ذا العنوان مقتبس من عنوان كتاب أعمدة الحكمة السبعة للكولونيل النجليزي توماس لورنس المعروف ب(لورنس العرب)
---------------------------
الفشل كلمة دائمة مرتبطة بمعني سيء ،وبرغم ان هناك العديد من الكلمات التي تعبر عن صفات أو أشياء يكرهها الكثيرون ،لكن كلمة الفشل كلمة تكاد تكون هي الوحيدة المعبرة عن شيء ل يريده كل الناس مهما كانت درجة الخلف بين هؤلء الناس وبعضهم الفشل هو شعور شخصي بالساس واحياناً أيضاً يكون شعور عام يتحرك في أعداد كبيرة من البشر لينغص عليهم عيشهم ،ولهذا يسعي الجميع إلي تجنبه. ولكن هل حقاً أن الجميع يسعي إلي تجنب الفشل؟ في الواقع أن التعبير الدق هو يتمني الجميع أن يتجنبوا الفشل أما سعيهم من عدمه فهو محل تساؤل دائم ،فهناك أسباب يقوم عليها فشل الشخاص والمجتمعات ، وإذا لم يتم تشخيص أسباب الفشل،أو حتي إذا ماتم تشخيصها دون الخذ بعلج فل يمكن إل أن نقول أن هناك تمني لتجنب الفشل دون سعي حقيقي لتجنبه. ولكي نعرف كيف نتجنب الفشل فعلينا ان نعرف أولً كيف يمكن أن يكون المرء فاشلً بجدارة لكي نستطيع بعد ذلك أن نتجنب ما يقودنا إلي هذه الحالة الغير مريحة والغير مرغوبة الفشل في نظري يرتكز علي عدة أشياء لكني سأكتفي باهمها
-1عدم تحديد الهدف أو ضياعه في زحام الحياة ينبغي أن يكون لكل انسان أهدافه التي يسعي لتحقيقها باستمرار ،هناك أهداف خاصة أو شخصية و أهداف عامة ، وعندما يضيع من النسان هدفه فإنه يفقد البوصلة ول يتوقف للتفكير فيما يفعله،هذه الحالة تصل بالشخص أن تكون( السكينة سارقاه) فهو يدور في إطار من النمطية والروتين اليومي دون أن يفكر في السؤال الهم ماهو هدفه؟ البعض يحدث له حالة من التمرد علي هذا الوضع في لحظات معينة ،خصوصًا عندما يلح عليه هاجس إن أحد الشياء التي تسعده أوالتي كان يتمناها في وقت من الوقات لن يكون بإمكانه الحصول عليها أبداً ،ويعد أهم العوامل التي تدفع باتجاه ذلك هو عامل العمر أو عامل الوقت عمومًا ،ولسباب أخري مثل صدمة وفاة شخص عزيز ،الخ ويقود هذا إلي مرحلة مراجعة شاملة قد تؤدي إلي شعور النسان فجأة بانه ضيع حياته هباءًا ويبدأ في التمرد علي كل القوالب ليبحث عن ذاته التي دفنها من جديد وقد تحدث هذه العوامل كلها مقترنة بتغيرات فسيولوجية كما يحدث في أزمة منتصف العمر لدي الجنسين ،وقد تحدث مقترنة بتغيرات إجتماعية أو عمرية. في العادة إذا عاش المرء بدون تحديد لهدافه فهو قد يبدو سعيداً لمن حوله ولكنه في الحقيقة يظل يدور في دوائر مفرغة باستمرار،ويظل يشعر بانطواء علي نفسه وانعزال وتنقطع العلقة الحقيقية بينه وبين من حوله أو من يعيش معهم تحت سقف واحد ،ويستبدل هذه العلقات الحقيقية بآلف العلقات الوهمية فهو يحيط نفسه بعشرات الشخاص ويبقي في حقيقة المر وحيداً تماماً من الداخل ،كما أنه في العادة يتلذذ باستحضار لحظات الماضي السعيدة ويجترها ويقتات عليها ويبالغ فيها كنوع من الهروب من حاضره الجامد ،ولو أنه توقف ليقرر ماهي خطوته المقبلة لما وقع فريسة أبدًا لمثل هذه الحالة وفي الحالة العامة عندما يعجز مجتمع ما عن اللتفاف حول هدف معين ،فإن الشعور بالفشل والدونية والحباط يتسلل شيئاً فشيئاً للنفوس ويتسبب في سريان حالة من الكتئاب العام تنعكس علي كل المظاهر والسلوكيات وتشيع قيم النانية والقهر والقهر المضاد ،وفقدان القدرة علي التواصل النساني ،ولغة الحوار،ويتحول المجموع إلي جزر منعزلة تفصلها المسافات ،ول يوحدها أي شيء وتبدأ عملية البحث عن عوامل تجمع الجميع ،فينكفء البعض إلي الولءات القليمية أو الطائفية أو الرياضية أو القبلية أو السرية أو حتي الفردية بدلً من الولء العام للمجموع ليشبعوا من خللها ذلك الشعور النساني الطبيعي بالحاجة للوجود وسط مجموعة ،ولكنها تبقي علقات مبنية علي الوهم لنها ل تشيع النسجام والتناغم بين المجموعات المختلفة التي يتعامل معها كل فرد في المجتمع يومياً وتحت السطح يتفتت المجتمع أكثر فأكثر
كما تبدأ حالة النوستالجيا واستحضار الماضي وتلميعه ،حيث تبدأ كل مجموعة بإظهار جزء من الماضي علي أنه الكثر بريقاً وتتجاهل كل عيوبه ،وتبدأ حالة من الحنين إلي مراحل وعهود سابقة تسيطر علي الجميع بدعوي أن الحل يكمن فيها خلصة القول ما يعنيني هنا أن النسان ينبغي عليه أن يحدد أهدافه بوضوح وأن يكون تحديده لها بناءاً علي ما يعتقد أنه سيسعده سواءاً ماكان سيجني هذه السعادة بصورة مباشرة أو حتي بصورة غير مباشرة كأن يكون سعيدًا لن هناك آخرين سعداء ،ونقطة السعادة وعلقتها بالهدف تدخلنا إلي قضية اخري
-2عدم اتساق الهدف المعلن مع حقيقة ما يرغبه المرء شعور النسان بالسلم الداخلي مع نفسه ليس فقط أكبر مسبب للسعادة بل هو اكبر دافع للنجاح فيما في العادة يفشل العاجزين عن إيجاد حقيقة ما يرغبونه وبالتالي يضعون أهدافًا ويتحركون باتجاه تحقيقها ثم يعودون لينصرفوا عنها باتجاه أهداف أخري وهكذا دواليك ،تظل الهداف تتراقص أمامهم وهم يتراقصون معها جيئة وذهابًا ،ول يتحقق أي هدف أبدًا لنه لم يتوافر لي منها ذلك الحافز الهائل الذي يدفع نحو إكمال المسيرة وهو الرغبة الحقيقة والسعادة والستمتاع بتحقيق هذا الهدف ،السؤأ من ذلك أنهم حتي لو نجحوا في أمر ماواعتبرهم الناس ناجحين فهم ل يتذوقون هذا الشعور لن ما يعده الناس نجاحاً ل يرون هم فيه ما يلبي مطالبهم ويرضي طموحهم فل تتغير الحالة إل نحو السوأ أن تنجرف البوصلة بحيث يصبح ما يهلل له الناس ويثير إعجابهم هو الهدف الذي يتصور المرء أنه هدفه ،فيظل يطارد هذا الشعور باستمرار ويطارد معه ضيقه المزمن. إن تحقيق السعادة في الغلب مرتبط بالنجاح وهؤلء الذين يعيشون بسعادة حتي لو لم يكونوا ناجحين في نظر الناس هم ناجحين في نظر أنفسهم لنهم حققوا هدفهم بالساس ،علي سبيل المثال قد يبدو شخص ما في قرية في أحدي مجاهل إفريقيا غاية في السعادة لن هدفه في الحياة هي رعي بضعة أغنام وهو ناجح في ذلك وبالتالي هوسعيد ،وبما ل يكون سعيدًا مثله شخص شديد الثراء لديه العديد من المسئوليات والمهام ،فقط لنه ل يشعر بأنه حقق هدفه ،ولذا فإن تحديد الهداف وتناسبها مع قدرات الفرد والجدية في العمل لها هي الساس دائماً ويبقي أن أضيف أن هذا هو أحد أسباب تقدم بعض المجتمعات إن المدنية والحضارة تجعل أهداف أفرادها تتخطي مراحل السذاجة والبدائية نحو أفق متسع أكثر وأكثر وربما هذا ما يجعل نسبة كبيرة من أفراد الشعوب التي نالت قسطًا كبيرًا من المدنية ولكنها لم تتقدم علي الطريق مصابة بدرجة قهر واكتئاب عالية لنها في مرحلة انتقالية رأت فيها معالم جديدة للحضارة وفشلت في تحقيقها فلم تربح النجاح بعد ولم تربح راحة البال التي يعيش عليها السذج السعادة هي الهدف الول الذي يسعي إليه كل فرد ،كل شخص يحقق السعادة بطريقته ،البعض يري نفسه سعيدًا لنه يقوم بعمل يحبه ،والبعض يكون سعيدًا باغنية أو كتابات يقرأها أو حتي يكتبها ،والبعض يكون كذلك لنه يشعر بإهتمام ممن حوله ،والبعض يشعر بذلك لنه يهتم بمن حوله،أو يسعي في إطار نشاط خيري أو إجتماعي أو نشاط عام عموماً وفي الحالة العامة فإن هذه الحالة المركبة تؤدي إلي الحساس الجماعي بالفشل والذي يؤثر علي المناخ العام و يقود إلي تناقص تدريجي فيمن يحققون النجاح مما يقود في النهاية إلي حالة من الفشل العام ل تخطئها العين.
-3اختلف الهدف المحدد عن حقيقة ما يستطيع المرء أن ينجح فيه فإذا تمكن النسان من تحديد الشياء التي تسعده ،فقد ل يستطيع أن يحققها لضغوط متعلقة بالعمل أو السن أو المظهر
الجتماعي أو النشغال الدائم وبالتالي يفقد جزءًا مهماً من روحه الحقيقية ،ويصبح باستمرار واقعاً تحت ضغط أكبر من كل هذه الضغوط وهو ضغط الشعور بفقدان السعادة وتتحول تصرفاته إلي مجرد مجاراة للخرين فيما يسعدهم أو فيما يظنون أنه يسعدهم ،وعند تلك النقطة تبدأ الزدواجية ويبدأ الفرد في التصرف بشكل ل يعكس حقيقة ما بداخله،وقد يستطيع أن يضلل الجميع بهذا ولكنه يعجز عن تضليل نفسه أو اكتساب السعادة المفقودة ،فضلً عن أنه في الغلب ل يستطيع أبداً أن يخدع الشخاص الكثر قرباً إلي روحه إل لو كانوا هم أيضاً ضمن ذات الدائرة. عندما تكون اهداف النسان غير ملئمة لقدراته ومواهبه ،فإنه يعاني كثيرًا لنه يظل يبذل محاولت مستمرة في صراع بل آخر لتحقيق شيء ل يستطيع ان يدركه ،والتجربة هنا عامل مهم للغاية في حياتنا ،لنه من الصعب أن يدرك المرء كل قدراته بسهولة لذا عليه ان يخوض التجربة بإقدام ويختبر مرة بعد مرة مدي تلئم هدفه مع طبيعته ، فإذا استنتج أنه ل يصلح لهذا المر ،فليس الموضوع ما يؤلم لنه في العادة يمتلك كل الناس مئات الشياء التي يحبونها في حين يمتلكون عدداً اقل بكثير من الشياء التي يتميزون فيها عن غيرهم وإدراك نقاط التميز يكون هو النقطة الفاصلة في مسيرة البحث عن الهدف وأما تكرار ذات التجربة دون استخلص أي نتائج فهو الغباء بعينه ويقود إلي الفشل المستمر. والخلصة انه ينبغي أن يعيد النسان تقييم أهدافه كل فترة و يتأكد من كونه لزال يطمح لتحقيق ذات الهداف أو أن يعدلها أو أن يعيد صياغتها و أن يضيف لها و يخصم منها ويراجع ماحققه منها ومالم يحققه وسبب عدم تحققه وهل هذا يعود إلي أنه لم يبذل جهداً كافياً ام أن وسائله لم تكن مناسبة أو لنه ببساطة غير موهوب في أداء هذا العمل وهكذا باستمرار. عندما يظل النسان يجري وراء هدف هو السراب بعينه فإن روحه ل تستقر أبداً ،ويظل يصارع في كل مرة بنفس الوسيلة لتحقيق نفس الغاية ويخرج بنفس النتيجة ول يتغير أي شيء. وفي الحالة العامة عندما يضع مجتمع مجموعة من الهداف المستحيلة والغير منطقية ويصمم علي تحقيقها ،فإنه في العادة يجرب ذات الوسائل في كل مرة ،ول ينجح مطلقاً ويظل يطارد الوهم ويطارده الوهم ،ويلجأ لتأكيد الوهم بداخله بمختلف الوسائل بان يضفي حول أهدافه قداس ًة ما قومية أو دينية ليظل متمسكاً بالوهم إل ما ل نهاية ،فقط لنه ل من أن تقوده السباب للنتائج ،تعيش هذه المجتمعات حالة فصام حادة بين صمم النتائج اولً ثم لفق لها السباب بد ً الهداف المعلنة والهداف الطبيعية للفراد ،فالهدف المعلن ضخم جداً ومستحيل وتكون نتيجة ضخامته أن يسود الحباط الشديد بين المواطنين من تحقيقه فيظلون يلوكونه بالسنتهم فيما كل منهم يتجرد تمامًا من الهدف في حياته ويسعي لتحقيق أهداف شخصية لشعوره بانه ل دور له في تحقيق هذا الهدف التعجيزي ،فينفصل لسانه عن واقعه و عقله الباطن عن تصرفاته اليوميه وتبدأ الظاهرة الصوتية في الرتفاع متناغمة مع ازدواجية شديدة وراديكالية يقودها الحباط
-4الهروب من مواجهة الذات: عندما يصل النسان لمرحلة ما من النجاح الصوري في عيون الخرين هو أكثر من يعرف أنها ليست حقيقة ،فإنه يتمسك بهذا النجاح المصطنع أكثر مما يسعي لتحقيق النجاح الحقيقي ،ولنه أكثر من يعرف الحقيقة فهو يخشي دائماً مواجهة ذاته بعيوبه ،لنه ل يريد ل مصارحة مع نفسه ول إصلحاً لهذه العيوب ،ويتملكه هاجس إن إصلح هذه العيوب سيفقده النجاح الوحيد الذي حققه في الحياة مهما كان نجاحاً وهميًا وهكذا يدور في دوامة قد يظل يجذب فيها بعض النجاح الصوري لكنه في النهاية ينكشف تماماً حتي أمام الخرين مثال علي ذلك :بعض نجوم موجة الكوميديا الشبابية حققوا نجاحًا كبيراً من حيث اليرادات في أفلمهم الولي ، وبرغم سخافة مضمون غالبية هذه الفلم فإنهم لم يستمعوا لراء النقاد ولم يحاولوا التطوير من نفسهم أو مواجهة العيوب ،فحققوا بضع نجاحات تالية ،ولكنهم آخر المر فشلوا ليس فقط في أن يجتازوا مرحلة السفاف بل حتي خسروا حتي اليرادات الضخمة وأصبح كثيرين يفضلون أعمالً اخري علي أعمالهم وهكذا يظل البعض يهربون من مواجهة انفسهم ،بل ويضيقون وربما يكرهون من يواجههم بعيوبهم وتنتج عن هذه العملية رد فعل متشنج أشبه بردود الفعال الناتجة عن غريزة البقاء فتزداد نرجسية الفرد وتتضخم ثقته بذاته إلي حدودها القصوي أمام الخرين ،فيما يبدو مكشوفاً وضعيفاً جدًا بينه وبين نفسه ،وهذا مرة أخري يعيدنا إلي الدائرة المفرغة للزدواجية من جديد ،فهو يظهر بشكل قوي وضاحك ول مبالي امام الخرين ،فيما يزداد ضعفاً وكآبة
وانسحاقًا بينه وبين نفسه ،ويظل علي الدوام رافضاً أن يعالج نفسه بمواجهتها تخوفًا من أي تأثير سلبي علي المسار الذي يتصور أنه حقق فيه نجاحاً في عيون الخرين ،وتزداد نرجسيته إلي درجتها القصوي فيستعيض عن مواجهة نفسه بثناء الخرين أو مبالغاتهم حتي لو كانت ناتجة عن تملق أو نفاق و كلما شعر بفتور في مديح الناس سعي بكل قوته لستدرار عطفهم من جهة كمدخل لكتساب القوة مرة أخري ،فقوته الظاهرية تصبح مرتبطة ارتباطاً شرطياً باستعطافه للناس بضعفه المبطن. وعندما يصاب مجتمع كامل بهذه الحالة فإنه يهرب دائمًا من مواجهة ذاته وعيوبه ويستعيض عن هذا كله بإحساس متضخم بالذات ينقلب أحياناً إلي عنصرية ضد الخرين،ومع هذا الحساس المتضخم بالذات والغير مبني علي أساس سليم تشيع تجارة الشعارات والوطنية الزائفة ويقفز المنافقون والمداحون إلي الصفوف المامية ،و كلما زادت حالة الهروب العام كلما زاد تضخيم صورة المجتمع وتحويل كل نجاح مهما صغر لنجاز تاريخي،وكل فشل مهما كبر إلي كبوة أو عثرة او انتكاسة ،ونعود مرة اخري لدائرة مفرغة ذكرناها منذ قليل هي النوستالجيا فيعود الحديث عن كنا وكنا وكنا ،دون أي رغبة حقيقية في مواجهة العيوب ،وتزداد نبرة الستعلء عند الحديث مع الخرين فيما يشعر أفراد المجتمع أنفسهم بأنهم بل قيمة،وفي كل لحظة يشعر المجتمع فيها بالعجز الشديد يعود إلي الستعطاف والتوسل وربما التسول أيضًا ،ويسود شعار (حسنة وأنا سيدك ) في المجتمع كله.
-5البتعاد عن تحمل المسئولية والعمل علي تحميلها للخرين باستمرار ل يستطيع النسان أن يبقي باستمرار هاربًا من مواجهة ذاته ومشكلته وهنا يلجأ للحل السحري وهو تحميل الخرين المسئولية الكاملة عن ناتج كل تصرفاته ،في الواقع هو يفعل ذلك مجبرًا لنه ل يرغب في أن يحمل نفسه ولو قدر قليل من المسئولية ،فيلجأ لختراع العدو الشرير الذي يتأمر ضده في العمل وفي السرة ،وفي كل مكان وهكذا تبدأ تلك الحالة لتكمل حلقات البارنويا المتتابعة من جنون العظمة إلي جنون الرتياب إلي جنون الضطهاد فهو ل يجد تفسيراً لي تصرف سوي أنه ناتج عن وجود ذلك الشخص الشرير في حياته ومع تعدد المشاكل وتفاقم الفشل تزداد لئحة الشرار طولً ،وفي الغلب يكون هؤلء الشرار المفترضين هم أكثر الناصحين إخلصاً له، وهكذا يحمل الخرين مسئولية فشله في كل تصرف حتي ولو لم يكن يعنيهم بالمرة ول علقة لهم به لمجرد أن أحدهم حاول إرشاده للصواب وهكذا يستطيع أن ينام قرير العين مستمتعاً بتصوراته الغريبة عن محور الشر الذي يحيط به ويتربص له. في الواقع فإن أكثر الناس نجاحاً هم القادرين دائماً علي تفهم دوافع وأسباب الخرين سواءاً أعجبتهم أم ل ،لنهم بذلك يستطيعون منطقة المور ووضعها في حجمها الطبيعي ،أما الشخاص الهستيريين فإنهم في العادة ل يجدون سوي مبرر واحد متكرر مع الجميع وهو السعي لضطهادهم ،ويردون علي ذلك بشعور عميق ومتأصل من الكراهية غير المبررة وتصوير للخر علي أنه الشيطان ذاته ،وبذلك يخرج المرء من أي مسئولية عن كل فشل وتقع المسئولية كلها علي الشرير أو معسكر الشرار. وفي المجتمعات التي تتفاقم فيها حالة تحميل المسئولية للخرين باستمرار يصبح هناك دائماً المؤامرة الصهيونية أو المؤامرة المريكية الصهيونية أو المؤامرة الغربية أو المؤامرة الصليبية أو أن البلد مستهدفة باستمرار من الحاقدين ، بحسب درجة الل عقلنية لدي المجتمع ،فهو يرمي كل إحباطاته وفشله علي شماعة قد تمتد ليتصور أن كل شعوب ل من العالم متفقة علي استهدافه ،وهو بذلك يبدأ من الكراهية وينتهي إليها فيفرغ كل طاقاته في الحقد والكراهية بد ً العمل الجاد ،وكلما زاد الفشل فإن هذا المجتمع لن يتكلف إل مزيداً من الكراهية لهؤلء العداء،دون أن يقوم بأي عمل منهجي لدراسة الواقع . ملحوظة :يلحظ أن أكبر نسبة عداء للدول الغربية علي سبيل المثال أو للخر عموماً موجودة في دول تعاني منظومتها من فشل شديد في حين إن دول أخري تتفق معها في الثقافة والتوجه ولكن أداءها العام أفضل تتناقص فيها هذه النسبة إلي مستوياتها الدنيا
-6تجويل رد الفعل إلي هدف في حد ذاته : عندما يمتل النسان بالمشاعر السلبية تجاه الخرين فإنه يتخذ منها وقوداً ودافعًا يصنع منها هدفًا جديداً له في الحياة ، فيبني أهدافه علي عوامل مثل الكراهية والحقد والغيرة المهنية وغيرها،وتتشكل خريطة اهدافه بحيث يلحق أكبر ضرر ممكن بهؤلء الشرار كرد فعل علي تصوراته المرضية لهم بانه غارقون في كراهيته واستهدافه. وهكذا يقضي المرء وقته مع نفسه في إعادة شحن مشاعره السلبية ويقضي وقته مع الخرين في الهجوم علي معسكر الشرار،ومنطقياً يتعاطف معه البعض في البداية نظرًا لنه يتحدث بحرقة وكأنما يقول الحقيقة وليس تصوراته الغريبة ،ومع الوقت وبعد طول صبر يبدأ الناس في النصراف تدريجياً عنه حتي ولو كانوا يصدقونه فقط لن حكاياته ل تشغل حيزًا مهماً في تفكيرهم علي نقيض ماتشكل بالنسبة له ،وهنا تزداد الحالة سوءًا فيقوم بضم المزيد والمزيد إلي معسكر الشرار ويفقد المزيد من مصداقيته ،ويتحول كلمه إلي ظاهر جيد ولكنه بادي الركاكة في المضمون والتدليل والستنتاج ،فيتحول كلمه إلي هذيان معقلن وهوس ممنهج ،ويزداد الضرر الواقع عليه هو ذاته من جراء ما تكبده مشاعره السلبية من هم مقيم. وفي الحالة العامة عندما يرفع مجتمع شعارات الثأر أو النتقام المقدس باستمرار ويظل يشحن نفسه بشحنة مستمرة من الغضب والحقد تجاه العالم ،فإن كل ما يقوله يصبح فاقداً للمصداقية من العالم الذي ينبذ هذه اللغة،وحتي لو جرب مرة أن يقول الحقيقة فإنه ل يجد من يسمعه لنه ضيع رصيده كله في مطاردة العداء الوهميين بحيث يصبح الجميع ل عن أن هذا الشعور المشحون يكلف أفراد المجتمع الكثير من صحتهم النفسية ويجعلهم بين عدو أو متشكك ،فض ً باستمرار أسري لفكرة الضطهاد والتي تفجر بداخلهم شحنات من العنف المكبوت تجاه بعضهم وتجاه الخرين، وتجعل شعور الرتياب في الخر ،أي آخر مسيطراً علي الجميع،مما يضيع علي المجتمع فرصة التواصل مع العالم
-7تحويل الهدف إلي حلم جميل أو أسطورة خيالية وعدم السعي لتحقيقه : . عندما يحول النسان أهدافه إلي أحلم وردية يتمناها ،ول يسعي لتحقيقها برغم كونه يريدها ويستطيع ان يحققها لو ثابر لتحقيقها،عندما يري كل ما يريد في أحلم اليقظة ويكتفي بها ،عندما يفشل في أن يقوم بعملية تقييم مستمرة لمساره ،عندما ل ينفعه هروبه ،عندما ل تزيده مشاعره السلبية شيئًا ،ول تنقص من الخرين شيئًا ،عندها وعندها فقط وبعد انسداد كل الطرق والمسالك يصل للحالة الخيرة والتي يبدو انه يحتاج لصدمة للخروج منها ،أل وهي استعذاب الفشل وتفريغ كل طاقاته في الحلم ،مثل هذا الشخص ل يمكن أن ينجح أبداً إل بمعجزة تنتشله ،فهو يضع كل إحباطاته في أن يكتفي بأحلمه السعيدة لتداري قبح واقعه ،ويستعيد بهذا التوازن النفسي الذي فقده في كل المراحل السابقة ويصل إلي حالة التعادل ،حالة الل فعل ،وصول النسان لهذه المرحلة يعني وصول السلبية إلي مداها ،وعدم إمكانية حدوث أي تغيير لن كل المور أصبحت متساوية في نظره دون أدني فارق وفي جميع الحوال ،ما أن يمضب اليوم حتي يستمتع باحلمه السعيدة ويعوض ما فاته. المجتمعات التي تصل لهذه الحالة تكون قد وصلت إلي مرحلة من التبلد والل مسئولية ،بحيث يري أفرادها بأنفسهم ويقرون بانهم فاشلون ،ولكنهم يستعيضون عن ذلك بان يناموا قريري العين ويحلموا بأحلم سعيدة يأتي فيها البطال الوهميين لنقاذهم من كل ما يعانونه. نومًا سعيداً