ .‬رواه أحمد وأبو داود) في رواية لبي داود أنه استخلفه مرتين وهو في الوسط للطبراني من‬ ‫حديث عائشة‪ :‬استخلف النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم ابن أمّ مكتوم على المدينة مرتين يؤمّ الناس‪.‬‬ ‫والمراد استخلفه في الصلة وغيرها‪ ،‬وقد أخرجه الطبراني بلفظ في الصلة وغيرها وإسناده حسن وقد عدّت‬ ‫مرات الستخلف له فبلغت ثلث عشرة مرة‪ ،‬ذكره في الخلصة‪.‬‬ ‫والحديث دليل على صحة إمامة العمى من غير كراهة في ذلك‪.‬‬ ‫ع ْنهَا‪.‬‬ ‫ي اللّهُ َ‬ ‫حوُ ُه لبنِ حبّانَ عَن عَا ِئشَةَ رَض َ‬ ‫‪ 28‬ــــ و َن ْ‬ ‫(ونحوه) أي حديث أنس (لبن حبان عن عائشة رضي ال عنها) تقدم أنه أخرجه الطبراني في الوسط‪.‬‬ ‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ " :‬صَلّوا على َم نْ‬ ‫ع ْنهُما قالَ‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫ع َمرَ رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]29‬ــــ وَعَ نِ ا ْب نِ ُ‬ ‫قالَ ل إل َه إل اللّهُ‪َ ،‬وصَلّوا خَ ْلفَ مَنْ قالَ ل إل َه إلَا اللّهُ" رواهُ الدّارقُطْنيّ بإسنادٍ ضَعيف‪.‬‬ ‫(وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬صلوا على من قال ل إله إل ال)‬ ‫أي صلة الجنازة (و صلوا خلف من قال ل إله إل ال" رواه [ تض]الدارقط ني[‪ /‬تض] بإ سناد ضع يف) قال في‬ ‫البدر المنير‪ :‬هذا الحديث من جميع طرقه ل يثبت‪.‬‬ ‫وهو دليل على أنه يصلي عن من قال كلمة الشهادة وإن لم يأت بالواجبات وذهب إلى هذا زيد بن علي وأحمد‬ ‫بن عيسى وذهب إليه أبو حنيفة إل أنه استثنى قاطع الطريق والباغي‪.‬‬ ‫وللشاف عي أقوال في قا طع الطر يق إذا صلب‪ .‬وال صل أن من قال كل مة الشهادة فله ما للم سلمين وم نه صلة‬ ‫الجنازة عليه‪ .‬ويدل له حديث‪ :‬الذي قتل نفسه بمشاقص فقال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬أما أنا فل أصلي عليه" ولم‬ ‫ينههم عن الصلة عليه‪ ،‬ولن عموم شرعية صلة الجنازة ل يخص منه أحد من أهل كلمة الشهادة إل بدليل‪.‬‬ ‫فأمـا الصـلة خلف مـن قال ل إله إل ال فقـد قدّمنـا الكلم فـي ذلك وأنـه ل دليـل على اشتراط العدالة وأن مـن‬ ‫صحت صلته صحت إمامته‪.‬‬ ‫حدُك مُ ال صّلةَ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا أَ تى َأ َ‬ ‫ع نْ عل يَ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]30‬ــــ وَ َ‬ ‫والمَامُ عَلى حَالٍ فَ ْل َيصْنعْ كما َيصْنَ ُع المامُ" رَوَاهُ التّرمذيّ بإسنادٍ ضعيفٍ‪.‬‬ ‫أخر جه الترمذي من حد يث علي ومعاذ وف يه ض عف وانقطاع وقال‪ :‬ل نعلم أحدا أ سنده إل من هذا الو جه و قد‬ ‫أخرجه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‪ :‬حدّثنا أصحابنا‪ .‬الحديث‪ .‬وفيه أ نّ معاذا قال‪ :‬ل أراه‬ ‫على حال إل ك نت علي ها‪ .‬وبهذا يند فع النقطاع؛ إذا الظا هر أن الراوي لع بد الرح من غ ير معاذ بل جما عة من‬ ‫‪106‬‬

‫الصحابة والنقطاع إنما ادعي بين عبد الرحمن ومعاذ‪ ،‬قالوا‪ :‬لن عبد الرحمن لم يسمع من معاذ وقد سمع من‬ ‫غيره من الصحابة وقال هنا "أصحابنا" والمراد به الصحابة رضي ال عنهم‪.‬‬ ‫وفي الحديث دللة على أنه يجب على من لحق بالمام أن ينضم إليه في أي جزء كان من أجزاء الصلة‪ :‬فإذا‬ ‫كان المام قائما أو راكعا‪ ،‬فإنـه يعتـد بمـا أدركـه معـه كمـا سـلف‪ ،‬فإذا كان قاعدا أو سـاجدا قعـد بقعود وسـجد‬ ‫بسجوده ول يعتد بذلك‪ ،‬وتقدم ما يؤيده من حديث ابن أبي شيبة‪" .‬ومن وجدني قائما أو راكعا أو ساجدا فليكن‬ ‫معي على حالتي التي أنا عليها"‪.‬‬ ‫وأخرج ابن خزيمة مرفوعا عن أبي هريرة "إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا ول تعدّوها شيئا ومن أدرك الركعة‬ ‫فقد أدرك الصلة" وأخرج أيضا فيه مرفوعا عن أبي هريرة‪" :‬ومن أدرك ركعة من الصلة قبل أن يقيم المام‬ ‫صلبه فقد أدركها" وترجم له "باب ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركا للركعة إذا ركع إمامه"‪.‬‬ ‫وقوله "فليصنع كما يصنع المام" ليس صريحا أنه يدخل معه بتكبيرة الحرام بل ينضم إليه إما بها إذا كان قائما‬ ‫أو راكعا فيكبر اللحق من القيام ثم يركع أو بالكون معه فقط ومتى قام كبر للحرام‪ ،‬وغايته أنه يحتمل ذلك إل‬ ‫أن شرعية تكبيرة الحرام حال القيام للمنفرد والمام‪ ،‬يقضي أن ل تجزيء إل كذلك‪ ،‬وذلك أصرح من دخولها‬ ‫بالحتمال وال أعلم‪.‬‬ ‫(فائدة) في العذار في ترك الجما عة‪ :‬أخرج الشيخان عن ا بن ع مر عن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬أ نه كان‬ ‫يأمر المنادي فينادي صلوا في رحالكم في الليلة الباردة وفي الليلة المطيرة في السفر"‪ .‬وعن جابر‪" :‬خرجنا مع‬ ‫ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم في سفر فمطر نا فقال لي صل من شاء من كم في رحله"‪ .‬رواه م سلم وأ بو داود‬ ‫والترمذي و صححه‪ .‬وأخرجه الشيخان عن ابن عباس‪ :‬أنه قال لمؤذ نه في يوم مطير إذا قلت‪ :‬أشهد أن محمدا‬ ‫رسول ال فل تقل‪ :‬حي على الصلة‪ .‬قل‪ :‬صلوا في بيوتكم‪ .‬قال‪ :‬فكأن الناس استنكروا ذلك فقال‪ :‬أتعجبون من‬ ‫ذا؟ فقد فعل ذا من هو خير مني يعني ــــ النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ــــ وعند مسلم‪ :‬أن ابن عباس‬ ‫أمر مؤذنه في يوم جمعة في يوم مطير بنحوه‪.‬‬ ‫وأخرج البخاري عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا كان أحدكم على الطعام فل يعجل‬ ‫حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلة"‪.‬‬ ‫وأخرج أحمد ومسلم من حديث عائشة قالت‪ :‬سمعت النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقول‪" :‬ل صلة بحضرة طعام‬ ‫ول هو يدافع الخبثين"‪.‬‬ ‫وأخرج البخاري عن أبي الدرداء قال‪" :‬من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلته وقلبه فارغ"‪.‬‬ ‫باب صلة المسافر والمريض‬ ‫ن عائشَ َة رَضيَ اللّهُ عنْها قالتْ‪" :‬أول ما فُرضَت الصلةُ َر ْك َع َتيْنِ َفأُ ِقرّت صَل ُة السّفَر وَُأ ِتمّتْ‬ ‫[رح ‪ ]1‬ــــ عَ ْ‬ ‫ح َمدُ "إلّا‬ ‫جرَ فَفُرضَ تْ أرْبعا وُأ ِقرّت صَلةُ ال سّفَر على الوّل" زَادَ َأ ْ‬ ‫صَلةُ الحضَر" ُمتّفَ قٌ عَلَ يه‪ ،‬وللبُخاريّ " ثم هَا َ‬ ‫صبْحَ فإنّها تطَوّلُ فِيها القِرا َءةُ"‪.‬‬ ‫المغْربَ فإنّها و ْترُ النّهار‪ ،‬وَإلّا ال ّ‬ ‫(عـن عائشـة رضـي ال عنهـا قالت‪ :‬أول مـا فرضـت الصـلة) مـا عدا المغرب (ركعتيـن) أي حضرا وسـفرا‬ ‫(فأقرت) أي أ قر ال ( صلة ال سفر) بإبقائ ها ركعت ين (وأت مت صلة الح ضر) ما عدا المغرب‪ ،‬يز يد في الثلث‬ ‫الصلوات ركعتين‪ ،‬والمراد بأتمت‪ :‬زيد فيها حتى كانت تامة بالنظر إلى صلة السفر (متفق عليه‪ ،‬وللبخاري)‬ ‫وحده عن عائ شة ( ثم ها جر) أي ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم (ففر ضت أربعا) أي صارت أربعا بزيادة اثنت ين‪.‬‬ ‫(وأقرت صـلة السـفر على الول) أي على الفرض الول (زاد أحمـد‪ :‬إل المغرب) أي زاده مـن روايـة عـن‬ ‫عائشة ب عد قول ها‪ :‬أول ما فرضت ال صلة أي إل المغرب فإن ها فر ضت ثلثا (فإن ها) أي المغرب (و تر النهار)‬ ‫ففرضت وترا ثلثا من أول المر (وإل الصبح فإنها تطوّل فيها القراءة)‪.‬‬ ‫في هذا الحد يث دل يل على وجوب الق صر في ال سفر لن "فر ضت" بمع نى وج بت‪ ،‬ووجو به مذ هب الهادو ية‬ ‫والحنفية وغيرهم‪.‬‬ ‫وقال الشاف عي وجما عة‪ :‬إ نه رخ صة والتمام أف ضل وقالوا‪ :‬فر ضت بمع نى قدرت أو فر ضت ل من أراد الق صر‪.‬‬ ‫واستدلوا بقوله تعالى‪{ :‬فلي سَ عليك مْ جنا حٌ أن تقصروا من ال صلة}‪ .‬وبأنه سافر أصحاب رسول ال صَلّى ال‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم م عه فمن هم من يق صر ومن هم من ي تم ول يع يب بعض هم على ب عض‪ ،‬وبأن عثمان كان ي تم‪ ،‬وكذلك‬ ‫عائشة أخرج ذلك مسلم‪.‬‬

‫‪107‬‬

‫ور ّد بأن هذه أفعال صحابة ل حجة فيها‪ ،‬وبأنه أخرج الطبراني في الصغير من حديث ابن عمر موقوفا "صلة‬ ‫السفر ركعتان نزلتا من السماء فإن شئتم فردوهما" قال الهيثمي‪ :‬رجاله موثوقون‪ ،‬وهو توقيف إذ ل مسرح فيه‬ ‫للجتهاد‪ ،‬وأخرج أيضا عنه في الكبير برجال الصحيح "صلة السفر ركعتان من خالف السنة كفر"‪.‬‬ ‫وفي قوله "السنة" دليل على رفعه كما هو معروف‪ ،‬قال ابن القيم في الهدى النبوي‪ :‬كان يقصر صَلّى ال عََل ْي هِ‬ ‫وَسَلّم الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافرا إلى أن يرجع إلى المدينة ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية‬ ‫في السفر البتة‪.‬‬ ‫وفي قولها "إل المغرب" دللة على أن شرعيتها في الصل ثلثا لم تتغير‪.‬‬ ‫وقول ها "إن ها و تر النهار" أي صلة النهار كا نت شفعا والمغرب آخر ها لوقوع ها في آ خر جزء من النهار ف هي‬ ‫وتر صلة النهار‪ ،‬كما أنه شرع الوتر لصلة الليل‪ ،‬والوتر محبوب إلى ال تعالى كما تقدم في الحديث "إن ال‬ ‫وتر يحب الوتر"‪.‬‬ ‫وقولها‪" :‬إل الصبح فإنها تطوّل فيها القراءة"‪ .‬تريد أن ل يقصر في صلتها‪ ،‬فإنها ركعتان حضرا وسفرا‪ ،‬لنه‬ ‫شرع فيها تطويل القراءة ولذلك عبر عنها في الية بقرآن الفجر لما كانت معظم أركانها لطولها فيها فعبر عنها‬ ‫بها من إطلق الجزء العظم على الكل‪.‬‬ ‫عنْهَا‪" :‬أَنّ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كا نَ يَقْ صُر في ال سّفَر َويُتمّ‬ ‫[رح ‪ ]2‬ــــ وَعَ نْ عَائشَةَ رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫ت إلّا أنّ ُه َمعْلُولٌ‪ ،‬وَالمحْفُو ظُ عَ نْ عَائش َة مِ نْ ِفعْلِهَا‪ ،‬وَقالَ تْ‪" :‬إنّ ُه ل‬ ‫طرُ" رَوَا ُه الدّارَ ُقطْنيّ ورُوَاتُ ُه ثِقا ٌ‬ ‫َويّ صُوم وَي ْف ِ‬ ‫خ َرجَ ُه ال َب ْيهَ ِقيّ‪.‬‬ ‫شقّ عليّ" َأ ْ‬ ‫َي ُ‬ ‫(و عن عائ شة ر ضي ال عن ها‪ :‬أن ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان يقْ صُر في ال سفر وي تم؛ وي صوم ويُفْ طر)‬ ‫الرب عة الفعال بالمثناة التحتية أي أ نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان يف عل هذا وهذا (رواه الدارقط ني وروا ته) من‬ ‫طريق عطاء عن عائشة (ثقات إل أنه معلول والمحفوظ عن عائشة من فعلها‪ ،‬وقالت‪ :‬إنه ل يشق عليّ‪ .‬أخرجه‬ ‫البيهقي)‪.‬‬ ‫وا ستنكره أح مد فإن عروة روى عن ها أن ها كا نت ت تم وأن ها تأولت ك ما تأول عثمان ك ما في ال صحيح‪ ،‬فلو كان‬ ‫عند ها عن ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم روا ية‪ ،‬لم ي قل عروة إن ها تأولت‪ ،‬و قد ث بت في ال صحيحين خلف ذلك‪.‬‬ ‫وأخرج أيضا الدارقطني عن عطاء‪ ،‬والبيه قي عن عائ شة‪ :‬أنها اعتمرت معه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم من المدي نة‬ ‫إلى م كة ح تى إذا قد مت م كة قالت‪ :‬يا ر سول ال بأ بي أ نت وأ مي أتم مت وق صرت‪ .‬وأفطرت و صمت‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫أحسنت يا عائشة وما عاب عليّ‪.‬‬ ‫قال ا بن الق يم‪ :‬و قد روى "كان يقصـر وت تم" الول بالياء آ خر الحروف والثا ني بالمثناة من فوق وكذلك يف طر‬ ‫وتصوم أي تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين قال شيخنا ابن تيمية‪ :‬وهذا باطل‪ ،‬ما كانت أم المؤمنين لتخالف‬ ‫ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم وجم يع أ صحابه فت صلي خلف صلتهم‪ ،‬و في ال صحيح عن ها "إن ال فرض‬ ‫الصلة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إلى المدينة زيد في صلة الحضر وأقرت‬ ‫صلة السفر" فكيف يظن بها مع ذلك أنها تصلي خلف صلته وصلة المسلمين معه؟‬ ‫قلت‪ :‬وقد أتمت عائشة بعد موته صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم قال ابن عباس وغيره‪ :‬إنها تأولت كما تأول عثمان اهـ‪.‬‬ ‫هذا وحديث الباب قد اختلف في اتصاله فإنه من رواية عبد الرحمن بن السود عن عائشة قال الدارقطني‪ :‬إنه‬ ‫أدرك عائشة وهو مراهق قال المصنف رحمه ال‪ :‬هو كما قال ففي تاريخ البخاري وغيره ما يشهد لذلك‪ ،‬وقال‬ ‫أبو حاتم‪ :‬أدخل عليها وهو صغير ولم يسمع منها وادعى ابن أبي شيبة والطحاوي ثبوت سماعه منها واختلف‬ ‫قول الدارقط ني في الحد يث فقال في ال سنن‪ :‬إ سناده ح سن؛ وقال في العلل‪ :‬المر سل أش به‪ .‬هذا كلم الم صنف‪:‬‬ ‫ونقله الشارح‪.‬‬ ‫وراجعت سنن الدارقطني فرأيته ساقه وقال‪ :‬إنه صحيح ثم فيه العلء ابن زهير وقال الذهبي في الميزان‪ :‬وثقه‬ ‫ابن معين وقال ابن حبان‪ :‬كان ممن يروي عن الثقات مما ل يشبه حديث الثبات اهـ‪ .‬فبطل الحتجاج به فيما‬ ‫لم يوا فق الثبات وب طل بهذا ادعاء ا بن حزم جهال ته ف قد عرف عينا وحال وقال ا بن الق يم ب عد رواي ته لحد يث‬ ‫عائ شة هذا ما لف ظه‪ :‬و سمعت ش يخ ال سلم يقول‪ :‬هذا كذب على ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أه ـ‪ .‬ير يد‬ ‫رواية يَقْصر ويُتم بالمثناة التحتية وجعل ذلك من فعله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فإنه ثبت عنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫بأنه لم يُتم رباعية في سفر ول صام فيه فرضا‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫ع ْنهُما قالَ‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إنّ ال ُيحِبّ أ ْ‬ ‫ن‬ ‫ع َمرَ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]3‬ــــ وَعن ا ْب نِ ُ‬ ‫ب أَنْ‬ ‫حبّان‪ ،‬وفي روايةٍ "كما ُيحِ ّ‬ ‫ن خُزيْمَ َة وابْنُ ِ‬ ‫صحّحَ ُه ابْ ُ‬ ‫ص َيتُهُ" رواهُ أَحمدُ َو َ‬ ‫ُت ْؤتَى ُرخَصُ ُه كما يكرَ ُه أن تُ ْؤتَى َم ْع ِ‬ ‫عزَا ِئمُهُ"‪.‬‬ ‫ُت ْؤتَى َ‬ ‫فسرت محبة ال برضاه وكراهتُه بخلفها‪.‬‬ ‫وع ند أ هل ال صول أن الرخ صة ما شرع من الحكام لعذر والعزي مة مقابل ها‪ ،‬والمراد ب ها ه نا ما سهله لعباده‬ ‫ووسعه عند الشدة من ترك بعض الواجبات وإباحة بعض المحرمات‪...‬‬ ‫والحديث دليل على أن فعل الرخصة أفضل من فعل العزيمة‪ ،‬كذا قيل وليس فيه على ذلك دليل‪ ،‬بل يدل على‬ ‫مساواتها للعزيمة‪ ،‬والحديث يوافق قوله تعالى‪{ :‬يريدُ الُ بكمْ اليسرَ ول يريدُ بكمْ العُسرَ}‪.‬‬ ‫ن رَ سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا خر جَ مَسير َة ثَلثَةِ‬ ‫ع ْن ُه قالَ‪" :‬كا َ‬ ‫[رح ‪ ]4‬ــــ وَعَ نْ َأنَ سٍ رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫َأمْيالٍ َأوْ َفرَاسِخَ ــــ صَلّى َر ْك َع َتيْنِ" روا ُه مُسلمٌ‪.‬‬ ‫المراد من قوله "إذا خرج" إذا كان ق صده م سافة هذا القدر ل أن المراد أ نه كان إذا أراد سفرا طويلً فل يق صر‬ ‫إل بعد هذه المسافة‪.‬‬ ‫وقوله أميال أو فراسخ شك في الراوي وليس التخيير في أصل الحديث قال الخطابي شك فيه شعبة‪.‬‬ ‫قيل في حد الميل هو أن ينظر إلى الشخص في أرض مستوية فل يدرك أهو رجل أم امرأة أو غير ذلك‪.‬‬ ‫وقال النووي‪ :‬هو ستة آلف ذراع‪ ،‬والذراع أربعة وعشرون أصبعا معترضة متعادلة‪ ،‬والصبع ست شعيرات‬ ‫معترضة متعادلة‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬هو اثنا عشر ألف قدم بقدم النسان‪.‬‬ ‫وق يل‪ :‬هو أرب عة ألف ذراع‪ ،‬وق يل ألف خطوة للج مل‪ ،‬وق يل ثل ثة آلف ذراع بالهاش مي و هو اثنان وثلثون‬ ‫أصبعا‪ ،‬وهو ذراع الهادي عليه الصلة والسلم وهو الذراع العمري المعمول عليه في صنعاء وبلدها‪.‬‬ ‫وأما الفرسخ فهو ثلثة أميال وهو فارسي معرب‪.‬‬ ‫واعلم أ نه قد اختلف العلماء في الم سافة ال تي تق صر في ها ال صلة على ن حو عشر ين قولً ــــ حكا ها ا بن‬ ‫المنذر ــــ‪.‬‬ ‫فذ هب الظاهر ية إلى العمل بهذا الحديث وقالوا‪ :‬م سافة الق صر ثل ثة أميال‪ ،‬وأجيب عليهم بأ نه مشكوك ف يه فل‬ ‫يح تج به على التحد يد بالثل ثة الميال ن عم يح تج به على التحد يد بالثل ثة الفرا سخ إذ الميال داخلة في ها فيؤ خذ‬ ‫بالكثر وهو الحتياط لكن قيل إنه لم يذهب إلى التحديد بالثلثة الفراسخ أحد‪ .‬نعم يصح الحتجاج للظاهرية بما‬ ‫أخرجه سعيد بن منصور من حديث أبي سعيد‪" .‬أنه كان رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم إذا سافر فرسخا يقصر‬ ‫الصلة" وقد عرفت أن الفرسخ ثلثة أميال‪:‬‬ ‫وأقل ما قيل في مسافة القصر ما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث ابن عمر موقوفا‪ :‬أنه كان يقول إذا خرجت‬ ‫ميلً قصـرت ال صلة‪ .‬وإ سناده صـحيح و قد روى هذا فـي البحـر عن داود ويل حق بهذيـن القول ين قول الباقـر‬ ‫والصادق وأحمد بن عيسى والهادي وغيرهم أنه يقصر في مسافة بريد فصاعدا‪ ،‬مستدلين بقوله صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَسَلّم في حديث أبي هريرة مرفوعا "ل يحل لمرأة تسافر بريدا إل ومعها محرم" أخرجه أبو داود‪ .‬قالوا‪ :‬فسمى‬ ‫مسافة البريد سفرا ول يخفى أنه ل دليل فيه‪ ،‬على أنه ل يسمى القل من هذه المسافة سفرا‪ ،‬وإنما هذا تحديد‬ ‫لل سفر الذي ي جب ف يه المحرم ول تلزم ب ين م سافة الق صر وم سافة وجوب المحرم لجواز التو سعة في إيجاب‬ ‫المحرم تخفيفا على العباد‪.‬‬ ‫وقال ز يد بن علي والمؤ يد وغيره ما والحنف ية‪ :‬بل م سافته أرب عة وعشرون فر سخا ل ما أخر جه البخاري من‬ ‫حديث ابن عمر مرفوعا "ل ي حل لمرأة تؤمن بال واليوم الخر أن تسافر فوق ثلثة أيام إل مع محرم" قالوا‪:‬‬ ‫وسير البل في كل يوم ثمانية فراسخ‪.‬‬ ‫وقال الشاف عي‪ ،‬بل أرب عة برد لحد يث ا بن عباس مرفوعا "ل تق صروا ال صلة في أ قل من أرب عة برد" و سيأتي‬ ‫وأخر جه البيه قي ب سند صحيح من ف عل ا بن عباس وا بن ع مر وبأ نه روى البخاري حد يث ا بن عباس تعليقا‬ ‫بصيغة الجزم‪ :‬أنه سئل أتقصر الصلة من مكة إلى عرفة؟ قال‪" :‬ل ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف"‬ ‫وهذه المكنة بين كل واحد منها وبين مكة أربعة ُبرُد فما فوقها‪.‬‬ ‫والقوال متعارضة كما سمعت والدلة متقاومة قال في زاد المعاد‪ :‬ولم يحدّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم لم ته مسافة‬ ‫محددة للق صر والف طر بل أطلق ل هم ذلك في مطلق ال سفر والضرب في الرض ك ما أطلق ل هم التي مم في كل‬ ‫‪109‬‬

‫سفر؛ وأ ما ما يروى ع نه من التحد يد باليوم واليوم ين والثل ثة فلم ي صح من ها ش يء الب تة وال أعلم‪ ،‬وجواز‬ ‫القصر والجمع في طويل السفر وقصيره مذهب كثير من السلف‪.‬‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم م نَ المدين ِة إلى مكّةَ‪،‬‬ ‫خ َرجْنا م عَ ر سُو ُ‬ ‫ع ْن هُ رض يَ اللّ ُه ع ْن هُ قالَ‪َ " :‬‬ ‫[رح ‪ ]5‬ــــ وَ َ‬ ‫ن حَتى َرجَ ْعنَا إلى المدينَةِ" ُمتّ َفقٌ عَلَيهِ والّل ْفظُ للبخاريّ‪.‬‬ ‫ن ركعتيْ ِ‬ ‫فَكانَ ُيصَلّي رَكعتيْ ِ‬ ‫(وعنه) أي عن أنس (رضي ال عنه قال‪ :‬خرجنا مع رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم من المدينة إلى مكة فكان‬ ‫ي صلي) أي الرباع ية (ركعت ين ركعت ين) أي كل رباع ية ركعت ين (ح تى رجع نا إلى المدي نة‪ :‬مت فق عل يه والل فظ‬ ‫للبخاري)‪.‬‬ ‫يحتمل أن هذا كان في سفره عام الف تح ويحتمل أنه في ح جة الوداع إل أن ف يه عند أبي داود زيادة "أن هم قالوا‬ ‫لنس‪ :‬هل أقمتم بها شيئا؟ قال‪ :‬أقمنا عشرا" ويأتي أنهم أقاموا في الفتح زيادة على خمسة عشر يوما أو خمسة‬ ‫عشر وقد صرح في حديث أبي داود أن هذا أي خمسة عشر ونحوها كان عام الفتح‪.‬‬ ‫وفيه دللة على أنه لم يتم مع إقامته في مكة‪ ،‬وهو كذلك كما يدل عليه الحديث التي‪:‬‬ ‫وفيه دليل على أن نفس الخروج من البلد بنية السفر يقتضي القصر ولو لم يجاوز من البلد ميلً ول أقل‪ ،‬وأنه ل‬ ‫يزال يقصر حتى يدخل البلد ولو صلى وبيوتهما بمرأى منه‪.‬‬ ‫شرَ يَ ْقصُرُ" وفي‬ ‫عَ‬ ‫ع ْن ُهمَا قالَ‪" :‬أقامَ النّبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم تسعة َ‬ ‫عبّاسٍ رضيَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]6‬ــــ وَعَنِ ا ْبنِ َ‬ ‫شرَةَ"‪.‬‬ ‫خمْس ع ْ‬ ‫سبْعَ عشرةَ" وفي أُخرى " َ‬ ‫شرَ يَوْما" رَوَاهُ البخاريّ‪ ،‬وفي رواي ٍة لبي دا ُو َد " َ‬ ‫عَ‬ ‫سعَةَ َ‬ ‫ظ "بمكّ َة ت ْ‬ ‫لَ ْف ٍ‬ ‫(وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬أقام النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم تسعة عشر يوما يقصر وفي لفظ) تعيين‬ ‫م حل القا مة وأ نه (بم كة ت سعة ع شر يوما‪ .‬رواه البخاري و في روا ية ل بي داود) أي عن ا بن عباس ( سبع‬ ‫عشرة) بالتذكير في الرواية الولى لنه ذكر مميزه يوما وهو مذكر‪ ،‬وبالتأنيث في رواية أبي داود لنه حذف‬ ‫مميزه‪ ،‬وتقديره ليلة‪ ،‬و في روا ية ل بي داود ع نه ت سعة ع شر كالروا ية الولى (و في أخرى) أي ل بي داود عن‬ ‫ابن عباس (خمس عشرة)‪.‬‬ ‫شرَةَ"‪.‬‬ ‫عَ‬ ‫ضيَ اللّ ُه عنهما " َثمَانيَ َ‬ ‫صيْنٍ َر َ‬ ‫ح َ‬ ‫عمْرانَ بنِ ُ‬ ‫[رح ‪ ]7‬ــــ وََلهُ عنْ ِ‬ ‫(وله) أي لبي داود‪:‬‬ ‫(عن عمران بن حصين رضي ال عنهما ثماني عشرة) ولفظه عند أبي داود "شهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني‬ ‫عشرة ليلة ل يصلي إل ركعتين ويقول‪ :‬يا أهل البلد صلوا أربعا فإنا قوم سفر"‪.‬‬ ‫ت إلّا أنّ هُ‬ ‫ن يَوْما َيقْ صرُ ال صّلة" وَروَاتُ ُه ثِقَا ٌ‬ ‫ع ْن هُ‪" :‬أقا مَ ب َتبُو كَ عشِري َ‬ ‫ن جاب ٍر رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]8‬ـــ وله عَ ْ‬ ‫ختُِلفَ في َوصْلِهِ‪.‬‬ ‫اْ‬ ‫(وله) أي لبي داود‪.‬‬ ‫(عن جابر رضي ال عنه "أقام) أي النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم (بتبوك عشرين يوما يقصر الصلة) ‪ ،‬ورواته‬ ‫ثقات إل أنه اختلف في وصله" فوصله معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان عن‬ ‫جابر قال أبو داود‪ :‬غير معمر ل يسنده فأعله الدارقطني في العلل بالرسال والنقطاع‪.‬‬ ‫قال المصنف رحمه ال‪ :‬وقد أخرجه البيهقي بلفظ "بضع عشرة"‪.‬‬ ‫واعلم أن أ با داود تر جم لباب هذه الحاد يث "باب م تى ي تم الم سافر" ثم ساقها وفي ها كلم ا بن عباس " من أقام‬ ‫سبعة عشر قصر ومن أقام أكثر أتم"‪.‬‬ ‫وقد اختلف العلماء في قدر مدّة القامة التي إذا عزم المسافر على إقامتها أتم فيها الصلة على أقوال‪.‬‬ ‫فقال ابن عباس وإليه ذهب الهادوية‪ :‬إن أقل مدة القامة عشرة أيام لقول علي عليه السلم‪" :‬إذا أقمت عشرا فأتم‬ ‫الصلة" أخرجه المؤيد في شرح التجريد من طرق فيها ضرار بن صرد قال المصنف في التقريب‪ :‬إنه غير‬ ‫ثقة‪ .‬قالوا‪ :‬وهو توقيف‪.‬‬ ‫وقالت الحنفيـة‪ :‬خمسـة عشـر يوما مسـتدلين بإحدى روايات ابـن عباس وبقوله وقول ابـن عمـر‪ :‬إذا قدمـت بلدة‬ ‫وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلة‪.‬‬ ‫وذه بت المالك ية والشافع ية إلى أن أقل ها أرب عة أيام و هو مروي عن عثمان والمراد غ ير يوم الدخول والخروج‪،‬‬ ‫واستدلوا بمنعه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم المهاجرين بعد مضي النسك أن يزيدوا عن ثلثة أيام في مكة فدل على أنه‬ ‫بالربعة اليام يصير مقيما؛ وثم أقوال أخر ل دليل عليها‪.‬‬ ‫وهذا كله فيمن دخل البلد عازما على القامة فيها‪.‬‬ ‫‪110‬‬

‫وأما من تردد في القامة ولم يعزم ففيه خلف أيضا‪.‬‬ ‫فقالت الهادوية‪ :‬يقصر إلى شهر لقول علي عليه السلم‪" :‬إنه من يقول‪ :‬اليوم أخرج؛ غدا أخرج‪ .‬يقصر الصلة‬ ‫شهرا"‪.‬‬ ‫وذهب أبو حنيفة وأصحابه وهو قول للشافعي وقال به المام يحيى إلى أنه يقصر أبدا إذ الصل السفر‪ ،‬ولفعل‬ ‫ا بن ع مر فإ نه أقام بأذربيجان ستة أش هر يق صر ال صلة‪ ،‬وروي عن أ نس بن مالك أ نه أقام بني سابور سنة أو‬ ‫سنتين يقصر الصلة‪ ،‬وعن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلة‪.‬‬ ‫ومنهم من قدّر ذلك بخمسة عشر وسبعة عشر وثمانية عشر على حسب ما وردت الروايات في مدة إقامته صَلّى‬ ‫ال عََليْهِ َوسَلّم في مكة وتبوك وأنه بعد ما يجاوز مدة ما روي عنه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم يتم صلته‪.‬‬ ‫ول يخ فى أ نه ل دل يل في المدة ال تي ق صر في ها على ن في الق صر في ما زاد علي ها‪ ،‬وإذا لم ي قم دل يل على تقد ير‬ ‫المدة فالقرب أنه ل يزال يقصر كما فعله الصحابة‪ ،‬لنه ل يسمى بالبقاء مع التردد كل يوم في القامة والرحيل‬ ‫مقيما وإن طالت المدة‪ ،‬ويؤيده ما أخرجه البيهقي في السنن عن ابن عباس‪" :‬أنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم أقام بتبوك‬ ‫أربعين يوما يقصر الصلة"‪ .‬ثم قال‪ :‬تفرد به الحسين بن عمارة وهو غير محتج به‪.‬‬ ‫ن تَزي غَ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا ا ْر َتحَل َقبْلَ َأ ْ‬ ‫ن ر سُو ُ‬ ‫ع ْن ُه قال‪" :‬كا َ‬ ‫[رح ‪ ]9‬ــــ وَعَ نْ َأنَ سٍ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫شمْ سُ َقبْلَ أ نْ َي ْر َتحِلَ صلى الظ ْهرَ ُثمّ‬ ‫جمَ عَ َب ْي َنهُما‪ ،‬فإ نْ زَاغَ تْ ال ّ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫صرِ ُثمّ َنزَ َ‬ ‫خرَ الظّهرَ إلى َوقْ تِ ا ْلعَ ْ‬ ‫الشّم سُ َأ ّ‬ ‫ظهْر والعَصْرَ ثمّ رَكِبَ" وَلبي نُعيم‬ ‫صحْيح‪" :‬صلى ال ّ‬ ‫ن بإسْنادِ ال ّ‬ ‫رَكبَ" ُمتّفَقٌ عَلَيه‪ ،‬وفي رواية الحاكم في الرْبعي َ‬ ‫صرَ جميعا ث ّم ار َتحَلَ"‪.‬‬ ‫شمْسُ صلى الظ ْهرَ وا ْل َع ْ‬ ‫ن في س َفرٍ َفزَالَت ال ّ‬ ‫ن إذَا كا َ‬ ‫س َتخْرَجِ مُسلمٍ "كا َ‬ ‫في ُم ْ‬ ‫(و عن أ نس ر ضي ال ع نه قال‪ :‬كان ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا ارت حل) في سفره (ق بل أن تز يغ‬ ‫الشمس) أي قبل الزوال (أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما‪ ،‬فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل‬ ‫صلى الظهر) أي وحده ول يضم إليه العصر (ثم ركب‪ .‬متفق عليه)‪.‬‬ ‫الحديث فيه دليل على جواز الجمع بين الصلتين للمسافر تأخيرا‪ ،‬ودللة على أنه ل يجمع بينهما تقديما‪ ،‬لقوله‬ ‫"صلى الظهر" إذ لو جاز مع التقديم لضم إليه العصر‪ ،‬وهذا الفعل منه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يخصص أحاديث‬ ‫التوقيت التي مضت‪.‬‬ ‫وقد اختلف العلماء في ذلك‪ ،‬فذهب الهادوية وهو قول ابن عباس وابن عمر وجماعة من الصحابة‪ ،‬وروي عن‬ ‫مالك وأح مد والشاف عي إلى جواز الج مع للم سافر تقديما وتأخيرا عملً بهذا الحد يث في التأخ ير وب ما يأ تي في‬ ‫التقديم‪.‬‬ ‫وعن الوزاعي أنه يجوز للمسافر جمع التأخير فقط عملً بهذا الحديث‪ ،‬وهو مروي عن مالك وأحمد بن حنبل‬ ‫واختاره أبو محمد بن حزم‪.‬‬ ‫وذ هب النخ عي والح سن وأ بو حني فة إلى أ نه ل يجوز الج مع ل تقديما ول تأخيرا للم سافر وتأولوا ما ورد من‬ ‫جمعه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم بأنه جمع صوري وهو أنه أخر الظهر إلى آخر وقتها وقدم العصر في أول وقتها‬ ‫ومثله العشاء‪.‬‬ ‫ورد علي هم بأ نه وإن تم شى ل هم هذا في ج مع التأخ ير لم ي تم ل هم في ج مع التقد يم الذي أفاد قوله (و في روا ية‬ ‫الحاكم في الربعين بإسناد الصحيح صلى الظهر والعصر) أي إذا زاغت قبل أن يرتحل صلى الفريضتين معا‬ ‫( ثم ر كب) فإن ها أفادت ثبوت ج مع التقد يم من فعله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ول يت صوّر ف يه الج مع ال صوري (و)‬ ‫مثله الرواية التي (لبي نعيم في مستخرج مسلم) أي في مستخرجه على صحيح مسلم (كان) أي النبي صَلّى ال‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم (إذا كان في سفر فزالت الش مس صلى الظ هر والع صر جميعا ثم ارت حل) ف قد أفادت روا ية الحا كم‬ ‫وأبي نعيم ثبوت جمع التقديم أيضا وهما روايتان صحيحتان كما قال المصنف إل أنه قال ابن القيم إنه اختلف‬ ‫في رواية الحاكم‪ ،‬فمنهم من صححها ومنهم من حسنها ومنهم من قدح فيها وجعلها موضوعة وهو الحاكم فإنه‬ ‫حكم بوضعها‪ ،‬ثم ذكر كلم الحاكم في بيان وضع الحديث ثم رده ابن القيم واختار أنه ليس بموضوع‪ ،‬وسكوت‬ ‫المصنف هنا عليه وجزمه بأنه بإسناد صحيح يدل على رده لكلم الحاكم ويؤيد صحته قوله‪:‬‬ ‫غزْوَة تَبو كَ‬ ‫جنَا م عَ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم في َ‬ ‫خ َر ْ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪َ " :‬‬ ‫ع نْ مُعاذٍ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]10‬ــــ وَ َ‬ ‫ظهْرَ والعص َر جميعا والمغْربَ وَال ِعشَاءَ جميعا" رَوَاهُ ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫فكان ُيصَلي ال ّ‬ ‫إل أن اللفظ محتمل لجمع التأخير ل غير أوله ولجمع التقديم‪ ،‬ولكن قد رواه الترمذي بلفظ "كان إذا ارتحل قبل‬ ‫أن تز يغ الش مس آ خر الظ هر إلى أن يجمع ها إلى الع صر في صليهما جميعا وإذا ارت حل ب عد ز يغ الش مس ع جل‬ ‫العصر إلى الظ هر وصلى الظ هر والع صر جميعا" ف هو كالتفصيل لمج مل رواية مسلم إل أنه قال الترمذي ب عد‬ ‫‪111‬‬

‫إخراجه‪ :‬إنه حد يث حسن غريب تفرد به قتيبة ل نعرف أحدا رواه عن الليث غيره قال‪ :‬والمعروف عند أهل‬ ‫العلم حديث معاذ من حديث ابن الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ‪ :‬أن النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم جمع في غزوة‬ ‫تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء‪ .‬اهـ‪.‬‬ ‫إذا عرفت هذا فجمع التقديم في ثبوت روايته مقال إل رواية المستخرج على صحيح مسلم فإنه ل مقال فيها‪.‬‬ ‫وقد ذهب ابن حزم إلى أنه يجوز جمع التأخير لثبوت الرواية به ل جمع التقديم‪ ،‬وهو قول النخعي ورواية عن‬ ‫مالك وأحمد‪.‬‬ ‫ثم إنه قد اختلف في الفضل للمسافر هل الجمع أو التوقيت فقالت الشافعية‪ :‬ترك الجمع أفضل‪ .‬وقال مالك‪ :‬إنه‬ ‫مكروه‪ ،‬وقيل‪ :‬يختص بمن له عذر‪.‬‬ ‫واعلم أنه كما قال ابن القيم في الهدي النبوي‪ :‬لم يكن صلى ال تعالى عليه وآله وسلم يجمع راتبا في سفره كما‬ ‫يفعله كث ير من الناس‪ ،‬ول يج مع حال نزوله أيضا‪ ،‬وإن ما كان يج مع إذا جدّ به ال سير‪ ،‬وإذا سار عق يب ال صلة‬ ‫ك ما في أحاد يث تبوك‪ ،‬وأ ما جم عه و هو نازل غ ير م سافر فلم ين قل ذلك ع نه إل بعر فة ومزدل فة ل جل ات صال‬ ‫الوقوف‪ ،‬كما قال الشافعي وشيخنا وجعله أبو حنيفة من تمام النسك وأنه سببه‪ ،‬وقال أحمد ومالك والشافعي‪ :‬إن‬ ‫سبب الجمع بعرفة ومزدلفة السفر‪.‬‬ ‫وهذا كله في الجمع في السفر‪.‬‬ ‫وأما الجمع في الحضر فقال الشارح بعد ذكر أدلة القائلين بجوازه فيه‪ :‬إنه ذهب أكثر الئمة إلى أنه ل يجوز‬ ‫الجمع في الحضر لما تقدم من الحاديث المبينة لوقات الصلوات‪ ،‬ولما تواتر من محافظة النبي صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم على أوقات ها ح تى قال ا بن م سعود‪ :‬ما رأ يت ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم صلى صلة لغ ير ميقات ها إل‬ ‫صلتين جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذٍ قبل ميقاتها"‪.‬‬ ‫وأما حديث ابن عباس عند مسلم‪ :‬أنه جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ول‬ ‫م طر‪ .‬ق يل ل بن عباس‪ :‬ما أراد إلى ذلك؟ قال‪ :‬أراد أن ل يحرج أم ته" فل ي صح الحتجاج به ل نه غ ير مع ين‬ ‫لجمع التقديم والتأخير كما هو ظاهر رواية مسلم وتعيين واحد منها تحكم فوجب العدول عنه إلى ما هو واجب‬ ‫مـن البقاء على العموم فـي حديـث الوقات للمعذور وغيره وتخصـيص المسـافر لثبوت المخصـص وهذا هـو‬ ‫الجواب الحاسم‪.‬‬ ‫وأما ما يروى من الثار عن الصحابة والتابعين فغير حجة إذ للجتهاد في ذلك مسرح‪ ،‬وقد أول بعضهم حديث‬ ‫ا بن عباس بالج مع ال صوري وا ستحسنه القر طبي ورج حه وجزم به ا بن الماجشون والطحاوي وقواه ا بن سيد‬ ‫الناس لما أخرجه الشيخان عن عمرو بن دينار ــــ رواي الحديث ــــ عن أبي الشعثاء قال‪ :‬قلت‪ :‬يا‬ ‫أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء قال‪ :‬وأنا أظنه‪ .‬قال ابن سيد الناس‪:‬‬ ‫وراوي الحديث أدرى بالمراد منه من غيره‪ ،‬وإن لم يجزم أبو الشعثاء بذلك‪.‬‬ ‫وأقول إنما هو ظن من الراوي والذي يقال فيه‪ :‬أدرى بما روى إنما يجري في تفسيره للفظ مثلً‪ .‬على أن في‬ ‫الدعوى نظرا‪ ،‬فإن قوله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬فرب حا مل ف قه إلى من هو أف قه م نه" يرد عموم ها‪ ،‬ن عم يتع ين‬ ‫هذا التأو يل فإ نه صرح به الن سائي في أ صل حد يث ا بن عباس ولف ظه‪ " :‬صليت مع ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ‬ ‫وَ سَلّم بالمدينة ثمانيا جمعا وسبعا جمعا أخر الظهر وعجل العصر وآخر المغرب وعجل العشاء"‪ .‬والعجب من‬ ‫النووي كيف ضعف هذا التأويل وغفل عن متن الحديث المروي‪ ،‬والمطلق في رواية يحمل على المقيد إذا كانا‬ ‫في قصة واحدة‪ .‬كما في هذا‪:‬‬ ‫والقول بأن قوله‪" :‬أراد أن ل يحرج أمته" يضعف هذا الجمع الصوري لوجود الحرج فيه مدفوع بأن ذلك أيسر‬ ‫من التوق يت إذ يك في لل صلتين تأ هب وا حد وق صد وا حد إلى الم سجد ووضوء وا حد بح سب الغلب بخلف‬ ‫الوقتين فالحرج في هذا الجمع ل شك أخف‪.‬‬ ‫وأما قياس الحاضر على المسافر كما قيل فوهم‪ ،‬لن العلة في الصل هي السفر‪ ،‬وهو غير موجود في الفرع‬ ‫وإل لزم مثله في القصر والفطر اهـ‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬و هو كلم ر صين و قد ك نا ذكر نا ما يلق يه في ر سالتنا "اليواق يت في المواق يت" ق بل الوقوف على كلم‬ ‫الشارح ــــ رحمه ال وجزاه خيرا ــــ ثم قال‪ :‬واعلم أن جمع التقديم فيه خطر عظيم وهو كمن صلى‬ ‫صلة قبل دخول وقتها فيكون حال الفاعل كما قال تعالى‪{ :‬هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} الية من ابتدائها‬ ‫وهذه الصلة المقدمة ل دللة عليها بمنطوق ول مفهوم ول عموم ول خصوص‪.‬‬ ‫‪112‬‬

‫[رح ‪ ]11‬ــــ وَعَن اب نِ عبّا سٍ رض يَ اللّ هُ عنهُ ما قال‪ :‬قال ر سولُ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل تَقْ صرُوا‬ ‫ح أَن ُه مَ ْوقُو فٌ‪َ ،‬كذَا‬ ‫ل مِ نْ َأ ْر َبعَ ِة ُبرُ ٍد مِ نْ َم ّكةَ إلى عُ سْفَانَ" روا هُ الدارقُطْنيّ بإسناد ضَعيف‪ ،‬وال صّحي ُ‬ ‫ال صّل َة في أقَ ّ‬ ‫خزَيمة‪.‬‬ ‫خ َرجَ ُه ابنُ ُ‬ ‫َأ ْ‬ ‫فإ نه من روا ية ع بد الوهاب بن مجا هد و هو متروك‪ ،‬ن سبه الثوري إلى الكاذب‪ ،‬وقال الزدي‪ :‬ل ت حل الروا ية‬ ‫عنه‪ ،‬وهو منقطع أيضا لنه لم يسمع من أبيه (والصحيح أنه موقوف كذا أخرجه ابن خزيمة) أي موقوفا على‬ ‫ابن عباس وإسناده صحيح ولكن للجتهاد فيه مسرح فيحتمل أنه من رأيه وتقدم أنه لم يثت في التحديد حديث‬ ‫مرفوع‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬خيرُ ُأمّ تي الذ ين إذا‬ ‫[رح ‪ ]12‬ــــ وع نْ جابرٍ رض يَ اللّ هُ ع نه قال‪ :‬قالَ ر سُو ُ‬ ‫سطِ بإ سْنادٍ‬ ‫خرَجَ ُه الطّبرانيّ في الوْ َ‬ ‫أ سَاءوا ا سْتغفروا وإذا أَح سنوا ا سْتبشروا وإذا سا َفرُوا قَ صَروا وَأفْطروا"‪َ .‬أ ْ‬ ‫ع ْندَ الَب ْيهَقِي مختصرا‪.‬‬ ‫سيّب َ‬ ‫ل سعيد بنِ ال ُم َ‬ ‫ضعيفٍ وَ ُهوَ في ُمرْسَ ِ‬ ‫الحديث دليل على أن القصر والفطر أفضل للمسافر من خلفهما‪.‬‬ ‫وقالت الشافع ية‪ :‬ترك الج مع أف ضل فقياس هذا أن يقولوا التمام أف ضل و قد صرحوا به أيضا‪ ،‬وكأن هم لم يقولوا‬ ‫بهذا الحديث لضعفه‪ .‬واعلم أن المصنف رحمه ال أعاد هنا حديث عمران بن حصين وحديث جابر وهما قوله‪:‬‬ ‫سأَلْتُ النّبيّ صَلّى ال‬ ‫ع ْنهُ ما قالَ‪" :‬كان تْ بي َبوَا سيرُ فَ َ‬ ‫ن رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫صيْ ٍ‬ ‫ن بن حُ َ‬ ‫عمْرا َ‬ ‫[رح ‪ ]13‬ــــ وعَ نْ ِ‬ ‫جنْبٍ" رَوَا ُه ا ْل ُبخَاريّ‪.‬‬ ‫ستَطعْ َفعَلى َ‬ ‫ستَطِعْ فَقَاعِدا‪ ،‬فَإنْ َلمْ َت ْ‬ ‫عََليْهِ َوسَلّم عنِ الصّل ِة فَقَالَ‪" :‬صَلّ قائما‪ ،‬فَإنْ ل ْم َت ْ‬ ‫(و عن عمران بن ح صين ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬كا نت بي بوا سير ف سألت ال نبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم عن‬ ‫الصلة) هذا لم يذكره المصنف فيما سلف في هذه الرواية (فقال‪" :‬صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع‬ ‫فعلى جنْب" رواه البخاري) هو ك ما قال ولم ين سبه في ما تقدم إلى أ حد و قد بي نا من غ ير البخاري و ما ف يه من‬ ‫الزيادة‪.‬‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬عَادَ النّبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم مَريضا فَرَآ ُه يُ صَلي على‬ ‫ع نْ جَابرٍ رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]14‬ــــ وَ َ‬ ‫ن رُكُوعِ كَ"‬ ‫سجُو َدكَ َأخْفَ ضَ مِ ْ‬ ‫س َتطَعْتَ‪ ،‬وإل َفأَوْم إيماءً واجعلْ ُ‬ ‫وسادَ ٍة فَ َرمَى بها وقالَ‪ " :‬صَلّ عَلى الر ضِ إن ا ْ‬ ‫ححَ أَبو حاتم َوقْ َفهُ‪.‬‬ ‫رَوَاهُ ا ْل َب ْيهَ ِقيّ وص ّ‬ ‫زاد فيما مضى أنه رواه البيهقي بإسناد قوي وقد تقدم في آخر باب صفة الصلة قبيل باب سجود السهو بلفظهما‬ ‫وشرحناهما هناك فتركنا شرحهما هنا لذلك‪ ،‬ثم ذكر هنا حديث عائشة وقد مر أيضا في الحديث الرابع والثلثين‬ ‫في باب صفة الصلة بلفظه وشرحه الشارح‪ .‬وقال هناك‪ :‬صححه ابن خزيمة‪ ،‬وهنا قال‪ :‬صححه الحاكم وهو‪:‬‬ ‫عنْهَا قالَت‪" :‬رَأَي تُ النّبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يُ صَلي ُم َت َربّعا" رَواه‬ ‫ع نْ عَا ِئشَةَ رَض يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]15‬ــــ وَ َ‬ ‫ححَهُ الحا ِكمُ‪.‬‬ ‫صّ‬ ‫النسائي َو َ‬ ‫وهو من أحاديث صلة المريض ل من أحاديث صلة المسافر وقد أتى به فيما سلف‪.‬‬ ‫والحديث دليل على صفة قعود المصلي إذا كان له عذر عن القيام‪ ،‬وفيه الخلف الذي تقدم‪.‬‬ ‫باب الجمعة‬ ‫الجمعة بضم الميم وفيها السكان والفتح مثل همزة ولمزة‪ ،‬وكانت تسمى في الجاهلية العروبة‪ ،‬أخرج الترمذي‬ ‫من حديث أبي هريرة وقال‪ :‬حسن صحيح أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬خير يوم طلعت فيه الشمس يوم‬ ‫الجمعة‪ :‬فيه خلق آدم وفيه دخل الجنة وفيه أخرج منها ول تقوم الساعة إل في يوم الجمعة"‪.‬‬ ‫س ِمعَا رَسُولَ ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‬ ‫ع ْنهُ ْم أَنهما َ‬ ‫ع َمرَو أَبي هُريرة رضيَ ال َ‬ ‫ن عبْد اللّ ِه بْنِ ُ‬ ‫عْ‬ ‫[رح ‪ ]1‬ــــ َ‬ ‫خ ِتمَنّ اللّ هُ عَلى قُلُوبه مْ‪ ،‬ثمّ َليَكو ُننّ مِ نَ الْغافِلين"‬ ‫جمُعات أَ ْو َل َي ْ‬ ‫عهِ مُ ا ْل ُ‬ ‫يقولُ على أعوادِ ِمنْبرهِ‪َ" :‬ل َي ْنتَهيَنّ َأقْوَا مٌ عَ نْ َودْ ِ‬ ‫رواه مسلمٌ‪.‬‬ ‫(عن عبد ال بن عمر وأبي هريرة رضي ال عنهم أنهما سمعا رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم يقول على أعواد‬ ‫منبره) أي منبره الذي من عود‪ ،‬ل على الذي كان من الطين‪ ،‬ول على الجذع الذي كان يستند إليه‪ ،‬وهذا المنبر‬ ‫عمل له صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم سنة سبع وقيل سنة ثمان‪ ،‬عمله له غلم امرأة من النصار كان نجارا واسمه على‬ ‫أصـح القوال ميمون‪ ،‬كان على ثلث درج ولم يزل عليـه حتـى زاده مروان فـي زمـن معاويـة سـت درج مـن‬ ‫أسفله‪ ،‬وله قصة في زيادته‪ ،‬وهي أن معاوية كتب إليه أن يحمله إلى دمشق فأمر به فقلع فأظلمت المدينة فخرج‬ ‫مروان فخطب فقال‪ :‬إنما أمرني أمير المؤمنين أن أرفعه‪ ،‬وقال‪ :‬إنما زدت عليه لما كثر الناس ولم يزل كذلك‬ ‫حتى احترق المسجد النبوي سنة أربع وخمسين وستمائة فاحترق ("لينتهين أقوام عن ودعهم) بفتح الواو وسكون‬ ‫‪113‬‬

‫الدال المهملة وكسر العين المهملة أي تركهم (الجمعات‪ ،‬أو ليختمن ال على قلوبهم) الختم الستيثاق من الشيء‬ ‫بضرب الخاتم عليه كتما له وتغطية لئل يتوصل إليه‪ ،‬ول يطلع عليه‪ ،‬شبهت القلوب بسبب إعراضهم عن الحق‬ ‫واستكبارهم عن قبوله وعدم نفوذ الحق إليها بالشياء التي استوثق عليها بالختم فل ينفذ إلى باطنها شيء‪ ،‬وهذه‬ ‫عقو بة على عدم المتثال ل مر ال‪ ،‬وعدم إتيان الجم عة من باب تي سير الع سرى ( ثم ليكو نن من الغافل ين" رواه‬ ‫مسلم) بعد ختمه تعالى عن قلوبهم فيغفلون عن اكتساب ما ينفعهم من العمال وعن ترك ما يضرهم منها‪.‬‬ ‫وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن ترك الجمعة والتساهل فيها‪.‬‬ ‫وفيه إخبار بأن تركها من أعظم أسباب الخذلن بالكلية‪.‬‬ ‫والجماع قائم على وجوبها على الطلق والكثر أنها فرض عين وقال في معالم السنن‪ :‬إنها فرض كفاية عند‬ ‫الفقهاء‪.‬‬ ‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫عنْ هُ قالَ‪" :‬كنا نُ صَلي م َع رَ سُو ِ‬ ‫ن الكْو عِ رَض يَ ال َ‬ ‫ع نْ سََلمَ َة بْ ِ‬ ‫[رح ‪ ]2‬ــــ وَ َ‬ ‫جمّ عُ مع‬ ‫ن ظِلّ يُستظلّ ب هِ" ُمتّف قٌ عليه واللفْ ظُ للبخاريّ‪ ،‬وفي لَفْ ظٍ لم سْلمٍ " ُكنّا ن َ‬ ‫جمُع َة ثمّ َننْصرفُ وََليْ سَ للحيطا ِ‬ ‫ال ُ‬ ‫س ُثمّ َنرْجِعُ َن َت َتبّعُ ا ْل َفيْءَ"‪.‬‬ ‫رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم إذا زَالت الشّم ُ‬ ‫(و عن سلمة بن الكوع ر ضي ال ع نه قال‪ :‬ك نا ن صلي مع ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يوم الجم عة ثم‬ ‫ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به‪ .‬متفق عليه واللفظ للبخاري في لفظ لمسلم) أي من رواية سلمة (كنا‬ ‫نجمّع معه) أي النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم (إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء)‪.‬‬ ‫الحديث دليل على المبادرة بصلة الجمعة عند أول زوال الشمس‪ ،‬والنفي في قوله "وليس للحيطان ظل" متوجه‬ ‫إلى القيد وهو قوله "يستظل به" ل نفي لصل الظل حتى يكون دليلً على أنه صلها قبل زوال الشمس‪ ،‬وهذا‬ ‫التأويل معتبر عند الجمهور القائلين بأن وقت الجمعة هو وقت الظهر‪.‬‬ ‫وذهب أحمد وإسحاق إلى صحة صلة الجمعة قبل الزوال‪.‬‬ ‫واختلف أصحاب أحمد فقال بعضهم‪ :‬وقتها وقت صلة العيد‪ ،‬وقيل الساعة السادسة‪.‬‬ ‫وأجاز مالك الخط بة ق بل الزوال دون ال صلة وحجت هم ظا هر الحد يث و ما بعده وأ صرح م نه ما أخر جه أح مد‬ ‫ومسلم من حديث جابر‪" :‬أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين‬ ‫تزول الشمس" يعني النواضح‪ ،‬وأخرج الدارقطني عن عبد ال بن سيدان قال‪ :‬شهدت مع أبي بكر الجمعة فكانت‬ ‫خطب ته و صلته ق بل ن صف النهار ثم شهدت ها مع ع مر فكا نت صلته وخطب ته إلى أن أقول انت صف النهار ثم‬ ‫شهدت ها مع عثمان فكا نت صلته وخطب ته إلى أن أقول زال النهار ف ما رأ يت أحدا عاب ذلك ول أنكره‪ .‬ورواه‬ ‫أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد ال قال‪ :‬وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية‪ :‬أنهم صلوا قبل‬ ‫الزوال‪.‬‬ ‫ودللة هذا على مذ هب أح مد واض حة‪ ،‬والتأو يل الذي سبق من الجمهور يدف عه أن صلة ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫َسـلّم مـع قراءتـه سـورة الجمعـة والمنافقون وخطبتـه لو كانـت بعـد الزوال لمـا ذهبوا مـن صـلة الجمعـة إل‬ ‫و َ‬ ‫وللحيطان ظل يستظل به كذا في الشرح‪.‬‬ ‫وحققنا في حواشي ضوء النهار أن وقتها الزوال‪ ،‬ويدل له أيضا قوله‪:‬‬ ‫جمُعةِ" ُمتّف قٌ عََل ْي هِ‬ ‫س ْعدٍ رض يَ اللّ هُ عنهُما قال‪" :‬ما ُكنّا نَقيلُ ولَا َن َت َغدّى إل َب ْعدَ ا ْل ُ‬ ‫سهْلِ بْ نِ َ‬ ‫[رح ‪ ]3‬ــــ وَعَن َ‬ ‫ع ْه ِد رسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم"‪.‬‬ ‫واللّفظ لمسلمٍ‪ ،‬وفي رواية "في َ‬ ‫(وعن سهل بن سعد رضي ال عنه) هو أبو العباس سهل بن سعد بن مالك الخزرجي الساعدي النصاري قيل‬ ‫كان ا سمه "حز نا" ف سماه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم " سهلً" مات ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم وله خ مس عشرة سنة‬ ‫ومات بالمدينة سنة إحدى وسبعين وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة (قال‪" :‬ما كنا نقيل) من القيلولة (ول‬ ‫نتغدى إل بعد الجمعة" متفق عليه واللفظ لمسلم‪ .‬وفي رواية "في عهد رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم")‪.‬‬ ‫في النهاية المقيل والقيلولة الستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم‪.‬‬ ‫فالحديث دليل على ما دل عليه الحديث الول وهو من أدلة أحمد وإنما أتى المصنف رحمه ال بلفظ رواية "على‬ ‫عهد رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم" لئل يقول قائل إنه لم يصرح الراوي في الرواية الولى أن ذلك كان من‬ ‫فعله صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم وتقريره فدف عه بالروا ية ال تي أثب تت أن ذلك كان على عهده‪ ،‬ومعلوم أ نه ل ي صلي‬ ‫الجمعة في عهده في المدينة سواه‪ ،‬فهو إخبار عن صلته وليس فيه دليل على الصلة قبل الزوال‪ ،‬لنهم في‬ ‫المدينة ومكة ل يقيلون ول يتغدون إل بعد صلة الظهر كما قال تعالى‪{ :‬وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} نعم‬ ‫‪114‬‬

‫كان صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يسارع بصلة الجمعة في أول وقت الزوال بخلف الظهر فقد كان يؤخره بعده حتى‬ ‫يجتمع الناس‪.‬‬ ‫ت عيرٌ‬ ‫ن يخطبُ قائما‪ ،‬فَجَاءَ ْ‬ ‫[رح ‪ ]4‬ــــ وعن جابرٍ رضيَ اللّ ُه عنهُ أنّ رسولَ اللّهِ صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم كا َ‬ ‫شرَ َرجُل" رَوا ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫عَ‬ ‫ل النّاسُ إليها حتى َلمْ َي ْبقَ إل اثنا َ‬ ‫ن الشّام فانفتَ َ‬ ‫مِ َ‬ ‫(وعن جابر رضي ال عنه أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان يخطب قائما فجاءت عير) بكسر العين المهملة‬ ‫و سكون المثناة التحت ية فراء قال في النها ية‪ :‬الع ير ال بل بأحمال ها ( من الشام فانف تل) بالنون ال ساكنة وف تح الفاء‬ ‫فمثناة فوقية أي انصرف (الناس إليها حتى لم يبق) أي في المسجد ــــ (إل اثنا عشر رجلً‪ .‬رواه مسلم)‪.‬‬ ‫الحديث دليل على أنه يشرع في الخطبة أن يخطب قائما‪.‬‬ ‫وأنه ل يشترط لها عدد مع ين كما قيل إنه يشترط لها أربعون رجلً ول ما قيل إن أقل ما ينع قد به اثنا عشر‬ ‫رجلً كما روي عن مالك لنه ل دليل أنها ل تنعقد بأقل‪.‬‬ ‫وهذه القصة هي التي نزلت فيها الية‪{ :‬وإذا رأوا تجارة} الية‪:‬‬ ‫وقال القاضي عياض‪ :‬إنه روى أبو داود في مراسيله‪ :‬أن خطبته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم التي انفضوا عنها إنما‬ ‫كانت بعد صلة الجمعة وظنوا أنه ل شيء عليهم في النفضاض عن الخطبة وأنه قبل هذه القصة كان يصلي‬ ‫قبل الخطبة‪.‬‬ ‫قال القا ضي‪ :‬وهذا أش به بحال أ صحابه والمظنون ب هم ما كانوا يدعون ال صلة مع ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫ولكنهم ظنوا جواز النصراف بعد انقضاء الصلة‪.‬‬ ‫ع نْ ابن ع َمرَ رض يَ اللّ هُ عنهُما قال‪ :‬قالَ رسولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬مَ نْ َأ ْدرَ كَ رَكعةً‬ ‫[رح ‪ ]5‬ــــ وَ َ‬ ‫ت صَلتُهُ" رواه النّسائيّ واب نُ مَاجَ هْ والدّارَ ُقطْنيّ واللف ظُ‬ ‫جمُعةِ وغيْرهَا فلْيض فْ إليها أُخرى َوقَد تمّ ْ‬ ‫ن صَل ِة ال ُ‬ ‫مِ ْ‬ ‫لهُ‪ ،‬وإسنادُهُ صحيحٌ لكنْ قوّى أَبو حاتمٍ إرسالَهُ‪.‬‬ ‫(وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬من أدرك ركعة من صلة الجمعة‬ ‫وغير ها) أي من سائر ال صلوات (فلي ضف إلي ها أُخرى) في الجم عة أو غير ها يض يف إلي ها ما ب قي من رك عة‬ ‫وأك ثر (و قد ت مت صلته" رواه الن سائي وا بن ما جه والدارقط ني والل فظ له وإ سناده صحيح ل كن قوى أ بو حا تم‬ ‫إرساله) الحديث أخرجوه من حديث بقية حدثني يونس بن يزيد عن سالم عن أبيه ــــ الحديث ــــ قال‬ ‫أ بو داود والدارقط ني‪ :‬تفرّد به بق ية عن يو نس‪ ،‬وقال ا بن أ بي حا تم في العلل عن أب يه‪ :‬هذا خ طأ في الم تن‬ ‫والسناد وإنما هو عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا "من أدرك من الصلة ركعة فقد أدركها"‬ ‫وأمّا قوله‪" :‬من صلة الجمعة" فوهم وقد أخرج الحديث من ثلثة عشر طريقا عن أبي هريرة ومن ثلثة طرق‬ ‫عن ابن عمر وفي جميعها مقال‪.‬‬ ‫و في الحد يث دللة على أن الجم عة ت صح لل حق وإن لم يدرك من الخط بة شيئا وإلى هذا ذ هب ز يد بن علي‬ ‫والمؤيد والشافعي وأبو حنيفة‪.‬‬ ‫وذهبت الهادوية إلى أن إدراك شيء من الخطبة شرط ل تصح الجمعة بدونه‪.‬‬ ‫وهذا الحد يث ح جة علي هم وإن كان ف يه مقال ل كن كثرة طر قه يقوّي بعض ها بعضا مع أ نه أخر جه الحا كم من‬ ‫ثلث طرق أحدها من حديث أبي هريرة وقال فيها‪ :‬على شرط الشيخين‪ ،‬ثم الصل عدم الشرط حتى يقوم عليه‬ ‫دليل‪.‬‬ ‫ن يخطُ بُ قائما‪ ،‬ثم‬ ‫سمُرةَ رضي ال عنهُما‪" :‬أنّ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كا َ‬ ‫[رح ‪ ]6‬ــــ وَعَ نْ جَابرِ بن َ‬ ‫ن يخطُبُ جالسا فَ َقدْ َكذَبَ" أَخرج ُه مُسلمٌ‪.‬‬ ‫يجلسُ‪ ،‬ثمّ يقو ُم َفيَخْطبُ قائما‪َ ،‬فمَنْ َأ ْن َبَأكَ أَنهُ كا َ‬ ‫الحديث دليل أنه يشرع القيام حال الخطبتين والفصل بينهما بالجلوس‪.‬‬ ‫وقد اختلف العلماء هل هو واجب أو سنة فقال أبو حنيفة‪ :‬إن القيام والقعود سنة‪.‬‬ ‫وذهب مالك إلى أن القيام واجب فإن تركه أساء وصحت الخطبة‪.‬‬ ‫وذهب الشاف عي وغيره إلى أن الخط بة ل تكون إل من قيام ل من أطا قه واحتجوا بمواظبته صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬ ‫على ذلك حتى قال جابر‪ :‬ف من أنبأك إلى آخره‪ .‬وبما روي أن كعب بن عجرة لما دخل المسجد وعبد الرح من‬ ‫بن أبي الحكم يخطب قاعدا فأنكر عليه وتل عليه (وتركوك قائما) وفي رواية ابن خزيمة‪ :‬ما رأيت كاليوم قط‬ ‫إماما يؤم المسلمين يخطب وهو جالس يقول ذلك مرتين‪.‬‬

‫‪115‬‬

‫وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس‪ :‬خطب رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قائما وأبو بكر وعمر وعثمان وأوّل‬ ‫من جلس على المنبر معاوية‪ ،‬وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعدا لما كثر شحم بطنه‬ ‫ولحمه‪ .‬وهذا إبانة للعذر فإنه مع العذر في حكم المتفق على جواز القعود في الخطبة‪.‬‬ ‫وأما حديث أبي سعيد الذي أخرجه البخاري‪ :‬أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا‬ ‫حوله‪.‬‬ ‫فقد أجاب عنه الشافعي أنه كان في غير جمعة‪.‬‬ ‫وهذه الدلة تقضي بشرعية القيام والقعود المذكورين في الخطبة‪.‬‬ ‫وأ ما الوجوب وكو نه شرطا في صحتها فل دللة عل يه في الل فظ إل أ نه قد ين ضم إل يه دل يل وجوب التأ سي به‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم وقد قال‪" :‬صلوا كما رأيتموني أصلي"‪.‬‬ ‫وفعله في الجم عة في الخطبت ين وتقديم ها على ال صلة مبين ل ية الجم عة ف ما وا ظب عل يه ف هو وا جب و ما لم‬ ‫يوا ظب عل يه كان في الترك دل يل على عدم الوجوب فإن صح أن قعوده في حد يث أ بي سعيد كان في خط بة‬ ‫الجمعة كان القوى القول الوّل وإن لم يثبت ذلك فالقول الثاني‪.‬‬ ‫"فائدة" تسليم الخطيب على المنبر على الناس فيه حديث أخرجه الثرم بسنده عن الشعبي‪" :‬كان رسول ال صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال السلم عليكم"‪ .‬الحديث‪ ،‬وهو مرسل‪ .‬وأخرج ابن‬ ‫عدي‪" :‬أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان إذا د نا من م نبره سلم على من ع ند الم نبر ثم صعد فإذا ا ستقبل الناس‬ ‫بوجهه سلم ثم قعد"‪ .‬إل أنه ضعفه ابن عدي[تض] بعيسى بن عبد ال النصاري[‪/‬تض] وضعفه به ابن حبان‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا خطب‬ ‫ع ْنهُما قال‪" :‬كان رَ سُو ُ‬ ‫ع ْب ِد اللّ ِه رَض يَ ال َ‬ ‫ع نْ جا ِبرِ ب نِ َ‬ ‫[رح ‪ ]7‬ــــ وَ َ‬ ‫ص ّبحَكم َومَ سّاكمْ" ويقولُ‪َ" :‬أمّا َب ْعدُ فإ نّ‬ ‫ل َ‬ ‫ش يَقُو ُ‬ ‫جيْ ٍ‬ ‫ضبُ هُ‪ ،‬حتى كأن هُ مُنذرُ َ‬ ‫غ َ‬ ‫ش َتدّ َ‬ ‫عيْناه‪ ،‬وَعَل صَ ْوُتهُ‪ ،‬وا ْ‬ ‫اح َمرّت َ‬ ‫ح َدثَاتُ ها‪ ،‬وكلّ بدعةٍ ضَللةٌ" روا ُه مُ سلمٌ‪ ،‬و في‬ ‫ش ّر الُمور ُم ْ‬ ‫خ ْيرَ الحد يث كِتا بُ اللّ هِ‪َ ،‬وخَيرَ ا ْلهَدي ُهدَى محمّد‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫ح َمدُ ال ويُثني عَليه ثمّ يقولُ عَلى أَثر ذلك وَقد‬ ‫ج ْمعَة َي ْ‬ ‫روايةٍ ل هُ‪" :‬كانت خطبَ ُة النّبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يَوْ مَ ا ْل ُ‬ ‫ل ضَللة في‬ ‫ن يُضلِل فل هاد يَ ل هُ" وللنسائي‪" :‬وك ّ‬ ‫عَل صَوتُهُ"‪ .‬وفي رواية ل هُ‪" :‬مَ نْ َيهْده ال فل مُضلّ ل هُ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫النّار"‪.‬‬ ‫(و عن جابر بن ع بد ال ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬كان ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم إذا خ طب احمرّت عيناه‬ ‫وعل صوته واشتدّ غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم" ويقول‪" :‬أما بعد فإن خير الحديث كتاب‬ ‫ال وخ ير الهُدى هدَى مح مد) قال النووي‪ :‬ضبطناه في م سلم ب ضم الهاء وف تح الدال فيه ما وبف تح الهاء و سكون‬ ‫الدال فيهما وفسره الهروي على رواية الفتح بالطريق أي أحسن الطريق طريق محمد‪ .‬وعلى رواية الضم معناه‬ ‫الدللة والرسـال و هو الذي يضاف إلى الرسـل وإلى القرآن قال تعالى‪{ :‬وإنـك لتهدي} (الشورى‪{ )52 :‬إن هذا‬ ‫القران يهدي} (ال سراء‪ )9 :‬و قد يضاف إل يه تعالى و هو بمع نى الل طف والتوف يق والع صمة {إ نك ل تهدي من‬ ‫أحب بت} (القصص‪ )56 :‬ال ية (وشر المور محدثات ها) المراد بالمحدثات ما لم ي كن ثابتا بشرع من ال ول من‬ ‫رسوله (وكل بدعة ضللةٌ") البدعة لغة‪ :‬ما عمل على غير مثال سابق‪ ،‬والمراد بها هنا‪ :‬ما عمل من دون أن‬ ‫يسبق له شرعية من كتاب ول سنة (رواه مسلم)‪.‬‬ ‫و قد ق سم العلماء البد عة على خم سة أق سام‪ :‬واج بة ــــ كح فظ العلوم بالتدو ين والرد على الملحدة بإقا مة‬ ‫الدلة‪ ،‬ومندو بة ــــ كبناء المدارس‪ ،‬ومبا حة ــــ كالتو سعة في ألوان الطعام وفا خر الثياب‪ ،‬ومحرّ مة‬ ‫ومكروهة وهما ظاهران؛ فقوله‪" :‬كل بدعة ضللة" عام مخصوص‪.‬‬ ‫و في الحد يث دل يل على أ نه ي ستحب للخط يب أن ير فع بالخط بة صوته ويجزل كل مه ويأ تي بجوا مع الكلم من‬ ‫الترغيب والترهيب ويأتي بقوله‪ :‬أما بعد وقد جمع البخاري بابا في استحبابها وذكر فيه جملة من الحاديث وقد‬ ‫جمع الروايات التي فيها ذكر "أما بعد" لبعض المحدثين وأخرجها على اثنين وثلثين صحابيا وظاهره أنه كان‬ ‫صلى ال عليه وآله وسلم يلزمها في جميع خطبه وذلك بعد حمد ال والثناء والتشهد كما تفيده الرواية المشار‬ ‫إليها بقوله‪" :‬وفي رواية له" أي لمسلم عن جابر بن عبد ال "كانت خطبة النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم يوم الجمعة‪:‬‬ ‫يحمد ال ويثني عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد عل صوته" حذف المقول اتكال على ما تقدم وهو قوله‪" :‬أما بعد‬ ‫فإن خير الحديث" إلى آخر ما تقدم‪.‬‬ ‫ولم يذكر الشهادة اختصارا لثبوتها في غير هذه الرواية فقد ثبت أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬كل خطبة ليس‬ ‫فيها تشهد فهي كاليد الجذماء" وفي دلئل النبوة للبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا حكاية عن ال عز وجل‬ ‫‪116‬‬

‫"وجعلت أم تك ل يجوز ل هم خط بة ح تى يشهدوا أ نك عبدي ور سولي" وكان يذ كر في تش هد نف سه با سمه العلم‬ ‫(و في روا ية له) أي لم سلم عن جابر (" من يهده ال فل مضلّ له و من يضلل فل هادي له") أي أ نه يأ تي بهذه‬ ‫اللفاظ بعد "أما بعد" (وللنسائي) أي عن جابر ("وكل ضللة في النار") أي بعد قوله "كل بدعة ضللة" كما هو‬ ‫في النسائي واختصره المصنف والمراد صاحبها‪.‬‬ ‫وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد السلم وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي‪،‬‬ ‫كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين‪ ،‬ويذكر معالم الشرائع في الخطبة‪ ،‬والجنة والنار والمعاد ويأمر‬ ‫بتقوى ال ويحذر من غضبه ويرغب في موجبات رضاه‪.‬‬ ‫و قد ورد قراءة آ ية في حد يث م سلم‪ :‬كان لر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم خطبتان يجلس بينه ما يقرأ القران‬ ‫ويذ كر الناس ويحذر" وظاهره محافظ ته صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم على ما ذ كر في الخط بة‪ ،‬ووجوب ذلك لن فعله‬ ‫بيان ل ما أج مل في آ ية الجم عة‪ ،‬و قد قال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ " :‬صلوا ك ما رأيتمو ني أ صلي" وذ هب إلى هذا‬ ‫الشافعي‪.‬‬ ‫وقالت الهادوية‪ :‬ل يجب في الخطبة إل الحمد والصلة على النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم في الخطبتين جميعا‪.‬‬ ‫وقال أبو حنيفة‪ :‬يكفي سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر‪.‬‬ ‫وقال مالك‪ :‬ل يجزيء إل ما سمي خطبة‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يقولُ‪" :‬إن‬ ‫عمّار بن ياسرٍ رض يَ اللّ هُ عَنهُما قالَ‪ :‬سمعْتُ رسو َ‬ ‫ع نْ َ‬ ‫[رح ‪ ]8‬ــــ وَ َ‬ ‫ط َبتِهِ َم ِئنّ ٌة من فِ ْقهِهِ" رواهُ مُسلمٌ‪.‬‬ ‫خ ْ‬ ‫ل صَلة الرّجل َو ِقصَر ُ‬ ‫طو َ‬ ‫(و عن عمار بن يا سر ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬سمعت ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقول‪" :‬إنّ طول صلة‬ ‫الرجل وقصر خطبته مئنة) بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أي علمة ( ِمنْ فِ ْقهِ هِ") أي مما يعرف به‬ ‫فقه الرجل‪ ،‬وكل شيء دل على شيء فهو َمئِنة له (رواه مسلم)‪.‬‬ ‫وإنمـا كان قصـر الخطبـة علمـة على فقـه الرجـل لن الفقيـه هـو المطلع على حقائق المعانـي وجوامـع اللفاظ‬ ‫فيتم كن من الت عبير بالعبارة الجزلة المفيدة ولذلك كان من تمام هذا الحد يث "فأطيلوا ال صلة وأق صروا الخط بة‬ ‫وإن من البيان لسحرا"‪.‬‬ ‫فش به الكلم العا مل في القلوب الجاذب للعقول بال سحر ل جل ما اشت مل عل يه من الجزالة وتنا سق الدللة وإفادة‬ ‫المعا ني الكثيرة ووقو عه في مجازه من الترغ يب والتره يب ون حو ذلك‪ ،‬ول يقدر عل يه إل من ف قه في المعا ني‬ ‫وتناسق دللتها فإنه يتمكن من التيان بجوامع الكلم‪ ،‬وكان ذلك من خصائصه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فإنه أوتي‬ ‫جوامع الكلم‪.‬‬ ‫والمراد من طول الصلة طول الذي ل يدخل فاعله تحت النهي‪.‬‬ ‫وقد كان صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يصلي الجمعة بالجمعة والمنافقون وذلك طول بالنسبة إلى خطبته وليس بالتطويل‬ ‫المنهي عنه‪.‬‬ ‫خذْتُ (ق وَالْقرْآن المجيد) إلّا عَنْ لِسَانِ‬ ‫ع ْنهُما قالت‪" :‬ما َأ َ‬ ‫[رح ‪ ]9‬ــــ وَعَنْ ُأمّ هشامٍ بنتِ حارث ًة رضيَ اللّهُ َ‬ ‫خطَبَ النّاسَ" رَوَاهُ مُسلمٌ‪.‬‬ ‫جمُعةٍ على المنبر إذا َ‬ ‫ل ُ‬ ‫رسُول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم يقرَؤها ك ّ‬ ‫(وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي ال عنهما) هي النصارية روى عنها حبيب بن عبد الرحمن بن‬ ‫يساف‪ ،‬قال أحمد بن زهير‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬أم هشام بنت حارثة بايعت بيعة الرضوان ذكره ابن عبد البر في‬ ‫الستيعاب ولم يذكر اسمها‪ ،‬وذكرها المصنف في التقريب ولم يسمعها أيضا وإنما قال‪ :‬صحابية مشهورة (قالت‪:‬‬ ‫ما أخذت ق والقرآن المجيد إل عن لسان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا‬ ‫خطب الناس‪ :‬رواه مسلم)‪.‬‬ ‫فيه دليل على مشروعية قراءة سورة "ق" في الخطبة كل جمعة‪.‬‬ ‫قال العلماء‪ :‬وسبب اختياره صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم هذه السورة لما اشتملت عليه من ذكر البعث والموت والمواعظ‬ ‫الشديدة والزواجر الكيدة‪.‬‬ ‫وفيـه دللة لقراءة شيـء مـن القرآن فـي الخطبـة كمـا سـبق وقـد قام الجماع على عدم وجوب قراءة السـورة‬ ‫المذكورة ول بعض ها في الخط بة‪ ،‬وكا نت محافظ ته على هذه ال سورة اختيارا م نه ل ما هو الح سن في الو عظ‬ ‫والتذكير‪.‬‬ ‫وفيه دللة على ترديد الوعظ في الخطبة‪.‬‬ ‫‪117‬‬

‫ن تكلّم يوْ َم‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬مَ ْ‬ ‫ع ْنهُ ما قال‪ :‬قالَ ر سو ُ‬ ‫عبّا سٍ ر ضي ال َ‬ ‫ع نِ ا ْب نِ َ‬ ‫[رح ‪ ]10‬ــــ و َ‬ ‫ج ُمعَةٌ" رَوا ُه أَحمدُ‬ ‫جمُع ِة والما ُم يخْطُ بُ فَهُو كمَ ثل الحمار يحملُ أَ سفارا‪ ،‬والذي يقول لَ هُ‪َ :‬أنْ صِتْ َليْ سَتْ َل ُه ُ‬ ‫ال ُ‬ ‫بإسنا ٍد ل بأس بهِ‪.‬‬ ‫(و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ " :‬من تكلم يوم الجم عة والمام‬ ‫يخ طب ف هو كم ثل الحمار يح مل أ سفارا والذي يقول له‪ :‬أَن صت لي ست له جم عة" رواه أح مد بإ سناد ل بأس به)‬ ‫وله شاهد قوي في جامع حماد مرسل (وهو) أي حديث ابن عباس (يفسر) الحديث‪.‬‬ ‫ج ُمعَةِ‬ ‫ت يَوْمَ ال ُ‬ ‫حبِكَ َأنْصِ ْ‬ ‫[رح ‪ ]11‬ــــ عن أَبي هُريرَة رضي اللّ ُه عنْ ُه في الصّحيحيّنِ َمرْفوعا "إذا قُلْتَ لِصا ِ‬ ‫خطُبُ فَ َق ْد َلغَوْتَ"‪.‬‬ ‫والمامُ َي ْ‬ ‫في قوله "يوم الجمعة" دللة على أن خطبة غير الجمعة ليست مثلها ينهى عن الكلم حالها‪.‬‬ ‫وقوله "والمام يخ طب" دل يل على أ نه يخ تص الن هي بحال الخط بة‪ ،‬وف يه رد على من قال إ نه ين هى من حال‬ ‫خروج المام‪.‬‬ ‫وأ ما الكلم ع ند جلو سه ب ين الخطبت ين ف هو غ ير خا طب فل ين هى عن الكلم حاله‪ .‬وق يل هو و قت ي سير يش به‬ ‫بالسكوت للتنفس فهو في حكم الخاطب‪.‬‬ ‫وإنما شبه بالحمار يحمل أسفارا لنه فاته النتفاع بأبلغ نافع وقد تكلف المشقة وأتعب نفسه في حضور الجمعة‪،‬‬ ‫والمشبه به كذلك فاته النتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في استصحابه‪.‬‬ ‫وفي قوله "ليست له جمعة" دليل على أنه ل صلة له فإن المراد بالجمعة الصلة إل أنها تجزئة إجماعا فل بد‬ ‫من تأويل هذا بأنه نفي للفضيلة التي يحوزها من أنصت وهو كما في حديث ابن عمر الذي أخرجه أبو داود‬ ‫وابن خزيمة بلفظ "من لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا" قال ابن وهب أحد رواته‪ :‬معناه أجزأته الصلة‬ ‫وحرم فضيلة الجماعة‪.‬‬ ‫وقد احتج بالحديث من قال بحرمة الكلم حال الخطبة وهم الهادوية وأبو حنيفة ومالك ورواية عن الشافعي فإن‬ ‫تشبيهه بالمشبه به المستنكر وملحظة وجه الشبه يدل على قبح ذلك‪ ،‬وكذلك نسبته إلى فوات الفضيلة الحاصلة‬ ‫بالجمعة‪ ،‬وما ذاك إل ما لحق المتكلم من الوزر الذي يقال الفضيلة فيصير محبطا لها‪.‬‬ ‫وذهب القاسم وابنا الهادي وأحد قولي أحمد والشافعي إلى التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن ل يسمعها‪.‬‬ ‫ونقل ابن عبد البر الجماع على وجوب النصات على من يسمع خطبة الجمعة إل عن قليل من التابعين‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت" تأكيد في النهي عن الكلم لنه إذا عد من اللغو وهو أمر بمعروف‬ ‫فأولى غيره‪ ،‬فعلى هذا يجب عليه أن يأمره بالشارة إن أمكن ذلك‪.‬‬ ‫والمراد بالنصـات قيـل‪ :‬مـن مكالمـة الناس فيجوز على هذا الذكـر وقراءة القرآن‪ ،‬والظهـر أن النهـي شامـل‬ ‫للجميع‪ ،‬ومن فرق فعليه الدليل‪ ،‬فمثل جواب التحية والصلة على النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عند ذكره عند من‬ ‫يقول بوجوبها قد تعارض فيه عموم النهي هنا وعموم الوجوب فيهما‪ ،‬وتخصيص أحدهما لعموم الخر تحكم من‬ ‫دون مرجح‪.‬‬ ‫واختلفوا في معنى قوله "لغوت" والقرب ما قاله ابن المنير‪ :‬أن اللغو ما ل يحسن‪ ،‬وقيل بطلت فضيلة جمعتك‬ ‫وصارت ظهرا‪.‬‬ ‫جمُعةِ والنّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يخطُ بُ‬ ‫عنْ هُ قالَ‪َ " :‬دخَلَ َرجُلٌ يَوْم ال ُ‬ ‫[رح ‪ ]12‬ــــ وَعَ نْ جابرٍ رضي اللّ هُ َ‬ ‫فَقَالَ‪" :‬صَلّيْتَ؟" قالَ‪ :‬ل‪ ،‬قالَ‪" :‬قُمْ َفصَلّ ر ْك َعتَيْن" ُمتّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫الرجل هو سليك الغطفاني سماه في رواية مسلم‪ ،‬وقيل غيره وحذفت همزة الستفهام من قوله "صليت" وأصله‬ ‫أصليت وفي م سلم قال له‪" :‬أ صليت" وقد ثبت في ب عض طرق البخاري‪ .‬وسليك ب ضم ال سين المهملة ب عد اللم‬ ‫مثناة تحتية مصغر‪ .‬الغطفاني بفتح الغين المعجمة فطاء مهملة بعدها فاء‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬صل ركعت ين" وعند البخاري وصفهما بخفيفتين‪ ،‬وعند مسلم "وتجوز فيهما" وبوّب البخاري لذلك بقوله‬ ‫"باب من جاء والمام يخطب يصلي ركعتين خفيفتين"‪.‬‬ ‫وفي الحديث دليل أن تحية المسجد تصلى حال الخطبة‪ ،‬وقد ذهب إلى هذه طائفة من الل والفقهاء والمحدثين‪،‬‬ ‫ويخفف ليفرغ لسماع الخطبة‪.‬‬ ‫وذهب جماعة من السلف والخلف إلى عدم شرعيتهما حال الخطبة‪ ،‬والحديث هذا حجة عليهم‪ ،‬وقد تأولوه بأحد‬ ‫ع شر تأويل كل ها مردودة سردها الم صنف في ف تح الباري بردود ها ون قل ذلك الشارح رح مه ال في الشرح‪،‬‬ ‫‪118‬‬

‫واستدلوا بقوله تعالى‪{ :‬فاستمعوا له وأنصتوا} ول دليل في ذلك‪ ،‬لن هذا خاص وذلك عام‪ ،‬ولن الخطبة ليست‬ ‫قرآنا وبأنه صلى ال عليه وآله وسلم نهى الرجل أن يقول لصاحبه والخطيب يخطب أنصت وهو أمر بمعروف‬ ‫وجوابه‪ :‬أن هذا أمر الشارع وهذا أمر الشارع‪ ،‬فل تعارض بين أمريه‪ ،‬بل القاعد ينصت والداخل يركع التحية‬ ‫وبإطباق أهل المدينة خلفا عن سلف‪ ،‬على منع النافلة حال الخطبة‪.‬‬ ‫وهذا الدليل للمالكية وجوابه أنه ليس إجماعهم حجة ولو أجمعوا كما عرف في الصول على أنه ل يتم دعوى‬ ‫إجماع هم‪ ،‬ف قد أخرج الترمذي وا بن خزي مة و صححه أن أ با سعيد أ تى ومروان يخ طب ف صلهما فأراد حرس‬ ‫مروان أن يمنعوه فأبى حتى صلهما ثم قال‪ :‬ما كنت لدعهما بعد أن سمعت رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫يأمر بهما‪.‬‬ ‫وأما حديث ابن عمر عند الطبراني في الكبير مرفوعا بلفظ‪" :‬إذا دخل أحدكم المسجد والمام يخطب فل صلة‬ ‫ول كلم حتـى يفرغ المام" ففيـه أيوب بـن نهيـك متروك وضعفـه جماعـة وذكره ابـن حبان فـي الثقات وقال‪:‬‬ ‫يخطىء‪.‬‬ ‫وقد أخذ من الحديث أنه يجوز للخطيب أن يقطع الخطبة باليسير من الكلم‪ ،‬وأجيب عنه بأنه هذا الذي صدر‬ ‫منه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم من جملة الوامر التي شرعت لها الخطبة‪ ،‬وأمره صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بها دليل على‬ ‫وجوبها‪ .‬وإليه ذهب البعض‪.‬‬ ‫وأما من دخل الحرم في غير حال الخطبة فإنه يشرع له الطواف فإنه تحته أو لنه في الغلب ل يعقد إل بعد‬ ‫صلة ركعتي الطواف‪.‬‬ ‫وأما صلتها قبل صلة العيد فإن كانت صلة العيد في جبانة غير مسبلة فل يشرع لها التحية مطلقا وإن كانت‬ ‫في مسجد فتشرع‪.‬‬ ‫وأما كونه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم لما خرج إلى صلته لم يصل قبلها شيئا فذلك لنه حال قدومه اشتغل بالدخول‬ ‫في صلة العيد ولنه كان يصليها في الجبانة ولم يصلها إل مرة واحدة في مسجده صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم فل دليل‬ ‫فيه على أنها ل تشرع لغيره ولو كانت العيد في مسجد‪.‬‬ ‫جمُعة‬ ‫ن يقرأُ في صَلة ال ُ‬ ‫ع ْنهُما‪" :‬أَنّ النّبيّ صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم كا َ‬ ‫ن عبّاسٍ رضيَ اللّهُ َ‬ ‫[رح ‪ ]13‬ــــ وعن ا ْب ِ‬ ‫جمُعة والمنَافقين" رواهُ ُمسِْلمٌ‪.‬‬ ‫سور َة ال ّ‬ ‫(وعن ابن عباس رضي ال عنهما أن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَسَلّم كان يقرأ في صلة الجمعة سورة الجمعة) في‬ ‫الولى (والمنافقين) في الثانية أي بعد الفاتحة فيها لما علم من غيره (رواه مسلم)‪.‬‬ ‫وإنما خصهما بهما لما في سورة الجمعة من الحث على حضورها والسعي إليها وبيان فضيلة بعثته صَلّى ال‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم وذكر الربع الحكم في بعثته من أنه يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة والحث على‬ ‫ذ كر ال‪ .‬ول ما في سورة المنافق ين من توب يخ أ هل النفاق وحث هم على التو بة ودعائ هم إلى طلب ال ستغفار من‬ ‫رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم لن المنافقين يكثر اجتماعهم في صلتها‪ ،‬ولما في آخرها من الوعظ والحث‬ ‫على الصدقة‪.‬‬ ‫ي اللّ ُه عنْ ُه "كا نَ ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقرأَ في‬ ‫ن بن بش ير رض َ‬ ‫ن ال ُنعْما ِ‬ ‫[رح ‪ ]14‬ــــ وَل هُ عَ ِ‬ ‫ل أَتاكَ حديثُ الغَاشِيةِ)‪.‬‬ ‫سّبحْ اسْم َربّك العلى) و (هَ ْ‬ ‫ج ُمعَةِ بـ ( َ‬ ‫ا ْلعِيديْنِ وفي ال ُ‬ ‫(وله) أي لمسلم (عن النعمان بن بشير رضي ال عنه كان رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقرأ) أي رسول ال‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم (في العيدين) الفطر والضحى أي في صلتهما (وفي الجمعة) أي في صلتها (بسبح اسم‬ ‫ر بك العلى) أي في الرك عة الولى ب عد الفات حة ({و هل أتاك حد يث الغاش ية}) أي في الثان ية بعد ها وكأ نه كان‬ ‫يقرأ مـا ذكره ابـن عباس تارة ومـا ذكره النعمان تارة‪ ،‬وفـي سـور سـبح والغاشيـة مـن التذكيـر بأحوال الخرة‬ ‫والوعد والوعيد ما يناسب قراءتهما في تلك الصلة الجامعة‪ ،‬وقد ورد في العيدين أنه كان يقرأ بقاف واقتربت‪.‬‬ ‫عنْ هُ‪ ،‬قَالَ‪ :‬صَلّى ال ّنبِيّ صَلّى ل عََل ْي هِ وَ سَّلمَ ا ْلعِيدَ‪ ،‬ثُمّ‬ ‫ن َأرْقَ مَ َرضِ يَ ال َتعَالَى َ‬ ‫[رح ‪ ]51/624‬ـ وَعَ نْ َز ْيدِ بْ ِ‬ ‫خ َزيْمَةَ‪.‬‬ ‫ن ُ‬ ‫صحّحَ ُه ابْ ُ‬ ‫خ ْمسَةُ إِل ال ّترْ ِم ِذيّ‪َ .‬و َ‬ ‫ج َمعَةِ‪ ،‬ثُم قَالَ‪" :‬مَنْ شَاءَ َأنْ ُيصَّليَ فَ ْليُصَلّ"‪ .‬رَوَا ُه ا ْل َ‬ ‫َرخّصَ فِي ا ْل ُ‬ ‫(وعن زيد بن أرقم رضي ال عنه قال‪ :‬صلى النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم العيد) في يوم الجمعة‪( ،‬ثم رخص في‬ ‫الجمعة) أي في صلتها‪( ،‬ثم قال‪ :‬من شاء أن يصلي) أي الجمعة (فليصل) هذا بيان لقوله رخص‪ ،‬وإعلم بأنه‬ ‫كان الترخيص بهذا اللفظ‪( ،‬رواه الخمسة إل الترمذي وصححه ابن خزيمة)‪.‬‬ ‫‪119‬‬

‫وأخرج أيضا أبو داود من حديث أبي هريرة أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم قال‪" :‬قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن‬ ‫شاء أجزأه عن الجم عة وإ نا مجمعون"‪ .‬وأخر جه ا بن ما جه والحا كم من حد يث أ بي صالح‪ ،‬و في إ سناده بق ية‬ ‫وصحح الدارقطني وغيره إرساله‪ ،‬وفي الباب عن ابن الزبير من حديث عطاء‪" :‬أنه ترك ذلك‪ ،‬وأنه سأل ابن‬ ‫عباس فقال‪ :‬أصاب السنة"‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن صلة الجمعة بعد صلة العيد تصير رخصة يجوز فعلها وتركها وهو خاص بمن صلى‬ ‫العيد دون من لم يصلها‪ ،‬وإلى هذا ذهب الهادي وجماعة إل في حق المام وثلثة معه‪ .‬وذهب الشافعي وجماعة‬ ‫إلى أنها ل تصير رخصة مستدلين بأن دليل وجوبها عام لجميع اليام‪ ،‬وما ذكر من الحاديث والثار ل يقوى‬ ‫على تخصيصها لما في أسانيدها من المقال‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬حديث زيد بن أرقم قد صححه ابن خزيمة ولم يطعن غيره فيه فهو يصلح للتخصيص‪ ،‬فإنه يخص العام‬ ‫بالحاد‪ ،‬وذهب عطاء إلى أنه يسقط فرضها عن الجميع لظاهر قوله‪" :‬من شاء أن يصلي فليصل"‪ .‬ولفعل ابن‬ ‫الزب ير فإ نه صلى ب هم في يوم ع يد صلة الع يد يوم الجم عة‪ ،‬قال عطاء‪ :‬ثم جئ نا إلى الجم عة فلم يخرج إلي نا‬ ‫ف صلينا وحدا نا‪ ،‬قال‪ :‬وكان ا بن عباس في الطائف‪ ،‬فل ما قدم ذكر نا له ذلك فقال‪ :‬أ صاب ال سنة وعنده أيضا أ نه‬ ‫يسقط فرض الظهر ول يصلي إلى العصير"‪ .‬وأخرج أبو داود عن ابن الزبير‪" :‬أنه قال عيدان اجتمعا في يوم‬ ‫واحد فجمعهما فصلهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر"‪ .‬وعلى القول بأن الجمعة الصل في‬ ‫يومها والظهر بدل فهو يقتضي صحة هذا القول لنه إذا سقط وجوب الصل مع إمكان أدائه سقط البدل‪.‬‬ ‫وظاهر الحديث أيضا حيث رخص لهم في الجمعة ولم يأمرهم بصلة الظهر مع تقدير إسقاط الجمعة للظهر يدل‬ ‫على ذلك كما قاله الشارح‪ ،‬وأيد الشارح مذهب ابن الزبير‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ول يخ فى أن عطاءا أ خبر أ نه لم يخرج ا بن الزب ير ل صلة الجم عة ول يس ذلك ب نص قا طع أ نه لم ي صل‬ ‫الظهر في منزله‪ ،‬فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلة الظهر في يوم الجمعة يكون عيدا على من صلى‬ ‫صلة العيد لهذه الرواية غير صحيح لحتمال أنه صلى الظهر في منزله‪ ،‬بل في قول عطاء أنهم صلوا وحدانا‬ ‫أي الظ هر ما يش عر بأ نه ل قائل ب سقوطه‪ ،‬ول يقال‪ :‬أن مراده صلوا الجم عة وحدا نا فإن ها ل ت صح إل جما عة‬ ‫إجماعا‪ ،‬ثم القول بأن ال صل في يوم الجم عة صلة الجم عة والظا هر بدل عن ها قول مرجوح بل الظ هر هو‬ ‫الفرض ال صلي المفروض ليلة ال سراء والجم عة متأ خر فرض ها‪ ،‬ثم إذا فا تت و جب الظ هر إجماعا ف هي البدل‬ ‫عنه‪ ،‬وقد حققناه في رسالة مستقلة‪.‬‬ ‫ح ُدكُ مُ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ِ" :‬إذَا صَلّى َأ َ‬ ‫عنْ هُ‪ ،‬قَالَ‪ :‬قَالَ رَ سُو َ‬ ‫[رح ‪ ]61/724‬ـ وَعَ نْ َأبِي ُه َر ْيرَةَ َرضِيَ ال َ‬ ‫ج ْمعَ َة فَ ْليُصَلّ َب ْعدَهَا َأ ْربَعا"‪ .‬رَوَا ُه ُمسِْلمٌ‪.‬‬ ‫ا ْل ُ‬ ‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا صلى أحد كم الجم عة فلي صل‬ ‫بعدهـا أربعا" رواه مسـلم) الحديـث دليـل على شرعيـة أربـع ركعات بعـد الجمعـة والمـر بهـا وإن كان ظهره‬ ‫الوجوب‪ ،‬إل أنه أخرجه عنه ما وقع في لفظه من رواية ابن الصباح‪" :‬من كان مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا"‬ ‫أخرجه مسلم فدل على أن ذلك ليس بواجب والربع أفضل من الثنتين لوقوع المر بذلك وكثرة فعله لها صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬قال في الهدي النبوي‪ :‬وكان صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا صلى الجمعة دخل منزله وصلى ركعتين‬ ‫سنتها‪ ،‬وأ مر من صلها أن ي صلي بعد ها أربعا‪ ،‬قال شيخ نا ا بن تيم ية‪ :‬إن صلى في الم سجد صلى أربعا وإن‬ ‫صلى في بيته صلى ركعتين‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وعلى هذا تدل الحاديث وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر‪" :‬أنه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعا‪ ،‬وإذا‬ ‫صلى في بيته صلي ركعتين"‪ ،‬وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان يصلي بعد الجمعة‬ ‫ركعتين في بيته‪.‬‬ ‫ج ْمعَة‬ ‫ع ْن هُ قَالَ َل هُ‪ِ" :‬إذَا صَّليْتَ ا ْل ُ‬ ‫ي ال َ‬ ‫عنْ هُ‪ ،‬أنّ ُمعَا ِو َيةَ َرضِ َ‬ ‫ب بْ نِ َيزِيدَ َرضِ يَ ال َ‬ ‫ع نَ ال سّائِ ِ‬ ‫[رح ‪ ]71/824‬ـ وَ َ‬ ‫ن ل نَ صِلَ صَلةً‬ ‫خرُ جَ‪َ ،‬فإِنّ رَ سُولَ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم َأ َمرَنَا ِبذَلِ كَ‪ ،‬أَ ْ‬ ‫حتّى َت َتكَلّ مَ أَوح َت ْ‬ ‫فَل تَ صِ ْلهَا بِ صَلةٍ‪َ ،‬‬ ‫خرُجَ"‪ .‬رَوَا ُه ُمسْلِمٌ‪.‬‬ ‫حتّى َن َتكَّلمَ َأوْ َن ْ‬ ‫ِبصَل ٍة َ‬ ‫(و عن ال سائب بن يز يد ر ضي ال ع نه) هو أ بو يز يد ال سائب بن يز يد الكندي في الش هر ولد في الثان ية من‬ ‫الهجرة وحضر الحجة الوداع مع أبيه وهو ابن سبع سنين (أن معاوية قال‪ :‬إذا صليت الجمعة فل تصلها) بفتح‬ ‫حرف المضار عة عن الو صل (ب صلة ح تى تتكلم أو تخرج) أي من الم سجد (فإن ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم أمر نا بذلك أن ل نو صل صلة ب صلة ح تى نتكلم أو نخرج) أن و ما بعده بدل أو ع طف بيان من ذلك‬ ‫‪120‬‬

‫(رواه مسلم) فيه مشروعية فصل النافلة عن الفريضة وأن ل توصل بها‪ ،‬وظاهر النهي التحريم وليس خاصا‬ ‫بصلة الجمعة‪ ،‬لنه استدل الراوي على تخصيصخ بذكر صلة الجمعة بحديث يعمها وغيرها‪.‬‬ ‫قيل‪ :‬والحكمة في ذلك لئل يشتبه الفرض بالنافلة‪ ،‬وقد ورد أن ذلك هلكة‪ .‬وقد ذكر العلماء أنه يستحب التحول‬ ‫للنافلة من موضع الفريضة والفضل أن يتحول إلى بيته‪ ،‬فإن فعل النوافل في البيوت أفضل‪ ،‬وإل فإلى موضع‬ ‫في المسجد أو غيره‪ ،‬وفيه تكثير لمواضع السجود‪ ،‬وقد أخرج أبو داود من حديث أبو هريرة مرفوعا‪" :‬أيعجز‬ ‫أحد كم أن يتقدم أو يتأ خر أو عن يمي نه أو عن شماله في ال صلة يع ني ال سبحة"‪ .‬ولم يضع فه أ بو داود‪ ،‬وقال‬ ‫البخاري في صحيحه‪ :‬ويذكر عن أبي هريرة يرفعه‪" :‬ل يتطوع المام في مكانه"‪ .‬ولم يصح النهي‪.‬‬ ‫غتَ سَلَ‪ُ ،‬ثمّ‬ ‫عنْ هُ قَالَ‪ :‬قَالَ رَ سُولَ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪َ :‬م نِ ا ْ‬ ‫[رح ‪ ]81/924‬ـ وَعَ نْ َأبِي ُه َر ْيرَة َرضِ يَ ال َ‬ ‫غ ِفرَ لَ ُه مَا َب ْينَ هُ َو َبيْ نَ‬ ‫خطْ َبتِ هِ‪ُ ،‬ثمّ يُ صَلّي َمعَ هُ‪ُ :‬‬ ‫ن ُ‬ ‫لمَا مُ مِ ْ‬ ‫حتّى يَ ْفرُ غَ ا ِ‬ ‫ج ْمعَةَ‪ ،‬فَ صَلّى مَا قُ ّدرَ َل هُ‪ ،‬ثُ مّ َأنْ صَتَ‪َ ،‬‬ ‫َأتَى ا ْل ُ‬ ‫خرَى‪َ ،‬و َفضْلُ ثَلثَةِ َأيّامٍ"‪َ .‬روَا ُه ُمسْلِمٌ‪.‬‬ ‫لْ‬ ‫ج ْمعَ ِة ا ُ‬ ‫ا ْل ُ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم من اغتسل) أي للجمعة لحديث‪" :‬إذا‬ ‫أتى أحدكم الجمعة فليغتسل" أو مطلقا‪( ،‬ثم أتى الجمعة) أي الموضع الذي تقام فيه كما يدل له قوله‪( :‬فصلى) من‬ ‫النوا فل (قدر له ثم أن صت ح تى يفرغ المام من خطب ته ثم ي صلي م عه غ فر له ما بي نه وب ين الجم عة الخرى‬ ‫وفضل) أي زيادة (ثلثة أيام‪ .‬رواه مسلم)‪.‬‬ ‫فيه دللة على أنه ل بد في إحرازه لما ذكر من الجر من الغتسال إل أن في رواية لمسلم‪" :‬من توضأ فأحسن‬ ‫الوضوء ثم أتى الجمعة"‪ .‬وفي هذه الرواية بيان أن غسل الجمعة ليس بواجب وأنه ل بد من النافلة حسبما يمكنه‬ ‫فإنه لم يقدرها بحد فيتم له هذا الجر ولو اقتصر على تحية المسجد‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬أنصت" من النصات وهو السكوت وهو غير الستماع‪ ،‬إذ هو الصغاء لسماع الشيء‪ ،‬ولذا قال تعالى‪:‬‬ ‫{فاستمعوا له وأنصتوا} (العراف‪ )204 :‬وتقدم الكلم على النصات هل يجب أو ل‪.‬‬ ‫وفيه دللة على أن النهي عن الكلم إنما هو حال الخطبة ل بعد الفراغ منها ولو قبل الصلة فإنه ل نهي عنه‬ ‫كما دلت عليه "حتى"‪.‬‬ ‫وقوله "غفر له ما بينه وبين الجمعة" أي ما بين صلتها وخطبتها إلى مثل ذلك الوقت من الجمعة الثانية حتى‬ ‫يكون سبعة أيام بل زيادة ول نقصان أي غفرت له الخطايا الكائنة فيما بينهما‪.‬‬ ‫"وفضل ثلثة أيام" وغفرت له ذنوب ثلثة أيام مع السبع حتى تكون عشرة‪.‬‬ ‫وهل المغفور الكبائر أو الصغائر؟ الجمهور على الخر وأن الكبائر ل يغفرها إل التوبة‪.‬‬ ‫ج ُمعَ ِة فَقال‪" :‬فِيهِ سَاعةٌ ل‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم ذكَرَ َيوْمَ ال ُ‬ ‫ع ْنهُ أن رسو َ‬ ‫[رح ‪ ]19‬ــــ وعنهُ رَضيَ اللّهُ َ‬ ‫شيْئا إل أَعْطا هُ إيا هُ‪ .‬وَأشَارَ ِب َيدِ ِه يُقَلُّلهَا‪ُ ،‬متّفَ قٌ عََليْ هِ‪ ،‬وفي‬ ‫ل َ‬ ‫عزّ َوجَ ّ‬ ‫سأَلُ اللّ هُ َ‬ ‫ع ْب ٌد مُ سْلم وَ ُهوَ قائم يصلي يَ ْ‬ ‫يُوافِقُها َ‬ ‫خفِيفَةٌ"‪.‬‬ ‫روايةٍ ِل ُمسْلمٍ "وهيَ سَاعةٌ َ‬ ‫(وعنه) أي أبي هريرة (رضي ال عنه أن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ذكر يوم الجمعة فقال‪" :‬فيه ساع ٌة ل‬ ‫ل ال‬ ‫يوافِقُها ع ْب ٌد مُ سْلمٌ وهوَ قائ مٌ) جملة حالية أو صفة لعبد والواو لتأكيد لصوق الصفة (يُ صَلي) حال ثانية (يسأَ ُ‬ ‫عزّ وجلّ) حال ثالثة (شيئا إل أَعطا هُ إيا هُ" وأشار) أي النبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم (بيده يقللها) يحقر وقتها (متفق‬ ‫عل يه و في روا ية لم سلم "و هي ساع ٌة خفي فة") هو الذي أفاده ل فظ يقلل ها في الولى وف يه إبهام ال ساعة ويأ تي‬ ‫تعيينها‪.‬‬ ‫ومع نى "قائم" أي مق يم ل ها متل بس بأركان ها ل بمع نى حال القيام ف قط وهذه الجملة ثاب تة في روا ية جما عة من‬ ‫الحفاظ وأسقطت في رواية آخرين‪ .‬وحكي عن بعض العلماء أنه كان يأمر بحذفها من الحديث وكأنه استشكل‬ ‫ال صلة‪ ،‬إذ و قت تلك ال ساعة إذا كان من ب عد الع صر ف هو و قت كرا هة لل صلة وكذا إذا كان من حال جلوس‬ ‫الخطيـب على المنـبر إلى انصـرافه‪ ،‬وقـد تأولت هذه الجملة بأن المراد منتظرا للصـلة؛ والمنتظـر للصـلة فـي‬ ‫صلة كما ثبت في الحديث‪ ،‬وإنما قلنا إن المشير بيده هو النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم لما في رواية مالك "فأشار‬ ‫النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم" وقيل المشير بعض الرواة‪.‬‬ ‫وأما كيفية الشارة فهو أنه وضع أنملته على بطن الوسطى أو الخنصر يبين قلتها‪ .‬وقد أطلق السؤال هنا وقيده‬ ‫في غيره كما عند ابن ماجه "ما لم يسأل ال إثما" وعند أحمد "ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم"‪.‬‬ ‫س ِمعْتُ رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم يقُولُ‪:‬‬ ‫[رح ‪ ]20‬ــــ وعنْ أبي بُ ْردَ َة عن أبي ِه رضي اللّهُ ع ْنهُما قال‪َ :‬‬ ‫" ِهيَ ما َبيْن َأنْ يجلسَ المام إلى َأنْ تُقْضى الصّلةُ" روا ُه مُسلم َو َرجّح الدّا َرقُطْنيّ َأنّ ُه من قوْلِ أَبي ُبرْدةَ‪.‬‬ ‫‪121‬‬

‫(و عن أ بي برْدة) ب ضم الموحدة و سكون الراء ودال مهملة هو عا مر ا بن ع بد ال بن ق يس‪ ،‬وع بد ال هو أ بو‬ ‫موسى الشعري‪ ،‬وأبو بردة من التابعين المشهورين سمع أباه وعليا عليه السلم وابن عمر وغيرهم (عن أبيه)‬ ‫أ بي مو سى الشعري (قال‪ :‬سمعت ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقول‪ " :‬هي) أي ساعة الجم عة ( ما ب ين أن‬ ‫ض الصّلة" رواه مسلم ورجح الدارقطني أنه من قول أبي بردة)‪.‬‬ ‫يجلس المام) أي على المنبر (إلى أن تُقْ َ‬ ‫وقد اختلف العلماء في هذه الساعة وذكر المصنف في فتح الباري عن العلماء ثلثة وأربعين قولً وسيشير إليها‬ ‫و سردها الشارح رح مه ال في الشرح‪ ،‬وهذا المروي عن أ بي مو سى أحد ها ورج حه م سلم على ما روى ع نه‬ ‫البيهقي وقال‪ :‬هو أجود شيء في هذا الباب وأصحه وقال به البيهقي وابن العربي وجماعة‪ ،‬وقال القرطبي‪ :‬هو‬ ‫نص في موضع الخلف فل يلتفت إلى غيره وقال النووي‪ :‬هو الصحيح بل الصواب‪.‬‬ ‫قال المصنف‪ :‬وليس المراد أنها تستوعب جميع الوقت الذي عين بل تكون في أثنائه لقوله "يقللها" وقوله "خفيفة"‪.‬‬ ‫وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيها فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلً وانتهاؤها انتهاء الصلة‪.‬‬ ‫وأ ما قوله‪ :‬إ نه ر جح الدارقط ني أن الحد يث من قوله أ بي بردة ف قد يجاب ع نه بأ نه ل يكون إل مرفوعا فإ نه ل‬ ‫مسرح للجتهاد في تعيين أوقات العبادات ويأتي ما أعله به الدارقطني قريبا‪.‬‬ ‫عنْد ا ْبنِ مَاجَهْ‪.‬‬ ‫‪ 21‬ــــ وفي حديث عَبدِ اللّهِ بْن سَلَامٍ رضيَ ال عنه َ‬ ‫(وفي حديث عبد ال بن سلم رضي ال عنه) هو أبو يوسف بن سلم من بني قينقاع إسرائيليّ من ولد يوسف‬ ‫بن يعقوب عل يه ال سلم و هو أ حد الحبار وأ حد من ش هد له ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم بالج نة روى ع نه ابناه‬ ‫يوسف ومحمد وأنس بن مالك وغيرهم مات بالمدينة سنة ثلث وأربعين وسلم بتخفيف اللم قال المبرد‪ :‬لم يكن‬ ‫في العرب سلم بالتخفيف غيره (عند ابن ماجه) لفظه فيه عن عبد ال بن سلم قال‪ :‬قلت‪ :‬ورسول ال صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم جالس‪ :‬إ نا لن جد في كتاب ال ــــ يع ني التوراة ــــ في الجم عة ساعة ل يوافق ها ع بد‬ ‫مسلم يصلي يسأل ال عز وجل شيئا إل قضى ال له حاجته‪ ،‬قال عبد ال‪ :‬فأشار أي رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وآله و سلم أو ب عض ساعة قلت‪ :‬صدقت يا ر سول ال أو ب عض ساعة‪ ،‬قلت‪ :‬أي ساعة هي؟ قال‪ " :‬هي آ خر‬ ‫ساعة من ساعات النهار" قلت‪ :‬إنها ليست ساعة صلة قال‪" :‬إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس ل يجلسه إل‬ ‫الصلة فهو في صلة" انتهى‪.‬‬ ‫ن صَلةِ الع صر إلى غُروب‬ ‫[رح ‪ ]22‬ــــ َوجَابرٍ ر ضي اللّ هُ ع نه عِنْد أ بي دَا ُودَ وللن سائي‪َ" :‬أنّ ها مَا بي َ‬ ‫ل أَمَل ْيتُها في شرح البُخاريّ‪.‬‬ ‫الشّمس" َوقَد اختُلفَ فيها عَلى َأكْثرَ منْ َأرْبعين ق ْو ً‬ ‫قوله "أن ها" بف تح الهمزة مبتدأ خبره ما تقدم من قوله في حد يث ع بد ال ا بن سلم إلى آخره‪ ،‬ور جح أح مد بن‬ ‫حنبل هذا القول رواه عنه الترمذي وقال أحمد‪ :‬أكثر الحاديث على ذلك‪ .‬وقال ابن عبد البر‪ :‬هو أثبت شيء في‬ ‫هذا الباب‪ ،‬روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن‪" :‬أن ناسا من الصحابة اجتمعوا‬ ‫فتذكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة" ورجحه إسحاق وغيره‪ ،‬وحكي أنه‬ ‫نص الشافعي‪.‬‬ ‫وقد استشكل هذا فإنه ترجيح لغير ما في الصحيح على ما فيه‪ ،‬والمعروف من علوم الحديث وغيرها أن ما في‬ ‫ال صحيحين أو فـي أحدهمـا مقدم على غيره والجواب أن ذلك حيـث لم يكـن حديـث الصـحيحين أو أحدهمـا م ما‬ ‫انتقده الحفاظ كحديث أبي موسى هذا الذي في مسلم فإنه قد أعل بالنقطاع والضطر‪ :‬أما الول فلنه من رواية‬ ‫مخرمة بن بكير وقد صرح أنه لم يسمع من أبيه فليس على شرط مسلم‪ ،‬وأما الثاني فلن أهل الكوفة أخرجوه‬ ‫عن أبي بردة غير مرفوع‪ ،‬وأبو بردة كوفي وأهل بلدته أعلم بحديثه من بكير فلو كان مرفوعا عند أبي بردة لم‬ ‫يقفوه عليه ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب‪.‬‬ ‫وجمع ابن القيم بين حديث أبي موسى وابن سلم بأن الساعة تنحصر في أحد الوقتين وسبقه إلى هذا أحمد بن‬ ‫حنبـل (وقـد اختلف فيهـا على أكثـر مـن أربعيـن قولً أمليتهـا فـي شرح البخاري) تقدمـت الشارة إلى هذا‪ ،‬قال‬ ‫الخطابي‪ :‬اختلف فيها على قولين فقيل‪ :‬قد رفعت‪ ،‬وهو محكي عن بعض الصحابة‪ .‬وقيل‪ :‬هي باقية واختلف في‬ ‫تعيينها‪ ،‬ثم سرد القوال ولم يبلغ بها المصنف من العدد وقد اقتصر المصنف هاهنا على قولين كأنهما الرجح‬ ‫عنده دليلً‪.‬‬ ‫وفي الحديث بيان فضيله الجمعة لختصاصها بهذه الساعة‪.‬‬ ‫جمُعـة" رواهُـ‬ ‫[رح ‪ ]23‬ـــــ وَعَن جابرٍ رضيَـ ال ع نه قال‪" :‬مَضَت السّـنّ ُة أَنّ فـي كلّ َأ ْربَعيـن فَصـَاعدا ُ‬ ‫الدا َرقُطْنيّ بإسنادٍ ضعيف‪.‬‬ ‫‪122‬‬

‫(و عن جابر ر ضي ال ع نه) هو ا بن ع بد ال (قال‪ :‬م ضت ال سنة أن في كل أربع ين ف صاعدا جم عة‪ .‬رواه‬ ‫الدارقطني بإسناد ضعيف)‪.‬‬ ‫وذلك أنه من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن‪ ،‬وعبد العزيز قال فيه أحمد‪ :‬اضرب على أحاديثه فإنها كذب أو‬ ‫موضوعة‪ ،‬وقال النسائي‪ :‬ليس بثقة‪ ،‬وقال الدارقطني‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬وقال ابن حبان‪ :‬ل يجوز أن يحتج به وفي‬ ‫الباب أحاديث ل أصل لها‪ ،‬وقال عبد الحق‪ :‬ل يثبت في العدد حديث؛ وقد اختلف العلماء في النصاب الذين بهم‬ ‫تقوم الجمعة‪.‬‬ ‫فذ هب إلى وجوب ها على الربع ين ل على من دون هم ع مر بن ع بد العز يز والشاف عي و في كون المام أحد هم‬ ‫وجهان عند الشافعية‪.‬‬ ‫وذهب أبو حنيفة والمؤيد وأبو طالب إلى أنها تنعقد بثلثة مع المام وهو أقل عدد تنعقد به فل تجب إذا لم يتم‬ ‫هذا القدر مستدلين بقوله تعالى‪{ :‬فاسعوا} قالوا‪ :‬والخطاب للجماعة بعد النداء للجمعة وأقل الجمع ثلثة فدل على‬ ‫وجوب السعي على الجمعة للجمعة بعد النداء لها والنداء ل بدّ له من مناد فكانوا ثلثة مع المام ول دليل على‬ ‫اشتراط ما زاد على ذلك‪ ،‬واعترض بأنه ل يلزم من خطاب الجماعة فعلهم لها مجتمعين وقد صرح في البحر‬ ‫بهذا‪ ،‬واعترض بـه أهـل المذهـب لمـا اسـتدلوا بـه للمذهـب ونقضـه بقوله تعالى‪{ :‬وأقيموا الصـلة واتوا الزكاة}‬ ‫{وجاهدوا} فإنه ل يلزم إيتاء الزكاة في جماعة‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬والحق أن شرطية أي شيء في أي عبادة ل يكون إل عن دليل ول دليل هنا على تعين عدد ل من الكتاب‬ ‫ول من السنة وإذا قد علم أنها ل تكون صلتها إل جماعة كما قد ورد بذلك حديث أبي موسى عند ابن ماجة‬ ‫وابن عدي وحديث أبي أمامة عند أحمد والطبراني‪ ،‬والثنان أقل ما تتم به الجماعة لحديث "الثنان جماعة" فتتم‬ ‫بهم في الظهر‪ ،‬وقد سرد الشارح الخلف والقوال في كمية العدد المعتبر في صلة الجمعة فبلغت أربعة عشر‬ ‫ل وذكر ما تشبث به كل قائل من الدليل على ما ادعاه بما ل ينهض حجة على الشرطية‪.‬‬ ‫قو ً‬ ‫ثم قال‪ :‬والذي نقل حال النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أنه كان يصليها في جمع كثير غير موقوف على عدد يدل‬ ‫على أن المعتبر وهو الجمع الذي يحصل به الشعار ول يكون إل في كثرة يغيظ بها المنافق ويكيد بها الجاحد‬ ‫ويسر بها المصدق‪ ،‬والية الكريمة دالة على المر بالجماعة فلو وقف على أقل ما دلت عليه لم تنعقد‪ .‬قلت‪ :‬قد‬ ‫كتبنا رسالة في شروط الجمعة التي ذكروها ووسعنا فيها المقال والستدلل سميناها‪ :‬اللمعة في تحقيق شرائط‬ ‫الجمعة‪.‬‬ ‫ستَغْ ِفرُ" للمؤمني نَ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ب رضي ال عنه "أَنّ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كا َ‬ ‫جنْد ٍ‬ ‫سمُرة ب نِ ُ‬ ‫[رح ‪ ]24‬ــــ وَعَن َ‬ ‫ج ُمعَةٍ" رَوَاهُ ا ْل َبزّارُ بإسْنادٍ َليّنٍ‪.‬‬ ‫ل ُ‬ ‫والمؤمنَاتِ كُ ّ‬ ‫قلت‪ :‬قال البزار‪ :‬ل نعلمه عن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إل بهذا السناد وفي إسناده[ تض] البزار يوسف بن‬ ‫خالد السمتي[‪/‬تض] وهو ضعيف ورواه الطبراني في الكبير إل أنه بزيادة "والمسلمين والمسلمات"‪.‬‬ ‫وفيـه دليـل على مشروعيـة ذلك للخطيـب لنهـا موضـع الدعاء‪ ،‬وقـد ذهـب إلى وجوب دعاء الخطيـب لنفسـه‬ ‫وللمؤمنين والمؤمنات أبو طالب والمام يح يى‪ ،‬وكأن هم يقولون إن مواظب ته صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم دل يل الوجوب‬ ‫كما يفيده "كان يستغفر"‪.‬‬ ‫وقال غيرهم‪ :‬يندب ول يجب لعدم الدليل على الوجوب قال الشارح‪ :‬والول أظهر‪.‬‬ ‫خطْبة‪ ،‬يقرأُ‬ ‫ن في ال ُ‬ ‫سمُرة رضي اللّ ُه عنهما "أنّ النّبيَ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كا َ‬ ‫[رح ‪ ]25‬ــــ وَعَ نْ جابر ب نِ َ‬ ‫ت مِن القرآن ويُذكّرُ النّاس" رَواهُ أبو داود وَأصْلُهُ في ُمسْلمٍ‪.‬‬ ‫آيا ٍ‬ ‫كأنه يريد ما تقدم من حديث أ مّ هشام بنت حارثة‪ :‬أنها قالت ما أخذت "ق والقرآن المجيد" إل من لسان رسول‬ ‫ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقرؤ ها كل جم عة على الم نبر" وروى ال طبراني في الو سط من حد يث علي عل يه‬ ‫السلم‪" :‬أن رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان يقرأ على المنبر (قل يا أيها الكافرون وقل هو ال أحد) وفيه‬ ‫رجل مجهول وبقية رجاله موثقون وأخرج الطبراني فيه أيضا من حديث جابر‪" :‬أنه خطب رسول ال صَلّى ال‬ ‫عََليْهِ َوسَلّم فقرأ في خطبته آخر الزمر فتحرّك المنبر مرتين"‪ .‬وفي رواته ضعيفان‪.‬‬ ‫جمُع ُة حقّ‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬ال ُ‬ ‫ب رضي ال عن هُ أنّ رَسو َ‬ ‫شهَا ٍ‬ ‫ع نْ طَار قِ بن ِ‬ ‫[رح ‪ ]26‬ــــ وَ َ‬ ‫سمَعْ‬ ‫ب على كل مُ سْلمٍ في جماع ٍة إل أَربعةً‪ :‬مملُو كٌ وامرأَةٌ وَ صَبيّ وَمر يض" روا هُ أَ بو داود وقالَ‪ :‬ل مْ يَ ْ‬ ‫وَاج ٌ‬ ‫عنْ أَبي موسى‪.‬‬ ‫طارقٌ ِمنَ النبي صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪ ،‬وأَخرجهُ الحاكمُ منْ رواي ِة طارقٍ المذكور َ‬ ‫(و عن طارق بن شهاب ر ضي ال ع نه) ا بن ع بد ش مس الحم سي البجلي الكو في أدرك الجاهل ية ورأى ال نبي‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم وليس له منه سماع وغزا في خلفة أبي بكر وعمر ثلثا وثلثين أو أربعا وثلثين غزوة‬ ‫‪123‬‬

‫ل مُ سْلمٍ‬ ‫ب على ك ّ‬ ‫وسرية ومات سنة اثنتين وثمانين (أن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬الجمعة حق واج ٌ‬ ‫في جماعةٍ إل أربعة مملُو كٌ وامرأةٌ وصبيّ ومري ضٌ" رواه أبو داود وقال‪ :‬لم يسمع طارق من النبي صَلّى ال‬ ‫عََليْ هِ وَ سَلّم) إل أ نه في سنن أ بي داود بل فظ "ع بد مملوك أو امرأة أو صبي أو مر يض" بل فظ "أو" وكذا ساقه‬ ‫المصنف في التلخيص ثم قال أبو داود‪ :‬طارق قد رأى النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم وهو من أصحاب النبي صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم ولم ي سمع م نه شيئا‪ .‬انت هى (وأخر جه الحا كم من روا ية طارق المذكور عن أ بي مو سى) ير يد‬ ‫الم صنف أ نه بهذا صار مو صولً‪ .‬و في الباب عن تم يم الداري وا بن ع مر ومولى ل بن الزب ير رواه البيه قي‪،‬‬ ‫وحد يث تم يم ف يه أرب عة أن فس ضعفاء على الولء قاله ا بن القطان‪ ،‬وحد يث ا بن ع مر أخر جه ال طبراني فـي‬ ‫الوسط بلفظ "ليس على مسافر جمعة" وفيه أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا "خمسة ل جمعة عليهم المرأة‬ ‫والمسافر والعبد والصبي وأهل البادية"‪.‬‬ ‫ع ْن ُهمَا قال‪ :‬قالَ رسولُ ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪َ" :‬ليْسَ على مُسافر‬ ‫ع َمرَ رضي ال َ‬ ‫[رح ‪ ]27‬ــــ وَعن ابْن ُ‬ ‫ج ْمعَةٌ" رواه الطبراني بإسناد ضعيف)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫(و عن ا بن ع مر ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم "ل يس على مُ سافر ج ْمعَةٌ" رواه‬ ‫الطبراين بإسناد ضعيف) ولم يذكر المصنف تضعيفه في التلخيص‪ ،‬ول بيّن وجه ضعفه‪.‬‬ ‫وإذا عرفت هذا ف قد اجت مع من الحاديث أن ها ل ت جب الجم عة على ستة أن فس‪ :‬الصبي و هو مت فق على أ نه ل‬ ‫ن امنوا‬ ‫جمعة عليه‪ ،‬والمملوك وهو متفق عليه إل عند داود فقال بوجوبها عليه لدخوله تحت عموم {يا أيّها الذي َ‬ ‫إذا نود يَ لل صلةِ} فإ نه تقرر في ال صول دخول العب يد في الخطاب وأج يب ع نه بأ نه خ صصته الحاد يث وإن‬ ‫كان فيه مقال فإنه يقوي بعضها بعضا‪.‬‬ ‫والمرأة و هو مج مع على عدم وجوب ها علي ها‪ ،‬وقال الشاف عي‪ :‬ي ستحب للعجائز حضور ها بإذن الزوج‪ ،‬وروا ية‬ ‫ن خلف ما هو مصرح به في كتب الشافعية‪.‬‬ ‫البحر عنه أنه يقول بالوجوب عليه ّ‬ ‫والمريض فإنه ل يجب عليه حضورها إذا كان يتضرر به‪.‬‬ ‫والمسافر ل يجب عليه حضورها وهو يحتمل أن يراد به مباشر السفر وأما النازل فيجب عليه ولو نزل بمقدار‬ ‫الصلة وإلى هذا ذهب جماعة من الل وغيرهم‪ .‬وقيل‪ :‬ل تجب عليه لنه داخل في لفظ المسافر وإليه ذهب‬ ‫جماعة من الل أيضا‪ ،‬وهو القرب لن أحكام السفر باقية له من القصر ونحوه ولذا لم ينقل أنه صَلّى ال عََل ْي هِ‬ ‫َوسَلّم صلى الجمعة بعرفات في حجة الوداع لنه كان مسافرا‪.‬‬ ‫وكذلك العيد تسقط صلته عن المسافر ولذا لم يرو أنه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم صلى صلة العيد في حجته تلك وقد‬ ‫وهم ابن حزم فقال‪ :‬إنه صلها في حجته وغلّطه العلماء‪.‬‬ ‫ال سادس أ هل الباد ية و في النها ية‪ :‬أن الباد ية تخ تص بأ هل الع مد والخيام دون أ هل القرى والمدن‪ .‬و في شرح‬ ‫العمدة أن حكم أهل القرى حكم أهل البادية ذكره في شرح حديث "ل يبيع حاضر لباد"‪.‬‬ ‫ستَوى‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم إذَا ا ْ‬ ‫عنْ عبد ال بن مَسْعودٍ رضي ال ع ْنهُ قالَ‪" :‬كانَ رسو ُ‬ ‫[رح ‪ ]28‬ــــ و َ‬ ‫ستَقْبلْنا ُه بِ ُوجُوهِنا" رواه الترمذيّ بإسناد ضَعيف‪ ،‬وََل ُه شَاهِدٌ ِمنْ حديث البَرا ِء ع ْندَ ابن خ َز ْيمَةَ‪.‬‬ ‫على ال ِمنْبر ا ْ‬ ‫(وعن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم إذا استوى على المنبر‬ ‫استقبلناه بوجوهنا‪ .‬رواه الترمذي بإسناد ضعيف) لن فيه[تض] محمد بن الفضل بن عطية[‪/‬تض] وهو ضعيف‬ ‫تفرد به وضع فه به الدارقط ني وا بن عدي وغيره ما (وله شا هد من حد يث البراء ع ند ا بن خزي مة) لم يذكره‬ ‫الشارح ول رأيته في التلخيص‪.‬‬ ‫والحديث يدل على أن استقبال الناس الخطيب مواجهين له أمر مستمر وهو في حكم المجمع عليه‪ ،‬جزم بوجوبه‬ ‫أبو الطيب من الشافعية‪ ،‬وللهادوية احتمالن فيما إذا تقدم بعض المستمعين على المام ولم يواجهوه يصح أو ل‬ ‫يصح‪ .‬ونص صاحب الثمار أنه يجب على العدد الذين تنعقد لهم الجمعة المواجهة دون غيرهم‪.‬‬ ‫جمُع َة مع رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬ ‫شهِدنا ال ُ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪َ " :‬‬ ‫ن رض يَ ال َ‬ ‫حزْ ٍ‬ ‫ع نِ الحَك مِ ب نِ َ‬ ‫[رح ‪ ]29‬ــــ وَ َ‬ ‫فَقَامَ مُتوكئا عَلى عصا َأوْ قَوْسٍ" رواهُ أبو داود‪.‬‬ ‫حزْن رضي ال عنه) بفتح المهملة وسكون الزاي فنون‪ .‬والحكم قال ابن عبد البر‪ :‬إنه أسلم عام‬ ‫(وعن الحكم بن َ‬ ‫الفتح وقيل يوم اليمامة وأبوه حزن ابن أبي وهب المخزومي (قال "شهدنا الجمعة مع رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم فقام متوكئا على ع صا أو قَوْس‪ .‬رواه أ بو داود) تما مه في ال سنن "فح مد ال وأث نى عل يه كلمات خفيفات‬ ‫سدّدوا‬ ‫طيبات مباركات ثم قال‪" :‬أيها الناس إنكم لن تطيقوا ــــ أو لن تفعلوا ــــ كل ما أمرتم به ولكن َ‬ ‫ويَ سّروا" وفي روا ية "وأبشروا" وإسناده ح سن وصححه ابن ال سكن وله شاهد عند أبي داود من حديث البراء‪:‬‬ ‫‪124‬‬

‫"أنه صلى ال عليه وآله وسلم كان إذا خطب يعتمد على عنزة له"‪ .‬والعنزة مثل نصف الرمح أو أكبر فيها سنان‬ ‫مثل سنان الرمح‪.‬‬ ‫وفي الحديث دليل على أنه يندب للخطيب العتماد على سيف أو نحوه وقت خطبته والحكمة أن في ذلك ربطا‬ ‫للقلب ولبعد يديه عن العبث فإن لم يجد ما يعتمد عليه أرسل يديه أو وضع اليمنى على اليسرى أو على جانب‬ ‫المنبر ويكره دق المنبر بالسيف إذ لم يؤثر فهو بدعة‪.‬‬ ‫باب صلة الخوف‬ ‫عمّن صّلى م َع ر سُول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َيوْ مَ ذا تِ‬ ‫ن صَالح ب نِ خَوّات رضي ال عنه َ‬ ‫[رح ‪ ]1‬ــــ عَ ْ‬ ‫ت َمعَ ُه وطائفَةً وجاه ا ْل َعدُ ّو فَ صَلى بالذ ين َم َع ُه ركْع ًة ثمّ َثبَ تَ قائما وأَتمّوا‬ ‫الرّقاع صلة الخوف "أَنّ طائف ًة صَلّ ْ‬ ‫ت ثمّ َثبَ تَ جالسا‬ ‫خرَى فَ صَلى به مُ ال ّر ْكعَةَ التي بَ ِقيَ ْ‬ ‫لنْفُ سِهم‪ ،‬ثم انْصرَفُوا فصفوا وجا هَ الْعدُوّ‪ ،‬وجاءَت الطائفة ال ْ‬ ‫ت عن‬ ‫ن صَالح بن خوّا ٍ‬ ‫س ِهمْ ثمّ سَلّم به مْ" مُتفق عل ْي هِ وهذا لفْ ظُ مُ سْلم‪ ،‬ووقَ َع في المعْرفة لبن َم ْندَه عَ ْ‬ ‫وَأ َتمّوا لنْفُ ِ‬ ‫أَبيهِ‪.‬‬ ‫(عن صالح بن خوّات رضي ال عنه) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو فمثناة فوقية النصاري المدني تابعي‬ ‫مشهور سمع جماعة من الصحابة (عمن صلى مع النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم) في صحيح مسلم عن صالح بن‬ ‫خوات ابن جبير عن سهل بن أ بي حث مة‪ ،‬ف صرح ب من حد ثه في روا ية‪ .‬و في روا ية أبه مه كما ه نا (يوم ذات‬ ‫الرّقاع) بك سر الراء فقاف مخف فة آخره ع ين مهملة هو مكان من ن جد بأرض غطفان‪ .‬سميت الغزوة بذلك لن‬ ‫أقدامهم نقبت فلفوا عليها الخرق كما في صحيح البخاري من حديث أبي موسى وكانت في جمادى الولى في‬ ‫السنة الرابعة من الهجرة (صلة الخوف أن طائفة) من أصحابه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم (صفت معه وطائفة وجاه)‬ ‫بكسر الواو فجيم مواجهة (العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لنفسهم ثم انصرفوا وصفوا) في‬ ‫م سلم ف صفوا بالفاء (وجاه العدو وجاءت الطائ فة الخرى ف صلى ب هم الرك عة ال تي بق يت ثم ث بت جال سا وأتموا‬ ‫لنفسهم ثم سلم بهم‪ .‬متفق عليه وهذا لفظ مسلم ووقع في المعرفة) كتاب (لبن منده) بفتح الميم وسكون النون‬ ‫فدال مهملة إمام كبير من أئمة الحديث (عن صالح بن خوات عن أبيه) أي خوات وهو صحابي فذكر المبهم أنه‬ ‫أبوه‪ ،‬وفي مسلم أنه من ذكرناه‪.‬‬ ‫واعلم أن هذه الغزوة كانت في الرابعة كما ذكرناه وهو الذي قاله ابن إسحاق وغيره من أهل السير والمغازي‬ ‫وتلقاه الناس منهم‪ .‬قال ابن القيم‪ :‬وهو مشكل جدا فإنه قد صح أن المشركين حبسوا رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ‬ ‫وَ سَلّم يوم الخندق عن صلة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلهنّ جميعا وذلك قبل نزول صلة الخوف‪.‬‬ ‫ـّم‬ ‫ـّى ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫والخندق بعـد ذات الرقاع سـنة خمـس‪ ،‬قال‪ :‬والظاهـر أن أول صـلة صـلها رسـول ال صَل‬ ‫للخوف بع سفان‪ ،‬ول خلف بين هم أن عسفان كا نت بعد الخندق‪ ،‬و قد صح ع نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أ نه صلى‬ ‫صلة الخوف بذات الرقاع فعلم أنها بعد الخندق وبعد عسفان وقد تبين لنا وهم أهل السير انتهى‪.‬‬ ‫ومن يحتج بتقديم شرعيتها على الخندق على رواية أهل السير يقول‪ :‬إنها ل تصلى صلة الخوف في الحضر‬ ‫ولذا لم يصلها النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم يوم الخندق‪.‬‬ ‫وهذه الصفة التي ذكرت في الحديث في كيفية صلتها واضحة وقد ذهب إليها جماعة من الصحابة ومن الل‬ ‫من بعدهم‪.‬‬ ‫واشترط الشافعي أن يكون العدو في غير جهة القبلة‪.‬‬ ‫وهذا في الثنائية وإن كانت ثلثية انتظر في التشهد الول وتتم الطائفة الركعة الثالثة‪ ،‬وكذلك في الرباعية إن قلنا‬ ‫إنها تصلى صلة الخوف في الحضر وينتظر في التشهد أيضا‪.‬‬ ‫وظاهر القرآن مطابق لما دل عليه هذا الحديث الجليل لقوله (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فيصلوا معك) وهذه‬ ‫الكيفية أقرب إلى موافقة المعتاد من الصلة في تقليل الفعال المنافية للصلة والمتابعة للمام‪...‬‬ ‫غزَوْ تُ م عَ ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ِقبَلَ نجدٍ‬ ‫ع َمرَ رض يَ اللّ ُه عنهُمَا قالَ‪َ " :‬‬ ‫[رح ‪ ]2‬ــــ وع نِ اب نِ ُ‬ ‫فَوا َز ْينَا ال ْعدُ ّو فصافَ ْفنَا ُهمْ‪ ،‬فقا مَ رَ سُول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يُ صَلي بنا‪ ،‬فَقَامَت طائف ٌة َمعَ هُ وأَقبلَت طائف ٌة على‬ ‫جدَ‬ ‫سَ‬ ‫سجْد َتيْن ثمّ انصرفوا مكا نَ الطّائف ِة التي لَ مْ تُ صَليّ فجاؤوا فَ َركَ عَ بهم ركْعةً وَ َ‬ ‫سجَدَ َ‬ ‫العدوّ‪َ ،‬و َركَ عَ بم نْ َم َع هُ وَ َ‬ ‫ظ البُخاريّ‪.‬‬ ‫سجْد َتيْنِ" ُمتّ َفقٌ عََل ْيهِ وهذا ل ْف ُ‬ ‫جدَ َ‬ ‫سَ‬ ‫ل واحدٍ ِم ْن ُهمْ فركَعَ لنَفْسه رَكْع ًة و َ‬ ‫سجْدتْين ثمّ سّلمَ‪ ،‬فَقَامَ كُ ّ‬ ‫َ‬ ‫(وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬غزوت مع رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم قِبل) بكسر‬ ‫القاف وفتح الموحدة أي جهة (نجد) نجد‪ :‬كل ما ارتفع من بلد العرب (فوازينا) بالزاي بعدها مثناة تحتية قابلنا‬ ‫(العدو ف صاففناهم فقام ر سول ال صلى ال تعالى عل يه و سلم ف صلى ب نا) في المغازي من البخاري أن ها صلة‬ ‫‪125‬‬

‫العصر ثم لفظ البخاري "فصلى لنا" باللم قال المصنف في الفتح‪ :‬أي لجلنا ولم يذكر أن فيه رواية بالموحدة‬ ‫وفيه "يصلي" بالفعل المضارع (فقامت طائفة معه وأقبلت طائفة على العدو وركع بمن معه ركعة وسجد سجدتين‬ ‫ثم انصرفوا) أي الذين صلوا معه‪ ،‬ولم يكونوا أتوا بالركعة الثانية ول سلموا من صلتهم (مكان الطائفة التي لم‬ ‫تصل فجاءوا فركع بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم‪ ،‬فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين‪.‬‬ ‫متفق عليه وهذا لفظ البخاري)‪.‬‬ ‫قال الم صنف‪ :‬لم تختلف الطرق عن ا بن ع مر في هذا ويحت مل أن هم أتموا في حالة واحدة ويحت مل أن هم أتموا‬ ‫على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإل استلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد المام وحده ويرجحه‬ ‫ما رواه أ بو داود من حد يث ا بن م سعود بل فظ " ثم سلم فقام هؤلء أي الطائ فة الثان ية ف صلوا لنف سهم رك عة ثم‬ ‫سلموا ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لنفسهم ركعة ثم سلموا" انتهى‪.‬‬ ‫والطائ فة تطلق على القل يل والكث ير ح تى على الوا حد ح تى لو كانوا ثل ثة جاز للمام أن ي صلي بوا حد والثالث‬ ‫يحرس ثم يصلي مع المام وهذا أقل ما يحصل به جماعة الخوف‪.‬‬ ‫وظاهر الحديث أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتت الطائفة الولى بعدها‪ ،‬وقد ذهب إلى هذه الكيفية أبو‬ ‫حنيفة ومحمد‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم صلة الخو فَ‬ ‫ت مَ َع ر سو ُ‬ ‫ش ِهدْ ُ‬ ‫عنْ هُ قالَ‪َ " :‬‬ ‫[رح ‪ ]3‬ــــ و عن جابر رض يَ ال َ‬ ‫ن الْ ِقبْلة‪َ ،‬ف َكّبرَ النبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ‬ ‫صفّ خَلْ فَ رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم وال َعدُ ّو َب ْي َننَا َو َبيْ َ‬ ‫فَ صَ ّفنَا صَفّين‪َ :‬‬ ‫ـّم وك ّبرْنـا جميعا‪ ،‬ثمّ ركَعَـ ور َكعْنَا جميعا‪ ،‬ثمّ َرفَعَـ رأسَـُه مِن الرّكوع َو َر َفعْنـا جميعا‪ ،‬ثمّ انح َدرَ بالسّـجُود‬ ‫وَسَل‬ ‫خرُ في مخر العدوّ‪ ،‬فلما قضى السجودَ قام الصف الذي يليه" َفذَكر الحديث‪،‬‬ ‫صفّ الذي يليه وقام ال صّفّ المؤ ّ‬ ‫وال ّ‬ ‫خرَ ال صفّ الوّلُ َوتَ َقدَ مَ‬ ‫جدَ ال صفّ الثّا ني ثُمّ تَأ ّ‬ ‫سَ‬ ‫جدَ َمعَ ُه ال صّف الولُ فلمّا قامُوا َ‬ ‫سَ‬ ‫جدَ و َ‬ ‫سَ‬ ‫و في روايةٍ‪" :‬ثمّ َ‬ ‫الصفّ الثّاني" َف َذ َكرَ ِمثْلَهُ‪ ،‬وفي آخره "ثمّ سّلمَ النبيّ صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم وَسّل ْمنَا جميعا" روا ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫(وعن جابر رضي ال عنه قال‪ :‬شهدت مع رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم صلة الخوف فصففنا صفين‪ :‬صفّ‬ ‫خلف رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم والعد ّو بيننا وبين القبلة فكبر النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم وكبرنا جميعا ثم‬ ‫ر كع وركع نا جميعا ثم ر فع رأ سه من الركوع ورفع نا جميعا ثم انحدر بال سجود وال صف الذي يل يه) أي انحدر‬ ‫الصف الذي يليه وهو عطف على الضمير المتصل من دون تأكيد لنه وقد وقع الفصل (وأقام الصف المؤخر‬ ‫في نحر العدو فلما قضى السجود وقام الصف الذي يليه فذكر الحديث) تمامه "انحدر الصف المؤخر بالسجود‬ ‫وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم وركعنا جميعا ثم رفع‬ ‫رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الولى وقام‬ ‫وال صف المؤ خر في نحور العدو‪ ،‬فل ما ق ضى ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ال سجود وال صف الذي يل يه انحدر‬ ‫الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم وسلمنا جميعا‪ ،‬قال جابر‪ :‬كما يصنع حرسكم‬ ‫هؤلء بأمرائهم" انتهى لفظ مسلم‪.‬‬ ‫قوله (وفي رواية) هي في مسلم عن جابر وفيها تعيين القوم الذين حاربوهم ولفظها "غزونا مع رسول ال صَلّى‬ ‫ل شديدا فلمـا صـلينا الظهـر قال المشركون‪ :‬لو ملنـا عليهـم ميلة‬ ‫َسـلّم قوما مـن جهينـة فقاتلونـا قتا ً‬ ‫ْهـ و َ‬ ‫ال عََلي ِ‬ ‫لقتطعنا هم فأ خبر جبر يل ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ذلك فذ كر ل نا ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم قال‪:‬‬ ‫وقالوا‪ :‬إن ها ستأتيهم صلة هي أ حب إلي هم من "الولد" فل ما حضرت الع صر ــــ إلى أن قال‪ :‬ثم سجد‬ ‫وسجد معه الصف الول فلما قاموا سجد الصف الثاني‪ ،‬ثم تأخر الصف الول‪ ،‬وتقدم الصف الثاني‪ ،‬فذكر مثله)‬ ‫قال‪" :‬فقاموا مقام الول فكبر رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم وكبرنا وركع فركعنا ثم سجد وسجد معه الصف‬ ‫الول وقام الثا ني فل ما سجد ال صف الثا ني ثم جل سوا جميعا" (و في أواخره‪ :‬ثم سلم ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫وسلمنا جميعا‪ .‬رواه مسلم)‪.‬‬ ‫الحد يث دل يل على أ نه إذا كان العدو في ج هة القبلة فإ نه يخالف ما إذا لم ي كن كذلك فإن ها تم كن الحرا سة مع‬ ‫دخولهم جميعا في الصلة‪ .‬وذلك أن الحاجة إلى الحراسة إنما تكون في حال السجود فقط‪ ،‬فيتابعون المام في‬ ‫القيام والركوع‪ ،‬ويحرس الصـف المؤخـر فـي حال السـجدتين بأن يتركوا المتابعـة للمام ثـم يسـجدون عنـد قيام‬ ‫الصـف الول‪ .‬ويتقدم المؤخـر إلى محـل الصـف المقدم‪ ،‬ويتأخـر المقدم ليتابـع المؤخـر المام فـي السـجدتين‬ ‫الخيرتين‪ ،‬فيصح مع كل من الطائفتين المتابعة في سجدتين‪.‬‬ ‫والحديـث يدل أنهـا ل تكون الحراسـة إل حال السـجود فقـط دون حال الركوع لن حال الركوع ل يمتنـع معـه‬ ‫إدراك أحوال العدو‪.‬‬ ‫‪126‬‬

‫وهذه الكيفية ل توافق ظاهر الية ول توافق الرواية الولى عن صالح ابن خوات ول رواية ابن عمر إل أنه قد‬ ‫يقال‪ :‬إنها تختلف الصفات باختلف الحوال‪.‬‬ ‫عيّاشٍ الزّرقيّ رضي ال عنه مِثلَهُ‪ ،‬وزادَ‪" :‬إنّها كانت ب ُعسْفَانَ"‪.‬‬ ‫عنْ أَبي َ‬ ‫‪ 4‬ــــ ولبي داودَ َ‬ ‫(ول بي داود عن أ بي عياش الزر قي مثله) أي م ثل روا ية جابر هذه (وزاد) تعي ين م حل ال صلة (أن ها كا نت‬ ‫بعسفان) بضم العين المهملة وسكون السين المهملة ففاء آخره نون وهو موضع على مرحلتين من مكة كما في‬ ‫القاموس‪.‬‬ ‫ع نْ جابرٍ رض يَ ال عن ُه "أَنّ النبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم صَلى بطائِفةٍ‬ ‫[رح ‪ ]5‬ــــ وللنّسائيّ ِم نْ َوجْ ِه آخرَ َ‬ ‫ن َأصْحابه ركعتينِ ثمّ صلى بآخرين َركْعتين ثمّ سّلمَ"‪.‬‬ ‫مِ ْ‬ ‫(وللنسائي من وجه آخر) غير الوجه الذي أخرجه منه مسلم (عن جابر رضي ال عنه أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم صلى بطائ فة من أ صحابه ركعت ين ثم سلم ثم صلى بآخر ين ركعت ين ثم سلم) ف صلى بإحداه ما فرضا‬ ‫وبالخرى نفلً له‪.‬‬ ‫وعمل بهذا الحسن البصري‪ ،‬وادعى الطحاوي أنه منسوخ بناء منه على أنه ل يصح أن يصلي المفترض خلف‬ ‫المتنفل‪ ،‬ول دليل على النسخ‪.‬‬ ‫عنْ أَبي ب ْكرَ َة رضي اللّهُ عنه‪.‬‬ ‫‪ 6‬ــــ و ِمثُْلهُ لبي داودَ َ‬ ‫(ومثله لبـي داود عـن أبـي بكرة) وقال أبـو داود‪ :‬وكذلك فـي المغرب يكون للمام سـت ركعات وللقوم ثلث‬ ‫ثلث‪.‬‬ ‫ي اللّ هُ عنه‪" :‬أنّ النّبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم في الخو فِ بهؤل ِء ر ْكعَةً وهؤلءِ‬ ‫ع نْ حُذيفة رض َ‬ ‫[رح ‪ ]7‬ــــ و َ‬ ‫ر ْكعَ ًة ولمْ يَ ْقضُوا" رَوَا ُه َأحْمدُ وأَبو داودَ والنسائي وصحّح ُه ابنُ حبان‪.‬‬ ‫ع ْنهُما‪.‬‬ ‫س رضيَ ال َ‬ ‫خزَ ْيمَةَ عن ابنِ عبّا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫ع ْندَ اب ِ‬ ‫‪ 8‬ــــ و ِمثُْلهُ ِ‬ ‫وهذه الصلة بهذه الكيفية صلها حذيفة بطبرستان وكان المير سعيد ابن العاص فقال‪ :‬أيكم صلى مع رسول‬ ‫ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم صلة الخوف قال حذيفة‪ :‬أنا‪ ،‬فصلى بهؤلء ركعة وبهؤلء ركعة ولم يقضوا‪.‬‬ ‫وأخرج أ بو داود عن ا بن عمر و عن زيد بن ثا بت‪ :‬قال ز يد‪ :‬فكانت للقوم رك عة رك عة وللنبي صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم ركعتين‪ .‬وأخرج عن ابن عباس‪ :‬قال‪ :‬فرض ال تعالى الصلة على لسان نبيكم صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في‬ ‫الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة‪.‬‬ ‫وأخذ بهذا عطاء وطاوس والحسن وغيرهم فقالوا‪ :‬يصلي في شدة الخوف ركعة يوميء إيماء‪.‬‬ ‫وإن إسحاق يقول‪ :‬تجزئك عند المسايفة ركعة واحدة تومىء لها إيماء‪ ،‬فإن لم تقدر فسجدة فإن لم فتكبيرة لنها‬ ‫ذكر ال"‪.‬‬ ‫عمَر رضي ال عنهما قال‪ :‬قالَ رسُولُ ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم "صلة الخوف ركعةٌ‬ ‫[رح ‪ ]9‬ــــ وعن ابن ُ‬ ‫على أيّ وج ٍه كان" رواهُ البزّارُ بإسناد ضَعيف‪.‬‬ ‫وأخرج النسائي‪ :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم صلها بذي قرد بهذه الكيفية‪ .‬وقال المصنف‪ :‬قد صححه ابن حبان‬ ‫وغيره‪ .‬وأما الشافعي فقال‪ :‬ل يثبت‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن صلة الخوف ركعة واحدة في حق المام والمأموم وقد قال به الثوري وجماعة‪ ،‬وقال به‬ ‫من الصحابة أبو هريرة وأبو موسى‪.‬‬ ‫واعلم أنه ذكر المصنف في هذا الكتاب خمس كيفيات لصلة الخوف وفي سنن أبي داود ثماني كيفيات منها هذه‬ ‫الخمس وزاد ثلثا‪.‬‬ ‫وقال المصنف في فتح الباري‪ :‬قد روي في صلة الخوف كيفيات كثيرة ورجح ابن عبد البر الكيفية الواردة في‬ ‫حديث ابن عمر لقوة السناد وموافقة الصول في أن المؤتم ل تتم صلته قبل المام‪.‬‬ ‫وقال ابن حزم‪ :‬صح منها أربعة عشر وجها‪.‬‬ ‫وقال ابن العربي‪ :‬فيها روايات كثيرة أصحها ست عشرة رواية مختلفة‪.‬‬ ‫وقال النووي‪ :‬نحوه في شرح مسلم ولم يبينها‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ :‬وقد بينها شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي وزاد وجها فصارت سبع عشرة ولكن يمكن‬ ‫أن تتداخل‪.‬‬

‫‪127‬‬

‫َسـلّم عشـر مرات‪ .‬وقال ابـن العربـي‪ :‬صـلها أربعا‬ ‫ْهـ و َ‬ ‫صـلّى ال عََلي ِ‬ ‫وقال فـي الهدي النبوي‪ :‬صـلها النـبي َ‬ ‫وعشرين مرة‪.‬‬ ‫وقال الخطابي‪ :‬صلها النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في أيام مختلفة بأشكال متباينة يتحرّى ما هو الحوط للصلة‬ ‫والبلغ في الحراسة فهي على اختلف صورتها متفقة المعنى انتهى‪.‬‬ ‫سهْوٌ" أَخرجَ ُه الدّارقُط ني بإ سناد‬ ‫س في صَلةِ الخو فِ َ‬ ‫ع ْن هُ ر ضي اللّ هُ عن هُ َمرْفوعا "َليْ َ‬ ‫[رح ‪ ]10‬ــــ و َ‬ ‫ضَعيف‪.‬‬ ‫وهو مع هذا موقوف قيل ولم يقل به أحد من العلماء‪.‬‬ ‫واعلم أنه قد شرط في صلة الخوف شروط منها‪:‬‬ ‫السفر فاشترطه جماعة لقوله تعالى‪{ :‬وإذا ضربتم في الرض} الية ولنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم لم يصلها في‬ ‫الحضر وقال زيد بن علي والناصر والحنفية والشافعية‪ :‬ل يشترط لقوله تعالى‪{ :‬وإذا كنت فيهم} بناء على أنه‬ ‫معطوف على قوله‪{ :‬وإذا ضرب تم في الرض} ف هو غ ير دا خل في التقي يد بالضرب في الرض ول عل الوّل ين‬ ‫يجعلو نه مقيدا بالضرب في الرض وأن التقد ير وإذا ك نت في هم مع هذه الحالة ال تي هي الضرب في الرض‬ ‫والكلم مستوفى في كتب التفسير‪.‬‬ ‫ومن ها‪ :‬أن يكون آ خر الو قت لن ها بدل من صلة ال من ل تجز يء إل ع ند اليأس من المبدل م نه وهذه قاعدة‬ ‫للقائلين بذلك وهم الهادوية‪ .‬وغيرهم يقول‪ :‬تجزيء أوّل الوقت لعموم أدلة الوقات‪.‬‬ ‫ومن ها‪ :‬ح مل ال سلح حال ال صلة‪ ،‬اشتر طه داود فل ت صح ال صلة إل بحمله ول دل يل على اشترا طه‪ .‬وأوج به‬ ‫الشافعي والناصر للمر به في الية ولهم في السلح تفاصيل معروفة‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬أل يكون القتال محرّما سواء كان واجبا عينا أو كفاية‪.‬‬ ‫ومنها‪ :‬أن يكون المصلي مطلوبا للعد ّو ل طالبا‪ .‬لنه إذا كان طالبا أمكنه أن يأتي بالصلة تامّة‪ ،‬أو يكون خاشيا‬ ‫لكرّ العدو عليه‪ .‬وهذه الشرائط مستوفاة في الفروع مأخوذة من أحوال شرعيتها وليست بظاهرة في الشرطية‪.‬‬ ‫واعلم أن شرعية هذه الصلة من أعظم الدلة على عظم شأن الجماعة‪.‬‬ ‫باب صلة العيدين‬ ‫طرُ النّاسُ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم "الفطرُ َيوْمَ يُ ْف ِ‬ ‫[رح ‪ ]1‬ــــ عَ نْ عَائش َة رضي اللّهُ عنها قالت‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫والضحى يَ ْو َم ُيضَحّي النّاس" رواهُ التّرمذيّ‪.‬‬ ‫وقال الترمذي ب عد سياقه‪ :‬هذا حد يث ح سن غر يب‪ .‬وف سر ب عض أ هل العلم هذا الحد يث أن مع نى هذا‪ :‬الف طر‬ ‫والصوم مع الجماعة ومعظم الناس بلفظه‪:‬‬ ‫فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس وأن المنفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة‬ ‫غيره ويلز مه حكم هم في ال صلة والفطار والضح ية‪ .‬و قد أخرج الترمذي م ثل هذا الحد يث عن أ بي هريرة‬ ‫وقال‪ :‬حديث حسن‪ .‬وفي معناه حديث ابن عباس وقد قال له كريب‪ :‬إنه صام أهل الشام ومعاوية برؤية الهلل‬ ‫يوم الجم عة بالشام وقدم المدي نة آ خر الش هر وأ خبر ا بن عباس بذلك فقال ا بن عباس‪ :‬لك نا رأيناه ليلة ال سبت فل‬ ‫نزال نصوم حتى نكمل ثلثين أو نراه قال‪ :‬قلت‪ :‬أول تكتفي برؤية معاوية والناس؟ قال‪ :‬ل هكذا أمرنا رسول‬ ‫ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪.‬‬ ‫وظاهر الحديث أن كريبا ممن رآه وأنه أمره ابن عباس أن يتم صومه وإن كان متيقنا أنه يوم عيد عنده‪.‬‬ ‫وذهـب إلى هذا محمـد بـن الحسـن وقال‪ :‬يجـب موافقـة الناس وإن خالف يقيـن نفسـه وكذا فـي الحـج لنـه ورد‬ ‫"وعرفتكم يوم تعرفون"‪.‬‬ ‫وخالفه الجمهور وقالوا‪ :‬إنه يجب عليه العمل في نفسه بما تيقنه وحملوا الحديث على عدم معرفته بما يخالف‬ ‫الناس فإنه إذا انكشف بعد الخطأ فقد أجزأه ما فعل‪ .‬قالوا‪ :‬وتتأخر اليام في حق من التبس عليه وعمل بالصل‬ ‫وتأولوا حد يث ا بن عباس بأ نه يحت مل أ نه لم ي قل برؤ ية أ هل الشام لختلف المطالع في الشام والحجاز‪ ،‬أو أ نه‬ ‫لما كان المخبر واحدا لم يعمل بشهادته‪ ،‬وليس فيه أنه أمر كريبا بالعمل بخلف يقين نفسه فإنما أخبر عن أهل‬ ‫المدينة وأنهم ل يعملون بذلك لحد المرين‪.‬‬ ‫عمُومَ ٍة لَ ُه من أصحاب النبي صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫ع نْ ُ‬ ‫ع ْنهُما َ‬ ‫ن أَن سٍ رضي اللّ هُ َ‬ ‫ع نْ أَبي عُميْر ب ِ‬ ‫[رح ‪ ]2‬ــــ وَ َ‬ ‫ن يُفْطروا وإذا‬ ‫س فَأ َمرَهُم أَ ْ‬ ‫وَ سَلّم "أَنّ َركْبا جاءُوا إلى النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يشهدون َأ ّنهُ مْ رأَوُا الهِللَ بالمْ ِ‬ ‫حمَدُ وَأبُو داو َد وهذا َل ْفظُهُ وإسنَادُ ُه صحيحٌ‪.‬‬ ‫َأصْبحُوا َأنْ َي ْغدُوا إلى ُمصَلّا ُهمْ" روا ُه َأ ْ‬ ‫‪128‬‬

‫(وعن أبي عمير) هو أبو عمير (ابن أنس بن مالك رضي ال عنهما) النصاري يقال‪ :‬إن اسمه عبد ال وهو‬ ‫من صغار التابع ين روى عن جما عة من ال صحابة وعمّر ب عد أب يه زمانا طويلً ( عن عمومةٍ له من أ صحاب‬ ‫ال نبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم أن ركبا جاءوا إلى ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يشهدون أن هم رأوا الهلل بال مس‬ ‫فأمرهم) النبي صلى ال عليه وآله وسلم (أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلهم‪ .‬رواه أحمد وأبو داود‬ ‫وهذا لفظه وإسناده صحيح) وأخرجه النسائي وابن ماجه وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم‪ .‬وقول ابن‬ ‫عبد البر إن أبا عمير مجهول مردود بأنه قد عرفه من صحح له‪.‬‬ ‫الحديث دليل على أن هذه الذكار قائمة مقام القراءة للفاتحة‪ ،‬وغيرها‪ ،‬لمن ل يحسن ذلك‪ ،‬وظاهره‪ :‬أنه ل يجب‬ ‫عل يه تعلم القران ليقرأ به في ال صلة‪ ،‬فإن مع نى ل أ ستطيع‪ :‬ل أح فظ الن م نه شيئا‪ ،‬فلم يأمره بحف ظه‪ ،‬وأمره‬ ‫بهذه اللفاظ‪ ،‬مع أنه يمكنه حفظ الفاتحة‪ ،‬كما يحفظ هذه‪ .‬وقد تقدم في حديث المسيء صلته‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن صلة العيد تصلى في اليوم الثاني حيث انكشف العيد بعد خروج وقت الصلة‪.‬‬ ‫وظاهر الحديث الطلق بالنظر إلى وقت الصلة‪ ،‬وأنه وإن كان وقتها باقيا حيث لم يكن ذلك معلوما من أول‬ ‫اليوم‪ ،‬وقد ذهب إلى العمل به الهادي والقاسم وأبو حنيفة لكن شرط أن ل يعلم إل وقد خرج وقتها فإنها تقضى‬ ‫في اليوم الثا ني ف قط في الو قت الذي تؤدى ف يه في يوم ها‪ ،‬قال أ بو طالب‪ :‬بشرط أن يترك الل بس ك ما ورد في‬ ‫الحديث‪ ،‬وغيره يعمم العذر سواء كان للبس أو لمطر وهو مصرح به في كتب الحنفية قياسا لغير اللبس عليه‪.‬‬ ‫ثم ظاهر الحديث أنها أداء ل قضاء‪.‬‬ ‫وذهب مالك أنها ل تقضى مطلقا كما ل تقضى في يومها‪.‬‬ ‫وللشافعية تفاصيل أخر ذكرها في الشرح وهذا الحديث ورد في عيد الفطار وقاسوا عليه الضحى وفي الترك‬ ‫للبس وقاسوا عليه سائر العذار وفي القياس نظر إذا لم يتعين معرفة الجامع وال أعلم‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ل ي ْغدُو يوْ مَ ال ِفطْر حتى‬ ‫ن ر سُو ُ‬ ‫[رح ‪ ]3‬ــــ وَعَ نْ َأنَ سٍ رَضي اللّ هُ عن ُه قالَ‪" :‬كا َ‬ ‫ن أفرادا"‪.‬‬ ‫ح َمدُ " َويَأكُُلهُ ّ‬ ‫خ َرجَهُ البخاريّ‪ .‬وفي روايةٍ ُمعَلّقةٍ ووصلها َأ ْ‬ ‫يأكُلَ َتمَراتِ" َأ ْ‬ ‫(وعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ل يغدو) أي يخرج وقت الغداة (يوم‬ ‫الفطر) أي إلى المصلى (حتى يأكل تمرات‪ .‬أخرجه البخاري‪ ،‬وفي رواية معلقة) أي للبخاري علقها عن أنس‬ ‫(ووصلها أحمد "ويأكلهن أفرادا") وأخرجه البخاري في تاريخه وابن حبان والحاكم من رواية عتبة بن حميد عنه‬ ‫بلفظ‪ :‬حتى يأكل تمرات ثلثا أو خمسا أو سبعا أو أقل من ذلك أو أكثر وترا‪.‬‬ ‫والحديث يدل على مداومته صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم على ذلك‪.‬‬ ‫قال المهلب‪ :‬الحك مة في ال كل ق بل ال صلة أن لي ظن ظان لزوم ال صوم ح تى ي صلي الع يد فكأ نه أراد سد هذه‬ ‫الذريعة‪ ،‬وقيل لما وقع وجوب الفطر عقيب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر ال‪.‬‬ ‫قال ابن قدامة‪ :‬ول نعلم في استحباب تعجيل الكل في هذا اليوم قبل الصلة خلفا‪.‬‬ ‫قال المصنف في الفتح‪ :‬والحكمة في استحباب التمر ما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم‪ ،‬أو لن‬ ‫الحلو م ما يوا فق اليمان وي عبر به المنام وير قق القلب و من ث مة ا ستحب ب عض التابع ين أن يف طر على الحلو‬ ‫مطلقا‪.‬‬ ‫قال المهلب‪ :‬وأما جعلهن وترا فللشارة إلى الوحدانية‪ ،‬وكذلك كان يفعل صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في جميع أموره‬ ‫تبركا بذلك‪.‬‬ ‫ن النبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ل يخْرُ جُ َيوْ مَ‬ ‫ع ْنهُما قال‪" :‬كا َ‬ ‫ن أَبي ِه رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫عْ‬ ‫ن ُب َريْدةَ َ‬ ‫[رح ‪ ]4‬ــــ وعَن ا ْب ِ‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫ح َمدُ والترمذي وصحّحه ابْ ُ‬ ‫ط َعمُ يَ ْو َم الضحى حتّى ُيصَلي" رَواهُ َأ ْ‬ ‫ط َعمَ ول يَ ْ‬ ‫طرِ حتى ي ْ‬ ‫الْ ِف ْ‬ ‫(و عن ا بن بريدة ر ضي ال ع نه) ب ضم الموحدة وف تح الراء و سكون المثناة التحت ية ودال مهملة ( عن أب يه) هو‬ ‫بريدة بن الحصيب تقدم‪ ،‬واسم ابن بريدة‪ :‬عبد ال بن بريدة بن الحصيب السلمي أبو سهل المروزي قاضيها‬ ‫ثقة من الثالثة قاله المصنف في التقريب (قال‪ :‬كان النبيّ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ل يخرج يوم الفطر حتى يطعم‪،‬‬ ‫ول يطعم يوم الضحى حتى يصلي‪ .‬رواه أحمد) وزاد فيه‪ :‬فيأكل من أضحيته (والترمذي وصححه ابن حبان)‬ ‫وأخرجه أيضا ابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه ابن القطان وفي رواية البيهقي زيادة‪ :‬وكان إذا‬ ‫رجع أكل من كبد أضحيته‪ .‬قال الترمذي‪ :‬وفي الباب عن علي وأنس‪ ،‬ورواه الترمذي أيضا عن ابن عمر وفيها‬ ‫ضعف‪.‬‬ ‫والحديث دليل على شرعية الكل يوم الفطر قبل الصلة وتأخيره يوم الضحى إلى ما بعد الصلة‪.‬‬ ‫‪129‬‬

‫والحك مة ف يه هو أ نه ل ما كان إظهار كرا مة ال تعالى للعباد بشرع ية ن حر الضا حي كان ال هم البتداء بأكل ها‬ ‫شكرا ل على ما أنعم به من شرعية النسكية الجامعة لخير الدنيا وثواب الخرة‪.‬‬ ‫ش َهدْ نَ‬ ‫ض في العيديْ نِ‪َ ،‬ي ْ‬ ‫حيّ َ‬ ‫ج الْعواتِ قَ وال ُ‬ ‫ن ُنخْرِ َ‬ ‫ع ْنهَا قالت‪ُ" :‬أ ِمرْنا أَ ْ‬ ‫[رح ‪ ]5‬ــــ وَعَن ُأمّ عطيّة رض يَ ال َ‬ ‫ض المصلى" ُمتّفقٌ علَيه‪.‬‬ ‫حيّ ُ‬ ‫خ ْيرَ وَدعْ َوةَ المسْلمينَ‪ ،‬وي ْعتَزلُ ال ُ‬ ‫ا ْل َ‬ ‫(و عن أم عط ية ر ضي ال عن ها) هي الن صارية ا سمها ن سيبة ب نت الحرث وق يل ب نت ك عب كا نت تغزو مع‬ ‫ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كثيرا تداوي الجر حى وتمرض المر ضى‪ ،‬تعدّ في أ هل الب صرة‪ ،‬وكان جما عة‬ ‫من الصحابة وعلماء التابعين بالبصرة يأخذون عنها غسل الميت لنها شهدت غسل بنت رسول ال صَلّى ال‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم فحك مت ذلك وأتق نت‪ ،‬فحديث ها أ صل في غ سل الم يت‪ ،‬ويأ تي حديث ها هذا في كتاب الجنائز (قالت‪:‬‬ ‫أُمرنا) مبني للمجهول للعلم بالمر‪ ،‬وأنه رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪ ،‬وفي رواية للبخاري‪" :‬أمرنا نبينا" (أن‬ ‫ُنخْرج) أي إلى المصلى (العواتق) البنات البكار البالغات والمقاربات للبلوغ (والحيض) هو أعم من الول من‬ ‫و جه ( في العيد ين يشهدن الخ ير) هو الدخول في فضيلة ال صلة لغ ير الح يض (ودعوة الم سلمين) ت عم الجم يع‬ ‫(ويعتزل الحيض المصلى‪ .‬متفق عليه) لكن لفظه عند البخاري‪" :‬أمرنا أن نخرج العواتق ذوات الخدور ــــ‬ ‫أو قال‪ :‬العواتق وذوات الخدور فيعتزلن الحيض المصلى"‪ .‬ولفظ مسلم‪" :‬أَمرنا يعني النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫أن نخرج العواتق وذوات الخدور وأَمرَ الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين"‪.‬‬ ‫فهذا اللفظ الذي أتى به المصنف ليس لفظ أحدهما‪.‬‬ ‫والحديث دليل على وجوب إخراجهن‪ .‬وفيه أقوال ثلثة‪.‬‬ ‫"الول" أنه واجب وبه قال الخلفاء الثلثة أبو بكر وعمر وعلي‪ .‬ويؤيد الوجوب ما أخرجه ابن ماجه والبيهقي‬ ‫من حديث ابن عباس‪" :‬أنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم كان يخرج نساءه وبناته في العيدين"‪ .‬وهو ظاهر في استمرار‬ ‫ذلك منه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم وهو عام لمن كانت ذات هيئة وغيرها وصريح في الشواب وفي العجائز بالولى‪.‬‬ ‫"والثاني" سنة وحمل المر بخروجهن على الندب قاله جما عة وقواه الشارح مستدلً بأنه علل خروجهن بشهود‬ ‫الخ ير ودعوة الم سلمين قال‪ :‬ولو كان واجبا ل ما علل بذلك ولكان خروج هن لداء الوا جب عليه نّ لمتثال ال مر‬ ‫"قلت"‪ :‬وفيه تأمل فإنه قد يعلل الواجب بما فيه من العوائد ول يعلل بأدائه‪.‬‬ ‫وفـي كلم الشافعـي فـي الم التفرقـة بيـن ذوات الهيئات والعجائز فإنـه قال‪ :‬أحـب شهود العجائز وغيـر ذوات‬ ‫الهيئات من النساء الصلة وأنا لشهودهن العياد أشد استحبابا‪.‬‬ ‫ن لتكثير السواد فيكون‬ ‫و "الثالث" أنه منسوخ قال الطحاوي‪ :‬إن ذلك كان في صدر السلم للحتياج في خروجه ّ‬ ‫ف يه إرهاب للعدو ثم ن سخ‪ .‬وتع قب أ نه ن سخ بمجرد الدعوى ويدف عه أن ا بن عباس ش هد خروجه نّ و هو صغير‬ ‫ن لقوة ال سلم حينئذ‪ ،‬ويدف عه أ نه علل في حد يث أم عط ية حضوره نّ‬ ‫وكان ذلك ب عد ف تح م كة‪ ،‬ول حا جة إليه ّ‬ ‫لشهادته نّ الخير ودعوة المسلمين‪ .‬ويدفعه أنه أفتت به أم عطية بعد وفاته صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بمدة ولم يخالفها‬ ‫أحد من الصحابة‪.‬‬ ‫ن عن المساجد)‪ :‬فهو ل يدل على‬ ‫وأما قول عائشة‪" :‬لو رأى النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ما أحدث النساء لمنعه ّ‬ ‫تحريم خروجهنّ ول على نسخ المر به بل فيه دليل على أنهنّ ل يمنعن لنه لم يمنعهنّ صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم بل‬ ‫ن فليس لنا أن نمنع ما أمر به‪.‬‬ ‫أمر بإخراجه ّ‬ ‫ع َمرُ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم وََأبُو بكر و ُ‬ ‫ع ْن ُهمَا قالَ‪" :‬كا نَ ر سُو ُ‬ ‫ع َمرَ رضي اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]6‬ــــ وعن ا ْب نِ ُ‬ ‫خطْبةِ" ُمتّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫ن العِيديْنِ َقبْلَ ال ُ‬ ‫يصلو َ‬ ‫فيه دليل على أن ذلك هو المر الذي داوم عليه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم وخليفتاه واستمروا على ذلك‪.‬‬ ‫وظاهره وجوب تقد يم ال صلة على الخط بة‪ ،‬ون قل الجماع على عدم وجوب الخط بة في العيد ين‪ ،‬وم ستنده ما‬ ‫أخرجه النسائي وابن ماجه وأبو داود من حديث عبد ال بن السائب قال‪ :‬شهدت مع رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَسَلّم العيد فلما قضى صلته قال‪" :‬إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب"‬ ‫ل خلف السنة‪.‬‬ ‫فكانت غير واجبة فلو قدمها لم تشرع إعادتها وإن كان فاع ً‬ ‫وقد اختلف من أول من خ طب ق بل ال صلة؟ ف في م سلم أ نه مروان‪ ،‬وق يل‪ :‬سبقه إلى ذلك عثمان ك ما رواه ا بن‬ ‫المنذر بسند صحيح إلى الحسن البصري قال‪" :‬أول من خطب قبل الصلة عثمان"‪ .‬أي صلة العيد‪.‬‬ ‫وأما مروان فإنه إنما قدم الخطبة لنه قال لما أنكر عليه أبو سعيد‪ :‬إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلة‪،‬‬ ‫ق يل إن هم كانوا يتعمدون ترك ا ستماع الخط بة ل ما في ها من سب من ل ي ستحق ال سب والفراط في مدح ب عض‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫‪130‬‬

‫وقد روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري قال‪ :‬أول من أحدث الخطبة قبل الصلة في العيد معاوية‪...‬‬ ‫وعلى كل تقد ير فإ نه بد عة مخالف لهد يه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم و قد اعتذر لعثمان بأ نه ك ثر الناس في المدي نة‬ ‫وتناءت البيوت فكان يقدم الخطبة ليدرك من بعد منزله الصلة وهو رأي مخالف لهديه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪.‬‬ ‫ع ْنهُما "أنّ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم صَلى يَوْ َم العي ِد رَ ْك َع َتيْ نِ ل مْ‬ ‫عبّا سٍ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]7‬ــــ وعن ا ْب نِ َ‬ ‫سبْعة‪.‬‬ ‫ُيصَل َقبَْل ُهمَا ول َبعْدهُما" َأخْرجَهُ ال ّ‬ ‫هو دليل على أن صلة العيد ركعتان وهو إجماع فيمن صلى مع المام في الجبانة وأما إذا فاتته صلة المام‬ ‫فصلى وحده فكذلك عند الكثر‪.‬‬ ‫وذهب أحمد والثوري إلى أنه يصلي أربعا‪.‬‬ ‫وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود "من فاتته صلة العيد مع المام فليصل أربعا" وهو إسناد صحيح‪.‬‬ ‫وقال إسحاق‪ :‬إن صلها في الجبانة فركعتين وإل فأربعا‪.‬‬ ‫وقال أبو حنيفة‪ :‬إذا قضى صلة العيد فهو مخير بين اثنتين وأربع‪.‬‬ ‫وصلة العيد مجمع على شرعيتها مختلف فيها على أقوال ثلثة‪.‬‬ ‫(الول) وجوبها عينا عند الهادي وأبي حنيفة وهو الظاهر من مداومته صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم والخلفاء من بعده‬ ‫وأمره بإخراج الن ساء‪ ،‬وكذلك ما سلف من حد يث أمر هم بالغدوّ إلى م صلهم‪ ،‬فال مر أ صله الوجوب‪ ،‬و من‬ ‫ل لربك وانحر} على من يقول المراد به صلة النحر‪ ،‬وكذلك قوله تعالى‪{ :‬قد أفلح من‬ ‫الدلة قوله تعالى‪{ :‬فص ِ‬ ‫تزكى وذكر اسم ربه فصلى} (العلى‪ )51 ،41 :‬فسرها الكثر بزكاة الفطر وصلة عيده‪.‬‬ ‫الثاني‪:‬أنها فرض كفاية لنها شعار وتسقط بقيام البعض به كالجهاد ذهب إليه أبو طالب وآخرون‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أنها سنة مؤكدة ومواظبته صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم عليها دليل تأكيد سنيتها وهو قول زيد بن عل يّ وجماعة‬ ‫قالوا‪ :‬لقوله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬خ مس صلوات كتب هن ال على العباد" وأج يب بأ نه ا ستدلل بمفهوم العدد‪،‬‬ ‫وبأنه يحتمل كتبهن كل يوم وليلة‪ .‬وفي قوله‪" :‬لم يصل قبلها ول بعدها"‪ .‬دليل على عدم شرعة النافلة قبلها ول‬ ‫بعدها لنه إذا لم يفعل ذلك ول أمر به صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم فليس بمشروع في حقه فل يكون مشروعا في حقنا‬ ‫ويأ تي حديث أبي سعيد فإن ف يه الدللة على ترك ذلك إل أنه يأ تي في حد يث سعيد‪" :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫كان يصلي بعد العيد ركعتين في بيته"‪ .‬وصححه الحاكم فالمراد بقوله هنا ول بعدها أي في المصلي‪.‬‬ ‫خ َرجَ هُ أَبُو‬ ‫ع ْن هُ‪" :‬أَنّ ال ّنبِيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ا ْلعِيدَ بِل َأذَا نٍ‪ ،‬وَل ِإقَامَةٍ‪َ .‬أ ْ‬ ‫ع ْن هُ َرضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]8/854‬ـ وَ َ‬ ‫دَا ُودَ‪ ،‬وَأصْلُهُ فِي ا ْل ُبخَارِيّ‪.‬‬ ‫(وعنه) أي ابن عباس (أن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم صلى العيد بل أذان ول إقامة‪ .‬أخرجه أبو داود وأ صله‬ ‫في البخاري) وهو دليل على عدم شرعيتهما في صلة العيد فإنهما بدعة‪ ،‬وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح‬ ‫عن ابن المسيب‪" :‬أن أول من أحدث الذان لصلة العيد معاوية"‪ ،‬ومثله رواه الشافعي عن الثقة وزاد "وأخذ به‬ ‫الحجاج ح ين أ مر على المدي نة"‪ ،‬وروى ا بن المنذر‪" :‬أن أول من أحد ثه زياد بالب صرة"‪ ،‬وق يل‪ :‬أول من أحد ثة‬ ‫مروان‪ ،‬وقال ابن أبي حبيب‪ :‬أول من أحدثه عبد ال بن الزبير وأقام أيضا‪ ،‬وقد روى الشافعي عن الثقة عن‬ ‫ـّم كان يأمـر المؤذن فـي العيـد أن يقول الصـلة جامعـة"‪ .‬قال فـي‬ ‫ـّى ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫الزهري‪" :‬أن رسـول ال صَل‬ ‫الشرح‪ :‬وهذا مرسل يعتضد بالقياس على الكسوف لثبوت ذلك فيه‪ ،‬قلت‪ :‬وفيه تأمل‪.:‬‬ ‫شيْئا‪،‬‬ ‫عنْ هُ قَالَ‪" :‬كَا نَ ال ّن ِبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ل يُ صَلّي َقبْلَ ا ْلعِيدِ َ‬ ‫سعِيدٍ َرضِ يَ ال َ‬ ‫[رح ‪ ]9/954‬ـ وَعَ نْ َأبِي َ‬ ‫حسَنٍ‪.‬‬ ‫َفِإذَا َرجَعَ إِلَى َم ْنزِلِهِ صَلّى َر ْك َع َتيْنِ"‪ .‬رَوَاهُ ا ْبنُ مَاجَ ْه ِبِإسْنَادٍ َ‬ ‫(وعن أبي سعيد رضي ال عنه قال‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم ل يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى‬ ‫منزله صلى ركعتين‪ .‬رواه ابن ماجه بإسناد حسن) وأخرجه الحاكم وأحمد‪ ،‬وروى الترمذي عن ابن عمر نحوه‬ ‫و صححه و هو ع ند أح مد والحا كم‪ ،‬وله طر يق أخرى ع ند ال طبراني في الو سط ل كن ف يه جابر الجع في و هو‬ ‫متروك‪ ،‬والحد يث يدل على أ نه شرع صلة ركعت ين ب عد الع يد في المنزل‪ ،‬و قد عار ضه حد يث ا بن ع مر ع ند‬ ‫أحمد مرفوعا‪" :‬ل صلة يوم العيد ل قبلها ول بعدها" والجمع بينهما بأن المراد ل صلة في الجبانة‪.‬‬ ‫ضحَى إلَى ا ْلمُ صَلّى‪ ،‬وَأَوّلُ‬ ‫ل ْ‬ ‫طرِ وَا َ‬ ‫خرُ جُ يَوْ مَ الْ ِف ْ‬ ‫ن ال ّنبِيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َي ْ‬ ‫عنْ هُ قَالَ‪" :‬كَا َ‬ ‫[رح ‪ ]01/064‬ـ وَ َ‬ ‫ظ ُهمْ َو َي ْأ ُمرُهُمْ"‪ُ .‬متّ َفقَ عََليْهِ‪.‬‬ ‫شيْء َي ْبدَأُ ِبهِ الصّلةَ‪ُ ،‬ثمّ َي ْنصَ ِرفُ َفيَقُومُ ُمقَابِلَ النّاسِ ـ وَالنّاسُ عَلَى صُفُو ِف ِهمْ ـ َف َيعِ ُ‬ ‫َ‬ ‫(وعنه) أي أبي سعيد (قال‪ :‬كان رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم يخرج يوم الفطر والضحى إلى المصلى وأول‬ ‫ش يء يبدأ به ال صلة ثم ين صرف فيقوم مقا بل الناس والناس على صفوفهم فيعظ هم ويأمر هم‪ .‬مت فق عل يه) ف يه‬ ‫‪131‬‬

‫دل يل على شرع ية الخروج إلى الم صلى والمتبادر م نه الخروج إلى مو ضع غ ير م سجده صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪،‬‬ ‫وهو كذلك فإن مصله صَلّى ال عََل ْي هِ وَسَلّم محل معروف بينه وبين باب مسجده ألف ذراع‪ ،‬قاله عمر ابن شبة‬ ‫في أخبار المدينة‪.‬‬ ‫وفي الحديث دللة على تقديم الصلة على الخطبة وتقدم‪ ،‬وعلى أنه ل نفل قبلها وفي قوله‪" :‬يقوم مقابل الناس"‬ ‫دليل على أنه لم يكن في مصله منبر‪ ،‬وقد أخرج ابن حبان في رواية‪" :‬خطب يوم عيد على راحلته"‪ .‬وقد ذكر‬ ‫البخاري في تمام روايته عن أبي سعيد‪" :‬أن أول من اتخذ المنبر في مصلى العيد مروان"‪ .‬وأن كان قد روى‬ ‫عمر بن شبة‪" :‬أن من خطب الناس في المصلى على المنبر عثمان فعله مرة ثم تركه حتى أعاده مروان"‪ ،‬وكأن‬ ‫أبا سعيد لم يطلع على ذلك‪ .‬وفيه دليل على مشروعية خطبة العيد وأنها كخطب الجمع أمر ووعظ وليس فيه‬ ‫أن ها خطبتان كالجم عة‪ ،‬وأ نه يق عد بينه ما ولعله لم يث بت ذلك من فعله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وإن ما صنعه الناس‬ ‫قياسا على الجمعة‪.‬‬ ‫ع ْنهُمْ قَالَ‪ :‬قَالَ ّن ِبيّ ال صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫جدّ ِه رَضِيَ ال َ‬ ‫عنْ ِ‬ ‫ن َأبِي هِ ‪َ ،‬‬ ‫ش َعيْبٍ‪ ،‬عَ ْ‬ ‫عمْروِ ْبنِ ُ‬ ‫عنْ َ‬ ‫[رح ‪ ]11/164‬ـ وَ َ‬ ‫خرَجَ ُه َأبُو دَا ُودَ‪َ ،‬ونَ َقلَ‬ ‫خرَى‪ ،‬وَالْ ِقرَا َءةُ َب ْعدَ ُهمَا كِ ْل ْت ِي ِهمَا"‪َ .‬أ ْ‬ ‫لْ‬ ‫خمْ سٌ فِي ا ُ‬ ‫سبْعٌ فِي الُولَى َو َ‬ ‫طرِ َ‬ ‫وَ سَلّم‪" :‬ال ّت ْكبِيرُ فِي الْ ِف ْ‬ ‫صحِيحَهُ‪.‬‬ ‫ن ا ْل ُبخَا ِريّ َت ْ‬ ‫ال ّت ْر ِمذِيّ عَ ْ‬ ‫(وعن عمرو بن شعيب) هو أبو إبراهيم عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد ال بن عمرو بن العاص سمع أباه‬ ‫وابن المسيب وطاوسا‪ ،‬وروي عنه الزهري وجماعة‪ ،‬ولم يخرج الشيخان حديثه وضمير أبيه وجده إن كان معنا‬ ‫أن أباه شعيبا روى عن جده مح مد أن ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪ :‬كذا فيكون مر سلً‪ ،‬لن جده محمدا‬ ‫لم يدرك النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم وإن كان الضمير الذي في أبيه عائدا إلى شعيب والضمير في جده إلى عبد‬ ‫ال فيراد أن شعيبا روى عـن جده عبـد ال فشعيـب لم يدرك جده عبـد ال‪ ،‬فلهذه العِلّة لم يخرجـا حديثـه‪ ،‬وقال‬ ‫الذ هبي‪ :‬قد ث بت سماع شع يب من جده ع بد ال‪ ،‬و قد اح تج به أرباب ال سنن الرب عة وا بن خزي مة وا بن حبان‬ ‫والحاكم‪( ،‬عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال نبي ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬التكبير في الفطر" أي في صلة عيد الفطر‬ ‫(سبع في الولى) أي في الرك عة الولى‪( ،‬وخمس في الخيرة) أي الركعة الخرى‪ ،‬و (القراءة) الحمد وسورة‬ ‫ي بن المديني‪ ،‬وصححاه‪،‬‬ ‫(بعدهما" أخرجه أبو داود ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه) ‪ ،‬وأخرجه أخمد وعل ّ‬ ‫وقد رووه من حديث عائشة وسعد القرظي وابن عباس وابن عمر وكثير بن عبد ال‪ ،‬والكل فيه ضعفاء‪ ،‬وقد‬ ‫روي عن عل يّ عليه السلم وابن عباس موقوفا‪ ،‬قال ابن رشد‪ :‬إنما صاروا إلى الخذ بأقوال الصحابة في هذه‬ ‫المسألة لنه لم يثبت فيها عن النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم شيء‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وروي العقيلي عن أحمد بن حنبل أنه قال‪ :‬ليس يروى في التكبير في العيدين حديث صحيح‪ .‬هذا والحديث‬ ‫دليل على أنه يكبر في الولى من ركعتي العيد سبعا‪ ،‬ويحتمل أنها بتكبيرة الفتتاح وأنها من غيرها والوضح‬ ‫أنها من دونها وفيها خلف‪ ،‬وقال في الهدي النبوي‪ :‬إن تكبيرة الفتتاح منها إل أنه لم يأت بدليل‪ ،‬وفي الثانية‬ ‫خمسا وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم وخالف آخرون فقالوا‪ :‬خمس في الولى وأربع في الثانية‪،‬‬ ‫وقيل‪ :‬ثلث في الولى وثلث في الثانية‪ ،‬وقيل‪ :‬ست في الولى وخمس في الثانية‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬والقرب الع مل بحد يث الباب‪ ،‬فإ نه وإن كان كل طر قه واه ية‪ ،‬فإ نه ي شد بعض ها بعضا ولن ما عداه من‬ ‫القوال ليس فيها سنة يعمل بها‪ ،‬وفي الحديث دليل على أن القراءة بعد التكبير في الركعتين‪ ،‬وبه قال الشافعي‬ ‫ومالك وذهب الهادي إلى أن القراءة قبلها فيهما واستدل له في البحر بما ل يتم دليلً وذهب الباقر وأبو حني فة‬ ‫إلى أنه يقدم التكبير في الولى ويؤخر في الثانية ليوالي بين القراءتين‪ .‬واعلم أن قول المصنف أنه نقل الترمذي‬ ‫عن البخاري تصحيحه‪.‬‬ ‫وقال في تلخيص الحبير‪ :‬إنه قال البخاري والترمذي‪ :‬إنه أصح شيء في هذا الباب‪ ،‬فل أدري من أي نقله عن‬ ‫الترمذي فإن الترمذي لم يخرج في سننه روا ية عمرو بن شع يب أصلً بل أخرج رواية كثير بن عبد ال عن‬ ‫أب يه عن جده‪ ،‬وقال‪ :‬حد يث جد كث ير أح سن ش يء روي في هذا الباب عن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫وفي الباب عن عائشة وابن عمر وعبد ال بن عمرو ولم يذكر عن البخاري شيئا‪ ،‬وقد وقع البيهقي في السنن‬ ‫الكبرى هذا الوهم بعينه إل أنه ذكره بعد روايته لحديث كثير فقال‪ :‬قال أبو عيسى‪ :‬سألت محمدا يعني البخاري‬ ‫عن هذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬ليس في هذا الباب شيء أصح منه قال‪ :‬وحديث عبد ال بن عبد الرحمن الطائفي عن‬ ‫عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في هذا الباب هو صحيح أيضا‪ ،‬انتهى كلم البيهقي‪.‬‬ ‫ولم ن جد في الترمذي شيئا م ما ذكره‪ ،‬و قد ن به في تنق يح النظار على ش يء من هذا‪ ،‬وقال‪ :‬والع جب أن ا بن‬ ‫النحوي ذكر في خلصته عن البيهقي أن الترمذي قال‪ :‬سألت محمدا عنه إلخ‪ ،‬وبهذا يعرف أن المصنف قلد في‬ ‫‪132‬‬

‫النقـل عـن الترمذي عـن البخاري الحافـظ البيهقـي‪ ،‬ولهذا لم ينسـب حديـث عمرو بـن شعيـب إل إلى أبـي دادو‪،‬‬ ‫والولى العمل بحديث عمرو لما عرفت‪ ،‬وأنه أشفى شيء في الباب‪ ،‬وكان صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يسكت بين كل‬ ‫تكبيرتين سكتة لطيفة ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرتين ولكن ذكر الخلل عن ابن مسعود أنه قال‪ :‬يحمد‬ ‫ال ويثني عليه ويصلي على النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ .‬وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود "أن بين‬ ‫كل تكبيرتين قدر كلمتين" وهو موقوف‪ .‬وفيه[تض] سليمان بن أرقم[‪/‬تض] ضعيف‪ ،‬وكان ابن عمر مع تحريه‬ ‫للتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة‪.‬‬ ‫عنْ ُه قال‪" :‬كا نَ النبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يَ ْقرَأُ في الْ ِفطْر‬ ‫[رح ‪ ]12‬ــــ وع نْ أَبي واقِدٍ الليثيّ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫والضحى بقاف وا ْقتَ َربَتْ" َأخْرجهُ ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫(و عن أ بي وا قد) بقاف ومهملة ا سم فا عل من و قد ا سمه‪ :‬الحارث بن عوف اللي ثي قد يم ال سلم ق يل إ نه ش هد‬ ‫بدرا‪ ،‬وقيل إنه من مسلمة الفتح‪ ،‬والول أصح‪ .‬عداده في أهل المدينة‪ ،‬وجاور بمكة‪ ،‬ومات بها سنة ثمان وستين‬ ‫(الليثي رضي ال عنه قال‪ :‬كان النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقرأ في الفطر والضحى بـ "قاف") أي في الولى‬ ‫بعد الفاتحة (واقتربت) أي في الثانية بعدها (أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫فيه دليل على أن القراءة بهما في صلة العيد سنة‪ ،‬وقد سلف أنه يقرأ فيهما بسبح والغاشية‪ .‬والظاهر أنه كان‬ ‫يقرأ هذا تارة وهذا تارة‪ ،‬وقد ذهب إلى سُنية ذلك الشافعي ومالك‪.‬‬ ‫ن يوْ ُم الْعيدِ‬ ‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا كا َ‬ ‫ن ر سو ُ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪" :‬كا َ‬ ‫ع نْ جابرٍ رض يَ اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]13‬ــــ وَ َ‬ ‫خ َرجَهُ ا ْل ُبخَاريّ‪.‬‬ ‫خَاَلفَ الطّريقَ" َأ ْ‬ ‫يعني أنه يرجع من مصله من جهة غير الجهة التي خرج منها إليه‪.‬‬ ‫قال الترمذي‪ :‬أ خذ بهذا ب عض أ هل العلم وا ستحبه للمام و به يقول الشاف عي انت هى‪ .‬وقال به أك ثر أ هل العلم‪،‬‬ ‫ويكون مشروعا للمام والمأموم الذي أشار إليه بقوله‪:‬‬ ‫حوُهُ‪.‬‬ ‫ع َمرَ رضيَ اللّهُ عنهما َن ْ‬ ‫‪ 14‬ــــ وَلبي دَا ُودَ عن ا ْبنِ ُ‬ ‫ولفظه في السنن عن ابن عمر "أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في‬ ‫طريق أخرى"‪.‬‬ ‫وفيـه دليـل أيضا على مـا دل عليـه حديـث جابر‪ .‬واختلف فـي وجـه الحكمـة فـي ذلك‪ .‬فقيـل‪ :‬ليسـلم على أهـل‬ ‫الطريقين‪ :‬وقيل‪ :‬لينال بركته الفريقان‪ :‬وقيل‪ :‬ليقضي حاجة من له حاجة فيهما وقيل‪ :‬ليظهر شعائر السلم في‬ ‫سـائر الفجاج والطرق وقيـل‪ :‬ليغيـظ المنافقيـن برؤيتهـم عزة السـلم وأهله ومقام شعائره‪ ،‬وقيـل‪ :‬لتكثـر شهادة‬ ‫البقاع فإن الذا هب إلى الم سجد أو الم صلى إحدى خطوا ته تر فع در جة والخرى ت حط خطيئة ح تى ير جع إلى‬ ‫منزله وقيل‪ :‬وهو الصح أنه لذلك كله من الحكم التي ل يخلو فعله عنها وكان ابن عمر مع شدة تحريه للسنة‬ ‫يكبر من بيته إلى المصلى‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم المدي نة وَلهُم َيوْمان‬ ‫ع ْن ُه قالَ‪ :‬قَد مَ ر سو ُ‬ ‫[رح ‪ ]15‬ــــ وَعَ نْ َأنَ سٍ رَضَي اللّ هُ َ‬ ‫خ َرجَ ُه أَبو داوُد والنسائي بإسنْادٍ‬ ‫خيْرا منهما‪ :‬يو مَ الضحْى ويوْ َم الْ ِفطْر" َأ ْ‬ ‫يَلْعبُون فيهما فقَالَ‪َ " :‬قدْ َأبْدلَك مُ ال ِب ِهمَا َ‬ ‫صحيح‪.‬‬ ‫الحديث يدل على أنه قال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم ذلك عقيب قدومه المدينة كما تقتضيه الفاء‪.‬‬ ‫والذي في كتب السير أن أول عيد شرع في السلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة‪.‬‬ ‫وف يه دل يل على أن إظهار ال سرور في العيد ين مندوب‪ ،‬وأن ذلك من الشري عة ال تي شرع ها ال لعباده‪ ،‬إذ في‬ ‫إبدال عيـد الجاهليـة بالعيديـن المذكوريـن دللة على أنـه يفعـل فـي العيديـن المشروعيـن مـا تفعله الجاهليـة فـي‬ ‫أعيادها‪ ،‬وإنما خالفهم في تعيين الوقتين (قلت)‪ :‬هكذا في الشرح ومراده من أفعال الجاهلية ما ليس بمحظور ول‬ ‫شاغل عن طاعة‪.‬‬ ‫وأما التوسعة على العيال في العياد بما حصل لهم من ترويح البدن وبسط النفس من كلف العبادة فهو مشروع‪.‬‬ ‫و قد ا ستنبط بعض هم كراه ية الفرح في أعياد المشرك ين والتش به ب هم‪ ،‬وبالغ في ذلك الش يخ ال كبير أ بو ح فص‬ ‫البستي من الحنفية وقال‪ :‬من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بال‪.‬‬ ‫حسّنهُ‪.‬‬ ‫خرُج إلى العِيدِ مَاشيا" رواهُ ال ّت ْرمِذيّ و َ‬ ‫سنّةِ َأنْ َت ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪" :‬مِ َ‬ ‫عنْ علي رَضيَ اللّهُ َ‬ ‫[رح ‪ ]16‬ــــ و َ‬ ‫تمامه من الترمذي "وأن تأكل شيئا قبل أن تخرج"‪.‬‬

‫‪133‬‬

‫قال أ بو عي سى‪ :‬والع مل على هذا الحد يث ع ند أك ثر أ هل العلم ي ستحبون أن يخرج الر جل إلى الع يد ماشيا وأن‬ ‫يأكل شيئا قبل أن يخرج‪.‬‬ ‫قال أبو عيسى‪ :‬ويستحب أن ل يركب إل من عذر انتهى‪.‬‬ ‫ولم أجد فيه أنه حسّنه ول أظن أنه يحسّنه لنه رواه من طريق الحارث العور وللمحدثين فيه مقال‪.‬‬ ‫و قد أخرج الزهري مر سلً‪ :‬أ نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ما ر كب في ع يد ول جنازة‪ .‬وكان ا بن ع مر يخرج إلى‬ ‫العيد ماشيا ويعود ماشيا‪.‬‬ ‫وتقييد الكل بقبل الخروج بعيد الفطر لما مر من حديث عبد ال بن بريدة عن أبيه‪ ،‬وروى ابن ماجه من حديث‬ ‫أبي رافع وغيره‪" :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع ماشيا"‪ .‬ولكنه بوب البخاري في‬ ‫الصحيح عن المضى والركوب إلى العيد فقال‪" :‬باب المضي والركوب إلى العيد" فسوى بينهما كأنه لما رأى من‬ ‫عدم صحة الحديث فرجع إلى الصل في التوسعة‪.‬‬ ‫ع ْنهُ‪َ" :‬أ ّنهُمْ أصَابُهم مطَرٌ في يَوْم عيدٍ فصَلى بهمُ النّبيّ صَلّى ال‬ ‫[رح ‪ ]17‬ــــ وع نْ أبي ُهرَيرة رضيَ اللّ هُ َ‬ ‫عََليْهِ َوسَلّم صَلةَ الْعيدِ في المسجدِ" رَوَا ُه أَبو دَا ُودَ بإسْنادٍ َليّن‪.‬‬ ‫لن في إسناده رجلً مجهولً‪ ،‬ورواه ابن ماجه والحاكم بإسناد ضعيف‪.‬‬ ‫و قد اختلف العلماء على قول ين هل الف ضل في صلة الع يد الخروج إلى الجبا نة أو ال صلة في م سجد البلد إذا‬ ‫كان واسعا؟‬ ‫الثاني قول الشافعي أنه إذا كان مسجد البلد واسعا صلوا فيه ول يخرجون فكل مه يقضي أن العلة في الخروج‬ ‫طلب الجتماع‪ ،‬ولذا أمر صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بإخراج العواتق وذات الخدور‪ ،‬فإذا حصل ذلك في المسجد فهو‬ ‫أف ضل ولذلك فإن أ هل م كة ل يخرجون ل سعة م سجدها وض يق أطراف ها وإلى هذا ذ هب المام يح يى وجما عة‬ ‫قالوا‪ :‬الصلة في المسجد أفضل‪.‬‬ ‫والقول الول للهادو ية ومالك أن الخروج إلى الجبا نة أف ضل ولو ات سع الم سجد للناس‪ .‬وحجت هم محافظ ته صَلّى‬ ‫ال عََليْ هِ وَ سَلّم على ذلك ولم يصل في المسجد إل لعذر المطر ول يحافظ صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم إل على الفضل‬ ‫ولقول عل يّ عليه السلم فإنه روي أنه خرج إلى الجبانة لصلة العيد وقال‪" :‬لول أنه السنة لصليت في المسجد‪،‬‬ ‫واستخلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد" قالوا‪ :‬فإن كان في الجبانة مسجد مكشوف فالصلة فيه أفضل‬ ‫وإن كان مسقوفا ففيه تردد‪.‬‬ ‫(فائدة) التكـبير فـي العيديـن مشروع عنـد الجماهيـر‪ ،‬فأمـا تكـبير عيـد الفطار فأوجبـه الناصـر لقوله تعالى‪:‬‬ ‫{ولتكبّروا ال على ما هداكم} والكثر أنه سنة‪ ،‬ووقته مجهول مختلف فيه على قولين‪.‬‬ ‫فعند الكثر أنه من عند خروج المام للصلة إلى مبتدأ الخطبة‪ ،‬وذكر فيه البيهقي حديثين وضعفهما‪ ،‬لكن قال‬ ‫الحاكم‪ :‬هذه سنة تداولها أئمة الحديث وقد صحت به الرواية عن ابن عمر وغيره من الصحابة‪.‬‬ ‫والثاني للناصر أنه من مغرب أول ليلة من شوال إلى عصر يومها خلف كل صلة‪.‬‬ ‫وعند الشافعي إلى خروج المام أو حتى يصلي أو حتى يفرغ من الخطبة‪ .‬أقوال عنه‪.‬‬ ‫وأما صفته ففي فضائل الوقات للبيهقي بإسناده إلى سلمان "أنه كان يعلمهم التكبير ويقول‪ :‬كبروا ال أكبر ال‬ ‫أكبر كبيرا أو قال كثيرا اللهم أنت أعلى وأجل من أن تكون لك صاحبة أو يكون لك ولد أو يكون لك شريك في‬ ‫الملك أو يكون لك ولي من الذل وكبره تكبيرا اللهم اغفر لنا اللهم ارحمنا"‪.‬‬ ‫وأما تكبير عيد النحر فأوجبه أيضا الناصر لقوله تعالى‪{ :‬واذكروا ال في ايام معدودات} ولقوله {كذلك سخرها‬ ‫لكم لتكبروا ال على ما هداكم} ووافقه المنصور بال‪.‬‬ ‫وذهب الجمهور إلى أنه سنة مؤكدة للرجال والنساء ومنهم من خصه بالرجال‪.‬‬ ‫وأ ما وق ته فظا هر ال ية الكري مة والثار عن ال صحابة أ نه ل يخ تص بو قت دون و قت‪ ،‬إل أ نه اختلف العلماء‬ ‫فمنهـم مـن خصـه بعقيـب الصـلة مطلقا‪ ،‬ومنهـم مـن خصـه بعقيـب الفرائض دون النوافـل‪ ،‬ومنهـم مـن خصـه‬ ‫بالجماعة دون الفرادى‪ ،‬وبالمؤداة دون المقضية وبالمقيم دون المسافر‪ ،‬وبالمصار دون القرى‪.‬‬ ‫وأما ابتداؤه وانتهاؤه ففيه خلف أيضا فقيل في الول من صبح يوم عرفة‪ ،‬وقيل من ظهره‪ ،‬وقيل من عصره‪.‬‬ ‫و في الثا ني إلى ظ هر ثال ثه‪ ،‬وق يل إلى آ خر أيام التشر يق‪ ،‬وق يل إلى ظهره‪ ،‬وق يل إلى ع صره‪ ،‬ولم يث بت ع نه‬ ‫صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم في ذلك حديث واضح‪ ،‬وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود "أنه من‬ ‫صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى"‪ ،‬أخرجهما ابن المنذر‪.‬‬ ‫‪134‬‬

‫وأما صفته فأصح ما ورد فيه ما رواه عبد الرازق عن سلمان بسند صحيح "قال‪ :‬كبروا ال أكبر ال أكبر‪ ،‬ال‬ ‫أ كبر كبيرا" و قد روي عن سعيد بن جبير ومجا هد وا بن أ بي ليلى وقول الشاف عي وزاد ف يه "ول الح مد" و في‬ ‫الشرح صفات كثيرة واستحسانات عن عدة من الئمة‪ ،‬وهو يدل على التوسعة في المر وإطلق الية يقتضي‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫واعلم أ نه ل فرق ب ين ت كبير ع يد الفطار وع يد الن حر في مشروع ية الت كبير ل ستواء الدلة في ذلك وإن كان‬ ‫المعروف عند الناس إنما هو تكبير عيد النحر‪.‬‬ ‫وقد ورد المر في الية بالذكر في اليام المعدودات واليام المعلومات‪ ،‬وللعلماء قولن‪.‬‬ ‫منهـم مـن يقول همـا مختلفان‪ ،‬فاليام المعدودات أيام التشريـق والمعلومات أيام العشـر ذكره البخاري عـن ابـن‬ ‫عباس تعليقا ووصـله غيره‪ ،‬وأخرج ابـن مردويـه عـن ابـن عباس"إن المعلومات‪ :‬التـي قبـل أيام الترويـة ويوم‬ ‫عرفة‪ .‬والمعدودات‪ :‬أيام التشريق" وإسناده صحيح وظاهره إدخال يوم العيد في أيام التشريق‪ .‬وقد روى ابن أبي‬ ‫شيبة عن ابن عباس أيضا "إن المعلومات يوم النحر وثلثة أيام بعده" ورجحه الطحاوي لقوله {ويذكروا اسم ال‬ ‫في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة النعام} فإنها تشعر بأن المراد أيام النحر انتهى‪.‬‬ ‫وهذا ل يم نع ت سمية أيام الع شر معلومات ول أيام التشر يق معدودات بل ت سمية التشر يق معدودات مت فق عل يه‬ ‫لقوله تعالى‪{ :‬واذكروا ال في ايام معدودات} و قد ذ كر البخاري عن أ بي هريرة وا بن ع مر تعليقا‪ :‬أنه ما كا نا‬ ‫يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما‪ .‬وذكر البغوي والبيهقي ذلك‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬كان‬ ‫مشايخنا يقولون بذلك أيام العشر جميعها‪.‬‬ ‫(فائدة ثانية) يندب لبس أحسن الثياب والتطيب بأجود الطياب في يوم العيد ويزيد في الضحى الضحية بأسمن‬ ‫ما يجد لما أخرجه الحاكم من حديث الحسن السبط قال‪" :‬أمرنا رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في العيدين أن‬ ‫نلبس أجود ما نجد وأن نتطيب بأجود ما نجد وأن نضحي بأسمن ما نجد‪ :‬البقرة عن سبعة والجزور عن عشرة‬ ‫وأن نظهر التكبير والسكينة والوقار"‪ .‬قال الحاكم بعد إخراجه من طريق إسحاق بن بزرج‪ :‬لول جهالة إسحاق‬ ‫هذا لحكمت للحديث بالصحة (قلت)‪ :‬ليس بمجهول فقد ضعفه الزدي ووثقه ابن حبان‪ .‬ذكره في التلخيص‪.‬‬ ‫باب صلة الكسوف‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ‬ ‫عهْد رَسُو ِ‬ ‫عنْهُ قالَ‪ :‬ا ْن َكسَفتِ الشمْسُ عَلى َ‬ ‫شعْب َة رضي اللّهُ َ‬ ‫ن المُغيرةِ بنِ ُ‬ ‫عِ‬ ‫[رح ‪ ]1‬ــــ َ‬ ‫ت إبرَاهيم) فَقَالَ رسولُ ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬إنّ‬ ‫شمْ سُ لموْ ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ت إبْراهيم (فقال الناس‪ :‬انك سَفَ ِ‬ ‫وَ سَلّم يَوْ مَ مَا َ‬ ‫حدٍ ول لحياتِهِـ فإذا رََأ ْيتُموهُمـا فادعُوا ال وصَـلّوا حَتـى‬ ‫ن لموْتِـ َأ َ‬ ‫الشّمسَـ وَالْ َق َمرَ آيتَانِـ مِن ْـ آيات ال ل ي ْنكَسِـفَا ِ‬ ‫َت ْن َكشِفَ" ُمتّ َفقٌ عََليْهِ‪ ،‬وَفي رواية لِ ْلبُخاريّ "حَتى َت ْنجَلي"‪.‬‬ ‫(عن المغيرة بن شعبة رضي ال عنه قال‪ :‬انكسفت الشمس على عهد رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يوم مات‬ ‫إبراهيم) أي ابنه عليه السلم وموته في العاشرة من الهجرة‪ :‬وقال أبو داود‪ :‬في ربيع الول يوم الثلثاء لعشر‬ ‫خلون منه وقيل‪ :‬في الرابعة (فقال الناس‪ :‬انكسفت الشمس لموت إبراهيم) (فقال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم) أي رادّا‬ ‫ْتـ أَحدٍ ول لِحياتـه فإذا رََأ ْيتُموهمـا فادعُوا ال‬ ‫ِنـ آيات ال ل ينكسـفان لمَو ِ‬ ‫("إنـ الشمـس والقمرَ آيتان م ْ‬ ‫ّ‬ ‫عليهـم‬ ‫وصلّوا) هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري "فصلوا وادعوا ال" (حتى تَنكشف") ليس هذا اللفظ في البخاري بل هو في‬ ‫م سلم (مت فق عل يه) يقال ك سفت الش مس‪ :‬بف تح الكاف وت ضم نادرا وانك سفت وخ سفت بف تح الخاء وت ضم نادرا‬ ‫وانخسفت‪.‬‬ ‫واختلف العلماء في اللفظ ين هل يستعملن في الش مس والقمر‪ ،‬أو يختص كل ل فظ بواحد منه ما‪ ،‬وقد ث بت في‬ ‫القرآن ن سبة الخ سوف إلى الق مر‪ ،‬وورد في الحد يث خ سفت الش مس ك ما ث بت في ن سبة الك سوف إليه ما وث بت‬ ‫استعمالهما منسوبين إليهما فيقال فيهما‪ :‬الشمس والقمر ينخسفان‪ ،‬وينكسفان إنما الذي لم يرد في الحاديث نسبة‬ ‫الكسـوف إلى القمـر على جهـة النفراد‪ ،‬وعلى هذا يدل اسـتعمال الفقهاء فإنهـم يخصـون الكسـوف بالشمـس‬ ‫والخسوف بالقمر‪ :‬واختاره ثعلب‪ ،‬وقال الجوهري‪ :‬إنه أفصح‪ ،‬وقيل يقال بهما في كل منهما‪.‬‬ ‫والكسوف‪ :‬لغة التغير إلى السواد‪ ،‬والخسوف النقصان‪ ،‬وفي ذلك أقوال أخر‪.‬‬ ‫وإنما قالوا إنها كسفت لموت إبراهيم لنها كسفت في غير يوم كسوفها المعتاد‪ ،‬فإن كسوفها في العاشر أو الرابع‬ ‫ل يكاد يتفق فلذا قالوا‪ :‬إنما هو لجل هذا الخطب العظيم‪ ،‬فردّ عليهم صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ذلك وأخبرهم أنهما‬ ‫علمتان من العلمات الدالة على وحدانية ال تعالى وقدرته على تخويف عباده من بأسه وسطوته‪.‬‬ ‫والحديث مأخوذ في قوله تعالى‪{ :‬وما نرسل باليات إل تخويفا}‪.‬‬ ‫‪135‬‬

‫وفي قوله "لحياته" مع أنهم لم يدعوا ذلك بيان أنه ل فرق بين المرين فكما أنكم ل تقولون بكسوفهما لحياة أحد‬ ‫كذلك ل يكسفان لموته‪ ،‬أو كأن المراد من حياته صحته من مرضه ونحوه‪ ،‬ثم ذكر القمر مع أن الكلم خاص‬ ‫بكسوف الشمس زيادة في الفادة والبيان‪ ،‬أن حكم النيّرين واحد في ذلك‪.‬‬ ‫ثم أرشد العباد إلى ما يشرع عند رؤية ذلك من الصلة والدعاء ويأتي صفة الصلة‪.‬‬ ‫والمر دليل الوجوب إل أنه حمله الجمهور على أنه سنة مؤكدة لنحصار الواجبات في الخمس الصلوات‪.‬‬ ‫وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها‪ ،‬ونقل عن أبي حنيفة أنه أوجبها‪.‬‬ ‫َسـلّم غايـة وقـت الدعاء والصـلة انكشاف الكسـوف‪ ،‬فدل على أنهـا تفوت الصـلة‬ ‫ْهـ و َ‬ ‫صـلّى ال عََلي ِ‬ ‫وجعـل َ‬ ‫بالنجلء‪ ،‬فإذا انجلت و هو في ال صلة فل يتم ها‪ ،‬بل يقت صر على ما ف عل إل أن في روا ية لم سلم‪" :‬ف سلم و قد‬ ‫انجلت"‪ ،‬فدل أنه يتم الصلة وإن كان قد حصل النجلء‪ ،‬ويؤيده القياس على سائر الصلوات فإنها تقيد بركعة‬ ‫كما سلف‪ ،‬فإذا أتى بركعة أتمها‪.‬‬ ‫وفيه دليل على أن فعلها يتقيد بحصول السبب في أي وقت كان من الوقات‪ ،‬وإليه ذهب الجمهور‪.‬‬ ‫وعند أحمد وأبي حنيفة ما عدا أوقات الكراهة (وفي رواية للبخاري) أي عن المغيرة (حتى تنجلي) عوض قوله‬ ‫تنكشف والمعنى واحد‪.‬‬ ‫ف مَا بكمُ"‪.‬‬ ‫عنْ ُه " َفصَلّوا وادعُوا حَتى ُي ْكشَ َ‬ ‫[رح ‪ ]2‬ــــ وَلِ ْل ُبخَاري ِمنْ حديثِ أَبي َب ْكرَ َة رضي اللّهُ َ‬ ‫هو أول حديث ساقه البخاري في باب الكسوف ولفظه "يكشف" والمراد يرتفع ما حل بكم من كسوف الشمس أو‬ ‫القمر‪.‬‬ ‫ج َهرَ في صَلةِ ا ْلكُسُوف بقرَا َء ِتهِ‬ ‫ع ْنهَا‪" :‬أنّ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم َ‬ ‫عنْ عَا ِئشَةَ رضي اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]3‬ــــ وَ َ‬ ‫جدَاتَ" ُمتّفَ قٌ عََليْ هِ وهذا لَفْ ظُ مُ سِْلمٍ‪ ،‬وفي روايةٍ َل ُه "فَ َبعَ ثَ مُناديا ُينَادي‬ ‫سَ‬ ‫فَ صَلى َأ ْربَ عَ َر ْكعَا تٍ في َركْعتين وََأ ْربَ عَ َ‬ ‫الصّل ُة جَامعةٌ"‪.‬‬ ‫(و عن عائ شة ر ضي ال عن ها أن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ج هر في صلة الك سوف بقراء ته ف صلى أر بع‬ ‫ركعات) أي ركوعات بدليل قولها (في ركعتين وأربع سجدات‪ .‬متفق عليه وهذا لفظ مسلم)‪.‬‬ ‫الحد يث دل على شرع ية الج هر بالقراءة في صلة الك سوف‪ ،‬والمراد ك سوف الش مس ل ما أخر جه أح مد بل فظ‬ ‫"خ سفت الش مس" وقال‪ " :‬ثم قرأ فج هر بالقراءة" و قد أخرج الج هر أيضا الترمذي والطحاوي والدارقط ني‪ ،‬و قد‬ ‫أخرج ا بن خزي مة وغيره من عل يّ عل يه ال سلم مرفوعا الج هر بالقراءة في صلة الك سوف‪ ،‬و في ذلك أقوال‬ ‫أربعة‪.‬‬ ‫(الول) أنه يجهر بالقراءة مطلقا في كسوف الشمس والقمر لهذا الحديث وغيره‪ ،‬وهو إن كان واردا في كسوف‬ ‫الش مس‪ ،‬فالق مر مثله لجم عة صلى ال تعالى عل يه وآله و سلم بينه ما في الح كم ح يث قال‪" :‬فإذا رأيتموه ما" أي‬ ‫كاسفتين "فصلوا وادعوا" والصل استواؤهما في كيفية الصلة‪ ،‬ونحوهما وهو مذهب أحمد وإسحاق وأبي حنيفة‬ ‫وابن خزيمة وابن المنذر وآخرين‪.‬‬ ‫(والثا ني) ي سرّ مطلقا لحد يث ا بن عباس "أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قام قياما طويلً نحوا من سورة البقرة"‪ .‬فلو‬ ‫جهر لم يقدره بما ذكر وقد علق البخاري عن ابن عباس‪ :‬أنه قام بجنب النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم في الكسوف‬ ‫فلم يسمع منه حرفا‪ .‬ووصله البيه قي من ثل ثة طرق أسانيدها واه ية فيض عف القول بأ نه يحتمل أن ابن عباس‬ ‫كان بعيدا منه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم فلم يسمع جهره بالقراءة‪.‬‬ ‫(الثالث) أ نه يخ ير فيه ما ب ين الج هر وال سرار لثبوت المر ين ع نه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ك ما عر فت من أدلة‬ ‫القولين‪.‬‬ ‫(الرابع) أنه يسر في الشمس ويجهر في القمر وهو لمن عدا الحنفية من الربعة عملً بحديث ابن عباس وقياسا‬ ‫على الصلوات الخمس‪ .‬وما تقدم من دليل أهل الجهر مطلقا أنهض مما قالوه‪.‬‬ ‫وقد أفاد حديث الباب أن صفة صلة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وفي كل ركعة سجدتان ويأتي في‬ ‫شرح الحديث الرابع الخلف في ذلك (وفي رواية) أي لمسلم عن عائشة (فبعث) أن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬ ‫(مناديا ينادي‪ :‬الصـلةَ جامعةً) بنصـب الصـلة وجامعـة فالول على أنـه مفعول فعـل محذوف أي أحضروا‪،‬‬ ‫والثاني على الحال ويجوز رفعهما على البتداء والخبر وفيه تقادير أخر‪.‬‬ ‫وهو دليل على مشروعية العلم بهذا اللفظ للجتماع لها ولم يرد المر بهذا اللفظ عنه صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم إل‬ ‫في هذه الصلة‪.‬‬ ‫‪136‬‬

‫ع ْهدِ رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه‬ ‫شمْ سُ على َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫عنْهمُا قالَ‪" :‬انخَ سَفَ ْ‬ ‫عبّا سٍ رضي ال َ‬ ‫[رح ‪ ]4‬ــــ وعَن ا ْب نِ َ‬ ‫ن قراءةِ سُورَ ِة ا ْلبَقرةِ‪ ،‬ثمّ ركَ عَ ُركُوعا‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ،‬فَقَا مَ ِقيَاما طَويلً نحْوا مِ ْ‬ ‫وَ سَلّم فَ صَلى ر سو ُ‬ ‫جدَ‪،‬‬ ‫سَ‬ ‫طَويلً‪َ ،‬ثمّ َرفَعَ فَقَا َم قِياما طويلً وَهُو دُونَ الْقيامِ الوّل‪ ،‬ثمّ ركَعَ ركوعا طويلً وهو دون الرّكوع الوّل ثمّ َ‬ ‫ن ال ِقيَام الوّل‪ ،‬ثمّ ر كع ُركُوعا طويلً وهُو دُون الرّكوع الول‪ ،‬ثمّ رف عَ فقَا مَ قياما‬ ‫ثمّ قَام قياما طويلً وهُ َو دو َ‬ ‫جدَ‪ ،‬ثمّ‬ ‫سـ َ‬ ‫َأسـهُ ثمّ َ‬ ‫َعـ ر َ‬ ‫دونـ الركوع الوّل‪ ،‬ثمّ رف َ‬ ‫َ‬ ‫ركعـ رُكُوعا طَويلً وَ ُهوَ‬ ‫َ‬ ‫دونـ القيام الوّلِ‪ ،‬ثمّ‬ ‫َ‬ ‫طويلً و ُهوَ‬ ‫خطَ بَ النّا سَ" ُمتّف قٌ عَلَيْه والل فظ للبُخاريّ‪ ،‬و في روا ية لمُ سلمٍ " صلى ح ين كَ سَفَت‬ ‫انْ صرفَ َو َقدْ َتجَلّت الشم سُ َف َ‬ ‫جدَاتٍ"‪.‬‬ ‫سَ‬ ‫ت في أربعِ َ‬ ‫الشّمسُ َثمَاني ر َكعَا ٍ‬ ‫قوله "فصلى" ظاهر الفاء التعقيب‪.‬‬ ‫واعلم أن صلة الكسوف رويت على وجوه كثيرة ذكرها الشيخان وأبو داود وغيرهم وهي سنة باتفاق العلماء‪.‬‬ ‫و في دعوى التفاق ن ظر ل نه صرح أ بو عوا نة في صحيحه بوجوب ها‪ ،‬وح كى عن مالك أ نه أجرا ها مجرى‬ ‫الجمعة وتقدم عن أبي حنيفة إيجابها‪.‬‬ ‫ومذ هب الشاف عي وجما عة أن ها ت سنّ في جما عة‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬فرادى وح جة الول ين الحاد يث ال صحيحة من‬ ‫فعله صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم لها جماعة‪.‬‬ ‫ثـم اختلفوا فـي صـفتها‪ .‬فالجمهور أنهـا ركعتان فـي كـل ركعـة قيامان وقراءتان وركوعان والسـجود سـجدتان‬ ‫كغيرها وهذه الكيفية ذهب إليها مالك والشافعي والليث وآخرون‪.‬‬ ‫وفي قوله‪" :‬نحوا من قراءة سورة البقرة" دليل على أنه يقرأ فيها القرآن‪ ،‬قال النووي‪ :‬اتفق العلماء أنه يقرأ في‬ ‫القيام الول من أول ركعة الفاتحة واختلفوا في القيام الثاني ومذهبنا ومالك أنها ل تصح الصلة إل بقراءتها‪.‬‬ ‫وف يه دل يل على شرع ية طول الركوع‪ ،‬قال الم صنف‪ :‬لم أر في ش يء من الطر يق بيان ما قاله صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫َوسَلّم فيه إل أن العلماء اتفقوا أنه ل قراءة فيه وإنما المشروع فيه الذكر من تسبيح وتكبير وغيرهما‪.‬‬ ‫وفي قوله "وهو دون الول "دللة على أن القيام الذي يعقبه السجود ل تطو يل ف يه وأنه دون الول وإن كان قد‬ ‫وقع في رواية مسلم في حديث جابر "أنه أطال ذلك" لكن قال النووي‪ :‬إنها شاذة فل يعمل بها‪.‬‬ ‫ونقل القاضي إجماع العلماء أنه ل يطول العتدال الذي يلي السجود وتأول هذه الرواية بأنه أراد بالطالة زيادة‬ ‫الطمأنينة‪.‬‬ ‫ولم يذكر في هذه الرواية طول السجود ولكنه قد ثبتت إطالته في رواية أبي موسى عند البخاري وحديث ابن‬ ‫عمرو عند مسلم‪.‬‬ ‫قال النووي‪ :‬قال المحققون من أصحابنا وهو المنصوص للشافعي‪ :‬أنه يطول للحاديث الصحيحة بذلك‪ ،‬فأخرج‬ ‫أ بو داود والن سائي من حد يث سمرة "كان أطول ما ي سجد في صلة قط" و في روا ية م سلم من حد يث جابر‬ ‫"وسجوده نحوا من ركوعه" وبه جزم أهل العلم بالحديث‪.‬‬ ‫ويقول عقيب كل ركوع‪ :‬سمع ال لمن حمده ثم يقول عقيبه‪ :‬ربنا لك الحمد إلى آخره‪.‬‬ ‫ويطول الجلوس بيـن السـجدتين فقـد وقـع فـي روايـة مسـلم لحديـث جابر إطالة العتدال بيـن السـجدتين‪ ،‬قال‬ ‫المصنف‪ :‬لم أقف عليه في شيء من الطرق إل في هذا‪َ ،‬ونَقْلُ الغزالي التفاق على عدم إطالته مردودٌ‪.‬‬ ‫وفي قوله‪" :‬ثم قام قياما طويلً وهو دون القيام الول" دليل على إطالة القيام في الركعة الثانية ولكنه دون القيام‬ ‫في الركعة الولى وقد ورد في رواية أبي داود عن عروة "أنه قرأ آل عمران"‪.‬‬ ‫قال ابن بطال‪ :‬ل خلف أن الركعة الولى بقيامها وركوعها تكون أطول من الركعة الثانية بقيامها وركوعها‪.‬‬ ‫واختلف في القيام الول من الثان ية وركو عه هل ه ما أق صر من القيام الثا ني من الولى وركو عه أن يكونان‬ ‫سواء؟ قيل‪ :‬وسبب هذا الخلف فهم معنى قوله‪" :‬وهو دون القيام الول" هل المراد به الول من الثانية أو يرجع‬ ‫إلى الجميع فيكون كل قيام دون الذي قبله‪.‬‬ ‫وفي قوله‪" :‬فخطب الناس" دليل على شرعية الخطبة بعد صلة الكسوف‪ ،‬وإلى استحبابها ذهب الشافعي وأكثر‬ ‫أئمة الحديث‪.‬‬ ‫وعن الحنفية‪ :‬ل خطبة في الكسوف لنها لم تنقل‪ ،‬و ُتعُقّب بالحاديث المصرحة بالخطبة‪ .‬والقول بأن الذي فعله‬ ‫ب بأن‬ ‫صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم لم يقصد به الخطبة بل قصد الرد على ما اعتقد أن الكسوف بسبب موت أحد ُم َتعَقّ ٌ‬ ‫رواية البخاري‪" ،‬فحمد ال وأثنى عليه" وفي رواية "شهد أنه عبده ورسوله" وفي رواية للبخاري "أنه ذكر أحوال‬ ‫الجنة والنار وغير ذلك" وهذه مقاصد الخطبة‪ ،‬وفي لفظ مسلم من حديث فاطمة عن أسماء قالت‪" :‬فخطب رسول‬ ‫ال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم الناس فحمد ال وأثنى عليه ثم قال‪ :‬أما بعد ما من شيء لم أكن أُريته إل وقد أُريته في‬ ‫‪137‬‬

‫مقامي هذا حتى الجنة والنار وإنه قد أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدجال ــــ‬ ‫ل أدري أي ذلك قالت أسماء ــــ فيؤتى أحدكم فيقال ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن ــــ‬ ‫ل أدري أي ذلك قالت أ سماء ــــ فيقول‪ :‬هو مح مد ر سول ال جاء نا بالبينات والهدى فأجب نا وأطع نا ثلث‬ ‫مرات ثم يقال‪ :‬نم قد كنا نعلم أنك تؤمن به فنم صالحا" وفي مسلم رواية أخرى في الخطبة بألفاظ فيها زيادة‬ ‫(و في روا ية لم سلم) أي عن ا بن عباس ( صلى) أي ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم (ح ين كَ سَفت الش مس ثما ني‬ ‫ركعات) أي ركوعات (في أربع سجدات) في ركعتين لن كل ركعة لها سجدتان والمراد أنه ركع في كل ركعة‬ ‫أربع ركوعات فيحصل في الركعتين ثمان ركوعات وإلى هذه الصفة ذهبت طائفة‪.‬‬ ‫ل ذلكَ‪.‬‬ ‫ع ْنهُ ِمثْ ُ‬ ‫ي رضي اللّهُ َ‬ ‫‪ 5‬ــــ وَعَنْ عَل ّ‬ ‫(وعن علي رضي ال عنه) أي وأخرج مسلم عنه (مثل ذلك) أي مثل رواية ابن عباس‪.‬‬ ‫سجَداتِ"‪.‬‬ ‫عنْهُ "صلى سِتّ َر َكعَاتٍ بَأرْبع َ‬ ‫ن جابرٍ رضيَ اللّهُ َ‬ ‫‪ 6‬ــــ وَلَهُ عَ ْ‬ ‫(وله) أي لمسـلم (عـن جابر) بـن عبـد ال (صـلى) أي النـبي صـلى ال عليـه وآله وسـلم (سـت ركعات بأربـع‬ ‫سجدات) أي صلى ركعتين في كل ركعة ثلث ركوعات وسجدتان‪.‬‬ ‫سجْدتَيْنِ‪،‬‬ ‫سجَدَ َ‬ ‫خمْ سَ رَكعا تٍ وَ َ‬ ‫[رح ‪ ]7‬ــــ ول بي دَا ُودَ عَ نْ ُأبَيّ بن َكعْ بٍ ر ضي اللّ ُه عنْ ُه " صلى فَ َركَ َع َ‬ ‫َو َفعَل في الثّانية مثل ذلك"‪.‬‬ ‫ي بن كعب رضي ال عنه صلى) أي النبي صلى ال عليه وآله وسلم (فركع خمس ركعات)‬ ‫(ولبي داود عن أب ّ‬ ‫أي ركوعات في كل ركعة (وسجد سجدتين وفعل في الثانية مثل ذلك) ركع خمس ركوعات وسجد سجدتين‪.‬‬ ‫إذا عرفـت هذه الحاديـث فقـد يحصـل مـن مجموعهـا أن صـلة الكسـوف ركعتان اتفاقا إنمـا اختلف فـي كميـة‬ ‫الركوعات في كل ركعة فحصل من مجموع الروايات التي ساقها المصنف أربع صور‪.‬‬ ‫(الولى) ركعتان في كل رك عة ركوعان وبهذا أ خذ الشاف عي ومالك والل يث وأح مد وغير هم وعلي ها دل حد يث‬ ‫عائشة وجابر وابن عباس وابن عمرو‪ ،‬قال ابن عبد البر‪ :‬هو أصح ما في الباب وباقي الروايات معللة ضعيفة‪.‬‬ ‫(والثانية) ركعتان أيضا في كل ركعة أربع ركوعات وهي التي أفادتها رواية مسلم عن ابن عباس وعلي عليه‬ ‫السلم‪.‬‬ ‫(والثالثة) ركعتان أيضا في كل ركعة ثلث ركوعات وعليها دل حديث جابر‪.‬‬ ‫(والرابعة) ركعتان أيضا يركع في كل واحدة خمس ركوعات‪.‬‬ ‫ول ما اختل فت الروايات اختلف العلماء فالجمهور أخذوا بالولى ل ما عر فت من كلم ا بن ع بد البر‪ ،‬وقال النووي‬ ‫في شرح مسلم‪ :‬إنه أخذ بكل نوع بعض الصحابة‪.‬‬ ‫وقال جماعة من المحققين‪ :‬إنه مخير بين النواع فأيهما فعل فقد أحسن‪ ،‬وهو مبني على أنه تعدد الكسوف وأنه‬ ‫فعل هذا تارة وهذا أخرى‪ ،‬ول كن التحقيق أن كل الروايات حكاية عن واقعة واحدة هي صلته صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم يوم وفاة إبراه يم‪ ،‬ولهذا عول الخرون على إعلل الحاد يث ال تي ح كت ال صور الثلث‪ ،‬قال ا بن الق يم‪:‬‬ ‫كبار الئمة ل يصححون التعدد لذلك كالمام أحمد والبخاري والشافعي ويرو نه غلطا‪ ،‬وذهبت الحنفية إلى أنها‬ ‫تصلي ركعتين كسائر النوافل‪.‬‬ ‫جثَا النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫ت الرّي حُ َقطّ إلّا َ‬ ‫ع ْنهُما قالَ‪ :‬مَا َهبّ ْ‬ ‫عبّا سٍ رَض يَ اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]8‬ــــ وَعَن ابن َ‬ ‫جعَلْها عذابا" رَوَا ُه الشّافعيّ والطّبرانيّ‪.‬‬ ‫حمَ ًة ول َت ْ‬ ‫جعَ ْلهَا َر ْ‬ ‫على ُر ْكبَ َتيْه وقال‪" :‬اللهُ ّم ا ْ‬ ‫(وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬ما هبت الريح قط إل جثا) بالجيم والمثلثة (النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‬ ‫على ركبتيه) أي برك عليهما وهي قعدة المخافة ل يفعلها في الغالب إل الخائف (وقال‪" :‬اللهمّ اجعلْها َرحْمة ول‬ ‫تجعلْها عذابا" رواه الشافعي والطبراني)‪.‬‬ ‫الريح‪ :‬اسم جنس صادق على ما يأتي بالرحمة ويأتي بالعذاب وقد ورد في حديث أبي هريرة مرفوعا "الريح‬ ‫من روح ال تأتي بالرحمة وبالعذاب فل تسبوها"‪.‬‬ ‫وقد ورد في تمام حديث ابن عباس‪" :‬اللهم اجعلها رياحا ول تجعلها ريحا"‪ .‬وهو يدل أن المفرد يختص بالعذاب‬ ‫والج مع بالرح مة‪ ،‬قال ا بن عباس‪ :‬في كتاب ال {إ نا أر سلنا علي هم ريحا صرصرا}‪{ ..‬وأر سلنا علي هم الر يح‬ ‫العق يم}‪{ ..‬وأرسلنا الرياح لوا قح}‪{ ..‬وأنه يرسل الرياح مبشرات} رواه الشاف عي في الدعوات الكبير‪ .‬وهو بيان‬ ‫أنهـا جاءت مجموعـة فـي الرحمـة‪ ،‬ومفردة فـي العذاب‪ ،‬فاسـتشكل مـا فـي الحديـث مـن طلب أن تكون رحمـة‪،‬‬

‫‪138‬‬

‫وأج يب‪ :‬بأن المراد ل تهلك نا بهذه الر يح لن هم لو هلكوا بهذه الر يح لم ت هب علي هم ر يح أخرى فتكون ريحا ل‬ ‫رياحا‪.‬‬ ‫ت وقالَ‪" :‬هَكذا صَل ُة اليا تِ"‬ ‫سجَدَا ٍ‬ ‫ع ْن هُ رض يَ اللّ هُ عنه صلى في زَلْزَلَ ٍة سِتّ َر َكعَا تٍ وَأ ْربَ عَ َ‬ ‫[رح ‪ ]9‬ــــ و َ‬ ‫ن آخرهِ‪.‬‬ ‫عنْ ُه ِمثْلَهُ دو َ‬ ‫عنْ عليَ رضيَ اللّهُ َ‬ ‫رَواهُ ا ْل َبيْهقيّ َو َذ َكرَ الشافِعيّ َ‬ ‫(وعنه) أي ابن عباس (رضي ال عنهما صلى في زلزلة ست ركعات) أي ركوعات (وأربع سجدات) أي صلى‬ ‫ركعت ين في كل رك عة ثلث ركوعات (وقال‪ :‬هكذا صلة اليات‪ .‬رواه البيه قي‪ .‬وذ كر الشاف عي عن علي مثله‬ ‫دون آخره) وهو قوله‪" :‬هكذا صلة اليات" أخرجه البيهقي من طريق عبد ال بن الحارث أنه كان في زلزلة في‬ ‫البصرة‪ ،‬ورواه ابن أبي شيبة من هذا الوجه مختصرا‪ :‬أن ابن عباس صلى بهم في زلزلةٍ أرب عَ سجدات ركع‬ ‫فيها ستا‪ .‬وظاهر اللفظ أنه صلى بهم جماعة وإلى هذا ذهب القاسم من الل وقال‪ :‬يصلي للفزاع مثل صلة‬ ‫الك سوف وإن شاء ركعت ين وواف قه على ذلك أح مد بن حن بل ول كن قال‪ :‬ك صلة الك سوف (قلت)‪ :‬ل كن في ك تب‬ ‫الحنابلة أنه يصلي صلة الكسوف ركعتين إذا شاء‪.‬‬ ‫ن التجميع وأما صلة المنفرد فحسن‪ ،‬قال‪ :‬لنه لم يرو أنه صَلّى ال عََل ْي هِ‬ ‫وذهب الشافعي وغيره إلى أنه ل يس ّ‬ ‫َوسَلّم أمر بالتجميع إل في الكسوفين‪.‬‬ ‫باب صلة الستسقاء‬ ‫أي طلب سقاية ال تعالى ع ند حدوث الجدب‪ :‬أخرج ا بن ما جه من حد يث ا بن ع مر‪ :‬أن ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ‬ ‫وَسَـلّم قال‪" :‬لم ينقـص قوم المكيال والميزان إل أُخذوا بالسـنين وشدة المؤنـة وجور السـلطان عليهـم‪ ،‬ولم يمنعوا‬ ‫زكاة أموالهم إل منعوا القطر من السماء"‪.‬‬ ‫ع ْنهُ ما قالَ‪ :‬خرَجَـ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم مُتواضعا مُتبذّل‬ ‫[رح ‪ ]1‬ــــ عن ا بن عبّاسٍـ رضـي اللّ هُ َ‬ ‫صحّحهُ‬ ‫خطُ بْ خُطبتكم هذه" روا ُه الخمْسةُ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ضرّعا فَ صَلّى ركْعتين كما يُصلي في العيد لَ مْ ي ْ‬ ‫ل مُت َ‬ ‫مُتخشّعا مُتر سّ ً‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫عوَانة واب ُ‬ ‫الترمذيّ وأَبو َ‬ ‫(و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬خرج ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم) أي من المدي نة (متواضعا متبذلً)‬ ‫بالمثناة الفوقية فذال معجمة أي أنه لبس ثياب البذلة‪ ،‬والمراد ترك الزينة وحسن الهيئة تواضعا وإظهارا للحاجة‬ ‫(متخشعا) الخشوع في الصوت والبصر كالخضوع في البدن (مترسلً) من الترسل في المشي وهو التأني وعدم‬ ‫العجلة (متضرعا) لفظ أبي داود "متبذلً متواضعا متضرعا" والتضرع التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة كما‬ ‫في النهاية (فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه) لفظ أبي داود "ولكن لم يزل في الدعاء‬ ‫والتضرع والتكبير ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد" فأفاد لفظه أن الصلة كانت بعد الدعاء واللفظ الذي‬ ‫أتى به المصنف غير صريح في ذلك (رواه الخمسة وصححه الترمذي وأبو عوانة وابن حبان) وأخرجه الحاكم‬ ‫والبيهقي والل والدارقطني‪.‬‬ ‫والحديث دليل على شرعية الصلة للستسقاء وإليه ذهب الل‪.‬‬ ‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يصلي للستسقاء وإنما شرع الدعاء فقط‪.‬‬ ‫ثم اختلف القائلون بشرعيـة الصـلة فقال جما عة‪ :‬إن ها ك صلة الع يد فـي تكبيرهـا وقراءتهـا و هو المن صوص‬ ‫للشافعي عملً بظاهر لفظ ابن عباس‪.‬‬ ‫وقال آخرون‪ :‬بل ي صلي ركعت ين ل صفة له ما زائدة على ذلك وإل يه ذ هب جما عة من الل ويروى عن علي‬ ‫عليه السلم وبه قال مالك مستدلين بما أخرجه البخاري من حديث عباد بن تميم أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم صلى‬ ‫بهم ركعتين‪ .‬وكما يفيده حديث عائشة التي قريبا وتأولوا حديث ابن عباس بأن المراد التشبيه في العدد ل في‬ ‫الصفة‪ ،‬ويبعده أنه قد أخرج الدارقطني من حديث ابن عباس‪ :‬أنه يكبر فيها سبعا وخمسا كالعيدين ويقرأ بسبح‬ ‫وهل أتاك‪ .‬وإن كان في إسناده مقال فإنه يؤيده حديث الباب‪.‬‬ ‫وأ ما أ بو حني فة فا ستدل ب ما أخر جه أ بو داود والترمذي‪ :‬أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ا ستسقى ع ند أحجار الز يت‬ ‫بالدعاء‪ .‬وأخرج عوا نة في صحيحه‪ ،‬أ نه ش كا إل يه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قوم الق حط فقال‪" :‬اجثوا على الر كب‬ ‫وقولوا‪ :‬يا رب يا رب"‪.‬‬ ‫وأجيب عنه بأنه ثبت صلة ركعتين وثبت تركها في بعض الحيان لبيان الجواز‪.‬‬ ‫وقد عدّ في الهدي النبوي أنواع استسقائه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪.‬‬ ‫(فالول) خروجه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم إلى المصلى وصلته وخطبته‪.‬‬ ‫(والثاني) يوم الجمعة على المنبر أثناء الخطبة‪.‬‬ ‫‪139‬‬

‫(والثالث) استسقاؤه على منبر المدينة استسقى مجردا في غير الجمعة ولم يحفظ عنه فيه صلة‪.‬‬ ‫(الرابع) أنه استسقى وهو جالس في المسجد فرفع يديه ودعا ال عز وجل‪.‬‬ ‫(الخامس) أنه استسقى عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء وهي خارج باب المسجد‪.‬‬ ‫(السادس) أنه استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء‪ ،‬وأغيث صلى ال عليه وآله وسلم في‬ ‫كل مرة استسقى فيها‪.‬‬ ‫واختلف في الخط بة في ال ستسقاء؛ فذ هب الهادي إلى أ نه ل يخ طب ف يه لقول ا بن عباس "لم يخطب" إل أنه ل‬ ‫يخفى أنه ينفي الخطبة المشابهة لخطبتهم وذكر ما قاله صلى ال عليه وآله وسلم وقد زاد في رواية أبي داود‪:‬‬ ‫أنه صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم رقى المنبر‪ .‬والظاهر أنه ل يرقاه إل للخطبة‪.‬‬ ‫وذهب آخرون إلى أنه يخطب فيها كالجمعة لحديث عائشة التي وحديث ابن عباس‪.‬‬ ‫ثم اختلفوا هل يخطب قبل الصلة أو بعدها؟ فذهب الناصر وجماعة إلى الول‪.‬‬ ‫وذهب الشافعي وآخرون إلى الثاني مستدلين بحديث أبي هريرة عند أحمد وابن ماجه وأبي عوانة والبيهقي‪ :‬أنه‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم خرج لل ستسقاء فصلى ركعت ين ثم خ طب‪ .‬واستدل الوّلون بحد يث ا بن عباس وقد قدمنا‬ ‫لفظه‪.‬‬ ‫وجمع بين الحديثين بأن الذي بدأ به هو الدعاء‪ ،‬فعبر بعض عن الدعاء بالخطبة واقتصر على ذلك ولم يرو في‬ ‫الخطبـة بعدهـا‪ ،‬والراوي لتقديـم الصـلة على الخطبـة اقتصـر على ذلك ولم يروا الدعاء قبلهـا وهذا جمـع بيـن‬ ‫الروايتين‪.‬‬ ‫وأما ما يدعو به فيتحرى ما ورد عنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم من ذلك وقد أبان اللفاظ التي دعا بها صلى ال عليه‬ ‫وآله وسلم بقوله‪:‬‬ ‫ـّم ُقحُوط‬ ‫ـّى ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫[رح ‪ ]2‬ـــــ وعـن عائشةَ رضيَـ ال عنْهـا قالت‪ :‬شَكـا النّاس إلى رسـُول ال صَل‬ ‫خرَجَ رسول ال صَلّى ال‬ ‫المطر فأَ َمرَ بمنْبر فَ ُوضِعَ لَ ُه بالمُصلى وَوَعَد النّاس يَوْما يخْ ُرجُون فيه‪ ،‬قالت عائشة‪َ :‬ف َ‬ ‫عََليْهِ وَسَلّم حين بدا حاجِبُ الشّمس فَ َقعَد على المنبر َف َكبّر رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم وحمد ال عزّ وجل ثمّ‬ ‫شكَوْتم ْـ جدْبَـ دياركُم وقدْ أَمركُمُـ ال أَن َتدْعُوهُـ وَوَعدكُم أَن يَسـْتجيب لَكُم" ثمّ قالَ‪" :‬الحمْدُ ل ربّ‬ ‫قالَ‪" :‬إنكمُـ َ‬ ‫ت ال ل إله إلّا َأنْ تَ‪َ ،‬أنْ تَ الْغنيّ‬ ‫العالمي نَ‪ ،‬الرّحمن الرّحيم‪ ،‬مَلِك يَوْ مِ الدي نِ‪ ،‬ل إله إلّا اللّ ُه يَ ْفعَلُ ما يُريدُ‪ ،‬اللهُ ّم َأنْ َ‬ ‫جعَلْ مَا َأنْزلْ تَ عََل ْينَا قُوّةً وبلغا إلى حين" ثمّ َرفَ عَ ي َديْ هِ فلَ مْ يزَلْ حتّى رُئ يَ‬ ‫ن الْفُقَراءُ‪ ،‬أَنزل عََليْنا ا ْل َغيْ ثَ وا ْ‬ ‫و َنحْ ُ‬ ‫ظ ْهرَ ُه وقَلَ بَ رداءَه وهو راف عُ يديْ هِ‪ ،‬ثمّ َأقْبلَ على النّاس ونزَلَ فَ صَلى رَكع َتيْ نِ‪،‬‬ ‫ل إلى الناس َ‬ ‫طيْ هِ‪ ،‬ثمّ حَوّ َ‬ ‫َبيَا ضُ إ ْب َ‬ ‫جيّدٌ‪.‬‬ ‫ب وإسنَادُ ُه َ‬ ‫ت وبرقَتْ ثمّ َأمْطرتْ‪ .‬رواهُ أبو داو َد وقال غري ٌ‬ ‫عدَ ْ‬ ‫سحَاب ًة فَرَ َ‬ ‫َفَأنْشأَ اللّ ُه َ‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬شكا الناس إلى رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قحوط المطر) وهو مصدر‬ ‫كالح قط (فأ مر بم نبر فو ضع له في الم صلى وو عد الناس يوما يخرجون ف يه قالت عائ شة‪ ):‬عي نه ل هم (فخرج‬ ‫رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر) قال ابن القيم‪ :‬إن صح وإل ففي القلب‬ ‫جدْب دياركم واستئخار‬ ‫شكَوْتم َ‬ ‫منه شيء (فكبر رسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم وحمد ال عز وجل ثم قال‪" :‬إنكُمْ َ‬ ‫المطر عن إبان زمانه عنكم فَقَد أَمركُ مُ اللّ ُه أن تدعو هُ" قال تعالى‪{ :‬ادعوني استجب لكم} ووعدكم أن يستجيب‬ ‫ل كم ك ما ال ية الولى و في قوله {وإذا سألك عبادي ع ني فإ ني قري بٌ أج يب دعوة الدا عِ إذا دعا ني} (ثمّ قالَ‪:‬‬ ‫{الحمد ل رب العالمين الرحمن الرحيم}‬ ‫فيه دليل على عدم افتتاح الخطبة بالبسملة بل بالحمدلة ولم تأت رواية عنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم أنه افتتح الخطبة‬ ‫بغير التحميد (مالك يوم الدين ل إلَه إل ال يفعل ما يريد اللّهم أنت ال ل إلَه إل أنت الغني ونحن الفقراء أنزل‬ ‫علي نا الغ يث واج عل ما أنزلت علي نا قوة بلغا إلى ح ين ثم ر فع يد يه فلم يزل) في سنن أ بي داود‪ " ،‬في الر فع"‬ ‫(ح تى رئي بياض إبط يه ثم حول إلى الناس ظ هر) فا ستقبل ال ِقبْلة (وقلب) في سنن أ بي داود‪" ،‬وحول" (رداءه‬ ‫وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس) توجه إليهم بعد تحويل ظهره عنهم‪( ،‬ونزل) أي عن المنبر (فصلى ركعتين‬ ‫فأنشأ ال سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت) تمامه في سنن أبي داود بإذن ال فلم يأت باب مسجده حتى سالت‬ ‫ال سيول‪ ،‬فل ما رأى سرعتهم إلى ال كن ض حك ح تى بدت نواجذه‪ ،‬وقال‪" :‬أش هد أن ال على كل ش يء قد ير وأ ني‬ ‫عبد ال ورسوله" (رواه أبو داود‪ ،‬وقال‪ :‬غريب وإسناده جيد) هو من تمام قول أبي داود ثم قال أبو داود‪" :‬أهل‬ ‫حجّ ة ل هم"‪ ،‬و في قوله‪" :‬و عد الناس" ما يدل على أ نه يح سن‬ ‫المدي نة يقرءون ملك يوم الد ين‪ ،‬وإن هذا الحد يث ُ‬ ‫تقديم تبيين اليوم للناس ليتأهبوا ويتخلصوا من المظالم ونحوها ويقدموا التوبة‪ ،‬وهذه المور واجبة مطلقا إل أنه‬ ‫مع ح صول الشدة وطلب تفريج ها من ال تعالى يتض يق ذلك‪ ،‬و قد ورد في ال سرائيليات "إن ال حرم قوما من‬ ‫‪140‬‬

‫بني إ سرائيل ال سقيا بعد خروج هم ل نه كان في هم عاص وا حد"‪ ،‬ول فظ الناس ي عم الم سلمين وغير هم قبل فيشرع‬ ‫إخراج أهل الذمة ويعتزلون المصلي‪.‬‬ ‫وفي الحديث دليل على شرعية رفع اليدين عند الدعاء‪ ،‬ولكنه يبالغ في رفعهما في الستسقاء حتى يساوي بهما‬ ‫وجهه ول يجاوز بهما رأسه‪ .‬وقد ثبت رفع اليدين عند الدعاء في عدة أحاديث وصنف المنذري في ذلك جزءا‪،‬‬ ‫وقال النووي‪ :‬قد جم عت في ها نحوا من ثلث ين حديثا من ال صحيحين أو أحده ما وذكر ها في أوا خر باب صفة‬ ‫الصلة من شرح المهذب‪ ،‬وأما حديث أنس في نفي رفع اليدين في غير الستسقاء‪ ،‬فالمراد به نفي المبالغة ل‬ ‫ن في أ صل الر فع‪ .‬وأ ما كيف ية قلب الرداء فيأ تي عن البخاري ج عل اليم ين على الشمال وزاد ا بن ما جه وا بن‬ ‫خزي مة "وج عل الشمال على اليم ين"‪ ،‬و في روا ية ل بي داود "ج عل عطا فه الي من على عات قه الي سر وعطا فه‬ ‫اليسر عاتقه اليمن"‪ ،‬وفي رواية لبي داود "أنه كان عليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها ويجعله أعلها‬ ‫فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه" ويشرع للناس أن يحولوا معه لما أخرجه أحمد بلفظ‪" :‬وحول الناس معه"‪ ،‬وقال‬ ‫الليث وأبو يوسف‪ :‬إنه يختص التحويل بالمام‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬ل تحول النساء‪ .‬وأما وقت التحويل فعند استقباله‬ ‫ال ِقبْلة ولمسلم‪" :‬أنه لما أراد أن يدعو استقبل ال ِقبْلة وحول رداءه" ومثله في البخاري‪.‬‬ ‫وفي الحديث دليل على أن صلة الستسقاء ركعتان وهو قول الجمهور وقال الهادي‪ :‬أربع بتسليمتين ووجه قوله‬ ‫بأنه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم استسقى في الجمعة كما في قصة العرابي والجمعة بالخطبتين بمنزلة أربع ركعات‬ ‫ول يخفى ما فيه‪ ،‬وقد ثبت من فعله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم الركعتان كما عرفت من هذا الحديث والذي قبله ولما‬ ‫ذهبت الحنفية إلى أنه ل يشرع التحويل‪ ،‬وقد أفاده هذا الحديث الماضي زاد المصنف تقوية الستدلً على ثبوت‬ ‫التحويل بقوله‪:‬‬ ‫ن زَيدٍ‪َ ،‬وفِيْ هِ‪" :‬فَتَوّ جه إِلَى الْ ِقبَْلةِ َيدْعُو‪ ،‬ثُمّ‬ ‫ع ْبدِ ال بِ ِ‬ ‫حدِي ثِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح مِ َ‬ ‫ل فِي ال صّحْي ِ‬ ‫[رح ‪ ]3/973‬ـ َوقِ صّةُ ال ّتحْوِي ِ‬ ‫ج َهرَ فِي ِهمَا بِالْ َقرَاءَةِ"‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫صَلّى َر ْك َعتَيْ ِ‬ ‫(وقصة التحويل في الصحيح) أي صحيح البخاري (من حديث عبد ال بن زيد) أي المازني وليس هو راوي‬ ‫الذان كما وهم فيه بعض الحفاظ ولفظه في البخاري "فاستقبل ال ِقبْلة وقلب رداءه" (وفيه) أي في حديث عبد ال‬ ‫بن زيد (فتوجه) أي النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم (إلى ال ِقبْلة يدعو) في البخاري بعد يدعو‪" ،‬وحول رداءه"‪ ،‬وفي‬ ‫ل فظ "قلب رداءه" ( ثم صلى ركعت ين ج هر فيه ما بالقراءة) ‪ ،‬قال البخاري‪ :‬قال سفيان‪ :‬وأ خبرني الم سعودي عن‬ ‫أ بي ب كر قال‪" :‬ج عل اليم ين على الشمال" انت هى‪ .‬زاد ا بن خزي مة "والشمال على اليم ين"‪ ،‬و قد اختلف في حك مة‬ ‫التحويل‪ ،‬فأشار المصنف إليه بإيراد الحديث‪:‬‬ ‫حطُ"‪.‬‬ ‫ل الْ َق ْ‬ ‫حوّلَ ِردَاءَ ُه ِل َي َتحَوّ َ‬ ‫جعْ َفرٍ ا ْلبَا ِقرِ‪َ " :‬و َ‬ ‫طنِي مِنْ ُم ْرسَلِ َأبِي َ‬ ‫[رح ‪ ]4/084‬ـ وَلِلدّارَ ُق ْ‬ ‫ي بن أبي طالب سمع‬ ‫وهو قوله‪( :‬وللدارقطني من مرسل أبي جعفر الباقر) هو محمد بن عليّ بن الحسن بن عل ّ‬ ‫أباه زين العابدين وجابر بن عبد ال‪ ،‬وروى عنه ابنه جعفر الصادق وغيره‪ .‬ولد سنة ست وخمسين ومات سنة‬ ‫سبع عشرة ومائة وهو ابن ثلث وستين سنة ودفن بالبقيع في البقعة التي دفن فيها أبوه وعم أبيه الحسن بن عليّ‬ ‫بن أبي الطالب وسمي الباقر لنه تبقر في العلم أي توسع فيه انتهى من جامع الصول‪( ،‬وحول رداءه ليتحول‬ ‫الق حط) وقال ا بن العر بي‪ :‬هو أمارة بي نه وب ين ر به‪ ،‬ق يل‪ :‬له حول رداءك ليتحول للتفاؤل‪ ،‬قال‪ :‬لن من شرط‬ ‫الفأل أن ل يقصد إليه‪ ،‬وقال المصنف‪ :‬إنه ورد في التفاؤل حديث رجاله ثقات‪.‬‬ ‫قال المصنف في الفتح‪ :‬إنه أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جار فوصله لن‬ ‫مح مد بن عل يّ ل قي جابرا‪ ،‬وروي ع نه إل أ نه قال‪ :‬إ نه ر جح الدارقط ني إر ساله‪ ،‬ثم قال‪ :‬وعلى كل حال ف هو‬ ‫أولى من القول بالظن وقوله‪ :‬في الحديث الول‪" :‬جهر فيهما بالقراءة" في بعض روايات البخاري "يجهر"‪ ،‬ونقل‬ ‫ابن بطال أنه مجمع عليه أي على الجهر في صلة الستسقاء وأخذ منه بعضهم أنها ل تصلي إل في النهار ولو‬ ‫كانت تصلي في الليل لسر فيها نهارا ولجهر فيها ليلً وفي هذا الخذ بعد ل يحفى‪.‬‬ ‫خطُ بُ‪.‬‬ ‫ج ْمعَةِ‪ ،‬وَال ّنبِيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قَائِ مٌ َي ْ‬ ‫جدَ يَوْ مَ ا ْل ُ‬ ‫سِ‬ ‫س ‪ ،‬أَنّ َرجُلً َدخَلَ ا ْلمَ ْ‬ ‫ع نْ َأنَ ٍ‬ ‫[رح ‪ ]5/184‬ـ وَ َ‬ ‫غ ْثنَا‪،‬‬ ‫عزّ َوجَلّ ُي ِغ ِي ُثنَا‪َ ،‬فرَفَ عَ َي َديْ هِ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ‪" :‬الّلهُ مّ َأ ِ‬ ‫سبُلُ فَادْ عُ ال َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫طعَ ِ‬ ‫لمْوَالُ‪ ،‬وَانْ َق َ‬ ‫تاَ‬ ‫فَقَالَ‪ :‬يَا رَ سُولَ ال‪ ،‬هََلكَ ِ‬ ‫حدِيثِ‪َ ،‬وفِي ِه الدّعَارُ ِبِإمْسَا ِكهَا‪ُ ،‬متّ َفقٌ عََليْهِ‪.‬‬ ‫غ ْثنَا"‪َ ،‬فذَ َكرَ ا ْل َ‬ ‫الّل ُهمّ َأ ِ‬ ‫(وعن أنس رضي ال عنه أن رجلً دخل المسجد يوم الجمعة والنبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قائم يخطب فقال‪ :‬يا‬ ‫رسول ال هلكت الموال وانقطعت ال سُبل فادع ال عز وجل يغيثنا فرفع يديه) زاد البخاري في رواية "ورفع‬ ‫غثْنا") فذكر الحديث (وفيه الدعاء بإمساكها) أي‬ ‫الناس أيديهم" (ثم قال‪" :‬اللهم أغِثنا) وفي البخاري أسقنا (اللهمّ أَ ِ‬ ‫السحاب عن المطار (متفق عليه) تمامه من مسلم‪ :‬قال أنس‪ :‬فل وال ما نرى في السماء من سحاب ول قزعة‬ ‫‪141‬‬

‫وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار قال‪ :‬فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم‬ ‫أمطرت قال‪ :‬فل وال ما رأينا الشمس سبتا‪ .‬ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول ال صلى‬ ‫ال تعالى عليـه وسـلم قائم يخطـب فاسـتقبله قائما فقال‪ :‬يـا رسـول ال هلكـت الموال وانقطعـت السـبل فادع ال‬ ‫يم سكها ع نا قال‪ :‬فر فع ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يد يه ثم قال‪" :‬الل هم حَوَالي نا ول علي نا الل هم على الكام‬ ‫والظراب وبطون الودية ومنابت الشجر" قال فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس قال شريك‪ :‬فسألت أنس بن‬ ‫مالك أهو الرجل الول؟ قال‪ :‬ل أدري‪ .‬انتهى‪ .‬قال المصنف‪ :‬لم أقف على تسميته في حديث أنس‪.‬‬ ‫وهلك الموال يعم المواشي والطيان‪ .‬وانقطاع السبل عبارة عن عدم السفر لضعف البل بسبب عدم المرعى‬ ‫والقوات أو لنه لما نفد ما عند الناس من الطعام لم يجدوا ما يحملونه إلى السواق‪.‬‬ ‫وقوله "يُغيثنا" يحتمل فتح حرف المضارعة على أنه من غاث إما من الغيث أو الغوث ويحتمل ضمه على أنه‬ ‫من الغاثة ويرجح هذا قوله‪" :‬اللهم أغثنا"‪.‬‬ ‫وفيه دللة على أنه يدعى إذا كثر المطر وقد بوب له البخاري "باب الدعاء إذا كثر المطر" وذكر الحديث‪.‬‬ ‫وأخرج الشافعي في مسنده وهو مرسل من حديث المطلب بن حنطب‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وعلى آله وسلم‬ ‫كان يقول ع ند الم طر "الل هم سقيا رح مة ل سقيا عذاب ول بلء ول هدم ول غرق الل هم على الظراب ومنا بت‬ ‫الشجر اللهم حوالينا ول علينا"‪.‬‬ ‫ع َمرَ رض يَ ال عنْ هُ كا نَ إذا ُقحِطُوا ا سْتسْقى بالعباس ب نِ عبد ا ْل ُمطّلب‬ ‫عنْ هُ رض يَ ال عنْ هُ َأنّ ُ‬ ‫[رح ‪ ]6‬ــــ وَ َ‬ ‫ك ِب َعمّ نبيّنا فاس ِقنَا‪َ ،‬ف ُيسْقَوْنَ" روا ُه البُخاريّ‪.‬‬ ‫ك بنبيّنا فَ َتسْقينا‪ ،‬وَإنّا َنتَوسّلُ إل ْي َ‬ ‫وقالَ‪" :‬الّل ُهمّ إنّا ُكنّا نتوسل إلي َ‬ ‫(و عن أ نس ر ضي ال ع نه أن ع مر كان إذا ُقحِطوا) ب ضم القاف وك سر المهملة أي أ صابهم الق حط (ا ستسقى‬ ‫بالعباس بن عبد المطلب وقال) أي عمر‪( :‬اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا‬ ‫فيسقون‪ .‬رواه البخاري) وأما العباس رضي ال عنه فإنه قال‪" :‬اللهم إنه لم ينزل بلء من السماء إل بذنب ولم‬ ‫ينك شف إل بتو بة و قد تو جه بي القوم إل يك لمكا ني من نب يك وهذه أيدي نا إل يك بالذنوب ونوا صينا إل يك بالتو بة‬ ‫فاسقنا الغيث؛ فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الرض" أخرجه الزبير بن بكار في النساب‪ ،‬وأخرجه‬ ‫أيضا من حديث ابن عمر أن عمر استسقى بالعباس عام الرمادة وذكر الحديث‪ ،‬وذكر الباذري أن عام الرمادة‬ ‫كان سنة ثماني عشرة‪ ،‬والرمادة بفتح الراء وتخفيف الميم‪ ،‬سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب فاغبرت‬ ‫الرض جدا من عدم المطر‪.‬‬ ‫وفي هذه القصة دليل على الستشفاع بأهل الخير والصلح وبيت النبوة‪.‬‬ ‫وفيه فضيلة العباس وتواضع عمر ومعرفته لحق أهل البيت رضي ال عنهم‪.‬‬ ‫طرٌ‪ ،‬قال َفحَ سَرَ‬ ‫ح نُ مَ َع رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َم َ‬ ‫[رح ‪ ]7‬ــــ وع ْن هُ رض يَ ال عنه قالَ‪ :‬أَ صَابنا و َن ْ‬ ‫ع ْهدٍ بربّه" رَوَا ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫ثوْبهُ حتى أَصابه مِن المطر وقال‪" :‬إن ُه حديث َ‬ ‫(وعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬أصابنا ونحن مع رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم مطر قال‪ :‬فحسر ثوبه) أي‬ ‫ع ْهدٍ بربّهِ" رواه مسلم) وبوّب له البخاري فقال‪:‬‬ ‫كشف بعضه عن بدنه (حتى أصابه من المطر وقال‪" :‬إنهُ حديثُ َ‬ ‫"باب من يمطر حتى يتحادر عن لحيته" وساق حديث أنس بطوله‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬حديث عهد بربه" أي بإيجاد ربه إياه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق ال لها فيتبرك بها وهو‬ ‫دليل على استحباب ذلك‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم كان إذا رأَى ال َمطَرَ قال‪" :‬الّل ُهمّ‬ ‫عنْ عائشة رضيَ ال عنها َأنّ رسُو َ‬ ‫[رح ‪ ]8‬ــــ وَ َ‬ ‫صيّبا نافعا" أَخرجاه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫(و عن عائ شة ر ضي ال عن ها أن ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم كان إذا رأى الم طر قال‪" :‬اللهمّ صَيّبا نافعا"‬ ‫أخرجاه) أي الشيخان وهذا خلف عادة المصنف فإنه يقول فيما أخرجاه‪ :‬متفق عليه‪.‬‬ ‫والصيب من صاب المطر إذا وقع‪ ،‬ونافعا صفة مقيدة احترازا عن الصيب الضارّ‪.‬‬ ‫سحَابا‬ ‫سعْد رضيَ ال عنه أنّ النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم دَعَا في الستسقاء‪" :‬الل ُهمّ جّللنا َ‬ ‫[رح ‪ ]9‬ــــ وعن َ‬ ‫سجْلً يا ذا الجللِ والكْرام" رَوَاهُ أَبو عَوَان َة في صحيحهِ‪.‬‬ ‫ضحُوكا‪ُ ،‬ت ْمطِرنا ِمنْهُ رُذاذا ِقطْقِطا َ‬ ‫كثيفا قَصيفا دلُوقا َ‬ ‫(و عن سعد ر ضي ال ع نه أن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم د عا في ال ستسقاء "اللهمّ جَلّلْ نا) بالج يم من التجل يل‬ ‫والمراد تعم يم الرض ( سحابا كثيفا) بف تح الكاف فمثل ثة فمثناة تحت ية ففاء‪ ،‬أي متكاثفا متراكما (قَ صِيفا) بالقاف‬ ‫المفتوحة فصاد مهملة فمثناة تحتية ففاء‪ ،‬وهو ما كان رعده شديد الصوت وهو من أمارات قوة المطر (دلُوقا)‬ ‫‪142‬‬

‫بفتـح الدال المهملة وضـم اللم وسـكون الواو فقاف يقال خيـل دلوق أي مندفعـة شديدة الدفعـة ويقال دلق السـيل‬ ‫ضحُوكا) بفتـح أوّله بزنـة فعول أي ذات برق ( ُت ْمطِرنَا مِن ْه رذاذا) بضـم الراء فذال معجمـة‬ ‫على القوم هجـم ( َ‬ ‫فأخرى مثل ها هو ما كان مطره دون ال طش ( ِقطْقطِا) بك سر القاف ين و سكون الطاء الولى قال أ بو ز يد‪ :‬القط قط‬ ‫سجْلً) م صدر سجلت الماء سجلً إذا‬ ‫أ صغر الم طر ثم الرذاذ و هو فوق القط قط ثم ال طش و هو فوق الرذاذ ( َ‬ ‫صببته صبا؛ وصف به السحاب مبالغة في كثرة ما يصب منها من الماء حتى كأنها نفس المصدر (يا ذا الجَلل‬ ‫والكْرامِ" رواه أبو عوانة في صحيحه) وهذا الوصفان نطق بهما القرآن‪.‬‬ ‫وفي التفسير أي الستغناء المطلق والفضل التا مّ‪ ،‬وقيل الذي عنده الجلل والكرام للمخلصين من عباده وهما‬ ‫من عظائم صفاته تعالى ولذا قال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ألظوا بياذا الجلل والكرام" وروي أنه صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫َوسَلّممرّ برجل وهو يصلي ويقول‪ :‬يا ذال الجلل والكرام‪ ،‬فقال‪" :‬قد استجيب لك"‪.‬‬ ‫خرَجَ سُليمانُ عَليه‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قالَ‪َ " :‬‬ ‫ع ْنهُ َأنّ رسُو َ‬ ‫عنْ أَبي هُريرَة رضي اللّهُ َ‬ ‫[رح ‪ ]10‬ــــ و َ‬ ‫ك ليْس بنا‬ ‫ن خلْقِ َ‬ ‫س َتسْقي فَرَأَى نمْلَ ًة مُستلقي ًة على ظهْرها رافعة قوائمها إلى السماء تقُولُ‪ :‬الّل ُهمّ إنا خلقٌ م ْ‬ ‫السّل ُم يَ ْ‬ ‫جعُوا سُقيتم بدعو ِة غيركم روا ُه أَحمدُ وصحّح ُه الحاكمُ‪.‬‬ ‫غِنى عنْ سُقياكَ‪ ،‬فقال‪ :‬ا ْر ِ‬ ‫فيه دللة على أن الستسقاء شرع قديم والخروج له كذلك‪.‬‬ ‫وفيه أنه يحسن إخراج البهائم في الستسقاء‪ ،‬وأن لها إدراكا يتعلق بمعرفة ال ومعرفة بذكره وبطلب الحاجات‬ ‫منه‪ .‬وفي ذلك قصص يطول ذكرها وآيات من كتاب ال دالة على ذلك وتأويل المتأوّلين لها ل ملجأ له‪.‬‬ ‫ع ْن هُ‪" :‬أنّ ال نبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم ا ستسْقَى فأَشارَ بظهْر كفيْ ِه إلى‬ ‫[رح ‪ ]11‬ــــ وَعَ نْ أَن سٍ ر ضي اللّ هُ َ‬ ‫السماءِ" أَخرجهُ مُسلمٌ‪.‬‬ ‫ف يه دللة أ نه إذا أر يد بالدعاء ر فع البلء فإ نه ير فع يد يه ويج عل ظ هر كف يه إلى ال سماء وإذا د عا ب سؤال ش يء‬ ‫وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء وقد ورد صريحا في حديث خلد بن السائب عن أبيه‪" :‬أن النبي صَلّى ال‬ ‫عََليْهِ َوسَلّم كان إذا سأل جعل بطن كفيه إلى السماء وإذا استعاذ جعل ظهرهما إليها"‪.‬‬ ‫وإن كان قد ورد من حد يث ا بن عباس " سلوا ال ببطون أكف كم ول ت سألوه بظهر ها" وإن كان ضعيفا فالج مع‬ ‫بينهمـا أن حديـث ابـن عباس يختـص بمـا إذا كان السـؤال بحصـول شيـء ل لدفـع بلء وقـد فسـر قوله تعالى‬ ‫{ويدعوننا رغبا ورهبا} أن الرغب بالبطون والرهب بالظهور‪.‬‬ ‫باب اللباس‬ ‫أي ما يحل منه وما يحرم‬ ‫ل اللّهِ صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬ليكوننّ مِنْ‬ ‫ن أَبي عامر الشْعري رضي ال عنهُ قالَ‪ :‬قالَ رسُو ُ‬ ‫[رح ‪ ]1‬ــــ ع ْ‬ ‫حرَ والحرير" رَوا ُه أَبو داودَ وأَصلُهُ في البخاريّ‪.‬‬ ‫ن ا ْل ِ‬ ‫ُأمّتي َأقْوامٌ َيسْتحلّو َ‬ ‫(عن أبي عامر الشعري رضي ال عنه) قال في الطراف‪ :‬اختلف في اسمه فقيل عبد ال بن هانىء‪ ،‬وقيل عبد‬ ‫ال بن وهب‪ ،‬وقيل عبيد ال بن وهب وبقي إلى خلفة عبد الملك بن مروان سكن الشام‪ .‬وليس بعم أبي موسى‬ ‫ن ذلك قتل أيام حنين في حياة النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم واسمه عبيد بن سليم (قال‪ :‬قال رسول ال‬ ‫الشعري فإ ّ‬ ‫حرَ) بالحاء والراء المهملتين والمراد به استحلل الزنا‬ ‫ن ا ْل ِ‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ليكوننّ من أمّتي أَقوا مٌ يَ سْتحلّو َ‬ ‫وبالخاء والزاي المعجمتين (والحريرَ" رواه أبو داود وأصله في البخاري) وأخرجه البخاري تعليقا‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل على تحر يم لباس الحر ير لن قوله ي ستحلون بمع نى يجعلون الحرام حللً ويأ تي الحد يث الثا ني‬ ‫وفيه التصريح بذلك‪.‬‬ ‫و في الحد يث دل يل أن ا ستحلل المحرم ل يخرج فاعله من م سمى ال مة كذا قال (قلت)‪ :‬ول يخ فى ض عف هذا‬ ‫القول فإن من استحل محرّما أي اعتقد حله فإنه كذّب الرسول صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم الذي أخبر أنه حرام‪ ،‬فقوله‬ ‫بحله ردّ لكل مه وتكذ يب‪ ،‬وتكذي به ك فر فل بدّ من تأو يل الحد يث بأ نه أراد أ نه من ال مة ق بل ال ستحلل فإذا‬ ‫استحل خرج عن مسمى المة‪.‬‬ ‫ول يصح أن يراد بالمة هنا أمة الدعوة لنهم مستحلون لكل ما حرّمه ل لهذا بخصوصه‪.‬‬ ‫وقـد اختلف فـي ضبـط هذه اللفظـة فـي الحديـث‪ .‬فظاهـر إيراد المصـنف له فـي اللباس أنـه يختار أنهـا بالخاء‬ ‫المعجمعة والزاي‪ ،‬وهو الذي نص عليه الحميدي وابن الثير في هذا الحديث‪ ،‬وهو ضرب من ثياب البريسم‬ ‫معروف‪ ،‬وضبطه أبو موسى بالحاء والراء المهملتين‪.‬‬

‫‪143‬‬

‫قال ا بن الث ير في النها ية‪ :‬والمشهور في هذا الحد يث على اختلف طر قه هو الول وإذا كان هو المراد من‬ ‫الحد يث ف هو الخالص من الحر ير وع طف الحر ير عل يه من ع طف العام على الخاص لن الخزي ضرب من‬ ‫الحرير‪.‬‬ ‫وقد يطلق الخزّ على ثياب تن سج من الحرير والصوف ولك نه غير مراد هنا لما عرف من أن هذا النوع حلل‬ ‫وعليه يحمل‪ .‬ما أخرجه أبو داود عن عبد ال بن سعد الدشتكي عن أبيه سعد؛ قال‪ :‬رأيت ببخارى رجلً على‬ ‫بغلة بيضاء عل يه عما مة خز سوداء قال‪ :‬ك سانيها ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ .‬أخر جه الن سائي‪ .‬وذكره‬ ‫البخاري ويأتي من حديث عمر بيان ما يحل من غير الخالص‪.‬‬ ‫ع ْن هُ قال‪ :‬ن هى النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أَن نَشرب في آني ِة الذ هب‬ ‫ع نْ حُذيفةَ ر ضي ال َ‬ ‫[رح ‪ ]2‬ــــ وَ َ‬ ‫ن نجلِسَ عَليه" رواهُ البخاريّ‪.‬‬ ‫ن ُلبْس الحرير والدّيباج وأَ ْ‬ ‫والْ ِفضّةِ وأَن نأكُلَ فيها‪ ،‬وَعَ ْ‬ ‫ب في آنيةِ الذه بِ والْ ِفضّة وَأ نْ‬ ‫(وعن حذيفة رضي ال عنه قال‪ :‬نهى رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم "أَن َنشْرَ َ‬ ‫ـّم‪" :‬ل تشربوا فـي آنيـة الذهـب‬ ‫ـّى ال عََليْهِـ وَسَل‬ ‫نَأكُلَ فيهـا) تقدم الحديـث عـن حذيفـة بلفـظ‪ :‬قال رسـول ال صَل‬ ‫والفضة" الحديث فقوله هنا "نهى" إخبار عن ذلك اللفظ الذي تقدّم وتقدم الكلم فيه (وعَ نْ ُلبْ سِ الْحرير والديباج‪،‬‬ ‫ن َنجْلِسَ عََل ْيهِ" رواه البخاري) أي ونهى عن لبس الحرير والنهي ظاهر في التحريم‪.‬‬ ‫وأَ ْ‬ ‫وإلى تحر يم ل بس الحر ير ذ هب الجماه ير من ال مة على الرجال دون الن ساء‪ ،‬وح كى القا ضي عياض عن قوم‬ ‫إباحته ونسب في البحر إباحته إلى ابن علية‪ ،‬وقال‪ :‬إنه انعقد الجماع بعده على التحريم‪ ،‬ولكنه قال المصنف‬ ‫في الف تح‪ :‬قد ث بت ل بس الحر ير عن جما عة من ال صحابة وغير هم قال أ بو داود‪ :‬لب سه عشرون من ال صحابة‬ ‫وأكثر‪ ،‬وأورده ابن أبي شيبة عن جمع منهم وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق عمار بن أبي عمار قال‪ :‬أتت‬ ‫مروان بن الحكم مطارف خز فكساها أصحاب رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وال صح في تف سير ال خز أ نه ثياب سداها من حر ير ولحمت ها من غيره وق يل‪ :‬تن سج مخلو طة من حر ير‬ ‫وصوف أو نحوه‪ ،‬وقيل أصله اسم دابة يقال لها الخز فسمى الثوب المتخذ من وبره خزّا لنعومته ثم أطلق على‬ ‫ما تخلط بحرير لنعومة الحرير‪.‬‬ ‫إذا عرفت هذا فقد يحتمل أن الذي لبسه الصحابة في رواية أبي داود كان من الخز وإن كان ظاهر عبارته يأبى‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫وأ ما ال قز بالقاف بدل الخاء المعج مة فقال الراف عي‪ :‬إ نه ع ند الئ مة‪ :‬من الحر ير فحرّموه على الرجال أيضا‪.‬‬ ‫والقول بحله وحل الحرير للنساء قول الجماهير إل ابن الزبير فإنه أخرج مسلم عنه‪ :‬أنه خطب فقال‪ :‬ل تلبسوا‬ ‫نسـاءكم الحريـر فإنـي سـمعت عمـر بـن الخطاب يقول‪ :‬قال رسـول ال صـلى ال عليـه وآله وسـلم‪ :‬ل تلبسـوا‬ ‫الحرير" فأخذ بالعموم إل أنه انعقد الجماع على حل الحرير للنساء‪.‬‬ ‫فأ ما ال صبيان من الذكور فيحرم علي هم أيضا ع ند الك ثر لعموم قوله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" ،‬حرام على ذكور‬ ‫أم تي" وقال مح مد بن الح سن‪ :‬يجوز إلبا سهم‪ ،‬وقال أ صحاب الشاف عي‪ :‬يجوز إلبا سهم الحلي والحر ير في يوم‬ ‫العيد لنه ل تكليف عليهم ولهم في غير يوم العيد ثلثة أوجه أصحها جوازه‪.‬‬ ‫وأما الديباج فهو ما غلظ من ثياب الحرير وعطفه عليه من عطف الخاص على العام‪.‬‬ ‫وأ ما الجلوس على الحر ير ف قد أفاد الحد يث الن هي ع نه إل أ نه قال الم صنف في الف تح‪ :‬إ نه قد أخرج البخاري‬ ‫ومسلم حديث حذيفة من غير وجه وليس فيه هذه الزيادة وهي قوله‪" :‬وأن نجلس عليه" قال‪ :‬وهي حجة قوية لمن‬ ‫قال يمنـع الجلوس على الحريـر وهـو قول الجمهور خلفا لبـن الماجشون والكوفييـن وبعـض الشافعيـة‪ ،‬وقال‬ ‫ب عض الحنفية في الدل يل على عدم تحر يم الجلوس على الحر ير‪ :‬إن قوله نهى ل يس صريحا في التحر يم‪ ،‬وقال‬ ‫بعض هم‪ :‬إنه يحتمل أن يكون المنع ورد عن مجموع الل بس والجلوس ل الجلوس وحده‪( .‬قلت‪ :‬ول يخفى تكلف‬ ‫هذا القائل والخراج عـن الظاهـر بل حاجـة) وقال بعـض الحنفيـة‪ :‬مدار الجواز والتحريـم على اللبـس لصـحة‬ ‫الخبار ف يه والجلوس ل يس بل بس‪ ،‬واح تج الجمهور على أ نه ي سمى الجلوس لب سا بحد يث أ نس ال صحيح‪" :‬فق مت‬ ‫إلى حصير لنا قد أسودّ من طول ما لبس" ولن لبس كل شيء بحسبه‪.‬‬ ‫وأما افتراش النساء للحرير فالصل جوازه وقد أحل لهن لبسه ومنه الفتراش ومن قال بمنعهن عن افتراشه فل‬ ‫حجة له‪.‬‬ ‫واختلف في علة تحريم الحرير على قولين‪ :‬الول الفخر والخيلء والثاني كونه لباس رفاهية وزينة تليق بالنساء‬ ‫دون شهامة الرجال‪.‬‬ ‫‪144‬‬

‫ع َمرَ رضيَ ال عنهُ قال‪" :‬نهى النّبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم عن ُلبْس الحرير إلّا موْضع أُصبعين‬ ‫‪ 3‬ــــ وعنْ ُ‬ ‫ث أَ ْو َأرْبع" ُمتّفقٌ عليه واللّ ْفظُ لمسِْلمٍ‪.‬‬ ‫أوْ ثل ٍ‬ ‫قال المصنف‪" :‬أو" هنا للتخيير والتنويع‪.‬‬ ‫و قد أخرج الحد يث ا بن أ بي شي بة من هذا الو جه بل فظ "إن الحر ير ل ي صلح م نه إل هكذا وهكذا وهكذا" يع ني‬ ‫أ صبعين وثلثا وأربعا و من قال المراد أن يكون في كل كم أ صبعان فإ نه يرده روا ية الن سائي "لم ير خص في‬ ‫الديباج إل في موضع أربعة أصابع" وهذا ــــ أي الترخيص في الربع الصابع ــــ مذهب الجمهور‪.‬‬ ‫وعن مالك في رواية منعه وسواء كان منسوجا أو ملصقا ويقاس عليه الجلوس‪.‬‬ ‫وقدرت الهادوية الرخصة بثلث أصابع لكن هذا الحديث نص في الربع‪.‬‬ ‫[رح ‪ ]4‬ــــ وعَن أَن سٍ رض يَ ال ع نه "أنّ النّبيّ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم رخّص ِلعَبْد الرّح من بن عوْ فٍ‬ ‫حكّ ٍة كانتْ بهما" ُمتّفقٌ عَلَيهِ‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫والزّبيرِ في قميص الحرير في سَفرٍ مِ ْ‬ ‫(و عن أ نس ر ضي ال ع نه أن ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ر خص لع بد الرح من بن عوف والزب ير في قم يص‬ ‫حكّة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الكاف نوع من الجرب وذكر الحكة مثل ل قيدا أي من أجل حكة‪،‬‬ ‫الحرير من ِ‬ ‫ف من للتعل يل (كا نت به ما‪ .‬مت فق عل يه) و في روا ية "أنه ما شكوَا إلى ر سول ال صلى ال عل يه وعلى آله و سلم‬ ‫القمل فرخص لهما في قميص الحرير في غزاة لهما"‪.‬‬ ‫قال المصنف في الفتح‪ :‬يمكن الجمع بأن الحكة حصلت من القمل فنسبت العلة تارة إلى السبب وتارة إلى سبب‬ ‫السبب‪.‬‬ ‫و قد اختلف العلماء في جوازه للح كة وغير ها‪ .‬فقال ال طبري‪ :‬دلت الرخ صة في لب سه للح كة على أن من ق صد‬ ‫بلب سه د فع ما هو أع ظم من أذى الح كة كد فع ال سلح ون حو ذلك فإ نه يجوز‪ .‬والقائلون بالجواز ل يخ صونه‬ ‫بالسفر‪.‬‬ ‫وقال البعض من الشافعية‪ :‬يختص به‪.‬‬ ‫وقال القر طبي‪ :‬الحد يث ح جة على من م نع إل أن يد عي الخ صوصية بالزب ير وع بد الرح من ول ت صح تلك‬ ‫الدعوى‪.‬‬ ‫وقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬ل يجوز مطلقا‪.‬‬ ‫وقال الشافعي بالجواز للضرورة‪ ،‬ووقع في كلم الشارح تبعا للنووي أن الحكمة في لبس الحرير للحكة لما فيه‬ ‫من البرودة‪ ،‬وتعقب بأن الحرير حارّ فالصواب أن الحكمة فيه لخاصية فيه تدفع ما تنشأ عنه الحكة من القمل‪.‬‬ ‫ت في ها‬ ‫س َيرَاءَ َفخَرج ُ‬ ‫ع نْ علي ر ضي ال ع نه قال‪" :‬كَ سَاني النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم حُّلةً ِ‬ ‫[رح ‪ ]5‬ــــ و َ‬ ‫جهِ ِه َفشَقَ ْقتُها بين نسَائي" مُتفقٌ عليْ ِه وهذا لَ ْفظُ البخاري‪.‬‬ ‫فرَأيْتُ ا ْل َغضَبَ في و ْ‬ ‫سيَرَاء) بكسر المهملة ثم مثناة تحتية‬ ‫(وعن علي رضي ال عنه قال‪ :‬كساني النبي صلى ال عليه وآله وسلم حلة ِ‬ ‫ثم راء مهملة ثم ألف ممدودة قال الخليل‪ :‬ليس في الكلم فعلء بكسر أوله مع المد سوى سيراء ــــ وهو‬ ‫الماء الذي يخرج على رأس المولود ـــــ وحولء وعنباء لغـة فـي ضبـط العنـب وحلة بالتنويـن‪ ،‬على أن‬ ‫سيراء صفة لها وبغيره على الضافة وهو الجود كما في شرح مسلم (فخرجت فيها فرأيت الغضب في وجهه‬ ‫فشققتها بين نسائي‪ .‬متفق عليه وهذا لفظ مسلم‪.‬‬ ‫قال أبو عبيدة‪ :‬الحلة إزار ورداء‪ ،‬وقال ابن الثير‪ :‬إذا كانا من جنس واحد‪ ،‬وقيل هي برود مضلعة بالقز‪ ،‬وقيل‬ ‫حرير خالص وهو القرب‪.‬‬ ‫وقوله "فرأيت الغضب في وجهه" زاد مسلم في رواية فقال‪" :‬إني لم أبعثها إليك لتلبسها إنما بعثتها إليك لتشققها‬ ‫خمُرا بين نسائك" وله في أخرى‪" :‬شققتها خمرا بين الفواطم"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫خمُرا وهي بالخاء المعجمة مضمومة وضم الميم جمع خِمار ــــ بكسر‬ ‫وقوله "فشققتها" أي قطعتها ففرقتها ُ‬ ‫أوله والتخفيف ــــ ما تغطي به المرأة رأسها‪.‬‬ ‫والمراد بالفواطم‪ :‬فاطمة بنت محمد صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم وفاطمة بنت أسد أم علي عليه السلم والثالثة قيل هي‬ ‫ن رابعة وهي فاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب‪.‬‬ ‫فاطمة بنت حمزة وذكرت له ّ‬ ‫و قد ا ستدل بالحد يث على جواز تأخ ير البيان عن و قت الخطاب ل نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أر سلها لعلي عل يه‬ ‫السلم فب نى على ظاهر الرسال وانت فع بها في أشهر ما صنعت له و هو اللبس فبيّن له النبي صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫َوسَلّم أنه لم يبيح له لبسها‪.‬‬ ‫‪145‬‬

‫عنْهُ أنّ رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قال‪ُ" :‬أحِلّ الذّهبُ والحرير‬ ‫عنْ أَبي موسى رضي ال َ‬ ‫[رح ‪ ]6‬ــــ وَ َ‬ ‫حرّ َم على ذكورها" رواهُ أَحمدُ والنّسائي والترمذي وصحّحهُ‪.‬‬ ‫لناثِ ُأمّتي و ُ‬ ‫(و عن أ بي مو سى ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪ُ" :‬أحِلّ الذّهَ بُ والْحريرُ) أي لب سهما‬ ‫حرّمـَ) أي لبسـهما وفراش الحريـر كمـا سـلف (على ُذكُورهـا" رواه أحمـد والنسـائي والترمذي‬ ‫(لناثـ ُأمّتـي و ُ‬ ‫ِ‬ ‫وصححه) إل أنه أخرجه الترمذي من حديث سعيد بن أبي هند عن أبي موسى وأعله أبو حاتم بأنه لم يلقه‪ .‬وكذا‬ ‫قال ابن حبان في صحيحه‪ :‬سعيد بن أبي هند عن أبي موسى معلول ل يصح‪ .‬وأما ابن خزيمة فصححه‪.‬‬ ‫وقد روي من ثمان طرق غير هذه الطريق عن ثمانية من الصحابة وكلها ل تخلوا عن مقال ولكنه يشدّ بعضها‬ ‫بعضا‪.‬‬ ‫وفيه دليل على تحريم لبس الرجال الذهب والحرير وجواز لبسهما للنساء ولكنه قد ق يل إن حل الذهب للنساء‬ ‫منسوخ‪.‬‬ ‫ع ْنهُ ما أنّ ر سول اللّ ِه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪" :‬إنّ ال‬ ‫عمْرا نَ بن حُ صَين ر ضي ال َ‬ ‫[رح ‪ ]7‬ــــ وع نْ ِ‬ ‫ب إذا أَنعمَ على عبد ِه ن ْعمَةً َأنْ يرَى َأ َثرَ ِن ْع َمتِهِ عليْهِ" روا ُه الب ْيهَقِيّ‪.‬‬ ‫يح ّ‬ ‫وأخرج الن سائي من حد يث أ بي الحوص‪ ،‬والترمذي والحا كم من حد يث ا بن ع مر "إن ال ي حب أن يرى أ ثر‬ ‫نعم ته على عبده" وأخرج الن سائي عن أ بي الحوص عن أب يه وف يه‪" :‬إذا آتاك ال مالً فل ير أ ثر نعم ته عل يك‬ ‫وكرامته"‪.‬‬ ‫في هذه الحاديث دللة أن ال تعالى يحب من العبد إظهار نعمته في مأكله وملبسه فإنه شكر للنعمة فعْليّ‪ ،‬ولنه‬ ‫إذا رآه المحتاج في هيئة ح سنة ق صده ليت صدق عل يه‪ ،‬وبذاذة الهيئة سؤال وإظهار للف قر بل سان الحال ولذا ق يل‪:‬‬ ‫ولسان حالي بالشكاية أنطق‪ ،‬وقيل‪ :‬وكفاك شاهد منظري عن مخبري‪.‬‬ ‫سيّ وال ُمعَصْفر"‬ ‫[رح ‪ ]8‬ــــ وَعَنْ عليّ رضيَ ال عنه "أن رسولَ ال صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم نهى عَنْ ُلبْس الْقَ ّ‬ ‫رَواهُ ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫(و عن علي ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صلى ال عل يه وآله و سلم ن هى عن لُ بس) ب ضم اللم (القَ سّي) بف تح‬ ‫القاف وتشديد المهملة بعدها ياء النسبة وقيل‪ :‬إن المحدثين يكسرون القاف وأهل مصر يفتحونها وهي نسبة إلى‬ ‫بلد يقال لها القس‪ ،‬وقد فسر القسي في الحديث بأنها ثياب مضلعة يؤتى بها من مصر والشام هكذا في مسلم وفي‬ ‫البخاري فيها حرير أمثال الترج (والمعصفر‪ .‬رواه مسلم) هو المصبوغ بالعصفر‪.‬‬ ‫فالنهي في الول للتحريم إن كان حريره أكثر وإل فإنه للتنزيه والكراهة وأما في الثاني فالصل في النهي أيضا‬ ‫التحريم وإليه ذهب الهادوية‪.‬‬ ‫وذهب[اث] جماهير الصحابة[‪/‬اث] والتابعين إلى جواز لبس المعصفر وبه قال الفقهاء غير أحمد‪ ،‬وقيل مكروه‬ ‫تنزيها‪ ،‬قالوا‪ :‬لنه لبس صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم حلة حمراء‪ ،‬وفي الصحيحين عن ابن عمر "رأيت رسول ال صَلّى‬ ‫ال عََليْهِ َوسَلّم يصبغ بالصفرة"‪.‬‬ ‫وقد رد ابن القيم القول بأنها حلة حمراء بحتا وقال‪ :‬إن الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع‬ ‫ال سود وهي معروفة بهذا ال سم باعتبار ما فيها من الخطوط وأما الح مر البحت فمنهي عنه أشد النهي ف في‬ ‫الصحيحين أنه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم نهى عن المياثر الحمر‪ .‬ولكن الحديث وهو قوله‪:‬‬ ‫ع ْنهُ ما قالَ‪ :‬رَأَى عليّ النّ بيّ صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم َث ْوبَيْن‬ ‫ع نْ ع بد ال بن عمْرو ر ضي اللّ هُ َ‬ ‫[رح ‪ ]9‬ــــ و َ‬ ‫ُم َعصْ َف َريْن فقال‪ُ" :‬أ ّمكَ أَمر ْتكَ بهذا؟" رواهُ مُسلمٌ‪.‬‬ ‫دليل على تحريم المعصفر معضد للنهي الول ويزيده قوة في الدللة تمام هذا الحديث عند مسلم "قلت‪ :‬أغسلهما‬ ‫يا رسول ال؟ قال‪ :‬بل احرقهما"‪.‬‬ ‫وفي رواية "إن هذه من ثياب الكفار فل تلبسها" وأخرجه أبو داود والنسائي‪.‬‬ ‫وفي قوله‪" :‬أمّك أمرتك" إعلن بأنه لباس النساء وزينتهنّ وأخلقهنّ‪.‬‬ ‫وفيه حجة على العقوبة بإتلف المال وهو ــــ أي أمر ابن عمرو بتحريقها ــــ يعارض حديث علي‬ ‫عليه السلم‪ ،‬وأمره بأن يشقها بين نسائه كما في رواية قدمناها فينظر في وجه الجمع إل أن في سنن أبي داود‬ ‫عن عبد ال بن عمرو‪ :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم رأى عليه رّ ْيطَة مضرجة بالعصفر فقال‪" :‬ما هذه ال ّر ْيطَة التي‬ ‫عليك؟" قال‪ :‬فعرفت ما كره‪ ،‬فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورا لهم‪ ،‬فقذفتها فيه ثم أتيته من الغد فقال‪ :‬يا عبد ال‬ ‫ما فعلت الريطة؟ فأخبرته فقال‪" :‬أل كسوتها بعض أهلك فإنه ل بأس به للنساء" فهذا يدل على أنه أحرقها من‬ ‫‪146‬‬

‫غ ير أ مر من ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فلو صحت هذه الروا ية لزال التعارض بي نه وب ين حد يث علي عل يه‬ ‫السلم لكنه يبقى التعارض بين روايتي ابن عمرو وقد يقال‪ :‬إنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم أمر أولً بإحراقها ندبا ثم‬ ‫لما أحرقها قال له صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪ :‬لو كسوتها بعض أهلك إعلما له بأن هذا كان كافيا عن إحراقها لو فعله‬ ‫وأن المر للندب‪.‬‬ ‫وقال القاضي عياض في شرح مسلم‪ :‬أمره صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم بإحراقها من باب التغليظ أو العقوبة‪.‬‬ ‫جبّةَ ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ع نْ أَ سْما َء بنْت أَ بي بكرٍ ر ضي اللّ هُ عنهُ ما "أَن ها َأخْ َرجَ ْ‬ ‫[رح ‪ ]10‬ــــ و َ‬ ‫جيْن بالديباج" روا هُ أَبو داود‪ .‬وأَصلُ ُه في مسل ٍم وزاد "كانت عندَ عائشة حَتى‬ ‫وَ سَلّم مكْفوفةَ الْجيْب وا ْل ُكمّين والْف ْر َ‬ ‫س َتشْفى بها" وزاد البُخاريّ في‬ ‫ن َنغْسِلُها للمرضى يُ ْ‬ ‫ض ُتهَا‪ ،‬وكان النبيّ صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم يَ ْلبَسُها َف َنحْ ُ‬ ‫قُبضتْ فَ َق َب ْ‬ ‫ج ُمعَةِ"‪.‬‬ ‫سهَا لل َوفْدِ وال ُ‬ ‫الدب المفْرد "وكان ي ْل َب ُ‬ ‫(وعن أسماء بنت أبي بكر رضي ال عنهما أنها أخرجت جبة رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم طيالسة مكفوفة)‬ ‫المكفوف من الحرير ما اتخذ جيبه من حرير وكان لذيله وأكمامه كفاف منه (الجيب والكمين والفرجين بالديباج)‬ ‫هو ما غلظ من الحرير كما سلف (رواه أبو داود وأصله في مسلم وزاد) أي من رواية أسماء (كانت) أي الجبة‬ ‫(عند عائشة حتى قُبضت) مغير الصيغة أي ماتت (فقبضتها وكان النبي صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‬ ‫يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها) الحديث في مسلم له سبب وهو‪ :‬أن أسماء أرسلت إلى ابن عمر أنه‬ ‫بلغها أنه يحرم العلم في الثواب فأجاب بأنه سمع عمر يقول‪ :‬سمعت رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم يقول‪" :‬إنما‬ ‫يلبس الحرير من ل خلق له" فخفت أن يكون العلم منه فأخرجت أسماء الجبة (وزاد البخاري في الدب المفرد)‬ ‫في رواية أسماء (وكان يلبسها للوفد والجمعة)‪.‬‬ ‫قال في شرح مسلم للنووي على قوله مكفو فة‪ :‬ومع نى المكفو فة أ نه جعل له كُ فة بضم الكاف و هو ما يكف به‬ ‫جوانبها ويعطف عليها ويكون ذلك في الذيل وفي الفرجين وفي الكمين اهـ‪ .‬وهو محمول على أنه أربع أصابع‬ ‫أو دونها أو فوقها إذا لم يكن مصمتا جميعا بين الدلة‪.‬‬ ‫وفي جواز مثل ذلك من الحرير وجواز لبس الجبة وماله فرجان من غير كراهة‪.‬‬ ‫وفي استشفاء بآثاره صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم وبما لمس جسده الشريف‪.‬‬ ‫و في قول ها‪" :‬كان يلب سها للو فد والجم عة" دل يل على ا ستحباب التج مل بالزي نة للوا فد ونحوه كذا ق يل‪ ،‬إل أ نه ل‬ ‫يخفى أنه قول صحابية ل دليل فيه‪.‬‬ ‫وأما خياطة الثوب بالخيط الحرير ولبسه وجعل خيط السبحة من الحرير وليقة الدواة وكيس المصحف وغشاية‬ ‫الكتب فل ينبغي القول بعدم جوازه لعدم شموله النهي له‪.‬‬ ‫ل فاحشا وإر سالها ب ين الكتف ين ويجوز ترك ها‬ ‫و في اللباس آداب‪ :‬من ها في العما مة تق صير العذ بة فل تطول طو ً‬ ‫بالصالة‪ ،‬وفي القميص تقصير الكم لحديث أبي داود عن أسماء "كان كم النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم إلى الرسغ"‬ ‫قال ا بن ع بد ال سلم‪ :‬إفراط تو سعة الثياب والكمام بد عة و سرف‪ ،‬و في المئزر‪ ،‬ومثله اللباس والقم يص أن ل‬ ‫يسبله زيادة على نصف الساق ويحرم إن جاوز الكعبين‪.‬‬

‫‪147‬‬

Related Documents

Shalat
May 2020 32
Buku Shalat-shalat Cinta
November 2019 31
Shalat Kita
May 2020 17
Shalat Tasbih
October 2019 29
Wirid Shalat
November 2019 42