www.zahraaa.com
[email protected]
إھﺪاء...
إﻟﻰ ﻣﺎﻟﻚ ﺣﺪاد.. اﺑﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ اﻟﺬي أﻗﺴﻢ ﺑﻌﺪ اﺳﺘﻘﻼل اﻟﺠﺰاﺋﺮ أﻻﱠ ﯾﻜﺘﺐ ﺑﻠﻐﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻟﻐﺘﮫ.. ﻓﺎﻏﺘﺎﻟﺘﮫ اﻟﺼﻔﺤﺔ اﻟﺒﯿﻀﺎء ..وﻣﺎت ﻣﺘﺄﺛﺮا ﺑﺴﻠﻄﺎن ﺻﻤﺘﮫ ﻟﯿﺼﺒﺢ ﺷﮭﯿﺪ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ,وأول ﻛﺎﺗﺐ ﻗﺮر أن ﯾﻤﻮت ﺻﻤﺘﺎً وﻗﮭﺮاً وﻋﺸﻘﺎً ﻟﮭﺎ. وإﻟﻰ أﺑﻲ... ﻋﺴﺎه ﯾﺠﺪ "ھﻨﺎك" ﻣﻦ ﯾﺘﻘﻦ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ,ﻓﯿﻘﺮأ ﻟﮫ أﺧﯿﺮاً ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ...ﻛﺘﺎﺑﮫ. أﺣﻼم
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
ﻣﺎ زﻟﺖ أذﻛﺮ ﻗﻮﻟﻚ ذات ﯾﻮم: "اﻟﺤﺐ ھﻮ ﻣﺎ ﺣﺪث ﺑﯿﻨﻨﺎ .واﻷدب ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺤﺪث ". ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ اﻟﯿﻮم ,ﺑﻌﺪ ﻣﺎ اﻧﺘﮭﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء أن أﻗﻮل: ھﻨﯿﺌﺎ ﻟﻸدب ﻋﻠﻰ ﻓﺠﯿﻌﺘﻨﺎ إذن ﻓﻤﺎ اﻛﺒﺮ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺤﺪث .إﻧﮭﺎ ﺗﺼﻠﺢ اﻟﯿﻮم ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب. وھﻨﯿﺌﺎ ﻟﻠﺤﺐ أﯾﻀﺎ... ﻓﻤﺎ أﺟﻤﻞ اﻟﺬي ﺣﺪث ﺑﯿﻨﻨﺎ ...ﻣﺎ أﺟﻤﻞ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺤﺪث ...ﻣﺎ أﺟﻤﻞ اﻟﺬي ﻟﻦ ﯾﺤﺪث. ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم ,ﻛﻨﺖ اﻋﺘﻘﺪ أﻧﻨﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﻜﺘﺐ ﻋﻦ ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺸﻔﻰ ﻣﻨﮭﺎ. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﻠﻤﺲ ﺟﺮاﺣﻨﺎ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﺑﻘﻠﻢ ,دون أن ﻧﺘﺄﻟﻢ ﻣﺮة أﺧﺮى. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻘﺪر ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻈﺮ ﺧﻠﻔﻨﺎ دون ﺣﻨﯿﻦ ,دون ﺟﻨﻮن ,ودون ﺣﻘﺪ أﯾﻀﺎ. أﯾﻤﻜﻦ ھﺬا ﺣﻘﺎً ؟ ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺸﻔﻰ ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻨﺎ. وﻟﮭﺬا ﻧﺤﻦ ﻧﻜﺘﺐ ,وﻟﮭﺬا ﻧﺤﻦ ﻧﺮﺳﻢ ,وﻟﮭﺬا ﯾﻤﻮت ﺑﻌﻀﻨﺎ أﯾﻀﺎ. أﺗﺮﯾﺪ ﻗﮭﻮه ؟ﯾﺄﺗﻲ ﺻﻮت ﻋﺘﯿﻘﺔ ﻏﺎﺋﺒﺎ ,وﻛﺄﻧﮫ ﯾﻄﺮح اﻟﺴﺆال ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺ ﻏﯿﺮي. ﻣﻌﺘﺬرا دون اﻋﺘﺬار ,ﻋﻠﻰ وﺟﮫ ﻟﻠﺤﺰن ﻟﻢ أﺧﻠﻌﮫ ﻣﻨﺬ أﯾﺎم. ﯾﺨﺬﻟﻨﻲ ﺻﻮﺗﻲ ﻓﺠﺄة... أﺟﯿﺐ ﺑﺈﺷﺎرة ﻣﻦ رأﺳﻲ ﻓﻘﻂ. ﻓﺘﻨﺴﺤﺐ ﻟﺘﻌﻮد ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت ,ﺑﺼﯿﻨﯿﺔ ﻗﮭﻮة ﻧﺤﺎﺳﯿﮫ ﻛﺒﯿﺮة ﻋﻠﯿﮭﺎ إﺑﺮﯾﻖ ،وﻓﻨﺎﺟﯿﻦ , وﺳﻜﺮﯾﮫ ,وﻣﺮشّ ﻟﻤﺎء اﻟﺰھﺮ ,وﺻﺤﻦ ﻟﻠﺤﻠﻮﯾﺎت. ﻓﻲ ﻣﺪن أﺧﺮى ﺗﻘﺪم اﻟﻘﮭﻮة ﺟﺎھﺰة ﻓﻲ ﻓﻨﺠﺎن ,وﺿﻌﺖ ﺟﻮاره ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻣﻌﻠﻘﮫ وﻗﻄﻌﺔ ﺳﻜﺮ. وﻟﻜﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﺪﯾﻨﮫ ﺗﻜﺮه اﻹﯾﺠﺎز ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء. إﻧﮭﺎ ﺗﻔﺮد ﻣﺎ ﻋﻨﺪھﺎ داﺋﻤﺎ .ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﻠﺒﺲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻤﻠﻚ .وﺗﻘﻮل ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻌﺮف. وﻟﮭﺬا ﻛﺎن ﺣﺘﻰ اﻟﺤﺰن وﻟﯿﻤﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ.
أﺟﻤﻊ اﻷوراق اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة أﻣﺎﻣﻲ ,ﻷﺗﺮك ﻣﻜﺎﻧﺎً ﻟﻔﻨﺠﺎن اﻟﻘﮭﻮة وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻓﺴﺢ ﻣﻜﺎﻧﺎ ﻟﻚ .. ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻣﺴﻮدات ﻗﺪﯾﻤﺔ ,وأﺧﺮى أوراق ﺑﯿﻀﺎء ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻨﺬ أﯾﺎم ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻓﻘﻂ ...ﻛﻲ ﺗﺪب ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﯿﺎة ,وﺗﺘﺤﻮل ﻣﻦ ورق إﻟﻰ أﯾﺎم. ﻛﻠﻤﺎت ﻓﻘﻂ ,أﺟﺘﺎز ﺑﮭﺎ اﻟﺼﻤﺖ إﻟﻰ اﻟﻜﻼم ,واﻟﺬاﻛﺮة إﻟﻰ اﻟﻨﺴﯿﺎن ,وﻟﻜﻦ.. ﺗﺮﻛﺖ اﻟﺴﻜﺮ ﺟﺎﻧﺒﺎ ,وارﺗﺸﻔﺖ ﻗﮭﻮﺗﻲ ﻣﺮه ﻛﻤﺎ ﻋﻮدﻧﻲ ﺣﺒﻚ. ﻓﻜﺮت ﻓﻲ ﻏﺮاﺑﮫ ھﺬا اﻟﻄﻌﻢ اﻟﻌﺬب ﻟﻠﻘﮭﻮة اﻟﻤﺮّة .وﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﻓﻘﻂ ,ﺷﻌﺮت أﻧﻨﻲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻨﻚ ﻓﺄﺷﻌﻠﺖ ﺳﯿﺠﺎرة ﻋﺼﺒﯿّﺔ ,ورﺣﺖ أﻃﺎرد دﺧﺎن اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ أﺣﺮﻗﺘﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ,دون أن أﻃﻔﺊ ﺣﺮاﺋﻘﮭﺎ ﻣﺮة ﻓﻮق ﺻﻔﺤﮫ. ھﻞ اﻟﻮرق ﻣﻄﻔﺄة ﻟﻠﺬاﻛﺮة؟ ﻧﺘﺮك ﻓﻮﻗﮫ ﻛﻞ ﻣﺮة رﻣﺎد ﺳﯿﺠﺎرة اﻟﺤﻨﯿﻦ اﻷﺧﯿﺮة ,وﺑﻘﺎﯾﺎ اﻟﺨﯿﺒﺔ اﻷﺧﯿﺮة. . ﻣﻦ ﻣﻨّﺎ ﯾﻄﻔﺊ أو ﯾﺸﻌﻞ اﻵﺧﺮ ؟ ﻻ ادري ...ﻓﻘﺒﻠﻚ ﻟﻢ اﻛﺘﺐ ﺷﯿﺌﺎ ﯾﺴﺘﺤﻖ اﻟﺬﻛﺮ ...ﻣﻌﻚ ﻓﻘﻂ ﺳﺄﺑﺪأ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ. وﻻ ﺑﺪ أن أﻋﺜﺮ أﺧﯿﺮاً ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺳﺄﻧﻜﺘﺐ ﺑﮭﺎ ,ﻓﻤﻦ ﺣﻘﻲ أن أﺧﺘﺎر اﻟﯿﻮم ﻛﯿﻒ أﻧﻜﺘﺐ .أﻧﺎ اﻟﺬي أﺧﺘﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ. ﻗﺼﮫ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﻻ ﺗﻜﻮن ﻗﺼﺘﻲ ,ﻟﻮ ﻟﻢ ﯾﻀﻌﻚ اﻟﻘﺪر ﻛﻞ ﻣﺮه ﻣﺼﺎدﻓﮫ ,ﻋﻨﺪ ﻣﻨﻌﻄﻔﺎت ﻓﺼﻮﻟﮭﺎ. ﻣﻦ أﯾﻦ ﺟﺎء ھﺬا اﻻرﺗﺒﺎك؟ وﻛﯿﻒ ﺗﻄﺎﺑﻘﺖ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻷوراق اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﻤﺴﺘﻄﯿﻠﺔ ,ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ اﻟﺒﯿﺎض ﻟﻠﻮﺣﺎت ﻟﻢ ﺗﺮﺳﻢ ﺑﻌﺪ ..وﻣﺎ زاﻟﺖ ﻣﺴﻨﺪه ﺟﺪار ﻣﺮﺳﻢ ﻛﺎن ﻣﺮﺳﻤﻲ ؟ وﻛﯿﻒ ﻏﺎدرﺗﻨﻲ اﻟﺤﺮوف ﻛﻤﺎ ﻏﺎدرﺗﻨﻲ ﻗﺒﻠﮭﺎ اﻷﻟﻮان .وﺗﺤﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ إﻟﻰ ﺟﮭﺎز ﺗﻠﻔﺰﯾﻮن ﻋﺘﯿﻖ ,ﯾﺒﺚ اﻟﺼﻮر ﺑﺎﻷﺳﻮد واﻷﺑﯿﺾ ﻓﻘﻂ ؟ وﯾﻌﺮض ﺷﺮﯾﻄﺎ ﻗﺪﯾﻤﺎ ﻟﻠﺬاﻛﺮة ,ﻛﻤﺎ ﺗﻌﺮض أﻓﻼم اﻟﺴﯿﻨﻤﺎ اﻟﺼﺎﻣﺘﺔ. ﻛﻨﺖ أﺣﺴﺪھﻢ داﺋﻤﺎً ,أوﻟﺌﻚ اﻟﺮﺳﺎﻣﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻨﺘﻘﻠﻮن ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺳﻢ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ دون ﺟﮭﺪ ,وﻛﺄﻧﮭﻢ ﯾﻨﺘﻘﻠﻮن ﻣﻦ ﻏﺮﻓﮫ إﻟﻰ أﺧﺮى داﺧﻠﮭﻢ .ﻛﺄﻧﮭﻢ ﯾﻨﺘﻘﻠﻮن ﺑﯿﻦ اﻣﺮأﺗﯿﻦ دون ﻛﻠﻔﺔ..
ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أﻻ أﻛﻮن رﺟﻼ ﻻﻣﺮأة واﺣﺪة! ھﺎ ھﻮذا اﻟﻘﻠﻢ إذن ..اﻷﻛﺜﺮ ﺑﻮﺣﺎ واﻷﻛﺜﺮ ﺟﺮﺣﺎ ً. ھﺎ ھﻮ ذا اﻟﺬي ﻻ ﯾﺘﻘﻦ اﻟﻤﺮاوﻏﺔ ,وﻻ ﯾﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﺗﻮﺿﻊ اﻟﻈﻼل ﻋﻠﻰ اﻷﺷﯿﺎء . وﻻ ﻛﯿﻒ ﺗﺮش اﻷﻟﻮان ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺮح اﻟﻤﻌﺮوض ﻟﻠﻔﺮﺣﺔ. وھﺎ ھﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﺮﻣﺖ ﻣﻨﮭﺎ ,ﻋﺎرﯾﺔ ﻛﻤﺎ أردﺗﮭﺎ ,ﻣﻮﺟﻌﮫ ﻛﻤﺎ أردﺗﮭﺎ ,ﻓَﻠِﻢَ رﻋﺸﺔ اﻟﺨﻮف ﺗﺸﻞّ ﯾﺪي ,وﺗﻤﻨﻌﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ؟ ﺗﺮاﻧﻲ أﻋﻲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻓﻘﻂ ،أﻧﻨﻲ اﺳﺘﺒﺪﻟﺖ ﺑﻔﺮﺷﺎﺗﻲ ﺳﻜﯿﻨﺎً .وأن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ إﻟﯿﻚ ﻗﺎﺗﻠﮫ ..ﻛﺤﺒﻚ. ارﺗﺸﻔﺖ ﻗﮭﻮﺗﻚ اﻟﻤﺮة ,ﺑﻤﺘﻌﮫ ﻣﺸﺒﻮھﺔ ھﺬه اﻟﻤﺮّة .ﺷﻌﺮت أﻧﻨﻲ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن اﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻠﮫ أوﻟﻰ ,اﺑﺪأ ﺑﮭﺎ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب. ﺟﻤﻠﮫ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻓﻲ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺔ ﻛﻠﻤﺎت رﺳﺎﻟﺔ. ﻛﺄن أﻗﻮل ﻣﺜﻼ : "أﻛﺘﺐ إﻟﯿﻚ ﻣﻦ ﻣﺪﯾﻨﮫ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺸﺒﮭﻚ ,وأﺻﺒﺤﺖ أﺷﺒﮭﮭﺎ .ﻣﺎ زاﻟﺖ اﻟﻄﯿﻮر ﺗﻌﺒﺮ ھﺬه اﻟﺠﺴﻮر ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ,وأﻧﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﺟﺴﺮا آﺧﺮ ﻣﻌﻠﻘﺎً ھﻨﺎ. ﻻ ﺗﺤﺒﻲ اﻟﺠﺴﻮر ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم..". أو ﺷﯿﺌﺎ آﺧﺮ ﻣﺜﻞ: "أﻣﺎم ﻓﻨﺠﺎن ﻗﮭﻮة ذﻛﺮﺗﻚ.. ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻀﻌﻲ وﻟﻮ ﻣﺮة ﻗﻄﻌﺔ ﺳﻜﺮ ﻓﻲ ﻗﮭﻮﺗﻲ .ﻟﻤﺎذا ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺼﯿﻨﯿﺔ ..ﻣﻦ أﺟﻞ ﻗﮭﻮة ﻣﺮّة..؟". ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أﻗﻮل أي ﺷﻲء... ﻓﻔﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ,ﻟﯿﺴﺖ اﻟﺮواﯾﺎت ﺳﻮى رﺳﺎﺋﻞ وﺑﻄﺎﻗﺎت ,ﻧﻜﺘﺒﮭﺎ ﺧﺎرج اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﻤﻌﻠﻨﺔ ..ﻟﻨﻌﻠﻦ ﻧﺸﺮﺗﻨﺎ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ ,ﻟﻤﻦ ﯾﮭﻤﮭﻢ أﻣﺮﻧﺎ . وﻟﺬا أﺟﻤﻠﮭﺎ ,ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪأ ﺑﺠﻤﻠﮫ ﻟﻢ ﯾﺘﻮﻗﻌﮭﺎ ﻣﻦ ﻋﺎﯾﺶ ﻃﻘﺴﻨﺎ وﻃﻘﻮﺳﻨﺎ .ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﻮﻣﺎ ﺳﺒﺒﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﻘﻠﺒﺎﺗﻨﺎ اﻟﺠﻮﯾﺔ. ﺗﺘﺰاﺣﻢ اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻲ ذھﻨﻲ .ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻌﯿﮭﺎ. وﺗﻤﻄﺮ اﻟﺬاﻛﺮة ﻓﺠﺄة.. ﻓﺄﺑﺘﻠﻊ ﻗﮭﻮﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ .وأﺷﺮع ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ ﻷھﺮب ﻣﻨﻚ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺨﺮﯾﻔﯿﺔ ..إﻟﻰ
اﻟﺸﺠﺮ واﻟﺠﺴﻮر واﻟﻤﺎرة. إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺪﯾﻨﺘﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى .ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺧﺬت ﻟﻲ ﻣﻮﻋﺪا ﻣﻌﮭﺎ ﻟﺴﺒﺐ آﺧﺮ ھﺬه اﻟﻤﺮة. ھﺎ ھﻲ ذي ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..وھﺎ ھﻮ ﻛﻞ ﺷﻲء أﻧﺖ. وھﺎ أﻧﺖ ﺗﺪﺧﻠﯿﻦ إﻟﻲّ ,ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻧﻔﺴﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻖ أن دﺧﻠﺖ ﻣﻨﮭﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات .ﻣﻊ ﺻﻮت اﻟﻤﺂذن ﻧﻔﺴﮫ ,وﺻﻮت اﻟﺒﺎﻋﺔ ,وﺧﻄﻰ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻤﻠﺘﺤﻔﺎت ﺑﺎﻟﺴﻮاد ,واﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﺬﯾﺎع ﻻ ﯾﺘﻌﺐ... "ﯾﺎ اﻟﺘﻔﺎﺣﺔ ..ﯾﺎ اﻟﺘﻔﺎﺣﺔ ...ﺧﺒﺮﯾﻨﻲ وﻋﻼش اﻟﻨﺎس واﻟﻌﺔ ﺑﯿﻚ..". ﺗﺴﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ھﺬه اﻷﻏﻨﯿﺔ ﺑﺴﺬاﺟﺘﮭﺎ. ﺗﻀﻌﻨﻲ وﺟﮭﺎً ﻟﻮﺟﮫ ﻣﻊ اﻟﻮﻃﻦ .ﺗﺬﻛﺮﻧﻲ دون ﻣﺠﺎل ﻟﻠﺸﻚ ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﮫ ﻋﺮﺑﯿﮫ ﻓﺘﺒﺪو اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺘﻲ ﻗﻀﯿﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﺑﺎرﯾﺲ ﺣﻠﻤﺎً ﺧﺮاﻓﯿﺎً. ھﻞ اﻟﺘﻐﺰل ﺑﺎﻟﻔﻮاﻛﮫ ﻇﺎھﺮه ﻋﺮﺑﯿﺔ؟ أم وﺣﺪه اﻟﺘﻔﺎح اﻟﺬي ﻣﺎ زال ﯾﺤﻤﻞ ﻧﻜﮭﺔ ﺧﻄﯿﺌﺘﻨﺎ اﻷوﻟﻰ ,ﺷﮭﻲّ ﻟﺤﺪّ اﻟﺘﻐﻨّﻲ ﺑﮫ ،ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺑﻠﺪ ﻋﺮﺑﻲ. وﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺗﻔﺎﺣﮫ؟ ﻻ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺗﻔﺎﺣﮫ. ﻛﻨﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ أﻏﺮﺗﻨﻲ ﺑﺄﻛﻞ اﻟﺘﻔﺎح ﻻ أﻛﺜﺮ .ﻛﻨﺖ ﺗﻤﺎرﺳﯿﻦ ﻣﻌﻲ ﻓﻄﺮﯾﺎً ﻟﻌﺒﺔ ﺣﻮاء .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻲ أن أﺗﻨﻜﺮ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ رﺟﻞ ﯾﺴﻜﻨﻨﻲ ,ﻷﻛﻮن ﻣﻌﻚ أﻧﺖ ﺑﺎﻟﺬات ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻗﺔ آدم! أھﻼ ﺳﻲ ﺧﺎﻟﺪ..واش راك اﻟﯿﻮم ..؟ﯾﺴﻠّﻢ ﻋﻠﻲّ اﻟﺠﺎر ,ﺗﺴﻠّﻘﺖ ﻧﻈﺮاﺗﮫ ﻃﻮاﺑﻖ ﺣﺰﻧﻲ .وﻓﺎﺟﺄه وﻗﻮﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎﺣﻲ ,ﺧﻠﻒ ﺷﺮﻓﺔ ﻟﻠﺬھﻮل. أﺗﺎﺑﻊ ﻓﻲ ﻧﻈﺮة ﻏﺎﺋﺒﺔ ,ﺧﻄﻮاﺗﮫ اﻟﻤﺘﺠﮭﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻤﺠﺎور .وﻣﺎ ﯾﻠﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﺧﻄﻮات ,ﻟﻤﺎرة آﺧﺮﯾﻦ ,ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻛﺴﻠﻰ ,وأﺧﺮى ﻋﺠﻠﻰ ,ﻣﺘﺠﮭﺔ ﺟﻤﯿﻌﮭﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻜﺎن ﻧﻔﺴﮫ. اﻟﻮﻃﻦ ﻛﻠﮫ ذاھﺐ ﻟﻠﺼﻼة.
واﻟﻤﺬﯾﺎع ﯾﻤﺠﺪ أﻛﻞ اﻟﺘﻔﺎﺣﺔ. وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﮭﺎز ھﻮاﺋﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻄﻮح ,ﯾﻘﻒ ﻣﻘﺎﺑﻼ اﻟﻤﺂذن ﯾﺮﺻﺪ اﻟﻘﻨﻮات اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪم ﻟﻚ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﮫ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺷﺔ ﺗﻠﻔﺰﯾﻮﻧﻚ ,أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻃﺮﯾﻘﮫ _ﻋﺼﺮﯾﮫ_ ﻷﻛﻞ اﻟﺘﻔﺎح! أﻛﺘﻔﻲ ﺑﺎﺑﺘﻼع رﯾﻘﻲ ﻓﻘﻂ. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻟﻢ أﻛﻦ أﺣﺐ اﻟﻔﻮاﻛﮫ .وﻻ ﻛﺎن أﻣﺮ اﻟﺘﻔﺎح ﯾﻌﻨﯿﻨﻲ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ. ﻛﻨﺖ أﺣﺒﻚ أﻧﺖ .وﻣﺎ ذﻧﺒﻲ إن ﺟﺎءﻧﻲ ﺣﺒﻚ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﺧﻄﯿﺌﺔ؟ ﻛﯿﻒ أﻧﺖ ..ﯾﺴﺄﻟﻨﻲ ﺟﺎر وﯾﻤﻀﻲ ﻟﻠﺼﻼة. ﻓﯿﺠﯿﺐ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻣﻘﺘﻀﺒﺔ ،وﯾﻤﻀﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺆال ﻋﻨﻚ . ﻛﯿﻒ أﻧﺎ؟ أﻧﺎ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﮫ ﺑﻲ ﺳﯿﺪﺗﻲ ..ﻓﻜﯿﻒ أﻧﺖِ ؟ ﯾﺎ اﻣﺮأة ﻛﺴﺎھﺎ ﺣﻨﯿﻨﻲ ﺟﻨﻮﻧﺎً ،وإذا ﺑﮭﺎ ﺗﺄﺧﺬ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎ ,ﻣﻼﻣﺢ ﻣﺪﯾﻨﮫ وﺗﻀﺎرﯾﺲ وﻃﻦ. وإذا ﺑﻲ اﺳﻜﻨﮭﺎ ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ,وﻛﺄﻧﻨﻲ اﺳﻜﻦ ﻏﺮف ذاﻛﺮﺗﻲ اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺳﻨﯿﻦ. ﻛﯿﻒ ﺣﺎﻟﻚ؟ ﯾﺎ ﺷﺠﺮة ﺗﻮت ﺗﻠﺒﺲ اﻟﺤﺪاد وراﺛﯿﺎ ﻛﻞ ﻣﻮﺳﻢ. ﯾﺎ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﯿﺔ اﻷﺛﻮاب.... ﯾﺎ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﯿﺔ اﻟﺤﺐ ...واﻷﻓﺮاح واﻷﺣﺰان واﻷﺣﺒﺎب ..أﺟﯿﺒﻲ أﯾﻦ ﺗﻜﻮﻧﯿﻦ اﻵن؟. ھﺎ ھﻲ ذي ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﮫ... ﺑﺎردة اﻷﻃﺮاف واﻷﻗﺪام .ﻣﺤﻤﻮﻣﺔ اﻟﺸﻔﺎه ,ﻣﺠﻨﻮﻧﺔ اﻷﻃﻮار. ھﺎ ھﻲ ذي ..ﻛﻢ ﺗﺸﺒﮭﯿﻨﮭﺎ اﻟﯿﻮم أﯾﻀﺎ ...ﻟﻮ ﺗﺪرﯾﻦ! دﻋﯿﻨﻲ أﻏﻠﻖ اﻟﻨﺎﻓﺬة!. ﻛﺎن ﻣﺎرﺳﯿﻞ ﺑﺎﻧﯿﻮل ﯾﻘﻮل: "ﺗﻌﻮّد ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻌﺎدﯾﺔ ..أﺷﯿﺎء ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺤﺪث أﯾﻀﺎً" . أﻟﯿﺲ اﻟﻤﻮت ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﺷﯿﺌﺎ ﻋﺎدﯾﺎ .ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻛﺎﻟﻤﯿﻼد ,واﻟﺤﺐ ,واﻟﺰاج ,واﻟﻤﺮض, واﻟﺸﯿﺨﻮﺧﺔ ,واﻟﻐﺮﺑﺔ واﻟﺠﻨﻮن ,وأﺷﯿﺎء أﺧﺮى ؟ ﻓﻤﺎ أﻃﻮل ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻌﺎدﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺘﻮﻗﻌﮭﺎ ﻓﻮق اﻟﻌﺎدة ,ﺣﺘﻰ ﺗﺤﺪث .واﻟﺘﻲ ﻧﻌﺘﻘﺪ أﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺤﺪث ﺳﻮى ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ ,وأن اﻟﺤﯿﺎة ﻟﺴﺒﺐ أو ﻵﺧﺮ ﺳﺘﻮﻓﺮ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻨﮭﺎ,
ﺣﺘﻰ ﻧﺠﺪ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﯾﻮﻣﺎ أﻣﺎﻣﮭﺎ. ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ اﻟﯿﻮم ,أﺟﺪ أن ﻟﻘﺎﺋﻲ ﺑﻚ ھﻮ اﻟﺸﻲء اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺨﺎرق ﻟﻠﻌﺎدة ﺣﻘﺎً .اﻟﺸﻲء اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻟﻢ أﻛﻦ ﻷﺗﻨﺒﺄ ﺑﮫ ،أو أﺗﻮﻗﻊ ﻋﻮاﻗﺒﮫ ﻋﻠﻲّ .ﻷﻧﱠﻨﻲ ﻛﻨﺖ اﺟﮭﻞ وﻗﺘﮭﺎ أن اﻷﺷﯿﺎء ﻏﯿﺮ اﻟﻌﺎدﯾﺔ ,ﻗﺪ ﺗﺠﺮ ﻣﻌﮭﺎ أﯾﻀﺎ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻌﺎدﯾﺔ. ورﻏﻢ ذﻟﻚ.... ﻣﺎ زﻟﺖ أﺗﺴﺎءل ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺴﻨﻮات ,أﯾﻦ أﺿﻊ ﺣﺒﻚ اﻟﯿﻮم ؟ أﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻌﺎدﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺤﺪث ﻟﻨﺎ ﯾﻮﻣﺎ ﻛﺄﯾﺔ وﻋﻜﮫ ﺻﺤﯿﺔ أو زﻟﺔ ﻗﺪم ..أو ﻧﻮﺑﺔ ﺟﻨﻮن؟ أم ..أﺿﻌﮫ ﺣﯿﺚ ﺑﺪأ ﯾﻮﻣﺎً؟ ﻛﺸﻲء ﺧﺎرق ﻟﻠﻌﺎدة ,ﻛﮭﺪﯾﺔ ﻣﻦ ﻛﻮﻛﺐ ,ﻟﻢ ﯾﺘﻮﻗﻊ وﺟﻮده اﻟﻔﻠﻜﯿﻮن .أو زﻟﺰال ﻟﻢ ﺗﺘﻨﺒﺄ ﺑﮫ أﯾﺔ أﺟﮭﺰة ﻟﻠﮭﺰات اﻷرﺿﯿﺔ. أﻛﻨﺖِ زﻟﺔ ﻗﺪم ..أم زﻟﺔ ﻗﺪر ؟. أﻗﻠّﺐ ﺟﺮﯾﺪة اﻟﺼﺒﺎح ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ أﺟﻮﺑﺔ ﻣﻘﻨﻌﮫ ﻟﺤﺪث "ﻋﺎدي" ﻏﯿّﺮ ﻣﺴﺎر ﺣﯿﺎﺗﻲ وﺟﺎء ﺑﻲ إﻟﻰ ھﻨﺎ. أﺗﺼﻔﺢ ﺗﻌﺎﺳﺘﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ھﺬه اﻷﻋﻮام ,ﻓﯿﻌﻠﻖ اﻟﻮﻃﻦ ﺣﺒﺮاً أﺳﻮد ﺑﯿﺪي. ھﻨﺎك ﺻﺤﻒ ﯾﺠﺐ أن ﺗﻐﺴﻞ ﯾﺪﯾﻚ إن ﺗﺼﻔﺤﺘﮭﺎ وإن ﻛﺎن ﻟﯿﺲ ﻟﻠﺴﺒﺐ ﻧﻔﺴﮫ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة .ﻓﮭﻨﺎﻟﻚ واﺣﺪه ﺗﺘﺮك ﺣﺒﺮھﺎ ﻋﻠﯿﻚ ..وأﺧﺮى أﻛﺜﺮ ﺗﺄﻟﻘﺎ ﺗﻨﻘﻞ ﻋﻔﻮﻧﺘﮭﺎ إﻟﯿﻚ. أﻷنّ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﺗﺸﺒﮫ داﺋﻤﺎ أﺻﺤﺎﺑﮭﺎ ,ﺗﺒﺪو ﻟﻲ ﺟﺮاﺋﺪﻧﺎ وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﺴﺘﯿﻘﻆ ﻛﻞ ﯾﻮم ﻣﺜﻠﻨﺎ, ﺑﻤﻼﻣﺢ ﻣﺘﻌﺒﮫ وﺑﻮﺟﮫ ﻏﯿﺮ ﺻﺒﺎﺣﻲ ﻏﺴﻠﺘﮫ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ،وﻧﺰﻟﺖ ﺑﮫ إﻟﻰ اﻟﺸﺎرع .ھﻜﺬا دون أن ﺗﻜﻠﻒ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﺸﻘﺔ ﺗﺼﻔﯿﻒ ﺷﻌﺮھﺎ ,أو وﺿﻊ رﺑﻄﺔ ﻋﻨﻖ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ..أو إﻏﺮاﺋﻨﺎ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ. 25أﻛﺘﻮﺑﺮ .1988 ﻋﻨﺎوﯾﻦ ﻛﺒﺮى ..ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺒﺮ اﻷﺳﻮد .ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺪم .وﻗﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎء. ھﻨﺎك ﺟﺮاﺋﺪ ﺗﺒﯿﻌﻚ ﻧﻔﺲ ﺻﻮر اﻟﺼﻔﺤﺔ اﻷوﻟﻰ ..ﺑﺒﺪﻟﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻛﻞ ﻣﺮه. ھﻨﺎﻟﻚ ﺟﺮاﺋﺪ ..ﺗﺒﯿﻌﻚ ﻧﻔﺲ اﻷﻛﺎذﯾﺐ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أﻗﻞ ذﻛﺎء ﻛﻞ ﻣﺮّة.... وھﻨﺎﻟﻚ أﺧﺮى ،ﺗﺒﯿﻌﻚ ﺗﺬﻛﺮة ﻟﻠﮭﺮوب ﻣﻦ اﻟﻮﻃﻦ ..ﻻ ﻏﯿﺮ. وﻣﺎ دام ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻣﻤﻜﻨﺎ ,ﻓﻸﻏﻠﻖ اﻟﺠﺮﯾﺪة إذن ..وﻷذھﺐ ﻟﻐﺴﻞ ﯾﺪي.
آﺧﺮ ﻣﺮه اﺳﺘﻮﻗﻔﺘﻨﻲ ﻓﯿﮭﺎ ﺻﺤﯿﻔﺔ ﺟﺰاﺋﺮﯾﺔ ,ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻨﺬ ﺷﮭﺮﯾﻦ ﺗﻘﺮﯾﺒﺎ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﺼﻔﺢ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ ,وإذا ﺑﺼﻮرﺗﻚ ﺗﻔﺎﺟﺌﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻒ ﺻﻔﺤﮫ ﺑﺄﻛﻤﻠﮭﺎ ,ﻣﺮﻓﻘﮫ ﺑﺤﻮار ﺻﺤﺎﻓﻲ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺻﺪور ﻛﺘﺎب ﺟﺪﯾﺪ ﻟﻚ. ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺗﺴﻤﱠََﺮ ﻧﻈﺮي أﻣﺎم ذﻟﻚ اﻹﻃﺎر اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺤﺘﻮﯾﻚ .وﻋﺒﺜﺎ رﺣﺖ أﻓﻚّ رﻣﻮز ﻛﻼﻣﻚ .ﻛﻨﺖ أﻗﺮأك ﻣﺮﺗﺒﻜﺎً ،ﻣﺘﻠﻌﺜﻤﺎً ,ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ .وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻧﺎ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﺗﺤﺪث إﻟﯿﻚ ﻋﻨﻲ ,وﻟﺴﺖ أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﺗﺘﺤﺪﺛﯿﻦ ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ ,ﻋﻦ ﻗﺼﺔ رﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺼﺘﻨﺎ. أي ﻣﻮﻋﺪ ﻋﺠﯿﺐ ﻛﺎن ﻣﻮﻋﺪﻧﺎ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم! ﻛﯿﻒ ﻟﻢ أﺗﻮﻗﻊ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات أن ﺗﺤﺠﺰي ﻟﻲ ﻣﻮﻋﺪا ﻋﻠﻰ ورق ﺑﯿﻦ ﺻﻔﺤﺘﯿﻦ ,ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺔ ﻻ اﻗﺮأھﺎ ﻋﺎدة. إﻧّﮫ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺤﻤﺎﻗﺎت ،أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ أن أﺷﺘﺮي ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻣﺠﻠﺔ ﻟﻢ أﺗﻌﻮّد ﺷﺮاءھﺎ ،ﻓﻘﻂ ﻷﻗﻠﺐ ﺣﯿﺎﺗﻲ رأﺳﺎً ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺐّ وأﯾﻦ اﻟﻌﺠﺐ؟ أﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ اﻣﺮأة ﻣﻦ ورق .ﺗﺤﺐ وﺗﻜﺮه ﻋﻠﻰ ورق .وﺗﮭﺠﺮ وﺗﻌﻮد ﻋﻠﻰ ورق. وﺗﻘﺘﻞ وﺗﺤﯿﻲ ﺑﺠﺮّة ﻗﻠﻢ. ﻓﻜﯿﻒ ﻻ أرﺗﺒﻚ وأﻧﺎ أﻗﺮأك .وﻛﯿﻒ ﻻ ﺗﻌﻮد ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻋﺸﺔ اﻟﻤﻜﮭﺮﺑﺔ ﻟﺘﺴﺮي ﻓﻲ ﺟﺴﺪي ،وﺗﺰﯾﺪ ﻣﻦ ﺧﻔﻘﺎن ﻗﻠﺒﻲ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻣﺎﻣﻚ ،وﻟﺴﺖ أﻣﺎم ﺻﻮرة ﻟﻚ. ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﻛﺜﯿﺮاً ﺑﻌﺪھﺎ ،وأﻧﺎ أﻋﻮد ﺑﯿﻦ اﻟﺤﯿﻦ واﻵﺧﺮ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺼﻮرة ،ﻛﯿﻒ ﻋﺪتِ ھﻜﺬا ﻟﺘﺘﺮﺑﺼﻲ ﺑﻲ ،أﻧﺎ اﻟﺬي ﺗﺤﺎﺷﯿﺖ ﻛﻞ اﻟﻄﺮق اﻟﻤﺆدﯾﺔ إﻟﯿﻚ؟ ﻛﯿﻒ ﻋﺪت ..ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎد اﻟﺠﺮح أن ﯾﻠﺘﺌﻢ .وﻛﺎد اﻟﻘﻠﺐ اﻟﻤﺆﺛﺚ ﺑﺬﻛﺮاك أن ﯾﻔﺮغ ﻣﻨﻚ ﺷﯿﺌﺎً ﻓﺸﯿﺌﺎً وأﻧﺖ ﺗﺠﻤﻌﯿﻦ ﺣﻘﺎﺋﺐ اﻟﺤﺐّ ،وﺗﻤﻀﯿﻦ ﻓﺠﺄة ﻟﺘﺴﻜﻨﻲ ﻗﻠﺒﺎً آﺧﺮ. ﻏﺎدرت ﻗﻠﺒﻲ إذن.. ﻛﻤﺎ ﯾﻐﺎدر ﺳﺎﺋﺢ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺟﺎءھﺎ ﻓﻲ زﯾﺎرة ﺳﯿﺎﺣﯿﺔ ﻣﻨﻈﻤﺔ .ﻛﻞّ ﺷﻲء ﻣﻮﻗﻮت ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺴﺒﻘﺎً ،ﺣﺘﻰ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﺮﺣﯿﻞ ،وﻣﺤﺠﻮز ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺴﺒﻘﺎً ،ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ اﻟﺴﯿﺎﺣﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﯿﺰورھﺎ ،واﺳﻢ اﻟﻤﺴﺮﺣﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﯿﺸﺎھﺪھﺎ ،وﻋﻨﻮان اﻟﻤﺤﻼت اﻟﺘﻲ ﺳﯿﺸﺘﺮي ﻣﻨﮭﺎ ھﺪاﯾﺎ ﻟﻠﺬﻛﺮى. ﻓﮭﻞ ﻛﺎﻧﺖ رﺣﻠﺘﻚ ﻣﻀﺠﺮة إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ؟ ھﺎ أﻧﺎ أﻣﺎم ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨﻚ ،ﻣﺪھﻮش ﻣﺮﺗﺒﻚ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻣﺎﻣﻚ. ﺗﻔﺎﺟﺌﻨﻲ ﺗﺴﺮﯾﺤﺘﻚ اﻟﺠﺪﯾﺪة .ﺷﻌﺮك اﻟﻘﺼﯿﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺷﺎﻻً ﯾﻠﻒ وﺣﺸﺔ ﻟﯿﻠﻲ ..ﻣﺎذا ﺗﺮاك ﻓﻌﻠﺖ ﺑﮫ؟ أﺗﻮﻗﻒ ﻃﻮﯾﻼً ﻋﻨﺪ ﻋﯿﻨﯿﻚ .أﺑﺤﺚ ﻓﯿﮭﻤﺎ ﻋﻦ ذﻛﺮى ھﺰﯾﻤﺘﻲ اﻷوﻟﻰ أﻣﺎﻣﻚ. ذات ﯾﻮم ..ﻟﻢ ﯾﻜﻦ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿﻚ ﺳﻮى ﻋﯿﻨﯿﻚ .ﻓﻤﺎ أﺷﻘﺎﻧﻲ وﻣﺎ أﺳﻌﺪﻧﻲ ﺑﮭﻤﺎ!
ھﻞ ﺗﻐﯿﺮت ﻋﯿﻨﺎك أﯾﻀﺎً ..أم أن ﻧﻈﺮﺗﻲ ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻐﯿﺮت؟ أواﺻﻞ اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ وﺟﮭﻚ ﻋﻦ ﺑﺼﻤﺎت ﺟﻨﻮﻧﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ .أﻛﺎد ﻻ أﻋﺮف ﺷﻔﺎھﻚ وﻻ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻚ وﺣﻤﺮﺗﻚ اﻟﺠﺪﯾﺪة. ﻛﯿﻒ ﺣﺪث ﯾﻮﻣﺎً ..أن وﺟﺪت ﻓﯿﻚ ﺷﺒﮭﺎً ﺑﺄﻣﻲ .ﻛﯿﻒ ﺗﺼﻮرﺗﻚ ﺗﻠﺒﺴﯿﻦ ﺛﻮﺑﮭﺎ اﻟﻌﻨﺎﺑﻲ، وﺗﻌﺠﻨﯿﻦ ﺑﮭﺬه اﻷﯾﺪي ذات اﻷﻇﺎﻓﺮ اﻟﻤﻄﻠﯿﺔ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ ،ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺴﺮة اﻟﺘﻲ اﻓﺘﻘﺪت ﻣﺬاﻗﮭﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﯿﻦ؟ أيّ ﺟﻨﻮن ﻛﺎن ﻟﻚ ..وأﯾﺔ ﺣﻤﺎﻗﺔ! ھﻞ ﻏﯿّﺮ اﻟﺰواج ﺣﻘﺎً ﻣﻼﻣﺤﻚ وﺿﺤﻜﺘﻚ اﻟﻄﻔﻮﻟﯿﺔ ،ھﻞ ﻏﯿّﺮ ذاﻛﺮﺗﻚ أﯾﻀﺎً ،وﻣﺬاق ﺷﻔﺎھﻚ وﺳﻤﺮﺗﻚ اﻟﻐﺠﺮﯾﺔ؟ وھﻞ أﻧﺴﺎك ذﻟﻚ "اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻤﻔﻠﺲ" اﻟﺬي ﺳﺮﻗﻮا ﻣﻨﮫ اﻟﻮﺻﺎﯾﺎ اﻟﻌﺸﺮ وھﻮ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﮫ إﻟﯿﻚ ..ﻓﺠﺎءك ﺑﺎﻟﻮﺻﯿﺔ اﻟﺤﺎدﯾﺔ ﻋﺸﺮة ﻓﻘﻂ. ھﺎ أﻧﺖ ذي أﻣﺎﻣﻲ ،ﺗﻠﺒﺴﯿﻦ ﺛﻮب اﻟﺮدّة .ﻟﻘﺪ اﺧﺘﺮت ﻃﺮﯾﻘﺎً آﺧﺮ .وﻟﺒﺴﺖ وﺟﮭﺎً آﺧﺮ ﻟﻢ أﻋﺪ أﻋﺮﻓﮫ .وﺟﮭﺎً ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺬي ﻧﺼﺎدﻓﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻼت واﻹﻋﻼﻧﺎت ،ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻮاﺟﮭﺔ ،اﻟﻤﻌﺪات ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻟﺒﯿﻊ ﺷﻲء ﻣﺎ ،ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﻣﻌﺠﻮن أﺳﻨﺎن ،أو ﻣﺮھﻤﺎً ﺿﺪ اﻟﺘﺠﺎﻋﯿﺪ. أم ﺗﺮاك ﻟﺒﺴﺖ ھﺬا اﻟﻘﻨﺎع ،ﻓﻘﻂ ﻟﺘﺮوّﺟﻲ ﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﻛﺘﺎب ،أﺳﻤﯿﺘﮭﺎ "ﻣﻨﻌﻄﻒ اﻟﻨﺴﯿﺎن" ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻗﺼﺘﻲ ﻣﻌﻚ ..وذاﻛﺮة ﺟﺮﺣﻲ؟ وﻗﺪ ﺗﻜﻮن آﺧﺮ ﻃﺮﯾﻘﮫ وﺟﺪﺗﮭﺎ ﻟﻘﺘﻠﻲ اﻟﯿﻮم ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ,دون أن ﺗﺘﺮﻛﻲ ﺑﺼﻤﺎﺗﻚ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﻘﻲ. ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺗﺬﻛﺮت ﺣﺪﯾﺜﺎً ﻗﺪﯾﻤﺎً ﻟﻨﺎ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﺘﻚ ﻣﺮة ﻟﻤﺎذا اﺧﺘﺮتِ اﻟﺮواﯾﺔ ﺑﺎﻟﺬات .وإذا ﺑﺠﻮاﺑﻚ ﯾﺪھﺸﻨﻲ. ﻗﻠﺖ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻟﻢ أدرك ﻧﺴﺒﺔ اﻟﺼﺪق ﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﺘﺤﺎﯾﻞ: "ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن أﺿﻊ ﺷﯿﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺮﺗﯿﺐ داﺧﻠﻲ ..وأﺗﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻷﺛﺎث اﻟﻘﺪﯾﻢ . إنﱠ أﻋﻤﺎﻗﻨﺎ أﯾﻀﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻧﻔﺾ ﻛﺄيّ ﺑﯿﺖ ﻧﺴﻜﻨﮫ وﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن أﺑﻘﻲ ﻧﻮاﻓﺬي ﻣﻐﻠﻘﮫ ھﻜﺬا ﻋﻠﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﺜﺔ.. إﻧﻨﺎ ﻧﻜﺘﺐ اﻟﺮواﯾﺎت ﻟﻨﻘﺘﻞ اﻷﺑﻄﺎل ﻻ ﻏﯿﺮ ,وﻧﻨﺘﮭﻲ ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﯾﻦ أﺻﺒﺢ وﺟﻮدھﻢ ﻋﺒﺌﺎً ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ .ﻓﻜﻠﻤﺎ ﻛﺘﺒﻨﺎ ﻋﻨﮭﻢ ﻓﺮﻏﻨﺎ ﻣﻨﮭﻢ ...واﻣﺘﻸﻧﺎ ﺑﮭﻮاء ﻧﻈﯿﻒ ..." . وأﺿﻔﺖ ﺑﻌﺪ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ:
"ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻛﻞ رواﯾﺔ ﻧﺎﺟﺤﺔ ,ھﻲ ﺟﺮﯾﻤﺔ ﻣﺎ ﻧﺮﺗﻜﺒﮭﺎ ﺗﺠﺎه ذاﻛﺮة ﻣﺎ .ورﺑﻤﺎ ﺗﺠﺎه ﺷﺨﺺ ﻣﺎ ,ﻋﻠﻰ ﻣﺮأى ﻣﻦ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﻜﺎﺗﻢ ﺻﻮت .ووﺣﺪه ﯾﺪري أنﱠ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺮﺻﺎﺻﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟّﮭﺔ إﻟﯿﮫ ... واﻟﺮواﯾﺎت اﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ,ﻟﯿﺴﺖ ﺳﻮى ﺟﺮاﺋﻢ ﻓﺎﺷﻠﺔ ,ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﺴﺤﺐ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﮭﺎ رﺧﺼﺔ ﺣﻤﻞ اﻟﻘﻠﻢ ,ﺑﺤﺠﺔ أﻧﮭﻢ ﻻ ﯾﺤﺴﻨﻮن اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻜﻠﻤﺎت ,وﻗﺪ ﯾﻘﺘﻠﻮن ﺧﻄﺄ ﺑﮭﺎ أيّ اﺣﺪ ..ﺑﻤﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ أﻧﻔﺴﮭﻢ ,ﺑﻌﺪﻣﺎ ﯾﻜﻮﻧﻮن ﻗﺪ ﻗﺘﻠﻮا اﻟﻘﺮاء ...ﺿﺠﺮاً!". ﻛﯿﻒ ﻟﻢ ﺗﺜﺮ ﻧﺰﻋﺘﻚ اﻟﺴﺎدﯾّﺔ ﺷﻜﻮﻛﻲ ﯾﻮﻣﮭﺎ ..وﻛﯿﻒ ﻟﻢ أﺗﻮﻗﻊ ﻛﻞ ﺟﺮاﺋﻤﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ,واﻟﺘﻲ ﺟﺮﺑﺖ ﻓﯿﮭﺎ أﺳﻠﺤﺘﻚ اﻷﺧﺮى؟ ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﻮﻗﻊ ﯾﻮﻣﮭﺎ اﻧﻚ ﻗﺪ ﺗﻮﺟﮭﯿﻦ ﯾﻮﻣﺎ رﺻﺎﺻﻚ ﻧﺤﻮي. وﻟﺬا ﺿﺤﻜﺖ ﻟﻜﻼﻣﻚ ,ورﺑﻤﺎ ﺑﺪأ ﯾﻮﻣﮭﺎ اﻧﺒﮭﺎري اﻵﺧﺮ ﺑﻚ .ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﻘﺎوم ,ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻻت ,ﺟﻨﻮن اﻹﻋﺠﺎب ﺑﻘﺎﺗﻠﻨﺎ! ورﻏﻢ ذﻟﻚ أﺑﺪﯾﺖ ﻟﻚ دھﺸﺘﻲ .ﻗﻠﺖ: _ﻛﻨﺖ اﻋﺘﻘﺪ أن اﻟﺮواﯾﺔ ﻃﺮﯾﻘﮫ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻓﻲ أن ﯾﻌﯿﺶ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﮫ ﻗﺼﮫ أﺣﺒﮭﺎ.. وﻃﺮﯾﻘﺘﮫ ﻓﻲ ﻣﻨﺢ اﻟﺨﻠﻮد ﻟﻤﻦ أﺣﺐ. وﻛﺄنّ ﻛﻼﻣﻲ ﻓﺎﺟﺄك ﻓﻘﻠﺖ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﻜﺘﺸﻔﯿﻦ ﺷﯿﺌﺎ ﻟﻢ ﺗﺤﺴﺒﻲ ﻟﮫ ﺣﺴﺎﺑﺎ : ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﺻﺤﯿﺤﺎ أﯾﻀﺎ ,ﻓﻨﺤﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻻ ﻧﻘﺘﻞ ﺳﻮى ﻣﻦ أﺣﺒﺒﻨﺎ .وﻧﻤﻨﺤﮭﻢﺗﻌﻮﯾﻀﺎ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺧﻠﻮدا أدﺑﯿﺎ .إﻧﮭﺎ ﺻﻔﻘﮫ ﻋﺎدﻟﺔ .أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟! ﻋﺎدﻟﮫ ؟ ﻣﻦ ﯾﻨﺎﻗﺶ اﻟﻄﻐﺎة ﻓﻲ ﻋﺪﻟﮭﻢ أو ﻇﻠﻤﮭﻢ؟ وﻣﻦ ﯾﻨﺎﻗﺶ ﻧﯿﺮون ﯾﻮم اﺣﺮق روﻣﺎ ﺣﺒ ًﺎ ﻟﮭﺎ ,وﻋﺸﻘﺎً ﻟﺸﮭﻮة اﻟﻠﮭﺐ .وأﻧﺖ ,أﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﺜﻠﮫ اﻣﺮأة ﺗﺤﺘﺮف اﻟﻌﺸﻖ واﻟﺤﺮاﺋﻖ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎوي؟ أﻛﻨﺖ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﺗﺘﻨﺒّﺄﯾﻦ ﺑﻨﮭﺎﯾﺘﻲ اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ ،وﺗﻮاﺳﯿﻨﻨﻲ ﻣﺴﺒﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﺠﯿﻌﺘﻲ... أم ﻛﻨﺖ ﺗﺘﻼﻋﺒﯿﻦ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت ﻛﻌﺎدﺗﻚ ,و وﺗﺘﻔﺮﺟﯿﻦ ﻋﻠﻰ وﻗﻌﮭﺎ ﻋﻠﻲّ ,وﺗﺴﻌﺪﯾﻦ ﺳﺮّاً ﺑﺎﻧﺪھﺎﺷﻲ اﻟﺪاﺋﻢ أﻣﺎﻣﻚ ,واﻧﺒﮭﺎري ﺑﻘﺪرﺗﻚ اﻟﻤﺬھﻠﺔ ,ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﻟﻐﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺎس ﺗﻨﺎﻗﻀﻚ.
ﻛﻞ اﻻﺣﺘﻤﺎﻻت ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻤﻜﻨﮫ... ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻧﺎ ﺿﺤﯿﺔ رواﯾﺘﻚ ھﺬه ,واﻟﺠﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻜﻤﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﺎﻟﺨﻠﻮد ,وﻗﺮرت أن ﺗﺤﻨﻄﯿﮭﺎ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت ...ﻛﺎﻟﻌﺎدة. و رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺿﺤﯿﺔ وھﻤﻲ ﻓﻘﻂ ,وﻣﺮاوﻏﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﮫ اﻟﺼﺪق .ﻓﻮﺣﺪك ﺗﻌﺮﻓﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ اﻟﺠﻮاب ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﺗﻄﺎردﻧﻲ ,ﺑﻌﻨﺎد اﻟﺬي ﯾﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ دون ﺟﺪوى. ﻣﺘﻰ ﻛﺘﺒﺖِ ذﻟﻚ اﻟﻜﺘﺎب؟ أﻗﺒﻞ زواﺟﻚ أم ﺑﻌﺪه؟ أﻗﺒﻞ رﺣﯿﻞ زﯾﺎد ..أم ﺑﻌﺪه؟ أﻛﺘﺒﺘﮫ ﻋﻨﻲ ..أم ﻛﺘﺒﺘﮫ ﻋﻨﮫ؟ أﻛﺘﺒﺘﮫ ﻟﺘﻘﺘﻠﯿﻨﻲ ﺑﮫ ..أم ﻟﺘﺤﯿﯿﮫ ھﻮ ؟ ﻟﻢ ﻟﺘﻨﺘﮭﻲ ﻣﻨّﺎ ﻣﻌﺎً ،وﺗﻘﺘﻠﯿﻨﺎ ﻣﻌﺎً ﺑﻜﺘﺎب واﺣﺪ ...ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻛﺘﻨﺎ ﻣﻌﺎً ﻣﻦ أﺟﻞ رﺟﻞ واﺣﺪ ؟ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺮأت ذﻟﻚ اﻟﺨﺒﺮ ﻣﻨﺬ ﺷﮭﺮﯾﻦ .,ﻟﻢ أﺗﻮﻗﻊ إﻃﻼﻗﺎً أن ﺗﻌﻮدي ﻓﺠﺄة ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺤﻀﻮر اﻟﻤﻠﺢﱢ ,ﻟﯿﺼﺒﺢ ﻛﺘﺎﺑﻚ ﻣﺤﻮر ﺗﻔﻜﯿﺮي ,وداﺋﺮة ﻣﻐﻠﻘﮫ أدور ﻓﯿﮭﺎ وﺣﺪي. ﻓﻼ ﻛﺎن ﻣﻤﻜﻨﺎ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ اﻟﺬي ﺣﺪث ,أن اذھﺐ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻨﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت , ﻷﺷﺘﺮي ﻗﺼﺘﻲ ﻣﻦ ﺑﺎﺋﻊ ﻣﻘﺎﺑﻞ ورﻗﮫ ﻧﻘﺪﯾﺔ .وﻻ ﻛﺎن ﻣﻤﻜﻨﺎ أﯾﻀﺎ أن أﺗﺠﺎھﻠﮫ وأواﺻﻞ ﺣﯿﺎﺗﻲ وﻛﺄﻧﻨﻲ ﻟﻢ اﺳﻤﻊ ﺑﮫ ,وﻛﺄن أﻣﺮه ﻻ ﯾﻌﻨﯿﻨﻲ ﺗﻤﺎﻣﺎ. اﻟﻢ أﻛﻦ ﻣﺘﺤﺮﻗﺎ إﻟﻰ ﻗﺮاءة ﺑﻘﯿﺔ اﻟﻘﺼﺔ؟ ﻗﺼﺘﻚ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﮭﺖ ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻨﻲ ,دون أن أﻋﺮف ﻓﺼﻮﻟﮭﺎ اﻷﺧﯿﺮة .ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﺷﺎھﺪھﺎ اﻟﻐﺎﺋﺐ ,ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺷﺎھﺪھﺎ اﻷول .أﻧﺎ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ .,ﺣﺴﺐ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺤﻤﺎﻗﺎت ﻧﻔﺴﮫ .اﻟﺸﺎھﺪ واﻟﺸﮭﯿﺪ داﺋﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﺼﺔ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن ﺳﻮى ﻟﺒﻄﻞ واﺣﺪ. ھﺎ ھﻮذا ﻛﺘﺎﺑﻚ أﻣﺎﻣﻲ ..ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻲ اﻟﯿﻮم أن أﻗﺮأه .ﻓﺘﺮﻛﺘﮫ ھﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺎوﻟﺘﻲ ﻣﻐﻠﻘﺎ ﻛﻠﻐﺰ ,ﯾﺘﺮﺑﺺ ﺑﻲ ﻛﻘﻨﺒﻠﺔ ﻣﻮﻗﻮﺗﺔ ,أﺳﺘﻌﯿﻦ ﺑﺤﻀﻮره اﻟﺼﺎﻣﺖ ﻟﺘﻔﺠﯿﺮ ﻣﻨﺠﻢ اﻟﻜﻠﻤﺎت داﺧﻠﻲ ...واﺳﺘﻔﺰاز اﻟﺬاﻛﺮة. ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﯿﮫ ﯾﺴﺘﻔﺰﻧﻲ اﻟﯿﻮم ..ﻋﻨﻮاﻧﮫ اﻟﺬي اﺧﺘﺮﺗﮫ ﺑﻤﺮاوﻏﮫ واﺿﺤﺔ .. واﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﺎھﻞ ﺣﺰﻧﻲ .وﻧﻈﺮﺗﻚ اﻟﻤﺤﺎﯾﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻨﻲ وﻛﺄﻧﻨﻲ ﻗﺎرىء ,ﻻ ﯾﻌﺮف اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻋﻨﻚ.
ﻛﻞ ﺷﻲء ..ﺣﺘﻰ اﺳﻤﻚ. ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﺳﻤﻚ اﻷﻛﺜﺮ اﺳﺘﻔﺰازا ﻟﻲ ,ﻓﮭﻮ ﻣﺎزال ﯾﻘﻔﺰ إﻟﻰ اﻟﺬاﻛﺮة ﻗﺒﻞ أن ﺗﻘﻔﺰ ﺣﺮوﻓﮫ اﻟﻤﻤﯿﺰة إﻟﻰ اﻟﻌﯿﻦ. اﺳﻤﻚ اﻟﺬي ..ﻻ ﯾُﻘﺮأ وإﻧﻤﺎ ﯾُﺴﻤﻊ ﻛﻤﻮﺳﯿﻘﻰ ﺗُﻌﺰف ﻋﻠﻰ آﻟﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﺴﺘﻤﻊ واﺣﺪ. ﻛﯿﻒ ﻟﻲ أن أﻗﺮأه ﺑﺤﯿﺎد ,وھﻮ ﻓﺼﻞ ﻣﻦ ﻗﺼﺔ ﻣﺪھﺸﮫ ﻛﺘﺒﺘﮭﺎ اﻟﺼﺪﻓﺔ ,وﻛﺘﺒﮭﺎ ﻗﺪرﻧﺎ اﻟﺬي ﺗﻘﺎﻃﻊ ﯾﻮﻣﺎ؟ ﯾﻘﻮل ﺗﻌﻠﯿﻖ ﻋﻠﻰ ﻇﮭﺮ ﻛﺘﺎﺑﻚ إﻧﮫ ﺣﺪث أدﺑﻲ. وأﻗﻮل وأﻧﺎ أﺿﻊ ﻋﻠﯿﮫ ﺣﺰﻣﺔ ﻣﻦ اﻷوراق اﻟﺘﻲ ﺳﻮدﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ھﺬﯾﺎن.. "ﺣﺎن ﻟﻚ أن ﺗﻜﺘﺐ ..أو ﺗﺼﻤﺖ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ أﯾﮭﺎ اﻟﺮﺟﻞ .ﻓﻤﺎ أﻋﺠﺐ ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ھﺬه اﻷﯾﺎم"! وﻓﺠﺄة ..ﯾﺤﺴﻢ اﻟﺒﺮد اﻟﻤﻮﻗﻒ ,وﯾﺰﺣﻒ ﻟﯿﻞ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻧﺤﻮي ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬة ﻟﻠﻮﺣﺸﺔ. ﻓﺄﻋﯿﺪ ﻟﻠﻘﻠﻢ ﻏﻄﺎءه ,واﻧﺰﻟﻖ ﺑﺪوري ﺗﺤﺖ ﻏﻄﺎء اﻟﻮﺣﺪة. ﻣﺬ أدرﻛﺖ أن ﻟﻜﻞ ﻣﺪﯾﻨﺔٍ اﻟﻠﯿﻞ اﻟﺬي ﺗﺴﺘﺤﻖ ,اﻟﻠﯿﻞ اﻟﺬي ﯾﺸﺒﮭﮭﺎ واﻟﺬي وﺣﺪه ﯾﻔﻀﺤﮭﺎ ,وﯾﻌﺮي ﻓﻲ اﻟﻌﺘﻤﺔ ﻣﺎ ﺗﺨﻔﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎر ,ﻗﺮرت أن أﺗﺤﺎﺷﻰ اﻟﻨﻈﺮ ﻟﯿﻼ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻨﺎﻓﺬة . ﻛﻞ اﻟﻤﺪن ﺗﻤﺎرس اﻟﺘﻌﺮي ﻟﯿﻼ دون ﻋﻠﻤﮭﺎ ,وﺗﻔﻀﺢ ﻟﻠﻐﺮﺑﺎء أﺳﺮارھﺎ ,ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﺗﻘﻮل ﺷﯿﺌﺎ. وﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﺻﺪ أﺑﻮاﺑﮭﺎ. وﻷن اﻟﻤﺪن ﻛﺎﻟﻨﺴﺎء ,ﯾﺤﺪث ﻟﺒﻌﻀﮭﻦ أن ﯾﺠﻌﻠﻨﻨﺎ ﻧﺴﺘﻌﺠﻞ ﻗﺪوم اﻟﺼﺒﺎح .وﻟﻜﻦ... ""soirs, soirs.que de soirs pour un seul matin .. ﻛﯿﻒ ﺗﺬﻛﺮت ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ "ھﻨﺮي ﻣﯿﺸﻮ" ورﺣﺖ اردده ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻟﻐﺔ.. "أﻣﺴﯿﺎت ..أﻣﺴﯿﺎت ﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺴﺎء ﻟﺼﺒﺎح واﺣﺪ" ﻛﯿﻒ ﺗﺬﻛﺮﺗﮫ ,وﻣﺘﻰ ﺗﺮاﻧﻲ ﺣﻔﻈﺘﮫ؟ ..ﺗﺮاﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﯿﻦ أﻣﺴﯿﺎت ﺑﺎﺋﺴﺔ ﻛﮭﺬه ,ﻟﻦ ﯾﻜﻮن ﻟﮭﺎ ﺳﻮى ﺻﺒﺎح واﺣﺪ ؟ أﻧﻘﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ ﻋﻦ اﻟﻘﺼﯿﺪة اﻟﺘﻲ اﺧﺬ ﻣﻨﮭﺎ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ,وإذا
ﺑﻌﻨﻮاﻧﮭﺎ "اﻟﺸﯿﺨﻮﺧﺔ" .. ﻓﯿﺨﯿﻔﻨﻲ اﻛﺘﺸﺎﻓﻲ ﻓﺠﺄة وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻛﺘﺸﻒ ﻣﻌﮫ ﻣﻼﻣﺢ وﺟﮭﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪة .ﻓﮭﻞ ﺗﺰﺣﻒ اﻟﺸﯿﺨﻮﺧﺔ ھﻜﺬا ﻧﺤﻮﻧﺎ ﺣﻘﺎً ﺑﻠﯿﻞ ﻃﻮﯾﻞ واﺣﺪ .وﺑﻌﺘﻤﺔ داﺧﻠﯿﮫ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﻤﮭﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ,وﻧﺴﯿﺮ ﺑﺒﻂء ,دون اﺗﺠﺎه ﻣﺤﺪد؟ أﯾﻜﻮن اﻟﻤﻠﻞ واﻟﻀﯿﺎع واﻟﺮﺗﺎﺑﺔ ﺟﺰءا ﻣﻦ ﻣﻮاﺻﻔﺎت اﻟﺸﯿﺨﻮﺧﺔ أم ﻣﻦ ﻣﻮاﺻﻔﺎت ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ؟ ﺗﺮاﻧﻲ أﻧﺎ اﻟﺬي ادﺧﻞ اﻟﺸﺨﻮﺧﺔ ..أم ﺗﺮى اﻟﻮﻃﻦ ﺑﺄﻛﻤﻠﮫ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﺪﺧﻞ اﻟﯿﻮم ﺳﻦ اﻟﯿﺄس اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ؟ أﻟﯿﺲ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﻤﻠﻚ ھﺬه اﻟﻘﺪرة اﻟﺨﺎرﻗﺔ ,ﻋﻠﻰ ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻧﻜﺒﺮ وﻧﮭﺮم ﻓﻲ ﺑﻀﻌﺔ اﺷﮭﺮ, وأﺣﯿﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﺑﻀﻌﺔ أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻓﻘﻂ ؟ ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم ﻟﻢ أﻛﻦ اﺷﻌﺮ ﺑﺜﻘﻞ اﻟﺴﻨﯿﻦ ,ﻛﺎن ﺣﺒّﻚ ﺷﺒﺎﺑﻲ ,وﻛﺎن ﻣﺮﺳﻤﻲ ﻃﺎﻗﺘﻲ اﻟﺸﻤﺴﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﻀﺐ ,وﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎرﯾﺲ ﻣﺪﯾﻨﮫ أﻧﯿﻘﺔ ,ﯾﺨﺠﻞ اﻟﻮاﺣﺪ أن ﯾﮭﻤﻞ ﻣﻈﮭﺮه ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺗﮭﺎ .وﻟﻜﻨﮭﻢ ﻃﺎردوﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﻣﺮﺑﻊ ﻏﺮﺑﺘﻲ ,وأﻃﻔﺄوا ﺷﻌﻠﺔ ﺟﻨﻮﻧﻲ ...وﺟﺎؤوا ﺑﻲ ﺣﺘﻰ ھﻨﺎ. اﻵن ﻧﺤﻦ ﻧﻘﻒ ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻛﺎن اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺬي ﯾﻨﻔﺠﺮ ,وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻓﻲ وﺳﻌﻨﺎ ,إﻻ أن ﻧﺘﻮﺣﺪ ﻣﻊ اﻟﺠﻤﺮ اﻟﻤﺘﻄﺎﯾﺮ ﻣﻦ ﻓﻮھﺘﮫ ,وﻧﻨﺴﻰ ﻧﺎرﻧﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮة ...اﻟﯿﻮم ﻻ ﺷﻲء ﯾﺴﺘﺤﻖ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﺎﻗﺔ واﻟﻠﯿﺎﻗﺔ .اﻟﻮﻃﻦ ﻧﻔﺴﮫ أﺻﺒﺢ ﻻ ﯾﺨﺠﻞ أن ﯾﺒﺪو أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻓﻲ وﺿﻊ ﻏﯿﺮ ﻻﺋﻖ! ﻻ أﺻﻌﺐ ﻣﻦ أن ﺗﺒﺪأ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ,ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﺬي ﯾﻜﻮن ﻓﯿﮫ اﻵﺧﺮون ﻗﺪ اﻧﺘﮭﻮا ﻣﻦ ﻗﻮل ﻛﻞ ﺷﻲء. اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺨﻤﺴﯿﻦ ﻷول ﻣﺮة ...ﺷﻲء ﺷﮭﻮاﻧﻲ وﺟﻨﻮﻧﻲ ﺷﺒﯿﮫ ﺑﻌﻮدة اﻟﻤﺮاھﻘﺔ. ﺷﻲء ﻣﺜﯿﺮ وأﺣﻤﻖ ,ﺷﺒﯿﮫ ﺑﻌﻼﻗﺔ ﺣﺐ ﺑﯿﻦ رﺟﻞ ﻓﻲ ﺳﻦ اﻟﯿﺄس ,ورﯾﺸﺔ ﺣﺒﺮ ﺑﻜﺮ. اﻷول ﻣﺮﺗﺒﻚ وﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ...واﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﺬراء ﻻ ﯾﺮوﯾﮭﺎ ﺣﺒﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ! ﺳﺄﻋﺘﺒﺮ إذن ﻣﺎ ﻛﺘﺒﺘﮫ ﺣﺘﻰ اﻵن ,ﻣﺠﺮد اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻘﻂ ,وﻓﺎﺋﺾ ﺷﮭﻮة ... ﻟﮭﺬه اﻷوراق اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺖ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﯿﻦ ﺑﻤﻠﺌﮭﺎ. رﺑﻤﺎ ﻏﺪا اﺑﺪأ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺣﻘﺎ. أﺣﺐ داﺋﻤﺎ أن ﺗﺮﺗﺒﻂ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﮭﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﺑﺘﺎرﯾﺦ ﻣﺎ ....ﯾﻜﻮن ﻏﻤﺰة ﻟﺬاﻛﺮه أﺧﺮى.
أﻏﺮﺗﻨﻲ ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ,وأﻧﺎ اﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ اﻷﺧﺒﺎر ھﺬا اﻟﻤﺴﺎء واﻛﺘﺸﻒ ،أﻧﺎ اﻟﺬي ﻓﻘﺪت ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﺎﻟﺰﻣﻦ ,أن ﻏﺪا ﺳﯿﻜﻮن أول ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ...ﻓﮭﻞ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻲ أﻻ أﺧﺘﺎر ﺗﺎرﯾﺨﺎ ﻛﮭﺬا ,ﻷﺑﺪأ ﺑﮫ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ؟ ﻏﺪا ﺳﺘﻜﻮن ﻗﺪ ﻣﺮت 34ﺳﻨﮫ ﻋﻠﻰ اﻧﻄﻼق اﻟﺮﺻﺎﺻﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﺤﺮب اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ, وﯾﻜﻮن ﻗﺪ ﻣﺮ ﻋﻠﻰ وﺟﻮدي ھﻨﺎ ﺛﻼﺛﺔ أﺳﺎﺑﯿﻊ ,وﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﺳﻘﻮط آﺧﺮ دﻓﻌﮫ ﻣﻦ اﻟﺸﮭﺪاء... ﻛﺎن اﺣﺪھﻢ ذﻟﻚ اﻟﺬي ﺣﻀﺮت ﻷﺷﯿّﻌﮫ ﺑﻨﻔﺴﻲ وادﻓﻨﮫ ھﻨﺎ . ﺑﯿﻦ أول رﺻﺎﺻﮫ ,وآﺧﺮ رﺻﺎﺻﮫ ,ﺗﻐﯿﺮت اﻟﺼﺪور ,ﺗﻐﯿﺮت اﻷھﺪاف ..وﺗﻐﯿﺮ اﻟﻮﻃﻦ. وﻟﺬا ﺳﯿﻜﻮن اﻟﻐﺪ ﯾﻮﻣﺎ ﻟﻠﺤﺰن ﻣﺪﻓﻮع اﻷﺟﺮ ﻣﺴﺒﻘﺎ. ﻟﻦ ﯾﻜﻮن ھﻨﺎك ﻣﻦ اﺳﺘﻌﺮاض ﻋﺴﻜﺮي ,وﻻ ﻣﻦ اﺳﺘﻘﺒﺎﻻت ,وﻻ ﻣﻦ ﺗﺒﺎدل ﺗﮭﺎﻧﻲ رﺳﻤﯿﮫ.... ﺳﯿﻜﺘﻔﻮن ﺑﺘﺒﺎدل اﻟﺘﮭﻢ ...وﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺰﯾﺎرة اﻟﻤﻘﺎﺑﺮ. ﻏﺪا ﻟﻦ ازور ذﻟﻚ اﻟﻘﺒﺮ .ﻻ أرﯾﺪ أن أﺗﻘﺎﺳﻢ ﺣﺰﻧﻲ ﻣﻊ اﻟﻮﻃﻦ. أﻓﻀﻞ ﺗﻮاﻃﺆ اﻟﻮرق ,وﻛﺒﺮﯾﺎء ﺻﻤﺘﮫ. ﻛﻞ ﺷﻲء ﯾﺴﺘﻔﺰﻧﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ ..واﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ ﻗﺪ اﻛﺘﺐ أﺧﯿﺮا ﺷﯿﺌﺎ ﻣﺪھﺸﺎ ,ﻟﻦ أﻣﺰﻗﮫ ﻛﺎﻟﻌﺎدة .. ﻓﻤﺎ أوﺟﻊ ھﺬه اﻟﺼﺪﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد ﺑﻲ ,ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺴﻨﻮات إﻟﻰ ھﻨﺎ ,ﻟﻠﻤﻜﺎن ﻧﻔﺴﮫ ,ﻷﺟﺪ ﺟﺜﺔ ﻣﻦ أﺣﺒﮭﻢ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎري ,ﺑﺘﻮﻗﯿﺖ اﻟﺬاﻛﺮة اﻷوﻟﻰ. ﯾﺴﺘﯿﻘﻆ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ داﺧﻠﻲ ...ﻣﺮﺑﻜﺎ .ﯾﺴﺘﺪرﺟﻨﻲ إﻟﻰ دھﺎﻟﯿﺰ اﻟﺬاﻛﺮة. ﻓﺄﺣﺎول أن أﻗﺎوﻣﮫ ,وﻟﻜﻦ ,ھﻞ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻲ أن أﻗﺎوم ذاﻛﺮﺗﻲ ھﺬا اﻟﻤﺴﺎء ؟ أﻏﻠﻖ ﺑﺎب ﻏﺮﻓﺘﻲ واﺷﺮع اﻟﻨﺎﻓﺬة.. أﺣﺎول أن أرى ﺷﯿﺌﺎ آﺧﺮ ﻏﯿﺮ ﻧﻔﺴﻲ .وإذا اﻟﻨﺎﻓﺬة ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻲ... ﺗﻤﺘﺪ أﻣﺎﻣﻲ ﻏﺎﺑﺎت اﻟﻐﺎز واﻟﺒﻠﻮط ,وﺗﺰﺣﻒ ﻧﺤﻮي ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﮫ ﻣﻠﺘﺤﻔﮫ ﻣﻼءﺗﮭﺎ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ,وﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷدﻏﺎل واﻟﺠﺮوف واﻟﻤﻤﺮات اﻟﺴﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﯾﻮﻣﺎ اﻋﺮﻓﮭﺎ واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﯿﻂ ﺑﮭﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻛﺤﺰام أﻣﺎن ,ﻓﺘﻮﺻﻠﻚ ﻣﺴﺎﻟﻜﮭﺎ اﻟﻤﺘﺸﻌﺒﺔ ,وﻏﺎﺑﺎﺗﮭﺎ اﻟﻜﺜﯿﻔﺔ ,إﻟﻰ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺴﺮﯾﺔ ﻟﻠﻤﺠﺎھﺪﯾﻦ ,وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﺸﺮح ﻟﻚ ﺷﺠﺮة ﺑﻌﺪ ﺷﺠﺮه , وﻣﻐﺎرة ﺑﻌﺪ أﺧﺮى. إنّ ﻛﻞ اﻟﻄﺮق ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻌﺮﯾﻘﺔ ,ﺗﺆدي إﻟﻰ اﻟﺼﻤﻮد. وإنّ ﻛﻞ اﻟﻐﺎﺑﺎت واﻟﺼﺨﻮر ھﻨﺎ ﻗﺪ ﺳﺒﻘﺘﻚ ﻓﻲ اﻻﻧﺨﺮاط ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻟﺜﻮرة. ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﺪن ﻻ ﺗﺨﺘﺎر ﻗﺪرھﺎ... ﻓﻘﺪ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ,ﻛﻤﺎ ﺣﻜﻤﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺠﻐﺮاﻓﯿﺎ ,أﻻ ﺗﺴﺘﺴﻠﻢ...
وﻟﺬا ﻻ ﯾﻤﻠﻚ أﺑﻨﺎؤھﺎ اﻟﺨﯿﺎر داﺋﻤﺎ. ﻓﮭﻞ ﻋﺠﺐٌ أن أﺷﺒﮫ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺣﺪ اﻟﺘﻄﺮف ؟ ذات ﯾﻮم ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﺳﻨﮫ ﺳﻠﻜﺖ ھﺬه اﻟﻄﺮق ,واﺧﺘﺮت أن ﺗﻜﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺒﺎل ﺑﯿﺘﻲ وﻣﺪرﺳﺘﻲ اﻟﺴﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ أﺗﻌﻠﻢ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﺎدة اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﻤﻤﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺪرﯾﺲ. وﻛﻨﺖ ادري اﻧﮫ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺧﺮﯾﺠﯿﮭﺎ ﻣﻦ دﻓﺔ ﺛﺎﻟﺜﮫ ,وان ﻗﺪري ﺳﯿﻜﻮن ﻣﺨﺘﺼﺮا ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﺮﯾﺔ ..واﻟﻤﻮت. ذﻟﻚ اﻟﻤﻮت اﻟﺬي اﺧﺘﺮﻧﺎ ﻟﮫ اﺳﻤﺎ آﺧﺮ أﻛﺜﺮ إﻏﺮاءً ،ﻟﻨﺬھﺐ دون ﺧﻮف ورﺑﻤﺎ ﺑﺸﮭﻮة ﺳﺮﯾﮫ ,وﻛﺄﻧﻨﺎ ﻧﺬھﺐ ﻟﺸﻲء آﺧﺮ ﻏﯿﺮ ﺣﺘﻔﻨﺎ. ﻟﻤﺎذا ﻧﺴﯿﻨﺎ ﯾﻮﻣﮭﺎ أن ﻧﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﯾﺔ أﯾﻀﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﺳﻢ؟ وﻛﯿﻒ اﺧﺘﺼﺮﻧﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪء ﺣﺮﯾﺘﻨﺎ ....ﻓﻲ ﻣﻔﮭﻮﻣﮭﺎ اﻷول ؟ ﻛﺎن اﻟﻤﻮت ﯾﻮﻣﮭﺎ ﯾﻤﺸﻲ إﻟﻰ ﺟﻮارﻧﺎ ,وﯾﻨﺎم وﯾﺄﺧﺬ ﻛﺴﺮﺗﮫ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ .ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﺸﻮق واﻟﺼﺒﺮ واﻹﯾﻤﺎن ..واﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻤﺒﮭﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻔﺎرﻗﻨﺎ. ﻛﺎن اﻟﻤﻮت ﯾﻤﺸﻲ وﯾﺘﻨﻔﺲ ﻣﻌﻨﺎ ..وﻛﺎﻧﺖ اﻷﯾﺎم ﺗﻌﻮد ﻗﺎﺳﯿﮫ داﺋﻤﺎ ,ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻤﺎ ﺳﺒﻘﺘﮭﺎ ﺳﻮى ﺑﻌﺪد ﺷﮭﺪاﺋﮭﺎ ,اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺘﻮﻗﻊ اﺣﺪ ﻣﻮﺗﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺎﻟﺐ ..أو ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺘﺼﻮر ﻟﺴﺒﺐ أو ﻵﺧﺮ ,أن ﺗﻜﻮن ﻧﮭﺎﯾﺘﮭﻢ ,ھﻢ ﺑﺎﻟﺬات ,ﻗﺮﯾﺒﮫ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪ .. وﻣﻔﺠﻌﮫ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪ .وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻨﻄﻖ اﻟﻤﻮت اﻟﺬي ﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺪ أدرﻛﺘﮫ ﺑﻌﺪ. ﻣﺎ زﻟﺖ اذﻛﺮھﻢ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﺗﻌﻮدﻧﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﮭﻢ ﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ .وﻛﺄنﱠ اﻟﺠﻤﻊ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺑﺎﻟﺬات ،ﻟﯿﺲ اﺧﺘﺼﺎرا ﻟﻠﺬاﻛﺮة ,وإﻧﻤﺎ ﻟﺤﻘﮭﻢ ﻋﻠﯿﻨﺎ. ﻟﻢ ﯾﻜﻮﻧﻮا ﺷﮭﺪاء ..ﻛﺎن ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﮭﻢ ﺷﮭﯿﺪا ﻋﻠﻰ ﺣﺪه .ﻛﺎن ھﻨﺎك ﻣﻦ اﺳﺘﺸﮭﺪ ﻓﻲ أول ﻣﻌﺮﻛﺔ ,وﻛﺄﻧﮫ ﺟﺎء ﺧﺼﯿﺼﺎ ﻟﻠﺸﮭﺎدة. وھﻨﺎك ﻣﻦ ﺳﻘﻂ ﻗﺒﻞ زﯾﺎرﺗﮫ اﻟﻤﺴﺮوﻗﺔ إﻟﻰ أھﻠﮫ ﺑﯿﻮم واﺣﺪ ,ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻗﻀﻰ ﻋﺪة أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻓﻲ دراﺳﺔ ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﮭﺎ ,واﻹﻋﺪاد ﻟﮭﺎ. وھﻨﺎك ﻣﻦ ﺗﺰوج وﻋﺎد ..ﻟﯿﻤﻮت ﻣﺘﺰوﺟﺎ. وھﻨﺎك ﻣﻦ ﻛﺎن ﯾﺤﻠﻢ أن ﯾﻌﻮد ﯾﻮﻣﺎ ﻟﻜﻲ ﯾﺘﺰوج ...وﻟﻢ ﯾﻌﺪ. ﻓﻲ اﻟﺤﺮوب ,ﻟﯿﺲ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻤﻮﺗﻮن ھﻢ اﻟﺘﻌﺴﺎء داﺋﻤﺎ ,إنّ اﻷﺗﻌﺲ ھﻢ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺘﺮﻛﻮﻧﮭﻢ ﺧﻠﻔﮭﻢ ﺛﻜﺎﻟﻰ ,ﯾﺘﺎﻣﻰ ,وﻣﻌﻄﻮﺑﻲ أﺣﻼم. اﻛﺘﺸﻔﺖ ھﺬه اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺑﺎﻛﺮاً ،ﺷﮭﯿﺪاً ﺑﻌﺪ آﺧﺮ ،وﻗﺼﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﺮى.. واﻛﺘﺸﻔﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،أﻧﻨﻲ رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺘﺮك ﺧﻠﻔﮫ ﺳﻮى ﻗﺒﺮ ﻃﺮيّ ﻷم ﻣﺎﺗﺖ ﻣﺮﺿﺎً وﻗﮭﺮاً ،وأخٍ ﻓﺮﯾﺪ ﯾﺼﻐﺮﻧﻲ ﺑﺴﻨﻮات ،وأب ﻣﺸﻐﻮل
ﺑﻤﻄﺎﻟﺐ ﻋﺮوﺳﮫ اﻟﺼﻐﯿﺮة. ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﻖّ "إن اﻟﺬي ﻣﺎت أﺑﻮه ﻟﻢ ﯾﺘﯿﺘﱠﻢ ..وﺣﺪه اﻟﺬي ﻣﺎﺗﺖ أﻣﮫ ﯾﺘﯿﻢ". وﻛﻨﺖ ﯾﺘﯿﻤﺎً ،وﻛﻨﺖ أﻋﻲ ذﻟﻚ ﺑﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ .ﻓﺎﻟﺠﻮع إﻟﻰ اﻟﺤﻨﺎن ،ﺷﻌﻮر ﻣﺨﯿﻒ وﻣﻮﺟﻊ ،ﯾﻈﻞ ﯾﻨﺨﺮ ﻓﯿﻚ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ وﯾﻼزﻣﻚ ﺣﺘﻰ ﯾﺄﺗﻲ ﻋﻠﯿﻚ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ وﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى. أﻛﺎن اﻟﺘﺤﺎﻗﻲ ﺑﺎﻟﺠﺒﮭﺔ آﻧﺬاك ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﻌﻠﻨﺔ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻮت أﺟﻤﻞ ﺧﺎرج ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ اﻟﻤﺮﺿﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﻸﻧﻲ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ﺣﻘﺪاً ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء؟ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺜﻮرة ﺗﺪﺧﻞ ﻋﺎﻣﮭﺎ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﯾﺘﻤﻲ ﯾﺪﺧﻞ ﺷﮭﺮه اﻟﺜﺎﻟﺚ ،وﻟﻢ أﻋﺪ أذﻛﺮ اﻵن ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ ،ﻓﻲ أﯾﺔ ﻟﺤﻈﺔ ﺑﺎﻟﺬات أﺧﺬ اﻟﻮﻃﻦ ﻣﻼﻣﺢ اﻷﻣﻮﻣﺔ ،وأﻋﻄﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﻟﻢ أﺗﻮﻗّﻌﮫ ﻣﻦ اﻟﺤﻨﺎن اﻟﻐﺎﻣﺾ ،واﻻﻧﺘﻤﺎء اﻟﻤﺘﻄﺮﱢف ﻟﮫ. ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻻﺧﺘﻔﺎء "ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ" ﻣﻦ ﺣﯿﻨﺎ ﺑﺴﯿﺪي اﻟﻤﺒﺮوك ﻣﻨﺬ ﺑﻀﻌﺔ أﺷﮭﺮ ،دور ﻓﻲ ﺣﺴﻢ اﻟﻘﻀﯿﺔ ،واﺳﺘﻌﺠﺎﻟﻲ ﻓﻲ أﺧﺬ ذﻟﻚ اﻟﻘﺮار اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ .ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ أﻧﮫ اﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﺳﺮي ﻓﻲ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﻘﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻟﯿﺆﺳﺲ ﻣﻦ ھﻨﺎك ﻣﻊ آﺧﺮﯾﻦ إﺣﺪى اﻟﺨﻼﯾﺎ اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻜﻔﺎح اﻟﻤﺴﻠﺢ. ﻣﻦ أﯾﻦ ﻋﺎد اﺳﻢ "ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ "اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻟﯿﺰﯾﺪ ﻣﻦ ارﺗﺒﺎﻛﻲ ،وﻣﻦ ﻣﻨﻜﻤﺎ اﺳﺘﺪرﺟﻨﻲ ﻟﻶﺧﺮ؟. ﻣﻦ أﯾﻦ ﻋﺎد ..وھﻞ ﻏﺎب ﺣﻘﺎً ،وﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺷﺎرﻋﯿﻦ ﻣﻨﻲ ﺷﺎرع ﻣﺎزال ﯾﺤﻤﻞ اﺳﻤﮫ؟ ھﻨﺎك ﺷﻲء اﺳﻤﮫ "ﺳﻠﻄﺔ اﻻﺳﻢ". وھﻨﺎك أﺳﻤﺎء ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺬﻛﺮھﺎ ،ﺗﻜﺎد ﺗﺼﻠﺢ ﻣﻦ ﺟﻠﺴﺘﻚ ،وﺗﻄﻔﺊ ﺳﯿﺠﺎرﺗﻚ .ﺗﻜﺎد ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻨﮭﺎ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺘﺤﺪث إﻟﯿﮭﺎ ﺑﻨﻔﺲ ﺗﻠﻚ اﻟﮭﯿﺒﺔ وذﻟﻚ اﻻﻧﺒﮭﺎر اﻷول. وﻟﺬا ..ﻇﻞّ ﻻﺳﻢ )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ھﯿﺒﺘﮫ ﻋﻨﺪي .ﻟﻢ ﺗﻘﺘﻠﮫ اﻟﻌﺎدة وﻻ اﻟﻤﻌﺎﺷﺮة ،وﻟﻢ ﺗﺤﻮﻟﮫ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺴﺠﻦ اﻟﻤﺸﺘﺮك ،وﻻ ﺳﻨﻮات اﻟﻨﻀﺎل ،إﻟﻰ اﺳﻢ ﻋﺎديّ ﻟﺼﺪﯾﻖ أو ﻟﺠﺎر .ﻓﺎﻟﺮﻣﻮز ﺗﻌﺮف داﺋﻤﺎً ﻛﯿﻒ ﺗﺤﯿﻂ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺤﺎﺟﺰ اﻟﻼﻣﺮﺋﻲ ،اﻟﺬي ﯾﻔﺼﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﺎدي واﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ ،واﻟﻤﻤﻜﻦ واﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ ،ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء. ھﺎ أﻧﺬا أذﻛﺮه ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﻟﻢ أﺣﺠﺰھﺎ ﻟﮫ.. وﺑﯿﻨﻤﺎ أﺳﺤﺐ ﻧﻔﺴﺎً ﻣﻦ ﺳﯿﺠﺎرة أﺧﯿﺮة ،ﯾﺮﺗﻔﻊ ﺻﻮت اﻟﻤﺂذن ﻣﻌﻠﻨﺎً ﺻﻼة اﻟﻔﺠﺮ. وﻣﻦ ﻏﺮﻓﺔ ﺑﻌﯿﺪة ﯾﺄﺗﻲ ﺑﻜﺎء ﻃﻔﻞ أﯾﻘﻆ ﺻﻮﺗﮫ أﻧﺤﺎء ﻛﻞ اﻟﺒﯿﺖ..
ﻓﺄﺣﺴﺪ اﻟﻤﺂذن ،وأﺣﺴﺪ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺮﺿّﻊ ،ﻷﻧﮭﻢ ﯾﻤﻠﻜﻮن وﺣﺪھﻢ ﺣﻖ اﻟﺼﺮاخ واﻟﻘﺪرة ﻋﻠﯿﮫ ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﺮوض اﻟﺤﯿﺎة ﺣﺒﺎﻟﮭﻢ اﻟﺼﻮﺗﯿﺔ ،وﺗﻌﻠﱢﻤﮭﻢ اﻟﺼﻤﺖ. ﻻ أذﻛﺮ ﻣﻦ ﻗﺎل "ﯾﻘﻀﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﺳﻨﻮاﺗﮫ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻨﻄﻖ ،وﺗﻘﻀﻲ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﺑﻘﯿﺔ ﻋﻤﺮه ﻓﻲ ﺗﻌﻠﯿﻤﮫ اﻟﺼﻤﺖ!". وﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﺼﻤﺖ أن ﯾﺼﺒﺢ ﻧﻌﻤﺔ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ﺑﺎﻟﺬات ،ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﺎﻟﻨﺴﯿﺎن .ﻓﺎﻟﺬاﻛﺮة ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎت ﻛﮭﺬه ﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺘﻘﺴﯿﻂ ،وإﻧﻤﺎ ﺗﮭﺠﻢ ﻋﻠﯿﻚ ﺷﻼﻻً ﯾﺠﺮﻓﻚ إﻟﻰ ﺣﯿﺚ ﻻ ﺗﺪري ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺤﺪرات. وﻛﯿﻒ ﻟﻚ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ أن ﺗﻮﻗﻔﮭﺎ دون أن ﺗﺼﻄﺪم ﺑﺎﻟﺼﺨﻮر ،وﺗﺘﺤﻄﻢ ﻓﻲ زﻟّﺔ ذﻛﺮى؟ وھﺎ أﻧﺖ ذا ،ﺗﻠﮭﺚ ﺧﻠﻔﮭﺎ ﻟﺘﻠﺤﻖ ﺑﻤﺎضٍ ﻟﻢ ﺗﻐﺎدره ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،وﺑﺬاﻛﺮة ﺗﺴﻜﻨﮭﺎ ﻷﻧﮭﺎ ﺟﺴﺪك. ﺟﺴﺪك اﻟﻤﺸﻮه ﻻ ﻏﯿﺮ. وﺗﺪري أنّ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﻠﮭﺜﻮن اﻵن ﻣﻦ ﻣﻨﺒﺮ إﻟﻰ آﺧﺮ ،ﺑﺤﺠﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى ،ﻟﯿﺪﯾﻨﻮا ﺗﺎرﯾﺨﺎً ﻛﺎﻧﻮا ﻃﺮﻓﺎً ﻓﯿﮫ .ﻋﺴﺎھﻢ ﯾﻠﺤﻘﻮن ﺑﺎﻟﻤﻮﺟﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ،ﻗﺒﻞ أن ﯾﺠﺮﻓﮭﻢ اﻟﻄﻮﻓﺎن. ﻓﻼ ﺗﻤﻠﻚ إﻻ أن ﺗﺸﻔﻖ ﻋﻠﯿﮭﻢ. ﻣﺎ أﺗﻌﺲ أن ﯾﻌﯿﺶ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺜﯿﺎب ﻣﺒﻠﻠﺔ ..ﺧﺎرﺟﺎً ﻟﺘﻮه ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻨﻘﻊ ..وأﻻ ﯾﺼﻤﺖ ﻗﻠﯿﻼً ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر أن ﺗﺠﻒ! ﺻﺎﻣﺘﺎً ﯾﺄﺗﻲ )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( اﻟﻠﯿﻠﺔ. ﺻﺎﻣﺘﺎً ﻛﻤﺎ ﯾﺄﺗﻲ اﻟﺸﮭﺪاء. ﺻﺎﻣﺘﺎً ..ﻛﻌﺎدﺗﮫ. وھﺎ أﻧﺖ ذا ﻣﺮﺗﺒﻚ أﻣﺎﻣﮫ ﻛﻌﺎدﺗﻚ. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ داﺋﻤﺎً اﻟﺨﻤﺲ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺼﻠﻜﻤﺎ ،أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ اﻟﺴﻨﻮات .ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻤﺮاً ﺑﺤﺪ ذاﺗﮭﺎ ،ورﻣﺰاً ﺑﺤﺪ ذاﺗﮭﺎ ،ﻟﺮﺟﻞ ﻛﺎن ﯾﺠﻤﻊ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺘﻤﯿﺰ ﺑﮭﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ اﺧﺘﻠﻂ ﺑﺠﻤﻌﯿﺔ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،ودرس ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﻓﺼﺎﺣﺔ أﺧﺮى ..ھﻲ ﻓﺼﺎﺣﺔ اﻟﺤﻀﻮر. ﻛﺎن( ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ﯾﻌﺮف ﻣﺘﻰ ﯾﺒﺘﺴﻢ ،وﻣﺘﻰ ﯾﻐﻀﺐ .وﯾﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﯾﺘﻜﻠﻢ ،وﯾﻌﺮف أﯾﻀﺎً ﻛﯿﻒ ﯾﺼﻤﺖ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﮭﯿﺒﺔ ﻻ ﺗﻔﺎرق وﺟﮭﮫ وﻻ ﺗﻠﻚ اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻄﻲ ﺗﻔﺴﯿﺮاً ﻣﺨﺘﻠﻔﺎً ﻟﻤﻼﻣﺤﮫ ﻛﻞ ﻣﺮة. "إن اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺎت ﻓﻮاﺻﻞ وﻧﻘﺎط اﻧﻘﻄﺎع ..وﻗﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﻣﺎ زاﻟﻮا ﯾﺘﻘﻨﻮن وﺿﻊ اﻟﻔﻮاﺻﻞ واﻟﻨﻘﻂ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﮭﻢ *".
ﻓﻲ ﺳﺠﻦ ) اﻟﻜﺪﯾﺎ( ﻛﺎن ﻣﻮﻋﺪي اﻟﻨﻀﺎﻟﻲ اﻷول ﻣﻊ )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( .ﻛﺎن ﻣﻮﻋﺪًا ﻣﺸﺤﻮﻧﺎً ﺑﺎﻷﺣﺎﺳﯿﺲ اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺔ ،وﺑﺪھﺸﺔ اﻻﻋﺘﻘﺎل اﻷول ،ﺑﻌﻨﻔﻮاﻧﮫ ..وﺑﺨﻮﻓﮫ. وﻛﺎن )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( اﻟﺬي اﺳﺘﺪرﺟﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﺜﻮرة ﯾﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪ آﺧﺮ ،ﯾﺪري أﻧﮫ ﻣﺴﺆول ﻋﻦ وﺟﻮدي ﯾﻮﻣﮭﺎ ھﻨﺎك .ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺸﻔﻖ ﺳﺮاً ﻋﻠﻰ ﺳﻨﻮاﺗﻲ اﻟﺴﺖ ﻋﺸﺮة ،ﻋﻠﻰ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ اﻟﻤﺒﺘﻮرة ،وﻋﻠﻰ ) أﻣّﺎ( اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻌﺮﻓﮭﺎ ﺟﯿﺪاً ،وﯾﻌﺮف ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻔﻌﻠﮫ ﺑﮭﺎ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻋﺘﻘﺎﻟﻲ اﻷول. وﻟﻜﻨﮫ ﻛﺎن ﯾﺨﻔﻲ ﻋﻨّﻲ ﻛﻞ ﺷﻔﻘﺘﮫ ﺗﻠﻚ ،ﻣﺮدداً ﻟﻤﻦ ﯾﺮﯾﺪ ﺳﻤﺎﻋﮫ" :ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻘﺖ اﻟﺴﺠﻮن ﻟﻠﺮﺟﺎل". وﻛﺎن ﺳﺠﻦ )اﻟﻜﺪﯾﺎ( وﻗﺘﮭﺎ ،ﻛﻜﻞ ﺳﺠﻮن اﻟﺸﺮق اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻓﺠﺄة ﻣﻦ ﻓﺎﺋﺾ رﺟﻮﻟﺔ ،إﺛﺮ ﻣﻈﺎھﺮات 8ﻣﺎي 1945اﻟﺘﻲ ﻗﺪّﻣﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ وﺳﻄﯿﻒ وﺿﻮاﺣﯿﮭﺎ أول ﻋﺮﺑﻮن ﻟﻠﺜﻮرة ،ﻣﺘﻤﺜﻼً ﻓﻲ دﻓﻌﺔ أوﻟﻰ ﻣﻦ ﻋﺪّة آﻻف ﻣﻦ اﻟﺸﮭﺪاء ﺳﻘﻄﻮا ﻓﻲ ﻣﻈﺎھﺮة واﺣﺪة ،وﻋﺸﺮات اﻵﻻف ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﺟﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﺿﺎﻗﺖ ﺑﮭﻢ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺎت ،ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﯿﻦ ﯾﺮﺗﻜﺒﻮن أﻛﺒﺮ ﺣﻤﺎﻗﺎﺗﮭﻢ ،وھﻮ ﯾﺠﻤﻌﻮن ﻟﻌﺪة أﺷﮭﺮ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﺠﻨﺎء اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﯿﻦ ،وﺳﺠﻨﺎء اﻟﺤﻖ اﻟﻌﺎم ،ﻓﻲ زﻧﺰاﻧﺎت ﯾﺠﺎوز أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻋﺪد ﻧﺰﻻﺋﮭﺎ اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻌﺘﻘﻼً. وھﻜﺬا ،ﺟﻌﻠﻮا ﻋﺪوى اﻟﺜﻮرة ﺗﻨﺘﻘﻞ إﻟﻰ ﻣﺴﺎﺟﯿﻦ اﻟﺤﻖ اﻟﻌﺎم اﻟﺬﯾﻦ وﺟﺪوا ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﻮﻋﻲ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ،وﻟﻐﺴﻞ ﺷﺮﻓﮭﻢ ﺑﺎﻻﻧﻀﻤﺎم إﻟﻰ اﻟﺜﻮرة اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺸﮭﺪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ أﺟﻠﮭﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻨﮭﻢ .وﻣﺎزال ﺑﻌﻀﮭﻢ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة ،ﯾﻌﯿﺶ ﺑﺘﻜﺮﯾﻢ ووﺟﺎھﺔ اﻟﻘﺎدة اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﯿﻦ ﻟﺤﺮب اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻜﻔّﻞ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﺑﺈﻋﺎدة ﺳﺠﻞّ ﺳﻮاﺑﻘﮭﻢ اﻟﻌﺪﻟﯿﺔ ..ﻟﻌﺬرﯾﺘﮫ اﻷوﻟﻰ .ﺑﯿﻨﻤﺎ وﺟﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﺠﻨﺎء اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﯿﻦ _ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻤﺎﻗﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﯾﺔ _ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ،ووﻗﺘﺎً ﻛﺎﻓﯿﺎً ﻟﻠﺘﺸﺎور واﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻓﻲ أﻣﻮر اﻟﻮﻃﻦ ..واﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﻟﻠﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﻘﺎدﻣﺔ. اﻟﯿﻮم ..ﻋﻨﺪﻣﺎ أذﻛﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،ﺗﺒﺪو ﻟﻲ ﻟﻜﺜﺎﻓﺘﮭﺎ ودھﺸﺘﮭﺎ ،وﻛﺄﻧﮭﺎ أﻃﻮل ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ .رﻏﻢ أﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﺪم ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ﺳﻮى ﺳﺘﺔ أﺷﮭﺮ ﻓﻘﻂ .ﻗﻀﯿﺘﮭﺎ ھﻨﺎك ﻗﺒﻞ أن ﯾﻄﻠﻖ ﺳﺮاﺣﻲ أﻧﺎ واﺛﻨﯿﻦ آﺧﺮﯾﻦ ﻟﺼﻐﺮ ﺳﻨﻨﺎ وﻷﻧﮫ ﻛﺎن ھﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﮭﻤﮭﻢ أﻣﺮھﻢ، أﻛﺜﺮ ﻣﻨﱠﺎ. وھﻜﺬا ﻋﺪت إﻟﻰ ﺛﺎﻧﻮﯾﺔ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺧﻠﻔﺖ ھﺎﻣﺎً دراﺳﯿﺎً ،ﻷﺟﺪ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﻧﻔﺴﮫ وﻛﺘﺐ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ واﻷدب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎري.. وﺣﺪھﻢ ﺑﻌﺾ رﻓﺎق اﻟﺪارﺳﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺎ ﯾﺰاﻟﻮن ﺿﻤﻦ اﻟﻤﺘﻐﯿّﺒﯿﻦ ،ﺑﯿﻦ ﻣﺴﺎﺟﯿﻦ وﺷﮭﺪاء. أﻏﻠﺒﮭﻢ ﻃﻠﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﻔﻮف اﻟﻌﻠﯿﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻣﻘﺮراً أن ﺗﺘﺨﺮج ﻣﻨﮭﺎ أول دﻓﻌﺔ ﻣﻦ
اﻟﻤﺜﻘﻔﯿﻦ واﻟﻤﻮﻇﻔﯿﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﯿﻦ اﻟﻤﻔﺮﻧﺴﯿﻦ. وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺷﺮﻓﮭﻢ ،أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ راھﻦ اﻟﺒﻌﺾ ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺎﻧﺘﮭﻢ ،ﻓﻘﻂ ﻷﻧﮭﻢ اﺧﺘﺎروا اﻟﺜﺎﻧﻮﯾﺎت واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ،ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻷﺣﺪ ﻓﯿﮭﺎ أن ﯾﺘﺠﺎھﻞ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،وھﯿﺒﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﻮب واﻟﺬاﻛﺮة. ﻓﮭﻞ ﻋﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﺳﺠﻨﻮا وﻋﺬّﺑﻮا ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻈﺎھﺮات ،اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻨﮭﻢ ،ھﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﺑﺤﻜﻢ ﺛﻘﺎﻓﺘﮭﻢ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﯾﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﻮﻋﻲ ﺳﯿﺎﺳﻲ ﻣﺒﻜﺮ ،وﺑﻔﺎﺋﺾ وﻃﻨﯿﺔ ..وﻓﺎﺋﺾ أﺣﻼم. واﻟﺬﯾﻦ أدرﻛﻮا ،واﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﺗﻨﺘﮭﻲ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﻓﺮﻧﺴﺎ واﻟﺤﻠﻔﺎء ،أنّ ﻓﺮﻧﺴﺎ اﺳﺘﻌﻤﻠﺖ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﯿﻦ ،ﻟﯿﺨﻮﺿﻮا ﺣﺮﺑﺎً ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﺮﺑﮭﻢ ،وأﻧﮭﻢ دﻓﻌﻮا آﻻف اﻟﻤﻮﺗﻰ ﻓﻲ ﻣﻌﺎرك ﻻ ﺗﻌﻨﯿﮭﻢ ،ﻟﯿﻌﻮدوا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﻋﺒﻮدﯾﺘﮭﻢ. ﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﺼﺎدﻓﺔ وﺟﻮدي ﻣﻊ )ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ( ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺷﻲء أﺳﻄﻮري ﺑﺤﺪ ذاﺗﮫ ،وﺗﺠﺮﺑﺔ ﻧﻀﺎﻟﯿﺔ ﻇﻠَﺖ ﺗﻼﺣﻘﻨﻲ ﻟﺴﻨﻮات ﺑﻜﻞ ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﮭﺎ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﮭﺎ ﺑﻌﺪ ﻟﻚ أﺛﺮ ﻓﻲ ﺗﻐﯿّﺮ ﻗﺪري .ﻓﮭﻨﺎك رﺟﺎل ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻠﺘﻘﻲ ﺑﮭﻢ ﺗﻜﻮن ﻗﺪ اﻟﺘﻘﯿﺖ ﺑﻘﺪرك. ﻛﺎن( ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ( اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺎً ﻓﻲ ﻛﻞﱢ ﺷﻲء ،وﻛﺄﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﻌﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪء ،ﻟﯿﻜﻮن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ رﺟﻞ. ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻖ ﻟﯿﻜﻮن ﻗﺎﺋﺪاً .ﻛﺎن ﻓﯿﮫ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد ،واﻷﻣﯿﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻄﺎرق ،وأوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻤﻜﻨﮭﻢ أن ﯾﻐﯿﺮوا اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﺑﺨﻄﺒﺔ واﺣﺪة. وﻛﺎن اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﻮن اﻟﺬﯾﻦ ﻋﺬّﺑﻮه وﺳﺠﻨﻮه ﻟﻤﺪة ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ﯾﻌﺮﻓﻮن ذﻟﻚ ﺟﯿﺪاً. وﻟﻜﻨﮭﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺠﮭﻠﻮن أنّ( ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ( ﺳﯿﺄﺧﺬ ﺑﺜﺄره ﻣﻨﮭﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺴﻨﻮات، وﯾﺼﺒﺢ اﻟﺮأس اﻟﻤﻄﻠﻮب ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﯾﻘﻮم ﺑﮭﺎ اﻟﻤﺠﺎھﺪون ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻟﺠﺰاﺋﺮي. أيّ ﺻﺪﻓﺔ ..أن ﯾﻌﻮد اﻟﻘﺪر ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﺗﻤﺎﻣﺎً ،ﻟﯿﻀﻌﻨﻲ ﻣﻊ )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻛﻔﺎﺣﯿﺔ ﻣﺴﻠﺤﺔ ھﺬه اﻟﻤﺮّة! ﺳﻨﺔ 1955..وﻓﻲ ﺷﮭﺮ أﯾﻠﻮل ﺑﺎﻟﺬات ،اﻟﺘﺤﻘﺖ ﺑﺎﻟﺠﺒﮭﺔ. ﻛﺎن رﻓﺎﻗﻲ ﯾﺒﺪأون ﺳﻨﺔ دراﺳﯿﺔ ﺳﺘﻜﻮن اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ،وﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻋﺎﻣﻲ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ أﺑﺪأ ﺣﯿﺎﺗﻲ اﻷﺧﺮى. أذﻛﺮ أنﱠ اﺳﺘﻘﺒﺎل )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ﻟﻲ ﻓﺎﺟﺄﻧﻲ وﻗﺘﮭﺎ .ﻟﻢ ﯾﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ أﯾّﺔ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻦ ﺣﯿﺎﺗﻲ أو دراﺳﺘﻲ .ﻟﻢ ﯾﺴﺄﻟﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﻛﯿﻒ أﺧﺬت ﻗﺮار اﻟﺘﺤﺎﻗﻲ ﺑﺎﻟﺠﺒﮭﺔ ،وﻻ أيّ ﻃﺮﯾﻖ ﺳﻠﻜﺖ ﻷﺻﻞ إﻟﯿﮫ .ﻇﻞﱠ ﯾﺘﺄﻣﻠﻨﻲ ﻗﺒﻞ أ ،ﯾﺤﺘﻀﻨﻨﻲ ﺑﺸﻮق وﻛﺄﻧﱠﮫ ﻛﺎن ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﻲ
ھﻨﺎك ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺔ. ﺛﻢ ﻗﺎل: ﺟﺌﺖ!..وأﺟﺒﺘﮫ ﺑﻔﺮح وﺑﺤﺰن ﻏﺎﻣﺾ ﻣﻌﺎً: ﺟﺌﺖ!ﻛﺎن ) ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ( ھﻜﺬا أﺣﯿﺎﻧﺎً ،ﯾﻜﻮن ﻣﻮﺟﺰاً ﺣﺘﱠﻰ ﻓﻲ ﻓﺮﺣﺘﮫ؛ ﻓﻜﻨﺖ ﻣﻮﺟﺰاً ﻣﻌﮫ ﻓﻲ ﺣﺰﻧﻲ أﯾﻀﺎً. ﺳﺄﻟﻨﻲ ﺑﻌﺪھﺎ ﻋﻦ أﺧﺒﺎر اﻷھﻞ ،وأﺧﺒﺎر ) أﻣّﺎ( ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ ،ﻓﺄﺟﺒﺘﮫ أﻧﮭﺎ ﺗﻮﻓﯿﺖ ﻣﻨﺬ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﮭﺮ .وأﻋﺘﻘﺪ أﻧﮫ ﻓﮭﻢ ﻛﻞّ ﺷﻲء ،ﻓﻘﺪ ﻗﺎل وھﻮ ﯾﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ،وﺷﻲء ﺷﺒﯿﮫ ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ ﯾﻠﻤﻊ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫ: رﺣﻤﮭﺎ اﷲ ،ﻟﻘﺪ ﺗﻌﺬﺑﺖ ﻛﺜﯿﺮاً.ﺛﻢ ذھﺐ ﻓﻲ ﺗﻔﻜﯿﺮه ﺑﻌﯿﺪاً إﻟﻰ ﺣﯿﺚ ﻻ أدري.. ﺑﻌﺪھﺎ ﺣﺴﺪت ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻣﻌﺔ اﻟﻤﻔﺎﺟﺌﺔ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫ ،واﻟﺘﻲ رﻓﻊ ﺑﮭﺎ أﻣﻲ إﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻟﺸﮭﺪاء .ﻓﻠﻢ ﯾﺤﺪث ﻟﻲ أن رأﯾﺖ )ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ( ﯾﺒﻜﻲ ﺳﻮى اﻟﺸﮭﺪاء ﻣﻦ رﺟﺎﻟﮫ. وﺗﻤﻨﯿﺖ ﻃﻮﯾﻼً ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن أﻣﺪد ﺟﺜﻤﺎﻧﺎً ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ،ﻷﺗﻤﺘﻊ وﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻲ ﺑﺪﻣﻌﺔ ﻣﻜﺎﺑﺮة ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫ. أﻟﻜﻞّ ھﺬا ﺗﻘﻠﺼﺖ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ﻓﺠﺄة ﻓﻲ ﺷﺨﺼﮫ ،ورﺣﺖ أﺗﻔﺎﻧﻰ ﻓﻲ إﺛﺒﺎت ﺑﻄﻮﻟﺘﻲ ﻟﮫ، وﻛﺄﻧﻨﻲ أرﯾﺪ أن أﺟﻌﻠﮫ ﺷﺎھﺪاً ﻋﻠﻰ رﺟﻮﻟﺘﻲ أ ,ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺗﻲ؛ ﺷﺎھﺪاً ﻋﻠﻰ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻋﺪ أﻧﺘﺴﺐ إﻟﻰ أﺣﺪ ﻏﯿﺮ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ ،وأﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺗﺮك ﺧﻠﻔﻲ ﺳﻮى ﻗﺒﺮ ﻻﻣﺮأة ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ، وأخٍ ﯾﺼﻐﺮﻧﻲ اﺧﺘﺎر ﻟﮫ أﺑﻲ ﻣﺴﺒﻘﺎً اﻣﺮأة ﺳﺘﺼﺒﺢ أﻣﮫ. ﻛﻨﺖ أﻟﻘﻲ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮت ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮّة ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺗﺤﺪاه أو ﻛﺄﻧﻨﻲ أرﯾﺪ ﺑﺬﻟﻚ أن ﯾﺄﺧﺬﻧﻲ ﺑﺪل رﻓﺎﻗﻲ اﻟﺬﯾﻦ ﺗﺮﻛﻮا ﺧﻠﻔﮭﻢ أوﻻدھﻢ وأھﻠﮭﻢ ﯾﻨﺘﻈﺮون ﻋﻮدﺗﮭﻢ. وﻛﻨﺖ ﻛﻞ ﻣﺮة أﻋﻮد أﻧﺎ وﯾﺴﻘﻂ آﺧﺮون ،وﻛﺄن اﻟﻤﻮت ﻗﺮر أن ﯾﺮﻓﻀﻨﻲ.. وﻛﺎن )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ﺑﻌﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻧﺎﺟﺤﺔ اﺷﺘﺮﻛﺖ ﻓﯿﮭﺎ ،ﻗﺪ ﺑﺪأ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ﯾﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻲﱠ ﻓﻲ اﻟﻤﮭﻤﺎت اﻟﺼﻌﺒﺔ ،وﯾﻜﻠﻔﻨﻲ ﺑﺎﻟﻤﮭﻤﺎت اﻷﻛﺜﺮ ﺧﻄﻮرة ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻣﻮاﺟﮭﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻣﻊ اﻟﻌﺪو .ورﻓﻌﻨﻲ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺘﯿﻦ إﻟﻰ رﺗﺒﺔ ﻣﻼزم ﻷﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ إدارة ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻌﺎرك وﺣﺪي ،وأﺧﺬ اﻟﻘﺮارات اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻘﺘﻀﯿﮭﺎ ﻛﻞ ﻇﺮف. ﺑﺪأت وﻗﺘﮭﺎ ﻓﻘﻂ أﺗﺤﻮل ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﺜﻮرة إﻟﻰ رﺟﻞ ،وﻛﺄن اﻟﺮﺗﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺣﻤﻠﮭﺎ ﻗﺪ ﻣﻨﺤﺘﻨﻲ ﺷﮭﺎدة ﺑﺎﻟﺸﻔﺎء ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻲ ..وﻃﻔﻮﻟﺘﻲ. وﻛﻨﺖ آﻧﺬاك ﺳﻌﯿﺪاً وﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ أﺧﯿﺮاً ﺗﻠﻚ اﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻤﻨﺤﻨﺎ إﯾﺎھﺎ ﺳﻮى راﺣﺔ اﻟﻀﻤﯿﺮ. ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﻲ أنّ ﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻲ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﻤﻜﺘﻮب وأنّ اﻟﻘﺪر ﻛﺎن ﯾﺘﺮﺑﺺ ﺑﻲ ﻓﻲ
ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﻋﺘﻘﺪ ﻓﯿﮫ أن ﻻ ﺷﻲء ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻌﯿﺪﻧﻲ إﻟﻰ ﺣﺰﻧﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ. وﺟﺎءت ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ اﻟﻀﺎرﯾﺔ اﻟﺘﻲ دارت ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎرف "ﺑﺎﺗﻨﺔ" ﻟﺘﻘﻠﺐ ﯾﻮﻣﺎً ﻛﻞ ﺷﻲء.. ﻓﻘﺪ ﻓﻘﺪﻧﺎ ﻓﯿﮭﺎ ﺳﺘﺔ ﻣﺠﺎھﺪﯾﻦ ،وﻛﻨﺖ ﻓﯿﮭﺎ أﻧﺎ ﻣﻦ ﻋﺪاد اﻟﺠﺮﺣﻰ ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺧﺘﺮﻗﺖ ذراﻋﻲ اﻟﯿﺴﺮى رﺻﺎﺻﺘﺎن ،وإذا ﺑﻤﺠﺮى ﺣﯿﺎﺗﻲ ﯾﺘﻐﯿﺮ ﻓﺠﺄة ،وأﻧﺎ أﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ اﻟﺠﺮﺣﻰ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻨﻘﻠﻮا ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺴﺮﻋﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺪود اﻟﺘﻮﻧﺴﯿﺔ ﻟﻠﻌﻼج .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﻌﻼج ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ..ﺳﻮى ﺑﺘﺮ ذراﻋﻲ اﻟﯿﺴﺮى ،ﻻﺳﺘﺤﺎﻟﺔ اﺳﺘﺌﺼﺎل اﻟﺮﺻﺎﺻﺘﯿﻦ .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﻣﺠﺎل ﻟﻠﻨﻘﺎش أو اﻟﺘﺮدد .ﻛﺎن اﻟﻨﻘﺎش ﻓﻘﻂ ،ﺣﻮل اﻟﻄﺮق اﻵﻣﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﻠﻜﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻧﺲ ،ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺨﻠﻔﯿﺔ ﻟﻠﻤﺠﺎھﺪﯾﻦ. وھﺎ أﻧﺬا أﻣﺎم واﻗﻊ آﺧﺮ.. ھﺎ ھﻮ ذا اﻟﻘﺪر ﯾﻄﺮدﻧﻲ ﻣﻦ ﻣﻠﺠﺄي اﻟﻮﺣﯿﺪ ،ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة واﻟﻤﻌﺎرك اﻟﻠﯿﻠﯿﺔ ،وﯾﺨﺮﺟﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﺮﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﻀﻮء ،ﻟﯿﻀﻌﻨﻲ أﻣﺎم ﺳﺎﺣﺔ أﺧﺮى ،ﻟﯿﺴﺖ ﻟﻠﻤﻮت وﻟﯿﺴﺖ ﻟﻠﺤﯿﺎة . ﺳﺎﺣﺔ ﻟﻸﻟﻢ ﻓﻘﻂ ..وﺷﺮﻓﺔ أﺗﻔﺮج ﻣﻨﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻘﺘﺎل .ﻓﻠﻘﺪ ﺑﺪا واﺿﺤﺎً ﻣﻦ ﻛﻼم )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ﯾﻮﻣﮭﺎ ،أﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﻻ أﻋﻮد إﻟﻰ اﻟﺠﺒﮭﺔ ﻣﺮّة ﺛﺎﻧﯿﺔ. ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻷﺧﯿﺮ ،ﺣﺎول )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( أن ﯾﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﺮﺗﮫ اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ ،وراح ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﻮدﻋﻨﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ﻗﺒﻞ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺟﺪﯾﺪة .وﻟﻜﻦ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻛﺎن ﯾﺪري أﻧﮫ ﯾﻌﺪّﻧﻲ ﻟﺘﺤﻤﻞ ﻣﻌﺮﻛﺘﻲ ﻣﻊ اﻟﻘﺪر. ﻏﯿﺮ أﻧﮫ ﻛﺎن ﻣﻮﺟﺰاً ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻋﺎدﺗﮫ ،رﺑﻤﺎ ..ﻷﻧﮫ ﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﺗﻌﻠﯿﻤﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻌﻄﻰ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻻت ..ورﺑﻤﺎ ﻷﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﺘﻜﺒﺪ ﯾﻮﻣﮭﺎ أﻛﺒﺮ ﺧﺴﺎرة ﺑﺸﺮﯾﺔ وﯾﻔﻘﺪ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ واﺣﺪة ﻋﺸﺮة ﻣﻦ ﺧﯿﺮة رﺟﺎﻟﮫ ﺑﯿﻦ ﺟﺮﺣﻰ وﻗﺘﻠﻲ .وﻛﺎن ﯾﺪري ،واﻟﺜﻮرة ﻣﻄﻮﻗﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،ﻗﯿﻤﺔ ﻛﻞّ ﻣﺠﺎھﺪ وﺣﺎﺟﺔ اﻟﺜﻮرة إﻟﻰ ﻛﻞ رﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺪة. وﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﮫ ﺷﯿﺌﺎً ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم.. ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ،ﻟﺴﺒﺐ ﻏﺎﻣﺾ ،أﻧﻨﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﯾﺘﯿﻤﺎً ﻣﺮة أﺧﺮى. ﻛﺎﻧﺖ دﻣﻌﺘﺎن ﻗﺪ ﺗﺠﻤﺪﺗﺎ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﻲّ .ﻛﻨﺖ أﻧﺰف ،وﻛﺎن أﻟﻢ ذراﻋﻲ ﯾﻨﺘﻘﻞ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً إﻟﻰ ﺟﺴﺪي ﻛﻠﮫ ،وﯾﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ ﻏﺼﺔ .ﻏﺼّﺔ اﻟﺨﯿﺒﺔ واﻷﻟﻢ ..واﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﻤﺠﮭﻮل. ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺣﺪاث ﺗﺠﺮي ﻣﺴﺮﻋﺔ أﻣﺎﻣﻲ ،وﻗﺪري ﯾﺄﺧﺬ ﻣﻨﺤﻰً ﺟﺪﯾﺪاً ﺑﯿﻦ ﺳﺎﻋﺔ وأﺧﺮى،
ووﺣﺪه ﺻﻮت )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ )وھﻮ ﯾﻌﻄﻲ ﺗﻌﻠﯿﻤﺎﺗﮫ اﻷﺧﯿﺮة ،ﻛﺎن ﯾﺼﻞ إﻟﻲﱠ ﺣﯿﺚ ﻛﺎن، ﻟﯿﺼﺒﺢ ﺻﻠﺘﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ. وﺑﺮﻏﻢ ذﻟﻚ ،ﻣﺎزﻟﺖ أذﻛﺮ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﺣﻀﻮره اﻷﺧﯿﺮ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎء ﯾﺘﻔﻘﺪﻧﻲ ﻗﺒﻞ ﺳﻔﺮي ﺑﺴﺎﻋﺔ ،ووﺿﻊ ورﻗﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻓﻲ ﺟﯿﺒﻲ وﺑﻌﺾ اﻷوراق اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ ،وﻗﺎل وھﻮ ﯾﻨﺤﻨﻲ ﻋﻠﻲّ وﻛﺄﻧﮫ ﯾﻮدﻋﻨﻲ ﺳﺮاً: "ﻟﻘﺪ ﻗُﺪّر ﻟﻚ أن ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ھﻨﺎك ..أﺗﻤﻨﻰ أن ﺗﺬھﺐ ﻟﺰﯾﺎرﺗﮭﻢ ﺣﯿﻦ ﺗﺸﻔﻰ وﺗﺴﻠّﻢ ھﺬا اﻟﻤﺒﻠﻎ إﻟﻰ )أﻣّﺎ( ﻟﺘﺸﺘﺮي ﺑﮫ ھﺪﯾﺔ ﻟﻠﺼﻐﯿﺮة ،وأود أﯾﻀﺎً أن ﺗﻘﻮم ﺑﺘﺴﺠﯿﻠﮭﺎ ﻓﻲ دار اﻟﺒﻠﺪﯾﺔ ﻟﻮ اﺳﺘﻄﻌﺖ ذﻟﻚ ..ﻓﻘﺪ ﯾﻤﺮ وﻗﺖ ﻃﻮﯾﻞ ﻗﺒﻞ أ ،أﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ زﯾﺎرﺗﮭﻢ..". وﻋﺎد ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت وﻛﺄﻧﮫ ﻧﺴﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﻟﯿﻀﯿﻒ ﺷﺒﮫ ﻣﺮﺗﺒﻚ وھﻮ ﯾﻠﻔﻆ ذﻟﻚ اﻻﺳﻢ ﻷول ﻣﺮة.. "..ﻟﻘﺪ اﺧﺘﺮت ﻟﮭﺎ ھﺬا ﻻﺳﻢ ..ﺳﺠﻠﮭﺎ ﻣﺘﻰ اﺳﺘﻄﻌﺖ ذﻟﻚ وﻗﺒّﻠﮭﺎ ﻋﻨﻲ ..وﺳﻠّﻢ ﻛﺜﯿﺮاً ﻋﻠﻰ )أﻣّﺎ").. ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ أول ﻣﺮة ﺳﻤﻌﺖ ﻓﯿﮭﺎ اﺳﻤﻚ ..ﺳﻤﻌﺘﮫ وأﻧﺎ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻧﺰﯾﻒ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻮت واﻟﺤﯿﺎة ،ﻓﺘﻌﻠﻘﺖ ﻓﻲ ﻏﯿﺒﻮﺑﺘﻲ ﺑﺤﺮوﻓﮫ ،ﻛﻤﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﻣﺤﻤﻮم ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ھﺬﯾﺎن ﺑﻜﻠﻤﺔ.. ﻛﻤﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ رﺳﻮل ﺑﻮﺻﯿﺔ ﯾﺨﺎف أن ﺗﻀﯿﻊ ﻣﻨﮫ.. ﻛﻤﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﻏﺮﯾﻖ ﺑﺤﺒﺎل اﻟﺤﻠﻢ. ﺑﯿﻦ أﻟﻒ اﻷﻟﻢ وﻣﯿﻢ اﻟﻤﺘﻌﺔ ﻛﺎن اﺳﻤﻚ. ﺗﺸﻄﺮه ﺣﺎء اﻟﺤﺮﻗﺔ ..وﻻم اﻟﺘﺤﺬﯾﺮ .ﻓﻜﯿﻒ ﻟﻢ أﺣﺬر اﺳﻤﻚ اﻟﺬي وﻟﺪ وﺳﻂ اﻟﺤﺮاﺋﻖ اﻷوﻟﻰ ،ﺷﻌﻠﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮب .ﻛﯿﻒ ﻟﻢ أﺣﺬر اﺳﻤﺎً ﯾﺤﻞ ﺿﺪه وﯾﺒﺪأ ﺑـ "أح" اﻷﻟﻢ واﻟﻠﺬة ﻣﻌﺎً .ﻛﯿﻒ ﻟﻢ أﺣﺬر ھﺬا اﻻﺳﻢ اﻟﻤﻔﺮد _ اﻟﺠﻤﻊ ﻛﺎﺳﻢ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ ،وأدرك ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪء أن اﻟﺠﻤﻊ ﺧﻠﻖ داﺋﻤﺎً ﻟﯿﻘﺘﺴﻢ! ﺑﯿﻦ اﻻﺑﺘﺴﺎم واﻟﺤﺰن ،ﯾﺤﺪث اﻟﯿﻮم أن أﺳﺘﻌﯿﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺻﯿﺔ: "ﻗﺒّﻠﮭﺎ ﻋﻨﻲ "..وأﺿﺤﻚ ﻣﻦ اﻟﻘﺪر ،وأﺿﺤﻚ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻲ ،وﻣﻦ ﻏﺮاﺑﺔ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺎت. ﺛﻢﱠ أﻋﻮد وأﺧﺠﻞ ﻣﻦ وﻗﺎر ﺻﻮﺗﮫ ،وﻣﻦ ﻣﺴﺤﺔ اﻟﻀﻌﻒ اﻟﻨﺎدرة اﻟﺘﻲ ﻏﻠّﻔﺖ ﺟﻤﻠﺘﮫ ﺗﻠﻚ ،ھﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺒﺪو أﻣﺎﻣﻨﺎ داﺋﻤﺎً ،رﺟﻼً ﻣﮭﯿﺒﺎً ﻻ ھﻤﻮم ﻟﮫ ﺳﻮى ھﻤﻮم اﻟﻮﻃﻦ ،وﻻ أھﻞ ﻟﮫ ﻏﯿﺮ رﺟﺎﻟﮫ.. ﻟﻘﺪ اﻋﺘﺮف ﻟﻲ أﻧﱠﮫ رﺟﻞ ﺿﻌﯿﻒ؛ ﯾﺤﻦّ وﯾﺸﺘﺎق وﻗﺪ ﯾﺒﻜﻲ وﻟﻜﻦ ،ﻓﻲ ﺣﺪود اﻟﺤﯿﺎء، وﺳﺮاً داﺋﻤﺎً .ﻓﻠﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﻖّ اﻟﺮﻣﻮز أن ﺗﺒﻜﻲ ﺷﻮﻗﺎً. إﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺬﻛﺮ أﻣﻚِ ﻣﺜﻼً ..ﺗﺮاه ﻟﻢ ﯾﺤﻦّ إﻟﯿﮭﺎ ،ھﻲ اﻟﻌﺮوس اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﺘﻤﺘﻊ ﺑﮭﺎ ﻏﯿﺮ أﺷﮭﺮ ﻣﺴﺮوﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ وﺗﺮﻛﮭﺎ ﺣﺎﻣﻼً.
وﻟﻤﺎذا ھﺬا اﻻﺳﺘﻌﺠﺎل اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ؟ ﻟﻤﺎذا ﻻ ﯾﻨﺘﻈﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﯿﺮﺗﱢﺐ ﻗﻀﯿﺔ ﻏﯿﺎﺑﮫ ﻷﯾﺎم ،وﯾﻘﻮم ھﻮ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺘﺴﺠﯿﻠﻚِ؟ ﻟﻘﺪ اﻧﺘﻈﺮ ﺳﺘﺔ أﺷﮭﺮ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﯾﻨﺘﻈﺮ أﺳﺎﺑﯿﻊ أﺧﺮى ..وﻟﻤﺎذا أﻧﺎ ﺑﺎﻟﺬات.. أيّ ﻗﺪر ﺟﻌﻠﻨﻲ أﺣﻀﺮ إﻟﻰ ھﻨﺎك ﺑﺘﻮﻗﯿﺘﻚ؟ ﻛﻠﻤﺎ ﻃﺮﺣﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ھﺬا اﻟﺴﺆال ،دھﺸﺖ ﻟﮫ وآﻣﻨﺖ ﺑﺎﻟﻤﻜﺘﻮب . ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺑﺈﻣﻜﺎن )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ﺑﺮﻏﻢ ﻣﺴﺆوﻟﯿﺎﺗﮫ أن ﯾﮭﺮب ﻟﯿﻮم أو ﻟﯿﻮﻣﯿﻦ إﻟﻰ ﺗﻮﻧﺲ .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﻀﯿﺔ ﻋﺒﻮر اﻟﺤﺪود ﺑﺤﺮاﺳﺘﮭﺎ اﻟﻤﺸﺪدة ودورﯾﺎﺗﮭﺎ وﻛﻤﺎﺋﻨﮭﺎ ﻟﺘﺨﯿﻔﮫ ،وﻻ ﺣﺘﻰ اﺟﺘﯿﺎز )ﺧﻂ ﻣﻮرﯾﺲ( اﻟﻤﻜﮭﺮب واﻟﻤﻔﺮوش ﺑﺎﻷﻟﻐﺎم ،واﻟﻤﻤﺘﺪ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﺪود اﻟﺘﻮﻧﺴﯿﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ إﻟﻰ اﻟﺼﺤﺮاء ،واﻟﺬي اﺟﺘﺎزه ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺛﻼث ﻣﺮات ،وھﻮ رﻗﻢ ﻗﯿﺎﺳﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻌﺸﺮات اﻟﻤﺠﺎھﺪﯾﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﺗﺮﻛﻮا ﺟﺜﺜﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاده. أﻛﺎن ﺣﺐّ )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ﻟﻼﻧﻀﺒﺎط ،واﺣﺘﺮاﻣﮫ ﻟﻠﻘﻮاﻧﯿﻦ ھﻮ اﻟﺬي ﺧﻠﻖ ﻋﻨﺪه ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ ﺑﻌﺪ ﻣﯿﻼدك ،وھﻮ ﯾﻜﺘﺸﻒ ﻋﺎﺟﺰاً أﻧﮫ أب ﻣﻨﺬ ﺷﮭﻮر ﻟﻄﻔﻠﺔ ﻟﻢ ﯾﻤﻨﺤﮭﺎ اﺳﻤﺎً ،وﻟﻢ ﯾﺘﻤﻜﻦ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺗﺴﺠﯿﻠﮭﺎ؟ أم ﻛﺎن ﯾﺨﺎف ،ھﻮ اﻟﺬي اﻧﺘﻈﺮك ﻃﻮﯾﻼً ،أن ﺗﻀﯿﻌﻲ ﻣﻨﮫ إن ھﻮ ﻟﻢ ﯾﺮﺳﺦ وﺟﻮدك واﻧﺘﺴﺎﺑﻚ ﻟﮫ ﻋﻠﻰ ورﻗﺔ رﺳﻤﯿﺔ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺧﺘﻢ رﺳﻤﻲ؟ أﻛﺎن ﯾﺘﺸﺎءم ﻣﻦ وﺿﻌﻚ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ھﺬا ،وﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺴﺠﻞ أﺣﻼﻣﮫ ﻓﻲ دار اﻟﺒﻠﺪﯾﺔ، ﻟﯿﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ أﻧﮭﺎ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﺣﻘﯿﻘﺔ ..وأنﱠ اﻟﻘﺪر ﻟﻦ ﯾﻌﻮد ﻟﯿﺄﺧﺬھﺎ ﻣﻨﮫ ،ھﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺣﻠﻤﮫ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ أن ﯾﺼﺒﺢ أﺑﺎً ﻛﺎﻵﺧﺮﯾﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺤﺎوﻟﺔ زواج ﻓﺎﺷﻠﺔ ﻟﻢ ﯾﺮزق ﻣﻨﮭﺎ ذرّﯾﺔ؟ وﻻ أدري إذا ﻛﺎن )ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ( ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﮫ ﯾﻔﻀّﻞ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﻮﻟﻮده ﺻﺒﯿّﺎً ..أدري ﻓﻘﻂ ،ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،أﻧﮫ ﺣﺎول أن ﯾﺘﺤﺎﯾﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪر وأن ﯾﺘﺮك ﻗﺒﻞ ﺳﻔﺮه اﺳﻤﺎً اﺣﺘﯿﺎﻃﯿﺎً ﻟﺼﺒﻲ،ﻣﺘﺠﺎھﻼً اﺣﺘﻤﺎل ﻣﺠﻲء أﻧﺜﻰ .ورﺑﻤﺎ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ أﯾﻀﺎً ﺑﻌﻘﻠﯿﺔ ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ ،وﺑﮭﺎﺟﺲ وﻃﻨﻲ دون أن ﯾﺪري ..ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ أﺣﺎدﯾﺜﮫ وﺧﻄﻄﮫ اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ ﺗﺒﺪأ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺘﮫ ﯾﺮدﱢدھﺎ "ﻻزﻣﻨﺎ رﺟﺎل ﯾﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ".. إذن ،ﻟﮭﺬا ﻛﺎن )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ )ﯾﺒﺪو ﺳﻌﯿﺪاً وﻣﺘﻔﺎﺋﻼً ﻓﻲ ﻛﻞّ ﺷﻲء ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة.. ﻓﺠﺄة ﺗﻐﯿّﺮ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺼﻠﺐ .أﺻﺒﺢ أﻛﺜﺮ ﻣﺮوﻧﺔ وأﻛﺜﺮ دﻋﺎﺑﺔ ﻓﻲ أوﻗﺎت ﻓﺮاﻏﮫ. ﺷﻲء ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺘﻐﯿﺮ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً داﺧﻠﮫ ،وﯾﺠﻌﻠﮫ أﻗﺮب إﻟﻰ اﻵﺧﺮﯾﻦ ،وأﻛﺜﺮ ﺗﻔﮭﻤﺎً ﻷوﺿﺎﻋﮭﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ.
ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﯾﻤﻨﺢ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺴﮭﻮﻟﺔ أﻛﺜﺮ ﺗﺴﺮﯾﺤﺎت ﻟﺰﯾﺎرة ﺧﺎﻃﻔﺔ ﯾﻘﻮﻣﻮن ﺑﮭﺎ إﻟﻰ أھﻠﮭﻢ ،ھﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺒﺨﻞ ﺑﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ .ﻟﻘﺪ ﻏﯿّﺮﺗﮫ اﻷﺑﻮّة اﻟﻤﺘﺄﺧﺮة ،اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت رﻣﺰاً ﺟﺎھﺰاً ﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ أﺟﻤﻞ.. ﻣﻌﺠﺰة ﺻﻐﯿﺮة ﻟﻸﻣﻞ ..ﻛﺎﻧﺖ أﻧﺖِ.
*اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺨﻂ ﻣﻤﯿﺰ ﻣﺄﺧﻮذة ﻋﻦ ﺗﻮاﻃﺆ ﺷﻌﺮي ﻣﻦ رواﯾﺘﻲ ﻣﺎﻟﻚ ﺣﺪاد "ﺳﺄھﺒﻚ ﻏﺰاﻟﺔ" و" رﺻﯿﻒ اﻷزھﺎر ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺠﯿﺐ.
ﻃﻠﻊ ﺻﺒﺎح آﺧﺮ.. وھﺎ ھﻮ ذا اﻟﻨﮭﺎر ﯾﻔﺎﺟﺌﻨﻲ ﺑﻀﺠﯿﺠﮫ اﻻﻋﺘﯿﺎدي ،وﺑﻀﻮﺋﮫ اﻟﻤﺒﺎﻏﺖ اﻟﺬي ﯾﺪﺧﻞ اﻟﻨﻮر إﻟﻰ أﻋﻤﺎﻗﻲ ﻏﺼﺒﺎً ﻋﻨﻲ ،ﻓﺄﺷﻌﺮ أﻧﮫ ﯾﺨﺘﻠﺲ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻨﻲ. ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ..أﻛﺮه ھﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻔﻀﻮﻟﻲ واﻟﻤﺤﺮج ﻟﻠﺸﻤﺲ. أرﯾﺪ أن أﻛﺘﺐ ﻋﻨﻚ ﻓﻲ اﻟﻌﺘﻤﺔ .ﻗﺼﺘﻲ ﻣﻌﻚ ﺷﺮﯾﻂ ﻣﺼﻮر أﺧﺎف أن ﯾﺤﺮﻗﮫ اﻟﻀﻮء وﯾﻠﻐﯿﮫ ،ﻷﻧﻚ اﻣﺮأة ﻧﺒﺘﺖ ﻓﻲ دھﺎﻟﯿﺰي اﻟﺴﺮﯾﺔ.. ﻷﻧﻚ اﻣﺮأة اﻣﺘﻠﻜﺘﮭﺎ ﺑﺸﺮﻋﯿﺔ اﻟﺴﺮﯾﺔ.. ﻻ ﺑﺪ أن أﻛﺘﺐ ﻋﻨﻚ ﺑﻌﺪ أن أﺳﺪل ﻛﻞّ اﻟﺴﺘﺎﺋﺮ ،وأﻏﻠﻖ ﻧﻮاﻓﺬ ﻏﺮﻓﺘﻲ. ورﻏﻢ ذﻟﻚ ..ﯾﺴﻌﺪﻧﻲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻣﻨﻈﺮ اﻷوراق اﻟﻤﻜﺪﺳﺔ أﻣﺎﻣﻲ ،واﻟﺘﻲ ﻣﻸﺗﮭﺎ اﻟﺒﺎرﺣﺔ ،ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﻧﺬرﺗﮭﺎ ﻟﻠﺠﻨﻮن .ﻓﻘﺪ أھﺪﯾﺘﮭﺎ ﻟﻚ ﻣﻐﻠّﻔﺔ ﺑﺼﻮرة ﻣﮭﺬﺑﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب.. وأدري.. أدري أﻧﱠﻚ ﺗﻜﺮھﯿﻦ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻤﮭﺬّﺑﺔ ﺟﺪاً ..وأﻧﱠﻚ أﻧﺎﻧﯿﺔ ﺟﺪاً ..وأن ﻻ ﺷﻲء ﯾﻌﻨﯿﻚ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،ﺧﺎرج ﺣﺪودك أﻧﺖ ..وﺟﺴﺪك أﻧﺖ. وﻟﻜﻦ ﻗﻠﯿﻼً ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ ﺳﯿّﺪﺗﻲ. ﺻﻔﺤﺎت أﺧﺮى ﻓﻘﻂ ..ﺛﻢ أﻋﺮﱢي أﻣﺎﻣﻚ ذاﻛﺮﺗﻲ اﻷﺧﺮى .ﺻﻔﺤﺎت أﺧﺮى ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﮭﺎ، ﻗﺒﻞ أن أﻣﻸك ﻏﺮوراً ..وﺷﮭﻮة ..وﻧﺪﻣﺎً وﺟﻨﻮﻧﺎً .ﻓﺎﻟﻜﺘﺐ ﻛﻮﺟﺒﺎت اﻟﺤﺐّ ..ﻻ ﺑﺪّ ﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﻣﻘﺪّﻣﺎت أﯾﻀﺎً ..وإن ﻛﻨﺖ أﻋﺘﺮف أنّ "اﻟﻤﻘﺪﻣﺎت" ﻟﯿﺴﺖ ﻣﺸﻜﻠﺘﻲ اﻵن ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﯾﺮﺑﻜﻨﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﻟﮭﺬه اﻟﻘﺼﺔ.
ﻣﻦ أﯾﻦ أﺑﺪأ ﻗﺼﺘﻲ ﻣﻌﻚ؟ وﻟﻘﺼﺘﻚ ﻣﻌﻲ ﻋﺪّة ﺑﺪاﯾﺎت ،ﺗﺒﺪأ ﻣﻊ اﻟﻨﮭﺎﯾﺎت ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ وﻣﻊ ﻣﻘﺎﻟﺐ اﻟﻘﺪر. وﻋﻨﺪﻣﺎ أﺗﺤﺪث ﻋﻨﻚ ..ﻋﻤّﻦ ﺗﺮاﻧﻲ أﺗﺤﺪﱠث؟ أﻋﻦ ﻃﻔﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺒﻮ ﯾﻮﻣﺎً ﻋﻨﺪ ﻗﺪﻣﻲ.. أم ﻋﻦ ﺻﺒﯿﺔ ﻗﻠﺒﺖ ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺲ وﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ ﺣﯿﺎﺗﻲ ..أم ﻋﻦ اﻣﺮأة ﺗﻜﺎد ﺗﺸﺒﮭﻚ، أﺗﺄﻣﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﻼف ﻛﺘﺎب أﻧﯿﻖ ﻋﻨﻮاﻧﮫ "ﻣﻨﻌﻄﻒ اﻟﻨﺴﯿﺎن" ..وأﺗﺴﺎءل :أﺗﺮاھﺎ ﺣﻘﺎً ..أﻧﺖِ؟ وﻋﻨﺪﻣﺎ أﺳﻤﯿﻚ ﻓﺒﺄي اﺳﻢ؟ ﺗُﺮى أدﻋﻮك ﺑﺬﻟﻚ اﻻﺳﻢ اﻟﺬي أراده واﻟﺪك ،وذھﺒﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻷﺳﺠﻠﮫ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﮫ ﻓﻲ ﺳﺠﻼت اﻟﺒﻠﺪﯾﺔ ،أم ﺑﺎﺳﻤﻚ اﻷول ،ذﻟﻚ اﻟﺬي ﺣﻤﻠﺘﮫ ﺧﻼل ﺳﺘﺔ أﺷﮭﺮ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر اﺳﻢ ﺷﺮﻋﻲ آﺧﺮ؟ "ﺣﯿﺎة".. ﺳﺄدﻋﻮك ھﻜﺬا ..ﻟﯿﺲ ھﺬا اﺳﻤﻚ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل .إﻧﮫ أﺣﺪ أﺳﻤﺎﺋﻚ ﻓﻘﻂ ..ﻓﻸﺳﻤﯿﻨﱠﻚ ﺑﮫ إذن ﻣﺎدام ھﺬا اﻻﺳﻢ اﻟﺬي ﻋﺮﻓﺘﻚ ﺑﮫ ،واﻻﺳﻢ اﻟﺬي أﻧﻔﺮد ﺑﻤﻌﺮﻓﺘﮫ .اﺳﻤﻚ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﺪاول ﻋﻠﻰ اﻷﻟﺴﻨﺔ ،وﻏﯿﺮ اﻟﻤﺴﺠّﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﻜﺘﺐ واﻟﻤﺠﻼت ،وﻻ ﻓﻲ أيّ ﺳﺠﻼت رﺳﻤﯿﺔ. اﻻﺳﻢ اﻟﺬي ﻣُﻨﺤﺘﮫ ﻟﺘﻌﯿﺸﻲ وﻟﯿﻤﻨﺤﻚ اﷲ اﻟﺤﯿﺎة واﻟﺬي ﻗﺘﻠﺘﮫ أﻧﺎ ذات ﯾﻮم ،وأﻧﺎ أﻣﻨﺤﻚ اﺳﻤﺎً رﺳﻤﯿﺎً آﺧﺮ ،وﻣﻦ ﺣﻘﻲ أن أﺣﯿﯿﮫ اﻟﯿﻮم ،ﻷﻧﮫ ﻟﻲ وﻟﻢ ﯾُﻨﺎدِكِ رﺟﻞ ﻗﺒﻠﻲ ﯾﮫ. اﺳﻤﻚ اﻟﻄﻔﻮﻟﻲ اﻟﺬي ﯾﺤﺒﻮ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻲ ،وﻛﺄﻧﻚ أﻧﺖ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ وﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ. وﻛﻠﻤﺎ ﻟﻔﻈﺘﮫ ،ﻋﺪت ﻃﻔﻠﺔ ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻲ وﺗﻌﺒﺚ ﺑﺄﺷﯿﺎﺋﻲ وﺗﻘﻮل ﻟﻲ ﻛﻼﻣﺎً ﻻ أﻓﮭﻤﮫ.. ﻓﺄﻏﻔﺮ ﻟﻚ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﻛﻞّ ﺧﻄﺎﯾﺎك. ﻛﻠﻤﺎ ﻟﻔﻈﺘﮫ ﺗﺪﺣﺮﺟﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﻋﺪت ﺻﻐﯿﺮة ﻓﻲ ﺣﺠﻢ دﻣﯿﺔ ..وإذا ﺑﻚ اﺑﻨﺘﻲ. ھﻞ أﻗﺮأ ﻛﺘﺎﺑﻚ ﻷﻋﺮف ﻛﯿﻒ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﻔﻠﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة إﻟﻰ اﻣﺮأة؟ وﻟﻜﻨﱠﻨﻲ أﻋﺮف ﻣﺴﺒﻘﺎً أﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻜﺘﺒﻲ ﻋﻦ ﻃﻔﻮﻟﺘﻚ ..وﻻ ﻋﻦ ﺳﻨﻮاﺗﻚ اﻷوﻟﻰ. أﻧﺖ ﺗﻤﻠﺌﯿﻦ ﺛﻘﻮب اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﻔﺎرﻏﺔ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت ﻓﻘﻂ ،وﺗﺘﺠﺎوزﯾﻦ اﻟﺠﺮاح ﺑﺎﻟﻜﺬب، ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ھﺬا ﺳﺮ ﺗﻌﻠﻘﻚ ﺑﻲ؛ أﻧﺎ اﻟﺬي أﻋﺮف اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﻤﻔﻘﻮدة ﻣﻦ ﻋﻤﺮك ،وأﻋﺮف ذﻟﻚ اﻷب اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﺮﯾﮫ ﺳﻮى ﻣﺮﱠات ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻚ ،وﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﺗﺴﻜﻨﯿﻨﮭﺎ وﻻ ﺗﺴﻜﻨﻚ ،وﺗﻌﺎﻣﻠﯿﻦ أزﻗﱠََﺘﮭﺎ دون ﻋﺸﻖ ،وﺗﻤﺸﯿﻦ وﺗﺠﯿﺌﯿﻦ ﻋﻠﻰ ذاﻛﺮﺗﮭﺎ دون اﻧﺘﺒﺎه.
أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻘﺖِ ﺑﻲ ﻟﺘﻜﺘﺸﻔﻲ ﻣﺎ ﺗﺠﮭﻠﯿﻨﮫ ..وأﻧﺎ اﻟﺬي ﺗﻌﻠّﻘﺖ ﺑﻚ ﻷﻧﺴﻰ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻋﺮﻓﮫ ..أﻛﺎن ﻣﻤﻜﻨﺎً ﻟﺤﺒﻨﺎ أن ﯾﺪوم؟ ﻛﺎن )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ﻃﺮﻓﺎً ﺛﺎﻟﺜﺎً ﻓﻲ ﻗﺼﺘﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺪء ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﮫ ،ﻛﺎن ﺑﯿﻨﻨﺎ ﺣﺎﺿﺮاً ﺑﻐﯿﺎﺑﮫ ،ﻓﮭﻞ أﻗﺘﻠﮫ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻷﺗﻔﺮﱠد ﺑﻚ؟ آه ﻟﻮ ﺗﺪرﯾﻦ ..ﻟﻮ ﺗﺪرﯾﻦ ﻣﺎ أﺛﻘﻞ ﺣﻤﻞ اﻟﻮﺻﺎﯾﺎ ،ﺣﺘﱠﻰ ﺑﻌﺪ رﺑﻊ ﻗﺮن ،وﻣﺎ أوﺟﻊ اﻟﺸﮭﻮة اﻟﺘﻲ ﯾﻮاﺟﮭﮭﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺤﯿﻞ وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺒﺪأ ﻓﻼ ﯾﺰﯾﺪھﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ إﻻ ...اﺷﺘﮭﺎء! ﻛﺎن اﻟﺴﺆال ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﯾﺔ.. ﻛﯿﻒ ﻟﻲ أن أﻟﻐﻲ )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( م ذاﻛﺮﺗﻲ ،وأﻟﻐﻲ ﻋﻤﺮه ﻣﻦ ﻋﻤﺮي ،ﻷﻣﻨﺢ ﺣﺒّﻨﺎ ﻓﺮﺻﺔ وﻻدة ﻃﺒﯿﻌﯿﺔ؟ وﻟﻜﻦ ..ﻣﺎ اﻟﺬي ﺳﯿﺒﻘﻰ وﻗﺘﮭﺎ ،ﻟﻮ أﺧﺮﺟﺘﻚ ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻨﺎ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ وﺣﻮﻟﺘﻚ إﻟﻰ ﻓﺘﺎة ﻋﺎدﯾﺔ؟ ﻛﺎن واﻟﺪك رﻓﯿﻘﺎً ﻓﻮق اﻟﻌﺎدة ..وﻗﺎﺋﺪاً ﻓﻮق اﻟﻌﺎدة. ﻛﺎن اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺎً ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ وﻓﻲ ﻣﻮﺗﮫ .ﻓﮭﻞ أﻧﺴﻰ ذﻟﻚ؟ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺎھﺪﯾﻦ اﻟﺬﯾﻦ رﻛﺒﻮا اﻟﻤﻮﺟﺔ اﻷﺧﯿﺮة ،ﻟﻀﻤﻨﻮا ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﮭﻢ ،ﻣﺠﺎھﺪي ) (62وأﺑﻄﺎل اﻟﻤﻌﺎرك اﻷﺧﯿﺮة .وﻻ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺷﮭﺪاء اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ ،اﻟﺬﯾﻦ ﻓﺎﺟﺄھﻢ اﻟﻤﻮت ﻓﻲ ﻗﺼﻒ ﻋﺸﻮاﺋﻲ ،أو ﻓﻲ رﺻﺎﺻﺔ ﺧﺎﻃﺌﺔ. ﻛﺎن ﻣﻦ ﻃﯿﻨﺔ دﯾﺪوش ﻣﺮاد ،وﻣﻦ ﻋﺠﯿﻨﺔ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻦ ﻣﮭﯿﺪي ،وﻣﺼﻄﻔﻰ ﺑﻦ ﺑﻮﻟﻌﯿﺪ، اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺬھﺒﻮن إﻟﻰ اﻟﻤﻮت وﻻ ﯾﻨﺘﻈﺮون أن ﯾﺄﺗﯿﮭﻢ. ﻓﮭﻞ أﻧﺴﻰ أﻧّﮫ واﻟﺪك ..وﺳﺆاﻟﻚ اﻟﺪاﺋﻢ ﯾﻌﯿﺪ ﻻﺳﻤﮫ ھﯿﺒﺘﮫ ﺣﯿﺎً وﺷﮭﯿﺪاً؟ ﻓﯿﺮﺗﺒﻚ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺬي أﺣﺒّﻚ ﺣﺪّ اﻟﺠﻨﻮن .وﯾﺒﻘﻰ ﺻﺪى ﺳﺆاﻟﻚ ﻣﺎﺋﻼً" ...ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻋﻨﮫ".. ﺳﺄﺣﺪﺛﻚ ﻋﻨﮫ ﺣﺒﯿﺒﺘﻲ ..ﻓﻼ أﺳﮭﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ اﻟﺸﮭﺪاء .ﺗﺎرﯾﺨﮭﻢ ﺟﺎھﺰ وﻣﻌﺮوف ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻛﺨﺎﺗﻤﺘﮭﻢ .وﻧﮭﺎﯾﺘﮭﻢ ﺗﻐﻔﺮ ﻟﮭﻢ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻜﻮﻧﻮا ﻗﺪ ارﺗﻜﺒﻮا ﻣﻦ أﺧﻄﺎء. ﺳﺄﺣﺪﱢﺛﻚ ﻋﻦ )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ).. ﻓﻮﺣﺪه ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺸﮭﺪاء ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ ،وﻣﺎ ﺗﻼه ﺗﺎرﯾﺦ آﺧﺮ ﯾﺼﺎدر اﻷﺣﯿﺎء .وﺳﯿﻜﺘﺒﮫ ﺟﯿﻞ ﻟﻢ ﯾﻌﺮف اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ وﻟﻜﻨﮫ ﺳﯿﺴﺘﻨﺘﺠﮭﺎ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً ..ﻓﮭﻨﺎك ﻋﻼﻣﺎت ﻻ ﺗﺨﻄﺊ. ﻣﺎت )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ﻃﺎھﺮاً ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺎت اﻻﺳﺘﻘﻼل .ﻻ ﺷﻲء ﻓﻲ ﯾﺪه ﻏﯿﺮ ﺳﻼﺣﮫ .ﻻ ﺷﻲء ﻓﻲ ﺟﯿﻮﺑﮫ ﻏﯿﺮ أوراق ﻻ ﻗﯿﻤﺔ ﻟﮭﺎ ..ﻻ ﺷﻲء ﻋﻠﻰ أﻛﺘﺎﻓﮫ ﺳﻮى وﺳﺎم اﻟﺸﮭﺎدة.
اﻟﺮﻣﻮز ﺗﺤﻤﻞ ﻗﯿﻤﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺗﮭﺎ.. ووﺣﺪھﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻨﻮﺑﻮن ﻋﻨﮭﻢ ،ﯾﺤﻤﻠﻮن ﻗﯿﻤﺘﮭﻢ ﻓﻲ رﺗﺒﮭﻢ وأوﺳﻤﺘﮭﻢ اﻟﺸﺮﻓﯿّﺔ ،وﻣﺎ ﻣﻸوا ﺑﮫ ﺟﯿﻮﺑﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ﻣﻦ ﺣﺴﺎﺑﺎت ﺳﺮّﯾﺔ. ﺳﺖ ﺳﺎﻋﺎت ﻣﻦ اﻟﺤﺼﺎر واﻟﺘﻄﻮﯾﻖ ،وﻣﻨﻦ اﻟﻘﺼﻒ اﻟﻤﺮﻛّﺰ ﻟﺪﺷﺮة ﺑﺄﻛﻤﻠﮭﺎ ﻟﯿﺘﻤﻜﻦ ﻗﺘﻠﺘﮫ ﻣﻦ ﻧﺸﺮ ﺻﻮرﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺎت ﺟﺮاﺋﺪ اﻟﻐﺪ ﻛﺪﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ اﻧﺘﺼﺎراﺗﮭﻢ اﻟﺴﺎﺣﻘﺔ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ اﻟﻤﺨﺮّﺑﯿﻦ و "اﻟﻔﻠﱠﺎﻗﺔ" اﻟﺬﯾﻦ أﻗﺴﻤﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ أن ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻠﯿﮭﻢ.. أﻛﺎن ﺣﻘﺎً ﻣﻮت ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺒﺴﯿﻂ اﻧﺘﺼﺎراً ﻟﻘﻮة ﻋﻈﻤﻰ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺘﺨﺴﺮ ﺑﻌﺪ ﺑﻀﻌﺔ أﺷﮭﺮ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﺑﺄﻛﻤﻠﮭﺎ؟! اﺳﺘﺸﮭﺪ ھﻜﺬا ﻓﻲ ﺻﯿﻒ ،1960دون أن ﯾﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﻨﺼﺮ وﻻ ﺑﻘﻄﻒ ﺛﻤﺎره. ھﺎ ھﻮ رﺟﻞ أﻋﻄﻰ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻛﻞّ ﺷﻲء ،وﻟﻢ ﺗﻌﻄﮫ ﺣﺘﻰ ﻓﺮﺻﺔ أن ﯾﺮى اﺑﻨﮫ ﯾﻤﺸﻲ إﻟﻰ ﺟﻮاره.. أو ﯾﺮاك أﻧﺖ رﺑﻤﺎ ﻃﺒﯿﺒﺔ أو أﺳﺘﺎذة ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺤﻠﻢ. ﻛﻢ أﺣﺒّﻚ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ! ﺑﺠﻨﻮن أﺑﻮّة اﻷرﺑﻌﯿﻦ ..ﺑﺤﻨﺎن اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺨﻔﻲ ﺧﻠﻒ ﺻﺮاﻣﺘﮫ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻨﺎن، ﺑﺄﺣﻼم اﻟﺬي ﺻﻮدرت ﻣﻨﮫ اﻷﺣﻼم ،ﺑﺰھﻮ اﻟﻤﺠﺎھﺪ اﻟﺬي أدرك وھﻮ ﯾﺮى ﻣﻮﻟﺪه اﻷول ،أﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﻤﻮت ﺗﻤﺎﻣﺎً ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم. ﻣﺎزﻟﺖ أذﻛﺮ اﻟﻤﺮّات اﻟﻘﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺤﻀﺮ ﻓﯿﮭﺎ إﻟﻰ ﺗﻮﻧﺲ ﻟﺰﯾﺎرﺗﻜﻢ ﺧﻠﺴﺔ ﻟﯿﻮم واﺣﺪ أو ﻟﯿﻮﻣﯿﻦ. وﻛﻨﺖ وﻗﺘﮭﺎ أﺳﺮع إﻟﯿﮫ ﻣﺘﻠﮭﱢﻔﺎً ﻟﺴﻤﺎع آﺧﺮ اﻷﺧﺒﺎر ،وﺗﻄﻮرات اﻷﺣﺪاث ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﮭﺔ .وأﻧﺎ أﺟﮭﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ ﺣﺘﻰ ﻻ أﺳﺮق ﻣﻨﮫ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺎت اﻟﻘﻠﯿﻠﺔ اﻟﻨﺎدرة ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻐﺎﻣﺮ ﺑﺤﯿﺎﺗﮫ ﻟﯿﻘﻀﯿﮭﺎ ﺑﺮﻓﻘﺔ ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ اﻟﺼﻐﯿﺮة. ﻛﻨﺖ أﻧﺪھﺶ وﻗﺘﮭﺎ ،وأﻧﺎ أﻛﺘﺸﻒ ﻓﯿﮫ رﺟﻼً آﺧﺮ ﻻ أﻋﺮﻓﮫ. رﺟﻞ ﺑﺜﯿﺎب أﺧﺮى ،ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ وﻛﻠﻤﺎت أﺧﺮى ،وﺑﺠﻠﺴﺔ ﯾﺴﮭﻞ ﻟﮫ ﻓﯿﮭﺎ إﺟﻼﺳﻚ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﮫ ﻃﻮال اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻤﻼﻋﺒﺘﻚ. ﻛﺎن ﯾﻌﯿﺶ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﮭﺎ ،وﻛﺄﻧﮫ ﯾﻌﺘﺮ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺸﺤﯿﺢ ﻛﻞ ﻗﻄﺮات اﻟﺴﻌﺎدة؛ وﻛﺄﻧﮫ ﯾﺴﺮق ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﻣﺴﺒﻘﺎً ،ﺳﺎﻋﺎت ﯾﻌﺮﻓﮭﺎ ﻣﻌﺪودة؛ وﯾﻤﻨﺤﻚ ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻣﻦ اﻟﺤﻨﺎن زادك ﻟﻌﻤﺮ ﻛﺎﻣﻞ. ﻛﺎﻧﺖ آﺧﺮ ﻣﺮة رأﯾﺘﮫ ﻓﯿﮭﺎ ،ﻓﻲ ﯾﻨﺎﯾﺮ ﺳﻨﺔ . 1960وﻛﺎن ﺣﻀﺮ ﻟﯿﺸﮭﺪ أھﻢ ﺣﺪث ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ؛ ﻟﯿﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻟﻮده اﻟﺜﺎﻧﻲ "ﻧﺎﺻﺮ" ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻨﯿﺘﮫ اﻟﺴﺮﯾﺔ أن ﯾُﺮزق ﯾﻮﻣﺎً ﺑﻜﺮ .ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻟﺴﺒﺐ ﻏﺎﻣﺾ ﺗﺄﻣﻠﺘﮫ ﻛﺜﯿﺮاً ..وﺣﺪﱠﺛﺘﮫ ﻗﻠﯿﻼً ..وﻓﻀّﻠﺖ أن أﺗﺮﻛﮫ
ﻟﻔﺮﺣﺘﮫ ﺗﻠﻚ ،وﻟﺴﻌﺎدﺗﮫ اﻟﻤﺴﺮوﻗﺔ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺪت ﻓﻲ اﻟﻐﺪ ،ﻗﯿﻞ ﻟﻲ إﻧّﮫ ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﺠﺒﮭﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ﻣﺆﻛﺪاً أﻧﮫ ﺳﯿﻌﻮد ﻗﺮﯾﺒﺎً ﻟﻤﺪة أﻃﻮل. وﻟﻢ ﯾﻌﺪ.. اﻧﺘﮭﻰ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻛﺮم اﻟﻘﺪر اﻟﺒﺨﯿﻞ .ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺸﮭﺪ )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ﺑﻌﺪ ﺑﻀﻌﺔ أﺷﮭﺮ دون أن ﯾﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ رؤﯾﺔ اﺑﻨﮫ ﻣﺮّة ﺛﺎﻧﯿﺔ. ﻛﺎن ﻧﺎﺻﺮ آﻧﺬاك ﯾﻨﮭﻲ ﺷﮭﺮه اﻟﺜﺎﻣﻦ ،وأﻧﺖ ﺗﺪﺧﻠﯿﻦ ﻋﺎﻣﻚ اﻟﺨﺎﻣﺲ. وﻛﺎن اﻟﻮﻃﻦ ﻓﻲ ﺻﯿﻒ 1960ﺑﺮﻛﺎﻧﺎً ﯾﻤﻮت وﯾﻮﻟﺪ ﻛﻞّ ﯾﻮم .وﺗﺘﻘﺎﻃﻊ ﻣﻊ ﻣﻮﺗﮫ وﻣﯿﻼده ،أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﺔ ،ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻣﺆﻟﻢ وﺑﻌﻀﮭﺎ ﻣﺪھﺶ.. وﺑﻌﻀﮭﺎ ﯾﺄﺗﻲ ﻣﺘﺄﺧﺮاً ﻛﻤﺎ ﺟﺎءت ﻗﺼﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﻃﻌﺖ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻣﻌﻚ. ﻗﺼﺔ ﻓﺮﻋﯿﺔ ،ﻛﺘﺒﺖ ﻣﺴﺒﻘﺎً وﺣﻮﻟﺖ ﻣﺴﺎر ﺣﯿﺎﺗﻲ ﺑﻌﺪ ﻋﻤﺮ ﺑﺄﻛﻤﻠﮫ ،ﺑﺤﻜﻢ ﺷﻲء ﻗﺪ ﯾﻜﻮن اﺳﻤﮫ اﻟﻘﺪر ،وﻗﺪ ﯾﻜﻮن اﻟﻌﺸﻖ اﻟﺠﻨﻮﻧﻲ .. ذاك اﻟﺬي ﯾﻔﺎﺟﺌﻨﺎ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ ﻻ ﻧﺘﻮﻗﻊ ،ﻣﺘﺠﺎھﻼً ﻛﻞّ ﻣﺒﺎدﺋﻨﺎ وﻗﯿﻤﻨﺎ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ. واﻟﺬي ﯾﺄﺗﻲ ﻣﺘﺄﺧﺮاً ..ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻧﻌﻮد ﻧﻨﺘﻈﺮ ﻓﯿﮭﺎ ﺷﯿﺌﺎً؛ وإذا ﺑﮫ ﯾﻘﻠﺐ ﻓﯿﻨﺎ ﻛﻞّ ﺷﻲء. ﻓﮭﻞ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻲ اﻟﯿﻮم ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻗﻄﻌﺖ ﺑﯿﻨﻨﺎ اﻷﯾﺎم ﺟﺴﻮر اﻟﻜﻼم ،أن أﻗﺎوم ھﺬه اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﺠﻨﻮﻧﯿﺔ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ھﺎﺗﯿﻦ اﻟﻘﺼﺘﯿﻦ ﻣﻌﺎً ،ﻛﻤﺎ ﻋﺸﺘﮭﻤﺎ ﻣﻌﻚ ودوﻧﻚ ،ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺴﻨﻮات.. رﻏﺒﺔً ..وﻋﺸﻘﺎً ..وﺣﻠﻤﺎً ..وﺣﻘﺪاً ..وﻏﯿﺮةً ..وﺧﯿﺒﺔً ..وﻓﺠﺎﺋﻊ ﺣﺪّ اﻟﻤﻮت. أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﺗﺤﺒّﯿﻦ اﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﻲّ.. وﺗﻘﻠﺒﯿﻨﻨﻲ ﻛﺪﻓﺘﺮ ﻗﺪﯾﻢ ﻟﻠﺪھﺸﺔ. ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن أﻛﺘﺐ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ،ﻷﻗﻮل ﻟﻚ ﻣﺎ ﻟﻢ أﺟﺪ ﻣﺘﱠﺴﻌﺎً ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﻷﻗﻮﻟﮫ. ﺳﺄﺣﺪﺛﻚ ﻋﻦ اﻟﺬﯾﻦ أﺣﺒّﻮك ﻷﺳﺒﺎب ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﺧﻨﺘﮭﻢ ﻷﺳﺒﺎب ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ أﺧﺮى. ﺳﺄﺣﺪﺛﻚ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ زﯾﺎد ،أﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﺤﺒﱢﯿﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻨﮫ وﺗﺮاوﻏﯿﻦ؟ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻣﻦ ﺿﺮورة اﻵن ﻟﻠﻤﺮاوﻏﺔ ..ﻟﻘﺪ اﺧﺘﺎر ﻛﻞّ ﻣﻨﺎ ﻗﺪره. ﺳﺄﺣﺪﺛﻚ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺮﻓﺎً ﻓﻲ ﺣﺒّﻨﺎ ،واﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺳﺒﺒﺎً ﻓﻲ ﻓﺮاﻗﻨﺎ ،واﻧﺘﮭﻲ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺸﮭﺪ ﺧﺮاﺑﻨﺎ اﻟﺠﻤﯿﻞ. ﻓﻌﻢّ ﺗﺮاك ﺳﺘﺘﺤﺪﺛﯿﻦ؟ ﻋﻦ أيّ رﺟﻞ ﻣﻨﱠﺎ ﺗﺮاك ﻛﺘﺒﺖ؟ ﻣَﻦْ ﻣﻨﱠﺎ أﺣﺒﺒﺖ؟
وﻣﻦ ..ﻣﻨّﺎ ﺳﺘﻘﺘﻠﯿﻦ؟ وﻟﻤﻦ ﺗﺮاك أﺧﻠﺼﺖ ،أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺒﺪﻟﯿﻦ ﺣﺒّﺎً ﺑﺤﺐّ ،وذاﻛﺮة ﺑﺄﺧﺮى ،وﻣﺴﺘﺤﯿﻼً ﺑﻤﺴﺘﺤﯿﻞ؟ وأﯾﻦ أﻧﺎ ﻓﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﺸﻘﻚ وﺿﺤﺎﯾﺎك؟ ﺗﺮاﻧﻲ أﺷﻐﻞ اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ اﻷوﻟﻰ ،ﻷﻧﻨﻲ أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻷوﻟﻰ؟ ﺗﺮاﻧﻲ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻤﺰورة ﻟـ )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﺤﻮّﻟﮭﺎ اﻻﺳﺘﺸﮭﺎد إﻟﻰ ﻧﺴﺨﺔ ﻃﺒﻖ اﻷﺻﻞ؟ ﺗﺮاﻧﻲ اﻷﺑﻮة اﻟﻤﺰورة ..أم اﻟﺤﺐ اﻟﻤﺰوّر؟ أﻧﺖ اﻟﺘﻲ _ﻛﮭﺬا اﻟﻮﻃﻦ_ ﺗﺤﺘﺮﻓﯿﻦ ﺗﺰوﯾﺮ اﻷوراق وﻗﻠﺒﮭﺎ ..دون ﺟﮭﺪ. ﻛﺎن "ﻣﻮﻧﺘﯿﺮﻻن" ﯾﻘﻮل: "إذا ﻛﻨﺖ ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ ﻗﺘﻞ ﻣﻦ ﺗﺪّﻋﻲ ﻛﺮاھﯿﺘﮫ ،ﻓﻼ ﺗﻘﻞ إﻧﱠﻚ ﺗﻜﺮھﮫ :أﻧﺖ ﺗﻌﮭّﺮ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ!". دﻋﯿﻨﻲ أﻋﺘﺮف ﻟﻚ أﻧﻨﻲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ أﻛﺮھﻚ ،وأﻧّﮫ ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪّ أن أﻛﺘﺐ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻷﻗﺘﻠﻚ ﺑﮫ أﯾﻀﺎً .دﻋﯿﻨﻲ أﺟﺮّب أﺳﻠﺤﺘﻚ.. ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ..ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮواﯾﺎت ﻣﺴﺪّﺳﺎت ﻣﺤﺸﻮّة ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻘﺎﺗﻠﺔ ﻻ ﻏﯿﺮ؟. وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﻠﻤﺎت رﺻﺎﺻﺎً أﯾﻀﺎً؟ وﻟﻜﻨﱠﻨﻲ ﻟﻦ أﺳﺘﻌﻤﻞ ﻣﻌﻚ ﻣﺴﺪﺳﺎً ﺑﻜﺎﺗﻢ ﺻﻮت ،ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﻚ. ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﺮﺟﻞ ﯾﺤﻤﻞ اﻟﺴﻼح ﺑﻌﺪ ھﺬا اﻟﻌﻤﺮ ،أن ﯾﺄﺧﺬ ﻛﻞّ ھﺬه اﻻﺣﺘﯿﺎﻃﺎت. أرﯾﺪ ﻟﻤﻮﺗﻚ وﻗﻌﺎً ﻣﺪوﯾﺎً ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎن.. ﻓﺄﻧﺎ أﻗﺘﻞ ﻣﻌﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ ،ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن ﯾﺠﺮؤ أﺣﺪ ﻋﻠﻰ إﻃﻼق اﻟﻨﺎر ﻋﻠﯿﮭﻢ ﯾﻮﻣﺎً. ﻓﺎﻗﺮأي ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺣﺘﻰ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،ﺑﻌﺪھﺎ ﻗﺪ ﺗﻜﻔّﯿﻦ ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺮواﯾﺎت اﻟﻮھﻤﯿﺔ. وﻃﺎﻟﻌﻲ ﻗﺼﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ.. دھﺸﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ،وﺟﺮﺣﺎً ﺑﻌﺪ آﺧﺮ ،ﻓﻠﻢ ﯾﺤﺪث ﻷدﺑﻨﺎ اﻟﺘﻌﯿﺲ ھﺬا ،أن ﻋﺮف ﻗﺼﺔ أروع ﻣﻨﮭﺎ.. وﻻ ﺷﮭﺪ ﺧﺮاﺑﺎً أﺟﻤﻞ.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻛﺎن ﯾﻮم ﻟﻘﺎﺋﻨﺎ ﯾﻮﻣﺎً ﻟﻠﺪھﺸﺔ.. ﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﻘﺪر ﻓﯿﮫ ھﻮ اﻟﻄﺮف اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻛﺎن ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪء اﻟﻄﺮف اﻷول .أﻟﯿﺲ ھﻮ اﻟﺬي أﺗﻰ ﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﺪن أﺧﺮى ،ﻣﻦ زﻣﻦ آﺧﺮ وذاﻛﺮة أﺧﺮى ،ﻟﯿﺠﻤﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ ﺑﺒﺎرﯾﺲ، ﻓﻲ ﺣﻔﻞ اﻓﺘﺘﺎح ﻣﻌﺮض ﻟﻠﺮﺳﻢ؟ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻛﻨﺖ أﻧﺎ اﻟﺮﺳﺎم ،وﻛﻨﺖ أﻧﺖ زاﺋﺮة ﻓﻀﻮﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺻﻌﯿﺪ. ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻓﺘﺎة ﺗﻌﺸﻖ اﻟﺮﺳﻢ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺘﺤﺪﯾﺪ .وﻻ ﻛﻨﺖ أﻧﺎ رﺟﻼً ﯾﺸﻌﺮ ﺑﻀﻌﻒ ﺗﺠﺎه اﻟﻔﺘﯿﺎت اﻟﻼﺋﻲ ﯾﺼﻐﺮﻧﮫ ﻋﻤﺮاً .ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﻗﺎد ﺧﻄﺎك ھﻨﺎك ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم؟ ..وﻣﺎ اﻟﺬي أوﻗﻒ ﻧﻈﺮي ﻃﻮﯾﻼً أﻣﺎم وﺟﮭﻚ؟ ﻛﻨﺖ رﺟﻼً ﺗﺴﺘﻮﻗﻔﮫ اﻟﻮﺟﻮه ،ﻷن وﺟﻮھﻨﺎ وﺣﺪھﺎ ﺗﺸﺒﮭﻨﺎ ،وﺣﺪھﺎ ﺗﻔﻀﺤﻨﺎ ،وﻟﺬا ﻛﻨﺖ ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ أن أﺣﺐّ أو أﻛﺮه ﺑﺴﺒﺐ وﺟﮫ. وﺑﺮﻏﻢ ذﻟﻚ ،ﻟﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ﻷﻗﻮل إﻧﻨﻲ أﺣﺒﺘﻚ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮة اﻷوﻟﻰ .ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﻗﻮل إﻧﻨﻲ أﺣﺒﺘﻚ ،ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﻈﺮة اﻷوﻟﻰ. ﻛﺎن ﻓﯿﻚ ﺷﻲء ﻣﺎ أﻋﺮﻓﮫ ،ﺷﻲء ﻣﺎ ﯾﺸﺪﻧﻲ إﻟﻰ ﻣﻼﻣﺤﻚ اﻟﻤﺤﺒﺒﺔ إﻟﻲّ ﻣﺴﺒﻘﺎً ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺣﺒﺒﺖ ﯾﻮﻣﺎً اﻣﺮأة ﺗﺸﺒﮭﻚ .أو ﻛﺄﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﺴﺘﻌﺪاًَ ﻣﻨﺬ اﻷزل ﻷﺣﺐّ اﻣﺮأة ﺗﺸﺒﮭﻚ ﺗﻤﺎﻣﺎً. ﻛﺎن وﺟﮭﻚ ﯾﻄﺎردﻧﻲ ﺑﯿﻦ ﻛﻞّ اﻟﻮﺟﻮه ،وﺛﻮﺑﻚ اﻷﺑﯿﺾ اﻟﻤﺘﻨﻘّﻞ ﻣﻦ ﻟﻮﺣﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى، ﯾﺼﺒﺢ ﻟﻮن دھﺸﺘﻲ وﻓﻀﻮﻟﻲ.. واﻟﻠﻮن اﻟﺬي ﯾﺆﺛّﺚ وﺣﺪه ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﻤﻸى ..ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ زاﺋﺮ وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻟﻮن. ھﻞ ﯾﻮﻟﺪ اﻟﺤﺐّ أﯾﻀﺎً ﻣﻦ ﻟﻮنٍ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﺤﺒّﮫ ﺑﺎﻟﻀﺮورة_!وﻓﺠﺄة اﻗﺘﺮب اﻟﻠﻮن اﻷﺑﯿﺾ ﻣﻨّﻲ ،وراح ﯾﺘﺤﺪث ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﻣﻊ ﻓﺘﺎة أﺧﺮى ﻟﻢ أﻻﺣﻈﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ.. رﺑﱠﻤﺎ ﻷن اﻷﺑﯿﺾ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻠﺒﺲ ﺷﻌﺮاً ﻃﻮﯾﻼً ﺣﺎﻟﻜﺎً ،ﯾﻜﻮن ﻗﺪ ﻏﻄﱠﻰ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻷﻟﻮان.. ﻗﺎل اﻷﺑﯿﺾ وھﻮ ﯾﺘﺄﻣﻞ ﻟﻮﺣﺔ: !- Je prefere l'abstrait.. وأﺟﺎب اﻟﻠﻮن اﻟﺬي ﻻ ﻟﻮن ﻟﮫ: - moi je prefere comprendre ce que je vois.
وﻟﻢ ﺗﺪھﺸﻨﻲ ﺣﻤﺎﻗﺔ اﻟﻠﻮن اﻟﺬي ﻻ ﻟﻮن ﻟﮫ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻔﻀّﻞ أن ﯾﻔﮭﻢ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﯾﺮى.. أدھﺸﻨﻲ اﻟﻠﻮن اﻷﺑﯿﺾ ﻓﻘﻂ ..ﻓﻠﯿﺲ ﻣﻦ ﻃﺒﻌﮫ أن ﯾﻔﻀّﻞ اﻟﻐﻤﻮض! ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﻟﻢ ﯾﺤﺪث أن اﻧﺤﺰت ﻟﻠﻮن اﻷﺑﯿﺾ. ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻮﻣﺎً ﻟﻮﻧﻲ اﻟﻤﻔﻀﻞ ..ﻓﺄﻧﺎ أﻛﺮه اﻷﻟﻮان اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ. وﻟﻜﻨﻨﻲ آﻧﺬاك اﻧﺤﺰت إﻟﯿﻚ دون ﺗﻔﻜﯿﺮ. ووﺟﺪﺗﻨﻲ أﻗﻮل ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أواﺻﻞ ﺟﻤﻠﺔ ﺑﺪأﺗﮭﺎ أﻧﺖِ: اﻟﻔﻦ ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﮭﺰﻧﺎ ..وﻟﯿﺲ ﺑﺎﻟﻀﺮورة ﻛﻞّ ﻣﺎ ﻧﻔﮭﻤﮫ!ﻧﻈﺮﺗﻤﺎ إﻟﻲّ ﻣﻌﺎً ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺪھﺸﺔ ،وﻗﺒﻞ أن ﺗﻘﻮﻟﻲ ﺷﯿﺌﺎً ،ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﺎك ﺗﻜﺘﺸﻔﺎن ﻓﻲ ﻧﻈﺮة ﺧﺎﻃﻔﺔ ،ذراع ﺟﺎﻛﯿﺘﻲ اﻟﻔﺎرﻏﺔ واﻟﻤﺨﺘﺒﺊ ﻛﻤّﮫ ﺑﺤﯿﺎء ﻓﻲ ﺟﯿﺐ ﺳﺘﺮﺗﻲ. ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺗﻌﺮﯾﻔﻲ وأوراﻗﻲ اﻟﺜﺒﻮﺗﯿﺔ. ﻣﺪدت ﻧﺤﻮي ﯾﺪك ﻣﺼﺎﻓﺤﺔ وﻗﻠﺖ ﺑﺤﺮارة ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﻲ: ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أھﻨّﺌﻚ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻤﻌﺮض..وﻗﺒﻞ أن ﺗﺼﻠﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎﺗﻚ ..ﻛﺎن ﻧﻈﺮي ﻗﺪ ﺗﻮﻗﱠﻒ ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ اﻟﺴﻮار اﻟﺬي ﯾﺰﯾﻦ ﻣﻌﺼﻤﻚ اﻟﻌﺎري اﻟﻤﻤﺪود ﻧﺤﻮي. ﻛﺎن إﺣﺪى اﻟﺤﻠﻲّ اﻟﻘﺴﻨﻄﯿﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻌﺮف ﻣﻦ ذھﺒﮭﺎ اﻷﺻﻔﺮ اﻟﻤﻀﻔﻮر ،وﻣﻦ ﻧﻘﺸﺘﮭﺎ اﻟﻤﻤﯿﺰة .ﺗﻠﻚ "اﻟﺨﻼﺧﻞ" اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺨﻠﻮ ﻣﻨﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﺟﮭﺎز ﻋﺮوس وﻻ ﻣﻌﺼﻢ اﻣﺮأة ﻣﻦ اﻟﺸﺮق اﻟﺠﺰاﺋﺮي. ﻣﺪدت ﯾﺪي إﻟﯿﻚ دون أن أرﻓﻊ ﻋﯿﻨﻲ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻋﻨﮫ .وﻓﻲ ﻋﻤﺮ ﻟﺤﻈﺔ ،ﻋﺎدت ذاﻛﺮﺗﻲ ﻋﻤﺮاً إﻟﻰ اﻟﻮراء .إﻟﻰ ﻣﻌﺼﻢ( أﻣّﺎ( اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻔﺎرﻗﮫ ھﺬا اﻟﺴﻮار ﻗﻂ. وداھﻤﻨﻲ ﺷﻌﻮر ﻏﺎﻣﺾ ،ﻣﻨﺬ ﻣﺘﻰ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻮﻗﻒ ﻧﻈﺮي ﺳﻮار ﻛﮭﺬا؟ ﻟﻢ أﻋﺪ أذﻛﺮ ..رﺑﱠﻤﺎ ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﺳﻨﺔ! ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﺒﺎﻗﺔ ﺳﺤﺒﺖ ﯾﺪك اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺷﺪّ ﻋﻠﯿﮭﺎ رﺑﱠﻤﺎ دون أن أدري ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻣﺴﻚ ﺑﺸﻲء ﻣﺎ ،اﺳﺘﻌﺪﺗِﮫ ﻓﺠﺄة. واﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﻲ..
رﻓﻌﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﻧﺤﻮك ﻷول ﻣﺮة. ﺗﻘﺎﻃﻌﺖ ﻧﻈﺮاﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﻧﺼﻒ ﻧﻈﺮة. ﻛﻨﺖ ﺗﺘﺄﻣﻠﯿﻦ ذراﻋﻲ اﻟﻨﺎﻗﺼﺔ ،وأﺗﺄﻣﻞ ﺳﻮاراً ﺑﯿﺪك. ﻛﺎن ﻛﻼﻧﺎ ﯾﺤﻤﻞ ذاﻛﺮﺗﮫ ﻓﻮﻗﮫ.. وﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﮭﺬه اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ ﻓﻘﻂ .وﻟﻜﻦ ﻛﻨﺖ ﻟﻐﺰاً ﻻ ﺗﺰﯾﺪه اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ إﻻ ﻏﻤﻮﺿﺎً .ﻓﺮﺣﺖ أراھﻦ ﻋﻠﻰ اﻛﺘﺸﺎﻓﻚ .أﺗﻔﺤﺼﻚ ﻣﺄﺧﻮذاً ﻣﺮﺗﺒﻜﺎً.. ﻛﺄﻧﻨﻲ أﻋﺮﻓﻚ وأﺗﻌﺮف ﻋﻠﯿﻚ ﻓﻲ آن واﺣﺪ. ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺟﻤﯿﻠﺔ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺬي ﯾﺒﮭﺮ ،ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺬي ﯾﺨﯿﻒ وﯾﺮﺑﻚ. ﻛﻨﺖ ﻓﺘﺎة ﻋﺎدﯾّﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺑﺘﻔﺎﺻﯿﻞ ﻏﯿﺮ ﻋﺎدﯾﺔ ،ﺑﺴﺮﱟ ﻣﺎ ﯾﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻣﺎ ﻣﻦ وﺟﮭﻚ ..رﺑﱠﻤﺎ ﻓﻲ ﺟﺒﮭﺘﻚ اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ وﺣﺎﺟﺒﯿﻚ اﻟﺴﻤﯿﻜﯿﻦ واﻟﻤﺘﺮوﻛﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺪارﺗﮭﻤﺎ اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ .ورﺑّﻤﺎ ﻓﻲ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻚ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ وﺷﻔﺘﯿﻚ اﻟﻤﺮﺳﻮﻣﺘﯿﻦ ﺑﺄﺣﻤﺮ ﺷﻔﺎه ﻓﺎﺗﺢ ﻛﺪﻋﻮة ﺳﺮﯾّﺔ ﻟﻘﺒﻠﺔ. أو رﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻚ اﻟﻮاﺳﻌﺘﯿﻦ وﻟﻮﻧﮭﻤﺎ اﻟﻌﺴﻠﻲّ اﻟﻤﺘﻘﻠﱢﺐ. وﻛﻨﺖ أﻋﺮف ھﺬه اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ.. أﻋﺮﻓﮭﺎ ..وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ؟ وﺟﺎء ﺻﻮﺗﻚ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﯾﺨﺮﺟﻨﻲ ﻣﻦ ﺗﻔﻜﯿﺮي ﻗﻠﺖ: ﯾﺴﻌﺪﻧﻲ أن ﯾﺼﻞ ﻓﻨﺎن ﺟﺰاﺋﺮي إﻟﻰ ھﺬه اﻟﻘﻤﺔ ﻣﻦ اﻹﺑﺪاع..ﺛﻢ أﺿﻔﺖ ﺑﻤﺴﺤﺔ ﺧﺠﻞ: ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ..أﻧﺎ ﻻ أﻓﮭﻢ ﻛﺜﯿﺮاً ﻓﻲ اﻟﺮﺳﻢ ،وﻟﻢ أزر إﻻ ﻧﺎدراً ﻣﻌﺎرض ﻓﻨﯿﺔ ،وﻟﻜﻦﯾﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﺣﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ،وﻟﻮﺣﺎﺗﻚ ﺷﻲ ﻣﻤﯿﺰ ..ﻛﻨّﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺷﻲء ﺟﺪﯾﺪ ﺑﻨﻜﮭﺔ ﺟﺰاﺋﺮﯾﺔ ﻣﻌﺎﺻﺮة ﻛﮭﺬه ...ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻗﻮل ھﺬا ﻻﺑﻨﺔ ﻋﻤﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﺎ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﺪﻣﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة ﻣﻨﻲ ﻟﺘﺼﺎﻓﺤﻨﻲ ،وﺗﻘﺪﱢم ﻟﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺳﺘﺼﺒﺢ ﻃﺮﻓﺎً ﻓﻲ وﻗﻔﺘﻨﺎ ،وذﻟﻚ اﻟﺤﻮار اﻟﺬي وﺟﺪت ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺧﺎرﺟﮫ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﺠﺎھﻠﺘﮭﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪء دون أن أدري.. ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻌﺮّﻓﻨﻲ ﺑﻨﻔﺴﮭﺎ: اﻵﻧﺴﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻟﻰ .إﻧﻲ ﺳﻌﯿﺪة ﺑﻠﻘﺎﺋﻚ..اﻧﺘﻔﻀﺖ ﻟﺴﻤﺎع ذﻟﻚ اﻻﺳﻢ. وﻧﻈﺮت ﻣﺪھﻮﺷﺎً إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﺻﺎﻓﺤﺘﻨﻲ ﺑﺤﺮارة ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻐﺮور..
ﺗﻔﺤﺼﺘﮭﺎ وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻛﺘﺸﻒ وﺟﻮدھﺎ ،ﺛﻢ ﻋﺪت ﻷﺗﺄﻣﻠﻚ ﻋﺴﺎﻧﻲ أﺟﺪ ﻓﻲ ﻣﻼﻣﺤﻚ ﺟﻮاﺑﺎً ﻟﺪھﺸﺘﻲ. ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻟﻰ ....ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻟﻰ.. وراﺣﺖ اﻟﺬاﻛﺮة ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺟﻮاب ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ.. ﻛﻨﺖ أﻋﺮف ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻟﻰ ﺟﯿﺪاً. إﻧﮭﻤﺎ أﺧﻮان ﻻ أﻛﺜﺮ .أﺣﺪھﻤﺎ )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( اﺳﺘﺸﮭﺪ ﻣﻨﺬ اﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ، وﺗﺮك ﺻﺒﯿﺎً وﺑﻨﺘﺎً ﻓﻘﻂ. واﻵﺧﺮ( ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ( ﺗﺰوج ﻗﺒﻞ اﻻﺳﺘﻘﻼل ،و ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﻟﮫ اﻟﯿﻮم ﻋﺪة أوﻻد وﺑﻨﺎت.. ﻓﻤﻦ ﻣﻨﻜﻤﺎ اﺑﻨﺔ )ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ( ...ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺖُ اﺳﻤﮭﺎ وﺻﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﮭﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻧﺲ ..وﻧﺒﺖ ﻋﻦ أﺑﯿﮭﺎ ﻓﻲ دار اﻟﺒﻠﺪﯾﺔ ،ﻟﺘﺴﺠﯿﻠﮭﺎ رﺳﻤﯿﺎً ﻓﻲ ﺳﺠﻞﱢ اﻟﻮﻻدات؟ ﻣﻦ ﻣﻨﻜﻤﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﻗﺒّﻠﺘﮭﺎ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻦ أﺑﯿﮭﺎ ،وﻻ ﻋﺒﺘﮭﺎ ودﻟّﻠﺘﮭﺎ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﮫ؟ ﻣﻦ ﻣﻨﻜﻤﺎ ...أﻧﺖِ؟ وﺑﺮﻏﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﻄﻮط اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻟﻤﻼﻣﺤﻜﻤﺎ ،ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﱠﻚ أﻧﺖِ ..ﻻ ﺗﻠﻚ. أو ھﻜﺬا ﻛﻨﺖ أﺗﻤﻨﻰ ،وأﻧﺎ أﺣﻠﻢ ﻗﺒﻞ اﻷوان ﺑﻘﺮاﺑﺔ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺟﻤﻌﺘﻨﻲ ﺑﻚ. وأﻧﺪھﺶ ﻟﮭﺬه اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ ،وأﺟﺪ ﻓﺠﺄة ﺗﺒﺮﯾﺮاً ﻟﻮﺟﮭﻚ اﻟﻤﺤﺒّﺐ إﻟﻲّ ﻣﺴﺒﻘﺎً .ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻧﺴﺨﺔ ﻋﻦ )ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ( ،ﻧﺴﺨﺔ أﻛﺜﺮ ﺟﺎذﺑﯿﺔ. ﻛﻨﺖ أﻧﺜﻰ. وﻟﻜﻦ ..أﯾﻌﻘﻞ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ أﻧﺖ اﻟﻄﻔﻠﺔ اﻟﺘﻲ رأﯾﺘﮭﺎ ﻵﺧﺮ ﻣﺮة ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﺳﻨﺔ ) (1962ﻏﺪاة اﻻﺳﺘﻘﻼل ،ﻋﻨﺪﻣﺎ رﺣﺖ أﻃﻤﺌﻦ ﻋﻠﯿﻜﻢ ﻛﺎﻟﻌﺎدة ،وأﺗﺎﺑﻊ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﻋﻮدﺗﻜﻢ إﻟﻰ اﻟﺠﺰاﺋﺮ؟ ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺗﺼﻞ ﺑﻲ( ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ( ﻣﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﻟﯿﻄﻠﺐ ﻣﻨﻲ ﺑﯿﻊ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ھﻨﺎك ﺿﺮورة ﻟﻮﺟﻮده ،واﻟﺬي اﺷﺘﺮاه )ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ( ﻣﻨﺬ ﻋﺪّة ﺳﻨﻮات ﻟﯿﮭﺮّب إﻟﯿﮫ أﺳﺮﺗﮫ اﻟﺼﻐﯿﺮة ،ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺑﻌﺪﺗﮫ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻓﻲ اﻟﺨﻤﺴﯿﻨﯿﺎت ،ﺑﻌﺪ ﻋﺪة أﺷﮭﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ ﻗﻀﺎھﺎ ﺑﺘﮭﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺾ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ. ﻛﻢ ﻛﺎن ﻋﻤﺮك وﻗﺘﮭﺎ؟ أﯾﻌﻘﻞ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺗﻐﯿﺮت إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪّ ..وﻛﺒﺮت إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ ..ﺧﻼل ﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ؟! رﺣﺖ أﺗﺄﻣﻠﻚ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أرﻓﺾ أن أﻋﺘﺮف ﺑﻌﻤﺮك ،ورﺑﻤﺎ أرﻓﺾ أن أﻋﺘﺮف ﺑﻌﻤﺮي وﺑﺎﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي أﺻﺒﺤﺘﮫ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﯾﺒﺪو ﻟﻲ اﻟﯿﻮم ﻏﺎﺑﺮاً. ﻣﺎ اﻟﺬي أوﺻﻠﻚ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ..وإﻟﻰ ھﺬه اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺰﻣﻦ وھﺬا اﻟﯿﻮم
ﺑﺎﻟﺬات؟ ﯾﻮم اﻧﺘﻈﺮﺗﮫ ﻃﻮﯾﻼً ﻟﺴﺒﺐ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﻚ.. وﺣﺴﺒﺖ ﻟﮫ أﻟﻒ ﺣﺴﺎب ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺿﻤﻨﮫ.. وﺗﻮﻗﱠﻌﺖ ﻓﯿﮫ ﻛﻞ اﻟﻤﻔﺎﺟﺂت إﻻ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ أﻧﺖ ﻣﻔﺎﺟﺄﺗﻲ. ﻓﺠﺄة أذھﻠﻨﻲ اﻛﺘﺸﺎﻓﻲ ،وﺧﻔﺖ ﻣﻦ ﻣﻮاﺟﮭﺔ ﻋﯿﻨﯿﻚ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﺘﺎﺑﻌﺎن ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺪھﺸﺔ ارﺗﺒﺎﻛﻲ .ﻓﻘﺮرت أن أﻃﺮح ﺳﺆاﻟﻲ ﺑﺎﻟﻤﻘﻠﻮب ،وأﻧﺎ أواﺻﻞ ﺣﺪﯾﺜﻲ ﻣﻊ اﻟﻔﺘﺎة اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻗﺪّﻣﺖ ﻟﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ .ﻛﻨﺖ أﻋﺮف أﻧﻨﻲ إذا ﻋﺮﻓﺘﮭﺎ ﺳﯿﻨﺤﻞ اﻟﻠﻐﺰ ،وأﻋﺮف ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً ﻣﻦ ﻣﻨﻜﻤﺎ ..أﻧﺖِ. ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻹﺣﺪاﻛﻤﺎ اﺳﻢ أﻋﺮﻓﮫ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ وﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ ،وﻋﻠﻲّ ﻓﻘﻂ أن أﺗﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﺘﮫ. ﺳﺄﻟﺘﮭﺎ: ھﻞ ﻟﺪﯾﻚ ﻗﺮاﺑﺔ ﺑﺴﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻟﻰ؟أﺟﺎﺑﺖ ﺑﺴﻌﺎدة وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﻜﺘﺸﻒ أن أﻣﺮھﺎ ﯾﻌﻨﯿﻨﻲ: إﻧﮫ أﺑﻲ ..ﻟﻘﺪ ﺗﻌﺬر ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺤﻀﻮر اﻟﯿﻮم ﺑﺴﺒﺐ وﺻﻮل وﻓﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮ اﻟﺒﺎرﺣﺔ..ﻟﻘﺪ ﺣﺪّﺛﻨﺎ ﻋﻨﻚ ﻛﺜﯿﺮاً .وﻗﺪ أﺛﺎر ﻓﻀﻮﻟﻨﺎ ﻟﻤﻌﺮﻓﺘﻚ ﻟﺪرﺟﺔ ﻗﺮّرﻧﺎ أن ﻧﺄﺗﻲ ﻣﻜﺎﻧﮫ اﻟﯿﻮم ﻟﺤﻀﻮر اﻻﻓﺘﺘﺎح! ﻛﺎن ﻛﻼم ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺘﮫ ﯾﺤﻤﻞ ﻟﻲ ﺟﻮاﺑﯿﻦ .اﻷول أﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ أﻧﺖ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ ﺳﺒﺐ ﺗﺨﻠﻒ )ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ). ﻛﻨﺖ ﻻﺣﻈﺖ ﻏﯿﺎﺑﮫ وﺗﺴﺎءﻟﺖ ﻋﻦ ﺳﺒﺒﮫ ،ھﻞ ﻛﺎن اﻟﻤﺎﻧﻊ ﺷﺨﺼﯿﺎً ،أم ﺳﯿﺎﺳﯿﺎً ..أم ﺗﺮاه ﻛﺎن ﻟﺴﺒﺐٍ ﻣﺎ ﯾﺘﺤﺎﺷﻰ اﻟﻈﮭﻮر ﻣﻌﻲ؟ ﻛﻨﺖ أدري أنّ ﻃﺮﻗﻨﺎ ﺗﻘﺎﻃﻌﺖ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﯿﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻞ دھﺎﻟﯿﺰ اﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ، وأﺻﺒﺢ ھﺪﻓﮫ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﺼﻔﻮف اﻷﻣﺎﻣﯿﺔ .ورﻏﻢ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻲ أن أﺗﺠﺎھﻞ وﺟﻮده ﻣﻌﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺟﺰءاً ﻣﻦ ﺷﺒﺎﺑﻲ وﻃﻔﻮﻟﺘﻲ.. وﻛﺎن ﺑﻌﺾ ذاﻛﺮﺗﻲ. وﻟﺬا ،وﻷﺳﺒﺎب ﻋﺎﻃﻔﯿﺔ ﻣﺤﺾ ،ﻛﺎن اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ دﻋﻮﺗﮭﺎ. ﻟﻢ أﻟﺘﻖ ﺑﮫ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ،وﻟﻜﻦ أﺧﺒﺎره ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻠﻨﻲ داﺋﻤﺎً ﻣﻨﺬ ﻋُﯿﱢﻦ ،ﻗﺒﻞ ﺳﻨﺘﯿﻦ ،ﻣﻠﺤﻘﺎً ﻓﻲ اﻟﺴﻔﺎرة اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ ،وھﻮ ﻣﻨﺼﺐ ﻛﻜﻞ اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ "اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ"، ﯾﺘﻄﻠﺐ ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﻃﺔ واﻷﻛﺘﺎف اﻟﻌﺮﯾﻀﺔ.
وﻛﺎن ﺑﺈﻣﻜﺎن )ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ( أن ﯾﺸﻖ ﻃﺮﯾﻘﮫ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﻤﻨﺼﺐ وﻷھﻢ ﻣﻨﮫ ﺑﻤﺎﺿﯿﮫ ﻓﻘﻂ ،وﺑﺎﺳﻤﮫ اﻟﺬي ﺧﻠّﺪه ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ﺑﺎﺳﺘﺸﮭﺎده .وﻟﻜﻦ ﯾﺒﺪو أن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻛﺎﻓﯿﺎً ﺑﻤﻔﺮده ﻟﻀﻤﺎن اﻟﺤﺎﺿﺮ ،وﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺘﺄﻗﻠﻢ ﻣﻊ ﻛﻞّ اﻟﺮﯾﺎح ﻟﻠﻮﺻﻮل.. ﺧﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻲ ﻛﻞّ ذﻟﻚ ،وأﻧﺎ أﺣﺎول ﺑﺪوري أن أﺗﺄﻗﻠﻢ ﻣﻊ ﻛﻞ اﻟﻤﻔﺎﺟﺂت واﻻﻧﻔﻌﺎﻻت اﻟﺘﻲ ھﺰﺗﻨﻲ ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﻟﺤﻈﺎت ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪاﯾﺘﮭﺎ أﻧﻨﻲ وددت أن أﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺎة ﺟﻤﯿﻠﺔ ﺗﺰور ﻣﻌﺮﺿﻲ ﻻ ﻏﯿﺮ ..ﻓﺈذا ﺑﻲ أﺳﻠّﻢ ﻋﻠﻰ ذاﻛﺮﺗﻲ! وﻋﺪت إﻟﻰ دھﺸﺘﻲ اﻷوﻟﻰ ﻣﻌﻚ.. إﻟﻰ ﻛﻞ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻟﻔﺘﺖ ﻧﻈﺮي إﻟﯿﻚ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪء .إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﺑﺎﻟﺬات اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻃﻮﯾﻼً أﻣﺎﻣﮭﺎ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ھﻨﺎك أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺪر ،أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻜﺘﻮب ..أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺼﺎدﻓﺔ. أﻧﺖِ.. أﻛﻨﺖ أﻧﺖ ..ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ ﺗﺘﻔﺮﺟﯿﻦ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻟﻮﺣﺎﺗﻲ .ﺗﺘﺄﻣﻠﯿﻦ ﺑﻌﻀﮭﺎ ،ﺗﺘﻮﻗﻔﯿﻦ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﻀﮭﺎ اﻵﺧﺮ ،وﺗﻌﻮدﯾﻦ إﻟﻰ اﻟﺪﻟﯿﻞ اﻟﺬي ﺗﻤﺴﻜﯿﮫ ﺑﯿﺪك ﻟﺘﺘﻌﺮﻓﻲ ﻋﻠﻰ أﺳﻤﺎء اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮك اﻷﻛﺜﺮ؟ أﻧﺖِ.. ﺗﺮاك أﻧﺖ ..ﻧﻮر آﺧﺮ ﯾﻀﻲء ﻛﻞ ﻟﻮﺣﺔ ﺗﻤﺮﯾﻦ ﺑﮭﺎ ،ﻓﺘﺒﺪو اﻷﺿﻮاء اﻟﻤﻮﺟﮭﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﻠﻮﺣﺎت ،وﻛﺄﻧﮭﺎ ﻣﻮﺟّﮭﺔ ﻧﺤﻮك ..وﻛﺄﻧﻚ ﻛﻨﺖ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻷﺻﻠﯿﺔ. أﻧﺖ إذن.. ﺗﺘﻮﻗﻔﯿﻦ أﻣﺎم ﻟﻮﺣﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻮﻗﻒ أﺣﺪاً .ﺗﺘﺄﻣﻠﯿﻨﮭﺎ ﺑﺈﻣﻌﺎن أﻛﺒﺮ ،ﺗﻘﺘﺮﺑﯿﻦ ﻣﻨﮭﺎ أﻛﺜﺮ ،وﺗﺒﺤﺜﯿﻦ ﻋﻦ اﺳﻤﮭﺎ ﻓﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻠﻮﺣﺎت. وﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﺳﺮت ﻓﻲ ﺟﺴﺪي ﻗﺸﻌﺮﯾﺮة ﻣﺒﮭﻤﺔ .واﺳﺘﯿﻘﻆ ﻓﻀﻮل اﻟﺮﺳّﺎم اﻟﻤﺠﻨﻮن داﺧﻠﻲ.. ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻧﯿﻦ ،أﻧﺖ اﻟﻮاﻗﻔﺔ أﻣﺎم أﺣﺐّ ﻟﻮﺣﺎﺗﻲ ﻟﻲّ..؟ رﺣﺖ أﺗﺄﻣﻠﻚ ﻣﺮﺗﺒﻜﺎً وأﻧﺖ ﺗﺘﺄﻣﻠﯿﻨﮭﺎ ..وﺗﻘﻮﻟﯿﻦ ﻟﺮﻓﯿﻘﺘﻚ ﻛﻼﻣﺎً ﻻ ﯾﺼﻠﻨﻲ ﺷﻲء ﻣﻨﮫ. ﻣﺎ اﻟﺬي أوﻗﻔﻚ أﻣﺎﻣﮭﺎ؟ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻟﻮﺣﺎت ،ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻮﺣﺘﻲ اﻷوﻟﻰ وﺗﻤﺮﯾﻨﻲ اﻷول ﻓﻲ اﻟﺮﺳﻢ ﻓﻘﻂ.. وﻟﻜﻨﻨﻲ أﺻﺮرت ھﺬه اﻟﻤﺮة ،ﻋﻠﻰ أن ﺗﻜﻮن ﺣﺎﺿﺮة ﻓﻲ ﻣﻌﺮﺿﻲ اﻷھﻢ ھﺬا ،ﻷﻧﻨﻲ اﻋﺘﺒﺮﺗﮭﺎ ﺑﺮﻏﻢ ﺑﺴﺎﻃﺘﮭﺎ ،ﻣﻌﺠﺰﺗﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮة. رﺳﻤﺘﮭﺎ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ وﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ ،وﻛﺎن ﻣﺮﱠ ﻋﻠﻰ ﺑﺘﺮ ذراﻋﻲ اﻟﯿﺴﺮى أﻗﻞّ ﻣﻦ
ﺷﮭﺮ. ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻺﺑﺪاع وﻻ ﻟﺪﺧﻮل اﻟﺘﺎرﯾﺦ .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺤﯿﺎة ﻓﻘﻂ ،واﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻟﯿﺄس .رﺳﻤﺘﮭﺎ ﻛﻤﺎ ﯾﺮﺳﻢ ﺗﻠﻤﯿﺬ ﻓﻲ اﻣﺘﺤﺎن ﻟﻠﺮﺳﻢ ﻣﻨﻈﺮاً ﻟﯿﺠﯿﺐ ﻋﻠﻰ ورﻗﺔ اﻷﺳﺘﺎذ: "ارﺳﻢ أﻗﺮب ﻣﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻚ". إﻧﮭﺎ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻟﮭﺎ ﻟﻲ ذﻟﻚ اﻟﻄﺒﯿﺐ اﻟﯿﻮﻏﺴﻼﻓﻲ اﻟﺬي ﻗﺪم ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻷﻃﺒﺎء ﻣﻦ اﻟﺪول اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ إﻟﻰ ﺗﻮﻧﺲ ،ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﺠﺮﺣﻰ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﯿﻦ ،واﻟﺬي أﺷﺮف ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺑﺘﺮ ذراﻋﻲ وﻇﻞ ﯾﺘﺎﺑﻊ ﺗﻄﻮراﺗﻲ اﻟﺼﺤﯿﺔ واﻟﻨﻔﺴﯿﺔ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ. ﻛﺎن ﯾﺴﺄﻟﻨﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة أزوره ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻦ اھﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪة ،وھﻮ ﯾﻼﺣﻆ إﺣﺒﺎﻃﻲ اﻟﻨﻔﺴﻲ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ. ﻟﻢ أﻛﻦ ﻣﺮﯾﻀﺎً ﻟﯿﺤﺘﻔﻆ ﺑﻲ اﻟﻄﺒﯿﺐ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ،وﻻ ﻛﻨﺖ ﻣﻌﺎﻓﻰ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻷﺑﺪأ ﺣﯿﺎﺗﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪة. ﻛﻨﺖ أﻋﯿﺶ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ ،اﺑﻨﺎً ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻮﻃﻦ وﻏﺮﯾﺒﺎً ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ؛ ﺣﺮاً وﻣﻘﯿﺪاً ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ؛ ﺳﻌﯿﺪاً وﺗﻌﯿﺴﺎً ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ. ﻛﻨﺖ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي رﻓﻀﮫ اﻟﻤﻮت ورﻓﻀﺘﮫ اﻟﺤﯿﺎة .ﻛﻨﺖ ﻛﺮة ﺻﻮف ﻣﺘﺪاﺧﻠﺔ ..ﻓﻤﻦ أﯾﻦ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻄﺒﯿﺐ أن ﯾﺠﺪ رأس اﻟﺨﯿﻂ اﻟﺬي ﯾﺤﻞّ ﺑﮫ ﻛﻞّ ﻋﻘﺪي؟ وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﻨﻲ ذات ﻣﺮّة ،وھﻮ ﯾﻜﺘﺸﻒ ﺛﻘﺎﻓﺘﻲ ،ھﻞ ﻛﻨﺖ أﺣﺐّ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ أو اﻟﺮﺳﻢ، ﺗﻤﺴﻜﺖ ﺑﺴﺆاﻟﮫ وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺗﻤﺴّﻚ ﺑﻘﺸﮫ ﻗﺪ ﺗﻨﻘﺬﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻐﺮق ،وأدرﻛﺖ ﻓﻮراً اﻟﻮﺻﻔﺔ اﻟﻄﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻌﺪھﺎ ﻟﻲ. ﻗﺎل: إن اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﺟﺮﯾﺘﮭﺎ ﻋﻠﯿﻚ ،أﺟﺮﯾﺖ ﻣﺜﻠﮭﺎ ﻋﺸﺮات اﻟﻤﺮّات ﻋﻠﻰ ﺟﺮﺣﻰﻛﺜﯿﺮﯾﻦ ﻓﻘﺪوا ﻓﻲ اﻟﺤﺮب ﺳﺎﻗﺎً أو ذراﻋﺎً ،وإذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ،ﻓﺈنّ ﺗﺄﺛﯿﺮھﺎ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ إﻟﻰ آﺧﺮ ،ﺣﺴﺐ ﻋﻤﺮ اﻟﻤﺮﯾﺾ ووﻇﯿﻔﺘﮫ وﺣﯿﺎﺗﮫ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ..وﺧﺎﺻﺔ ﺣﺴﺐ ﻣﺴﺘﻮاه اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،ﻓﻮﺣﺪه اﻟﻤﺜﻘﱠﻒ ﯾﻌﯿﺪ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﮫ ﻛﻞّ ﯾﻮم ،وﯾﻌﯿﺪ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﮫ ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻣﻊ اﻷﺷﯿﺎء ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻐﯿّﺮ ﺷﻲء ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ.. ﻟﻘﺪ أدرﻛﺖ ھﺬا ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺑﺘﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﯿﺪان .ﻟﻘﺪ ﻣﺮّت ﺑﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻨﻮع ،وﻟﺬا أﻋﺘﻘﺪ أن ﻓﻘﺪاﻧﻚ ذراﻋﻚ ﻗﺪ أﺧﻞّ ﺑﻌﻼﻗﺘﻚ ﺑﻤﺎ ھﻮ ﺣﻮﻟﻚ .وﻋﻠﯿﻜﻢ أن ﺗﻌﯿﺪ ﺑﻨﺎء ﻋﻼﻗﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ أو اﻟﺮﺳﻢ..
ﻋﻠﯿﻚ أن ﺗﺨﺘﺎر ﻣﺎ ھﻮ اﻗﺮب إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻚ ،وﺗﺠﻠﺲ ﻟﺘﻜﺘﺐ دون ﻗﯿﻮد ﻛﻞّ ﻣﺎ ﯾﺪور ﻓﻲ ذھﻨﻚ .وﻻ ﺗﮭﻢّ ﻧﻮﻋﯿﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت وﻻ ﻣﺴﺘﻮاھﺎ اﻷدﺑﻲ ..اﻟﻤﮭﻢ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺣﺪ ذاﺗﮭﺎ ﻛﻮﺳﯿﻠﺔ ﺗﻔﺮﯾﻎ ،وأداة ﺗﺮﻣﯿﻢ داﺧﻠﻲ.. وإذا ﻛﻨﺖ ﺗﻔﻀّﻞ اﻟﺮﺳﻢ ﻓﺎرﺳﻢ ..اﻟﺮﺳﻢ أﯾﻀﺎً ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ أن ﯾﺼﺎﻟﺤﻚ ﻣﻊ اﻷﺷﯿﺎء وﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﺗﻐﯿّﺮ ﻓﻲ ﻧﻈﺮك ،ﻷﻧﻚ أﻧﺖ ﺗﻐﯿّﺮت وأﺻﺒﺤﺖ ﺗﺸﺎھﺪه وﺗﻠﻤﺴﮫ ﺑﯿﺪٍ واﺣﺪة ﻓﻘﻂ.. وﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أﺟﯿﺒﮫ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺑﺘﻠﻘﺎﺋﯿﺔ ..إﻧﻨﻲ أﺣﺐّ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وأﻧﮭﺎ اﻷﻗﺮب إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ،ﻣﺎدﻣﺖ ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﻃﻮال ﺣﯿﺎﺗﻲ ،ﺳﻮى اﻟﻘﺮاءة اﻟﺘﻲ ﺗﺆدي ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً إﻟﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ. ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أﺟﯿﺒﮫ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻨﺒﺄ ﻟﻲ أﺳﺎﺗﺬﺗﻲ داﺋﻤﺎً ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻧﺎﺟﺢ ..ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ! وﻟﮭﺬا أﺟﺒﺘﮫ دون ﺗﻔﻜﯿﺮ ،أو رﺑﻤﺎ ﺑﻤﻮﻗﻒ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أﻧﮫ ﻛﺎن ﺟﺎھﺰاً ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻲ: أﻓﻀﻞ اﻟﺮﺳﻢ..ﻟﻢ ﺗﻘﻨﻌﮫ ﺟﻤﻠﺘﻲ اﻟﻤﻘﺘﻀﺒﺔ ﻓﺴﺄﻟﻨﻲ إن ﻛﻨﺖ رﺳﻤﺖ ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم.. ﻗﻠﺖ" :ﻻ..". ﻗﺎل" :إذن اﺑﺪأ ﺑﺮﺳﻢ أﻗﺮب ﺷﻲء إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻚ ..ارﺳﻢ أﺣﺐّ ﺷﻲ إﻟﯿﻚ..". وﻋﻨﺪﻣﺎ ودّﻋﻨﻲ ﻗﺎل ﺑﺴﺨﺮﯾﺔ اﻷﻃﺒﺎء ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻌﺘﺮﻓﻮن ﺑﻌﺠﺰھﻢ ﺑﻠﺒﺎﻗﺔ " :ارﺳﻢ ..ﻓﻘﺪ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻲّ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم!". ﻋﺪت ﯾﻮﻣﮭﺎ إﻟﻰ ﻏﺮﻓﺘﻲ ﻣﺴﺮﻋﺎً أرﯾﺪ أن أﺧﻠﻮ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺪاران اﻟﺒﯿﻀﺎء، اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﺳﺘﻤﺮاراً ﻟﺠﺪران ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ" اﻟﺤﺒﯿﺐ ﺛﺎﻣﺮ" اﻟﺬي ﻛﺎن ﺣﺘﻰ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ، اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي أﻋﺮﻓﮫ اﻷﻛﺜﺮ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ. رﺣﺖ ﯾﻮﻣﮭﺎ أﺗﺄﻣﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺪران ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻋﺎدﺗﻲ ،وأﻧﺎ أﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن أﻋﻠﻖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﻟﻮﺣﺎت ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم .ﻛﻞ وﺟﻮه ﻣﻦ أﺣﺐّ ..ﻛﻞّ اﻷزﻗﺔ اﻟﺘﻲ أﺣﺐ ..ﻛﻞّ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﺘﮫ ﺧﻠﻔﻲ ھﻨﺎك. ﻧﻤﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻗﻠﻘﺎً ،ورﺑﻤﺎ ﻟﻢ أﻧﻢ .ﻛﺎن ﺻﻮت ذﻟﻚ اﻟﻄﺒﯿﺐ ﯾﺤﻀﺮﻧﻲ ﺑﻔﺮﻧﺴﯿﺘﮫ اﻟﻤﻜﺴﺮة ﻟﯿﻮﻗﻈﻨﻲ "ارﺳﻢ" .ﻛﻨﺖ أﺳﺘﻌﯿﺪه داﺧﻞ ﺑﺪﻟﺘﮫ اﻟﺒﯿﻀﺎء ،ﯾﻮدﻋﻨﻲ وھﻮ ﯾﺸﺪّ ﻋﻠﻰ ﯾﺪي "ارﺳﻢ" .ﻓﺘﻌﺒﺮ ﻗﺸﻌﺮﯾﺮة ﻏﺎﻣﻀﺔ ﺟﺴﺪي وأﻧﺎ أﺗﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﻏﻔﻮﺗﻲ أول ﺳﻮرة ﻟﻠﻘﺮآن .ﯾﻮم ﻧﺰل ﺟﺒﺮاﺋﯿﻞ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻷول ﻣﺮة ﻓﻘﺎل ﻟﮫ "اﻗﺮأ"
ﻓﺴﺄﻟﮫ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺮﺗﻌﺪاً ﻣﻦ اﻟﺮھﺒﺔ" ..ﻣﺎذا أﻗﺮأ؟" ﻓﻘﺎل ﺟﺒﺮﯾﻞ "اﻗﺮأ ﺑﺎﺳﻢ رﺑّﻚ اﻟﺬي ﺧﻠﻖ" وراح ﯾﻘﺮأ ﻋﻠﯿﮫ أول ﺳﻮرة ﻟﻠﻘﺮآن .وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﮭﻰ ﻋﺎد اﻟﻨﺒﻲ إﻟﻰ زوﺟﺘﮫ وﺟﺴﺪه ﯾﺮﺗﻌﺪ ﻣﻦ ھﻮل ﻣﺎ ﺳﻤﻊ .وﻣﺎ ﻛﺎد ﯾﺮاھﺎ ﺣﺘﻰ ﺻﺎح "دﺛﺮﯾﻨﻲ ..دﺛﺮﯾﻨﻲ...". ﻛﻨﺖ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎء أﺷﻌﺮ ﺑﺮﺟﻔﺔ اﻟﺤﻤّﻰ اﻟﺒﺎردة .وﺑﺮﻋﺸﺔ رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﺒﺒﮭﺎ ﺗﻮﺗﺮي اﻟﻨﻔﺴﻲ ﯾﻮﻣﮭﺎ ،وﻗﻠﻘﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻠﻘﺎء اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﻋﺮف أﻧﮫ آﺧﺮ ﻟﻘﺎء ﻟﻲ ﻣﻊ اﻟﻄﺒﯿﺐ .ورﺑﻤﺎ أﯾﻀﺎً ﺑﺴﺒﺐ ذﻟﻚ اﻟﻐﻄﺎء اﻟﺨﻔﯿﻒ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻏﻄﺎﺋﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻓﻲ أوج اﻟﺸﺘﺎء اﻟﻘﺎرس ،واﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻤﻨﺤﻨﻲ ﻣﺴﺘﺄﺟﺮي اﻟﺒﺨﯿﻞ ﻏﯿﺮه. وﻛﺪت أﺻﺮخ وأﻧﺎ أﺗﺬﻛﺮ ﻓﺮاش ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ .وﺗﻠﻚ "اﻟﺒﻄﺎﻧﯿﺔ" اﻟﺼﻮﻓﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﻄﺎﺋﻲ ﻓﻲ ﻣﻮاﺳﻢ اﻟﺒﺮد اﻟﻘﺴﻨﻄﯿﻨﻲ ،ﻛﺪت أﺻﺮخ ﻓﻲ ﻟﯿﻞ ﻏﺮﺑﺘﻲ" ..دﺛﺮﯾﻨﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..دﺛﺮﯾﻨﻲ "..وﻟﻜﻦ ﻟﻢ أﻗﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﻟﯿﻠﺘﮭﺎ ،ﻻ ﻟﻘﺴﻨﻄﯿﻨﺔ وﻻ ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺒﺎﺋﺲ .اﺣﺘﻔﻈﺖ ﺑﺤﻤﱠﺎي وﺑﺮودﺗﻲ ﻟﻨﻔﺴﻲ .ﺻﻌﺐ ﻋﻠﻰ رﺟﻞ ﻋﺎﺋﺪ ﻟﺘﻮه ﻣﻦ اﻟﺠﺒﮭﺔ، أن ﯾﻌﺘﺮف ﺣﺘﻰ ﻟﻨﻔﺴﮫ ﺑﺎﻟﺒﺮد.. اﻧﺘﻈﺮت ﻓﻘﻂ ﻃﻠﻮع اﻟﺼﺒﺎح ﻷﺷﺘﺮي ﺑﻤﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺟﯿﺒﻲ ﻣﻦ أوراق ﻧﻘﺪﯾﺔ ﻣﺎ أﺣﺘﺎج إﻟﯿﮫ ﻟﺮﺳﻢ ﻟﻮﺣﺘﯿﻦ أو ﺛﻼث .ووﻗﻔﺖ ﻛﻤﺠﻨﻮن ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ أرﺳﻢ "ﻗﻨﻄﺮة اﻟﺤﺒﺎل" ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ.. أﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﺠﺴﺮ أﺣﺐّ ﺷﻲء إﻟﻲّ ﺣﻘﺎً ،ﻷﻗﻒ ﺑﺘﻠﻘﺎﺋﯿﺔ ﻷرﺳﻤﮫ وﻛﺄﻧﻨﻲ وﻗﻔﺖ ﻷﺟﺘﺎزه ﻛﺎﻟﻌﺎدة؟ أم ﺗﺮاه ﻛﺎن أﺳﮭﻞ ﺷﻲء ﻟﻠﺮﺳﻢ ﻓﻘﻂ؟ ﻻ أدري.. أدري أﻧﻨﻲ رﺳﻤﺘﮫ ﻣﺮات وﻣﺮات ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أرﺳﻤﮫ ﻛﻞ ﻣﺮة ﻷول ﻣﺮة .وﻛﺄﻧﮫ أﺣﺐ ﺷﻲء ﻟﺪي ﻛﻞ ﻣﺮة. ﺧﻤﺲ وﻋﺸﺮون ﺳﻨﺔ ،ﻋﻤﺮ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﻲ أﺳﻤﯿﺘﮭﺎ دون ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ "ﺣﻨﯿﻦ". ﻟﻮﺣﺔ ﻟﺸﺎب ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،ﻛﺎن أﻧﺎ ﺑﻐﺮﺑﺘﮫ وﺑﺤﺰﻧﮫ وﺑﻘﮭﺮه. وھﺎ أﻧﺎ ذا اﻟﯿﻮم ،ﻓﻲ ﻏﺮﺑﺔ أﺧﺮى وﺑﺤﺰن وﺑﻘﮭﺮ آﺧﺮ ..وﻟﻜﻦ ﺑﺮﺑﻊ ﻗﺮن إﺿﺎﻓﻲ، ﻛﺎن ﻟﻲ ﻓﯿﮫ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺒﺎت واﻟﮭﺰاﺋﻢ اﻟﺬاﺗﯿﺔ ..وﻗﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﺼﺎرات اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺔ. ھﺎ أﻧﺎ اﻟﯿﻮم أﺣﺪ ﻛﺒﺎر اﻟﺮﺳﺎﻣﯿﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﯿﻦ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻛﺒﺮھﻢ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق؛ ﻛﻤﺎ ﺗﺸﮭﺪ ﺑﺬﻟﻚ أﻗﻮال اﻟﻨﻘﺎد اﻟﻐﺮﺑﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻧﻘﻠﺖ ﺷﮭﺎدﺗﮭﻢ ﺑﺤﺮوف ﺑﺎرزة ﻋﻠﻰ ﺑﻄﺎﻗﺎت دﻋﻮة اﻻﻓﺘﺘﺎح. ھﺎ أﻧﺎ اﻟﯿﻮم ...ﻧﺒﻲّ ﺻﻐﯿﺮ ﻧﺰل ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻮﺣﻲ ذات ﺧﺮﯾﻒ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﺑﺎﺋﺴﺔ، ﻓﻲ ﺷﺎرع "ﺑﺎب ﺳﻮﯾﻘﺔ" ﺑﺘﻮﻧﺲ.
ھﺎ أﻧﺎ ﻧﺒﻲ ﺧﺎرج وﻃﻨﮫ ﻛﺎﻟﻌﺎدة ..وﻛﯿﻒ ﻻ وﻻ ﻛﺮاﻣﺔ ﻟﻨﺒﻲ ﻓﻲ وﻃﻨﮫ؟ ھﺎ أﻧﺎ "ﻇﺎھﺮة ﻓﻨﯿﺔ؟ ،ﻛﯿﻒ ﻻ وﻗﺪر ذي اﻟﻌﺎھﺔ أن ﯾﻜﻮن "ﻇﺎھﺮة" وأن ﯾﻜﻮن ﺟﺒﺎراً وﻟﻮ ﺑﻔﻨﮫ؟ ھﺎ أﻧﺎ ذا.. ﻓﺄﯾﻦ ھﻮ ذﻟﻚ اﻟﻄﺒﯿﺐ اﻟﺬي ﻧﺼﺤﻨﻲ ﺑﺎﻟﺮﺳﻢ ذات ﻣﺮة؟ واﻟﺬي ﺻﺪﻗﺖ ﻧﺒﻮءﺗﮫ وﻟﻢ اﺣﺘﺎج إﻟﯿﮫ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم؟ إﻧﮫ اﻟﻐﺎﺋﺐ اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﺴﺒﻖ ﻷيّ ﻋﺮﺑﻲ أن ﻋﺮض ﻓﯿﮭﺎ ﻟﻮﺣﺎﺗﮫ ﻗﺒﻠﻲ .أﯾﻦ ھﻮ اﻟﺪﻛﺘﻮر "ﻛﺎﺑﻮﺗﺴﻜﻲ" ﻟﯿﺮى ﻣﺎذا ﻓﻌﻠﺖ ﺑﯿﺪٍ واﺣﺪة.. ذﻟﻚ اﻟﺬي ﻟﻢ أﺳﺄﻟﮫ ﯾﻮﻣﺎً ﻣﺎذا ﻓﻌﻞ ﺑﯿﺪي اﻷﺧﺮى! وھﺎ ھﻲ "ﺣﻨﯿﻦ" ﻟﻮﺣﺘﻲ اﻷوﻟﻰ ،وﺟﻮار ﺗﺎرﯾﺦ رﺳﻤﮭﺎ )ﺗﻮﻧﺲ (57ﺗﻮﻗﯿﻌﻲ اﻟﺬي وﺿﻌﺘﮫ ﻷول ﻣﺮة أﺳﻔﻞ ﻟﻮﺣﺔ .ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﻤﺎ وﺿﻌﺘﮫ أﺳﻔﻞ اﺳﻤﻚ ،وﺗﺎرﯾﺦ ﻣﯿﻼدك اﻟﺠﺪﯾﺪ ،ذات ﺧﺮﯾﻒ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ،1957وأﻧﺎ أﺳﺠﱢﻠﻚ ﻓﻲ دار اﻟﺒﻠﺪﯾﺔ ﻷول ﻣﺮة.. ﻣﻦ ﻣﻨﻜﻤﺎ ﻃﻔﻠﺘﻲ ..وﻣﻦ ﻣﻨﻜﻤﺎ ﺣﺒﯿﺒﺘﻲ؟ ﺳﺆال ﻟﻢ ﯾﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،وأﻧﺎ أراك ﺗﻘﻔﯿﻦ أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻷول ﻣﺮة.. ﻟﻮﺣﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﺮك ..ﺗﻜﺒﺮﯾﻨﮭﺎ _ رﺳﻤﯿﺎً _ ﺑﺒﻀﻌﺔ أﯾﺎم ..وﺗﺼﻐﺮك ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﺒﻀﻌﺔ أﺷﮭﺮ ﻻ ﻏﯿﺮ. ﻟﻮﺣﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪاﯾﺘﻲ ﻣﺮﺗﯿﻦ ..ﻣﺮة ﯾﻮم أﻣﺴﻜﺖ ﺑﻔﺮﺷﺎة ﻷﺑﺪأ ﻣﻌﮭﺎ ﻣﻐﺎﻣﺮة اﻟﺮﺳﻢ.. وﻣﺮة ﯾﻮم وﻗﻔﺖ أﻧﺖ أﻣﺎﻣﮭﺎ ،وإذا ﺑﻲ أدﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﻐﺎﻣﺮة ﻣﻊ اﻟﻘﺪر...
ﻋﻠﻰ ﻣﻔﻜﺮة ﻣﻸى ﺑﻤﻮاﻋﯿﺪ وﻋﻨﺎوﯾﻦ ﻻ أھﻤﯿﺔ ﻟﮭﺎ ،وﺿﻌﺖ داﺋﺮة ﺣﻮل ﺗﺎرﯾﺦ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم :ﻧﯿﺴﺎن ،1981وﻛﺄﻧﻨﻲ أرﯾﺪ أن أﻣﯿﺰه ﻋﻦ ﺑﻘﯿﺔ اﻷﯾﺎم .ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﻟﻢ أﺟﺪ ﻓﻲ ﺳﻨﻮاﺗﻲ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ﻣﺎ ﯾﺴﺘﺤﻖ اﻟﺘﻤﯿﺰ. ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ أﯾﺎﻣﻲ ﻣﺜﻞ أوراق ﻣﻔﻜﺮﺗﻲ ﻣﻸى ﺑﻤﺴﻮدات ﻻ ﺗﺴﺘﺤﻖ اﻟﺬﻛﺮ .وﻛﻨﺖ اﻣﻸھﺎ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻛﻲ ﻻ أﺗﺮﻛﮭﺎ ﺑﯿﻀﺎء ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻠﻮن اﻷﺑﯿﺾ ﯾﺨﯿﻔﻨﻲ داﺋﻤﺎً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ ورق. ﺛﻤﺎﻧﻲ ﻣﻔﻜﺮات ﻟﺜﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮات ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﺴﺘﺤﻖ اﻟﺪھﺸﺔ .ﺟﻤﯿﻌﮭﺎ ﺻﻔﺤﺔ واﺣﺪة ﻟﻤﻔﻜﺮة واﺣﺪة ﻻ ﺗﺎرﯾﺦ ﻟﮭﺎ ﺳﻮى اﻟﻐﺮﺑﺔ .ﻏﺮﺑﺔ ﻛﻨﺖ أﺣﺎول أن أﺧﺘﺼﺮھﺎ ﺑﻌﻤﻠﯿﺔ ﺣﺴﺎﺑﯿﺔ ﻛﺎذﺑﺔ ،ﺗﺘﺤﻮل ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺴﻨﻮات إﻟﻰ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﻣﻔﻜﺮات ﻻ ﻏﯿﺮ ،ﻣﺎزاﻟﺖ
ﻣﻜﺪﺳﺔ ﻓﻲ ﺧﺰاﻧﺘﻲ اﻟﻮاﺣﺪة ﻓﻮق اﻷﺧﺮى ...ﻣﺴﺠﻠﺔ ﻻ ﺣﺴﺐ ﺗﻮارﯾﺨﮭﺎ اﻟﻤﯿﻼدﯾﺔ أو اﻟﮭﺠﺮﯾﺔ ..إﻧﻤﺎ ﺣﺴﺐ أرﻗﺎم ﺳﻨﻮات ھﺠﺮﺗﻲ اﻻﺧﺘﯿﺎرﯾﺔ. أﺿﻊ داﺋﺮة ﺣﻮل ﺗﺎرﯾﺦ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻏﻠﻖ ﻋﻠﯿﻚ داﺧﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺪاﺋﺮة .ﻛﺄﻧﻨﻲ أﻃﻮﻗﻚ وأﻃﺎرد ذﻛﺮاك ﻟﺘﺪﺧﻠﻲ داﺋﺮة ﺿﻮﺋﻲ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ. ﻛﻨﺖ أﺗﺼﺮف ﻋﻦ ﺣﺪس ﻣﺴﺒﻖ ،وﻛﺄن ھﺬا اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﺳﯿﻜﻮن ﻣﻨﻌﻄﻔﺎً ﻟﻠﺬاﻛﺮة؛ ﻛﺄﻧﮫ ﺳﯿﻜﻮن ﻣﯿﻼدي اﻵﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﯾﺪﯾﻚ .وﻛﻨﺖ أﻋﻲ وﻗﺘﮭﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎً أن اﻟﻮﻻدة ﻋﻠﻰ ﯾﺪك ﻛﺎﻟﻮﺻﻮل إﻟﯿﻚ أﻣﺮ ﻟﻦ ﯾﻜﻮن ﺳﮭﻼً. ﯾﺸﮭﺪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻏﯿﺎب رﻗﻤﻚ اﻟﮭﺎﺗﻔﻲ وﻋﻨﻮاﻧﻚ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻔﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﺳﻮى ﺗﺎرﯾﺦ ﻟﻘﺎﺋﻚ .ﻓﮭﻞ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﻲ أن اﻃﻠﺐ ﻣﻨﻚ رﻗﻢ ھﺎﺗﻔﻚ ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﻨﺎ اﻷول أو ﺻﺪﻓﺘﻨﺎ اﻷوﻟﻰ ﺗﻠﻚ ..وﺑﺄي ﻣﺒﺮر وﺑﺄﯾﺔ ﺣﺠﺔ ﺳﺄﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ،وﻛﻞّ اﻷﺳﺒﺎب ﺗﺒﺪو ﻣﻠﻔّﻘﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻄﻠﺐ رﺟﻞ ﻣﻦ ﻓﺘﺎة ﺟﻤﯿﻠﺔ رﻗﻢ ھﺎﺗﻔﮭﺎ؟ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺮﻏﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻠﻮس إﻟﯿﻚ ..ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺪث واﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﯿﻚ ..ﻋﺴﺎﻧﻲ أﺗﻌﺮّف ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻷﺧﺮى ﻟﺬاﻛﺮﺗﻲ .وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ أﻗﻨﻌﻚ ﺑﺬﻟﻚ؟ ﻛﯿﻒ أﺷﺮح ﻟﻚ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎت أﻧﻨﻲ أﻋﺮف اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻋﻨﻚ ،أﻧﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﺗﻘﺎﺑﻠﯿﻨﮫ ﻷول ﻣﺮة ،واﻟﻲ ﺗﺘﺤﺪﺛﯿﻦ إﻟﯿﮫ ﻛﻤﺎ ﻧﺘﺤﺪث ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﻟﻠﻐﺮﺑﺎء ﺑﻀﻤﯿﺮ اﻟﺠﻤﻊ ..ﻓﻼ أﻣﻠﻚ إﻻ أن أﺟﯿﺒﻚ ﺑﻨﻔﺲ ﻛﻼم اﻟﻐﺮﺑﺎء ﺑﺎﻟﺠﻤﻊ.. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺗﺘﻌﺜﺮ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻲ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺗﺤﺪث ﻟﻚ ﺑﻠﻐﺔ ﻻ أﻋﺮﻓﮭﺎ ..ﺑﻠﻐﺔ ﻻ ﺗﻌﺮف ﺷﯿﺌﺎً ﻋﻨّﺎ .أﯾﻌﻘﻞ ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ أن أﺻﺎﻓﺤﻚ وأﺳﺄﻟﻚ ﺑﻠﻐﺔ ﻓﺮﻧﺴﯿﺔ ﻣﺤﺎﯾﺪة.. ?- Mais comment allez-vous mademoiselle ﻓﺘﺮدﯾﻦ ﻋﻠﻲّ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ اﻟﻠﻐﻮﯾﺔ: - Bien.. je vous remercie.. وﺗﻜﺎد ﺗﺠﮭﺶ اﻟﺬاﻛﺮة ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء ..ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺘﻚ ﻃﻔﻠﺔ ﺗﺤﺒﻮ. ﺗﻜﺎد ﺗﺮﺗﻌﺶ ذراﻋﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪة وھﻲ ﺗﻘﺎوم رﻏﺒﺔ ﺟﺎﻣﺤﺔ ﻻﺣﺘﻀﺎﻧﻚ ،وﺳﺆاﻟﻚ ﺑﻠﮭﺠﺔ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﯿﺔ اﻓﺘﻘﺪﺗﮭﺎ.. واﺷﻚ..؟آه واﺷﻚ ..أﯾﺘﮭﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﻛﺒﺮت ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻨﱢﻲ ..ﻛﯿﻒ أﻧﺖ أﯾﺘﮭﺎ اﻟﺰاﺋﺮة
اﻟﻐﺮﯾﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ .ﯾﺎ ﻃﻔﻠﺔ ﺗﻠﺒﺲ ذاﻛﺮﺗﻲ ،وﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﻌﺼﻤﮭﺎ ﺳﻮاراً ﻛﺎن ﻷﻣﻲ؟ دﻋﯿﻨﻲ أﺿﻢّ ﻛﻞّ ﻣﻦ أﺣﺒﺒﺘﮭﻢ ﻓﯿﻚ .أﺗﺄﻣﻠﻚ وأﺳﺘﻌﯿﺪ ﻣﻼﻣﺢ )ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ( ﻓﻲ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻚ وﻟﻮن ﻋﯿﻨﯿﻚ .ﻓﻤﺎ أﺟﻤﻞ أن ﯾﻌﻮد اﻟﺸﮭﺪاء ھﻜﺬا ﻓﻲ ﻃﻠّﺘﻚ .ﻣﺎ أﺟﻤﻞ أن ﺗﻌﻮد أﻣّﻲ ﻓﻲ ﺳﻮار ﺑﻤﻌﺼﻤﻚ؛ وﯾﻌﻮد اﻟﻮﻃﻦ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﻚ .وﻣﺎ أﺟﻤﻞ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ أﻧﺖ ..ھﻲ أﻧﺖ! أﺗﺪرﯾﻦ.. (إذا ﺻﺎدف اﻹﻧﺴﺎن ﺷﻲء ﺟﻤﯿﻞ ﻣﻔﺮط ﻓﻲ اﻟﺠﻤﺎل ..رﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﺒﻜﺎء).. وﻣﺼﺎدﻓﺘﻚ أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﺣﻞّ ﺑﻲ ﻣﻨﺬ ﻋﻤﺮ. ﻛﯿﻒ أﺷﺮح ﻟﻚ ﻛﻞّ ھﺬا ﻣﺮّة واﺣﺪة ..وﻧﺤﻦ وﻗﻮف ﺗﺘﻘﺎﺳﻤﻨﺎ اﻷﻋﯿﻦ واﻷﺳﻤﺎع؟ ﻛﯿﻒ أﺷﺮح ﻟﻚ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﺸﺘﺎﻗﺎً إﻟﯿﻚ دون أن أدري ..أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ اﻧﺘﻈﺮك دون أن أﺻﺪق ذﻟﻚ؟ وأﻧﮫ ﻻ ﺑﺪ أن ﻧﻠﺘﻘﻲ. أﺟﻤﻊ ﺣﺼﯿﻠﺔ ذﻟﻚ اﻟﻠﻘﺎء اﻷول.. رﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ أو أﻛﺜﺮ .ﺗﺤﺪﺛﺖ ﻓﯿﮭﺎ أﻧﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﺤﺪﺛﺖ أﻧﺖ .ﺣﻤﺎﻗﺔ ﻧﺪﻣﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ .ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ أﺣﺎول أن أﺳﺘﺒﻘﯿﻚ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت .ﻧﺴﯿﺖ أن أﻣﻨﺤﻚ ﻓﺮﺻﺔ أﻛﺜﺮ ﻟﻠﺤﺪﯾﺚ. ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً وأﻧﺎ أﻛﺘﺸﻒ ﺷﻐﻔﻚ ﺑﺎﻟﻔﻦّ ..ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺘﻲ ﻃﻮﯾﻼً ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﻮﺣﺔ ،ﻛﺎن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻌﻚ ﻗﺎﺑﻼً ﻟﻠﺠﺪل .وأﻣﱠﺎ أﻧﺎ ﻓﻜﻨﺖ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﻻ أرﻏﺐ ﺳﻮى ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻨﻚ .وﺣﺪه وﺟﻮدك ﻛﺎن ﯾﺜﯿﺮ ﺷﮭﯿﺘﻲ ﻟﻠﻜﻼم. وﻷﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺘﺴﻊ ﻷﺳﺮد ﻋﻠﯿﻚ ﻓﺼﻮل ﻗﺼﺘﻲ اﻟﻤﺘﻘﺎﻃﻌﺔ ﻣﻊ ﻗﺼﺘﻚ، اﻛﺘﻔﯿﺖ ﺑﺠﻤﻠﺘﯿﻦ أو ﺛﻼث ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺎﺗﻲ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﺑﺄﺑﯿﻚ ..وﻋﻦ ﻃﻔﻮﻟﺘﻚ اﻷوﻟﻰ ..وﻋﻦ ﻟﻮﺣﺔ ﻗﻠﺖ إﻧﻚ أﺣﺒﺒﺘﮭﺎ ،وﻗﻠﺖ ﻟﻚ إﻧﮭﺎ ﺗﻮأﻣﻚ! اﺧﺘﺮت ﺟﻤﻠﻲ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻻﻗﺘﻀﺎب ..وﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺎء .ﺗﺮﻛﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ ﻧﻘﻂ اﻻﻧﻘﻄﺎع ..ﻹﺷﻌﺎرك ﺑﺜﻘﻞ اﻟﺼﻤﺖ اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﻤﻸه اﻟﻜﻠﻤﺎت. ﻟﻢ أﻛﻦ أرﯾﺪ أن أﻧﻔﻖ ورﻗﺘﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻣﻌﻚ ﻓﻲ ﯾﻮم واﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ. ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أوﻗﻆ ﻓﻀﻮﻟﻚ ﻟﻤﻌﺮﻓﺘﻲ أﻛﺜﺮ ،ﻟﻜﻲ أﺿﻤﻦ ﻋﻮدﺗﻚ ﻟﻲ ﺛﺎﻧﯿﺔ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ "ھﻞ ﺳﺘﻜﻮن ﻣﻮﺟﻮداً ھﻨﺎ ﻃﻮال ﻓﺘﺮة اﻟﻤﻌﺮض؟" أدرﻛﺖ أﻧﻨﻲ ﻧﺠﺤﺖ ﻓﻲ أول اﻣﺘﺤﺎن ﻣﻌﻚ ،وأﻧﺎ أﺟﻌﻠﻚ ﺗﻔﻜﺮﯾﻦ ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﻲ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﺔ .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻗﻠﺖ ﺑﺼﻮت ﻃﺒﯿﻌﻲ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺰﻻزﻟﻲ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ: "ﺳﺄﻛﻮن ھﻨﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻈﮭﺮ ﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﯿﺎن "..ﺛﻢ أﺿﻔﺖ وأﻧﺎ أﻛﺘﺸﻒ أن ﺟﻮاﺑﻲ ﻗﺪ
ﻻ ﯾﺸﺠﻌﻚ ﻋﻠﻰ زﯾﺎرة ﻗﺪ أﻛﻮن ﻏﺎﺋﺒﺎً ﻋﻨﮭﺎ: "وﻣﻦ اﻷرﺟﺢ أن أﻛﻮن ھﻨﺎ ﻛﻞ ﯾﻮم ،ﻓﺴﺘﻜﻮن ﻟﻲ ﻣﻮاﻋﯿﺪ ﻛﺜﯿﺮة ﻣﻊ اﻟﺼﺤﺎﻓﯿﯿﻦ واﻷﺻﺪﻗﺎء..". ﻛﺎن ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻜﻼم ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﻀﻄﺮاً ﻟﻠﺒﻘﺎء ﻃﻮال اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮض .ﻛﻨﺖ ﻓﻘﻂ أﺣﺎول أﻻ أﺟﻌﻠﻚ ﺗﻌﻮدﯾﻦ ﻋﻦ ﻗﺮارك ﻟﺴﺒﺐ ﻣﺎ. ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﺘﺤﺪﺛﯿﻦ ﻟﻲ ﻓﺠﺄة ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ اﻷﺻﺪﻗﺎء اﻟﻘﺪاﻣﻰ: "ﻗﺪ أﻋﻮد ﻟﺰﯾﺎرة اﻟﻤﻌﺮض ﯾﻮم اﻻﺛﻨﯿﻦ اﻟﻘﺎدم ..إﻧﮫ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﻻ دروس ﻟﻲ ﻓﯿﮫ. ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أﻧﺎ ﺣﻀﺮت اﻟﯿﻮم ﻋﻦ ﻓﻀﻮل ﻓﻘﻂ ..وﯾﺴﻌﺪﻧﻲ أن أﺗﺤﺪث إﻟﯿﻚ أﻛﺜﺮ..". ﺗﺪﺧﻠﺖ اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻚ ،وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﻌﺘﺬر ،ورﺑﻤﺎ ﺗﺘﺤﺴﺮ ﻷﻧﮭﺎ ﻟﻦ ﺗﻜﻮن ﻃﺮﻓﺎً ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻠﻘﺎء: "ﺧﺴﺎرة ..إﻧﮫ اﻟﯿﻮم اﻷﻛﺜﺮ ﻣﺸﺎﻏﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ..ﻟﻦ ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ أن أراﻓﻘﻚ ،وﻟﻜﻦ ﻗﺪ أﻋﻮد أﻧﺎ أﯾﻀﺎً ﻓﻲ ﯾﻮم آﺧﺮ ".ﺛﻢ اﻟﺘﻔﺖ ﻧﺤﻮي ﺳﺎﺋﻠﺔ: "ﻣﺘﻰ ﯾﻨﺘﮭﻲ اﻟﻤﻌﺮض؟" ﻗﻠﺖ: "ﻓﻲ 25ﻧﯿﺴﺎن ..أي ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮة أﯾﺎم..". ﺻﺎﺣﺖ: "ﻋﻈﯿﻢ ..ﺳﺄﺟﺪ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﻌﻮدة ﻣﺮة أﺧﺮى".. ﺗﻨﻔﺴﺖ اﻟﺼﻌﺪاء. اﻟﻤﮭﻢ أن أراك ﻣﺮة واﺣﺪة ﻋﻠﻰ اﻧﻔﺮاد ،وﺑﻌﺪھﺎ ﺳﯿﺼﺒﺢ ﻛﻞّ ﺷﻲء أﺳﮭﻞ. ﺗﺰودت ﻣﻨﻚ ﺑﺂﺧﺮ ﻧﻈﺮة ،وأﻧﺖ ﺗﺼﺎﻓﺤﯿﻨﻨﻲ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﺴﺤﺒﻲ. ﻛﺎن ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻚ دﻋﻮة ﻟﺸﻲء ﻣﺎ.. ﻛﺎن ﻓﯿﮭﻤﺎ وﻋﺪ ﻏﺎﻣﺾ ﺑﻘﺼﺔ ﻣﺎ.. ﻛﺎن ﻓﯿﮭﻤﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻐﺮق اﻟﻠﺬﯾﺬ اﻟﻤﺤﺒﺐ ..ورﺑﻤﺎ ﻧﻈﺮة اﻋﺘﺬار ﻣﺴﺒﻘﺔ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﯿﺤﻞ ﺑﻲ ﻣﻦ ﻛﻮارث ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺴﺒﺒﮭﻤﺎ. وﻛﻨﺖ أﻋﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،وذﻟﻚ اﻟﻠﻮن اﻷﺑﯿﺾ ﯾﻮﻟﯿﻨﻲ ﻇﮭﺮه ﻣﻠﺘﻔّﺎً ﺑﺸﺎل ﺷﻌﺮه اﻷﺳﻮد ..وﯾﺒﺘﻌﺪ ﻋﻨﻲ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ﻟﯿﺨﺘﻠﻂ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻟﻮن ،أﻧﻨﻲ ﺳﻮاء رأﯾﺘﻚ أم ﻟﻢ أرك ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم ،ﻓﻘﻂ أﺣﺒﺒﺘﻚ ..واﻧﺘﮭﻰ اﻷﻣﺮ. ﻏﺎدرت اﻟﻘﺎﻋﺔ إذن ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺟﺌﺖِ ..ﺿﻮءاً ﯾﺸﻖ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻧﺒﮭﺎراً ﻋﻨﺪ ﻣﺮوره ..ﻣﺘﺄﻟﻘﺎً ﻓﻲ اﻧﺴﺤﺎﺑﮫ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﺪوﻣﮫ. ﯾﺠﺮ ﺧﻠﻔﮫ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﻮس ﻗﺰح ..وذﯾﻼً ﻣﻦ ﻣﺸﺎرﯾﻊ اﻷﺣﻼم.
ﻣﺎ اﻟﺬي أﻋﺮﻓﮫ ﻋﻨﻚ؟ ﺷﯿﺌﺎن أو ﺛﻼﺛﺔ ..أﻋﺪﺗﮭﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﺪة ﻣﺮات ،ﻷﻗﻨﻊ ﻧﻔﺴﻲ أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ "ﻧﺠﻤﺎً ﻣﺬﻧﺒﺎً" ﻋﺎﺑﺮاً ﻛﺬاك اﻟﺬي ﯾﻀﻲء ﻓﻲ اﻷﻣﺴﯿﺎت اﻟﺼﯿﻔﯿﺔ ،وﯾﺨﺘﻔﻲ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﻤﻜﻦ اﻟﻔﻠﻜﯿﻮن ﻣﻦ ﻣﻄﺎردﺗﮫ ﺑﻤﻨﻈﺎرھﻢ ،واﻟﺬي ﯾﺴﻤﻮﻧﮫ ﻓﻲ ﻗﻮاﻣﯿﺲ اﻟﻔﻠﻚ .. "اﻟﻨﺠﻢ اﻟﮭﺎرب!" ﻻ ..ﻟﻦ ﺗﮭﺮﺑﻲ ﻣﻨﻲ ،وﺗﺨﺘﻔﻲ ﻓﻲ ﺷﻮارع ﺑﺎرﯾﺲ وأزﻗﺘﮭﺎ اﻟﻤﺘﺸﻌﺒﺔ ﺑﮭﺬه اﻟﺴﮭﻮﻟﺔ. أﻋﺮف ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ أﻧﻚ ﺗﻌﺪﯾﻦ ﺷﮭﺎدة ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻌﻠﯿﺎ ﻟﻠﺪراﺳﺎت ،وأﻧﻚ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﻟﻠﺪراﺳﺔ ،وأﻧﻚ ﻓﻲ ﺑﺎرﯾﺲ ﻣﻨﺬ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ،وﺗﻘﯿﻤﯿﻦ ﻋﻨﺪ ﻋﻤﻚ ﻣﻨﺬ ﻋﯿﻦّ ﻓﻲ ﺑﺎرﯾﺲ أي ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺘﯿﻦ .ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ھﺰﯾﻠﺔ ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺗﻜﻔﻲ ﻟﻠﻌﺜﻮر ﻋﻠﯿﻚ ﺑﺄﯾﺔ ﻃﺮﯾﻘﺔ. ﻛﺎﻧﺖ اﻷﯾﺎم اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﯿﻦ ﯾﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ وﯾﻮم اﻻﺛﻨﯿﻦ ﺗﺒﺪو ﻃﻮﯾﻠﺔ وﻛﺄﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻨﺘﮭﻲ. وﻛﻨﺖ ﺑﺪأت ﻓﻲ اﻟﻌﺪّ اﻟﻌﻜﺴﻲ ﻣﻨﺬ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺎدرت ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻘﺎﻋﺔ ،رﺣﺖ أﻋﺪّ اﻷﯾﺎم اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﯿﻦ ﯾﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ وﯾﻮم اﻻﺛﻨﯿﻦ .ﺗﺎرة أﻋﺪّھﺎ ﻓﺘﺒﺪو ﻟﻲ أرﺑﻌﺔ أﯾﺎم ،ﺛﻢ أﻋﻮد وأﺧﺘﺼﺮ اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن ﯾﻨﺘﮭﻲ ،واﻻﺛﻨﯿﻦ اﻟﺬي ﺳﺄراك ﻓﯿﮫ، ﻓﺘﺒﺪو ﻟﻲ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ أﻗﺼﺮ وأﺑﺪو أﻗﺪر ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻤﻞ ،إﻧﮭﺎ ﯾﻮﻣﺎن ﻓﻘﻂ ھﻤﺎ اﻟﺴﺒﺖ واﻷﺣﺪ. ﺛﻢ أﻋﻮد ﻓﺄﻋﺪّ اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ ..ﻓﺘﺒﺪو ﻟﻲ ﺛﻼث ﻟﯿﺎلٍ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ھﻲ اﻟﺠﻤﻌﺔ واﻟﺴﺒﺖ واﻷﺣﺪ، أﺗﺴﺎءل وأﻧﺎ أﺗﻮﻗﻊ ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻃﻮﻟﮭﺎ ،ﻛﯿﻒ ﺳﺄﻗﻀﯿﮭﺎ؟ وﯾﺤﻀﺮﻧﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﻘﺪﯾﻢ اﻟﺬي ﻟﻢ أﺻﺪّﻗﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ: أﻋﺪّ اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﺑﻌﺪ ﻟﯿﻠﺔ *** وﻗﺪ ﻋﺸﺖ دھﺮاً ﻻ أﻋﺪ اﻟﻠﯿﺎﻟﯿﺎ ﺗﺮى أھﻜﺬا ﯾﺒﺪأ اﻟﺤﺐ داﺋﻤﺎً ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺒﺪأ ﻓﻲ اﺳﺘﺒﺪال ﻣﻘﺎﯾﯿﺴﻨﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﯾﯿﺲ اﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وإذا ﺑﺎﻟﺰﻣﻦ ﻓﺘﺮة ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ،ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﻮﻗﺖ؟ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﺳﻌﺪت وأﻧﺎ أرى "ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ" ﺗﺪﺧﻞ اﻟﻘﺎﻋﺔ .ﺟﺎءت ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ .أﻧﯿﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ .داﺧﻞ ﻓﺴﺘﺎن أﺻﻔﺮ ﻧﺎﻋﻢ ،ﺗﻄﯿﺮ داﺧﻠﮫ ﻛﻔﺮاﺷﮫ .ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻀﻊ ﻗﺒﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﺪي: ﻟﻘﺪ وﺻﻠﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮة ..ﻛﺎن ھﻨﺎك ازدﺣﺎم ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻛﺎﻟﻌﺎدة ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ھﺬا اﻟﻮﻗﺖ.ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ﺗﺴﻜﻦ اﻟﻀﺎﺣﯿﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ﻟﺒﺎرﯾﺲ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻮاﺻﻼت ﺗﺘﻀﺎﻋﻒ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻷﺳﺒﻮع ،ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺮﻗﺎت اﻟﺮاﺑﻄﺔ ﺑﯿﻦ ﺑﺎرﯾﺲ وﺿﻮاﺣﯿﮭﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ذﻟﻚ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻟﺘﺄﺧﺮھﺎ .ﻛﻨﺖ أﻋﺮف أﻧﮭﺎ ﺗﻜﺮه اﻟﻠﻘﺎءات اﻟﻌﺎﻣﺔ ،أو ﺗﻜﺮه ﻛﻤﺎ
اﺳﺘﻨﺘﺠﺖ أن ﺗﻈﮭﺮ ﻣﻌﻲ ﻓﻲ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ .رﺑﻤﺎ ﺗﺨﺠﻞ أن ﯾﺮاھﺎ ﺑﻌﺾ ﻣﻌﺎرﻓﮭﺎ وھﻲ ﻣﻊ رﺟﻞ ﻋﺮﺑﻲ ،ﯾﻜﺒﺮھﺎ ﺑﻌﺸﺮ ﺳﻨﻮات ،وﯾﻨﻘﺼﮭﺎ ﺑﺬراع! ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ أن ﺗﻠﺘﻘﻲ ﺑﻲ ،وﻟﻜﻦ داﺋﻤﺎً ﻓﻲ ﺑﯿﺘﻲ أو ﺑﯿﺘﮭﺎ ،ﺑﻌﯿﺪاً ﻋﻦ اﻷﺿﻮاء ،وﺑﻌﯿﺪاً ﻋﻦ اﻟﻌﯿﻮن ،ھﻨﺎﻟﻚ ﻓﻘﻂ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺪو ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﮭﺎ وﻓﻲ ﺗﺼﺮﻓﮭﺎ ﻣﻌﻲ .وﯾﻜﻔﻲ أن ﻧﻨﺰل ﻣﻌﺎً ﻟﻨﺘﻨﺎول وﺟﺒﺔ ﻏﺪاء ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻌﻢ اﻟﻤﺠﺎور ،ﻟﯿﺒﺪو ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺷﻲ ﻣﻦ اﻻرﺗﺒﺎك واﻟﺘﺼﻨﻊ ،وﯾﺼﺒﺢ ھﻤّﮭﺎ اﻟﻮﺣﯿﺪ أن ﻧﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ. وھﻜﺬا ﺗﻌﻮدت ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺤﻀﺮ أن أﺷﺘﺮي ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻣﺎ ﯾﻜﻔﯿﻨﺎ ﻣﻦ اﻷﻛﻞ ﻟﻘﻀﺎء ﯾﻮم أو ﯾﻮﻣﯿﻦ ﻣﻌﺎً .ﻟﻢ أﻋﺪ أﻧﺎﻗﺸﮭﺎ وﻻ أﻗﺘﺮح ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺷﯿﺌﺎً .ﻛﺎن ذﻟﻚ أوﻓﺮ وأﻛﺜﺮ راﺣﺔ ﻟﻲ، ﻓﻠﻤﺎذا ﻛﻞّ ھﺬا اﻟﺠﺪل؟ ﻗﺎﻟﺖ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ﺑﺼﻮت أﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﻌﺎدة وھﻲ ﺗﻤﺴﻚ ذراﻋﻲ وﺗﻠﻘﻲ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﻤﻌﻠﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮﻓﮭﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً: ﺑﺮاﻓﻮ ﺧﺎﻟﺪ ،أھﻨﺌﻚ ..راﺋﻊ ﻛﻞّ ھﺬا ..أﯾﮭﺎ اﻟﻌﺰﯾﺰ.ﺗﻌﺠﺒﺖ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺤﺪث ھﺬه اﻟﻤﺮة وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﺮﯾﺪ أن ﯾﻌﺮف اﻵﺧﺮون أﻧﮭﺎ ﺻﺪﯾﻘﺘﻲ أو ﺣﺒﯿﺒﺘﻲ ..أو أي ﺷﻲء ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻘﺒﯿﻞ. ﻣﺎ اﻟﺬي ﻏﯿّﺮ ﺳﻠﻮﻛﮭﺎ ﻓﺠﺄة ،ھﻞ ﻣﻨﻈﺮ ذﻟﻚ اﻟﺤﺸﺪ ﻣﻦ اﻟﺸﺨﺼﯿﺎت اﻟﻔﻨﯿﺔ واﻟﺼﺤﺎﻓﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﺣﻀﺮوا اﻻﻓﺘﺘﺎح ..أم أﻧﮭﺎ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻜﺎن ،أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺘﯿﻦ ﺗﻀﺎﺟﻊ ﻋﺒﻘﺮﯾﺎً دون أن ﺗﺪري ،وأنﱠ ذراﻋﻲ اﻟﻨﺎﻗﺼﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﺎﯾﻘﮭﺎ ﻓﻲ ﻇﺮوف أﺧﺮى ،ﺗﺄﺧﺬ ھﻨﺎ ﺑﻌﺪاً ﻓﻨﯿﺎً ﻓﺮﯾﺪاً ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﯾﯿﺲ اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ؟ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ،أﻧﻨﻲ ﺧﻼل اﻟﺨﻤﺲ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺸﺘﮭﺎ ﺑﺬراع واﺣﺪة ،ﻟﻢ ﯾﺤﺪث أﻧﻨﻲ ﻧﺴﯿﺖ ﻋﺎھﺘﻲ إﻻ ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺎت اﻟﻌﺮض. ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻌﯿﻮن ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻠﻮﺣﺎت ،وﺗﻨﺴﻰ أن ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ ذراﻋﻲ .أو رﺑﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷوﻟﻰ ﻟﻼﺳﺘﻘﻼل ..وﻗﺘﮭﺎ ﻛﺎن ﻟﻠﻤﺤﺎرب ھﯿﺒﺘﮫ، وﻟﻤﻌﻄﻮﺑﻲ اﻟﺤﺮوب ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻘﺪاﺳﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس .ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻮﺣﻮن ﺑﺎﻻﺣﺘﺮام أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﯾﻮﺣﻮن ﺑﺎﻟﺸﻔﻘﺔ .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻄﺎﻟﺒﺎً ﺑﺘﻘﺪﯾﻢ أي ﺷﺮح وﻻ أي ﺳﺮد ﻟﻘﺼﺘﻚ. ﻛﻨﺖ ﺗﺤﻤﻞ ذاﻛﺮﺗﻚ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪك ،وﻟﻢ ﯾﻜﻮن ذﻟﻚ ﯾﺘﻄﻠﺐ أيّ ﺗﻔﺴﯿﺮ. اﻟﯿﻮم ﺑﻌﺪ رﺑﻊ ﻗﺮن ،..أﻧﺖ ﺗﺨﺠﻞ ﻣﻦ ذراع ﺑﺪﻟﺘﻚ اﻟﻔﺎرغ اﻟﺬي ﺗﺨﻔﯿﮫ ﺑﺤﯿﺎء ﻓﻲ ﺟﯿﺐ ﺳﺘﺮﺗﻚ ،وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺨﻔﻲ ذاﻛﺮﺗﻚ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ،وﺗﻌﺘﺬر ﻋﻦ ﻣﺎﺿﯿﻚ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻻ
ﻣﺎﺿﻲ ﻟﮭﻢ. ﯾﺪك اﻟﻨﺎﻗﺼﺔ ﺗﺰﻋﺠﮭﻢ .ﺗﻔﺴﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺾ راﺣﺘﮭﻢ .ﺗﻔﻘﺪھﻢ ﺷﮭﯿﺘﮭﻢ. ﻟﯿﺲ ھﺬا اﻟﺰﻣﻦ ﻟﻚ ،إﻧﮫ زﻣﻦ ﻟﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب. ﻟﻠﺒﺪﻻت اﻷﻧﯿﻘﺔ واﻟﺴﯿﺎرات اﻟﻔﺨﻤﺔ ..واﻟﺒﻄﻮن اﻟﻤﻨﺘﻔﺨﺔ .وﻟﺬا ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﺎ ﺗﺨﺠﻞ ﻣﻦ ذراﻋﻚ وھﻲ ﺗﺮاﻓﻘﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺘﺮو وﻓﻲ اﻟﻤﻄﻌﻢ وﻓﻲ اﻟﻤﻘﮭﻰ وﻓﻲ اﻟﻄﺎﺋﺮة وﻓﻲ ﺣﻔﻞ ﺗﺪﻋﻰ إﻟﯿﮫ .ﺗﺸﻌﺮ أن اﻟﻨﺎس ﯾﻨﺘﻈﺮون ﻣﻨﻚ ﻓﻲ ﻛﻞّ ﻣﺮّة أن ﺗﺴﺮد ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻗﺼﺘﻚ. ﻛﻞّ اﻟﻌﯿﻮن اﻟﻤﺴﺘﺪﯾﺮة دھﺸﺔ ،ﺗﺴﺄﻟﻚ ﺳﺆاﻻً واﺣﺪاً ﺗﺨﺠﻞ اﻟﺸﻔﺎه ﻣﻦ ﻃﺮﺣﮫ" :ﻛﯿﻒ ﺣﺪث ھﺬا؟". وﯾﺤﺪث أن ﺗﺤﺰن ،وأﻧﺖ ﺗﺄﺧﺬ اﻟﻤﯿﺘﺮو وﺗﻤﺴﻚ ﺑﯿﺪك اﻟﻔﺮﯾﺪة اﻟﺬراع اﻟﻤﻌﻠﻘﺔ ﻟﻠﺮﻛﺎب. ﺛﻢ ﺗﻘﺮأ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺮاﺳﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺒﺎرة: "أﻣﺎﻛﻦ ﻣﺤﺠﻮزة ﻟﻤﻌﻄﻮﺑﻲ اﻟﺤﺮب واﻟﺤﻮاﻣﻞ..". ﻻ ﻟﯿﺴﺖ ھﺬه اﻷﻣﺎﻛﻦ ﻟﻚ .ﺷﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺰّة ،ﻣﻦ ﺑﻘﺎﯾﺎ ﺷﮭﺎﻣﺔ ،ﺗﺠﻌﻠﻚ ﺗﻔﻀّﻞ اﻟﺒﻘﺎء واﻗﻔﺎُ ﻣﻌﻠﻘﺎً ﺑﯿﺪ واﺣﺪة. إﻧﮭﺎ أﻣﺎﻛﻦ ﻣﺤﺠﻮزة ﻟﻤﺤﺎرﺑﯿﻦ ﻏﯿﺮك ،ﺣﺮﺑﮭﻢ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﺮﺑﻚ ،وﺟﺮاﺣﮭﻢ رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﯾﺪك. أﻣﺎ ﺟﺮاﺣﻚ أﻧﺖ ..ﻓﻐﯿﺮ ﻣﻌﺘﺮف ﺑﮭﺎ ھﻨﺎ. ھﺎ أﻧﺖ أﻣﺎم ﺟﺪﻟﯿﺔ ﻋﺠﯿﺒﺔ.. ﺗﻌﯿﺶ ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﯾﺤﺘﺮم ﻣﻮھﺒﺘﻚ وﯾﺮﻓﺾ ﺟُﺮوﺣﻚ .وﺗﻨﺘﻤﻲ ﻟﻮﻃﻦ ،ﯾﺤﺘﺮم ﺟﺮاﺣﻚ وﯾﺮﻓﻀﻚ أﻧﺖ .ﻓﺄﯾﮭﻤﺎ ﺗﺨﺘﺎر ..وأﻧﺖ اﻟﺮﺟﻞ واﻟﺠﺮح ﻓﻲ آن واﺣﺪ ..وأﻧﺖ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﻤﻌﻄﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﯿﺲ ھﺬا اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻤﻌﻄﻮب ﺳﻮى واﺟﮭﺔ ﻟﮭﺎ؟ أﺳﺌﻠﺔ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻃﺮﺣﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ .ﻛﻨﺖ أھﺮب ﻣﻨﮭﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻓﻘﻂ، واﻟﺨﻠﻖ اﻟﻤﺘﻮاﺻﻞ ،وذﻟﻚ اﻷرق اﻟﺪاﺧﻠﻲ اﻟﺪاﺋﻢ. ﻛﺎن داﺧﻠﻲ ﺷﻲء ﻻ ﯾﻨﺎم ،ﺷﻲء ﯾﻮاﺻﻞ اﻟﺮﺳﻢ داﺋﻤﺎً وﻛﺄﻧﮫ ﯾﻮاﺻﻞ اﻟﺮﻛﺾ ﺑﻲ ﻟﯿﻮﺻﻠﻨﻲ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﻘﺎﻋﺔ ،ﺣﯿﺚ ﺳﺄﻋﯿﺶ ﻷﯾﺎم رﺟﻼً ﻋﺎدﯾﺎً ﺑﺬراﻋﯿﻦ ،أو ﺑﺎﻷﺣﺮى رﺟﻼً ﻓﻮق اﻟﻌﺎدة.. رﺟﻼً ﯾﺴﺨﺮ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﯿﺪ واﺣﺪة .وﯾﻌﯿﺪ ﻋﺠﻦ ﺗﻀﺎرﯾﺲ اﻷﺷﯿﺎء ﺑﯿﺪ واﺣﺪة. ھﺎ أﻧﺎ ذا ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻘﺎﻋﺔ إذن ..وھﺎ ھﻮذا ﺟﻨﻮﻧﻲ ﻣﻌﻠّﻖ ﻟﻠﻔﺮﺟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪران. ﺗﺘﻔﺤﺼﮫ اﻟﻌﯿﻮن وﺗﻔﺴﺮه اﻷﻓﻮاه ﻛﯿﻔﻤﺎ ﺷﺎءت ..وﻻ أﻣﻠﻚ إﻻ أن أﺑﺘﺴﻢ ،وﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ
اﻟﺘﻌﻠﯿﻘﺎت اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﺗﺼﻞ ﻣﺴﻤﻌﻲ .وأﺗﺬﻛﺮ ﻗﻮﻻً ﺳﺎﺧﺮاً ﻟـ" ﻛﻮﻧﻜﻮر": "ﻻ ﺷﻲ ﯾﺴﻤﻊ اﻟﺤﻤﺎﻗﺎت اﻷﻛﺜﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ..ﻣﺜﻞ ﻟﻮﺣﺔ ﻓﻲ ﻣﺘﺤﻒ!". ﺟﺎء ﺻﻮت ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ﺧﺎﻓﺘﺎً وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﺘﺤﺪث ﻟﻲ وﺣﺪي ھﺬه اﻟﻤﺮة: ﻋﺠﯿﺐ ..إﻧﻨﻲ أرى ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺎت وﻛﺄﻧﻨﻲ ﻻ أﻋﺮﻓﮭﺎ ،إﻧﮭﺎ ھﻨﺎ ﺗﺒﺪو ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ..ﻛﺪت أﺟﯿﺒﮭﺎ وأﻧﺎ أواﺻﻞ ﻓﻜﺮة ﺳﺎﺑﻘﺔ: "إن ﻟﻠﻮﺣﺎت ﻣﺰاﺟﮭﺎ وﻋﻮاﻃﻔﮭﺎ أﯾﻀﺎً ..إﻧﮭﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﺜﻞ اﻷﺷﺨﺎص .إﻧﮭﻢ ﯾﺘﻐﯿﺮون أول ﻣﺎ ﺗﻀﻌﯿﻨﮭﻢ ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ ﺗﺤﺖ اﻷﺿﻮاء"! وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﮭﺎ ھﺬا. ﻗﻠﺖ ﻟﮭﺎ ﻓﻘﻂ: اﻟﻠﻮﺣﺔ أﻧﺜﻰ ﻛﺬﻟﻚ ..ﺗﺤﺐّ اﻷﺿﻮاء وﺗﺘﺠﻤﻞ ﻟﮭﺎ ،ﺗﺤﺐ أن ﻧﺪﻟّﻠﮭﺎ وﻧﻤﺴﺢ اﻟﻐﺒﺎرﻋﻨﮭﺎ ،أن ﻧﺮﻓﻌﮭﺎ ﻋﻦ اﻷرض وﻧﺮﻓﻊ ﻋﻨﮭﺎ اﻟﻠﺤﺎف اﻟﺬي ﻧﻐﻄﱢﯿﮭﺎ ﺑﮫ ...ﺗﺤﺐّ أن ﻧﻌﻠﻘﮭﺎ ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ ﻟﺘﺘﻘﺎﺳﻤﮭﺎ اﻷﻋﯿﻦ ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻌﺠﺒﺔ ﺑﮭﺎ.. إﻧﮭﺎ ﺗﻜﺮه ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ أن ﺗﻌﺎﻣﻞ ﺑﺘﺠﺎھﻞ ﻻ ﻏﯿﺮ.. ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻔﻜﺮ: ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﮫ ..ﻣﻦ أﯾﻦ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﮭﺬه اﻷﻓﻜﺎر؟ أﺗﺪري أﻧﻨﻲ أﺣﺐ اﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﯿﻚ؟ ﻻأﻓﮭﻢ ﻛﯿﻒ ﻻ ﻧﺠﺪ أﺑﺪاً وﻗﺘﺎً ﻟﻠﺤﺪﯾﺚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻠﺘﻘﻲ. وﻗﺒﻞ أن أﻋﻠّﻖ ﻋﻠﻰ ﺳﺆاﻟﮭﺎ ﺑﺠﻮاب ﻣﻘﻨﻊ ﺟﺪاً ..أﺿﺎﻓﺖ ﺑﻨﻮاﯾﺎ أﻋﺮﻓﮭﺎ وھﻲ ﺗﻀﺤﻚ.. ﻣﺘﻰ ﺳﺘﻌﺎﻣﻠﻨﻲ أﺧﯿﺮاً ﻛﻠﻮﺣﺔ؟ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﺿﺤﻚ ﻟﺴﺮﻋﺔ ﺑﺪاھﺘﮭﺎ ..وﻟﺸﮭﯿﺘﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺸﺒﻊ: ھﺬا اﻟﻤﺴﺎء إذا ﺷﺌﺖ..وﻋﻨﺪﻣﺎ أﺧﺬت ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ﻣﻨّﻲ ﻣﻔﺎﺗﯿﺢ اﻟﺒﯿﺖ ،وﻃﺎرت ﻛﻔﺮاﺷﺔ داﺧﻞ ﻓﺴﺘﺎﻧﮭﺎ اﻷﺻﻔﺮ ﻧﺤﻮ اﻟﺒﺎب. ﻗﺎﻟﺖ وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺷﻌﺮت ﻓﺠﺄة ﺑﺎﻟﻐﯿﺮة ﻣﻦ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﻤﻌﻠﻘﺔ ﺑﻌﻨﺎﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪران، واﻟﺘﻲ ﻣﺎ زال ﺑﻌﺾ اﻟﺰوار ﯾﺘﺄﻣﻠﻮﻧﮭﺎ:
أﻧﺎ ﻣﺘﻌﺒﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ..ﺳﺄﺳﺒﻘﻚ.أﻛﺎﻧﺖ ﺣﻘﺎً ﻣﺘﻌﺒﺔ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ ،أم أﺻﺒﺤﺖ ﻓﺠﺄة ﺗﻐﺎر ﻋﻠﻲّ أو ﺗﻐﺎر ﻣﻨّﻲ ..أم ﺟﺎءﺗﻨﻲ ﺑﺠﻮع ﻣﺴﺒﻖ؟ .ﻛﺎﻟﻌﺎدة ،ﻟﻢ أﺣﺎول أن أﺗﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﻓﮭﻤﮭﺎ. ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ ﻓﻘﻂ أن أﺳﺘﻌﯿﻦ ﺑﮭﺎ ﻷﻧﺴﻰ .ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً أن أﺧﺘﺼﺮ ﻣﻌﮭﺎ ﯾﻮﻣﺎً أو ﯾﻮﻣﯿﻦ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﻈﺎر ..اﻧﺘﻈﺎرك أﻧﺖ! وﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻟﯿﻠﺔ ﺣﺐّ ﺑﻌﺪ ﺷﮭﺮ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪة، واﻟﺮﻛﺾ ﻹﻋﺪاد ﻛﻞّ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ھﺬا اﻟﻤﻌﺮض. ﻟﺤﻘﺖ ﺑﻜﺎﺗﺮﯾﻦ ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺔ. ﻛﻨﺖ ﻣﺘﻌﺒﺎً ﻷﺳﺒﺎب ﻛﺜﯿﺮة .أﺣﺪھﺎ ﻟﻘﺎﺋﻲ اﻟﻌﺠﯿﺐ ﺑﻚ وﻛﻞّ ﻣﺎ ﻋﺸﺘﮫ ﻣﻦ ھﺰّات ﻧﻔﺴﯿﺔ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم. ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻔﺘﺢ ﻟﻲ اﻟﺒﺎب: إﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺘﺄﺧﺮ ﻛﺜﯿﺮاً..ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أداﻋﺒﮭﺎ: ﻛﺎن ﻓﻲ ذھﻨﻲ ﻣﺸﺮوع ﻟﻮﺣﺔ ..ﻓﻌﺪت ﻣﺴﺮﻋﺎً إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ ..اﻟﻮﺣﻲ ﻻ ﯾﻨﺘﻈﺮ ﻛﺜﯿﺮاًﻛﻤﺎ ﺗﻌﻠﻤﯿﻦ! ﺿﺤﻜﻨﺎ.. ﻛﺎن ﺑﯿﻨﻨﺎ ﺗﻮاﻃﺆ ﺟﺴﺪي ﻣﺎ ،ﯾﺸﯿﻊ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﮭﺠﺔ اﻟﺜﻨﺎﺋﯿﺔ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺴﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻤﺎرﺳﮭﺎ دون ﻗﯿﻮد ..ﺑﺸﺮﻋﯿﺔ اﻟﺠﻨﻮن! وﻟﻜﻦ ﺷﻌﺮت ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ وھﻲ ﺟﺎﻟﺴﺔ ﻓﻲ اﻷرﯾﻜﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻲ ﺗﺸﺎھﺪ اﻷﺧﺒﺎر ،وﺗﻠﺘﮭﻢ )ﺳﻨﺪوﯾﺘﺸﺎً( أﺣﻀﺮﺗﮫ ﻣﻌﮭﺎ ،أﻧﮭﺎ اﻣﺮأة ﻛﺎﻧﺖ داﺋﻤﺎً ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن ﺗﻜﻮن ﺣﺒﯿﺒﺘﻲ، وأﻧﮭﺎ ھﺬه اﻟﻤﺮّة _ ﻛﺬﻟﻚ _ ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻧﮭﺎ! إن اﻣﺮأة ﺗﻌﯿﺶ ﻋﻠﻰ "اﻟﺴﻨﺪوﯾﺘﺸﺎت" ھﻲ اﻣﺮأة ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻋﺠﺰ ﻋﺎﻃﻔﻲ ،وﻣﻦ ﻓﺎﺋﺾ ﻓﻲ اﻷﻧﺎﻧﯿﺔ ..وﻟﺬا ﻻ ﯾﻤﻜﻨﮭﺎ أن ﺗﮭﺐ رﺟﻼً ﻣﺎ ﯾﻠﺰﻣﮫ ﻣﻦ أﻣﺎن. ﻟﯿﻠﺘﮭﺎ ،ادّﻋﯿﺖ أﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﺟﺎﺋﻌﺎً. ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻛﻨﺖ راﻓﻀﺎً ورﺑﻤﺎ ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ اﻻﻧﺘﻤﺎء ﻟﺰﻣﻦ "اﻟﺴﻨﺪوﯾﺘﺸﺎت". وﺑﺮﻏﻢ ذﻟﻚ.. ﺣﺎوﻟﺖ أﻻ أﺗﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻔﺰّ ﺑﺪاوﺗﻲ ﻓﻲ أول اﻷﻣﺮ. ﺗﻌﻮّدت ﻣﻨﺬ ﺗﻌﺮﻓﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ أﻻ أﺑﺤﺚ ﻛﺜﯿﺮاً ﻋﻦ أوﺟﮫ اﻻﺧﺘﻼف ﺑﯿﻨﻨﺎ .أن أﺣﺘﺮم ﻃﺮﯾﻘﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ،وﻻ أﺣﺎول أن أﺻﻨﻊ ﻣﻨﮭﺎ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨّﻲ .ﺑﻞ إﻧﻨﻲ رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺣﺒﮭﺎ ﻷﻧﮭﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﻲ ﺣﺪّ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ أﺣﯿﺎﻧﺎً.
ﻓﻼ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ أن ﺗﻠﺘﻘﻲ ﺑﻀﺪك ،ﻓﺬﻟﻚ وﺣﺪه ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ أن ﯾﺠﻌﻠﻚ ﺗﻜﺘﺸﻒ ﻧﻔﺴﻚ. وأﻋﺘﺮف أﻧﻨﻲ ﻣﺪﯾﻦ ﻟﻜﺎﺗﺮﯾﻦ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎﺗﻲ ،ﻓﻼ ﺷﻲء ﻛﺎن ﯾﺠﻤﻌﻨﻲ ﺑﮭﺬه اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،ﺳﻮى ﺷﮭﻮﺗﻨﺎ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ وﺣﺒﻨﺎ اﻟﻤﺸﺘﺮك ﻟﻠﻔﻦ. وﻛﺎن ﻛﺎﻓﯿﺎً ﻟﻨﻜﻮن ﺳﻌﯿﺪﯾﻦ ﻣﻌﺎً. ﺗﻌﻮدﻧﺎ ﻣﻊ ﻣﺮور اﻟﺰﻣﻦ أﻻ ﻧﺰﻋﺞ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﺎﻷﺳﺌﻠﺔ وﻻ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎؤﻻت .ﻓﻲ اﻟﺒﺪء ﺗﺄﻗﻠﻤﺖ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﻣﻊ ھﺬا اﻟﻨﻤﻂ اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻣﻜﺎن ﻓﯿﮫ ﻟﻠﻐﯿﺮة وﻻ ﻟﻼﻣﺘﻼك. ﺛﻢﱠ وﺟﺪت ﻓﯿﮫ ﺣﺴﻨﺎت ﻛﺜﯿﺮة ،أھﻤﮭﺎ اﻟﺤﺮّﯾّﺔ ..وﻋﺪم اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺸﻲء ﺗﺠﺎه أﺣﺪ.. ﻛﺎن ﯾﺤﺪث أن ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻣﺮّة ﻓﻲ اﻷﺳﺒﻮع ،ﻛﻤﺎ ﯾﺤﺪث أن ﺗﻤﺮّ ﻋﺪة أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻠﺘﻘﻲ ..وﻟﻜﻦ ﻛﻨّﺎ ﻧﻠﺘﻘﻲ داﺋﻤﺎً ﺑﺸﻮق وﺑﺮﻏﺒﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ. ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ﺗﻘﻮل "ﯾﻨﺒﻐﻲ أﻻ ﻧﻘﺘﻞ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﺎدة" ،وﻟﮭﺬا أﺟﮭﺪت ﻧﻔﺴﻲ ﺣﺘﻰ ﻻ أﺗﻌﻮد ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وأن أﻛﺘﻔﻲ ﺑﺄن أﻛﻮن ﺳﻌﯿﺪاً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺄﺗﻲ ،وأن أﻧﺴﻰ أﻧﮭﺎ ﻣﺮّت ﻣﻦ ھﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮﺣﻞ. ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮة ﺣﺎوﻟﺖ أن أﺳﺘﺒﻘﯿﮭﺎ ﻟﻘﻀﺎء ﻛﻞّ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻷﺳﺒﻮع ﻣﻌﻲ ،وﺳﻌﺪت أن ﺗﻘﺒﻞ ﻋﺮﺿﻲ ﺑﺤﻤﺎس. ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﻊ أﺧﺎف أن أﺑﻘﻰ وﺣﯿﺪاً ﻣﻊ ﺳﺎﻋﺘﻲ اﻟﺠﺪارﯾﺔ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﯾﻮم اﻻﺛﻨﯿﻦ. ورﻏﻢ أنّ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ﻇﻠّﺖ ﻣﻌﻲ ﺣﺘﻰ ﻋﺸﯿﺔ ﯾﻮم اﻷﺣﺪ ،ﻓﺈن اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺪا ﻟﻲ ﻃﻮﯾﻼً ،ورﺑﻤﺎ ﺑﺪا ﻟﻲ أﻛﺜﺮ ﻷﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻲ .ﻓﻘﺪ ﺑﺪأت ﻓﺠﺄة أﺳﺘﻌﺠﻞ ذھﺎﺑﮭﺎ وﻛﺄﻧﻨﻲ ﺳﺄﺧﻠﻮ ﺑﻚ ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ. ﻛﺎﻧﺖ أﻓﻜﺎري ﺗﺪور ﺣﻮل ﺳﺆال واﺣﺪ.. ﻣﺎذا أﻗﻮل ﻟﻚ ﻟﻮ اﻧﻔﺮدت ﺑﻚ ﯾﻮم اﻻﺛﻨﯿﻦ؟ ﻣﻦ أﯾﻦ أﺑﺪأ ﻣﻌﻚ اﻟﺤﺪﯾﺚ ..وﻛﯿﻒ أﻗﺺّ ﻋﻠﯿﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﻌﺠﯿﺒﺔ ،ﻗﺼّﺘﻨﺎ؟ ﻛﯿﻒ أﻏﺮﯾﻚ ﺑﺎﻟﻌﻮدة ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻟﺴﻤﺎع ﺑﻘﯿّﺘﮭﺎ؟ ﺻﺒﺎح اﻻﺛﻨﯿﻦ ،ﻟﺒﺴﺖ ﺑﺪﻟﺘﻲ اﻷﺟﻤﻞ ﻟﻤﻮﻋﺪﻧﺎ اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ .اﺧﺘﺮت ﺑﺬوق رﺑﻄﺔ ﻋﻨﻘﻲ. وﺿﻌﺖ ﻋﻄﺮي اﻟﻤﻔﻀّﻞ ،واﺗﺠﮭﺖ ﻧﺤﻮ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﻤﻌﺮض ﻧﺤﻮ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻌﺎﺷﺮة. ﻛﺎن أﻣﺎﻣﻲ ﻣﺘﱠﺴﻊ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻷﺷﺮب ﻗﮭﻮﺗﻲ اﻟﺼﺒﺎﺣﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﮭﻰ ﻣﺠﺎور .ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻌﻘﻞ أن ﺗﺄﺗﻲ ﻗﺒﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ،وﺣﺘﻰ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻔﺘﺢ أﺑﻮاﺑﮭﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﺎﺷﺮة.
ﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻠﺖ اﻟﻘﺎﻋﺔ ،ﻛﻨﺖ أول ﻣﻦ ﯾﻄﺄھﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح .ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺠﻮ ﺷﺤﻨﺔ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺂﺑﺔ .ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﻨﺎك ﻣﻦ أﺿﻮاء ﻣﻮﺟﮭﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﻠﻮﺣﺎت ،وﻻ أيّ ﺿﻮء ﻛﮭﺮﺑﺎﺋﻲ ﯾﻀﻲء اﻟﺴﻘﻒ. أﻟﻘﯿﺖ ﻧﻈﺮة ﺧﺎﻃﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪران. ھﺎ ھﻲ ﻟﻮﺣﺎﺗﻲ ﺗﺴﺘﯿﻘﻆ ﻛﺎﻣﺮأة ،ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺼﺒﺎﺣﯿﺔ اﻟﻌﺎرﯾﺔ دون زﯾﻨﺔ وﻻ ﻣﺴﺎﺣﯿﻖ وﻻ "رﺗﻮش". ھﺎھﻲ اﻣﺮأة ﺗﺘﺜﺎءب ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪران ﺑﻌﺪ أﻣﺴﯿﺔ ﺻﺎﺧﺒﺔ. اﺗﺠﮭﺖ ﻧﺤﻮ ﻟﻮﺣﺘﻲ اﻟﺼﻐﯿﺮة "ﺣﻨﯿﻦ" أﺗﻔﻘﺪھﺎ وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺗﻔﻘﺪك. "ﺻﺒﺎح اﻟﺨﯿﺮ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..ﻛﯿﻒ أﻧﺖ ﯾﺎ ﺟﺴﺮي اﻟﻤﻌﻠﻖ ..ﯾﺎ ﺣﺰﻧﻲ اﻟﻤﻌﻠّﻖ ﻣﻨﺬ رﺑﻊ ﻗﺮن؟". ردّت ﻋﻠﻲّ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﺑﺼﻤﺘﮭﺎ اﻟﻤﻌﺘﺎد ،وﻟﻜﻦ ﺑﻐﻤﺰة ﺻﻐﯿﺮة ھﺬه اﻟﻤﺮّة. ﻓﺎﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﮭﺎ ﺑﺘﻮاﻃﺆ. إﻧﻨﺎ ﻧﻔﮭﻢ ﺑﻌﻀﻨﺎ أﻧﺎ وھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ "اﻟﺒﻠﺪي ﯾﻔﮭﻢ ﻣﻦ ﻏﻤﺰة"! وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻮﺣﺔ ﺑﻠﺪﯾّﺔ ﻣﻜﺎﺑﺮة ﻣﺜﻞ ﺻﺎﺣﺒﮭﺎ ،ﻋﺮﯾﻘﺔ ﻣﺜﻠﮫ ،ﺗﻔﮭﻢ ﺑﻨﺼﻒ ﻏﻤﺰة! رﺣﺖ ﺑﻌﺪھﺎ أﺗﻠﮭّﻰ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻤﺸﺎﻏﻞ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺆﺟّﻠﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺎرﺣﺔ .ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻣﺜﻞ أﺧﺮى ﻟﻜﺴﺐ اﻟﻮﻗﺖ ،واﻟﺘﻔﺮّغ ﻟﻚ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ .وﻛﺎن ﺻﻮت داﺧﻠﻲّ ﯾﻼﺣﻘﻨﻲ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ، ﻟﯿﺬﻛﺮﻧﻲ أﻧﻚ ﺳﺘﺄﺗﯿﻦ ،وﯾﻤﻨﻌﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﺮﻛﯿﺰ ﻋﻠﻰ أي ﺷﻲء. ﺳﺘﺄﺗﻲ.. ﺳﺘﺄﺗﻲ ..ردّد اﻟﺼﻮت ﺳﺎﻋﺔ وﺳﺎﻋﺘﯿﻦ وأﻛﺜﺮ ..وﻣﺮّ ﺻﺒﺢ وﻣﺮّ ﻣﺴﺎء وﻟﻢ ﺗﺄتِ. ﺣﺎوﻟﺖ أن أﻧﺸﻐﻞ ﺑﻠﻘﺎءات وﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﯾﻮﻣﯿﺔ ﻛﺜﯿﺮة ،ﺣﺎوﻟﺖ أن أﻧﺴﻰ أﻧﻨﻲ ھﻨﺎ ﻻﻧﺘﻈﺎرك.. ﻗﺎﺑﻠﺖ ﺻﺤﺎﻓﯿﺎً وﺗﺤﺪﺛﺖ ﻵﺧﺮ دون أن ﺗﻔﺎرق ﻋﯿﻨﺎي اﻟﺒﺎب .ﻛﻨﺖ أﺗﺮﻗّﺒﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺧﻄﻮة.. وﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪّم اﻟﻮﻗﺖ زاد ﯾﺄﺳﻲ. وﻓﺠﺄة ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب ﻟﯿﺪﺧﻞ ﻣﻨﮫ ..ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ! ﻧﮭﻀﺖ إﻟﯿﮫ ﻣﺴﻠّﻤﺎً وأﻧﺎ أﺧﻔﻲ ﻋﻨﮫ دھﺸﺘﻲ .ﺗﺬﻛﱠﺮت أﻏﻨﯿﺔ ﻓﺮﻧﺴﯿﺔ ﯾﻘﻮل ﻣﻄﻠﻌﮭﺎ "أردت أن أرى أﺧﺘﻚ ..ﻓﺮأﯾﺖ أﻣّﻚ ﻛﺎﻟﻌﺎدة..". -ع اﻟﺴﻼﻣﺔ ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ..ﻋﺎش ﻣﻦ ﺷﺎﻓﻚ!
ﻗﺎﻟﮭﺎ وھﻮ ﯾﺤﺘﻀﻨﻨﻲ وﯾﺴﻠّﻢ ﻋﻠﻲّ ﺑﺤﺮارة .وأﻋﺘﺮف ﺑﺮﻏﻢ ﺧﯿﺒﺘﻲ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺤﺪث أن ﺷﻌﺮت ﺑﺴﻌﺎدة وأﻧﺎ أﺳﻠّﻢ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮة. وﻗﺒﻞ أن أﺳﺄﻟﮫ ﻋﻦ أﺧﺒﺎره ﻗﺎل وھﻮ ﯾﻘﺪّم ﻟﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺪﯾﻖ اﻟﻤﺸﺘﺮك اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺮاﻓﻘﮫ: ﺷﻔﺖ ﺷﻜﻮن ﺟﺒﺘﻠﻚ ﻣﻌﺎيَ؟ﺻﺤﺖ وأﻧﺎ أﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ دھﺸﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى: أھﻼً ﺳﻲ ﻣﺼﻄﻔﻰ واش راك ..واش ھﺎذ اﻟﻄﻠﺔ..ﻗﺎل ﺑﻤﻮدة وھﻮ ﯾﺤﺘﻀﻨﻨﻲ ﺑﺪوره: واش آﺳﯿﺪي ..ﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﺎ ﻧﺠﯿﻮﻛﺶ ﻣﺎ ﻧﺸﻮﻓﻮﻛﺶ وإﻻ ﻛﯿﻔﺎش؟رﺣﺖ أﺟﺎﻣﻠﮫ.ز وأﺳﺄﻟﮫ ﺑﺪوي ﻋﻦ أﺧﺒﺎره وإن ﻛﻨﺖ أدري أنّ ﻓﻲ ﻣﺮاﻓﻘﺔ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻟﮫ وﻓﻲ ﻣﺒﺎﻟﻐﺘﮫ ﻓﻲ ﺗﻜﺮﯾﻤﮫ دﻟﯿﻼً ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻣﺮﺷﺢ ﻟﻤﻨﺼﺐ وزاري ﻣﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮل اﻹﺷﺎﻋﺎت. ﻋﺎﺗﺒﻨﻲ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﺑﻮدّ أﺣﺴﺴﺘﮫ ﺻﺎدﻗﺎً: ﯾﺎ أﺧﻲ ..أﯾﻌﻘﻞ أن ﻧﺴﻜﻦ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻣﻌﺎً دون أن ﺗﻔﻜّﺮ ﻓﻲ زﯾﺎرﺗﻲ ﻣﺮّة واﺣﺪة؟.أﻧﺎ ھﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺘﯿﻦ وﻋﻨﻮاﻧﻲ ﻣﻌﺮوف ﻋﻨﺪك. ﺗﺪﺧّﻞ ﺳﻲ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻟﯿﻀﯿﻒ ﺑﺘﻠﻤﯿﺢ ﺳﯿﺎﺳﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺰاح واﻟﺠﺪ: واش راك ﻣﻘﺎﻃﻌﻨﺎ ..وإﻻ ﻛﯿﻔﺎش ھﺎذا اﻟﻐﯿﺒﺔ..؟أﺟﺒﺘﮫ ﺑﺼﺪق: ﻻ أﺑﺪاً ..وﻟﻜﻦ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺴﮭﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺ ﺳﻜﻨﺘﮫ اﻟﻐﺮﺑﺔ أن ﯾﺠﻤﻊ أﺷﯿﺎءه ھﻜﺬاوﯾﻌﻮد ..ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ "اﻟﻤﻨﻔﻰ ﻋﺎدة ﺳﯿّﺌﺔ ﯾﺘﺨﺬھﺎ اﻹﻧﺴﺎن" وﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻟﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺎدة ﺳﯿﺌﺔ ھﻨﺎ.. ﺿﺤﻜﻨﺎ ..وﺗﺸﻌّﺐ ﺑﻨﺎ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﯿﻊ أﺧﺮى ﺗﻄﺮﻗﻨﺎ إﻟﯿﮭﺎ ﻋﺒﻮراً وﻣﺠﺎﻣﻠﺔ ﻓﻘﻂ..
وﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن ﯾﺘﻮﻗّﻔﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻣﺎم إﺣﺪى اﻟﻠﻮﺣﺎت وھﻤﺎ ﯾﻘﻮﻣﺎن ﺑﺠﻮﻟﺔ ﻟﻤﺸﺎھﺪة اﻟﻤﻌﺮض .ﻷﻓﮭﻢ ﺳﺮّ زﯾﺎرة ﺳﻲ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻟﻤﻌﺮﺿﻲ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد ﻟﻜﻮﻧﮫ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺸﺘﺮي ﻟﻮﺣﺔ أو ﻟﻮﺣﺘﯿﻦ ﻣﻨّﻲ .ﻗﺎل: أرﯾﺪ أن أﺣﺘﻔﻆ ﻣﻨﻚ ﺑﺸﻲء ﻟﻠﺬﻛﺮى ..أﻻ ﺗﺬﻛﺮ أﻧﱠﻚ ﺑﺪأت اﻟﺮﺳﻢ ﯾﻮم ﻛﻨّﺎ ﻣﻌﺎً ﻓﻲﺗﻮﻧﺲ؟ ﻣﺎزﻟﺖ أذﻛﺮ ﺣﺘﱠﻰ ﻟﻮﺣﺎﺗﻚ اﻷوﻟﻰ ..ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أول ﻣﻦ أرﯾﺘﮫ ﻟﻮﺣﺎﺗﻚ وﻗﺘﮭﺎ.. ھﻞ ﻧﺴﯿﺖ؟ ﻻ ﻟﻢ أﻧﺲَ ..وﻛﻢ ﻛﻨﺖ أﺗﻤﻨﻰ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﻟﻮ أﺳﺘﻄﯿﻊ ذﻟﻚ .ﺷﻌﺮت ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻹﺣﺮاج وھﻮ ﯾﺴﺘﺪرﺟﻨﻲ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة.. ﻛﺎن ﺳﻲ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺻﺪﯾﻘﺎً ﻣﺸﺘﺮﻛﺎً ﻟﻲ وﻟﺴﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻣﻨﺬ أﯾﺎم اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺿﻤﻦ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻤﻞ ﺗﺤﺖ ﻗﯿﺎدة ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ .ﺑﻞ ،وﻛﺎن واﺣﺪاً ﻣﻦ اﻟﺠﺮﺣﻰ اﻟﺬﯾﻦ ﻧﻘﻠﻮا ﻣﻌﻲ ﻟﻠﻌﻼج إﻟﻰ ﺗﻮﻧﺲ ،ﺣﯿﺚ ﻗﻀﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﮭﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﻋﺎد ﺑﻌﺪھﺎ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﮭﺔ ،ﻟﯿﺒﻘﻰ ﺣﺘﻰ اﻻﺳﺘﻘﻼل ﻓﻲ ﺻﻔﻮف ﺟﯿﺶ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ ،وﯾﻌﻮد ﺑﺮﺗﺒﺔ راﺋﺪ. ﻛﺎن ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺑﺸﮭﺎﻣﺔ وأﺧﻼق ﻧﻀﺎﻟﯿﺔ ﻋﺎﻟﯿﺔ .وﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ أﻛﻦﱡ ﻟﮫ اﺣﺘﺮاﻣﺎً وودّاً ﻛﺒﯿﺮﯾﻦ .ﺛﻢ ﺗﻼﺷﻰ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً رﺻﯿﺪه ﻋﻨﺪي ..ﻛﻠﻤﺎ اﻣﺘﻸ رﺻﯿﺪه اﻵﺧﺮ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻃﺮﯾﻘﺔ وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﺔ ،ﻣﺜﻠﮫ ﻣﺜﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﻘﻮه إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ اﻟﺤﻠﻮب اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوب ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺘﻘﺴﯿﻢ ﻣﺪروس ﻟﻠﻮﻟﯿﻤﺔ.. وﻟﻜﻦ ﻛﺎن أﻣﺮه ھﻮ ﺑﺎﻟﺬات ﯾﻌﻨﯿﻨﻲ وﯾﺤﺰﻧﻨﻲ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن رﻓﯿﻖ ﺳﻼﺣﻲ ﻟﺴﻨﺘﯿﻦ ﻛﺎﻣﻠﺘﯿﻦ ..وﻛﺎن ﺑﯿﻨﻨﺎ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﺻﻐﯿﺮة ﺟﻤﻌﺘﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ وﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﺬاﻛﺮة رﻏﻢ ﻛﻞّ ﺷﻲء أن ﺗﺘﺠﺎھﻠﮭﺎ. ﻟﻌﻞّ أﻛﺜﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ ﺗﺄﺛﯿﺮاً ،ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻤﻤﺮﱢﺿﺔ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﺗﻌﻄﯿﻨﻲ وأﻧﺎ أﻏﺎدر اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﺛﯿﺎﺑﮫ اﻟﺘﻲ وﺻﻞ ﺑﮭﺎ ،واﻟﺘﻲ ﺟﻒ ﻋﻠﯿﮭﺎ دﻣﮫ ﻣﻨﺬ ﻋﺪّة أﯾّﺎم. ﻛﺎن ﻓﻲ ﺟﯿﺐ ﺳﺘﺮﺗﮫ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺗﻌﺮﯾﻔﮫ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺎد ﻻ ﺗﻘﺮأ ،ﻣﻦ آﺛﺎر ﺑﻘﻊ اﻟﺪم ﻋﻠﯿﮭﺎ .واﻟﺘﻲ اﺣﺘﻔﻈﺖ ﺑﮭﺎ ﻷﻋﯿﺪھﺎ إﻟﯿﮫ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ..وﻟﻜﻨﮫ ﻋﺎد ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﮭﺔ دون أن ﯾﺪري ﺣﺘﻰ أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺣﻮزﺗﻲ ،ورﺑﻤﺎ دون أن ﯾﺴﺄل ﻋﻨﮭﺎ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ذاھﺒﺎً إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﻻ ﯾﺤﺘﺎج ﻓﯿﮫ إﻟﻰ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺗﻌﺮﯾﻒ. ﺳﻨﺔ 1973ﻋﺜﺮت ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ ﺿﻤﻦ أوراﻗﻲ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ .وﻛﻨﺖ آﻧﺬاك أﺟﻤﻊ أﺷﯿﺎﺋﻲ اﺳﺘﻌﺪاداً ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ..
ﺗﺮدّدت ﺑﯿﻦ أن أﺣﺘﻔﻆ ﺑﮭﺎ أو أﻋﯿﺪھﺎ إﻟﯿﮫ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أدري أنﱠ ﺗﻠﻚ اﻟﮭﻮﯾﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ھﻮﯾﺘﮫ .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أواﺟﮭﮫ ﺑﺎﻟﺬاﻛﺮة ..دون أيّ ﺗﻌﻠﯿﻖ. ورﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ ﻛﺬﻟﻚ وأﻧﺎ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﻟﻤﻨﻔﻰ أن أﻧﮭﻲ ﻋﻼﻗﺎﺗﻲ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ راﻓﻘﺘﻨﻲ ﻣﻨﺬ 1975ﻣﻦ ﺑﻠﺪ إﻟﻰ آﺧﺮ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻧﮭﻲ ﻋﻼﻗﺎﺗﻲ ﺑﺎﻟﻮﻃﻦ ،وأﺿﻌﮫ أﺧﯿﺮاً ھﻮ وأﺷﯿﺎءه ﺧﺎرج اﻟﺬاﻛﺮة.. ﯾﻮﻣﮭﺎ دھﺶ ﺳﻲ ﻣﺼﻄﻔﻰ وأﻧﺎ أﺧﺮج ﻣﻦ ﺟﯿﺐ ﺳﺘﺮﺗﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ وأﺿﻌﮭﺎ أﻣﺎﻣﮫ، ﺑﻌﺪ ﺳﺖ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ. أھﻮ اﻟﺬي ارﺗﺒﻚ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ..أم أﻧﺎ؟ ﺷﻌﺮت ﻓﺠﺄة وأﻧﺎ أﻧﻔﺼﻞ ﻋﻨﮭﺎ أﻧﻨﻲ أﻋﻄﯿﺘﮫ ﺷﯿﺌﺎً ﻛﺎن ﻣﻠﺘﺼﻘﺎً ﺑﺼﺪري؛ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻨّﻲ، رﺑﻤﺎ ذراﻋﻲ اﻷﺧﺮى ،أو أيّ ﺷﻲء ﻛﺎن ﻟﻲ.. ﻛﺎن أﻧﺎ! وﻟﻜﻨﻨﻲ وﺟﺪت آﻧﺬاك ﻓﻲ ﻓﺮﺣﺘﮫ ﻋﺰاﺋﻲ ..وﻓﻲ اﺣﺘﻀﺎﻧﮫ ﻟﻲ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻌﻨﻔﻮان اﻷول اﻟﺬي ﺟﻤﻌﻨﺎ ﯾﻮﻣﺎً ،ﻣﻜﺎﻓﺄة ﻟﻠﺬاﻛﺮة ووھﻤﺎً ﻣﺎ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﯿﺔ إﯾﻘﺎظ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻵﺧﺮ داﺧﻠﮫ. ھﺎ ھﻮ ﺳﻲ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ،ﯾﺘﺄﻣﻞ ﻟﻮﺣﺔ ﻟﻲ وأﺗﺄﻣﻠﮫ .ﻟﻘﺪ ﻣﺎت ﻓﯿﮫ اﻟﺮﺟﻞ "اﻵﺧﺮ" ..ﻓﻜﯿﻒ راھﻨﺖ ﯾﻮﻣﺎً ﻋﻠﯿﮫ؟ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﻻ ﺷﻲء ﯾﻌﻨﯿﮫ ﺳﻮى اﻣﺘﻼك ﻟﻮﺣﺔ ﻟﻲ؛ ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺴﺘﻌﺪاً أن ﯾﺪﻓﻊ أيّ ﺛﻤﻦ ﻣﻘﺎﺑﻠﮭﺎ .ﻓﻤﻦ اﻟﻤﻌﺮوف ﻋﻨﮫ أﻧﮫ ﻻ ﯾﺤﺴﺐ ﻛﺜﯿﺮاً ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻻت ،ﻣﺜﻠﮫ ﻣﺜﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﯿﻦ واﻷﺛﺮﯾﺎء اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﯿﻦ اﻟﺠﺪد اﻟﺬﯾﻦ ﺷﺎﻋﺖ وﺳﻄﮭﻢ ﻋﺪوى اﻗﺘﻨﺎء اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﻔﻨﯿﺔ ،ﻷﺳﺒﺎب ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﺑﺎﻟﻔﻦّ ،وإﻧﻤﺎ ﺑﻌﻘﻠﯿﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻟﻠﻨﮭﺐ اﻟﻔﻨﻲّ أﯾﻀﺎً ..وﺑﮭﺎﺟﺲ اﻻﻧﺘﺴﺎب ﻟﻠﻨﺨﺒﺔ. ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﺳﺨﺎءً ﻣﻌﻲ أﻧﺎ ﺑﺎﻟﺬات ،ﻟﻸﺳﺒﺎب ﻧﻔﺴﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻨﻲ اﻟﯿﻮم أﻛﺜﺮ رﻓﻀﺎً ﻟﮫ. ﻟﻘﺪ ﻗﺮّر أن ﯾﺴﺘﺒﺪل ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﮭﺘﺮﺋﺔ ،ﻟﻮﺣﺔ )أﻛﻮارﯾﻞ( ﯾﻔﺎﺧﺮ ﺑﮭﺎ ..ﻓﮭﻞ ﯾﺘﺴﺎوى اﻟﺪم ﺑﺎﻷﻟﻮان اﻟﻤﺎﺋﯿﺔ ..وﻟﻮ ﺑﻌﺪ رﺑﻊ ﻗﺮن! ﺳﻌﺪت ﺑﻌﺪھﺎ وأﻧﺎ أﺗﺨﻠﺺ ﻣﻨﮫ وﻣﻦ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ دون أن ﯾﺄﺧﺬا ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻃﺮھﻤﺎ.. ودون أن أﺗﻨﺎزل ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﻤﺒﺪأ اﻟﺬي ﺣﺪث أن ﺟﻌﺖ ﺑﺴﺒﺒﮫ .ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻲ أن آﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﻤﻠﻮّث .ھﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﻮﻟﺪون ھﻜﺬا ﺑﮭﺬه اﻟﺤﺴﺎﺳﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺷﻔﺎء ﻣﻨﮭﺎ ﺗﺠﺎه ﻛﻞّ ﻣﺎ ھﻮ ﻗﺬر! ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ .أرﯾﺪ أن أﻧﺘﮭﻲ ﻣﻨﮭﻤﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ..ﺧﺸﯿﺔ أن ﺗﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ
اﻟﻠﺤﻈﺔ وﯾﻜﻮﻧﺎ ھﻨﺎك. وﻛﻨﺖ ﻗﻠﻘﺎً وﻣﺒﻌﺜﺮاً ﺑﯿﻦ اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺪرﺟﺘﻨﻲ إﻟﯿﮭﺎ ﺳﻲ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺑﻌﺪ ﻛﻞّ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات ..وﺑﯿﻦ ھﺎﺟﺲ ﻗﺪوﻣﻚ ،اﻟﺬي أرھﻘﻨﻲ اﻧﺘﻈﺎره ﻣﻨﺬ أﯾﺎم ..وﻟﻜﻨﻚ ﻟﻢ ﺗﺄﺗﻲ.. ﻻ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ وﻻ ﺑﻌﺪه. ﻣﻦ أﯾﻦ ھﺠﻤﺖ ﻋﻠﻲّ ﻛﻞّ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺂﺑﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؟ وإذا ﺑﻘﺪﻣﻲّ ﺗﻘﻮداﻧﻨﻲ ﺑﺨﻄﻰ ﻣﺜﻘﻠﺔ ،ﻣﺤﺒﻄﺔ ،إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻗﺪ ﺣﻤﻠﺘﺎﻧﻲ إﻟﻰ ھﻨﺎ ،ﻋﻠﻰ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﺸﻮق اﻟﺠﺎرف. ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻟﻢ أرك ﻣﺮّة أﺧﺮى ..ﻟﻮ اﻧﺘﮭﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﻌﺮض وﻟﻢ ﺗﻌﻮدي؟. ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﺎن ﺣﺪﯾﺜﻚ ﻋﻦ زﯾﺎرﺗﻚ اﻟﻤﺤﺘﻤﻠﺔ ﻣﺠﺮد ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ ،أﺧﺬﺗﮭﺎ أﻧﺎ ﻣﺄﺧﺬ اﻟﺠﺪ؟ ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻲ وﻗﺘﮭﺎ أن أﻃﺎرد ﻧﺠﻤﻚ اﻟﻤﺬﻧّﺐ اﻟﮭﺎرب؟ وﺣﺪھﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﻄﺎﻧﻲ إﯾّﺎھﺎ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ وھﻮ ﯾﻮدّﻋﻨﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻌﺚ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ .ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻋﺮف أﺧﯿﺮاً اﻷرﻗﺎم اﻟﺴﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻠﻨﻲ إﻟﯿﻚ، ﻓﻨﻤﺖ وأﻧﺎ أﺧﻄﻂ ﻟﻤﺒﺮر ھﺎﺗﻔﻲ ﻗﺪ ﯾﺠﻤﻌﻨﻲ ﺑﻚ .وﻟﻜﻦّ اﻟﺤﺐ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺄﺗﻲ ﻻ ﯾﺒﺤﺚ ﻟﮫ ﻋﻦ ﻣﺒﺮر ،وﻻ ﯾﺄﺧﺬ ﻟﮫ ﻣﻮﻋﺪاً ..وﻟﺬا ﻣﺎ ﻛﺪت ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ أدﺧﻞ اﻟﻘﺎﻋﺔ وأﺟﻠﺲ ﻓﻲ اﻟﺼﺎﻟﻮن ﻷﻃﺎﻟﻊ ﺟﺮﯾﺪﺗﻲ ،ﺣﺘﻰ رأﯾﺘﻚ ﺗﺪﺧﻠﯿﻦ. ﻛﻨﺖ ﺗﺘﻘﺪﻣﯿﻦ ﻧﺤﻮي ،وﻛﺎن اﻟﺰﻣﻦ ﯾﺘﻮﻗﻒ اﻧﺒﮭﺎراً ﺑﻚ. وﻛﺎن اﻟﺤﺐّ اﻟﺬي ﺗﺠﺎھﻠﻨﻲ ﻛﺜﯿﺮاً ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ..ﻗﺪ ﻗﺮر أﺧﯿﺮاً أن ﯾﮭﺒﻨﻲ أﻛﺜﺮ ﻗﺼﺼﮫ ﺟﻨﻮﻧﺎً..
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ
اﻟﺘﻘﯿﻨﺎ إذن..
ﻗﺎﻟﺖ: ﻣﺮﺣﺒﺎً ..آﺳﻔﺔ ،أﺗﯿﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻋﻦ ﻣﻮﻋﺪﻧﺎ ﯾﻮم..ﻗﻠﺖ: ﻻ ﺗﺄﺳﻔﻲ ..ﻗﺪ ﺟﺌﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻋﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﺑﻌﻤﺮ.ﻗﺎﻟﺖ: ﻛﻢ ﯾﻠﺰﻣﻨﻲ إذن ﻟﺘﻐﻔﺮ ﻟﻲ؟ﻗﻠﺖ: ﻣﺎ ﯾﻌﺎدل ذﻟﻚ اﻟﻌﻤﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ!وﺟﻠﺲ اﻟﯿﺎﺳﻤﯿﻦ ﻣﻘﺎﺑﻼً ﻟﻲ. ﯾﺎ ﯾﺎﺳﻤﯿﻨﺔ ﺗﻔﺘﺤﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ..ﻋﻄﺮاً أﻗﻞّ ﺣﺒﯿﺒﺘﻲ ..ﻋﻄﺮاً أﻗﻞ! ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف أنّ ﻟﻠﺬاﻛﺮة ﻋﻄﺮاً أﯾﻀﺎً ..ھﻮ ﻋﻄﺮ اﻟﻮﻃﻦ. ﻣﺮﺗﺒﻜﺎً ﺟﻠﺲ اﻟﻮﻃﻦ وﻗﺎل ﺑﺨﺠﻞ: ﻋﻨﺪك ﻛﺄس ﻣﺎء ..ﯾﻌﯿﺸﻚ؟وﺗﻔﺠﺮت ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﯾﻨﺎﺑﯿﻊ داﺧﻠﻲ. ارﺗﻮي ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻲ ﺳﯿﺪﺗﻲ ..ﻓﻜﻞّ ھﺬا اﻟﺤﻨﯿﻦ ﻟﻚِ ..ودﻋﻲ ﻟﻲ ﻣﻜﺎﻧﺎ ھﻨﺎ ﻣﻘﺎﺑﻼً ﻟﻚِ.. أﺣﺘﺴﯿﻚ ﻛﻤﺎ ﺗُﺤﺘﺴﻰ ،ﻋﻠﻰ ﻣﮭﻞ ،ﻗﮭﻮة ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﯿﺔ. أﻣﺎم ﻓﻨﺠﺎن ﻗﮭﻮة ..وزﺟﺎﺟﺔ ﻛﻮﻛﺎ ﺟﻠﺴﻨﺎ .ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻨﺎ اﻟﻈﻤﺄ ﻧﻔﺴﮫ ..وﻟﻜﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻨﺎ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ. ﻗﻠﺖ ﻣﻌﺘﺬرة:
أﻧﺎ ﻟﻢ أﺣﻀﺮ اﻟﺒﺎرﺣﺔ ،ﻷﻧﻨﻲ ﺳﻤﻌﺖ ﻋﻤّﻲ ﯾﺘﺤﺪث ﻟﺸﺨﺺ ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺎﺗﻒ وﯾﺘﻔﻖﻣﻌﮫ ﻋﻠﻰ زﯾﺎرﺗﻚ ،ﻓﻔﻀّﻠﺖ أن أؤﺟّﻞ زﯾﺎرﺗﻲ ﻟﻚ إﻟﻰ اﻟﯿﻮم ﺣﺘﻰ ﻻ أﻟﺘﻘﻲ ﺑﮭﻤﺎ.. أﺟﺒﺘﻚ وأﻧﺎ أﺗﺄﻣﻠﻚ ﺑﺴﻌﺎدة ﻣﻦ ﯾﺮى ﻧﺠﻤﮫ اﻟﮭﺎرب أﺧﯿﺮاً أﻣﺎﻣﮫ: ﺧﻔﺖ أﻻ ﺗﺄﺗﻲ أﺑﺪاً..ﺛﻢ أﺿﻔﺖ: أﻣّﺎ اﻵن ﻓﯿﺴﻌﺪﻧﻲ أﻧﻨﻲ اﻧﺘﻈﺮﺗﻚ ﯾﻮﻣﺎً آﺧﺮ ،إنّ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ ﻧﺮﯾﺪھﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺘﺄﺧﺮةداﺋﻤﺎً! ﺗﺮاﻧﻲ ﻗﻠﺖ وﻗﺘﮭﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﯾﺠﺐ ﻗﻮﻟﮫ؟ ﺳﺎد ﺷﻲ ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ ﺑﯿﻨﻨﺎ وارﺗﺒﺎك اﻻﻋﺘﺮاف اﻷول ..ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻠﺖ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ ﻛﺴﺮ اﻟﺼﻤﺖ ،أو إﺛﺎرة ﻓﻀﻮﻟﻲ: أﺗﺪري أﻧﻨﻲ أﻋﺮف اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻋﻨﻚ؟ﻗﻠﺖ ﺳﻌﯿﺪاً وﻣﺘﻌﺠﺒﺎً: وﻣﺎذا ﺗﻌﺮﻓﯿﻦ ﻣﺜﻼً؟أﺟﺒﺖ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أﺳﺘﺎذ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺤﯿﺮ ﺗﻠﻤﯿﺬه: أﺷﯿﺎء ﻛﺜﯿﺮة ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻧﺴﯿﺘﮭﺎ أﻧﺖ..ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﺑﻤﺴﺤﺔ ﺣﺰن: ﻻ أﻋﺘﻘﺪ أن أﻛﻮن ﻧﺴﯿﺖ ﺷﯿﺌﺎً .ﻣﺸﻜﻠﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ أﻧﻨﻲ ﻻ أﻧﺴﻰ!أﺟﺒﺘﻨﻲ ﺑﺼﻮت ﺑﺮيء ،وﺑﺎﻋﺘﺮاف ﻟﻢ أعِ ﺳﺎﻋﺘﮭﺎ ﻛﻞّ ﻋﻮاﻗﺒﮫ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻋﻠﻲّ: أﻣّﺎ أﻧﺎ ﻓﻤﺸﻜﻠﺘﻲ أﻧﻨﻲ أﻧﺴﻰ ..أﻧﺴﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ..ﺗﺼﻮّر ..اﻟﺒﺎرﺣﺔ ﻣﺜﻼً ﻧﺴﯿﺖﺑﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﯿﺘﺮو ﻓﻲ ﺣﻘﯿﺒﺔ ﯾﺪي اﻷﺧﺮى .وﻣﻨﺬ أﺳﺒﻮع ﻧﺴﯿﺖ ﻣﻔﺘﺎح اﻟﺒﯿﺖ داﺧﻞ اﻟﺒﯿﺖ ،واﻧﺘﻈﺮت ﺳﺎﻋﺘﯿﻦ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺤﻀﺮ أﺣﺪ ﻟﯿﻔﺘﺢ ﻟﻲ اﻟﺒﺎب ..إﻧﮭﺎ ﻛﺎرﺛﺔ.
ﻗﻠﺖ ﺳﺎﺧﺮا: ﺷﻜﺮاً إذن ﻷﻧﻚ ﺗﺬﻛﺮت ﻣﻮﻋﺪﻧﺎ ھﺬا!أﺟﺒﺖ ﺑﺎﻟﻠﮭﺠﺔ اﻟﺴﺎﺧﺮة ﻧﻔﺴﮭﺎ: ﻟﻢ ﯾﻜﻮن ﻣﻮﻋﺪاً ..ﻛﺎن اﺣﺘﻤﺎل ﻣﻮﻋﺪ ﻓﻘﻂ ..ﻻ ﺑﺪّ أن ﺗﻌﻠﻢ أﻧﻨﻲ أﻛﺮه اﻟﯿﻘﯿﻦ ﻓﻲ ﻛﻞّﺷﻲء ..أﻛﺮه أن أﺟﺰم ﺑﺸﻲء أو أﻟﺘﺰم ﺑﮫ ..اﻷﺷﯿﺎء اﻷﺟﻤﻞ ،ﺗﻮﻟﺪ اﺣﺘﻤﺎﻻً ..ورﺑّﻤﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻛﺬﻟﻚ. ﺳﺄﻟﺘﻚ: ﻟﻤﺎذا ﺟﺌﺖِ إذن.؟ﺗﺄﻣّﻠﺘﻨﻲ ..وراﺣﺖ ﻋﯿﻨﺎك ﺗﺘﺴﻜﻌﺎن ﻓﻲ ﻣﻼﻣﺢ وﺟﮭﻲ ،وﻛﺄﻧﮭﻤﺎ ﺗﺒﺤﺜﺎن ﻋﻦ ﺟﻮاب ﻟﺴﺆال ﻣﻔﺎﺟﺊ ..ﺛﻢّ ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﻧﻈﺮة ﻣﺜﻘﻠﺔ ﺑﺎﻟﻮﻋﻮد واﻹﻏﺮاء.. ﻷﻧﻚ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﯾﻘﯿﻨﻲ اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ!ﺿﺤﻜﺖ ﻟﮭﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎً أﻧﺜﻮﯾﺎً ﺻﺎرﺧﺎً_ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف ﺑﻌﺪ أﻧﮫ ﺳِﻤَﺘﻚ_ وﻗﻠﺖ وﻗﺪ ﻣﻸﺗﻨﻲ ﻋﯿﻨﺎك ﻏﺮوراً وزھﻮاً رﺟﺎﻟﯿﺎً: أﻣّﺎ أﻧﺎ ﻓﺄﻛﺮه اﻻﺣﺘﻤﺎﻻت ..وﻟﺬا أﺟﺰم أﻧﻨﻲ ﺳﺄﻛﻮن ﯾﻘﯿﻨﻚ.ﻗﻠﺖ ﺑﺈﺻﺮار أﻧﺜﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﻮل اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻷﺧﯿﺮة: إﻧﮫ اﻓﺘﺮاض ..ﻣﺤﺘﻤﻞ ﻛﺬﻟﻚ!وﺿﺤﻜﻨﺎ ﻛﺜﯿﺮاً. ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺿﺤﻚ ﻷول ﻣﺮة ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات .ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ ﻟﻨﺎ ﺑﺪاﯾﺎت أﺧﺮى، وﻛﻨﺖ ﻗﺪ أﻋﺪدت ﺟﻤﻼً وﻣﻮاﻗﻒ ﻛﺜﯿﺮة ﻟﻤﺒﺎدرﺗﻚ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻠﻘﺎء اﻷول .وﻟﻜﻦ اﻋﺘﺮف أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﻮﻗﻊ ﻟﻨﺎ ﺑﺪاﯾﺔ ﻛﮭﺬه. ﻓﻘﺪ ﺗﻼﺷﻰ ﻛﻞّ ﻣﺎ أﻋﺪدﺗﮫ ﺳﺎﻋﺔ ﻗﺪوﻣﻚ ..وﺗﺒﻌﺜﺮت ﻟﻐﺘﻲ أﻣﺎم ﻟﻐﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ أدري ﻣﻦ أﯾﻦ ﺗﺄﺗﯿﻦ ﺑﮭﺎ. ﻛﺎن ﻓﻲ ﺣﻀﻮرك ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻤﺮح واﻟﺸﺎﻋﺮﯾﺔ ﻣﻌﺎً .ﻛﺎن ھﻨﺎك ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺔ وﺑﺴﺎﻃﺔ ﺗﻜﺎد
ﺗﺠﺎور اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ،دون أن ﺗﻠﻐﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﻀﻮر اﻷﻧﺜﻮي اﻟﺪاﺋﻢ ..وﻛﻨﺖ ﺗﻤﻠﻜﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺪرة اﻟﺨﺎرﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎواة ﻋﻤﺮي ﺑﻌﻤﺮك ،ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺔ واﺣﺪة .وﻛﺄن ﻓﺘﻮّﺗﻚ وﺣﯿﻮﯾّﺘﻚ ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻠﺘﺎ إﻟﻲّ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻌﺪوى .ﻛﻨﺖ ﻣﺎ أزال ﺗﺤﺖ وﻗﻊ ﺗﺼﺮﯾﺤﺎﺗﻚ ﺗﻠﻚ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺎﺟﺄﻧﻲ ﻛﻼﻣﻚ: ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ..ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أرى ﻟﻮﺣﺎﺗﻚ ﺑﺘﺄنﱟ أﻛﺜﺮ ،ﻟﻢ أﻛﻦ أرﯾﺪ أن أﺗﻘﺎﺳﻤﮭﺎ ﻓﻲذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻣﻊ ذﻟﻚ اﻟﺤﺸﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ..ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺣﺐّ ﺷﯿﺌﺎً ..أﻓﻀﻞ أن أﻧﻔﺮد ﺑﮫ! ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه أﺟﻤﻞ ﺷﮭﺎدة إﻋﺠﺎب ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻘﻮﻟﮭﺎ زاﺋﺮة ﻟﺮﺳّﺎم ..وأﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻘﻮﻟﯿﮫ ﻟﻲ أﻧﺖ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم .وﻗﺒﻞ أن أذھﺐ ﺑﻌﯿﺪاً ﻓﻲ ﻓﺮﺣﺘﻲ أو أﺷﻜﺮك أﺿﻔﺖ: ﻣﺎ ﻋﺪا ھﺬا ..ﻛﻨﺖ أود أن أﺗﻌﺮﱠف ﻋﻠﯿﻚ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺪﺗﻲ ﺗﺤﺪﺛﻨﻲأﺣﯿﺎﻧﺎً ﻋﻨﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺬﻛﺮ أﺑﻲ .ﯾﺒﺪو أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺒﻚ ﻛﺜﯿﺮاً.. ﺳﺄﻟﺘﻚ ﺑﻠﮭﻔﺔ: وﻛﯿﻒ ھﻲ )أﻣّﺎ اﻟﺰھﺮة(؟ إﻧﻨﻲ ﻟﻢ أرھﺎ ﻣﻨﺬ زﻣﺎن.ﻗﻠﺖ ﺑﻤﺴﺤﺔ ﺣﺰن: ﻟﻘﺪ ﺗﻮﻓﯿﺖ ﻣﻦ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ،وﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﮭﺎ اﻧﺘﻘﻠﺖ أﻣﻲ ﻟﺘﻌﯿﺶ ﻣﻊ أﺧﻲ ﻧﺎﺻﺮ ﻓﻲاﻟﻌﺎﺻﻤﺔ .وﺟﺌﺖ أﻧﺎ إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ ﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ دراﺳﺘﻲ .ﻟﻘﺪ ﻏﯿّﺮ ﻣﻮﺗﮭﺎ ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ..ﻓﮭﻲ اﻟﺘﻲ رﺑﱠﺘﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ.. ﺣﺎوﻟﺖ أن أﻧﺴﻰ ذﻟﻚ اﻟﺨﺒﺮ .ﻛﺎن ﻣﻮﺗﮭﺎ ﺷﻮﻛﺔ أﺧﺮى اﻧﻐﺮﺳﺖ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﯾﻮﻣﮭﺎ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﯿﮭﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ )أﻣّﺎ( ،ﻣﻦ ﻋﻄﺮھﺎ اﻟﺴﺮي ،ﻣﻦ ﻃﺮﯾﻘﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﺗﻌﺼﯿﺐ رأﺳﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺐ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎرم اﻟﺤﺮﯾﺮﯾﺔ ،وإﺧﻔﺎء ﻋﻠﺒﺔ "اﻟﻨﻔّﺔ" اﻟﻔﻀّﯿّﺔ ﻓﻲ ﺻﺪرھﺎ اﻟﻤﻤﺘﻠﺊ. وﻛﺎﻧﺖ ﻟﮭﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮارة اﻟﺘﻠﻘﺎﺋﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﯿﺾ ﺑﮭﺎ اﻷﻣﮭﺎت ﻋﻨﺪﻧﺎ ،ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﯿﻚ ﻓﻲ ﺟﻤﻠﺔ واﺣﺪة ﻣﺎ ﯾﻜﻔﯿﻚ ﻣﻦ اﻟﺤﻨﺎن ﻟﻌﻤﺮ ﺑﺄﻛﻤﻠﮫ. وﻟﻜﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻠﺤﺰن .ﻛﻨﺖِ ﻣﻌﻲ أﺧﯿﺮاً ،وﻛﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺰﻣﻦ أن ﯾﻜﻮن ﻟﻠﻔﺮح ﻓﻘﻂ. ﻗﻠﺖ ﻟﻚ: رﺣﻤﮭﺎ اﷲ ..ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻧﺎ أﯾﻀﺎً أﺣﺒّﮭﺎ ﻛﺜﯿﺮاً..ﺗﺮاك أردت ﻋﻨﺪﺋﺬ ،أن ﺗﻀﻌﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﻤﻮﺟﺔ اﻟﺤﺰن اﻟﺘﻲ ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﻲ .ﺧﺸﯿﺔ أن ﺗﺠﺮﻓﻨﺎ
ﻣﻌﺎً ﻧﺤﻮ ذاﻛﺮة ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻣﮭﯿﺄﯾﻦ ﺑﻌﺪ ﻟﺘﺼﻔﺤﮭﺎ. أم ﻓﻘﻂ ﻛﻨﺖ ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ أن ﺗﻄﺒّﻘﻲ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ زﯾﺎرﺗﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﮭﻀﺖ ﻓﺠﺄة وﻗﻠﺖ: أﯾﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﻟﻘﻲ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ ﻟﻮﺣﺎﺗﻚ؟وﻗﻔﺖ ﻟﻤﺮاﻓﻘﺘﻚ. رﺣﺖ أﺷﺮح ﻟﻚ ﺑﻌﻀﮭﺎ واﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺘﮭﺎ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﻨﻘﻠﯿﻦ ﻓﺠﺄة ﻋﯿﻨﯿﻚ ﻣﻦ اﻟﻠﻮﺣﺎت إﻟﻲّ: أﺗﺪري أﻧﻨﻲ أﺣﺐ ﻃﺮﯾﻘﺘﻚ ﻓﻲ اﻟﺮﺳﻢ؟ .أﻧﺎ ﻻ أﻗﻮل ﻟﻚ ھﺬا ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ ،وﻟﻜﻦ أﻋﺘﻘﺪأﻧﻨﻲ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ أرﺳﻢ ﻟﺮﺳﻤﺖ ھﻜﺬا ﻣﺜﻠﻚ ..أﺷﻌﺮ أﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻻﺛﻨﯿﻦ ﻧﺮى اﻷﺷﯿﺎء ﺑﺈﺣﺴﺎس واﺣﺪ ..وﻗﻞّ ﻣﺎ أﺣﺴﺴﺖ ﺑﮭﺬا ﺗﺠﺎه إﻧﺘﺎج ﺟﺰاﺋﺮي. ﻣﺎ اﻟﺬي أرﺑﻜﻨﻲ اﻷﻛﺜﺮ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ؟ .أﺗﺮى ﻋﯿﻨﺎك اﻟﻠﺘﺎن أﺻﺒﺢ ﻟﮭﻤﺎ ﻓﺠﺄة ﻟﻮن آﺧﺮ ﺗﺤﺖ اﻟﻀﻮء ،واﻟﻠﺘﺎن ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﺘﺄﻣﻼن ﻓﺠﺄة ﻣﻼﻣﺤﻲ وﻛﺄﻧﮭﻤﺎ ﺗﺘﺄﻣﻼن ﻟﻮﺣﺔ أﺧﺮى ﻟﻲ ..أم ﻣﺎ ﻗﻠﺘﮫ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ واﻟﺬي ﺷﻌﺮت أﻧﮫ ﺗﺼﺮﯾﺢ ﻋﺎﻃﻔﻲ وﻟﯿﺲ اﻧﻄﺒﺎﻋﺎً ﻓﻨﯿﺎً؛ أو ھﻜﺬا ﺗﻤﻨﱠﯿﺖ أو ﺧﯿّﻞ ﻟﻲ .ﺗﻮﻗﻒ ﺳﻤﻌﻲ ﻋﻨﺪ ﻛﻠﻤﺔ "ﻧﺤﻦ اﻻﺛﻨﯿﻦ" .إﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﺗﺄﺧﺬ ﺑﻌﺪاً ﻣﻮﺳﯿﻘﯿﺎً ﻋﺎﻃﻔﯿﺎً ﻓﺮﯾﺪاً ..ﺣﺘﻰ إﻧﮭﺎ ﻋﻨﻮان ﻟﻤﺠﻠﺔ ﻋﺎﻃﻔﯿﺔ ﺗﺼﺪر ﻟﻤﻦ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ روﻣﻨﻄﯿﻘﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ( Nous deux) . أﺧﻔﯿﺖ ارﺗﺒﺎﻛﻲ ﺑﺴﺆال ﺳﺎذج: وھﻞ ﺗﺮﺳﻤﯿﻦ؟ﻗﻠﺖ: ﻻ أﻧﺎ أﻛﺘﺐ.وﻣﺎذا ﺗﻜﺘﺒﯿﻦ؟أﻛﺘﺐ ﻗﺼﺼﺎً ورواﯾﺎت؟!ﻗﺼﺼﺎً ورواﯾﺎت!...ردّدﺗﮭﺎ وﻛﺄﻧﻨﻲ ﻻ أﺻﺪق ﻣﺎ أﺳﻤﻊ ..ﻓﻘﻠﺖ وﻛﺄﻧﻚِ ﺷﻌﺮت ﺑﺈھﺎﻧﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺤﺔ اﻟﻌﺠﺐ أو اﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﺻﻮﺗﻲ:
ﻟﻘﺪ ﺻﺪرت ﻟﻲ أول رواﯾﺔ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺘﯿﻦ..ﺳﺄﻟﺘﻚ وأﻧﺎ أﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ دھﺸﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى: وﺑﺄي ﻟﻐﺔ ﺗﻜﺘﺒﯿﻦ؟ﻗﻠﺖ: ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﯿﺔ..ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﯿﺔ؟!اﺳﺘﻔﺰﺗﻚ دھﺸﺘﻲ ،ورﺑﻤﺎ أﺳﺄت ﻓﮭﻤﮭﺎ ﺣﯿﻦ ﻗﻠﺖ: ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أﻛﺘﺐ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ھﻲ ﻟﻐﺔ ﻗﻠﺒﻲ ..وﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن أﻛﺘﺐإﻻ ﺑﮭﺎ ..ﻧﺤﻦ ﻧﻜﺘﺐ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺤﺲّ ﺑﮭﺎ اﻷﺷﯿﺎء. وﻟﻜﻨﻚ ﻻ ﺗﺘﺤﺪﺛﯿﻦ ﺑﻐﯿﺮ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ..إﻧﮭﺎ اﻟﻌﺎدة..ﻗﻠﺘﮭﺎ ﺛﻢ واﺻﻠﺖ ﺗﺄﻣﻞ اﻟﻠﻮﺣﺎت ﻗﺒﻞ أن ﺗﻀﯿﻔﻲ: اﻟﻤﮭﻢ ..اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺘﺤﺪث ﺑﮭﺎ ﻷﻧﻔﺴﻨﺎ وﻟﯿﺴﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻧﺘﺤﺪث ﺑﮭﺎ ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ!رﺣﺖ أﺗﺄﻣﻠﻚ ﻣﺪھﻮﺷﺎً ،وأﻧﺎ أﺣﺎول أن أﺿﻊ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﺘﺮﺗﯿﺐ ﻓﻲ أﻓﻜﺎري.. أﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻛﻞّ ھﺬه اﻟﻤﺼﺎدﻓﺎت ،ﻓﻲ ﻣﺼﺎدﻓﺔ واﺣﺪة؟ وﻛﻞّ ھﺬه اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻲ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ..وأﺣﻼﻣﻲ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ اﻷوﻟﻰ ،ﻓﻲ اﻣﺮأة واﺣﺪة ..وأن ﺗﻜﻮن ھﺬه اﻟﻤﺮأة ھﻲ أﻧﺖ ..اﺑﻨﺔ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ﻻ ﻏﯿﺮ؟ ﻟﻮ ﺗﺼﻮﱠرت ﻟﻘﺎء ﻣﺪھﺸﺎً ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،ﻟﻤﺎ ﺗﺼﻮرت أﻛﺜﺮ إدھﺎﺷﺎً ﻣﻦ ھﺬا .إﻧﮭﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ،إﻧﮫ ﻗﺪر ﻋﺠﯿﺐ ،أن ﺗﺘﻘﺎﻃﻊ ﻃﺮﻗﻨﺎ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ ،ﺑﻌﺪ رﺑﻊ ﻗﺮن. أﻋﺎدﻧﻲ ﺻﻮﺗﻚ إﻟﻰ اﻟﻮاﻗﻊ وأﻧﺖ ﺗﺘﻮﻗﻔﯿﻦ ﻋﻨﺪ إﺣﺪى اﻟﻠﻮﺣﺎت : -أﻧﺖ ﻗﻞّ ﻣﺎ ﺗﺮﺳﻢ وﺟﻮھﺎً ،أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟
وﻗﺒﻞ أن أﺟﯿﺒﻚ ﻗﻠﺖ: اﺳﻤﻌﻲ ..ﻟﻦ ﻧﺘﺤﺪث إﻟﻰ ﺑﻌﺾ إﻻ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ..ﺳﺄﻏﯿﺮ ﻋﺎداﺗﻚ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم..ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﯿﺔ: ھﻞ ﺳﺘﻘﺪر؟أﺟﺒﺘﻚ: ﺳﺄﻗﺪر ...ﻷﻧﻨﻲ ﺳﺄﻏﯿﺮ أﯾﻀﺎً ﻋﺎداﺗﻲ ﻣﻌﻚ..أﺟﺒﺘﻨﻲ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺑﻔﺮح ﺳﺮي ﻻﻣﺮأة اﻛﺘﺸﻔﺖ ﻓﺒﻤﺎ ﺑﻌﺪ أﻧﮭﺎ ﺗﺤﺐ اﻷواﻣﺮ: ﺳﺄﻃﯿﻌﻚ ..ﻓﺄﻧﺎ أﺣﺐ ھﺬه اﻟﻠﻐﺔ ..وأﺣﺐ إﺻﺮارك .ذﻛﱢﺮﻧﻲ ﻓﻘﻂ ﻟﻮ ﺣﺪث وﻧﺴﯿﺖ.ﻗﻠﺖ: ﻟﻦ أذﻛﺮك ..ﻷﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻨﺴﻲ ذﻟﻚ!وﻛﻨﺖ أرﺗﻜﺐ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ أﺟﻤﻞ اﻟﺤﻤﺎﻗﺎت .وأﻧﺎ أﺟﻌﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻟﻲ ﻣﻌﮭﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺻﻠﺔ ﻋﺸﻘﯿﺔ ،ﻃﺮﻓﺎً آﺧﺮ ﻓﻲ ﻗﺼّﺘﻨﺎ اﻟﻤﻌﻘّﺪة.. ﻋﺪت ﻷﺳﺄﻟﻚ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﯿﺔ: ﻋﻢّ ﻛﻨﺖ ﺗﺘﺤﺪﺛﯿﻦ ﻣﻨﺬ ﻗﻠﯿﻞ؟ﻗﻠﺖ: ﻛﻨﺖ أﻋﺠﺐ أﻻ ﯾﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﺿﻚ ﺳﻮى ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﱢﻞ وﺟﮭﺎً ﻧﺴﺎﺋﯿﺎً ..أﻻﺗﺮﺳﻢ وﺟﻮھﺎً؟ ﻗﻠﺖ: ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة أرﺳﻢ وﺟﻮھﺎً ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت أﺧﺮى .ﻓﻲ اﻟﺮﺳﻢ ،ﻛﻠﻤﺎﺗﻘﺪم ﻋﻤﺮ اﻟﻔﻨﺎن وﺗﺠﺮﺑﺘﮫ ،ﺿﺎﻗﺖ ﺑﮫ اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت اﻟﺼﻐﯿﺮة وﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﻃﺮق أﺧﺮى ﻟﻠﺘﻌﺒﯿﺮ.
ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أﻧﺎ ﻻ أرﺳﻢ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﺘﻲ أﺣﺒﮭﺎ ﺣﻘﺎً ..أرﺳﻢ ﻓﻘﻂ ﺷﯿﺌﺎً ﯾﻮﺣﻲ ﺑﮭﺎ.. ﻃﻠّﺘﮭﺎ ..ﺗﻤﺎوج ﺷﻌﺮھﺎ ..ﻃﺮﻓﺎً ﻣﻦ ﺛﻮب اﻣﺮأة ..أو ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺣﻠﯿّﮭﺎ .ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻧﻔﺎرﻗﮭﺎ .ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺆدي إﻟﯿﮭﺎ دون أن ﺗﻔﻀﺤﮭﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎً.. ﻓﺎﻟﺮﺳﺎم ﻟﯿﺲ ﻣﺼﻮراً ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﯿﺎً ﯾﻄﺎرد اﻟﻮاﻗﻊ ..إنّ آﻟﺔ ﺗﺼﻮﯾﺮه ﺗﻮﺟﺪ داﺧﻠﮫ، ﻣﺨﻔﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﯾﺠﮭﻠﮫ ھﻮ ﻧﻔﺴﮫ ،وﻟﮭﺬا ھﻮ ﻻ ﯾﺮﺳﻢ ﺑﻌﯿﻨﯿﮫ ،وإﻧﻤﺎ ﺑﺬاﻛﺮﺗﮫ وﺧﯿﺎﻟﮫ ..وﺑﺄﺷﯿﺎء أﺧﺮى. ﻗﻠﺖ وﻋﯿﻨﺎك ﺗﻨﻈﺮان ﻻﻣﺮأة ﯾﻄﻐﻰ ﺷﻘﺎر ﺷﻌﺮھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻮﺣﺔ وﻻ ﯾﺘﺮك ﻣﺠﺎﻻً ﻟﻠﻮن آﺧﺮ ﺳﻮى ﺣﻤﺮة ﺷﻔﺘﯿﮭﺎ ﻏﯿﺮ اﻟﺒﺮﯾﺌﺘﯿﻦ: وھﺬه اﻟﻤﺮأة إذن ..ﻟﻤﺎذا رﺳﻤﺖ ﻟﮭﺎ ﻟﻮﺣﺔ واﻗﻌﯿﺔ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪّ؟ﺿﺤﻜﺖ وﻗﻠﺖ: ھﺬه اﻣﺮأة ﻻ ﺗﺮﺳﻢ إﻻ ﺑﻮاﻗﻌﯿﺔ..وﻟﻤﺎذا أﺳﻤﯿﺖ ﻟﻮﺣﺘﮭﺎ "اﻋﺘﺬار"؟ﻷﻧﻨﻲ رﺳﻤﺘﮭﺎ اﻋﺘﺬاراً ﻟﺼﺎﺣﺒﺘﮭﺎ..ﻗﻠﺖ ﻓﺠﺄة ﺑﻠﮭﺠﺔ ﻓﺮﻧﺴﯿﺔ وﻛﺄن ﻏﻀﺒﻚ أو ﻏﯿﺮﺗﻚ اﻟﺴﺮّﯾّﺔ ﻗﺪ أﻟﻐﺖ اﺗﻔﺎﻗﻨﺎ اﻟﺴﺎﺑﻖ: أﺗﻤﻨﻰ أن ﯾﻜﻮن ﻗﺪ أﻗﻨﻌﮭﺎ ھﺬا اﻻﻋﺘﺬار ..ﻓﺎﻟﻠﻮﺣﺔ ﺟﻤﯿﻠﺔ ﺣﻘﺎً.ﺛﻢ أﺿﻔﺖ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻔﻀﻮل اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ: وﻟﻜﻦ ھﺬا ﯾﻌﻮد إﻟﻰ ﻧﻮع اﻟﺬﻧﺐ اﻟﺬي اﻗﺘﺮﻓﺘﮫ ﻓﻲ ﺣﻘﮭﺎ!ﻟﻢ أﻛﻦ أﺷﻌﺮ ﺑﺄﯾّﺔ رﻏﺒﺔ ﻓﻲ أن أﻗﺺّ ﻋﻠﯿﻚ ﻗﺼﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ،ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﻨﺎ اﻷول .ﻛﻨﺖ أﺧﺎف أن ﯾﻜﻮن ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ ﺗﺄﺛﯿﺮ ﺳﻠﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ،أو ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﺗﻚ ﻟﻲ .ﻓﺤﺎوﻟﺖ أن أﺗﮭﺮب ﻣﻦ ﺗﻌﻠﯿﻘﻚ اﻟﺬي ﯾﺴﺘﺪرﺟﻨﻲ ﺑﺤﯿﻠﺔ إﻟﻰ ﻣﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺿﯿﺢ ،وأﺗﺠﺎھﻞ ﻋﻨﺎدك ﻓﻲ اﻟﻮﻗﻮف ﻃﻮﯾﻼً أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﺑﺎﻟﺬات. وﻟﻜﻦ ..ھﻞ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻘﺎوم ﻓﻀﻮل أﻧﺜﻰ ﺗﺼﺮّ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺷﻲء؟ أﺟﺒﺘﻚ:
ﻟﮭﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻗﺼﺔ ﻃﺮﯾﻔﺔ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ،ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﻋﻘﺪي ورواﺳﺒﻲاﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ،وھﻲ ھﻨﺎ رﺑّﻤﺎ ﻟﮭﺬا اﻟﺴﺒﺐ. ورﺣﺖ أﻗﺺّ ﻷول ﻣﺮة ﻗﺼﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺘﮭﺎ ذات ﯾﻮم ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺣﻀﺮت ﻣﺮة ،ﻛﻤﺎ أﻓﻌﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﯿﻦ واﻵﺧﺮ ،إﺣﺪى ﺟﻠﺴﺎت اﻟﺮﺳﻢ ﻓﻲ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ،ﺣﯿﺚ ﯾﺪﻋﻮﻧﻲ ھﻨﺎك ﺑﻌﺾ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ اﻷﺳﺎﺗﺬة ،ﻛﻤﺎ ﯾﻔﻌﻠﻮن ﻋﺎدة ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺮﺳﱠﺎﻣﯿﻦ ،ﻷﻟﺘﻘﻲ ﺑﺎﻟﻄﻠﺒﺔ واﻟﺮﺳﺎﻣﯿﻦ اﻟﮭﻮاة. ﻛﺎن اﻟﻤﻮﺿﻮع ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ھﻮ رﺳﻢ ﻣﻮدﯾﻞ ﻧﺴﺎﺋﻲ ﻋﺎرٍ .وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻣﺘﻔﺮﻏﯿﻦ ﻟﺮﺳﻢ ذﻟﻚ اﻟﺠﺴﺪ ﻣﻦ زواﯾﺎه اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻛﻨﺖ أﻧﺎ أﻓﻜﱢﺮ ﻣﺪھﻮﺷﺎً ﻓﻲ ﻗﺪرة ھﺆﻻء ﻋﻠﻰ رﺳﻢ ﺟﺴﺪ اﻣﺮأة ﺑﺤﯿﺎد ﺟﻨﺴﻲّ ،وﺑﻨﻈﺮة ﺟﻤﺎﻟﯿﺔ ﻻ ﻏﯿﺮ ،وﻛﺄﻧﮭﻢ ﯾﺮﺳﻤﻮن ﻣﻨﻈﺮاً ﻃﺒﯿﻌﯿﺎً أو ﻣﺰھﺮﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﺎوﻟﺔ ،أو ﺗﻤﺜﺎﻻً ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ. ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ ،أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﻤﺮﺗﺒﻚ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻠﺴﺔ .ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أرى ،ﻷول ﻣﺮة، اﻣﺮأة ﻋﺎرﯾﺔ ھﻜﺬا ﺗﺤﺖ اﻟﻀﻮء ﺗﻐﯿﺮ أوﺿﺎﻋﮭﺎ ،ﺗﻌﺮض ﺟﺴﺪھﺎ ﺑﺘﻠﻘﺎﺋﯿﺔ ،ودون ﺣﺮج أﻣﺎم ﻋﺸﺮات اﻟﻌﯿﻮن؛ ورﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻹﺧﻔﺎء ارﺗﺒﺎﻛﻲ رﺣﺖ أرﺳﻢ أﯾﻀﺎً. وﻟﻜﻦ رﯾﺸﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ رواﺳﺐ ﻋﻘﺪ رﺟﻞ ﻣﻦ ﺟﯿﻠﻲ ،رﻓﻀﺖ أن ﺗﺮﺳﻢ ذﻟﻚ اﻟﺠﺴﺪ ،ﺧﺠﻼً أو ﻛﺒﺮﯾﺎء ﻻ أدري ..ﺑﻞ راﺣﺖ ﺗﺮﺳﻢ ﺷﯿﺎً آﺧﺮ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﺳﻮى وﺟﮫ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة ﻛﻤﺎ ﯾﺒﺪو ﻣﻦ زاوﯾﺘﻲ ..وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﮭﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻠﺴﺔ ،وارﺗﺪت ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺳﻮى إﺣﺪى اﻟﻄﺎﻟﺒﺎت ﺛﯿﺎﺑﮭﺎ ،وﻗﺎﻣﺖ ﺑﺠﻮﻟﺔ ﻛﻤﺎ ھﻲ اﻟﻌﺎدة ﻟﺘﺮى ﻛﯿﻒ رﺳﻤﮭﺎ ﻛﻞّ واﺣﺪ ،ﻓﻮﺟﺌﺖ وھﻲ ﺗﻘﻒ أﻣﺎم ﻟﻮﺣﺘﻲ ،ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻟﻢ أرﺳﻢ ﺳﻮى وﺟﮭﮭﺎ .ﻗﺎﻟﺖ ﺑﻠﮭﺠﺔ ﻓﯿﮭﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻌﺘﺎب وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﺮى ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ إھﺎﻧﺔ ﻷﻧﻮﺛﺘﮭﺎ" :أھﺬا ﻛﻞّ ﻣﺎ أﻟﮭﻤﺘﻚ إﯾّﺎه؟" ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺠﺎﻣﻼً" :ﻻ ،ﻟﻘﺪ أﻟﮭﻤﺘﻨﻲ ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﺪھﺸﺔ ،وﻟﻜﻨﻲ أﻧﺎ أﻧﺘﻤﻲ ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﻢ ﯾﺪﺧﻞ اﻟﻜﮭﺮﺑﺎء ﺑﻌﺪ إﻟﻰ دھﺎﻟﯿﺰ ﻧﻔﺴﮫ .أﻧﺖ أوﱠل اﻣﺮأة أﺷﺎھﺪھﺎ ﻋﺎرﯾﺔ ھﻜﺬا ﺗﺤﺖ اﻟﻀﻮء ،رﻏﻢ أﻧﻨﻲ رﺟﻞ ﯾﺤﺘﺮف اﻟﺮﺳﻢ.. ﻓﺎﻋﺬرﯾﻨﻲ .إن ﻓﺮﺷﺎﺗﻲ ﺗﺸﺒﮭﻨﻲ ،إﻧﮭﺎ ﺗﻜﺮه أﯾﻀﺎً أن ﺗﺘﻘﺎﺳﻢ ﻣﻊ اﻵﺧﺮﯾﻦ اﻣﺮأة ﻋﺎرﯾﺔ ..ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺔ رﺳﻢ!". ﻛﻨﺖ ﺗﺴﺘﻤﻌﯿﻦ إﻟﻲّ ﻣﺪھﻮﺷﺔ ،وﻛﺄﻧﻚ ﺗﻜﺘﺸﻔﯿﻦ ﻓﻲّ ﻓﺠﺄة رﺟﻼً آﺧﺮ ﻟﻢ ﺗﺤﺪﺛﻚ ﻋﻨﮫ ﺟﺪّﺗﻚ .ﻛﺎن ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻚ ﻓﺠﺄة ﺷﻲ ﺟﺪﯾﺪ ،ﻧﻈﺮة ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻣﺎ ،ﺷﻲء ﻣﻦ اﻹﻏﺮاء اﻟﻤﺘﻌﻤّﺪ ،رﺑﻤﺎ ﺳﺒﺒﮫ ﻏﯿﺮة ﻧﺴﺎﺋﯿﺔ ﻣﻦ اﻣﺮأة ﻣﺠﮭﻮﻟﺔ ،ﺳﺮﻗﺖ ﻓﻲ ﯾﻮم ﻣﺎ اھﺘﻤﺎم رﺟﻞ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻣﮭﻤﺎً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﯿﻚ. رﺣﺖ أﺗﻠﺬّذ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻌﺠﯿﺐ اﻟﺬي ﻟﻢ أﺗﻌﻤﺪه .ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً أن ﺗﺜﯿﺮ ﻓﯿﻚ اﻟﻐﯿﺮة ھﺬا اﻟﺼﻤﺖ اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ ،وھﺬه اﻟﺤﻤﺮة اﻟﺨﻔﯿﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﺖ وﺟﻨﺘﯿﻚ ،وﺟﻌﻠﺖ ﻋﯿﻨﯿﻚ ﺗﺘّﺴﻌﺎن ﺑﻐﻀﺐ ﻣﻜﺒﻮت .ﻓﺎﺣﺘﻔﻈﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﺒﻘﯿﺔ اﻟﻘﺼﺔ ..ﻟﻢ أﺧﺒﺮك أن ھﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ
ﺗﻌﻮد ﻟﺴﻨﺘﯿﻦ ،وأنﱠ ﺻﺎﺣﺒﺘﮭﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﺳﻮى ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ،وأﻧﮫ ﻛﺎن ﻋﻠﻲّ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن أﻗﺪم ﻟﺠﺴﺪھﺎ اﻋﺘﺬاراً آﺧﺮ ..ﯾﺒﺪو أﻧﮫ ﻛﺎن ﻣﻘﻨﻌﺎً ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﺎرﻗﻨﻲ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ! أذﻛﺮ اﻟﯿﻮم ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ ،ذﻟﻚ اﻟﻤﻨﻌﻄﻒ اﻟﺬي أﺧﺬﺗﮫ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ﻓﺠﺄة ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺣﺪّﺛﺘﻚ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ..ﻋﺠﯿﺐ ھﻮ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻨﺴﺎء ﺣﻘﺎً! ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ أن ﺗﻘﻌﻲ ﻓﻲ ﺣﺒﻲ ،وأﻧﺖ ﺗﻜﺘﺸﻔﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺴﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻄﻚ ﺑﻠﻮﺣﺘﻲ اﻷوﻟﻰ "ﺣﻨﯿﻦ". ﻟﻮﺣﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﺮك وﻓﻲ ھﻮﯾﺘﻚ .وإذا ﺑﻚ ﺗﺘﻌﻠﻘﯿﻦ ﺑﻲ ﺑﺴﺒﺐ ﻟﻮﺣﺔ أﺧﺮى ﻻﻣﺮأة أﺧﺮى ،ﺗﻌﺒﺮ اﻟﺬاﻛﺮة ﺧﻄﺄ! اﻧﺘﮭﻰ ﻣﻮﻋﺪﻧﺎ اﻷول ﻋﻨﺪ اﻟﻈﮭﺮ. ﻛﺎن ﻋﻨﺪي إﺣﺴﺎس ﻣﺎ إﻧﻨﻲ ﺳﺄراك ﻣﺮة أﺧﺮى ..رﺑﻤﺎ ﻏﺪاً .ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺔ ﺷﻲء ﻣﺎ ،وأﻧﻨﺎ ﻛﻠﯿﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ .ﻛﺎن ھﻨﺎك ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻧﻘﻠﮭﺎ ﺑﻌﺪ ،ﺑﻞ إﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻘﻞ ﺷﯿﺎً ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ .ﻧﺤﻦ أﻏﺮﯾﻨﺎ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻓﻘﻂ ﺑﺤﺪﯾﺚ ﻣﺤﺘﻤﻞ .ﻛﻨّﺎ ،ﻋﻦ ﺳﺬاﺟﺔ أو ﻋﻦ ذﻛﺎء ،ﻧﻤﺎرس اﻟﻠﻌﺒﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﻌﺎً ،وﻟﺬا ﻟﻢ أﺗﻌﺠﺐ ﻛﺜﯿﺮاً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ وأﻧﺖ ﺗﻮدّﻋﯿﻨﻨﻲ: ھﻞ ﺳﺘﻜﻮن ھﻨﺎ ﻏﺪاً ﺻﺒﺎﺣﺎًً؟ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﺑﺴﻌﺎدة ﻣﻦ رﺑﺢ اﻟﺮھﺎن: ﻃﺒﻌﺎً.ﻗﻠﺖ: ﺳﺄﻋﻮد إذن ﻏﺪاً ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ ﺗﻘﺮﯾﺒﺎً ،ﺳﯿﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﻣﺘﱠﺴﻊ أﻛﺜﺮ ﻟﻠﺤﺪﯾﺚ .ﻟﻘﺪ ﻣﺮّاﻟﻮﻗﺖ ﺑﺴﺮﻋﺔ اﻟﯿﻮم دون أن ﻧﻨﺘﺒﮫ ﻟﺬﻟﻚ.. ﻟﻢ أﻋﻠّﻖ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﻚ .ﻛﻨﺖ أدري أن ﻻ ﻣﻘﯿﺎس ﻟﻠﻮﻗﺖ ﺳﻮى ﻗﻠﺒﯿﻨﺎ .وﻟﺬا ﻓﺎﻟﻮﻗﺖ ﻻ ﯾﺮﻛﺾ ﺑﻨﺎ إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺮﻛﺾ ﺑﻨﺎ اﻟﻘﻠﺐ ﻻھﺜﺎً أﯾﻀﺎً ﻣﻦ ﻓﺮﺣﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى ،وﻣﻦ دھﺸﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى ..وﻟﺬا وﺟﺪت ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻚ اﻋﺘﺮاﻓﺎً ﺑﻔﺮح ﻣﺸﺘﺮك ﺳﺮّيّ ..ﺗﻮﻗﻌﺖ أن ﯾﺘﻜﺮﱠر. أذﻛﺮ أﻧﻨﻲ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﯾﻮﻣﮭﺎ وأﻧﺎ أودﱢﻋﻚ ﻋﻨﺪ ﺑﺎب اﻟﻘﺎﻋﺔ: ﻻ ﺗﻨﺴﻲ ﻛﺘﺎﺑﻚ ﻏﺪاً ..أرﯾﺪ أن أﻗﺮأك.ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒﺔ:
أﺗﺘﻘﻦ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ؟ﻗﻠﺖ: ﻃﺒﻌﺎً ..ﺳﺘﺮﯾﻦ ذﻟﻚ ﺑﻨﻔﺴﻚ.ﻗﻠﺖِ: ﺳﺄﺣﻀﺮه إذن..ﺛﻢ أﺿﻔﺖ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻛﯿﺪٍ ﻧﺴﺎﺋﻲ ﻣﺤﺒّﺐ: ﻣﺎدﻣﺖ ﺗﺼﺮّ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ ..ﻟﻦ أﺣﺮﻣﻚ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻤﺘﻌﺔ!واﻧﻐﻠﻖ اﻟﺒﺎب ﺧﻠﻒ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻚ ﺗﻠﻚ ،دون أن أﻓﮭﻢ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﻨﯿﮫ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ. ذھﺒﺖ ﺑﺎﻟﻐﻤﻮض اﻟﻀﺒﺎﺑﻲ اﻟﺬي ﺟﺌﺖ ﺑﮫ ..ﻧﻔﺴﮫ .وﺑﻘﯿﺖ ﻋﻨﺪ ﻋﺘﺒﺔ ذﻟﻚ اﻟﺒﺎب اﻟﺰﺟﺎﺟﻲ ،أﺗﺄﻣﻠﻚ ﺗﻨﺪﻣﺠﯿﻦ ﺑﺨﻄﻰ اﻟﻤﺎرة وﺗﺨﺘﻔﯿﻦ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻛﻨﺠﻢٍ ھﺎرب ..و أﻧﺎ أﺗﺴﺎل ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺬھﻮل ..ﺗﺮاﻧﺎ اﻟﺘﻘﯿﻨﺎ ﺣﻘﺎً؟!
***
اﻟﺘﻘﯿﻨﺎ إذن.. اﻟﺬﯾﻦ ﻗﺎﻟﻮا "اﻟﺠﺒﺎل وﺣﺪھﺎ ﻻ ﺗﻠﺘﻘﻲ" ..أﺧﻄﺄوا. واﻟﺬﯾﻦ ﺑﻨﻮا ﺑﯿﻨﮭﺎ ﺟﺴﻮراً ،ﻟﺘﺘﺼﺎﻓﺢ دون أن ﺗﻨﺤﻨﻲ أو ﺗﺘﻨﺎزل ﻋﻦ ﺷﻤﻮﺧﮭﺎ ..ﻻ ﯾﻔﮭﻤﻮن ﺷﯿﺌﺎً ﻓﻲ ﻗﻮاﻧﯿﻦ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ. اﻟﺠﺒﺎل ﻻ ﺗﻠﺘﻘﻲ إﻻ ﻓﻲ اﻟﺰﻻزل و اﻟﮭﺰات اﻷرﺿﯿﺔ اﻟﻜﺒﺮى ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﺗﺘﺼﺎﻓﺢ، وإﻧﻤﺎ ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﺗﺮاب واﺣﺪ. اﻟﺘﻘﯿﻨﺎ إذن.. وﺣﺪﺛﺖ اﻟﮭﺰة اﻷرﺿﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻚ ﻣﺘﻮﻗّﻌﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أﺣﺪﻧﺎ ﺑﺮﻛﺎﻧﺎً ،وﻛﻨﺖ أﻧﺎ اﻟﻀﺤﯿﺔ.
ﯾﺎ اﻣﺮأة ﺗﺤﺘﺮف اﻟﺤﺮاﺋﻖ .وﯾﺎ ﺟﺒﻼً ﺑﺮﻛﺎﻧﯿﺎً ﺟﺮف ﻛﻞّ ﺷﻲء ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﮫ ،وأﺣﺮق آﺧﺮ ﻣﺎ ﺗﻤﺴﱠﻜﺖ ﺑﮫ. ﻣﻦ أﯾﻦ أﺗﯿﺖ ﺑﻜﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﻮاج اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر؟ وﻛﯿﻒ ﻟﻢ أﺣﺬر ﺗﺮﺑﺘﻚ اﻟﻤﺤﻤﻮﻣﺔ، ﻛﺸﻔﺘﻲْ ﻋﺎﺷﻘﺔ ﻏﺠﺮﯾﺔ. ﻛﯿﻒ ﻟﻢ أﺣﺬر ﺑﺴﺎﻃﺘﻚ وﺗﻮاﺿﻌﻚ اﻟﻜﺎذب ،وأﺗﺬﻛّﺮ درﺳﺎً ﻗﺪﯾﻤﺎً ﻓﻲ اﻟﺠﻐﺮاﻓﯿﺔ: "اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺒﺮﻛﺎﻧﯿﺔ ﻻ ﻗﻤﻢ ﻟﮭﺎ؛ إﻧﮭﺎ ﺟﺒﺎل ﻓﻲ ﺗﻮاﺿﻊ ھﻀﺒﺔ "..ﻓﮭﻞ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﮭﻀﺎب أن ﺗﻔﻌﻞ ﻛﻞّ ھﺬا؟ ﻛﻞّ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ ﺗﺤﺬّرﻧﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻨﮭﺮ اﻟﻤﺴﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﯾﺨﺪﻋﻨﺎ ھﺪوؤه ﻓﻨﻌﺒﺮه ،وإذا ﺑﮫ ﯾﺒﺘﻠﻌﻨﺎ .وذﻟﻚ اﻟﻌﻮد اﻟﺼﻐﯿﺮ اﻟﺬي ﻻ ﻧﺤﺘﺎط ﻟﮫ ..وإذا ﺑﮫ ﯾﻌﻤﯿﻨﺎ. أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﯾﻘﻮل ﻟﻦ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻟﮭﺠﺔ "ﯾﺆﺧﺬ اﻟﺤﺬر ﻣﻦ ﻣﺄﻣﻨﮫ" .وﻟﻜﻦ ﻛ ّﻞ ﺗﺤﺬﯾﺮاﺗﮭﺎ ﻟﻦ ﺗﻤﻨﻌﻨﺎ ﻣﻦ ارﺗﻜﺎب اﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎﻗﺎت ،ﻓﻼ ﻣﻨﻄﻖ ﻟﻠﻌﺸﻖ ﺧﺎرج اﻟﺤﻤﺎﻗﺎت واﻟﺠﻨﻮن .وﻛﻠﻤﺎ ازددﻧﺎ ﻋﺸﻘﺎً ﻛﺒﺮت ﺣﻤﺎﻗﺎﺗﻨﺎ. أﻟﻢ ﯾﻘﻞ )ﺑﺮﻧﺎرد ﺷﻮ( "ﺗﻌﺮف أﻧﻚ ﻋﺎﺷﻖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺒﺪأ ﻓﻲ اﻟﺘﺼﺮف ﺿﺪ ﻣﺼﻠﺤﺘﻚ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ"! وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻤﺎﻗﺎﺗﻲ اﻷوﻟﻰ ،أﻧﻨﻲ ﺗﺼﺮﻓﺖ ﻣﻌﻚ ﻣﺜﻞ ﺳﺎﺋﺢ ﯾﺰور ﺻﻘﻠّﯿﺔ ﻷول ﻣﺮة، ﻓﯿﺮﻛﺾ ﻧﺤﻮ ﺑﺮﻛﺎن )إﺗﻨﺎ( ،وﯾﺼﻠﱢﻲ ﻟﯿﺴﺘﯿﻘﻆ اﻟﺒﺮﻛﺎن اﻟﻨﺎﺋﻢ ﺑﻌﯿﻦ واﺣﺪة ﻣﻦ ﻧﻮﻣﮫ، وﯾﻐﺮق اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻧﺎراً ،ﻋﻠﻰ ﻣﺮأى ﻣﻦ اﻟﺴﻮاح اﻟﻤﺤﻤﻠﯿﻦ ﺑﺎﻵﻻت اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﯿﺔ.. واﻟﺪھﺸﺔ. وﺗﺸﮭﺪ ﺟﺜﺚ اﻟﺴﻮاح اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﺗﺮاب أﺳﻮد أﻧﮫ ﻻ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ ﺑﺮﻛﺎن ﯾﺘﺜﺎءب، وﯾﻘﺬف ﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﮫ ﻣﻦ ﻧﯿﺮان وأﺣﺠﺎر ،وﯾﺒﺘﻠﻊ اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﻟﺤﻈﺎت. وأنّ اﻟﻤﺘﻔﺮج ﻋﻠﯿﮫ ﯾﺼﺎب داﺋﻤﺎً ﺑﺠﺎذﺑﯿﺔ ﻣﻐﻨﺎﻃﯿﺴﯿﺔ ﻣﺎ ..ﺑﺸﻲء ﺷﺒﯿﮫ ﺑﺸﮭﻮة اﻟﻠﮭﺐ ،ﯾﺸﺪّه ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺴﯿﻮل اﻟﻨﺎرﯾﺔ ،ﻓﯿﻈﻞ ﻣﻨﺒﮭﺮاً أﻣﺎﻣﮭﺎ .ﯾﺤﺎول أن ﯾﺘﺬﻛّﺮ ﻓﻲ ذھﻮل ﻛﻞّ ﻣﺎ ﻗﺮأه ﻋﻦ ﻗﯿﺎم اﻟﺴﺎﻋﺔ ،وﯾﻨﺴﻰ ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ ﻋﺎﺷﻖ ،أﻧﮫ ﯾﺸﮭﺪ ﺳﺎﻋﺘﮭﺎ ..ﻗﯿﺎم ﺳﺎﻋﺘﮫ! ﯾﺸﮭﺪ اﻟﺪﻣﺎر ﺣﻮﻟﻲ اﻟﯿﻮم ،أﻧﻨﻲ أﺣﺒﺒﺘﻚ ﺣﺘﻰ اﻟﮭﻼك؛ وأﺷﺘﮭﯿﻚ ..ﺣﺘﻰ اﻻﺣﺘﺮاق اﻷﺧﯿﺮ .وﺻﺪﱠﻗﺖ ﺟﺎك ﺑﺮﯾﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل "ھﻨﺎك أراض ﻣﺤﺮوﻗﺔ ﺗﻤﻨﺤﻚ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺢ ﻣﺎ ﻻ ﯾﻤﻨﺤﻚ ﻧﯿﺴﺎن ﻓﻲ أوج ﻋﻄﺎﺋﮫ" .وراھﻨﺖ ﻋﻠﻰ رﺑﯿﻊ ھﺬا اﻟﻌﻤﺮ اﻟﻘﺎﺣﻞ .وﻧﯿﺴﺎن
ھﺬه اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻌﺠﺎف. ﯾﺎ ﺑﺮﻛﺎﻧﺎً ﺟﺮف ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ ﻛﻞّ ﺷﻲء ..أﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺟﻨﻮﻧﺎً أن أزاﯾﺪ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﻮن اﻟﺴﻮاح واﻟﻌﺸﺎق ،وﻛﻞّ ﻣﻦ أﺣﺒﻮك ﻗﺒﻠﻲ ..ﻓﺄﻧﻘﻞ ﺑﯿﺘﻲ ﻋﻨﺪ ﺳﻔﺤﻚ ،وأﺿﻊ ذاﻛﺮﺗﻲ ﻋﻨﺪ أﻗﺪام ﺑﺮاﻛﯿﻨﻚ ،وأﺟﻠﺲ ﺑﻌﺪھﺎ وﺳﻂ اﻟﺤﺮاﺋﻖ ..ﻷرﺳﻤﻚ. أﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺟﻨﻮﻧﺎً ..أن أرﻓﺾ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻨﺸﺮات اﻷرﺻﺎد اﻟﺠﻮﯾﺔ ،واﻟﻜﻮارث اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ ،وأﻗﻨﻊ ﻧﻔﺴﻲ أﻧﻨﻲ أﻋﺮف ﻋﻨﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﯾﻌﺮﻓﻮن .ﻧﺴﯿﺖ وﻗﺘﮭﺎ أن اﻟﻤﻨﻄﻖ ﯾﻨﺘﮭﻲ ﺣﯿﺚ ﯾﺒﺪأ اﻟﺤﺐّ ،وأنّ ﻣﺎ أﻋﺮﻓﮫ ﻋﻨﻚ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻖ وﻻ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ. اﻟﺘﻘﺖ اﻟﺠﺒﺎل إذن ..واﻟﺘﻘﯿﻨﺎ. رﺑﻊ ﻗﺮن ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻟﻔﺎرﻏﺔ اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻤﺘﻠﺊ ﺑﻚ. رﺑﻊ ﻗﺮن ﻣﻦ اﻷﯾﺎم اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﮭﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﻔﻘﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرك. رﺑﻊ ﻗﺮن ﻋﻠﻰ أوﱠل ﻟﻘﺎء ﺑﯿﻦ رﺟﻞ ﻛﺎن أﻧﺎ ،وﻃﻔﻠﺔ ﺗﻠﻌﺐ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ أﻧﺖ. رﺑﻊ ﻗﺮن ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻠﺔ وﺿﻌﺘﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﺪك اﻟﻄﻔﻮﻟﻲ ،ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻦ واﻟﺪ ﻟﻢ ﯾﺮك. أﻧﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﻌﻄﻮب اﻟﺬي ﺗﺮك ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎرك اﻟﻤﻨﺴﯿّﺔ ذراﻋﮫ ،وﻓﻲ اﻟﻤﺠﻦ اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ ﻗﻠﺒﮫ.. ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﻮﻗﻊ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺄﺗﺮك ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺟﺜّﺘﻲ ،واﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺄﻧﻔﻖ ﻓﯿﮭﺎ ذاﻛﺮﺗﻲ ..واﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺴﺘﻘﯿﻞ أﻣﺎﻣﮭﺎ ﻓﺮﺷﺎﺗﻲ ،ﻟﺘﺒﻘﻰ ﻋﺬراء.. وﺟﺒّﺎرة ﻣﺜﻠﻚ .ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻟﻮﻧﮭﺎ ﻛﻞّ اﻷﺿﺪاد. ﻛﯿﻒ ﺣﺪث ﻛﻞّ ھﺬا؟ ﻟﻢ أﻋﺪ أدري. ﻛﺎن اﻟﺰﻣﻦ ﯾﺮﻛﺾ ﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻮﻋﺪ إﻟﻰ آﺧﺮ ،واﻟﺤﺐّ ﯾﻨﻘﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﮭﻘﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى، وﻛﻨﺖ أﺳﺘﺴﻠﻢ ﻟﺤﺒﻚ دون ﺟﺪل. ﻛﺎن ﺣﺒﻚ ﻗﺪري ..ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﺣﺘﻔﻲ ،ﻓﮭﻞ ﻣﻦ ﻗﻮة ﺗﻘﻒ ﻓﻲ وﺟﮫ اﻟﻘﺪر؟ ﻛﺎن ﻟﻘﺎؤﻧﺎ ﯾﺘﻜﺮر ﻛﻞ ﯾﻮم ﺗﻘﺮﯾﺒﺎً ،ﻛﻨّﺎ ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﮭﺎر ،ﻓﻘﺪ ﺷﺎءت اﻟﻤﺼﺎدﻓﺎت أن ﯾﺼﺎدف ﻣﻌﺮﺿﻲ ﻋﻄﻠﺔ اﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﻤﺪرﺳﯿﺔ .وﻛﻨﺖ ﺗﻤﻠﻜﯿﻦ ﻣﺎ ﯾﻜﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﺰﯾﺎرﺗﻲ ﻛﻞّ ﯾﻮم .ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻚ أيّ دوام ﺟﺎﻣﻌﻲ. ﻛﺎن ﻋﻠﯿﻚ ﻓﻘﻂ أن ﺗﺘﺤﺎﯾﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮﯾﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ،ورﺑﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻚ أﻛﺜﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺮاﻓﻘﻚ ﻟﺴﺒﺐ أو ﻵﺧﺮ.
ﻛﻨﺖ أﺗﺴﺎءل ﻛﻞ ﻣﺮة وأﻧﺎ أودﻋﻚ ﻣﺮدداً ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً" ،إﻟﻰ اﻟﻐﺪ" :ﺗﺮاﻧﺎ ﻧﺮﺗﻜﺐ أﻛﺒﺮ اﻟﺤﻤﺎﻗﺎت وﯾﺰداد ﺗﻌﻠﻘﻨﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﻛﻞّ ﯾﻮم .ورﺑﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻛﺒﺮك ﺳﻨّﺎً ،ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ ﺗﺤﻤﻞ وﺣﺪي ﻣﺴﺆوﻟﯿﺔ ذﻟﻚ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ اﻟﺸﺎذ واﻧﺤﺪارﻧﺎ اﻟﺴﺮﯾﻊ واﻟﻤﻔﺠﻊ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﺐ. وﻟﻜﻦ ﻋﺒﺜﺎً ﻛﻨﺖ أﺣﺎول اﻟﻮﻗﻮف ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ ذﻟﻚ اﻟﺸﻼل اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺠﺮﻓﻨﻲ إﻟﯿﻚ ﺑﻘﻮة ﺣﺐّ ﻓﻲ اﻟﺨﻤﺴﯿﻦ ،ﺑﺠﻨﻮن ﺣﺐّ ﻓﻲ اﻟﺨﻤﺴﯿﻦ ،ﺑﺸﮭﯿﺔ رﺟﻞ ﻟﻢ ﯾﻌﺮف اﻟﺤﺐّ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم. ﻛﺎن ﺣﺒﻚ ﯾﺠﺮﻓﻨﻲ ﺑﺸﺒﺎﺑﮫ وﻋﻨﻔﻮاﻧﮫ ،وﯾﻨﺤﺪر ﺑﻲ إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ﻧﻘﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﻼﻣﻨﻄﻖ ..ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﯾﻜﺎد ﯾﻼﻣﺲ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻌﺸﻖ ،ﻓﻲ آﺧﺮ اﻟﻤﻄﺎف ،اﻟﺠﻨﻮن أو اﻟﻤﻮت.. وﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ وأﻧﺎ أﻧﺤﺪر ﻣﻌﻚ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺘﺎھﺎت اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ داﺧﻠﻲ ،إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺪھﺎﻟﯿﺰ اﻟﺴﺮﯾﺔ ﻟﻠﺤﺐ واﻟﺸﮭﻮة ،وإﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﺒﻌﯿﺪة اﻷﻏﻮار اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻄﺄھﺎ اﻣﺮأة ﻗﺒﻠﻚ ،أﻧﻨﻲ أﻧﺰل أﯾﻀﺎً ﺳﻠّﻢ اﻟﻘﯿﻢ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ،وأﻧﻨﻲ أﺗﻨﻜﱠﺮ دون أن أدري ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺘﻲ آﻣﻨﺖ ﺑﮭﺎ ﺑﺘﻄﺮّف ،ورﻓﻀﺖ ﻋﻤﺮاً ﺑﺄﻛﻤﻠﮫ أن أﺳﺎوم ﻋﻠﯿﮭﺎ. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﯿﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ﺷﯿﺎً ﻻ ﯾﺘﺠﺰأ ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﻨﺎك ﻓﻲ ﻗﺎﻣﻮﺳﻲ ﻣﻦ ﻓﺮق ﺑﯿﻦ اﻷﺧﻼق اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ،وﺑﻘﯿﺔ اﻷﺧﻼق ..وﻛﻨﺖ أﻋﻲ أﻧﻨﻲ ،ﻣﻌﻚ ،ﺑﺪأت أﺗﻨﻜﱠﺮ ﻟﻮاﺣﺪة ﻷﻗﻨﻌﻚ ﺑﺄﺧﺮى. ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﻛﺜﯿﺮاً آﻧﺬاك.. ﺗﺮاﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﺧﻮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وأﻧﺎ أﻧﻔﺮد ﺑﻚ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺔ ﺷﺒﮫ ﺑﺮﯾﺌﺔ ،ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ ﺗﺆﺛﺜﮭﺎ اﻟﻠﻮﺣﺎت واﻟﺬاﻛﺮة؟ ﺗﺮاﻧﻲ أﺧﻮن أﻋﺰّ ﻣَﻦْ ﻋﺮﻓﺖ ﻣﻦ رﺟﺎل ،وأﻛﺜﺮھﻢ ﻧﺨﻮة وﻣﺮوءة ،وأﻛﺜﺮھﻢ ﺷﺠﺎﻋﺔ ووﻓﺎءً؟ ﺗﺮاﻧﻲ ﺳﺄﺧﻮن ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ﻗﺎﺋﺪي ورﻓﯿﻘﻲ وﺻﺪﯾﻖ ﻋﻤﺮ ﺑﺄﻛﻤﻠﮫ .ﻓﺄدﻧّﺲ ذﻛﺮاه وأﺳﺮق ﻣﻨﮫ زھﺮة ﻋﻤﺮه اﻟﻮﺣﯿﺪة ..ووﺻﯿّﺘﮫ اﻷﺧﯿﺮة؟ أﯾﻤﻜﻦ أن أﻓﻌﻞ ﻛﻞّ ذﻟﻚ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وأﻧﺎ أﺣﺪﱢﺛﻚ ﻋﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ! وﻟﻜﻦ ..أﻛﻨﺖ ﺣﻘّﺎً أﺳﺮق ﻣﻨﻚ ﺷﯿﺌﺎً ،ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻠﺴﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺣﺪﱢﺛﻚ ﻓﯿﮭﺎ ﻃﻮﯾﻼً ﻋﻨﮫ؟. ﻻ ..ﻟﻢ ﯾﺤﺪث ھﺬا أﺑﺪاً ،ﻛﺎﻧﺖ ھﯿﺒﺔ اﺳﻤﮫ ﺣﺎﺿﺮة ﻓﻲ ذھﻨﻲ داﺋﻤﺎً .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺑﻄﻨﻲ ﺑﻚ وﺗﻔﺼﻠﻨﻲ ﻋﻨﻚ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ .ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺴﺮاً وﺣﺎﺟﺰاً ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ..
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻌﺘﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪة وﻗﺘﮭﺎ ،أن أودﻋﻚ ﻣﻔﺎﺗﯿﺢ ذاﻛﺮﺗﻲ .أن أﻓﺘﺢ ﻟﻚ دﻓﺎﺗﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻤﺼﻔﺮّة ،ﻷﻗﺮأھﺎ أﻣﺎﻣﻚ ﺻﻔﺤﺔ ..ﺻﻔﺤﺔ .وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻛﺘﺸﻔﮭﺎ ﻣﻌﻚ وأﻧﺎ أﺳﺘﻤﻊ ﻟﻨﻔﺴﻲ ،أﻗﺼﮭﺎ ﻷول ﻣﺮة. ﻛﻨﺎ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﺑﺼﻤﺖ أﻧﻨﺎ ﻧﺘﻜﺎﻣﻞ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﻣﺨﯿﻔﺔ .ﻛﻨﺖ أﻧﺎ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺬي ﺗﺠﮭﻠﯿﻨﮫ، وﻛﻨﺖِ أﻧﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ اﻟﺬي ﻻ ذاﻛﺮة ﻟﮫ ،واﻟﺬي أﺣﺎول أن أودﻋﮫ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﺣﻤّﻠﺘﻨﻲ اﻟﺴﻨﻮات ﻣﻦ ﺛﻘﻞ. ﻛﻨﺖِ ﻓﺎرﻏﺔ ﻛﺈﺳﻔﻨﺠﺔ ،وﻛﻨﺖ أﻧﺎ ﻋﻤﯿﻘﺎً وﻣﺜﻘﻼً ﻛﺒﺤﺮ. رﺣﺖ ﺗﻤﺘﻠﺌﯿﻦ ﺑﻲ ﻛﻞّ ﯾﻮمٍ أﻛﺜﺮ.. ﻛﻨﺖ أﺟﮭﻞ ﺳﺎﻋﺘﮭﺎ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻛﻠﻤﺎ ﻓﺮﻏﺖ اﻣﺘﻸت ﺑﻚ أﯾﻀﺎً ،وأﻧﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎ وھﺒﺘﻚ ﺷﯿﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﺣﻮّﻟﺘﻚ إﻟﻰ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨّﻲ .وإذا ﺑﻨﺎ ﻧﺤﻤﻞ ذاﻛﺮة ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ،ﻃﺮﻗﺎً وأزﻗﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ،وأﻓﺮاﺣﺎً وأﺣﺰاﻧﺎً ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻛﺬﻟﻚ .ﻓﻘﺪ ﻛﻨﱠﺎ ﻣﻌﺎً ﻣﻌﻄﻮﺑﻲ ﺣﺮب ،وﺿﻌﺘﻨﺎ اﻷﻗﺪار ﻓﻲ رﺣﺎھﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺮﺣﻢ ،ﻓﺨﺮﺟﻨﺎ ﻛﻞﱡ ﺑﺠﺮﺣﮫ. ﻛﺎن ﺟﺮﺣﻲ واﺿﺤﺎً و ﺟﺮﺣﻚ ﺧﻔﯿﺎً ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎق .ﻟﻘﺪ ﺑﺘﺮوا ذراﻋﻲ ،وﺑﺘﺮوا ﻃﻔﻮﻟﺘﻚ. اﻗﺘﻠﻌﻮا ﻣﻦ ﺟﺴﺪي ﻋﻀﻮاً ..وأﺧﺬوا ﻣﻦ أﺣﻀﺎﻧﻚ أﺑﺎ ..ﻛﻨﱠﺎ أﺷﻼء ﺣﺮب ..وﺗﻤﺜﺎﻟﯿﻦ ﻣﺤﻄّﻤﯿﻦ داﺧﻞ أﺛﻮاب أﻧﯿﻘﺔ ﻻ ﻏﯿﺮ. أذﻛﺮ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﻃﻠﺒﺖ ﻓﯿﮫ ﻣﻨﻲ ﻷول ﻣﺮة ،أن أﺣﺪﱠﺛﻚ ﻋﻦ أﺑﯿﻚ .واﻋﺘﺮﻓﺖ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻻرﺗﺒﺎك ،أﻧﱠﻚ ﺟﺌﺖ ﻟﺰﯾﺎرﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﺪء ..ﺑﮭﺬه اﻟﻨﯿﺔ ﻓﻘﻂ .ﻛﺎن ﻓﻲ ﺻﻮﺗﻚ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺤﺰن اﻟﻤﻜﺎﺑﺮ ..ﺷﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﺮارة اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺸﻔﺘﮭﺎ ﻓﯿﻚ ﻷول ﻣﺮة. ﻗﻠﺖ: ﻣﺎ ﻓﺎﺋﺪة أن ﯾﻤﻨﺢ اﺳﻢ أﺑﻲ ﻟﺸﺎرع ﻛﺒﯿﺮ ،وأن أﺣﻤﻞ ﺛﻘﻞ اﺳﻤﮫ اﻟﺬي ﯾﺮدده أﻣﺎﻣﻲاﻟﻤﺎرة واﻟﻐﺮﺑﺎء ﻋﺪة ﻣﺮات ﻓﻲ اﻟﯿﻮم .ﻣﺎ ﻓﺎﺋﺪة ذﻟﻚ إذا ﻛﻨﺖ ﻻ أﻋﺮف ﻋﻨﮫ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﯾﻌﺮﻓﻮن ،وإذا ﻛﺎن ﻻ ﯾﻮﺟﺪ ﺑﯿﻨﮭﻢ ﺷﺨﺺ واﺣﺪ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ أن ﯾﺤﺪّﺛﻨﻲ ﻋﻨﮫ ﺣﻘﺎً؟ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻣﺘﻌﺠﺒﺎً: أﻟﻢ ﯾﺤﺪﺛﻚ ﻋﻨﮫ ﻋﻤّﻚ ﻣﺜﻼً؟ﻗﻠﺖ:
ﻋﻤّﻲ ﻻ وﻗﺖ ﻟﮫ ﻟﮭﺬا ..وﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺤﺪث أن ﯾﺬﻛﺮه أﻣﺎﻣﻲ ،ﯾﺄﺗﻲ ﻛﻼﻣﮫ وﻛﺄﻧﮫ أﻗﺮبﻟﺨﻄﺒﺔ ﺗﺄﺑﯿﻨﯿﺔ ﯾﺘﻮﺟﮫ ﺑﮭﺎ ﻟﻐﺮﺑﺎء ﯾﺴﺘﻌﺮض أﻣﺎﻣﮭﻢ ﻣﺂﺛﺮ أﺧﯿﮫ ،وﻻ ﯾﺘﻮﺟﮫ ﻓﯿﮭﺎ إﻟﻲّ ﻟﯿﺤﺪﺛﻨﻲ ﻋﻦ رﺟﻞ ھﻮ أﺑﻲ ﻗﺒﻞ ﻛﻞّ ﺷﻲ.. اﻟﺬي أرﯾﺪ أن أﻋﺮﻓﮫ ﻋﻦ أﺑﻲ ،ﻟﯿﺲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﻞ اﻟﺠﺎھﺰة ﻟﺘﻤﺠﯿﺪ اﻷﺑﻄﺎل واﻟﺸﮭﺪاء، واﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎل ﻓﻲ ﻛﻞّ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻋﻦ اﻟﺠﻤﯿﻊ؛ وﻛﺄنﱠ اﻟﻤﻮت ﺳﻮّى ﻓﺠﺄة ﺑﯿﻦ ﻛﻞّ اﻟﺸﮭﺪاء، ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻧﺴﺨﺔ ﻃﺒﻖ اﻷﺻﻞ. ﯾﮭﻤﻨﻲ أن أﻋﺮف ﺷﯿﺌﺎً ﻋﻦ أﻓﻜﺎره ..ﺑﻌﺾ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﺣﯿﺎﺗﮫ ..أﺧﻄﺎءه وﺣﺴﻨﺎﺗﮫ.. ﻃﻤﻮﺣﺎﺗﮫ اﻟﺴﺮﯾﺔ ..ھﺰاﺋﻤﮫ اﻟﺴﺮﯾﺔ .ﻻ أرﯾﺪ أن أﻛﻮن اﺑﻨﺔ ﻷﺳﻄﻮرة ،اﻷﺳﺎﻃﯿﺮ ﺑﺪﻋﺔ ﯾﻮﻧﺎﻧﯿﺔ .أرﯾﺪ أن أﻛﻮن اﺑﻨﺔ ﻟﺮﺟﻞ ﻋﺎدي ﺑﻘﻮّﺗﮫ وﺑﻀﻌﻔﮫ ،ﺑﺎﻧﺘﺼﺎراﺗﮫ وﺑﮭﺰاﺋﻤﮫ .ﻓﻔﻲ ﺣﯿﺎة ﻛﻞّ رﺟﻞ ﺧﯿﺒﺔ ﻣﺎ وھﺰﯾﻤﺔ ﻣﺎ ،رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒﺎً ﻓﻲ اﻧﺘﺼﺎر آﺧﺮ. ﺣﻞّ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ ﺑﯿﻨﻨﺎ.. ﻛﻨﺖ أﺗﺄﻣﻠﻚ وأﻏﻮص ﻓﻲ أﻋﻤﺎق ﻧﻔﺴﻲ .رﺣﺖ أﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﺪّ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ ھﺰاﺋﻤﻲ واﻧﺘﺼﺎراﺗﻲ .ﻟﻢ أﻛﻦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﺒﯿّﺎً ،وﻻ ﻛﻨﺖ أﻧﺖ آﻟﮭﺔ إﻏﺮﯾﻘﯿﺔ ..ﻛﻨّﺎ ﻓﻘﻂ ﺗﻤﺜﺎﻟﯿﻦ أﺛﺮﯾﯿﻦ ﻗﺪﯾﻤﯿﻦ ﻣﺤﻄﻤَﻲ اﻷﻃﺮاف ،ﯾﺤﺎوﻻن ﺗﺮﻣﯿﻢ أﺟﺰاﺋﮭﻤﺎ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت . ﻓﺮﺣﺖ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﯿﻚ وأﻧﺖ ﺗﺮﻣﱢﻤﯿﻦ ﻣﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻚ ﻣﻦ دﻣﺎر. ﻗﻠﺖ: ﯾﺤﺪث أن أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ اﺑﻨﺔ ﻟﺮﻗﻢ ﻓﻘﻂ ،رﻗﻢ ﺑﯿﻦ ﻣﻠﯿﻮن وﻧﺼﻒ ﻣﻠﯿﻮن رﻗﻢ آﺧﺮ.رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻌﻀﮭﺎ أﻛﺒﺮ أو أﺻﻐﺮ ،رﺑﻤﺎ ﻛﺘﺐ اﺳﻢ ﺑﻌﻀﮭﺎ ﺑﺨﻂ أﻛﺒﺮ أو أﺻﻐﺮ ﻣﻦ ﺧ ّ ﻂ آﺧﺮ ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً أرﻗﺎم ﻟﻤﺄﺳﺎة ﻣﺎ. وأﺿﻔﺖِ: أن ﯾﻜﻮن أﺑﻲ أورﺛﻨﻲ اﺳﻤﺎً ﻛﺒﯿﺮاً ،ھﺬا ﻻ ﯾﻌﻨﻲ ﺷﯿﺌﺎً .ﻟﻘﺪ أورﺛﻨﻲ ﻣﺄﺳﺎة ﻓﻲ ﺛﻘﻞاﺳﻤﮫ ،وأورث أﺧﻲ اﻟﺨﻮف اﻟﺪاﺋﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻘﻮط ،واﻟﻌﯿﺶ ﻣﺴﻜﻮﻧﺎً ﺑﮭﺎﺟﺲ اﻟﻔﺸﻞ، وھﻮ اﻻﺑﻦ اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻟﻠﻄﺎھﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻟﻰ اﻟﺬي ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﻘﮫ أن ﯾﻔﺸﻞ ﻓﻲ اﻟﺪراﺳﺔ وﻻ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ،ﻷﻧﮫ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﻖ اﻟﺮﻣﻮز أن ﺗﺘﺤﻄﻢ .واﻟﻨﺘﯿﺠﺔ ،أﻧﮫ ﺗﺨﻠﻰ ﻋﻦ دراﺳﺘﮫ اﻟﺠﺎﻣﻌﯿﺔ وھﻮ ﯾﻜﺘﺸﻒ ﻋﺒﺜﯿﺔ ﺗﻜﺪﯾﺲ اﻟﺸﮭﺎدات ،ﻓﻲ زﻣﻦ ﯾﻜﺪّس ﻓﯿﮫ اﻵﺧﺮون اﻟﻤﻼﯾﯿﻦ .رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ،ﻓﺎﻟﺸﮭﺎدات ھﻲ آﺧﺮ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻮﺻﻠﻚ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ وﻇﯿﻔﺔ ﻣﺤﺘﺮﻣﺔ. ﻟﻘﺪ رأى أﺻﺪﻗﺎءه اﻟﺬﯾﻦ ﺗﺨﺮﺟﻮا ﻗﺒﻠﮫ ،ﯾﻨﺘﻘﻠﻮن ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻰ اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ أو إﻟﻰ ﻣﻮﻇﱠﻔﯿﻦ
ﺑﺮواﺗﺐ وأﺣﻼم ﻣﺤﺪودة ،ﻓﻘﺮَر أن ﯾﻨﺘﻘﻞ إﻟﻰ اﻟﺘﺠﺎرة .ورﻏﻢ أﻧﻨﻲ أﺷﺎﻃﺮه رأﯾﮫ ،إﻻ أﻧﮫ ﯾﺤﺰﻧﻨﻲ أن ﯾﺘﺤﻮل أﺧﻲ وھﻮ ﻓﻲ ﻋﺰّ ﺷﺒﺎﺑﮫ ،إﻟﻰ ﺗﺎﺟﺮ ﺻﻐﯿﺮ ﯾﺪﯾﺮ ﻣﺤﻼً ﺗﺠﺎرﯾﺎً وﺷﺎﺣﻨﺔ وھﺒﺘﮭﺎ ﻟﮫ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻛﺎﻣﺘﯿﺎز ﺑﺼﻔﺘﮫ اﺑﻦ ﺷﮭﯿﺪ .ﻻ أﻋﺘﻘﺪ أن أﺑﻲ ﻛﺎن ﯾﺘﻮﻗﱠﻊ ﻟﮫ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼً ﻛﮭﺬا! ﻗﺎﻃﻌﺘﻚ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺘﺨﻔﯿﻒ ﺗﺬﻣﺮك: إﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺘﻮﻗﻊ أﯾﻀﺎً ﻟﻚ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼً ﻛﮭﺬا .ﻟﻘﺪ ذھﺒﺖ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ أﺣﻼﻣﮫ؛ إﻧﻚ اﻟﻮرﯾﺜﺔ ﻟﻜﻞّﻃﻤﻮﺣﺎﺗﮫ وﻣﺒﺎدﺋﮫ .ﻛﺎن رﺟﻼً ﯾﻘﺪّس اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،وﯾﻌﺸﻖ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،وﯾﺤﻠﻢ ﺑﺠﺰاﺋﺮ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﺨﺮاﻓﺎت واﻟﻌﺎدات اﻟﺒﺎﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ أرھﻘﺖ ﺟﯿﻠﮫ وﻗﻀﺖ ﻋﻠﯿﮫ. إﻧﻚ ﻻ ﺗﻌﯿﻦ أن ﯾﻜﻮن ﻟﻚ اﻟﯿﻮم ھﺬا اﻟﺤﻆ اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ ،ﻓﻲ وﻃﻦ ﯾﻤﻨﺤﻚ ﻓﺮﺻﺔ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻓﺘﺎة ﻣﺜﻘﱠﻔﺔ ،ﯾﻤﻜﻨﮭﺎ اﻟﺪراﺳﺔ واﻟﻌﻤﻞ وﺣﺘﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ.. أﺟﺒﺖ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ: ﻗﺪ أﻛﻮن ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻟﻠﺠﺰاﺋﺮ ﺑﺜﻘﺎﻓﺘﻲ أو ﺑﻌﻠﻤﻲ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺷﻲ آﺧﺮ ﻟﻢ ﯾﻤﻦّ ﺑﮫ أﺣﺪﻋﻠﻲّ .ﻧﺤﻦ ﻧﻜﺘﺐ ﻟﻨﺴﺘﻌﯿﺪ ﻣﺎ أﺿﻌﻨﺎه وﻣﺎ ﺳﺮق ﺧﻠﺴﺔ ﻣﻨّﺎ ..ﻛﻨﺖ أﻓﻀِﻞ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻲ ﻃﻔﻮﻟﺔ ﻋﺎدﯾﺔ وﺣﯿﺎة ﻋﺎدﯾﺔ ،أن ﯾﻜﻮن ﻟﻲ أب وﻋﺎﺋﻠﺔ ﻛﺎﻵﺧﺮﯾﻦ؛ وﻟﯿﺲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ وﺟﺰﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﻓﺎﺗﺮ .وﻟﻜﻦ أﺑﻲ أﺻﺒﺢ ﻣﻠﻜﺎً ﻟﻜﻞ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،ووﺣﺪھﺎ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻠﻜﻲ ..وﻟﻦ ﯾﺄﺧﺬھﺎ ﻣﻨﱢﻲ أﺣﺪ! أذھﻠﻨﻲ ﻛﻼﻣﻚ .ﻣﻸﻧﻲ ﺑﺄﺣﺎﺳﯿﺲ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ .أﺣﺰﻧﻨﻲ ،وﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ ﯾﻮﺻﻠﻨﻲ إﻟﻰ ﺣﺪ اﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﯿﻚ .إنﱠ اﻣﺮأة ذﻛﯿﺔ ﻻ ﺗﺜﯿﺮ اﻟﺸﻔﻘﺔ .إﻧﮭﺎ داﺋﻤﺎً ﺗﺜﯿﺮ اﻹﻋﺠﺎب ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺣﺰﻧﮭﺎ .وﻛﻨﺖ ﻣﻌﺠﺒﺎً ﺑﻚ ،ﺑﺠﺮﺣﻚ اﻟﻤﻜﺎﺑﺮ ،ﺑﻄﺮﯾﻘﺘﻚ اﻻﺳﺘﻔﺰازﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﺪّي ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ .ﻛﻨﺖ ﺗﺸﺒﮭﯿﻨﻨﻲ أﻧﺎ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أرﺳﻢ ﺑﯿﺪ ﻷﺳﺘﻌﯿﺪ ﯾﺪي اﻷﺧﺮى .ﻛﻨﺖ أﻓﻀﱢﻞ ﻟﻮ ﺑﻘﯿﺖ رﺟﻼً ﻋﺎدﯾﺎ ﺑﺬراﻋﯿﻦ اﺛﻨﺘﯿﻦ ،ﻷﻗﻮم ﺑﺄﺷﯿﺎء ﻋﺎدﯾﺔ ﯾﻮﻣﯿﺔ ،وﻻ أﺗﺤﻮل إﻟﻰ ﻋﺒﻘﺮي ﺑﺬراع واﺣﺪة ،ﻻ ﺗﺘﺄﺑﻂ ﻏﯿﺮ اﻟﺮﺳﻮم واﻟﻠﻮﺣﺎت. ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺣﻠﻤﻲ أن أﻛﻮن ﻋﺒﻘﺮﯾﺎً وﻻ ﻧﺒﯿﺎً وﻻ ﻓﻨﺎﻧﺎً راﻓﻀﺎً وﻣﺮﻓﻮﺿﺎً .ﻟﻢ أﺟﺎھﺪ ﻣﻦ أﺟﻞ ھﺬا .ﻛﺎن ﺣﻠﻤﻲ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻲ زوﺟﺔ وأوﻻد ،وﻟﻜﻦ اﻟﻘﺪر أراد ﻟﻲ ﺣﯿﺎة أﺧﺮى، ﻓﺈذا ﺑﻲ أب ﻷﻃﻔﺎل آﺧﺮﯾﻦ وزوج ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ واﻟﻔﺮﺷﺎة ..ﻟﻘﺪ ﺑﺘﺮوا أﯾﻀﺎً أﺣﻼﻣﻲ. ﻗﻠﺖ ﻟﻚ: ﻟﻦ ﯾﺄﺧﺬ أﺣﺪ ﻣﻨﻚ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ..إن ﻣﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻨﺎ ھﻮ ﻟﻨﺎ وﻟﻦ ﺗﻄﻮﻟﮫ ﯾﺪ أﺣﺪ.ﻗﻠﺖِ:
وﻟﻜﻦ ﻟﯿﺲ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻲ ﺷﻲء ﺳﻮى اﻟﻔﺮاﻏﺎت اﻟﻤﺤﺸﻮة ﺑﻘﺼﺎﺻﺎت اﻟﺠﺮاﺋﺪ..ﺑﻨﺸﺮات اﻷﺧﺒﺎر ،وﺑﻜﺘﺐ ﺳﺎذﺟﺔ ﻟﯿﺲ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺮاﺑﺔ. ﺛﻢ أﺿﻔﺖ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﻮدﻋﯿﻨﻨﻲ ﺳﺮاً: أﺗﺪري ﻟﻤﺎذا ﻛﻨﺖ أﺣﺐّ ﺟﺪّﺗﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ..وأﻛﺜﺮ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ أﻣّﻲ؟إﻧﮭﺎ اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺪ ﻣﺘﺴﻌﺎً ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﺘﺤﺪﱢﺛﻨﻲ ﻋﻦ ﻛﻞﱢ ﺷﻲء ..ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً ،وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﺮﻓﺾ اﻟﺨﺮوج ﻣﻨﮫ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﺒﺲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ..ﺗﺄﻛﻞ اﻟﻤﺎﺿﻲ ..وﻻ ﺗﻄﺮب ﺳﻮى ﻟﺴﻤﺎع أﻏﺎﻧﯿﮫ. ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻠﻢ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ ﻓﻲ زﻣﻦ ﻛﺎن اﻵﺧﺮون ﯾﺤﻠﻤﻮن ﻓﯿﮫ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ .وﻟﺬا ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﺎ ﺗﺤﺪّﺛﻨﻲ ﻋﻦ أﺑﻲ دون أن أﻃﻠﺐ ﻣﻨﮭﺎ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺎﺿﯿﮭﺎ اﻷﻧﺜﻮي اﻟﻌﺎﺑﺮ .وﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺘﻌﺐ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻨﮫ ،ﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﺴﺘﻌﯿﺪه ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت وﺗﺴﺘﺤﻀﺮه .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﺑﺤﺴﺮة اﻷم اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﺾ أن ﺗﻨﺴﻰ أﻧﮭﺎ ﻓﻘﺪت ﺑﻜﺮھﺎ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ..وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻘﻮل ﻟﻲ ﻋﻨﮫ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻘﻮﻟﮫ أم ﻋﻦ اﺑﻨﮭﺎ .ﻛﺎن اﻟﻄﺎھﺮ ھﻮ اﻷﺟﻤﻞ ..ھﻮ اﻷروع ..ھﻮ اﻻﺑﻦ اﻟﺒﺎرّ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺠﺮﺣﮭﺎ ﯾﻮﻣﺎً ﺑﻜﻠﻤﺔ. ﯾﻮم اﻻﺳﺘﻘﻼل ﺑﻜﺖ ﺟﺪّﺗﻲ ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﻚ ﯾﻮﻣﺎً .ﺳﺄﻟﺘﮭﺎ "أﻣّﺎ ..ﻟﻤﺎذا ﺗﺒﻜﯿﻦ وﻗﺪ اﺳﺘﻘﻠﱠﺖ اﻟﺠﺰاﺋﺮ؟" ﻗﺎﻟﺖ" :ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ أﻧﺘﻈﺮ اﻻﺳﺘﻘﻼل ﻟﯿﻌﻮد ﻟﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ،اﻟﯿﻮم أدرﻛﺖ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻋﺪ أﻧﺘﻈﺮ ﺷﯿﺌﺎً". ﯾﻮم ﻣﺎت أﺑﻲ ﻟﻢ ﺗﺰﻏﺮد ﺟﺪّﺗﻲ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﺼﺺ اﻟﺜﻮرة اﻟﺨﯿﺎﻟﯿّﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺮأﺗﮭﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ. وﻗﻔﺖ ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﺪار وھﻲ ﺗﺸﮭﻖ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء وﺗﻨﺘﻔﺾ ﻋﺎرﯾﺔ اﻟﺮأس ﻣﺮددة ﺑﺤﺰن ﺑﺪاﺋﻲ " :ﯾﺎ وﺧﯿﺪﺗﻲ ..ﯾﺎ ﺳﻮادي ..آه اﻟﻄﺎھﺮ أﺣﻨَﺎﻧﻲ ﻟﻤﻦ ﺧﻠّﯿﺘﻨﻲ ..ﻧﺮوح ﻋﻠﯿﻚ أﻃﺮاف". وﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﺗﺒﻜﻲ ﺑﺼﻤﺖ وھﻲ ﺗﺤﺎول ﺗﮭﺪﺋﺘﮭﺎ ،وﻛﻨﺖ أﻧﺎ أﺗﻔﺮج ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ وأﺑﻜﻲ دون أن أﻓﮭﻢ ﺗﻤﺎﻣﺎً أﻧﻨﻲ أﺑﻜﻲ رﺟﻼً ﻟﻢ أره ﺳﻮى ﻣﺮﱠات ..رﺟﻼً ﻛﺎن أﺑﻲ. ﻟﻤﺎذا ﻛﺎن ذﻛﺮك ﻟـ ) أﻣّﺎ اﻟﺰھﺮة( ﯾﺜﯿﺮ داﺋﻤﺎً ﻓﻲّ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻮاﻃﻒ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻤﯿﻠﺔ وداﻓﺌﺔ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،واﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﺠﺄة ﻣﻮﺟﻌﺔ ﺣﺪّ اﻟﺒﻜﺎء؟ ﻣﺎزﻟﺖ أذﻛﺮ ﻣﻼﻣﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺠﻮز اﻟﻄﯿﺒﺔ اﻟﺘﻲ أﺣﺒّﺘﻨﻲ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ أﺣﺒﺒﺘﮭﺎ واﻟﺘﻲ ﻗﻀﯿﺖ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ وﺻﺒﺎي ﻣﺘﻨﻘﻼً ﺑﯿﻦ ﺑﯿﺘﮭﺎ وﺑﯿﺘﻨﺎ .ﻛﺎن ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﺮأة ﻃﺮﯾﻘﺔ واﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﺤﺐّ، اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺑﻌﺪھﺎ أﻧﮭﺎ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻟﻜﻞّ اﻷﻣﮭﺎت ﻋﻨﺪﻧﺎ .إﻧﮭﺎ ﺗﺤﺒّﻚ ﺑﺎﻷﻛﻞ ،ﻓﺘﻌﺪ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ﻃﺒﻘﻚ اﻟﻤﻔﻀﻞ وﺗﻼﺣﻘﻚ ﺑﺎﻷﻃﻌﻤﺔ ،وﺗﺤﻤّﻠﻚ ﺑﺎﻟﺤﻠﻮﯾﺎت ،وﺑﺎﻟﻜﺴﺮة واﻟﺮﺧﺴﯿﺲ
اﻟﺬي اﻧﺘﮭﺖ ﻟﺘﻮﱢھﺎ ﻣﻦ إﻋﺪاده. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﻟﺠﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻧﺬرن ﺣﯿﺎﺗﮭﻦﱠ ﻟﻠﻤﻄﺒﺦ ،وﻟﺬا ﻛﻦّ ﯾﻌﺸﻦ اﻷﻋﯿﺎد واﻷﻋﺮاس ﻛﻮﻟﯿﻤﺔ ﺣﺐّ ،ﯾﮭﺒﻦ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﯾﮭﺒﻦ ﻓﺎﺋﺾ أﻧﻮﺛﺘﮭﻦﱠ ..وﺣﻨﺎﻧﮭﻦَ وﺟﻮع ﺳﺮّي ﻟﻢ ﯾﺠﺪ ﻟﮫ ﻣﻦ ﺗﻌﺒﯿﺮ آﺧﺮ ﺧﺎرج اﻷﻛﻞ. ﻟﻘﺪ ﻛﻦﱠ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﻊ ﯾﻄﻌﻤﻦ ﻛﻞ ﯾﻮم أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺪة ..وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ "ﺗﺮّاس "..وﯾﻨﻤﻦ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ دون أن ﯾﻨﺘﺒﮫ أﺣﺪ إﻟﻰ ﺟﻮﻋﮭﻦّ اﻟﻤﺘﻮارث ﻣﻦ ﻋﺼﻮر..اﻛﺘﺸﻔﺖ ھﺬه اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻣﺆﺧﺮاً ﻓﻘﻂ ،ﯾﻮم وﺟﺪت ﻧﻔﺴﻲ رﺑﱠﻤﺎ وﻓﺎءً ﻟﮭﻦﱠ_ ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ ﺣﺐّ اﻣﺮأة ﺗﻌﯿﺶ ﻋﻠﻰ اﻷﻛﻞ اﻟﺠﺎھﺰ ،وﻻ وﻟﯿﻤﺔ ﻟﮭﺎ ﻏﯿﺮ ﺟﺴﺪھﺎ! ﺳﺄﻟﺘﻚ وأﻧﺎ أھﺮب ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت ھﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﺧﺪوش ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ اﻟﺒﻌﯿﺪة: وأﻣﻚ ..إﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺤﺪّﺛﯿﻨﻲ ﻋﻨﮭﺎ أﺑﺪاً ﻛﯿﻒ ﻋﺎﺷﺖ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ؟ﻗﻠﺖِ: ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻠﯿﻠﺔ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻨﮫ ..رﺑّﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﮭﺎ ﺗﻌﺘﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﯾﻦ زوﺟﻮھﺎﻣﻨﮫ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺰﻓّﻮﻧﮭﺎ ﻟﺸﮭﯿﺪ وﻟﯿﺲ ﻟﺮﺟﻞ.. ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻧﺸﺎﻃﮫ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ،وﺗﺪري أﻧﮫ ﺳﯿﻠﺘﺤﻖ ﺑﺎﻟﺠﺒﮭﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺰواج، وﺳﯿﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺴﺮّﯾّﺔ ،وﻟﻦ ﯾﺰورھﺎ إﻻ ﺧﻠﺴﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﯿﻦ واﻵﺧﺮ ،وﻗﺪ ﻻ ﯾﻌﻮد إﻟﯿﮭﺎ إﻻ ﺟﺜﻤﺎﻧﺎً ،ﻓﻠﻤﺎذا ھﺬا اﻟﺰواج إذن؟ وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪّ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺰواج أن ﯾﺘﻢّ؛ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺠﻮّ راﺋﺤﺔ ﺻﻔﻘﺔ ﻣﺎ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أھﻠﮭﺎ ﻓﺨﻮرﯾﻦ ﺑﻤﺼﺎھﺮة اﻟﻄﺎھﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻟﻰ، ﺻﺎﺣﺐ اﻻﺳﻢ واﻟﺜﺮوة اﻟﻜﺒﯿﺮة .وﻻ ﺑﺄس أن ﺗﻜﻮن أﻣﻲ زواﺟﮫ اﻟﺜﺎﻧﻲ أو أرﻣﻠﺘﮫ اﻟﻘﺎدﻣﺔ .ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺪﺗﻲ ﺗﻌﺮف أﻧﮫ ﺧﻠﻖ ﻟﯿﺴﺘﺸﮭﺪ ﻓﺮاﺣﺖ ﺗﺰور اﻷوﻟﯿﺎء واﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ﻣﺘﻀﺮﱢﻋﺔ ﺑﺎﻛﯿﺔ ﻻﺑﻨﮭﺎ أﺧﯿﺮاً ذرﯾّﺔ ..ﺗﻤﺎﻣﺎّ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰور ﺳﺎﺑﻘﺎً ﯾﻮم ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺒﻠﻰ ﺑﮫ ﻃﺎﻟﺒﺔ آﻧﺬاك أن ﯾﻜﻮن ﻣﻮﻟﻮدھﺎ ﺻﺒﯿّﺎً.. ﺳﺄﻟﺘﻚ: ﻣﻦ أﯾﻦ ﺗﻌﺮﻓﯿﻦ ﻛﻞّ ھﺬه اﻟﻘﺼﺺ؟ﻗﻠﺖ: ﻣﻨﮭﺎ ھﻲ ..وﻣﻦ أﻣﻲ أﯾﻀﺎً .ﺗﺼﻮر أﻧﮭﺎ ﯾﻮم ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺒﻠﻰ ﺑﺄﺑﻲ ﻟﻢ ﺗﻔﺎرق ﻣﺰار)ﺳﯿﺪي ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻐﺮاب( ﺑﻘﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﺣﺘﻰ إﻧﮭﺎ ﻛﺎدت ﺗﻠﺪه ھﻨﺎك ..وﻟﺬا ﺳﻤَﺘﮫ ) ﻣﺤﻤﺪ
اﻟﻄﺎھﺮ( ﺗﺒﺎرﻛﺎً ﺑﮫ ..ﺛﻢّ ﺳﻤّﺖ ﻋﻤﻲ ) ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺸﺮﯾﻒ( ﺗﺒﺎرﻛﺎً ﺑﮫ أﯾﻀﺎً ..ﺑﻌﺪھﺎ ﻋﺮﻓﺖ أنﱠ ﻧﺼﻒ رﺟﺎل ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ أﺳﻤﺎؤھﻢ ھﻜﺬا ..وأنﱠ أھﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﯾﻮﻟﻮن اھﺘﻤﺎﻣﺎً ﻛﺒﯿﺮاً ﻟﻸﺳﻤﺎء ،وأنَ ﻣﻌﻈﻤﮭﻢ ﯾﺤﻤﻞ أﺳﻤﺎء اﻷﻧﺒﯿﺎء أو اﻷوﻟﯿﺎء اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ . وھﻜﺬا ﻛﺎدت ﺗﺴﻤِﯿﻨﻲ "اﻟﺴﯿﺪة" ﺗﺒﺎرﻛﺎً ﺑﺎﻟﺴﯿﺪة اﻟﻤﻨﻮﺑﯿّﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰورھﺎ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﻛﻞّ ﻣﺮة ﻣﺤﻤﻠﺔ ﺑﺎﻟﺸﻤﻊ واﻟﺴﺠﺎد واﻟﺪﻋﻮات ،ﻣﺘﻨﻘﻠﺔ ﺑﯿﻦ ﺿﺮﯾﺤﮭﺎ وﻣﺰار )ﺳﯿﺪي ﻋﻤﺮ اﻟﻔﺎﯾﺎش( .رﺑﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﮫ ،ذﻟﻚ اﻟﻮﻟﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻌﯿﺶ ﻋﺎرﯾﺎً ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ..وھﻮ ﻣﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﺘﻮﻧﺴﯿﺔ ﺗﻘﻮم ﺑﺮﺑﻂ ﻗﺪﻣﮫ إﻟﻰ ﺳﻠﺴﺎل ﺣﺪﯾﺪي ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﻐﺎدر اﻟﺒﯿﺖ ﻋﺎرﯾﺎً ﻛﻤﺎ ﺗﻌﻮّد أن ﯾﻔﻌﻞ ..وھﻜﺬا ﻛﺎن ﯾﻌﯿﺶ ﻣﻘﯿﺪاً، ﯾﺪور وﯾﺼﺮخ وﺳﻂ ﻏﺮﻓﺔ ﻓﺎرﻏﺔ ،إﻻ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﯾﺘﺴﺎﺑﻘﻦ ﻟﺰﯾﺎرﺗﮫ ،ﺑﻌﻀﮭﻦ ﻟﻠﺘﺒﺎرك ﺑﮫ ..وأﺧﺮﯾﺎت ﻟﻤﺠﺮد اﻛﺘﺸﺎف رﺟﻮﻟﺘﮫ اﻟﻤﻌﺮوﺿﺔ ﻟﻠﻔﺮﺟﺔ ..وﻟﻔﻀﻮل اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻤﻠﺘﺤﻔﺎت ﺑـ )اﻟﺴﻔﺴﺎري( واﻟﻤﺘﻈﺎھﺮات ﺑﺎﻟﺤﺸﻤﺔ اﻟﻜﺎذﺑﺔ!. ﺳﺄﻟﺘﻚ ﺿﺎﺣﻜﺎً.. وھﻞ زرﺗﮫ أﻧﺖ؟.ﻗﻠﺖِ: ﻃﺒﻌﺎً ..ﻟﻘﺪ زرﺗﮫ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻊ ﻛﻞّ واﺣﺪة ﻣﻨﮭﻦﱠ ﻋﻠﻰ اﻧﻔﺮاد؛ وزرت أﯾﻀﺎً "اﻟﺴﯿﺪةاﻟﻤﻨﻮﺑﯿﺔ" ،اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﻛﺪت أﺣﻤﻞ اﺳﻤﮭﺎ ،ﻟﻮﻻ أنﱠ أﻣﻲ أﻧﻘﺬﺗﻨﻲ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺎرﺛﺔ، وﻗﺮرت أن ﺗﺴﻤﯿﻨﻲ "ﺣﯿﺎة" ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻣﺠﻲء أﺑﻲ ،اﻟﺬي ﯾﻌﻮد إﻟﯿﮫ اﻟﻘﺮار اﻷﺧﯿﺮ ﻓﻲ اﺧﺘﯿﺎر اﺳﻤﻲ. ﺗﻮﻗﱠﻒ اﻟﻘﻠﺐ ﻋﻨﺪ ھﺬا اﻻﺳﻢ ..ورﻛﻀﺖ اﻟﺬاﻛﺮة إﻟﻰ اﻟﻮراء .ﺗﻌﺜّﺮ اﻟﻠﺴﺎن وھﻮ ﯾﻠﻔﻆ ھﺬا اﻻﺳﻢ ﺑﻌﺪ رﺑﻊ ﻗﺮن ﺗﻤﺎﻣﺎً وﻓﺎﺟﺄك ﺳﺆاﻟﻲ: ھﻞ ﯾﺴﻌﺪك أن أﻧﺎدﯾﻚ "ﺣﯿﺎة"؟ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒﺔ.. ﻟﻤﺎذا ..أﻻ ﯾﻌﺠﺒﻚ اﺳﻤﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ..أﻟﯿﺲ أﺟﻤﻞ؟!ﻗﻠﺖ: إﻧﮫ ﺣﻘﺎ أﺟﻤﻞ ..ﺣﺘﻰ إﻧﻨﻲ ﺗﻌﺠّﺒﺖ وﻗﺘﮭﺎ ﻛﯿﻒ ﺧﻄﺮ اﺳﻢ ﻛﮭﺬا ﻓﻲ ﺑﺎل واﻟﺪك .ﻛﻨﺖأﺳﻤﻌﮫ ﻷول ﻣﺮة وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ آﻧﺬاك ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻮﺣﻲ ﺑﺎﺳﻢ ﺟﻤﯿﻞ ﻛﮭﺬا.. وﺑﺮﻏﻢ ذﻟﻚ أﺣﺐّ أن أﺳﻤﱢﯿﻚ "ﺣﯿﺎة" ﻷﻧﻨﻲ ﻗﺪ أﻛﻮن اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻣﻊ واﻟﺪﺗﻚ اﻟﺬي ﯾﻌﺮف
اﻟﯿﻮم ھﺬا اﻻﺳﻢ .أرﯾﺪ أن ﯾﻜﻮن ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻛﻜﻠﻤﺔ ﺳﺮّ ،ﻟﯿﺬﻛّﺮك ﺑﻌﻼﻗﺘﻨﺎ اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺔ ،وﺑﺄﻧﻚ أﯾﻀﺎً ..ﻃﻔﻠﺘﻲ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﻣﺎ. ﺿﺤﻜﺖِ ..ﻗﻠﺖِ: أﺗﺪري أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺨﺮج أﺑﺪاً ﻣﻦ ﻓﺘﺮة اﻟﺜﻮرة ،وﻟﺬا أﻧﺖ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ أن ﺗﻌﻄﯿﻨﻲاﺳﻤﺎً ﺣﺮﻛﯿﺎً ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺤﺒﻨﻲ .وﻛﺄﻧﻚ ﺳﺘﺪﺧﻠﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﺮي ..أﯾّﺔ ﻣﮭﻤﺔ ﺗﺮاك ﺗﻌﺪ ﻟﻲ؟ ﺿﺤﻜﺖ ﺑﺪوري ﻟﻤﻼﺣﻈﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﻲ ﺑﻮاﻗﻌﯿﺘﮭﺎ .ﺗﺮاك ﺑﺪأت ﺗﻌﺮﻓﯿﻨﻨﻲ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ؟ ﻗﻠﺖ: اﻋﻠﻤﻲ أﯾﺘﮭﺎ اﻟﺜﻮرﯾّﺔ اﻟﻤﺒﺘﺪﺋﺔ أﻧﮫ ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﺧﺘﺒﺎر .ﻟﻨﻜﻠﱢﻒ أﺣﺪاً ﺑﻤﮭﻤﺔﻓﺪاﺋﯿﺔ .وﻟﺬا ﺳﺄﺑﺪأ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ أوﻟﻰ ﺑﺪراﺳﺘﻚ ،وﻣﻌﺮﻓﺔ اﺳﺘﻌﺪادﺗﻚ اﻟﺨﺎﺻّﺔ!
***
أﺣﺴﺴﺖ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ،أنّ اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ أﺻﺒﺢ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎً ،ﻷﻗﺺّ ﻋﻠﯿﻚ أﺧﯿﺮاً ﻗﺼّﺔ ﯾﻮﻣﻲ اﻷﺧﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﮭﺔ ،ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﻟﻔﻆ ﻓﯿﮫ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ اﺳﻤﻚ أﻣﺎﻣﻲ ﻷول ﻣﺮة، وھﻮ ﯾﻮدﱢﻋﻨﻲ وﯾﻜﻠﱢﻔﻨﻲ إذا ﻣﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺗﻮﻧﺲ ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة أن أﻗﻮم ﺑﺘﺴﺠﯿﻠﻚ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﮫ. وﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺒﺮت ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﺪود اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ اﻟﺘﻮﻧﺴﯿﺔ ،ﺑﺠﺴﺪ ﻣﺤﻤﻮم وذراع ﺗﻨﺰف ،وأﻧﺎ أردﱢد ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﮭﺬﯾﺎن اﻟﺤﻤّﻰ ،اﺳﻤﻚ اﻟﺬي أﺻﺒﺢ وﺳﻂ إﺟﮭﺎدي وﻧﺰﯾﻔﻲ، وﻛﺄﻧﮫ اﺳﻢ ﻟﻌﻤﻠﯿﺔ أﺧﯿﺮة ﻛﻠﻔﻨﻲ ﺑﮭﺎ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ،ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﺣﻘﻖ ﻃﻠﺒﮫ اﻷﺧﯿﺮ، وأﻃﺎرد ﺣﻠﻤﮫ اﻟﮭﺎرب ،ﻓﺄﻣﻨﺤﻚ اﺳﻤﺎً ﺷﺮﻋﯿﺎً رﺳﻤﯿﺎً ..ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﺨﺮاﻓﺎت واﻷوﻟﯿﺎء.. أذﻛﺮ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي وﻗﻔﺖ ﻓﯿﮫ ﻷول ﻣﺮة أدق ﺑﺎب ﺑﯿﺘﻜﻢ ﻓﻲ ﺷﺎرع اﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ﺑﺘﻮﻧﺲ .أذﻛﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﯾﺎرة ﺑﻜﻞ ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﮭﺎ وﻛﺄن ذاﻛﺮﺗﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺮأ ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻣﺎ ﺳﯿﻜﺘﺐ
ﻟﻲ ﻣﻌﻚ ،ﻓﺄﻓﺮﻏﺖ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻛﺎﻓﯿﺔ ﻟﮭﺎ. ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺨﺮﯾﻔﻲّ ﻣﻦ ﺷﮭﺮ أﯾﻠﻮل ،اﻧﺘﻈﺮت أﻣﺎم ﺑﺎﺑﻜﻢ اﻟﺤﺪﯾﺪيّ اﻷﺧﻀﺮ ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﻔﺘﺢ )أﻣّﺎ اﻟﺰھﺮة( اﻟﺒﺎب ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت ﺑﺪت ﻟﻲ ﻃﻮﯾﻠﺔ.. ﻣﺎزﻟﺖ أذﻛﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﮭﻘﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﺗﮭﺎ ،ﻛﺄﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﺷﺨﺼﺎً آﺧﺮ ﻏﯿﺮي. ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻣﺪھﻮﺷﺔ أﻣﺎﻣﻲ ،ﺗﻔﺤّﺼﺖ ﻣﻌﻄﻔﻲ اﻟﺮﻣﺎدي اﻟﺤﺰﯾﻦ ووﺟﮭﻲ اﻟﻨﺤﯿﻞ اﻟﺸﺎﺣﺐ .ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻋﻨﺪ ذراﻋﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺴﻚ ﻋﻠﺒﺔ اﻟﺤﻠﻮى ،وذراع ﻣﻌﻄﻔﻲ اﻷﺧﺮى اﻟﻔﺎرﻏﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺒﺊ ﻷول ﻣﺮة ﺑﺤﯿﺎء داﺧﻞ ﺟﯿﺐ ﻣﻌﻄﻔﻲ. وﻗﺒﻞ أن أﻧﻄﻖ ﺑﺄﯾﺔ ﻛﻠﻤﺔ اﻏﺮورﻗﺖ ﻋﯿﻨﺎھﺎ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮع ،وراﺣﺖ ﺗﺒﻜﻲ دون أن ﺗﻔﻜﱢﺮ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ دﻋﻮﺗﻲ إﻟﻰ دﺧﻮل اﻟﺒﯿﺖ. اﻧﺤﻨﯿﺖ أﻗﺒّﻠﮭﺎ ..ﺑﺸﻮق اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أرھﺎ ﻓﯿﮭﺎ ..ﺑﺎﻟﺸﻮق اﻟﺬي ﺣﻤّﻠﻨﻲ إﯾﺎه اﺑﻨﮭﺎ ..وﺑﺸﻮق )أﻣّﺎ( اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أﺗﻌﻮﱠد ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺘﯿﻦ وﻧﺼﻒ ﻋﻠﻰ ﻓﺠﯿﻌﺘﮭﺎ.. واﺷﻚ أﻣّﺎ اﻟﺰھﺮة؟زاد ﺑﻜﺎؤھﺎ وھﻲ ﺗﺤﺘﻀﻨﻨﻲ وﺗﺴﺄﻟﻨﻲ ﺑﺪورھﺎ.. واش راك ﯾﺎ وﻟﺪي..؟أﻛﺎن ﺑﻜﺎؤھﺎ ﻓﺮﺣﺎً ﺑﻠﻘﺎﺋﻲ ،أم ﺣﺰﻧﺎً ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺘﻲ ،وﻋﻠﻰ ذراﻋﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺮاھﺎ ﻣﺒﺘﻮرة ﻷول ﻣﺮة ..أﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻜﻲ ﻷﻧﮭﺎ ﺗﻮﻗﻌﺖ أن ﺗﺮى اﺑﻨﮭﺎ ورأﺗﻨﻲ ..أم ﻓﻘﻂ ﻷن أﺣﺪاً ﻗﺪ دقّ ھﺬا اﻟﺒﺎب ،ودﺧﻞ ﺣﺎﻣﻼً ﻓﻲ ﯾﺪه اﻟﺒﮭﺠﺔ ،وﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻷﺧﺒﺎر ،ﻟﺒﯿﺖ رﺑﱠﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﺪﺧﻠﮫ رﺟﻞ ﻣﻨﺬ ﺷﮭﻮر؟ ع اﻟﺴﻼﻣﺔ ..ﺟﻮز ﯾﺎ وﻟﺪي ﺟﻮز..ﻗﺎﻟﺘﮭﺎ وھﻲ ﺗﺸﺮع ﺑﺎب اﻟﺪار أﺧﯿﺮاً وﺗﻤﺴﺢ دﻣﻮﻋﮭﺎ .ﺛﻢ أﻋﺎدت وھﻲ ﺗﺴﺒﻘﻨﻲ "ﺟﻮز..ﺟﻮز "..ﺑﺼﻮت ﻋﺎلٍ ﻛﺈﺷﺎرة ﻣﻮﺟﮭﺔ ﻷﻣﻚ اﻟﺘﻲ رﻛﻀﺖ ﻋﻨﺪ ﺳﻤﺎع ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ،وﻟﻢ أرَ ﻏﯿﺮ ذﯾﻞ ﺛﻮﺑﮭﺎ ﯾﺴﺒﻘﻨﻲ ،وﯾﺨﺘﻔﻲ ﺧﻠﻒ ﺑﺎب ﻣﻐﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ. أﺣﺒﺒﺖ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ ..ﺑﺪواﻟﻲ اﻟﻌﻨﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻠّﻖ ﺟﺪران ﺣﺪﯾﻘﺘﮫ اﻟﺼﻐﯿﺮة ،وﺗﻤﺘﺪ ﻟﺘﺘﺪﻟﻰ ﻋﻨﺎﻗﯿﺪ ﺛﺮﯾﺎت ﺳﻮداء ﻋﻠﻰ وﺳﻂ اﻟﺪار. ﺷﺠﺮة اﻟﯿﺎﺳﻤﯿﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﻤﻲ وﺗﻄﻞّ ﻣﻦ اﻟﺴﻮر اﻟﺨﺎرﺟﻲ ،ﻛﺎﻣﺮأة ﻓﻀﻮﻟﯿﺔ ﺿﺎﻗﺖ
ذرﻋﺎً ﺑﺠﺪران ﺑﯿﺘﮭﺎ ،وراﺣﺖ ﺗﺘﻔﺮج ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج ،ﻟﺘﻐﺮي اﻟﻤﺎرة ﺑﻘﻄﻒ زھﺮھﺎ ..أو ﺟﻤﻊ ﻣﺎ ﺗﺒﻌﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﯿﺎﺳﻤﯿﻦ أرﺿﺎً ..وراﺋﺤﺔ اﻟﻄﻌﺎم اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻨﮫ ،ﻓﺘﺒﻌﺚ ﻣﻌﮭﺎ اﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ،ودفء ﻏﺎﻣﺾ ﯾﺴﺘﺒﻘﯿﻚ ھﻨﺎك. ﺳﺒﻘﺘﻨﻲ )أﻣّﺎ اﻟﺰھﺮة( إﻟﻰ ﻏﺮﻓﺔ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻰ وﺳﻂ اﻟﺪار ﻣﺮددة: اﻗﻌﺪ ﯾﺎ وﻟﺪي ..اﻗﻌﺪ..ﻗﺎﻟﺘﮭﺎ وھﻲ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻨّﻲ ﻋﻠﺒﺔ اﻟﺤﻠﻮى وﺗﻀﻌﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﯿﻨﯿﺔ اﻟﻨﺤﺎﺳﯿﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪﯾﺮة واﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة ﺧﺸﺒﯿﺔ. وﻣﺎ ﻛﺪت أﺟﻠﺲ أرﺿﺎً ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﻄﺮح اﻟﺼﻮﻓﻲ ﺣﺘﻰ ﻇﮭﺮت أﻧﺖ ﻓﻲ ﻃﺮف اﻟﻐﺮﻓﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻛﺪﻣﯿﺔ ،وﺣﺒﻮت ﻣﺴﺮﻋﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﻌﻠﺒﺔ اﻟﺒﯿﻀﺎء ﺗﺤﺎوﻟﯿﻦ ﺳﺤﺒﮭﺎ إﻟﻰ اﻷرض وﻓﺘﺤﮭﺎ .وﻗﺒﻞ أن أﺗﺪﺧﻞ أﻧﺎ ﻛﺎﻧﺖ )أﻣّﺎ اﻟﺰھﺮة( ﻗﺪ أﺧﺖ ﻣﻨﻚ اﻟﻌﻠﺒﺔ وذھﺒﺖ ﺑﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ وھﻲ ﺗﻘﻮل" :ﯾﻌﻄﯿﻚ اﻟﺼﺤﺔ ﯾﺎ وﻟﯿﺪي ..وﻋﻼش ﻋﯿﯿﺖ روﺣﻚ ﯾﺎ ﺧﺎﻟﺪ ﯾﺎ ﺑﻨﻲ ..وﺟﮭﻚ ﯾﻜﻔﯿﻨﺎ..". ﺛﻢ ﻋﺎدت وﻧﮭﺮﺗﻚ ،وأﻧﺖ ﺗﺘﺠﮭﯿﻦ ﻧﺤﻮ اﻟﺸّﯿﺎﺣﺔ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ ،اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻗﺒّﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻓﻮق ﻛﺎﻧﻮن ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﯿﺎﺑﻚ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﺒﯿﻀﺎء ﻣﻨﺜﻮرة ﻓﻮﻗﮭﺎ ﻛﻲ ﺗﺠﻒّ ..وﻋﻨﺪھﺎ ﺣﺒﻮت ﺗﺤﻮي ﻓﻲ ﺧﻄﻮﺗﯿﻦ ﻣﺘﺮددﺗﯿﻦ ،وﯾﺪاك اﻟﺼﻐﯿﺮﺗﺎن أﻣﺎﻣﻚ ﺗﺴﺘﻨﺠﺪان ﺑﻲ. ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﺷﻌﺮت ﺑﮭﻮل ﻣﺎ ﺣﻞّ ﺑﻲ ،وأﻧﺎ أﻣﺪّ ﻧﺤﻮك ﯾﺪي اﻟﻔﺮﯾﺪة ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻺﻣﺴﺎك ﺑﻚ .ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ اﻟﺘﻘﺎﻃﻚ ﺑﯿﺪي اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﻤﺮﺗﺒﻜﺔ ،ووﺿﻌﻚ ﻓﻲ ﺣﺠﺮي ﻟﻤﻼﻋﺒﺘﻚ دون أن ﺗﻔﻠﺘﻲ ﻣﻨﻲ. أﻟﯿﺲ ﻋﺠﯿﺒﺎً أن ﯾﻜﻮن ﻟﻘﺎﺋﻲ اﻷول ﺑﻚ ھﻮ اﻣﺘﺤﺎﻧﻲ اﻷول وﻋﻘﺪﺗﻲ اﻷوﻟﻰ ،وأن أﻧﮭﺰم ﻋﻠﻰ ﯾﺪك ﻓﻲ أﺻﻌﺐ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﺮرت ﺑﮭﺎ ﻣﻨﺬ أﺻﺒﺤﺖ رﺟﻞ اﻟﺬراع اﻟﻮاﺣﺪة.. ﻣﻦ ﻋﺸﺮة أﯾﺎم ﻻ أﻛﺜﺮ!.. ﻋﺎدت )أﻣّﺎ اﻟﺰھﺮة( ﺑﺼﯿﻨﯿﺔ اﻟﻘﮭﻮة وﺑﺼﺤﻦ "اﻟﻄﻤّﯿﻨﺔ": ﻗﻞ ﻟﻲ ﯾﺎ ﺧﺎﻟﺪ ﯾﺎ اﺑﻨﻲ وراﺳﻚ ..واش راه اﻟﻄﺎھﺮ؟ﻗﺎﻟﺘﮭﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺠﻠﺲ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻄﺮح ..ﻛﺎن ﻓﻲ ﺳﺆاﻟﮭﺎ ﻣﺬاق اﻟﺪﻣﻊ .وﻓﻲ ﺣﻠﻘﮭﺎ ﻏﺼّﺔ اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﯾﺨﺎف اﻟﺠﻮاب ..ﻓﺮﺣﺖ أﻃﻤﺌﻨﮭﺎ .أﺧﺒﺮﺗﮭﺎ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺗﺤﺖ ﻗﯿﺎدﺗﮫ وأﻧﮫ اﻵن ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺤﺪود وأن ﺻﺤﺘﮫ ﺟﯿﺪة وﻟﻜﻨﮫ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﺤﻀﻮر ھﺬه اﻷﯾﺎم ،ﻟﺼﻌﻮﺑﺔ اﻷوﺿﺎع وﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﺎﺗﮫ اﻟﻜﺜﯿﺮة.
ﻟﻢ أﺧﺒﺮھﺎ أن اﻟﻤﻌﺎرك ﺗﺸﺘﺪ ﻛﻞ ﯾﻮم ،وأن اﻟﻌﺪو ﻗﺮر أن ﯾﻄﺮق اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﯿﺔ، وﯾﺤﺮق ﻛﻞ اﻟﻐﺎﺑﺎت ،ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻃﺎﺋﺮاﺗﮫ ﻣﻦ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﺗﺤﺮﻛﺎﺗﻨﺎ ..وأﻧﮫ ﺗﻢ إﻟﻘﺎء اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺑﻦ ﺑﻮﻟﻌﯿﺪ ،وﻣﻌﮫ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻘﺎدة واﻟﻤﺠﺎھﺪﯾﻦ ،وأن ﺛﻼﺛﯿﻦ ﻣﻨﮭﻢ ﻗﺪ ﺻﺪر ﻓﻲ ﺣﻘﮭﻢ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﺎﻹﻋﺪام ،وأﻧﻨﻲ أﺗﯿﺖ ﻟﻠﻌﻼج ﻣﻊ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺮﺣﻰ واﻟﻤﺸﻮھﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻣﺎت اﺛﻨﺎن ﻣﻨﮭﻢ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺼﻼ.. ﻟﻘﺪ ﻗﺎل ﻟﮭﺎ ﻣﻨﻈﺮي أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﺘﺤﻤﻠﮫ اﻣﺮأة ﻓﻲ ﺳﻨﮭﺎ ،ﻓﺮﺣﺖ أﻏﯿّﺮ ﻣﺠﺮى اﻟﺤﺪﯾﺚ.. أﻣﺪدﺗﮭﺎ ﺑﺘﻠﻚ اﻷوراق اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ اﻟﺘﻲ أرﺳﻠﮭﺎ ﻣﻌﻲ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ،وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﮭﺎ ﺣﺴﺐ وﺻﯿﺘﮫ أن ﺗﺸﺘﺮي ﻟﻚ ﺑﮭﺎ ھﺪﯾﺔ ،ووﻋﺪﺗﮭﺎ أن أﻋﻮد ﻗﺮﯾﺒﺎً ﻟﺘﺴﺠﯿﻠﻚ ،ﺑﺬﻟﻚ اﻻﺳﻢ اﻟﺬي اﺧﺘﺎره ﻟﻚ ،واﻟﺬي رددﺗﮫ أﻣّﺎ اﻟﺰھﺮة ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ،وﺑﺸﻲ ﻣﻦ اﻟﺪھﺸﺔ ،وﻟﻜﻦ دون ﺗﻌﻠﯿﻖ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﻤﺎ ﯾﻘﻮﻟﮫ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﮭﺎ ﺻﻔﺔ اﻟﻘﺪاﺳﺔ. وﻛﺄﻧﻚ اﻧﺘﺒﮭﺖ ﻓﺠﺄة أن اﻟﺤﺪﯾﺚ ﯾﻌﻨﯿﻚ ،ﻓﺘﺴﻠّﻘﺖ رﻛﺒﺘﻲ وﺟﺌﺖ ﻓﺠﺄة ﻟﺘﺠﻠﺴﻲ ﻓﻲ ﺣﺠﺮي ﺑﺘﻠﻘﺎﺋﯿﺔ ﻃﻔﻮﻟﯿﺔ ،وﻟﻢ أﺗﻤﺎﻟﻚ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ اﺣﺘﻀﺎﻧﻚ ﺑﯿﺪي اﻟﻮﺣﯿﺪة ..ﺿﻤﻤﺘﻚ إﻟﻲّ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺿﻢّ اﻟﺤﻠﻢ اﻟﺬي أﺿﻌﺖ ﻣﻦ أﺟﻠﮫ ذراﻋﻲ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ؛ ﻛﺄﻧﻨﻲ أﺧﺎف أن ﯾﮭﺮب ﻣﻨﻲ وﺗﮭﺮب ﻣﻌﮫ أﺣﻼم ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺴﻌﺪ ﺑﻌﺪ ﺑﺎﺣﺘﻀﺎﻧﻚ. رﺣﺖ أﻗﺒﻠﻚ وﺳﻂ دﻣﻮﻋﻲ وﻓﺮﺣﺘﻲ وأﻟﻤﻲ وﻛﻞّ ﺗﻨﺎﻗﻀﻲ ،ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺳﻲ ﻃﺎھﺮ وﻋﻦ رﻓﺎق ﻟﻢ ﯾﺮوا أوﻻدھﻢ ﻣﻨﺬ اﻟﺘﺤﻘﻮا ﺑﺎﻟﺠﺒﮭﺔ ،وﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻦ آﺧﺮﯾﻦ ،ﻣﺎﺗﻮا وھﻢ ﯾﺤﻠﻤﻮن ﺑﻠﺤﻈﺔ ﺑﺴﯿﻄﺔ ﻛﮭﺬه ،ﯾﺤﺘﻀﻨﻮن ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺪل اﻟﺒﻨﺎدق ،أﻃﻔﺎﻟﮭﻢ اﻟﺬﯾﻦ وﻟﺪوا وﻛﺒﺮوا ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻨﮭﻢ. ﻧﺴﯿﺖ ﯾﻮﻣﮭﺎ أن أﻗﺒﱢﻠﻚ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﻲ ..وأن أﺑﻜﻲ أﻣﺎﻣﻚ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﻲ .ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﺳﺄﺗﺤﻮل إﻟﯿﮫ ﻋﻠﻰ ﯾﺪك ﺑﻌﺪ رﺑﻊ ﻗﺮن .ﻧﺴﯿﺖ أن أﺳﺠّﻞ ﺟﻮار اﺳﻤﻚ اﺳﻤﻲ ﻣﺴﺒﻘﺎً ..وأن أﻃﻠﺐ ذاﻛﺮﺗﻚ ﻣﺴﺒﻘﺎً ..وأﻋﻮاﻣﻚ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﺴﺒﻘﺎً ..أن أﺣﺠﺰ ﻋﻤﺮك، وأوﻗﻒ ﻋﺪّاد اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺮﻛﺾ ﺑﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ..وأﻧﺖ ﺗﺪﺧﻠﯿﻦ ﺷﮭﺮك اﻟﺴﺎﺑﻊ! ﻧﺴﯿﺖ أن أﺳﺘﺒﻘﯿﻚ ھﻜﺬا ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮي إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ،ﺗﻠﻌﺒﯿﻦ وﺗﻌﺒﺜﯿﻦ وﺑﺄﺷﯿﺎﺋﻲ ،وﺗﻘﻮﻟﯿﻦ ﻟﻲ ﻛﻼﻣﺎً ﻻ أﻓﮭﻤﮫ ..وﻻ ﺗﻔﮭﻤﯿﻨﮫ. ﻟﻢ ﺗﻘﺎﻃﻌﯿﻨﻲ ﻣﺮة واﺣﺪة ،وأﻧﺎ أﻗﺺّ ﻋﻠﯿﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ ﺑﺈﯾﺠﺎز ﻣﺘﻌﻤّﺪ ،وأﺗﺮك ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﮭﺎ اﻟﻤﺘﺸﻌﺒﺔ ﻟﻲ. ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻓﻘﻂ ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم 15أﯾﻠﻮل 1957اﻟﺬي وﻗﻔﺖ ﻓﯿﮫ ﻷﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﺳﺠﻞّ رﺳﻤﻲ اﺳﻤﻚ اﻟﻨﮭﺎﺋﻲ.
ﻟﻢ ﺗﺴﺄﻟﯿﻨﻲ أيّ ﺳﺆال ﺗﻮﺿﯿﺤﻲ ،وﻻ ﻋﻠﱠﻘﺖ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺑﻜﻠﻤﺔ واﺣﺪة ،ﻋﻠﻰ ﻗﺼّﺔ ﻟﻢ ﯾﻘﺼﮭﺎ ﻋﻠﯿﻚ أﺣﺪ ﻗﺒﻠﻲ .رﺑﻤﺎ ﻷن ﻻ أﺣﺪ وﺟﺪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ ﻣﺎ ﯾﺴﺘﺤﻖ اﻟﺘﻮﻗﻒ. اﺳﺘﻤﻌﺖ إﻟﻲﱠ ﺑﺬھﻮل ،وﺑﺼﻤﺖ ﻣﺨﯿﻒ .وراﺣﺖ ﻏﯿﻮم ﻣﻜﺎﺑﺮة ﺗﺤﺠﺐ ﻧﻈﺮﺗﻚ ﻋﻨﻲ.. ﻛﻨﺖ ﺗﺒﻜﯿﻦ أﻣﺎﻣﻲ ﻷول ﻣﺮة ،أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﺿﺤﻜﺖ ﻣﻌﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن ﻧﻔﺴﮫ ﻛﺜﯿﺮاً. ﺗﺮاﻧﺎ أدرﻛﻨﺎ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ،أﻧﻨﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻀﺤﻚ ﻟﻨﺘﺤﺎﯾﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻤﻮﺟﻌﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻨﮫ ،وﻧﺆﺟّﻠﮫ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ؟
ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻚ ﺧﻠﻒ ﺿﺒﺎب اﻟﺪﻣﻊ ..ﻛﻨﺖ أودﱡ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ،ﻟﻮ اﺣﺘﻀﻨﺘﻚ ﺑﺬراﻋﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪة، ﻛﻤﺎ ﻟﻢ أﺣﻀﻦ اﻣﺮأة ،ﻛﻤﺎ ﻟﻢ أﺣﻀﻦ ﺣﻠﻤﺎً .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺑﻘﯿﺖ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻲ ،وﺑﻘﯿﺖ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻚ ،ﻣﺘﻘﺎﺑﻠﯿﻦ ھﻜﺬا ..ﺟﺒﻠﯿﻦ ﻣﻜﺎﺑﺮﯾﻦ ،ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﺟﺴﺮ ﺳﺮّي ﻣﻦ اﻟﺤﻨﯿﻦ واﻟﺸﻮق.. وﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻐﯿﻮم اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻤﻄﺮ. اﺳﺘﻮﻗﻔﺘﻨﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﺟﺴﺮ ،وﺗﺬﻛّﺮت ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ ﺗﺬﻛﺮت اﻟﻔﺼﻞ اﻷھﻢ ﻣﻦ ﻗﺼﺔ ،ﻛﻨﺖ أروﯾﮭﺎ ﻟﻚ ورﺑﻤﺎ أروﯾﮭﺎ ﻟﻨﻔﺴﻲ أﯾﻀﺎً ،ﻋﺴﺎﻧﻲ أﺻﺪّق ﻏﺮاﺑﺘﮭﺎ .وﻗﻔﺖ وﻗﻠﺖ: ﺗﻌﺎﻟﻲ ﺳﺄرﯾﻚ ﺷﯿﺌﺎً.ﺗﺒﻌﺘﻨﻲ دون ﺳﺆال. وﻗﻔﺖ أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ .ﻗﻠﺖ ﻟﻚ وأﻧﺖ ﺗﻨﺘﻈﺮﯾﻦ ﻣﺪھﻮﺷﺔ ﻣﺎ ﺳﺄﻗﻮﻟﮫ: أﺗﺪرﯾﻦ ..ﯾﻮم رأﯾﺘﻚ ﺗﻘﻔﯿﻦ أﻣﺎم ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ ،ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻷول ،ﺳﺮت ﻗﺸﻌﺮﯾﺮةﻓﻲ ﺟﺴﺪي .ﺷﻌﺮت أن ﺑﯿﻨﻚ وﺑﯿﻦ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻗﺮاﺑﺔ ﻣﺎ أﺟﮭﻠﮭﺎ .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﺘﺄﻛﺪاً ﻣﻨﮭﺎ ،وﻟﺬا أﺗﯿﺖ ﻷﺳﻠّﻢ ﻋﻠﯿﻚ ﻋﺴﺎﻧﻲ أﻛﺘﺸﻒ ﺧﻄﺄ ﺣﺪﺳﻲ ..أو ﺻﻮاﺑﮫ. ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒﺔ: وھﻞ ﻛﻨﺖ ﻣﺼﯿﺒﺎً ﻓﻲ ﺣﺪﺳﻚ؟ﻗﻠﺖ: أﻟﻢ ﺗﻼﺣﻈﻲ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﻤﻜﺘﻮب ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ؟أﺟﺒﺖ وأﻧﺖ ﺗﺒﺤﺜﯿﻦ ﻋﻨﮫ أﺳﻔﻠﮭﺎ..
ﻻ..ﻗﻠﺖ: _إﻧﮫ ﻗﺮﯾﺐ ﻣﻦ ﺗﺎرﯾﺦ ﻣﯿﻼدك اﻟﺮﺳﻤﻲ .أﻧﺖ ﺗﻜﺒﺮﯾﻦ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ ﺑﺄﺳﺒﻮﻋﯿﻦ ﻓﻘﻂ. إﻧﮭﺎ ﺗﻮأﻣﻚ إذا ﺷﺌﺖِ! ﻗﻠﺖ ﻣﺪھﻮﺷﺔ: ﻋﺠﯿﺐ ..ﻋﺠﯿﺐ ﻛﻞ ھﺬا!ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﻠﻮﺣﺔ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺒﺤﺜﯿﻦ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻚ ،ﻓﻘﻠﺖ: أﻟﯿﺴﺖ ھﺬه ﻗﻨﻄﺮة اﻟﺤﺒﺎل؟أﺟﺒﺘﻚ: إﻧﮭﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﻨﻄﺮة ..إﻧﮭﺎ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ .وھﺬه ھﻲ اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻄﻚ ﺑﮭﺬهاﻟﻠﻮﺣﺔ. ﯾﻮم دﺧﻠﺖ ھﺬه اﻟﻘﺎﻋﺔ ،دﺧﻠﺖ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﻌﻚ..دَﺧَﻠَﺖ ﻓﻲ ﻃﻠّﺘﻚ ..ﻓﻲ ﻣﺸﯿﺘﻚ ..ﻓﻲ ﻟﮭﺠﺘﻚ ..وﻓﻲ ﺳﻮار ﻛﻨﺖ ﺗﻠﺒﺴﯿﻨﮫ.ﻓﻜﺮت ﻗﻠﯿﻼً ﺛﻢ ﻗﻠﺖ: -آ ..ﺗﻌﻨﻲ "اﻟﻤﻘﯿﺎس" ..ﯾﺤﺪث أﺣﯿﺎﻧﺎً أن أﻟﺒﺴﮫ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ..وﻟﻜﻨﮫﺛﻘﯿﻞ ﯾﻮﺟﻊ ﻣﻌﺼﻤﻲ. ﻗﻠﺖ: ﻷن اﻟﺬاﻛﺮة ﺛﻘﯿﻠﺔ داﺋﻤﺎً .ﻟﻘﺪ ﻟﺒﺴﺘﮫ "أﻣّﺎ" ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ﻣﺘﺘﺎﻟﯿﺔ،وﻟﻢ ﺗﺸﻚ ﻣﻦ ﺛﻘﻠﮫ.ﻣﺎﺗﺖ وھﻮ ﻓﻲ ﻣﻌﺼﻤﮭﺎ ..إﻧﮭﺎ اﻟﻌﺎدة ﻓﻘﻂ! ﻟﻢ أﻋﺘﺐ ﻋﻠﯿﻚ .ﻛﺎن ﻓﻲ ﺻﻮﺗﻲ ﺣﺴﺮة ،وﻟﻜﻦ ﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ ﺷﯿﺌﺎً .ﻛﻨﺖ ﺗﻨﺘﻤﯿﻦ ﻟﺠﯿﻞ ﯾﺜﻘﻞ ﻋﻠﯿﮫ ﺣﻤﻞ أي ﺷﻲء .وﻟﺬا اﺧﺘﺼﺮ اﻷﺛﻮاب اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﺑﺄﺛﻮاب ﻋﺼﺮﯾﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﻌﺔ أو ﻗﻄﻌﺘﯿﻦ .واﺧﺘﺼﺮ اﻟﺼﯿﻐﺔ واﻟﺤﻠﻲّ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ،ﺑﺤﻠﻲ ﺧﻔﯿﻔﺔ ﺗﻠﺒﺲ وﺗﺨﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ .واﺧﺘﺼﺮ اﻟﺘﺎرﯾﺦ واﻟﺬاﻛﺮة ﻛﻠﮭﺎ ﺑﺼﻔﺤﺔ أو ﺻﻔﺤﺘﯿﻦ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﻣﺪرﺳﯿّﺔ، واﺳﻢ أو اﺳﻤﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ..
ﻟﻦ أﻋﺘﺐ ﻋﻠﯿﻚ ،ﻧﺤﻦ ﻧﻨﺘﻤﻲ ﻷوﻃﺎن ﻻ ﺗﻠﺒﺲ ذاﻛﺮﺗﮭﺎ إﻻ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ،ﺑﯿﻦ ﻧﺸﺮة أﺧﺒﺎر وأﺧﺮى .وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺨﻠﻌﮭﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻄﻔﺄ اﻷﺿﻮاء ،وﯾﻨﺴﺤﺐ اﻟﻤﺼﻮّرون، ﻛﻤﺎ ﺗﺨﻠﻊ اﻣﺮأة أﺛﻮاب زﯾﻨﺘﮭﺎ. ﻗﻠﺖ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﻌﺘﺬرﯾﻦ ﻋﻦ ﺧﻄﺄ ﻟﻢ ﺗﺘﻌﻤﺪﯾﮫ: إذا ﺷﺌﺖ ﺳﺄﻟﺒﺲ ذﻟﻚ اﻟﺴﻮار ﻣﻦ أﺟﻠﻚ ..أﯾﺴﻌﺪك ھﺬا؟ﻓﺎﺟﺄﻧﻲ ﻛﻼﻣﻚ .ﻛﺎن اﻟﻤﻮﻗﻒ ﺟﺰﯾﻨﺎً ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ،رﻏﻢ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺘﮫ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻀﺤﻜﺎً ﺑﺤﺰن. ﻛﻨﺖ ھﻨﺎ أﻋﺮض ﻋﻠﯿﻚ أﺑﻮﺗﻲ ،وﻛﻨﺖ ﺗﻌﺮﺿﯿﻦ ﻋﻠﻲّ أﻣﻮﻣﺘﻚ .أﻧﺖ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن اﺑﻨﺘﻲ ،واﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ دون أن ﺗﺪري ..أﻣّﻲ! وﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أﺟﯿﺒﻚ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﺑﻜﻠﻤﺔ واﺣﺪة ،أﺧﺘﺼﺮ ﻓﯿﮭﺎ ﻛﻞ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎت ﻣﻮﻗﻔﻨﺎ ذﻟﻚ، وأﺧﺘﺼﺮ ﻓﯿﮭﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﮫ ﺗﺠﺎھﻚ ﻣﻦ ﻋﻮاﻃﻒ ﻣﺘﻄﺮﻓﺔ ..وﺟﺎﻣﺤﺔ .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻗﻠﺖ ﺷﯿﺌﺎً آﺧﺮ. ﻗﻠﺖ: ﯾﺴﻌﺪﻧﻲ ذﻟﻚ ،وﯾﺴﻌﺪﻧﻲ أﯾﻀﺎً أن ﺗﻠﺒﺴﯿﮫ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ أﻧﺖ.ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻌﻲ أﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻔﮭﻤﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺬي ﺗﺒﺤﺜﯿﻦ ﻋﻨﮫ ،وﻻ ﻣﻦ ذاﻛﺮة أب ﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﯿﮫ ،إذا ﻟﻢ ﺗﻔﮭﻤﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﺑﻌﺎداﺗﮭﺎ وﺗﻠﺘﺤﻤﻲ ﺑﮭﺎ .إﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻜﺘﺸﻒ ذاﻛﺮﺗﻨﺎ وﻧﺤﻦ ﻧﺘﻔﺮج ﻋﻠﻰ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺑﺮﯾﺪﯾﺔ ..أو ﻟﻮﺣﺔ زﯾﺘﯿﺔ ﻛﮭﺬه. ﻧﺤﻦ ﻧﻜﺘﺸﻔﮭﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻠﻤﺴﮭﺎ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻠﺒﺴﮭﺎ وﻧﻌﯿﺶ ﺑﮭﺎ. ھﺬا اﻟﺴﻮار ﻣﺜﻼً ،ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﮫ ﻓﺠﺄة ﻋﻼﻗﺔ ﻋﺎﻃﻔﯿﺔ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ رﻣﺰاً ﻟﻸﻣﻮﻣﺔ دون أن أدري .اﻛﺘﺸﻔﺖ ھﺬا ﯾﻮم رأﯾﺘﻚ ﺗﻠﺒﺴﯿﻨﮫ ،وﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أﻻ ﺗﻠﺒﺴﯿﮫ .وﺗﻈﻞ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ اﻟﺘﻲ ﻓﺠﺮھﺎ داﺧﻠﻲ ﻧﺎﺋﻤﺔ ﻓﻲ دھﺎﻟﯿﺰ اﻟﻨﺴﯿﺎن .ھﻞ ﺗﻔﮭﻤﯿﻦ اﻵن ..أن اﻟﺬاﻛﺮة أﯾﻀﺎً ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ أن ﻧﻮﻗﻈﮭﺎ أﺣﯿﺎﻧﺎً؟ ﻛﻢ ﻛﻨﺖ أﺣﻤﻖ ..ﻛﻨﺖ دون أن أدري ،أوﻗﻆ داﺧﻠﻲ ﻣﺎرداً ﻛﺎن ﻧﺎﺋﻤﺎً ﻣﻨﺬ ﺳﻨﯿﻦ .وﻛﻨﺖ أﺣﻮّﻟﻚ ﻓﻲ ﺣﻤّﻰ ﺟﻨﻮﻧﻲ ﻣﻦ ﻓﺘﺎة إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ .وﻛﻨﺖ ﺗﺴﺘﻤﻌﯿﻦ ﻟﻲ ﺑﺎﻧﺒﮭﺎر ﺗﻠﻤﯿﺬة، وﺗﺘﻠﻘّﯿﻦ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ ﻛﻤﺎ ﯾﺘﻠﻘّﻰ ﺷﺨﺺ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺔ ﺗﻨﻮﯾﻢ ﻣﻐﻨﻄﯿﺴﻲ ،ﺗﻌﺎﻟﯿﻤﮫ وأواﻣﺮه ﻣﻦ ﻣﻨﻮم ﯾﻔﻌﻞ ﺑﮫ ﻣﺎ ﯾﺸﺎء. اﻛﺘﺸﻔﺖ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻗﺪرﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺮوﯾﻀﻚ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ ﻧﺎرك اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ.
وﻗﺮﱠرت ﻓﻲ ﺳﺮّي أن أﺣﻮﻟﻚ إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺷﺎھﻘﺔ ..ﺷﺎﻣﺨﺔ ،ﻋﺮﯾﻘﺔ ..ﻋﻤﯿﻘﺔ ،ﻟﻦ ﯾﻄﺄھﺎ اﻷﻗﺰام وﻻ اﻟﻘﺮاﺻﻨﺔ. ﺣﻜﻤﺖ ﻋﻠﯿﻚ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﺎ.. وﻛﻨﺖ أﺣﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮن.
***
ﻗﻀﯿﻨﺎ ﻣﻌﺎً وﻗﺘﺎً أﻃﻮل ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ..واﻓﺘﺮﻗﻨﺎ ﻣﺜﻘﻠﯿﻦ ﺑﺎﻟﮭﺰّات اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ ،ﻣﺸﺤﻮﻧﯿﻦ ﺑﺎﻻﻧﻔﻌﺎﻻت اﻟﻤﺘﻄﺮّﻓﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻋﺸﻨﺎھﺎ ﺧﻼل أرﺑﻊ ﺳﺎﻋﺎت ﻣﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮّ .ﻗﻠﻨﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮ ،وﺳﻂ دﻣﻮﻋﻨﺎ اﻟﻤﻜﺎﺑﺮة أﺣﯿﺎﻧﺎً ،ووﺳﻂ ﺻﻤﺘﻨﺎ اﻟﻤﺨﯿﻒ أﺣﯿﺎﻧﺎً أﺧﺮى. ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً رﺑﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ رأﯾﺘﻚ ﺗﺒﻜﯿﻦ ﻷول ﻣﺮة .ﻛﻨﺖ أﺣﺘﻘﺮ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﯾﻦ ﻻ دﻣﻮع ﻟﮭﻢ ،ﻓﮭﻢ إﻣﺎ ﺟﺒﺎﺑﺮة ..أو ﻣﻨﺎﻓﻘﻮن .وﻓﻲ اﻟﺤﺎﻟﺘﯿﻦ ھﻢ ﻻ ﯾﺴﺘﺤﻘﻮن اﻻﺣﺘﺮام. ﻛﻨﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﺿﺤﻚ وأﺑﻜﻲ ﻣﻌﮭﺎ. وﻛﺎن ھﺬا أروع ﻣﺎ اﻛﺘﺸﻔﺘﮫ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم. ﺗﺬﻛّﺮت ﻟﻘﺎءﻧﺎ اﻷول ،اﻟﺬي ﺑﺪأﻧﺎه دون ﺗﺨﻄﯿﻂ ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﯿﻘﺎت اﻟﺴﺎﺧﺮة .ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺗﺬﻛّﺮت ﻣﺜﻼً ﻓﺮﻧﺴﯿﺎً ﯾﻘﻮم" :أﻗﺼﺮ ﻃﺮﯾﻖ ﻷن ﺗﺮﺑﺢ اﻣﺮأة ھﻮ أن ﺗﻀﺤﻜﮭﺎ" ،وﻗﻠﺖ ھﺎ أﻧﺬا رﺑﺤﺘﮭﺎ دون ﺟﮭﺪ.. اﻟﯿﻮم اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺣﻤﺎﻗﺔ ذﻟﻚ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺬي ﯾﺸﺠّﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺑﺢ اﻟﺴﺮﯾﻊ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻤﻐﺎﻣﺮات اﻟﻌﺎﺑﺮة اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﮭﻢّ أن ﺗﺒﻜﻲ ﺑﻌﺪھﺎ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺿﺤﻜﺖ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﯾﺔ. ﻟﻢ أرﺑﺤﻚ ﺑﻌﺪ ﻧﻮﺑﺔ ﺿﺤﻚ.. رﺑﺤﺘﻚ ﯾﻮم ﺑﻜﯿﺖ أﻣﺎﻣﻲ وأﻧﺖ ﺗﺴﺘﻤﻌﯿﻦ إﻟﻰ ﻗﺼّﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼّﺘﻲ أﯾﻀﺎً .ﺛﻢﱠ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﻣﻠﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﺑﺘﺄﺛﺮ واﺿﺢ .وﻛﻨﺖ رﺑّﻤﺎ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن ﺗﻀﻌﻲ ﻗﺒﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﺪّي ،أو ﺗﺤﻀﻨﯿﻨﻲ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺣﻨﺎن ﻣﻔﺎﺟﺊ ..وﻟﻜﻨﱠﻚ ﻟﻢ ﺗﻔﻌﻠﻲ. واﻓﺘﺮﻗﻨﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻌﺎدة ،وﻧﺤﻦ ﻧﺘﺼﺎﻓﺢ ،وﻛﺄﻧﻨﺎ ﻧﺨﺎف أن ﺗﺘﺤﻮل ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﻠﺔ اﻟﻌﺎﺑﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺪّ ،إﻟﻰ ﻓﺘﯿﻠﺔ ﺗﺸﻌﻞ اﻟﺒﺮاﻛﯿﻦ اﻟﻨﺎﺋﻤﺔ. ﻛﻨّﺎ ﻧﻔﮭﻢ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﺼﻤﺖ ﻣﺘﻮاﻃﺊ .ﻛﺎن ﺣﻀﻮرك ﯾﻮﻗﻆ رﺟﻮﻟﺘﻲ .ﻛﺎن ﻋﻄﺮك ﯾﺴﺘﻔﺰّﻧﻲ وﯾﺴﺘﺪرﺟﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮن .وﻋﯿﻨﺎك ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮّداﻧﻨﻲ ﻣﻦ ﺳﻼﺣﻲ ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﺗﻤﻄﺮان ﺣﺰﻧﺎً. وﺻﻮﺗﻚ ..آه ﺻﻮﺗﻚ ﻛﻢ ﻛﻨﺖ أﺣﺒﮫ ..ﻣﻦ أﯾﻦ ﺟﺌﺖ ﺑﮫ؟ أيّ ﻟﻐﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻐﺘﻚ؟ أيّ ﻣﻮﺳﯿﻘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺳﯿﻘﺎك.. ﻛﻨﺖ دھﺸﺘﻲ اﻟﺪاﺋﻤﺔ ،وھﺰﯾﻤﺘﻲ اﻟﻤﺆﻛﺪة ،ﻓﮭﻞ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ اﺑﻨﺘﻲ ،أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻤﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻖ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺷﯿﺌﺎً آﺧﺮ ﻏﯿﺮ ذاك ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ. ورﺣﺖ أﻗﺎوﻣﻚ ﺑﺤﻮاﺟﺰ وھﻤﯿﺔ أﺿﻌﮭﺎ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻛﻞّ ﻣﺮة ،ﻛﻤﺎ ﺗﻮﺿﻊ ﺣﻮاﺟﺰ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ ﺳﺒﺎق ،وﻟﻜﻨﻚ ﻛﻨﺖ ﻓﺮﺳﺎً ﺧﻠﻘﺖ ﻟﻠﺘﺤﺪي ورﺑﺢ اﻟﺮھﺎن .ﻛﻨﺖ ﺗﻘﻔﺰﯾﻦ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻣﺮة واﺣﺪة ،ﺑﻨﻈﺮة واﺣﺪة. ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮاﺗﻚ ﺗﺘﺴﻜﻊ ﻓﻮﻗﻲ ،ﺗﺘﻮﻗﻒ أﺣﯿﺎﻧﺎً ھﻨﺎ ..وأﺣﯿﺎﻧﺎً ھﻨﺎك ،ﻟﺘﻨﺘﮭﻲ ﻋﻨﺪ ﻋﯿﻨﻲّ أو زرّ ﻗﻤﯿﺼﻲ اﻟﻤﻔﺘﻮح ﻛﺎﻟﻌﺎدة. ﻗﻠﺖ ﻣﺮة وأﻧﺖ ﺗﺘﺄﻣﻠﯿﻨﻨﻲ أﻛﺜﺮ: ﻓﯿﻚ ﺷﻲء ﻣﻦ زورﺑﺎ .ﺷﻲء ﻣﻦ ﻗﺎﻣﺘﮫ ..ﻣﻦ ﺳﻤﺮﺗﮫ ..وﺷﻌﺮه اﻟﻔﻮﺿﻮي اﻟﻤﻨﺴّﻖ.رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻘﻂ أﻛﺜﺮ وﺳﺎﻣﺔ ﻣﻨﮫ. أﺟﺒﺘﻚ: ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻀﯿﻔﻲ ﻛﺬﻟﻚ ،أﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺳﻨﮫ ،وﻓﻲ ﺟﻨﻮﻧﮫ وﺗﻄﺮﻓﮫ ،وأنّ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻲﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ وﺣﺪﺗﮫ ..ﻣﻦ ﺣﺰﻧﮫ وﻣﻦ اﻧﺘﺼﺎراﺗﮫ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻮل داﺋﻤﺎً إﻟﻰ ھﺰاﺋﻢ. ﻗﻠﺖ ﻣﺘﻌﺠﺒﺔ: أﺗﻌﺮف ﻋﻨﮫ ﻛﻞ ھﺎ ...أﺗﺤﺒﮫ؟أﺟﺒﺖ: رﺑﻤﺎ..ﻗﻠﺖ: أﺗﺪري أﻧﮫ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي أﺛّﺮ أﻛﺜﺮ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ؟أدھﺸﻨﻲ اﻋﺘﺮاﻓﻚ .ﻓﻜﱠﺮت إﻣﺎ أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ..أو ﻟﻢ ﺗﻘﺮﺋﻲ ﻛﺜﯿﺮاً
ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ .وﻗﺒﻞ أن أﻗﻮل ﺷﯿﺌﺎً واﺻﻠﺖ ﺑﺤﻤﺎﺳﺔ: ﯾﻌﺠﺒﻨﻲ ﺟﻨﻮﻧﮫ وﺗﺼﺮّﻓﺎﺗﮫ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ ..ﻋﻼﻗﺘﮫ اﻟﻌﺠﯿﺒﺔ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﺮأة ..ﻓﻠﺴﻔﺘﮫﻓﻲ اﻟﺤﺐ واﻟﺰواج ..ﻓﻲ اﻟﺤﺮب واﻟﻌﺒﺎدة ،وﺗﻌﺠﺒﻨﻲ أﻛﺜﺮ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ ﻓﻲ أن ﯾﺼﻞ ﺑﺄﺣﺎﺳﯿﺴﮫ إﻟﻰ ﺿﺪّھﺎ .أﺗﺬﻛّﺮ ﻗﺼﺔ اﻟﻜﺮز ،ﯾﻮم ﻛﺎن ﯾﺤﺐّ اﻟﻜﺮز ﻛﺜﯿﺮاً وﻗﺮر أن ﯾُﺸﻔﻰ ﻣﻦ وﻟﻌﮫ ﺑﮫ ﺑﺄن ﯾﺄﻛﻞ ﻣﻨﮫ ﻛﺜﯿﺮاً ..ﻛﯿﺮاً ﺣﺘﻰ ﯾﺘﻘﯿّﺄه .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﺻﺒﺢ ﯾﻌﺎﻣﻠﮫ ﻛﻔﺎﻛﮭﺔ ﻋﺎدﯾﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ ﻓﻲ أن ﯾﺸﻔﻰ ﻣﻦ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ ﯾﺸﻌﺮ أﻧﮭﺎ ﺗﺴﺘﻌﺒﺪه. ﻗﻠﺖ: ﻻ أذﻛﺮ ھﺬه اﻟﻘﺼﺔ..ﻗﻠﺖ: وھﻞ ﺗﺬﻛﺮ رﻗﺼﺘﮫ ﺗﻠﻚ وﺳﻂ ﻣﺎ ﯾﺴﻤﯿﮫ ﺑﺎﻟﺨﺮاب اﻟﺠﻤﯿﻞ؟ إﻧﮫ ﺷﻲء ﻣﺪھﺶ أنﯾﺼﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺨﯿﺒﺘﮫ وﻓﺠﺎﺋﻌﮫ ﺣﺪّ اﻟﺮﻗﺺ .إﻧﮫ ﺗﻤﯿّﺰ ﻓﻲ اﻟﮭﺰاﺋﻢ أﯾﻀﺎً ،ﻓﻠﯿﺴﺖ ﻛﻞّ اﻟﮭﺰاﺋﻢ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﺠﻤﯿﻊ .ﻓﻼ ﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻚ أﺣﻼم ﻓﻮق اﻟﻌﺎدة ،وأﻓﺮاح وﻃﻤﻮﺣﺎت ﻓﻮق اﻟﻌﺎدة ،ﻟﺘﺼﻞ ﺑﻌﻮاﻃﻔﻚ ﺗﻠﻚ إﻟﻰ ﺿﺪّھﺎ ﺑﮭﺬه اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ.. ﻛﻨﺖ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﯿﻚ ﺑﺎﻧﺒﮭﺎر وﺑﻤﺘﻌﺔ .وﺑﺪل أن أﺟﺪ ﻓﻲ ذﻟﻚ "اﻟﺨﺮاب اﻟﺠﻤﯿﻞ" اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﺗﺼﻔﯿﻨﮫ ﻟﻲ ﺑﺤﻤﺎﺳﺔ ،ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺜﯿﺮ ﻣﺨﺎوﻓﻲ ﻣﻦ ﻧﺰﻋﺔ ﺳﺎدﯾﺔ ،أو ﻣﺎزوﺷﯿﺔ ﻣﺎ ﻗﺪ ﺗﺴﻜﻨﻚ ،رﺣﺖ أﻧﻘﺎد ﻟﺠﻤﺎل ﻓﻜﺮﺗﻚ ﻓﻘﻂ ،وأﻗﻮل دون ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ: ﺻﺤﯿﺢ ..ﺟﻤﯿﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﯿﻦ _ .ﺛﻢ أﺿﻔﺖ_ ﻟﻢ أﻛﻦ أدري أﻧﻚ ﺗﺤﺒﯿﻦ زورﺑﺎ إﻟﻰ ھﺬااﻟﺤﺪ! ﻗﻠﺖ ﺿﺎﺣﻜﺔ: ﺳﺄﻋﺘﺮف ﻟﻚ ﺑﺸﻲء ..ﻟﻘﺪ أرﺑﻜﺘﻨﻲ ھﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﻛﺜﯿﺮاً .ﯾﻮم ﻗﺮأﺗﮭﺎ ﺷﻌﺮت ﺑﺸﻲءﻣﻦ اﻟﻐﺒﻄﺔ واﻟﺤﺰن ﻣﻌﺎً .ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﺣﺐّ رﺟﻼً ﻛﮭﺬا ..أو أﻛﺘﺐ رواﯾﺔ ﻛﮭﺬه ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ذﻟﻚ ﻣﻤﻜﻨﺎً ،وﻟﮭﺬا ﺳﺘﻄﺎردﻧﻲ ھﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﺣﺘﻰ أﺷﻔﻰ ﻣﻨﮭﺎ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى. ﻗﻠﺖ ﺳﺎﺧﺮاً: -ﯾﺴﻌﺪﻧﻲ إذن أن ﺗﺠﺪي ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﺸﺒﮫ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﮫ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺤﻘﻘﯿﻦ اﻷﻣﻨﯿﺘﯿﻦ ﻣﻌﺎً..
ﺗﺄﻣﻠﺘﻨﻲ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻄﺔ اﻟﻤﺤﺒّﺒﺔ وﻗﻠﺖ: ﻣﻌﻚ أرﯾﺪ أن أﺣﻘﻖ إﺣﺪى اﻷﻣﻨﯿﺘﯿﻦ ﻓﻘﻂ.وأﺿﻔﺖ ﻗﺒﻞ أن أﺳﺄﻟﻚ أﯾّﮭﻤﺎ: ﻟﻦ أﻛﺘﺐ ﻋﻨﻚ ﺷﯿﺌﺎً.آ ..ﻟﻤﺎذا..؟ﻷﻧﻲ ﻻ أرﯾﺪ ﻗﺘﻠﻚ ،أﻧﺎ ﺳﻌﯿﺪة ﺑﻚ ..ﻧﺤﻦ ﻧﻜﺘﺐ اﻟﺮواﯾﺎت ﻟﻨﻘﺘﻞ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﯾﻦأﺻﺒﺢ وﺟﻮدھﻢ ﻋﺒﺌﺎً ﻋﻠﯿﻨﺎ ..ﻧﺤﻦ ﻧﻜﺘﺐ ﻟﻨﻨﺘﮭﻲ ﻣﻨﮭﻢ.. ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻧﺎﻗﺸﺘﻚ ﻃﻮﯾﻼً ﻓﻲ ﻧﻈﺮﺗﻚ" اﻹﺟﺮاﻣﯿﺔ" ﻟﻸدب وﻗﻠﺖ ﻟﻚ وﻧﺤﻦ ﻧﻔﺘﺮق: أﯾﻤﻜﻨﻨﻲ أﺧﯿﺮاً أن أﻃّﻠﻊ ﻋﻠﻰ رواﯾﺘﻜﻢ اﻷوﻟﻰ ..أو "ﺟﺮﯾﻤﺘﻚ اﻷوﻟﻰ"؟!ﺿﺤﻜﺖ وأﺟﺒﺖ: ﻃﺒﻌﺎً ..ﺷﺮط أﻻ ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻣﺤﻘﱢﻖ ﺟﻨﺎﺋﻲ أو ﻃﺮفٍ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼّﺔ!ﺗﺮاك ﻛﻨﺖ ﺗﺘﻨﺒﺌﯿﻦ ﺑﻤﺎ ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ،وﺗﺪرﯾﻦ ﻣﺴﺒﻘﺎً أﻧﻨﻲ ﻟﻦ أﻛﻮن ﻣﻌﻚ ﻗﺎراً ﻣﺤﺎﯾﺪاًﺑﻌﺪ اﻵن. ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ أﺣﻀﺮت ﻟﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﯾﺔ .ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﻤﺪّﯾﻦ ﻧﺤﻮي اﻟﻜﺘﺎب: أﺗﻤﻨﻰ أن ﺗﺠﺪ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻌﺔ ﻓﻲ ﻗﺮاءﺗﮭﺎ..ﻗﻠﺖ ﻣﺎزﺣﺎً: وأﺗﻤﻨﻰ أﻻ ﯾﻔﺴﺪ ﻋﺪد ﺿﺤﺎﯾﺎك ﻣﺘﻌﺘﻲ!أﺟﺒﺖ ﺑﺎﻟﻠﮭﺠﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ: ﻻ ..اﻃﻤﺌﻦ ..ﻓﺄﻧﺎ أﻛﺮه اﻟﻤﻘﺎﺑﺮ اﻟﺠﻤﺎﻋﯿﺔ!ﻛﯿﻒ ﻧﺴﯿﺖ ھﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻷﺧﯿﺮة.. ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺗﺬﻛﺮھﺎ اﻵن ،أﻗﺘﻨﻊ أن ﻗﺼّﺘﻚ اﻟﺠﺪﯾﺪة ھﺬه ،اﻟﺘﻲ ﺗﺮوج ﻟﮭﺎ اﻟﻤﺠﻼت
واﻟﺠﺮاﺋﺪ ،ﻟﻦ ﺗﻜﻮن ﺳﻮى ﺿﺮﯾﺢ ﻓﺮدي ﻟﺒﻄﻞ واﺣﺪ رﺑﱠﻤﺎ ﻛﺎن زﯾﺎد ..ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن أﻧﺎ ..ﻓﻤﻦ ﺗﺮى اﻟﻤﺤﻈﻮظ ﻣﻨﱠﺎ ﺑﻤﯿﺘﺔ ﻛﮭﺬه؟! وﺣﺪه ﻛﺘﺎﺑﻚ ﻗﺪ ﯾﺤﻤﻞ ﺟﻮاﺑﺎً ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺴﺆال ،وﻋﻠﻰ أﺳﺌﻠﺔ أﺧﺮى ﺗﻄﺎردﻧﻲ. وﻟﻜﻦ ..ﻟﻤﺎذا ﯾﺜﯿﺮ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﺗﻜﺘﺒﯿﮫ ﻟﺪيّ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺆال؟ وﻟﻤﺎذا أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ ﻃﺮف ﻓﻲ ﻛﻞ ﻗﺼﺼﻚ اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ واﻟﻮھﻤﯿﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺘﮭﺎ ﻗﺒﻠﻲ؟ ﺗﺮى ﻷﻧﻨﻲ أﺗﻮھﻢ أن ﻟﻲ ﺣﻘﺎً ﺗﺎرﯾﺨﯿﺎً ﻋﻠﯿﻚ ،أو ﻷﻧﻚ ﯾﻮم أھﺪﯾﺘﻨﻲ ﻛﺘﺎﺑﻚ اﻷول ذاك، ﻟﻢ ﺗﻀﻌﻲ ﻋﻠﯿﮫ أيّ إھﺪاء ،وﻗﻠﺖ ذﻟﻚ اﻟﺘﻌﻠﯿﻖ اﻟﻤﺪھﺶ اﻟﺬي ﻟﻢ أﻧﺴﮫ: "إﻧﻨﺎ ﻧﺨﻂّ إھﺪاءً ﻟﻠﻐﺮﺑﺎء ﻓﻘﻂ ..وأﻣّﺎ اﻟﺬﯾﻦ ﻧﺤﺒﮭﻢ ﻓﻤﻜﺎﻧﮭﻢ ﻟﯿﺲ ﻓﻲ اﻟﺼﻔﺤﺔ اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻷوﻟﻰ ،وإﻧﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﻜﺘﺎب..". ﯾﻮﻣﮭﺎ أﺳﺮﻋﺖ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻜﺘﺎب أﻟﺘﮭﻤﮫ ﻓﻲ ﺳﮭﺮﺗﯿﻦ .رﺣﺖ أرﻛﺾ ﻻھﺜﺎً ﻣﻦ ﺻﻔﺤﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺷﻲء ﻣﺎ ﻏﯿﺮ اﻟﺬي أﻗﺮأه .ﻋﻦ ﺷﻲء ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻧﯿﻦ ﻛﺘﺒﺘﮫ ﻟﻲ ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻣﺜﻼً ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻠﺘﻘﻲ .ﻋﻦ ﺷﻲء ﻣﺎ ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﯾﺮﺑﻄﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻗﺼﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺼﺘﻨﺎ. أدري أنﱠ ذﻟﻚ ﻛﺎن ﺟﻨﻮﻧﺎً ،وﻟﻜﻦ أﻟﯿﺲ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ﻣﺼﺎدﻓﺎت ﻣﺪھﺸﺔ ﻛﺘﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺘﮭﺎ ذات أﯾﻠﻮل ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ،1957وﺑﻘﯿﺖ ﺗﻨﺘﻈﺮك رﺑﻊ ﻗﺮن دون أن أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻚ ..ﺑﻞ إﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻧﺖِ؟ وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﺤﺾ أوھﺎم ..ﻟﻢ ﺗﺨﺒّﺌﻲ ﻟﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻚ ذاك ،ﺳﻮى ﻣﺮارة وأﻟﻢ وﻏﯿﺮة ﺣﻤﻘﺎء ،ذﻗﺖ ﻧﺎرھﺎ ﻷول ﻣﺮّة .ﻏﯿﺮة ﺟﻨﻮﻧﯿﺔ ﻣﻦ رﺟﻞ ﻣﻦ ورق ،ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﻣﺮّ ﺑﺤﯿﺎﺗﻚ ﺣﻘﺎً ..وﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﻣﺨﻠﻮﻗﺎً ﺧﯿﺎﻟﯿﺎً ،أﺛﱠﺜﺖ ﺑﮫ ﻓﺮاغ أﯾﺎﻣﻚ وﺑﯿﺎض اﻟﺼﻔﺤﺎت ﻓﻘﻂ. وﻟﻜﻦ أﯾﻦ ھﻮ اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﻮھﻢ واﻟﻮاﻗﻊ؟ ﻟﻢ ﺗﺠﯿﺒﯿﻨﻲ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺴﺆال ..رﺣﺖِ ﺗﻌﻤّﻘﯿﻦ ﺣﯿﺮﺗﻲ ﺑﺄﺟﻮﺑﺔ أﻛﺜﺮ ﻏﻤﻮﺿﺎً ..ﻗﻠﺖ: إنّ اﻟﻤﮭﻢّ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﻜﺘﺒﮫ ..ھﻮ ﻣﺎ ﻧﻜﺘﺒﮫ ﻻ ﻏﯿﺮ ،ﻓﻮﺣﺪھﺎ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ھﻲ اﻷدب..وھﻲ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺒﻘﻰ ،وأﻣّﺎ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺘﺒﻨﺎ ﻋﻨﮭﻢ ﻓﮭﻢ ﺣﺎدﺛﺔ ﺳﯿﺮ ..أﻧﺎس ﺗﻮﻗﻔﻨﺎ أﻣﺎﻣﮭﻢ ذات ﯾﻮم ﻟﺴﺒﺐٍ أو ﻵﺧﺮ ..ﺛﻢ واﺻﻠﻨﺎ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻣﻌﮭﻢ أو ﺑﺪوﻧﮭﻢ. ﻗﻠﺖ: وﻟﻜﻦ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺑﻤﻠﮭﻤﮫ ﻣﺒﺴّﻄﺔ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ .إن اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻻﺷﻲء دون ﻣﻦ ﯾﻠﮭﻤﮫ ..إﻧﮫ ﻣﺪﯾﻦ ﻟﮫ ﺑﺸﻲء..
ﻗﺎﻃﻌﺘﻨﻲ.. ﻣﺪﯾﻦ ﻟﮫ ﺑﻤﺎذا..؟ ..إن ﻣﺎ ﻛﺘﺒﮫ" أراﻏﻮن" ﻋﻦ ﻋﯿﻮن "إﻟﺰا" ھﻮ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ ﻋﯿﻮن"إﻟﺰا" اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺸﯿﺦ وﺗﺬﺑﻞ ..وﻣﺎ ﻛﺘﺒﮫ ﻧﺰار ﻗﺒﺎﻧﻲ ﻋﻦ ﺿﻔﺎﺋﺮ "ﺑﻠﻘﯿﺲ" أﺟﻤﻞ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﻏﺰﯾﺮ ﻛﺎن ﻣﺤﻜﻮﻣﺎً ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺒﯿﺾّ وﯾﺘﺴﺎﻗﻂ ..وﻣﺎ رﺳﻤﮫ ﻟﯿﻮﻧﺎرد دﯾﻔﺎﻧﺸﻲ ﻓﻲ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ واﺣﺪة ﻟﻠﺠﻮﻛﺎﻧﺪا ،أﺧﺬ ﻗﯿﻤﺘﮫ ﻟﯿﺲ ﻓﻲ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺳﺎذﺟﺔ ﻟﻠﻤﻮﻧﻮﻟﯿﺰا ،وإﻧﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﺪرة ذﻟﻚ اﻟﻔﻨﺎن اﻟﻤﺬھﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻞ أﺣﺎﺳﯿﺲ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ، واﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﺰن واﻟﻔﺮح ﻓﻲ آن واﺣﺪ ..ﻓﻤﻦ ھﻮ اﻟﻤﺪﯾﻦ ﻟﻶﺧﺮ ﺑﺎﻟﻤﺠﺪ إذن؟ ﻛﺎن ﺣﺪﯾﺜﻨﺎ ﯾﺄﺧﺬ ﻣﻨﺤﻰ آﺧﺮ رﺑﻤﺎ أردﺗﮫ أﻧﺖ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﮭﺮب ﻣﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ .ﻓﺄﻋﺪت ﻋﻠﯿﻚ اﻟﺴﺆال ﺑﺼﯿﻐﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮة: ھﻞ ﻣﺮّ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺤﯿﺎﺗﻚ ..أم ﻻ؟ﺿﺤﻜﺖ ..وﻗﻠﺖ: ﻋﺠﯿﺐ ..إن ﻓﻲ رواﯾﺎت "أﻏﺎﺗﺎ ﻛﺮﯾﺴﺘﻲ" أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 60ﺟﺮﯾﻤﺔ .وﻓﻲ رواﯾﺎتﻛﺎﺗﺒﺎت أﺧﺮﯾﺎت أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻠﻰ .وﻟﻢ ﯾﺮﻓﻊ أيّ ﻣﺮة ﻗﺎرئ ﺻﻮﺗﮫ ﻟﯿﺤﺎﻛﻤﮭﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺮاﺋﻢ ،أو ﯾﻄﺎﻟﺐ ﺑﺴﺠﻨﮭﻦﱠ .وﯾﻜﻔﻲ ﻛﺎﺗﺒﺔً أن ﺗﻜﺘﺐ ﻗﺼﺔ ﺣﺐ واﺣﺪة ،ﻟﺘﺘﺠﮫ ﻛﻞ أﺻﺎﺑﻊ اﻻﺗﮭﺎم ﻧﺤﻮھﺎ ،وﻟﯿﺠﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺤﻘﻖ ﺟﻨﺎﺋﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ ﻗﺼﺘﮭﺎ .أﻋﺘﻘﺪ أﻧﮫ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻠﻨﻘﺎد ﻣﻦ أن ﯾﺤﺴﻤﻮا ﯾﻮﻣﺎً ھﺬه اﻟﻘﻀﯿﺔ ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً ،ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﻌﺘﺮﻓﻮا أن ﻟﻠﻤﺮأة ﺧﯿﺎﻻً ﯾﻔﻮق ﺧﯿﺎل اﻟﺮﺟﺎل ،وإﻣﺎ أن ﯾﺤﺎﻛﻤﻮﻧﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً! ﺿﺤﻜﺖ ﻟﺤﺠﺘﻚ اﻟﺘﻲ أدھﺸﺘﻨﻲ وﻟﻢ ﺗﻘﻨﻌﻨﻲ .ﻗﻠﺖ: ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر أن ﯾﺤﺴﻢ اﻟﻨﻘﺎد ھﺬه اﻟﻘﻀﯿﺔ ،دﻋﯿﻨﻲ أﻛﺮر ﻋﻠﯿﻚ ﺳﺆاﻻً ﻟﻢ ﺗﺠﯿﺒﯿﻨﻲﻋﻨﮫ ..ھﻞ ﻣﺮّ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺤﯿﺎﺗﻚ ﺣﻘﺎً؟ ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﻌﺒﺜﯿﻦ ﺑﺄﻋﺼﺎﺑﻲ: اﻟﻤﮭﻢ أﻧﮫ ﻣﺎت ﺑﻌﺪ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب..-آ ..ﻷﻧﻚ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ أن ﺗﻘﺘﻠﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ھﻜﺬا ﺑﺠﺮة ﻗﻠﻢ؟
ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﻮاﺻﻠﯿﻦ ﻣﺮاوﻏﺘﻚ: أيّ ﻣﺎضٍ؟ ..ﻧﺤﻦ ﻗﺪ ﻧﻜﺘﺐ أﯾﻀﺎً ﻟﻨﺼﻨﻊ أﺿﺮﺣﺔ ﻷﺣﻼﻣﻨﺎ ﻻ ﻏﯿﺮ..ﻛﺎن ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻲ ﺷﻌﻮر ﻣﺎ ﺑﺄن ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﺘﻚ ،وأن ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﻗﺪ ﻣﺮّ ﺑﺤﯿﺎﺗﻚ ..ورﺑﻤﺎ ﺑﺠﺴﺪك أﯾﻀﺎً. ﻛﻨﺖ أﻛﺎد أﺷﻢّ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﻄﻮر راﺋﺤﺔ ﺗﺒﻐﮫ .أﻛﺎد أﻛﺘﺸﻒ أﺷﯿﺎءه ﻣﺒﻌﺜﺮة ﺑﯿﻦ ﺻﻔﺤﺎت ﻛﺘﺎﺑﻚ .ﻓﻲ ﻛﻞّ ﻓﻘﺮة ﺷﻲء ﻣﻨﮫ ..ﻣﻦ ﺳﻤﺮﺗﮫ ..ﻣﻦ ﻣﺬاق ﻗﺒﻠﺘﮫ ..ﻣﻦ ﺿﺤﻜﺘﮫ ..ﻣﻦ أﻧﻔﺎﺳﮫ ..وﻣﻦ اﺷﺘﮭﺎﺋﻚ اﻟﻔﺎﺿﺢ ﻟﮫ.. ﺗﺮاه أﺑﺪع ﻓﻲ ﺣﺒّﻚ ﺣﻘﺎً ..أم أﻧﺖ اﻟﺘﻲ أﺑﺪﻋﺖ ﻓﻲ وﺻﻔﮫ؟ أم ﺗﺮاه ﻣﺤﺾ اﺧﺘﺮاع ﻧﺴﺎﺋﻲ ،ﻛﺴﺘﮫ ﻟﻐﺘﻚ رﺟﻮﻟﺔ وأﺣﻼﻣﺎً ،ﺻﻨﻌﺖ ﻟﮭﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺿﺮﯾﺤﺎً ﺟﻤﯿﻼً ..ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﺳﮫ .وأﻧﺎ ،ﺑﺄيّ ﻣﻨﻄﻖ رﺣﺖ أﻃﺎﻟﻊ ذﻟﻚ اﻟﻜﺘﺎب ،ﻓﻲ زيّ ﻋﺎﺷﻖ ﻣﺘﻨﻜﺮ ﺑﺒﺪﻟﺔ ﺷﺮﻃﻲ أﺧﻼق .وإذا ﺑﻲ أﻧﻘّﺐ ﺑﯿﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت وأﺑﺤﺚ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﻮاﺻﻞ ،ﻋﺴﺎﻧﻲ أﻛﺘﺸﻔﻚ ﻣﺘﻠﺒﺴﺔ ﺑﻘﺒﻠﺔ ﻣﺎ ..ھﻨﺎ ،أو أﻛﺘﺸﻒ اﻷﺣﺮف اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ اﺳﻤﮫ ھﻨﺎك. ذھﺐ ﺗﻔﻜﯿﺮي ﺑﻌﯿﺪاً ..ﺗﺬﻛّﺮت أﻧﻚ ﻓﻲ ﺑﺎرﯾﺲ ﻣﻦ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ،وأﻧﻚ ﺗﻘﻄﻨﯿﻦ ﻋﻨﺪ ﻋﻤﻚ ﻣﻨﺬ ﻋُﯿّﻦ ﻓﻲ ﺑﺎرﯾﺲ ،أي ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺘﯿﻦ ﻓﻘﻂ .ﻓﻤﺎذا ﺗﺮاك ﻓﻌﻠﺖ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﻞّ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﻤﻔﺮدك؟ أرھﻘﻨﻲ ﻛﺘﺎﺑﻚ ذاك ،ﻛﺎن ﻣﻤﺘﻌﺎً وﻣﺘﻌﺒﺎً ﻣﺜﻠﻚ ..اﻋﺘﺮﻓﺖ ﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ،أن ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﻚ ﻗﺪ ﺗﻐﯿّﺮت ﻣﻨﺬ ﻗﺮأﺗﻚ وأﻧﻨﻲ أﺷﻚّ ﻓﻲ أن أﻛﻮن ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻤﻮد ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم ..ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻣﮭﯿﺄً ﻟﺴﻼح اﻟﻜﻠﻤﺎت. ﻗﻠﺖِ ﻓﻘﻂ وﻛﺄنﱠ اﻷﻣﺮ ﻻ ﯾﻌﻨﯿﻚ ﺗﻤﺎﻣﺎً: ﻛﺎن ﻋﻠﯿﻚ أﻻ ﺗﻘﺮأﻧﻲ إذن!أﺟﺒﺘﻚ ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ: وﻟﻜﻨﻨﻲ أﺣﺐ أن أﻗﺮأك .ﺛﻢ أﻧﺎ ﻻ أﻣﻠﻚ ﻃﺮﯾﻘﺔ أﺧﺮى ﻟﻔﮭﻤﻚ..أﺟﺒﺖ: ﻣﺨﻄﺊ ..أﻧﺖ ﻟﻦ ﺗﻔﮭﻢ ﺷﯿﺌﺎً ھﻜﺬا ..اﻟﻜﺎﺗﺐ إﻧﺴﺎن ﯾﻌﯿﺶ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ،وﻟﻜﻨﮫ ﻻ ﯾﺤﺘﺮﻓﮭﺎ ﺑﺎﻟﻀﺮورة .ذﻟﻚ اﺧﺘﺼﺎص اﻟﻤﺆرّﺧﯿﻦ ﻻ ﻏﯿﺮ ..إﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ
ﯾﺤﺘﺮف اﻟﺤﻠﻢ ..أي ﯾﺤﺘﺮف ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ اﻟﻜﺬب اﻟﻤﮭﺬّب .واﻟﺮواﺋﻲ اﻟﻨﺎﺟﺢ ھﻮ رﺟﻞ ﯾﻜﺬب ﺑﺼﺪق ﻣﺪھﺶ ،أو ھﻮ ﻛﺎذب ﯾﻘﻮل أﺷﯿﺎء ﺣﻘﯿﻘﯿّﺔ. ﺛﻢّ أﺿﻔﺖِ ﺑﻌﺪ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ..أﻋﺬب اﻟﻜﺬب ﻛﺎن ﻛﺬﺑﻚ ،وأﻛﺜﺮه أﻟﻤﺎً ﻛﺬﻟﻚ .ﻗﺮرت ﯾﻮﻣﮭﺎ أﻻ أﻧﻘّﺐ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻚ .أﻧﺖ ﻟﻦ ﺗﺒﻮﺣﻲ ﻟﻲ ﺑﺸﻲء .رﺑﻤﺎ ﻷﻧﻚ أﻧﺜﻰ ﺗﺤﺘﺮف اﻟﻤﺮاوﻏﺔ .ورﺑﻤﺎ ﻷﻧﮫ ﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﺷﻲ ﯾﺴﺘﺤﻖّ اﻻﻋﺘﺮاف. ﻛﻨﺖ ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ ﻓﻘﻂ أن ﺗﻮھﻤﯿﻨﻲ أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﻮدي ﺗﻠﻚ اﻟﻄﻔﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺘﮭﺎ .ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ.. ﻛﻨﺖ ﻓﺎرﻏﺔ ،وﻛﺎن ﻛﺬﺑﻚ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻓﺮاﻏﻚ .وإﻻ ﻣﺎ ﺳﺮّ ﺗﻌﻠّﻘﻚ ﺑﻲ ،وﻟﻤﺎذا ﻛﻨﺖ ﺗﻄﺎردﯾﻦ ذاﻛﺮﺗﻲ ﺑﺎﻷﺳﺌﻠﺔ ،وﺗﺴﺪرﺟﯿﻨﮭﺎ ﻟﻠﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ ﻛﻞّ ﺷﻲء؟ ﻟﻤﺎذا ﻛﻞّ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺮاھﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻛﻞّ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺳﻤﺘﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ وﻛﻞّ ﻣﺎ أﺣﺒﺒﺖ وﻣﺎ ﻛﺮھﺖ ﻣﻦ أﺷﯿﺎء ..أﻛﺎﻧﺖ اﻟﺬاﻛﺮة ﻋﻘﺪﺗﻚ؟ *** ﻻ ﺑﺪ ﻟﻤﻌﺮﺿﻲ أن ﯾﻨﺘﮭﻲ ،ﻟﻨﻨﺘﺒﮫ أﻧﻨﺎ ﻧﻌﺮف ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻣﻦ أﺳﺒﻮﻋﯿﻦ ﻓﻘﻂ ،وﻟﯿﺲ ﻣﻨﺬ أﺷﮭﺮ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺒﺪو ﻟﻨﺎ .ﻓﻜﯿﻒ ﻓﺮﻏﻨﺎ ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﻀﻌﺔ أﯾﺎم؟ ﻛﯿﻒ ﺗﻌﻠﱠﻤﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﺳﺎﻋﺎت ﻗﻀﯿﻨﺎھﺎ ﻣﻌﺎً ،أن ﻧﺤﺰن وﻧﻔﺮح وﻧﺤﻠﻢ ﺑﺘﻮﻗﯿﺖ واﺣﺪ؟ ﻛﯿﻒ أﺻﺒﺤﻨﺎ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻨﺎ ..وﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻐﺎدر ھﺬا اﻟﻤﻜﺎن ،اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﺟﺰءاً ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻨﺎ؟ ﻛﯿﻒ..؟ وھﻮ اﻟﺬي وﺿﻌﻨﺎ ﻟﻌﺪة أﯾﺎم ،ﺧﺎرج ﺣﺪود اﻟﺰﻣﺎن واﻟﻤﻜﺎن ،ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ ﺷﺎﺳﻌﺔ ،ﯾﺴﻜﻨﮭﺎ اﻟﺼﻤﺖ وﯾﺆﺛﺜﮭﺎ اﻟﻔﻦ ،ورﺑﻊ ﻗﺮن ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة واﻟﺠﻨﻮن؟ ﻛﻨّﺎ ﻟﻮﺟﺔ وﺳﻂ ﻋﺪة ﻟﻮﺣﺎت أﺧﺮى. ﻛﻨﺎ ﻟﻮﺣﺔ ﻣﺘﻘﻠّﺒﺔ اﻷﻃﻮار ،ﻣﺘﻌﺪّدة اﻷﻟﻮان ،رﺳﻤﺘﮭﺎ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ ﯾﻮﻣﺎً ﺛﻢ واﺻﻠﺖ رﺳﻤﮭﺎ ﯾﺪ اﻷﻗﺪار .وﻛﻨﺖ أﺗﻠﺬذ ﺑﻮﺿﻌﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ ذاك وأﻧﺎ أﺗﺤﻮل ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ ذﻟﻚ اﻟﻤﻌﺮض ،إﻟﻰ ﻟﻮﺣﺔ ﻣﻦ ﻟﻮﺣﺎﺗﮫ ﻻ أﻛﺜﺮ. ﻟﻢ ﯾﺤﺪث ،ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮة ،أن ﺷﻌﺮت ﺑﺤﺰن وأﻧﺎ أرﻓﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﻤﻌﻠّﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪران ،ﻟﻮﺣﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ،وأﺟﻤﻌﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻨﺎدﯾﻖ ﻷﺗﺮك اﻟﻘﺎﻋﺔ ﻓﺎرﻏﺔ ﻟﺮﺳﱠﺎم آﺧﺮ ،ﺳﯿﺄﺗﻲ ﺑﻠﻮﺣﺎﺗﮫ ..ﺑﺤﺰﻧﮫ وﺑﻔﺮﺣﮫ وﺑﻘﺼﺺ أﺧﺮى ﻻ ﺗﺸﺒﮫ ﻗﺼّﺘﻲ. ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ أﺟﻤﻊ أﯾﺎﻣﻲ ﻣﻌﻚ. ﻓﺠﺄة ،ﺗﻮﻗﻔﺖ ﯾﺪي وھﻲ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن ﺗﺮﻓﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻛﺘﮭﺎ ﻟﻶﺧﺮ.
ﺗﺄﻣﻠﺘﮭﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﺷﻌﺮت أﻧﮭﺎ ﻧﺎﻗﺼﺔ .ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺘﮭﺎ ﺳﻮى ﺟﺴﺮ ﯾﻌﺒﺮھﺎ ﻣﻦ ﻃﺮف إﻟﻰ آﺧﺮ ،ﻣﻌﻠّﻖ ﻧﺤﻮ اﻷﻋﻠﻰ ﺑﺤﺒﺎل ﻣﻦ ﻃﺮﻓﯿﮫ ﻛﺄرﺟﻮﺣﺔ ﺣﺰن. وﺗﺤﺖ اﻷرﺟﻮﺣﺔ اﻟﺤﺪﯾﺪﯾﺔ ھﻮّة ﺻﺨﺮﯾﺔ ﺿﺎرﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻖ ﺗﻌﻠﻦ ﺗﻨﺎﻗﻀﮭﺎ اﻟﺼﺎرخ ﻣﻊ اﻟﻤﺰاج اﻟﺼﺎﻓﻲ ﻟﺴﻤﺎء اﺳﺘﻔﺰازﯾﺔ اﻟﮭﺪوء واﻟﺰرﻗﺔ. ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ،ﻗﺒﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،أن ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﺟﺪﯾﺪة ﺗﻜﺴﺮ ھﺬا اﻟﺘﻀﺎد ،وﺗﺆﺛﺚ ﻋﺮي اﻟﻠﻮﻧﯿﻦ اﻟﻠﺬﯾﻦ ﯾﻨﻔﺮدان ﺑﮭﺎ. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ "ﺣﻨﯿﻦ" ﻟﻮﺣﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ رؤوس أﻗﻼم وﻣﺸﺎرﯾﻊ أﺣﻼم ﺗﺠﺎوزﺗﮭﺎ اﻷﺣﺪاث ﺑﺨﻤﺲ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻨﯿﻦ واﻟﺪھﺸﺔ وﻟﯿﺲ ﻓﻘﻂ ﺑﺮﺑﻊ ﻗﺮن ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ. ﺣﻤﻠﺘﮭﺎ ﺗﺤﺖ إﺑﻄﻲ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻣﯿّﺰھﺎ ﻋﻦ اﻷﺧﺮﯾﺎت .ﻛﻨﺖ ﻓﺠﺄة ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ .أرﯾﺪ أن أﺟﻠﺲ أﻣﺎﻣﮭﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات ،ﻣﺤﻤﻼً ﺑﻔﺮﺷﺎة وأﻟﻮان أﺧﺮى ،ﻷﻧﻔﺦ اﻟﺤﯿﺎة واﻟﻀﺠﯿﺞ ﻓﯿﮭﺎ ،وأﻧﻘﻞ إﻟﯿﮭﺎ أﺧﯿﺮاً ﺣﺠﺎرة "ﻗﻨﻄﺮة اﻟﺤﺒﺎل" ﺣﺠﺮاً ..ﺣﺠﺮاً .وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﻓﻲ ذھﻨﻲ اﻟﻤﺒﻌﺜﺮ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ھﺎﺟﺲ آﺧﺮ ﯾﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﻛﻞّ ﺷﻲء :ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﻠﺘﻘﻲ ﺑﻌﺪ اﻵن ...وأﯾﻦ؟ اﻧﺘﮭﺖ ﻋﻄﻠﺘﻚ اﻟﺠﺎﻣﻌﯿﺔ ﻣﻊ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻣﻌﺮﺿﻲ ﺗﻘﺮﯾﺒﺎً .وھﺎ ﻧﺤﻦ ﻣﺤﺎﺻﺮان ﺑﻜﻞ ﻣﺴﺘﺤﯿﻼت اﻟﺰﻣﺎن واﻟﻤﻜﺎن .ﻣﻼﺣﻘﺎن ﺑﻜﻞ اﻟﻌﯿﻮن اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺴﺮق ﺳﺮﻧﺎ .ﺑﻜﻞ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﻻ ﻧﻌﺮﻓﮭﻢ ..وﯾﻌﺮﻓﻮﻧﻨﺎ .أيّ ﺟﻨﻮن ..وأيّ ﻗﺪر ﻛﺎن ﻗﺪري ﻣﻌﻚ! وﻟﻤﺎذا وﺣﺪي ﺗﻔﻀﺤﻨﻲ ﻋﺎھﺘﻲ؟ وﻟﻤﺎذا ﻛﻞ ھﺬا اﻟﺤﺬر ..وﻟﻤﺎذا أﻧﺖ ﺑﺎﻟﺬات؟ ﻛﺎن ﻣﺠﺮد اﺣﺘﻤﺎل ﻟﻘﺎﺋﻲ ﺑﺴﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ذات ﯾﻮم وأﻧﺎ ﺑﺼﺤﺒﺘﻚ ،ﯾﺠﻌﻠﻨﻲ أﻋﺪل ﻋﻦ ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة ،وأﺷﻌﺮ ﻓﺠﺄة ﺑﺤﺮج اﻟﻤﻮﻗﻒ ،وﺑﺬﻟﻚ اﻻرﺗﺒﺎك اﻟﺬي ﺳﯿﻔﻀﺤﻨﻲ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ. اﺗﻔﻘﻨﺎ ﻋﻠﻰ أن ﺗﻄﻠﺒﯿﻨﻲ ھﺎﺗﻔﯿﺎً ،وأن ﻧﺘﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺟﺪﯾﺪ. ﻛﺎن ذﻟﻚ ھﻮ اﻟﺤﻞ اﻟﻮﺣﯿﺪ .ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻤﻜﻨﺎً أ ،أزورك ﻓﻲ ﺣﯿّﻚ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻚ ﺗﺘﺎﺑﻊ دراﺳﺘﮭﺎ ﻣﻌﻚ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ. أﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺠﺪ ﻇﺮوﻓﺎً أﻛﺜﺮ ﺗﻌﻘﯿﺪاً ﻣﻦ ھﺬه؟. *** أﻃﻮل ﻧﮭﺎﯾﺔ أﺳﺒﻮع ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﯿﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ھﺎﺗﻔﻚ ﺻﺒﺎح اﻻﺛﻨﯿﻦ.
ﯾﻮم اﻷﺣﺪ دقّ اﻟﮭﺎﺗﻒ. أﺳﺮﻋﺖ إﻟﯿﮫ وأﻧﺎ أراھﻦ أﻧّﻚ أﻧﺖ .ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻧﺠﺤﺖ ﻓﻲ ﺳﺮﻗﺔ ﻟﺤﻈﺎت ﺗﺤﺪّﺛﯿﻨﻨﻲ ﻓﯿﮭﺎ.. وﻟﻮ ﻗﻠﯿﻼً .ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻂّ .أﺧﻔﯿﺖ ﻋﻨﮭﺎ ﺧﯿﺒﺘﻲ .ورﺣﺖ أﺳﺘﻤﻊ ﻟﮭﺎ وھﻲ ﺗﺜﺮﺛﺮ ﺣﻮل ﻣﺸﺎﻏﻠﮭﺎ اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ ،وﻣﺸﺮوع ﺳﻔﺮھﺎ اﻟﻘﺎدم إﻟﻰ ﻟﻨﺪن ..ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻦ أﺧﺒﺎر اﻟﻤﻌﺮض وﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻮع إﻟﻰ آﺧﺮ: ﻟﻘﺪ ﻗﺮأت ﻣﻘﺎﻻً ﺟﯿﺪاً ﻋﻦ ﻣﻌﺮﺿﻚ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺔ أﺳﺒﻮﻋﯿﺔ ..ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أﻧﻚ اﻃﻠﻌﺖﻋﻠﯿﮫ ..إﻧﮫ ﺑﻘﻠﻢ روﺟﯿﮫ ﻧﻘﱠﺎش ،ﯾﺒﺪو أﻧﮫ ﯾﻌﺮﻓﻚ ..أو ﯾﻌﺮف ﻟﻮﺣﺎﺗﻚ ﺟﯿﺪاً. ﻟﻢ أﻛﻦ أﺷﻌﺮ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ..ﻗﻠﺖ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻗﺘﻀﺎب: ﻧﻌﻢ ،إﻧﮫ ﺻﺪﯾﻖ ﻗﺪﯾﻢ..ﺗﺨﻠّﺼﺖ ﻣﻨﮭﺎ ﺑﻠﺒﺎﻗﺔ. ﻟﻢ أﻛﻦ أﺷﻌﺮ ﺑﺄﯾﺔ رﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﮭﺎ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم .رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﺟﺘﻲ ﻟﻠﺮﺳﻢ ﯾﻮﻣﮭﺎ، ﺗﻔﻮق ﺣﺎﺟﺎﺗﻲ اﻟﺠﺴﺪﯾﺔ اﻷﺧﺮى ..ورﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻘﻂ ﻣﻤﺘﻠﺌﺎً ﺑﻚِ. ﻋﺪت إﻟﻰ ﻣﺮﺳﻤﻲ ﻣﺜﻘﻞ اﻟﺨﻄﻰ. ﻛﻨﺖ ﺷﺮﻋﺖ ﻓﻲ إﻋﺪاد ﺗﺸﻜﯿﻠﺔ ﻣﻦ اﻷﻟﻮان ،ﻷﺑﺪأ ﻓﻲ وﺿﻊ ﻟﻤﺴﺎت ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ. وﻟﻜﻨﻨﻲ ارﺗﺒﻜﺖ .ﺗﺤﻮﻟﺖ أﻣﺎﻣﮭﺎ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺮﺳﺎم اﻟﻤﺒﺘﺪئ اﻟﺬي ﻛﻨﺘﮫ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ وﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ. ﺗﺮى ﻗﺮاﺑﺘﮭﺎ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻟﻚ ،ھﻲ اﻟﺘﻲ أﺿﻔﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ھﺬه اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﻤﺮﺑﻜﺔ؟ أم ﺗﺮاﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﺮﺗﺒﻜﺎً ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ أﻣﺎم اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻻ ﻏﯿﺮ ..ﻷﺿﻔﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺬاﻛﺮة_ وﻟﯿﺲ ﻋﻠﻰ ﻟﻮﺣﺔ_ ﺑﻌﺾ" اﻟﺮﺗﻮﺷﺎت"؟ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن أرﺗﻜﺐ ﺣﻤﺎﻗﺔ .وأدري_رﻏﻢ رﻏﺒﺘﻲ اﻟﻤﻀﺎدة ﻟﻠﻤﻨﻄﻖ_ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻨﺒﻐﻲ أﺑﺪاً اﻟﻌﺒﺚ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ ،وأن أﯾﺔ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺘﺠﻤﯿﻠﮫ ،ﻟﯿﺴﺖ ﺳﻮى ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺘﺸﻮﯾﮭﮫ. ﻛﻨﺖ أدرك ھﺬا ..وﻟﻜﻦ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻀﺎﯾﻘﻨﻲ ﻓﺠﺄة ھﻜﺬا ..ﻛﺎن ﻛﻞّ ﺷﻲء ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺒﺴّﻄﺎً ﺣﺪّ اﻟﺴﺬاﺟﺔ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ أواﺻﻞ رﺳﻤﮭﺎ اﻟﯿﻮم ،وﻟﻤﺎذا ﻻ أﻋﺎﻣﻠﮭﺎ ﺑﻤﻨﻄﻖ ﻓﻨّﻲ ﻻ أﻛﺜﺮ؟
أﻟﻢ ﯾﻘﺾِ ) ﺷﺎﻏﺎل( ﺧﻤﺲ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ ﻓﻲ رﺳﻢ إﺣﺪى ﻟﻮﺣﺎﺗﮫ؟ ﻛﺎن ﯾﻌﻮد إﻟﯿﮭﺎ داﺋﻤﺎً ﺑﯿﻦ ﻟﻮﺣﺔ وأﺧﺮى ﻟﯿﻀﯿﻒ ﺷﯿﺌﺎً أو وﺟﮭﺎً ﺟﺪﯾﺪاً ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺻﺮﱠ ﻋﻠﻰ أن ﯾﺠﻤﻊ ﻓﯿﮭﺎ ﻛﻞّ اﻟﻮﺟﻮه واﻷﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ أﺣﺒﮭﺎ ﻣﻨﺬ ﻃﻔﻮﻟﺘﮫ؟ أﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﻘﻲ أﯾﻀﺎً أن أﻋﻮد إﻟﻰ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ ،أن أﺿﻊ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ ﺑﻌﺾ ﺧﻄﻰ اﻟﻌﺎﺑﺮﯾﻦ ،وأرشّ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﯿﮫ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﯿﻮت اﻟﻤﻌﻠّﻘﺔ ﻓﻮق اﻟﺼﺨﻮر ،وأﺳﻔﻠﮫ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻨﮭﺮ اﻟﺬي ﯾﺸﻖ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ﺑﺨﯿﻼً أﺣﯿﺎﻧﺎً ،ورﻗﺮاﻗﺎً زﺑﺪﯾّﺎً أﺣﯿﺎﻧﺎً أﺧﺮى .. أﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﺿﺮورﯾﺎً أن أﺿﻊ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﺼﻤﺎت ذاﻛﺮﺗﻲ اﻷوﻟﻰ ،اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ ﻧﻘﻠﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ﯾﻮم ﻛﻨﺖ رﺳﺎﻣﺎً ﻣﺒﺘﺪﺋﺎً وھﺎوﯾﺎً ﻻ ﻏﯿﺮ؟ ﻻ أدري ﻛﯿﻒ ﺗﺬﻛّﺮت ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ روﺟﯿﮫ ﻧﻘّﺎش ،ﺻﺪﯾﻖ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ ..وﺻﺪﯾﻖ ﻏﺮﺑﺘﻲ. ذﻛﺮت وﻟﻌﮫ ﺑﻘﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،وﺗﻌﻠﻘﮫ ﺑﺬﻛﺮاھﺎ ،ھﻮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻌﺪ إﻟﯿﮭﺎ أﺑﺪاً ﻣﻨﺬ ﻏﺎدرھﺎ ﺳﻨﺔ 1959ﻣﻊ أھﻠﮫ ،وﻣﻊ ﻓﻮج ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻟﯿﺔ اﻟﯿﮭﻮدﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﺒﻨﻲ ﻟﮭﺎ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼً آﻣﻨﺎً ﻓﻲ ﺑﻠﺪ آﺧﺮ. ﻟﻚ ﯾﺤﺪث أن زرﺗﮫ ﻣﺮة ﻓﻲ ﺑﯿﺘﮫ ،دون أن ﯾﺼﺮّ ﻋﻠﻰ أن ﯾﺴﻤﻌﻨﻲ ﺷﺮﯾﻄﺎً ﺟﺪﯾﺪًا ﻟﻠﻤﻄﺮﺑﺔ اﻟﯿﮭﻮدﯾﺔ "ﺳﯿﻤﻮن ﺗﻤّﺎر" وھﻲ ﺗﻐﻨﻲ اﻟﻤﺎﻟﻮف واﻟﻤﻮﺷﱠﺤﺎت اﻟﻘﺴﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﺑﺄداء وﺑﺼﻮت ﻣﺪھﺶ ،ﻣﺮﺗﺪﯾﺔ ذﻟﻚ اﻟﺜﻮب اﻟﻘﺴﻨﻄﯿﻨﻲ اﻟﻔﺎﺧﺮ ،اﻟﺬي أھﺪوھﺎ إﯾﺎه ﻓﻲ أول ﻋﻮدة ﻟﮭﺎ ھﻨﺎك ..واﻟﺬي ﯾﺰﯾّﻦ ﻏﻼف ﺷﺮﯾﻄﮭﺎ. ﻣﻨﺬ ﺑﻀﻌﺔ أﺷﮭﺮ أﺧﺒﺮﻧﻲ روﺟﯿﮫ أن ﺳﯿﻤﻦ ﻣﺎﺗﺖ ﻣﻘﺘﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ زوﺟﮭﺎ ﻓﻲ إﺣﺪى ﻧﻮﺑﺎت ﻏﯿﺮﺗﮫ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﺘﮭﻤﮭﺎ ﺑﺤﺐّ رﺟﻞ ﻋﺮﺑﻲ. ﺳﺄﻟﺘﮫ إن ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺣﻘﺎً ..أﺟﺎﺑﻨﻲ" ..ﻻ أدري "..ﺛﻢ أﺿﺎف ﺑﻤﺮارة ﻣﺎ " ..أدري أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ". وروﺟﯿﮫ أﯾﻀﺎً ﻛﺎن ﯾﺤﺒﮭﺎ ..وﻛﺎن ﺣﻠﻤﮫ اﻟﺴﺮي أن ﯾﻌﻮد إﻟﯿﮭﺎ وﻟﻮ ﻣﺮة واﺣﺪة ،أو ﯾﺄﺗﯿﮫ أﺣﺪ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺑﺜﻤﺮة واﺣﺪة ﻣﻦ ﺷﺠﺮة اﻟﺘﯿﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄﺎل ﻧﺎﻓﺬة ﻏﺮﻓﺘﮫ واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺣﺪﯾﻘﺔ ﺑﯿﺘﮫ ﻣﻨﺬ أﺟﯿﺎل.. وﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﻤﺰﯾﺞ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة واﻹﺣﺮاج ﻣﻌﺎً وأﻧﺎ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﯿﮫ ،ﯾﻘﺺّ ﻋﻠﻲّ ﺑﻠﮭﺠﺘﮫ اﻟﻘﺴﻨﻄﯿﻨﯿﺔ اﻟﻤﺤﺒﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻄﻤﺲ رﺑﻊ ﻗﺮن ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺪ أيّ ﻧﺒﺮة ﻓﯿﮭﺎ ،ﺷﻮﻗﮫ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ..ﻟﻘﺎﺗﻠﺔ! وﻛﺎن ﯾﺰﯾﺪ إﺣﺮاﺟﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﮫ روﺟﯿﮫ ﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻲ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ،ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ ﻷﺳﺘﻘﺮ ﻓﯿﮭﺎ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﮫ ﻣﻦ اﻟﺼﺪاﻗﺎت واﻟﻮﺳﺎﻃﺎت ،ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺴﮭّﻞ ﻋﻠﻲّ_دون أن أﻃﻠﺐ ﻣﻨﮫ_ ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻣﻼت واﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﮫ رﺟﻼً ﻓﻲ
وﺿﻌﻲ. ذات ﻣﺮة ﺳﺄﻟﺘﮫ "ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﻌﺪ وﻟﻮ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻟﺰﯾﺎرة ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ؟ أﻧﺎ ﻻ أﻓﮭﻢ ﺧﻮﻓﻚ، إن اﻟﻨﺎس ﻣﺎزاﻟﻮا ﯾﻌﺮﻓﻮن أھﻠﻚ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﻲّ وﯾﺬﻛﺮوﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﺨﯿﺮ "..أذﻛﺮ وﻗﺘﮭﺎ أﻧﮫ ﻗﺎل ﻟﻲ "ﻣﺎ ﯾﺨﯿﻔﻨﻲ ﻟﯿﺲ أﻻ ﯾﻌﺮﻓﻨﻲ اﻟﻨﺎس ھﻨﺎك ،ﺑﻞ أﻻ أﻋﺮف أﻧﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ.. وﺗﻠﻚ اﻷزﻗّﺔ ..وذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﺑﯿﺘﻲ ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮات اﻟﺴﻨﯿﻦ..". ﺛﻢ أﺿﺎف" :دﻋﻨﻲ أﺗﻮھﻢ أن ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺠﺮة ﻣﺎزاﻟﺖ ھﻨﺎك ..وأﻧﮭﺎ ﺗﻌﻄﻲ ﺗﯿﻨﺎً ﻛﻞ ﺳﻨﺔ، وأن ذﻟﻚ اﻟﺸﺒﺎك ﻣﺎزال ﯾﻄﻞّ ﻋﻠﻰ ﻧﺎس ﻛﻨﺖ أﺣﺒﮭﻢ ..وذﻟﻚ اﻟﺰﻗﺎق اﻟﻀﯿﻖ ﻣﺎزال ﯾﺆدي إﻟﻰ أﻣﺎﻛﻦ ﻛﻨﺖ أﻋﺮﻓﮭﺎ ..أﺗﺪري ..إن أﺻﻌﺐ ﺷﻲء ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ھﻮ ﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻟﺬاﻛﺮة ﺑﻮاﻗﻊ ﻣﻨﺎﻗﺾ ﻟﮭﺎ".. ﻛﺎن ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮫ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻟﻤﻌﺔ دﻣﻮع ﻣﻜﺎﺑﺮة ،ﻓﺄﺿﺎف ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻤﺰاح "ﻟﻮ ﺣﺪث وﻏﯿﺮت رأﯾﻲ ،ﺳﺄﻋﻮد إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻣﻌﻚ ،أﺧﺎف أن أواﺟﮫ ذاﻛﺮﺗﻲ وﺣﺪي..". اﻟﯿﻮم ،وﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ،أذﻛﺮ ﻛﻼﻣﮫ ﻓﺠﺄة_ ھﻮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻄﺮح ﻣﻌﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻮﺿﻮع ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﺑﺪاً_ ﺗﺮاه ﻧﺠﺢ ﺣﻘﺎً ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺎﯾﻞ ﻋﻠﻰ ذاﻛﺮﺗﮫ؟ وﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺣﻖ؟ ﯾﺠﺐ أن ﻧﺤﺘﻔﻆ ﺑﺬﻛﺮﯾﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﻗﺎﻟﺒﮭﺎ اﻷول وﺻﻮرﺗﮭﺎ اﻷوﻟﻰ وﻻ ﻧﺒﺤﺚ ﻟﮭﺎ ﻋﻦ ﻣﻮاﺟﮭﺔ اﺻﻄﺪاﻣﯿﺔ ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ ﯾﺘﺤﻄﻢ ﺑﻌﺪھﺎ ﻛﻞ ﺷﻲء داﺧﻠﻨﺎ ﻛﻮاﺟﮭﺔ زﺟﺎﺟﯿﺔ ..اﻟﻤﮭﻢ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻻت إﻧﻘﺎذ اﻟﺬاﻛﺮة. أﻗﻨﻌﻨﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻨﻄﻖ ،وﺷﻌﺮت أن ھﺎﺗﻒ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ أﻧﻘﺬﻧﻲ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻣﻦ ﺣﻤﺎﻗﺔ ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ ارﺗﻜﺎﺑﮭﺎ. ﻟﻦ ﯾﻜﻮن ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ أﯾﺔ ﻗﯿﻤﺔ ﺗﺄرﯾﺨﯿﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم ،إذا أﺿﻔﺖ إﻟﯿﮭﺎ ﺷﯿﺌﺎً ھﻨﺎ ،أو ﻃﻤﺴﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﺷﯿﺌﺎً ھﻨﺎك ..ﺳﺘﺼﺒﺢ ﻟﻮﺣﺔ ﻟﻘﯿﻄﺔ ﻟﺬاﻛﺮة ﻣﺰوّرة ..وھﻞ ﯾﮭﻢ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ أن ﻧﻜﻮن أﺟﻤﻞ؟ ﻧﻈﺮت إﻟﻰ ﺧﺸﺒﺔ اﻷﻟﻮان اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﯿﺪي .ﻓﻜّﺮت أﻧﮫ رﻏﻢ ذﻟﻚ ﻻ ﺑﺪ أن أﻓﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﺑﮭﺬه اﻷﻟﻮان ..وﺑﮭﺬه اﻟﻔﺮﺷﺎة اﻟﻌﺼﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺮﻗّﺐ ﻣﺜﻠﻲ ﻟﺤﻈﺔ اﻟﺨﻠﻖ اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ. وﻓﺠﺄة وﺟﺪت اﻟﺤﻞّ ﻓﻲ ﻓﻜﺮة ﺑﺴﯿﻄﺔ وﻣﻨﻄﻘﯿّﺔ ﻟﻢ ﺗﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻲ. رﻓﻌﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻋﻦ ﺧﺸﺒﺎت اﻟﺮﺳﻢ ،ووﺿﻌﺖ أﻣﺎﻣﮭﺎ ﻟﻮﺣﺔ ﺑﯿﻀﺎء ﺟﺪﯾﺪة، ورﺣﺖ أرﺳﻢ دون ﺗﻔﻜﯿﺮ ،ﻗﻨﻄﺮة أﺧﺮى ،ﺑﺴﻤﺎء أﺧﺮى ،ﺑﻮادٍ آﺧﺮ وﺑﯿﻮت وﻋﺎﺑﺮﯾﻦ.
رﺣﺖ ھﺬه اﻟﻤﺮة ،أﺗﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ وأﻛﺎد أﺑﺪأ ﺑﮭﺎ ،وﻛﺄن أﻣﺮ اﻟﺠﺴﺮ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻌﻨﯿﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﻌﻨﯿﻨﻲ اﻟﺤﺠﺎرة واﻟﺼﺨﻮر اﻟﺘﻲ ﯾﻘﻒ ﻋﻠﯿﮭﺎ .وﺗﻠﻚ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺜﺮت أﺳﻔﻠﮫ ،ﻣﺴﺘﻔﯿﺪة ﻣﻦ رﻃﻮﺑﺔ )أو ﻋﻔﻮﻧﺔ( اﻷﻋﻤﺎق .وﺗﻠﻚ اﻟﻤﻤﺮات اﻟﺴﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻔﺮﺗﮭﺎ ﺧﻄﻰ اﻹﻧﺴﺎن وﺳﻂ اﻟﻤﺴﺎﻟﻚ اﻟﺼﺨﺮﯾﺔ .ﻣﻨﺬ أﯾﺎم )ﻣﺎﺳﯿﻨﯿﺴﺎ( وﺣﺘﻰ اﻟﯿﻮم ،ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺮ اﻟﻌﺠﻮز اﻟﺬي ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﮫ ﻓﻲ ﺷﻤﻮﺧﮫ اﻟﺸﺎھﻖ ،أن ﯾﺮى ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻮ 700ﻣﺘﺮ ﻣﻦ أﻗﺪاﻣﮫ! أﻟﯿﺲ اﻟﺘﺤﺎﯾﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺴﻮر ھﻮ اﻟﮭﺪف اﻷزﻟﻲ اﻷول ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﯾﻮﻟﺪ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻨﺤﺪرات ..واﻟﻘﻤﻢ؟ أدھﺸﺘﻨﻲ ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺘﻲ وﻟﺪت ﻓﻲ ذھﻨﻲ ﻣﺼﺎدﻓﺔ؛ وأدھﺸﻨﻲ أﻛﺜﺮ ،ﻛﻮن ھﺬه اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻐﻠﻨﻲ اﻟﯿﻮم ﺑﺈﻟﺤﺎح ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻠﻔﺖ اﻧﺘﺒﺎھﻲ ﻣﻨﺬ رﺑﻊ ﻗﺮن ،ﯾﻮم رﺳﻤﺖ ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ ﻧﻔﺴﮫ ﻷول ﻣﺮة. ﺗﺮى ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺘﻲ اﻷوﻟﻰ ،ﻣﺤﻜﻮﻣﺎً ﺑﺎﻟﺨﻄﻮط اﻟﻌﺮﯾﻀﺔ ﻟﻸﺷﯿﺎء ﻛﺄ ّ ي ﻣﺒﺘﺪئ ،وأن ﻃﻤﻮﺣﻲ آﻧﺬاك ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺘﺠﺎوز رﻏﺒﺘﻲ ﻓﻲ إدھﺎش ذﻟﻚ اﻟﺪﻛﺘﻮر_ أو إدھﺎش ﻧﻔﺴﻲ_ ورﻓﻊ أﺛﻘﺎل اﻟﺘﺤﺪي ﺑﯿﺪٍ واﺣﺪة؟ وإﻧﻨﻲ اﻟﯿﻮم ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻌﻤﺮ ..ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻌﻨﯿﻨﻲ أن أﺛﺒﺖ ﺷﯿﺌﺎً ﻷﺣﺪ .أرﯾﺪ ﻓﻘﻂ أن أﻋﯿﺶ أﺣﻼﻣﻲ اﻟﺴﺮﯾﺔ ،وأن أﻧﻔﻖ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻟﻲ ﻣﻦ وﻗﺖ ﻓﻲ ﻃﺮح أﺳﺌﻠﺔ ..ﻛﺎن اﻟﺠﻮاب ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺗﺮﻓﺎً ..ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﺸﺒﺎب .وﻻ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول ..ذﻟﻚ اﻟﻤﻨﺎﺿﻞ أو اﻟﻤﺠﺎھﺪ اﻟﻤﻌﻄﻮب اﻟﺬي ﻛُﻨﺘُﮫ.. رﺑﻤﺎ ﻷن اﻟﻮﻗﺖ آﻧﺬاك ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻠﺘﻔﺎﺻﯿﻞ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ وﻗﺘﺎً ﺟﻤﺎﻋﯿﺎً ﻧﻌﯿﺸﮫ ﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ، وﻧﻨﻔﻘﮫ ﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ. ﻛﺎن وﻗﺘﺎً ﻟﻠﻘﻀﺎﯾﺎ اﻟﻜﺒﺮى ..واﻟﺸﻌﺎرات اﻟﻜﺒﺮى ..واﻟﺘﻀﺤﯿﺎت اﻟﻜﺒﺮى .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻷﺣﺪ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ اﻟﮭﻮاﻣﺶ أو اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ اﻟﺼﻐﯿﺮة. ﺗﺮاھﺎ ﺣﻤﺎﻗﺔ اﻟﺸﺒﺎب ..أم ﺣﻤﺎﻗﺔ اﻟﺜﻮرات! أﺧﺬت ﻣﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ،ﻛﻞ أﻣﺴﯿﺔ اﻷﺣﺪ ،وﻗﺴﻤﺎً ﻛﺒﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً وأﻧﺎ أرﺳﻢ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺳﻤﻊ ﺻﻮت اﻟﺪﻛﺘﻮر "ﻛﺎﺑﻮﺗﺴﻜﻲ" ﯾﻌﻮد ﻟﯿﻘﻮل ﻟﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻌﻤﺮ "ارﺳﻢ أﺣﺐّ ﺷﻲء إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻚ". وھﺎ أﻧﺎ أﻃﯿﻌﮫ وأرﺳﻢ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻧﻔﺴﯿﮭﺎ ،ﺑﺎﻻرﺗﺒﺎك ﻧﻔﺴﮫ. وﻟﻜﻦ ﻣﺎ رﺳﻤﺘﮫ ھﺬه اﻟﻤﺮة ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺗﻤﺮﯾﻨﺎً ﻓﻲ اﻟﺮﺳﻢ .ﻛﺎن ﺗﻤﺮﯾﻨﺎً ﻓﻲ اﻟﺤﺐّ.
ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ أرﺳﻤﻚ أﻧﺖِ ﻻ ﻏﯿﺮ .أﻧﺖ ﺑﻜﻞ ﺗﻨﺎﻗﻀﻚ .أرﺳﻢ ﻧﺴﺨﺔ أﺧﺮى ﻋﻨﻚ أﻛﺜﺮ ﻧﻀﺠﺎً ..أﻛﺜﺮ ﺗﻌﺎرﯾﺞ .ﻧﺴﺨﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ ﻟﻮﺣﺔ ﻛﺒﺮت ﻣﻌﻚ. ﻛﻨﺖ أرﺳﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﺑﺸﮭﯿﺔ ﻣﺪھﺸﺔ ﻟﻠﺮﺳﻢ .ﺑﻞ ورﺑﱠﻤﺎ ﺑﺸﮭﻮة ورﻏﺒﺔ ﺳﺮﯾﺔ ﻣﺎ.. ﻓﮭﻞ ﺑﺪأت ﺷﮭﻮﺗﻚ ﺗﺘﺴﻠّﻞ ﯾﻮﻣﮭﺎ إﻟﻰ ﻓﺮﺷﺎﺗﻲ ،دون أن أدري؟! *** ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺟﺎءﻧﻲ ﺻﻮﺗﻚ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎً. ﺟﺎء ﺷﻼل ﻓﺮح ،وﺷﺠﺮة ﯾﺎﺳﻤﯿﻦ ﺗﺴﺎﻗﻄﺖ أزھﺎرھﺎ ﻋﻠﻰ وﺳﺎدﺗﻲ. ﻛﻨﺖ أﻛﺘﺸﻒ ﺻﻮﺗﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺎﺗﻒ ،وأﻧﺎ ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻲ ﺑﻌﺪ ﻟﯿﻠﺔ ﻣﺮھﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ. ﺷﻌﺮت أﻧﮫ ﯾﺸﺮع ﻧﻮاﻓﺬ ﻏﺮﻓﺘﻲ ،وﯾﻘﺒّﻠﻨﻲ ﻗﺒﻠﺔ ﺻﺒﺎﺣﯿﺔ. ھﻞ أﯾﻘﻈﺘﻚ.؟ﻻ أﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﻮﻗﻈﯿﻨﻲ ..أﻧﺖ ﻣﻨﻌﺘﻨﻲ اﻟﺒﺎرﺣﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻮم ﻻ أﻛﺜﺮ!ﻗﻠﺖِ ﺑﻠﮭﺠﺔ ﺟﺰاﺋﺮﯾﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺰاح واﻟﺠﺪّ: ﻋﻼش ..إن ﺷﺎء اﷲ ﺧﯿﺮ..ﻗﻠﺖ: ﻷﻧﻨﻲ رﺳﻤﺖ ﺣﺘﻰ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ..وﻣﺎ ذﻧﺒﻲ أﻧﺎ؟ﻻ ذﻧﺐ ﻟﻚ ﺳﻮى ذﻧﺐ اﻟﻤﻠﮭﻢ ..ﯾﺎ ﻣﻠﮭﻤﺘﻲ!ﺻﺤﺖ ﻓﺠﺄة ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﻛﻌﺎدﺗﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻔﻘﺪﯾﻦ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ أﻋﺼﺎﺑﻚ: !- ah.. non ﺛﻢ أﺿﻔﺖِ:
أﺗﻤﻨﻰ أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺮﺳﻤﻨﻲ ..ﯾﺎ ﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﻛﺎرﺛﺔ ﻣﻌﻚ!وأﯾﻦ ھﻲ اﻟﻜﺎرﺛﺔ إن ﻛﻨﺖ ﻗﺪ رﺳﻤﺘﻚ؟واﺻﻠﺖ ﺑﺼﻮت ﻋﺼﺒﻲ: أأﻧﺖ ﻣﺠﻨﻮن؟ ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﺤﻮﻟﻨﻲ إﻟﻰ ﻟﻮﺣﺔ ﺗﺪور ﺑﮭﺎ اﻟﻘﺎﻋﺎت ﻣﻦ ﻣﺪﯾﻨﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى،ﯾﺘﻔﺮّج ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﯾﻌﺮﻓﻨﻲ؟! ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﺻﺒﺎﺣﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻛﺴﺘﻚ ،رﺑﻤﺎ ﻣﻦ ﻓﺮط ﺳﻌﺎدﺗﻲ ،ورﺑﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﻣﺠﻨﻮن ﺣﻘﺎً ،وﻻ أﻋﺮف ﻛﯿﻒ أﻛﻮن ﺳﻌﯿﺪاً ﻣﺜﻞ اﻵﺧﺮﯾﻦ. ﻗﻠﺖ ﻟﻚ: أﻣﺎ ﻗﻠﺖِ ﻣﺮّة ..إن اﻟﻨﺎس اﻟﺬﯾﻦ ﺑﻠﮭﻤﻮﻧﻨﺎ ھﻢ أﻧﺎس ﺗﻮﻗﻔﻨﺎ أﻣﺎﻣﮭﻢ ذات ﯾﻮم ﻟﺴﺒﺐأو ﻵﺧﺮ ،وأﻧﮭﻢ ﻟﯿﺴﻮا ﺳﻮى ﺣﺎدﺛﺔ ﺳﯿﺮ .ﻓﺈن أﻛﻮن رﺳﻤﺘﻚ ﻻ ﯾﻌﻨﻲ ﺷﯿﺎً ،ﺳﻮى أﻧﻨﻲ ﺻﺎدﻓﺘﻚ ﯾﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻲ ﻻ ﻏﯿﺮ! ﺻﺤﺖ: أأﻧﺖَ أﺣﻤﻖ؟ .ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻘﻨﻊ ﻋﻤﻲ وﺗﻘﻨﻊ اﻵﺧﺮﯾﻦ أﻧﻚ رﺳﻤﺘﻨﻲ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺻﺎدﻓﺘﻨﻲﻣﺮة ﻋﻠﻰ رﺻﯿﻒ ،واﻗﻔﺔ ﻣﺜﻼً أﻣﺎم ﺿﻮء أﺣﻤﺮ ..إﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺮﺳﻢ ﺳﻮى ﻣﺎ ﯾﺜﯿﺮﻧﺎ ..أو ﻣﺎ ﻧﺤﺒﮫ ..ھﺬا ﻣﻌﺮوف! ﺗﺮاك ﻛﻨﺖ ﺗﺴﺘﺪرﺟﯿﻨﻨﻲ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻻﻋﺘﺮاف ،وﺗﺪورﯾﻦ ﺣﻮﻟﮫ ،أم ﻛﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ﻟﺘﺼﺪّﻗﻲ زﻋﻤﻲ ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻻ أدري ذﻟﻚ .ﻟﻜﻨﻨﻲ وﺟﺪت ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﺻﺔ اﻟﺼﺒﺎﺣﯿﺔ ،وﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺨﯿﻂ اﻟﮭﺎﺗﻔﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻔﺼﻠﻨﻲ وﯾﻘﺮّﺑﻨﻲ ﻣﻨﻚ ﻓﻲ آن واﺣﺪ ..ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻤﺼﺎرﺣﺘﻚ. ﻗﻠﺖ: ﻟﻨﻔﺘﺮض إذن أﻧﻨﻲ أﺣﺒّﻚ!.ﻛﻨﺖ أﻧﺘﻈﺮ وﻗﻊ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻋﻠﯿﻚ ،وأﺗﻮﻗﻊ ﻋﺪة أﺟﻮﺑﺔ ﻟﻜﻼﻣﻲ .وﻟﻜﻨﻚ ﻗﻠﺖ ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺔ ﺻﻤﺖ:
وﻟﻨﻔﺘﺮض إذن ..أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺳﻤﻊ!أدھﺸﺘﻨﻲ.. ﻟﻢ أﻓﮭﻢ ﺗﻤﺎﻣﺎً إذا ﻛﻨﺖ ﺗﺠﯿﺪﯾﻦ ذﻟﻚ" اﻟﺘﺼﺮﯾﺢ" أﻗﻞ أو أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻮﻗﻌﺖ ،أم أﻧﻚ ﻛﻌﺎدﺗﻚ ﺗﺘﻼﻋﺒﯿﻦ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت ﺑﻤﺘﻌﺔ ﻣﺪھﺸﺔ ،وأﻧﺖ ﺗﺪرﯾﻦ أﻧﻚ ﺗﻠﻌﺒﯿﻦ ﺑﺄﻋﺼﺎﺑﻲ ﻻ ﻏﯿﺮ ،وﺗﻘﺬﻓﯿﻨﻨﻲ ﻣﻦ ﺳﺆال ..إﻟﻰ ﺗﺴﺎؤل آﺧﺮ. أﯾﻦ ﻧﻠﺘﻘﻲ؟ﻛﺎن ھﺬا ھﻮ اﻟﺴﺆال اﻷھﻢ اﻟﺬي ﻗﺮرﻧﺎ أن ﻧﺠﯿﺐ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺠﺪﯾﺔ. ﺗﻨﺎﻗﺸﻨﺎ ﻃﻮﯾﻼً ﻓﻲ ﻋﻨﻮان ﻣﻜﺎن آﻣﻦ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺸﺮب ﻓﯿﮫ ﻗﮭﻮة ،أو ﻧﺘﻨﺎول ﻓﯿﮫ وﺟﺒﺔ اﻟﻐﺪاء ﻣﻌﺎً. وﻟﻜﻦ ﺑﺎرﯾﺲ ﺿﺎﻗﺖ ﺑﻨﺎ. ﻛﻨﺖ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﯿﻦ ﻏﯿﺮ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ ﯾﺮﺗﺎدھﺎ اﻟﻄﻠﺒﺔ .وﻛﻨﺖ ﻻ أرﺗﺎد ﻏﯿﺮ اﻟﻤﻘﺎھﻲ اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ ﺣﯿﻲّ .ﻗﺮرﻧﺎ أن ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻓﻲ أﺣﺪ اﻟﻤﻘﺎھﻲ اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﺒﯿﺘﻲ واﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪم وﺟﺒﺎت ﻏﺪاء. وﻛﻨﺖ أﻗﺘﺮف إﺣﺪى ﺣﻤﺎﻗﺎﺗﻲ اﻟﻜﺒﺮى. ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف وﻗﺘﮭﺎ أﻧﻨﻲ أﺧﺘﺎر ﻋﻨﻮاﻧﺎً ﻟﺬاﻛﺮﺗﻲ ﻣﺠﺎوراً ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻟﻌﻨﻮان ﺑﯿﺘﻲ ،وأﻧﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﺳﺄﻣﻨﺢ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت ﺣﻖ ﻣﻄﺎردﺗﻲ. ﻟﻢ أﻋﺪ أذﻛﺮ اﻵن ،ﻛﯿﻒ أﺻﺒﺢ ذﻟﻚ اﻟﻤﻘﮭﻰ اﻟﻌﻨﻮان اﻟﺪاﺋﻢ ﻟﺠﻨﻮﻧﻨﺎ .وﻛﯿﻒ أﺻﺒﺢ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ﯾﺸﺒﮭﻨﺎ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻌﻮّد أن ﯾﺨﺘﺎر ﻟﻨﺎ زاوﯾﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻛﻞّ ﻣﺮة ،ﺗﺘﻼءم ﻣﻊ ﻣﺰاﺟﻨﺎ اﻟﻤﺘﻘﻠّﺐ ،ﺧﻼل ﺷﮭﺮﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻤﺴﺮوﻗﺔ.. ﻛﻨﺎ ﻧﻠﺘﻘﻲ ھﻨﺎك ﻓﻲ أوﻗﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﮭﺎر ،وﺣﺴﺐ ﺳﺎﻋﺎت دراﺳﺘﻚ وﺑﺮﻧﺎﻣﺞ أﻋﻤﺎﻟﻲ. ﺗﻌﻮدت أن ﺗﻄﻠﺒﯿﻨﻲ ھﺎﺗﻔﯿﺎً ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ،وأﻧﺖ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻚ إﻟﻰ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ .وﻧﺘّﻔﻖ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﻟﻢ ﺑﻌﺪ ﻟﻨﺎ ﻓﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻣﻦ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺳﻮاﻧﺎ. ﻛﻨﺖ أﺗﺪﺣﺮج ﯾﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪ آﺧﺮ ﻧﺤﻮ ھﺎوﯾﺔ ﺣﺒّﻚ ،أﺻﻄﺪم ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة واﻟﺼﺨﻮر ،وﻛﻞ ﻣﺎ
ﻓﻲ ﻃﺮﻗﻲ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺤﯿﻼت .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺣﺒﻚ .وﻻ أﻧﺘﺒﮫ إﻟﻰ آﺛﺎر اﻟﺠﺮاح ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻲ ،وﻻ إﻟﻰ آﺛﺎر اﻟﺨﺪوش ﻋﻠﻰ ﺿﻤﯿﺮي اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺒﻠﻚ إﻧﺎء ﺑﻠّﻮر ﻻ ﯾﻘﺒﻞ اﻟﺨﺪش .وﻛﻨﺖ أواﺻﻞ ﻧﺰوﻟﻲ ﻣﻌﻚ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﺬھﻠﺔ ﻧﺤﻮ أﺑﻌﺪ ﻧﻘﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﻖ اﻟﺠﻨﻮﻧﻲ. وﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ ﻏﯿﺮ ﻣﺬﻧﺐ ﻓﻲ ﺣﺒّﻚ .ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻜﺘﻔﯿﺎً ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺤﺒﻚ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ أﻗﻨﻌﺖ ﻧﻔﺴﻲ أﻧﻨﻲ ﻻ أﺳﻲء إﻟﻰ أﺣﺪ ﺑﮭﺬا اﻟﺤﺐ. وﻗﺘﮭﺎ ﻟﻢ أﻛﻦ أﺟﺮؤ ﻋﻠﻰ أن أﺣﻠﻢ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ھﺬا .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﻔﯿﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ اﻟﺠﺎرﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺮﻧﻲ ﻷول ﻣﺮة ،ﺑﺴﻌﺎدﺗﮭﺎ اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺔ أﺣﯿﺎﻧﺎً ,وﺣﺰﻧﺎه اﻟﻤﺘﻄﺮف أﺣﯿﺎﻧﺎً أﺧﺮى.. ﻛﺎن ﯾﻜﻔﯿﻨﻲ اﻟﺤﺐ. ﻣﺘﻰ ﺑﺪأ ﺟﻨﻮﻧﻲ ﺑﻚ؟ ﯾﺤﺪث أن أﺑﺤﺚ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺘﺎرﯾﺦ وأﺗﺴﺎءل ..ﺗﺮى أﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي رأﯾﺘﻚ ﻓﯿﮫ ﻷول ﻣﺮة؟ أم ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي اﻧﻔﺮدت ﺑﻚ ﻓﯿﮫ ﻷول ﻣﺮّة؟ أم ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﻗﺮأﺗﻚ ﻓﯿﮫ ﻷول ﻣﺮة؟. أم ﺗﺮى ﯾﻮم وﻗﻔﺖ ﻓﯿﮫ ﺑﻌﺪ ﻋﻤﺮ ﻣﻦ اﻟﻐﺮﺑﺔ ،ﻷرﺳﻢ ﻓﯿﮫ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..ﻛﺄول ﻣﺮة! ﺗﺮى ﯾﻮم ﺿﺤﻜﺖِ أم ﯾﻮم ﺑﻜﯿﺖ. أﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺤﺪﱠﺛﺖِ ..أم ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺻﻤﺖﱢ. أﻋﻨﺪﻣﺎ أﺻﺒﺤﺖِ اﺑﻨﺘﻲ ..أم ﻟﺤﻈﺔ ﺗﻮھﱠﻤﺖ أﻧﻚ أﻣﻲ؟! أيّ اﻣﺮأة ﻓﯿﻚ ھﻲ اﻟﺘﻲ أوﻗﻌﺘﻨﻲ؟. ﻛﻨﺖ ﻣﻌﻚ ﻓﻲ دھﺸﺔ داﺋﻤﺔ .ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺷﺒﯿﮭﺔ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺪﻣﯿﺔ اﻟﺮوﺳﯿﺔ اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻔﻲ داﺧﻠﮭﺎ دﻣﯿﺔ أﺧﺮى .وھﺬه ﺗﺨﻔﻲ دﻣﯿﺔ أﺻﻐﺮ ،وھﻜﺬا ﺗﻜﻮن ﺳﺒﻊ دﻣﻰ داﺧﻞ واﺣﺪة! ﻛﻨﺖ ﻛﻞّ ﻣﺮة أﻓﺎﺟﺄ ﺑﺎﻣﺮأة أﺧﺮى داﺧﻠﻚ .وإذا ﺑﻚِ ﺗﺄﺧﺬﯾﻦ ﻓﻲ ﺑﻀﻌﺔ أﯾﺎم ﻣﻼﻣﺢ ﻛﻞ اﻟﻨﺴﺎء .وإذا ﺑﻲ ﻣﺤﺎط ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻣﺮأة ،ﯾﺘﻨﺎوﺑﻦ ﻋﻠﻲّ ﻓﻲ ﺣﻀﻮرك وﻓﻲ ﻏﯿﺎﺑﻚ، ﻓﺄﻗﻊ ﻓﻲ ﺣﺒّﮭﻦ ﺟﻤﯿﻌﺎً. أﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻲ إذن أن أﺣﺒّﻚ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ واﺣﺪة؟ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ اﻣﺮأة ..ﻛﻨﺖ ﻣﺪﯾﻨﺔ. ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺑﻨﺴﺎء ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺎت .ﻣﺨﺘﻠﻔﺎت ﻓﻲ أﻋﻤﺎرھﻦﱠ وﻓﻲ ﻣﻼﻣﺤﮭﻦ؛ ﻓﻲ ﺛﯿﺎﺑﮭﻦﱠ وﻓﻲ ﻋﻄﺮھﻦﱠ؛ ﻓﻲ ﺧﺠﻠﮭﻦﱠ وﻓﻲ ﺟﺮأﺗﮭﻦﱠ؛ ﻧﺴﺎء ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﯿﻞ أﻣﻲ إﻟﻰ أﯾﺎﻣﻚ أﻧﺖِ.
ﻧﺴﺎء ﻛﻠﮭﻦ أﻧﺖِ. ﻋﺮﻓﺖ ذﻟﻚ ﺑﻌﺪ ﻓﻮات اﻷوان .ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺑﺘﻠﻌﺘﻨﻲ ﻛﻤﺎ ﺗﺒﺘﻠﻊ اﻟﻤﺪن اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ أوﻻدھﺎ. ﻛﻨﺖ أﺷﮭﺪ ﺗﺤﻮﻟﻚ اﻟﺘﺪرﯾﺠﻲ إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺗﺴﻜﻨﻨﻲ ﻣﻨﺬ اﻷزل.. ﻛﻨﺖ أﺷﮭﺪ ﺗﻐﯿﺮك اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ ،وأﻧﺖ ﺗﺄﺧﺬﯾﻦ ﯾﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪ ﯾﻮم ﻣﻼﻣﺢ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﺗﻠﺒﺴﯿﻦ ﺗﻀﺎرﯾﺴﮭﺎ ،ﺗﺴﻜﻨﯿﻦ ﻛﮭﻮﻓﮭﺎ وذاﻛﺮﺗﮭﺎ وﻣﻐﺎراﺗﮭﺎ اﻟﺴﺮﯾﺔ ،ﺗﺰورﯾﻦ أوﻟﯿﺎءھﺎ، ﺗﺘﻌﻄﺮﯾﻦ ﺑﺒﺨﻮرھﺎ ،ﺗﺮﺗﺪﯾﻦ ﻗﻨﺪورة ﻋﻨّﺎﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﯿﻔﺔ ،ﻓﻲ ﻟﻮن ﺛﯿﺎب" أﻣّﺎ"، ﺗﻤﺸﯿﻦ وﺗﻌﻮدﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﻮرھﺎ ،ﻓﺄﻛﺎد أﺳﻤﻊ وﻗﻊ ﺧﻠﺨﺎﻟﻚ اﻟﺬھﺒﻲ ﯾﺮنّ ﻓﻲ ﻛﮭﻮف اﻟﺬاﻛﺮة. أﻛﺎد أﻟﻤﺢ آﺛﺎر اﻟﺤﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻛﻌﺐ ﻗﺪﻣﯿﻚ اﻟﻤﮭﯿﺄﺗﯿﻦ ﻟﻸﻋﯿﺎد. وﻛﻨﺖ أﻧﺎ أﺳﺘﻌﯿﺪ ﻟﮭﺠﺘﻲ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﻣﻌﻚ .ﻛﻨﺖ أﻟﻔﻆ اﻟﺘﺎ "ﺗﺴﺎء" ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﻘﺴﻨﻄﯿﻨﯿﺔ. ﻛﻨﺖ أﻧﺎدﯾﻚ ﻣﺪﻟّﻼً "ﯾﺎﻻ" ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ اﻟﺮﺟﺎل ﯾﻨﺎدون اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ. ﻛﻨﺖ أﻧﺎدﯾﻚ ﺑﺤﻨﯿﻦ "ﯾﺎ أﻣﯿﻤﺔ" ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻨﺪاء اﻟﺬي ورﺛﺘﮫ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ دون ﻏﯿﺮھﺎ ،ﻋﻦ أھﻞ ﻗﺮﯾﺶ ﻣﻦ ﻋﺼﻮر. وﻛﻨﺖ ،ﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺠﺮّدﻧﻲ ﻋﺸﻘﻚ ﻣﻦ ﺳﻼﺣﻲ اﻷﺧﯿﺮ ،أﻋﺘﺮف ﻟﻚ ﻣﮭﺰوﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻋﺸﺎﻗﻨﺎ "ﻧِﺸﺘﯿﻚ ..ﯾﻌﻦ ﺑُﻮ زَﯾْﻨِﻚ!". ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن أﺻﻠﮭﺎ "أﺷﺘﮭﯿﻚ" واﻟﺘﻲ اﺧﺘﺼﺮوھﺎ ﻣﻨﺬ زﻣﺎن ﻟﺘﺨﻔﻲ ﻣﻌﻨﺎھﺎ اﻷﺻﻠﻲ ،وﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻛﻠﻤﺔ ودّ ﻻ ﻏﯿﺮ. ﻓﻘﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻣﻨﺎﻓﻘﺔ ،ﻻ ﺗﻌﺘﺮف ﺑﺎﻟﺸﮭﻮة وﻻ ﺗﺠﯿﺰ اﻟﺸﻮق؛ إﻧﻤﺎ ﺗﺄﺧﺬ ﺧﻠﺴﺔ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﺣﺮﺻﺎً ﻋﻠﻰ ﺻﯿﺘﮭﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻔﻌﻞ اﻟﻤﺪن اﻟﻌﺮﯾﻘﺔ. وﻟﺬا ﻓﮭﻲ ﺗﺒﺎرك ﻣﻊ أوﻟﯿﺎﺋﮭﺎ اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ..اﻟﺰاﻧﯿﻦ أﯾﻀﺎً ..واﻟﺴﺮّاق! وﻟﻢ أﻛﻦ ﺳﺎرﻗﺎً ،وﻻ ﻛﻨﺖ وﻟﯿّﺎً ،وﻻ ﺷﯿﺨﺎً ﯾﺪّﻋﻲ اﻟﺒﺮﻛﺎت ،ﻟﺘﺒﺎرﻛﻨﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ. ﻛﻨﺖ ﻓﻘﻂ ،رﺟﻼً ﻋﺎﺷﻘﺎً ،أﺣﺒﻚ ﺑﺠﻨﻮن رﺳّﺎم؛ ﺑﺘﻄﺮف وﺣﻤﺎﻗﺔ رﺳﺎم ،ﺧﻠﻘﻚ ھﻜﺬا ﻛﻤﺎ ﯾﺨﻠﻖ اﻟﺠﺎھﻠﯿﻮن آﻟﮭﺘﮭﻢ ﺑﯿﺪھﻢ ،ﺛﻢ ﯾﺠﻠﺴﻮن ﻟﻌﺒﺎدﺗﮭﺎ ،وﺗﻘﺪﯾﻢ اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ﻟﮭﺎ.
ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ھﺬا ،أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﺤﺒّﯿﻨﮫ ﻓﻲ ﺣﺒّﻲ! ذات ﯾﻮم ﻗﻠﺖ ﻟﻲ: ﻛﻨﺖ أﺣﻠﻢ أن ﯾﺤﺒّﻨﻲ رﺳّﺎم .ﻗﺮأت ﻋﻦ اﻟﺮﺳﺎﻣﯿﻦ ﻗﺼﺼﺎً ﻣﺪھﺸﺔ .إﻧﮭﻢ اﻷﻛﺜﺮ ﺟﻨﻮﻧًﺎ ﺑﯿﻦ ﻛﻞّ اﻟﻤﺒﺪﻋﯿﻦ .إنّ ﺟﻨﻮﻧﮭﻢ ﻣﺘﻄﺮف ..ﻣﻔﺎﺟﺊ وﻣﺨﯿﻒ .ﻻ ﯾﺸﺒﮫ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﺎ ﯾُﻘﺎل ﻋﻦ اﻟﺸﻌﺮاء ﻣﺜﻼً أو ﻋﻦ اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﯿﯿﻦ .ﻟﻘﺪ ﻗﺮأت ﺣﯿﺎة ﻓﺎن ﻏﻮغ ..دوﻻﻛﺮوا .. ﻏﻮﻏﺎن ...داﻟﻲ ..ﺳﯿﺰان ..ﺑﯿﻜﺎﺳﻮ وآﺧﺮﯾﻦ ﻛﺜﯿﺮﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﺒﻠﻐﻮا ھﺬه اﻟﺸﮭﺮة .أﻧﺎ ﻻ أﺗﻌﺐ ﻣﻦ ﻗﺮاءة ﺳﯿﺮة اﻟﺮﺳّﺎﻣﯿﻦ. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﺷﮭﺮﺗﮭﻢ ﻻ ﺗﻌﻨﯿﻨﻲ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﯾﻌﻨﯿﻨﻲ ﺗﻘﻠّﺒﮭﻢ وﺗﻄﺮّﻓﮭﻢ .ﺗﮭﻤﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﯿﻦ اﻹﺑﺪاع واﻟﺠﻨﻮن .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻌﻠﻨﻮن ﻓﺠﺄة ﺧﺮوﺟﮭﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻄﻖ واﺣﺘﻘﺎرھﻢ ﻟﮫ .وﺣﺪھﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺗﺴﺘﺤﻖّ اﻟﺘﺄﻣﻞ واﻻﻧﺒﮭﺎر أﺣﯿﺎﻧﺎً ،ﻓﮭﻢ ﯾﻔﻌﻠﻮن ذﻟﻚ ﻟﻤﺠﺮد ﺗﺤﺪّﯾﻨﺎ وﺗﻌﺠﯿﺰﻧﺎ ﺑﻠﻮﺣﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﺳﻮى ﺣﯿﺎﺗﮭﻢ. ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﺒﺪﻋﻮن ،ﯾﻜﺘﻔﻮن ﺑﻮﺿﻊ ﻋﺒﻘﺮﯾﱠﺘﮭﻢ ﻓﻲ إﻧﺘﺎﺟﮭﻢ .وھﻨﺎﻟﻚ آﺧﺮون ،ﯾﺼﺮّون ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻗﯿﻊ ﺣﯿﺎﺗﮭﻢ أﯾﻀﺎً ،ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻌﺒﻘﺮﯾﺔ ،ﻓﯿﺘﺮﻛﻮن ﻟﻨﺎ ﺳﯿﺮة ﻓﺮﯾﺪة ،ﻏﯿﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻜﺮار أو اﻟﺘﺰوﯾﺮ.. أﻋﺘﻘﺪ أن ﻣﺜﻞ ھﺬا اﻟﺠﻨﻮن ﯾﻨﻔﺮد ﺑﮫ اﻟﺮﺳﺎﻣﻮن .وﻻ أﻇﻦ أن ﺷﺎﻋﺮاً ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﺎ وﺻﻞ إﻟﯿﮫ ﻓﺎن ﻏﻮغ ﻣﺜﻼً ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﯾﺄس واﺣﺘﻘﺎر ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻄﻊ أذﻧﮫ ﻟﯿﮭﺪﯾﮭﺎ إﻟﻰ ﻏﺎﻧﯿﺔ.. أو ﻣﺎ ﻓﻌﻠﮫ ذﻟﻚ اﻟﺮﺳﺎم اﻟﻤﺠﮭﻮل اﻟﺬي ﻟﻢ أﻋﺪ أذﻛﺮ اﺳﻤﮫ ،واﻟﻲ ﺷﻨﻖ ﻧﻔﺴﮫ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻋﻠﱠﻖ ﻓﻲ ﺳﻘﻒ ﻏﺮﻓﺘﮫ ،ﻟﻮﺣﺔ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ أﺣﺒﮭﺎ واﻟﺘﻲ ﻗﻀﻰ أﯾﺎﻣﺎً ﻓﻲ رﺳﻤﮭﺎ. وھﻜﺬا ﺗﻮﺣّﺪ ﻣﻌﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ ..ووﻗّﻊ ﻟﻮﺣﺘﮫ وﺣﯿﺎﺗﮫ ﻣﻌﺎً ﻣﺮة واﺣﺪة. ﻗﻠﺖُ: إن ﻣﺎ ﯾﻌﺠﺒﻚ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،ھﻮ ﻗﺪرة اﻟﺮﺳﺎﻣﯿﻦ اﻟﺨﺎرﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺬﯾﺐ أﻧﻔﺴﮭﻢ ،أوﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﺜﯿﻞ ﺑﮭﺎ ..أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟. أﺟﺒﺖِ: ﻻ ..وﻟﻜﻦ ھﻨﺎﻟﻚ ﻟﻌﻨﺔ ﻣﺎ ﺗﻼﺣﻖ اﻟﺮﺳﺎﻣﯿﻦ دون ﻏﯿﺮھﻢ؛ وھﻨﺎﻟﻚ ﺟﺪﻟﯿﺔ ﻻ ﺗﻨﻄﺒﻖإﻻ ﻋﻠﯿﮭﻢ .ﻓﻜﻠّﻤﺎ زاد ﻋﺬاﺑﮭﻢ وﺟﻮﻋﮭﻢ وﺟﻨﻮﻧﮭﻢ ،زاد ﺛﻤﻦ ﻟﻮﺣﺎﺗﮭﻢ .ﺣﺘﻰ إن ﻣﻮﺗﮭﻢ ﯾﻮﺻﻠﮭﺎ إﻟﻰ أﺳﻌﺎر ﺧﯿﺎﻟﯿﺔ ،وﻛﺄن ﻋﻠﯿﮭﻢ أن ﯾﻨﺴﺤﺒﻮا ﻟﺘﺤﻞّ ھﻲ ﻣﻜﺎﻧﮭﻢ.
ﻟﻢ أﻧﺎﻗﺸﻚ ﻓﻲ رأﯾﻚ. رﺣﺖ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﯿﻚ وأﻧﺖ ﺗﺮددّﯾﻦ ﻛﻼﻣﺎً أﻋﺮﻓﮫ ،وﻟﻜﻦ ﻓﺎﺟﺄﻧﻲ ﻣﻨﻚ. ﻟﻢ أﺗﺴﺎءل ﯾﻮﻣﮭﺎ ،إن ﻛﻨﺖ ﺗﺤﺒﯿﻨﻨﻲ ﻻﺣﺘﻤﺎل ﺟﻨﻮﻧﻲ ،أو ﻟﺸﻲء آﺧﺮ .وﻻ أن ﺗﻜﻮن ﻧﯿّﺘﻚ اﻟﻼﺷﻌﻮرﯾﺔ ﺗﺤﻮﯾﻠﻲ إﻟﻰ ﻟﻮﺣﺔ ﺛﻤﯿﻨﺔ أدﻓﻊ ﺛﻤﻨﮭﺎ ﻣﻦ ﺣﻄﺎﻣﻲ. ھﻞ ﺳﯿﺰﯾﺪ ﻋﺬاﺑﻲ ﺣﻘﺎً ،ﻣﻦ ﻗﯿﻤﺔ أﯾﺔ ﻟﻮﺣﺔ ﺳﺄرﺳﻤﮭﺎ ﻛﯿﻔﻤﺎ ﻛﺎن ،ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﯿﺮ ﺟﻮﻋﻲ أو ﻧﻮﺑﺔ ﺟﻨﻮﻧﻲ؟ اﻛﺘﻔﯿﺖ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎؤل ..أﯾﻦ ﯾﺒﺪأ اﻟﻔﻦّ ﺗﺮى؟ ..وأﯾﻦ ﺗﺒﺪأ اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﺴﺎدﯾﺔ ﻋﻨﺪ اﻵﺧﺮﯾﻦ؟ ﻛﻨﺖ أﻋﺘﻘﺪ أن ھﺬه اﻟﺠﺪﻟﯿﺔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻹﺑﺪاع وﻻ ﺑﺎﻟﻔﻦ ،وإﻧﻤﺎ ﺑﻄﺒﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﻻ أﻛﺜﺮ. ﻧﺤﻦ ﺳﺎدﯾﻮن ﺑﻔﻄﺮﺗﻨﺎ .ﯾﺤﻠﻮ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺴﻤﻊ ﻋﺬاﺑﺎت اﻵﺧﺮﯾﻦ ،وﻧﻌﺘﻘﺪ ،ﻋﻦ أﻧﺎﻧﯿﺔ ،أن اﻟﻔﻨﺎن ﻣﺴﯿﺢ آﺧﺮ ﺟﺎء ﻟﯿﺼﻠﺐ ﻣﻜﺎﻧﻨﺎ. ﻋﺬاﺑﮫ ﯾﺤﺰﻧﻨﺎ و ﯾﺴﻌﺪﻧﺎ ﻓﻲ آن واﺣﺪ .ﻗﺼّﺘﮫ ﻗﺪ ﺗﺒﻜﯿﻨﺎ ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻟﻦ ﺗﻤﻨﻌﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻮم، وﻟﻦ ﺗﺪﻓﻌﻨﺎ إﻟﻰ إﻃﻌﺎم ﻓﻨﺎن آﺧﺮ ،ﯾﻤﻮت ﺟﻮﻋﺎً أو ﻗﮭﺮاً أﻣﺎﻣﻨﺎ .ﺑﻞ إﻧﻨﺎ ﻧﺠﺪ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﯿﻌﻲ أن ﺗﺘﺤﻮل ﺟﺮاح اﻵﺧﺮﯾﻦ إﻟﻰ ﻗﺼﯿﺪة ﻧﻐﻨﯿﮭﺎ ،أو ﻟﻮﺣﺔ ﻧﺤﺘﻔﻆ ﺑﮭﺎ ،وﻗﺪ ﻧﺘﺎﺟﺮ ﺑﮭﺎ ،ﻟﻠﺴﺒﺐ ﻧﻔﺴﮫ. ﻓﮭﻞ اﻟﺠﻨﻮن ﻗُﺼﺮ ﺣﻘﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﺎﻣﯿﻦ دون ﻏﯿﺮھﻢ؟ أﻟﯿﺲ ھﻮ ﻗﺎﺳﻤﺎً ﻣﺸﺘﺮﻛﺎً ﺑﯿﻦ ﻛﻞﱢ اﻟﻤﺒﺪﻋﯿﻦ ،وﻛﻞ اﻟﻤﺴﻜﻮﻧﯿﻦ ﺑﮭﺬه اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﻤﺮﺿﯿّﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻖ؟ ﻓﺎﻟﺬي ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﺑﺤﻜﻢ ﻣﻨﻄﻖ اﻹﺑﺪاع ﻧﻔﺴﮫ ،أن ﯾﻜﻮن إﻧﺴﺎﻧﺎً ﻋﺎدﯾﺎً ،ﺑﺄﻃﻮار ﻋﺎدﯾﺔ وﺑﺤﺰن وﻓﺮح ﻋﺎديّ .ﺑﻤﻘﺎﯾﯿﺲ ﻋﺎدﯾﺔ ﻟﻠﻜﺴﺐ واﻟﺨﺴﺎرة ..ﻟﻠﺴﻌﺎدة واﻟﺘﻌﺎﺳﺔ. إﻧﮫ إﻧﺴﺎن ﻣﺘﻘﻠّﺐ ،ﻣﻔﺎﺟﺊ ،ﻟﻦ ﯾﻔﮭﻤﮫ أﺣﺪ وﻟﻦ ﯾﺠﺪ أﺣﺪ ﻣﺒﺮراً ﻟﺴﻠﻮﻛﮫ. ﻛﺎن ذﻟﻚ أول ﯾﻮم ﺣﺪّﺛﺘﻚ ﻓﯿﮫ ﻋﻦ زﯾﺎد. ﻗﻠﺖ: ﻟﻘﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﺷﺎﻋﺮاً ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺎً ﻛﺎن ﯾﺪرس ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ .ﻛﺎن ﺳﻌﯿﺪاً ﺑﺤﺰﻧﮫ وﺑﻮﺣﺪﺗﮫ؛ﻣﻜﺘﻔﯿﺎً ﺑﺪﺧﻠﮫ اﻟﺒﺴﯿﻂ ﻛﺄﺳﺘﺎذ ﻟﻸدب اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﺑﻐﺮﻓﺘﮫ اﻟﺠﺎﻣﻌﯿﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة ،وﺑﺪﯾﻮاﻧﯿﻦ ﺷﻌﺮﯾّﯿﻦ .ﺣﺘﻰ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﺗﺤﺴّﻨﺖ أﺣﻮاﻟﮫ اﻟﻤﺎدﯾﺔ ،وﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﻘﺔ وﻛﺎن ﻋﻠﻰ وﺷﻚ اﻟﺰواج ﻣﻦ إﺣﺪى ﻃﺎﻟﺒﺎﺗﮫ اﻟﺘﻲ أﺣﺒّﮭﺎ ﺑﺠﻨﻮن ،واﻟﺘﻲ ﻗﺒﻞ أھﻠﮭﺎ أﺧﯿﺮاً
ﺗﺰوﯾﺠﮭﺎ ﻣﻨﮫ. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺮّر ﻓﺠﺄة أن ﯾﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ،وﯾﻌﻮد إﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ﻟﯿﻠﺘﺤﻖ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﻔﺪاﺋﻲ.. ﻋﺒﺜﺎً ﺣﺎوﻟﺖ إﻗﻨﺎﻋﮫ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎء .ﻟﻢ أﻛﻦ أﻓﮭﻢ ﺣﻤﺎﻗﺘﮫ ﺗﻠﻚ ،وإﺻﺮاره ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺣﯿﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ أوﺷﻚ أﺧﯿﺮاً أن ﯾﺤﻘﻖ أﺣﻼﻣﮫ .وﻛﺎن ﯾﺠﯿﺐ ﺳﺎﺧﺮاً "أيّ أﺣﻼم ..أﻧﺎ ﻻ أرﯾﺪ أن أﻗﺘﻞ داﺧﻠﻲ ذﻟﻚ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﻲ اﻟﻤﺸﺮّد ..ﻓﻌﻨﺪھﺎ ﻟﻦ ﯾﻜﻮن ﻷيّ ﺷﻲء أﻣﺘﻠﻜﮫ ﻣﻦ ﻗﯿﻤﺔ..". وﯾﻀﯿﻒ وھﻮ ﯾﻨﻔﺚ دﺧﺎﻧﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﮭﻞ وﻛﺄﻧﮫ ﯾﺨﺘﻔﻲ ﺧﻠﻔﮫ ﻛﻲ ﯾﺒﻮح ﻟﻲ ﺑﺴﺮﱟ" :ﺛﻢ.. ﻻ أرﯾﺪ أن أﻧﺘﻤﻲ ﻻﻣﺮأة ..أو إذا ﺷﺌﺖ ﻻ أرﯾﺪ أن أﻗﯿﻢ ﻓﯿﮭﺎ ..أﺧﺎف اﻟﺴﻌﺎدة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺼﺒﺢ ﺟﺒﺮﯾﺔ .ھﻨﺎﻟﻚ ﺳﺠﻮن ﻟﻢ ﺗﺨﻠﻖ ﻟﻠﺸﻌﺮاء..". وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ أﺣﺒّﺘﮫ ﺗﺰورﻧﻲ راﺟﯿﺔ أن أﻗﻨﻌﮫ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎء ،وأﻧﮫ ﻣﺠﻨﻮن ذاھﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﻮت وإﻟﻰ ﺣﺘﻔﮫ اﻟﻤﺆﻛﺪ .وﻟﻜﻦ ﻋﺒﺜﺎً ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ھﻨﺎك ﺣﺠﺔ واﺣﺪة ﻹﻏﺮاﺋﮫ ﺑﺎﻟﺒﻘﺎء.. ﺑﻞ إﻧﮫ ﻓﻲ ﺗﻄﺮﻓﮫ اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ ،أﺻﺒﺢ ﯾﺠﺪ ﻓﻲ ﺣﺠﺠﻲ ﻣﺎ ﯾﺰﯾﺪه إﻏﺮاءً ﺑﺎﻟﺮﺣﯿﻞ. أذﻛﺮ أﻧﮫ ﻗﺎل ﻟﻲ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ ،وﻛﺄﻧﮫ ﯾﻌﻄﯿﻨﻲ درﺳﺎً ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة: "ھﻨﺎك ﻋﻈﻤﺔ ﻣﺎ ،ﻓﻲ أن ﻧﻐﺎدر اﻟﻤﻜﺎن وﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﻧﺠﺎﺣﻨﺎ .إﻧﮫ اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎس ..واﻟﺮﺟﺎل اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﯿﻦ!". ﺳﺄﻟﺘﻚ إن ﻛﻨﺖ ﺗﻌﺘﻘﺪﯾﻦ أنّ ﺷﺎﻋﺮاً ﻛﮭﺬا ،ھﻮ أﻗﻞّ ﺟﻨﻮﻧﺎً ﻣﻦ رﺳﺎم ﻗﻄﻊ أذﻧﮫ؟ ﻟﻘﺪ اﺳﺘﺒﺪل ﺑﺮاﺣﺘﮫ ﺷﻘﺎءً ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺮﻏﻤﺎً ﻋﻠﯿﮫ .واﺳﺘﺒﺪل ﺑﺤﯿﺎﺗﮫ ﻣﻮﺗﺎً ،دون أن ﯾﻜﻮن ﻣﺠﺒﺮاً ﻋﻠﯿﮫ. ﻟﻘﺪ أراد أن ﯾﺬھﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﻮت ﻣﻜﺎﺑﺮاً وﻟﯿﺲ ﻣﮭﺰوﻣﺎً وﻣﻜﺮھﺎً .إﻧﮭﺎ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ ﻓﻲ أن ﯾﮭﺰم ﻣﺴﺒﻘﺎً ﺷﯿﺌﺎً ﻻ ﯾُﮭﺰم ،وھﻮ اﻟﻤﻮت. ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﺑﻠﮭﻔﺔ: ھﻞ ﻣﺎت؟ﻗﻠﺖ ﻟﻚ: ﻻ ..إﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻤﺖ ..أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻣﺎزال ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة ﺣﺘﻰ ﺗﺎرﯾﺦ ﺑﻄﺎﻗﺘﮫ اﻷﺧﯿﺮةاﻟﺘﻲ ﺑﻌﺚ إﻟﻲّ ﺑﮭﺎ ﻓﻲ رأس اﻟﺴﻨﺔ ،أي ﻣﻨﺬ ﺳﺘﺔ أﺷﮭﺮ ﺗﻘﺮﯾﺒﺎً.
ﺳﺎد ﺑﯿﻨﻨﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ ،وﻛﺄن أﻓﻜﺎرﻧﺎ ﻣﻌﺎً ذھﺒﺖ إﻟﯿﮫ.. ﻗﻠﺖ ﻟﻚ: أﺗﺪرﯾﻦ أﻧﮫ ﻛﺎن ﺳﺒﺒﺎً ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻓﻲ ﻣﻐﺎدرﺗﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ؟ ﻣﻌﮫ ﺗﻌﻠّﻤﺖ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻤﻜﻦأن ﻧﺘﺼﺎﻟﺢ ﻣﻊ ﻛﻞ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺴﻜﻨﻮﻧﻨﺎ ،وأﻧﮫ ﻻ ﺑﺪ أن ﻧﻀّﺤﻲ ﺑﺄﺣﺪھﻢ ﻟﯿﻌﯿﺶ اﻵﺧﺮ .وأﻣﺎم ھﺬا اﻻﺧﺘﺒﺎر ﻓﻘﻂ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﻃﯿﻨﺘﻨﺎ اﻷوﻟﻰ ،ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻨﺤﺎز ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً إﻟﻰ ﻣﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ أﻧﮫ اﻷھﻢ ..وأﻧﮫ ﻧﺤﻦ ﻻ ﻏﯿﺮ. ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﻘﺎﻃﻌﯿﻨﻨﻲ: ﺻﺤﯿﺢ ..ﻧﺴﯿﺖ أن أﺳﺄﻟﻚ ﻟﻤﺎذا ﺟﺌﺖ إﻟﻰ ﻓﺮﻧﺴﺎ؟أﺟﺒﺘﻚ وﺗﻨﮭﯿﺪة ﺗﺴﺒﻘﻨﻲ ،وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﻔﺘﺢ أﺑﻮاب ﺻﺪر أوﺻﺪﺗﮫ اﻟﺨﯿﺒﺎت: ﻗﺪ ﻻ ﺗﻘﻨﻌﻚ أﺳﺒﺎﺑﻲ ..وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ اﻟﺼﺪﯾﻖ ،أﻛﺮه اﻟﺠﻠﻮس ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻤﻢ اﻟﺘﻲﯾﺴﮭﻞ اﻟﺴﻘﻮط ﻣﻨﮭﺎ .وأﻛﺮه ﺧﺎﺻﺔ أن ﯾﺤﻮﻟﻨﻲ ﻣﺠﺮد ﻛﺮﺳﻲ أﺟﻠﺲ ﻋﻠﯿﮫ إﻟﻰ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﻻ ﯾﺸﺒﮭﻨﻲ. ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺑﻌﺪ اﻻﺳﺘﻘﻼل أھﺮب ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﻲّ ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎن اﻟﺠﻤﯿﻊ ﯾﻠﮭﺜﻮن ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﯿﮭﺎ. ﻛﻨﺖ أﺣﻠﻢ ﺑﻤﻨﺼﺐ ﻓﻲ اﻟﻈﻞ ﯾﻤﻜﻦ أن أﻗﻮم ﻓﯿﮫ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﻐﯿﺮات دون ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻀﺠﯿﺞ ودون ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺎﻋﺐ .وﻟﺬا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﯿّﻨﺖ ﻛﻤﺴﺆول ﻋﻦ اﻟﻨﺸﺮ واﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺎت ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،ﺷﻌﺮت أﻧﻨﻲ ﺧﻠﻘﺖ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻤﻨﺼﺐ .ﻓﻘﺪ ﻗﻀﯿﺖ ﻛﻞّ ﺳﻨﻮات إﻗﺎﻣﺘﻲ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﻓﻲ ﺗﻌﻠّﻢ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ واﻟﺘﻌﻤﻖ ﻓﯿﮭﺎ ،وﺗﺠﺎوز ﻋﻘﺪﺗﻲ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﻛﺠﺰاﺋﺮي ﻻ ﯾﺘﻘﻦ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﺳﻮى اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ .وأﺻﺒﺤﺖ ،ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻮات ،ﻣﺰدوج اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻻ أﻧﺎم ﻗﺒﻞ أن أﺑﺘﻠﻊ وﺟﺒﺘﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاءة ﺑﺈﺣﺪى اﻟﻠﻐﺘﯿﻦ. ﻛﻨﺖ أﻋﯿﺶ ﺑﺎﻟﻜﺘﺐ وﻣﻊ اﻟﻜﺘﺐ .ﺣﺘﻰ إﻧﻨﻲ ﻛﺪت ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﻣﺎ أﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻢ إﻟﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ أن اﻟﺮﺳﻢ ،ﻛﺎن ﻓﻲ ﻧﻈﺮ اﻟﺒﻌﺾ آﻧﺬاك ،ﺷﺒﯿﮭﺎً ﺑﺎﻟﺸﺬوذ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، وﻋﻼﻣﺔ ﻣﻦ ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺘﺮف اﻟﻔﻨﻲ ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﻈﺮوف اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﺑﻌﺪھﺎ ،ﻛﻨﺖ ﻣﻤﺘﻠﺌﺎً ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت. وﻷن اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻟﯿﺴﺖ ﻣﺤﺎﯾﺪة ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻣﻤﺘﻠﺌﺎً ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ واﻟﻘﯿﻢ ،ورﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺗﻐﯿّﺮ اﻟﻌﻘﻠﯿﺎت واﻟﻘﯿﺎم ﺑﺜﻮرة داﺧﻞ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﻐﯿﺮ ﻓﯿﮫ اﻟﮭﺰات اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ
ﺷﯿﺌﺎً. وﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎً ﻟﺤﻠﻤﻲ اﻟﻜﺒﯿﺮ اﻟﺬي ﻻ أرﯾﺪ أن أﺳﻤّﯿﮫ "اﻟﺜﻮرة اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ". ﺑﻌﺪھﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ھﺎﺗﺎن اﻟﻜﻠﻤﺘﺎن ﻣﺠﺘﻤﻌﺘﯿﻦ أو ﻣﺘﻔﺮﻗﺘﯿﻦ ﺗﻌﻨﯿﺎن ﺷﯿﺌﺎً ﻋﻨﺪﻧﺎ. ﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك أﺧﻄﺎء ﻛﺒﺮى ﺗُﺮﺗﻜﺐ ﻋﻦ ﺣﺴﻦ ﻧﯿﺔ .ﻓﻠﻘﺪ ﺑﺪأت اﻟﺘﻐﯿﺮات ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﻧﻊ، واﻟﻘﺮى اﻟﻔﻼﺣﯿﺔ واﻟﻤﺒﺎﻧﻲ واﻟﻤﻨﺸﺂت اﻟﻀﺨﻤﺔ ،وﺗﺮك اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ اﻷﺧﯿﺮ. ﻓﻜﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ ﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﺋﺲ ﻓﺎرغ ،وﻏﺎرق ﻓﻲ ﻣﺸﻜﻼت ﯾﻮﻣﯿﺔ ﺗﺎﻓﮭﺔ ،ذي ﻋﻘﻠﯿﺔ ﻣﺘﺨﻠﻔﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﻌﺸﺮات اﻟﺴﻨﯿﻦ ،أن ﯾﺒﻨﻲ وﻃﻨﺎً ،أو ﯾﻘﻮم ﺑﺄﯾﺔ ﺛﻮرة ﺻﻨﺎﻋﯿﺔ أو زراﻋﯿﺔ ،أو أﯾﺔ ﺛﻮرة أﺧﺮى؟ ﻟﻘﺪ ﺑﺪأت ﻛﻞّ اﻟﺜﻮرات اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﮫ ،وﻟﺬا أﺻﺒﺢ اﻟﯿﺎﺑﺎن )ﯾﺎﺑﺎﻧﺎً( وأﺻﺒﺤﺖ أورﺑﺎ ﻣﺎ ھﻲ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﯿﻮم. وﺣﺪھﻢ اﻟﻌﺮب راﺣﻮا ﯾﺒﻨﻮن اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ وﯾﺴﻤّﻮن اﻟﺠﺪران ﺛﻮرة .وﯾﺄﺧﺬون اﻷرض ﻣﻦ ھﺬا وﯾﻌﻄﻮﻧﮭﺎ ﻟﺬاك ،وﯾﺴﻤّﻮن ھﺬا ﺛﻮرة. اﻟﺜﻮرة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﻧﻜﻮن ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ أن ﻧﺴﺘﻮرد ﺣﺘﻰ أﻛﻠﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ..اﻟﺜﻮرة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺼﻞ اﻟﻤﻮاﻃﻦ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻵﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺴﯿّﺮھﺎ. ﻛﺎن ﺻﻮﺗﻲ ﯾﺄﺧﺬ ﻓﺠﺄة ﻧﺒﺮة ﺟﺪﯾﺪة ،ﻓﯿﮭﺎ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺮارة واﻟﺨﯿﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮاﻛﻤﺖ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﯿﻦ .وﻛﻨﺖ ﺗﻨﻈﺮﯾﻦ إﻟﻲّ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺪھﺸﺔ ورﺑﻤﺎ ﻣﻦ اﻹﻋﺠﺎب اﻟﺼﺎﻣﺖ، وأﻧﺎ أﺣﺪﺛﻚ ﻷول ﻣﺮة ﻋﻦ ﺷﺠﻮﻧﻲ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ. ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ: أﻟﮭﺬا ﺟﺌﺖ إﻟﻰ ﻓﺮﻧﺴﺎ إذن؟ﻗﻠﺖ: ﻻ ..وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺟﺌﺖ رﺑﻤﺎ ﺑﺴﺒﺐ أوﺿﺎع ھﻲ ﻧﺘﯿﺠﺔ أﺧﻄﺎءٍ ﻛﮭﺬه ،ﻷﻧﻨﻲ ذات ﯾﻮمﻗﺮّرت أن أﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺮداءة ،ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺴﺎذﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻀﻄﺮاً إﻟﻰ ﻗﺮاءﺗﮭﺎ وﻧﺸﺮھﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻷدب واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻟﯿﻠﺘﮭﻤﮭﺎ ﺷﻌﺐ ﺟﺎﺋﻊ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻢ. ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ أﺑﯿﻌﮫ ﻣﻌﻠّﺒﺎت ﻓﺎﺳﺪة ﻣﺮّ وﻗﺖ اﺳﺘﮭﻼﻛﮭﺎ .ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ ﻣﺴﺆول ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى ﻋﻦ ﺗﺪھﻮر ﺻﺤﺘﮫ اﻟﻔﻜﺮﯾﺔ ،وأﻧﺎ أﻟﻘّﻨﮫ اﻷﻛﺎذﯾﺐ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﺤﻮّﻟﺖ ﻣﻦ ﻣﺜﻘﻒ إﻟﻰ ﺷﺮﻃﻲ ﺣﻘﯿﺮ ،ﯾﺘﺠﺴّﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮوف واﻟﻨﻘﺎط ،ﻟﯿﺤﺬف ﻛﻠﻤﺔ ھﻨﺎ وأﺧﺮى
ھﻨﺎك ..ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺗﺤﻤﻞ وﺣﺪي ﻣﺴﺆوﻟﯿﺔ ﻣﺎ ﯾﻜﺘﺒﮫ اﻵﺧﺮون. ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ وأﻧﺎ أدﻋﻮ أﺣﺪھﻢ إﻟﻰ ﻣﻜﺘﺒﻲ ﻹﻗﻨﺎﻋﮫ ﺑﺤﺬف ﻓﻜﺮة أو رأي ﻛﻨﺖ أﺷﺎرﻛﮫ ﻓﯿﮫ. ذات ﯾﻮم ،زارﻧﻲ زﯾﺎد ..ذﻟﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﻲ اﻟﺬي ﺣﺪّﺛﺘﻚ ﻋﻨﮫ ،واﻟﺬي ﻟﻢ أﻛﻦ اﻟﺘﻘﯿﺖ ﺑﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. وﻛﻨﺖ اﺗﺼﻠﺖ ﺑﮫ ﻷﻃﻠﺐ ﻣﻨﮫ ﺣﺬف أو ﺗﻐﯿﯿﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﻓﻲ دﯾﻮاﻧﮫ، واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺪو ﻟﻲ ﻗﺎﺳﯿﺔ ﺗﺠﺎه ﺑﻌﺾ اﻷﻧﻈﻤﺔ ..وﺑﻌﺾ اﻟﺤﻜﺎم اﻟﻌﺮب ﺑﺎﻟﺬات، واﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎن ﯾﺸﯿﺮ إﻟﯿﮭﻢ ﺑﺘﻠﻤﯿﺢ واﺿﺢ ،ﻧﺎﻋﺘﺎً إﯾﺎھﻢ ﺑﻜﻞ اﻷﻟﻘﺎب. ﻟﻢ أﻧﺲَ أﺑﺪاً ﻧﻈﺮﺗﮫ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم. ﺗﻮﻗّﻔﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﻋﻨﺪ ذراﻋﻲ اﻟﻤﺒﺘﻮرة ﻟﺤﻈﺔ ،ﺛﻢ رﻓﻊ ﻋﯿﻨﯿﮫ ﻧﺤﻮي ﻓﻲ ﻧﻈﺮة ﻣﮭﯿﻨﺔ وﻗﺎل: "ﻻ ﺗﺒﺘﺮ ﻗﺼﺎﺋﺪي ﺳﯿّﺪي ..ردّ ﻟﻲ دﯾﻮاﻧﻲ ،ﺳﺄﻧﺸﺮه ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت". ﺷﻌﺮت أن اﻟﺪم اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﯾﺴﺘﯿﻘﻆ ﻓﻲ ﻋﺮوﻗﻲ ،وأﻧﻨﻲ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن أﻧﮭﺾ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻷﺻﻔﻌﮫ .ﺛﻢ ھﺪأت ﻣﻦ روﻋﻲ ،وﺣﺎوﻟﺖ أن أﺗﺠﺎھﻞ ﻧﻈﺮﺗﮫ وﻛﻠﻤﺎﺗﮫ اﻻﺳﺘﻔﺰازﯾﺔ. ﻣﺎ اﻟﺬي ﺷﻔﻊ ﻟﮫ ﻋﻨﺪي ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ؟ ﺗﺮى ھﻮﯾّﺘﮫ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ،أو ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻮاﺟﮭﻨﻲ ﺑﮭﺎ ﻛﺎﺗﺐ ﻗﺒﻠﮫ ،أم ﺗﺮى ﻋﺒﻘﺮﯾّﺘﮫ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ؟ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن دﯾﻮاﻧﮫ أروع ﻣﺎ ﻗﺮأت ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺮديء .وﻛﻨﺖ أؤﻣﻦ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻲ أن اﻟﺸﻌﺮاء ﻛﺎﻷﻧﺒﯿﺎء ھﻢ داﺋﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺣﻖ. ﺗﻠﻘﱠﯿﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﮫ ﻛﺼﻔﻌﺔ أﻋﺎدﺗﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﻮاﻗﻊ ،وأﯾﻘﻈﺘﻨﻲ ﺑﺨﺠﻞ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ،ﻛﯿﻒ ﻟﻢ أﻛﺘﺸﻒ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻓﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ ﺳﻨﻮات ﺳﻮى ﺗﺤﻮﯾﻞ ﻣﺎ ﯾﻮﺿﻊ أﻣﺎﻣﻲ ﻣﻦ إﻧﺘﺎج إﻟﻰ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺒﺘﻮرة ﻣﺸﻮّھﺔ ﻣﺜﻠﻲ؟ ﻗﻠﺖ ﻟﮫ ﻣﺘﺤﺪﯾﺎً ،وأﻧﺎ أﻟﻘﻲ ﻧﻈﺮة ﻏﺎﺋﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﻼف ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺔ" :ﺳﺄﻧﺸﺮه ﻟﻚ ﺣﺮﻓﯿﺎً". ﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻔﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ "اﻟﺮﺟﻮﻟﺔ" ،ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺟﻮﻟﺔ أو اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻤﻮﻇﻒ ﻣﮭﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﺼﺒﮫ أن ﯾﺘﺤﻠﻰ ﺑﮭﺎ ،دون أن ﯾﻐﺎﻣﺮ ﺑﻮﻇﯿﻔﺘﮫ ،ﻷن اﻟﻤﻮﻇّﻒ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ھﻮ رﺟﻞ اﺳﺘﺒﺪل ﺑﺮﺟﻮﻟﺘﮫ ﻛﺮﺳﯿّﺎً!
ﺳﺒﺐ ﻟﻲ دﯾﻮاﻧﮫ ﻋﻨﺪ ﺻﺪوره ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺘﺎﻋﺐ .ﺷﻌﺮت أن ھﻨﺎك ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﺰﯾﻒ اﻟﺬي ﻟﻢ أﺗﺤﻤّﻠﮫ. ﻣﺎ اﻟﺬي ﯾﻤﻨﻌﻨﻲ ﻣﻦ ﻓﻀﺢ أﻧﻈﻤﺔ دﻣﻮﯾﺔ ﻗﺬرة ،ﻣﺎزﻟﻨﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺼﻤﻮد ووﺣﺪة اﻟﺼﻒّ، ﻧﺼﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﺟﺮاﺋﻤﮭﺎ؟ وﻟﻤﺎذا ﻣﻦ ﺣﻘّﻨﺎ أن ﻧﻨﺘﻘﺪ أﻧﻈﻤﺔ دون أﺧﺮى ﺣﺴﺐ اﻟﻨﺸﺮات اﻟﺠﻮﯾﺔ ،واﻟﺮﯾﺎح اﻟﺘﻲ ﯾﺮﻛﺒﮭﺎ ﻗﺒﻄﺎن ﺑﻮاﺧﺮﻧﺎ؟ ﺑﺪأ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﯿﺄس واﻟﻤﺮارة ﯾﻤﻸﻧﻲ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً .ھﻞ أﻏﯿﺮ وﻇﯿﻔﺘﻲ ﻷﺳﺘﺒﺪل ﺑﻤﺸﻜﻼﺗﻲ ﻣﺸﺎﻛﻞ أﺧﺮى ،وأﺻﺒﺢ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻃﺮﻓﺎً ﻓﻲ ﻟﻌﺒﺔ أﺧﺮى؟ ﻣﺎذا أﻓﻌﻞ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻛﺪّﺳﺖ وﺟﻤﻌﺖ ﻣﻦ أﺣﻼم ﻃﻮال ﺳﻨﻮات ﻏﺮﺑﺘﻲ وﻧﻀﺎﻟﻲ ،وﻣﺎذا أﻓﻌﻞ ﺑﺴﻨﻮاﺗﻲ اﻷرﺑﻌﯿﻦ ،وﺑﺬراﻋﻲ اﻟﻤﺒﺘﻮرة ،وﺑﺬراﻋﻲ اﻷﺧﺮى؟ ﻣﺎذا أﻓﻌﻞ ﺑﮭﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﻜﺎﺑﺮ اﻟﻌﻨﯿﺪ اﻟﺬي ﯾﺴﻜﻨﻨﻲ ،وﯾﺮﻓﺾ أن ﯾﺴﺎوم ﻋﻠﻰ ﺣﺮﯾﺘﮫ، وﺑﺬﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻵﺧﺮ اﻟﺬي ﻻ ﺑﺪ أن ﯾﻌﯿﺶ وﯾﺘﻌﻠﻢ اﻟﺠﻠﻮس ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺒﺎدئ ..وﯾﺘﺄﻗﻠﻢ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻛﺮﺳﻲ. ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن أﻗﺘﻞ أﺣﺪھﻤﺎ ﻟﯿﺤﯿﺎ اﻵﺧﺮ ...وﻗﺪ اﺧﺘﺮت. ﻛﺎن ﻟﻘﺎﺋﻲ ﺑﺰﯾﺎد ﻣﻨﻌﻄﻔﺎً ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ. اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺑﻌﺪھﺎ أن ﻗﺼﺺ اﻟﺼﺪاﻗﺔ اﻟﻘﻮﯾﺔ ،ﻛﻘﺼﺺ اﻟﺤﺐ اﻟﻌﻨﯿﻔﺔ ،ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﺎ ﺗﺒﺪأ ﺑﺎﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ واﻻﺳﺘﻔﺰاز واﺧﺘﺒﺎر اﻟﻘﻮى. ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﺮﺟﻠﯿﻦ ﯾﺘﻤﺘﻊ ﻛﻼھﻤﺎ ﺑﺸﺨﺼﯿﺔ ﻗﻮﯾﺔ وﺑﺬﻛﺎء وﺣﺴﺎﺳﯿﺔ ﻣﻔﺮﻃﺔ ،رﺟﻠﯿﻦ ﺣﻤﻼ اﻟﺴﻼح ﻓﻲ ﻓﺘﺮات ﻣﻦ ﺣﯿﺎﺗﮭﻤﺎ ..وﺗﻌﻮدّا ﻋﻠﻰ ﻟﻐﺔ اﻟﻌﻨﻒ واﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ،أن ﯾﻠﺘﻘﯿﺎ دون ﺗﺼﺎدم. وﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻻﺻﻄﺪام اﻷول ..وذﻟﻚ اﻟﺘﺤﺪي اﻟﻤﺘﺒﺎدل ﻟﻨﻔﮭﻢ أﻧﻨﺎ ﻣﻦ ﻃﯿﻨﺔ واﺣﺪة. ﺑﻌﺪھﺎ أﺻﺒﺢ زﯾﺎد ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ﺻﺪﯾﻘﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي أرﺗﺎح إﻟﯿﮫ ﺣﻘﺎً. ﻛﺎن ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻋﺪة ﻣﺮات ﻓﻲ اﻷﺳﺒﻮع ،ﻧﺴﮭﺮ وﻧﺴﻜﺮ ﻣﻌﺎً ،ﻧﺘﺤﺪث ﻃﻮﯾﻼً ﻋﻦ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ، وﻛﺜﯿﺮاً ﻋﻦ اﻟﻔﻦّ ،ﻧﺸﺘﻢ اﻟﺠﻤﯿﻊ وﻧﻔﺘﺮق ﺳﻌﯿﺪﯾﻦ ﺑﺠﻨﻮﻧﻨﺎ. ﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ .1973ﻛﺎن ﻋﻤﺮه ﺛﻼﺛﯿﻦ ﺳﻨﺔ ،ودﯾﻮاﻧﯿﻦ ،ﻣﺎ ﯾﻘﺎرب اﻟﺴﺘﱢﯿﻦ ﻗﺼﯿﺪة، وﻣﺎ ﯾﻌﺎدﻟﮭﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﻼم اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة. وﻛﺎن ﻋﻤﺮي ﺑﻌﺾ اﻟﻠﻮﺣﺎت ،ﻗﻠﯿﻼً ﻣﻦ اﻟﻔﺮح وﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺒﺎت ،وﻛﺮﺳﯿﯿﻦ أو
ﺛﻼﺛﺎً ،ﺗﻨﻘّﻠﺖ ﺑﯿﻨﮭﺎ ﻣﻨﺬ اﻻﺳﺘﻘﻼل ،ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻮﺟﺎھﺔ ،ﺑﺴﺎﺋﻖ وﺳﯿﺎرة ..وﺑﻤﺬاق ﻏﺎﻣﺾ ﻟﻠﻤﺮارة. ذات ﯾﻮم ،رﺣﻞ زﯾﺎد ﺑﻌﺪ ﺣﺮب أﻛﺘﻮﺑﺮ ﺑﺸﮭﺮﯾﻦ أو ﺛﻼﺛﺔ .ﻋﺎد إﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ﻟﯿﻨﻀﻢّ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﮭﺔ اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻣﻨﺨﺮﻃﺎً ﻓﯿﮭﺎ ﻗﺒﻞ ﻗﺪوﻣﮫ إﻟﻰ اﻟﺠﺰاﺋﺮ. ﺗﺮك ﻟﻲ ﻛﻞّ ﻛﺘﺒﮫ اﻟﻤﻔﻀّﻠﺔ واﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻨﻘﻠﮭﺎ ﻣﻦ ﺑﻠﺪ إﻟﻰ آﺧﺮ .ﺗﺮك ﻟﻲ ﻓﻠﺴﻔﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ،وﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت ،وﺗﻠﻚ اﻟﺼﺪﯾﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰورﻧﻲ أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻟﺘﺴﺄل ﻋﻦ أﺧﺒﺎره ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺮﻓﺾ أن ﯾﻜﺘﺐ ﻟﮭﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻓﺾ أن ﺗﻨﺴﺎه. ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﺨﺮﺟﯿﻦ ﻣﻦ ﺻﻤﺘﻚ اﻟﻄﻮﯾﻞ: وﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﯾﻜﺘﺐ ﻟﮭﺎ؟ﻗﻠﺖ: رﺑﻤﺎ ﻷﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﻜﺮه اﻟﺘﺤﺮش ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ ..ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺮﯾﺪ أن ﺗﻨﺴﺎه وﺗﺘﺰوجﺑﺴﺮﻋﺔ ،ﻛﺎن ﯾﺮﯾﺪ ﻟﮭﺎ ﻗﺪراً آﺧﺮ ﻏﯿﺮ ﻗﺪره. ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ: وھﻞ ﺗﺰوﺟﺖ؟ﻗﻠﺖ: ﻻ أدري ..ﻟﻘﺪ ﻓﻘﺪت أﺧﺒﺎرھﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ،وﻣﻦ اﻷرﺟﺢ أن ﺗﻜﻮن ﺗﺰوﺟﺖ.ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻗﺪر ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل .وﻟﻜﻦ ﻻ أﻋﺘﻘﺪ أن ﺗﻜﻮن ﻗﺪ ﻧﺴﯿﺘﮫ ،ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ اﻣﺮأة ﻋﺮﻓﺖ رﺟﻼً ﻣﺜﻞ زﯾﺎد أن ﺗﻨﺴﺎه.. ﺷﻌﺮت ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،أﻧﻚ ذھﺒﺖ ﺑﻌﯿﺪاً ﻓﻲ أﻓﻜﺎرك. ﺗﺮاك ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺑﺪأت ﺗﺤﻠﻤﯿﻦ ﺑﮫ؟ ﺗﺮاﻧﻲ ﻗﺪ ﺑﺪأت ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺑﺎﻗﺘﺮاف ﺣﻤﺎﻗﺎﺗﻲ ،اﻟﻮاﺣﺪة ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى ،وأﻧﺎ أردّ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ أﺳﺌﻠﺘﻚ اﻟﻜﺜﯿﺮة ﺣﻮﻟﮫ ،ﺑﺄﺟﻮﺑﺔ ﺗﺜﯿﺮ ﻓﯿﻚ ﻓﻀﻮل اﻷﻧﺜﻰ واﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﻓﻲ آن واﺣﺪ؟ ﺣﺪّﺛﺘﻚ ﻋﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪه ﻛﺜﯿﺮاً ،وﻋﻦ دﯾﻮاﻧﮫ اﻷﺧﯿﺮ ،اﻟﺬي ﻛﺘﺐ ﻗﺼﺎﺋﺪه ﻛﻤﺎ ﯾﻄﻠﻖ ﺑﻌﻀﮭﻢ اﻟﺮﺻﺎص ﻓﻲ اﻷﻋﺮاس واﻟﻤﺂﺗﻢ ﻟﯿﺸﯿّﻌﻮا ﺣﺒﯿﺒﺎً أو ﻗﺮﯾﺒﺎً.
ﻛﺎن ھﻮ ﯾﺸﯿّﻊ ﺻﺪﯾﻘﺎً ﻗﺪﯾﻤﺎً اﺳﻤﮫ اﻟﺸﻌﺮ ،وﯾﻘﺴﻢ أﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﻜﺘﺐ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم ﺳﻮى ﺑﺴﻼﺣﮫ. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﯾﻜﺘﺐ .ﻛﺎن ﻓﻘﻂ ﯾﻔﺮغ رﺷﺎﺷﮫ اﻟﻤﺤﺸﻮ ﻏﻀﺒﺎً وﺛﻮرة ﻓﻲ وﺟﮫ اﻟﻜﻠﻤﺎت. ﻛﺎن ﯾﻄﻠﻖ اﻟﺮﺻﺎص ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺣﻮﻟﮫ ..ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺜﻖ ﻓﻲ ﺷﻲء! آخ ..ﻛﻢ ﻛﺎن زﯾﺎد ﻣﺪھﺸﺎً! ﻻ ﺑﺪ أن أﻋﺘﺮف اﻟﯿﻮم أﻧﮫ ﻛﺎن ﻣﺪھﺸﺎً ﺣﻘﺎً ،وأﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺣﻤﻖ .ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن أﺣﺪﺛﻚ ﻋﻨﮫ وأﻧﺎ أﺗﻮھﻢ أن اﻟﺠﺒﺎل ﻻ ﺗﻠﺘﻘﻲ.. ﻟﻤﺎذا ﻛﻨﺖ أﺣﺪﺛﻚ ﻋﻨﮫ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ،وﺑﺘﻠﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮﯾﺔ؟ أﻛﻨﺖ أرﯾﺪ اﻟﺘﻘﺮب إﻟﯿﻚ ﺑﮫ ،وأﻗﻨﻌﻚ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮫ أن ﻟﻲ ﻗﺮاﺑﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب واﻟﺸﻌﺮاء ،ﻓﺄﻛﺒﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﻚ؟ أم ﻛﻨﺖ أﺻﻔﮫ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺻﻮرﺗﮫ اﻷﺟﻤﻞ ،ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻋﺘﻘﺪ ﺣﺘﻰ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم أﻧﻨﻲ أﺷﺒﮭﮫ ،وأﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺻﻒ ﻟﻚ ﻧﻔﺴﻲ ﻻ ﻏﯿﺮ.. رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻛﻞ ھﺬا ﺣﻘﺎً ..وﻟﻜﻦ.. ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أﯾﻀﺎً ،أن ﺗﻜﺘﺸﻔﻲ اﻟﻌﺮوﺑﺔ ﻓﻲ رﺟﺎل اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﯿﻦ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺠﺐ ھﺬه اﻷﻣﺔ. رﺟﺎل وﻟﺪوا ﻓﻲ ﻣﺪن ﻋﺮﺑﯿﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﯾﻨﺘﻤﻮن إﻟﻰ أﺟﯿﺎل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،واﺗﺠﺎھﺎت ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻟﻜﻨﮭﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻟﮭﻢ ﻗﺮاﺑﺔ ﻣﺎ ﺑﺄﺑﯿﻚ ..ﺑﻮﻓﺎﺋﮫ وﺷﮭﺎﻣﺘﮫ ،ﺑﻜﺒﺮﯾﺎﺋﮫ وﻋﺮوﺑﺘﮫ.. ﺟﻤﯿﻌﮭﻢ ﻣﺎﺗﻮا أو ﺳﯿﻤﻮﺗﻮن ﻣﻦ أﺟﻞ ھﺬه اﻷﻣﺔ. ﻛﻨﺖ ﻻ أرﯾﺪ أن ﺗﻨﻐﻠﻘﻲ ﻓﻲ ﻗﻮﻗﻌﺔ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺼﻐﯿﺮ ،وأن ﺗﺘﺤﻮﻟﻲ إﻟﻰ ﻣﻨﻘّﺒﺔ ﻟﻶﺛﺎر واﻟﺬﻛﺮﯾﺎت ،ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﺪﯾﻨﺔ واﺣﺪة. ﻓﻜﻞ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻋﺮﺑﯿﺔ اﺳﻤﮭﺎ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ .وﻛﻞ ﻋﺮﺑﻲ ﺗﺮك ﺧﻠﻔﮫ ﻛﻞ ﺷﻲء وذھﺐ ﻟﯿﻤﻮت ﻣﻦ أﺟﻞ ﻗﻀﯿﺔ ،ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻜﻮن اﺳﻤﮫ اﻟﻄﺎھﺮ.. وﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻚ ﻗﺮاﺑﺔ ﺑﮫ. ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن ﺗﻤﻸي رواﯾﺎﺗﻚ ﺑﺄﺑﻄﺎل آﺧﺮﯾﻦ أﻛﺜﺮ واﻗﻌﯿﺔ ،أﺑﻄﺎل ﺗﺨﺮﺟﯿﻦ ﻣﻌﮭﻢ ﻣﻦ ﻣﺮاھﻘﺘﻚ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ،وﻣﺮاھﻘﺘﻚ اﻟﻌﺎﻃﻔﯿﺔ.
أﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم _ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ_ "ﻟﻮ ﻋﺮﻓﺖِ رﺟﺎﻻً ﻣﺜﻞ زﯾﺎد ..ﻟﻤﺎ أﺣﺒﺒﺖ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم "زورﺑﺎ" وﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺧﻠﻖ أﺑﻄﺎل وھﻤﯿﯿﻦ .ھﻨﺎﻟﻚ ﻓﻲ ھﺬه اﻷﻣﺔ أﺑﻄﺎل ﺟﺎھﺰون ﺑﻔﻮﻗﻮن ﺧﯿﺎل اﻟﻜﺘّﺎب..".
ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﻮﻗﻊ ﯾﻮﻣﮭﺎ أن ﯾﺤﺼﻞ ﻛﻞ اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ،وأن أﻛﻮن أﻧﺎ اﻟﺬي ﺳﯿﺘﺤﻮّل ذات ﯾﻮم إﻟﻰ ﻣﻨﻘﺐ ﯾﺒﺤﺚ ﺑﯿﻦ ﺳﻄﻮرك ﻋﻦ آﺛﺎر زﯾﺎد ،وﯾﺘﺴﺎءل ﻣﻦ ﻣﻨّﺎ أﺣﺒﺒﺖ أﻛﺜﺮ، وﻟﻤﻦ ﺑﻨﯿﺖ ﺿﺮﯾﺤﻚ اﻷﺧﯿﺮ ،ورواﯾﺘﻚ اﻷﺧﯿﺮة.. أﻟﻲ ..أم ﻟﮫ؟ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،وﺿﻌﺖِ ﻓﺠﺄة ﻗﺒﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﺪّي .وﻗﻠﺖ ﺑﻠﮭﺠﺔ ﺟﺰاﺋﺮﯾﺔ وﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن ﻧﻨﮭﺾ ﻟﻠﺬھﺎب: "ﺧﺎﻟﺪ ..اﻧﺤﺒﻚ".. ﺗﻮﻗﻒ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﺣﻮﻟﻲ ،وﺗﻮﻗﻒ ﻋﻤﺮي ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻚ .وﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ وﻗﺘﮭﺎ أن أﺣﺘﻀﻨﻚ ،أو أﻗﺒّﻠﻚ ..أو أردّ ﻋﻠﯿﻚ ﺑﺄﻟﻒ ..أﻟﻒ أﺣﺒﻚ أﺧﺮى. وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺟﻠﺴﺖ ﻣﻦ دھﺸﺘﻲ ،وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺎدل ﻗﮭﻮة أﺧﺮى ،وﻗﻠﺖ ﻟﻚ أول ﺟﻤﻠﺔ ﺧﻄﺮت آﻧﺬاك ﻓﻲ ذھﻨﻲ: "ﻟﻤﺎذا اﻟﯿﻮم ﺑﺎﻟﺬات؟" أﺟﺒﺘﻨﻲ ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ: ﻷﻧﻨﻲ اﻟﯿﻮم أﺣﺘﺮﻣﻚ أﻛﺜﺮ .إﻧﮭﺎ أول ﻣﺮة ﻣﻨﺬ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﮭﺮ ﺗﺤﺪﺛﻨﻲ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻚ.اﻛﺘﺸﻔﺖ اﻟﯿﻮم أﺷﯿﺎء ﻣﺪھﺸﺔ .ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﺼﻮر أﻧﻚ ﺣﻀﺮت إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ ﻟﮭﺬه اﻷﺳﺒﺎب .ﻋﺎدة ﯾﺄﺗﻲ اﻟﻔﻨﺎﻧﻮن ھﻨﺎ ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ اﻟﺸﮭﺮة أو اﻟﻜﺴﺐ ﻻ أﻛﺜﺮ .ﻟﻢ أﺗﻮﻗﻊ أن ﺗﻜﻮن ﺗﺨﻠﯿﺖ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ھﻨﺎك ،ﻟﻜﻲ ﺗﺒﺪأ ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺮ ھﻨﺎ.. ﻗﺎﻃﻌﺘﻚِ ﻣﺼﺤﱢﺤﺎً ﻟﻜﻼﻣﻚ: ﻟﻢ أﺑﺪأ ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺮ ..ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺒﺪأ ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺮ أﺑﺪاً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺴﻠﻚ ﻃﺮﯾﻘﺎً ﺟﺪﯾﺪاً .إﻧﻨﺎﻧﺒﺪأ ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻓﻘﻂ .أﻧﺎ ﺑﺪأت ﻣﻦ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻲ. ﺷﻌﺮت ﯾﻮﻣﮭﺎ أﻧﻨﺎ ﻧﺪﺧﻞ ﻣﺮﺣﻠﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ،وأﻧﻚ ﻋﺠﯿﻨﺔ ﺗﺄﺧﺬ ﻓﺠﺄة ﻛﻞ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻲ ،وﺷﻜﻞ ﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻲ وأﺣﻼﻣﻲ اﻟﻘﺎدﻣﺔ.
ﺗﺬﻛّﺮت ﺟﻤﻠﺔ ﻗﺮأﺗﮭﺎ ﯾﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﻋﻦ اﻟﺮﺳﻢ ﻷﺣﺪ اﻟﻨﻘّﺎد ﺗﻘﻮل: "إنّ اﻟﺮﺳﺎم ﻻ ﯾﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻟﻮﺣﺘﮫ ﺻﻮرة ﺷﺨﺼﯿّﺔ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﮫ .إﻧﮫ ﯾﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﻓﻘﻂ ﻣﺸﺮوﻋﺎً ﻋﻦ ﻧﻔﺴﮫ وﯾﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ اﻟﺨﻄﻮط اﻟﻌﺮﯾﻀﺔ ﻟﻤﻼﻣﺤﮫ اﻟﻘﺎدﻣﺔ". وﻛﻨﺖِ أﻧﺖِ ﻣﺸﺮوﻋﻲ اﻟﻘﺎدم. ﻛﻨﺖ ﻣﻼﻣﺤﻲ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ،وﻣﺪﯾﻨﺘﻲ اﻟﻘﺎدﻣﺔ .ﻛﻨﺖ أرﯾﺪك اﻷﺟﻤﻞ ،أرﯾﺪك اﻷروع. ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ ﻟﻚ وﺟﮭﺎً آﺧﺮ ،ﻟﯿﺲ وﺟﮭﻲ ﺗﻤﺎﻣﺎً ،وﻗﻠﺒﺎً آﺧﺮ ،ﻟﯿﺲ ﻗﻠﺒﻲ ،وﺑﺼﻤﺎت أﺧﺮى ،ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﻤﺎ ﺗﺮﻛﮫ اﻟﺰﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪي وروﺣﻲ ﻣﻦ ﺑﺼﻤﺎت زرﻗﺎء. ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﯿﻚ ﺑﻌﺪ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﺮدّد ،أن ﺗﺰوري ذات ﯾﻮم ﻣﺮﺳﻤﻲ ،ﻷرﯾﻚ ﻣﺎ رﺳﻤﺘﮫ ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯿﺮة. وﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً أن ﺗﻘﺒﻠﻲ ﻋﺮﺿﻲ دون ﺗﺮدد أو ﺧﻮف .ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺣﺮص ﻋﻠﻰ أﻻ ﺗﺴﯿﺌﻲ اﻟﻈﻦّ ﺑﻲ .وﻛﻨﺖ ﻗﺮرت أن أﻟﻐﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺮض ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً إذا ﻣﺎ ﺿﺎﯾﻘﻚ. وﻟﻜﻨﻚ ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﻲ وأﻧﺖ ﺗﺼﯿﺤﯿﻦ ﺑﻔﺮح ﻃﻔﻠﺔ ﻋُﺮض ﻋﻠﯿﮭﺎ زﯾﺎرة ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻟﻸﻟﻌﺎب: أو ...راﺋﻊ ﯾﺴﻌﺪﻧﻲ ﺣﻘﺎً أن أزوره!ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻃﻠﺒﺘﻨﻲ ھﺎﺗﻔﯿﺎً ﻟﺘﺨﺒﺮﯾﻨﻲ أن ﻋﻨﺪك ﺳﺎﻋﺘﯿﻦ وﻗﺖ اﻟﻈﮭﺮ ،ﯾﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺰورﯾﻨﻲ ﺧﻼﻟﮭﻤﺎ. وﺿﻌﺖ اﻟﺴﻤﺎﻋﺔ ..ورﺣﺖ أﺣﻠﻢ ،أﺳﺒﻖ اﻟﺴﺎﻋﺎت ،وأﺳﺒﻖ اﻟﺰﻣﻦ. أﻧﺖ ﻓﻲ ﺑﯿﺘﻲ ..أﺣﻘﺎً ﺳﯿﺤﺪث ھﺬا؟ أﺣﻘﺎً ﺳﺘﺪﻗّﯿﻦ ﺟﺮس ھﺬا اﻟﺒﺎب ،ﺳﺘﺠﻠﺴﯿﻦ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻷرﯾﻜﺔ ،ﺳﺘﻤﺸﯿﻦ ھﻨﺎ أﻣﺎﻣﻲ. أﻧﺖِ ..أﺧﯿﺮاً أﻧﺖِ؟ أﺧﯿﺮاً ﺳﺄﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮارك ،وﻟﯿﺲ ﻣﻘﺎﺑﻼً ﻟﻚ .أﺧﯿﺮاً ﻟﻦ ﯾﻼﺣﻘﻨﺎ ﻧﺎدل ﺑﻄﻠﺒﺎﺗﮫ وﺧﺪﻣﺎﺗﮫ .ﻟﻦ ﺗﻼﺣﻘﻨﺎ ﻋﯿﻮن روّاد اﻟﻤﻘﮭﻰ ،وﻻ ﻋﯿﻮن اﻟﻐﺮﺑﺎء ﻣﻦ اﻟﻤﺎرة. أﺧﯿﺮاً ﯾﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺘﺤﺪث ،أن ﻧﺤﺰن وﻧﻔﺮح ،دون أن ﯾﻜﻮن ﻣﻦ ﺷﺎھﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻠﺒﺎﺗﻨﺎ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ.
رﺣﺖ ﻣﻦ ﻓﺮﺣﻲ أﺷﺮع اﻟﺒﺎب ﻟﻚ ﻣﺴﺒﻘﺎً ،وأﻧﺎ أﺟﮭﻞ أﻧﻨﻲ أﺷﺮع ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻠﻌﻮاﻃﻒ واﻟﺰواﺑﻊ. أيّ ﺟﻨﻮن ﻛﺎن ..أن آﺗﻲ ﺑﻚ إﻟﻰ ھﻨﺎ ،أن أﻓﺘﺢ ﻟﻚ ﻋﺎﻟﻤﻲ اﻟﺴﺮيّ اﻵﺧﺮ ،أن أﺣﻮّﻟﻚ إﻟﻰ ﺟﺰء ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ. ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﺟﻨّﺘﻲ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرك ،واﻟﺬي ﻗﺪ ﯾﺼﺒﺢ ﺟﺤﯿﻤﻲ ﺑﻌﺪك. أﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ أﻋﻲ ﻛﻞّ ھﺬا؟ أم ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً وأﺣﻤﻖ ﻛﺄيّ ﻋﺎﺷﻖٍ ﻻ ﯾﺮى أﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﻣﻮﻋﺪه اﻟﻘﺎدم؟ ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﺑﻌﺪھﺎ ..إن ﻛﻨﺖ ﺣﻘﺎً ﻻ أرﯾﺪ ﻏﯿﺮ إﻃﻼﻋﻚ ﻋﻠﻰ ﻟﻮﺣﺘﻲ اﻷﺧﯿﺮة ..وﻋﻠﻰ ﺣﺪﯾﻘﺘﻲ اﻟﺴﺮّﯾّﺔ ﻟﻠﺠﻨﻮن. ﺗﺬﻛّﺮت ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ،وﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺘﮭﺎ ﻟﮭﺎ اﻋﺘﺬارا ﻷﻧﻨﻲ ذات ﯾﻮم ،ﻛﻨﺖ ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ أن أرﺳﻢ ﺷﯿﺌﺎً آﺧﺮ ﻏﯿﺮ وﺟﮭﮭﺎ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻵﺧﺮون ﯾﺘﺴﺎﺑﻘﻮن ﻓﻲ رﺳﻢ ﺟﺴﺪھﺎ اﻟﻌﺎري ،اﻟﻤﻌﺮوض ﻟﻠﻮﺣﻲ ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ ﻟﻠﻔﻨﻮن اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ. ﺗﺬﻛّﺮت ﯾﻮم ﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ أن ﺗﺰورﻧﻲ ﻷرﯾﮭﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ.. ﻟﻢ أﺗﻮﻗﻊ أن ﺗﻜﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺒﺮﯾﺌﺔ ،ﺳﺒﺒﺎً ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻏﯿﺮ ﺑﺮﯾﺌﺔ داﻣﺖ ﺳﻨﯿﻦ. أﻟﯿﺲ ﻓﻲ دﻋﻮﺗﻲ ﻟﻚ ﻟﺰﯾﺎرة ﻣﺮﺳﻤﻲ ،ﺷﻲء ﻣﻦ ﻗﻠّﺔ اﻟﺘﻌﻘّﻞ ،ورﻏﺒﺔ ﺳﺮﯾﺔ ﻻﺳﺘﺪراج اﻟﻈﺮوف ﻷﺷﯿﺎء أﺧﺮى؟ ﺗﺮاﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ،وأﻧﺎ أﺳﺘﻌﯿﺪ ﺟﻤﻠﺔ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ،وھﻲ ﺗﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺮﺳﻢ، وﺳﻂ ﻓﻮﺿﻰ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﻤﺮﺳﻮﻣﺔ ،واﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﻤﺘّﻜﺌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪران، وﺗﻘﻮل ﻟﻲ ﺑﺈﺷﺎرة ﻣﺘﻌﻤﺪة: ھﺬا ﻣﻜﺎن ﯾﻐﺮي ﺑﺎﻟﺤﺐ..ﻓﺄﺟﺒﺘﮭﺎ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ: ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف ھﺬا ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم..ﻓﮭﻞ ﻛﺎن ﻣﺮﺳﻤﻲ ﯾﻐﺮي ﺑﺎﻟﺤﺐ؟ أم أن ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻟﻠﺨﻠﻖ ﺟﺎذﺑﯿﺔ ﻣﺎ ﺗﻐﺮي ﺑﺎﻟﺠﻨﻮن؟
وﻟﻜﻦ ،ورﻏﻢ ھﺬا ﻛﻨﺖ أدري أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ..وﻟﻦ ﺗﻜﻮﻧﯿﮭﺎ .ﻓﺒﯿﻨﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻮاﺟﺰ ﻣﺎ ﻟﻦ ﯾﺤﻄﻤﮫ أيّ ﺟﻨﻮن.. اﻟﯿﻮم ،ﺑﻌﺪ ﺳﺖّ ﺳﻨﻮات ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﯾﺎرة ،أﺳﺘﻌﯿﺪ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻋﯿﺸﮫ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﺑﻜﻞ ھﺰّاﺗﮫ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ اﻟﻤﺘﻘﻠﺒﺔ. ھﺎ أﻧﺖ ﺗﺪﺧﻠﯿﻦ ﻓﻲ ﻓﺴﺘﺎن أﺑﯿﺾ )ﻟﻤﺎذا أﺑﯿﺾ؟( ،ﯾﺴﺒﻘﻚ ﻋﻄﺮك إﻟﻰ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﻌﺎﺷﺮ .ﯾﺴﺒﻘﻚ اﻟﻘﻠﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﺼﻌﺪ وﯾﮭﺮول أﻣﺎﻣﻚ. ھﺎ أﻧﺎ أﻛﺎد أﺿﻊ ﻗﺒﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﺪك ..وإذا ﺑﻲ أﺻﺎﻓﺤﻚ )ﻟﻤﺎذا أﺻﺎﻓﺤﻚ؟). أﺳﺄﻟﻚ ھﻞ وﺟﺪت اﻟﺒﯿﺖ ﺑﺴﮭﻮﻟﺔ ﻓﺘﺄﺗﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ )ﻟﻤﺎذا أﯾﻀﺎً ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ؟( ﺗﺮاﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺣﺮّﯾّﺔ أو ﺟﺮأة أﻛﺜﺮ ،داﺧﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻐﺮﯾﺒﺔ ﻋﻦ ﺗﻘﺎﻟﯿﺪي وﺣﻮاﺟﺰي اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ؟ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻷرﯾﻜﺔ ﺟﻠﺴﺖِ. ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﻠﻘﯿﻦ ﻧﻈﺮة ﻋﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﺠﻠﻮس: ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﺼﻮر ﺑﯿﺘﻚ ھﻜﺬا .إﻧﮫ راﺋﻊ وﻣﺆﺛﺚ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺬوق!ﺳﺄﻟﺘﻚ: ﻛﯿﻒ ﻛﻨﺖ ﺗﺘﺼﻮرﯾﻨﮫ إذن؟أﺟﺒﺘﻨﻲ: ﺑﻔﻮﺿﻰ ..وﺑﺄﺷﯿﺎء أﻛﺜﺮ.ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﺿﺎﺣﻜﺎً: ﻟﺴﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ أن أﺳﻜﻦ ﺷﻘﺔ ﻣﻐﺒّﺮة ،ﺑﺄﺷﯿﺎء ﻛﺜﯿﺮة ﻣﺒﻌﺜﺮة ﻷﻛﻮن ﻓﻨّﺎﻧﺎً .إﻧﮭﺎﻓﻜﺮة أﺧﺮى ﺧﺎﻃﺌﺔ ﻋﻦ اﻟﺮﺳّﺎﻣﯿﻦ .أﻧﺎ ﻣﺴﻜﻮن ﺑﺎﻟﻔﻮﺿﻰ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻻ أﺳﻜﻨﮭﺎ ﺑﺎﻟﻀﺮورة .إﻧﮭﺎ ﻃﺮﯾﻘﺘﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪة ،ﻓﻲ وﺿﻊ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﺮﺗﯿﺐ داﺧﻠﻲ. ﻟﻘﺪ اﺧﺘﺮت ھﺬه اﻟﺸﻘﺔ اﻟﺸﺎھﻘﺔ ،ﻷن اﻟﻀﻮء ﯾﺆﺛﺜﮭﺎ وھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻠﺰم ﻟﻠﺮﺳﺎم، ﻓﺎﻟﻠﻮﺣﺔ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻻ ﺗﺆﺛﺚ ﺑﺎﻟﻔﻮﺿﻰ وإﻧﻤﺎ ﺑﺎﻟﻀﻮء وﻟﻌﺒﺔ اﻟﻈﻞ واﻷﻟﻮان.
ﻓﺘﺤﺖ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ اﻟﺰﺟﺎﺟﯿﺔ اﻟﻜﺒﯿﺮة ،ودﻋﻮﺗﻚ ﻟﻠﺨﺮوج إﻟﻰ اﻟﺸﺮﻓﺔ. ﻗﻠﺖ: اﻧﻈﺮي ھﺬه اﻟﻨﺎﻓﺬة ،إﻧﮭﺎ اﻟﺠﺴﺮ اﻟﺬي ﯾﺮﺑﻄﻨﻲ ﺑﮭﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ .ﻣﻦ ھﻨﺎ ،ﻣﻦ ﺷﺮﻓﺘﻲأﺗﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺳﻤﺎء ﺑﺎرﯾﺲ اﻟﻤﺘﻘﻠّﺒﺔ. ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ﺗﻘﺪم ﻟﻲ ﺑﺎرﯾﺲ ﻧﺸﺮﺗﮭﺎ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ ،ﻓﺄﺟﻠﺲ ھﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﺮﻓﺔ ﻷﺗﻔﺮج ﻋﻠﯿﮭﺎ وھﻲ ﺗﻨﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﻃﻮر إﻟﻰ آﺧﺮ. ﯾﺤﺪث ﻛﺜﯿﺮاً أن أرﺳﻢ أﻣﺎم ھﺬه اﻟﻨﺎﻓﺬة ،وﯾﺤﺪث أن أﺟﻠﺲ ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج ﻷﺗﻔﺮج ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺮ اﻟﺴﯿﻦ ،وھﻮ ﯾﺘﺤﻮل إﻟﻰ إﻧﺎء ﯾﻄﻔﺢ ﺑﺪﻣﻮع ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺗﺤﺘﺮف اﻟﺒﻜﺎء. ﯾﺤﻠﻮ ﻟﻲ اﻟﺠﻠﻮس ھﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓّﺔ اﻟﻤﻄﺮ ﻗﺮﯾﺒﺎً وﻣﺤﻤﯿﺎً ﻣﻨﮫ ﻓﻲ آن واﺣﺪ .ﻣﻨﻈﺮ اﻟﻤﻄﺮ ﯾﺴﺘﺪرﺟﻨﻲ ﻷﺣﺎﺳﯿﺲ ﻣﺘﻄﺮﻓﺔ. "إن اﻹﻧﺴﺎن ﻟﯿﺸﻌﺮ أﻧﮫ ﻓﻲ ﻋﻨﻔﻮان اﻟﺸﺒﺎب ﻋﻨﺪ ﻧﺰول اﻟﻤﻄﺮ" ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ،ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺼﻠﯿﻦ ﻟﺘﻤﻄﺮ ،وﻗﻠﺖ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﯿﺔ : إن اﻟﻤﻄﺮ ﯾﻐﺮﯾﻨﻲ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ..وأﻧﺖ؟وﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن أﺟﯿﺒﻚ " وأﻧﺎ ﯾﻐﺮﯾﻨﻲ ﺑﺎﻟﺤﺐ". ﻧﻈﺮت ﻃﻮﯾﻼً إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء .ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺎﻓﯿﺔ زرﻗﺎء ﻛﺴﻤﺎء ﺣﺰﯾﺮان. ﻛﺎن زرﻗﺘﮭﺎ ﺗﻀﺎﯾﻘﻨﻲ ﻓﺠﺄة ،رﺑﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﺗﻌﻮدت أن أراھﺎ رﻣﺎدﯾﺔ. ورﺑﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﺗﻤﻨﯿﺖ ﻓﻲ ﺳﺮّي ،ﻟﻮ أﻣﻄﺮت ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ؛ ﻟﻮ ﺗﻮاﻃﺄت ﻣﻌﻲ ورﻣﺘﻚ إﻟﻰ ﺻﺪري ﻋﺼﻔﻮرة ﻣﺒﻠﻠﺔ. وﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ ﻛﻞ ھﺬا. ﻧﻘﻠﺖ ﻧﻈﺮﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء إﻟﻰ ﻋﯿﻨﯿﻚ. ﻛﻨﺖ أراھﻤﺎ ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ اﻟﻀﻮء .ﺷﻌﺮت أﻧﻨﻲ أﺗﻌﺮف ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ. ارﺗﺒﻜﺖ أﻣﺎﻣﮭﻤﺎ ﻛﺄول ﻣﺮة .ﻛﺎﻧﺘﺎ أﻓﺘﺢ ﻣﻦ اﻟﻌﺎدة ،ورﺑﻤﺎ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﺎدة.
ﻛﺎن ﻓﯿﮭﻤﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻖ واﻟﺴﻜﻮن ﻓﻲ آن واﺣﺪ .ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺒﺮاءة ،واﻟﻤﺆاﻣﺮة اﻟﻌﺸﻘﯿﺔ.. ﺗﺮاﻧﻲ أﻃﻠﺖ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﯿﻚ؟ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﻣﻦ ﯾﻌﺮف اﻟﺠﻮاب ﻣﺴﺒﻘﺎً: ﻟﻤﺎذا ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻲّ ھﻜﺬا؟ﻛﺎن ﺻﻮﺗﻚ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﯾﺄﺗﻲ ﻛﻤﻮﺳﯿﻘﻰ ﻋﺰف ﻣﻨﻔﺮد. وﺟﺪت اﻟﺠﻮاب ﻓﻲ ﻗﺼﯿﺪة ،ﺣﻔﻈﺖ ﻣﻄﻠﻌﮭﺎ ذات ﯾﻮم: ﻋﯿﻨﺎك ﻏﺎﺑﺘﺎ ﻧﺨﯿﻞ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﺴﺤﺮ أو ﺷﺮﻓﺘﺎن راح ﯾﻨﺄى ﻋﻨﮭﻤﺎ اﻟﻘﻤﺮ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻣﺪھﻮﺷﺔ: أﺗﻌﺮف ﺷﻌﺮ اﻟﺴﯿﺎب أﯾﻀﺎً؟ .ﻋﺠﯿﺐ!ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺟﻮاب ﻣﺰدوج: أﻋﺮف "أﻧﺸﻮدة اﻟﻤﻄﺮ".ﻋﺮت أﻧﻚ رﺑﻤﺎ أﺣﺒﺒﺘﻨﻲ أﻛﺜﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺑﺎﻟﺬات ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ ﻧﻈﺮك اﻟﺴﯿّﺎب أﯾﻀﺎً. وﻛﻜﻞ ﻣﺮة أﻓﺎﺟﺌﻚ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺒﯿﺖ ﺷﻌﺮ ،أو ﺑﻤﻘﻮﻟﺔ ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ: ﻣﺘﻰ ﻗﺮأت ھﺬا؟أﺟﺒﺘﻚ ھﺬه اﻟﻤﺮة: أﻧﺎ ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﻋﺰﯾﺰﺗﻲ ﺳﻮى اﻟﻘﺮاءة .ﺛﺮوة اﻵﺧﺮﯾﻦ ﺗﻌﺪّ ﺑﺎﻷوراق اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ،وﺛﺮوﺗﻲ ﺑﻌﻨﺎوﯾﻦ اﻟﻜﺘﺐ .أﻧﺎ رﺟﻞ ﺛﺮي ﻛﻤﺎ ﺗﺮﯾﻦ ..ﻗﺮأت ﻛﻞّ ﻣﺎ وﻗﻌﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﯾﺪي.. ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﻤﺎ ﻧﮭﺒﻮا ﻛﻞ ﻣﺎ وﻗﻌﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﯾﺪھﻢ!. ﺑﻌﺪھﺎ ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﺤﺪﻗﯿﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺠﺴﺮ اﻟﺤﺠﺮي اﻟﺮﻣﺎدي ،اﻟﺬي ﯾﺠﺮي ﺗﺤﺘﮫ ﻧﮭﺮ اﻟﺴﯿﻦ ﺑﺰرﻗﺔ ﺻﯿﻔﯿﺔ اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺔ:
أﻧﺖ ﻣﺤﻈﻮظ ﺑﮭﺬا اﻟﻤﻨﻈﺮ ،ﺟﻤﯿﻞ أن ﺗﻄﻞّ ﺷﺮﻓﺘﻚ ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺮ اﻟﺴﯿﻦ ،ﻣﺎ اﺳﻢ ھﺬااﻟﺠﺴﺮ؟ ﻗﻠﺖ: إﻧﮫ ﺟﺴﺮ ﻣﯿﺮاﺑﻮ .اﻛﺘﺸﻔﺖ أﺧﯿﺮاً أن " أﺑﻮﻟﯿﻨﯿﺮ "ﻗﺪ ﺧﻠّﺪ ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪه،ﻋﺜﺮت ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻣﻨﺬ أﯾﺎم ﻓﻲ دﯾﻮان ﻟﮫ .ﯾﺒﺪو أﻧﮫ ﻛﺎن ﻣﻮﻟﻌﺎً ﺑﮫ .إن اﻟﺸﻌﺮاء ﻣﺜﻞ اﻟﺮﺳﺎﻣﯿﻦ ﻟﮭﻢ ﻋﺎدة ﻻ ﺗﻘﺎوم ﻓﻲ ﺗﺨﻠﯿﺪ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﺳﻜﻨﻮه أو ﻋﺒﺮوه ﺑﺤﺐ .ﺑﻌﻀﮭﻢ ﺧﻠّﺪ ﺿﯿﻌﺔ ﻣﺠﮭﻮﻟﺔ ،وآﺧﺮ ﻣﻘﮭﻰ ﻛﺘﺐ ﻓﯿﮫ ﯾﻮﻣﺎً ،وﺛﺎﻟﺚ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻋﺒﺮھﺎ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ،وإذا ﺑﮫ ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ﺣﺒﮭﺎ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ. ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ: وھﻞ رﺳﻤﺖ أﻧﺖ ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ؟أﺟﺒﺘﻚ ﻣﺘﻨﮭﺪاً:ﻻ ..ﻷﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺮﺳﻢ ﺑﺎﻟﻀﺮورة ﻣﺎ ﻧﺮى ..وإﻧﻤﺎ ﻣﺎ رأﯾﻨﺎه ﯾﻮﻣﺎً وﻧﺨﺎف أﻻ ﻧﺮاه ﺑﻌﺪذﻟﻚ أﺑﺪاً .وھﻜﺬا ﻗﻀﻰ )دوﻻﻛﺮوا( ﻋﻤﺮه ﻓﻲ رﺳﻢ ﻣﺪن ﻣﻐﺮﺑﯿﺔ ﻟﻢ ﯾﺴﻜﻨﮭﺎ ﺳﻮى أﯾﺎم ،وﻗﻀﻰ )أﻃﻼن( ﻋﻤﺮه ﻓﻲ رﺳﻢ ﻣﺪﯾﻨﺔ واﺣﺪة ..ھﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ. ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﻲ ھﺬه اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻗﺒﻞ أن أﻗﻒ ﻣﻨﺬ ﺷﮭﺮﯾﻦ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻣﻘﺎﺑﻼً ﻟﮭﺬه اﻟﻨﺎﻓﺬة ،ﻷرﺳﻢ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺗﺮ اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ ﻟﻮﺣﺘﻲ اﻷﺧﯿﺮة. ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﺎي ﺗﺮﯾﺎن ﺟﺴﺮ ﻣﯿﺮاﺑﻮ وﻧﮭﺮ اﻟﺴﯿﻦ .وﯾﺪي ﺗﺮﺳﻢ ﺟﺴﺮاً آﺧﺮ ووادﯾﺎً آﺧﺮ ﻟﻤﺪﯾﻨﺔ أﺧﺮى. وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﮭﯿﺖ ،ﻛﻨﺖ رﺳﻤﺖ ﻗﻨﻄﺮة ﺳﯿﺪي راﺷﺪ ووادي اﻟﺮﻣﺎل ..ﻻ ﻏﯿﺮ .وأدرﻛﺖ أﻧﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻻ ﻧﺮﺳﻢ ﻣﺎ ﻧﺴﻜﻨﮫ ..وإﻧﻤﺎ ﻣﺎ ﯾﺴﻜﻨﻨﺎ. ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﺑﻠﮭﻔﺔ: ھﻞ ﯾﻤﻜﻦ أن أرى ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ؟ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﻗﻮدك إﻟﻰ ﻣﺮﺳﻤﻲ: ﻃﺒﻌﺎً.وﻗﻔﺖ أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ اﻟﻤﻸى ﺑﺎﻟﻠﻮﺣﺎت .رﺣﺖ ﺗﻨﻈﺮﯾﻦ إﻟﻰ اﻟﺠﺪران، وإﻟﻰ ﻣﺎ اﺗﻜﺄ ﻣﻦ اﻟﻠﻮﺣﺎت أرﺿﺎً ﺑﺪھﺸﺔ ﻃﻔﻞ ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺳﺤﺮﯾﺔ .ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﺑﺎﻻﻧﺒﮭﺎر
ﻧﻔﺴﮫ: ﻛﻢ ھﻮ راﺋﻊ ﻛﻞّ ھﺬا ..أﺗﺪري؟ ﻟﻢ ﯾﺤﺪث أن زرت ﻣﺮﺳﻤﺎً ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم..ﻛﻨﺖ أودّ أن أﻗﻮل ﻟﻚ " وﻟﻢ ﯾﺤﺪث أن زارﺗﮫ اﻣﺮأة ﻗﺒﻠﻚ ،ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم". وﻟﻜﻦ ﻟﻮﺣﺔ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ اﻟﻤﺴﺘﻨﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪار ذﻛّﺮﺗﻨﻲ ﺑﻤﺮور اﻣﺮأة أﺧﺮى ﻣﻦ ھﻨﺎ. ذھﺐ ﻓﻜﺮي ﻋﻨﺪھﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻠﺖِ ﻓﺠﺄة: وأﯾﻦ ھﻲ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺪّﺛﺘﻨﻲ ﻋﻨﮭﺎ؟أﺧﺬﺗﻚ إﻟﻰ اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ ﻟﻠﻘﺎﻋﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻣﺎ ﺗﺰال ﻣﻨﺘﺼﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﺸﺒﺎت اﻟﺮﺳﻢ ،وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﻠﻐﻲ ﺑﻮﺿﻌﮭﺎ اﻟﻤﻤﯿﺰ ذاك ،ﻛﻞ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻷﺧﺮى اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة ﺣﻮﻟﮭﺎ. ھﻨﺎﻟﻚ ﻋﻼﻗﺔ ﻋﺸﻘﯿﺔ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ أيّ رﺳﺎم وﻟﻮﺣﺘﮫ اﻷﺧﯿﺮة .ھﻨﺎﻟﻚ ﺗﻮاﻃﺆ ﻋﺎﻃﻔﻲ ﺻﺎﻣﺖ ،ﻟﻦ ﯾﻜﺴﺮه ﺳﻮى دﺧﻮل ﻟﻮﺣﺔ ﻋﺬرا أﺧﺮى إﻟﻰ داﺋﺮة اﻟﻀﻮء. ﻓﺎﻟﺮﺳﺎم ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻻ ﯾﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﯾﻘﺎوم اﻟﻨﺪاء اﻟﻤﻮﺟﻊ ﻟﻠّﻮن اﻷﺑﯿﺾ ،واﺳﺘﺪراﺟﮫ إﯾﺎه ﻟﻠﺠﻨﻮن اﻹﺑﺪاﻋﻲ ﻛﻠﻤﺎ وﻗﻒ أﻣﺎم ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺑﯿﻀﺎء. ﻛﯿﻒ إذن ،ﻣﺎ زﻟﺖ أﻗﺎوم ﻣﻨﺬ ﺷﮭﺮﯾﻦ ﺗﺤﺪي اﻟﻠﻮن اﻷﺑﯿﺾ وإﻏﺮاء ﻛﻞ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺘﻲ أﺷﮭﺮت ﻓﻲ وﺟﮭﻲ ﺑﯿﺎﺿﮭﺎ؟ وﻟﻤﺎذا ،رﻓﻀﺖ أن أرﺳﻢ ﺷﯿﺌﺎً ﺑﻌﺪ ﻟﻮﺣﺘﻲ ھﺬه ،وﻓﻀّﻠﺖ أن أﺑﻘﯿﮭﺎ ھﻜﺬا ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺸﺒﺎت ﻧﻔﺴﮭﺎ ،ﻷﺷﮭﺪ ﻟﮭﺎ أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﯿﺪﺗﻲ ،وﺳﯿﺪة ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻲ ﻣﻦ ﻟﻮﺣﺎت، وﻛﺄﻧﻨﻲ أرﻓﺾ أن أﺣﯿﻠﮭﺎ إﻟﻰ رﻛﻦ أو ﺟﺪار ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺎل ﻋﺸﯿﻘﺔ ﻋﺎﺑﺮة. أﯾﻤﻜﻦ ذﻟﻚ ..وھﻲ اﻟﺘﻲ أﻋﻄﺘﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﻮة ،ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﻄﻨﯿﮫ ﺣﺘﻰ اﻟﻨﺴﺎء؟ رﺑﻤﺎ ..ﻷﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺤﺪث ﻗﺒﻠﮭﺎ أن ﻣﺎرﺳﺖ اﻟﺤﺐ رﺳﻤﺎً ..ﻣﻊ اﻟﻮﻃﻦ! ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﺘﺄﻣﻠﯿﻨﮭﺎ: إﻧﮭﺎ ﻣﺸﺎﺑﮭﺔ ﻟﻠﻮﺣﺘﻚ اﻷوﻟﻰ "ﺣﻨﯿﻦ "وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﮭﺎ ،ﻓﻲ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦاﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ ..وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻷﻟﻮان اﻟﺘﺮاﺑﯿﺔ اﻟﺨﺎم اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻌﻤﻠﺘﮭﺎ ،إﻧﮭﺎ ﺗﻌﻄﯿﮭﺎ ﻧﻀﺠﺎً.. وﺣﯿﺎة أﻛﺜﺮ.
ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﻧﻘﻞ ﻧﻈﺮي ﻣﻨﮭﺎ إﻟﯿﻚ: ﻟﻘﺪ ﺑﻌﺜﺖ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﯿﺎة ..إﻧﮭﺎ أﻧﺖِ.أﻧﺎ؟أﺗﺬﻛﺮﯾﻦ ﯾﻮم ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺎﺗﻒ ،ﻟﻘﺪ ﺳﮭﺮت اﻟﺒﺎرﺣﺔ ﺣﺘﻰ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻣﻦاﻟﻠﯿﻞ ﻷرﺳﻤﻚ .اﺗّﮭﻤﺘﻨﻲ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮن وﺧﻔﺖ أن أﻛﻮن ﻗﺪ ﻓﻀﺤﺖ ﻣﻼﻣﺤﻚ .ﻻ ﺗﺨﺎﻓﻲ ،ﻟﻦ أرﺳﻤﻚ أﺑﺪاً وﻟﻦ ﯾﻌﺮف أﺣﺪ أﻧﻚ ﻋﺒﺮت ﺣﯿﺎﺗﻲ ذات ﯾﻮم .إن ﻟﻠﻔﺮﺷﺎة ﺷﮭﺎﻣﺔ أﯾﻀﺎً. وأﺿﻔﺖ: أﻧﺖ ﻣﺪﯾﻨﺔ ..وﻟﺴﺖ اﻣﺮأة ،وﻛﻠﻤﺎ رﺳﻤﺖ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ رﺳﻤﺘﻚ أﻧﺖ ،ووﺣﺪك ﺳﺘﻌﺮﻓﯿﻦ ھﺬا.. ﻗﻠﺖ ﻓﺠﺄة وأﻧﺖ ﺗﺸﯿﺮﯾﻦ ﺑﻨﻈﺮة ﻣﻦ ﻋﯿﻨﯿﻚ إﻟﻰ ﻟﻮﺣﺔ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ: وھﻲ؟ﻛﺎن ﻓﻲ ﺳﺆاﻟﻚ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻋﻨﺎد اﻷﻃﻔﺎل وأﻧﺎﻧﯿﺘﮭﻢ ،وﺷﻲء ﻣﻦ ﻋﻨﺎد اﻟﻨﺴﺎء وﻏﯿﺮﺗﮭﻦّ. ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أرﻓﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻣﻦ اﻷرض: ھﻞ ﺗﺰﻋﺠﻚ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ ﺣﻘﺎً؟.أﺟﺒﺖ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻜﺬب اﻟﻮاﺿﺢ: ﻻ..واﺻﻠﺖ وأﻧﺎ أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ ﻗﺎدر ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻋﻠﻰ أن أرﺗﻜﺐ أي ﺟﻨﻮن: إذا ﺷﺌﺖ ﺳﺄﺗﻠﻔﮭﺎ أﻣﺎﻣﻚ..ﺻﺤﺖ: -ﻻ ،أأﻧﺖ ﻣﺠﻨﻮن!
ﻗﻠﺖ ﺑﮭﺪوء: ﻟﺴﺖ ﻣﺠﻨﻮﻧﺎً ..وھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ .إﻧﮭﺎ اﻣﺮأة ﻋﺎﺑﺮة ،ﻓﻲﻣﺪﯾﻨﺔ ﻋﺎﺑﺮة. ﻗﻠﺖِ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﺮﺑﻜﺔ وأﻧﺖ ﺗﺘﺄﻣﻠﯿﻨﮭﺎ: إﻧﮭﺎ ﻣﺪﯾﻨﺘﻚ اﻷﺧﺮى ..أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ﻣﻦ أﯾﻦ ﺟﺌﺖ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺮﺻﺎﺻﺔ اﻷﺧﯿﺮة ،ﻟﺘﻄﻠﻘﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ؟ اﻋﺘﺮﻓﺖ ﻟﻚ ﺑﺘﻠﻤﯿﺢ واﺿﺢ: ﻻ ..ﻟﯿﺴﺖ ﻣﺪﯾﻨﺘﻲ ،إﻧﮭﺎ وﺳﺎدﺗﻲ اﻷﺧﺮى ..أو إذا ﺷﺌﺖ ﺳﺮﯾﺮي اﻵﺧﺮ ﻓﻘﻂ!ﺷﻌﺮت أن ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺮة ﻗﺪ ﻋﻼ وﺟﻨﺘﯿﻚ ،وأن ﻋﻮاﻃﻒ وأﺣﺎﺳﯿﺲ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﻗﺪ ﻋﺒﺮﺗﻚ ،وﺗﺮﻛﺖ آﺛﺎرھﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﻣﺤﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻐﯿّﺮت ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎت. ﺛﻢ ﺗﻤﺘﻤﺖ ﺑﮭﺪوء وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺘﺤﺪﺛﯿﻦ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻚ: -...ﻻ ﯾﮭﻢ! ﻗﻠﺖ ﻟﻚ وأﻧﺎ أﻣﺴﻜﻚ ﻣﻦ ذراﻋﻚ: ﻻ ﺗﻐﺎري ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ .ھﻨﺎﻟﻚ اﻣﺮأة واﺣﺪة ﺗﺴﺘﺤﻖ أن ﺗﻐﺎري ﻣﻨﮭﺎ ﻓﻲ ھﺬااﻟﺒﯿﺖ ،ھﻲ ھﺬه.. ﻧﻈﺮت ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي أﺷﺮت إﻟﯿﮫ .ﻛﺎن ﺛﻤّﺔ ﺗﻤﺜﺎل ﯾﻨﺘﺼﺐ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓﻲ ﺣﺠﻢ اﻣﺮأة. ﻗﻠﺖ ﺑﺘﻌﺠّﺐ: ھﺬه ..ﻟﻤﺎذا ھﺬه؟ﻗﻠﺖ:
ﻷﻧﮭﺎ اﻟﻤﺮأة اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ارﺗﺤﺖ ﻟﮭﺎ ﺣﺘﻰ اﻵن ،واﻟﺘﻲ ﻗﺎﺳﻤﺘﻨﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺳﻨﻮاتﻏﺮﺑﺘﻲ .ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ أﻣﻠﻚ ﻣﻨﮭﺎ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺼﻐﺮة .وﻗﺮرت ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺘﯿﻦ أن أھﺪي ﻧﻔﺴﻲ ﺗﻤﺜﺎﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﺠﻤﮫ اﻷﻛﺒﺮ. ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ إﺣﺪى ﻧﻮﺑﺎت ﺟﻨﻮﻧﻲ .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﻧﺪم ﻋﻠﻰ اﻗﺘﻨﺎﺋﮭﺎ ،إﻧﮭﺎ ﺗﺸﺒﮭﻨﻲ ﻛﺜﯿﺮاً. أﻧﺎ ﺑﺬراع واﺣﺪة وھﻲ ﺑﻼ ذراﻋﯿﻦ .ﻟﻘﺪ ﻓﻘﺪﻧﺎ أﻃﺮاﻓﻨﺎ ﻓﻲ أزﻣﻨﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻷﺳﺒﺎب ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻟﻜﻨﻨﺎ ﺻﺎﻣﺪان ﻣﻌﺎً ،ﻟﻦ ﺗﻤﻨﻌﻨﺎ ﻋﺎھﺘﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻮد. ﻟﻢ ﺗﻌﻠّﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﻲ. ﯾﺒﺪو أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺼﺪﻗﻲ ذﻟﻚ .أن ﯾﻌﯿﺶ رﺟﻞ ﻣﻊ ﺗﻤﺜﺎل ﻻﻣﺮأة ،ﺿﺮب ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮن أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ رﺳّﺎﻣﺎً ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮأة ﻓﯿﻨﻮس ﻻ ﻏﯿﺮ! اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻣﻌﻚ ..أﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﻣﺄﺧﻮذة ﺑﺎﻟﻌﺒﻘﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻼﻣﺲ اﻟﺠﻨﻮن .وﻟﻜﻨﻚ ﻛﻨﺖ أﻋﻘﻞ ﻣﻦ أن ﺗﻜﺸﻔﯿﮭﺎ .وﻟﺬا ﻛﻠﻤﺎ أردت أن أﻋﻄﯿﻚ دﻟﯿﻼً ﻋﻠﻰ ﺟﻨﻮﻧﻲ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﺗﺼﺪﻗﯿﻨﻲ ﺗﻤﺎﻣﺎً. رﺣﺖِ ﻓﻘﻂ ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ أﻧﺜﻰ ،ﺗﺴﺘﺮﻗﯿﻦ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻟﻮﺣﺔ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ،وﻛﺄﻧﮭﺎ وﺣﺪھﺎ ﺗﻌﻨﯿﻚ. ورﺣﺖ أﻧﺎ أﺣﺎول ﻓﮭﻤﻚ. ﻣﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺰﻋﺠﻚ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ؟ ھﻞ وﺟﻮدھﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﺑﺤﻀﻮرھﺎ اﻟﺼﺎﻣﺖ اﻟﺬي ﯾﺬﻛّﺮك ﺑﻤﺮور اﻣﺮأة أﺧﺮى ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ؟ أم ﺷﻘﺮة ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮأة، واﻹﻏﺮاء اﻻﺳﺘﻔﺰازي ﻟﺸﻔﺘﯿﮭﺎ وﻋﯿﻨﯿﮭﺎ اﻟﻤﺨﺘﻔﯿﺘﯿﻦ ﺧﻠﻒ ﺧﺼﻼت ﺷﻌﺮ ﻓﻮﺿﻮي؟ أﻛﻨﺖ ﺗﻐﺎرﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﻠﻮﺣﺔ أم ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺒﺘﮭﺎ؟ وﻛﯿﻒ ﯾﻜﻮن ﻣﻦ ﺣﻘﻚ أن ﺗﻌﺎﺗﺒﯿﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻟﻮﺣﺔ واﺣﺪة رﺳﻤﺘﮭﺎ ﻻﻣﺮأة ،دون أن ﯾﻜﻮن ﻟﻲ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ أن أﺣﺎﺳﺒﻚ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﺘﮫ ﻗﺒﻠﻲ ،وﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻋﺬّﺑﺘﻨﻲ ﺑﮫ ﺻﺪﻗﺎً أم ﻛﺬﺑﺎً؟ ﻋﺎدت ﻋﯿﻨﺎك إﻟﻰ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻷﺧﯿﺮة .ﺗﺄﻣﻠﺘﮭﺎ ﻗﻠﯿﻼً ﺛﻢ ﻗﻠﺖ: إذن ھﺬه ..أﻧﺎ!ﻗﻠﺖ: رﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ أﻧﺖ ،وﻟﻜﻦ ھﻜﺬا أراك ،ﻓﯿﻚ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺗﻌﺎرﯾﺞ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ؛ ﻣﻦاﺳﺘﺪارة ﺟﺴﻮرھﺎ ،ﻣﻦ ﺷﻤﻮﺧﮭﺎ ،ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻃﺮھﺎ ،ﻣﻦ ﻣﻐﺎرات ودﯾﺎﻧﮭﺎ ،ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻨﮭﺮ اﻟﺰﺑﺪيّ اﻟﺬي ﯾﺸﻄﺮ ﺟﺴﺪھﺎ ،ﻣﻦ أﻧﻮﺛﺘﮭﺎ وإﻏﺮاﺋﮭﺎ اﻟﺴﺮي ودوارھﺎ.
ﻗﺎﻃﻌﺘﻨﻲ ﻣﺒﺘﺴﻤﺔ: أﻧﺖ ﺗﺤﻠﻢ ..ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻚ أن ﺗﺠﺪ ﻗﺮاﺑﺔ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ؟ﻛﯿﻒ ﺧﻄﺮت ﻓﻜﺮة ﻛﮭﺬه ﺑﺬھﻨﻚ؟! أﺗﺪري أﻧﻨﻲ ﻻ أﺣﺐ ﺳﻮى اﻟﺠﺴﻮر اﻟﺨﺸﺒﯿﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻧﺮاھﺎ ﻓﻲ ﺑﻄﺎﻗﺎت ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﺴﻨﺔ ،ﻣﺮﺷﻮﺷﺔ ﺑﺎﻟﺜﻠﺞ واﻟﻔﻀﺔ، ﺗﻌﺒﺮھﺎ اﻟﻌﺮﺑﺎت اﻟﺨﺮاﻓﯿﺔ .وأﻣﺎ ﺟﺴﻮر ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة اﻟﻤﻌﻠّﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء ،ﻓﮭﻲ ﺟﺴﻮر ﻣﺨﯿﻔﺔ ..ﺣﺰﯾﻨﺔ .ﻻ أﻛﺮ أﻧﻨﻲ ﻋﺒﺮﺗﮭﺎ ﻣﺮة واﺣﺪة راﺟﻠﺔ ،أو ﺣﺎوﻟﺖ ﻣﺮة واﺣﺪة اﻟﻨﻈﺮ ﻣﻨﮭﺎ إﻟﻰ أﺳﻔﻞ ..إﻻ ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﻔﺰع واﻟﺪوار. ﻗﻠﺖ: وﻟﻜﻦ اﻟﺪوار ھﻮ اﻟﻌﺸﻖ؛ ھﻮ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺴﻘﻮط اﻟﺬي ﻻ ﯾﻘﺎوم؛ ھﻮاﻟﺘﻔﺮج ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ ﺷﺎھﻘﺔ ﻟﻠﺨﻮف؛ ھﻮ ﺷﺤﻨﺔ ﻣﻦ اﻻﻧﻔﻌﺎﻻت واﻷﺣﺎﺳﯿﺲ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺬﺑﻚ ﻟﻸﺳﻔﻞ واﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ وﻗﺖ واﺣﺪ ،ﻷن اﻟﺴﻘﻮط داﺋﻤﺎً أﺳﮭﻞ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﯿﻦ ﺧﺎﺋﻔﺘﯿﻦ! أن أرﺳﻢ ﻟﻚ ﺟﺴﺮاً ﺷﺎﻣﺨﺎً ﻛﮭﺬا ،ﯾﻌﻨﻲ أن أﻋﺘﺮف ﻟﻚ أﻧﻚ دواري .إﻧﮫ ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﻘﻠﮫ ﻟﻚ رﺟﻞٌ ﻗﺒﻠﻲ. أﻧﺎ ﻻ أﻓﮭﻢ أن ﺗﺤﺒّﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ وﺗﻜﺮھﻲ اﻟﺠﺴﻮر؛ وﺗﺒﺤﺜﻲ ﻋﻦ اﻹﺑﺪاع ،وأﻧﺖ ﺗﺨﺎﻓﯿﻦ اﻟﺪاور .ﻟﻮﻻ اﻟﺠﺴﻮر ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ .وﻟﻮﻻ ﺷﮭﻘﺔ اﻟﺪوار ،ﻟﻤﺎ أﺣﺐّ أﺣﺪ ..أو أﺑﺪع. ﻛﻨﺖ ﺗﺴﺘﻤﻌﯿﻦ إﻟﻲّ ،وﻛﺄﻧﻚ ﺗﻜﺘﺸﻔﯿﻦ ﺷﯿﺌﺎً ﻟﻢ ﺗﻨﺘﺒﮭﻲ ﻟﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺑﺮﻏﻢ ﺑﺴﺎﻃﺘﮫ. ﻏﯿﺮ أﻧﻚ ﻗﻠﺖ: رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻓﻀﻞ ﻟﻮ رﺳﻤﺘﻨﻲ أﻧﺎ وﻟﯿﺲ ھﺬااﻟﺠﺴﺮ .إن أي اﻣﺮأة ﺗﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ رﺳﺎم ،ﺗﺤﻠﻢ ﻓﻲ ﺳﺮّھﺎ أن ﯾﺨﻠّﺪھﺎ ،أن ﯾﺮﺳﻤﮭﺎ ھﻲ ..ﻻ أن ﯾﺮﺳﻢ ﻣﺪﯾﻨﺘﮭﺎ؛ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﻤﺎ أنّ أيّ رﺟﻞ ﯾﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﻛﺎﺗﺒﺔ ،ﯾﺘﻤﻨﻰ أن ﺗﻜﺘﺐ ﻋﻨﮫ ﺷﯿﺌﺎً ،وﻟﯿﺲ ﻋﻦ ﺷﻲء آﺧﺮ ﻟﮫ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﮫ .إﻧﮭﺎ اﻟﻨﺮﺟﺴﯿﺔ ..أو اﻟﻐﺮور أو أﺷﯿﺎء أﺧﺮى ﻻ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻟﮭﺎ. ﻓﺎﺟﺄﻧﻲ اﻋﺘﺮاﻓﻚ .ﺷﻌﺮت ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺒﺔ. ھﻞ رﺳﻤﺖ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺰوّرة ﻋﻨﻚ إذن؟ أﺣﻖّ أﻧﮫ ﻟﯿﺲ ﺑﯿﻨﻚ وﺑﯿﻦ ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ ﻣﻦ ﻗﺮاﺑﺔ؟ أﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻧﺴﺨﺔ ﻃﺒﻖ اﻷﺻﻞ ﻋﻦ ذاﻛﺮﺗﻲ ..وأن ﺣﻠﻤﻚ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ، أن ﺗﺼﺒﺤﻲ ﻧﺴﺨﺔ أﺧﺮى ﻋﻦ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ﻻ ﻏﯿﺮ ،أن ﺗﺘﺤﻮﻟﻲ إﻟﻰ ﻟﻮﺣﺔ ﻋﺎدﯾﺔ، ﻣﻔﻀﻮﺣﺔ اﻟﻤﺰاج ،ووﺟﮫ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﺣﯿﻖ ،ﯾﺸﺒﮫ وﺟﮭﮫ؟
ﺗﺮاﻧﺎ ﻟﻢ ﻧَﺸْﻒَ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻌﻘﺪة؟ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﯿﺄس: إذا ﻛﺎن ھﺬا ﻣﺎ ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ ..ﺳﺄرﺳﻤﻚ.أﺟﺒﺘﻨﻲ ﺑﺼﻮت ﻓﯿﮫ ﺧﺠﻞ ﻣﺎ: أﻋﺘﺮف أﻧﻨﻲ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﯾﺔ ،ﻛﻨﺖ أﺣﻠﻢ أن ﺗﺮﺳﻤﻨﻲ أﻧﺎ ..وأن أﺣﺘﻔﻆ ﺑﮭﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔﻋﻨﺪي ﻛﺬﻛﺮى ،ﺷﺮط أﻻ ﺗﻀﻊ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺗﻮﻗﯿﻚ إذا أﻣﻜﻦ.. ﺷﻌﺮت ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻀﺤﻚ ،أو ﻋﻠﻰ اﻷرﺟﺢ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺰن ،وأﻧﺎ أﻛﺘﺸﻒ ذﻟﻚ اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻌﺠﯿﺐ ﻟﻸﺷﯿﺎء. ﻛﺎن ﻣﻦ ﺣﻘﻲ إذن أن أوﻗﻊ اﻟﺮﻣﻮز واﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﻟﯿﺲ ﺑﯿﻨﮭﺎ وﺑﯿﻨﻚ ﻣﻦ ﺷﺒﮫ .وأﻣﺎ أﻧﺖ ﻓﻠﯿﺲ ﻓﻲ وﺳﻌﻲ أن أﺿﻊ أﺳﻔﻞ رﺳﻤﻚ ﺗﻮﻗﯿﻌﻲ .أﻧﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ أﺣﺒﺒﺘﮭﺎ ،ﻟﻦ ﯾﻘﺘﺮن اﺳﻤﻲ ﺑﻚ وﻟﻮ ﻣﺮة واﺣﺪة ،ﺣﺘﻰ ﻓﻲ أﺳﻔﻞ ﻟﻮﺣﺔ؟ ھﻨﺎك إذن اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺸﺘﺮون ﺗﻮﻗﯿﻌﻲ ﻓﻘﻂ ،وﻟﯿﺲ ﻟﻮﺣﺎﺗﻲ .وھﻨﺎك أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ ﻟﻮﺣﺘﻲ دون ﺗﻮﻗﯿﻊ. وھﻨﺎﻟﻚ أﻧﺎ ..اﻟﻤﺠﻨﻮن اﻟﻌﻨﯿﺪ اﻟﺬي ﯾﺮﻓﺾ ھﺬا اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﻟﻸﺷﯿﺎء ،وﯾﺮﻓﺾ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺤﺐّ أن ﯾﺤﻮﻟﻚ إﻟﻰ ﻟﻮﺣﺔ ﻟﻘﯿﻄﺔ ،ﻻ ﻧﺴﺐ ﻟﮭﺎ وﻻ ﺻﺎﺣﺐ .ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﺒﻨّﺎھﺎ أﯾﺔ رﯾﺸﺔ وأي رﺳﺎم. ﺣﯿّﺮك ﺻﻤﺘﻲ ..ﻗﻠﺖ ﺷﺒﮫ ﻣﻌﺘﺬرة: ھﻞ ﯾﺰﻋﺠﻚ أن ﺗﺮﺳﻤﻨﻲ؟ﻗﻠﺖ ﺳﺎﺧﺮاً: ﻻ ..ﻛﻨﺖ أﻛﺘﺸﻒ ﻓﻘﻂ ﻣﺮة أﺧﺮى ،أﻧﻚ ﻧﺴﺨﺔ ﻃﺒﻖ اﻷﺻﻞ ﻋﻦ وﻃﻦ ﻣﺎ ،وﻃﻦرﺳﻤﺖ ﻣﻼﻣﺤﮫ ذات ﯾﻮم .وﻟﻜﻦ آﺧﺮﯾﻦ وﺿﻌﻮا إﻣﻀﺎﺋﮭﻢ أﺳﻔﻞ اﻧﺘﺼﺎراﺗﻲ .ھﻨﺎﻟﻚ إﻣﻀﺎءات ﺟﺎھﺰة داﺋﻤﺎً ﻟﻤﺜﻞ ھﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت .ﻓﻤﻦ اﻷزل ،ﻛﺎن ھﻨﺎﻟﻚ داﺋﻤﺎً ﻣﻦ ﯾﻜﺘﺐ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ،وھﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﯾﻮﻗّﻌﮫ ،وﻟﺬا أﻧﺎ أﻛﺮه اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺠﺎھﺰة ﻟﻠﺘﺰوﯾﺮ. ﺗﺮاك ﻓﮭﻤﺖ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﻠﺘﮫ ﻟﻚ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ؟
ﺑﺪأت أﺷﻚّ ﻓﺠﺄة ﻓﻲ وﻋﯿﻚ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻛﻞّ ﻣﺎ ﯾﮭﻤّﻚ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،ھﻮ ﻣﻮﺿﻮع ﻟﻮﺣﺘﻚ ﻻ ﻏﯿﺮ. ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﻐﺎدرﯾﻦ اﻟﻤﺮﺳﻢ: أﺗﺪري أﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻟﻤﺪة ﺷﮭﺮﯾﻦ؟ ﺳﺄﺳﺎﻓﺮ اﻷﺳﺒﻮع اﻟﻘﺎدم إﻟﻰ اﻟﺠﺰاﺋﺮ..ﺻﺤﺖ وأﻧﺎ أﺳﺘﻮﻗﻔﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﻤﺮ: أﺣﻖٌ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﯿﻦ؟ﻗﻠﺖ: ﻃﺒﻌﺎً أﻧﺎ أﻗﻀﻲ داﺋﻤﺎً ﻋﻄﻠﺘﻲ اﻟﺼﯿﻔﯿﺔ ﻣﻊ واﻟﺪﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ .وﻻ ﺑﺪّ أن أﻋﻮداﻷﺳﺒﻮع اﻟﻘﺎدم ﻣﻊ ﻋﻤﻲ وﻋﺎﺋﻠﺘﮫ ..ﻟﻦ ﯾﺒﻘﻰ أﺣﺪ ھﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﺎرﯾﺲ. وﻗﻔﺖ ﻣﺬھﻮﻻً وﺳﻂ اﻟﻤﻤﺸﻰ .أﻣﺴﻜﺖ ﺑﺬراﻋﻚ وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻣﻨﻌﻚ ﻣﻦ اﻟﺮﺣﯿﻞ ،وﺳﺄﻟﺘﻚ ﺑﺤﺰن: وأﻧﺎ..؟أﻧﺖ ..ﺳﺄﺷﺘﺎق إﻟﯿﻚ ﻛﺜﯿﺮاً .أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻨﺎ ﺳﻨﺘﻌﺬّب ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ..إﻧﮫ ﻓﺮاﻗﻨﺎ اﻷول.وﻟﻜﻦ ﺳﻨﺤﺘﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﯿﻤﺮّ ﺑﺴﺮﻋﺔ. ﺛﻢ أﺿﻔﺖِ ﺑﻠﮭﺠﺔ ﻣﻦ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺤﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ،أو ﯾﻨﺘﮭﻲ ﻣﻨﮭﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ: ﻻ ﺗﺤﺰن ..ﯾﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﻜﺘﺐ ﻟﻲ أو ﺗﻄﻠﺒﻨﻲ ھﺎﺗﻔﯿﺎً ..ﺳﻨﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ اﺗﺼﺎل.ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺒﻜﺎء. ﻛﻄﻔﻞ أﺧﺒﺮﺗﮫ أﻣﮫ أﻧﮭﺎ ﺳﺘﺴﺎﻓﺮ دوﻧﮫ .وﻛﻨﺖ أﻧﺖ ﺗﺰﻓّﯿﻦ ﻟﻲ ذﻟﻚ اﻟﺨﺒﺮ ،ﺑﺸﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﺎدﯾﺔ اﻟﺘﻲ أدھﺸﺘﻨﻲ .وﻛﺄن ﻋﺬاﺑﻲ ﯾﻐﺮﯾﻚ ﺑﺸﻲء ﻣﺎ. ھﻞ أﻣﺴﻚ ﺑﺄﻃﺮاف ﺛﻮﺑﻚ ﻛﻄﻔﻞ وأﺟﮭﺶ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء؟ ھﻞ أﺗﺤﺪث إﻟﯿﻚ ﺳﺎﻋﺎت ،ﻷﻗﻨﻌﻚ أﻧﻨﻲ ﻟﻦ أﻗﺪر ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﯿﺶ ﺑﺪوﻧﻚ ،وأن اﻟﺰﻣﻦ ﺑﻌﺪك ﻻ ﯾﻘﺎس ﺑﺎﻟﺴﺎﻋﺎت وﻻ ﺑﺎﻷﯾﺎم ،وأﻧﻨﻲ أدﻣﻨﺘﻚ؟
ﻛﯿﻒ أﻗﻨﻌﻚ أﻧﻨﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﻋﺒﺪاً ﻟﺼﻮﺗﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺎﺗﻒ؟ ﻋﺒﺪاً ﻟﻀﺤﻜﺘﻚ، ﻟﻄﻠﺘﻚ ،ﻟﺤﻀﻮرك اﻷﻧﺜﻮي اﻟﺸﮭﻲّ ،ﻟﺘﻨﺎﻗﻀﻚ اﻟﺘﻠﻘﺎﺋﻲّ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲ وﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ . ﻋﺒﺪٌ ﻟﻤﺪﯾﻨﺔ أﺻﺒﺤﺖ أﻧﺖ ،ﻟﺬاﻛﺮة أﺻﺒﺤﺖ أﻧﺖ ،ﻟﻜﻞ ﺷﻲ ﻟﻤﺴﺘﮫ أو ﻋﺒﺮﺗﮫ ﯾﻮﻣﺎً. ﻛﺎن اﻟﺤﺰن ﯾﮭﺠﻢ ﻋﻠﻲّ ﻓﺠﺄة ،وأﻧﺎ واﻗﻒ ھﻜﺬا ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻤﺮ أﺗﺄﻣﻠﻚ ﺑﺬھﻮل ﻣﻦ ﻻ ﯾﺼﺪق. وﻛﻨﺖ ﻗﺮﯾﺒﺔ ﻣﻨﻲ ﺣﺪ اﻻﻟﺘﺼﺎق ،ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﺤﺪث أن ﻛﻨﺘﮫ ﯾﻮﻣﺎً .ﺑﺤﺜﺖ ﻓﻲ ﻣﻼﻣﺤﻚ ﻋﻦ ﺷﻲء ﯾﻔﻀﺢ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻋﻮاﻃﻔﻚ؛ ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﻓﮭﻢ ﺷﯿﺌﺎً. أﺗﺮاه ﻋﻄﺮك اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺨﺘﺮق ﺣﻮاﺳﻲ وﯾﺸﻞّ ﻋﻘﻠﻲ ،ھﻮ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻨﻲ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻻ أﺗﻌﻤّﻖ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ؟ ﻛﻨﺖ أﻋﻲ ﻓﻘﻂ أﻧﻚ ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت ﺳﺘﻜﻮﻧﯿﻦ ﺑﻌﯿﺪة ،ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺳﺎﻋﺘﮭﺎ ﻗﺮﯾﺒﺔ. رﻓﻌﺖ وﺟﮭﻚ ﻧﺤﻮي. ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﻗﻮل ﻟﻚ ﺷﯿﺌﺎً ﻟﻢ أﻋﺪ أذﻛﺮه .وﻟﻜﻦ ﻗﺒﻞ أن أﻗﻮل أﯾّﺔ ﻛﻠﻤﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻔﺘﺎي ﻗﺪ ﺳﺒﻘﺘﺎﻧﻲ وراﺣﺘﺎ ﺗﻠﺘﮭﻤﺎن ﺷﻔﺘﯿﻚ ﻓﻲ ﻗﺒﻠﺔ ﻣﺤﻤﻮﻣﺔ ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ .وﻛﺎﻧﺖ ذراﻋﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪة ﺗﺤﯿﻂ ﺑﻚ ﻛﺤﺰام ،وﺗﺤﻮﻟﻚ ﻓﻲ ﺿﻤﺔ واﺣﺪة إﻟﻰ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻨﻲ. اﻧﺘﻔﻀﺖ ﻗﻠﯿﻼً ﺑﯿﻦ ﯾﺪي ﻛﺴﻤﻜﺔ ﺧﺮﺟﺖ ﻟﺘﻮّھﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،ﺛﻢ اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ إﻟﻲّ. ﻛﺎن ﺷﻌﺮك اﻟﻄﻮﯾﻞ اﻟﺤﺎﻟﻚ ،ﯾﻨﻔﺮط ﻓﺠﺄة ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﯿﻚ ﺷﺎﻻً ﻏﺠﺮﯾﺎً أﺳﻮد ،وﯾﻮﻗﻆ رﻏﺒﺔ ﻗﺪﯾﻤﺔ ﻹﻣﺴﺎﻛﻚ ﻣﻨﮫ ،ﺑﺸﺮاﺳﺔ اﻟﻌﺸﻖ اﻟﻤﻤﻨﻮع .ﺑﯿﻨﻤﺎ راﺣﺖ ﺷﻔﺘﺎي ﺗﺒﺤﺜﺎن ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﺗﺘﺮﻛﺎن ﺑﮭﺎ ﺗﻮﻗﯿﻌﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻚ اﻟﻤﺮﺳﻮﻣﺘﯿﻦ ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻟﻠﺤﺐ. ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪّ أن ﯾﺤﺪث ھﺬا.. أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻌﯿﻦ اﻟﻈﻼل ﻋﻠﻰ ﻋﯿﻨﯿﻚ ،واﻟﺤﻤﻰ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻚ ﺑﺪل أﺣﻤﺮ اﻟﺸﻔﺎه ،أﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أﺻﻤﺪ ﻃﻮﯾﻼً ﻓﻲ وﺟﮫ أﻧﻮﺛﺘﻚ؟ ھﺎ ھﻲ ﺳﻨﻮاﺗﻲ اﻟﺨﻤﺴﻮن ﺗﻠﺘﮭﻢ ﺷﻔﺘﯿﻚ، وھﺎ ھﻲ اﻟﺤﻤّﻰ ﺗﻨﺘﻘﻞ إﻟﻲّ ،وھﺎ أﻧﺎ أذوب أﺧﯿﺮاً ﻓﻲ ﻗﺒﻠﺔ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﯿﺔ اﻟﻤﺬاق ،ﺟﺰاﺋﺮﯾﺔ اﻻرﺗﺒﺎك. ﻻ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ ﺣﺮاﺋﻘﻚ ..ﺑﺎردةٌ ﻗُﺒﻞ اﻟﻐﺮﺑﺔ ﻟﻮ ﺗﺪرﯾﻦ .ﺑﺎردةٌ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻔﺎه اﻟﻜﺜﯿﺮة اﻟﺤﻤﺮة واﻟﻘﻠﯿﻠﺔ اﻟﺪفء .ﺑﺎردٌ ذﻟﻚ اﻟﺴﺮﯾﺮ اﻟﺬي ﻻ ذاﻛﺮة ﻟﮫ. دﻋﯿﻨﻲ أﺗﺰود ﻣﻨﻚ ﻟﺴﻨﻮات اﻟﺼﻘﯿﻊ .دﻋﯿﻨﻲ أﺧﺒّﺊ رأﺳﻲ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻚ .أﺧﺘﺒﺊ ﻃﻔﻼً ﺣﺰﯾﻨﺎً ﻓﻲ ﺣﻀﻨﻚ. دﻋﯿﻨﻲ أﺳﺮق ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﮭﺎرب ﻟﺤﻈﺔ واﺣﺪة ،وأﺣﻠﻢ أن ﻛﻞ ھﺬه اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ ..ﻟﻲ.
ﻓﺎﺣﺮﻗﯿﻨﻲ ﻋﺸﻘﺎً ،ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ! ﺷﮭﯿّﺘﯿﻦ ﺷﻔﺘﺎك ﻛﺎﻧﺘﺎ ،ﻛﺤﺒّﺎت ﺗﻮت ﻧﻀﺠﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﮭﻞ .ﻋﺒﻘﺎً ﺟﺴﺪك ﻛﺎن ،ﻛﺸﺠﺮة ﯾﺎﺳﻤﯿﻦ ﺗﻔﺘﺤﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ. ﺟﺎﺋﻊ أﻧﺎ إﻟﯿﻚ ..ﻋﻤﺮ ﻣﻦ اﻟﻈﻤﺄ واﻻﻧﺘﻈﺎر .ﻋﻤﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺪ واﻟﺤﻮاﺟﺰ واﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت. ﻋﻤﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﻏﺒﺔ وﻣﻦ اﻟﺨﺠﻞ ،ﻣﻦ اﻟﻘﯿﻢ اﻟﻤﻮروﺛﺔ ،وﻣﻦ اﻟﺮﻏﺒﺎت اﻟﻤﻜﺒﻮﺗﺔ .ﻋﻤﺮ ﻣﻦ اﻻرﺗﺒﺎك واﻟﻨﻔﺎق. ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻚ رﺣﺖ أﻟﻤﻠﻢ ﺷﺘﺎت ﻋﻤﺮي. ﻓﻲ ﻗﺒﻠﺔ ﻣﻨﻚ اﺟﺘﻤﻌﺖ ﻛﻞّ أﺿﺪادي وﺗﻨﺎﻗﻀﺎﺗﻲ .واﺳﺘﯿﻘﻆ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻗﺘﻠﺘﮫ ﻃﻮﯾ ً ﻼ ﻣﺮاﻋﺎة ﻟﺮﺟﻞ آﺧﺮ ،ﻛﺎن ﯾﻮﻣﺎً رﻓﯿﻖ أﺑﯿﻚ. رﺟﻞٌ ﻛﺎد ﯾﻜﻮن أﺑﺎك. ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻚ وُﻟﺪتُ وﻣﺖﱡ ﻓﻲ وﻗﺖٍ واﺣﺪ .ﻗﺘﻠﺖ رﺟﻼً وأﺣﯿﯿﺖ آﺧﺮ. ھﻞ ﺗﻮﻗّﻒ اﻟﺰﻣﻦ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ؟ ھﻞ ﺳﻮّى أﺧﯿﺮاً ﺑﯿﻦ ﻋﻤﺮﯾﻨﺎ ،ھﻞ أﻟﻐﻰ ذاﻛﺮﺗﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ؟ ﻻ أدري.. ﻛﻞّ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أدرﯾﮫ ،أﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﻟﻲ ،وأﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﺻﺮخ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ إﺣﺪى ﺻﺮﺧﺎت "ﻏﻮﺗﮫ" ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن ﻓﺎوﺳﺖ "ﻗﻒ أﯾﮭﺎ اﻟﺰﻣﻦ ..ﻣﺎ أﺟﻤﻠﻚ!". وﻟﻜﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﺘﻮﻗﻒ .ﻛﺎن ﯾﺘﺮﺑﺺ ﺑﻲ ﻛﺎﻟﻌﺎدة .ﯾﺘﺂﻣﺮ ﻋﻠﻲّ ﻛﺎﻟﻌﺎدة .وﻛﻨﺖ ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت ﺗﺘﺄﻣﻠﯿﻦ ﺳﺎﻋﺘﻚ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻹﺧﻔﺎء ارﺗﺒﺎﻛﻚ ،وﺗﺬﻛﯿﺮي ﺑﻀﺮورة ﻋﻮدﺗﻚ إﻟﻰ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ. ﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﯿﻚ ﻓﻨﺠﺎن ﻗﮭﻮة ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ أﺧﯿﺮة ﻻﺳﺘﺒﻘﺎك. ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ أﻣﺎم اﻟﻤﺮآة ﺗﻀﻌﯿﻦ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﺘﺮﺗﯿﺐ ﻓﻲ ﻣﻈﮭﺮك ،وﺗﺼﻔﻔﯿﻦ ﺷﻌﺮك وﺗﻌﯿﺪﯾﻦ ﺟﻤﻌﮫ: أﻓﻀﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﺑﺎرداً إذا أﻣﻜﻦ..ﺗﺮﻛﺘﻚ ﻓﻲ اﻟﺼﺎﻟﻮن وذھﺒﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﻄﺒﺦ .ﺗﻌﻤﺪت أﻻ أﺳﺘﻌﺠﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻮدة ،وﻛﺄﻧﻨﻲ ﻓﺠﺄة أﺧﺠﻞ ﻣﻦ آﺛﺎر ﻗﺒﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻚ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺪت ﺑﻌﺪھﺎ ،ﻛﻨﺖ أﻣﺎم اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﺗﻠﻘﯿﻦ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺎوﯾﻦ اﻟﻜﺘﺐ ،وﺗﻘﻠّﺒﯿﻦ ﺑﻌﻀﮭﺎ .ﺛﻢ ﺳﺤﺒﺖ ﻣﻦ أﺣﺪ اﻟﺮﻓﻮف ﻛﺘﺎﺑﺎً ﺻﻐﯿﺮاً ،ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ وأﻧﺖ ﺗﻨﻈﺮﯾﻦ إﻟﻰ ﻏﻼﻓﮫ: -أﻟﯿﺲ ھﺬا اﻟﺪﯾﻮان ﻟﺼﺪﯾﻘﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﺣﺪّﺛﺘﻨﻲ ﻋﻨﮫ؟
أﺟﺒﺘﻚ ﺑﺴﻌﺎدة وأﻧﺎ أﺟﺪ أﺧﯿﺮاً ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻮﺿﻮع ﻣﺨﺮﺟﺎً ﻻرﺗﺒﺎﻛﻲ: ﻧﻌﻢ ..ھﻨﺎك دﯾﻮان آﺧﺮ ﻟﮫ أﯾﻀﺎً ﺗﺠﺪﯾﻨﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺮفّ ﻧﻔﺴﮫ.ﻗﻠﺖ: ھﻞ اﺳﻤﮫ زﯾﺎد اﻟﺨﻠﯿﻞ؟ ﻟﻘﺪ ﺳﻤﻌﺖ ھﺬا اﻻﺳﻢ ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم.ﻗﻠﺒﺖِ اﻟﻜﺘﺎب .رأﯾﺘﻚ ﺗﺘﺄﻣﻠﯿﻦ ﻃﻮﯾﻼً ﺻﻮرﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻇﮭﺮ اﻟﻜﺘﺎب .ﺗﻘﺮﺋﯿﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻄﻮر ..ﺛﻢ ﻗﻠﺖ: أﯾﻤﻜﻦ ﻟﻲ أن أﺳﺘﻌﯿﺮ ﻣﻨﻚ ھﺬﯾﻦ اﻟﺪﯾﻮاﻧﯿﻦ؟ .أﻓﻀّﻞ أن أﻗﺮأھﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﮭﻞ ھﺬااﻟﺼﯿﻒ ،ﻓﻠﯿﺲ ﻟﻲ ﻣﺎ أﻃﺎﻟﻌﮫ. أﺟﺒﺘﻚ ﺑﺤﻤﺎﺳﺔ ،أو ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ: ﻃﺒﻌﺎ ،إﻧﮭﺎ ﻓﻜﺮة ﺟﯿﺪة ..أﻧﺎ واﺛﻖ أن ھﺬﯾﻦ اﻟﺪﯾﻮاﻧﯿﻦ ﺳﯿﺘﺮﻛﺎن ﺗﺄﺛﯿﺮھﻤﺎ ﻋﻠﻰﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻚ .ﺳﺘﺠﺪﯾﻦ أﺷﯿﺎء راﺋﻌﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﯾﻮان اﻷﺧﯿﺮ "ﻣﺸﺎرﯾﻊ ﻟﻠﺤﺐّ اﻟﻘﺎدم". إﻧﮫ أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻛﺘﺐ زﯾﺎد. رﺣﺖ ﺑﺴﻌﺎدة ﺗﺨﻔﯿﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﯿﻦ ﻓﻲ ﺣﻘﯿﺒﺔ ﯾﺪك .ﻛﻨﺖ وﻗﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة ﻃﻔﻠﺔ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﺑﯿﺘﮭﺎ ﺑﻠﻌﺐٍ أﺣﺒّﺘﮭﺎ. ﻃﺒﻌﺎً ،ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ ،أﻧﻨﻲ ﺳﺄﻛﻮن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﻌﺒﺘﻚ اﻷﺧﺮى ،وأن ھﺬﯾﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﯿﻦ ﺳﯿﺘﺮﻛﺎن ﺗﺄﺛﯿﺮھﻤﺎ أﯾﻀﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮى ﻗﺼﺘﻨﺎ. ﻛﻨﺖ ﺗﺴﺘﻌﯿﺪﯾﻦ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً وﺟﮭﻚ اﻟﻌﺎدي وﻣﻼﻣﺤﻚ اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ. وﻛﺄن زوﺑﻌﺔ ﺣﺒّﻲ ﻟﻢ ﺗﻤﺮّ ﺑﻚ .ﻓﮭﻞ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺗﻤﺜﯿﻼً أم ﺣﻘﯿﻘﺔ؟ ﺣﺎوﻟﺖ أن أﻧﺴﻰ ﺧﯿﺒﺘﻲ ﻣﻌﻚ ،أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺒﺐ اﻷول ﻓﻲ زﯾﺎرﺗﻚ. ﺣﺎوﻟﺖ أﯾﻀﺎً أن أﺧﻔّﻒ ﻣﻦ ﺧﯿﺒﺘﻚ . ﻗﻠﺖ: ﺳﺄرﺳﻤﻚ ،ﺳﺘﻜﻮن ﻟﻮﺣﺘﻚ ﺗﺴﻠﯿﺘﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﯿﻒ..ﺛﻢ أﺿﻔﺖ دون أﯾﺔ ﻧﯿﺔ ﺧﺎﺻﺔ:
ﯾﺠﺐ أن ﺗﺰورﯾﻨﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻟﺘﺠﻠﺴﻲ أﻣﺎﻣﻲ ،ﺣﺘﻰ أﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ رﺳﻤﻚ .أو ﺗﻌﻄﯿﻨﻲﺻﻮرة ﻟﻚ أﻧﻘﻞ ﻋﻨﮭﺎ ﻣﻼﻣﺤﻚ. ﻗﻠﺖِ وﻛﺄن اﻟﺠﻮاب ﻛﺎن ﺟﺎھﺰاً ﻟﺪﯾﻚ: ﻟﻢ ﯾﺒﻖَ أﻣﺎﻣﻲ ﻣﺘّﺴﻊ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻷﻋﻮد إﻟﯿﻚ ھﺬه اﻷﯾﺎم ،وﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﺣﻮزﺗﻲ أﯾﺔﺻﻮرة .ﯾﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺴﺘﻌﯿﻦ ﺑﺼﻮرﺗﻲ اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻋﻠﻰ ﻇﮭﺮ ﻛﺘﺎﺑﻲ ،ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر أن أﻋﻮد. أﻋﺘﺮف أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻓﮭﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ أﯾﻀﺎً ،إذا ﻛﺎن ﻓﻲ ﺟﻮاﺑﻚ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﻠﻤﯿﺢ ﻟﻲ ﺑﺄﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻌﻮدي إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ،أم أﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﺗﺠﯿﺒﯿﻨﻲ ﺑﺘﻠﻘﺎﺋﯿﺔ ﺑﺮﯾﺌﺔ ﻻ أﻛﺜﺮ؟ أﻟﺴﺖ أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﺗﻠﺤّﯿﻦ ﻋﻠﻲّ أن أرﺳﻤﻚ؟ ﻓﻠﻤﺎذا ﺣﻮّﻟﺖ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺔ إﻟﻰ ﻗﻀﯿﺔ ﺷﺨﺼﯿﺔ أﻧﺎ وﺣﺪي ﻣﻌﻨﻲّ ﺑﮭﺎ؟ ﻟﻢ أﻧﺎﻗﺸﻚ ﻛﺜﯿﺮا .ﻛﻨﺖ أدري أﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺤﺎﻻت ﺳﺄرﺳﻤﻚ .رﺑﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﻻ أﻋﺮف ﻛﯿﻒ أرﻓﺾ ﻟﻚ ﻃﻠﺒﺎً ،ورﺑﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﻻ أﻋﺮف ﻛﯿﻒ ﺳﺄﻗﻀﻲ اﻟﺼﯿﻒ دون اﺳﺘﺤﻀﺎرك وﻟﻮ رﺳﻤﺎً. ذھﺒﺖ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺑﻌﺪﻣﺎ وﺿﻌﺖ ﻗﺒﻠﺘﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺧﺪّي ،ووﻋﺪﺗﻨﻲ ﺑﻠﻘﺎء ﻗﺮﯾﺐ .ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻣﻤﻜﻨﺎً ﺑﻌﺪ ﻗﺒﻠﺘﻨﺎ أن ﻧﺘﺼﺎﻓﺢ.. ﻛﻨﺖ أﻋﻲ أنّ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ﻗﺪ ﺗﻐﯿّﺮ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ،وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻣﻤﻜﻨﺎً ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻤﺎرد اﻟﺬي اﻧﻄﻠﻖ ﻓﺠﺄة ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻗﻨﺎ ،أن ﯾﻌﻮد إﻟﻰ ﻗﻠﺐ اﻟﺰﺟﺎﺟﺔ اﻟﺘﻲ أﻏﻠﻘﻨﺎھﺎ ﻋﻠﯿﮫ ﻷﺳﺎﺑﯿﻊ ﻛﺎﻣﻠﺔ. ﻛﻨﺖ أﻋﻲ أﻧﻨﻲ أﻧﺘﻘﻞ ﻣﻌﻚ ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﻟﺤﻈﺎت ﻣﻦ اﻟﺤﺐ إﻟﻰ اﻟﻌﺸﻖ .ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ اﻟﺒﺮﯾﺌﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﮭﻮة ،وأﻧﮫ ﺳﯿﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ،ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم ،أن أﻧﺴﻰ ﻣﺬاق ﻗﺒﻠﺘﻚ، وﺣﺮارة ﺟﺴﺪك اﻟﻤﻠﺘﺼﻖ ﺑﻲ ﻟﻠﺤﻈﺎت. ﻛﻢ داﻣﺖ ﻗﺒﻠﺘﻨﺎ ﺗﻠﻚ ..دﻗﯿﻘﺘﯿﻦ؟ ﺛﻼﺛﺎً؟ أم ﺧﻤﺲ دﻗﺎﺋﻖ ﻟﻠﺠﻨﻮن ﻻ ﻏﯿﺮ؟ أﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻔﻌﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ اﻟﻘﻠﯿﻠﺔ ﻛﻞ اﻟﺬي ﺣﻞّ ﺑﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؟ أﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻠﻐﻲ ﺧﻤﺲ دﻗﺎﺋﻖ ،ﺧﻤﺴﯿﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮي؟ وﻛﯿﻒ ﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﻌﺪھﺎ ﺑﺄيّ إﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻨﺪم ،ﺑﺄيّ ﺧﺠﻞ ﺗﺠﺎه ذﻛﺮى ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ؟ أﻧﺎ
اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﻗﺘﺮف ﯾﻮﻣﮭﺎ أول ﺧﯿﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻤﻔﮭﻮم اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻟﻠﺨﯿﺎﻧﺔ. ﻻ ..ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﺳﻮى اﻟﺤﺐ. ﻛﻨﺖ ﻣﻤﺘﻠﺌﺎً ﺑﺎﻟﻌﺸﻖ ،ﺑﺎﻟﺸﮭﻮة ،ﺑﺎﻟﺠﻨﻮن .ﻛﻨﺖ أﺧﯿﺮاً ﺳﻌﯿﺪاً .ﻓﻠﻤﺎذا أﻓﺴﺪ ﺳﻌﺎدﺗﻲ ﺑﺎﻟﻨﺪم ،ﺑﺎﻟﺘﺴﺎؤﻻت اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻮﺻﻠﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ؟ ﻻ أذﻛﺮ ﻣﻦ ﻗﺎل " اﻟﻨﺪم ھﻮ اﻟﺨﻄﺄ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻧﻘﺘﺮﻓﮫ "..وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻣﺴﺎﺣﺔ أﺧﺮى وﻟﻮ ﺻﻐﯿﺮة ،ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺘﺴﻠﻞ ﻣﻨﮭﺎ ﺷﻲء آﺧﺮ ﻏﯿﺮ؟ اﻟﺤﺐّ. أﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻛﻞّ ذﻟﻚ ﺟﻨﻮﻧﺎً. ﻛﯿﻒ ﺳﻤﺤﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ أن أﻛﻮن ﺳﻌﯿﺪاً إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪّ ،وأﻧﺎ أدري أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻣﺘﻠﻚ ﻣﻨﻚ ﺷﯿﺌﺎً ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،ﺳﻮى ﺑﻀﻊ دﻗﺎﺋﻖ ﻟﻠﻔﺮح اﻟﻤﺴﺮوق ،وأن أﻣﺎﻣﻲ ﻣﺘﺴﻌﺎً ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ..ﻟﻠﻌﺬاب؟ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ
ﻛﺎن ﻟﺮﺣﯿﻠﻚ ﻣﺬاق اﻟﻔﺠﯿﻌﺔ اﻷوﻟﻰ .واﻟﻮﺣﺪة اﻟﺘﻲ أﺣﺎﻟﺘﻨﻲ ﻓﻲ أﯾﺎم إﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻟﻮﺣﺔ ﯾﺘﯿﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺪار ،ﺗﺤﻀﺮﻧﻲ ﺟﻤﻠﺔ ﺗﺒﺪأ ﺑﮭﺎ رواﯾﺔ أﺣﺒﺒﺘﮭﺎ ﯾﻮﻣﺎً.. "ﻣﺎ أﻋﻈﻢ اﷲ! ﻓﮭﻮ ﻋﻈﯿﻢ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ أﻧﺎ وﺣﯿﺪ .إﻧﻲ ﻷرى اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻓﯿﺒﺪو ﻟﻲ ﻛﻠﻮﺣﺔ".. وﻛﻨﺖ أﻧﺎ ﻓﻲ ﻋﺰﻟﺘﻲ ووﺣﺪﺗﻲ ،ذﻟﻚ اﻟﻤﺆﻟﻒ وﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﻣﻌﺎً .ﻓﻤﺎ أﻛﺒﺮ وأﺑﺮد ذﻟﻚ اﻟﻜﻮن اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﻣﻌﻠّﻘﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﺪاره ،ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرك! ﻛﻨﺖ أدﺧﻞ ﺑﻌﺪك ﻣﻨﺤﺪرات اﻟﺨﯿﺒﺎت اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ .وأﻋﯿﺶ ذﻟﻚ اﻟﻘﻠﻖ اﻟﻐﺎﻣﺾ ،اﻟﺬي ﯾﺴﺒﻖ وﯾﻠﻲ داﺋﻤﺎً ﻛﻞ ﻣﻌﺮض ﻟﻲ .وﻛﻨﺖ أﻗﻮم ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً ﺑﺠﺮدة ﻷﻓﺮاﺣﻲ وﺧﯿﺒﺎﺗﻲ. اﻧﺘﮭﻰ ﻣﻌﺮﺿﻲ إذاً .ﻟﻢ ﺗﮭﺘﻢ ﺑﮫ ﻏﯿﺮ ﺻﺤﺎﻓﺔ ﻓﺮﻧﺴﯿﺔ ﻣﺨﺘﺼّﺔ ﻛﺎﻟﻌﺎدة .وﺑﻌﺾ اﻟﻤﺠﻼت اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﮭﺎﺟﺮة. وﻟﻜﻦ ﯾﻤﻜﻦ أن أﻗﻮل إﻧﮫ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻄﯿﺔ إﻋﻼﻣﯿﺔ ﻛﺎﻓﯿﺔ ،وأن اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺘﺒﻮا ﻋﻨﮫ أﺟﻤﻌﻮا ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﺣﺪث ﻓﻨﻲ ﻋﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺑﺎرﯾﺲ. وﺣﺪھﺎ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ ﺗﺠﺎھﻠﺘﮫ ،ﻋﻦ إھﻤﺎل ﻻ ﻏﯿﺮ ،ﻛﺎﻟﻌﺎدة .ﺟﺮﯾﺪة وﻣﺠﻠﺔ أﺳﺒﻮﻋﯿﺔ واﺣﺪة ،ﻛﺘﺒﺘﺎ ﻋﻨﮫ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﻣﻘﺘﻀﺒﺔ .وﻛﺄﻧﮭﻤﺎ ﺗﻌﺎﻧﯿﺎن ﻓﻌﻼً ﻣﻦ ﻗﻠﺔ
اﻟﺼﻔﺤﺎت ،وﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﻗﻠﺔ اﻟﻤﻮاد اﻟﺼﺤﺎﻓﯿﺔ. ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﺤﻀﺮ ذﻟﻚ اﻟﺼﺪﯾﻖ اﻟﺼﺤﺎﻓﻲ ،اﻟﺬي وﻋﺪﻧﻲ ﺑﺎﻟﺤﻀﻮر إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ ﻟﻘﻀﺎﯾﺎ ﺷﺨﺼﯿﺔ ،وﻹﺟﺮاء ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﻄﻮّﻟﺔ ﻣﻌﻲ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ .ورﻏﻢ أﻧﻨﻲ رﺟﻞ ﻏﯿﺮ ﻣﻮﻟﻊ ﺑﺎﻷﺿﻮاء ،واﻟﺠﻠﻮس ﻟﻌﺪة ﺳﺎﻋﺎت إﻟﻰ ﺻﺤﺎﻓﻲ ﻟﻠﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ ،ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺗﻤﻨﻰ أن ﺗﺘﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ،ﻷﺗﻤﻜﻦ أﺧﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻣﻄﻮّﻻً إﻟﻰ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻌﻨﯿﻨﻲ ﺣﻘﺎً ..اﻟﻘﺎرئ اﻟﺠﺰاﺋﺮي. ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ﻃﻠﺒﻨﻲ ﻟﯿﺨﺒﺮﻧﻲ أﻧﮫ اﺿﻄﺮ ﻟﻠﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،ﻟﺘﻐﻄﯿﺔ ﻣﮭﺮﺟﺎن ﻣﺎ ﻣﻦ أﺣﺪ اﻟﻤﮭﺮﺟﺎﻧﺎت اﻟﺘﻲ ازدھﺮت ھﺬه اﻷﯾﺎم ،ﻷﺳﺒﺎب ﻏﺎﻣﻀﺔ ﯾﻌﻠﻤﮭﺎ اﷲ ..وآﺧﺮون. وﻟﻢ أﻋﺘﺐ ﻋﻠﯿﮫ ..ﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﯿﻦ ﻣﮭﺮﺟﺎن أو ﻣﻠﺘﻘﻰ رﺳﻤﻲ ،ﯾﺘﻢ إﻋﺪاده واﻹﻧﻔﺎق ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺼﻌﺒﺔ وﺑﯿﻦ أي ﻣﻌﺮض ﻣﮭﻤﺎ ﻛﺎن اﺳﻢ ﺻﺎﺣﺒﮫ ،واﻟﺴﻨﻮات اﻟﺘﻲ أﺧﺬﺗﮭﺎ ﻣﻨﮫ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺎت. ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﺣﺘﻰ أن أﻋﺘﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ. ﻣﺎذا ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻘﺪم ﻣﻌﺮض ﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﻔﻨﯿﺔ ﻣﻦ ﻣﺘﻌﺔ أو ﺗﺮﻓﯿﮫ ﻟﻠﻤﻮاﻃﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﺬي ﯾﻌﯿﺶ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ اﻻﻧﻔﺠﺎر ،ﺑﻞ اﻻﻧﺘﺤﺎر ،وﻻ وﻗﺖ ﻟﮫ ﻟﻠﺘﺄﻣﻞ أو اﻟﺘﺬوق ،واﻟﺬي ﯾﻔﻀّﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﮭﺮﺟﺎﻧﺎً ﻷﻏﻨﯿﺔ( اﻟﺮاي( .ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺮﻗﺺ ..وﯾﺼﺮخ ..وﯾﻐﻨﻲ ﻓﯿﮭﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﻔﺠﺮ ،ﻣﻨﻔﻘﺎً ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ اﻟﻤﺸﺒﻮھﺔ ،ﻣﺎ ﺗﺠﻤّﻊ ﻓﻲ ﺟﯿﺒﮫ ﻣﻦ دﯾﻨﺎرات ،وﻣﺎ ﺗﺮاﻛﻢ ﻓﻲ ﺟﺴﺪه ﻣﻦ" ﻟﯿﺒﯿﺪو"؟ ﺗﻠﻚ "اﻟﺜﺮوة" اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻠﻜﮭﺎ ﺷﺒﺎﺑﻨﺎ ﺣﻘﺎً ،واﻟﺘﻲ ﻛﻌﻤﻠﺘﻨﺎ ﯾﺪري أﯾﻦ ﯾﻨﻔﻘﮭﺎ ﺧﺎرج اﻷﺳﻮاق اﻟﺴﻮداء ..ﻟﻠﺒﺆس. ﺑﻌﻀﮭﻢ أدرك ھﺬا ﻗﺒﻞ ﻏﯿﺮه. ﺳﻨﺔ ،1969وﻓﻲ ﻋﺰّ اﻟﻔﺮاغ واﻟﺒﺆس اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻌﯿﺸﮫ اﻟﻮﻃﻦ ،اﺧﺘﺮع أﺣﺪھﻢ ﻓﻲ ﺑﻀﻌﺔ أﯾﺎم ،أﻛﺒﺮ ﻣﮭﺮﺟﺎن ﻋﺮﻓﺘﮫ اﻟﺠﺰاﺋﺮ وإﻓﺮﯾﻘﯿﺎ ،ﻛﺎن اﺳﻤﮫ "اﻟﻤﮭﺮﺟﺎن اﻹﻓﺮﯾﻘﻲ اﻷول" ،دﻋﯿﺖ إﻟﯿﮫ ﻗﺎرة وﻗﺒﺎﺋﻞ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﮭﺎ ﻟﺘﻐﻨﻲ وﺗﺮﻗﺺ _ﻋﺎرﯾﺔ أﺣﯿﺎﻧﺎً_ ﻓﻲ ﺷﻮارع اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻟﻤﺪة أﺳﺒﻮع ﻛﺎﻣﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﺮف اﻟﺜﻮرة! ﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﻼﯾﯿﻦ أﻧﻔﻘﺖ وﻗﺘﮭﺎ ،ﻋﻠﻰ ﻣﮭﺮﺟﺎن ﻟﻠﻔﺮح ﻇﻞّ اﻷول واﻷﺧﯿﺮ .وﻛﺎﻧﺖ أھﻢ إﻧﺠﺎزاﺗﮫ اﻟﺘﻌﺘﯿﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﻗﺎﺋﺪ ﺗﺎرﯾﺨﻲ ﻛﺎن أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ،ﯾﺴﺘﺠﻮب وﯾﻌﺬّب رﺟﺎﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﺠﻠﺴﺎت اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ ..ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺜﻮرة ﻧﻔﺴﮭﺎ.
ودون أن ﺗﻜﻮن ﻟﻲ ﺻﺪاﻗﺔ ﻣﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻘﺎﺋﺪ ،اﻟﺬي ﻛﺎن اﺳﻤﮫ اﻟﻄﺎھﺮ أﯾﻀﺎً ،وﻻ أيّ ﻋﺪاء ﺧﺎص ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻮﻣﺎً ﻣﺠﺎھﺪاً وﻗﺎﺋﺪاً أﯾﻀﺎً ،ﺑﺪأت أﻋﻲ ﻟﻌﺒﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ ،وﺷﺮاھﺔ اﻟﺤﻜﻢ .وأﺻﺒﺤﺖ أﺣﺬر اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﮭﺮﺟﺎﻧﺎت واﻟﻤﺆﺗﻤﺮات ..إﻧﮭﺎ داﺋﻤﺎً ﺗﺨﻔﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ!. ﻓﮭﻞ ھﻲ ﻣﺼﺎدﻓﺔ أن ﺗﺒﺪأ ﻣﺸﻜﻼﺗﻲ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ ،وﯾﻮﻟﺪ أول ﻣﺬاق ﻟﻠﻤﺮارة ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ ﯾﻮﻣﮭﺎ؟ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻟﺘﻘﯿﺖ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺼﺪﯾﻖ ﺑﻌﺪ أﺷﮭﺮ ،اﻋﺘﺬر ﻟﻲ ﺑﺄﺳﻒ ﺻﺎدق ،ووﻋﺪﻧﻲ أﻻ ﯾﻔﻮّت ﻣﻌﺮﺿﻲ اﻟﻘﺎدم. رﺑّﺖّ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﮫ ﺿﺎﺣﻜﺎً وﻗﻠﺖ: ﻻ ﯾﮭﻢ ..ﺑﻌﺪ أﯾﺎم ﻟﻦ ﯾﺬﻛﺮ أﺣﺪ اﺳﻢ ذﻟﻚ اﻟﻤﮭﺮﺟﺎن .وﻟﻜﻦ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﺳﯿﺬﻛﺮ اﺳﻤﻲ ﻻﻣﺤﺎﻟﺔ وﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﻗﺮن! ﻗﺎل ﻟﻲ ﺑﻤﺰاحٍ ﻻ ﯾﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺠﺪ: أﺗﺪري أﻧﻚ ﻣﻐﺮور؟أﺟﺒﺘﮫ: أﻧﺎ ﻣﻐﺮور ﻟﻜﻲ ﻻ أﻛﻮن" ﻣﺤﻘﻮراً" ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﻤﻠﻚ اﻟﺨﯿﺎر ﯾﺎ ﺻﺎﺣﺒﻲ .إﻧﻨﺎ ﻧﻨﺘﻤﻲإﻟﻰ أﻣﺔ ﻻ ﺗﺤﺘﺮم ﻣﺒﺪﻋﯿﮭﺎ وإذا ﻓﻘﺪﻧﺎ ﻏﺮورﻧﺎ وﻛﺒﺮﯾﺎﺋﻨﺎ ،ﺳﺘﺪوﺳﻨﺎ أﻗﺪام اﻷﻣﯿﯿﻦ واﻟﺠﮭﻠﺔ! ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﺑﻌﺪھﺎ أأﻛﻮن ﻣﻐﺮوراً ﺣﻘﺎً؟ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺑﻌﺪ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ،أﻧﻨﻲ ﻻ أﻛﻮن ﻣﻐﺮوراً إﻻ ﻟﺤﻈﺔ أﻗﻒ أﻣﺎم ﻟﻮﺣﺔ ﺑﯿﻀﺎء وأﻧﺎ ﻣﻤﺴﻚ ﺑﻔﺮﺷﺎة .ﻛﻢ ﺑﻠﺰﻣﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻐﺮور ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﻷھﺰم ﺑﯿﺎﺿﮭﺎ وأﻓﺾّ ﺑﻜﺎرﺗﮭﺎ ،وأﺗﺤﺎﯾﻞ ﻋﻠﻰ ارﺗﺒﺎﻛﻲ ﺑﻔﺎﺋﺾ رﺟﻮﻟﺘﻲ ،وﻋﻨﻔﻮان ﻓﺮﺷﺎﺗﻲ؟ وﻟﻜﻦ.. ﻣﺎ أﻛﺎد أﻧﺘﮭﻲ ﻣﻨﮭﺎ ،وأﻣﺴﺢ ﯾﺪي ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﻠﻖ ﺑﮭﺎ ﻣﻦ أﻟﻮان ﺣﺘﻰ أرﺗﻤﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرﯾﻜﺔ اﻟﻤﺠﺎورة ،وأﺗﺄﻣﻠﮭﺎ ﻣﺪھﻮﺷﺎً ،وأﻧﺎ أﻛﺘﺸﻒ أﻧﻨﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻌﺮق وﯾﻨﺰف أﻣﺎﻣﮭﺎ..
وأﻧﮭﺎ أﻧﺜﻰ ﻋﺮﺑﯿﺔ ﺗﺘﻠﻘﻰ ﺛﻮرﺗﻲ ﺑﺒﺮود وراﺛﻲ ﻣﺨﯿﻒ! ..وﻟﺬا ،ﺣﺪث ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎت اﻧﮭﯿﺎراﺗﻲ وﺧﯿﺒﺎﺗﻲ اﻟﻜﺒﺮى أن ﻣﺰّﻗﺖ إﺣﺪاھﻦّ وأﻟﻘﯿﺖ ﺑﮭﺎ ﻓﻲ ﺳﻠﺔ اﻟﻤﮭﻤﻼت ،ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺻﺒﺢ وﺟﻮدھﺎ ﯾﻀﺎﯾﻘﻨﻲ. ھﻨﺎﻟﻚ ﻟﻮﺣﺎت ھﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﺬاﺟﺔ واﻟﺒﺮودة ﺑﺤﯿﺚ ﺗﺨﻠﻖ ﻋﻨﺪك ﻋﻘﺪة رﺟﻮﻟﺔ ..وﻟﯿﺲ ﻓﻘﻂ ﻋﻘﺪة إﺑﺪاع! ورﻏﻢ ذﻟﻚ ،ﻟﻦ ﯾﻌﺮف أﺣﺪ ھﺬا .ورﺑﻤﺎ ﻟﻦ ﯾﺘﻮﻗﻊ ﺿﻌﻔﻲ وھﺰاﺋﻤﻲ اﻟﺴﺮﯾﺔ أﺣﺪٌ. ﻓﺎﻵﺧﺮون ﻟﻦ ﯾﺮوا ﻏﯿﺮ اﻧﺘﺼﺎراﺗﻲ ،ﻣﻌﻠّﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪران ﻓﻲ إﻃﺎر ﺟﻤﯿﻞ .وأﻣﺎ ﺳﻼل اﻟﻤﮭﻤﻼت ،ﻓﺴﺘﺒﻘﻰ داﺋﻤﺎً ﻓﻲ رﻛﻦ ﻣﻦ ﻣﺮﺳﻤﻲ وﻗﻠﺒﻲ ،ﺑﻌﯿﺪة ﻋﻦ اﻷﺿﻮاء. ﻓﺎﻟﺬي ﯾﺠﻠﺲ أﻣﺎم ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺑﯿﻀﺎء ﻟﻠﺨﻠﻖ ،ﻻ ﺑﺪّ أن ﯾﻜﻮن إﻟﮭﺎً أو ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﻐّﯿﺮ ﻣﮭﻨﺘﮫ. أأﻛﻮن إﻟﮭﺎً؟ أﻧﺎ اﻟﺬي ﺣﻮﻟﻨﻲ ﺣﺒﻚ إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ إﻏﺮﯾﻘﯿﺔ ،ﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﻣﻨﮭﺎ ﻗﺎﺋﻤﺎً ﻏﯿﺮ اﻷﻋﻤﺪة اﻟﺸﺎھﻘﺔ اﻟﻤﺘﺂﻛﻠﺔ اﻷﻃﺮاف؟ ھﻞ ﯾﻔﯿﺪ ﺷﻤﻮﺧﻲ ،وﻣﻠﺢ ﺣﺒﻚ ﯾﻔﺘﺖ أﺟﺰاﺋﻲ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﻛﻞ ﯾﻮم؟ ﺷﮭﺮان ..وﻻ ﺷﻲ ﺳﻮى رﻗﻢ ھﺎﺗﻔﻲ ﻣﺴﺘﺤﯿﻞ ..وﻛﻠﻤﺎت ﺗﺮﻛﺘﮭﺎ ﻟﻲ ﺗﺠﻒّ ﻟﮭﺎ اﻟﻔﺮﺷﺎة. وإذا ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ ﯾﺼﺒﺢ ﻟﻮﻧﻲ اﻟﻤﻔﻀﻞ. ﻛﻨﺖ أدرى ﺟﺪﻟﯿﺔ اﻟﺮﺳﻢ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻛﻤﺎ أردﺗﮭﺎ أﻧﺖ. ﻛﻨﺖ ﺗﻔﺮﻏﯿﻦ ﻣﻦ اﻷﺷﯿﺎء ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺘﺒﺖِ ﻋﻨﮭﺎ ،وﻛﺄﻧﻚ ﺗﻘﺘﻠﯿﻨﮭﺎ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت .وﻛﻨﺖ ﻛﻠﻤﺎ رﺳﻤﺖ اﻣﺘﻸت ﺑﮭﺎ أﻛﺜﺮ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺑﻌﺚ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﮭﺎ اﻟﻤﻨﺴﯿﺔ .وإذا ﺑﻲ أزداد ﺗﻌﻠﻘﺎً ﺑﮭﺎ ،وأﻧﺎ أﻋﻠﻘﮭﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻋﻠﻰ ﺟﺪران اﻟﺬاﻛﺮة. أن أرﺳﻤﻚ ،أﻟﯿﺲ ﯾﻌﻨﻲ أن أﺳﻜﻨﻚ ﻏﺮف ﺑﯿﺘﻲ أﯾﻀﺎً ،ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺳﻜﻨﺘﻚ ﻗﻠﺒﻲ؟ ﺣﻤﺎﻗﺔ ﻗﺮّرت ﻓﻲ اﻟﺒﺪء أﻻ أرﺗﻜﺒﮭﺎ .وﻟﻜﻨﻨﻲ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﻟﯿﻼ ﺑﻌﺪ آﺧﺮ ﻋﺒﺜﯿﺔ ﻗﺮاري. ﻟﻤﺎذا ﻛﺎن اﻟﻠﯿﻞ ھﺰﯾﻤﺘﻲ؟
أﻷﻧﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎ ﺧﻠﻮت ﺑﻨﻔﺴﻲ ﺧﻠﻮت ﺑﻚ ،أم ﻷن ﻟﻠﻔﻦ ﻃﻘﻮس اﻟﺸﮭﻮة اﻟﺴﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟﺪ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻟﯿﻼً ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن اﻟﺨﺎرج ﻋﻦ اﻟﺰﻣﻦ.. واﻟﺨﺎرج ﻋﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن؟ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﺠﻨﻮن ..ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪ اﻟﺬي ﺗﻠﻐﯿﮫ اﻟﻌﺘﻤﺔ واﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ واﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ.. ﻛﻨﺖ أﻗﺘﺮﻓﻚ.. ﻛﻨﺖ أرﺳﻢ ﺑﺸﻔﺘﻲ ﺣﺪود ﺟﺴﺪك. أرﺳﻢ ﺑﺮﺟﻮﻟﺘﻲ ﺣﺪود أﻧﻮﺛﺘﻚ. أرﺳﻢ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻻ ﺗﺼﻠﮫ اﻟﻔﺮﺷﺎة.. ﺑﯿﺪ واﺣﺪة ﻛﻨﺖ أﺣﺘﻀﻨﻚ ..وأزرﻋﻚ وأﻗﻄﻔﻚ ..وأﻋﺮّﯾﻚ وأﻟﺒﺴﻚ وأﻏﯿّﺮ ﺗﻀﺎرﯾﺲ ﺟﺴﺪك ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﯾﯿﺴﻲ. ﯾﺎ اﻣﺮأة ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺔ وﻃﻦ.. اﻣﻨﺤﯿﻨﻲ ﻓﺮﺻﺔ ﺑﻄﻮﻟﺔ أﺧﺮى .دﻋﯿﻨﻲ ﺑﯿﺪِ واﺣﺪة أﻏﯿﺮ ﻣﻘﺎﯾﯿﺴﻚ ﻟﻠﺮﺟﻮﻟﺔ وﻣﻘﺎﯾﯿﺴﻚ ﻟﻠﺤﺐ ..وﻣﻘﺎﯾﯿﺴﻚ ﻟﻠﺬّة! ﻛﻢ ﻣﻦ اﻷﯾﺪي اﺣﺘﻀﻨﺘﻚ دون دفء! ﻛﻢ ﻣﻦ اﻷﯾﺪي ﺗﺘﺎﻟﺖ ﻋﻠﯿﻚ ..وﺗﺮﻛﺖ أﻇﺎﻓﺮھﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﻘﻚ ،وإﻣﻀﺎءھﺎ أﺳﻔﻞ ﺟﺮﺣﻚ .وأﺣﺒﺘﻚ ﺧﻄﺄ.. وآﻟﻤﺘﻚ ﺧﻄﺄ. أﺣﺒﻚ اﻟﺴﺮاق واﻟﻘﺮاﺻﻨﺔ ..وﻗﺎﻃﻌﻮا اﻟﻄﺮق .وﻟﻢ ﺗﻘﻄﻊ أﯾﺪﯾﮭﻢ. ووﺣﺪھﻢ اﻟﺬﯾﻦ أﺣﺒﻮك دون ﻣﻘﺎﺑﻞ ،أﺻﺒﺤﻮا ذوي ﻋﺎھﺎت. ﻟﮭﻢ ﻛﻞ ﺷﻲء ،وﻻ ﺷﻲء ﻏﯿﺮك ﻟﻲ. أﻧﺖ ﻟﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻛﻜﻞ ﻟﯿﻠﺔ .ﻓﻤﻦ ﺳﯿﺄﺧﺬ ﻃﯿﻔﻚ ﻣﻨﻲ؟ ﻣﻦ ﺳﯿﺼﺎدر ﺟﺴﺪك ﻣﻦ ﺳﺮﯾﺮي؟ ﻣﻦ ﺳﯿﺴﺮق ﻋﻄﺮك ﻣﻦ ﺣﻮاﺳﻲ؟ وﻣﻦ ﺳﯿﻤﻨﻌﻨﻲ ﻣﻦ اﺳﺘﻌﺎدﺗﻚ ﺑﯿﺪي اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ؟ أﻧﺖ ﻟﺬّﺗﻲ اﻟﺴﺮﯾﺔ ،وﺟﻨﻮﻧﻲ اﻟﺴﺮي ،وﻣﺤﺎوﻟﺘﻲ اﻟﺴﺮﯾﺔ ﻟﻼﻧﻘﻼب ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻄﻖ. ﻛﻞّ ﻟﯿﻠﺔ ﺗﺴﻘﻂ ﻗﻼﻋﻚ ﻓﻲ ﯾﺪي ،وﯾﺴﺘﺴﻠﻢ ﺣﺮاﺳﻚ ﻟﻲ ،وﺗﺄﺗﯿﻦ ﻓﻲ ﺛﯿﺎب ﻧﻮﻣﻚ ﻟﺘﺘﻤﺪدي إﻟﻰ ﺟﻮاري ،ﻓﺄﻣﺮر ﯾﺪي ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺮك اﻷﺳﻮد اﻟﻄﻮﯾﻞ اﻟﻤﺒﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ وﺳﺎدﺗﻲ ،ﻓﺘﺮﺗﻌﺸﯿﻦ ﻛﻄﺎﺋﺮ ﺑﻠّﻠﮫ اﻟﻘﻄﺮ .ﺛﻢ ﯾﺴﺘﺠﯿﺐ ﺟﺴﺪك اﻟﻨﺎﺋﻢ ﻟﻲ. ﻛﯿﻒ ﺣﺪث ھﺬا ..وﻣﺎ اﻟﺬي أوﺻﻠﻨﻲ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺠﻨﻮن؟
ﺗﺮى ﺻﻮﺗﻚ اﻟﺬي ﺗﻌﻮدت ﻋﻠﯿﮫ ﺣﺪ اﻹدﻣﺎن ،ﺻﻮﺗﻚ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺄﺗﻲ ﺷﻼل ﺣﺐّ وﻣﻮﺳﯿﻘﻰ ،ﻓﯿﺘﺪﺣﺮج ﻗﻄﺮات ﻟﺬة ﻋﻠﻲّ؟ ﺣﺒﻚ ھﺎﺗﻒ ﯾﺴﺄل "واﺷﻚ؟" ﯾﺪﺛﺮﻧﻲ ﻟﯿﻼً ﺑﻠﺤﺎف ﻣﻦ اﻟﻘﺒﻞ .ﯾﺘﺮك ﺟﻮاري ﻋﯿﻨﯿﮫ ﻗﻨﺪﯾﻞ ﺷﻮق ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﻄﻔﺊ اﻷﺿﻮاء. ﯾﺨﺎف ﻋﻠﻲّ ﻣﻦ اﻟﻌﺘﻤﺔ ،ﯾﺨﺎف ﻋﻠﻲّ ﻣﻦ وﺣﺪﺗﻲ وﻣﻦ ﺷﯿﺨﻮﺧﺘﻲ .ﻓﯿﻌﯿﺪﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ دون اﺳﺘﺸﺎرﺗﻲ .ﯾﻘﺺّ ﻋﻠﻲّ ﻗﺼﺼﺎً ﯾﺼﺪّﻗﮭﺎ اﻷﻃﻔﺎل .ﯾﻐﻨّﻲ ﻟﻲ أﻏﻨﯿﺎت ﯾﻨﺎم ﻟﺴﻤﺎﻋﮭﺎ اﻷﻃﻔﺎل. ﺗُﺮى أﻛﺎن ﯾﻜﺬب؟ ھﻞ ﺗﻜﺬب اﻷﻣﮭﺎت أﯾﻀﺎً؟ ھﺬا ﻣﺎ ﻻ ﯾﺼﺪﻗﮫ اﻷﻃﻔﺎل! ﻣﺎ اﻟﺬي أوﺻﻠﻨﻲ إﻟﻰ ﺟﻨﻮﻧﻲ؟ ﺗﺮى ﻗﺒﻠﺘﻚ اﻟﻤﺴﺮوﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ .وھﻞ ﺗﻔﻌﻞ اﻟﻘﺒﻞ ﻛﻞّ ھﺬا؟. أذﻛﺮ أﻧﻨﻲ ﻗﺮأت ﻋﻦ ﻗُﺒﻞ ﻏﯿﺮت ﻋﻤﺮاً وﻟﻢ أﺻﺪّق.. ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻨﯿﺘﺸﮫ ﻓﺒﻠﺴﻮف اﻟﻘﻮة واﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻧﻈﺮ ﻃﻮﯾﻼً ﻟﻠﺠﺒﺮوت واﻟﺘﻔﻮق أن ﯾﻘﻊ ﺻﺮﯾﻊ ﻗﺒﻠﺔ واﺣﺪة ،ﺳﺮﻗﮭﺎ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻓﻲ زﯾﺎرة ﺳﯿﺎﺣﯿﺔ إﻟﻰ ﻣﻌﺒﺪ ،ﺻﺤﺒﺔ " "Louاﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ أﺣﺒﮭﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﺎﺗﺐ وﺷﺎﻋﺮ ﻓﻲ ﻋﺼﺮھﺎ .ﻛﺎن أﺣﺪھﻢ " أﺑﻮﻟﯿﻨﯿﺮ" اﻟﺬي ﺗﻐﺰّل ﻓﯿﮭﺎ ﻃﻮﯾﻼً وﺑﻜﺎھﺎ أﻣﺎم ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ ﻧﻔﺴﮫ ،واﺟﺪاً ﻓﻲ اﺳﻤﮭﺎ اﻟﻤﻄﺎﺑﻖ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻻﺳﻢ اﻟﺬﺋﺐ " " Loupدﻟﯿﻼً ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺪره ﻣﻌﮭﺎ؟ أﻣﺎ )ﻧﯿﺘﺸﮫ( اﻟﻘﺎﺋﻞ "ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺰور اﻣﺮأة ﻻ ﺗﻨﺲ أن ﺗﺼﺤﺐ ﻣﻌﻚ اﻟﻌﺼﺎ" ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أﻣﺎﻣﮭﺎ رﺟﻼً ﻣﺤﻄﻤﺎ ،ﺿﻌﯿﻔﺎً ،وﺑﺪون إرادة .ﺣﺘﻰ إن أﻣﮫ ﻗﺎﻟﺖ ﯾﻮﻣﺎً "ﻟﻢ ﺗﺘﺮك ھﺬه اﻟﻤﺮأة أﻣﺎم اﺑﻨﻲ ﺳﻮى اﺧﺘﯿﺎر ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺛﻼﺛﺔ :إﻣﺎ أن ﯾﺘﺰوﺟﮭﺎ ..أو ﯾﻨﺘﺤﺮ ..أو ﯾﺼﺒﺢ ﻣﺠﻨﻮﻧﺎً!". ﻛﺎن ھﺬا ﺣﺎل "ﻧﯿﺘﺸﮫ" ﯾﻮم أﺣﺐ .ﻓﮭﻞ أﺧﺠﻞ ﻣﻦ ﺿﻌﻔﻲ ﻣﻌﻚ ،وأﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﻓﯿﻠﺴﻮﻓﺎً ﻟﻠﻘﻮة ،وﻟﺴﺖ ﺷﻤﺸﻮن اﻟﺬي ﻓﻘﺪ ﺷﻌﺮه وﻗﻮﺗﮫ اﻷﺳﻄﻮرﯾﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻗﺒﻠﺔ؟ ھﻞ أﺧﺠﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﺘﻚ ،وھﻞ أﻧﺪم ﻋﻠﯿﮭﺎ ،أﻧﺎ اﻟﺬي ﺑﺪأ ﻋﻤﺮي ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺘﯿﻚ؟
ﻻ أدري ﻛﯿﻒ ﺷﻔﻲ "ﻧﯿﺘﺸﮫ" ﻣﻦ اﻣﺮأة ﻟﻢ ﯾﺘﺰوﺟﮭﺎ .ھﻞ اﻧﺘﺤﺮ أم أﺻﺒﺢ ﻣﺠﻨﻮﻧﺎً؟ أدري ﻓﻘﻂ ،أﻧﻨﻲ ﻗﻀﯿﺖ ﺷﮭﺮﯾﻦ وﺳﻂ ﺗﻘﻠّﺒﺎت ﻧﻔﺴﯿﺔ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ،ﻛﺪت أﻻﻣﺲ ﻓﯿﮭﺎ ﺷﯿﺌﺎً ﯾﺸﺒﮫ اﻟﺠﻨﻮن ،ذﻟﻚ اﻟﺠﻨﻮن اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻐﺮﯾﻚ ،وﻛﻨﺖ ﺗﺘﻐﺰّﻟﯿﻦ ﻟﻲ ﺑﮫ ﻛﺜﯿﺮاً، وﺗﻌﺘﺒﺮﯾﻨﮫ اﻟﺼﻚ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﯾﺸﮭﺪ ﻟﻠﻔﻨﺎن ﺑﺎﻟﻌﺒﻘﺮﯾﺔ. ﻓﻠﯿﻜﻦ ..ﺳﺄﻋﺘﺮف ﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات ،أﻧﻨﻲ وﺻﻠﺖ ﻣﻌﻚ ﯾﻮﻣﺎً إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪ اﻟﻤﺨﯿﻒ ﻣﻦ اﻟﻼﻋﻘﻞ. أﻛﺎن ﻋﺸﻘﺎً ﻓﻘﻂ ،أم ﻷھﺪﯾﻚ ﻻ ﺷﻌﻮرﯾﺎً اﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻗﺪ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﻌﺪ: ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﺠﻨﻮن اﻟﺬي ﺗﺤﻠﻤﯿﻦ ﺑﮫ. ﺣﺪث ﻛﺜﯿﺮاً وﻗﺘﮭﺎ ،أن اﺳﺘﻌﺪت ﻗﺼﺘﻲ ﻣﻌﻚ ﻓﺼﻼ ﻓﺼﻼ. ﻛﻨﺖ ﻛﻞ ﻣﺮة أﻗﻊ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎت ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ .ﻣﺮة ﯾﺒﺪو ﻟﻲ ﺣﺒﻚ ﻗﺼﺔ أﺳﻄﻮرﯾﺔ أﻛﺒﺮ ﻣﻨﻚ وﻣﻨﻲ .ﺷﯿﺌﺎً رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻘﺪراً ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ،ﻣﻨﺬ ..ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺗﺪﻋﻰ )ﺳﯿﺮﺗﺎ). وﻣﺮة أﺗﺴﺎءل ،ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﻨﺖ رﺟﻼً اﺳﺘﻮﻗﻔﺘﻚ ذاﻛﺮﺗﮫ وأﻏﺮاك ﺟﻨﻮﻧﮫ ﺑﻘﺼﺔ ﻣﺎ؟ ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻣﺠﺮد ﺿﺤﯿﺔ ﻟﺠﺮﯾﻤﺔ أدﺑﯿﺔ ﻣﺎ ،ﺗﺤﻠﻤﯿﻦ ﺑﺎرﺗﻜﺎﺑﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﻗﺎدم؟ ﺛﻢ ﻓﺠﺄة ﺗﻄﻐﻰ ﻃﻔﻮﻟﺘﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺐ "اﻹﺟﺮاﻣﻲ "ﻓﯿﻚ ،ﻓﺄذﻛﺮ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﯾﻀﺎً ﻧﺴﺨﺔ ﻋﻦ واﻟﺪك .وأﻧﻨﻲ ﺑﺴﺒﺐ ﻗﺒﻠﺔ ﺣﻤﻘﺎء ﻧﺴﻔﺖ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ذاك اﻟﺠﺴﺮ اﻟﺴﺮي اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺠﻤﻌﻨﺎ. آﻧﺬاك ،ﻛﻨﺖ أﻗﺮر اﻻﻋﺘﺬار ﻣﻨﻚ .وأﺳﺘﯿﻘﻆ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻲ وأﺗﺠﮫ إﻟﻰ ﻣﺮﺳﻤﻲ .أﺟﻠﺲ ﻃﻮﯾﻼً أﻣﺎم ﻟﻮﺣﺘﻚ اﻟﺒﯿﻀﺎء وأﺗﺴﺎءل :ﻣﻦ أﯾﻦ أﺑﺪأك؟ أﺗﺄﻣﻞ ﻃﻮﯾﻼً ﺻﻮرﺗﻚ ،ﻋﻠﻰ ﻇﮭﺮ رواﯾﺘﻚ اﻟﺘﻲ أھﺪﯾﺘﻨﯿﮭﺎ دون إھﺪاء .أﻛﺘﺸﻒ أن وﺟﮭﻚ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﺼﻮرة .ﻓﻜﯿﻒ أﺿﻊ ﻋﻤﺮاً ﻟﻮﺟﮭﻚ اﻟﺠﺪﯾﺪ واﻟﻘﺪﯾﻢ ﻣﻌﺎً .ﻛﯿﻒ أﻧﻘﻞ ﻋﻨﻚ ﻧﺴﺨﺔ دون أن أﺧﻮﻧﻚ؟ أﺗﺬﻛﺮ وﺳﻂ ارﺗﺒﺎﻛﻲ ) ﻟﯿﻮﻧﺎردو داﻓﻨﺸﻲ( ،ذﻟﻚ اﻟﺮﺳﺎم اﻟﻌﺠﯿﺐ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ أن ﯾﺮﺳﻢ ﺑﯿﺪه اﻟﯿﻤﻨﻰ وﯾﺪه اﻟﯿﺴﺮى ﺑﺎﻹﺗﻘﺎن ﻧﻔﺴﮫ .ﺑﺄي ﯾﺪ ﺗﺮاه رﺳﻢ )اﻟﺠﻮﻛﻨﺪا( ﻟﯿﻤﻨﺤﮭﺎ اﻟﺨﻠﻮد واﻟﺸﮭﺮة؟ وﺑﺄي ﯾﺪ ﯾﺠﺐ أن أرﺳﻤﻚ أﻧﺎ؟
ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﻨﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺮﺳﻢ إﻻ ﺑﺎﻟﯿﺪ اﻟﯿﺴﺮى ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﯾﺪي؟ ﺧﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻲ ﻣﺮة أن أرﺳﻤﻚ ﺑﺎﻟﻤﻘﻠﻮب .وأﺟﻠﺲ ﻷﺗﻔﺮج ﻋﻠﯿﻚ ﻋﺴﺎﻧﻲ أﻛﺘﺸﻒ أﺧﯿﺮاً ﺳﺮك .ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻟﻔﮭﻤﻚ. ﻓﻜﺮت ﺣﺘﻰ ﻓﻲ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ ﻋﺮض ﺗﻠﻚ ﻟﻠﻮﺣﺔ ﻣﻘﻠﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺮض .ﺳﯿﻜﻮن اﺳﻤﮭﺎ "أﻧﺖ". ﺳﯿﺘﻮﻗﻒ أﻣﺎﻣﮭﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮون .وﻗﺪ ﯾﻌﺠﺒﻮن ﺑﮭﺎ ،دون أن ﯾﺘﻌﺮف أﺣﺪھﻢ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻋﻠﯿﻚ. أﻟﯿﺲ ھﺬا ﻣﺎ ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ؟! *** ﻣﺮّ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﺳﺒﻮع ،وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺸﺮة ﺟﻮﯾﺔ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺄﺗﻲ ﺻﻮﺗﻚ ذات ﺻﺒﺎح دون ﻣﻘﺪﻣﺎت: ﻛﯿﻒ أﻧﺖ؟اﻧﺪھﺶ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺘﻮﻗﻊ ھﺪﯾﺔ ﺻﺒﺎﺣﯿﺔ ﻛﺘﻠﻚ .وارﺗﺒﻚ اﻟﻜﻼم: وﯾﻨﻚ؟ﻛﺎن ﺻﻮﺗﻚ ﯾﺒﺪو ﻗﺮﯾﺒﺎً أو ھﻜﺬا ﺧﯿّﻞ ﻟﻲ .وﻟﻜﻨﻚ أﺟﺒﺘﻨﻲ ﺑﻀﺤﻜﺔ أﻋﺮف ﻣﺮاوﻏﺘﮭﺎ: ﺣﺎول أن ﺗﺤﺰر!أﺟﺒﺘﻚ ﻛﻤﻦ ﯾﺤﻠﻢ: ھﻞ ﻋﺪتِ إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ؟ﺿﺤﻜﺖ وﻗﻠﺖ: أي ﺑﺎرﯾﺲ ..أﻧﺎ ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ .ﺟﺌﺖ ھﻨﺎ ﻣﻨﺬ أﺳﺒﻮع ﻷﺣﻀﺮ زواج إﺣﺪىاﻟﻘﺮﯾﺒﺎت ..وﻗﻠﺖ ﻻ ﺑﺪ أن أﻃﻠﺒﻚ ﻣﻦ ھﻨﺎ .ﻃﻤّﻨﻲ ﻋﻨﻚ ﻣﺎذا ﺗﻔﻌﻞ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﯿﻒ.. أﻟﻢ ﺗﺴﺎﻓﺮ إﻟﻰ أيّ ﻣﻜﺎن؟
اﺧﺘﺼﺮت ﻋﺬاﺑﻲ ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﻛﻠﻤﺎت ﻗﻠﺖ: إﻧﻨﻲ ﻣﺘﻌﺐ ..ﺟﺪّ ﻣﺘﻌﺐ ..ﻛﯿﻒ ﻟﻢ ﺗﺘﺼﻠﻲ ﺑﻲ ﺣﺘﻰ اﻵن؟ﻓﻘﻠﺖ وﻛﺄﻧﻚ ﻃﺒﯿﺐ ﺳﯿﻜﺘﺐ وﺻﻔﺔ ﻟﻤﺮﯾﺾ ،أو ﺷﯿﺦ ﯾﻄﻠﺐ ﻣﻨﮫ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺣﺠﺎب أو ﺗﻌﺎوﯾﺬ ﺳﺤﺮﯾﺔ: ﺳﺄﻛﺘﺐ ﻟﻚ ..واﷲ ﺳﺄﻛﺘﺐ ﻟﻚ ﻗﺮﯾﺒﺎً ..ﯾﺠﺐ أن ﺗﻌﺬرﻧﻲ .أﻧﺖ ﻻ ﺗﺪري ﻛﻢ اﻟﺤﯿﺎة ھﻨﺎﻣﺰﻋﺠﺔ وﺻﻌﺒﺔ .إن اﻟﻮاﺣﺪ ﻻ ﯾﺨﻠﻮ ﻟﻨﻔﺴﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ وﻟﻮ ﻟﺤﻈﺔ .ﺣﺘﻰ اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺎﺗﻒ ﻣﻐﺎﻣﺮة ﺑﻮﻟﯿﺴﯿﺔ.. وﻣﺎذا ﺗﻔﻌﻠﯿﻦ؟ﻻ ﺷﻲء ..أﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺑﯿﺖ إﻟﻰ آﺧﺮ ،وﻣﻦ دﻋﻮة إﻟﻰ أﺧﺮى .ﺣﺘﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻟﻢ أﺗﺠﻮلﻓﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻲ ،ﻟﻘﺪ ﻋﺒﺮﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﺴﯿﺎرة ﻓﻘﻂ.. ﺛﻢ أﺿﻔﺖ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺬﻛﺮت ﻓﺠﺄة ﺷﯿﺌﺎً ھﺎﻣﺎً: أﺗﺪري ..أﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ .إن أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﺟﺴﻮرھﺎ ﻻ ﻏﯿﺮ .ﻟﻘﺪ ذﻛﺮﺗﻚوأﻧﺎ أﻋﺒﺮھﺎ.. ﻛﻨﺖ أود ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻟﻮ ﺳﺄﻟﺘﻚ "ھﻞ ﺗﺤﺒﯿﻨﻨﻲ؟" وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺳﺄﻟﺘﻚ ﺑﺤﻤﺎﻓﺔ: ھﻞ ﺗﺤﺒﯿﻨﮭﺎ؟.أﺟﺒﺘﻨﻲ ﺑﻌﺪ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ ﻃﺮﺣﺖ ﻋﻠﯿﻚ ﺳﺆاﻻً ﯾﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ: رﺑﻤﺎ ﺑﺪأت أﺣﺒﮭﺎ..ﻗﻠﺖ: ﺷﻜﺮاً..ﺿﺤﻜﺖ ..ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﻨﮭﯿﻦ اﻟﻤﻜﺎﻟﻤﺔ:
أﯾﮭﺎ اﻷﺣﻤﻖ ..ﻟﻦ ﺗﺘﻐﯿﺮ!*** اﻟﻤﺮء ﯾﻔﺘﺢ ﺷﺒﺎﻛﮫ ﻟﯿﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج ..وﯾﻔﺘﺢ ﻋﯿﻨﯿﮫ ﻟﯿﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺒﺎﻃﻦ ..وﻣﺎ اﻟﻨﻈﺮ ﺳﻮى ﺗﺴﻠﻘﻚ اﻟﺠﺪار اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻨﻚ وﺑﯿﻦ اﻟﺤﺮﯾﺔ..". ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ،أﺷﻌﻠﺖ ﺳﯿﺠﺎرة ﺻﺒﺎﺣﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻋﺎدﺗﻲ .وﺟﻠﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﺘﻲ أﻣﺎم ﻓﻨﺠﺎن ﻗﮭﻮة ،أﺗﺄﻣﻞ ﻧﮭﺮ اﻟﺴﯿﻦ ،وھﻮ ﯾﺘﺤﺮك ﺑﺒﻂء ﺗﺤﺖ ﺟﺴﺮ ﻣﯿﺮاﺑﻮ. ﻛﺎﻧﺖ زرﻗﺘﮫ اﻟﺼﯿﻔﯿﺔ اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ،ﺗﺴﺘﻔﺰّﻧﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح دون ﻣﺒﺮر .ﺗﺬﻛﺮﻧﻲ ﻓﺠﺄة ﺑﺎﻟﻌﯿﻮن اﻟﺰرق اﻟﺘﻲ ﻻ أﺣﺒﮭﺎ. أﺗﺮى ﻷﻧﮫ ﻻ ﻧﮭﺮ ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..أﻋﻠﻨﺖ اﻟﻌﺪاء ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﮭﺮ؟ ﻧﮭﻀﺖ دون أن أﻛﻤﻞ ﺳﯿﺠﺎرﺗﻲ .ﻛﻨﺖ ﻓﺠﺄة ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ. ﻓﻠﯿﻜﻦ ..ﻋﻔﻮك أﯾﮭﺎ اﻟﻨﮭﺮ اﻟﺤﻀﺎري .ﻋﻔﻮك أﯾﮭﺎ اﻟﺠﺴﺮ اﻟﺘﺎرﯾﺨﻲ .ﻋﻔﻮك ﺻﺪﯾﻘﻲ )أﺑﻮﻟﯿﻨﯿﺮ( .ھﺬه اﻟﻤﺮة أﯾﻀﺎً ﺳﺄرﺳﻢ ﺟﺴﺮاً آﺧﺮ ﻏﯿﺮ ھﺬا. ﻛﻨﺖ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻣﻤﺘﻠﺌﺎً ﺑﻚ ،ﺑﺼﻮﺗﻚ اﻟﻘﺎدم ﻣﻦ ھﻨﺎك ،ﻟﯿﻮﻗﻆ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ داﺧﻠﻲ. أﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺪ ﻟﻤﺴﺖ اﻟﻔﺮﺷﺎة ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﮭﺮ .وﻛﺎن داﺧﻠﻲ ﺷﻲء ﻣﺎ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن ﯾﻨﻔﺠﺮ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى .ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ واﻟﻌﻮاﻃﻒ اﻟﻤﺘﻀﺎرﺑﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻋﺸﺘﮭﺎ ﻗﺒﻞ رﺣﯿﻠﻚ وﺑﻌﺪه ،واﻟﺘﻲ ﺗﺮاﻛﻤﺖ داﺧﻠﻲ ﻛﻘﻨﺒﻠﺔ ﻣﻮﻗﻮﺗﺔ. وﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن أرﺳﻢ ﻷرﺗﺎح أﺧﯿﺮاً. أرﺳﻢ ﻣﻞء ﯾﺪي ..ﻣﻞء أﺻﺎﺑﻌﻲ .أرﺳﻢ ﺑﯿﺪي اﻟﻤﻮﺟﻮدة وﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﻔﻘﻮدة .أرﺳﻢ ﺑﻜﻞ ﺗﻘﻠﺒﺎﺗﻲ ،ﺑﺘﻨﺎﻗﻀﻲ وﺟﻨﻮﻧﻲ وﻋﻘﻠﻲ ،ﺑﺬاﻛﺮﺗﻲ وﻧﺴﯿﺎﻧﻲ .ﺣﺘﻰ ﻻ أﻣﻮت ﻗﮭﺮا ذات ﺻﯿﻒ ،ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻓﺎرﻏﺔ إﻻ ﻣﻦ اﻟﺴﻮاح واﻟﺤﻤﺎم. وھﻜﺬا ﺑﺪأت ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ﻟﻮﺣﺔ ﻟﻘﻨﻄﺮة ﺟﺪﯾﺪة ،ﻗﻨﻄﺮة ﺳﯿﺪي راﺷﺪ. ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﻮﻗﻊ ﯾﻮﻣﮭﺎ وأﻧﺎ أﺑﺪأھﺎ ،أﻧﻨﻲ أﺑﺪأ أﻏﺮب ﺗﺠﺮﺑﺔ رﺳﻢ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،وأﻧﮭﺎ
ﺳﺘﻜﻮن اﻟﺒﺪاﯾﺔ ﻟﻌﺸﺮ ﻟﻮﺣﺎت أﺧﺮى ،ﺳﺄرﺳﻤﮭﺎ ﻓﻲ ﺷﮭﺮ وﻧﺼﻒ دون ﺗﻮﻗﻒ ،إﻻ ﻟﺴﺮﻗﺔ ﺳﺎﻋﺎت ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻮم ،أﻧﮭﺾ ﻣﻨﮭﺎ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺨﻄﻮﻓﺎً ﺑﺸﮭﯿﺔ ﺟﻨﻮﻧﯿﺔ ﻟﻠﺮﺳﻢ. ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻟﻮان ﺗﺄﺧﺬ ﻓﺠﺄة ﻟﻮن ذاﻛﺮﺗﻲ ،وﺗﺼﺒﺢ ﻧﺰﯾﻔﺎً ﯾﺼﻌﺐ إﯾﻘﺎﻓﮫ. ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻧﺘﮭﻲ ﻣﻦ ﻟﻮﺣﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻟﺪ أﺧﺮى ،وﻣﺎ أﻧﺘﮭﻲ ﻣﻦ ﺣﻲّ ﺣﺘﻰ ﯾﺴﺘﯿﻘﻆ آﺧﺮ، وﻣﺎ أﻛﺎد أﻧﺘﮭﻲ ﻣﻦ ﻗﻨﻄﺮة ،ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻌﺪ ﻣﻦ داﺧﻠﻲ أﺧﺮى.. ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أرﺿﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﺣﺠﺮاً ..ﺣﺠﺮاً ،ﺟﺴﺮاً ..ﺟﺴﺮاً ..ﺣﯿﺎً ..ﺣﯿﺎً ،ﻛﻤﺎ ﯾﺮﺿﻲ ﻋﺎﺷﻖ ﺟﺴﺪ اﻣﺮأة ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻟﮫ. ﻛﻨﺖ أﻋﺒﺮھﺎ ذھﺎﺑﺎً وإﯾﺎﺑﺎً ﺑﻔﺮﺷﺎﺗﻲ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻋﺒﺮھﺎ ﺑﺸﻔﺎھﻲ .أﻗﺒّﻞ ﺗﺮاﺑﮭﺎ.. وأﺣﺠﺎرھﺎ وأﺷﺠﺎرھﺎ وودﯾﺎﻧﮭﺎ .أوزّع ﻋﺸﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺘﮭﺎ ﻗُﺒﻼً ﻣﻠﻮﻧﺔ .أرﺷﮭﺎ ﺑﮭﺎ ﺷﻮﻗﺎً ..وﺟﻨﻮﻧﺎً ..وﺣﺒﺎً ﺣﺘﻰ اﻟﻌﺮق. وﻛﻨﺖ أﺳﻌﺪ وذﻟﻚ اﻟﻘﻤﯿﺺ ﯾﻠﺘﺼﻖ ﺑﻲ ،ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺎت ﻣﻦ اﻻﻟﺘﺤﺎم ﺑﮭﺎ. اﻟﻌﺮق دﻣﻮع اﻟﺠﺴﺪ .وﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺤﺐ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺮﺳﻢ ،ﻻ ﻧﺒﻜﻲ ﺟﺴﺪﻧﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ أﯾﺔ اﻣﺮأة .وﻻ ﻣﻦ أﺟﻞ أﯾﺔ ﻟﻮﺣﺔ .اﻟﺠﺴﺪ ﯾﺨﺘﺎر ﻟﻤﻦ ﯾﻌﺮق. وﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً أن ﺗﻜﻮن ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ھﻲ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻜﻰ ﻟﮭﺎ ﺟﺴﺪي. ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺸﮭﺮ اﻷﺧﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﯿﻒ ،ﻛﻨﺖ ﻣﺎ أزال أﺗﻮﻗﻊ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻨﻚ ،ﺗﻌﻄﯿﻨﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﻘﻮة واﻟﺤﻤﺎﺳﺔ اﻟﻠﺘﯿﻦ اﻓﺘﻘﺪﺗﮭﻤﺎ ﺧﻼل اﻟﺸﮭﺮﯾﻦ اﻟﻤﺎﺿﯿﯿﻦ ﻟﻐﯿﺎﺑﻚ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﻲ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ زﯾﺎد. ﻛﺎﻧﺖ رﺳﺎﺋﻠﮫ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ ﺑﯿﺮوت ﺗﺪھﺸﻨﻲ داﺋﻤﺎً ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ أن أﻓﺘﺤﮭﺎ. ﻛﻨﺖ أﺗﺴﺎءل ﻛﻞ ﻣﺮة ،ﻛﯿﻒ وﺻﻠﺖ ھﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ إﻟﻰ ھﻨﺎ؟ ﻣﻦ أي ﻣﺨﯿﻢ أو ﻣﻦ أﯾﺔ ﺟﺒﮭﺔ ،ﺗﺤﺖ أي ﺳﻘﻒ ﻣﺪﻣﺮ ﯾﻜﻮن ﻗﺪ ﻛﺘﺒﮭﺎ؟ أي ﺻﻨﺪوق أودﻋﮭﺎ ،وﻛﻢ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﻲ ﺑﺮﯾﺪ ﺗﻨﺎوب ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ ھﻨﺎ ،داﺧﻞ ﺻﻨﺪوق ﺑﺮﯾﺪي ..ﺑﺎﻟﺤﻲ اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ ﺑﺒﺎرﯾﺲ؟ ﻛﻨﺖ أﻋﺎﻣﻠﮭﺎ داﺋﻤﺎً ﺑﺤﺐ ﺧﺎص .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺬﻛﺮﻧﻲ ﺑﺰﻣﻦ ﺣﺮب اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ ،ﯾﻮم ﻛﻨﺎ ﻧﺒﻌﺚ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻷھﻠﻨﺎ ﻣﮭﺮﺑﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺜﯿﺎب. ﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ ،وﻣﺎﺗﺖ ﻣﻊ أﺻﺤﺎﺑﮭﺎ! وﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ وﺻﻠﺖ ﺑﻌﺪ ﻓﻮات اﻷوان .ھﻨﺎﻟﻚ ﻗﺼﺺ ﺗﺼﻠﺢ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ رواﯾﺔ. آﺧﺮ رﺳﺎﻟﺔ ﻟﺰﯾﺎد ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻮد ﻟﻤﺎ ﯾﻘﺎرب اﻟﺴﻨﺔ.
ﻛﺎن ﯾﺤﺪث أن ﯾﻜﺘﺐ ﻟﻲ ھﻜﺬا دون ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ،رﺳﺎﺋﻞ ﻣﻄﻮّﻟﺔ أﺣﯿﺎﻧﺎً ،وﻣﻮﺟﺰة أﺣﯿﺎﻧﺎً أﺧﺮى ،ﻛﺎن ﯾﺴﻤّﯿﮭﺎ "إﺷﻌﺎر ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة". ﻓﻲ اﻟﺒﺪء ﺿﺤﻜﺖ ﻟﮭﺬه اﻟﺘﺴﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺨﺒﺮﻧﻲ ﺑﮭﺎ ﻓﻘﻂ أﻧﮫ ﻣﺎزال ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة. ﺑﻌﺪھﺎ أﺻﺒﺤﺖ أﺧﺎف ﺻﻤﺘﮫ اﻟﻄﻮﯾﻞ ،واﻧﻘﻄﺎع رﺳﺎﺋﻠﮫ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﺤﻤﻞ ﻟﻲ اﺣﺘﻤﺎل إﺷﻌﺎر ﺑﺸﻲء آﺧﺮ. ھﺬه اﻟﻤﺮة ،ﻛﺎن ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺨﺒﺮﻧﻲ أﻧﮫ ﻗﺪ ﯾﺤﻀﺮ إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ ﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺔ أﯾﻠﻮل .وأﻧﮫ ﯾﻨﺘﻈﺮ ﺟﻮاﺑﺎً ﺳﺮﯾﻌﺎً ﻣﻨﻲ ﻟﯿﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ وﺟﻮدي ﻓﻲ ﺑﺎرﯾﺲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة. ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﻲ رﺳﺎﻟﺘﮫ ..وأﺳﻌﺪﺗﻨﻲ وأدھﺸﺘﻨﻲ. ذھﺐ ﺗﻔﻜﯿﺮي إﻟﯿﻚ وﻗﻠﺖ "ﻃﻮﯾﻞ ﻋﻤﺮ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ ..ﻣﺎ ﻛﺪت أذﻛﺮه ﻣﻌﻚِ ﺣﺘﻰ ﺣﻀﺮ" .ﺛﻢ ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﺗﺮاك ﻗﺮأت أﺷﻌﺎره؟ وھﻞ أﻋﺠﺒﺘﻚ؟ وﻣﺎذا ﺳﯿﻜﻮن رد ﻓﻌﻠﻚ إذا ﻗﻠﺖ ﻟﻚ إﻧﮫ ﺳﯿﺤﻀﺮ إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ ،أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﺧﻔﺖ أن ﯾﻜﻮن ﻗﺪ ﻣﺎت ،وأﺑﺪﯾﺖ اھﺘﻤﺎﻣﺎَ ﺑﻘﺼﺘﮫ؟ ﻛﺎن اﻟﺼﯿﻒ ﯾﻨﺴﺤﺐ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً .وﻛﻨﺖ أﺳﺘﻌﯿﺪ ﺗﻮازﻧﻲ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ﻛﺬﻟﻚ. ﻟﻘﺪ أﻧﻘﺬﺗﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺎت ﻣﻦ اﻻﻧﮭﯿﺎر .ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن أرﺳﻤﮭﺎ ﻷﺧﺮج ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻄﺒﺎت اﻟﺠﻨﻮﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻗﺪﻣﻲّ ﻣﻌﻚ. ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻓﻘﺪت ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ وزﻧﻲ .وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ذﻟﻚ ﯾﻌﻨﯿﻨﻲ .أو رﺑﻤﺎ ﻟﻢ أﻛﻦ وﻗﺘﮭﺎ ﻷﻧﺘﺒﮫ ﻟﮫ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺻﺒﺤﺖ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻠﻮﺣﺎت ،وأﻧﺴﻰ أن أﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﻣﺮآة. ﻛﻨﺖ أﻋﺘﻘﺪ أن اﻟﺬي ﺧﺴﺮﺗﮫ ﻣﻦ وزن ﻓﻲ أﯾﺎم ،ھﻮ اﻟﺬي رﺑﺤﺘﮫ ﻣﻦ ﻣﺠﺪ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ. وﻟﺬا ﻛﺎن ﯾﺤﻠﻮ ﻟﻲ أن أﺗﺄﻣﻞ ﻧﺰﯾﻔﻲ وﺟﻨﻮﻧﻲ ﻣﻌﻠّﻘﺎً أﻣﺎﻣﻲ :إﺣﺪى ﻋﺸﺮة ﻟﻮﺣﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻜﻔﯿﮭﺎ ﺟﺪران اﻟﺒﯿﺖ. ورﺑﻤﺎ ﺟﺎء ﺗﻌﻠّﻘﻲ ﺑﮭﺎ ،ﻛﺬﻟﻚ ،ﻟﻜﻮﻧﻲ ﻛﻨﺖ أدري وأﻧﺎ أﺿﻊ ﻓﺮﺷﺎﺗﻲ ﻵﺧﺮ ﻣﺮة وأﻧﺎ أﻧﺘﮭﻲ ﻣﻨﮭﺎ ،أﻧﮫ ﻗﺪ ﺗﻤﺮ ﻋﺪة أﺷﮭﺮ ﻗﺒﻞ أن أﺷﻌﺮ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻲ اﻟﺮﺳﻢ. ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻲ ..وارﺗﺤﺖ. ﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب أﯾﻠﻮل .وﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪا أو رﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺮﻗّﺐ ﻟﻠﺴﻌﺎدة.
ﺳﺘﻌﻮدﯾﻦ أﺧﯿﺮاً ..ﻛﻨﺖ أﻧﺘﻈﺮ اﻟﺨﺮﯾﻒ ﻛﻤﺎ ﻟﻢ أﻧﺘﻈﺮه ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺜﯿﺎب اﻟﺸﺘﻮﯾﺔ اﻟﻤﻌﺮوﺿﺔ ﻓﻲ اﻟﻮاﺟﮭﺎت ﺗﻌﻠﻦ ﻋﻮدﺗﻚ .اﻟﻠﻮازم اﻟﻤﺪرﺳﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻸ رﻓﻮف اﻟﻤﺤﻼت ،ﺗﻌﻠﻦ ﻋﻮدﺗﻚ. واﻟﺮﯾﺢ ،واﻟﺴﻤﺎء اﻟﺒﺮﺗﻘﺎﻟﯿﺔ ..واﻟﺘﻘﻠﺒﺎت اﻟﺠﻮﯾﺔ ..ﻛﻠﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻞ ﺣﻘﺎﺋﺒﻚ. ﺳﺘﻌﻮدﯾﻦ.. ﻣﻊ اﻟﻨﻮء اﻟﺨﺮﯾﻔﻲ ،ﻣﻊ اﻷﺷﺠﺎر اﻟﻤﺤﻤﺮة ،ﻣﻊ اﻟﻤﺤﺎﻓﻆ اﻟﻤﺪرﺳﯿﺔ. ﺳﺘﻌﻮدﯾﻦ.. ﻣﻊ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﻌﺎﺋﺪﯾﻦ إﻟﻰ اﻟﻤﺪارس ،ﻣﻊ زﺣﻤﺔ اﻟﺴﯿﺎرات ،ﻣﻊ ﻣﻮاﺳﻢ اﻹﺿﺮاﺑﺎت، ﻣﻊ ﻋﻮدة ﺑﺎرﯾﺲ إﻟﻰ ﺿﻮﺿﺎﺋﮭﺎ. ﻣﻊ اﻟﺤﺰن اﻟﻐﺎﻣﺾ ..ﻣﻊ اﻟﻤﻄﺮ. ﻣﻊ ﺑﺪاﯾﺎت اﻟﺸﺘﺎء ..ﻣﻊ ﻧﮭﺎﯾﺎت اﻟﺠﻨﻮن. ﺳﺘﻌﻮدﯾﻦ ﻟﻲ ..ﯾﺎ ﻣﻌﻄﻔﻲ اﻟﺸﺘﻮي ..ﯾﺎ ﻃﻤﺄﻧﯿﻨﺔ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﻤﺘﻌﺐ ..ﯾﺎ أﺣﻄﺎب اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ اﻟﺜﻠﺠﯿﺔ. أﻛﻨﺖ أﺣﻠﻢ؟ .ﻛﯿﻒ ﻧﺴﯿﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻘﻮﻟﺔ اﻟﺮاﺋﻌﺔ ﻷﻧﺪرﯾﮫ ﺟﯿﺪ "ﻻ ﺗﮭﯿﺊ أﻓﺮاﺣﻚ!" ﻛﯿﻒ ﻧﺴﯿﺖ ﻧﺼﯿﺤﺔ ﻛﮭﺬه؟ ﻛﻨﺖِ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻣﺮأة زوﺑﻌﺔ .ﺗﺄﺗﻲ وﺗﺮﺣﻞ وﺳﻂ اﻷﻋﺎﺻﯿﺮ واﻟﺪﻣﺎر .ﻛﻨﺖِ ﻣﻌﻄﻔﺎً ﻟﻐﯿﺮي وﺑﺮداً ﻟﻲ. ﻛﻨﺖِ اﻷﺣﻄﺎب اﻟﺘﻲ أﺣﺮﻗﺘﻨﻲ ﺑﺪل أن ﺗﺪﻓﺌﻨﻲ. ﻛﻨﺖ أﻧﺖِ. وﻛﻨﺖ أﻧﺘﻈﺮ أﯾﻠﻮل إذن.. أﻧﺘﻈﺮ ﻋﻮدﺗﻚ ﻟﻨﺘﺤﺪث أﺧﯿﺮاً ﺑﺼﺪق ﻣﻄﻠﻖ .ﻣﺎذا ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ ﻣﻨﻲ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ .وﻣﻦ أﻛﻮن أﻧﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﯿﻚ ..وﻣﺎ اﺳﻢ ﻗﺼﺘﻨﺎ ھﺬه؟
أﺧﻄﺄت ﻣﺮة أﺧﺮى. ﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻠﺴﺆال وﻻ ﻟﻠﺠﻮاب .ﻛﺎن وﻗﺘﺎ ﻟﺠﻨﻮن آﺧﺮ. ﻛﻨﺖ أﻧﺘﻈﺮ اﻷﻣﺎن .وﺟﺌﺖ ،زوﺑﻌﺔ ﺻﺎدﻓﺖ زوﺑﻌﺔ أﺧﺮى ،اﺳﻤﮭﺎ زﯾﺎد.. وﻛﺎﻧﺖ اﻷﻋﺎﺻﯿﺮ.
ﻟﻢ ﯾﺘﻐﯿﺮ زﯾﺎد ﻣﻨﺬ آﺧﺮ ﻣﺮة رأﯾﺘﮫ ﻓﯿﮭﺎ ،ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات ﺑﺒﺎرﯾﺲ .رﺑﻤﺎ أﺻﺒﺢ ﻓﻘﻂ أﻛﺜﺮ اﻣﺘﻼءً ،أﻛﺜﺮ رﺟﻮﻟﺔ ﻣﻊ اﻟﻌﻤﺮ ،ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي زارﻧﻲ ﻓﯿﮫ ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﺳﻨﺔ 1972ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﻲ .ﯾﻮم ﻛﺎن ﺷﺎﺑﺎً ﻓﺎرﻋﺎً ﺑﻮزن أﻗﻞ ،ورﺑﻤﺎ ﺑﮭﻤﻮم أﻗﻞ أﯾﻀﺎً. ﻣﺎزال ﺷﻌﺮه ﻣﺮﺗﺒﺎً ﺑﻔﻮﺿﻮﯾﺔ ﻣﮭﺬﺑﺔ .وﻗﻤﯿﺼﮫ اﻟﻤﺘﻤﺮد اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺘﻌﻮد ﯾﻮﻣﺎً ﻋﻠﻰ رﺑﻄﺔ ﻋﻨﻖ ،ﻣﻔﺘﻮﺣﺎً داﺋﻤﺎً ﺑﺰرٍ أو زرﯾﻦ .وﺻﻮﺗﮫ اﻟﻤﻤﯿﺰ دﻓﺌﺎً وﺣﺰﻧﺎً ،ﯾﻮھﻤﻚ أﻧﮫ ﯾﻘﺮأ ﺷﻌﺮاً ،ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻘﻮل أﺷﯿﺎء ﻋﺎدﯾﺔ .ﻓﯿﺒﺪو وﻛﺄﻧﮫ ﺷﺎﻋﺮ أﺿﺎع ﻃﺮﯾﻘﮫ وأﻧﮫ ﯾﻮﺟﺪ ﺧﻄﺄ ﺣﯿﺚ ھﻮ. ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻗﺎﺑﻠﺘﮫ ﻓﯿﮭﺎ ،ﺷﻌﺮت أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺼﻞ ﺑﻌﺪ إﻟﻰ وﺟﮭﺘﮫ اﻟﻨﮭﺎﺋﯿﺔ ،وأﻧﮫ ﯾﻌﯿﺶ ﻋﻠﻰ أھﺒﺔ ﺳﻔﺮ. ﻛﺎن ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻲ ﯾﺒﺪو ﺟﺎﻟﺴﺎً ﻋﻠﻰ ﺣﻘﺎﺋﺒﮫ .ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻮﻣﺎً ﻣﺮﺗﺎﺣًﺎ ﺣﯿﺚ ﻛﺎن ،وﻛﺄن اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ ﯾﺴﻜﻨﮭﺎ ﻣﺤﻄﺎت ﯾﻨﺘﻈﺮ ﻓﯿﮭﺎ ﻗﻄﺎراً ﻻ ﯾﺪري ﻣﺘﻰ ﯾﺄﺗﻲ. ھﺎ ھﻮذا ..ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻛﺘﮫ ،ﻣﺤﺎﻃﺎً ﺑﺄﺷﯿﺎﺋﮫ اﻟﺼﻐﯿﺮة وﻣﺤﻤﻼً ﺑﺎﻟﺬاﻛﺮة ،وﻣﺮﺗﺪﯾﺎً ﺳﺮوال اﻟﺠﯿﻨﺰ ﻧﻔﺴﮫ ،ﻛﺄﻧﮫ ھﻮﯾﺘﮫ اﻷﺧﺮى. ﻛﺎن زﯾﺎد ﯾﺸﺒﮫ اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ ﻣﺮ ﺑﮭﺎ .ﻓﯿﮫ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻏﺰّة ،ﻣﻦ ﻋﻤﺎن ..وﻣﻦ ﺑﯿﺮوت وﻣﻮﺳﻜﻮ ..وﻣﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮ وأﺛﯿﻨﺎ. ﻛﺎن ﯾﺸﺒﮫ ﻛﻞّ ﻣﻦ أﺣﺐ .ﻓﯿﮫ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺑﻮﺷﻜﯿﻦ ،ﻣﻦ اﻟﺴﯿّﺎب ..ﻣﻦ اﻟﺤﻼج ،ﻣﻦ
ﻣﯿﺸﯿﻤﺎ ..ﻣﻦ ﻏﺴﺎن ﻛﻨﻔﺎﻧﻲ ..وﻣﻦ ﻟﻮرﻛﺎ وﺗﯿﻮدوراﻛﯿﺲ. وﻷﻧﻨﻲ ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﺎ ﻗﺎﺳﻤﺖ زﯾﺎد ذاﻛﺮﺗﮫ ،ﺣﺪث أن أﺣﺒﺒﺖ ﻛﻞ ﻣﺎ أﺣﺐ وﻣﻦ أﺣﺐ ،دون أن أدري. ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم. ﺷﻌﺮت وأﻧﺎ أﺳﺘﻘﺒﻠﮫ ،أﻧﻨﻲ اﻓﺘﻘﺪﺗﮫ ﻃﻮال ھﺬه اﻟﺴﻨﻮات دون أن أدري ،وأﻧﻨﻲ ﺑﻌﺪه ﻟﻢ أﻟﺘﻖِ ﺑﺸﺨﺺٍ ﯾﻤﻜﻦ أن أدﻋﻮه ﺻﺪﯾﻘﺎً. ھﺎ ھﻮ زﯾﺎد .ﺑﺎﻋﺪﺗﻨﺎ اﻷﯾﺎم وﺑﺎﻋﺪﺗﻨﺎ اﻟﻘﺎرات .ووﺣﺪھﺎ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻨﺎ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﻇﻠّﺖ ﺗﺠﻤﻌﻨﺎ. وﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﺰل ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻣﻜﺎﻧﺘﮫ اﻷوﻟﻰ .ﻓﻠﻢ ﯾﺤﺪث ﻟﺰﯾﺎد أن ﻓﻘﺪ اﺣﺘﺮاﻣﻲ ﻟﺴﺒﺐ أو ﻵﺧﺮ ﺧﻼل ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺴﻨﻮات. أﻟﯿﺲ ھﺬا أﻣﺮاً ﻧﺎدراً ھﺬه اﻷﯾﺎم؟ ﺟﺎء زﯾﺎد.. واﺳﺘﯿﻘﻆ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي ﻇﻞّ ﻣﻐﻠﻘﺎً ﻟﺸﮭﺮﯾﻦ ﻓﻲ وﺟﮫ اﻵﺧﺮﯾﻦ،ﺣﺘﻰ ﻓﻲ وﺟﮫ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ﻧﻔﺴﮭﺎ. راح زﯾﺎد ﯾﻤﻸه ﺑﺤﻀﻮره ،ﺑﺄﺷﯿﺎﺋﮫ وﻓﻮﺿﺎه ،ﺑﻀﺤﻜﺘﮫ اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ أﺣﯿﺎﻧﺎً ،وﺑﺤﻀﻮره اﻟﺴﺮي اﻟﻐﺎﻣﺾ داﺋﻤﺎً .ﻓﺄﻛﺎد أﺷﻜﺮه ﻓﻘﻂ ،ﻷﻧﮫ أﺷﺮع ﻧﻮاﻓﺬ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ،واﺣﺘﻞ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﻏﺮﻓﮫ ..ورﺑﻤﺎ اﺣﺘﻠّﮫ ﻛﻠﮫ. ﻋُﺪﻧﺎ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً إﻟﻰ ﻋﺎداﺗﻨﺎ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات ،ﻋﻨﺪﻣﺎ زارﻧﻲ ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ ﺑﺎرﯾﺲ. رﺣﻨﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ إﻟﻰ اﻟﻤﻄﺎﻋﻢ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺗﻘﺮﯾﺒﺎً .ﺟﻠﺴﻨﺎ وﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺗﻘﺮﯾﺒﺎً ،ﻓﻼ ﺷﻲ ﺗﻐﯿّﺮ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ .ﻟﻢ ﯾﺴﻘﻂ ﻧﻈﺎمٌ ﻋﺮﺑﻲ واﺣﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن زﯾﺎد ﯾﺮاھﻦ ﻋﻠﻰ ﺳﻘﻮﻃﮭﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺮﻓﺘﮫ .ﻟﻢ ﯾﺤﺪث أيّ زﻟﺰال ﺳﯿﺎﺳﻲ ھﻨﺎ أو ھﻨﺎك ،ﻟﯿﻐﯿّﺮ ﺧﺮﯾﻄﺔ ھﺬه اﻷﻣﺔ. وﺣﺪه ﻟﺒﻨﺎن أﺻﺒﺢ وﻃﻨﺎً ﻟﻠﺰﻻزل واﻟﺮﻣﺎل اﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ .وﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﺮاه ﺳﯿﺒﺘﻠﻊ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ؟
ﻛﺎن ھﺬا ھﻮ اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﺣﺎوﻟﻨﺎ أن ﻧﺘﻨﺒﺄ ﺑﮫ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﻮاب .وﻛﺎن اﻟﻨﻘﺎش ﯾﺼﺐّ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ داﺋﻤﺎً ﻓﻲ اﻟﻘﻀﯿﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ،وﻓﻲ ﺧﻼﻓﺎت ﻓﺼﺎﺋﻠﮭﺎ ،واﻟﻤﻌﺎرك اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﺑﯿﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮھﺎ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن ،واﻟﺘﺼﻔﯿﺎت اﻟﺠﺴﺪﯾﺔ اﻟﺘﻲ راح ﺿﺤﯿﺘﮭﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﺳﻢ ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج. ﻛﺎن ﺣﺪﯾﺚ زﯾﺎد ﯾﻨﺘﮭﻲ ﻛﺎﻟﻌﺎدة ﺑﺸﺘﻢ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﺮي ﻣﺠﺪھﺎ ﺑﺎﻟﺪم اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﻲ ،ﺗﺤﺖ أﺳﻤﺎء ﻣﺴﺘﻌﺎرة ﻛﺎﻟﺮﻓﺾ واﻟﺼﻤﻮد ..واﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ .ﻓﯿﻨﻌﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻓﻮرة ﻏﻀﺒﮫ ﺑﻜﻞ اﻟﻨﻌﻮت اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ اﻟﺒﺬﯾﺌﺔ ،اﻟﺘﻲ أﺿﺤﻚ ﻟﮭﺎ وأﻧﺎ أﻛﺘﺸﻒ ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻷول ﻣﺮة. وأﻛﺘﺸﻒ أﯾﻀﺎً أن ﻟﻜﻞ ﺛﻮّار ﻗﺎﻣﻮﺳﮭﻢ اﻟﺨﺎص ،اﻟﺬي ﺗﻔﺮزه ﺛﻮرﺗﮭﻢ وﻣﻌﺎﯾﺸﺘﮭﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،ﻓﺄﺳﺘﻌﯿﺪ ﺑﺤﻨﯿﻦ ،ﻣﻔﺮدات أﺧﺮى ﻟﺰﻣﻦٍ آﺧﺮ وﺛﻮرة أﺧﺮى. رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ھﺬا اﻷﺳﺒﻮع ھﻮ أﺟﻤﻞ اﻷﯾﺎم اﻟﺘﻲ ﻗﻀﯿﺘﮭﺎ ﻣﻊ زﯾﺎد ،واﻟﺘﻲ ﺣﺎوﻟﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وﻟﻌﺪة ﺳﻨﻮات أﻻ أذﻛﺮ ﻏﯿﺮھﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻻ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻤﺮارة وﻻ ﺑﺎﻟﺤﺴﺮة ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﺸﺘﮫ ﺑﻌﺪھﺎ ﻋﻦ ﺧﻄﺄ أو ﻋﻦ ﺻﻮاب. ﻛﻞ ﻣﺎ ﻣﺮّ ﺑﻲ ﻣﻦ أﻟﻢ ..ﻣﻦ ﻏﯿﺮة وﻣﻦ ﺻﺪﻣﺎت ،وأﻧﺎ أﺿﻌﻜﻤﺎ ذات ﯾﻮم ھﻜﺬا وﺟﮭﺎً ﻟﻮﺟﮫ ،دون أﯾﺔ ﻣﻘﺪﻣﺎت أو ﺗﻮﺿﯿﺤﺎت ﺧﺎﺻﺔ.. ﻟﮫ ﻗﻠﺖ" :ﺳﻨﺘﻐﺪّى ﻏﺪا ﻣﻊ ﺻﺪﯾﻘﺔ ﻛﺎﺗﺒﺔ ..ﻻ ﺑﺪ أن أﻋﺮﻓﻚ ﻋﻠﯿﮭﺎ..". ﻟﻢ ﯾﺒﺪ ﻋﻠﯿﮫ اھﺘﻤﺎم ﺧﺎص ﺑﻜﻼﻣﻲ .ﻗﺎل ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ اﻟﺨﺎﺻﺔ وھﻮ ﯾﻌﻮد ﻟﻘﺮاءة ﺟﺮﯾﺪﺗﮫ " :أﻧﺎ أﻛﺮه اﻟﻨﺴﺎء ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺤﺎوﻟﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻷدب ﺗﻌﻮﯾﻀﺎً ﻋﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺎت أﺧﺮى ..أﺗﻤﻨﻰ أﻻ ﺗﻜﻮن ﺻﺪﯾﻘﺘﻚ ھﺬه ﻋﺎﻧﺴﺎً ،أو اﻣﺮأة ﻓﻲ ﺳﻦ اﻟﯿﺄس ..ﻓﺄﻧﺎ ﻻ ﺻﺒﺮ ﻟﻲ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء"! ﻟﻢ أﺟﺒﮫ .رﺣﺖ أﺗﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﻓﻜﺮﺗﮫ ..وأﺑﺘﺴﻢ! ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺎﺗﻒ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ" :ﺗﻌﺎﻟﻲ ﻏﺪاً ﻟﻠﻐﺪاء ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻄﻌﻢ ﻧﻔﺴﮫ ..ﻓﺄﻧﺎ أﺣﻤﻞ ﻟﻚ ﻣﻔﺎﺟﺄة ﻻ ﺗﺘﻮﻗﻌﯿﻨﮭﺎ".. ﻗﻠﺖِ: "إﻧﮭﺎ ﻟﻮﺣﺘﻲ ..أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟"
أﺟﺒﺘﻚ ﺑﻌﺪ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﺮدد" :ﻻ ..إﻧﮭﺎ ﺷﺎﻋﺮ"! *** اﻟﺘﻘﯿﺘﻤﺎ إذن.. وﯾﻤﻜﻦ أن أﻗﻮل ھﺬه اﻟﻤﺮة أﯾﻀﺎً: "اﻟﺬﯾﻦ ﻗﺎﻟﻮا وﺣﺪھﺎ اﻟﺠﺒﺎل ﻻ ﺗﻠﺘﻘﻲ أﺧﻄﺄوا .واﻟﺬﯾﻦ ﺑﻨﻮا ﺑﯿﻨﮭﺎ ﺟﺴﻮراً ﻟﺘﺘﺼﺎﻓﺢ دون أن ﺗﻨﺤﻨﻲ ،ﻻ ﯾﻔﮭﻤﻮن ﺷﯿﺌﺎً ﻓﻲ ﻗﻮاﻧﯿﻦ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ. اﻟﺠﺒﺎل ﻻ ﺗﻠﺘﻘﻲ إﻻ ﻓﻲ اﻟﺰﻻزل واﻟﮭﺰات اﻷرﺿﯿﺔ اﻟﻜﺒﺮى .وﻋﻨﺪھﺎ ﻻ ﺗﺘﺼﺎﻓﺢ ،ﺑﻞ ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﺗﺮاب واﺣﺪ". اﻟﺘﻘﯿﺘﻤﺎ إذن ..وﻛﺎن ﻛﻼﻛﻤﺎ ﺑﺮﻛﺎﻧﺎً ..ﻓﺄﯾﻦ اﻟﻌﺠﺐ ،إذا ﻛﻨﺖ ھﺬه اﻟﻤﺮة أﯾﻀﺎً أﻧﺎ اﻟﻀﺤﯿﺔ! ﻣﺎزﻟﺖ أذﻛﺮ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم.. وﺻﻠﺖِ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ،وﻛﻨﺖ ﻣﻊ زﯾﺎد ﻗﺪ ﻃﻠﺒﻨﺎ ﻣﺸﺮوﺑﺎً ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرك.. ودﺧﻠﺖِ.. ﻛﺎن زﯾﺎد ﯾﺤﺪّﺛﻨﻲ ﻋﻦ ﺷﻲء ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺻﻤﺖ ﻓﺠﺄة ،وﺗﻮﻗﻔﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﻋﻠﯿﻚ وھﻮ ﯾﺮاك ﺗﺠﺘﺎزﯾﻦ ﺑﺎب اﻟﻤﻄﻌﻢ. ﻓﺎﺳﺘﺪرت ﺑﺪوري ﻧﺤﻮ اﻟﺒﺎب ..ورأﯾﺘﻚ ﺗﺘﻘﺪّﻣﯿﻦ ﻧﺤﻮﻧﺎ ﻓﻲ ﺛﻮبٍ أﺧﻀﺮ ..أﻧﯿﻘﺔ، ﻣﻐﺮﯾﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﯾﻮﻣﺎً. وﻗﻒ زﯾﺎد ﻟﯿﺴﻠّﻢ ﻋﻠﯿﻚ وأﻧﺖ ﺗﻘﺘﺮﺑﯿﻦ ﻣﻨّﺎ .وﺑﻘﯿﺖ أﻧﺎ ﻣﻦ دھﺸﺘﻲ ﺟﺎﻟﺴﺎً .ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺘﻮﻗّﻌﻚ ھﻜﺬا. ھﺎ أﻧﺖ ذي أﺧﯿﺮاً.. أﺣﺴﺴﺖ أن ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ﯾﺴﻤّﺮﻧﻲ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻜﺮﺳﻲ ،وﻛﺄن ﺗﻌﺐ ﻛﻞّ اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ، وﻛﻞّ ﻋﺬاﺑﻲ ﺑﻌﺪك ﻗﺪ ﻧﺰل ﻋﻠﻲّ ﻓﺠﺄة ،وﻣﻨﻊ رﺟﻠﻲّ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮف. ھﺎ أﻧﺖ ذي أﺧﯿﺮاً ..أھﺬه أﻧﺖ ﺣﻘﺎً!؟
وﻗﺒﻞ أن أﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺗﻌﺮﯾﻔﻜﻤﺎ ﺑﺒﻌﺾ ،ﻛﻨﺖِ ﻗﺪ ﻗﺪّﻣﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﻟﺰﯾﺎد ،وﻛﺎن ھﻮ ﺑﺪوره ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن ﯾﻌﺮّﻓﻚ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎﻃﻌﺘﮫ ﻗﺎﺋﻠﺔ: دﻋﻨﻲ أﺣﺰر ..أﻟﺴﺖ زﯾﺎد ﺧﻠﯿﻞ؟ووﻗﻒ زﯾﺎد ﻣﺪھﻮﺷﺎً ﻗﺒﻞ أن ﯾﺴﺄﻟﻚ: ﻛﯿﻒ ﻋﺮﻓﺖِ؟اﺳﺘﺪرتِ ﻧﺤﻮي ﻋﻨﺪﺋﺬٍ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﻜﺘﺸﻔﯿﻦ وﺟﻮدي ھﻨﺎك ،ﻓﻮﺿﻌﺖ ﻗﺒﻠﺘﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺧﺪّي وﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﻮﺟّﮭﯿﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ إﻟﯿﮫ: أﻧﺖ ﺗﻤﻠﻚ ﺷﺒﻜﺔ إﻋﻼن ﻗﻮﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﺨﺺ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ..ﺛﻢ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ وأﻧﺖ ﺗﺘﻔﺤّﺼﯿﻦ ﻣﻼﻣﺤﻲ: ﻟﻘﺪ ﺗﻐﯿﺮت ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ..ﻣﺎ اﻟﺬي ﺣﺪث ﻟﻚ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻌﻄﻠﺔ؟ﺗﺪﺧّﻞ زﯾﺎد ﻟﯿﻘﻮل ﺳﺎﺧﺮاً: ﻟﻘﺪ رﺳﻢ إﺣﺪى ﻋﺸﺮة ﻟﻮﺣﺔ ﻓﻲ ﺷﮭﺮ وﻧﺼﻒ ..إﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻔﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﻏﯿﺮ ھﺬا .ﻧﺴﻲﺣﺘﻰ أن ﯾﺄﻛﻞ وﻧﺴﻲ أن ﯾﻨﺎم ..أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻨﻲ ﻟﻮ ﻟﻢ أﺣﻀﺮ إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ ﻟﻤﺎت ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي أﻣﺎﻣﻚ ﺟﻮﻋﺎً وإﻋﯿﺎءً وﺳﻂ ﻟﻮﺣﺎﺗﮫ ..ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ اﻟﺮﺳﺎﻣﻮن ﯾﻤﻮﺗﻮن اﻟﯿﻮم! وﺑﺪل أن ﺗﺴﺄﻟﯿﻨﻲ ﺳﺄﻟﺖ زﯾﺎد ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺬﻋﺮ ،وﻛﺄﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﺗﺨﺎﻓﯿﻦ أن أﻛﻮن ﻗﺪ رﺳﻤﺖ إﺣﺪى ﻋﺸﺮة ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻦ ﺻﻮرﺗﻚ: ﻣﺎذا رﺳﻢ؟أﺟﺎﺑﻚ زﯾﺎد ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ وﺟّﮭﮭﺎ إﻟﻲّ: ﻟﻘﺪ رﺳﻢ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..ﻻ ﺷﻲء ﺳﻮى ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..وﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﺠﺴﻮر..ﺻﺤﺖِ وأﻧﺖ ﺗﺴﺤﺒﯿﻦ ﻛﺮﺳﯿﺎً وﺗﺠﻠﺴﯿﻦ: ﻻ ..أرﺟﻮﻛﻢ ﻻ ﺗﺤﺪﺛﻮﻧﻲ ﻋﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﺮة أﺧﺮى ..إﻧﻨﻲ ﻋﺎﺋﺪة ﺗﻮاً ﻣﻨﮭﺎ .إﻧﮭﺎﻣﺪﯾﻨﺔ ﻻ ﺗﻄﺎق ..إﻧﮭﺎ اﻟﻮﺻﻔﺔ اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ ﻟﻜﻲ ﯾﻨﺘﺤﺮ اﻟﻤﺮء أو ﯾﺼﺒﺢ ﻣﺠﻨﻮﻧﺎً!
ﺛﻢ وﺟّﮭﺖِ ﻛﻼﻣﻚ إﻟﻲّ: ﻣﺘﻰ ﺗﺸﻔﻰ أﻧﺖ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ؟ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أﻗﻮل ﻟﻚ ﻟﻮ ﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻧﻔﺮاد "ﯾﻮم أﺷﻔﻰ ﻣﻨﻚ"! وﻟﻜﻦ زﯾﺎد أﺟﺎب رﺑﻤﺎ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﻲ: ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺸﻔﻰ ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻨﺎ ﯾﺎ آﻧﺴﺘﻲ ..وﻟﮭﺬا ﻧﺤﻦ ﻧﺮﺳﻢ ..وﻟﮭﺬا ﻧﺤﻦ ﻧﻜﺘﺐ..وﻟﮭﺬا ﯾﻤﻮت ﺑﻌﻀﻨﺎ أﯾﻀﺎً.. راﺋﻊ زﯾﺎد ..ﻛﺎن ﻣﺪھﺸﺎً وﺷﺎﻋﺮاً ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء. ﻛﺎن ﯾﻘﻮل ﺷﻌﺮاً دون ﺟﮭﺪ .وﯾﺤﺐ وﯾﻜﺮه دون ﺟﮭﺪ .وﯾﻐﺮي دون ﺟﮭﺪ. ﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﮫ وھﻮ ﯾﺴﺄﻟﻚ "أﻧﺖِ ﺟﺰاﺋﺮﯾﺔ إذن؟" .وﻻ أﺳﺘﻤﻊ ﻟﻤﺎ ﺗﻘﻮﻟﯿﻨﮫ ﻟﮫ. ﺑﺪا ﻟﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ أن اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻛﺎن ﯾﺪور ﺑﯿﻨﻜﻤﺎ ﻓﻘﻂ ،وأﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻗﻞ ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة ﻣﻨﺬ ﻗﺪوﻣﻚ. ﻛﻨﺖ ﻃﺮﻓﺎً ﻓﻘﻂ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻠﺴﺔ اﻟﻐﺮﯾﺒﺔ ﻟﻠﻘﺪر. ﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﻚ ..وأﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﻚ ﻋﻦ ﺷﺮح ﻟﻤﺎ ﺣﻞّ ﺑﻲ. ﺳﺄﻟﺘﻚ ﯾﻮﻣﺎً" :ﻣﺎ ھﻮ أﺟﻤﻞ ﺷﻲء ﻓﯿﻚ؟" اﺑﺘﺴﻤﺖ ﺑﺈﯾﻤﺎء ﻏﺎﻣﺾ وﻟﻢ ﺗﺠﯿﺒﻲ. ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ اﻷﺟﻤﻞ ،ﻛﻨﺖ اﻷﺷﮭﻰ .ﻓﮭﻞ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﺗﻔﺴﯿﺮٍ ﻟﻠﺮﻏﺒﺔ! رﺑﻤﺎ ﻛﺎن زﯾﺎد ﯾﺸﺒﮭﻚ أﯾﻀﺎً.. اﻛﺘﺸﻔﺖ ذﻟﻚ ﻣﻊ ﻣﺮور اﻷﯾﺎم ،وأﻧﺎ أﻧﻈﺮ إﻟﯿﻜﻤﺎ وأﻧﺘﻤﺎ ﺗﺘﺤﺪﺛﺎن أﻣﺎﻣﻲ ﻛﻞّ ﻣﺮة. ﻛﺎن أﯾﻀﺎً ﺷﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺮ اﻟﻐﺎﻣﺾ ﻓﯿﮫ ..ﻣﻦ اﻟﺠﺎذﺑﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل. وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻜﺮة ﺗﺸﺎﺑﮭﻜﻤﺎ أو ﺗﻄﺎﺑﻘﻜﻤﺎ ھﺬه ﺗﺰﻋﺠﻨﻲ ..ﺑﻞ وأزﻋﺠﺘﻨﻲ رﺑﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻈﺔ
اﻷوﻟﻰ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺒّﮭﺘﻨﻲ إﻟﻰ ﺗﺪھﻮر ﺻﺤﺘﻲ وﺷﺤﻮب ﻟﻮﻧﻲ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أراﻛﻤﺎ أﻣﺎﻣﻲ ﻓﻲ ﺻﺤّﺔ وﺗﺄﻟﻖ ﻣﺜﯿﺮ ﻟﻠﻐﯿﺮة. ﺗﺮى ﺑﺪأت اﻟﻐﯿﺮة ﺗﺘﺴﻠﻞ إﻟﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ ..وأﻧﺎ أﻛﺘﺸﻒ أﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﺳﻮى ﺷﺒﺢ ﺑﯿﻨﻜﻤﺎ، ووﺟﮫ ﺣﺸﺮ ﺧﻄﺄ ﻓﻲ ﻟﻮﺣﺘﻜﻤﺎ اﻟﺜﻨﺎﺋﯿﺔ؟ ﻟﻢ ﺗَﺘَﻨَﺒّﮭﻲ ﯾﻮﻣﮭﺎ أﻧﻨﻲ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺑﺴﺒﺒﻚ .وﻟﺬا ﻟﻢ ﺗﻌﺘﺬري ﻟﻲ ،ﺑﻞ وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻛﻨﺖ ﺗﺘﺤﺪﺛﯿﻦ ﻗﻠﯿﻼً إﻟﻲّ ..وﻛﺜﯿﺮاً إﻟﯿﮫ. ﻗﻠﺖِ ﻟﮫ: ﻟﻘﺪ أﺣﺒﺒﺖ دﯾﻮاﻧﻚ اﻷﺧﯿﺮ" ﻣﺸﺎرﯾﻊ ﻟﻠﺤﺐ اﻟﻘﺎدم"؛ ﻟﻘﺪ ﺳﺎﻋﺪﻧﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ﻋﻠﻰﺗﺤﻤﻞ ھﺬه اﻟﻌﻄﻠﺔ اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ .ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﻘﺎﻃﻊ ﻣﻨﮫ ﺣﻔﻈﺘﮭﺎ ﻟﻔﺮط ﻣﺎ أﻋﺪت ﻗﺮاءﺗﮭﺎ.. ورﺣﺖ ﺗﻘﺮأﯾﻦ أﻣﺎم دھﺸﺔ زﯾﺎد: "ﺗﺮﺑّﺺ ﺑﻲ اﻟﺤﺰن ﻻ ﺗﺘﺮﻛﯿﻨﻲ ﻟﺤﺰن اﻟﻤﺴﺎء ﺳﺄرﺣﻞ ﺳﯿﺪﺗﻲ أﺷﺮﻋﻲ اﻟﯿﻮم ﺑﺎﺑﻚ ﻗﺒﻞ اﻟﺒﻜﺎء ﻓﮭﺬي اﻟﻤﻨﺎﻓﻲ ﺗﻐﺮّر ﺑﻲ ﻟﻠﺒﻘﺎء وھﺬي اﻟﻤﻄﺎرات ﻋﺎھﺮة ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﺗﺮاودﻧﻲ ﻟﻠﺮﺣﯿﻞ اﻷﺧﯿﺮ"... ﻛﻨﺖ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﯿﻚ ﺗﻘﺮﺋﯿﻦ ﺷﻌﺮاً ﻷول ﻣﺮة. ﻛﺎن ﻓﻲ ﺻﻮﺗﻚ ﻣﻮﺳﯿﻘﻰ ﻵﻟﺔ ﻟﻢ ﺗﺨﻠﻖ ﺑﻌﺪ أﺗﻌﺮف ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ ﺣﺰن ﻧﺒﺮﺗﻚ اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻘﺖ ﻓﻲ اﻟﺒﺪء ﻟﻠﻔﺮح ..ﻓﺈذا ﺑﮭﺎ ﻋﺰف ﻟﺸﻲء آﺧﺮ. وﻛﺎن زﯾﺎد ﯾﺴﺘﻤﻊ إﻟﯿﻚ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺬھﻮل ،وﻛﺄﻧﮫ ﻓﺠﺄة ﯾﺠﻠﺲ ﺧﺎرج اﻟﺰﻣﻦ وﺧﺎرج اﻟﺬاﻛﺮة. ﻛﺄﻧﮫ أﺧﯿﺮاً ﻗﺮر أن ﯾﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء آﺧﺮ ﻏﯿﺮ ﺣﻘﺎﺋﺒﮫ ﻟﯿﺴﺘﻤﻊ إﻟﯿﻚ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻜﺖﱢ ..راح ﯾﻘﺮأ ﺑﻘﯿﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﯿﺪة وﻛﺄﻧﮫ ﯾﻘﺮأ ﻟﻚ ﻃﺎﻟﻌﮫ ﻻ ﻏﯿﺮ: "وﻣﺎﻟﻲ ﺳﻮاكِ وﻃﻦ وﺗﺬﻛﺮة ﻟﻠﺘﺮاب ..رﺻﺎﺻﺔ ﻋﺸﻖ ﺑﻠﻮن ﻛﻔﻦ وﻻ ﺷﻲء ﻏﯿﺮك ﻋﻨﺪي
ﻣﺸﺎرﯾﻊ ﺣﺐّ ..ﻟﻌﻤﺮ ﻗﺼﯿﺮ"! ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ..ﺷﻌﺮت أن ﺷﺤﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺰن اﻟﻤﻜﮭﺮب ورﺑﻤﺎ اﻟﺤﺐ اﻟﻤﻜﮭﺮب أﯾﻀﺎً ﻗﺪ ﺳﺮت ﺑﯿﻨﻨﺎ ،واﺧﺘﺮﻗﺘﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺜﻼﺛﺔ. ﻛﻨﺖ أﺣﺐ زﯾﺎد ..ﻛﻨﺖ ﻣﺒﮭﻮراً ﺑﮫ .ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﮫ ﯾﺴﺮق ﻣﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺤﺰن، وﻛﻠﻤﺎت اﻟﻮﻃﻦ ،وﻛﻠﻤﺎت اﻟﺤﺐ أﯾﻀﺎً.. ﻛﺎن زﯾﺎد ﻟﺴﺎﻧﻲ ،وﻛﻨﺖ أﻧﺎ ﯾﺪه ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺤﻠﻮ ﻟﮫ أن ﯾﻘﻮل. وﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ..أﻧﻚ أﺻﺒﺤﺖ ﻗﻠﺒﻨﺎ ..ﻣﻌﺎً! *** ﻛﺎن ﯾﺠﺐ أن أﺗﻮﻗﻊ ﻛﻞ اﻟﺬي ﺣﺪث. ﻓﮭﻞ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أوﻗﻒ اﻧﺠﺮاﻓﻜﻤﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ؟ ﻛﻨﺖ ﺷﺒﯿﮭﺎً ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ اﻟﺬي ﯾﺨﺘﺮع وﺣﺸﺎً ،ﺛﻢ ﯾﺼﺒﺢ ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﯿﮫ. ﻛﻨﺖ أﻛﺘﺸﻒ ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ أﻧﻨﻲ ﺻﻨﻌﺖ ﻗﺼﺘﻜﻤﺎ ﺑﯿﺪي .ﺑﻞ وﻛﺘﺒﺘﮭﺎ ﻓﺼﻼً ﻓﺼﻼً ﺑﻐﺒﺎء ﻣﺜﺎﻟﻲ ،وأﻧﻨﻲ ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ أﺑﻄﺎﻟﻲ. ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ أن أﺿﻊ أﻣﺎﻣﻚ رﺟﻼً ﯾﺼﻐﺮﻧﻲ ﺑﺎﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ ،وﯾﻔﻮﻗﻨﻲ ﺣﻀﻮراً وإﻏﺮاءً ،وأﺣﺎول أن أﻗﯿﺲ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﮫ أﻣﺎﻣﻚ؟ ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ أن أﻓﻚّ ﺻﻠﺔ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﻤﻌﻜﻤﺎ ﺑﺘﻮاﻃﺆ ،وأﻣﻨﻊ ﻛﺎﺗﺒﺔ أن ﺗﺤﺐّ ﺷﺎﻋﺮاً ﺗﺤﻔﻆ أﺷﻌﺎره ﻋﻦ ﻇﮭﺮ ﻗﻠﺐ؟ وﻛﯿﻒ أﻗﻨﻌﮫ ھﻮ اﻟﺬي رﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﺸﻒَ ﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺣﺒﮫ اﻟﺠﺰاﺋﺮي اﻟﺴﺎﺑﻖ ،أﻻ ﯾﺤﺒﻚ أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﺟﺌﺖ ﻟﺘﻮﻗﻈﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ،وﺗﺸﺮﻋﻲ ﻧﻮاﻓﺬ اﻟﻨﺴﯿﺎن؟ ﻛﯿﻒ ﺣﺪث ھﺬا ..وﻛﯿﻒ أﺗﯿﺖ ﺑﻜﻤﺎ ﻷﺿﻌﻜﻤﺎ أﻣﺎم ﻗﺪرﻛﻤﺎ ..اﻟﺬي ﻛﺎن أﯾﻀﺎً ﻗﺪري! ﻗﺎل ﻟﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎء:
إﻧﮭﺎ راﺋﻌﺔ ھﺬه اﻟﻔﺘﺎة ..ﻻ أذﻛﺮ أﻧﻨﻲ ﻗﺮأت ﻟﮭﺎ ﺷﯿﺌﺎً ،ﻓﺮﺑﻤﺎ ﺑﺪأت اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺑﻌﺪﻣﺎﻏﺎدرت اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﻓﮭﻤﺖ .وﻟﻜﻨﻨﻲ أﻋﺮف ھﺬا اﻻﺳﻢ ..ﻟﻘﺪ ﺳﺒﻖ أن ﻗﺮأﺗﮫ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻣﺎ ..إﻧﮫ ﻟﯿﺲ ﻏﺮﯾﺒﺎً ﻋﻠﻲّ. ﻗﻠﺖ ﻟﮫ وﻗﺘﮭﺎ: أﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﻘﺮأ ھﺬا اﻻﺳﻢ وإﻧﻤﺎ ﺳﻤﻌﺘﮫ ﻓﻘﻂ .إﻧﮫ اﺳﻢ ﻟﺸﺎرع ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﯾﺤﻤﻞ اﺳﻢأﺑﯿﮭﺎ )اﻟﻄﺎھﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻟﻰ( اﻟﺬي اﺳﺘﺸﮭﺪ أﺛﻨﺎء اﻟﺜﻮرة. وﺿﻊ زﯾﺎد ﺟﺮﯾﺪﺗﮫ وﻧﻈﺮ إﻟﻲّ دون أن ﯾﻘﻮل ﺷﯿﺌﺎً. أﺣﺴﺴﺘﮫ ذھﺐ ﺑﻌﯿﺪاً ﻓﻲ ﺗﻔﻜﯿﺮه. ﺗﺮاه ﺑﺪأ أﯾﻀﺎً ﯾﻜﺸﻒ ﻛﻞ اﻟﮭﻮاﻣﺶ اﻟﻤﺜﯿﺮة ﻟﻠﻘﺎﺋﻜﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻈﺮوف ..وﻛﻞ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ اﻟﻌﺠﯿﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺒﻘﻰ ﻣﺤﺎﯾﺪاً أﻣﺎﻣﮭﺎ؟ ﺷﻌﺮت ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﻼم ﻋﻨﻚ أﻛﺜﺮ. ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن أﺣﺪﺛﮫ ﻋﻦ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ .ﻛﺪت أﺧﺒﺮه أﻧﻚ اﺑﻨﺔ ﻗﺎﺋﺪي وﺻﺪﯾﻘﻲ. ﻛﺪت أﻗﺺّ ﻋﻠﯿﮫ ﺣﺘﻰ ﻗﺼّﺘﻲ اﻟﻌﺠﯿﺒﺔ ﻣﻌﻚ .أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ اﺑﻨﺘﻲ، ﻗﺒﻞ أن ﺗﺼﺒﺤﻲ ﻓﺠﺄة ﺑﻌﺪ رﺑﻊ ﻗﺮن ﺣﺒﯿﺒﺘﻲ! ﻛﺪت أﺣﻜﻲ ﻟﮫ ﻗﺼﺔ ﻟﻮﺣﺘﻲ اﻷوﻟﻰ )ﺣﻨﯿﻦ( وﺗﺼﺎدﻓﮭﺎ ﻣﻊ ﻣﯿﻼدك .وﻗﺼﺔ ﻟﻮﺣﺎﺗﻲ اﻷﺧﯿﺮة وﻋﻼﻗﺘﮭﺎ ﺑﻚ ..وﺳﺒﺐ ﺗﺪھﻮر ﺻﺤﺘﻲ وﺟﻨﻮﻧﻲ اﻷﺧﯿﺮ.. ﻛﺪت أﺷﺮح ﻟﮫ ﺳﺮ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ. أﺻَﻤﺖﱡ ﻷﺣﺘﻔﻆ ﺑﺴﺮّك ﻟﻲ ﻛﻤﺎ ﻧﺤﺘﻔﻆ ﺑﺴﺮ ﻛﺒﯿﺮ ﻧﺘﻠﺬّذ ﺑﺤﻤﻠﮫ وﺣﺪﻧﺎ؟ أﻛﺎن ﻟﺤﺒﻚ ﻧﻜﮭﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﺮي وﻣﺘﻌﺘﮫ اﻟﻘﺎﺗﻠﺔ؟. أﻧﻢ ﺗﺮاﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﺧﺠﻞ أن أﻋﺘﺮف ﻟﮫ دون أن أدري أﻧﻚ ﺣﺒﯿﺒﺘﻲ ،ھﻮ اﻟﺬي ﻟﻢ أﺧﺠﻞ ﻣﻨﮫ ﯾﻮﻣﺎً واﻟﺬي ﺗﻘﺎﺳﻤﺖ ﻣﻌﮫ ﻛﻞ ﺷﻲء؟ أﻷﻧﻚ ﺣﺐّ ﻟﻢ ﯾُﺨﻠﻖ ﻟﯿُﻘﺘﺴﻢ ،ﻗﺮرت ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪء أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻷﺣﺪﻧﺎ ..ﻓﻘﻂ؟ أﻋﻦ ﺻﺪاﻗﺔ أو ﺣﻤﺎﻗﺔ ،ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﻣﻨﺤﮫ ﻓﺮﺻﺔ ﺣﺒﻚ اﻟﺬي ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﺣﺒّﮫ اﻷﺧﯿﺮ، وأﯾﺎﻣﺎً ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻤﺴﺮوﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻮت اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺘﺮﺑﺺ ﺑﮫ ﻓﻲ ﻛﻞ
ﺣﯿﻦ ..وﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺪﯾﻨﺔ؟ ﻣﺎذا ﺟﺎء زﯾﺎد ﯾﻔﻌﻞ ﻓﻲ ﺑﺎرﯾﺲ؟ ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺄت ﻓﻲ زﯾﺎرة ﺳﯿﺎﺣﯿﺔ .رﺑﻤﺎ ﺟﺎء ﻟﯿﻘﻮم ﺑﺒﻌﺾ اﻻﺗﺼﺎﻻت اﻟﺴﺮﯾﺔ ،ﯾﻠﺘﻘﻲ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺠﮭﺎت ..ﯾﺘﻠﻘﻰ أو ﯾﻌﻄﻲ ﺗﻌﻠﯿﻤﺎت ﻻ أدري.. وﻟﻜﻨﮫ ﻛﺎن ﻗﻠﻘﺎً ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ .ﻛﺎن ﯾﺘﺤﺎﺷﻰ أﺧﺬ ﻣﻮاﻋﯿﺪه ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺎﺗﻒ ،وﻛﺎن ﻻ ﯾﻐﺎدر اﻟﺒﯿﺖ ﺑﻤﻔﺮده إﻻ ﻧﺎدراً. وﻟﻢ أﻃﺮح ﻋﻠﯿﮫ ﯾﻮﻣﺎً أي ﺳﺆال ﺣﻮل ﺳﺒﺐ زﯾﺎرﺗﮫ ﻟﺒﺎرﯾﺲ .ﻛﺎن ھﻨﺎك ﺷﻲء ﻣﻦ ﺑﻘﺎﯾﺎ ﻓﺘﺮة ﻛﻔﺎﺣﯿﺔ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،ﺗﺠﻌﻠﻨﻲ أﺣﺘﺮم أﺳﺮار اﻵﺧﺮﯾﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ذﻟﻚ ﺑﻘﻀﺎﯾﺎ ﻧﻀﺎﻟﯿﺔ. ﻛﻨﺖ أﺣﺘﺮم ﺳﺮه ،وﻛﺎن ﯾﺤﺘﺮم ﺻﻤﺘﻲ .وﻟﮭﺬا ﻧﻘﻠﻨﺎ ﺳﺮﻧﺎ وﺻﻤﺘﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﺼﺘﻨﺎ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻣﻌﻚ. أﻛﺎن ﺑﺤﺪﺳﮫ اﻟﻤﻔﺮط ﯾﺘﻮﻗﻊ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﻚ؟ أم ﺗﺮاه أﻣﺎم ﺗﻈﺎھﺮي ﺑﺎﻟﻼﻣﺒﺎﻻة ،ﻟﻢ ﯾﺘﻮﻗﻊ وﺟﻮد ﺣﺐّ ﻣﻠﺘﮭﺐ ﻛﮭﺬا ﻓﻲ أﺣﺸﺎﺋﻲ. وﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺘﻮﻗﻊ ذﻟﻚ ،وأﻧﺎ أﻧﺴﺤﺐ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ﻋﻠﻰ رؤوس اﻷﺻﺎﺑﻊ ،ﻷﺗﺮك ﻟﮫ اﻟﻤﺠﺎل ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺳّﻊ؟ ﻛﻨﺖ أدﻋﮫ ﯾﺠﯿﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺎﺗﻒ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﻲ .ﯾﺘﺤﺪث إﻟﯿﻚ وﯾﺪﻋﻮك إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﻲ. وﻛﻨﺖ ﺗﺄﺗﯿﻦ ،وأﺣﺎول أﻻ أﺳﺄل ﻧﻔﺴﻲ ﻟﻤﻦ ﺟﺌﺖ ..وﻟﻤﻦ ﺗﺮاك ﺗﺠﻤّﻠﺖِ؟ رﺑﻤﺎ ﻛﺎن أﻛﺜﺮ اﻷﯾﺎم وﺟﻌﺎً ﯾﻮم زرت اﻟﺒﯿﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻷول ﻣﺮة. ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن ﯾﻨﺒﮭﻚ زﯾﺎد ﻟﻠﻮﺣﺎﺗﻲ ﻟﺘﻨﺘﺒﮭﻲ إﻟﯿﮭﺎ .رﺣﺖ ﺗﻨﺘﻘﻠﯿﻦ ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى وﻛﺄﻧﻚ ﺗﻌﺒﺮﯾﻦ ﻏﺮف ﺑﯿﺘﻚ .ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻮﻗﻔﻚ ذﻟﻚ اﻟﻤﻤﺮ ،وﻻ ذﻛﺮى ﻗﺒﻠﺔ ﻗﻠَﺒﺖ ﺣﯿﺎﺗﻲ رأﺳﺎً ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺐ. أﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ھﻲ اﻷﻛﺜﺮ أﻟﻤﺎً ،أم ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺘﺤﺖ )ﺧﻄﺄ؟( ﺑﺎﺑﺎً ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻚ ﻣﻮﺿّﺤ ًﺎ "ھﺬه ﻏﺮﻓﺔ زﯾﺎد" .ﻓﻮﻗﻔﺖ أﻣﺎم ذﻟﻚ اﻟﺒﺎب ﻧﺼﻒ اﻟﻤﻔﺘﻮح ،ﻟﺤﻈﺎت ﺑﺪت ﻟﻲ أﻃﻮل ﻣﻤﺎ ﻗﻀﯿﺘﮫ ﻣﻦ وﻗﺖ أﻣﺎم ﻛﻞ ﻟﻮﺣﺎﺗﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ. ﻗﻠﺖ وأﻧﺖ ﺗﻌﻮدﯾﻦ إﻟﻰ اﻟﺼﺎﻟﻮن وﺗﺠﻠﺴﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻷرﯾﻜﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ:
ﻻ أﻓﮭﻢ أن ﺗﻜﻮن رﺳﻤﺖ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺠﺴﻮر ..ﺟﻨﻮن ھﺬا ..ﻛﺎن ﯾﻜﻔﻲ ﻟﻮﺣﺔ أواﺛﻨﺘﺎن.. أﻋﻦ ﻗﻨﺎﻋﺔ أم ﻋﻦ ﻟﯿﺎﻗﺔ ﺗﻄﻮع زﯾﺎد ﻟﯿﺠﯿﺒﻚ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﻲ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻻﺣﻆ وﻗﻊ ﻛﻠﻤﺎﺗﻚ ﻋﻠﻲّ ،وﻻﺣﻆ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﯿﺒﺔ اﻟﺘﻲ أﻓﻘﺪﺗﻨﻲ ﺻﻮﺗﻲ: أﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﺘﺄﻣﻠﻲ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺎت ..ﻟﻘﺪ ﺣﻜﻤﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮة اﻷوﻟﻰ ..وﻓﻲ اﻟﺮﺳﻢ،اﻟﻠﻮﺣﺎت ﻻ ﺗﺘﻄﺎﺑﻖ وإن ﺗﺸﺎﺑﮭﺖ .ھﻨﺎﻟﻚ أرﻗﺎم ﺳﺮﯾﺔ ﺗﻔﺘﺢ ﻟﻐﺰ ﻛﻞ ﻟﻮﺣﺔ ..ﺷﻲء ﺷﺒﯿﮫ ﺑـ )اﻟﻜﻮد( ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻨﮫ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻹﺷﻌﺎر ﺑﺸﻲء ﻣﺎ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻮﺻﻠﮫ إﻟﯿﻨﺎ ﺻﺎﺣﺒﮭﺎ.. ﻟﻮ ﻣﺮرت ﺑﻨﻔﺲ ھﺬه اﻟﺴﺮﻋﺔ أﻣﺎم ﻟﻮﺣﺔ )ﻻﻋﺒﻲ اﻟﻮرق( اﻟﺸﮭﯿﺮة ،ﻟﻤﺎ ﻻﺣﻈﺖ ﺳﻮى ﻻﻋﺒﯿﻦ ﺟﺎﻟﺴﯿﻦ أﻣﺎم ﻃﺎوﻟﺔ ،وﻟﻤﺎ اﻧﺘﺒﮭﺖ إﻟﻰ ﻛﻮﻧﮭﻤﺎ ﯾﻤﺴﻜﺎن ﺑﺄوراق ﺑﯿﻀﺎء ﯾﺨﻔﯿﺎﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ .إن ﻣﺎ أراد أن ﯾﻨﻘﻠﮫ ﻟﻨﺎ "ﺳﯿﺰان" ﻟﯿﺲ ﻣﺸﮭﺪاً ﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﻮرق ﺑﻞ ﻣﺸﮭﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺰوﯾﺮ اﻟﻤﺘّﻔﻖ ﻋﻠﯿﮫ ..ورﺑﻤﺎ اﻟﻤﺘﻮارث ﻣﺎدام أﺣﺪ اﻟﻼﻋﺒﯿﻦ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺳﻨﺎً. وﻗﺒﻞ أن ﯾﻮاﺻﻞ زﯾﺎد ﻛﻼﻣﮫ ﻗﺎﻃﻌﺘﮫ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻣﻦ أﯾﻦ ﺗﻌﺮف ﻛﻞ ھﺬا ..ھﻞ أﻧﺖ ﺧﺒﯿﺮ أﯾﻀﺎً ﻓﻲ اﻟﺮﺳﻢ ..أم أن ﻋﺪوى ﺧﺎﻟﺪ اﻧﺘﻘﻠﺖإﻟﯿﻚ؟ ﺿﺤﻚ زﯾﺎد واﻗﺘﺮب ﻣﻨﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء وﻗﺎل: ﻟﯿﺲ ھﺬا ﻣﯿﺪان ﺧﺒﺮﺗﻲ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ..إﻧﮫ ﺗﺮف ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول رﺟﻞ ﻣﺜﻠﻲ ..ﺑﻞإن ﺟﮭﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻔﻦ ﺳﺒﻔﺎﺟﺌﻚ .أﻧﺎ ﻻ أﻋﺮف ﻏﯿﺮ ﻗﻠﺔ ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﺎﻣﯿﻦ اﻛﺘﺸﻔﺖ أﻋﻤﺎﻟﮭﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ ..وﻓﻲ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﺨﺘﺼﺔ ﻏﺎﻟﺒﺎً ..وﻟﻜﻨﻨﻲ أﺣﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺪارس اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺮح أﺳﺌﻠﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل أﻋﻤﺎﻟﮭﺎ.. اﻟﻔﻦ ﻟﻠﻔﻦ ﻻ ﯾﻘﻨﻌﻨﻲ ،واﻟﺠﻮﻛﻨﺪة اﻟﻤﺤﺘﺮﻣﺔ ﻻ ﺗﮭﺰّﻧﻲ .أﺣﺐ اﻟﻔﻦ اﻟﺬي ﯾﻀﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮭﺔ وﺟﻮدﯾﺔ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻲ ،وﻟﮭﺬا أﻋﺠﺒﺖ ﺑﻠﻮﺣﺎت ﺧﺎﻟﺪ اﻷﺧﯿﺮة ..إﻧﮭﺎ أول ﻣﺮة ﯾﺪھﺸﻨﻲ ﻓﯿﮭﺎ ﺣﻘﺎً. ﻟﻘﺪ ﺗﻮﺣّﺪ ﻣﻊ ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ ﻟﻮﺣﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ﻓﻲ ﻓﺮحٍ ﺛﻢ ﻓﻲ ﺣﺰن ﻣﺘﺪرج ﺣﺘﻰ اﻟﻌﺘﻤﺔ، وﻛﺄﻧﮫ ﻋﺎش ﯾﺘﻮﻗﯿﺘﮫ ﯾﻮﻣﺎً أو ﻋﻤﺮاً ﻛﺎﻣﻼً.. ﻓﻲ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﻻ ﯾﻈﻞ ﺑﺎدﯾﺎً ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺮ ﺳﻮى ﺷﺒﺤﮫ اﻟﺒﻌﯿﺪ ﺗﺤﺖ ﺧﯿﻂ ﻣﻦ
اﻟﻀﻮء .ﻛﻞ ﺷﻲء ﺣﻮﻟﮫ ﯾﺨﺘﻔﻲ ﺗﺤﺖ اﻟﺒﺎب ﻓﯿﺒﺪو اﻟﺠﺴﺮ ﻣﻀﯿﺌﺎً ،ﻋﻼﻣﺔ اﺳﺘﻔﮭﺎم ﻣﻌﻠّﻘﺔ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء .ﻻ رﻛﺎﺋﺰ ﺗﺸﺪّ أﻋﻤﺪﺗﮫ إﻟﻰ أﺳﻔﻞ ،ﻻ ﺷﻲء ﯾﺤﺪّه ﻋﻠﻰ ﯾﻤﯿﻨﮫ وﻻ ﻋﻠﻰ ﯾﺴﺎره ،وﻛﺄﻧﮫ ﻓﻘﺪ ﻓﺠﺄة وﻇﯿﻔﺘﮫ اﻷوﻟﻰ ﻛﺠﺴﺮ ! أﺗﺮى ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﺼﺒﺢ ﻋﻨﺪﺋﺬ أم ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻠﯿﻞ؟ أﺗﺮاه ﯾﺤﺘﻀﺮ أم ﯾﻮﻟﺪ ﻣﻊ ﺧﯿﻂ اﻟﻔﺠﺮ؟ إﻧﮫ اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﯾﺒﻘﻰ ﻣﻌﻠّﻘﺎً ﻛﺎﻟﺠﺴﺮ ﻟﻮﺣﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ،ﻣﻄﺎرداً ﺑﻠﻌﺒﺔ اﻟﻈﻞّ واﻟﻀﻮء اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ،ﺑﺎﻟﻤﻮت واﻟﺒﻌﺚ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ،ﻷن أي ﺷﻲء ﻣﻌﻠّﻖ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض ھﻮ ﺷﻲء ﯾﺤﻤﻞ ﻣﻮﺗﮫ ﻣﻌﮫ. ﻛﻨﺖ أﺳﻤﺘﻊ إﻟﻰ زﯾﺎد ﻣﺪھﻮﺷﺎً ،ورﺑﻤﺎ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺷﯿﺌﺎً ﻟﻢ ﯾﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻲ ﻟﺤﻈﺔ رﺳﻢ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺎت. أﺣﻖﱞ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﮫ؟ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أن زﯾﺎد ﻛﺎن ﯾﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻟﻮﺣﺎﺗﻲ ﺧﯿﺮاً ﻣﻨﻲ .ﻣﺜﻞ ﻛﻞ اﻟﻨﻘﺎد اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻌﻄﻮﻧﻚ ﺷﺮوﺣﺎً ﻣﺪھﺸﺔ ﻷﻋﻤﺎل ﻓﻨﯿﺔ ﻗﻤﺖ ﺑﮭﺎ أﻧﺖ ﺑﻜﻞ ﺑﺴﺎﻃﺔ ،دون أﯾﺔ ﺗﺴﺎؤﻻت ﻓﻠﺴﻔﯿﺔ ،ﻓﯿﻀﺤﻜﻮﻧﻚ إذا ﻛﻨﺖ ﻓﻨﺎﻧﺎً ﺻﺎدﻗﺎً وﺑﺴﯿﻄﺎً ﻻ ﺗﮭﻤّﻚ اﻟﺮﻣﻮز واﻟﻨﻈﺮﯾﺎت اﻟﻤﻌﻘّﺪة ﻓﻲ اﻟﻔﻦ .وﻗﺪ ﯾﻤﻸوﻧﻚ ﻏﺮوراً وﺟﻨﻮﻧﺎً ،إذا ﻛﻨﺖ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺜﯿﺮﯾﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺄﺧﺬون أﻧﻔﺴﮭﻢ ﻣﺄﺧﺬ اﻟﺠﺪ ،وﯾﺒﺪأون ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺑﺎﻟﺘﻨﻈﯿﺮ ﺑﻤﺪرﺳﺔ ﻓﻨﯿﺔ ﺟﺪﯾﺪة! ﻛﺎن ﻓﻲ ﺗﺤﻠﯿﻞ زﯾﺎد ﺣﻘﯿﻘﺔ ھﺎﻣﺔ أدھﺸﺘﻨﻲ وﻟﻢ أﻧﺘﺒﮫ ﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻋﺘﻘﺪ وأﻧﺎ أرﺳﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺴﻮر أﻧﻨﻲ أرﺳﻤﻚ ،وﻟﻢ أﻛﻦ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ أرﺳﻢ ﺳﻮى ﻧﻔﺴﻲ .ﻛﺎن اﻟﺠﺴﺮ ﺗﻌﺒﯿﺮاً ﻋﻦ وﺿﻌﻲ اﻟﻤﻌﻠّﻖ داﺋﻤﺎً وﻣﻨﺬ اﻷزل .ﻛﻨﺖ أﻋﻜﺲ ﻋﻠﯿﮫ ﻗﻠﻘﻲ وﻣﺨﺎوﻓﻲ ودواري دون أن أدري. وﻟﮭﺬا رﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺠﺴﺮ ھﻮ أول ﻣﺎ رﺳﻤﺖ ﯾﻮم ﻓﻘﺪت ذراﻋﻲ. ﻓﮭﻞ ﺗﻌﻨﻲ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺠﺴﻮر ،أن ﻻ ﺷﻲء ﺗﻐﯿّﺮ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ؟ رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ھﺬا ھﻮ اﻷﺻﺢ ..وﻟﻜﻦ ﻟﯿﺲ ھﺬا ﻛﻞ ﺷﻲء .وﻗﺪ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ ﻟﺰﯾﺎد أن ﯾﻔﻠﺴﻒ أﯾﻀﺎً رﻣﺰ اﻟﺠﺴﺮ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻃﺮﯾﻘﺔ ..وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﺬھﺐ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻮز اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ،ﻷن رﻣﻮزﻧﺎ ﺗﺄﺧﺬ ﺑﻌﺪھﺎ ﻣﻦ ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ ﻓﻘﻂ ،وزﯾﺎد ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻌﺮف ﻛﻞّ ﺛﻨﺎﯾﺎ ذاﻛﺮﺗﻲ. وﻟﻢ ﯾﻜﻦ زار ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮف وﺣﺪھﺎ ﺳﺮّ اﻟﺠﺴﻮر!
ﺗﺬﻛّﺮت ﺣﯿﻦ ذاك رﺳﺎﻣﺎً ﯾﺎﺑﺎﻧﯿﺎ ﻣﻌﺎﺻﺮاً ،ﻗﺮأت ﻋﻨﮫ أﻧﮫ ﻗﻀﻰ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات وھﻮ ﻻ ﯾﺮﺳﻢ ﺳﻮى اﻷﻋﺸﺎب .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳُﺌﻞ ﻣﺮة ﻟﻤﺎذا اﻷﻋﺸﺎب داﺋﻤﺎً ..ﻗﺎل" :ﯾﻮم رﺳﻤﺖ اﻟﻌﺸﺐ ﻓﮭﻤﺖ اﻟﺤﻘﻞ ..وﯾﻮم ﻓﮭﻤﺖ اﻟﺤﻘﻞ أدرﻛﺖ ﺳﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ..". وﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺣﻖ .ﻟﻜﻞٍ ﻣﻔﺘﺎﺣﮫ اﻟﺬي ﯾﻔﺘﺢ ﺑﮫ ﻟﻐﺰ اﻟﻌﺎﻟﻢ ..ﻋﺎﻟﻤﮫ. ھﻤﻨﻐﻮاي ﻓﮭﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﯾﻮم ﻓﮭﻢ اﻟﺒﺤﺮ .وأﻟﺒﺮﺗﻮ ﻣﻮراﻓﯿﺎ ﯾﻮم ﻓﮭﻢ اﻟﺮﻏﺒﺔ ،واﻟﺤﻼج ﯾﻮم ﻓﮭﻢ اﷲ ،وھﻨﺮي ﻣﯿﻠﺮ ﯾﻮم ﻓﮭﻢ اﻟﺠﻨﺲ ،وﺑﻮدﻟﯿﺮ ﯾﻮم ﻓﮭﻢ اﻟﻠﻌﻨﺔ واﻟﺨﻄﯿﺌﺔ. وﻓﺎن ﻏﻮغ ..ﺗﺮاه ﻓﮭﻢ ﺣﻘﺎرة اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺳﺎدﯾّﺘﮫ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺠﻠﺲ ﻣﺤﻤﻮﻣﺎً ﻣﻌﺼﻮب اﻟﺮأس أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻓﺬة اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺮى ﻣﻨﮭﺎ ..ﻏﯿﺮ ﺣﻘﻮل ﻋﺒّﺎد اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ ﻓﻼ ﯾﻤﻠﻚ أﻣﺎم إرھﺎﻗﮫ إﻻ أن ﯾﺮﺳﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻟﻮﺣﺔ ﻟﻠﻤﻨﻈﺮ ﻧﻔﺴﮫ؟ ﻷن ﯾﺪه اﻟﻤﺤﻤﻮﻣﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻘﺪر ﻋﻠﻰ رﺳﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺰھﻮر اﻟﺒﺴﯿﻄﺔ اﻟﺴﺎذﺟﺔ. وﻟﻜﻨﮫ ..ﻛﺎن ﯾﻮاﺻﻞ اﻟﺮﺳﻢ ﺑﺮﻏﻢ ذﻟﻚ ،ﻻ ﻟﯿﻌﯿﺶ ﻣﻦ ﻟﻮﺣﺎﺗﮫ وإﻧﻤﺎ ﻟﯿﻨﺘﻘﻢ ﻟﮭﺎ وﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﻗﺮن. أﻟﻢ ﯾﻘﻞ ﻷﺧﯿﮫ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺒﻮءة اﻟﺘﻲ ﺣﻄّﻤﺖ ﺑﻌﺪھﺎ ﻛﻞّ اﻷرﻗﺎم اﻟﻘﯿﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ ﺛﻤﻦ ﻟﻮﺣﺔ )ﻋﺒﺎد اﻟﺸﻤﺲ(" :ﺳﯿﺄﺗﻲ ﯾﻮم ﯾﻔﻮق ﻓﯿﮫ ﺛﻤﻦ ﻟﻮﺣﺎﺗﻲ ..ﺛﻤﻦ ﺣﯿﺎﺗﻲ". ﺗﺴﺎءﻟﺖ وأﻧﺎ أﺻﻞ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة :ھﻞ اﻟﺮﺳﺎﻣﻮن أﻧﺒﯿﺎء أﯾﻀﺎً؟. ﺛﻢ رﺣﺖ أرﺑﻂ ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة ﺑﺘﻌﻠﯿﻖ زﯾﺎد "ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻌﻠّﻖ ﯾﺤﻤﻞ ﻣﻮﺗﮫ ﻣﻌﮫ".. وإذا ﺑﻲ أﺳﺄل ﻧﻔﺴﻲ ،أﯾّﺔ ﻧﺒﻮءة ﺗﺤﻤﻞ ﻛﻞّ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺘﮭﺎ ﻓﻲ درﺟﺔ ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻼوﻋﻲ واﻟﺠﻨﻮن؟ أﻣَﻮْت أم ﻣﯿﻼد ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ؟ أﺻﻤﻮد ﺟﺴﻮرھﺎ اﻟﻤﻌﻠﻘﺔ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ﻓﻲ وﺟﮫ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺸﺮة ﺟﻮﯾﺔ وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ رﯾﺢ ﻣﻀﺎدّة؟ أم ﺳﻘﻮﻃﮭﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻓﻲ دﻣﺎر ھﺎﺋﻞ ﻣﻔﺎﺟﺊ ،ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﻔﺼﻞ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻠﯿﻞ واﻟﻨﮭﺎر ﺳﻮى ﺧﯿﻂ ﺑﺎھﺖ ﻟﻠﻐﻔﻠﺔ ..ﻏﻔﻠﺔ اﻟﺘﺎرﯾﺦ! ﻛﻨﺖ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﯿﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺮؤﯾﺔ اﻟﻤﺬھﻠﺔ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎء ﺻﻮﺗﻚ ﻟﯿﻨﺘﺰﻋﻨﻲ ﻣﻦ ھﻮاﺟﺴﻲ. ﻗﻠﺖِ وأﻧﺖ ﺗﻮﺟّﮭﯿﻦ ﺣﺪﯾﺜﻚ إﻟﻲّ: أﺗﺪري ﺧﺎﻟﺪ ..إن ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﺣﻈﻚ أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺰر ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ..وإﻻ ﻟﻤﺎرﺳﻤﺖ ﻣﻦ وﺣﯿﮭﺎ أﺷﯿﺎء ﺟﻤﯿﻠﺔ ﻛﮭﺬه .ﯾﻮم ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﺸﻔﻰ ﻣﻨﮭﺎ ﻋﻠﯿﻚ أن ﺗﺰورھﺎ ﻓﻘﻂ ..ﺳﺘﻜﻒّ ﻋﻦ اﻟﺤﻠﻢ! ﻃﺒﻌﺎً ،ﻟﻢ أﻛﻦ أدري آﻧﺬاك ،أﻧﻚ ذات ﯾﻮم ﺳﺘﺘﻜﻠّﻔﯿﻦ ﺷﺨﺼﯿﺎً ﺑﻘﺘﻞ ذﻟﻚ اﻟﺤﻠﻢ،
وﺗﻮﺻﻠﯿﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﺘﻰ أﻋﺘﺎب ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﻜﺮھﺎً. ﺗﺪﺧّﻞ زﯾﺎد ﻟﯿﻘﻮل ﻛﻼﻣﺎً ﺟﺎء ھﺬه اﻟﻤﺮة أﯾﻀﺎً ﺳﺎﺑﻘﺎً ﻟﻮﻗﺘﮫ ..ﻛﺎﻟﻨﺒﻮءة. ﻗﺎل ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻌﺘﺎب اﻟﻤﮭﺬّب: ﻟﻤﺎذا ﺗﺼﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ ﺣﻠﻢ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ؟ .ھﻨﺎﻟﻚ أﺣﻼم ﻧﻤﻮت ﻋﻠﻰ ﯾﺪھﺎ ،دﻋﯿﮫﺳﻌﯿﺪاً وﻟﻮ ﺑﻮھﻤﮫ.. ﻟﻢ ﺗﻌﻠّﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﮫ ،وﻛﺄن أﺣﻼﻣﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﮭﻤﻚ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ .ﺳﺄﻟﺘﮫ ﻓﻘﻂ: وأﻧﺖ ..ﻣﺎ ھﻮ ﺣﻠﻤﻚ؟ﻗﺎل: رﺑﻤﺎ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻣﺎ أﯾﻀﺎً..ھﻞ اﺳﻤﮭﺎ اﻟﺨﻠﯿﻞ؟ﻗﺎل ﻣﺒﺘﺴﻤﺎً: ﻻ ..ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺤﻤﻞ داﺋﻤﺎً أﺳﻤﺎء أﺣﻼﻣﻨﺎ ..وﻻ ﻧﻨﺘﺴﺐ ﻟﮭﺎاﺳﻤﻲ اﻟﺨﻠﯿﻞ وﻣﺪﯾﻨﺘﻲ اﺳﻤﮭﺎ ﻏﺰة. وﻣﻨﺬ ﻣﺘﻰ ﻟﻢ ﺗﺰرھﺎ؟ﻣﻨﺬ ﺣﺮب ﺣﺰﯾﺮان ..أي ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎً..ﺛﻢ أﺿﺎف: ﯾﻀﺤﻜﻨﻲ اﻟﺬي ﯾﺤﺪث ﻟﺨﺎﻟﺪ اﻟﯿﻮم ،ﻛﺎن ﯾﻘﻨﻌﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﯾﻮم ﻛﻨّﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮﺑﺎﻟﺰواج واﻟﻌﯿﺶ ھﻨﺎك ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً .ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻔﮭﻢ أن ﺗﻄﺎردﻧﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ إﻟﻰ درﺟﺔ إﺧﺮاﺟﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻤﺪن .وھﺎ ھﻮ اﻵن ﯾﺼﻞ إﻟﻰ ﻛﻼﻣﻲ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﮫ ،وﯾﺼﺒﺢ ﺑﺪوره ﻣﺴﻜﻮﻧﺎً ﺑﻤﺪﯾﻨﺔ ،ﻣﻄﺎرداً ﺑﮭﺎ. اﻟﻌﺠﯿﺐ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺤﺪّﺛﻨﻲ ﻋﻨﮭﺎ أي ﻣﺮة ..وﻛﺄﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻮﻟﯿﮭﺎ اھﺘﻤﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .ھﻨﺎﻟﻚ أﺷﯿﺎء ﺷﺒﯿﮭﺔ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة ﻻ ﻧﻨﺘﺒﮫ ﻟﻮﺟﻮدھﺎ إﻻ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻧﻔﺘﻘﺪھﺎ!
رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻲ ..ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻋﻲ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً ﻣﻌﻚ ﻗﺒﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻄﻠﺔ اﻟﺼﯿﻔﯿﺔ ..وﻗﺒﻞ ﻣﺠﻲء زﯾﺎد ..وﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﺤﻮل ﺣﺒﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﺸﻖ ﺛﻨﺎﺋﻲ ﻋﻨﯿﻒ إﻟﻰ ﺣﺐ ﻣﺜﻠﺚ اﻷﻃﺮاف ﻛﻞ زواﯾﺎه ﻣﺘﺴﺎوﯾﺔ ،وﻣﻦ ﻟﻌﺒﺔ ﺷﻄﺮﻧﺞ ﯾﺤﻜﻤﮭﺎ ﻻﻋﺒﺎن ﻣﺘﻘﺎﺑﻼن ،وﯾﻤﻸ اﻟﺤﺐ ﻓﯿﮭﺎ ﻛﻞ اﻟﻤﺮﺑﻌﺎت اﻟﺴﻮداء واﻟﺒﯿﻀﺎء ،ﺑﻘﺎﻧﻮن اﻟﻤﺪ واﻟﺠﺰر اﻟﻌﺸﻘﻲ ،إﻟﻰ ﻟﻌﺒﺔ ﻃﺎوﻟﺔ ،ﻧﺠﻠﺲ ﺣﻮﻟﮭﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺜﻼﺛﺔ ،ﺑﺄوراﻗﻨﺎ اﻟﻤﻘﻠﻮﺑﺔ ،وأﺣﺰاﻧﻨﺎ اﻟﻤﻘﻠﻮﺑﺔ ،ﺑﻨﺒﻀﺎت ﻗﻠﺒﻨﺎ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ،ﺑﺬاﻛﺮﺗﻨﺎ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ،ﻧﺘﺮﺑّﺺ ﺑﺒﻌﻀﻨﺎ وﻧﺨﻠﻖ ﻗﻮاﻧﯿﻦ ﺟﺪﯾﺪة ﻟﻠﺤﺐ ..ﻧﺰوّر اﻷوراق اﻟﺘﻲ ﻧﻤﻠﻚ اﻟﻨﺴﺦ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﻨﮭﺎ ،ﻧﺤﺘﺎل ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻄﻖ اﻷﺷﯿﺎء ﻻ ﻟﯿﺮﺑﺢ أﺣﺪﻧﺎ اﻟﺠﻮﻟﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﻟﻜﻲ ﻻ ﯾﻜﻮن ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﺎﺳﺮ ،وﺣﺘﻰ ﺗﻜﻮن ﻧﮭﺎﯾﺘﻨﺎ أﻗﻞّ وﺟﻌﺎً ﻣﻦ اﻟﺒﺪاﯾﺔ. ﻛﺎن واﺿﺤﺎً أن زﯾﺎد ﻛﺎن ﯾﺸﻌﺮ أﻧﻨﻲ أﺣﺒﻚ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى .وﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻌﻲ ﺟﺬور ذﻟﻚ اﻟﺤﺐ وﻣﺪاه .وﻟﺬا ﻛﺎن ﯾﻨﺴﺎق إﻟﻰ ﺣﺒﻚ دون ﺗﻔﻜﯿﺮ ودون ﺷﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ. ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻷﺣﺪﻧﺎ وﻋﻲ ﻛﺎﻣﻞ ﻟﯿﻨﺘﺒﮫ إﻟﻰ أن اﻟﻌﺸﻖ اﺳﻢ ﺛﻨﺎﺋﻲ ﻻ ﻣﻜﺎن ﻓﯿﮫ ﻟﻄﺮف ﺛﺎﻟﺚ. وﻟﺬا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﻮّﻟﻨﺎه إﻟﻰ ﻣﺜﻠﺚ ،اﺑﺘﻠﻌﻨﺎ ﻛﻤﺎ ﯾﺒﺘﻠﻊ ﻣﺜﻠﺚ "ﺑﺮﻣﻮدا" ﻛﻞ اﻟﺒﻮاﺧﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺮه ﺧﻄﺄ؟ ﻛﯿﻒ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ھﻨﺎ. أيّ رﯾﺢ ﺣﻤﻠﺘﻨﺎ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﺪﯾﺎر اﻟﻐﺮﯾﺒﺔ ﻋﻦ ﻃﻘﻮﺳﻨﺎ؟ أيّ ﻗﺪر ﺑﻌﺜﺮﻧﺎ ﺛﻢ أﻋﺎد ﺟﻤﻊ أﻗﺪارﻧﺎ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة ،وأﻋﻤﺎرﻧﺎ وﺗﻮارﯾﺨﻨﺎ اﻟﻤﺘﻔﺎوﺗﺔ ،وﻣﻌﺎرﻛﻨﺎ وأﺣﻼﻣﻨﺎ اﻟﻤﺘﺒﺎﻋﺪة ،وأوﻗﻔﻨﺎ ھﻨﺎ ،أﻃﺮاﻓﺎً ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻧﺨﻮﺿﮭﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺿﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ دون وﻋﻲ؟ ﺑﻌﺪ أﺷﮭﺮ ﻗﺮأت ﺑﯿﻦ أوراق زﯾﺎد ﺧﺎﻃﺮة ،أدھﺸﺘﻨﻲ ﺑﺘﻄﺎﺑﻘﮭﺎ ﻣﻊ أﺣﺎﺳﯿﺴﻲ ھﺬه، ﻛﺘﺐ ﻓﯿﮭﺎ: "ﻋﺸﻘﻨﺎ ﺟﻮﻟﺔ أﺧﺮى ﺧﺴﺮﻧﺎھﺎ ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎرك اﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ،ﻓﺄيّ اﻟﮭﺰاﺋﻢ أﻛﺜﺮ إﯾﻼﻣﺎً إذن؟ ﻣﻘﺪراً ﻛﺎن ﻛﻞّ اﻟﺬي ﺣﺼﻞ. ﺷﻌﺒﯿﻦ ﻛﻨﺎ ﻷرض واﺣﺪة. وﻧﺒﯿﯿﻦ ﻟﻤﺪﯾﻨﺔ واﺣﺪة. وھﺎ ﻧﺤﻦ ﻗﻠﺒﺎن ﻻﻣﺮأة واﺣﺪة. ﻛﻞ ﺷﻲء ﻛﺎن ﻣﻌﺪّاً ﻟﻸﻟﻢ) .ھﻞ ﯾﺴﻌﻨﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻌﺎً؟). ھﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﺘﻘﺎﺳﻢ ﻛﺒﺮﯾﺎءﻧﺎ رﻏﯿﻔﺎً ﻋﺮﺑﯿﺎً ﻣﺴﺘﺪﯾﺮاً ﻛﺠﺮﺣﻨﺎ .رﺻﺎﺻﺔ ﻣﺴﺘﺪﯾﺮة اﻟﺮأس ..أﻃﻠﻘﻮھﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺑﻊ أﺣﻤﺮ ،ﯾﺘﺪرب ﻓﯿﮫ اﻟﻘﺪر ﻋﻠﻰ إﻃﻼق اﻟﺮﺻﺎص ﻋﻠﻰ
دواﺋﺮ ﺳﻮداء ﺗﺼﻐﺮ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ﻛﺎﻟﺪوّار ..ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻤﻮت.. ﺣﯿﺚ اﻟﺮﺻﺎﺻﺔ ﻻ ﺗﺨﻄﺊ. ﺣﯿﺚ اﻟﺮﺻﺎﺻﺔ ﻻ ﺗﺮﺣﻢ. وﺣﯿﺚ ﺳﯿﻜﻮن ﻗﻠﺐ أﺣﺪﻧﺎ".. ﻛﺎن زﯾﺎد ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺴﯿﺎت اﻟﺸﺘﺎﺋﯿﺔ ،ﯾﺴﮭﺮ أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﮫ ﻟﯿﻜﺘﺐ .وﻛﻨﺖ أرى ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻋﻼﻣﺔ ﻻ ﺗﺨﻄﺊ.. ﻻ ﺑﺪ أن ﯾﻜﻮن ﻋﺎﺷﻘﺎً ﻟﯿﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺑﮭﺬه اﻟﺸﺮاھﺔ ،ھﻮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻜﺘﺐ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات. ﻛﻨﺖ أﺑﺘﺴﻢ أﺣﯿﺎﻧﺎً ،وﺻﻮت ﻣﻮﺳﯿﻘﻰ ﺧﺎﻓﺘﺔ ﯾﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﮫ ﺣﺘﻰ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ. ﻛﺄن زﯾﺎد ﻛﺎن ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻤﻸ رﺋﺘﯿﮫ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة ،أو ﻛﺄﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺜﻖ ﺑﮭﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎً .وﯾﺨﺎف إن ھﻮ ﻧﺎم أن ﺗﺴﺮق ﻣﻨﮫ ﺷﯿﺎً. ﻛﺎن ﯾﺴﺘﻤﻊ داﺋﻤﺎً إﻟﻰ اﻷﺷﺮﻃﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ أدري ﻣﻦ أﯾﻦ أﺣﻀﺮھﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻣﻮﻟﻌﺎً ﺑﮭﺎ أﻧﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺘﺤﺪﯾﺪ ،ﻛﺎﻟﻤﻮﺳﯿﻘﻰ اﻟﻜﻼﺳﯿﻜﯿﺔ ..وﺷﺮﯾﻂ ﻟﻔﯿﻔﺎﻟﺪي وآﺧﺮ ﻟﺘﯿﻮدوراﻛﯿﺲ. وﻛﻨﺖ أﻗﻮل ﻟﻨﻔﺴﻲ وأﻧﺎ أﻗﻀﻲ أﺣﯿﺎﻧﺎً ﺳﮭﺮة ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﻤﻔﺮدي أﻣﺎم اﻟﺘﻠﻔﺰﯾﻮن: "إﻧﮫ ﯾﻌﯿﺶ ﺟﻨﻮﻧﮫ أﯾﻀﺎً .ھﻨﺎﻟﻚ ﺟﻨﻮن اﻟﺼﯿﻒ ..وھﻨﺎﻟﻚ ﺟﻨﻮن اﻟﺸﺘﺎء .اﻧﺘﮭﻰ ﺟﻨﻮﻧﻲ وﺑﺪأ ﺟﻨﻮﻧﮫ!". وﻟﻜﻦ ..ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻲ أن أﻋﺮف درﺟﺎت ﺟﻨﻮﻧﮫ ھﺬا؟ ﻣﻦ أﯾﻦ آﺗﻲ ﺑﻤﻘﯿﺎس ﻟﻠﺰﻟﺰال، أﻋﺮف ﻣﻨﮫ ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﮫ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ؟ ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ ذﻟﻚ ،وﻧﻮﺑﺎﺗﮫ ﻛﺘﺎﺑﺎت ﺳﺮﯾﺔ ﻻ ﯾﺪري ﺑﮭﺎ ﻏﯿﺮ اﻟﻮرق .ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﻌﻠّﻖ ﺟﻨﻮﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪران إﺣﺪى ﻋﺸﺮة ﻟﻮﺣﺔ ﺗﺸﮭﺪ ﺿﺪي ..وﺗﻔﻀﺤﻨﻲ. ﻓﮭﻞ اﻧﺘﮭﻰ ﺟﻨﻮﻧﻲ ﺣﻘﺎً؟ ﻻ ..أﺻﺒﺢ ﻓﻘﻂ ﺟﻨﻮﻧﺎً داﺧﻠﯿﺎً ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻹﺑﺪاع .أﺻﺒﺢ أﺣﺎﺳﯿﺲ ﻣﺮﺿﯿّﺔ أﺑﺬّرھﺎ ھﺒﺎءً ﻓﻲ اﻟﻐﯿﺮة واﻟﯿﺄس.
ﻛﺎن إذا ﻏﯿّﺮ زﯾﺎد ﺑﺪﻟﺘﮫ ،ﺷﻌﺮت أﻧﮫ ﯾﺘﻮﻗﻊ ﻗﺪوﻣﻚ ،وإذا ﺟﻠﺲ ﻟﯿﻜﺘﺐ ﻓﮭﻮ ﯾﻜﺘﺐ ﻟﻚ، وإذا ﺗﺮك اﻟﺒﯿﺖ ﻓﮭﻮ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻋﺪ ﻣﻌﻚ.. ﻧﺴﯿﺖ ﻓﻲ زﺣﻤﺔ ﻏﯿﺮﺗﻲ ،ﺣﺘﻰ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺟﺎء ﻣﻦ أﺟﻠﮭﺎ زﯾﺎد إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ، وﻟﻘﺎءاﺗﮫ ..وھﻮاﺟﺴﮫ اﻷﺧﺮى. ..ﺛﻢ ﺟﺎء ذﻟﻚ اﻟﺴﻔﺮ اﻟﺬي ﻛﺪت أﻧﺴﺎه. رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ أﻛﺜﺮ ﺗﺠﺎرﺑﻲ أﻟﻤﺎً ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﻠﻲّ أن أﺗﺮﻛﻜﻤﺎ ﻋﺸﺮة أﯾﺎم ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﻌﺎً ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ واﺣﺪة .ورﺑﻤﺎ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻓﻲ ﺑﯿﺖٍ واﺣﺪ ھﻮ ﺑﯿﺘﻲ ..ﻧﻈﺮاً ﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻟﻘﺎﺋﻜﻤﺎ ﺧﺎرج اﻟﺒﯿﺖ. ﺳﺎﻓﺮت ﯾﻮﻣﮭﺎ وأﻧﺎ أﺣﺎول أن أﻗﻨﻊ ﻧﻔﺴﻲ أﻧﮭﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ،ﻟﻨﻀﻊ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﺘﺮﺗﯿﺐ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ،وأﻧﮫ ﻛﺎن ﻻﺑﺪ ﻷﺣﺪﻧﺎ أن ﯾﺘﻐﯿّﺐ ﻟﺘﺤﺴﻢ ھﺬه اﻷﻣﻮر اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً. ﻃﺒﻌﺎً ،ﻟﻢ أﻛﻦ ﻣﻘﺘﻨﻌﺎً ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻲ ﺑﮭﺬا اﻟﻤﻨﻄﻖ ،أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺑﮭﺬا اﻟﻘﺪر اﻟﻌﻨﯿﺪ اﻟﺬي ﺟﻌﻞ اﻟﻘﺮﻋﺔ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻲّ. ﻓﻤﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن اﻟﻘﺪر ﻛﺎن ﻣﻨﺤﺎزاً ﻟﻜﻤﺎ .وﻛﺎن ذﻟﻚ ﯾﺆﻟﻤﻨﻲ ﻛﺜﯿﺮاً .وﻟﻜﻦ ﻣﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن أﺷﺪّ إﯾﻼﻣﺎً ﻟﻲ: أن أدري أﻧﻚ ﻣﻊ رﺟﻞ آﺧﺮ ،أم أن ﯾﻜﻮن ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ ھﻮ زﯾﺎد ﻻ ﺳﻮاه ،أم أن ﺗﺘﻢ ﺧﯿﺎﻧﺘﻲ ﻓﻲ ﺑﯿﺘﻲ ﻓﻲ ﻏﺮف ﻟﻢ أﺗﻤﺘﻊ ﺑﻚ ﻓﯿﮭﺎ؟ إﻟﻰ أيّ ﺣﺪّ ﺳﺘﺬھﺒﯿﻦ ﻣﻌﮫ ..وإﻟﻰ أي ﺣﺪّ ﺳﯿﺬھﺐ ھﻮ ﻣﻌﻚ؟ وھﻞ ﺳﺘﻮﻗﻔﮫ ذاﻛﺮﺗﻨﺎ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ..وﻛﻞ ﻣﺎ ﺟﻤﻌﻨﺎ ﯾﻮﻣﺎً ﻣﻦ ﻗﯿﻢ؟ ﻗﻠﺖ ﻟﻚِ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻋﻦ زﯾﺎد ..وﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻚ اﻷھﻢ. ﻛﺎن زﯾﺎد ﯾﻮﻣﺎً ﺧﻠﯿّﺘﻲ اﻟﺴﺮﯾﺔ ،أوراق اﻧﺘﻤﺎﺋﻲ اﻟﺴﺮﯾﺔ. ﻛﺎن ھﺰاﺋﻤﻲ واﻧﺘﺼﺎراﺗﻲ ،ﺣﺠﺠﻲ وﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻲ ،ﻛﺎن ﻋﻤﺮاً ﺳﺮّﯾﺎً ﻟﻌﻤﺮٍ آﺧﺮ .ﻓﮭﻞ ﺳﯿﺨﻮﻧﻨﻲ زﯾﺎد؟ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺑﺪأت أﻋﺘﺐ ﻋﻠﯿﮫ ،ورﺑﻤﺎ أﺣﻘﺪ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﺴﺒﻘﺎً.
ﻧﺴﯿﺖ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن ﻏﯿﺮﺗﻲ ،أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﻏﯿﺮ ذﻟﻚ ﻣﻌﻚ ،أﻧﺎ اﻟﺬي ﺗﻨﻜّﺮت أﯾﻀﺎً ﻟﺴﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ،ﻟﺮﺟﻞٍ ﻛﺎن ﯾﻮﻣﺎً ﻗﺎﺋﺪي ،وﻛﺎن ﯾﻮﻣﺎً ﺻﺪﯾﻘﻲ ..ﻟﺮﺟﻞ أودﻋﻚ ﻋﻨﺪي وﺻﯿّﺔ ذات ﯾﻮم وﻣﺎت ﺷﮭﯿﺪاً. ﻣﻦ ﻣﻨﺎ اﻷﻛﺜﺮ ﺧﯿﺎﻧﺔ إذن؟ ھﻮ اﻟﺬي ﻗﺪ ﯾﻀﻊ أﺣﻼﻣﮫ ورﻏﺒﺎﺗﮫ ﺣﯿّﺰ اﻟﺘﻨﻔﯿﺬ ..أم أﻧﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ أﻧﻔّﺬھﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﺟﺪ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﺬﻟﻚ؟ أﻧﺎ اﻟﺬي أﻧﺎم وأﺻﺤﻮ ﻣﻌﻚ ﻣﻦ ﺷﮭﻮر ،وأﻏﺘﺼﺒﻚ ﺣﺘّﻰ ﻓﻲ ﻏﻔﻮﺗﻲ ..أم ھﻮ اﻟﺬي ﺳﺘﻜﻮﻧﯿﻦ ﻟﮫ ﺑﺈرادﺗﻚ؟
ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﺪن ﻛﺎﻟﻨﺴﺎء ،ﺗﮭﺰﻣﻚ أﺳﻤﺎؤھﺎ ﻣﺴﺒﻘﺎً .ﺗﻐﺮﯾﻚ وﺗﺮﺑﻜﻚ ،ﺗﻤﻸك وﺗﻔﺮﻏﻚ، وﺗﺠﺮّدك ذاﻛﺮﺗﮭﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺸﺎرﯾﻌﻚ ،ﻟﯿﺼﺒﺢ اﻟﺤﺐ ﻛﻞ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻚ. ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﺪن ..ﻟﻢ ﺗﺨﻠﻖ ﻟﺘﺰورھﺎ ﺑﻤﻔﺮدك .ﻟﺘﺘﺠﻮل وﺗﻨﺎم وﺗﻘﻮم ﻓﯿﮭﺎ ..وﺗﺘﻨﺎول ﻓﻄﻮر اﻟﺼﺒﺎح وﺣﯿﺪاً. ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﺪن ﺟﻤﯿﻠﺔ ﻛﺬﻛﺮى ،ﻗﺮﯾﺒﺔ ﻛﺪﻣﻌﺔ ،ﻣﻮﺟﻌﺔ ﻛﺤﺴﺮة.. ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﺪن ..ﻛﻢ ﺗﺸﺒﮭﻚ! ﻓﮭﻞ ﯾﻤﻜﻦ أن أﻧﺴﺎك ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ اﺳﻤﮭﺎ ..ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ؟ ﻛﺎن ﺣﺒّﻚ ﯾﺄﺗﻲ ﻣﻊ اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﻮاﻃﺌﺔ ،ﺑﺴﻘﻮﻓﮭﺎ اﻟﻘﺮﻣﯿﺪﯾﺔ اﻟﺤﻤﺮاء ..ﻣﻊ ﻋﺮاﺋﺶ اﻟﻌﻨﺐ ..ﻣﻊ أﺷﺠﺎر اﻟﯿﺎﺳﻤﯿﻦ اﻟﺜﻘﯿﻠﺔ ..ﻣﻊ اﻟﺠﺪاول اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺮ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ..ﻣﻊ اﻟﻤﯿﺎه ..ﻣﻊ اﻟﺸﻤﺲ ..ﻣﻊ ذاﻛﺮة اﻟﻌﺮب. ﻛﺎن ﺣﺒﻚ ﯾﺄﺗﻲ ﻣﻊ اﻟﻌﻄﻮر واﻷﺻﻮات واﻟﻮﺟﻮه ،ﻣﻊ ﺳﻤﺮة اﻷﻧﺪﻟﺴﯿﺎت وﺷﻌﺮھﻦ اﻟﺤﺎﻟﻚ. ﻣﻊ ﻓﺴﺎﺗﯿﻦ اﻟﻔﺮح ..ﻣﻊ ﻗﯿﺜﺎرة ﻣﺤﻤﻮﻣﺔ ﻛﺠﺴﺪك ..ﻣﻊ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻟﻮرﻛﺎ اﻟﺬي ﺗﺤﺒﯿﻨﮫ.. ﻣﻊ ﺣﺰن أﺑﻲ ﻓﺮاس اﻟﺤﻤﺪاﻧﻲ اﻟﺬي أﺣﺒﮫ.
ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﻚ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ أﯾﻀﺎً ..ﻓﮭﻞ ﻛﻞ اﻟﻤﺪن اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ أﻧﺖ ..وﻛﻞ ذاﻛﺮة ﻋﺮﺑﯿﺔ أﻧﺖ؟ ﻣﺮ اﻟﺰﻣﺎن وأﻧﺖ ﻣﺎزﻟﺖ ﻛﻤﯿﺎه ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،رﻗﺮاﻗﺔ اﻟﺤﻨﯿﻦ ..ﺗﺤﻤﻠﯿﻦ ﻃﻌﻤﺎً ﻣﻤﯿﺰاً ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﻤﯿﺎه اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻧﺎﺑﯿﺐ واﻟﺤﻨﻔﯿﺎت. ﻣﺮ اﻟﺰﻣﻦ ،وﺻﻮﺗﻚ ﻣﺎزال ﯾﺄﺗﻲ ﻛﺼﺪى ﻧﻮاﻓﯿﺮ اﻟﻤﯿﺎه وﻗﺖ اﻟﺴّﺤﺮ ،ﻓﻲ ذاﻛﺮة اﻟﻘﺼﻮر اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﮭﺠﻮرة ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻔﺎﺟﺊ اﻟﻤﺴﺎء ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،وﺗﻔﺎﺟﺊ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻋﺎﺷﻘﺔ ﻟﻤﻠﻚ ﻋﺮﺑﻲ ﻏﺎدرھﺎ ﻟﺘﻮه.. ﻛﺎن اﺳﻤﮫ "أﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﷲ" .وﻛﺎن آﺧﺮ ﻋﺎﺷﻖ ﻋﺮﺑﻲ ﻗﺒّﻠﮭﺎ! ﺗﺮاﻧﻲ ﻛﻨﺖ ذﻟﻚ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﯾﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺷﮫ؟ ﺗﺮاﻧﻲ أﺿﻌﺘﻚ ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ أﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﷲ ،وﺳﺄﺑﻜﯿﻚ ﯾﻮﻣﺎً ﻣﺜﻠﮫ؟ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﮫ ﻗﺪ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﮫ ﯾﻮﻣﺎً وﻏﺮﻧﺎﻇﺔ ﺗﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻨﮫ" :اﺑﻚ ﻣﺜﻞ اﻟﻨﺴﺎء ﻣُﻠﻜﺎً ﻣُﻀﺎﻋﺎً ،ﻟﻢ ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﺜﻞ اﻟﺮﺟﺎل".. ﻓﮭﻞ ﺣﻘﺎً ﻟﻢ أﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﯿﻚ؟ .وﻋﻠﻰ ﻣﻦ أُﻋﻠﻦ اﻟﺤﺮب ..أﺳﺄﻟﻚ؟ ﻋﻠﻰ ﻣَﻦْ ..وأﻧﺘﻤﺎ ذاﻛﺮﺗﻲ وأﺣﺒّﺘﻲ. ﻋﻠﻰ ﻣَﻦْ ..وأﻧﺖ ﻣﺪﯾﻨﺘﻲ وﻗﻠﻌﺘﻲ. ﻓﻠِﻢَ اﻟﺨﺠﻞ؟ ھﻞ ھﻨﺎك ﻣﻠﻚ ﻋﺮﺑﻲ واﺣﺪ ..ﺣﺎﻛﻢ ﻋﺮﺑﻲ واﺣﺪ ،ﻟﻢ ﯾﺒﻚِ ﻣﻨﺬ أﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﷲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻣﺎ؟ ﻓﺎﺳﻘﻄﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..ھﺬا زﻣﻦ اﻟﺴﻘﻮط اﻟﺴﺮﯾﻊ! ھﻞ ﺳﻘﻄﺖ ﺣﻘﺎً ﯾﻮﻣﮭﺎ ..ھﺬا ﻣﺎ ﻟﻦ أﻋﺮﻓﮫ أﺑﺪاً. وﻟﻜﻦ أﻋﺮف ﻓﻘﻂ ﺗﺎرﯾﺦ ﺳﻘﻮﻃﻚ اﻷﺧﯿﺮ ،ﺳﻘﻮﻃﻚ اﻟﻨﮭﺎﺋﻲ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﺷﺎھﺪاً ﻋﻠﯿﮫ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ. ﻓﺄيّ ﺟﻨﻮن ﻛﺎن أن ﺗﺰﯾﺪ اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ﻣﻦ ﺣﺒّﻚ ،وأن ﺗﺄﺧﺬي ﻣﻼﻣﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ أﯾﻀﺎً. وإذا ﺑﻲ ﻛﻤﺠﻨﻮن أﺟﻠﺲ ﻛﻞّ ﻟﯿﻠﺔ ﻷﻛﺘﺐ ﻟﻚ رﺳﺎﺋﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﻟﺪ ﻣﻦ دھﺸﺘﻲ وﺷﻮﻗﻲ وﻏﯿﺮﺗﻲ ﻋﻠﯿﻚ .ﻛﻨﺖ أﻗﺺّ ﻟﻚ ﻓﯿﮭﺎ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﯾﻮﻣﻲ واﻧﻄﺒﺎﻋﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺗﺸﺒﮭﻚ ﺣﺪ اﻟﺪھﺸﺔ.
ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻚ ﻣﺮة: "أرﯾﺪ أن أﺣﺒﻚ ھﻨﺎ .ﻓﻲ ﺑﯿﺖٍ ﻛﺠﺴﺪك ،ﻣﺮﺳﻮم ﻋﻠﻰ ﻃﺮاز أﻧﺪﻟﺴﻲ. أرﯾﺪ أن أھﺮب ﺑﻚ ﻣﻦ اﻟﻤﺪن اﻟﻤﻌﻠّﺒﺔ ،وأُﺳﻜﻦ ﺣﺒّﻚ ﺑﯿﺘﺎً ﯾﺸﺒﮭﻚ ﻓﻲ ﺗﻌﺎرﯾﺞ أﻧﻮﺛﺘﻚ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ. ﺑﯿﺘﺎً ﺗﺨﺘﻔﻲ وراء أﻗﻮاﺳﮫ وﻧﻘﻮﺷﮫ واﺳﺘﺪاراﺗﮫ ذاﻛﺮﺗﻲ اﻷوﻟﻰ .ﺗﻈﻠّﻞ ﺣﺪﯾﻘﺔ ﺷﺠﺮة ﻟﯿﻤﻮن ﻛﺒﯿﺮة ،ﻛﺘﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﯾﺰرﻋﮭﺎ اﻟﻌﺮب ﻓﻲ ﺣﺪاﺋﻖ ﺑﯿﻮﺗﮭﻢ ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ. أرﯾﺪ أن أﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﺟﻮارك ،ﻛﻤﺎ أﺟﻠﺲ ھﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ ﺑﺮﻛﺔ ﻣﺎء ﺗﺴﺒﺢ ﻓﯿﮭﺎ ﺳﻤﻜﺎت ﺣﻤﺮاء ،وأﺗﺄﻣﻠﻚ ﻣﺪھﻮﺷﺎً. أﺳﺘﻨﺸﻖ ﺟﺴﺪك ،ﻛﻤﺎ أﺳﺘﻨﺸﻖ راﺋﺤﺔ اﻟﻠﯿﻤﻮن اﻟﺒﻠﺪي اﻷﺧﻀﺮ ﻗﺒﻞ أن ﯾﻨﻀﺞ. أﯾﺘﮭﺎ اﻟﻔﺎﻛﮭﺔ اﻟﻤﺤﺮّﻣﺔ ..أﻣﺎم ﻛﻞّ ﺷﺠﺮة أﻣﺮّ ﺑﮭﺎ ،أﺷﺘﮭﯿﻚ".. ﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻚ ..ھﻞ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻜﺎﺗﺒﺔ أن ﺗﻘﺎوم اﻟﻜﻠﻤﺎت؟ ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﻃﻮﻗﻚ ﺑﺎﻟﺤﺮوف ،أن أﺳﺘﻌﯿﺪك ﺑﮭﺎ ،أن أدﺧﻞ ﻣﻌﻜﻤﺎ ﺣﻠﻘﺔ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ ﻓﻲ وﺟﮭﻲ ﺑﺘﮭﻤﺔ اﻟﺮﺳﻢ ﻓﻘﻂ ،ﻓﺮﺣﺖ أﺧﺘﺮع ﻣﻦ أﺟﻠﻚ رﺳﺎﺋﻞ ﻟﻢ ﺗﻜﺘﺐ ﻗﺒﻠﻚ ﻻﻣﺮأة .رﺳﺎﺋﻞ اﻧﻔﺠﺮت ﻓﻲ ذھﻨﻲ ﻓﺠﺄة ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺴﯿﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ . ﺗﺮاﻧﻲ ﺑﺪأت ﯾﻮﻣﮭﺎ أﻛﺘﺐ ﻛﺘﺎﺑﻲ ھﺬا دون أن أدري ،ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﻘﻞ ﻋﺸﻘﻲ ﻟﻚ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﻛﺘﺐ ﺑﮭﺎ رﺳﺎﺋﻞ ﻷول ﻣﺮة .ﻗﺒﻠﻚ ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻨﺴﺎء ﻋﺒﺮن ﺣﯿﺎﺗﻲ أﯾﺎم اﻟﺸﺒﺎب واﻟﻤﺮاھﻘﺔ. ﻟﻢ أﻛﻦ أﺟﮭﺪ ﻧﻔﺴﻲ آﻧﺬاك ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﺗﺴﺘﺪرﺟﻨﻲ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً ﺑﺤﺮﯾﺘﮭﺎ ﻟﻠﻘﻮل دون ﻋﻘﺪ ..وﻻ ﺧﺠﻞ. ﻣﻌﻚ رﺣﺖ أﻛﺘﺸﻒ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ .أﺗﻌﻠﻢ اﻟﺘﺤﺎﯾﻞ ﻋﻠﻰ ھﯿﺒﺘﮭﺎ ،أﺳﺘﺴﻠﻢ ﻹﻏﺮاﺋﮭﺎ اﻟﺴﺮي ،ﻹﯾﺤﺎءاﺗﮭﺎ. رﺣﺖ أﻧﺤﺎز ﻟﻠﺤﺮوف اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﮭﻚ ..ﻟﺘﺎء اﻷﻧﻮﺛﺔ ..ﻟﺤﺎء اﻟﺤﺮﻗﺔ ..ﻟﮭﺎء اﻟﻨﺸﻮة.. ﻷﻟﻒ اﻟﻜﺒﺮﯾﺎء ..ﻟﻠﻨﻘﺎط اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪھﺎ ﺧﺎل أﺳﻤﺮ.. ھﻞ اﻟﻠﻐﺔ أﻧﺜﻰ أﯾﻀﺎً؟ اﻣﺮأة ﻧﻨﺤﺎز إﻟﯿﮭﺎ دون ﻏﯿﺮھﺎ ،ﻧﺘﻌﻠﻢ اﻟﺒﻜﺎء واﻟﻀﺤﻚ ..واﻟﺤﺐ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﮭﺎ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﮭﺠﺮﻧﺎ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺒﺮد وﺑﺎﻟﯿﺘﻢ دوﻧﮭﺎ؟
ﺗﺮاك ﻗﺮأت ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ؟ .ھﻞ ﺷﻌﺮت ﺑﻌﻘﺪة ﯾﺘﻤﻲ وﺧﻮﻓﻲ ﻣﻦ ﻣﻮاﺳﻢ اﻟﺼﻘﯿﻊ؟ أأدھﺸﺘﻚ أم ﺗﺮاھﺎ ﺟﺎءت ﻓﻲ ﻏﯿﺮ وﻗﺘﮭﺎ؟ ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن أﻛﺘﺒﮭﺎ ﻟﻚ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﺴﻠﻞ زﯾﺎد إﻟﯿﻚ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻤﺴﺎم ،وﯾﺼﺒﺢ ﻟﻐﺘﻚ. ﻓﮭﻞ ﺗﻔﯿﺪ رﺳﺎﺋﻞ اﻟﺤﺐ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻋﻦ اﻟﺤﺐ؟ أﻟﻢ ﯾﺤﺐ ﺳﻠﻔﺎدور داﻟﻲ وﺑﻮل إﯾﻠﻮار اﻟﻤﺮأة ﻧﻔﺴﮭﺎ؟ وﻋﺒﺜﺎً راح ﺑﻮل إﯾﻠﻮار ﯾﻜﺘﺐ ﻟﮭﺎ أﺟﻤﻞ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ..وأروع اﻷﺷﻌﺎر ..ﻟﯿﺴﺘﻌﯿﺪھﺎ ﻣﻦ داﻟﻲ اﻟﺬي ﺧﻄﻔﮭﺎ ﻣﻨﮫ .وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻓﻀّﻠﺖ ﺟﻨﻮن داﻟﻲ اﻟﻤﺠﮭﻮل آﻧﺬاك ..ﻋﻠﻰ ﻗﻮاﻓﻲ ﺑﻮل إﯾﻠﻮار .وﻇﻠّﺖ ﺣﺘﻰ ﻣﻮﺗﮭﺎ ﻣﻨﺤﺎزة ﻟﺮﯾﺸﺔ داﻟﻲ ﻓﻘﻂ اﻟﺬي ﺗﺰوﺟﮭﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻃﻘﺲ ،وﻟﻢ ﯾﺮﺳﻢ اﻣﺮأة ﻏﯿﺮھﺎ ﻃﻮال ﺣﯿﺎﺗﮫ. اﻟﻮاﻗﻊ أن اﻟﺤﺐ ﻻ ﯾﻜﺮر ﻧﻔﺴﮫ ﻛﻞ ﻣﺮة ،وأن اﻟﺮﺳﺎﻣﯿﻦ ﻻ ﯾﮭﺰﻣﻮن اﻟﺸﻌﺮاء داﺋﻤﺎً.. ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺤﺎوﻟﻮن اﻟﺘﻨﻜّﺮ ﻓﻲ ﺛﯿﺎب اﻟﻜﻠﻤﺎت. *** ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺪت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ ،ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻖ ﻏﺼّﺔ ﻻزﻣﺘﻨﻲ ﻃﻮال ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم، وأﻓﺴﺪت ﻋﻠﻲّ ﻣﺘﻌﺔ ﻧﺠﺎح ذﻟﻚ اﻟﻤﻌﺮض .واﻟﻠﻘﺎءات اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ أو اﻟﻤﻔﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻤّﺖ ﻟﻲ أﺛﻨﺎءه. ﻛﺎن ھﻨﺎك ﺷﻲء داﺧﻠﻲ ﯾﻨﺰف دون ﺗﻮﻗّﻒ .ﻋﺎﻃﻔﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻟﻠﻐﯿﺮة واﻟﺤﻘﺪ اﻟﻐﺎﻣﺾ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻔﺎرﻗﻨﻲ وﯾﺬﻛّﺮﻧﻲ ﻛﻞّ ﻟﺤﻈﺔ أن ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ھﻨﺎك. اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﻲ زﯾﺎد ﺑﺸﻮق) .أﻛﺎن ﺣﻘﺎً ﺳﻌﯿﺪاً ﺑﻌﻮدﺗﻲ؟( .أﻣﺪّﻧﻲ ﺑﺎﻟﺒﺮﯾﺪ اﻟﺬي وﺻﻞ أﺛﻨﺎء ﻏﯿﺎﺑﻲ وﺑﻮرﻗﺔ ﺳﺠّﻞ ﻋﻠﯿﮭﺎ أﺳﻤﺎء اﻟﺬﯾﻦ ﻃﻠﺒﻮﻧﻲ ھﺎﺗﻔﯿﺎً ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم. أﻣﺴﻜﺘﮭﺎ دون أن أﻟﻘﻲ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻧﻈﺮة .ﻛﻨﺖ أدري أﻧﻨﻲ ﻟﻦ أﺟﺪ اﺳﻤﻚ ﻓﯿﮭﺎ. ﺛﻢ راح ﯾﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻌﺮض ..ﻋﻦ ﺳﻔﺮﺗﻲ وأﺧﺒﺎري اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وﯾﺤﺪﺛﻨﻲ ﻋﻦ آﺧﺮ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻖ ،اﻟﺬي ﻓﺴّﺮﺗﮫ ﺑﺎرﺗﺒﺎﻛﮫ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ أﻣﺎﻣﻲ ﻟﺴﺒﺐ أو ﻵﺧﺮ.
ﻛﻨﺖ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﯿﮫ وأﻧﺎ أﺗﻔﻘﺪ ﺑﺤﻮاﺳﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺧﺮاﻓﺔ اﻟﻐﻮل اﻟﺬي ﻛﺎن ﻛﻠﻤﺎ ﻋﺎد إﻟﻰ ﺑﯿﺘﮫ ،راح ﯾﺘﺸﻤّﻢ اﻷﺟﻮاء ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ إﻧﺴﺎن ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﺗﺴﻠّﻞ إﻟﻰ ﻣﻐﺎرﺗﮫ أﺛﻨﺎء ﻏﯿﺎﺑﮫ.. ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﻚ ﻣﺮرت ﺑﮭﺬا اﻟﺒﯿﺖ .إﺣﺴﺎس ﻏﺎﻣﺾ ﻛﺎن ﯾﺆﻛﺪ ﻟﻲ ذﻟﻚ ،دون أن أﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﺣﺠﺔ ﺗﺜﺒﺖ ﻟﻲ ﺷﻜﻮﻛﻲ. وﻟﻜﻦ ھﻞ ﺗﮭﻢ اﻟﺤﺠّّﺔ؟ ..ھﻞ ﯾﻌﻘﻞ أن ﺗﻤﺮ ﻋﺸﺮة أﯾﺎم دون أن ﺗﻠﺘﻘﯿﺎ ..وأﯾﻦ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻠﺘﻘﯿﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻏﯿﺮ ھﺬا؟ وإذا اﻟﺘﻘﯿﺘﻤﺎ ھﻞ ﺳﺘﻜﺘﻔﯿﺎن ﺑﺎﻟﺤﺪﯾﺚ؟ ﻛﻨﺖِ ﻣﻨﺠﻤﺎً ﻟﻠﻜﺒﺮﯾﺖ ..وﻛﺎن زﯾﺎد ﻋﺎﺷﻘﺎً ﻣﺠﻮﺳﯿﺎً ﯾﻌﺒﺪ اﻟﻠّﮭﺐ! ﻓﮭﻞ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺼﻤﺪ ﻃﻮﯾﻼً ﻓﻲ وﺟﮫ ﻧﯿﺮاﻧﻚ ..أﻧﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﯾﺤﻠﻢ اﻟﺮﺟﺎل أن ﯾﺤﺘﺮﻗﻮا ﺑﮭﺎ وﻟﻮ وھﻤﺎً؟ رﺣﺖ أﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻼﻣﺢ زﯾﺎد ﻋﻦ ﻓﺮحٍ ﻣﺎ ،ﻋﻦ ﺳﻌﺎدةٍ ﻣﺎ أﺟﺪ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﺠﺔ اﻟﻘﺎﻃﻌﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﻟﮫ. وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﯾﺒﺪُ ﻋﻠﻰ وﺟﮭﮫ أي ﺷﻌﻮر ﺧﺎص ،ﻏﯿﺮ اﻟﻘﻠﻖ. ﻓﺠﺄة ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻋﻨﻚ ﻗﺎل: ﻟﻘﺪ ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﮭﺎ أن ﺗﺄﺗﻲ ﻏﺪاً ﻟﻨﺘﻨﺎول ﻣﻌﺎً ﻏﺪاءﻧﺎ اﻷﺧﯿﺮ..ﺻﺤﺖ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺪھﺸﺔ: ﻟﻤﺎذا اﻷﺧﯿﺮ؟ﻗﺎل: ﻷﻧﻨﻲ ﺳﺄﺳﺎﻓﺮ اﻷﺣﺪ..وﻟﻤﺎذا اﻷﺣﺪ؟ﻗﻠﺘﮭﺎ وأﻧﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺤﺰن واﻟﻔﺮح ﻣﻌﺎً. أﺟﺎب زﯾﺎد:
ﻷﻧﻨﻲ ﯾﺠﺐ أن أﻋﻮد ..ﻛﻨﺖ أﻧﺘﻈﺮ ﻓﻘﻂ ﻋﻮدﺗﻚ ﻷﺳﺎﻓﺮ .ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻘﺮراً أن أﺑﻘﻰ ھﻨﺎأﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﺳﺒﻮﻋﯿﻦ .ﻟﻘﺪ ﻗﻀﯿﺖ ﺷﮭﺮاً ﻛﺎﻣﻼً وﻻ ﺑﺪّ أن أﻋﻮد.. ﺛﻢ أﺿﺎف ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ: ﻗﺒﻞ أن أﺗﻌﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺒﺎرﯾﺴﯿﺔ.ﺗﺮاك أﻧﺖِ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺒﺎرﯾﺴﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺨﺎف أن ﯾﺘﻌﻮد ﻋﻠﯿﮭﺎ؟ ﺗﺮاه ﻛﺎن ﯾﮭﺮب ﻣﺮة أﺧﺮى ﻣﻦ ﺣﺐٍ آﺧﺮ أم أن ﻣﮭﻤﺘﮫ ﻗﺪ اﻧﺘﮭﺖ أﺧﯿﺮاً ﻓﻠﻢ ﯾﻌﺪ أﻣﺎﻣﮫ ﻏﯿﺮ اﻟﺮﺣﯿﻞ؟ ﻣﺮ ﯾﻮم اﻟﺴﺒﺖ وﺳﻂ ﻣﺸﺎﻏﻞ ﻋﻮدﺗﻲ ،واﻧﺸﻐﺎل زﯾﺎد ﺑﺘﺮﺗﯿﺐ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﺳﻔﺮه. ﺣﺎوﻟﺖ أن أﺗﺤﺎﺷﻰ اﻟﺠﻠﻮس إﻟﯿﮫ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎء .وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﯾﻮم اﻷﺣﺪ ﯾﺘﺮﺑﺺ ﺑﻨﺎ وﯾﻀﻌﻨﺎ أﺧﯿﺮاً وﺟﮭﺎً ﻟﻮﺟﮫ ﻧﺤﻦ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻐﺪاء اﻟﺤﺎﺳﻢ. ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻗﺎﺑﻠﺘﻨﻲ ﺑﺤﺮارة ﻟﻢ أﺗﻮﻗﻌﮭﺎ .ﻓﺴّﺮﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﻲ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﺷﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ) ،أو رﺑﻤﺎ ﺑﺎﻻﻣﺘﻨﺎن( .أﻟﻢ أﻗﺪم ﻟﻚ ﺣﺒﺎً ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻖ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﻋﻠﻰ ﻃﺎوﻟﺔ ھﻲ ..ﺑﯿﺘﻲ؟! ﺛﻢ ﺷﻜﺮﺗﻨﻲ ﻋﻠﻰ رﺳﺎﺋﻠﻲ ،وأﺑﺪﯾﺖ إﻋﺠﺎﺑﻚ ﺑﺄﺳﻠﻮﺑﻲ ..وﻛﺄﻧﻚ أﺳﺘﺎذة ﻗﺪم ﻟﮭﺎ ﺗﻠﻤﯿﺬ ﻧﺼّﺎً إﻧﺸﺎﺋﯿﺎً. أزﻋﺠﻨﻲ ﺷﻜﺮك اﻟﻌﻠﻨﻲ ،وﺷﻌﺮت أﻧﻚ ﺣﺪّﺛﺖ زﯾﺎد ﻋﻨﮭﺎ ورﺑﻤﺎ أرﯾﺘﮫ إﯾﺎھﺎ أﯾﻀﺎً. ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن أﻗﻮل ﺷﯿﺌﺎً ﻋﻨﺪﻣﺎ واﺻﻠﺖ: ﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻣﻌﻚ ھﻨﺎك ..ھﻞ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ﺟﻤﯿﻠﺔ ﺣﻘﺎً إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ؟ وھﻞ زرت ﺣﻘﺎًﺑﯿﺖ ﻏﺎرﺳﯿﺎ ﻟﻮرﻛﺎ ﻓﻲ( ﺧﻮاﻧﺘﺎ ﻓﺎﻛﯿﺮوس( ..أﻟﯿﺲ ھﺬا اﺳﻢ ﺿﯿﻌﺘﮫ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ؟ ﺣﺪّﺛﻨﻲ ﻋﻨﮫ.. وﺟﺪت ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﺘﻚ ﻓﻲ ﺑﺪء اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻣﻌﻲ ﻣﻦ اﻟﮭﻮاﻣﺶ ،ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺜﯿﺮاً ﻟﻠﺪھﺸﺔ ،ورﺑﻤﺎ ﻟﻠﺘﻔﻜﯿﺮ أﯾﻀﺎً. أھﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ وﺟﺪت ﻗﻮﻟﮫ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ اﻟﺰواﺑﻊ اﻟﺘﻲ ﻣﺮّت ﺑﻨﺎ ،وﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮة أﯾﺎم ﻣﻦ اﻟﺠﺤﯿﻢ اﻟﺬي ﻋﺸﺘﮫ وﺣﺪي؟ ﻻ أدري ﻛﯿﻒ ﺧﻄﺮ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻓﻲ ذھﻨﻲ ﺷﮭﺪ ﻟﻔﯿﻠﻢ ﺷﺎھﺪﺗﮫ ﯾﻮﻣﺎً ﻋﻦ ﺣﯿﺎة ﻟﻮرﻛﺎ..
ﻗﻠﺖ ﻟﻚ: أﺗﺪرﯾﻦ ﻛﯿﻒ ﻣﺎت ﻟﻮرﻛﺎ؟ﻗﻠﺖِ: ﺑﺎﻹﻋﺪام..ﻗﻠﺖ: ﻻ ..وﺿﻌﻮه أﻣﺎم ﺳﮭﻞ ﺷﺎﺳﻊ وﻗﺎﻟﻮا ﻟﮫ اﻣﺶِ ..وﻛﺎن ﯾﻤﺸﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻃﻠﻘﻮا ﺧﻠﻔﮫاﻟﺮﺻﺎص ،ﻓﺴﻘﻂ ﻣﯿﺘﺎً دون أن ﯾﻔﮭﻢ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﺎ اﻟﺬي ﺣﺪث ﻟﮫ. إﻧﮫ أﺣﺰن ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺗﮫ .ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻮرﻛﺎ ﯾﺨﺎف اﻟﻤﻮت ،ﻛﺎن ﯾﺘﻮﻗّﻌﮫ ،وﯾﺬھﺐ إﻟﯿﮫ ﻣﺸﯿﺎً ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺪام ﻛﻤﺎ ﻧﺬھﺐ ﻟﻤﻮﻋﺪٍ ﻣﻊ ﺻﺪﯾﻖ ..وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﯾﻜﺮه ﻓﻘﻂ أن ﺗﺄﺗﯿﮫ اﻟﺮﺻﺎﺻﺔ ﻣﻦ اﻟﻈﮭﺮ! ﺷﻌﺮت آﻧﺬاك أن زﯾﺎد ﺗﻠﻘﻲ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ ﻛﺮﺻﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﺪر .رﻓﻊ ﻋﯿﻨﯿﮫ ﻧﺤﻮي، أﺣﺴﺴﺘﮫ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن ﯾﻘﻮل ﺷﯿﺌﺎً وﻟﻜﻨﮫ ﺻﻤﺖ. ﻛﻨﺎ ﻧﻔﮭﻢ ﺑﻌﻀﻨﺎ دون ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم. ﻧﺪﻣﺖ ﺑﻌﺪھﺎ ﻋﻠﻰ إﯾﻼﻣﻲ اﻟﻤﺘﻌﻤﺪ ﻟﮫ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن إﯾﻼﻣﮫ ﯾﻌﺰّ ﻋﻠﻲّ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﻟﻤﻚ .وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ھﺬا أﻗﻞ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن أﻗﻮﻟﮫ ﻟﮫ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﺸﺘﮫ ﻣﻦ ﻋﺬاب ﺑﺴﺒﺒﮫ. ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن أﻛﺜﺮه أﯾﻀﺎً. ﺗﺤﻮل ﻏﺪاؤﻧﺎ ﻓﺠﺄة إﻟﻰ وﺟﺒﺔ ﺻﻤﺖ ﻣﺮﺑﻚ ﺗﺘﺨﻠﻠﮫ أﺣﯿﺎﻧﺎ أﺣﺎدﯾﺚ ﻣﻔﺘﻌﻠﺔ ،ﻛﻨﺖِ ﺗﺨﺘﺮﻋﯿﻨﮭﺎ أﻧﺖِ ﺑﻔﻄﺮةٍ ﻧﺴﺎﺋﯿﺔ ﻟﺘﺮﻃﯿﺐ اﻟﺠﻮ ..ورﺑﻤﺎ ﻟﻠﻤﺮاوﻏﺔ .وﻟﻜﻦ ﻋﺒﺜﺎً. ﻛﺎن ھﻨﺎك ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺒﻠّﻮر ﻗﺪ اﻧﻜﺴﺮ ﺑﯿﻨﻨﺎ .وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ھﻨﺎك ﻣﻦ أﻣﻞ ﻟﺘﺮﻣﯿﻤﮫ. ﺳﺄﻟﺘﻚِ ﺑﻌﺪھﺎ: ھﻞ ﺳﺘﺄﺗﯿﻦ ﻣﻌﻲ ﻟﻨﺮاﻓﻖ زﯾﺎد إﻟﻰ اﻟﻤﻄﺎر؟أﺟﺒﺖِ:
ﻻ ..ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن أذھﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﻄﺎر ..ﻗﺪ أﻟﺘﻘﻲ ﺑﻌﻤﻲ ھﻨﺎك ،إذ أﻧﮫ ﯾﺤﺪث أن ﯾﻤﺮﺑﻤﻜﺘﺐ اﻟﺨﻄﻮط اﻟﺠﻮﯾﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ .ﺛﻢ إﻧﻨﻲ أﻛﺮه اﻟﻤﻄﺎرات ..وأﻛﺮه ﻣﺮاﺳﯿﻢ اﻟﻮداع. اﻟﺬﯾﻦ ﻧﺤﺒﮭﻢ ﻻ ﻧﻮدﻋﮭﻢ ،ﻷﻧﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻻ ﻧﻔﺎرﻗﮭﻢ .ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻖ اﻟﻮداع ﻟﻠﻐﺮﺑﺎء.. وﻟﯿﺲ ﻟﻸﺣﺒﺔ. ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ إﺣﺪى ﻃﻠﻌﺎﺗﻚ اﻟﻌﺠﯿﺒﺔ اﻟﻤﺪھﺸﺔ ﻛﻘﻮﻟﻚ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻣﺜﻼً "ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻜﺘﺐ إھﺪاءً ﺳﻮى ﻟﻠﻐﺮﺑﺎء وأﻣﺎ اﻟﺬﯾﻦ ﻧﺤﺒﮭﻢ ﻓﮭﻢ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب وﻟﯿﺴﻮا ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺗﻮﻗﯿﻊ ﻓﻲ اﻟﺼﻔﺤﺔ اﻷوﻟﻰ".. وﻟﻤﺎذا اﻟﻮداع؟ ھﻞ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﺿﺮورة ﻟﻮداع آﺧﺮ؟ ﻛﻨﺖ أراك ﻃﻮال وﺟﺒﺔ اﻟﻐﺪاء ﺗﻠﺘﮭﻤﯿﻨﮫ ﺑﻨﻈﺮاﺗﻚ وﻻ ﺗﺄﻛﻠﯿﻦ ﺷﯿﺎً ﺳﻮاه. ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﺎك ﺗﻮدّﻋﺎن ﺟﺴﺪه ﻗﻄﻌﺔ ﻗﻄﻌﺔ .ﺗﺘﻮﻗّﻔﺎن ﻃﻮﯾﻼً ﻋﻨﺪ ﻛﻞّ ﺷﻲء ﻓﯿﮫ ،وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺨﺘﺰﻧﯿﻦ ﻣﻨﮫ ﺻﻮراً ﻋﺪة ..ﻟﺰﻣﻦ ﻟﻦ ﯾﺒﻘﻰ ﻟﻚ ﻓﯿﮫ ﺳﻮى اﻟﺼﻮر. وﻛﺎن ھﻮ ﯾﺘﺤﺎﺷﻰ ﻧﻈﺮاﺗﻚ ،رﺑﻤﺎ ﻣﺮاﻋﺎة ﻟﻲ ،أو ﻷن ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ اﻟﻤﻮﺟﻌﺔ أﻓﻘﺪﺗﮫ رﻏﺒﺔ اﻟﺤﺐ ..ورﻏﺒﺔ اﻷﻛﻞ ﻛﺬﻟﻚ .وﺟﻌﻠﺘﮫ ﯾﺤﻮّل ﻧﻈﺮاﺗﮫ اﻟﺤﺰﯾﻨﺔ إﻟﻰ أﻋﻤﺎﻗﮫ وإﻟﻰ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺴﻔﺮ. وﻛﻨﺖ أﻧﺎ ﻻ أﻗﻞ ﺣﺰﻧﺎً ﻋﻨﻜﻤﺎ ،وﻟﻜﻦ ﺣﺰﻧﻲ ﻛﺎن ﻓﺮﯾﺪاً وﻓﺮدﯾّﺎً ﻛﺨﯿﺒﺘﻲ .ﻣﺘﺸﻌّﺐ اﻷﺳﺒﺎب ﻏﺎﻣﻀﺎً ﻛﻤﻮﻗﻔﻲ ﻣﻦ ﻗﺼّﺘﻜﻤﺎ اﻟﻌﺠﯿﺒﺔ. ورﺑﻤﺎ زاده رﻓﻀﻚ ﻣﺮاﻓﻘﺘﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﻄﺎر ﺗﻮﺗﺮاً .ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻃﻤﻊ ﻓﻲ ﻋﻮدﺗﻚ ﻣﻌﻲ ﻋﻠﻰ اﻧﻔﺮاد ﻷﺧﻠﻮ أﺧﯿﺮاً ﺑﻚ .ﻷﻓﮭﻢ ﻣﻨﻚ دون ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ،إﻟﻰ أيّ ﻣﺪى ﻛﻨﺖ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮ ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻚ ،واﻟﻌﻮدة إﻟﻲّ دون ﺟﺮوح أو ﺧﺪوش.. ﻛﻨﺖ أدري أن ﻗﻠﺒﻚ ﻗﺪ أﺻﺒﺢ ﻣﻨﺤﺎزاً إﻟﯿﮫ .ورﺑﻤﺎ ﺟﺴﺪك أﯾﻀﺎً .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺛﻖ ﺑﻤﻨﻄﻖ اﻷﯾﺎم .وأﻋﺘﻘﺪ أﻧﻚ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﺳﺘﻌﻮدﯾﻦ إﻟﻲّ ،ﻷﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﻜﻮن ھﻨﺎك ﺳﻮاي.. وﻷﻧﻨﻲ ذاﻛﺮﺗﻚ اﻷوﻟﻰ ..وﺣﻨﯿﻨﻚ اﻷول ﻷﺑﻮة ﻛﻨﺖ أﻧﺎ ﻧﺴﺨﺔ أﺧﺮى ﻋﻨﮭﺎ. ﻓﺮﺣﺖ أراھﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻄﻖ وأﻧﺘﻈﺮك.
رﺣﻞ زﯾﺎد.. ورﺣﺖ أﺳﺘﻌﯿﺪ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ﺑﯿﺘﻲ وﻋﺎداﺗﻲ اﻷوﻟﻰ ﻗﺒﻠﮫ. ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً وﻟﻜﻦ ﺑﻤﺮارة ﻏﺎﻣﻀﺔ .ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﻮّدت ﻋﻠﻰ وﺟﻮده ﻣﻌﻲ ،وﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻤﻔﺎﺟﺌﺔ وھﻮ ﯾﺘﺮﻛﻨﻲ وﺣﺪي ﻟﻤﻮﺳﻢ اﻟﺸﺘﺎء؛ ﻟﺘﻠﻚ اﻷﯾﺎم اﻟﺮﻣﺎدﯾﺔ ،واﻟﺴﮭﺮات اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ اﻟﻤﺪھﺸﺔ. رﺣﻞ زﯾﺎد ..وﻓﺮغ اﻟﺒﯿﺖ ﻣﻨﮫ ﻓﺠﺄة ﻛﻤﺎ اﻣﺘﻸ ﺑﮫ. ﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﺳﻮى ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺸﮭﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺮوره ﻣﻦ ھﻨﺎ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺮﻛﮭﺎ أﺳﻔﻞ اﻟﺨﺰاﻧﺔ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺟﻤﻊ ﻓﯿﮭﺎ أوراﻗﮫ وأﺷﯿﺎءه ،واﻟﺘﻲ رأﯾﺖ ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺋﮭﺎ ﻋﻨﺪي ﻣﺸﺮوع ﻋﻮدة ﻣﺤﺘﻤﻠﺔ ،ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻧﯿﻦ أﻧﺖ أﺣﺪ أﺳﺒﺎﺑﮭﺎ. وﻟﻜﻦ ﻻﺑﺪ أن أﻋﺘﺮف أن ﺳﻌﺎدﺗﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻮق ﺣﺰﻧﻲ ،وأﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ أﺳﺘﻌﯿﺪك وأﻧﺎ أﺳﺘﻌﯿﺪ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﻔﺎرغ ﻣﻨﮫ. ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أن ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ﺳﯿﻤﺘﻠﺊ أﺧﯿﺮاً ﺑﺤﻀﻮرك ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى ،وأﻧﻨﻲ ﺳﺄﺧﻠﻮ ﻓﯿﮫ ﺑﻚ وأﻧﺎ أﺧﻠﻮ ﻟﻨﻔﺴﻲ. ﺳﺄﻋﯿﺪك إﻟﯿﮫ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً .أﻟﻢ ﺗﻌﺘﺮﻓﻲ ﻣﺮاراً أﻧﻚ ﺗﺤﺒﯿﻨﮫ ..ﺗﺤﺒﯿﻦ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﺗﺮﺗﯿﺒﮫ ..ﺗﺤﺒﯿﻦ ﺿﻮءه ..ﻣﻨﻈﺮ ﻧﮭﺮ اﻟﺴﯿﻦ اﻟﺬي ﯾﻄﻞّ ﻋﻠﯿﮫ؟ أن ﺗﺮى ﻛﻨﺖ ﺗﺤﺒﯿﻦ ﻓﻘﻂ زﯾﺎد ،وﺣﻀﻮره اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺆﺛﺚ ﻛﻞ ﺷﻲء ..وﯾﺠﻌﻞ اﻷﺷﯿﺎء أﺣﻠﻰ! ﻓﻲ اﻟﺒﺪء ..ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ ھﺎﺗﻔﻚ .ﻛﻨﺖ أﺗﻤﺴﻚ ﺑﮫ ،أﺳﺘﻨﺠﺪ ﺑﮫ ،وﻟﻜﻦ ﺻﻮﺗﻚ ﻛﺎن ﯾﻨﺴﺤﺐ أﯾﻀﺎً ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً أﻣﺎم دھﺸﺘﻲ. ﻛﺎن ھﺎﺗﻔﻚ ﯾﺄﺗﻲ ﻣﺮة ﻛﻞ أﺳﺒﻮع ،ﺛﻢ ﻛﻞّ أﺳﺒﻮﻋﯿﻦ ،ﺛﻢ ﻧﺎدراً ،ﻗﺒﻞ أن ﯾﻨﻘﻄﻊ ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً. ﻛﺎن ﯾﺄﺗﻲ ﺷﺤﯿﺤﺎً ﻛﻘﻄﺮات اﻟﺪواء .وﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﺣﯿﺎﻧﺎً أﻧﻚ ﺗﻄﻠﺒﯿﻨﻨﻲ ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ ﻓﻘﻂ ،أو ﻋﻦ ﺿﺠﺮ ،أو رﺑﻤﺎ ﺑﻨﯿﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﻌﻠﻨﺔ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ أﺧﺒﺎر زﯾﺎد.
وﻛﻨﺖ أﻧﺎ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ،أﺗﺴﺎءل "ﺗﺮاه ﻛﺎن ﯾﻜﺘﺐ إﻟﯿﻚ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﺑﻌﻨﻮان اﻟﺒﯿﺖ ،وﻟﮭﺬا ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ أن ﺗﺴﺄﻟﯿﻨﻲ ﻣﺮة ﻋﻦ أﺧﺒﺎره؟ أم أﻧﮫ ﻛﻌﺎدﺗﮫ أﺧﺒﺮك ﻣﺴﺒﻘﺎً أﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﻜﺘﺐ إﻟﯿﻚ ،وأن ﻋﻠﯿﻚ ﻣﺜﻠﮫ أن ﺗﺘﻌﻠﻤﻲ اﻟﻨﺴﯿﺎن. ﻓﺮﺣﺖ ﺗﻄﺒّﻘﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻋﻠﻲّ أﯾﻀﺎً!. ﻛﺎن زﯾﺎد ﯾﻜﺮه أﻧﺼﺎف اﻟﺤﻠﻮل ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء. ﻛﺎن ﻣﺘﻄﺮﻓﺎً ﻛﺄي رﺟﻞ ﯾﺤﻤﻞ ﺑﻨﺪﻗﯿﺔ .وﻟﺬا ﻛﺎن ﯾﻜﺮه أﯾﻀﺎً ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺴﻤّﯿﮫ ﺳﺎﺑﻘﺎً "أﻧﺼﺎف اﻟﻤﻠﺬات" أو "أﻧﺼﺎف اﻟﻌﻘﻮﺑﺎت!" ﻛﺎن رﺟﻞ اﻻﺧﺘﯿﺎرات اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ .ﻓﺈﻣﺎ أن ﯾﺤﺐ وﯾﺘﺨﻠﻰ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻟﯿﺒﻘﻰ ﻣﻊ ﻣﻦ ﯾﺤﺐ ،أو ﯾﺮﺣﻞ ﻷن اﻟﺬي ﯾﻨﺘﻈﺮه ھﻨﺎك أھﻢ .وﻋﻨﺪھﺎ ﻟﻦ ﯾﻜﻮن ﻣﻦ ﻣﺒﺮر ﻟﺘﻌﺬﯾﺐ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺎﻷﺷﻮاق واﻟﺬﻛﺮى. ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﻃﻮﯾﻼً ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻣﺎذا ﻋﺴﺎه اﺧﺘﺎر؟ ﺗﺮاه ﺗﺼﺮّف ھﺬه اﻟﻤﺮة أﯾﻀﺎً ﻛﻤﺎ ﺗﺼﺮف ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ وﺷﻚ اﻟﺰواج ﻣﻨﮭﺎ.. أم أﻧﮫ ﺗﻐﯿّﺮ ھﺬه اﻟﻤﺮة ،رﺑﻤﺎ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻌﻤﺮ ..ورﺑﻤﺎ ﻓﻘﻂ ﻷﻧﻚ أﻧﺖ ،وﻷن اﻟﺬي ﺣﺪث ﺑﯿﻨﻜﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻗﺼﺔ ﻋﺎدﯾﺔ ﺗﺤﺪث ﺑﯿﻦ ﺷﺨﺼﯿﻦ ﻋﺎدﯾﯿﻦ. ﻛﻨﺖ أﺣﺎول أﺣﯿﺎﻧﺎً اﺳﺘﺪراﺟﻚ ﻟﻠﺤﺪﯾﺚ ﻋﻨﮫ ،ﻋﺴﺎﻧﻲ أﺻﻞ إﻟﻰ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺪﯾﺪ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻟﻠﻌﺒﺔ ..واﻟﺘﺄﻗﻠﻢ ﻣﻌﮭﺎ. وﻛﻨﺖ ﺗﺮاوﻏﯿﻨﻨﻲ ﻛﻌﺎدﺗﻚ .ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻚ ﺗﺤﺒّﯿﻦ أن أﺣﺪﺛﻚ ﻋﻨﮫ ،وﻟﻜﻦ دون أن ﺗﺒﻮﺣﻲ ﻟﻲ ﺑﺸﻲء. ﻛﻨﺖ ﺗﻨﺎﻗﻀﯿﻦ ﻧﻔﺴﻚ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ .ﺗﻤﺰﺟﯿﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺠﺪ واﻟﻤﺰاح ،وﺑﯿﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ واﻟﻜﺬب، ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﮭﺮوب ﻣﻦ ﺷﻲء ﻣﺎ.. ﻛﺎن ﻛﻼﻣﻚ ﻛﺬﺑﺎً أﺑﯿﺾ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﯿﮫ ﺑﻔﺮﺷﺎﺗﻲ ،وأﻟﻮّن ﺟﻤﻠﮫ ﺑﺄﻟﻮان أﻛﺜﺮ ﺗﻨﺎﺳﺒﺎً ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﺎ أﻋﺮﻓﮫ ﻋﻨﻚ. ﺗﻌﻮدت أن أﻛﺴﻮ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﯿﻨﮫ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﺒﻨﻔﺴﺠﻲ ،ﺑﺎﻷزرق ..واﻟﺮﻣﺎدي ،ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ اﻟﺬي ﯾﺨﯿﻢ
ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﯿﻨﮫ. ﺗﻌﻮدت أن أﺟﻤﻊ ﺣﺼﯿﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﻠﺘﮫ ﻟﻲ ،وأﺻﻨﻊ ﻣﻨﮭﺎ ﺣﻮاراً ﻟﺮﺳﻮم ﻣﺘﺘﺎﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ ورق ،أﺿﻊ ﻋﻠﯿﮭﺎ أﻧﺎ اﻟﺘﻌﻠﯿﻘﺎت اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﺤﻮار آﺧﺮ وﻛﻼم ﻟﻢ ﻧﻘﻠﮫ. ﻟﻌﻠﻨﻲ وﻗﺘﮭﺎ ﺑﺪأت أﻛﺘﺸﻒ ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﺗﺮﺑﻄﻚ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻠﻮن اﻷﺑﯿﺾ. ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻛﻼﻣﻚ وﺣﺪه ﻛﺬﺑﺎً أﺑﯿﺾ. ﻛﻨﺖ اﻣﺮأة ﺗﻤﻠﻚ ﻗﺪرة ﺧﺎرﻗﺔ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺤﻀﺎر ذﻟﻚ اﻟﻠﻮن ﻓﻲ ﻛﻞ أﺷﻜﺎﻟﮫ وأﺿﺪاده .أو ﻟﻌﻠﻨﻲ وﻗﺘﮭﺎ أﯾﻀﺎً ﺑﺪأت دون أن أدري وﺑﺤﺪس ﻏﺎﻣﺾ أﺧﺮج ھﺬا اﻟﻠﻮن ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً ﻣﻦ أﻟﻮان ﻟﻮﺣﺎﺗﻲ ،وأﺣﺎول اﻻﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻨﮫ ،ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻣﺠﻨﻮﻧﺔ ﻹﻟﻐﺎﺋﻚ. ﻛﺎن ﻟﻮﻧﺎً ﻣﺘﻮاﻃﺌﺎً ﻣﻌﻚ .ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي رأﯾﺘﻚ ﻓﯿﮫ ﻃﻔﻠﺔ ﺗﺤﺒﻮ ﺑﯿﻨﻤﺎ أﺛﻮاﺑﮭﺎ اﻟﻄﻔﻮﻟﯿﺔ اﻟﺒﯿﻀﺎء ﺗﺠﻒّ ﻓﻮق ﺧﺸﺒﺎت ﻣﻨﺼﻮﺑﺔ ﻓﻮق ﻛﺎﻧﻮن .ﻏﻤﺰة ﻣﺴﺒﻘﺔ ﻟﻠﻘﺪر اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾُﮭﯿّﺄ ﻟﻲ ﻣﻌﻚ ﻋﻠﻰ ﻧﺎرٍ ﺑﺎردة ،أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻮب أﺑﯿﺾ. ﻛﺎن اﻷﺑﯿﺾ ﻟﻮﻧﺎً ﻣﺜﻠﻚ ﯾﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺗﺮﻛﯿﺐ ﻛﻞّ اﻷﻟﻮان وﻛﻞ اﻷﺷﯿﺎء .ﻓﻜﻢ ﻣﻦ اﻷﺷﯿﺎء ﯾﺠﺐ أن أدﻣّﺮ ﻗﺒﻞ أن أﻧﺘﮭﻲ ﻣﻨﮫ! وﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﻠﻮﺣﺎت ﺳﺄﻟﻐﻲ إن أﻧﺎ ﻗﺎﻃﻌﺘﮫ! ﻛﻨﺖ أﺣﺎول ﺑﻜﻞ اﻷﺷﻜﺎل( واﻷﻟﻮان ( ..أن أﻧﺘﮭﻲ ﻣﻨﻚ .وﻟﻜﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أزداد ﺗﻮرّﻃﺎً ﻓﻲ ﺣﺒﻚ. اﻋﺘﺮﻓﺖ ﻟﻚ ﻣﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺎﺗﻒ ..ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﯾﺄس: أﺗﺪرﯾﻦ ..ﺣﺒﻚ ﺻﺤﺮاء ﻣﻦ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ ،ﻟﻢ أﻋﺪ أدري أﯾﻦ أﻗﻒ ﻓﯿﮭﺎ.. أﺟﺒﺘﻨﻲ ﺑﺴﺨﺮﯾﺘﻚِ اﻟﻤﻮﺟﻌﺔ: ﻗﻒ ﺣﯿﺚ أﻧﺖ ..اﻟﻤﮭﻢ أﻻ ﺗﺘﺤﺮك .ﻓﻜﻞ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺨﻼص ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻻت ،ﺳﺘﺠﻌﻞاﻟﺮﻣﺎل ﺗﺴﺤﺒﻚ أﻛﺜﺮ ﻧﺤﻮ اﻟﻌﻤﻖ .إﻧﮭﺎ اﻟﻨﺼﯿﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻮﺟﮭﮭﺎ أھﻞ اﻟﺼﺤﺮاء ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ﺑﺎﻟﻮﻋﺔ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ ..ﻛﯿﻒ ﻻ ﺗﻌﺮف ھﺬا؟! ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن أﺣﺰن ..وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺿﺤﻜﺖ .رﺑﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ أﺣﺐ ﺳﺨﺮﯾﺘﻚ اﻟﺬﻛﯿﺔ ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻣﻮﺟﻌﺔ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻗﻠﻤﺎ ﻧﻠﺘﻘﻲ ﺑﺎﻣﺮأة ﺗﻌﺬّﺑﻨﺎ ﺑﺬﻛﺎء. ورﺑﻤﺎ ﻷﻧﻚ ﻛﻨﺖِ ﺗﺰﻓّﯿﻦ ﻟﻲ اﺣﺘﻤﺎل ﻣﻮت ﻛﻨﺖ أراه ﺟﻤﯿﻼً ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ھﻮ ﺣﺘﻤﻲ..
ﺗﺬﻛّﺮت ﻣﺜﻼً ﺷﻌﺒﯿﺎً راﺋﻌﺎً ،ﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺪ ﺗﻨﺒّﮭﺖ ﻟﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ" "اﻟﻄﯿﺮ اﻟﺤﺮ ﻣﺎ ﯾﻨﺤﻜﻤﺶ، وإذا اﻧﺤﻜﻢ ..ﻣﺎ ﯾﺘﺨﺒّﻄﺶ!". وﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ آﻧﺬاك أﻧﻨﻲ ذﻟﻚ اﻟﻄﺎﺋﺮ اﻟﻤﻜﺎﺑﺮ اﻟﺬي ﯾﻨﺘﺴﺐ إﻟﻰ ﺳﻼﻟﺔ اﻟﺼﻘﻮر واﻟﻨﺴﻮر اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﺴﮭﻞ اﺻﻄﯿﺎدھﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗُﺼﻄﺎد ،ﺗﺼﺒﺢ ﺷﮭﺎﻣﺘﮭﺎ ﻓﻲ أن ﺗﺴﺘﺴﻠﻢ ﺑﻜﺒﺮﯾﺎء ،دون أن ﺗﻘﺎوم أو ﺗﺘﺨﺒّﻂ ﻛﻤﺎ ﯾﻔﻌﻞ ﻃﺎﺋﺮ ﺻﻐﯿﺮ وﻗﻊ ﻓﻲ ﻓﺦّ. ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺟﺒﺘﻚ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ ،ﺻﺤﺖِ دھﺸﺔ: ﻣﺎ أﺟﻤﻠﮫ ..ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮﻓﮫ!أﺟﺒﺘﻚ وﺳﻂ ﺗﻨﮭﯿﺪة: ﻷﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﻲ اﻟﺮﺟﺎل ..ﻟﯿﺲ ھﺬا زﻣﻨﺎً ﻟﻠﺼﻘﻮر وﻻ ﻟﻠﻨﺴﻮر ..إﻧﮫ زﻣﻦ ﻟﻠﻄﯿﻮراﻟﻤﺪﺟّﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﺪاﺋﻖ اﻟﻌﻤﻮﻣﯿﺔ! ﺳﺖ ﺳﻨﻮات ﻣﺮّت ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪﯾﺚ .وھﺎ أﻧﺎ أذﻛﺮه اﻟﯿﻮم ﻣﺼﺎدﻓﺔ ،وأﺳﺘﻌﯿﺪ ﻧﺼﯿﺤﺘﻚ اﻷﺧﯿﺮة: "ﻗﻒ ﺣﯿﺚ أﻧﺖ ..اﻟﻤﮭﻢ أﻻ ﺗﺘﺤﺮك!". ﻛﯿﻒ ﺻﺪّﻗﺖ ﯾﻮﻣﮭﺎ أﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﺗﺨﺎﻓﯿﻦ ﻋﻠﻲّ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﺻﻒ واﻟﺰواﺑﻊ ..واﻟﺮﻣﺎل اﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ .أﻧﺖ اﻟﺘﻲ أوﻗﻔﺘﻨﻲ ھﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﮭﺐ اﻟﺠﺮح ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ،ورﺣﺖ ﺗﻨﻔﺨﯿﻦ ﺣﻮﻟﻲ اﻟﻌﻮاﺻﻒ وﺗﺤﺮﻛﯿﻦ أﻣﻮاج اﻟﺮﻣﺎل ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻲّ ..وﺗﺤﺮّﺿﯿﻦ اﻟﻘﺪر ﻋﻠﻲّ. ﻟﻢ أﺗﺤﺮك أﻧﺎ.. ﻇﻠﻠﺖ واﻗﻔﺎً ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ ﻋﻨﺪ ﻋﺘﺒﺎت ﻗﻠﺒﻚ ﻟﺴﻨﻮات ﻋﺪة. ﻛﻨﺖ اﺟﮭﻞ أﻧﻚ ﺗﺒﺘﻠﻌﯿﻨﻨﻲ ﺑﺼﻤﺖ ،أﻧﻚ ﺗﺴﺤﺒﯿﻦ اﻷرض ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻲ وأﻧﻨﻲ أﻧﺰﻟﻖ ﻧﺤﻮ اﻟﻌﻤﻖ. ﻛﻨﺖ أﺟﮭﻞ أن زواﺑﻌﻚ ﺳﺘﻌﻮد ﻛﻞ ﻣﺮة ،وﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻏﯿﺎﺑﻚ ﺑﺴﻨﻮات ﻟﺘﻐﺘﺎﻟﻨﻲ. واﻟﯿﻮم ..وﺳﻂ اﻷﻋﺎﺻﯿﺮ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮة ﯾﺄﺗﻲ ﻛﺘﺎﺑﻚ ﻟﯿﺜﯿﺮ داﺧﻠﻲ زوﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ اﻟﻤﺘﻄﺮّﻓﺔ واﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﻣﻌﺎً.
"ﻣﻨﻌﻄﻒ اﻟﻨﺴﯿﺎن" ﻗﻠﺖِ.. ﻣﻦ أﯾﻦ ﯾﺄﺗﻲ اﻟﻨﺴﯿﺎن..أﺳﺄﻟﻚ؟
***
ﻣﺎزﻟﺖ أذﻛﺮ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻣﻦ ﻓﺒﺮاﯾﺮ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎء ﺻﻮت ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺎﺗﻒ، ﻟﯿﺪﻋﻮﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﻌﺸﺎء ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﮫ. ﻓﻮﺟﺌﺖ ﺑﺪﻋﻮﺗﮫ ،وﻟﻢ أﺳﺄﻟﮫ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ ﻣﻨﺎﺳﺒﺘﮭﺎ .ﻓﮭﻤﺖ ﻣﻨﮫ ﻓﻘﻂ أﻧﮫ دﻋﺎ آﺧﺮﯾﻦ ﻟﻠﻌﺸﺎء ،وأﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﻜﻮن ﺑﻤﻔﺮدﻧﺎ. أﻋﺘﺮف أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً وﻣﺮﺗﺒﻜﺎً ﺑﻔﺮﺣﻲ. ﺧﺠﻠﺖ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻲ ﻷﻧﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﻟﻘﺎﺋﻨﺎ اﻷﺧﯿﺮ ﻟﻢ أﻃﻠﺒﮫ ﺳﻮى ﻣﺮة واﺣﺪة ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﻌﯿﺪ، ﺑﺮﻏﻢ إﻟﺤﺎﺣﮫ ﻋﻠﻲّ أن أزوره وﻟﻮ ﻣﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺘﺐ ،ﻟﻨﺄﺧﺬ ﻗﮭﻮة ﻣﻌﺎً. ﻓﺠﺄة ،أﺧﺬت ﻗﺮاراً رﺑﻤﺎ ﻛﺎن أﺣﻤﻖ. ﻗﺮرت أن آﺧﺬ إﺣﺪى ﻟﻮﺣﺎﺗﻲ ﻷھﺪﯾﮭﺎ إﯾﺎه. أﻟﻢ ﯾﮭﺪﻧﻲ اﻟﯿﻮم ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أﻋﺪ أﺗﻮﻗﻌﮭﺎ؟ ﺳﺄﺛﺒﺖ ﻟﮫ دون ﻛﻼم ،أن ﻟﻮﺣﺎﺗﻲ ﻻ ﺗﺘﺪاول إﻻ ﺑﻌﻤﻠﺔ اﻟﻘﻠﺐ وﻟﯿﺲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻼت اﻟﻤﺸﺒﻮھﺔ. ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وﺟﺪت ﻟﮭﺬه اﻟﻔﻜﺮة ﺣﺴﻨﺔ أﺧﺮى. ﺳﺄﻛﻮن ﺣﺎﺿﺮاً ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي ﺗﺴﻜﻨﯿﻨﮫ وﻟﻮ ﻣﻌﻠّﻘﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﺪار.
ﻓﻲ اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺣﻤﻠﺖ ﻟﻮﺣﺘﻲ وذھﺒﺖ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻌﺸﺎء. ﻛﺎن اﻟﻘﻠﺐ ﯾﺮﻛﺾ ﺑﻲ ،ﯾﺴﺒﻘﻨﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﻲ اﻟﺮاﻗﻲ ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻨﺎﯾﺔ .ﺣﺘﻰ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻋﺪ أذﻛﺮ ﻣﻦ اھﺘﺪى إﻟﻰ ﺑﯿﺘﻚ أوﻻً :ﻋﯿﻨﺎي ..أم ﻗﻠﺒﻲ. ﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻠﺘﮭﺎ ﺷﻌﺮت أن ﻋﻄﺮك ﻛﺎن ﯾﺘﺮﺑﺺ ﺑﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺪﺧﻞ..وﻓﻲ اﻟﻤﺼﻌﺪ ..وأﻧﻚ ﻛﻨﺖ ھﻨﺎ ﺗﻘﻮدﯾﻦ وﺟﮭﺘﻲ ﺑﻌﻄﺮك ﻓﻘﻂ. اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﻲ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺎب .رﺣﺐّ ﺑﻲ ﺑﻌﻨﺎق ﺣﺎر ،زادت ﺣﺮارﺗﮫ رؤﯾﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﻜﺒﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺣﻤﻠﮭﺎ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ. ﺑﺪا ﻟﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺼﺪق ﺗﻤﺎﻣﺎً أن ﺗﻜﻮن ھﺪﯾﺔ ﻟﮫ .ﺗﺮدد ﻗﺒﻞ أن ﯾﺄﺧﺬھﺎ ﻣﻨﻲ ،ﻟﻜﻨﻨﻲ اﺳﺘﻮﻗﻔﺘﮫ ﻷﻗﻮل ﻟﮫ" :ھﺬه ﻟﻮﺣﺔ ﻣﻨﻲ ..إﻧﮭﺎ ھﺪﯾﺔ ﻟﻚ".. رأﯾﺖ ﻓﺠﺄة ﻋﻠﻰ وﺟﮭﮫ ﻓﺮﺣﺎً وﻏﺒﻄﺔ ﻧﺎدرة .وراح ﯾﻨﺰع ﻋﻨﮭﺎ اﻟﻐﻼف ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ، ﺑﻔﻀﻮل ﻣﻦ رﺑﺢ ﺷﯿﺌﺎً ﻓﻲ اﻟﯿﺎﻧﺼﯿﺐ. ﺛﻢ ﺻﺎح وھﻮ ﯾﺮى ﻣﻨﻈﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻣﻌﻠّﻘﺔ وﺳﻂ اﻟﻀﺒﺎب إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء: ھﺬي ﻗﻨﻄﺮة اﻟﺠﺒﺎل!وﻗﺒﻞ أن أﻗﻮل ﺷﯿﺌﺎً ﻋﺎﻧﻘﻨﻲ وﻗﺎل وھﻮ ﯾﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ: ﯾﻌﻄﯿﻚ اﻟﺼﺤﺔ ..ﺗﻌﯿﺶ آ ﺣﺒﯿﺒﻲ ..ﺗﻌﯿﺶ!ﻟﻢ أﺗﻤﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ ﺗﻘﺒﯿﻠﮫ ﺑﺎﻟﺤﺮارة ﻧﻔﺴﮭﺎ ،ﻷﻧﮫ أھﺪاﻧﻲ ﺷﯿﺌﺎً رﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻨﺘﺒﮫ ﻟﺜﻤﻨﮫ ﻋﻨﺪي. راﻓﻘﻨﻲ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ إﻟﻰ اﻟﺼﺎﻟﻮن وھﻮ ﯾﻤﺴﻚ ذراﻋﻲ ﺑﯿﺪ ،وﯾﻤﺴﻚ ﻟﻮﺣﺘﻲ ﺑﺎﻟﯿﺪ اﻷﺧﺮى .واﺗﺠﮫ ﺑﻲ ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻟﯿﻘﺪّﻣﻨﻲ إﻟﻰ ﺿﯿﻮﻓﮫ ،ﻛﺄﻧﮫ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺸﮭﺪ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﻨﺎﻧﮫ ﻟﻲ .أو رﺑﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ وﺻﺪاﻗﺘﻨﺎ اﻟﻮﻃﯿﺪة ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﺷﺎﺋﻌﺎً ﻋﻨﻲ أﻧﻨﻲ ﻻ أﺟﻮد ﺑﮭﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻤﺒﺘﺬل ..إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠّﺔ. ﻟﻔﻆ أﻣﺎﻣﻲ ﻋﺪة أﺳﻤﺎء ﻟﻌﺪة وﺟﻮه ،ﺻﺎﻓﺤﺖ أﺻﺤﺎﺑﮭﺎ وأﻧﺎ أﺗﺴﺎءل ﻣﻦ ﯾﻜﻮن ﻣﻌﻈﻤﮭﻢ. ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف ﻣﻨﮭﻢ ﻏﯿﺮ واﺣﺪ أو اﺛﻨﯿﻦ ،وأﻣﺎ اﻟﺒﻘﯿﺔ ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻣﺎ أﺳﻤّﯿﮫ اﻟﻨﺒﺘﺎت
اﻟﻄﻔﯿﻠﯿﺔ ..أو "اﻟﻨﺒﺘﺎت اﻟﺴﯿﺌﺔ" .ﻛﻤﺎ ﯾﺴﻤﻲ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺒﺘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻤﻮ ﻣﻦ اﻟﻼﺷﻲء ،ﻓﻲ أي ﺣﻮض أو أﯾﺔ ﺗﺮﺑﺔ ،وإذا ﺑﮭﺎ ﺗﻤﺪ ﺟﺬورھﺎ ﻓﺠﺄة وﺗﻀﺎﻋﻒ أوراﻗﮭﺎ وﻓﺮوﻋﮭﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻄﻐﻰ وﺣﺪھﺎ ذات ﯾﻮم ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﺘﺮﺑﺔ. ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا ﻛﻨﺖ داﺋﻤﺎً أﻣﻠﻚ اﻟﺤﺎﺳﺔ اﻟﻘﻮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻨﻲ أﺗﻌﺮّف ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت أﯾﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا .ﻓﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﺷﻜﺎﻟﮭﻢ وھﯿﺂﺗﮭﻢ وﻣﻨﺎﺻﺒﮭﻢ ﯾﻤﺘﻠﻜﻮن ﻣﻈﮭﺮاً ﻣﺸﺘﺮﻛﺎً ﯾﻔﻀﺤﮭﻢ ،ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺰﯾﻒ واﻟﺮﯾﺎء اﻟﻤﻔﺮط وﺑﻤﻈﺎھﺮ اﻟﻐﻨﻰ واﻟﻮﺟﺎھﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﺒﺴﻮھﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ..وﺑﺬﻟﻚ اﻟﻘﺎﻣﻮس اﻟﻤﺸﺘﺮك ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﺬي ﯾﻮھﻤﻚ أﻧﮭﻢ أھﻢ ﻣﻤﺎ ﺗﺘﻮﻗﻊ. ﻧﻈﺮة ﺧﺎﻃﻔﺔ واﺣﺪة ،وﺑﻌﺾ اﻟﺠﻤﻞ اﻟﻤﺘﺒﺎدﻟﺔ ﻓﻘﻂ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﻓﯿﺔ ﻷﺳﺘﻨﺘﺞ ﻧﻮﻋﯿﺔ ذﻟﻚ اﻟﻤﺠﻠﺲ "اﻟﺮاﻗﻲ" اﻟﺬي ﯾﻀﻢ ﻧﺨﺒﺔ ﻣﻦ وﺟﮭﺎء اﻟﻤﮭﺠﺮ ،اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺤﺘﺮﻓﻮن اﻟﺸﻌﺎرات اﻟﻌﻠﻨﯿﺔ ..واﻟﺼﻔﻘﺎت اﻟﺴﺮﯾﺔ. ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻛﻮﻛﺐ ﻟﯿﺲ ﻛﻮﻛﺒﻲ.. راح ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﯾﻄﻠﻊ ﺿﯿﻮﻓﮫ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻔﺨﺮ واﻟﻤﻮدة ﻣﻌﺎً.. واﻟﺘﻔﺖ إﻟﻲّ ﻟﯿﻘﻮل ﻟﻲ: _أﺗﺪري ﺧﺎﻟﺪ ..ﻟﻘﺪ ﺣﻘﻘﺖ ﻟﻲ اﻟﯿﻮم أﻣﻨﯿﺔ ﻋﺰﯾﺰة ﻋﻠﻲّ .ﻛﻨﺖ ﻟﻠﺬﻛﺮى أرﯾﺪ أن ﯾﻜﻮن ﻓﻲ ﺑﯿﺘﻲ ﺷﻲء ﻟﻚ .ﻻ ﺗﻨﺲ أﻧﻚ ﺻﺪﯾﻖ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ واﺑﻦ ﺣﯿّﻲ "ﻛﻮﺷﺔ اﻟﺰﯾﺎت" ..أﺗﺬﻛﺮ ذﻟﻚ اﻟﺤﻲّ؟ ﻛﻨﺖ أﺣﺐ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ .ﻛﺎن ﻓﯿﮫ ﺷﻲ ﻣﻦ ھﯿﺒﺔ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ وﺣﻀﻮرھﺎ ،ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮ اﻟﻌﺮﯾﻘﺔ وذاﻛﺮﺗﮭﺎ ،ﺷﻲء ﻣﻦ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ،ﻣﻦ ﺻﻮﺗﮫ وﻃﻠّﺘﮫ.. وﻛﺎن ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﮫ ﺷﻲء ﻧﻘﻲّ ﻟﻢ ﯾﻠﻮّث ﺑﻌﺪ ﺑﺮﻏﻢ ﻛﻞ ﺷﻲء .وﻟﻜﻦ ﺣﺘﻰ ﻣﺘﻰ.. ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﮫ ﻣﺤﺎط ﺑﺎﻟﺬﺑﺎب وﺑﻘﺬارة اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ .وﻛﻨﺖ أﺧﺎف أن ﯾﺘﺴﻠﻞ إﻟﯿﮫ اﻟﻌﻔﻦ ﺣﺘﻰ اﻟﻌﻤﻖ ذات ﯾﻮم. أﺧﺎف ﻋﻠﯿﮫ ،وﻗﺪ أﺧﺎف ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻻﺳﻢ اﻟﻜﺒﯿﺮ اﻟﺬي ﯾﺤﻤﻠﮫ إرﺛﺎً ﻣﻦ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻧﯿﺲ. ﺗﺮى أﻛﺎن ﺷﻌﻮري ذﻟﻚ ﺣﺪﺳﺎً ،أم اﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎً ﻣﻨﻄﻘﯿﺎً ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻮﺟﻊ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أراه ﻣﺤﺎﻃﺎً ﺑﮫ؟
ﻓﮭﻞ ﺳﯿﻨﺠﻮ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻌﺪوى؟ وﻣﺎذا ﻋﺴﺎه أن ﯾﺨﺘﺎر؟ ﻓﻲ أﯾﺔ ﺑﺤﯿﺮة ﺳﯿﺴﺒﺢ ..ﻣﻊ أي ﺗﯿﺎر وﺿﺪ أي ﺗﯿﺎر ..وﻻ ﺣﯿﺎة ﻟﻸﺳﻤﺎك اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﻤﻌﺰوﻟﺔ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﯿﺎه اﻟﻌﻜﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻤﮭﺎ أﺳﻤﺎك اﻟﻘﺮش؟ ﻛﺎن اﻟﺠﻮاب أﻣﺎﻣﻲ وﻟﻢ أﻧﺘﺒﮫ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﮭﺮة ،أنّ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻗﺪ اﺧﺘﺎر ﺑﺤﯿﺮﺗﮫ اﻟﻌﻜﺮة واﻧﺘﮭﻰ اﻷﻣﺮ. ﻗﺎل ﺟﺎري اﻷﻧﯿﻖ ﺧﻠﻒ ﺳﯿﺠﺎره اﻟﻜﻮﺑﻲ: ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ داﺋﻤﺎً ﻣﻌﺠﺒﺎً ﺑﺮﺳﻮﻣﻚ ..وﻃﻠﺒﺖ أن ﯾﺘﺼﻠﻮا ﺑﻚ ﻟﺘﺴﺎھﻢ ﻓﻲ ﺑﻌﺾﻣﺸﺎرﯾﻌﻨﺎ ..وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻻ أذﻛﺮ أﻧﻨﻲ ﺷﺎھﺪت ﻟﻚ أي ﻟﻮﺣﺎت ﻋﻨﺪﻧﺎ. ﻟﻢ أﻛﻦ أدري آﻧﺬاك ﻣﻦ ھﻮ ﻣﺤﺪﺛﻲ ..وﻻ ﻋﻦ أﯾﺔ ﻣﺸﺎرﯾﻊ ﻛﺎن ﯾﺤﺪﺛﻨﻲ .وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﯾﻜﻔﻲ أن ﯾﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺼﯿﻐﺔ اﻟﺠﻤﻊ ،ﻷﻓﮭﻢ أﻧﮫ ﺷﺨﺼﯿﺔ ﻓﻮق اﻟﻌﺎدة. وﻛﺄن ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﺗﻨﺒّﮫ إﻟﻰ أﻧﻨﻲ أﺟﮭﻞ ھﻮﯾﺔ ﻣﺤﺪّﺛﻲ ﻓﺘﺪﺧﻞ ﻣﻮﺿﺤﺎً: إن )ﺳﻲ (..ﻣﻮﻟﻊ ﺑﺎﻟﻔﻦ ،وھﻮ ﻣﺸﺮف ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎرﯾﻊ ﻛﺒﺮى ﺳﺘﻐﯿّﺮ اﻟﻮﺟﮫ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲﻟﻠﺠﺰاﺋﺮ. ﺛﻢ أﺿﺎف وﻛﺄﻧﮫ ﺗﻨﺒّﮫ إﻟﻰ ﺷﻲء: - ..وﻟﻜﻨﻚ ﻟﻢ ﺗﺰر اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ..ﺻﺤﯿﺢ أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺮَ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮﻛّﺒﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ واﻟﺘﺠﺎرﯾﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ..ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﺘﻌﺮف ﻋﻠﯿﮭﺎ.. وﻟﻢ أﺟﺒﮫ.. ﻛﻨﺖ أراه ﯾﺘﺪﺣﺮج أﻣﺎﻣﻲ ﻣﻦ ﺳﻠّﻢ اﻟﻘﯿﻢ ،ﻏﺒﺎءً أو ﺗﻮاﻃﺆاً ﻻ أدري .ﻓﺎﺣﺘﻔﻈﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﻤﺎ ﺳﻤﻌﺘﮫ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ" ..اﻟﻤﻨﺸﺂت" وﻛﻞ ﻣﺎ ﺟﺎورھﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻟﻢ وﻃﻨﯿﺔ ﺑُﻨﯿﺖ ﺣﺠﺮاً ﺣﺠﺮاً ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻮﻻت واﻟﺼﻔﻘﺎت ،وﺗﻨﺎوب ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺴﺮّاق ﻛﺒﺎراً وﺻﻐﺎراً ..ﻋﻠﻰ ﻣﺮأى ﻣﻦ اﻟﺸﮭﺪاء اﻟﺬﯾﻦ ﺷﺎء ﻟﮭﻢ ﺣﻈﮭﻢ أن ﯾﻜﻮن ﻣﻘﺎﻣﮭﻢ ﻣﻘﺎﺑﻼً ..ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺨﯿﺎﻧﺔ. ھﺎ ھﻮ إذن )ﺳﻲ (...ﯾﺒﺪو ﻃﯿﺒﺎً و رﺟﻼً ﺷﺒﮫ ﺑﺴﯿﻂ ،ﻟﻮﻻ ﺑﺪﻟﺘﮫ اﻷﻧﯿﻘﺔ ﺟﺪاً ..وﺣﺪﯾﺜﮫ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﻣﺸﺎرﯾﻌﮫ اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ واﻟﺒﻌﯿﺪة ،اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺮ ﺟﻤﯿﻌﮭﺎ ﺑﺒﺎرﯾﺲ وﺑﺄﺳﻤﺎء أﺟﻨﺒﯿﺔ ﻣﺸﺒﻮھﺔ ،ﺗﺒﺪو ﻣﺨﺠﻠﺔ ﻓﻲ ﻓﻢ ﺿﺎﺑﻂ ﺳﺎﺑﻖ.
ھﺎ ھﻮ إذن ..ﺗﺮاه ﻇﺎھﺮة ﺛﻘﺎﻓﯿﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻌﺴﻜﺮ ..أم ﻇﺎھﺮة ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ.. أم أن "اﻟﺰواج اﻟﻤﻨﺎﻓﻲ ﻟﻠﻄﺒﯿﻌﺔ" أﺻﺒﺢ رﻣﺰاً ﻃﺒﯿﻌﯿﺎً ﻣﺬ ﺷﺎع وﺑﺎؤه "رﺳﻤﯿﺎً" ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﯿﺎدة أرﻛﺎن ﻋﺮﺑﯿﺔ! ﻛﺎن اﻟﺠﻤﯿﻊ ﯾﺘﻤﻠﻘﻮﻧﮫ ،وﯾﺠﺎﻣﻠﻮﻧﮫ ،ﻋﺴﺎھﻢ ﯾﻠﺤﺴﻮن ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻌﺴﻞ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺘﺪﻓﻖ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ﻧﮭﺮاً ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺼﻌﺒﺔ ،ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﻘﺤﻂ واﻟﺠﻔﺎف.. وﻛﻨﺖ أﺗﺴﺎءل ﻃﻮال ﺗﻠﻚ اﻟﺴﮭﺮة ،ﻣﺎذا ﻛﻨﺖ أﻓﻌﻞ وﺳﻂ ذﻟﻚ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻌﺠﯿﺐ؟ ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ أن ﺗﻜﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻋﻮة ،أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻣﻮﻋﺪاً ﻧﺎدراً ﻟﻲ ﻣﻊ اﻟﻮﻃﻦ ،أﺳﺘﻌﯿﺪ ﻓﯿﮫ ﻣﻊ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ذﻛﺮﯾﺎﺗﻨﺎ اﻟﺒﻌﯿﺪة. وﻟﻜﻦ اﻟﻮﻃﻦ ﻛﺎن ﻏﺎﺋﺒﺎً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﮭﺮة .ﻧﺎب ﻋﻨﮫ ﺟﺮﺣﮫ ،ووﺟﮭﮫ اﻟﺠﺪﯾﺪ اﻟﻤﺸﻮه. ﻛﺎﻧﺖ ﺳﮭﺮة ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ..ﻧﺘﺤﺪث ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ..ﻋﻦ ﻣﺸﺎرﯾﻊ ﺳﯿﺘﻢ ﻣﻌﻈﻤﮭﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ ﺟﮭﺎت أﺟﻨﺒﯿﺔ ..ﺑﺘﻤﻮﯾﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ..ﻓﮭﻞ ﺣﺼﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻘﻼﻟﻨﺎ ﺣﻘﺎً؟! اﻧﺘﮭﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﮭﺮة ﻓﻲ ﺣﺪود ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﯿﻞ .ﻓﻘﻂ ﻛﺎن )ﺳﻲ (...ﻣﺘﻌﺒﺎً وﻟﮫ ارﺗﺒﺎﻃﺎت وﻣﻮاﻋﯿﺪ ﺻﺒﺎﺣﯿﺔ ..ورﺑﻤﺎ ﻟﯿﻠﯿﺔ أﯾﻀﺎً. إن اﻟﻤﺎل اﻟﺴﺮﯾﻊ اﻟﻜﺴﺐ ،ﯾﻌﺠّﻞ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ ﺷﮭﯿﺘﻨﺎ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻠﺬّات. وﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أﻛﻮن ﺳﻌﯿﺪاً ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎء .ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﺤﻂّ اھﺘﻤﺎم اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻷﺳﺒﺎب ﻟﻢ أﺷﺄ اﻟﺘﻌﻤﻖ ﻓﯿﮭﺎ.. ﺑﻞ رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ اﻟﻨﺠﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﮭﺮة ﻣﻊ )ﺳﻲ (...اﻟﺬي ﻓﮭﻤﺖ أن اﻟﺪﻋﻮة ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﮫ ،وأﻧﻨﻲ دﻋﯿﺖ ﻟﮭﺎ ،ﻷﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﺤﺐ أن ﯾﻜﻮن ﻣﺤﺎﻃﺎً ﻓﻲ ﺳﮭﺮاﺗﮫ ﺑﺎﻟﻔﻨﺎﻧﯿﻦ دﻟﯿﻼً ﻋﻠﻰ وﻟﻌﮫ ﺑﺎﻹﺑﺪاع ..وذوﻗﮫ ﻏﯿﺮ اﻟﻌﺴﻜﺮي! واﻟﻮاﻗﻊ أﻧﮫ ﻛﺎن ﻟﻄﯿﻔﺎً وﻣﺠﺎﻣﻼً ..وأﻧﮫ ﺣﺪﺛﻨﻲ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻋﻦ آراﺋﮫ اﻟﻔﻨﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﺣﺒﮫ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﺮﺳﺎﻣﯿﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﯿﻦ ﺑﺎﻟﺬات .ﺑﻞ وﻗﺎل ﻣﺎزﺣﺎً ،إﻧﮫ ﯾﺤﺴﺪ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ،وأﻧﻨﻲ إذا ﻛﻨﺖ آﺧﺬ ﻣﻌﻲ ﻟﻮﺣﺔ ﺣﯿﺚ أذھﺐ ،ﻓﺴﯿﺪﻋﻮﻧﻲ إﻟﻰ ﺑﯿﺘﮫ ﻋﻨﺪ زﯾﺎرﺗﻲ ﻟﻠﺠﺰاﺋﺮ.. ﺿﺤﻜﺖ ﻣﻦ ﻣﺰاﺣﮫ.
وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺣﺰﯾﻨﺎً ﺑﻤﺎ ﻓﯿﮫ اﻟﻜﻔﺎﯾﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻷﻛﻮن ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺒﻜﺎء ،وأﻧﺎ أﻧﻔﺮد ﺑﻨﻔﺴﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎء ﻓﻲ ﺳﺮﯾﺮي ،وأﺗﺴﺎءل أي ﺣﻤﺎﻗﺔ أوﺻﻠﺘﻨﻲ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ؟ ﺑﯿﺖ ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻌﮫ ﺑﯿﺘﻚ ،وإذا ﺑﻲ أدﺧﻠﮫ وأﻏﺎدره دون أن أﻟﻤﺢ ﺣﺘﻰ ﻃﺮف ﺛﻮﺑﻚ، وھﻮ ﯾﻌﺒﺮ ذﻟﻚ اﻟﻤﻤﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻔﺼﻠﻨﻲ ..ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻤﻚ. ﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﯿﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،دقّ اﻟﮭﺎﺗﻒ .ﺗﻮﻗﻌﺘﻚ أﻧﺖ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ..ﻗﺎﻟﺖ: ﻗﺒﻼت ﺻﺒﺎﺣﯿﺔ ..وأﺟﻤﻞ اﻷﻣﺎﻧﻲ ﻟﻚ..وﻗﺒﻞ أن أﺳﺄل ﻋﻦ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ أﺿﺎﻓﺖ: - ..اﻟﯿﻮم ﻋﯿﺪ )اﻟﺴﺎن ﻓﺎﻟﻨﺘﺎن( اﻟﻘﺪﯾﺲ اﻟﺬي ﯾﺒﺎرك اﻟﻌﺸﺎق. ﻓﻜّﺮت أن أﻃﻠﺒﻚ ﺑﺪل أن أﺑﻌﺚ إﻟﯿﻚ ﺑﻄﺎﻗﺔ ..ﻣﺎذا ﺗﺮﯾﺪ أن أﺗﻤﻨﻰ ﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﯿﺪ اﻟﺤﺐ؟ وأﻣﺎم دھﺸﺘﻲ ..أو ﺗﺮدّدي أﺿﺎﻓﺖ ﺑﻠﮭﺠﺔ ﺳﺎﺧﺮة أﺣﺒﮭﺎ: اﻃﻠﺐ أﯾﮭﺎ اﻷﺣﻤﻖ ..ﻓﺎﻟﺪﻋﻮات ﺗﺴﺘﺠﺎب اﻟﯿﻮم!ﺿﺤﻜﺖ.. ﻛﺪت أﻗﻮل ﻟﮭﺎ أﻃﻠﺐ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﻨﺴﯿﺎن ﻓﻘﻂ .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻗﻠﺖ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺸﺎﺑﮭﺎً ﻟﺬﻟﻚ: أرﯾﺪ أن أﺣﺎل إﻟﻰ اﻟﺘﻘﺎﻋﺪ اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ ..أﯾﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺒﻠّﻐﻲ ﻗﺪﯾﺴﻚ ﻃﻠﺒﻲ ھﺬا!ﻗﺎﻟﺖ: ﺑﺎ ﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﺠﻨﻮن ..أﺗﻤﻨﻰ أﻻ ﯾﺴﻤﻌﻚ ﻓﯿﺤﺮﻣﻚ ﻣﻦ ﺑﺮﻛﺎﺗﮫ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ..ھﻞ أﺗﻌﺒﻚﻣﻮﻋﺪﻧﺎ اﻷﺧﯿﺮ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ؟ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺿﺤﻜﺖ ﻣﻊ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ .ﺛﻢ وﺿﻌﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻤﺎﻋﺔ ﻷﺑﻜﻲ ﻣﻌﻚ. ﻛﻨﺖ أﻛﺘﺸﻒ ﻷول ﻣﺮة أﻟﻢ ذﻟﻚ اﻟﻌﯿﺪ اﻟﺬي ﻟﻢ أﻛﻦ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. ﻟﻢ ﯾﺄت ھﺎﺗﻔﻚ ﺣﺘﻰ ﻟﯿﺸﻜﺮﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ،أو ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﯾﺎرة ،وذﻟﻚ اﻟﻤﻮﻋﺪ اﻟﻤﺘﻌﻤﺪ اﻟﺬي ﺣﻀﺮﺗﮫ وﺗﻐﯿّﺒﺖ ﻋﻨﮫ.
ﺟﺎء ﻋﯿﺪ اﻟﺤﺐ إذن.. ﻓﯿﺎ ﻋﯿﺪي وﻓﺠﯿﻌﺘﻲ ،وﺣﺒﻲ وﻛﺮاھﯿﺘﻲ ،وﻧﺴﯿﺎﻧﻲ وذاﻛﺮﺗﻲ ،ﻛﻞّ ﻋﯿﺪ وأﻧﺖ ﻛﻞّ ھﺬا.. ﻟﻠﺤﺐ ﻋﯿﺪ إذن ..ﯾﺤﺘﻔﻞ ﺑﮫ اﻟﻤﺤﺒّﻮن واﻟﻌﺸّﺎق ،وﯾﺘﺒﺎدﻟﻮن ﻓﯿﮫ اﻟﺒﻄﺎﻗﺎت واﻷﺷﻮاق، ﻓﺄﯾﻦ ﻋﯿﺪ اﻟﻨﺴﯿﺎن ﺳﯿّﺪﺗﻲ؟ ھﻢ اﻟﺬﯾﻦ أﻋﺪّوا ﻟﻨﺎ ﻣﺴﺒﻘﺎً ﺗﻘﻮﯾﻤﺎً ﺑﺄﻋﯿﺎد اﻟﺴﻨﺔ ،ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﯾﺤﺘﻔﻞ ﻛﻞّ ﯾﻮم ﺑﻘﺪﯾﺲ ﺟﺪﯾﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﺴﻨﺔ ..أﻟﯿﺲ ﺑﯿﻦ ﻗﺪّﯾﺴﯿﮭﻢ اﻟﺜﻼﺛﻤﺎﺋﺔ واﻟﺨﻤﺴﺔ واﻟﺴﺘﯿﻦ ..ﻗﺪﯾﺲ واﺣﺪ ﯾﺼﻠﺢ ﻟﻠﻨﺴﯿﺎن؟ ﻣﺎدام اﻟﻔﺮاق ھﻮ اﻟﻮﺟﮫ اﻵﺧﺮ ﻟﻠﺤﺐ ،واﻟﺨﯿﺒﺔ ھﻲ اﻟﻮﺟﮫ اﻵﺧﺮ ﻟﻠﻌﺸﻖ ،ﻟﻤﺎذا ﻻ ﯾﻜﻮن ھﻨﺎك ﻋﯿﺪ ﻟﻠﻨﺴﯿﺎن ﯾﻀﺮب ﻓﯿﮫ ﺳُﻌﺎة اﻟﺒﺮﯾﺪ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،وﺗﺘﻮﻗﻒ ﻓﯿﮫ اﻟﺨﻄﻮط اﻟﮭﺎﺗﻔﯿﺔ ،وﺗُﻤﻨﻊ ﻓﯿﮫ اﻹذاﻋﺎت ﻣﻦ ﺑﺚّ اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﻌﺎﻃﻔﯿﺔ ..وﻧﻜﻒّ ﻓﯿﮫ ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﺐ! ﻣﻨﺬ ﻗﺮﻧﯿﻦ ﻛﺘﺐ "ﻓﯿﻜﺘﻮر ھﻮﻏﻮ" ﻟﺤﺒﯿﺒﺘﮫ ﺟﻮﻟﯿﺎت دروي ﯾﻘﻮل" :ﻛﻢ ھﻮ اﻟﺤﺐ ﻋﻘﯿﻢ ،إﻧﮫ ﻻ ﯾﻜﻒ ﻋﻦ ﺗﻜﺮار ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة "أﺣﺒﻚ" وﻛﻢ ھﻮ ﺧﺼﺐ ﻻ ﯾﻨﻀﺐ :ھﻨﺎﻟﻚ أﻟﻒ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﯾﻤﻜﻨﮫ أن ﯾﻘﻮل ﺑﮭﺎ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ".. دﻋﯿﻨﻲ أدھﺸﻚ ﻓﻲ ﻋﯿﺪ اﻟﺤﺐ ..وأﺟﺮّب ﻣﻌﻚ أﻟﻒ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻟﻘﻮل اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺐ.. دﻋﯿﻨﻲ أﺳﻠﻚ إﻟﯿﻚ اﻟﻄﺮق اﻟﻤﺘﺸﻌّﺒﺔ اﻷﻟﻒ ،وأﻋﺸﻘﻚ ﺑﺎﻟﻌﻮاﻃﻒ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ اﻷﻟﻒ، وأﻧﺴﺎك وأذﻛﺮك ،ﺑﺘﻄﺮّف اﻟﻨﺴﯿﺎن واﻟﺬاﻛﺮة. وأﺧﻀﻊ ﻟﻚ وأﺗﺒﺮأ ﻣﻨﻚ ،ﺑﺘﻄﺮّف اﻟﺤﺮﯾﺔ واﻟﻌﺒﻮدﯾﺔ ..ﺑﺘﻨﺎﻗﺾ اﻟﻌﺸﻖ واﻟﻜﺮاھﯿﺔ. دﻋﯿﻨﻲ ﻓﻲ ﻋﯿﺪ اﻟﺤﺐ ..أﻛﺮھﻚ ..ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺤﺐّ. ﺗﺮاﻧﻲ ﺑﺪأت أﻛﺮھﻚ ﯾﻮﻣﮭﺎ؟ وﻣﺘﻰ وﻟﺪت داﺧﻠﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ ،وراﺣﺖ ﺗﻨﻤﻮ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﺪھﺸﺔ ،وأﺻﺒﺤﺖ ﺗﺠﺎور اﻟﺤﺐ ﺑﻌﻨﻔﮫ؟ ﺗﺮى إﺛﺮ ﺧﯿﺒﺎﺗﻲ اﻟﻤﺘﻜﺮرة ﻣﻌﻚ ،ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﻋﯿﺎد اﻟﺘﻲ أﺧﻠﻔﺘﮭﺎ ﻣﺮوراً ﺑﺬﻛﺮى ﻟﻘﺎﺋﻨﺎ ،أم ﺑﺴﺒﺐ ذﻟﻚ اﻟﺘﻮﺗﺮ اﻟﻐﺎﻣﺾ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺴﻜﻨﻨﻲ ،ذﻟﻚ اﻟﺠﻮع اﻟﺪاﺋﻢ إﻟﯿﻚ،
اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺠﻌﻠﻨﻲ ﻻ أﺷﺘﮭﻲ اﻣﺮأة ﺳﻮاك. ﻛﻨﺖ أرﯾﺪك أﻧﺖ ﻻ ﻏﯿﺮ ،وﻋﺒﺜﺎً ﻛﻨﺖ أﺗﺤﺎﯾﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪي .ﻋﺒﺜﺎً ﻛﻨﺖ أﻗﺪّم ﻟﮫ اﻣﺮأة أﺧﺮى ﻏﯿﺮك .ﻛﻨﺖِ ﺷﮭﻮﺗﮫ اﻟﻔﺮﯾﺪة ..وﻣﻄﻠﺒﮫ اﻟﻮﺣﯿﺪ. اﻷﻛﺜﺮ إﯾﻼﻣﺎً رﺑﻤﺎ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺣﺐّ أﻣﺮر ﯾﺪي ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺮ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ .وإذا ﺑﯿﺪي ﺗﺼﻄﺪم ﺑﺸﻌﯿﺮاﺗﮭﺎ اﻟﻘﺼﯿﺮة اﻟﺸﻘﺮاء ،ﻓﺄﻓﻘﺪ ﻓﺠﺄة ﺷﮭﯿّﺔ ﺣﺒّﻲ وأﻧﺎ أﺗﺬﻛﺮ ﺷﻌﺮك اﻟﻐﺠﺮي اﻟﻄﻮﯾﻞ اﻟﺤﺎﻟﻚ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻔﺮش ﺑﻤﻔﺮده ﺳﺮﯾﺮي. ﻛﺎن ﻧﺤﻮﻟﮭﺎ ﯾﺬﻛّﺮﻧﻲ ﺑﺎﻣﺘﻼﺋﻚ ،وﺧﻄﻮط ﺟﺴﺪھﺎ اﻟﻤﺴﺘﻘﯿﻤﺔ اﻟﻤﺴﻄّﺤﺔ ﺗﺬﻛﺮﻧﻲ ﺑﺘﻌﺎرﯾﺠﻚ وﺗﻀﺎرﯾﺲ ﺟﺴﺪك. وﻛﺎن ﻋﻄﺮك ﯾﺄﺗﻲ ﺑﻐﯿﺎﺑﮫ ﺣﺘﻰ ﺣﻮاﺳﻲ ﻟﯿﻠﻐﻲ ﻋﻄﺮھﺎ ،وﯾﺬﻛّﺮﻧﻲ ﻛﻄﻔﻞٍ ﯾﺘﺼﺮف ﺑﺤﻮاﺳﮫ اﻷوﻟﻰ ،أن ذﻟﻚ اﻟﻌﻄﺮ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﻌﻄﺮ اﻟﺴﺮي ﻷﻣﻲ! ﻛﻨﺖ ﺗﺘﺴﻠﻠﯿﻦ إﻟﻰ ﺟﺴﺪي ﻛﻞّ ﺻﺒﺎح وﺗﻄﺮدﯾﻨﮭﺎ ﻣﻦ ﺳﺮﯾﺮي. ﯾﻮﻗﻈﻨﻲ أﻟﻤﻚ اﻟﺴﺮي ،وﺷﮭﻮﺗﻚ اﻟﻤﺘﺮاﻛﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺴﺪ ﻗﻨﺒﻠﺔ ﻣﻮﻗﻮﺗﺔ ،ورﻏﺒﺔ ﻟﯿﻠﯿﺔ ﻣﺆﺟّﻠﺔ ﯾﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪ آﺧﺮ. ھﻞ ﺗﺴﺘﯿﻘﻆ اﻟﺮﺟﻮﻟﺔ ﺑﺎﻛﺮاً ﺣﻘﺎً ،أم اﻟﺸﻮق ھﻮ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻨﺎم؟ أﺟﯿﺒﯿﻨﻲ أﯾﺘﮭﺎ اﻷﻧﺜﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎم ﻣﻞء ﺟﻔﻮﻧﮭﺎ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ.. أَوَﺣﺪھﻢ اﻟﺮﺟﺎل ﻻ ﯾﻨﺎﻣﻮن؟ وﻟﻤﺎذا ﯾﺮﺗﺒﻚ اﻟﺠﺴﺪ ،وأﻛﺎد أﺟﮭﺶ ﻋﻠﻰ ﺻﺪر ﻏﯿﺮك ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء ،أﻛﺎد أﻋﺘﺮف ﻟﮭﺎ أﻧﻨﻲ ﻋﺎﺷﻖ اﻣﺮأة أﺧﺮى ،وأﻧﻨﻲ ﻋﺎﺟﺰ أﻣﺎﻣﮭﺎ ﻷن رﺟﻮﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻣﻠﻜﻲ ،وإﻧﻤﺎ ﺗﺘﻠﻘﻰ أواﻣﺮھﺎ ﻣﻨﻚ ﻓﻘﻂ! ﻣﺘﻰ ﺑﺪأت أﻛﺮھﻚ! ﺗﺮى ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﻟﺒﺴﺖ ﻓﯿﮫ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ﺛﯿﺎﺑﮭﺎ ،ﻣﺪّﻋﯿﺔ ﺑﻤﺠﺎﻣﻠﺔ ﻛﺎذﺑﺔ ﻣﻮﻋﺪاً ﻣﺎ ﻟﺘﺘﺮﻛﻨﻲ وﺣﺪي ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺴﺮﯾﺮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺸﺒﻊ ﻧﮭﻤﮭﺎ. ﯾﻮم اﻛﺘﺸﻔﺖ وأﻧﺎ أذرف دﻣﻌﺔ رﺟﺎﻟﯿﺔ ﻣﻜﺎﺑﺮة :أﻧﮫ ﯾﺤﺪث ﻟﻠﺮﺟﻮﻟﺔ أﯾﻀﺎً أن ﺗﻨﻜّﺲ أﻋﻼﻣﮭﺎ ،وﺗﺮﻓﺾ ﺣﺘﻰ ﻟﻌﺒﺔ اﻟﻤﺠﺎﻣﻠﺔ ..أو ﻣﻨﻄﻖ اﻟﻜﺒﺮﯾﺎء اﻟﺮﺟﺎﻟﻲ ..وأﻧﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻟﺴﻨﺎ أﺳﯿﺎد أﺟﺴﺎدﻧﺎ ﻛﻤﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ.
ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ اﻟﻤﺮة ،إن ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻘﺪﯾﺲ )اﻟﺴﺎن ﻓﺎﻟﻨﺘﺎن( ﻗﺪ اﺳﺘﺠﺎب ﻟﺪﻋﻮﺗﻲ ﺑﮭﺬه اﻟﺴﺮﻋﺔ ..وﺣﻮّﻟﻨﻲ ﺣﻘﺎً إﻟﻰ ﻋﺎﺷﻖ ﻣﺘﻘﺎﻋﺪ! أذﻛﺮ أﻧﻨﻲ ﻟﻌﻨﺘﻚ ..وﺣﻘﺪت ﻋﻠﯿﻚ آﻧﺬاك ،وﺷﻌﺮت ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻤﺮارة اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﻠﺒﻜﺎء ..أﻧﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ أﺑﻚ ﺣﺘﻰ ﯾﻮم ﺑﺘﺮت ذراﻋﻲ ،ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أﺑﻜﻲ ﯾﻮﻣﮭﺎ وأﻧﺖ ﺗﺴﺮﻗﯿﻦ ﻣﻨّﻲ آﺧﺮ ﻣﺎ أﻣﻠﻚ. ﺗﺴﺮﻗﯿﻦ رﺟﻮﻟﺘﻲ! ذات ﯾﻮم ﺳﺄﻟﺘﻚ "ھﻞ ﺗﺤﺒﯿﻨﻨﻲ؟..". ﻗﻠﺖِ: ﻻ أدري ..ﺣﺒﻚ ﯾﺰﯾﺪ وﯾﻨﻘﺺ ﻛﺎﻹﯾﻤﺎن!ﯾﻤﻜﻦ أن أﻗﻮل اﻟﯿﻮم ،إن ﺣﻘﺪي ﻋﻠﯿﻚ ﻛﺎن ﯾﺰﯾﺪ وﯾﻨﻘﺺ أﯾﻀﺎً ﻛﺈﯾﻤﺎﻧﻚ.. ﯾﻮﻣﮭﺎ أﺿﻔﺖ ﺑﺴﺬاﺟﺔ ﻋﺎﺷﻖ: وھﻞ أﻧﺖِ ﻣﺆﻣﻨﺔ؟ﺻﺤﺖِ: ﻃﺒﻌﺎً ..أﻧﺎ أﻣﺎرس ﻛﻞ ﺷﻌﺎﺋﺮ اﻹﺳﻼم ..وﻓﺮاﺋﻀﮫوھﻞ ﺗﺼﻮﻣﯿﻦ؟ﻃﺒﻌﺎً أﺻﻮم ..إﻧﮭﺎ ﻃﺮﯾﻘﺘﻲ ﻓﻲ ﺗﺤﺪّي ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ..ﻓﻲ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ اﻟﻮﻃﻦ..وﻣﻊ اﻟﺬاﻛﺮة. ﺗﻌﺠّﺒﺖ ﻟﻜﻼﻣﻚ .ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﻮﻗّﻌﻚ ھﻜﺬا .ﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﻈﮭﺮك ﺷﻲء ﻣﺎ ﯾﻮھﻢ ﺑﺘﺤﺮرك ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﺮواﺳﺐ. ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺑﺪﯾﺖ ﻟﻚ دھﺸﺘﻲ ﻗﻠﺖِ: -ﻛﯿﻒ ﺗﺴﻤّﻲ اﻟﺪﯾﻦ رواﺳﺐ ،إﻧﮫ ﻗﻨﺎﻋﺔ؛ وھﻮ ﻛﻜﻞ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻨﺎ ﻗﻀﯿﺔ ﻻ ﺗﺨﺺّ ﺳﻮاﻧﺎ..
ﻻ ﺗﺼﺪق اﻟﻤﻈﺎھﺮ أﺑﺪاً ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻘﻀﺎﯾﺎ .اﻹﯾﻤﺎن ﻛﺎﻟﺤﺐ ﻋﺎﻃﻔﺔ ﺳﺮﯾﺔ ﻧﻌﯿﺸﮭﺎ وﺣﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﻠﻮﺗﻨﺎ اﻟﺪاﺋﻤﺔ إﻟﻰ أﻧﻔﺴﻨﺎ .إﻧﮭﺎ ﻃﻤﺄﻧﯿﻨﺘﻨﺎ اﻟﺴﺮﯾﺔ ،درﻋﻨﺎ اﻟﺴﺮﯾﺔ.. وھﺮوﺑﻨﺎ اﻟﺴﺮي إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻖ ﻟﺘﺠﺪﯾﺪ ﺑﻄﺮﯾﺎﺗﻨﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ. أﻣﺎ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺒﺪو ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻓﺎﺋﺾ ﻣﻦ اﻹﯾﻤﺎن ،ﻓﮭﻢ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﯾﻜﻮﻧﻮن ﻗﺪ أﻓﺮﻏﻮا أﻧﻔﺴﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﻟﯿﻌﺮﺿﻮا ﻛﻞ إﯾﻤﺎﻧﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﻮاﺟﮭﺔ ،ﻷﺳﺒﺎب ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﷲ! ﻣﺎ ﻛﺎن أﺟﻤﻞ ﻛﻼﻣﻚ ﯾﻮﻣﮭﺎ! ﻛﺎن ﯾﺄﺗﻲ ﻟﯿﻘﻠﺐ ﺛﻨﺎﯾﺎ اﻟﺬاﻛﺮة ،وﯾﻮﻗﻆ داﺧﻠﻲ ﺻﻮت اﻟﻤﺂذن ﻓﻲ ﺻﺒﺎﺣﺎت ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ. ﻛﺎن ﯾﺄﺗﻲ ﻣﻊ اﻟﺼﻠﻮات ،ﻣﻊ اﻟﺘﺮاﺗﯿﻞ ،ﻣﻊ ﺻﻮت )اﻟﻤﺆدّب( ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺗﯿﺐ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ .ﻓﺄﻋﻮد إﻟﻰ اﻟﺤﺼﯿﺮ ﻧﻔﺴﮫ أﺟﻠﺲ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺎﻻرﺗﺒﺎك اﻟﻄﻔﻮﻟﻲ ﻧﻔﺴﮫ ،أردّد ﻣﻊ أوﻻد آﺧﺮﯾﻦ ﺗﻠﻚ اﻵﯾﺎت اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﻔﮭﻤﮭﺎ ﺑﻌﺪ ،وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻛﻨّﺎ ﻧﻨﺴﺨﮭﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻠﻮح وﻧﺤﻔﻈﮭﺎ ﻛﯿﻒ ﻣﺎ ﻛﺎن ،ﺧﻮﻓﺎً ﻣﻦ "اﻟﻔﺎﻻﻗﺔ" .وﺗﻠﻚ اﻟﻌﺼﺎ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺮﺑﺺ ﺑﺄﻗﺪاﻣﻨﺎ ﻟﺘﺪﻣﯿﮭﺎ ﻋﻨﺪ أول ﻏﻠﻄﺔ. ﻛﺎن ﯾﺄﺗﻲ ﻟﯿﺼﺎﻟﺤﻨﻲ ﻣﻊ اﷲ ،أﻧﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ أﺻﻢ ﻣﻦ ﺳﻨﯿﻦ. ﻛﺎن ﯾﺼﺎﻟﺤﻨﻲ ﻣﻊ اﻟﻮﻃﻦ ،وﯾﺤﺮّﺿﻨﻲ ﺿﺪ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺮق ﻣﻨّﻲ ﻛﻞّ ﯾﻮم ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻣﻦ اﻹﯾﻤﺎن ..وﻣﻦ اﻟﺬاﻛﺮة. ﻛﻨﺖِ ﯾﻮﻣﮭﺎ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ أﯾﻘﻈﺖ ﻣﻼﺋﻜﺘﻲ وﺷﯿﺎﻃﯿﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ. ﺛﻢ راﺣﺖ ﺗﺘﻔﺮج ﻋﻠﻲّ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺣﻮّﻟﺘﻨﻲ إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ ﯾﺘﺼﺎرع اﻟﺨﯿﺮ واﻟﺸﺮ ﻓﯿﮭﺎ ..دون رﺣﻤﺔ! *** ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎم ..ﻛﺎن اﻟﻨﺼﺮ ﻟﻠﻤﻼﺋﻜﺔ. ﻗﺮرت أن أﺻﻮم وﻗﺘﮭﺎ رﺑﻤﺎ ﺑﺘﺄﺛﯿﺮ ﻛﻼﻣﻚ ،ورﺑﻤﺎ أﯾﻀﺎ ﻟﻠﮭﺮوب ﻣﻨﻚ إﻟﻰ اﷲ .أﻣﺎ ﻗﻠﺖ "اﻟﻌﺒﺎدة درﻋﻨﺎ اﻟﺴﺮﯾﺔ". ﻗﻠﺖ ﺳﺄﺣﺘﻤﻲ ﻣﻦ ﺳﮭﺎﻣﻚ ﺑﺎﻹﯾﻤﺎن إذن..
رﺣﺖ أﺣﺎول أن أﻧﺴﺎك وأﻧﺴﻰ ﻗﻄﯿﻌﺘﻚ ..وأﻧﺴﻰ ﺣﺘﻰ وﺟﻮدك ﻣﻌﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ. ﻛﻢ ﻣﻦ اﻷﯾﺎم ﻗﻀﯿﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﯿﺒﻮﺑﺔ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ .ﺑﯿﻦ اﻟﺮھﺒﺔ واﻟﺬھﻮل ..أﺣﺎول ﺑﺘﺮوﯾﺾ ﺟﺴﺪي ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻮع أن أروّﺿﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﻣﺎن ﻣﻨﻚ أﯾﻀﺎً. ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﺳﺘﻌﯿﺪ ﺳﻠﻄﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﻮاﺳﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻠﻠﺖ إﻟﯿﮭﺎ ،وأﺻﺒﺤﺖ ﺗﺘﻠﻘﻲ أواﻣﺮھﺎ ﻣﻨﻚ وﺣﺪك. ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﻋﯿﺪ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻮﻣﺎً أﻧﺎ ،ﻣﻜﺎﻧﺘﮫ اﻷوﻟﻰ ﻗﺒﻠﻚ .ھﯿﺒﺘﮫ.. ﺣﺮﻣﺘﮫ ..ﻣﺒﺎدﺋﮫ ..وﻗﯿﻤﮫ اﻟﺘﻲ أﻋﻠﻨﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺤﺮب. أﻋﺘﺮف أﻧﻨﻲ ﻧﺠﺤﺖ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﻧﺴﯿﺎﻧﻚ أﺑﺪاً. ﻛﻨﺖ أﻗﻊ ﻓﻲ ﻓﺦّ آﺧﺮ ﻟﺤﺒﻚ .وأﻧﺎ أﻛﺘﺸﻒ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ أﻋﯿﺶ ﺑﺘﻮﻗﯿﺘﻚ ﻻ ﻏﯿﺮ. ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ إﻟﻰ ﻃﺎوﻟﺔ اﻹﻓﻄﺎر ﻣﻌﻚ .وأﺻﻮم وأﻓﻄﺮ ﻣﻌﻚ. أﺗﺴﺤّﺮ وأﻣﺴﻚ ﻋﻦ اﻷﻛﻞ ﻣﻌﻚ ،أﺗﻨﺎول ﻧﻔﺲ أﻃﺒﺎﻗﻚ اﻟﺮﻣﻀﺎﻧﯿﺔ ،وأﺗﺴﺤّﺮ ﺑﻚ ..ﻻ ﻏﯿﺮ. ﻟﻢ أﻛﻦ أﻓﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﺳﻮى اﻟﺘﻮﺣّﺪ ﻣﻌﻚ ﻓﻲ ﻛﻞّ ﺷﻲ دون ﻋﻠﻤﻲ. ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻛﺎﻟﻮﻃﻦ .ﻛﺎن ﻛﻞّ ﺷﻲء ﯾﺆدي إﻟﯿﻚ إذن.. ﻣﺜﻠﮫ ﻛﺎن ﺣﺒّﻚ ﻣﺘﻮاﺻﻼً ﺣﺘﻰ ﺑﺼﺪّه وﺑﺼﻤﺘﮫ. ﻣﺜﻠﮫ ﻛﺎن ﺣﺒﻚ ﺣﺎﺿﺮاً ﺑﺈﯾﻤﺎﻧﮫ وﺑﻔﻜﺮه. ﻓﮭﻞ اﻟﻌﺒﺎدة ﺗﻮاﺻﻞ أﯾﻀﺎً؟ *** اﻧﺘﮭﻰ رﻣﻀﺎن .وھﺎ أﻧﺎ أﻧﺰل ﻣﻦ ﻃﻮاﺑﻖ ﺳﻤﻮّي اﻟﻌﺎﺑﺮ ،وأﺗﺪﺣﺮج ﻓﺠﺄة ﻧﺤﻮ ﺣﺰﯾﺮان .ذﻟﻚ اﻟﺸﮭﺮ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﻣﻠﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺒﺮر ﻟﻠﺘﺸﺎؤم ﻣﻨﮫ.
ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ ﻣﺎ ﻋﺪا ﺣﺰﯾﺮان ،67ذﻛﺮﯾﺎت ﻣﻮﺟﻌﺔ أﺧﺮى ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﮭﺬا اﻟﺸﮭﺮ ،آﺧﺮھﺎ ﺣﺰﯾﺮان 71اﻟﺬي ﻗﻀﯿﺖ ﺑﻌﻀﮫ ﻓﻲ ﺳﺠﻦ ﻟﻠﺘﺤﻘﯿﻖ واﻟﺘﺄدﯾﺐ، ﯾﺴﺘﻀﺎف ﻓﯿﮫ ﺑﻌﺾ اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﺒﺘﻠﻌﻮا أﻟﺴﻨﺘﮭﻢ ﺑﻌﺪ.. أﻣﺎ أول ذﻛﺮى ﻣﺆﻟﻤﺔ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﮭﺬا اﻟﺸﮭﺮ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﺳﺠﻦ )اﻟﻜﺪﯾﺔ )اﻟﺬي دﺧﻠﺘﮫ ﯾﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﻊ ﻣﺌﺎت اﻟﻤﺴﺎﺟﯿﻦ إﺛﺮ ﻣﻈﺎھﺮات ﻣﺎي 1945ﺣﯿﺚ ﺗﻤّﺖ ﻣﺤﺎﻛﻤﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺔ ﺣﺰﯾﺮان أﻣﺎم ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ. أيّ ﺣﺰﯾﺮان ﻛﺎن اﻷﻛﺜﺮ ﻇﻠﻤﺎً ،وأﯾﺔ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻛﺜﺮ أﻟﻤﺎً؟ أﺻﺒﺤﺖ أﺗﺤﺎﺷﻰ ﻃﺮح ھﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ ،ﻣﻨﺬ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي أوﺻﻠﺘﻨﻲ أﺟﻮﺑﺘﻲ إﻟﻰ ﺟﻤﻊ ﺣﻘﺎﺋﺒﻲ وﻣﻐﺎدرة اﻟﻮﻃﻦ. اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﺳﺠﻨﺎً ﻻ ﻋﻨﻮان ﻣﻌﺮوﻓﺎً ﻟﺰﻧﺰاﻧﺘﮫ؛ ﻻ اﺳﻢ رﺳﻤﯿﺎً ﻟﺴﺠﻨﮫ؛ وﻻ ﺗﮭﻤﺔ واﺿﺤﺔ ﻟﻤﺴﺎﺟﯿﻨﮫ ،واﻟﺬي أﺻﺒﺤﺖ أُﻗﺎد إﻟﯿﮫ ﻓﺠﺮاً ،ﻣﻌﺼﻮب اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ﻣﺤﺎﻃﺎً ﺑﻤﺠﮭﻮﻟﯿﻦ ،ﯾﻘﻮداﻧﻨﻲ إﻟﻰ وﺟﮭﺔ ﻣﺠﮭﻮﻟﺔ أﯾﻀﺎً .ﺷﺮف ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول ﺣﺘﻰ ﻛﺒﺎر اﻟﻤﺠﺮﻣﯿﻦ ﻋﻨﺪﻧﺎ. ھﻞ ﺗﻮﻗﻌﺖ ﯾﻮم ﻛﻨﺖ ﺷﺎﺑﺎً ﺑﺤﻤﺎﺳﮫ وﻋﻨﻔﻮاﻧﮫ وﺗﻄﺮف أﺣﻼﻣﮫ أﻧﮫ ﺳﯿﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪ رﺑﻊ ﻗﺮن ،ﯾﻮم ﻋﺠﯿﺐ ﻛﮭﺬا ،ﯾﺠﺮّدﻧﻲ ﻓﯿﮫ ﺟﺰاﺋﺮي ﻣﺜﻠﻲ ﻣﻦ ﺛﯿﺎﺑﻲ ..وﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺘﻲ وأﺷﯿﺎﺋﻲ ،ﻟﯿﺰجّ ﺑﻲ ﻓﻲ زﻧﺰاﻧﺔ )ﻓﺮدﯾﺔ ھﺬه اﻟﻤﺮة( زﻧﺰاﻧﺔ أدﺧﻠﮭﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺜﻮرة ھﺬه اﻟﻤﺮّة.. اﻟﺜﻮرة اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻖ أن ﺟﺮّدﺗﻨﻲ ﻣﻦ ذراﻋﻲ! أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺒﺐ وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻛﺮى ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﻌﻠﻨﻲ أﺗﻄﯿّﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺸﮭﺮ اﻟﺬي ﻗﻀﻢ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﺳﻌﺎدﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺮّ اﻟﺴﻨﻮات. ﺗﺮاﻧﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎم ﺗﺤﺮّﺷﺖ ﺑﺎﻟﻘﺪر أﻛﺜﺮ ،ﻟﯿﺮدّ ﻋﻠﻰ ﺗﺸﺎؤﻣﻲ ﺑﻜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺠﺎﺋﻊ اﻟﻤﺬھﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻠّﺖ ﺑﻲ ﻓﻲ ﺷﮭﺮ واﺣﺪ؟ أم ﻓﻘﻂ ،ﻛﺎن ذﻟﻚ ھﻮ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻔﺠﺎﺋﻊ واﻟﻜﻮارث اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﺳﻮى دﻓﻌﺔ واﺣﺪة "ﻛﻲ ﺗﺠِﻲ ﺗﯿﺠﺒﮭﺎ ﺷﻌﺮة ..وﻛﻲ ﺗﺮوح ﺗﻘﻄّﻊ اﻟﺴﻼﺳﻞ". ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﻋﺒﺜﯿّﺔ اﻟﺤﯿﺎة ،اﻟﺘﻲ ﯾﻜﻔﻲ ﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ رﻓﯿﻌﺔ ﻛﺸﻌﺮة أن ﺗﺄﺗﯿﻚ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺤﺐ واﻟﺤﻆّ اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺘﻮﻗّﻌﮫ.
وﻟﻜﻦ ..ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﺮة اﻟﺮﻓﯿﻌﺔ ،ﻓﮭﻲ ﺗﻜﺴﺮ ﻣﻌﮭﺎ ﻛﻞّ اﻟﺴﻼﺳﻞ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﺸﺪوداً إﻟﯿﮭﺎ ،ﻣﻌﺘﻘﺪاً أﻧﮭﺎ أﻗﻮى ﻣﻦ أن ﺗﻜﺴﺮھﺎ ﺷﻌﺮة! ﻗﺒﻠﮭﺎ ﻟﻢ أﻧﺘﺒﮫ إﻟﻰ أن ﻟﻘﺎءك ذات ﯾﻮم ،ﺑﻌﺪ رﺑﻊ ﻗﺮن ﻣﻦ اﻟﻨﺴﯿﺎن ،ﻛﺎن ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ اﻟﺮﻓﯿﻌﺔ ﻛﺸﻌﺮة اﻟﺘﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎءت ﺟﺮت ﻣﻌﮭﺎ ﺳﻌﺎدة اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺄﻛﻤﻠﮫ، وﻋﻨﺪﻣﺎ رﺣﻠﺖ ﻗﻄﻌﺖ ﻛﻞ ﺳﻼﺳﻞ اﻷﺣﻼم ،وﺳﺤﺒﺖ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻲ ﺳﺠﺎد اﻷﻣﺎن. ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﺮة اﻟﺘﻲ ھﺎ ھﻲ ذي وﺑﻌﺪ ﺳﺖّ ﺳﻨﻮات ،ﺗﻌﻮد اﻟﯿﻮم ﻟﺘﻜﺴﺮ آﺧﺮ أﻋﻤﺪة ﺑﯿﺘﻲ ،وﺗﮭﺪّ اﻟﺴﻘﻒ ﻋﻠﻲّ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ اﻋﺘﻘﺪت أﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺣﺰﯾﺮان 82دﻓﻌﺖ ﻣﺎ ﯾﻜﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﻀﺮﯾﺒﺔ ﻟﯿﻨﺴﺎﻧﻲ اﻟﻘﺪر ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﺷﻲء واﺣﺪ ﻗﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ، ﯾﻤﻜﻦ أن أﺧﺎف ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﺴﻘﻮط.. ﻛﻨﺖ أﺟﮭﻞ ﺣﯿﻦ ذاك اﻟﻤﺎدة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺤﯿﺎة: "إن ﻣﺼﯿﺮ اﻹﻧﺴﺎن إﻧﻤﺎ ھﻮ ﺧﻼﺻﺔ ﺗﺴﻠﺴﻼت ﺣﻤﻘﺎء ..ﻻ ﻏﯿﺮ". *** ﻛﺎن ﻟﺒﺪاﯾﺔ ﺻﯿﻒ 82ﻃﻌﻢ اﻟﻤﺮارة اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ،وﻣﺬاق اﻟﯿﺄس اﻟﻘﺎﺗﻞ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ اﻟﺨﯿﺒﺎت اﻟﺬاﺗﯿﺔ اﻟﻘﻮﻣﯿﺔ ﻣﺮّة واﺣﺪة. وﻛﻨﺖ أﻋﯿﺶ ﺑﯿﻦ ﺧﺒﺮﯾْﻦ :ﺧﺒﺮ ﺻﻤﺘﻚ اﻟﻤﺘﻮاﺻﻞ ،وﺧﺒﺮ اﻟﻔﺠﺎﺋﻊ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ. ﻛﺎن ﻗﺪري ﯾﺘﺮﺑّﺺ ﺑﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻣﻦ ﻃﺮﯾﻖ آﺧﺮ .ﻓﻘﺪ ﺟﺎء اﺟﺘﯿﺎح إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ ﻟﺒﯿﺮوت ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﯿﻒ ،وإﻗﺎﻣﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻋﺮﺑﯿﺔ ﻟﻌﺪة أﺳﺎﺑﯿﻊ ..ﻋﻠﻰ ﻣﺮأى ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﺎﻛﻢ ..وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻠﯿﻮن ﻋﺮﺑﻲ ..ﺟﺎء ﯾﻨﺰل ﺑﻲ ﻋﺪّة ﻃﻮاﺑﻖ ﻓﻲ ﺳﻠّﻢ اﻟﯿﺄس. أذﻛﺮ أن ﺧﺒﺮاً ﺻﻐﯿﺮاً اﻧﻔﺮد ﺑﻲ وﻗﺘﮭﺎ وﻏﻄّﻰ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﯿﺔ اﻷﺧﺒﺎر .ﻓﻘﺪ ﻣﺎت اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﺧﻠﯿﻞ ﺣﺎوي ﻣﻨﺘﺤﺮاً ﺑﻄﻠﻘﺎت ﻧﺎرﯾّﺔ ،اﺣﺘﺠﺎﺟﺎً ﻋﻠﻰ اﺟﺘﯿﺎح إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻟﻠﺠﻨﻮب اﻟﺬي ﻛﺎن ﺟﻨﻮﺑﮫ وﺣﺪه ،واﻟﺬي رﻓﺾ أن ﯾﺘﻘﺎﺳﻢ ھﻮاءه ﻣﻊ إﺳﺮاﺋﯿﻞ.. ﻛﺎن ﻟﻤﻮت ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،أﻟﻢ ﻣﻤﯿّﺰ ﻓﺮﯾﺪ اﻟﻤﺮارة. ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﯾﺠﺪ ﺷﺎﻋﺮ ﺷﯿﺌﺎً ﯾﺤﺘﺞّ ﺑﮫ ﺳﻮى ﻣﻮﺗﮫ ..وﻻ ﯾﺠﺪ ورﻗﺎً ﯾﻜﺘﺐ ﻋﻠﯿﮫ ﺳﻮى ﺟﺴﺪه ..ﻋﻨﺪھﺎ ﯾﻜﻮن ﻗﺪ أﻃﻠﻖ اﻟﻨﺎر أﯾﻀﺎً ﻋﻠﯿﻨﺎ.
ذھﺐ ﻗﻠﺒﻲ ﻃﻮال ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم ﻋﻨﺪ زﯾﺎد.. ﻛﺎن ﻗﺪﯾﻤﺎً ﯾﻘﻮل" :اﻟﺸﻌﺮاء ﻓﺮاﺷﺎت ﺗﻤﻮت ﻓﻲ اﻟﺼﯿﻒ" .ﻛﺎن وﻗﺘﮭﺎ ﻣﻮﻟﻌﺎً ﺑﺎﻟﺮواﺋﻲ اﻟﯿﺎﺑﺎﻧﻲ "ﻣﯿﺸﯿﻤﺎ" اﻟﺬي ﻣﺎت ﻣﻨﺘﺤﺮاً أﯾﻀﺎً ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أﺧﺮى اﺣﺘﺠﺎﺟﺎً ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺒﺔ أﺧﺮى.. ﺗﺮاه ﻗﺎﻟﮭﺎ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻣﻦ وﺣﻲ أﺣﺪ ﻋﻨﺎوﯾﻦ ﻣﯿﺸﯿﻤﺎ" :اﻟﻤﻮت ﻓﻲ اﻟﺼﯿﻒ" ،أم أﻧﮭﺎ ﻓﻜﺮة ﻣﺴﺒﻘﺔ ﻣﺎدام ﯾﺪاﻓﻊ ﻋﻨﮭﺎ ﺑﺴﺮد ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺄﺳﻤﺎء اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺬﯾﻦ اﺧﺘﺎروا ھﺬا اﻟﻤﻮﺳﻢ ﻟﯿﺮﺣﻠﻮا؟ ﻛﻨﺖ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﯿﮫ آﻧﺬاك ،وأﺣﺎول أن أﻗﺎﺑﻞ ﻧﻈﺮﺗﮫ اﻟﺘﺸﺎؤﻣﯿﺔ ﻟﻠﺼﯿﻒ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ ،ﺧﺸﯿﺔ أن ﯾﻨﻘﻞ ﻋﺪواه إﻟﻲّ .ﻓﺄﻗﻮل ﻟﮫ ﻣﺎزﺣﺎً" :ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﺳﺮد ﻋﻠﯿﻚ أﯾﻀﺎً ﻋﺸﺮات اﻷﺳﻤﺎء ﻟﺸﻌﺮاء ﻟﻢ ﯾﻤﻮﺗﻮا ﻓﻲ اﻟﺼﯿﻒ!". ﻓﯿﻀﺤﻚ وﯾﺮدّ" :ﻃﺒﻌﺎً ..ھﻨﺎك أﯾﻀﺎً ﻣﻦ ﯾﻤﻮﺗﻮن ﺑﯿﻦ ﺻﯿﻔﯿﻦْ " !ﻓﻼ أﻣﻠﻚ إﻻ أن أﺟﯿﺒﮫ" :ﯾﺎ ﻟﻌﻨﺎد اﻟﺸﻌﺮاء ..وﺣﻤﺎﻗﺘﮭﻢ!". ﻋﺎد زﯾﺎد إﻟﻰ اﻟﺬاﻛﺮة .ورﺣﺖ أﺗﺴﺎءل ﻓﺠﺄة أﯾﻦ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻜﻮن ﻓﻲ ھﺬه اﻷﯾﺎم؟ ﻓﻲ أﯾﺔ ﻣﺪﯾﻨﺔ ..ﻓﻲ أﯾﺔ ﺟﺒﮭﺔ ..ﻓﻲ أي ﺷﺎرع ،وﻛﻞ اﻟﺸﻮارع ﻣﻄﻮﻗﺔ ،وﻛﻞ اﻟﻤﺪن ﻣﻘﺎﺑﺮ ﺟﺎھﺰة ﻟﻠﻤﻮت؟ ﻣﻨﺬ رﺣﻞ ﻟﻢ ﺗﺼﻠﻨﻲ ﻣﻨﮫ ﺳﻮى رﺳﺎﻟﺔ واﺣﺪة ﻗﺼﯿﺮة ،ﯾﺸﻜﺮﻧﻲ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺿﯿﺎﻓﺘﻲ. ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻨﺬ رﺣﯿﻠﮫ ..ﻣﻨﺬ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﺷﮭﺮ .ﻓﻤﺎذا ﺗﺮاه أﺻﺒﺢ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ؟ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﻠﻘﺎً ﻋﻠﯿﮫ ﺣﺘﻰ اﻵن .ﻓﻘﺪ ﻋﺎش داﺋﻤﺎً وﺳﻂ اﻟﻤﻌﺎرك واﻟﻜﻤﺎﺋﻦ ،واﻟﻘﺼﻒ اﻟﻌﺸﻮاﺋﻲ .ﻛﺎن رﺟﻼً ﯾﺨﺎﻓﮫ اﻟﻤﻮت أو ﯾﺤﺘﺮﻣﮫ ،ﻓﻠﻢ ﯾﺸﺄ أن ﯾﺄﺧﺬه ﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ. وﺑﺮﻏﻢ ذﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﻃﻔﺔ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻣﺎ ﺗﻮﻗﻆ ﻣﺨﺎوﻓﻲ .ورﺣﺖ أﺗﺸﺎءم وأﻧﺎ أﺗﺬﻛّﺮ ﻛﻼﻣﮫ ﻋﻦ اﻟﺼﯿﻒ ..وﻣﻮت ذﻟﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻨﺘﺤﺮاً. ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺸﻌﺮاء ﯾﻘﻠّﺪون ﺑﻌﻀﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻮت أﯾﻀﺎً؟ ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻟﻢ ﯾﻜﻮﻧﻮا ﻓﺮاﺷﺎت ﻓﻘﻂ؟ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺜﻞ ﺣﯿﺘﺎن اﻟﺒﺎﻟﯿﻦ اﻟﻀﺨﻤﺔ ﯾﺤﺒّﻮن اﻟﻤﻮت ﺟﻤﺎﻋﯿﺎً ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﺳﻢ ﻧﻔﺴﮭﺎ ..ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻄﺂن ذاﺗﮭﺎ؟ ﻟﻘﺪ اﻧﺘﺤﺮ )ھﻤﻨﻐﻮاي( أﯾﻀﺎً ﺻﯿﻒ 1961ﺗﺎرﻛﺎً ﺧﻠﻔﮫ ﻣﺴﻮدّة رواﯾﺘﮫ اﻷﺧﯿﺮة
"اﻟﺼﯿﻒ اﻟﺨﻄﺮ". ﻓﺄﯾﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﯿﻒ وﺑﯿﻦ ﻛﻞّ ھﺆﻻء اﻟﺮواﺋﯿﯿﻦ واﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﺘﻼﻗﻮا؟ ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أﻻ أﺗﻌﻤّﻖ ﻛﺜﯿﺮاً ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻜﺮة ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺳﺘﺪرج ﺑﮭﺎ اﻟﻘﺪر أو أﺗﺤﺪاه، ﻓﯿﻌﻄﯿﻨﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﯿﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻔﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أﻧﮭﺾ ﻣﻨﮭﺎ ﺑﻌﺪ ،ﺑﺮﻏﻢ ﻣﺮور اﻟﺴﻨﻮات. *** ﻣﺎت زﯾﺎد.. وھﺎ ھﻮ ﺧﺒﺮ ﻧﻌﯿﮫ ﯾﻘﻔﺰ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺑﻊ ﺻﻐﯿﺮ ﻓﻲ ﺟﺮﯾﺪة إﻟﻰ اﻟﻌﯿﻦ ..ﺛﻢ إﻟﻰ اﻟﻘﻠﺐ ..ﻓﯿﺘﻮﻗّﻒ اﻟﺰﻣﻦ .ﯾﺘﻜﻮّر اﻟﻨﺒﺄ ﻏﺼّﺔ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ ،ﻓﻼ أﺻﺮخ ..وﻻ أﺑﻜﻲ. أﺻﺎب ﺑﺸﻠﻞ اﻟﺬھﻮل ﻓﻘﻂ ،وﺻﺎﻋﻘﺔ اﻟﻔﺠﯿﻌﺔ. ﻛﯿﻒ ﺣﺪث ھﺬا؟ .وﻛﯿﻒ ﻟﻢ أﺗﻮﻗﻊ ﻣﻮﺗﮫ وﻧﻈﺮاﺗﮫ اﻷﺧﯿﺮة ﻟﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ وداع؟ ﻣﺎزاﻟﺖ ﺣﻘﯿﺒﺘﮫ ھﻨﺎ ،ﻓﻲ ﺧﺰاﻧﺔ ﻏﺮﻓﺘﻲ ﺗﻔﺎﺟﺌﻨﻲ ﻋﺪة ﻣﺮات ﻓﻲ اﻟﯿﻮم وأﻧﺎ أﺑﺤﺚ ﻋﻦ أﺷﯿﺎﺋﻲ. ﻟﻘﺪ ﻋﺎد ھﻨﺎك دون أﻣﺘﻌﺔ .أﻛﺎن ﯾﻌﺮف أﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺰاد ﻟﺮﺣﻠﺘﮫ اﻷﺧﯿﺮة ،أم ﻛﺎن ﯾﻔﻜﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﻮدة ﻟﯿﺴﺘﻘﺮّ ھﻨﺎ وﯾﻌﯿﺶ إﻟﻰ ﺟﻮارك ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﻮھﻢ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﯿﺮ ﻏﯿﺮﺗﻲ؟ ﻟﻢ أﺳﺄﻟﮫ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻋﻦ ﻗﺮاره اﻷﺧﯿﺮ .ﻟﻘﺪ ﺳﻜﻦ اﻟﺼﻤﺖ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯿﺮة. وأﺻﺒﺤﺖ أﺗﺤﺎﺷﻰ اﻟﺠﻠﻮس إﻟﯿﮫ .وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺧﺎف أن ﯾﻌﺘﺮف ﻟﻲ ﺑﺄﻣﺮ أﺧﺸﺎه أو ﺑﻘﺮار أﺗﻮﻗﻌﮫ. ﻟﻢ ﯾﻘﻞ ﺷﯿﺌﺎً وھﻮ ﯾﺴﺎﻓﺮ ﻣﺤﻤّﻼً ﺑﺤﻘﯿﺒﺔ ﯾﺪ ﺻﻐﯿﺮة .ﻗﺎل ﻟﻲ ﻣﻌﺘﺬراً ﻓﻘﻂ" :أﻻ ﯾﺰﻋﺠﻚ أن أﺗﺮك ھﺬه اﻷﯾﺎم اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ ﻋﻨﺪك ..أﻧﺖ ﺗﺪري أن ﻣﻀﺎﯾﻘﺎت اﻟﻤﻄﺎرات ﻛﺜﯿﺮة ھﺬه اﻷﯾﺎم ،وﻻ أرﯾﺪ أن أﻧﻘﻞ أﺷﯿﺎﺋﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻣﻦ ﻣﻄﺎر إﻟﻰ آﺧﺮ".. ﺛﻢ أﺿﺎف ﺑﻤﺎ ﯾﺸﺒﮫ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ" :ﺧﺎﺻﺔ أن ﻻ ﺷﻲء ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺎر اﻷﺧﯿﺮ!".
ﻟﻢ ﯾﺨﻄﺊ ﺣﺪﺳﮫ إذن ..ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎره ﺳﻮى رﺻﺎﺻﺔ اﻟﻤﻮت. ﻣﺎزﻟﺖ أذﻛﺮ ﻗﻮﻟﮫ ﻣﺮة" :ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ وﻃﻦ ﻣﻘﺒﺮة ..ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻣﺘﻨﺎ ..ﺑﺎﺳﻢ ﻛﻞ اﻟﺜﻮرات وﺑﺎﺳﻢ ﻛﻞّ اﻟﻜﺘﺐ".. وﻟﻢ ﺗﻘﺘﻠﮫ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﮫ ھﺬه اﻟﻤﺮة ..ﻗﺘﻠﺘﮫ ھﻮﯾﺘﮫ ﻓﻘﻂ! ﻧﺨﺐ ﺿﺤﻜﺘﮫ ﺳﻜﺮت ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎء. ﻧﺨﺐ ﺣﺰﻧﮫ اﻟﻤﻜﺎﺑﺮ أﯾﻀﺎً ..ذﻟﻚ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻌﺎدﻟﮫ ﺣﺰن. ﻧﺨﺐ رﺣﯿﻠﮫ اﻟﺠﻤﯿﻞ ..ﻧﺨﺐ رﺣﯿﻠﮫ اﻷﺧﯿﺮ. ﺑﻜﯿﺘﮫ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎء.. ذﻟﻚ اﻟﺒﻜﺎء اﻟﻤﻮﺟﻊ اﻟﻤﻜﺎﺑﺮ اﻟﺬي ﻧﺴﺮﻗﮫ ﺳﺮاً ﻣﻦ رﺟﻮﻟﺘﻨﺎ. وﺗﺴﺎءﻟﺖ أي رﺟﻞ ﻓﯿﮫ ﻛﻨﺖ أﺑﻜﻲ اﻷﻛﺜﺮ. وﻟِﻢَ اﻟﺒﻜﺎء؟ ﻟﻘﺪ ﻣﺎت ﺷﺎﻋﺮاً ﻛﻤﺎ أراد ..ذات ﺻﯿﻒ ﻛﻤﺎ أراد .ﻣﻘﺎﺗﻼً ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻣﺎ ﻛﻤﺎ أراد أﯾﻀﺎً. ﻟﻘﺪ ھﺰﻣﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﺑﻤﻮﺗﮫ. ﺗﺬﻛّﺮت وﻗﺘﮭﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻘﻮﻟﺔ اﻟﺮاﺋﻌﺔ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ واﻟﺮﺳﺎم "ﺟﺎن ﻛﻮﻛﺘﻮ "اﻟﺬي ﻛﺘﺐ ﯾﻮﻣﺎً ﺳﯿﻨﺎرﯾﻮ ﻓﯿﻠﻢ ﯾﺘﺼﻮر ﻓﯿﮫ ﻣﻮﺗﮫ ﻣﺴﺒﻘﺎً ،ﻓﺘﻮﺟﮫ إﻟﻰ ﺑﯿﻜﺎﺳﻮ وإﻟﻰ أﺻﺪﻗﺎﺋﮫ اﻟﻘﻼﺋﻞ اﻟﺬﯾﻦ وﻗﻔﻮا ﯾﺒﻜﻮﻧﮫ ،ﻟﯿﻘﻮل ﻟﮭﻢ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ اﻟﻤﻮﺟﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺘﻘﻨﮭﺎ: "ﻻ ﺗﺒﻜﻮا ھﻜﺬا ..ﺗﻈﺎھﺮوا ﻓﻘﻂ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء ..ﻓﺎﻟﺸﻌﺮاء ﻻ ﯾﻤﻮﺗﻮن .إﻧﮭﻢ ﯾﺘﻈﺎھﺮون ﺑﺎﻟﻤﻮت ﻓﻘﻂ!". وﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﺎن زﯾﺎد ﯾﺘﻈﺎھﺮ ﺑﺎﻟﻤﻮت ﻓﻘﻂ؟ ﻟﻮ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻋﻦ ﻋﻨﺎد ..ﻟﯿﻘﻨﻌﻨﻲ أن اﻟﺸﻌﺮاء ﯾﻤﻮﺗﻮن ﺣﻘﺎً ﻓﻲ اﻟﺼﯿﻒ وﯾﺒﻌﺜﻮن ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻔﺼﻮل؟ وأﻧﺖِ..
ﺗﺮاك ﺗﺪرﯾﻦ؟ ھﻞ أﺗﺎك ﺧﺒﺮ ﻣﻮﺗﮫ؟ أم ﺳﯿﺄﺗﯿﻚ ذات ﯾﻮم وﺳﻂ ﻗﺼﺔ أﺧﺮى وأﺑﻄﺎل آﺧﺮﯾﻦ؟ وﻣﺎذا ﺳﺘﻔﻌﻠﯿﻦ ﯾﻮﻣﮭﺎ؟ أﺳﺘﺒﻜﯿﻨﮫ ..أم ﺗﺠﻠﺴﯿﻦ ﻟﺘﺒﻨﻲ ﻟﮫ ﺿﺮﯾﺤﺎً ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت، وﺗﺪﻓﻨﯿﮫ ﺑﯿﻦ دﻓّﺘﻲ ﻛﺘﺎب ،ﻛﻤﺎ ﺗﻌﻮدت أن ﺗﺪﻓﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ﻛﻞّ ﻣﻦ أﺣﺒﺒﺖ وﻗﺮرت ﻗﺘﻠﮭﻢ ﯾﻮﻣﺎً؟ ھﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻜﺮه اﻟﺮﺛﺎء ،ﻛﺮاھﯿﺘﮫ ﻟﺮﺑﻄﺎت اﻟﻌﻨﻖ واﻟﺒﺪﻻت اﻟﻔﺎﺧﺮة ،ﺑﺄﯾﺔ ﻟﻐﺔ ﺳﺘﺮﺛﯿﻨﮫ؟ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ..ﻟﻘﺪ ھﺰﻣﻚ زﯾﺎد ﻛﻤﺎ ھﺰﻣﻨﻲ. وﺿﻌﻚ أﻣﺎم اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ ﻟﻌﺒﺔ اﻟﻤﻮت ..واﻟﻤﻮت .ﻓﻠﯿﺲ ﻛﻞ اﻷﺑﻄﺎل ﻗﺎﺑﻠﯿﻦ ﻟﻠﻤﻮت ﻋﻠﻰ اﻟﻮرق. ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﯾﺨﺘﺎرون ﻣﻮﺗﮭﻢ وﺣﺪھﻢ ..وﻻ ﯾﻤﻜﻨﻨﺎ ﻗﺘﻠﮭﻢ ﻟﻤﺠﺮد رواﯾﺔ. وﻛﺎن ﯾﻜﺬب ..ﻛﺒﻄﻞ ﺟﺎھﺰ ﻟﺮواﯾﺔ. ﻛﺎن ﯾﻜﺎﺑﺮ وﯾﺪّﻋﻲ أن ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ وﺣﺪھﺎ أﻣّﮫ .وﯾﻌﺘﺮف أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻓﻘﻂ ﺑﻌﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﺄس، أن ﻻ ﻗﺒﺮ ﻷﻣﮫ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ دﻓﻨﺖ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﺮ ﺟﻤﺎﻋﯿﺔ ﻟﻤﺬﺑﺤﺔ أوﻟﻰ ﻛﺎن اﺳﻤﮭﺎ )ﺗﻞّ اﻟﺰﻋﺘﺮ). وإﻧﮭﻢ أﺧﺬوا ﺻﻮراً ﺗﺬﻛﺎرﯾﺔ ،ورﻓﻌﻮا ﻋﻼﻣﺎت اﻟﻨﺼﺮ ووﻗﻔﻮا ﺑﺄﺣﺬﯾﺘﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﺜﺚ.. ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺑﯿﻨﮭﺎ ﺟﺜّﺘﮭﺎ. وﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﻓﻘﻂ ﻛﺎن ﯾﺒﺪو ﻟﻲ أﻧﮫ ﯾﺒﻜﻲ. ﻓَﻠِﻢَ اﻟﺒﻜﺎء زﯾﺎد؟ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻚ ﺟﺜّﺔ .ﻓﻲ ﻛﻞّ ﻣﺬﺑﺤﺔ ﺗﺮﻛﺖ ﻗﺒﺮاً ﻣﺠﮭﻮﻻً .وھﺎ أﻧﺖ ذا ﺗﻮاﺻﻞ ﺑﻤﻮﺗﻚ ﻣﻨﻄﻖ اﻷﺷﯿﺎء .ﻓﻼ ﺷﻲ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرك ﻏﯿﺮ ﻗﻄﺎر اﻟﻤﻮت. ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ أﺧﺬ ﻗﻄﺎر ﺗﻞّ اﻟﺰﻋﺘﺮ ،وھﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ أﺧﺬ ﻗﻄﺎر )ﺑﯿﺮوت (82أو ﻗﻄﺎر ﺻﺒﺮا وﺷﺎﺗﯿﻼ.. وھﻨﺎك ﻣﻦ ھﻨﺎ أو ھﻨﺎك ،ﻣﺎزال ﯾﻨﺘﻈﺮ رﺣﻠﺘﮫ اﻷﺧﯿﺮة ،ﻓﻲ ﻣﺨﯿّﻢ أو ﻓﻲ ﺑﻘﺎﯾﺎ ﺑﯿﺖ،
أو ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﻋﺮﺑﻲ ﻣﺎ.. وﺑﯿﻦ ﻛﻞّ ﻗﻄﺎر وﻗﻄﺎر ..ﻗﻄﺎر. ﺑﯿﻦ ﻛﻞّ ﻣﻮت وﻣﻮت ..ﻣﻮت. ﻓﻤﺎ أﺳﻌﺪ اﻟﺬﯾﻦ أﺧﺬوا اﻟﻘﻄﺎر ﺻﺪﯾﻘﻲ .ﻣﺎ أﺳﻌﺪھﻢ وﻣﺎ أﺗﻌﺴﻨﺎ أﻣﺎم ﻛﻞّ ﻧﺸﺮة أﺧﺒﺎر! ﺑﻌﺪھﻢ ﻛﺜﺮت "وﻛﺎﻻت اﻟﺴﻔﺮﯾﺎت" و "اﻟﺮﺣﻼت اﻟﺠﻤﺎﻋﯿﺔ ".أﺻﺒﺤﺖ ﻇﺎھﺮة ﻋﺮﺑﯿﺔ ﯾﺤﺘﺮﻓﮭﺎ ﻛﻞّ ﻧﻈﺎم ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ.. ﺑﻌﺪھﻢ أﺻﺒﺢ اﻟﻮﻃﻦ ﻣﺠﺮد ﻣﺤﻄﺔ .وأﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق ﻛﻞّ ﻣﻨّﺎ ﺳﻜّﺔ ﺣﺪﯾﺪﯾﺔ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻗﻄﺎراً ﻣﺎ ..ﯾﺤﺰﻧﻨﺎ أن ﻧﺄﺧﺬه ..وﯾﺤﺰﻧﻨﺎ أن ﯾﺴﺎﻓﺮ دوﻧﻨﺎ. رﺣﻞ زﯾﺎد إذن.. وإذا ﺑﺤﻘﯿﺒﺘﮫ اﻟﺴﻮداء اﻟﻤﻨﺴﯿّﺔ ﻓﻲ رﻛﻦ ﺧﺰاﻧﺘﮫ ،ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﺷﮭﻮر ،ﺗﻐﻄّﻲ ﻓﺠﺄة ﻋﻠﻰ ﻛﻞ أﺛﺎث اﻟﺒﯿﺖ ،وﺗﺼﺒﺢ أﺛﺎﺛﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪ ،ﺣﺘﻰ أﻧﻨﻲ ﻻ أرى ﻏﯿﺮھﺎ. ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻋﻮد إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ .أﺷﻌﺮ أﻧﮭﺎ ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﻲ وأﻧﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻋﺪ ﻣﻌﮫ .ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺗﺮك ﺑﯿﺘﻲ ،أﺷﻌﺮ أﻧﻨﻲ أھﺮب ﻣﻨﮭﺎ وأﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻠﻐﺰھﺎ ﺟﺎﺛﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺪري ،دون أن أدري. وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ اﻟﮭﺮوب ﻣﻨﮭﺎ وھﻲ ﺗﺘﺮﺑﺺ ﺑﻲ ﻛﻞ ﻣﺴﺎء ،ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻃﻔﺊ ﺟﮭﺎز اﻟﺘﻠﻔﺰﯾﻮن ،وأﺟﻠﺲ وﺣﯿﺪاً ﻷدﺧﻦ ﺳﯿﺠﺎرة ﻗﺒﻞ اﻟﻨﻮم ﻓﯿﺒﺪأ اﻟﻌﺬاب.. وأﻋﻮد إﻟﻰ اﻟﺴﺆال ﻧﻔﺴﮫ :ﻣﺎذا داﺧﻞ ھﺬه اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ ..وﻣﺎذا أﻓﻌﻞ ﺑﮭﺎ؟ أﺣﺎول أن أﺗﺬﻛّﺮ ﻣﺎذا ﯾﻔﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﻋﺎدة ﺑﺄﺷﯿﺎء اﻟﻤﻮﺗﻰ .ﺑﺜﯿﺎﺑﮭﻢ ﻣﺜﻼً وﺣﺎﺟﺎﺗﮭﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ .ﻓﺘﻌﻮد )أﻣّﺄ( إﻟﻰ اﻟﺬاﻛﺮة وﻣﻌﮭﺎ ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم اﻟﻤﺆﻟﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺖ وﺗﻠﺖ وﻓﺎﺗﮭﺎ. أﺗﺬﻛّﺮ ﺛﯿﺎﺑﮭﺎ وأﺷﯿﺎءھﺎ ،أﺗﺬﻛﺮ )ﻛﻨﺪورﺗﮭﺎ( اﻟﻌﻨﺎﺑﻲ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ أﺟﻤﻞ أﺛﻮاﺑﮭﺎ، وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﺣﺐ أﺛﻮاﺑﮭﺎ إﻟﻲّ .ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻮدت أن أراھﺎ ﺗﻠﺒﺴﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺜﻮب اﻟﺬي ﯾﺤﻤﻞ اﻷﻛﺜﺮ ﻋﻄﺮھﺎ وراﺋﺤﺘﮭﺎ اﻟﻤﻤﯿﺰة ،راﺋﺤﺔ ﻓﯿﮭﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺒﺮ ،ﺷﻲء ﻣﻦ ﻋﺮﻗﮭﺎ ،وﺷﻲء ﺷﺒﯿﮫ ﺑﺎﻟﯿﺎﺳﻤﯿﻦ اﻟﻤﻌﺘّﻖ .ﻣﺰﯾﺞ ﻣﻦ ﻋﻄﻮر ﻃﺒﯿﻌﯿﺔ
ﺑﺪاﺋﯿﺔ ،ﻛﻨﺖ أﺳﺘﻨﺸﻖ ﻣﻌﮭﺎ اﻷﻣﻮﻣﺔ. ﺳﺄﻟﺖ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ )اﻟﻜﻨﺪورة( ﺑﻌﺪ أﯾﺎم ﻣﻦ وﻓﺎة( أﻣّﺎ( ﻓﻘﯿﻞ ﻟﻲ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻐﺮاب إﻧﮭﺎ أﻋﻄﯿﺖ ﻣﻊ أﺷﯿﺎء أﺧﺮى ﻟﻠﻨﺴﺎء اﻟﻔﻘﯿﺮات ،اﻟﻼﺗﻲ ﺣﻀﺮن ﻹﻋﺪاد اﻟﻄﻌﺎم ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم. ﺻﺮﺧﺖ" :إﻧﮭﺎ ﻟﻲ ..ﻛﻨﺖ أرﯾﺪھﺎ "..وﻟﻜﻦ ﺧﺎﻟﺘﻲ اﻟﻜﺒﺮى ﻗﺎﻟﺖ" :إن أﺷﯿﺎء اﻟﻤﯿﺖ ﯾﺠﺐ أن ﺗﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ ﻗﺒﻞ ﺧﺮوﺟﮫ ﻣﻨﮫ ..ﻣﺎ ﻋﺪا ﺑﻌﺾ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺜﻤﯿﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺤﺘﻔﻆ ﺑﮭﺎ ﻟﻠﺬﻛﺮى أو ﻟﻠﺒﺮﻛﺔ". وﻣﻘﯿﺎس )أﻣّﺎ )..ذﻟﻚ اﻟﺴﻮار اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻔﺎرق ﻣﻌﺼﻤﮭﺎ ﯾﻮﻣﺎً وﻛﺄﻧﮭﺎ وﻟﺪت ﺑﮫ ،ﻣﺎذا ﺗﺮاھﻢ ﻓﻌﻠﻮا ﺑﮫ؟ ﻟﻢ أﺟﺮؤ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺆال. ﻛﺎن أﺧﻲ ﺣﺴّﺎن اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺘﺠﺎوز اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻌﺸﺮ ،ﻻ ﯾﻌﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻤﺎ ﯾﺤﺪث ﺣﻮﻟﮫ ﺳﻮى وﻓﺎة )أﻣّﺎ( وﻏﯿﺎﺑﮭﺎ اﻟﻨﮭﺎﺋﻲ. وﻛﻨﺖ ﻣﺤﺎﻃﺎً ﺑﺤﺸﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﻛﻦ ﯾﻘﺮّرن ﻛﻞ ﺷﻲء .ﻛﺄن ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ أﺻﺒﺢ ﻓﺠﺄة ﻟﮭﻦ: أﯾﻦ )ﻣﻘﯿﺎس( أﻣّﺎ؟ ﻣﻦ اﻷرﺟﺢ أن ﯾﻜﻮن ﻗﺪ أﺻﺒﺢ ﻣﻦ ﻧﺼﯿﺐ إﺣﺪى اﻟﺨﺎﻻت ،أو رﺑﻤﺎ اﺳﺘﺤﻮذ ﻋﻠﯿﮫ أﺑﻲ ﻣﻊ ﺑﻘﯿﺔ ﺻﯿﻐﺘﮭﺎ ﻟﯿﻘﺪّﻣﮭﺎ ھﺪﯾﺔ ﻟﻌﺮوﺳﮫ اﻟﺠﺪﯾﺪة. ﻛﻠﻤﺎ ﻋﺪت إﻟﻰ ھﺬه اﻟﺬﻛﺮى وﺗﻔﺎﺻﯿﻠﮭﺎ ،ازدادت ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﮭﺬه اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ ﺗﻌﻘﯿﺪاً. ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﺒﻌﺾ اﻷﺷﯿﺎء ﻋﻠﻰ ﺑﺴﺎﻃﺘﮭﺎ ،ﻗﯿﻤﺔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﻤﻘﺎﯾﯿﺲ اﻵﺧﺮﯾﻦ ﻟﻠﺘﺮﻛﺔ واﻟﻤﺨﻠﻔﺎت .ﻓﻤﺎذا أﻓﻌﻞ ﺑﺤﻘﯿﺒﺔ ﺗﺮﻛﮭﺎ ﺻﺎﺣﺒﮭﺎ ﻣﻨﺬ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﺷﮭﺮ دون أﯾﺔ وﺻﯿﺔ أو ﺗﻮﺿﯿﺢ ﺧﺎص ..وﻣﺎت؟ ھﻞ أﺗﺼﺪق ﺑﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء ،ﻣﺎداﻣﺖ أﺷﯿﺎء اﻟﻤﻮﺗﻰ ﯾﺠﺐ أن ﺗﻠﺤﻖ ﺑﮭﻢ ،أم أﺣﺘﻔﻆ ﺑﮭﺎ ﻛﺬﻛﺮى ﻣﻦ ﺻﺪﯾﻖ ﻣﺎدﻣﻨﺎ ﻻ ﻧﺤﺘﻔﻆ إﻻ ﺑﺎﻷﺷﯿﺎء اﻟﺜﻤﯿﻨﺔ؟ أھﻲ ﻋﺐء ..أم أﻣﺎﻧﺔ؟ وإذا ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺒﺌﺎ ..ﻟﻤﺎذا أﺧﺬﺗﮭﺎ ﻣﻨﮫ دون ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ،ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ أﻗﻨﻌﮫ ﺑﺤﻤﻠﮭﺎ ﻣﻌﮫ ،ﺑﺤﺠﺔ أﻧﻨﻲ ﻗﺪ أﺗﺮك ﺑﺎرﯾﺲ ﻣﺜﻼً؟
وإذا ﻛﺎﻧﺖ أﻣﺎﻧﺔ ..أﻟﻢ ﺗﺘﺤﻮل ﺑﻤﻮت ﺻﺎﺣﺒﮭﺎ إﻟﻰ وﺻﯿﺔ .ﻓﮭﻞ ﻧﺘﺼﺪّق ﺑﻮﺻﺎﯾﺎ اﻟﺸﮭﺪاء ..ھﻞ ﻧﻀﻌﮭﺎ ﻋﻨﺪ ﺑﺎﺑﻨﺎ ھﺪﯾﺔ ﻷول ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﯿﻞ؟ وﻛﻨﺖ أدري ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم اﻟﺘﻲ ﻋﺸﺘﮭﺎ ﻣﺴﻜﻮﻧﺎً ﺑﮭﺎﺟﺲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ أﻧﻨﻲ أرھﻖ ﻧﻔﺴﻲ ھﺒﺎءً ،وأن ﻣﺤﺘﻮاھﺎ وﺣﺪه ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺤﺪد ﻗﯿﻤﺘﮭﺎ وﺻﻔﺘﮭﺎ ،وﯾﺤﺪد ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن أﻓﻌﻠﮫ ﺑﮭﺎ .وﻟﺬا ﺑﺪأت أﺧﺎﻓﮭﺎ ﻓﺠﺄة ،أﻧﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﯿﺮھﺎ اھﺘﻤﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. ﺗﺮى أﻛﺎن ﻣﻮت زﯾﺎد ھﻮ اﻟﺬي أﺿﻔﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ ذﻟﻚ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﻤﺮﺑﻚ ،أم أﻧﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﻛﻨﺖ أﺧﺎف أن ﺗﺤﻤﻞ ﻟﻲ ﺳﺮّك ،ﺗﺤﻤﻞ ﺷﯿﺌﺎ ﻋﻨﻚ ﻛﻨﺖ أﺧﺎف أن أﻋﺮﻓﮫ؟ *** ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن أﻓﺘﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ ..ﻷﻏﻠﻖ أﺑﻮاب اﻟﺸﻚّ. أﺧﺬت ذﻟﻚ اﻟﻘﺮار ذات ﻟﯿﻠﺔ ﺳﺒﺖ ،ﺑﻌﺪ ﻣﺮور أﺳﺒﻮع ﻋﻠﻰ ﻗﺮاءﺗﻲ ﺧﺒﺮ اﺳﺘﺸﮭﺎد زﯾﺎد. ﻛﺎن ھﻨﺎك اﺣﺘﻤﺎل آﺧﺮ ﻓﻘﻂ ،ﻻ ﯾﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ،ﻛﺄن آﺧﺬھﺎ إﻟﻰ ﻣﻘﺮ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ وأﺳﻠّﻤﮭﺎ ﻷﺣﺪھﻢ ھﻨﺎك ،ﻟﯿﺘﻜﻔّﻞ ﺑﺈرﺳﺎﻟﮭﺎ إﻟﻰ أﻗﺮﺑﺎء زﯾﺎد ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن أو ﻓﻲ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ.. وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻋﺪﻟﺖ ﻋﻦ ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺴﺎذﺟﺔ وأﻧﺎ أﺗﺬﻛّﺮ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﺰﯾﺎد ﻣﻦ أھﻞ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن .ﻓﻠﻤﻦ ﺳﯿﺴﻠّﻤﮭﺎ ھﺆﻻء ..وﻋﻨﺪ أﯾﺔ ﻗﺒﯿﻠﺔ وأﯾﺔ ﻓﺼﯿﻠﺔ ﺳﯿﻨﺘﮭﻲ ﻣﺼﯿﺮھﺎ؟ ﻣﻦ ﺳﯿﻜﻮن "أﺑﻮھﺎ" ..وھﻨﺎﻟﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ "أﺑﻮ" ﯾﻌﺘﻘﺪ أﻧﮫ ﯾﻨﻔﺮد وﺣﺪه ﺑﺄﺑﻮّة اﻟﻘﻀﯿﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ،وأﻧﮫ اﻟﻮرﯾﺚ اﻟﺸﺮﻋﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻟﻠﺸﮭﺪاء ..وأن اﻵﺧﺮﯾﻦ ﺧﻮﻧﺔ؟ وﻣﻦ أدراﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ﻣﻦ ﻣﺎت زﯾﺎد؟ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﻤﺠﺮﻣﯿﻦ "اﻹﺧﻮة" ..أم ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﻤﺠﺮﻣﯿﻦ اﻷﻋﺪاء؟ أﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻘﻮل" :ﻟﻘﺪ ﺣﻮّﻟﻮا "اﻟﻘﻀﯿﺔ" إﻟﻰ ﻗﻀﺎﯾﺎ ..ﺣﺘﻰ ﯾﻤﻜﻨﮭﻢ ﻗﺘﻠﻨﺎ ﺗﺤﺖ ﺗﺴﻤﯿﺔ أﺧﺮى ﻏﯿﺮ اﻟﺠﺮﯾﻤﺔ".. ﻓﺒﺄﯾﺔ رﺻﺎﺻﺔ ﻣﺎت زﯾﺎد ..وﺧﯿﺮة اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﻲ ﻗﺘﻞ ﺑﺮﺻﺎص ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﻲ ..أو ﻋﺮﺑﻲ ﻻ ﻏﯿﺮ؟
ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎء ..ارﺗﺠﻔﺖ ﯾﺪي وأﻧﺎ أﻓﻚ أﻗﻔﺎل ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ. ﺷﻲء ﻣﺎ ﺟﻌﻠﻨﻲ أﺗﺬﻛّﺮ أﻧﻨﻲ أﻣﻠﻚ ﯾﺪاّ واﺣﺪة. ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ ﻣﻐﻠﻘﺔ ﺑﻤﻔﺘﺎح وﻻ ﺑﺄﻗﻔﺎل ﺟﺎﻧﺒﯿﺔ .وﻛﺄﻧﮫ ﺗﻌﻤّﺪ أن ﯾﺘﺮﻛﮭﺎ ﻟﻲ ﺷﺒﮫ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﺘﺮك أﺣﺪ اﻟﺒﺎب ﻣﻮارﺑﺎً ،ﻓﻲ دﻋﻮة ﺻﺎﻣﺘﺔ ﻟﻠﺪﺧﻮل. ﺷﻌﺮت ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻻرﺗﯿﺎح ﻟﮭﺬه "اﻻﻟﺘﻔﺎﺗﺔ" ،وﻟﮭﺬا اﻹذن اﻟﺴﺎﺑﻖ أو اﻟﻤﺘﺄﺧﺮ ﻋﻦ أواﻧﮫ ،اﻟﺬي ﻣﻨﺤﮫ ﻟﻲ زﯾﺎد ﻟﺪﺧﻮل ﻋﺎﻟﻤﮫ اﻟﺨﺎص دون إﺣﺮاج.. ﺗﺮاه ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻷﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﻜﺮه اﻷﻗﻔﺎل اﻟﻤﺨﻠﻮﻋﺔ ،واﻷﺑﻮاب اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻨﻮة ﻛﺮاھﯿﺘﮫ ﻟﻠﻤﺨﺒﺮﯾﻦ وﻷﻗﺪام اﻟﻌﺴﻜﺮ؟ أم ﻷﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﺘﻮﻗّﻊ ﯾﻮﻣﺎً ﻛﮭﺬا؟ ﻛﻞ ھﺬه اﻻﻓﺘﺮاﺿﺎت ﻟﻢ ﺗﻤﻨﻊ ﻗﺸﻌﺮﯾﺮة ﻣﻦ أن ﺗﺴﺮي ﻓﻲ ﺟﺴﺪي ،وﻓﻜﺮة أﺧﺮى ﺗﻌﺒﺮﻧﻲ.. ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﻌﺮف ﻣﺴﺒﻘﺎً أﻧﮫ ذاھﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﻮت .وھﺬه اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺪّة ﻟﻲ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﯾﺔ .وﻛﺎن ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻲ أن أﻓﺘﺤﮭﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﺷﮭﻮر .ﻓﮭﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻣﻮﺟﻮدة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﯿﮫ ﻣﻨﺬ أن ﻏﺎدر ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ. إﻧﮭﺎ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ ﻓﻲ ﻗﻄﻊ ﺟﺬور اﻟﺬاﻛﺮة ..ﻛﺎﻟﻌﺎدة. رﻓﻌﺖ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﻔﻮﻗﻲ ﻟﻠﺤﻘﯿﺒﺔ ،ﺑﻌﺪ أن وﺿﻌﺘﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺮف اﻟﺴﺮﯾﺮ ..وأﻟﻘﯿﺖ ﻧﻈﺮة أوﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﯿﮭﺎ. وإذا ﺑﺎﻟﻤﻮت واﻟﺤﯿﺎة ﯾﮭﺠﻤﺎن ﻋﻠﻲّ ﻣﻌﺎً ،وأﻧﺎ أرى ﺛﯿﺎﺑﮫ أﻣﺎﻣﻲ ،أﻟﻤﺲ ﻛﻨﺰﺗﮫ اﻟﺼﻮﻓﯿﺔ اﻟﺮﻣﺎدﯾﺔ ،وﺟﺎﻛﯿﺘﮫ اﻟﺠﻠﺪي اﻷﺳﻮد اﻟﺬي ﺗﻌﻮّدت أن أراه ﺑﮫ.. ھﺎ أﻧﺎ أﻣﻠﻚ ﺣﺠﺔ ﺣﻀﻮره ،وﺣﺠﺔ ﻣﻮﺗﮫ ..وﺣﺠﺔ ﺣﯿﺎﺗﮫ .وھﺎ ھﻲ راﺋﺤﺔ اﻟﺤﯿﺎة واﻟﻤﻮت ﺗﻨﺒﻌﺜﺎن ﻣﻌﺎً وﺑﺎﻟﻘﻮة ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﻦ ﺛﻨﺎﯾﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ. ھﺎ أﻧﺎ ﻣﻌﮫ ودوﻧﮫ ..أﻣﺎم ﺑﻘﺎﯾﺎه. ﺛﯿﺎب ..ﺛﯿﺎب ..أﻏﻠﻔﮫ ﺧﺎرﺟﯿﺔ ﻟﻜﺘﺎب ﺑﺸﺮيّ. واﺟﮭﺔ ﻗﻤﺎﺷﯿﺔ ﻟﻤﺴﻜﻦ ﻣﻦ زﺟﺎج.
اﻧﻜﺴﺮ اﻟﻤﺴﻜﻦ وﻇﻠّﺖ اﻟﻮاﺟﮭﺔ ،ذاﻛﺮة ﻣﺜﻨﯿﺔ ﻓﻲ ﺣﻘﯿﺒﺔ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﺗﺮك ﻟﻲ اﻟﻮاﺟﮭﺔ؟. ﺑﯿﻦ اﻟﺜﯿﺎب ﻗﻤﯿﺺ ﺣﺮﯾﺮي ﺳﻤﺎوي اﻟﻠﻮن ،ﻣﺎزال ﻓﻲ ﻏﻼﻓﮫ اﻟﻼﻣﻊ اﻟﺸﻔﺎف ..ﻟﻢ ﯾﻔﺘﺢ ﺑﻌﺪ .أﺳﺘﻨﺘﺞ دون ﺟﮭﺪ أﻧﮫ ھﺪﯾﺔ ﻣﻨﻚ. ﺛﻢ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﺮﻃﺔ ﻣﻮﺳﯿﻘﯿﺔ ،أﺣﺪھﺎ ﻟﺘﯿﻮدورﻛﯿﺲ ،واﻷﺧﺮى ﻣﻘﻄﻮﻋﺎت ﻛﻼﺳﯿﻜﯿﺔ أﺿﻌﮭﺎ ﺟﺎﻧﺒﺎً وأﻧﺎ أﺗﺬﻛﺮ أن زﯾﺎد ﻛﻠﻤﺎ ﺳﺎﻓﺮ ﺗﺮك ﻟﻲ أﺷﺮﻃﺔ وﻛﺘﺒﺎً ..وﺛﯿﺎﺑﺎً ..وﺣﺒّﺎً ﻣﻌﻠّﻘﺎً أﯾﻀﺎً. وﻟﻜﻦ ھﺬه ھﻲ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﯾﺘﺮك أﺷﯿﺎءه ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺣﻘﯿﺒﺔ ،ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺑﻌﻨﺎﯾﺔ وﻛﺄﻧﮫ أﻋﺪھﺎ ﻟﻨﻔﺴﮫ وﺟﻤﻊ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﻞ ﻣﺎ ﯾﺤﺐ اﺳﺘﻌﺪاداً ﻟﺴﻔﺮ ﻣﺎ .ﻛﺄﻧﮫ أراد أن ﯾﺄﺧﺬھﺎ ﻣﻌﮫ ﺣﯿﺚ ﺳﯿﺬھﺐ وﺣﯿﺚ ﻛﺎن ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺮﺗﺪي ﺟﺎﻛﯿﺘﮫ اﻷﺳﻮد اﻟﻤﻔﻀّﻞ ..وﯾﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﻣﻮﺳﯿﻘﻰ ﺗﯿﻮدورﻛﯿﺲ! وﻓﺠﺄة ﺗﻘﻊ ﯾﺪي ﻋﻠﻰ رواﯾﺘﻚ أﺳﻔﻞ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ .ﻓﺄﺻﺎب ﺑﮭﺰّة أوﻟﻰ .ﺗﺮﺗﻌﺶ ﯾﺪي، ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻟﺤﻈﺎت ﻗﺒﻞ أن ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب .أﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﻃﺮف اﻟﺴﺮﯾﺮ ﻗﺒﻞ أن أﻓﺘﺤﮫ. وﻛﺄﻧﻨﻲ ﺳﺄﻓﺘﺢ ﻃﺮداً ﻣﻠﻐﻮﻣﺎً. أﺗﺼﻔﺢ اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺴﺮﻋﺔ .وﻛﺄﻧﻨﻲ ﻻ أﻋﺮﻓﮫ. ﺛﻢ أﺗﺬﻛّﺮ ﺷﯿﺌﺎً ..وأرﻛﺾ إﻟﻰ اﻟﺼﻔﺤﺔ اﻷوﻟﻰ ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ اﻹھﺪاء ،ﻓﺘﻘﺎﺑﻠﻨﻲ ورﻗﺔ ﺑﯿﻀﺎء ..دون ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة .دون ﺗﻮﻗﯿﻊ أو إھﺪاء .ﻓﺄﺷﻌﺮ ﺑﻨﻮﺑﺔ ﺣﺰن ﺗﺸﻞّ ﯾﺪي، وﺑﺮﻏﺒﺔ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻟﻠﺒﻜﺎء. ﻟﻤﻦ ﻣﻨّﺎ أھﺪﯾﺖ ﻧﺴﺨﺘﻚ اﻟﻤﺰوّرة؟ وﻛﻼﻧﺎ ﯾﻤﻠﻚ ﻧﺴﺨﺔ دون ﺗﻮﻗﯿﻊ؟ ﻣﻦ ﻣﻨﺎ أوھﻤﺘﮫ أﻧﮫ ﯾﺴﻜﻦ اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب_ ﻛﻤﺎ ﯾﺴﻜﻦ ﻗﻠﺒﻚ _وأﻧﮫ ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ إھﺪاء؟ وھﻞ ﺻﺪّﻗﻚ زﯾﺎد ..ھﻞ ﺻﺪّﻗﻚ _ھﻮ أﯾﻀﺎً_ ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﮫ ﻗﺮّر أن ﯾﺄﺧﺬ ﻣﻌﮫ ھﺬه اﻟﺮواﯾﺔ ﻟﯿﻌﯿﺪ ﻗﺮاءﺗﮭﺎ ،ﺣﯿﺚ ﺳﯿﺬھﺐ ..ھﻨﺎك! ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻔﺤﺔ اﻟﺒﯿﻀﺎء ﻛﺎﻓﯿﺔ ﻹداﻧﺘﻚ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﺘﺐ ،أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﺘﺒﻲ ..ﻓﮭﻞ ﻛﺎن ﻣﮭﻤﺎً ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻻ أﺟﺪ أﯾﺔ رﺳﺎﻟﺔ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ؟ ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖِ اﻣﺮأة ﺗﺘﻘﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﯿﺎض ..ووﺣﺪي ﻛﻨﺖ أﻋﺮف ذﻟﻚ.
ﻣﺎ ﻋﺪا رواﯾﺘﻚ ﻟﻢ أﺟﺪ ﺳﻮى ﻣﻔﻜﺮة ﺳﻮداء ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ اﻟﺤﺠﻢ ﻣﻮﺿﻮﻋﺔ أﺳﻔﻞ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ_أﯾﻀﺎً_ ﻛﺴﺮّ ﻋﻤﯿﻖ. ﻣﺎ ﻛﺪت أرﻓﻌﮭﺎ ﺣﺘﻰ وﻗﻌﺖ ﻣﻨﮭﺎ "اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ اﻟﺒﺮﺗﻘﺎﻟﯿﺔ" اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺴﺘﻌﻤﻠﮭﺎ زﯾﺎد ﻟﻠﺘﻨﻘﻞّ ﺑﺎﻟﻤﯿﺘﺮو .داﺧﻠﮭﺎ ﻗﺼﺎﺻﺔ ﺑﺘﺎرﯾﺦ( أﻛﺘﻮﺑﺮ( اﻟﺸﮭﺮ اﻷﺧﯿﺮ اﻟﺬي رﺣﻞ ﻓﯿﮫ. أﻧﻈﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ،وأﻧﺎ ﻻ أﻓﻜﺮ إﻻ ﻓﻲ اﻹﻃﻼع ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻔﻜﺮة. وﻟﻜﻦ ﺻﻮرﺗﮫ ﺗﺴﺘﻮﻗﻔﻨﻲ.. ﻣﺮﺑﻜﺔ ﺻﻮر اﻟﻤﻮﺗﻰ.. وﻣﺮﺑﻜﺔ أﻛﺜﺮ ﺻﻮر اﻟﺸﮭﺪاء .ﻣﻮﺟﻌﺔ داﺋﻤﺎً .ﻓﺠﺄة ﯾﺼﺒﺤﻮن أﻛﺜﺮ ﺣﺰﻧﺎً وأﻛﺜﺮ ﻏﻤﻮﺿﺎً ﻣﻦ ﺻﻮرﺗﮭﻢ. ﻓﺠﺄة ..ﯾﺼﺒﺤﻮن أﺟﻤﻞ ﺑﻠﻐﺰھﻢ ،وﻧﺼﺒﺢ أﺑﺸﻊ ﻣﻨﮭﻢ. ﻓﺠﺄة ..ﻧﺨﺎف أن ﻧﻄﯿﻞ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﯿﮭﻢ. ﻓﺠﺄة ..ﻧﺨﺎف ﻣﻦ ﺻﻮرﻧﺎ اﻟﻘﺎدﻣﺔ وﻧﺤﻦ ﻧﺘﺄﻣّﻠﮭﻢ! ﻛَﻢْ ﻛﺎن وﺳﯿﻤﺎً ذاك اﻟﺮﺟﻞ. ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺳﺎﻣﺔ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ اﻟﻤﺨﻔﯿّﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻟﮭﺎ .ھﺎ ھﻮ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﺳﺮﯾﻌﺔ ﺗﻠﺘﻘﻂ ﻟﮫ ﻓﻲ ﺛﻼث دﻗﺎﺋﻖ ،ﺑﺨﻤﺴﺔ ﻓﺮﻧﻜﺎت ،ﯾﻤﻜﻨﮫ أن ﯾﻜﻮن ﻣﻤﯿﺰا. ﯾﻤﻜﻨﮫ أن ﯾﻜﻮن ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﮫ ﻣﻐﺮﯾﺎً ،ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺤﺰن اﻟﻐﺎﻣﺾ اﻟﺴﺎﺧﺮ .وﻛﺄﻧﮫ ﯾﺴﺨﺮ ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺔ ﻛﮭﺬه. وأﻓﮭﻢ ﻣﺮة أﺧﺮى أن ﺗﻜﻮﻧﻲ أﺣﺒﺒﺘﮫ .ﻟﻘﺪ أﺣﺒﺒﺘﮫ ﻗﺒﻠﻚ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أﺧﺮى .ﻛﻤﺎ ﻧﺤﺐ ﺷﺨﺼﺎً ﻧﻌﺠﺐ ﺑﮫ وﻧﺮﯾﺪ أن ﻧﺸﺒﮭﮫ ،ﻟﺴﺒﺐ أو ﻵﺧﺮ .ﻓﻨﻜﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻮس إﻟﯿﮫ واﻟﺨﺮوج ﺑﺮﻓﻘﺘﮫ واﻟﻈﮭﻮر ﻣﻌﮫ .وﻛﺄﻧﻨﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻨﺎ أن اﻟﺠﻤﺎل واﻟﺠﻨﻮن واﻟﻤﻮھﺒﺔ واﻟﺼﻔﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺒﮭﺮﻧﺎ ﻓﯿﮫ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻌﺪوى واﻻﻧﺘﻘﺎل إﻟﯿﻨﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻤﻌﺎﺷﺮة. أﯾﺔ ﻓﻜﺮة ﺣﻤﻘﺎء ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ! ﻟﻢ أﻛﺘﻒ أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺐ ﻛﺎرﺛﺘﻲ إﻻ ﻣﺆﺧﺮاً .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺮأت ﻗﻮﻻً راﺋﻌﺎً ﻟﻜﺎﺗﺐ ﻓﺮﻧﺴﻲ )رﺳﺎم أﯾﻀﺎً" (..ﻻ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺠﻤﺎل..ﻷﻧﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺠﺪه ،ﺗﻜﻮن ﻗﺪ ﺷﻮّھﺖ ﻧﻔﺴﻚ"! وﻟﻢ أﻛﻦ ﻓﻌﻠﺖ ﺷﯿﺌﺎً ﻏﯿﺮ ھﺬه اﻟﺤﻤﺎﻗﺔ.
أﻋﺪت ﺑﻄﺎﻗﺘﮫ وﺻﻮرﺗﮫ إﻟﻰ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ ،ورﺣﺖ أﻗﻠّﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻔﻜﺮة.. ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﮭﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﻗﺪ ﯾﻔﺎﺟﺌﻨﻲ ،ﻗﺪ ﯾﻌﻜﺮ ﻣﺰاﺟﻲ وﯾﺸﺮع اﻟﺒﺎب ﻟﻠﻌﻮاﺻﻒ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮة ﻋﻦ ﻣﻮاﺳﻤﮭﺎ .ﻓﻤﺎذا ﺗﺮاه ﻛﺘﺐ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺪﻓﺘﺮ؟ ﻛﻨﺖ أدري أن اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺗﻮﻟﺪ ﺻﻐﯿﺮة داﺋﻤﺎً .وﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أن اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ھﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻐﯿﺮة ﻓﻲ ﺣﺠﻢ ﻣﻔﻜﺮة ﺟﯿﺐ .ﻓﺨﻔﺖ اﻟﻤﻔﻜﺮة.. ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻦ ﺳﯿﺠﺎرة أﺷﻌﻠﮭﺎ .واﺳﺘﻠﻘﯿﺖ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺴﺮﯾﺮ ﻷﺗﺼﻔﺢ ﺟﺮﺣﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﮭﻞ.. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﻔﺤﺎت ﺗﺘﺎﻟﻰ ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﻃﻊ اﻟﺸﻌﺮﯾﺔ اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة ﺑﯿﻦ ﺗﺎرﯾﺦ وآﺧﺮ .ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﮭﺎﻣﺸﯿﺔ ..ﺛﻢ ﺑﻘﺼﺎﺋﺪ أﺧﺮى ﺗﺸﻐﻞ وﺣﺪھﺎ أﺣﯿﺎﻧﺎً ﺻﻔﺤﺘﯿﻦ أو ﺛﻼﺛﺎً .ﺛﻢ ﺧﻮاﻃﺮ ﻗﺼﯿﺮة ﻣﻦ ﺑﻀﻌﺔ ﺳﻄﻮر ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ وﺳﻂ اﻟﺼﻔﺤﺔ ﺑﻠﻮن أﺣﻤﺮ داﺋﻤﺎً ..وﻛﺄﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻤﯿﺰھﺎ ﻋﻦ ﺑﻘﯿﺔ ﻣﺎ ﻛﺘﺐ. رﺑﻤﺎ ﻷﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺷﻌﺮاً ورﺑﻤﺎ ﻷﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ أھﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ. ﻣﻦ أﯾﻦ أﺑﺪأ ھﺬه اﻟﻤﻔﻜﺮة؟ ..ﻣﻦ أي ﻣﺪﺧﻞ أدﺧﻞ ھﺬه اﻟﺪھﺎﻟﯿﺰ اﻟﺴﺮﯾﺔ ﻟﺰﯾﺎد ،اﻟﺘﻲ ﺣﻠﻤﺖ داﺋﻤﺎً ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﻞ إﻟﯿﮭﺎ ﻋﺴﺎﻧﻲ أﻛﺘﺸﻔﻚ ﻓﯿﮭﺎ؟ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻨﺎوﯾﻦ ﺗﺴﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ،ﻓﺄﺑﺪأ ﻓﻲ ﻗﺮاءة ﻗﺼﯿﺪة .أﺣﺎول ﻓﻚ ﻟﻐﺰ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻤﺘﻘﺎﻃﻌﺔ ..أﺑﺤﺚ ﻋﻨﻚ وﺳﻂ اﻟﺮﻣﻮز ﺗﺎرة ،ووﺳﻂ اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ اﻷﻛﺜﺮ اﻋﺘﺮاﻓﺎً أﺣﯿﺎﻧﺎً أﺧﺮى. ﺛﻢ ﻻ أﻟﺒﺚ أن أﺗﺮﻛﮭﺎ وأﻟﮭﺚ ﻣﺴﺮﻋﺎً إﻟﻰ ﺻﻔﺤﺔ أﺧﺮى ،ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ ﺣﺠﺞ أﺧﺮى ،ﻋﻦ إﯾﻀﺎﺣﺎت أﻛﺜﺮ ،ﻋﻦ ﻛﻠﻤﺎت ﺗﻘﻮل ﻟﻲ ﺑﺎﻷﺳﻮد واﻷﺑﯿﺾ ..ﻣﺎ اﻟﺬي ﺣﺪث. وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﻠﻰ درﺟﺔ ﻣﻦ اﻻﻧﻔﻌﺎل واﻷﺣﺎﺳﯿﺲ اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺔ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﺎد ﺗﺸﻞّ ﺗﻔﻜﯿﺮي ،وﺗﺠﻌﻠﻨﻲ ﻋﺎﺟﺰا ﻋﻦ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ ﻣﺎ أﻗﺮأ وﻣﺎ أﺗﻮھﻢ ﻗﺮاءﺗﮫ. ﻛﺎن ﻣﻨﻈﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﯿﺒﺔ اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ أﻣﺎﻣﻲ ﺑﺄﺷﯿﺎﺋﮭﺎ اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة ،وﺑﺬﻟﻚ اﻟﺪﻓﺘﺮ اﻷﺳﻮد اﻟﺼﻐﯿﺮ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﻣﻤﺴﻜﺎً ﺑﮫ ﺗﺠﻌﻠﻨﻲ أﺧﺠﻞ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ .وﻛﺄﻧﻨﻲ ﺑﻔﺘﺤﮭﺎ ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﻏﯿﺮ ﺗﺸﺮﯾﺢ ﺟﺜّﺔ زﯾﺎد اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة ﺑﺄﺷﯿﺎﺋﮭﺎ وأﺷﻼﺋﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﯾﺮي ،ﻷﺧﺮج ﻣﻨﮭﺎ ھﺬا اﻟﺪﻓﺘﺮ اﻟﺬي ھﻮ ﻗﻠﺒﮫ ﻻ ﻏﯿﺮ.
ﻗﻠﺐ زﯾﺎد اﻟﺬي ﻧﺒﺾ ﯾﻮﻣﺎً ﻟﻚ ،واﻟﺬي ھﺎھﻮ اﻟﯿﻮم ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﮫ ﺑﻮاﺻﻞ ﻧﺒﻀﮫ ﺑﯿﻦ ﯾﺪيّ ﻋﻠﻰ وﻗﻊ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻤﺸﺤﻮﻧﺔ ﺣﺴﺮة وﺧﻮﻓﺎً ..ﺣﺰﻧﺎً ..وﺷﮭﻮة.. "ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪي ﻣﺮرّي ﺷﻔﺘﯿﻚ ﻓﻤﺎ ﻣﺮّروا ﻏﯿﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﯿﻮف ﻋﻠﻲّ أﺷﻌﻠﯿﻨﻲ أﯾﺎ اﻣﺮأة ﻣﻦ ﻟﮭﺐ ﯾﻘﺮّﺑﻨﺎ اﻟﺤﺐ ﯾﻮﻣﺎً ﯾﺒﺎﻋﺪﻧﺎ اﻟﻤﻮت ﯾﻮﻣﺎً وﯾﺤﻜﻤﻨﺎ ﺣﻔﻨﺔ ﻣﻦ ﺗﺮاب.. ﺗﻘﺮّﺑﻨﺎ ﺷﮭﻮة ﻟﻠﺠﺴﺪ ﺛﻢ ﯾﻮﻣﺎً ﯾﺒﺎﻋﺪﻧﺎ اﻟﺠﺮح ﻟﻤّﺎ ﯾﺼﯿﺮ ﺑﺤﺠﻢ ﺟﺴﺪ ﺗﻮﺣﺪت ﻓﯿﻚ أﯾﺎ اﻣﺮأة ﻣﻦ ﺗﺮاب وﻣﺮﻣﺮ ﺳﻘﯿﺘﻚ ﺛﻢ ﺑﻜﯿﺖ وﻗﻠﺖ.. أﻣﯿﺮة ﻋﺸﻘﻲ.. أﻣﯿﺮة ﻣﻮﺗﻲ ﺗﻌﺎﻟﻲ!؟ ﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺮة ﻗﺮأت ھﺬا اﻟﻤﻘﻄﻊ .ﺑﺄﺣﺎﺳﯿﺲ ﺟﺪﯾﺪة ﻛﻞ ﻣﺮة ،ﺑﺸﻚﱟ ﺟﺪﯾﺪ ﻛﻞ ﻣﺮة، وﺗﺴﺎءﻟﺖ ﺑﻌﺠﺰ ﻣﻦ ﻻ ﯾﺤﺘﺮف اﻟﺸﻌﺮ ..أﯾﻦ ﯾﻨﺘﮭﻲ اﻟﺨﯿﺎل ..وأﯾﻦ ﯾﺒﺪأ اﻟﻮاﻗﻊ؟ أﯾﻦ ﯾﻘﻊ اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﺮﻣﺰ واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ؟ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﺟﻤﻠﺔ ﺗﻠﻐﻲ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺘﮭﺎ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮأة ھﻨﺎ ﺟﺴﺪاً ﻣﻠﺘﺤﻤﺎً ﺑﺎﻷرض إﻟﻰ ﺣﺪ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻓﯿﮫ اﻟﻔﺼﻞ أو اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻣﻤﻜﻨﺎً. وﻟﻜﻦ ﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك ﻛﻠﻤﺎت ﻻ ﺗﺨﻄﺊ ﺑﻮاﻗﻌﯿﺘﮭﺎ وﺑﺸﮭﻮﺗﮭﺎ اﻟﻤﻔﻀﻮﺣﺔ: "ﻣﺮري ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪي ﺷﻔﺘﯿﻚ" "أﺷﻌﻠﯿﻨﻲ أﯾﺎ اﻣﺮأة ﻣﻦ ﻟﮭﺐ" "ﺗﻘﺮﺑﻨﺎ ﺷﮭﻮة ﻟﻠﺠﺴﺪ" "ﺗﻮﺣﺪت ﻓﯿﻚ" أﻛﺎﻧﺖ اﻟﺜﻮرة إذن ﺣﺸﻮاً ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻻ أﻛﺜﺮ ﺑﺮّأ ﺑﮭﺎ زﯾﺎد ﻧﻔﺴﮫ؟
ﻛﺎن ﯾﻔﻀّﻞ أن ﯾﮭﺰﻣﮫ اﻟﻤﻮت وﻻ ﺗﮭﺰﻣﮫ اﻣﺮأة .ﻗﻀﯿّﺔ ﻛﺒﺮﯾﺎء ..ﻣﺮاوﻏﺔ ﺷﺨﺼﯿﺔ.. "أﻣﯿﺮة ﻣﻮﺗﻲ ..ﺗﻌﺎﻟﻲ..". ھﺎ ھﻮ اﻟﻤﻮت ﺟﺎء أﺧﯿﺮاً .وأﻧﺖ ﺗﺮاك ﺟﺌﺖ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم؟ ھﻞ اﻧﻔﺮد ﺑﻚ ﺣﻘﺎً ..أﻣﺮّرت ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪه ﺷﻔﺘﯿﻚ ..أأﺷﻌﻠﺘﮫ ..أﺗﻮﺣّﺪ ﻓﯿﻚ ..وھﻞ..؟ ﻣﻦ اﻷرﺟﺢ أن ﯾﻜﻮن ذﻟﻚ ﻗﺪ ﺣﺼﻞ .ﻓﺘﺎرﯾﺦ ھﺬه اﻟﻘﺼﯿﺪة ﯾﺼﺎدف ﺗﺎرﯾﺦ ﺳﻔﺮي إﻟﻰ إﺳﺒﺎﻧﯿﺎ. ﻛﺎن اﻟﻘﻠﺐ ﻗﺪ ﺑﺪأ ﯾﻄﻔﺢ ﺑﻌﺎﻃﻔﺔ ﻏﺮﯾﺒﺔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﻐﯿﺮة. ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻐﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﻤﻮات ..وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﻐﯿّﺮ ﻃﻌﻢ اﻟﻤﺮارة ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻻت. ﻓﮭﻞ أﻣﻨﻊ ﻋﯿﻨﻲ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﯾﺴﺘﻮﻗﻔﮭﻤﺎ اﻟﻠﻮن اﻷﺣﻤﺮ ،ﻣﻦ أن ﺗﻘﺮأ ھﺬه اﻟﺨﺎﻃﺮة ..دون دﻣﻮع. "ﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮ أﯾﺘﮭﺎ اﻟﻮاﻗﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﻔﺘﺮق اﻷﺿﺪاد أدري.. ﺳﺘﻜﻮﻧﯿﻦ ﺧﻄﯿﺌﺘﻲ اﻷﺧﯿﺮة أﺳﺄﻟﻚ. ﺣﺘﻰ ﻣﺘﻰ ﺳﺄﺑﻘﻰ ﺧﻄﯿﺌﺘﻚ اﻷوﻟﻰ ﻟﻚ ﻣﺘّﺴﻊ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺑﺪاﯾﺔ وﻗﺼﯿﺮة ﻛﻞ اﻟﻨﮭﺎﯾﺎت. إﻧﻲ أﻧﺘﮭﻲ اﻵن ﻓﯿﻚ ﻓﻤﻦ ﯾﻌﻄﻲ ﻟﻠﻌﻤﺮ ﻋﻤﺮاً ﯾﺼﻠﺢ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﮭﺎﯾﺔ"! ﺗﺴﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،وﺗﺴﺘﺪرﺟﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﺬھﻮل.. وﯾﺄﺧﺬ اﻟﺤﺒﺮ اﻷﺣﻤﺮ ﻓﺠﺄة ﻟﻮﻧﺎً ﺷﺒﯿﮭﺎً ﺑﺪم وردي ﺧﺠﻮل ﯾﺘﺪﺣﺮج ﻋﻠﻰ ورق.. ﻟﯿﺼﺒﺢ ﻟﻮن "ﺧﻄﯿﺌﺘﻚ اﻷوﻟﻰ..". ﻓﺄﺳﺮع ﺑﺈﻏﻼق ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻔﻜﺮة وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺧﺎف إن أﻧﺎ واﺻﻠﺖ ﻗﻠﺐ اﻟﺼﻔﺤﺎت ،أن أﻓﺎﺟﺌﻜﻤﺎ ﻓﻲ وﺿﻊٍ ﻟﻢ أﺗﻮﻗﻌﮫ! ﯾﺤﻀﺮﻧﻲ ﻛﻼم ﻗﺎﻟﮫ زﯾﺎد ﻣﺮة ﻓﻲ زﻣﻦ ﺑﻌﯿﺪ ..ﺑﻌﯿﺪ.
ﻗﺎل" :أﻧﺎ أﻛﻦّ اﺣﺘﺮﻣﺎً ﻛﺒﯿﺮاً ﻵدم ،ﻷﻧﮫ ﯾﻮم ﻗﺮر أن ﯾﺬوق اﻟﺘﻔﺎﺣﺔ ﻟﻢ ﯾﻜﺘﻒ ﺑﻘﻀﻤﮭﺎ، وإﻧﻤﺎ أﻛﻠﮭﺎ ﻛﻠّﮭﺎ .رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺪري أﻧﮫ ﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﻣﻦ أﻧﺼﺎف ﺧﻄﺎﯾﺎ وﻻ أﻧﺼﺎف ﻣﻠﺬّات ..وﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﯾﻮﺟﺪ ﻣﻜﺎن ﺛﺎﻟﺚ ﺑﯿﻦ اﻟﺠﻨﺔ واﻟﻨﺎر .وﻋﻠﯿﻨﺎ _ﺗﻔﺎدﯾﺎً ﻟﻠﺤﺴﺎﺑﺎت اﻟﺨﺎﻃﺌﺔ_ أن ﻧﺪﺧﻞ إﺣﺪاھﻤﺎ ﺑﺠﺪارة"! ﻛﻨﺖ آﻧﺬاك ﻣﻌﺠﺒﺎً ﺑﻔﻠﺴﻔﺔ زﯾﺎد ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة .ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﯾﺆﻟﻤﻨﻲ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ أﻓﻜﺎر ﺷﺎﻃﺮﺗﮫ إﯾﺎھﺎ؟ ﺗﺮى ﻛﻮﻧﮫ ﺳﺮق ﺗﻔﺎﺣﺘﮫ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻣﻦ ﺣﺪﯾﻘﺘﻲ اﻟﺴﺮﯾﺔ؟ أم ﻛﻮﻧﮫ راح ﯾﻘﻀﻤﮭﺎ أﻣﺎﻣﻲ ..ﺑﺸﮭﯿﺔ ﻣﻦ ﺣﺴﻢ اﺧﺘﯿﺎره وارﺗﺎح؟ "ﻻ ﺗﻤﻠﻚ اﻷﺷﺠﺎر إﻻ أن ﺗﻤﺎرس اﻟﺤﺐ واﻗﻔﺔ أﯾﻀﺎً ﯾﺎ ﻧﺨﻠﺔ ﻋﺸﻘﻲ ..ﻗﻔﻲ وﺣﺪي ﺣﻤﻠﺖ ﺣﺪاد اﻟﻐﺎﺑﺎت اﻟﺘﻲ أﺣﺮﻗﻮھﺎ ﻟﯿﺮﻏﻤﻮا اﻟﺸﺠﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻛﻮع "واﻗﻔﺔ ﺗﻤﻮت اﻷﺷﺠﺎر" ﺗﻌﺎﻟﻲ ﻟﻠﻮﻗﻮف ﻣﻌﻲ أرﯾﺪ أن أﺷﯿّﻊ ﻓﯿﻚ رﺟﻮﻟﺘﻲ إﻟﻰ ﻣﺜﻮاھﺎ اﻷﺧﯿﺮ".. ﻓﺠﺄة ﺑﺪأت أﺷﻌﺮ ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ ﻓﺘﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻔﻜﺮة. أﺗﻌﺒﺘﻨﻲ ﺗﺄوﯾﻼﺗﻲ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ﻟﻜﻞ ﻛﻠﻤﺔ أﺻﺎدﻓﮭﺎ. وﺑﺪأت أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻨﺪم .ﻓﺄﻧﺎ ﺑﺮﻏﻢ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻻ أرﯾﺪ أن أﻛﺮه زﯾﺎد اﻟﯿﻮم .ﻻ أﺳﺘﻄﯿﻊ ذﻟﻚ. ﻟﻘﺪ ﻣﻨﺤﮫ اﻟﻤﻮت ﺣﺼﺎﻧﺔ ﺿﺪ ﻛﺮاھﯿﺘﻲ وﻏﯿﺮﺗﻲ .وھﺎ أﻧﺎ ﺻﻐﯿﺮ أﻣﺎﻣﮫ وأﻣﺎم ﻣﻮﺗﮫ. ھﺎ أﻧﺎ ﻻ أﻣﻠﻚ ﺷﯿﺌﺎً ﻹداﻧﺘﮫ ،ﺳﻮى ﻛﻠﻤﺎﺗﮫ اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﺄوﯾﻞ .ﻓﻠﻤﺎذا أﺻﺮّ ﻋﻠﻰ ﺗﺄوﯾﻠﮭﺎ اﻷﺳﻮأ؟ ﻟﻤﺎذا أﻃﺎرده ﺑﻜﻞ ھﺬه اﻟﺸﺒﮭﺎت ،وأﻧﺎ أدري أﻧﮫ ﺷﺎﻋﺮ ﯾﺤﺘﺮف اﻻﻏﺘﺼﺎب اﻟﻠﻐﻮي، ﻧﻜﺎﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺨﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺎﺳﮫ ،ﺑﻞ رﺑﻤﺎ ﺧﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺑﮫ .ﻓﮭﻞ أﻃﻠﻖ اﻟﻨﺎر ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺘﮭﻤﺔ اﻟﻜﻠﻤﺎت؟
ﻟﻘﺪ وﻟﺪ ھﻜﺬا واﻗﻔﺎً ..وﻻ ﻗﺪر ﻟﮫ ﺳﻮى ﻗﺪر اﻷﺷﺠﺎر .ﻓﮭﻞ أﺣﺎﺳﺒﮫ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻣﻮﺗﮫ ..وﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﺣﺒّﮫ؟ وأذﻛﺮ اﻵن أﻧﻨﻲ ﻋﺮﻓﺘﮫ واﻗﻔﺎً. أذﻛﺮ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي زارﻧﻲ ﻓﯿﮫ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﻲ ﻷول ﻣﺮة ،ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺑﺪﯾﺖ ﻟﮫ ﺑﻌﺾ ﻣﻼﺣﻈﺎﺗﻲ ﻋﻦ دﯾﻮاﻧﮫ ،وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﮫ أن ﯾﺤﺬف ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ. أذﻛﺮ ﺻﻤﺘﮫ ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮﺗﮫ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﻋﻨﺪ ذراﻋﻲ اﻟﻤﺒﺘﻮرة ،ﻗﺒﻞ أن ﯾﻘﻮل ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺳﺒﺒﺎً ﻓﻲ ﺗﻐﯿﯿﺮ ﻣﺠﺮى ﺣﯿﺎﺗﻲ .ﻗﺎل ﻟﻲ" :ﻻ ﺗﺒﺘﺮ ﻗﺼﺎﺋﺪي..ﺳﯿﺪي ،ردّ ﻟﻲ دﯾﻮاﻧﻲ .ﺳﺄﻃﺒﻌﮫ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت".. ﻟﻤﺎذا ﻗﺒﻠﺖ إھﺎﻧﺘﮫ ﯾﻮﻣﮭﺎ ،دون رد؟ ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ أﺻﻔﻌﮫ ﺑﯿﺪي اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺒﺘﻮرة وأرﻣﻲ ﻟﮫ ﺑﻤﺨﻄﻮﻃﮫ؟ أﻷﻧﻨﻲ اﺣﺘﺮﻣﺖ ﻓﯿﮫ ﺷﺠﺎﻋﺔ اﻷﺷﺠﺎر ووﺣﺪﺗﮭﺎ ،ﻓﻲ زﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﯿﮫ اﻷﻗﻼم ﺳﻨﺎﺑﻞ ﺗﻨﺤﻨﻲ أﻣﺎم أول رﯾﺢ؟ واﻗﻔﺎً ﻋﺮﻓﺖ زﯾﺎد ..وواﻗﻔﺎً ﻏﺎدرﻧﻲ. أﻣﺎ ﻣﺨﻄﻮط ﺗﺮﻛﻨﻲ ﻛﺄول ﻣﺮة .وﻟﻜﻦ دون أيّ ﺗﻌﻠﯿﻖ ھﺬه اﻟﻤﺮة. ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﺑﯿﻨﻨﺎ _ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ_ ﺗﻮاﻃﺆ اﻟﻐﺎﺑﺎت ...واﻟﯿﻮم ﺻﻤﺘﮭﺎ. ﻓﺠﺄة اﺳﺘﯿﻘﻈﺖ داﺧﻠﻲ ﺑﻘﺎﯾﺎ ﻣﮭﻨﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ .ورﺣﺖ أﻗﻠّﺐ ذﻟﻚ اﻟﺪﻓﺘﺮ وأﻋﺪّ ﺻﻔﺤﺎﺗﮫ وأﺗﺼﻔﺤﮭﺎ ﺑﻌﯿﻨﻲ ﻧﺎﺷﺮ .وإذ ﺑﺤﻤﺎس ﻣﻔﺎﺟﺊ ﯾﺪبّ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ وﯾﻐﻄّﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﯿﺔ اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ .وﻗﺮار ﺟﻨﻮﻧﻲ ﯾﺴﻜﻨﻨﻲ. ﺳﺄﻧﺸﺮ ھﺬه اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺷﻌﺮﯾﺔ ،ﻗﺪ أﺳﻤّﯿﮭﺎ "اﻷﺷﺠﺎر" أو "ﻣﺴﻮدات رﺟﻞ أﺣﺒﻚ" ..أو ﻋﻨﻮاﻧﺎً آﺧﺮ ﻗﺪ أﻋﺜﺮ ﻋﻠﯿﮫ أﺛﻨﺎء ذﻟﻚ. اﻟﻤﮭﻢ ..أن ﺗﺼﺪر ھﺬه اﻟﺨﻮاﻃﺮ اﻷﺧﯿﺮة ﻟﺰﯾﺎد .أن أﻣﻨﺤﮫ ﻋﻤﺮاً آﺧﺮ ﻻ ﺻﯿﻒ ﻓﯿﮫ.. ﻓﮭﻜﺬا ﯾﻨﺘﻘﻢ اﻟﺸﻌﺮاء داﺋﻤﺎً ﻣﻦ اﻟﻘﺪر اﻟﺬي ﯾﻄﺎردھﻢ ﻛﻤﺎ ﯾﻄﺎرد اﻟﺼﯿﻒ اﻟﻔﺮاﺷﺎت.. إﻧﮭﻢ ﯾﺘﺤﻮّﻟﻮن إﻟﻰ دواوﯾﻦ ﺷﻌﺮ .ﻓﻤﻦ ﯾﻘﺘﻞ اﻟﻜﻠﻤﺎت؟ ***
أﻧﻘﺬﻧﻲ دﻓﺘﺮ زﯾﺎد ﻣﻦ اﻟﯿﺄس دون أن أدري.. ﻣﻨﺤﻨﻲ ﻣﺸﺎرﯾﻊ ﻷﯾﺎم ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺎرﻏﺔ ﻣﻦ أي ﻣﺸﺮوع .ﻓﻘﺪ ﺣﺪث ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم أن ﻗﻀﯿﺖ ﺳﺎﻋﺎت ﺑﺄﻛﻤﻠﮭﺎ وأﻧﺎ أﻧﺴﺦ ﻗﺼﯿﺪة ،أو أﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﻋﻨﻮان ﻷﺧﺮى ،وأﺣﺎول ﺗﺮﺗﯿﺐ ﻓﻮﺿﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻮاﻃﺮ واﻟﻤﻘﺎﻃﻊ اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة ،ﻟﻮﺿﻌﮭﺎ ﻓﻲ ﺳﯿﺎق ﺻﺎﻟﺢٍ ﻟﻠﻨﺸﺮ. ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﻠﺬّة وﻣﺮارة ﻣﻌﺎً.. ﻟﺬّة اﻻﻧﺤﯿﺎز ﻟﻠﻔﺮاﺷﺎت ،وﺑﻌﺚ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺎتٍ وﺣﺪي أﻣﻠﻚ ﺣﻖ وأدھﺎ ﻓﻲ ﻣﻔﻜﺮة، أو ﻣﻨﺤﮭﺎ اﻟﺨﻠﻮد ﻓﻲ ﻛﺘﺎب. وﻣﺮارة أﺧﺮى.. ﻣﺮارة اﻟﺘﻨﻘﯿﺐ ﻓﻲ أوراق ﺷﺎﻋﺮ ﻣﺎت ،واﻟﺘﺠﻮل ﻓﻲ دورﺗﮫ اﻟﺪﻣﻮﯾﺔ ،ﻓﻲ ﻧﺒﻀﮫ وﺣﺰﻧﮫ وﻧﺸﻮﺗﮫ ،ودﺧﻮل ﻋﺎﻟﻤﮫ اﻟﻤﻐﻠﻖ اﻟﺴﺮي دون ﺗﺼﺮﯾﺢ وﻻ رﺧﺼﺔ ﻣﻨﮫ، واﻟﺘﺼﺮف ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﮫ ﻓﻲ اﻻﺧﺘﯿﺎر وﻓﻲ اﻹﺿﺎﻓﺔ واﻟﺤﺬف. أﺣﻘﺎً ﻛﻨﺖ أﻣﻠﻚ ﺻﻼﺣﯿﺔ ﻛﮭﺬه..؟ وﻣﻦ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺪّﻋﻲ أﻧﮫ ﻟﺴﺒﺐ أو ﻵﺧﺮ ﻣﻮﻛّﻞ ﺑﻤﮭﻤﺔ ﻛﮭﺬه؟ وﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﯾﺠﺮؤ أﯾﻀﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﻤﻮت ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻤﺎت اﻵﺧﺮﯾﻦ ،وﯾﻘﺮر اﻻﺳﺘﺤﻮاذ ﻋﻠﯿﮭﺎ وﺣﺪه؟ ﻛﻨﺖ أدري ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻲ ،أﻧﮫ إذا ﻛﺎن ﻟﻤﻮت اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻜﺘّﺎب ﻧﻜﮭﺔ ﺣﺰن إﺿﺎﻓﯿﺔ، ﺗﻤﯿﺰھﻢ ﻋﻦ ﻣﻮت اﻵﺧﺮﯾﻦ ،ﻓﺮﺑﻤﺎ ﺗُﻌﺰى ﻟﻜﻮﻧﮭﻢ وﺣﺪھﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻤﻮﺗﻮن ﯾﺘﺮﻛﻮن ﻋﻠﻰ ﻃﺎوﻟﺘﮭﻢ ﻛﻜﻞ اﻟﻤﺒﺪﻋﯿﻦ ،رؤوس أﻗﻼم ..رؤوس أﺣﻼم ،وﻣﺴﻮدات أﺷﯿﺎء ﻟﻢ ﺗﻜﺘﻤﻞ. وﻟﺬا ﻓﺈن ﻣﻮﺗﮭﻢ ﯾﺤﺮﺟﻨﺎ ..ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﯾﺤﺰﻧﻨﺎ. أﻣﺎ اﻟﻨﺎس اﻟﻌﺎدﯾﻮن ،ﻓﮭﻢ ﯾﺤﻤﻠﻮن أﺣﻼﻣﮭﻢ وھﻤﻮﻣﮭﻢ وﻣﺸﺎﻋﺮھﻢ ﻓﻮﻗﮭﻢ .إﻧﮭﻢ ﯾﻠﺒﺴﻮﻧﮭﺎ ﻛﻞ ﯾﻮم ﻣﻊ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﮭﻢ ،وﻛﺂﺑﺘﮭﻢ ،وﺿﺤﻜﺘﮭﻢ ،وأﺣﺎدﯾﺜﮭﻢ ،ﻓﺘﻤﻮت أﺳﺮارھﻢ ﻣﻌﮭﻢ. ﻓﻲ اﻟﺒﺪء ،ﻛﺎن ﺳﺮ زﯾﺎد ﯾﺤﺮﺟﻨﻲ ،ﻗﺒﻞ أن ﯾﺴﺘﺪرﺟﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﺒﻮح ،وإذا ﺑﻜﺘﺎﺑﺎﺗﮫ
ﺗﺨﻠﻖ ﻋﻨﺪي رﻏﺒﺔ ﻻ ﺗﻘﺎوم ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ. رﻏﺒﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰداد ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮات اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أن ﻛﻠﻤﺎﺗﮫ ﻻ ﺗﻄﺎل أﻋﻤﺎﻗﻲ ،وأﻧﮭﺎ أﻗﺼﺮ ﻣﻦ ﺟﺮﺣﻲ .رﺑﻤﺎ ﻷﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﺠﮭﻞ اﻟﻨﺼﻒ اﻵﺧﺮ ﻟﻠﻘﺼﺔ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﻋﺮﻓﮭﺎ وﺣﺪي. ﻣﺘﻰ وﻟﺪت ﻓﻜﺮة ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب؟ ﺗﺮى ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﻗﻀﯿﺘﮭﺎ ﻣﺤﺎﺻﺮاً ﺑﺈرث زﯾﺎد اﻟﺸﻌﺮيّ ،ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻠﻘﺎء ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ ﻟﻲ ﻣﻊ اﻷدب واﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺘﻲ اﻧﻔﺼﻠﺖ ﻋﻨﮭﺎ ﻣﻨﺬ اﻧﻔﺼﺎﻟﻲ ﻋﻦ وﻇﯿﻔﺘﻲ ..ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ؟ أم ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﻲ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ اﻵﺧﺮ ،ﻣﻊ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺣﺠﺰ ﻟﻲ اﻟﻘﺪر ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻮﻋﺪاً ﻣﺘﺄﺧﺮاً ﻣﻌﮭﺎ؟ أﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻲ أن أﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ وﺟﮭﺎً ﻟﻮﺟﮫ ﻣﻊ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،دون ﺳﺎﺑﻖ إﻧﺬار ،دون أن ﺗﻨﻔﺠﺮ داﺧﻠﻲ اﻟﺪھﺸﺔ ،ﺷﻼﻻت ﺷﻮق وﺟﻨﻮن وﺧﯿﺒﺔ.. ﻓﺘﺠﺮﻓﻨﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎت ..إﻟﻰ ﺣﯿﺚ أﻧﺎ!
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ
ﻣﺎزﻟﺖ أذﻛﺮ ذﻟﻚ اﻟﺴﺒﺖ اﻟﻌﺠﯿﺐ ..ﻋﻨﺪﻣﺎ رن اﻟﮭﺎﺗﻒ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎء ﺑﺘﻮﻗﯿﺖ ﻧﺸﺮة اﻷﺧﺒﺎر. ﻛﺎن ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻂ ﺑﺤﺮارة وﺷﻮق أﺳﻌﺪاﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﯾﺔ ،وأﺧﺮﺟﺎﻧﻲ ﻣﻦ رﺗﺎﺑﺔ ﺻﻤﺘﻲ اﻟﻠﯿﻠﻲ ووﺣﺪﺗﮫ. ﻛﺎن ﺻﻮﺗﮫ ﻋﻨﺪي ﻋﯿﺪاً ﺑﺤﺪ ذاﺗﮫ واﻟﺼﻠﺔ اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﺗﺮﺑﻄﻨﻲ ﺑﻚ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺳﺪّت ﻛﻞ اﻟﻄﺮق اﻟﻤﻮﺻﻠﺔ إﻟﯿﻚ. وﻛﻨﺖ أﺳﺘﺒﺸﺮ ﺧﯿﺮاً ﺑﮫ .إﻧﮫ ﯾﺤﻤﻞ داﺋﻤﺎً اﺣﺘﻤﺎل ﻟﻘﺎءٍ ﺑﻚ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى.
وﻟﻜﻨﮫ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻛﺎن ﯾﺤﻤﻞ ﻟﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ھﺬا.. راح ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﯾﻌﺘﺬر أوﻻً ﻋﻦ اﻧﻘﻄﺎﻋﮫ ﻋﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﺳﮭﺮﺗﻨﺎ اﻷﺧﯿﺮة ،ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺸﺎﻏﻠﮫ اﻟﻜﺜﯿﺮة ،وزﯾﺎرات اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻮﻗﻒ إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ ..ﻗﺒﻞ أن ﯾﻀﯿﻒ: "إﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻧﺴﻚ ﻃﻮال ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة ..ﻟﻘﺪ ﻋﻠّﻘﺖ ﻟﻮﺣﺘﻚ ﻓﻲ اﻟﺼﺎﻟﻮن وأﺻﺒﺤﺖ أﺗﻘﺎﺳﻢ ﻣﻌﻚ اﻟﺒﯿﺖ ..أﺗﺪري ،ﻟﻘﺪ ﺗﺮﻛﺖ اﻟﺘﻔﺎﺗﺘﻚ ﺗﻠﻚ أﺛﺮاً ﻛﺒﯿﺮاً ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ،وﺧﻠﻘﺖ ﻟﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﺎﺳﺪ ..وﻛﻞ ﻣﺮة ﻻ ﺑﺪ أن أﺷﺮح ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ ﺻﺪاﻗﺘﻨﺎ وﻋﻼﻗﺘﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ أﯾﺎم اﻟﺸﺒﺎب". ﻛﻨﺖ أﺳﺘﻤﻊ ﻟﮫ وﻛﺎن اﻟﻘﻠﺐ ﻗﺪ ذھﺐ ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ إﻟﯿﻚ.. ﻛﺎن ﯾﻜﻔﻲ أن أﻋﺮف أن ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻜﺎﻟﻤﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺑﯿﺖٍ أﻧﺖِ ﻓﯿﮫ ،ﻷﻋﻮد ﻋﺎﺷﻘﺎً ﻣﺒﺘﺪﺋﺎً ﺑﻜﻞ اﻧﻔﻌﺎﻻت اﻟﻌﺸّﺎق وﺣﻤﺎﻗﺎﺗﮭﻢ. وﻟﻜﻦ ﺻﻮﺗﮫ أﻋﺎدﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﻨﻲ: أﺗﺪري ﻟﻤﺎذا ﻃﻠﺒﺘﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ؟ إﻧﻨﻲ ﻗﺮرت أن أﺻﺤﺒﻚ ﻣﻌﻲ إﻟﻰ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..ﻟﻘﺪأھﺪﯾﺘﻨﻲ ﻟﻮﺣﺔ ﻋﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ وأﻧﺎ ﺳﺄھﺪﯾﻚ ﺳﻔﺮة إﻟﯿﮭﺎ.. ﺻﺤﺖ ﻣﺘﻌﺠّﺒﺎً: ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..ﻟﻤﺎذا ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ؟ﻗﺎل وﻛﺄﻧﮫ ﯾﺰفّ ﻟﻲ ﺑﺸﺮى: ﻟﺤﻀﻮر ﻋﺮس اﺑﻨﺔ أﺧﻲ اﻟﻄﺎھﺮ..ﺛﻢ أﺿﺎف ﺑﻌﺪ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ. - ..رﺑﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮھﺎ .ﻟﻘﺪ ﺣﻀﺮت اﻓﺘﺘﺎح ﻣﻌﺮﺿﻚ ﻣﻨﺬ ﺷﮭﻮر ﻣﻊ اﺑﻨﺘﻲ ﻧﺎدﯾﺎ.. ﺷﻌﺮت ﻓﺠﺄة أن ﺻﻮﺗﻲ اﻧﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﺟﺴﺪي ،وأﻧﻨﻲ ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ أن أﺟﯿﺐ ﺑﻜﻠﻤﺔ واﺣﺪة. أﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻜﻠﻤﺎت أن ﺗﻨﺰل ﺻﺎﻋﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺ ﺑﮭﺬه اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ؟
أﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﺠﺴﺪ أن ﯾﺼﺒﺢ إﺛﺮ ﻛﻠﻤﺔ ،ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ اﻹﻣﺴﺎك ﺑﺴﻤﺎﻋﺔ؟ ﯾﺤﺪث ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎت ﻛﮭﺬه ،أن أﺗﺬﻛﺮ ﻓﺠﺄة أﻧﻨﻲ أﻣﻠﻚ ﯾﺪاً واﺣﺪة.. ﺳﺤﺒﺖ ﺑﻘﺪﻣﻲ ﻛﺮﺳﯿﺎً ﻣﺠﺎوراً وﺣﻠﺴﺖ ﻋﻠﯿﮫ. ورﺑﻤﺎ ﻻﺣﻆ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﺻﻤﺘﻲ وﺣﺪوث ﺷﻲء ﻣﺎ ..ﻓﻘﻄﻊ ذھﻮﻟﻲ ﻗﺎﺋﻼً: ﯾﺎ ﺧﻮﯾﺎ ..ﻣﺎ اﻟﺬي ﯾﺨﯿﻔﻚ ﻓﻲ ﺳﻔﺮٍ ﻛﮭﺬا؟ ﻟﻘﺪ ﺟﺎء ذﻛﺮك ﻣﻨﺬ أﯾﺎم ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺔ ﻣﻊﺑﻌﺾ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻓﻲ اﻷﻣﻦ ،وأﻛﺪوا ﻟﻲ أﻧﮫ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ أﯾﺔ ﺗﻌﻠﯿﻤﺎت ﻓﻲ ﺷﺄﻧﻚ ،وأن ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻚ أن ﺗﺰور اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻣﺘﻰ ﺷﺌﺖ .ﻟﻘﺪ ﺗﻐﯿﺮت اﻷﻣﻮر ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻨﺬ ﻣﺠﯿﺌﻚ ،وﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺠﺰاﺋﺮ وﻟﻮ ﻓﻲ زﯾﺎرة ﺧﺎﻃﻔﺔ ..إﻧﻨﻲ أﺗﺤﻤﻞ ﻣﺴﺆوﻟﯿﺔ ﻋﻮدﺗﻚ.. ﺳﺘﺴﺎﻓﺮ ﻣﻌﻲ وﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺑﻲ ..ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﯾﻘﻠﻘﻚ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ؟ أﺟﺒﺘﮫ وأﻧﺎ أﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﺨﺮج ﻟﺘﻮﺗﺮي: اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أﻧﻨﻲ ﻟﺴﺖ ﻣﺴﺘﻌﺪاً ﻧﻔﺴﯿﺎً ﺑﻌﺪ ﻟﺰﯾﺎرة ﻛﮭﺬه ..وأﻓﻀّﻞ أن ﺗﻜﻮن ﻓﻲ ﻇﺮوفأﺧﺮى.. ﻗﺎل: أﻧﺖ ﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻇﺮوﻓﺎً أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ھﺬه ﻟﻠﻌﻮدة ..أﻧﺎ واﺛﻖ ﻣﻦ أﻧﻨﻲ إذا ﻟﻢ أﺟﺮّك ھﻜﺬاﻣﻦ ﯾﺪك ھﺬه اﻟﻤﺮة ،ﻓﻘﺪ ﺗﻤﻀﻲ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات أﺧﺮى ﻗﺒﻞ أن ﺗﻌﻮد إﻟﯿﮭﺎ .ھﻞ ﺳﺘﻘﻀﻲ ﻋﻤﺮك ﻓﻲ رﺳﻢ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ؟ ﺛﻢ أﻻ ﯾﺴﻌﺪك ﺣﻀﻮر زواج اﺑﻨﺔ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ؟ إﻧﮭﺎ اﺑﻨﺘﻚ أﯾﻀﺎً ،ﻟﻘﺪ ﻋﺮﻓﺘﮭﺎ ﻃﻔﻠﺔ وﯾﺠﺐ أن ﺗﺤﻀﺮ ﻋﺮﺳﮭﺎ ﻟﻠﺒﺮﻛﺔ ..اﻓﻌﻞ ھﺬا ﻟﻮﺟﮫ أﺑﯿﮭﺎ، ﯾﺠﺐ أن ﺗﻘﻒ ﻣﻌﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻣﻜﺎن ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ.. ﻛﺎن ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﯾﻌﺮف ﻧﻘﻄﺔ ﺿﻌﻔﻲ ،وﯾﺪري ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ﻋﻨﺪي .ﻓﺮاح ﯾﺤﺮّك ﻣﺎ ﺗﺒﻘّﻰ داﺧﻠﻲ ﻣﻦ وﻓﺎء ﻟﻤﺎﺿﯿﻨﺎ وذاﻛﺮﺗﻨﺎ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ. ﻛﺎن ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺴﺮﯾﺎﻟﯿﺔ واﻟﻼﻣﻌﻘﻮل. ﻛﻨﺖ أﻗﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﺠﻨﻮن ،ﺑﯿﻦ اﻟﻀﺤﻚ واﻟﺒﻜﺎء.. "ﻟﻘﺪ ﻋﺮﻓﺘﮭﺎ ﻃﻔﻠﺔ "..ﻻ ﯾﺎ ﺻﺪﯾﻘﻲ! ﻋﺮﻓﺘﮭﺎ أﻧﺜﻰ أﯾﻀﺎً وھﺬه ھﻲ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ" .إﻧﮭﺎ اﺑﻨﺘﻚ أﯾﻀﺎً "..ﻻ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﺑﻨﺘﻲ ،ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ ﻓﻘﻂ أن ﺗﻜﻮن زوﺟﺘﻲ ..ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻲ. ﺳﺄﻟﺘﮫ:
ﻟﻤﻦ ﺳﺘﻜﻮن؟ﻗﺎل: أﻋﻄﯿﺘﮭﺎ ﻟـ )ﺳﻲ (....ﻟﻘﺪ ﺳﮭﺮت ﻣﻌﮫ اﻟﻤﺮة اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ..ﻻ أدري ﻣﺎ رأﯾﻚ ﻓﯿﮫ،وﻟﻜﻨﻨﻲ أﻋﺘﻘﺪ أﻧﮫ رﺟﻞ ﻃﯿﺐ ﺑﺮﻏﻢ ﻣﺎ ﯾُﻘﺎل ﻋﻨﮫ. ﻛﺎن ﻓﻲ ﺟﻤﻠﺘﮫ اﻷﺧﯿﺮة ﺟﻮاب ﻣﺴﺒﻖ ﻋﻠﻰ ردٍ ﻛﺎن ﯾﺘﻮﻗﻌﮫ. (ﺳﻲ (....إذن وﻻ أﺣﺪ ﻏﯿﺮه! "رﺟﻞ ﻃﯿﺐ "..ھﻞ اﻟﻄﯿﺒﺔ ھﻲ ﺣﻘﺎً ﺻﻔﺘﮫ اﻟﻤﻤﯿﺰة اﻷوﻟﻰ؟ أﻋﺮف أﻧﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ رﺟﻞ ﻃﯿﺐ ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ إذن أن ﯾﺼﺒﺢ زوﺟﮭﺎ. وﻟﻜﻦ )ﺳﻲ (....ﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ .ﻛﺎن رﺟﻞ اﻟﺼﻔﻘﺎت اﻟﺴﺮﯾﺔ واﻟﻮاﺟﮭﺎت اﻷﻣﺎﻣﯿﺔ .ﻛﺎن رﺟﻞ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺼﻌﺒﺔ واﻟﻤﮭﻤﺎت اﻟﺼﻌﺒﺔ .ﻛﺎن رﺟﻞ اﻟﻌﺴﻜﺮ ..ورﺟﻞ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ .ﻓﮭﻞ ﻣﮭﻢ ﺑﻌﺪ ھﺬا أن ﯾﻜﻮن ﻃﯿﺒﺎً أو ﻻ ﯾﻜﻮن؟ ﺗﺠﻤﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻖ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﺼﺔ ،ﻣﻨﻌﺘﻨﻲ ﻣﻦ أن أﺑﺪي رأﯾﻲ ﻓﻌﻼً ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺸﺨﺺ ،وأﺳﺄل ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﺳﺆاﻻً واﺣﺪاً ﻓﻘﻂ :ﺗﺮاه ﯾﻌﺘﻘﺪ ﺣﻘﺎً أن ﺑﺈﻣﻜﺎن رﺟﻞ ﻻ أﺧﻼق ﻟﮫ ..أن ﯾﻜﻮن ﻃﯿﺒﺎً؟ أم ﺗﺮاﻧﻲ ﺻﻤﺖّ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺑﺪأت ﻻ أﻓﺮق ﻛﺜﯿﺮا ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ "ﺻﮭﺮه" وأﻧﺎ أﺳﺄل ﻧﻔﺴﻲ ﺳﺆاﻻً آﺧﺮ ..ھﻞ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﺸﺨﺺ ﯾﺘﺼﺎھﺮ ﻣﻊ رﺟﻞ ﻗﺬر ..أن ﯾﻜﻮن ﻧﻈﯿﻔﺎً ﺣﻘﺎً؟ ﻓﻘﺪت ﻓﺠﺄة ﺷﮭﯿﺔ اﻟﻜﻼم .أﺧﺮﺳﺘﻨﻲ اﻟﺼﺪﻣﺎت اﻟﻤﺘﺘﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻟﻤﺔ واﺣﺪة. ﻓﺎﺧﺘﺼﺮت ﻛﻞ اﻟﻜﻼم ﻓﻲ ﺟﻤﻠﺔ واﺣﺪة ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﻔﺴﯿﺮ: ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﺒﺮوك..رد ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﺣﺴﺐ اﻟﺘﻘﺎﻟﯿﺪ: اﷲ ﯾﮭﻨﯿﻚ ..وﯾﺒﺎرك ﻓﯿﻚ..ﺛﻢ أﺿﺎف ﺑﺴﻌﺎدة ﻣﻦ ﻧﺠﺢ ﻓﻲ اﻣﺘﺤﺎن: -إذن ﺳﻨﺮاك..راﻧﻲ ﻧﻌﻮّل ﻋﻠﯿﻚ ..ﺳﻨﺴﺎﻓﺮ ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮة أﯾﺎم ﺗﻘﺮﯾﺒﺎً ﻓﺎﻟﺰواج ﺳﯿﻜﻮن
ﻓﻲ 15ﯾﻮﻟﯿﻮ ..أﻃﻠﺒﻨﻲ ھﺎﺗﻔﯿﺎً ﻛﻲ ﻧﺘّﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﺳﻔﺮك. اﻧﺘﮭﺖ اﻟﻤﻜﺎﻟﻤﺔ ،وﺑﺪأت ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻣﻦ ﺣﯿﺎﺗﻲ. ﺑﺪأ ﻋﻤﺮي اﻵﺧﺮ اﻟﺬي أﻋﻠﻨﺖ ﯾﻮﻣﮭﺎ رﺳﻤﯿﺎً ﺧﺮوﺟﻚ ﻣﻨﮫ .وﻟﻜﻦ ..ھﻞ ﺧﺮﺟﺖ ﺣﻘﺎً؟ أﺣﺴﺴﺖ أن رﻗﻌﺔ اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﺎرﻏﺔ إﻻ ﻣﻨﻲ .ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ اﻟﻤﺮﺑﻌﺎت ﺑﻠﻮن واﺣﺪ ﻻ ﻏﯿﺮ ..وﻛﻞ اﻟﻘﻄﻊ أﺻﺒﺤﺖ ﻗﻄﻌﺔ واﺣﺪة أﻣﺴﻜﮭﺎ وﺣﺪي ..ﺑﯿﺪٍ واﺣﺪة! ﻓﮭﻞ ﻛﻨﺖ اﻟﺮاﺑﺢ أم اﻟﺨﺎﺳﺮ اﻟﻮﺣﯿﺪ ..ﻛﯿﻒ ﻟﻲ أن أﻋﺮف ذﻟﻚ؟ ﻟﻘﺪ ﺗﻘﻠﺼﺖ اﻟﺮﻗﻌﺔ، وﻣﻌﮭﺎ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻷﻣﻞ واﻟﺘﺮﻗﺐ ،ﺣﺴﻤﮭﺎ ﻃﺮف آﺧﺮ ،ﻛﻨﺎ ﻧﻠﻌﺐ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪء ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﮫ :إﻧﮫ اﻟﻘﺪر! ﻛﻨﺖ أﺣﻘﺪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻘﺪر أﺣﯿﺎﻧﺎً ،وﻟﻜﻦ ﻛﻨﺖ ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﺎ أﺳﺘﺴﻠﻢ ﻟﮫ دون ﻣﻘﺎوﻣﺔ .ﺑﻠﺬّة ﻏﺎﻣﻀﺔ وﺑﻔﻀﻮل رﺟﻞ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻌﺮف ﻛﻞّ ﻣﺮة ،إﻟﻰ أي ﺣﺪ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﮭﺎ اﻟﻘﺪر أن ﯾﻜﻮن أﺣﻤﻖ ،وﻟﮭﺬه اﻟﺤﯿﺎة أن ﺗﻜﻮن ﻏﯿﺮ ﻋﺎدﻟﺔ ،وأن ﺗﻜﻮن ﻋﺎھﺮة ﻻ ﺗﮭﺐ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺳﻮى ﻟﺬوي اﻟﺜﺮوات اﻟﺴﺮﯾﻌﺔ ،وﻷﺻﺤﺎب اﻟﺴﻠﻮك اﻟﻤﺸﺒﻮه اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻐﺘﺼﺒﻮﻧﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ.. وﻋﻨﺪھﺎ ﻛﻨﺖ أﺟﺪ ﺳﻌﺎدﺗﻲ اﻟﻨﺎدرة ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺘﻔﺎھﺔ اﻵﺧﺮﯾﻦ .وأﺟﺪ ﻓﻲ ھﺰاﺋﻤﻲ اﻟﺬاﺗﯿﺔ ،دﻟﯿﻼً ﻋﻠﻰ اﻧﺘﺼﺎرات أﺧﺮى ﻟﯿﺴﺖ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﺠﻤﯿﻊ. ﺗﺮاﻧﻲ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺟﻨﻮن ﻛﮭﺬه ﻗﺒﻠﺖ أن أﺣﻀﺮ ﻋﺮﺳﻚ ،وأن أﻛﻮن ﺷﺎھﺪاً ﻋﻠﻰ ﻣﺄﺗﻤﻲ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﺎرة اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺼﻠﮭﺎ اﻟﺒﻌﺾ دون ﺧﺠﻞ؟ أم ﺗﺮاﻧﻲ ﻛﻜﻞ اﻟﻤﺒﺪﻋﯿﻦ ،ﻛﻨﺖ ﻣﺎزوﺷﯿّﺎً ﺑﺘﻔﻮق ،وأﺻﺮّ ﻓﻲ ﻏﯿﺎب اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، أن أﻋﯿﺶ ﺣﺰﻧﻲ اﻟﻤﻄﻠﻖ ،وأن أذھﺐ ﻣﻌﻚ إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ﻧﻘﻄﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺬﯾﺐ اﻟﻨﻔﺲ، ﻓﺄﻣﺎرس ﻛﻲّ ھﺬا اﻟﻘﻠﺐ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻟﯿﺸﻔﻰ ﻣﻨﻚ؟ ﻛﺮھﺘﻚ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺑﺸﺮاﺳﺔ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻋﺮﻓﺘﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. اﻧﻘﻠﺒﺖ ﻋﻮاﻃﻔﻲ ﻣﺮة واﺣﺪة إﻟﻰ ﻋﺎﻃﻔﺔ ﺟﺪﯾﺪة ،ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺰﯾﺞ ﻣﻦ اﻟﻤﺮارة واﻟﻐﯿﺮة واﻟﺤﻘﺪ ..ورﺑﻤﺎ اﻻﺣﺘﻘﺎر أﯾﻀﺎً. ﻣﺎ اﻟﺬي أوﺻﻠﻚ ھﻨﺎ؟ وھﻞ اﻟﻨﺴﺎء ﺣﻘﺎً ﻣﺜﻞ اﻟﺸﻌﻮب ،ﯾﺸﻌﺮن داﺋﻤﺎً ﺑﺈﻏﺮاء ..وﺑﻀﻌﻒ ﻣﺎ ﺗﺠﺎه اﻟﺒﺪﻻت اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ ..ﺣﺘﻰ اﻟﺒﺎھﺘﺔ ﻣﻨﮫ؟!
ﻣﺎ زﻟﺖ ﺣﺘﻰ اﻟﯿﻮم أﺗﺴﺎءل ..ﻛﯿﻒ ﻗﺒﻠﺖ ﯾﻮﻣﮭﺎ أن أذھﺐ إﻟﻰ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻟﺤﻀﻮر ﻋﺮﺳﻚ؟ ﻛﻨﺖ أﻋﺮف ﻣﺴﺒﻘﺎً أن دﻋﻮﺗﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺠﺮد ﻧﯿﺔ ﺣﺴﻨﺔ ،واﻟﺘﻔﺎﺗﺔ ود وﺻﺪاﻗﺔ ﻟﺮﺟﻞ ﺗﺠﻤﻌﻨﻲ ﺑﮫ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺮاﺑﺔ. وﻟﻜﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻞ ﻛﻞّ ﺷﻲء ،اﺳﺘﻐﻼﻻً ﻟﻠﺬاﻛﺮة واﺳﺘﻌﻤﺎﻻً ﺳﯿﺌﺎً ﻻﺳﻢ ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﻘﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻇﻠّﺖ ﻧﻈﯿﻔﺔ ﻓﻲ زﻣﻦ اﻧﺘﺸﺮ ﻓﯿﮫ وﺑﺎء اﻟﻘﺬارة. ﻛﺎن ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﯾﺪري أﻧﮫ ﯾﺴﻘﻮم ﺑﺼﻔﻘﺔ ﻗﺬرة ،وأﻧﮫ ﯾﺒﯿﻊ ﺑﺰواﺟﮫ اﺳﻢ أﺧﯿﮫ، وأﺣﺪ ﻛﺒﺎر ﺷﮭﺪاﺋﻨﺎ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﻨﺼﺐ وﺻﻔﻘﺎت أﺧﺮى.. وأﻧﮫ ﯾﺘﺼﺮف ﺑﺎﺳﻤﮫ ،ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﯿﻘﺒﻠﮭﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﺣﯿﺎً. وﻛﺎن ﯾﻠﺰﻣﮫ أﻧﺎ ..وﻻ أﺣﺪ ﻏﯿﺮي ﻷﺑﺎرك اﻏﺘﺼﺎﺑﻚ ،أﻧﺎ ﺻﺪﯾﻖ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ اﻟﻮﺣﯿﺪ ورﻓﯿﻖ ﺳﻼﺣﮫ. أﻧﺎ اﻟﮭﯿﻜﻞ اﻟﻤﻔﺘﺖ اﻷﻃﺮاف اﻷﺧﯿﺮ ،اﻟﺬي ﺑﻘﻲ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻐﺎﺑﺮ. ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﺰﻣﮫ ﻣﺒﺎرﻛﺘﻲ ،ﻟﯿُﺴﻜﺖ ﺑﺤﻀﻮري ﺿﻤﯿﺮه وﯾﻌﺘﻘﺪ أن ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ﺳﯿﻐﻔﺮ ﻟﮫ، ھﻮ اﻟﺬي ﻋﺎش ﻣﻦ اﺳﻤﮫ ﻃﻮﯾﻼً. ﻓﻠﻤﺎذا ﻗﺒﻠﺖ اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻌﺒﺔ؟ ﻟﻤﺎذا ﻗﺒﻠﺖ دون ﻧﻘﺎش أن أﺳﻠﻤﻚ ﻷﻇﺎﻓﺮھﻢ؟ أﻷﻧﻨﻲ أدري أن ﻣﺒﺎرﻛﺘﻲ ﻗﻀﯿﺔ ﺷﻜﻠﯿﺔ ،ﻟﻦ ﺗﻘﺪم وﻟﻦ ﺗﺆﺧﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء ،وأﻧﮫ ﻟﻮ ﻟﻢ ﯾﺰوّﺟﻚ ﻣﻦ )ﺳﻲ )....ﻟﻜﻨﺖ ﻣﻦ ﻧﺼﯿﺐ )ﺳﻲ (....آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﺎدة اﻟﺠﺪد. ﻓﻤﺎذا ﯾﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،أي اﺳﻢ ﻣﻦ أﺳﻤﺎء اﻷرﺑﻌﯿﻦ ﻟﺼﺎً ﺳﺘﺤﻤﻠﯿﻦ! ﻟﻤﺎذا ﻗﺒﻠﺖ اﻟﺴﻔﺮ ..أﻟﻜﻞ ھﺬا أم ﻷﻧﻨﻲ اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻹﻏﺮاء ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،وﻟﻨﺪاﺋﮭﺎ اﻟﺴﺮّي اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻼﺣﻘﻨﻲ وﯾﻄﺎردﻧﻲ ﻣﻦ اﻷزل ،ﻛﻤﺎ ﯾﻄﺎرد ﻧﺪاء اﻟﺤﻮرﯾﺎت ﻓﻲ اﻟﺠﺰر اﻟﻤﺴﺤﻮرة أوﻟﺌﻚ اﻟﺒﺤﺎرة اﻟﺬﯾﻦ ﻧﺰﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﻮاﺧﺮھﻢ ﻟﻌﻨﺔ اﻵﻟﮭﺔ.. أم ﺗﺮاﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ أن أﺧﻠﻒ ﻣﻮﻋﺪاً ﻣﻌﻚ ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ زواﺟﻚ؟
ھﻨﺎﻟﻚ ﻗﺮارات وﻟﯿﺪة ﺿﺪھﺎ ،ﻓﻜﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻲ اﻟﯿﻮم أن أﻓﺴّﺮ ﻗﺮاراً أﺧﺬﺗﮫ ﺧﺎرج اﻟﻤﻨﻄﻖ؟ ﻛﻨﺖ ﻛﻌﺎﻟﻢ ﻓﯿﺰﯾﺎﺋﻲ ﻣﺠﻨﻮن ،ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ ﺻﯿﻐﺘﯿﻦ ﻣﺘﻔﺠّﺮﺗﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ :أﻧﺖ ..وﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﺻﯿﻐﺘﯿﻦ ﺻﻨﻌﺘﮭﻤﺎ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﻧﻮﺑﺔ ﺷﻮق وﻋﺸﻖ وﺟﻨﻮن، ﻗﺴﺖ ﻗﺪرﺗﮭﻤﺎ اﻟﺘﺪﻣﯿﺮﯾﺔ ﻛﻼ ﻋﻠﻰ اﻧﻔﺮاد ،وأردت أن أﺟﺮﺑﮭﻤﺎ ﻣﻌﺎً ﻛﻤﺎ ﺗﺠﺮّب ﻗﻨﺒﻠﺔ ذرﯾﺔ ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء. أردت أن أﻋﯿﺸﮭﻤﺎ ﻣﻌﺎً ﻓﻲ اﻧﻔﺠﺎر داﺧﻠﻲ واﺣﺪ ..ﯾﮭﺰّﻧﻲ وﺣﺪي ..ﯾﺪﻣﺮﻧﻲ وﺣﺪي.. وأﺧﺮج ﺑﻌﺪه ﻣﻦ وﺳﻂ اﻟﺤﺮاﺋﻖ واﻟﺪﻣﺎر ،إﻣﺎ رﺟﻼً آﺧﺮ ..وأﺷﻼء رﺟﻞ. أﻟﻢ ﺗﻘﻮﻟﻲ ﻣﺮة إن ھﻨﺎك رﻏﺒﺔ ﺳﺮﯾﺔ ﺗﺴﻜﻨﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً اﺳﻤﮭﺎ "ﺷﮭﻮة اﻟﻠﮭﺐ"؟ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺑﻌﺪھﺎ ﺑﻨﻔﺴﻲ اﻟﺘﻄﺎﺑﻖ ﺑﯿﻨﻚ وﺑﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ. ﻛﺎن ﻓﯿﻜﻤﺎ ﻣﻌﺎً ،ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻠﮭﯿﺐ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻨﻄﻔﺊ ..وﻗﺪرة ﺧﺎرﻗﺔ ﻋﻠﻰ إﺷﻌﺎل اﻟﺤﺮاﺋﻖ.. وﻟﻜﻨﻜﻤﺎ ﻣﻌﺎً ،ﻛﻨﺘﻤﺎ ﺗﺘﻈﺎھﺮان ﺑﺈﻋﻼن اﻟﺤﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﻮس .إﻧﮫ زﯾﻒ اﻟﻤﺪن اﻟﻌﺮﯾﻘﺔ اﻟﻤﺤﺘﺮﻣﺔ ..وﻧﻔﺎق ﺑﻨﺎت اﻟﻌﺎﺋﻼت ..أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ *** ﺟﺎء ﺻﻮﺗﻚ ﯾﻮم اﻻﺛﻨﯿﻦ ھﻜﺬا دون ﻣﻘﺪﻣﺎت .دون أﯾﺔ ﻧﺒﺮة ﺣﺰن أو ﻓﺮح ﻣﻤﯿﺰة.. دون ارﺗﺒﺎك وﻻ أي ﺧﺠﻞ واﺿﺢ. ورﺣﺖ ﺗﺘﺤﺪّﺛﯿﻦ إﻟﻲّ ،وﻛﺄﻧﻚ ﺗﻮاﺻﻠﯿﻦ ﺣﺪﯾﺜﺎً ﺑﺪأﻧﺎه اﻟﺒﺎرﺣﺔ ،ﻛﺄن ﺻﻮﺗﻚ ﻟﻢ ﯾﻌﺒﺮ ھﺬا اﻟﺨﻂ اﻟﮭﺎﺗﻔﻲ ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺘّﺔ أﺷﮭﺮ. ﻣﺎ أﻏﺮب ﻋﻼﻗﺘﻚ ﺑﺎﻟﺰﻣﻦ ..وﻣﺎ أﻏﺮب ذاﻛﺮﺗﻚ! أھﻼً ﺧﺎﻟﺪ ..ھﻞ أﯾﻘﻈﺘﻚ؟ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أﻗﻮل ﻻ ،وﻛﺎن ﻣﻦ اﻷﺻﺢ أن أﻗﻮل ﻧﻌﻢ .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻗﻠﺖ ﺑﺼﻮت ﻣﻦ ﯾﺨﺮج ﻣﻦ ﻏﯿﺒﻮﺑﺔ ﻋﺸﻖ:
أﻧﺖِ..؟!ﺿﺤﻜﺖ ..ﺗﻠﻚ اﻟﻀﺤﻜﺔ اﻟﻄﻔﻮﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﺳﺮﺗﻨﻲ ﯾﻮﻣﺎً وﻗﻠﺖ: أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻨﻲ أﻧﺎ ..ھﻞ ﻧﺴﯿﺖ ﺻﻮرﺗﻲ؟!ﺛﻢ أﺿﻔﺖ أﻣﺎم ﺻﻤﺘﻲ: ﻛﯿﻒ أﻧﺖ؟أﺣﺎول أن أﺻﻤﺪ..ﺗﺼﻤﺪ ﻓﻲ وﺟﮫ ﻣﻦ.؟ﻓﻲ وﺟﮫ اﻷﯾﺎم..ﻗﻠﺖ ﺑﻌﺪ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ ..وﻛﺄﻧﻚ ﺷﻌﺮت ﺑﺬﻧﺐٍ ﻣﺎ: ﻛﻠﻨﺎ ﻧﺤﺎول ذﻟﻚ..ﺛﻢ أﺿﻔﺖِ: ھﻞ أﺧﺒﺎري ھﻲ اﻟﺘﻲ أزﻋﺠﺘﻚ؟ﻋﺠﯿﺐ ﺳﺆاﻟﻚ .ﻋﺠﯿﺐ ﻛﺬاﻛﺮﺗﻚ .ﻛﻌﻼﻗﺘﻚ ﺑﻤﻦ ﺗﺤﺒّﯿﻦ! ﻗﻠﺖ: أﺧﺒﺎرك ﻟﯿﺴﺖ ﺳﻮى ﺟﺰء ﻣﻦ ﺗﻘﻠّﺒﺎت اﻷﯾﺎم.أﺟﺒﺖ ﺑﺒﺮاءة ﻛﺎذﺑﺔ: ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ أن ﺗﺴﺘﻘﺒﻞ ﺧﺒﺮ زواﺟﻲ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أﺧﺮى .ﻟﻘﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﻋﻤﻲ ﯾﺘﺤﺪث إﻟﯿﻚأﻣﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺎﺗﻒ ،وﺗﻌﺠﺒﺖ أن ﺗﻜﻮن ﻗﺒﻠﺖ اﻟﻤﺠﻲء إﻟﻰ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ دون ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ أو ﺗﺮدد .ﻟﻘﺪ أﺳﻌﺪﻧﻲ ذﻟﻚ ﻛﺜﯿﺮاً ،وﻗﺮرت أن أﻃﻠﺒﻚ ..اﺳﺘﻨﺠﺖ أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻋﺎﺗﺒﺎً ﻋﻠﻲّ .. ﻓﺄﻧﺎ أرﯾﺪ أن ﺗﺤﻀﺮ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﻌﺮس ..ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري أن ﺗﺤﻀﺮ..
ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا أﻋﺎدﺗﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎﺗﻚ إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻟﻤﺘﻲ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﻊ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ،وإﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻌﺠﯿﺐ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻘﻨﻌﻨﻲ أﻧﻚ اﺑﻨﺘﻲ. ﺷﻌﺮت ﻣﺮة أﺧﺮى أﻧﻨﻲ أﻗﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻼﻋﻘﻞ ،ﺑﯿﻦ اﻟﺒﻜﺎء واﻟﻀﺤﻚ.. ﺳﺄﻟﺘﻚ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻤﺮارة اﻟﺴﺎﺧﺮة: أﺗﻤﻨﻰ أن أﻓﮭﻢ ﺳﺮ إﺻﺮارﻛﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻋﻠﻰ ﺣﻀﻮري..ﻗﻠﺖِ: ﺳﺒﺐ إﺻﺮار ﻋﻤﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﻀﻮرك ﻻ ﯾﮭﻤﻨﻲ إﻃﻼﻗﺎً .وﻟﻜﻨﻨﻲ أدري أﻧﻨﻲ ﺳﺄﻛﻮنﺗﻌﯿﺴﺔ ﻟﻮ ﺗﻐﯿّﺒﺖ ﻋﻦ اﻟﻤﺠﻲء.. أﺟﺒﺘﻚ ﺑﺘﮭﻜﻢ: ھﻞ اﻟﺴﺎدﯾﺔ ..آﺧﺮ ھﻮاﯾﺎﺗﻚ؟ﻗﻠﺖِ ﺑﻨﺒﺮة ﻓﺎﺟﺄﺗﻨﻲ: ﻟﻘﺪ أﺣﺒﺒﺖ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ.أﺟﺒﺘﻚ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ اﻟﺘﻲ أﺟﺒﺘﻨﻲ ﺑﮭﺎ ﯾﻮﻣﺎً ،وأﻧﺎ أﻋﺘﺮف ﻟﻚ "ﻟﻘﺪ أﺣﺒﺒﺘﻚ ﯾﻮم ﻗﺮأﺗﻚ" ﻓﻘﻠﺖِ "ﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ أﻻ ﺗﻘﺮأﻧﻲ..". ﻗﻠﺖُ: ﻛﺎن ﯾﻨﺒﻐﻲ أﻻ ﺗﺤﺒّﯿﮭﺎ إذن..وإذا ﺑﺠﻮاﺑﻚ ﯾﺪھﺸﻨﻲ ..ﯾﻮﻗﻈﻨﻲ ..وﯾﺒﺚّ ﺷﺤﻨﺔ ﻛﮭﺮﺑﺎﺋﯿﺔ ﻓﻲ ﺟﺴﺪي.. - ...وﻟﻜﻨﻨﻲ أﺣﺒﺒﺘﻚ! ھﺎ ھﻲ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻈﺮﺗﮭﺎ ﻋﺎﻣﺎً دون ﺟﺪوى .ﻓﮭﻞ أﺷﻜﺮك أم أﺑﻜﻲ .أم أﺳﺄﻟﻚ ﻟﻤﺎذا اﻟﯿﻮم ..ﻟﻤﺎذا اﻵن ..وﻟﻤﺎذا ﻛﻞّ ھﺬا اﻟﻌﺬاب إذن؟
ﺳﺄﻟﺘﻚ ﻓﻘﻂ: وھﻮ؟أﺟﺒﺘﻨﻲ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺘﺤﺪّﺛﯿﻦ ﻋﻦ ﺷﻲء ﻻ ﯾﻌﻨﯿﻚ ﺗﻤﺎﻣﺎً: إﻧﮫ ﻗﺪر ﺟﺎھﺰ.ﻗﺎﻃﻌﺘﻚ: ﻟﻜﻞ ﺷﺨﺺ اﻟﻘﺪر اﻟﺬي ﯾﺴﺘﺤﻘّﮫ .ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ ﻗﺪراً ﻏﯿﺮ ھﺬا ..ﻛﯿﻒ ﻗﺒﻠﺖ أنﺗﺮﺗﺒﻄﻲ ﺑﮫ؟ ﻗﻠﺖِ: أﻧﺎ ﻻ أرﺗﺒﻂ ﺑﮫ ..أﻧﺎ أھﺮب إﻟﯿﮫ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ذاﻛﺮة ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻠﺴﻜﻦ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺛﺜﺘﮭﺎﺑﺎﻷﺣﻼم اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻠﺔ واﻟﺨﯿﺒﺎت اﻟﻤﺘﺘﺎﻟﯿﺔ.. وﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎذا ھﻮ ..ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻤﺮّﻏﻲ اﺳﻢ واﻟﺪك ﻓﻲ ﻣﺰﺑﻠﺔ ﻛﮭﺬه ..أﻧﺖ ﻟﺴﺖاﻣﺮأة ﻓﻘﻂ ،أﻧﺖ وﻃﻦ ،أﻓﻼ ﯾﮭﻤّﻚ ﻣﺎ ﺳﯿﻜﺘﺒﮫ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﯾﻮﻣﺎً؟ أﺟﺒﺖِ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ اﻟﻤﺮة: وﺣﺪك ﺗﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﺟﺎﻟﺲ ﻣﺜﻞ ﻣﻼﺋﻜﺔ اﻟﺸﺮ واﻟﺨﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﯿﻨﺎ ،ﻟﯿﺴﺠّﻞاﻧﺘﺼﺎراﺗﻨﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﻤﺠﮭﻮﻟﺔ ..أو ﻛﺒﻮاﺗﻨﺎ وﺳﻘﻮﻃﻨﺎ اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ ﻧﺤﻮ اﻷﺳﻔﻞ .اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻜﺘﺐ ﺷﯿﺌﺎً .إﻧﮫ ﯾﻤﺤﻮ ﻓﻘﻂ! ﻟﻢ أﺳﺄﻟﻚ ﻣﺎ اﻟﺬي ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ ﻣﺤﻮه ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ .وﻟﻢ أﻧﺎﻗﺸﻚ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﺗﻚ اﻟﺨﺎﻃﺌﺔ ﻟﻠﻘﯿﻢ.. ﺳﺄﻟﺘﻚ: ﻣﺎ اﻟﺬي ﺗﺮﯾﺪﯾﻨﮫ ﻣﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﺪﯾﺪ؟ﻗﻠﺖِ ﻛﺄﻧﻚ ﻃﻔﻠﺔ ﯾﺴﺄﻟﻮﻧﮭﺎ ﻋﻦ أيّ ﺣﻠﻮى ﺗﺮﯾﺪ: -أرﯾﺪك..
ﺧﻄﺮ ﺑﺬھﻨﻲ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ أﻧﻚ رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ اﻣﺮأة ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ ﺣﺐ رﺟﻞ واﺣﺪ ،وأﻧﮫ ﯾﻠﺰﻣﻚ داﺋﻤﺎً رﺟﻼن .ﻛﺎﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ زﯾﺎد وأﻧﺎ .وأﺻﺒﺤﺎ اﻟﯿﻮم أﻧﺎ ..واﻵﺧﺮ. ﻋﺎد ﺻﻮﺗﻚ ﯾﻘﻮل: ﺧﺎﻟﺪ ..أﺗﺪري أﻧﻨﻲ أﺣﺒﺒﺘﻚ ..إﻧﮫ ﺣﺪث أن أردﺗﻚ واﺷﺘﮭﯿﺘﻚ ﺣﺪّ اﻟﺠﻨﻮن ..ﺷﻲءﻓﯿﻚ ﺟﺮّدﻧﻲ ﻣﻦ ﻋﻘﻠﻲ ﯾﻮﻣﺎً ..وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻗﺮرت أن أﺷﻔﻰ ﻣﻨﻚ ..ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﺣﺒّﻨﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺮﺿﯿّﺔ ،أﻧﺖ ﻧﻔﺴﻚ ﻗﻠﺖ ھﺬا.. ﺳﺄﻟﺘﻚِ: ﻟﻤﺎذا ﻋﺪت اﻟﯿﻮم إذن؟ﻗﻠﺖِ: ﻋﺪت ﻷﻗﻨﻌﻚ ﺑﺎﻟﻤﺠﻲء إﻟﻰ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ .أرﯾﺪ أن ﺗﺒﺎرﻛﻨﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ وﻟﻮ ﻣﺮةواﺣﺪة ..ﺗﺒﺎرﻛﻨﺎ وﻟﻮ ﻛﺬﺑﺎً ،ﻟﻘﺪ ﺗﻮاﻃﺄت ﻣﻌﻨﺎ وأوﺻﻠﺘﻨﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﻮﻧﻨﺎ ھﺬا ..أدري أﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻓﯿﮭﺎ ..ﻗﺪ ﻻ ﻧﺘﺤﺪث ..وﻗﺪ ﻻ ﻧﺘﺼﺎﻓﺢ .وﻟﻜﻦ ﺳﺄﻛﻮن ﻟﻚ ﻣﺎ دﻣﻨﺎ ﻓﯿﮭﺎ. ﺳﻨﺘﺤﺪاھﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺮأى ﻣﻨﮭﺎ ..ووﺣﺪھﺎ ﺳﺘﻌﺮف أﻧﻨﻲ أﻣﻨﺤﻚ ﻟﯿﻠﺘﻲ اﻷوﻟﻰ ..أﯾﺴﻌﺪك ھﺬا؟ ﻛﻢ ﻣﻦ ﻟﯿﻠﺔ أوﻟﻰ ﻛﻨﺖ ﺗﻤﻠﻜﯿﻦ؟ ﻛﻢ ﻣﻦ ﻟﯿﻠﺔ وھﻤﯿﺔ أوﻟﻰ ﻛﻨﺖ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ أن ﺗﮭﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﯿﺎض ،ﻛﻤﺎ وھﺒﺖِ رواﯾﺘﻚ اﻷوﻟﻰ ..ﻧﺴﺨﺘﯿﻦ ﻣﺰوّرﺗﯿﻦ ﻟﻲ وﻟﺰﯾﺎد ..ﻣﻮﻗّﻌﺘﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﯿﺎض. ﻟﻤﻦ ﺳﺘﻜﻮﻧﯿﻦ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ وھﻤﯿﺔ؟ وﻣﻊ ﻣﻦ ﺑﺪأت ﻛﺬﺑﺘﻚ اﻷوﻟﻰ؟ ﻟﻤﻦ أھﺪﯾﺖ ھﺪﯾّﺘﻚ اﻟﻤﻠﻐﻮﻣﺔ اﻷوﻟﻰ؟ ﻋﻨﺪﻣﺎ أذﻛﺮ ﻛﻼﻣﻚ اﻟﯿﻮم ،أﺿﺤﻚ وأﻧﺎ أﺷﺒّﮫ ﻧﻔﺴﻲ آﻧﺬاك ﺑﺄﺛﯿﻮﺑﻲ ﺟﺎﺋﻊ ﯾﺴﺮدون ﻋﻠﯿﮫ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻣﻦ اﻷﻃﺒﺎق اﻟﺸﮭﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻦ ﯾﺬوﻗﮭﺎ ،وﯾﺴﺄﻟﻮﻧﮫ ﺑﻌﺪھﺎ ﻛﯿﻒ وﺟﺪھﺎ.. وإذا ﻛﺎن ذﻟﻚ ﯾﺴﻌﺪه.. وﻟﻜﻦ وﻗﺘﮭﺎ ﻟﻢ أﺿﺤﻚ ،ﺑﻞ رﺑﻤﺎ ﺑﻜﯿﺖ وأﻧﺎ أﺟﯿﺒﻚ ﺑﺤﻤﺎﻗﺔ ﻋﺎﺷﻖ" ..ﯾﺴﻌﺪﻧﻲ..". ﻟﻢ أﻧﺘﺒﮫ إﻟﻰ أﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﺗﻤﻨﺤﯿﻨﻨﻲ ﻟﯿﻠﺔً وھﻤﯿﺔ ،ﻋﻠﻲّ أن أﺗﻨﺎزل ﻋﻨﮭﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻟﺮﺟﻞ آﺧﺮ ،ﺳﯿﺴﺘﻔﯿﺪ ﻣﻨﮭﺎ ﻓﻌﻠﯿﺎً!
وﻟﻜﻦ ھﻞ ﯾﮭﻢ ذﻟﻚ ..ﻣﺎدﻣﺖ أﺗﻨﺎزل ﻋﻦ ﺷﻲء ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺤﺎﻻت ﻟﻲ؟ ھﻜﺬا اﻟﺘﺎرﯾﺦ داﺋﻤﺎً ﻋﺰﯾﺰﺗﻲ وھﻜﺬا اﻟﻤﺎﺿﻲ ..ﻧﺪﻋﻮه ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ﻟﯿﺘﻜﻔّﻞ ﺑﻔﺘﺎت اﻟﻤﻮاﺋﺪ. ﻧﺘﺤﺎﯾﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺬاﻛﺮة ،ﻧﺮﻣﻲ ﻟﮭﺎ ﻋﻈﻤﺔ ﺗﺘﻠﮭﻰ ﺑﮭﺎ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗُﻨﺼﺐ اﻟﻤﻮاﺋﺪ ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ. وھﻜﺬا اﻟﺸﻌﻮب أﯾﻀﺎً ،ﻧﮭﺒﮭﺎ ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻷوھﺎم ..ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻷﺣﻼم اﻟﻤﻌﻠّﺒﺔ ،ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻤﺆﺟﻠﺔ ،ﻓﺘﻐﺾّ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ اﻟﻮﻻﺋﻢ اﻟﺘﻲ ﻟﻦ ﺗﺪﻋﻰ إﻟﯿﮭﺎ.. وﻟﻜﻦ ﻟﻢ أعِ ﻛﻞ ھﺬا إﻻ ﺑﻌﺪ ﻓﻮات اﻷوان .ﺑﻌﺪﻣﺎ رﻓﻌﺖ اﻟﻤﻮاﺋﺪ ،واﻧﺴﺤﺐ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻷﺑﻘﻰ وﺣﺪي ..أﻣﺎم ﻓﺘﺎت اﻟﺬاﻛﺮة. ﻗﻠﺖُ: أرﯾﺪ أن أراكِ..ﺻﺤﺖِ: ﻻ ..ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﻘﺎؤﻧﺎ ﻣﻤﻜﻨﺎً اﻵن ..ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ھﺬا أﻓﻀﻞ .ﯾﺠﺐ أن ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻧﮭﺎﯾﺔأﻗﻞ وﺟﻌﺎً ﻟﻘﺼّﺘﻨﺎ .ﻟﺘﻜﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻟﻘﺎءﻧﺎ وﻓﺮاﻗﻨﺎ ﻣﻌﺎً ..ﻓﻼ داﻋﻲ ﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﺬاب. ھﻜﺬا إذن ..ﻗﺮرت ﻗﺘﻠﻲ ﺣﺴﺐ اﻷﺻﻮل ،ﺑﺠﺮّة ﺳﻜّﯿﻦ واﺣﺪة ،ذھﺎﺑﺎً وإﯾﺎﺑﺎً ..ﻓﻲ ﻟﻘﺎءٍ وﻓﺮاقٍ واﺣﺪ .ﻓﻤﺎ أرأﻓﻚ ﺑﻲ ..وﻣﺎ أﻏﺒﺎﻧﻲ! أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺆال ﻇﻞّ ﻣﻌﻠّﻘﺎً ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻖ ،ﻟﻢ أﻃﺮﺣﮫ ﻋﻠﯿﻚ ﯾﻮﻣﮭﺎ. أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻟﻮم ..أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺘﺎب ..أﻛﺜﺮ ﻣﻦ رﻏﺒﺔ.. وﻟﻜﻦ ھﺎﺗﻔﻚ اﻧﺘﮭﻰ ﻛﻤﺎ ﺟﺎء ﺧﺎرج اﻟﺰﻣﺎن ،وأﻧﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﺤﻮة واﻟﯿﻘﻈﺔ ﻣﻤﺪد ﺑﺬھﻮل ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻲ. ﺣﺘﻰ أﻧﻨﻲ ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﺑﻌﺪھﺎ :ھﻞ ﻃﻠﺒﺘﻨﻲ ﺣﻘﺎً ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح أم أﻧﻨﻲ ﺣﻠﻤﺖ ..ﻓﻘﻂ؟
ھﺎ ﻧﺤﻦ ﻣﺜﻞ أﻃﻔﺎل إذن.. ﻧﻤﺤﻮ ﻛﻞ ﻣﺮة آﺛﺎر اﻟﻄﺒﺎﺷﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻟﻨﺮﺳﻢ ﻗﻮاﻧﯿﻦ ﻟﻌﺒﺔ ﺟﺪﯾﺪة. ﻧﺘﺤﺎﯾﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻟﻨﺮﺑﺢ ﻛﻞ ﺷﻲء .ﻓﺘﺘّﺴﺦ ﺛﯿﺎﺑﻨﺎ وﻧﺼﺎب ﺑﺨﺪوش وﻧﺤﻦ ﻧﻘﻔﺰ ﻋﻠﻰ رِﺟْﻞ واﺣﺪة ﻣﻦ ﻣﺮﺑﻊ ﻣﺴﺘﺤﯿﻞ إﻟﻰ آﺧﺮ. ﻛﻞ ﻣﺮﺑﻊ ﻓﺦّ ﻧﺼﺐ ﻟﻨﺎ ،وﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺑﻊ وﻗﻔﻨﺎ وﺗﺮﻛﻨﺎ أرﺿﺎً ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻷﺣﻼم. ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن ﻧﻌﺘﺮف أﻧﻨﺎ ﺗﺠﺎوزﻧﺎ ﻋﻤﺮ اﻟﻨﻂ ﻋﻠﻰ رِﺟْﻞ واﺣﺪة ،واﻟﻘﻔﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺒﺎل، واﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺑﻌﺎت اﻟﻄﺒﺎﺷﯿﺮ اﻟﻮھﯿﻤﺔ. أﺧﻄﺄﻧﺎ ﺣﺒﯿﺒﺘﻲ.. اﻟﻮﻃﻦ ﻻ ﯾﺮﺳﻢ ﺑﺎﻟﻄﺒﺎﺷﯿﺮ ،واﻟﺤﺐ ﻻ ﯾﻜﺘﺐ ﺑﻄﻼء اﻷﻇﺎﻓﺮ. أﺧﻄﺄﻧﺎ ..اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻻ ﯾﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻮرة ،ﺑﯿﺪ ﺗﻤﺴﻚ ﻃﺒﺎﺷﯿﺮ وأﺧﺮى ﺗﻤﺴﻚ ﻣﻤﺤﺎة.. واﻟﻌﺸﻖ ﻟﯿﺲ أرﺟﻮﺣﺔ ﯾﺘﺠﺎذﺑﮭﺎ اﻟﻤﻤﻜﻦ واﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ. دﻋﯿﻨﺎ ﻧﺘﻮﻗﻒ ﻟﺤﻈﺔ ﻋﻦ اﻟﻠﻌﺐ .ﻟﺤﻈﺔ ﻋﻦ اﻟﺠﺮي ﻓﻲ ﻛﻞ اﻻﺗﺠﺎھﺎت .ﻧﺴﯿﻨﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﻌﺒﺔ ﻣَﻦْ ﻣِﻨّﺎ اﻟﻘﻂ ،وﻣَﻦ اﻟﻔﺄر ..وﻣﻦ ﻣﻨﺎ ﺳﯿﻠﺘﮭﻢ ﻣَﻦْ. ﻧﺴﯿﻨﺎ أﻧﮭﻢ ﺳﯿﻠﺘﮭﻤﻮﻧﻨﺎ ﻣﻌﺎً. ﻟﻢ ﯾﻌﺪ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻣﺘّﺴﻊ ﻟﻠﻜﺬب .ﻻ ﺷﻲء أﻣﺎﻣﻨﺎ ﺳﻮى ھﺬا اﻟﻤﻨﻌﻄﻒ اﻷﺧﯿﺮ .ﻻ ﺷﻲء ﺗﺤﺘﻨﺎ ﻏﯿﺮ ھﺎوﯾﺔ اﻟﺪﻣﺎر. ﻓﻠﻨﻌﺘﺮف أﻧﻨﺎ ﺗﺤﻄّﻤﻨﺎ ﻣﻌﺎً. ﻟﺴﺖِ ﺣﺒﯿﺒﺘﻲ.. أﻧﺖِ ﻣﺸﺮوع ﺣﺒﻲ ﻟﻠﺰﻣﻦ اﻟﻘﺎدم .أﻧﺖ ﻣﺸﺮوع ﻗﺼّﺘﻲ اﻟﻘﺎدﻣﺔ وﻓﺮﺣﻲ اﻟﻘﺎدم ..أﻧﺖِ ﻣﺸﺮوع ﻋﻤﺮي اﻵﺧﺮ. ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ذﻟﻚ ..أﺣﺒّﻲ ﻣﻦ ﺷﺌﺖِ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ،واﻛﺘﺒﻲ ﻣﺎ ﺷﺌﺖِ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺺ.. وﺣﺪي أﻋﺮف ﻗﺼّﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﻟﻦ ﺗﺼﺪر ﯾﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﻛﺘﺎب .وﺣﺪي أﻋﺮف أﺑﻄﺎﻟﻚ اﻟﻤﻨﺴﯿﯿﻦ وآﺧﺮﯾﻦ ﺻﻨﻌﺘﮭﻢ ﻣﻦ ورق.
وﺣﺪي أﻋﺮف ﻃﺮﯾﻘﺘﻚ اﻟﺸﺎذة ﻓﻲ اﻟﺤﺐ ،ﻃﺮﯾﻘﺘﻚ اﻟﻔﺮﯾﺪة ﻓﻲ ﻗﺘﻞ ﻣﻦ ﺗﺤﺒﯿﻦ .. ﻟﺘﺆﺛﺜﻲ ﻛﺘﺒﻚ ﻓﻘﻂ. أﻧﺎ اﻟﺬي ﻗﺘﻠﺘﻨﻲ ﻟﻌﺪة أﺳﺒﺎب ﻏﺎﻣﻀﺔ ،وأﺣﺒﺒﺘﻚ ﻷﺳﺒﺎب ﻏﺎﻣﻀﺔ أﺧﺮى. أﻧﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﺣﻮّﻟﻚ ﻣﻦ اﻣﺮأة إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ ،وﺣﻮﻟﺘﮫ ﻣﻦ ﺣﺠﺎرة ﻛﺮﯾﻤﺔ إﻟﻰ ﺣﺼﻰ. ﻻ ﺗﺘﻄﺎوﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﻄﺎﻣﻲ ﻛﺜﯿﺮاً. ﻟﻢ ﯾﻨﺘﮫ زﻣﻦ اﻟﺰﻻزل ،وﻣﺎ زال ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ ﺣﺠﺎرة ﻟﻢ ﺗﻘﺬﻓﮭﺎ اﻟﺒﺮاﻛﯿﻦ ﺑﻌﺪ. دﻋﯿﻨﺎ ﻧﺘﻮﻗﻒ ﻟﺤﻈﺔ ﻋﻦ اﻟﻠﻌﺐ .ﻛﻔﺎك ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﻠﺘﮫ ﻣﻦ ﻛﺬب.. أﻋﺮف اﻟﯿﻮم أﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻟﻲ. دﻋﯿﻨﻲ إذن ،أﻧﺤﺸﺮ ﻣﻌﻚ ﯾﻮم اﻟﺤﺸﺮ ﺣﯿﺚ ﺗﻜﻮﻧﯿﻦ ،ﻷﻛﻮن ﻧﺼﻔﻚ اﻵﺧﺮ. دﻋﯿﻨﻲ أﺣﺠﺰ ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻣﻜﺎﻧﺎً ﻟﻲ إﻟﻰ ﺟﻮارك ،ﻣﺎ داﻣﺖ ﻛﻞ اﻷﻣﺎﻛﻦ ﻣﺤﺠﻮزة ﺣﻮﻟﻚ ھﻨﺎ ،وﻣﺎ داﻣﺖ ﻣﻔﻜّﺮﺗﻚ ﻣﻸى ﺑﺎﻟﻤﻮاﻋﯿﺪ ﺣﺘﻰ آﺧﺮ أﯾﺎﻣﻚ.. ﯾﺎ اﻣﺮأة ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺔ وﻃﻦ.. أﯾﮭﻢّ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم أن ﻧﺒﻘﻰ ﻣﻌﺎً؟
ﺣﻘﯿﺒﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻓﻘﻂ ﻟﻤﻼﻗﺎة اﻟﻮﻃﻦ. وﻻ ﺷﻲ ﺳﻮى ﺑﺪﻟﺔ ﺳﻮداء ﻟﺤﻀﻮر ﺣﻔﻞ زﻓﺎﻓﻚ .زﺟﺎﺟﺘﻲْ وﺳﻜﻲ ..ﻗﻤﺼﺎن.. وﺷﻔﺮات ﺣﻼﻗﺔ. ھﻨﺎﻟﻚ أوﻃﺎن ﺗﻨﺘﺞ ﻛﻞ ﻣﺒﺮّرات اﻟﻤﻮت ،وﺗﻨﺴﻰ أن ﺗﻨﺘﺞ ﺷﻔﺮات ﺣﻼﻗﺔ! ﻋﻠﻰ أﺻﺎﺑﻊ اﻟﺠﺮح أﻋﻮد إﻟﻰ اﻟﻮﻃﻦ. دون أﻣﺘﻌﺔ ﺷﺨﺼﯿﺔ ،دون زﯾﺎدة ﻓﻲ اﻟﻮزن وﻻ زﯾﺎدة ﻓﻲ ﺣﺴﺎب.
وﺣﺪھﺎ اﻟﺬاﻛﺮة أﺻﺒﺤﺖ أﺛﻘﻞ ﺣﻤﻼً ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺳﯿﺤﺎﺳﺒﻨﺎ ﻋﻠﻰ ذاﻛﺮة ﻧﺤﻤﻠﮭﺎ ﺑﻤﻔﺮدﻧﺎ؟ ﻣﺸﯿﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﺮﺣﻲ اﻷﺧﯿﺮ أﻋﻮد إﻟﯿﮫ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ. ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﻐﯿﺎب ،وھﺎ ھﻮذا اﻟﺮﺟﻮع اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ .ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ ﻟﻘﺎءً ﻏﯿﺮ ھﺬا.. ﻛﻨﺖ ﺳﺄﺣﺠﺰ ﻟﻲ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﻓﻲ اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﺜﻼً .ﻓﯿﺤﺪث ﻟﻠﺬاﻛﺮة ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ،أن ﺗﺮﻓﺾ اﻟﺠﻠﻮس ﻓﻲ اﻟﻜﺮاﺳﻲ اﻟﺨﻠﻔﯿﺔ. وﻟﻜﻦ ،ﻻ ﯾﮭﻢ ﺳﯿﺪﺗﻲ ..ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ اﻟﻜﺮاﺳﻲ اﻷﻣﺎﻣﯿﺔ ﻣﺤﺠﻮزة ﻣﺴﺒﻘﺎً ،ﻷوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﺣﺠﺰوا ﻛﺮاﺳﻲ اﻟﻮﻃﻦ أﯾﻀﺎً ﺑﺄﻣﺮ.. ﻓﻸﻋﺪ إﻟﯿﮫ ﻛﻤﺎ ﺟﺌﺖ ﻣﻨﮫ إذن ،ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻲ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻟﻠﺤﺰن. ﻧﻐﺎدر اﻟﻮﻃﻦ ،ﻣﺤﻤّﻠﯿﻦ ﺑﺤﻘﺎﺋﺐ ﻧﺤﺸﺮ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺧﺰاﺋﻨﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ .ﻣﺎ ﻓﻲ أدراﺟﻨﺎ ﻣﻦ أوراق. ﻧﺤﺸﺮ أﺑﻮم ﺻﻮرﻧﺎ ،ﻛﺘﺒﺎً أﺣﺒﺒﻨﺎھﺎ ،وھﺪاﯾﺎ ﻟﮭﺎ ذﻛﺮى.. ﻧﺤﺸﺮ وﺟﻮه ﻣﻦ أﺣﺒﺒﻨﺎ ..ﻋﯿﻮن ﻣﻦ أﺣﺒّﻮﻧﺎ ..رﺳﺎﺋﻞ ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻨﺎ ..وأﺧﺮى ﻛﻨّﺎ ﻛﺘﺒﻨﺎھﺎ. آﺧﺮ ﻧﻈﺮة ﻟﺠﺎرة ﻋﺠﻮز ﻗﺪ ﻻ ﻧﺮاھﺎ ،ﻗﺒﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﺪ ﺻﻐﯿﺮ ﺳﯿﻜﺒﺮ ﺑﻌﺪﻧﺎ ،دﻣﻌﺔ ﻋﻠﻰ وﻃﻦ ﻗﺪ ﻻ ﻧﻌﻮد إﻟﯿﮫ. ﻧﺤﻤﻞ اﻟﻮﻃﻦ أﺛﺎﺛﺎً ﻟﻐﺮﺑﺘﻨﺎ ،ﻧﻨﺴﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻀﻌﻨﺎ اﻟﻮﻃﻦ ﻋﻨﺪ ﺑﺎﺑﮫ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻐﻠﻖ ﻗﻠﺒﮫ ﻓﻲ وﺟﮭﻨﺎ ،دون أن ﯾﻠﻘﻲ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ ﺣﻘﺎﺋﺒﻨﺎ ،دون أن ﯾﺴﺘﻮﻗﻔﮫ دﻣﻌﻨﺎ ..ﻧﻨﺴﻰ أن ﻧﺴﺄﻟﮫ ﻣﻦ ﺳﯿﺆﺛﺜﮫ ﺑﻌﺪﻧﺎ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻌﻮد إﻟﯿﮫ ..ﻧﻌﻮد ﺑﺤﻘﺎﺋﺐ اﻟﺤﻨﯿﻦ ..وﺣﻔﻨﺔ أﺣﻼم ﻓﻘﻂ. ﻧﻌﻮد ﺑﺄﺣﻼم وردﯾﺔ ..ﻻ "ﺑﺄﻛﯿﺎس وردﯾﺔ" ،ﻓﺎﻟﺤﻠﻢ ﻻ ﯾﺴﺘﻮدر ﻣﻦ ﻣﺤﻼت" ﺗﺎﺗﻲ" اﻟﺮﺧﯿﺼﺔ اﻟﺜﻤﻦ. ﻋﺎرٌ أن ﻧﺸﺘﺮي اﻟﻮﻃﻦ وﻧﺒﯿﻌﮫ ﺣﻠﻤﺎً ﻓﻲ اﻟﺴﻮق اﻟﺴﻮداء .ھﻨﺎﻟﻚ إھﺎﻧﺎت أﺻﻌﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﮭﺪاء ﻣﻦ أﻟﻒ ﻋﻤﻠﺔ ﺻﻌﺒﺔ! ھﺎ أﻧﺬا ..ﺑﺤﻘﯿﺒﺔ ﯾﺪٍ ﺻﻐﯿﺮة ،ھﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻼﻣﻜﺎن.
ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻟﻤﻌﻠﻘﺔ ﺑﯿﻦ اﻷرض واﻟﺴﻤﺎء .واﻟﮭﺎرﺑﺔ ﺑﻲ ﻣﻦ ذاﻛﺮة إﻟﻰ أﺧﺮى. أﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻌﺪ ﻓﻲ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻟﻠﻨﺴﯿﺎن. أﺣﻠّﻖ ﻋﻠﻰ ﺗﻀﺎرﯾﺲ ﺣﺒّﻚ .ﻋﻠﻰ ارﺗﻔﺎع ﺗﺼﻌﺐ ﻣﻌﮫ اﻟﺮؤﯾﺔ ،وﯾﺼﻌﺐ ﻣﻌﮫ اﻟﻨﺴﯿﺎن. وأﺗﺴﺎءل رﻏﻢ ﻓﻮات اﻷوان :ﺗﺮاﻧﻲ أرﺗﻜﺐ آﺧﺮ ﺣﻤﺎﻗﺎت ﻋﻤﺮي ،وأھﺮب ﻣﻨﻚ إﻟﻰ اﻟﻮﻃﻦ؟ أﺣﺎول أن أﺷﻔﻰ ﻣﻨﻚ ﺑﮫ .أﻧﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ أﺷﻒ ﺑﻚ ﻣﻨﮫ؟ ھﺎ ھﻲ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﻲ أﺣﻀﺮﺗﮭﺎ ھﺪﯾﺔ ﻟﻌﺮﺳﻚ ﺗﺸﻐﻞ ﻣﻜﺎﻧﻚ اﻟﻔﺎرغ إﻟﻰ ﺟﻮاري. ھﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﺴﺎﻓﺮ _ أﺧﯿﺮاً ﻣﻌﺎً _ أﻧﺎ وأﻧﺖ.. ﻧﺄﺧﺬ ﻃﺎﺋﺮة واﺣﺪة ﻷول ﻣﺮة .وﻟﻜﻦ ﻟﯿﺲ ﻟﻠﺮﺣﻠﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ..وﻻ ﻟﻼﺗﺠﺎه ﻧﻔﺴﮫ. ھﺎ ھﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ.. ﺳﺎﻋﺘﺎن ﻓﻘﻂ ﻟﯿﻌﻮد اﻟﻘﻠﺐ ﻋﻤﺮاً إﻟﻰ اﻟﻮراء. ﺗﺸﺮع ﻣﻀﯿﻔﺔٌ ﺑﺎب اﻟﻄﺎﺋﺮة ،وﻻ ﺗﺘﻨﺒّﮫ إﻟﻰ أﻧﮭﺎ ﺗﺸﺮع ﻣﻌﮫ اﻟﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮاﻋﯿﮫ. ﻓﻤﻦ ﯾﻮﻗﻒ ﻧﺰﯾﻒ اﻟﺬاﻛﺮة اﻵن؟ ﻣﻦ ﺳﯿﻘﺪر ﻋﻠﻰ إﻏﻼق ﺷﺒّﺎك اﻟﺤﻨﯿﻦ ،ﻣﻦ ﺳﯿﻘﻒ ﻓﻲ وﺟﮫ اﻟﺮﯾﺎح اﻟﻤﻀﺎدة ،ﻟﯿﺮﻓﻊ اﻟﺨﻤﺎر ﻋﻦ وﺟﮫ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ..وﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻋﯿﻨﮭﺎ دون ﺑﻜﺎء. ھﺎ ھﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ إذن.. وھﺎ أﻧﺬا أﺣﻤﻞ ﺑﯿﺪي اﻟﻮﺣﯿﺪة ﺣﻘﯿﺒﺔ ﯾﺪ ،وﻟﻮﺣﺔ ﺗﺴﺎﻓﺮ ﻣﻌﻲ ﺳﻔﺮھﺎ اﻷﺧﯿﺮ ،ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺲ وﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ. ھﺎ ھﻲ "ﺣﻨﯿﻦ" ،اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻨﺎﻗﺼﺔ ﻋﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﻓﻲ ﻟﻘﺎء ﻟﯿﻠﻲّ ﻣﻊ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻷﺻﻞ.. ﺗﻜﺎد ﻣﺜﻠﻲ ﺗﻘﻊ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﺳﻠّﻢ اﻟﻄﺎﺋﺮة ﺗﻌﺒﺎً ..ودھﺸﺔ ..وارﺗﺒﺎﻛﺎً. ﺗﺘﻘﺎذﻓﻨﺎ اﻟﻨﻈﺮات اﻟﺒﺎردة اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ ،ﺗﺘﻘﺎذﻓﻨﺎ اﻟﻌﺒﺎرات اﻟﺘﻲ ﺗﻨﮭﻰ وﺗﺄﻣﺮ .وﻛﻞ ھﺬه اﻟﻮﺟﻮه اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ ،وﻛﻞ ھﺬه اﻟﺠﺪران اﻟﺮﻣﺎدﯾﺔ اﻟﺒﺎھﺘﺔ.. ﻓﮭﻞ ھﺬا ھﻮ اﻟﻮﻃﻦ؟
ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ.. ﻛﯿﻒ أﻧﺖِ ﯾﺎ اﻣﯿﻤﺔ ..واﺷﻚ؟ أﺷﺮﻋﻲ ﺑﺎﺑﻚ واﺣﻀﻨﯿﻨﻲ ..ﻣﻮﺟﻌﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﺑﺔ ..ﻣﻮﺟﻌﺔ ھﺬه اﻟﻌﻮدة.. ﺑﺎردٌ ﻣﻄﺎرك اﻟﺬي ﻟﻢ أﻋﺪ أذﻛﺮه .ﺑﺎردٌ ﻟﯿﻠﻚ اﻟﺠﺒﻠﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺬﻛﺮﻧﻲ. دﺛّﺮﯾﻨﻲ ﯾﺎ ﺳﯿﺪة اﻟﺪفء واﻟﺒﺮد ﻣﻌﺎً. أﺟﻠﻲ ﺑﺮدك ﻗﻠﯿﻼً ..أﺟّﻠﻲ ﺧﯿﺒﺘﻲ ﻗﻠﯿﻼً. ﻗﺎدمٌ إﻟﯿﻚ أﻧﺎ ﻣﻦ ﺳﻨﻮات اﻟﺼﻘﯿﻊ واﻟﺨﯿﺒﺔ ،ﻣﻦ ﻣﺪن اﻟﺜﻠﺞ واﻟﻮﺣﺪة. ﻓﻼ ﺗﺘﺮﻛﯿﻨﻲ واﻗﻔﺎً ﻓﻲ ﻣﮭﺐ اﻟﺠﺮح. ﻛﺎﻧﺖ اﻹﺷﺎرات اﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،وﺑﻌﺾ اﻟﺼﻮر اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ،وﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﮭﺔ اﻟﺴﻤﺮاء ،ﺗﺆﻛﺪ ﻟﻲ أﻧﻨﻲ أﺧﯿﺮاً أﻗﻒ وﺟﮭﺎً ﻟﻮﺟﮫ ﻣﻊ اﻟﻮﻃﻦ .وﺗﺸﻌﺮﻧﻲ ﺑﻐﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻧﻮع آﺧﺮ ﺗﻨﻔﺮد ﺑﮭﺎ اﻟﻤﻄﺎرات اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ. وﺣﺪه وﺟﮫ ﺣﺴّﺎن ﻣﻸﻧﻲ دﻓﺌﺎً ﻣﻔﺎﺟﺌﺎً ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻃﻞّ ،وأذاب ﺟﻠﯿﺪ اﻟﻠﻘﺎء اﻷول ..ﻣﻊ ذﻟﻚ اﻟﻤﻄﺎر. وﻋﻨﺪﻣﺎ اﺣﺘﻀﻨﻨﻲ ،وأﺧﺬ ﻋﻨﻲ ﺣﻤﻮﻟﺔ ﯾﺪي ،وﻗﺎل ﺑﻠﮭﺠﺔ ﺟﺰاﺋﺮﯾﺔ ﻣﺎزﺣﺔ وھﻮ ﯾﺤﻤﻞ ﻋﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ: "واش ..ﻣﺎزﻟﺖ ﺗﻨﻘّﻞ ﻓﻲ اﻟﻄﺎﺑﻠﻮھﺎت..؟" ﺛﻢ أﺿﺎف "آ ﺳﯿﺪي ..ھﺬا ﻧﮭﺎر ﻣﺒﺮوك ﻣﻦ ھﻮ اﻟﻠﻲ ﻗﺎل ﻧﺸﻮﻓﻚ ھﻨﺎ..!". ﺷﻌﺮت أن ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ أﺧﺬت ﻓﺠﺄة ﻣﻼﻣﺤﮫ ،وأﻧﮭﺎ أﺧﯿﺮا ﺟﺎت ﺗﺮﺣّﺐ ﺑﻲ. وھﻞ ﻛﺎن ﺣﺴﺎن ﻏﯿﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ .ﻏﯿﺮ ﺣﺠﺎرﺗﮭﺎ ..ﻗﺮﻣﯿﺪھﺎ ..وﺟﺴﻮرھﺎ وﻣﺪارﺳﮭﺎ ..وأزﻗّﺘﮭﺎ وذاﻛﺮﺗﮭﺎ؟ ھﻨﺎ وﻟﺪ ،وھﻨﺎ ﺗﺮﺑّﻰ ودرس ،وھﻨﺎ أﺻﺒﺢ ﻣﺪرّﺳﺎ .ﻟﻢ ﯾﻐﺎدرھﺎ إﻻ ﻧﺎدراً ﻓﻲ زﯾﺎرات ﻗﺼﯿﺮة إﻟﻰ ﺗﻮﻧﺲ أو إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ.
ﻛﺎن ﯾﺤﻀﺮ ﻟﺰﯾﺎرﺗﻲ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى ،ﻟﻜﻲ ﯾﻄﻤﺌﻦّ ﻋﻠﻲّ وﻟﯿﺸﺘﺮي ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺑﻌﺾ ﻟﻮازم ﻋﺎﺋﻠﺘﮫ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﻓﺘﺌﺖ ﺗﻜﺒﺮ وﺗﺘﻀﺎﻋﻒ .وﻛﺄن ﺣﺴﺎن ﻗﺮر أن ﯾﺘﺤﻤﻞ ﺑﻤﻔﺮده ﻣﺴﺆوﻟﯿﺔ ﻋﺪم اﻧﺪﺛﺎر اﺳﻢ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﯾﺌﺲ ﻣﻦ ﺗﺰوﯾﺠﻲ وأدرك ﺑﻌﺪ ﻣﺤﺎوﻻت إﻏﺮاء ﻓﺎﺷﻠﺔ ،أﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﻜﻮن ﻟﻲ ﺑﻨﺎت و ﻻ ﺑﻨﻮن ..ﻣﺎ ﻋﺪا ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻔﺮد ﺑﺤﻤﻞ اﺳﻤﻲ. أﻛﺘﺸﻒ اﻟﯿﻮم ،أن ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻔﺎرع اﻟﻘﺎﻣﺔ ،اﻟﻤﮭﺬّب اﻟﻤﻈﮭﺮ ،واﻟﺬي ﯾﺘﺤﺪث داﺋﻤﺎً ﺑﺤﻤﺎﺳﺔ اﻷﺳﺎﺗﺬة وﻋﻨﺎدھﻢ وﺗﻜﺮارھﻢ ،وﻛﺄﻧﮫ ﯾﻮاﺻﻞ ﺣﺪﯾﺜﮫ ﻟﺘﻼﻣﯿﺬه وﻟﯿﺲ ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ ،ھﻮ أﺧﻲ ..ﻻ ﻏﯿﺮ. أﻛﻨﺖ أﺟﮭﻞ ھﺬا؟ ﻻ! وﻟﻜﻦ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ اﻷﻟﻢ واﻟﺨﯿﺒﺔ ..واﻟﻔﺮﺣﺔ! أﺷﻌﺮ أن ﻗﺮاﺑﺘﮫ ﺑﻲ ﺗﺼﺒﺢ اﻷرض اﻟﺼﻠﺒﺔ اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ أن أﻗﻒ ﻋﻠﯿﮭﺎ وﺳﻂ زﻻزﻟﻲ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ،واﻟﺼﺪر اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﻟﻮﻻ اﻟﻜﺒﺮﯾﺎء ،ﺑﻜﯿﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ. ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ..ﺣﺪث ﺧﻼﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺮّات أن اﻧﺘﻈﺮﺗﮫ أﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻄﺎر( أورﻟﻲ اﻟﺪوﻟﻲ). ﻛﺎﻧﺖ اﻷدوار ﻣﻌﻜﻮﺳﺔ .ﻛﺎن ھﻮ اﻟﻘﺎدم ..وأﻧﺎ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ .وﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ آﻧﺬاك أﻧﻨﻲ أﻗﻮم ﺑﻮاﺟﺐ ﻋﺎﺋﻠﻲ ﻟﺴﺖُ ﻣﻠﺰﻣﺎُ ﺑﮫ ،وﻟﻜﻦ ﻛﻨﺖ أﺣﺮص ﻋﻠﯿﮫ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ إﺣﺪى ﻓﺮﺻﻲ اﻟﻘﻠﯿﻠﺔ ﻷﻟﻌﺐ دور "اﻷخ اﻟﻜﺒﯿﺮ" ﺑﻜﻞ ﻣﺴﺆوﻟﯿﺎﺗﮫ وواﺟﺒﺎﺗﮫ .ذﻟﻚ اﻟﺪور اﻟﺬي ﻟﻢ أوﻓّﻖ داﺋﻤﺎً ﻓﻲ أداﺋﮫ .ﻓﻘﺪ ﻋﺸﺖ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ داﺋﻤﺎً ﺑﻌﯿﺪاً ﻋﻦ ﺣﺴّﺎن ،ﺣﺴﺎن اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أدرك ﺟﻮﻋﮫ ﻟﻠﺤﻨﺎن وﯾﺘﻤﮫ اﻟﻤﺒﻜّﺮ ..وﺗﻌﻠﻘﮫ اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ ﺑﻲ. ﺗُﺮاه ﻟﮭﺬا أﯾﻀﺎً ﺗﺰوّج ﺑﺎﻛﺮا ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ،وراح ﯾﻜﺜﺮ ﻣﻦ اﻷوﻻد ﻟﯿﺤﯿﻂ ﻧﻔﺴﮫ أﺧﯿﺮًا ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺮم ﻣﻨﮭﺎ داﺋﻤﺎً ﻓﻲ ﻃﻔﻮﻟﺘﮫ ،واﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ أن أﻋﻮﺿﮭﺎ ﻟﮫ ﺑﺤﻀﻮري اﻟﻌﺎﺑﺮ ..وﻏﯿﺎﺑﻲ اﻟﻤﺘﻨﻘّﻞ ﻣﻦ ﻣﻨﻔﻰ إﻟﻰ آﺧﺮ.
ﻓﻠﻤﺎذا ﯾﻘﻠﺐ ﻟﻘﺎﺋﻲ ﺑﺤﺴﺎن اﻟﯿﻮم ﻛﻞ ﻣﻘﺎﯾﯿﺴﻲ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،وﯾﺸﻌﺮﻧﻲ ﺑﺮﻏﻢ ﻓﺎرق اﻟﻌﻤﺮ، وﺑﺮﻏﻢ أوﻻده اﻟﺴﺘﺔ ،أﻧﻨﻲ اﻷخ اﻷﺻﻐﺮ وأﻧﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﯾﻜﺒﺮﻧﻲ ﺑﺴﺒﻊ ﺳﻨﻮات ،ورﺑﻤﺎ ﺑﺄﻛﺜﺮ.. ﺗﺮى ﻷﻧﮫ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﺤﻤﻞ ﺣﻘﯿﺒﺘﻲ وﯾﻤﺸﻲ أﻣﺎﻣﻲ ،وﯾﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﺳﻔﺮي ..أم أن ھﺬا اﻟﻤﻄﺎر اﻟﺬي ﯾﺴﺘﻔﺰّ رﺟﻮﻟﺘﻲ وﻛﺒﺮﯾﺎﺋﻲ ﯾﺠﺮّدﻧﻲ ﻣﻦ وﻗﺎر ﻋﻤﺮي .ﻓﺄﺗﺮك
ﺣﺴﺎن ﯾﺘﺼﺮف ﻓﯿﮫ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﻲ ،وﻛﺄن ﺗﺠﺮﺑﺘﮫ ﻣﻊ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ وﻣﻌﺎﯾﺸﺘﮫ ﻟﻄﺒﺎﻋﮭﺎ اﻟﻤﺘﻘﻠّﺒﺔ ،ﺟﻌﻠﺘﮫ اﻟﯿﻮم ﯾﺒﺪو أﻛﺒﺮ.. أم ﺗﺮاھﺎ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..ﺗﻠﻚ اﻷم اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺔ اﻟﻌﻮاﻃﻒ ،ﺣﺒﺎً وﻛﺮاھﯿﺔ ..ﺣﻨﺎﻧﺎ وﻗﺴﻮة ،ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺣﻮّﻟﺘﻨﻲ ﺑﻮﻃﺄة ﻗﺪم واﺣﺪة ﻋﻠﻰ ﺗﺮاﺑﮭﺎ ،إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺸﺎب اﻟﻤﺮﺗﺒﻚ اﻟﺨﺠﻮل اﻟﺬي ﻛﻨﺘﮫ ﻗﺒﻞ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﺳﻨﺔ؟ ﻧﻈﺮت إﻟﯿﮭﺎ ﻣﻦ زﺟﺎج ﺳﯿﺎرة ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻘﻠﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻄﺎر إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ ،وﺗﺴﺎءﻟﺖ :أﺗﺮاھﺎ ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ؟ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻮﻃﻦ ،اﻟﺘﻲ ﺗُﺪﺧﻞ اﻟﻤﺨﺒﺮﯾﻦ وأﺻﺤﺎب اﻷﻛﺘﺎف اﻟﻌﺮﯾﻀﺔ واﻷﯾﺪي اﻟﻘﺬرة ﻣﻦ أﺑﻮاﺑﮭﺎ اﻟﺸﺮﻓﯿّﺔ ..وﺗﺪﺧﻠﻨﻲ ﻣﻊ ﻃﻮاﺑﯿﺮ اﻟﻐﺮﺑﺎء وﺗﺠّﺎر اﻟﺸﻨﻄﺔ.. واﻟﺒﺆﺳﺎء. أﺗﻌﺮﻓﻨﻲ ..ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺄﻣﻞ ﺟﻮازي ﺑﺈﻣﻌﺎن ..وﺗﻨﺴﻰ أن ﺗﺘﺄﻣﻠﻨﻲ؟ ﺳُﺌﻠﺖ أﻋﺮاﺑﯿﺔ ﯾﻮﻣﺎً" :ﻣﻦ أﺣﺐّ أوﻻدك إﻟﯿﻚ؟" ﻗﺎﻟﺖ" :ﻏﺎﺋﺒﮭﻢ ﺣﺘﻰ ﯾﻌﻮد.. وﻣﺮﯾﻀﮭﻢ ﺣﺘﻰ ﯾﺸﻔﻰ ..وﺻﻐﯿﺮھﻢ ﺣﺘﻰ ﯾﻜﺒﺮ". وﻛﻨﺖ أﻧﺎ ﻏﺎﺋﺒﮭﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ..وﻣﺮﯾﻀﮭﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺸﻒ وﺻﻐﯿﺮھﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻜﺒﺮ.. وﻟﻜﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﺑﻘﻮل ﺗﻠﻚ اﻷﻋﺮاﺑﯿﺔ .ﻓﻠﻢ أﻋﺘﺐ ﻋﻠﯿﮭﺎ .ﻋﺘﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺮأت ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ! ﻟﻢ أﻧﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ.. أﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻌﺸﺎء اﻟﺬي أﻋﺪﺗﮫ ﻋﺘﯿﻘﺔ زوﺟﺔ ﺣﺴﺎن ،وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﻌﺪّ وﻟﯿﻤﺔ ،واﻟﺬي اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻟﮫ ﺑﺸﮭﯿﺔ أﻛﺎد أﻗﻮل ﺗﺎرﯾﺨﯿﺔ ،ھﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺳﺒﺐ ﻗﻠﻘﻲ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ أﻃﺒﺎﻗﮫ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أذق ﻣﻌﻈﻤﮭﺎ ﻣﻦ ﺳﻨﯿﻦ؟ أم أن اﻟﺴﺒﺐ ھﻮ ﺻﺪﻣﺔ ﻟﻘﺎﺋﻲ اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ اﻵﺧﺮ ﻣﻊ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ ،اﻟﺬي وﻟﺪت ﻓﯿﮫ وﺗﺮﺑّﯿﺖ ،واﻟﺬي ﻋﻠﻰ ﺟﺪراﻧﮫ وأدراﺟﮫ وﻧﻮاﻓﺬه وﻏﺮﻓﮫ وﻣﻤﺮاﺗﮫ ،ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻲ، ﻣﻦ أﻓﺮاح وﻣﺂﺗﻢ وأﻋﯿﺎد ..وأﯾﺎم ﻋﺎدﯾﺔ أﺧﺮى ،ﺗﺮاﻛﻤﺖ ذﻛﺮاھﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻲ ﻟﺘﻄﻔﻮ اﻵن ﻓﺠﺄة ..ﻛﺬﻛﺮﯾﺎت ﻓﻮق اﻟﻌﺎدة ﺗﻠﻐﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻋﺪاھﺎ؟ ھﺎ أﻧﺎ أﺳﻜﻦ ذاﻛﺮﺗﻲ وأﻧﺎ أﺳﻜﻦ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ ،ﻓﻜﯿﻒ ﯾﻨﺎم ﻣﻦ ﯾﺘﻮﺳّﺪ ذاﻛﺮﺗﮫ؟ ﻣﺎزال ﻃﯿﻒ اﻟﺬﯾﻦ ﻏﺎدروه ﯾﻌﺒﺮ ھﺬه اﻟﻐﺮف أﻣﺎﻣﻲ .أﻛﺎد أرى ذﯾﻞ ﻛﻨﺪورة )أﻣّﺎ(
اﻟﻌﻨﺎﺑﻲ ﯾﻤﺮ ھﻨﺎ ،وﯾﺮوح وﯾﺠﻲء ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺤﻀﻮر اﻟﺴﺮي ﻟﻸﻣﻮﻣﺔ .وﺻﻮت أﺑﻲ ﯾﻄﺎﻟﺐ ﺑﺎﻟﻤﺎء ﻟﻠﻮﺿﻮء ،أو ﯾﺼﯿﺢ ﻣﻦ أﺳﻔﻞ اﻟﺪرج "اﻟﻄﺮﯾﻖ ..اﻟﻄﺮﯾﻖ" ﻟﯿﻨﺒّﮫ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ أﻧﮫ ﻗﺎدم ﺻﺤﺒﺔ رﺟﻞ ﻏﺮﯾﺐ ،وأن ﻋﻠﯿﮭﻦ أن ﯾﻔﺴﺤﻦ اﻟﻄﺮﯾﻖ وﯾﺬھﺒﻦ ﻟﻼﺧﺘﺒﺎء ﻓﻲ اﻟﻐﺮف اﻟﺒﻌﯿﺪة. أﻛﺎد أرى ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺪران اﻟﺠﺪﯾﺪة اﻟﺒﯿﺎض آﺛﺎر اﻟﻤﺴﻤﺎر اﻟﺬي ﻋﻠﻖ ﻋﻠﯿﮫ أﺑﻲ ﯾﻮﻣﺎً ﺷﮭﺎدﺗﻲ اﻻﺑﺘﺪاﺋﯿﺔ ﻣﻨﺬ أرﺑﻌﯿﻦ ﺳﻨﺔ .ﺛﻢ ﺟﻮارھﺎ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﺷﮭﺎدة أﺧﺮى.. وﺑﻌﺪھﺎ ﻻ ﺷﻲء.. ﺗﻮﻗّﻒ اھﺘﻤﺎﻣﮫ ﺑﻲ ﻟﯿﺒﺪأ اھﺘﻤﺎﻣﮫ ﺑﺄﺷﯿﺎء أﺧﺮى ،وﻣﺸﺎرﯾﻊ أﺧﺮى ،اﻧﺘﮭﺖ ﺑﻤﻮت )أﻣﺎ( وزواﺟﮫ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺟﺎھﺰاً ﻟﻼﺳﺘﮭﻼك ،وﻣﻌﺪاً ﻓﻲ ذھﻨﮫ ﻣﻨﺬ ﻣﺪة. أﻛﺎد أرى ﺟﺜﻤﺎن )أﻣﺎ( ﯾﺨﺮج ﻣﺮة أﺧﺮى ﻣﻦ ھﺎ اﻟﺒﺎب اﻟﻀﯿﻖ ﯾﻠﯿﮫ ﺣﺸﺪ ﻣﻦ ﻗﺮاء اﻟﻘﺮآن ..وﻧﺴﺎء ﯾﺤﺘﺮﻓﻦ اﻟﺒﻜﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﺂﺗﻢ. أﻛﺎد أرى ﻣﻮﻛﺒﺎً آﺧﺮ ﯾﻌﻮد ﺑﻌﺪ أﺳﺎﺑﯿﻊ ،ﺑﻌﺮوس ﺻﻐﯿﺮة ھﺬه اﻟﻤﺮة ..وﻧﺴﺎء ﯾﺤﺘﺮﻓﻦ اﻟﺰﻏﺎرﯾﺪ واﻟﻤﻮاوﯾﻞ. ﺛﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺒّﻠﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﺣﺴﺎن وودﻋﺘﮫ ﻗﺒﻞ أن أﻟﺘﺤﻖ ﺑﺎﻟﺠﺒﮭﺔ. ﻟﻢ ﯾﺴﺄﻟﻨﻲ ﻟﯿﻠﺘﮭﺎ إﻟﻰ أﯾﻦ ﻛﻨﺖ ذاھﺒﺎً .ﻛﺎن ﺣﺴﺎن وھﻮ ﻓﻲ ﻋﺎﻣﮫ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ ،ﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﻋﻤﺮه ﺑﺴﻨﻮات. ﻛﺎن ﻣﺜﻠﻲ ﺟﻌﻠﮫ اﻟﯿﺘﻢ ﯾﻜﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ..وﻋﻠّﻤﮫ ذﻟّﮫ أن ﯾﺼﻤﺖ وﯾﺤﺘﻔﻆ ﻟﻨﻔﺴﮫ ﺑﺎﻷﺳﺌﻠﺔ. ﺳﺄﻟﻨﻲ: - ..وأﻧﺎ؟ وأﺟﺒﺘﮫ ﺑﺎﻟﺬھﻮل ﻧﻔﺴﮫ: ﻣﺎزﻟﺖ ﺻﻐﯿﺮاً ﯾﺎ ﺣﺴﺎن ..اﻧﺘﻈﺮﻧﻲ..ﻓﻘﺎل وﻛﺄﻧﮫ ﯾﺘﻘﻤّﺺ ﻓﺠﺄة ﺻﻮت )أﻣﺎ( وﺧﻮﻓﮭﺎ اﻟﻤﺮﺿﻲّ ﻋﻠﻲّ: -ﻋﻨﺪك ﻋﻠﻰ روﺣﻚ ..آ ﺧﺎﻟﺪ..
وأﺟﮭﺶ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء. ھﺎ ھﻮ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺬي اﺳﺘﺒﺪﻟﺘﮫ ﺑﺄﻣﻲ ﯾﻮﻣﺎً. ﻛﻨﺖ أﻋﺘﻘﺪ أﻧﮫ وﺣﺪه ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺎﺋﻲ ﻣﻦ ﻋﻘﺪة اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ،ﻣﻦ ﯾﺘﻤﻲ وﻣﻦ ذﻟّﻲ. اﻟﯿﻮم ..ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ھﺬا اﻟﻌﻤﺮ ،ﺑﻌﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺻﺪﻣﺔ وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﺮح ،أدري ..أن ھﻨﺎك ﯾُﺘﻢ اﻷوﻃﺎن أﯾﻀﺎً .ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﺬﻟّﺔ اﻷوﻃﺎن ،ﻇﻠﻤﮭﺎ ﻗﺴﻮﺗﮭﺎ ،ھﻨﺎﻟﻚ ﺟﺒﺮوﺗﮭﺎ وأﻧﺎﻧﯿﺘﮭﺎ. ھﻨﺎﻟﻚ أوﻃﺎن ﻻ أﻣﻮﻣﺔ ﻟﮭﺎ ..أوﻃﺎن ﺷﺒﯿﮭﺔ ﺑﺎﻵﺑﺎء. ***
ﻟﻢ أﻧﻢ ﻟﯿﻠﺘﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺎح. ﻛﺎن ﻟﻠﻘﺎﺋﻲ اﻟﻠﯿﻠﻲ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻣﺬاق ﻣﺴﺒﻖ ﻟﻤﺮارة ﻣﺎ .وﻣﺎ ﻛﺪت أﻏﻔﻮ ﺣﺘﻰ أﯾﻘﻈﻨﻲ ﻣﻦ ﻏﻔﻮﺗﻲ أﺻﻐﺮ أوﻻد ﺣﺴﺎن ،اﻟﺬي اﺳﺘﯿﻘﻆ ﺑﺎﻛﺮاً وراح ﯾﺒﻜﻲ ﺑﻜﺎء رﺿﯿﻊ ﯾﻄﺎﻟﺐ ﺑﺤﻀﻦ أﻣﮫ ،ووﺟﺒﺘﮫ اﻟﺼﺒﺎﺣﯿﺔ. ﺣﺴﺪت ﺑﺮاءﺗﮫ وﺟﺮأﺗﮫ اﻟﻄﻔﻮﻟﯿﺔ ..وﻗﺪرﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻗﻮل ﻣﺎ ﯾﺮﯾﺪ دون ﻛﻼم. ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ،وﻓﻲ أول ﻟﻘﺎء ﻟﻲ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ﻓﻘﺪت ﻟﻐﺘﻲ. ﺷﻌﺮت أن ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ھﺰﻣﺘﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻠﺘﻘﻲ ،وأﻧﮭﺎ ﺟﺎءت ﺑﻲ إﻟﻰ ھﻨﺎ ،ﻟﺘﻘﻨﻌﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﻻ ﻏﯿﺮ! وﻟﻢ أﺷﻌﺮ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻗﺪري. ﻟﻘﺪ ھﺰﻣﺖ ﻣﻦ ﻣﺮّوا ﻗﺒﻠﻲ ،وﺻﻨﻌﺖ ﻣﻦ ﺟﻨﻮﻧﮭﻢ ﺑﮭﺎ أﺿﺮﺣﺔ ﻟﻠﻌﺒﺮة. وأﻧﺎ آﺧﺮ ﻋﺸﺎﻗﮫ اﻟﻤﺠﺎﻧﯿﻦ.. أﻧﺎ ذا اﻟﻌﺎھﺔ اﻵﺧﺮ اﻟﺬي أﺣﺒﮭﺎ ،أﻧﺎ"أﺣﺪب ﻧﻮﺗﺮدام" اﻵﺧﺮ ،وأﺣﻤﻖ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ اﻵﺧﺮ ..ﻣﺎ اﻟﺬي أوﺻﻠﻨﻲ إﻟﻰ ﺟﻨﻮن ﻛﮭﺬا؟ ﻣﺎ اﻟﺬي أوﻗﻔﻨﻲ ﻋﻨﺪ أﺑﻮاب ﻗﻠﺒﮭﺎ ﻋﻤﺮاً؟
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﺒﮭﻚ.. ﺗﺤﻤﻞ اﺳﻤﯿﻦ ﻣﺜﻠﻚ ،وﻋﺪة ﺗﻮارﯾﺦ ﻟﻠﻤﯿﻼد .ﺧﺎرﺟﺔ ﻟﺘﻮّھﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ،ﺑﺎﺳﻤﯿﻦ: واﺣﺪ ﻟﻠﺘﺪاول ..وآﺧﺮ ﻟﻠﺘﺬﻛﺎر. ﻛﺎن اﺳﻤﮭﺎ ﯾﻮﻣﺎً" ﺳﯿﺮﺗﺎ" .ﻗﺎھﺮة ﻛﺎﻧﺖ ..ﻛﻤﺪﯾﻨﺔ أﻧﺜﻰ. وﻛﺎﻧﻮا رﺟﺎﻻً ..ﻓﻲ ﻏﺮور اﻟﻌﺴﻜﺮ! ﻣﻦ ھﻨﺎ ﻣﺮّ ﺻﯿﻔﺎﻛﺲ ..ﻣﺎﺳّﯿﻨﯿﺴﺎ ..وﯾﻮﻏﺮرﻃﺔ ..وﻗﺒﻠﮭﻢ آﺧﺮون. ﺗﺮﻛﻮا ﻓﻲ ﻛﮭﻮﻓﮭﺎ ذاﻛﺮﺗﮭﻢ .ﻧﻘﺸﻮا ﺣﺒّﮭﻢ وﺧﻮﻓﮭﻢ وآﻟﮭﺘﮭﻢ. ﺗﺮﻛﻮا ﺗﻤﺎﺛﯿﻠﮭﻢ وأدواﺗﮭﻢ ،وﺻﻜﻮﻛﮭﻢ اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ ،أﻗﻮاس ﻧﺼﺮھﻢ وﺟﺴﻮراً روﻣﺎﻧﯿﺔ.. ..و رﺣﻠﻮا. ﻟﻢ ﯾﺼﻤﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﻮر ﺳﻮى واﺣﺪ .وﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﻣﻦ أﺳﻤﺎﺋﮭﺎ ﺳﻮى اﺳﻢ "ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ " اﻟﺬي ﻣﻨﺤﮫ ﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﺳﺘﺔ ﻋﺸﺮة ﻗﺮﻧﺎً "ﻗﺴﻄﻨﻄﻦ". أﺣﺴﺪ ذﻟﻚ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ اﻟﻤﻐﺮور ،اﻟﺬي ﻣﻨﺢ اﺳﻤﮫ ﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﺒﯿﺒﺘﮫ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ..وإﻧﻤﺎ اﻗﺘﺮن ﺑﮭﺎ ﻷﺳﺒﺎب ﺗﺎرﯾﺨﯿﺔ ﻣﺤﺾ. وﺣﺪي ﻣﻨﺤﺘﻚ اﺳﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﺳﻤﻲ. ورﺑﻤﺎ ﻟﺬﻟﻚ ،ﯾﺤﺪث أن أﻋﺎﻛﺲ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺤﻤﺎﻗﺎت ھﺬا .وأﻧﺎدي ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ "ﺳﯿﺮﺗﺎ" ﻷﻋﯿﺪھﺎ إﻟﻰ ﺷﺮﻋﯿّﺘﮭﺎ اﻷوﻟﻰ. ﺗﻤﺎﻣﺎ ..ﻛﻤﺎ أﻧﺎدﯾﻚ "ﺣﯿﺎة". ﻛﻜﻞّ اﻟﻐﺰاة ..أﺧﻄﺄ ﻗﺴﻄﻨﻄﯿﻦ. اﻟﻤﺪن ﻛﺎﻟﻨﺴﺎء ..ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻤﺘﻠﻜﮭﺎ ﻟﻤﺠﺮد أﻧﻨﺎ ﻣﻨﺤﻨﺎھﺎ اﺳﻤﻨﺎ. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ "ﺳﯿﺮﺗﺎ" ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻧﺬرت ﻟﻠﺤﺐ واﻟﺤﺮوب ،ﺗﻤﺎرس إﻏﺮاء اﻟﺘﺎرﯾﺦ ،وﺗﺘﺮﺑّﺺ ﺑﻜﻞ ﻓﺎﺗﺢ ﺳﺒﻖ أن اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﮫ ﯾﻮﻣﺎً ﻣﻦ ﻋﻠﻮّ ﺻﺨﺮﺗﮭﺎ.
ﻛﻨﺴﺎﺋﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﺮي ﺑﺎﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻟﻮھﻤﯿﺔ.. وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﯾﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺑﺮھﺎ أﺣﺪ! ھﻨﺎ أﺿﺮﺣﺔ اﻟﺮوﻣﺎن ..واﻟﻮﻧﺪال ..واﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ..واﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ..واﻟﺤﻔﺼﯿﯿﻦ.. واﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ ..وواﺣﺪ وأرﺑﻌﯿﻦ ﺑﺎﯾﺎً ﺗﻨﺎوﺑﻮا ﻋﻠﮭﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺴﻘﻂ ﻓﻲ ﯾﺪ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﯿﻦ. ھﻨﺎ وﻗﻔﺖ ﺟﯿﻮش ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ﺑﺄﻛﻤﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ. ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟﺘﻲ دﺧﻠﺖ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﺳﻨﺔ ، 1830ﻟﻢ ﺗﻔﺘﺢ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺠﺎﻟﺴﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺨﺮة، إﻻ ﺳﻨﺔ ،1837ﺳﺎﻟﻜﺔ ﻣﻤﺮاً ﺟﺒﻠﯿﺎ ﺗﺮﻛﺖ ﻓﯿﮫ ﻧﺼﻒ ﺟﯿﺸﮭﺎ ،وﺗﺮﻛﺖ ﻓﯿﮫ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﺧﯿﺮة رﺟﺎﻟﮭﺎ. ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،وﻟﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﺴﺮ ﺣﻮل ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﻛﺜﺮت اﻟﻄﺮﻗﺎت اﻟﻤﺆدﯾﺔ إﻟﯿﮭﺎ. وﻟﻜﻦ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﺨﺮة داﺋﻤﺎً أﻛﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﻮر ،ﻷﻧﮭﺎ ﺗﺪري أن ﻻ ﺷﻲء ﺗﺤﺖ اﻟﺠﺴﻮر ﺳﻮى اﻟﮭﺎوﯾﺔ! ھﺎ ھﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺗﺘﺮﺑﺺ ﺑﻜﻞ ﻓﺎﺗﺢ ..ﺗﻠﻒ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺑﻤﻼءﺗﮭﺎ اﻟﺴﻮداء وﺗﺨﻔﻲ ﺳﺮّھﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺳﺎﺋﺢ. ﺗﺤﺮﺳﮭﺎ اﻟﻮھﺎد اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،ﺗﺤﺮﺳﮭﺎ ﻛﮭﻮﻓﮭﺎ اﻟﺴﺮﯾﺔ وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ وﻟﻲّ ﺻﺎﻟﺢ ،ﺗﺒﻌﺜﺮت أﺿﺮﺣﺘﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻌﺮﺟﺎت اﻟﺨﻀﺮاء ﺗﺤﺖ اﻟﺠﺴﻮر. ھﻨﺎ اﻟﻘﻨﻄﺮة ..أﻗﺮب ﺟﺴﺮ ﻟﺒﯿﺘﻲ وﻟﺬاﻛﺮﺗﻲ .أﻋﺒﺮھﺎ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎ وﻛﺄﻧﻨﻲ أرﺳﻤﮭﺎ ،ﻣﺸﯿﺎً ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺪام ،ﺑﯿﻦ اﻟﺪوار اﻟﻤﺒﮭﻢ واﻟﺘﺬﻛﺎر وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻋﺒﺮ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،أﺟﺘﺎز اﻟﻌﻤﺮ ﻣﻦ ﻃﺮف إﻟﻰ آﺧﺮ. ﻛﻞ ﺷﻲء ﻛﺎن ﯾﺒﺪو ﻣﺴﺮﻋﺎً ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ .اﻟﺴﯿﺎرات واﻟﻌﺎﺑﺮون وﺣﺘﻰ اﻟﻄﯿﻮر، وﻛﺄن ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻨﺘﻈﺮھﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ. رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻌﻀﮭﻢ ﯾﺠﮭﻞ آﻧﺬاك أن اﻟﺬي ﯾﺒﺤﺚ ﻋﻨﮫ ،ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﺗﺮﻛﮫ ﺧﻠﻔﮫ ،وأﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﻻ ﻓﺮق ﺑﯿﻦ ﻃﺮﻓﻲ اﻟﺠﺴﺮ .اﻟﻔﺮق اﻟﻮﺣﯿﺪ ھﻮ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻓﻮﻗﮫ ..وﻣﺎ ﺗﺤﺘﮫ. ﺗﻠﻚ اﻟﮭﺎوﯾﺔ اﻟﻤﺨﯿﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻔﺼﻠﻚ ﻋﻨﮭﺎ ﺣﺎﺟﺰ ﺣﺪﯾﺪي ﻻ أﻛﺜﺮ ،واﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﺘﻮﻗﻒ أﺣﺪ ﻟﺒﻨﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ ،رﺑﻤﺎ ﻷن اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻄﺒﻌﮫ ﻻ ﯾﺤﺐ أن ﯾﺘﺄﻣﻞ اﻟﻤﻮت ..ﻛﺜﯿﺮا.
وﺣﺪي ﺗﺴﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ھﺬه اﻟﮭﺎوﯾﺔ اﻟﻤﻮﻏﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻖ. ﺗﺮى ﻷﻧﻨﻲ أﺗﯿﺘﮭﺎ ﺑﺄﻓﻜﺎر ﻣﺴﺒﻘﺔ وذاﻛﺮة ﻣﺘﻮارﺛﺔ؟ أم ﺳﻠﻜﺖ ھﺬا اﻟﻄﺮﯾﻖ ،ﻷﻧﻔﺮد ﺑﮭﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺮ؟ ***
ھﻨﺎﻟﻚ ﺣﻤﺎﻗﺎت ﯾﺠﺐ ﻋﺪم ارﺗﻜﺎﺑﮭﺎ ،ﻛﺄن ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻮﻋﺪاً ﻣﻊ ذاﻛﺮﺗﻚ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺮ. ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺬﻛﺮ ﻓﺠﺄة ،ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﯿﺘﮭﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﻨﺬ ﺳﻨﯿﻦ.. ﻗﺼﺔ ﺟﺪك اﻟﺒﻌﯿﺪ اﻟﺬي رﻣﻰ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﯾﻮﻣﺎً ﻣﻦ ﺟﺴﺮ رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ھﺬا ..ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻮﻋﺪه أﺣﺪ اﻟﺒﺎﯾﺎت ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ..ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎءه ﺧﺒﺮ ﺧﯿﺎﻧﺘﮫ وﺗﺂﻣﺮه ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ وﺟﮭﺎء ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻟﻺﻃﺎﺣﺔ ﺑﮫ .ھﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺒﻌﻮﺛﮫ ورﺳﻮﻟﮫ اﻟﺨﺎص ..ورﺟﻞ ﺛﻘﺘﮫ. ﻛﺎن ﺟﺪّي ﯾﻮﻣﮭﺎ أﺿﻌﻒ ﻣﻦ أن ﯾﻘﻒ ﺑﻤﻔﺮده ﻓﻲ وﺟﮫ ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ اﻟﻘﺎﻃﻊ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ. وﻛﺎن أﯾﻀﺎً أﻛﺒﺮ ﻣﻦ أن ﯾُﻘﺎد ﻟﯿﻘﻒ ﺑﯿﻦ ﯾﺪي ذﻟﻚ اﻟﺒﺎي ذﻟﯿﻼً.. وﻟﺬا ﻋﻨﺪﻣﺎ أرﺳﻞ اﻟﺒﺎي ﻣﻦ ﯾﺤﻀﺮه إﻟﯿﮫ ..ﻛﺎن ﺟﺪي ﺟﺜﺔ ﻓﻲ ھﻮة ﺳﺤﯿﻘﺔ ﻛﮭﺬه، أﺳﻔﻞ وادي اﻟﺮﻣﺎل ،ﻓﻘﺪ رﻓﺾ أن ﯾﻤﻨﺢ اﻟﺒﺎي ﺷﺮف ﻗﺘﻠﮫ. ﺳﻤﻌﺖ ھﺬه اﻟﻘﺼﺔ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻣﻦ ﻓﻢ أﺑﻲ ،ﯾﻮم ﺳﺄﻟﺘﮫ ﻋﻦ ﺳﺮ ھﺬا اﻻﺳﻢ اﻟﺬي ﻧﺤﻤﻠﮫ. ﯾﺒﺪو أﻧﮫ ﻛﺎن ﻻ ﯾﺤﺐ رواﯾﺔ ھﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻻﻧﺘﺤﺎر ﻓﻲ ﺣﺪّ ذاﺗﮫ ﻋﺎراً وﻛﻔﺮاً ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﻲ ﻣﺘﺪﯾﻦ .وﻟﮭﺬا ھﺎﺟﺮت ﻋﺎﺋﻠﺘﻨﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﻏﺮب اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻣﺴﺘﺒﺪﻟﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﻧﻜﺮة اﺳﻤﮭﺎ اﻷول .وﻟﻢ ﺗﻌﺪ إﻟﻰ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ إﻻ ﺑﻌﺪ ﺟﯿﻞ وأﻛﺜﺮ ،ﺑﺎﺳﻢٍ ﻟﻤﺪﯾﻨﺔ أﺧﺮى. أﻋﯿﺪ ﻧﻈﺮي إﻟﻰ أﺳﻔﻞ. ﻣﺎذا ﺗﺮاﻧﻲ ﺟﺌﺖ أﺑﺤﺚ ھﻨﺎ ،ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ اﻟﻤﻌﻠّﻖ ﻋﻠﻰ ارﺗﻔﺎع ﻣﺌﺔ وﺳﺒﻌﯿﻦ ﻣﺘﺮاً ﻣﻦ ﺟﻮف اﻷرض ،واﻟﺬي ﺗﻌﺒﺮه أﺳﺮاب اﻟﻐﺮﺑﺎن ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ؟ ﺗﺮاﻧﻲ أﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺑﻘﺎﯾﺎ ﺟﺪّ ﻣﺎ ،ﻛﺎن اﺳﻤﮫ أﺣﻤﺪ ..ﯾﻘﺎل إﻧﮫ ﻛﺎن وﺳﯿﻤﺎً وذا ﻣﺎلٍ وﻋﻠﻢ ﻛﺒﯿﺮ ،وأﻧﮫ رﻣﻰ ﯾﻮﻣﺎً ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻦ ھﻨﺎ ..ﻟﯿﺘﺮك ﺣﺰﻧﮫ وﺟﺮﺣﮫ إرﺛﺎً ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ. ھﺬه ھﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ..
ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻻ ﯾﮭﻤﮭﺎ ﻏﯿﺮ ﻧﻈﺮة اﻵﺧﺮﯾﻦ ﻟﮭﺎ ،ﺗﺤﺮص ﻋﻠﻰ ﺻﯿﺘﮭﺎ ﺧﻮﻓﺎً ﻣﻦ اﻟﻘﯿﻞ واﻟﻘﺎل اﻟﺬي ﺗﻤﺎرﺳﮫ ﺑﺘﻔﻮق .وﺗﺸﺘﺮي ﺷﺮﻓﮭﺎ ﺑﺎﻟﺪم ﺗﺎرة ..واﻟﺒُﻌﺪ واﻟﮭﺠﺮة ﺗﺎرة أﺧﺮى. ﺗﺮاھﺎ ﺗﻐﯿّﺮت؟ أذﻛﺮ أﻧﻨﻲ ﺳﻤﻌﺖ وأﻧﺎ ﺷﺎب ﺑﻌﺎﺋﻠﺔ ﻏﺎدرت ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻓﺠﺄة إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ أﺧﺮى ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺷﺎع أن إﺣﺪى اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﯾﺰال ﯾﻐﻨّﯿﮭﺎ "اﻟﻔﺮﻗﺎﻧﻲ" اﻟﯿﻮم ،ﻗﺪ ﻧﻈﻤﮭﺎ أﺣﺪھﻢ ﺗﻐﺰّﻻً ﻓﻲ إﺣﺪى ﺑﻨﺎﺗﮭﺎ! وﯾﻈﻞ اﻟﺴﺆال ..ﻣﺎ اﻟﺬي ﺟﺌﺖ أﻓﻌﻞ ھﻨﺎ ﻓﻮق ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ؟ ﺗﺮاﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻋﺪ ﻣﻊ ذاﻛﺮﺗﻲ ،أم ﻓﻘﻂ ﻣﻊ ﻟﻮﺣﺘﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﺒﺎح؟ ھﺎ أﻧﺎ أﻗﻒ أﻣﺎﻣﮭﺎ اﻟﯿﻮم دون ﻓﺮﺷﺎة وﻻ أﻟﻮان ،وﺑﻼ ﻗﻠﻖ أو ﺧﻮف ﻣﻦ ﻣﺮﺑّﻊ اﻟﻘﻤﺎش اﻷﺑﯿﺾ. أﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﺧﺎﻟﻘﮭﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ .ﻟﺴﺖ رﺳّﺎﻣﮭﺎ وﻻ ﻣﺒﺪﻋﮭﺎ .أﻧﺎ ﺟﺰء ﻣﻨﮭﺎ. وﯾﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﺻﺒﺢ ﺣﺘﻰ ﺟﺰءاً ﻣﻦ ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﮭﺎ وﺗﻀﺎرﯾﺴﮭﺎ. ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﺟﺘﺎز ھﺬا اﻟﺤﺎﺟﺰ اﻟﺤﺪﯾﺪي اﻟﺬي ﯾﻔﺼﻠﻨﻲ ﻋﻨﮭﺎ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺟﺘﺎز إﻃﺎر ﻟﻮﺣﺔ ..ﻛﺄﻧﻨﻲ أﺧﺘﺮﻗﮭﺎ ﻷﺳﻜﻨﮭﺎ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ. أﺗﺪﺣﺮج ﻧﺤﻮ ھﺬا اﻟﻮادي اﻟﺼﺨﺮي اﻟﻌﻤﯿﻖ ﻧﻘﻄﺔ ﺑﺸﺮﯾﺔ ،ﻗﻄﺮة ﻟﻠﻮنٍ ﻣﺎ ..ﻋﻠﻰ ﻟﻮﺣﺔٍ أﺑﺪﯾﺔ ،ﻟﻤﻨﻈﺮ أردت أن أرﺳﻤﮫ ..ﻓﺮﺳﻤﻨﻲ. أﻟﯿﺴﺖ ھﺬه أﺟﻤﻞ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﺮﺳّﺎم ،أن ﯾﺘﻮﺣﺪ ﻣﻊ ﻟﻮﺣﺘﮫ ﻓﻲ ﻣﺸﮭﺪ واﺣﺪ؟ ﻛﻨﺖ أدري ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ وأﻧﺎ أﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻮھﺎد اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ ﺗﺤﺘﻲ ،إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﻔﺎق اﻟﺼﺨﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺸﻄﺮھﺎ ﻧﮭﺮ اﻟﺮﻣﺎل ﺑﺒﻂء زﺑﺪيّ ،أن "اﻟﮭﺎوﯾﺔ اﻷﻧﺜﻰ" ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺪرﺟﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻖ ،ﻓﻲ ﻣﻮت ﺷﺒﻘﻲّ أﺧﯿﺮ ،رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻓﺮﺻﺘﻲ اﻷﺧﯿﺮة ﻟﻠﺘﻮﺣﺪ اﻟﺠﺴﺪيّ ﻣﻊ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،وﻣﻊ ذاﻛﺮة ﺟﺪّ ﺑﺪأت أﺷﻌﺮ ﺑﺘﻮاﻃﺆ ﻏﺎﻣﺾ ﻣﻌﮫ. ﺗﺮى ﺷﮭﻮة اﻟﺴﻘﻮط واﻟﺘﺤﻄﻢ ھﻲ اﻟﺘﻲ أﺷﻌﺮﺗﻨﻲ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺑﺎﻟﺪوار ،وأﻧﺎ ﻣﻌﻠّﻖ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺠﺴﺮ وﺣﺪي؟ وإذا ﺑﻲ أﺷﻌﺮ ﻓﺠﺄة ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ..وأﻛﺎد أﻋﺘﺬر ﻟﮭﺎ .وﺣﺪھﻢ اﻟﻐﺮﺑﺎء ھﻨﺎ ﯾﺸﻌﺮون ﺑﺎﻟﺪوار .ﻓﻤﺘﻰ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ وﺿﻌﺘﻨﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺘﮭﻢ؟ ورﻏﻢ ذﻟﻚ أﻋﺘﺮف ،أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻣﺴﺘﻌﺪاً ﻟﻠﻤﻮت. ﻟﯿﺲ ﺗﻤﺴﻜﺎً ﻣﻨﻲّ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة .وﻟﻜﻦ ﻷﻧﻨﻲ وﺻﻠﺖ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺤﺰن اﻟﺠﺎرف اﻟﻌﻤﯿﻖ اﻟﺬي اﺟﺘﺎﺣﻨﻲ ﻣﻨﺬ وﻃﺌﺖ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،إﻟﻰ ﻋﺎﻃﻔﺔ ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻣﺘﻄﺮﻓﺔ أﺧﺮى.
ﻟﻘﺪ وﺻﻠﺖ ﺑﻤﺮارﺗﻲ وﺧﯿﺒﺘﻲ ﺣﺪ اﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ واﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻤﺒﮭﻤﺔ. ﻓﻠﻘﺪ ﺗﻌﻠّﻤﺖ أن أﺳﺨﺮ ﻣﻦ اﺳﺘﻔﺰاز اﻷﺷﯿﺎء ﻟﻲ ،وأﻗﺎﺑﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ﻣﻊ اﻟﺬاﻛﺮة ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﮭﻜﻢ اﻟﻤﺮّ. أﻟﻢ آت ھﻨﺎ إﺛﺮ ﻗﺮارٍ ﺟﻨﻮﻧﻲ ،رﺑﻤﺎ ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ اﻟﺠﻨﻮن ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺗﻜﺎد ﺗﺤﺘﺮﻓﮫ! وﻟﺬا ﺑﺪأت أﺗﻠﺬّذ ﺳﺮاً ﺑﮭﺬه اﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﻤﻮﺟﻌﺔ ،وأﺣﺮص ﻋﻠﻰ أن أﻋﯿﺶ ﺻﺪﻣﺎﺗﻲ ﺑﻤﺎزوﺷﯿّﺔ ﻣﺘﻌﻤّﺪة .ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﯿﺒﺘﻲ اﻟﯿﻮم ﻣﻊ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ھﻲ ﻣﻨﺠﻢ ﺟﻨﻮﻧﻲ وﻋﺒﻘﺮﯾﺘﻲ اﻟﻘﺎدﻣﺔ. وﺑﺮﻏﻢ ذﻟﻚ ﻗﺮرت ﻓﺠﺄة أن أھﺮب ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺠﺴﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺑﺪاﯾﺔ ﺟﻨﻮﻧﻲ ﯾﻮﻣﺎً. ﻓﺠﺄة ﺗﻄﯿّﺮت ﻣﻨﮫ ،أن اﻟﺬي أوﻟﻌﺖ ﺑﮫ ﻃﻮﯾﻼً وﺣﻮﻟﺘﮫ إﻟﻰ دﯾﻜﻮر ﻟﺤﯿﺎﺗﻲ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺣﻄﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨﮫ. أﯾﻜﻮن ذﻟﻚ اﻹﺣﺴﺎس ﺟﺎءﻧﻲ ،وأﻧﺎ أﻟﻤﺢ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ ﻛﻨﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻔﻮح اﻟﺠﺒﻠﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﯾﻮﻣﺎً ﻣﺮﺷﻮﺷﺔ ﺑﺸﻘﺎﺋﻖ اﻟﻨﻌﻤﺎن ..وأزھﺎر اﻟﻨﺮﺟﺲ اﻟﻤﻨﺜﻮر ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻤﺮات اﻟﺨﻀﺮاء ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎن أھﻞ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﯾﺄﺗﻮن إﻟﯿﮭﺎ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺮﺑﯿﻊ ..ﻣﺤﻤّﻠﯿﻦ ﺑﻤﺎ أﻋﺪّﺗﮫ اﻟﻨﺴﺎء ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﻦ "ﺑﺮاج" وﺣﻠﻮﯾﺎت وﻗﮭﻮة ..واﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو اﻟﯿﻮم ﺣﺰﯾﻨﺔ ،وﻛﺄن أزھﺎرھﺎ ﻏﺎدرﺗﮭﺎ ﻟﺴﺒﺐ ﻏﺎﻣﺾ؟ أم ﺗﺮاه ﻣﻨﻈﺮ ﻣﺰار )ﺳﯿﺪي ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻐﺮاب( اﻟﺬي ﯾﻌﻮد ﻓﺠﺄة إﻟﻰ اﻟﺬاﻛﺮة .وإذا ﺑﻲ أﺳﺘﻌﯿﺪ ﻣﺎ ﻗﺮأﺗﮫ ﻋﻨﮫ ﻣﺆﺧﺮاً ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺗﺎرﯾﺨﻲ ﻋﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ .ﻓﺘﻌﺒﺮﻧﻲ ﻗﺸﻌﺮﯾﺮة ﻏﺎﻣﻀﺔ. ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻻﺣﻘﺘﻨﻲ دون أن أدري اﻟﻠﻌﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻻﺣﻘﺖ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﺎي أﻛﺒﺮ ﺑﺎﯾﺎت ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ﺑﺴﺒﺐ ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ؟ ھﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺨﺘﻢ إﻧﺠﺎزاﺗﮫ اﻟﻤﻌﻤﺎرﯾﺔ اﻟﮭﺎﺋﻠﺔ ،وإﺻﻼﺣﺎﺗﮫ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ وھﺒﮭﺎ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ﺑﺈﺻﻼح ﺟﺴﺮ اﻟﻘﻨﻄﺮة، اﻟﻠﺴﺎن اﻟﺘﺮاﺑﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺮﺑﻂ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺑﺎﻟﺨﺎرج ،واﻟﺠﺴﺮ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﺻﻤﺪ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺧﻤﺴﺔ ﺟﺴﻮر روﻣﺎﻧﯿﺔ. ﺗﻘﻮل أﺳﻄﻮرة ﺷﻌﺒﯿﺔ ،إن ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ ﻛﺎن أﺣﺪ أﺳﺒﺎب ھﻼك )ﺻﺎﻟﺢ ﺑﺎي( وﻧﮭﺎﯾﺘﮫ اﻟﻤﻔﺠﻌﺔ.. ﻓﻘﺪ ﻗﺘﻞ ﻓﻮﻗﮫ )ﺳﯿﺪي ﻣﺤﻤﺪ( ،أﺣﺪ اﻷوﻟﯿﺎء اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺘﻤﺘّﻌﻮن ﺑﺸﻌﺒﯿﺔ ﻛﺒﯿﺮة. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻂ رأس اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﺗﺤﻮل ﺟﺴﻤﮫ إﻟﻰ ﻏﺮاب ،وﻃﺎر ﻣﺘﻮﺟﮭﺎً ﻧﺤﻮ دار ﺻﺎﻟﺢ ﺑﺎي اﻟﺮﯾﻔﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻔﻮح .وﻟﻌﻨﮫ واﻋﺪاً إﯾﺎه ﺑﻨﮭﺎﯾﺔ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻗﺴﻮة وﻻ ﻇﻠﻤﺎً ﻋﻦ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻮﻟﻲ اﻟﺬي ﻗﺘﻠﮫ.
ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﺎي إﻻ أن ﻏﺎدر ﺑﯿﺘﮫ وأراﺿﯿﮫ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ،ﺗﻄﯿّﺮاً ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻐﺮاب ،واﻛﺘﻔﻰ ﺑﺪاره ﻓﻲ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ. ھﻜﺬا أﻃﻠﻖ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن اﺳﻢ "ﺳﯿﺪي ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻐﺮاب" ،ﻟﯿﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪ ﻗﺮﻧﯿﻦ ﻣﺰار اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﯿﮭﻮد ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﯾﺄﺗﻮﻧﮫ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺎت اﻷﺳﺒﻮع وﻓﻲ اﻟﻤﻮاﺳﻢ، ﻟﻘﻀﺎء أﺳﺒﻮع ﻛﺎﻣﻞ ﯾﺮﺗﺪون ﺧﻼﻟﮫ ﺛﯿﺎﺑﺎً وردﯾﺔ ،ﯾﺆدون ﺑﮭﺎ ﻃﻘﻮﺳﺎً ﻣﺘﻮارﺛﺔ ﺟﯿﻼً ﻋﻦ ﺟﯿﻞ ،ﻓﯿﻘﺪّﻣﻮن ﻟﮫ ذﺑﺎﺋﺢ اﻟﺤﻤﺎم ،وﯾﺴﺘﺤﻤّﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺎه اﻟﺪاﻓﺌﺔ ﻟﺒﺮﻛﺘﮫ اﻟﺼﺨﺮﯾﺔ ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺤﻢّ اﻟﺴﻼﺣﻒ ،وﯾﻌﯿﺸﻮن ﻋﻠﻰ ﺷﺮب "اﻟﻌﺮوق" ﻻ ﻏﯿﺮ، واﻻﺳﺘﺴﻼم ﻟﻨﻮﺑﺎت رﻗﺺ ﺑﺪاﺋﯿﺔ ،ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺎت ﺟﻤﺎﻋﯿﺔ ﯾﺆدوﻧﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﮭﻮاء اﻟﻄﻠﻖ.. ﻋﻠﻰ وﻗﻊ ﺑﻨﺪﯾﺮ" اﻟﻔﻘﯿﺮات". وﻟﻜﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﻟﻢ ﺗﺤﻘﺪ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﯾﮭﺎ اﻟﺬي وھﺒﮭﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﺎھﺔ واﻟﺮﻓﺎھﯿﺔ. ﺳﻮّت ﻓﻘﻂ ﺑﻄﯿﺒﺔ أو ﺑﺠﻨﻮن ..ﺑﯿﻦ اﻟﻘﺎﺗﻞ واﻟﻘﺘﯿﻞ. ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻦ )ﺳﯿﺪي ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻐﺮاب( أﺷﮭﺮ ﻣﺰار وﻟﻲّ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ،ﻓﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﯾﺤﻤﻞ ﻛﻞ ﺷﺎرع ﻓﯿﮭﺎ اﺳﻢ وﻟﻲّ. وﺧﻠّﺪت ﻣﻦ ﺑﯿﻦ واﺣﺪ وأرﺑﻌﯿﻦ ﺑﺎﯾﺎً ﺣﻜﻤﮭﺎ ،اﺳﻢ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﺎي وﺣﺪه ،ﻓﻜﺘﺒﺖ ﻓﯿﮫ أﺟﻤﻞ أﺷﻌﺎرھﺎ ،وﻏﻨّﺖ ﻓﺠﯿﻌﺔ ﻣﻮﺗﮫ ﻓﻲ أﺟﻤﻞ أﻏﻨﯿﺔ رﺛﺎء .وﻣﺎزاﻟﺖ ﺗﻠﺒﺲ ﺣﺪاده ﺣﺘﻰ اﻟﯿﻮم ﻣﻊ ﻣﻼءات ﻧﺴﺎﺋﮭﺎ اﻟﺴﻮداء ..دون أن ﺗﺪري! ھﺬه ھﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ.. ﻻ ﻓﺮق ﺑﯿﻦ ﻟﻌﻨﺘﮭﺎ ورﺣﻤﺘﮭﺎ ،ﻻ ﺣﺎﺟﺰ ﺑﯿﻦ ﺣﺒّﮭﺎ وﻛﺮاھﯿّﺘﮭﺎ ،ﻻ ﻣﻘﺎﯾﯿﺲ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻟﻤﻨﻄﻘﮭﺎ. ﺗﻤﻨﺢ اﻟﺨﻠﻮد ﻟﻤﻦ ﺗﺸﺎء ،وﺗﻨﺰل اﻟﻌﻘﺎب ﺑﻤﻦ ﺗﺸﺎء. ﻓﻤﻦ ﻋﺴﺎه ﯾﺤﺎﺳﺒﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﻮﻧﮭﺎ ،وﻣﻦ ﻋﺴﺎه ﯾﺤﺴﻢ ﻣﻮﻗﻔﮫ ﻣﻨﮭﺎ ،ﺣﺒﺎً أو ﻛﺮاھﯿﺔ.. إﺟﺮاﻣﺎً أو ﺑﺮاءةً ..دون أن ﯾﻌﺘﺮف أﻧﮭﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﺤﺎﻻت ﺿﺪّھﺎ؟ *** ﻓﻲ ﻛﻞ ﯾﻮم ﻛﻨﺖ أﻗﻀﯿﮫ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ﻛﻨﺖ أﺗﻮرط أﻛﺜﺮ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﮭﺎ ،ﻓﺮﺣﺖ أﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﺳﮭﺮاﺗﻲ ﻣﻊ ﺣﺴﺎن ،وأﺣﺎدﯾﺜﻨﺎ اﻟﺠﺎﻧﺒﯿﺔ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺪ ﺑﻨﺎ أﺣﯿﺎﻧﺎً ﺣﺘﻰ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻣﻦ اﻟﻠﯿﻞ ..ﻋﻦ وﺻﻔﺔ أﺧﺮى ﻟﻠﻨﺴﯿﺎن. أﺑﺤﺚ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺠﻮ اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ اﻟﺬي اﻓﺘﻘﺪﺗﮫ ﻃﻮﯾﻼً ﻋﻦ ﻃﻤﺄﻧﯿﻨﺔ أﺧﺮى ﺧﺎرج ﻓﻀﺎﺋﮭﺎ. ﻛﺎن ﻟﻮﺟﻮدي ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ اﻟﺬي أﻋﺮﻓﮫ وﯾﻌﺮﻓﻨﻲ ،ﺗﺄﺛﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﯿّﺘﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم .ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﻨﺪي اﻟﺴﺮيّ اﻟﺬي ﻟﻢ أﺗﻮﻗّﻌﮫ .ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻋﻮد إﻟﯿﮫ ﻛﻞ ﻟﯿﻠﺔ،
وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺻﻌﺪ ﻧﺤﻮ دھﺎﻟﯿﺰ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ اﻟﺒﻌﯿﺪة ،ﻷﺻﺒﺢ ﺟﻨﯿﻨﺎً ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ.. أﺧﺘﺒﺊ ﻓﻲ ﺟﻮف أمٍ وھﻤﯿﺔ ،ﻣﺎزال ﻣﻜﺎﻧﮭﺎ ھﻨﺎ ﻓﺎرﻏﺎً ﻣﻨﺬ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﺳﻨﺔ. ﯾﺤﺪث ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ أن أذﻛﺮ زﯾﺎد ،ﯾﻮم أﻗﺎم ﻋﻨﺪي ﻟﺒﻀﻌﺔ أﺷﮭﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ، ﻋﻨﺪﻣﺎ رﻓﺾ ﻣﺴﺘﺄﺟﺮه أن ﯾﺠﺪّد ﻟﮫ ﻋﻘﺪ إﯾﺠﺎر اﻟﺒﯿﺖ. ﺗﻌﻮّدت وﻗﺘﮭﺎ أن أﺗﺮك ﻟﮫ ﺳﺮﯾﺮي ،وأﻧﺎم ﻋﻠﻰ ﻓﺮاش آﺧﺮ وﺿﻌﺘﮫ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ أﺧﺮى. وﻛﺎن زﯾﺎد ﯾﺤﺘﺞ وﯾﺸﻌﺮ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻹﺣﺮاج ،ﻣﻌﺘﻘﺪاً أﻧﻨﻲ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ ﻟﮫ. وﻛﻨﺖ أوﻛّﺪ ﻟﮫ ﻛﻞ ﻣﺮة ،أﻧﻨﻲ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺑﻔﻀﻠﮫ أﻧﻨﻲ أﺳﻌﺪ أﻛﺜﺮ ﺑﺎﻟﻨﻮم ﻋﻠﻰ اﻷرض. ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻔﺮاش اﻷرﺿﻲ ﯾﺬﻛّﺮﻧﻲ ﺑﻄﻔﻮﻟﺘﻲ وﺑﻨﻮﻣﻲ إﻟﻰ ﺟﻮار أﻣﻲ ﻟﻌﺪة ﺳﻨﻮات ،ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﻄﺮح اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﺬي ﻣﺎ زﻟﺖ أذﻛﺮ ﻟﻮﻧﮫ اﻷزرق .ﺑﻞ وﺗﻠﻚ اﻷﯾﺎم اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺼّﺼﮭﺎ )أﻣّﺎ( ﻛﻞ ﺧﺮﯾﻒ ،ﻟﻐﺴﻞ اﻟﺼﻮف وﺗﺠﺪﯾﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻄﺎرح اﻟﺼﻮﻓﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺛﺎث اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻐﺮﻓﺔ ﻧﻮﻣﻲ. ﺗﻤﻨّﯿﺖ ﻟﻮ ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﻋﺘﯿﻘﺔ أن ﺗﻀﻊ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﺮاﺷﺎً ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﻤﺎ ﺗﻔﻌﻞ ﻣﻊ أوﻻدھﺎ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻨﺎﻣﻮن ﻓﻲ اﻟﻐﺮف اﻷﺧﺮى ،ﻋﻠﻰ ﻓﺮاش أرﺿﻲ ﻣﺸﺘﺮك ﯾﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﺪفء واﻟﺮﻏﺒﺔ ﺑﺎﻻﻧﺰﻻق ﺗﺤﺖ أﻏﻄﯿﺘﮫ اﻟﺼﻮﻓﯿﺔ اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺜﯿﺮ ﻏﯿﺮﺗﻲ وﺣﻨﯿﻨﻲ ﻟﺰﻣﻦٍ ﻟﻢ أﻋﺪ أدري ﻟﺒﻌﺪه ،إن ﻛﻨﺖ ﻋﺸﺘﮫ ﺣﻘﺎً ..أم ﺗﺨﯿّﻠﺘﮫ. وﻟﻜﻦ أﯾﻌﻘﻞ أن أﻃﻠﺐ ھﺬا اﻟﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﻋﺘﯿﻘﺔ؟ ھﻲ اﻟﺘﻲ أﻋﻄﺘﻨﻲ أﺟﻤﻞ ﻏﺮف ﺑﯿﺘﮭﺎ، ﻏﺮﻓﺔ ﻧﻮﻣﮭﺎ اﻟﻌﺼﺮﯾﺔ اﻟﻤﻌﺪّة ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻀﯿﻮف ،أﻛﺜﺮ ﻣﻨﮭﺎ ﻟﻘﻀﺎء ﻟﯿﺎلٍ زوﺟﯿﺔ .. ﻟﻠﺤﺐ؟ ﻟﻮ ﻓﻌﻠﺖ ھﺬا ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ أﺣﺮﺟﺘﮭﺎ ،وﻟﻤﺎ وﺟﺪت ﺗﻔﺴﯿﺮاً ﻟﺠﻨﻮﻧﻲ ھﺬا .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺘﯿﻘﺔ ﺗﺸﺎرك أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﺳﮭﺮﺗﻨﺎ ،وﺗﺤﺎول أن ﺗﺴﺘﻨﺠﺪ ﺑﻲ ،ﺑﺼﻔﺘﻲ رﺟﻼً ﻣﺘﺤﻀّﺮاً ﻗﺎدﻣﺎً ﻣﻦ ﺑﺎرﯾﺲ ،ﻷﻗﻨﻊ أﺧﻲ ﺑﺎﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﯾﻢ ،وھﺬه اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﻤﺘﺨﻠّﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﯿﺶ .وﺗﻜﺎد ﺗﻌﺘﺬر ﻟﻲ ﻋﻦ ﻛﻞ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺪو ﻓﻲ ﻧﻈﺮي ﺟﻤﯿﻠﺔ ..وﻧﺎدرة. وﻷﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻣﻠﻚ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ إﻗﻨﺎﻋﮭﺎ ﺑﺮأﯾﻲ ،وﻻ اﻟﺠﺮأة ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻛﺴﺔ رأﯾﮭﺎ، ﻛﻨﺖ أﻛﺘﻔﻲ ﺑﺎﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﻰ ﻧﻘﺎﺷﮭﺎ ﻣﻊ ﺣﺴﺎن ،ذﻟﻚ اﻟﻨﻘﺎش اﻟﺬي ﯾﻜﺎد ﯾﺘﺤﻮل أﺣﯿﺎﻧﺎً إﻟﻰ ﺷﺠﺎر ﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﺴﺤﺐ ھﻲ إﻟﻰ اﻟﻨﻮم ،وﯾﻌﻠّﻖ ﺣﺴﺎن ﺷﺒﮫ ﻣﻌﺘﺬر: "ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻘﻨﻊ اﻣﺮأة ﺗﺸﺎھﺪ ﻣﺴﻠﺴﻞ )داﻻس( ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻠﻔﺰﯾﻮن ،أن ﺗﺴﻜﻦ ﺑﯿﺘ ًﺎ ﻛﮭﺬا وﺗﺤﻤﺪ اﷲ ..ﻻ ﺑﺪ أن ﯾﻮﻗﻔﻮا ھﺬا اﻟﻤﺴﻠﺴﻞ ،ﻣﺎداﻣﻮا ﻋﺎﺟﺰﯾﻦ ﻋﻦ ﻣﻨﺢ اﻟﻨﺎس
ﺳﻜﻨﺎً ﻣﺤﺘﺮﻣﺎً ..وﺣﯿﺎة أﻓﻀﻞ..". ﻛﻨﺖ أﺣﺴﺪ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺣﺴﺎن .وأﻋﺠﺐ ﺑﻔﻠﺴﻔﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة. ﻛﺎن ﯾﻘﻮل" :ﻟﻜﻲ ﺗﻜﻮن ﺳﻌﯿﺪاً ﻋﻠﯿﻚ أن ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻚ .ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻓﻲ ﯾﺪك ﻗﻄﻌﺔ رﻏﯿﻒ ،وﻧﻈﺮت ﻟﻤﻦ ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﯾﺪه ﺷﻲء ،ﺳﺘﺴﻌﺪ وﺗﺤﻤﺪ اﷲ .وأﻣﺎ إذا رﻓﻌﺖ رأﺳﻚ ﻛﺜﯿﺮاً وﻧﻈﺮت ﻟﻤﻦ ﻓﻲ ﯾﺪھﻢ ﻗﻄﻌﺔ "ﻛﻌﻚ" ﻓﺄﻧﺖ ﻟﻦ ﺗﺸﺒﻊ ،ﺑﻞ ﺳﺘﻤﻮت ﻗﮭﺮاً ﻓﻘﻂ.. وﺗﺘﻌﺲ ﺑﺎﻛﺘﺸﺎﻓﻚ!". وھﻜﺬا ﻓﻔﻲ ﻧﻈﺮ ﺣﺴﺎن أن اﻟﻌﯿﺶ ﻓﻲ ﺑﯿﺖ ﻛﮭﺬا ﺑﺮﻏﻢ ﻛﻞ ﺳﻠﺒﯿﺎﺗﮫ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻣﺰﻋﺠﺔ ،ﺑﺘﻔﺎﺻﯿﻠﮭﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎوزھﺎ اﻟﻌﺼﺮ ،ﯾﻈﻞ أﻓﻀﻞ ﻣﻤﺎ ﯾﻌﺎﻧﯿﮫ آﻻف اﻟﻨﺎس .ﺑﻞ وﻋﺸﺮات اﻵﻻف اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﺠﺪوا ﺑﯿﺘﺎً واﺳﻌﺎً ﻛﮭﺬا ﯾﺴﻜﻨﻮﻧﮫ ﺑﻤﻔﺮدھﻢ ﻣﻊ أوﻻدھﻢ وزوﺟﺘﮭﻢ .ﺑﻞ ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﺎ ﯾﺘﻘﺎﺳﻤﻮن ﻣﻊ أھﻠﮭﻢ وأﻗﺎرﺑﮭﻢ ،اﻟﺸﻘﺔ اﻟﻀﯿﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﺑﯿﺘﺎً ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﯿﻦ ﻟﻌﺪة ﺳﻨﻮات. ھﻜﺬا ﻛﺎن ﺣﺴﺎن.. "ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮﺗﮫ إﻟﻰ اﻷﺷﯿﺎء ﻧﻈﺮة ﻋﻤﻮدﯾﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻠﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﮫ ﻓﻲ ﺻﺒﺎه ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻮرة ﺑﺎﻟﺤﺎﺋﻂ..". وﻛﺎن ﺳﻌﯿﺪاً ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻌﻮد أﯾﻀﺎً إﻟﻰ ﻋﻘﻠﯿﺘﮫ ﻛﻤﻮﻇﻒ ﻣﺤﺪود اﻟﺪﺧﻞ.. وﻣﺤﺪود اﻷﺣﻼم! ﻓَﺒِﻢَ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺤﻠﻢ أﺳﺘﺎذ ﻟﻠﻌﺮﺑﯿﺔ ﯾﻘﻀﻲ ﯾﻮﻣﮫ ﻓﻲ ﺷﺮح اﻟﻨﺼﻮص اﻷدﺑﯿﺔ ،وﺳﺮد ﺳﯿﺮة اﻟﻜﺘّﺎب واﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﻋﻠﻰ ﺗﻼﻣﯿﺬه ..وﺗﺼﺤﯿﺢ أﺧﻄﺎﺋﮭﻢ اﻟﻨﺤﻮﯾﺔ واﻹﻧﺸﺎﺋﯿﺔ ،وﻻ ﯾﺠﺪ ﻣﺘﺴﻌﺎً ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ _أو اﻟﺠﺮأة_ ﻟﺸﺮح ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺤﺪث أﻣﺎﻣﮫ، وﺗﺼﺤﯿﺢ أﺧﻄﺎء أﻛﺒﺮ ﺗﺮﺗﻜﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺮأى ﻣﻨﮫ ﺑﺎﺳﻢ ﻛﻠﻤﺎت ﺧﺮﺟﺖ ﻓﺠﺄة ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ، ﻟﺘﺪﺧﻞ ﻗﺎﻣﻮس اﻟﺸﻌﺎرات واﻟﻤﺰاﯾﺪات؟. ﻛﺎن ﻓﻲ أﻋﻤﺎق ﺣﺴﺎن ﻣﺮارة ﻏﺎﻣﻀﺔ ﺗﺒﺪو ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﺣﯿﺎﺗﮫ .وﻟﻜﻨﮫ ﻛﺎن ﯾﺤﺘﻔﻆ ﺑﮭﺎ ﻟﻨﻔﺴﮫ. ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﮫ ﻛﺎن ﻣﺘﻌﺒﺎً وﻏﺎرﻗﺎً ﻓﻲ ﻣﺸﻜﻼت أوﻻده اﻟﺴﺘّﺔ وزوﺟﺘﮫ اﻟﺸﺎﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻠﻢ ﺑﺤﯿﺎة أﺧﺮى ﻏﯿﺮ ﺣﯿﺎة ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ .وأﻣﺎ ھﻮ ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺠﺮؤ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻠﻢ، أو ﺑﺎﻷﺣﺮى ﻛﺎن ﯾﺤﻠﻢ آﻧﺬاك ﺑﺎﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺺ ﯾﺘﻮﺳﻂ ﻟﮫ ﻟﯿﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺟﺔ ﺟﺪﯾﺪة ..ﻻ ﻏﯿﺮ! ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺮﻓﺖ أﻣﻨﯿﺘﮫ اﻟﺒﺴﯿﻄﺔ اﻟﺼﻌﺒﺔ ،ﺣﺰﻧﺖ وأﻧﺎ أﻛﺘﺸﻒ أﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻣﺘﺨﻠّﻔﯿﻦ ﻋﻦ أورﺑﺎ وﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﻘﻂ ،ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ اﻋﺘﻘﺪ ،وإﻻ ﻟﮭﺎن اﻷﻣﺮ ..وﺑﺪا ﻣﻨﻄﻘﯿﺎً .ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﻣﺘﺨﻠّﻔﯿﻦ ﻋﻤﺎ ﻛﻨّﺎ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻨﺬ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن وأﻛﺜﺮ .ﯾﻮم ﻛﻨّﺎ ﺗﺤﺖ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر.
ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻨﯿﺎﺗﻨﺎ أﺟﻤﻞ ..وأﺣﻼﻣﻨﺎ أﻛﺒﺮ. ﯾﻜﻔﻲ أن ﺗﺘﺄﻣﻞ وﺟﻮه اﻟﻨﺎس اﻟﯿﻮم وأن ﺗﺴﻤﻊ أﺣﺎدﯾﺜﮭﻢ وأن ﺗﻠﻘﻲ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ واﺟﮭﺎت اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت ﻟﺘﻔﮭﻢ ذﻟﻚ. ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻛﻨّﺎ وﻃﻨﺎً ﯾﺼﺪّر اﻷﺣﻼم ..ﻣﻊ ﻛﻞ ﻧﺸﺮة أﺧﺒﺎر إﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﻌﻮب اﻟﻌﺎﻟﻢ. وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺑﻤﻔﺮدھﺎ ﺗﺼﺪّر ﻣﻦ اﻟﺠﺮاﺋﺪ واﻟﻤﺠﻼت واﻟﻜﺘﺐ ﻣﺎ ﻻ ﺗﺼﺪّره اﻟﯿﻮم اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ ﻻ ﻧﻮﻋﺎً ..وﻻ ﻋﺪاً. ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻛﺎن ﻟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﻜﺮﯾﻦ واﻟﻌﻠﻤﺎء ..واﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻈﺮﻓﺎء واﻟﻜﺘﺎب ،ﻣﺎ ﯾﻤﻸﻧﺎ زھﻮاً وﻏﺮوراً ﺑﻌﺮوﺑﺘﻨﺎ. اﻟﯿﻮم ..ﻟﻢ ﯾﻌﺪ أﺣﺪ ﯾﺸﺘﺮي اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﻟﯿﺤﺘﻔﻆ ﺑﮭﺎ ﻓﻲ ﺧﺰاﻧﺔ ،إذ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻓﻲ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﻣﺎ ﯾﺴﺘﺤﻖ اﻟﺤﻔﻆ. وﻟﻢ ﯾﻌﺪ أﺣﺪ ﯾﺠﻠﺲ إﻟﻰ ﻛﺘﺎب ﻟﯿﺘﻌﻠّﻢ ﻣﻨﮫ ﺷﯿﺌﺎً .ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺢ اﻟﺒﺆس اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻇﺎھﺮة ﺟﻤﺎﻋﯿﺔ ،وﻋﺪوى ﻗﺪ ﺗﻨﺘﻘﻞ إﻟﯿﻚ وأﻧﺖ ﺗﺘﺼﻔّﺢ ﻛﺘﺎﺑﺎً " .ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﺘﺐ داﺋﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺻﻮاب ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﮭﺪ ،وﻛﺎن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨّﺎ ﻓﺼﯿﺤﺎً ﯾﺘﻜﻠﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻜﻠﻢ اﻟﻜﺘﺐ..". واﻟﯿﻮم أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻜﺘﺐ ﺗﻜﺬب أﯾﻀﺎً ..ﻣﺜﻠﮭﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﺠﺮاﺋﺪ .وﻟﺬا ﺗﻘﻠّﺺ ﺻﺪﻗﻨﺎ ..وﻣﺎﺗﺖ ﻓﺼﺎﺣﺘﻨﺎ ،ﻣﻨﺬ أﺻﺒﺢ ﺣﺪﯾﺜﻨﺎ ﯾﺪور ﻓﻘﻂ ﺣﻮل اﻟﻤﻮاد اﻻﺳﺘﮭﻼﻛﯿﺔ اﻟﻤﻔﻘﻮدة! ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﯾﻮﻣﮭﺎ ھﺬا اﻟﻜﻼم ﻟﺤﺴﺎن ،ﻇﻞ ﯾﺘﺄﻣﻠﻨﻲ ﺑﺬھﻮل وﻛﺄﻧﮫ اﻛﺘﺸﻒ ﺷﯿﺌﺎً ﻟﻢ ﯾﻨﺘﺒﮫ ﻟﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ..ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺤﺴﺮة: ﺻﺤﯿﺢ ..ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻘﻮا ﻟﻨﺎ أھﺪاﻓﺎً ﺻﻐﯿﺮة ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﻘﻀﺎﯾﺎ اﻟﻌﺼﺮ .واﻧﺘﺼﺎراتﻓﺮدﯾﺔ وھﻤﯿﺔ ،ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺒﻌﺾ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﺷﻘﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻻﻧﺘﻈﺎر ..أو ﻗﺪ ﺗﻜﻮن اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺟﺔ ،أو اﻟﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺷﺮاء ﺳﯿﺎرة ..أو ﺣﺘﻰ دواﻟﯿﺒﮭﺎ ﻓﻘﻂ! وﻻ أﺣﺪ ﻋﻨﺪه ﻣﺘﺴﻊ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ واﻷﻋﺼﺎب ﻟﯿﺬھﺐ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ھﺬا، وﯾﻄﺎﻟﺐ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ھﺬا.. ﻧﺤﻦ ﻣﺘﻌﺒﻮن ..أھﻠﻜﺘﻨﺎ ھﻤﻮم اﻟﺤﯿﺎة اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ اﻟﻤﻌﻘّﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺎج داﺋﻤﺎً إﻟﻰ وﺳﺎﻃﺔ ﻟﺤﻞ ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﮭﺎ اﻟﻌﺎدﯾﺔ .ﻓﻜﯿﻒ ﺗﺮﯾﺪ أن ﻧﻔﻜّﺮ ﻓﻲ أﺷﯿﺎء أﺧﺮى ،ﻋﻦ أيّ ﺣﯿﺎة ﺛﻘﺎﻓﯿﺔ ﺗﺘﺤﺪث؟ ﻧﺤﻦ ھﻤّﻨﺎ اﻟﺤﯿﺎة ﻻ ﻏﯿﺮ ..وﻣﺎ ﻋﺪا ھﺬا ﺗﺮف ..ﻟﻘﺪ ﺗﺤﻮﻟﻨﺎ إﻟﻰ أﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻤﻞ ،ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻗﻮﺗﮭﺎ وﺟﺤﺮ ﺗﺨﺘﺒﺊ ﻓﯿﮫ ﻣﻊ أوﻻدھﺎ ﻻ أﻛﺜﺮ.. ﺳﺄﻟﺘﮫ ﺑﺴﺬاﺟﺔ:
وﻣﺎذا ﯾﻔﻌﻞ اﻟﻨﺎس؟ﻗﺎل ﻣﺎزﺣﺎً: اﻟﻨﺎس..؟ ﻻ ﺷﻲء ..اﻟﺒﻌﺾ ﯾﻨﺘﻈﺮ ..واﻟﺒﻌﺾ ﯾﺴﺮق ..واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﯾﻨﺘﺤﺮ،ھﺬه ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺗﻘﺪم ﻟﻚ اﻻﺧﺘﯿﺎرات اﻟﺜﻼﺛﺔ ﺑﺎﻟﻤﺒﺮرات ﻧﻔﺴﮭﺎ ..واﻟﺤﺠﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ! ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺧﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎن ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ..واﻧﺘﺎﺑﺘﻨﻲ ﻓﺠﺄة ﻗﺸﻌﺮﯾﺮة ﻣﺒﮭﻤﺔ. ﺳﺄﻟﺘﮫ دون ﺗﻔﻜﯿﺮ ..وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺳﺄﻟﮫ أي اﻟﻮﺻﻔﺎت اﻟﺜﻼﺛﺔ أﺧﺘﺎر: وھﻞ ﻟﻚ أﺻﺪﻗﺎء ھﻨﺎ ﺗﻠﺘﻘﻲ ﺑﮭﻢ ..وﺗﺨﺮج ﻣﻌﮭﻢ؟أﺟﺎﺑﻨﻲ وﻛﺄﻧﮫ ﯾﻌﺠﺐ ﻟﺴﺆاﻟﻲ ،أو ﯾﺴﻌﺪ ﻻھﺘﻤﺎﻣﻲ اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ ﺑﻜﻞ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﺣﯿﺎﺗﮫ: ﻟﻲ أﺻﺪﻗﺎء ﻣﻌﻈﻤﮭﻢ ﻣﺪرﺳﻮن ﻣﻌﻲ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﻮﯾﺔ ..ﻣﺎ ﻋﺪا ھﺬا ﻟﯿﺲ ﻟﻲ أﺣﺪ ..ﻟﻘﺪﻓﺮﻏﺖ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﻦ أھﻠﮭﺎ ،ورﺣﻠﺖ ﻛﻞ اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻨﺎھﺎ. وراح ﯾﺴﺮد ﻋﻠﻲّ أﺳﻤﺎء ﻋﺎﺋﻼت ﻛﺒﯿﺮة ھﺎﺟﺮت أو راﺣﺖ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ أو ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج ،ﻟﺘﺘﺮك ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻵﺧﺮﯾﻦ ..ﺟﺎء ﻣﻌﻈﻤﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺮى و اﻟﻤﺪن اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﻤﺠﺎورة. ﻗﺒﻞ أن ﯾﻀﯿﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ﺳﺎﻋﺘﮭﺎ ،واﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﺑﻌﺪ ﺳﺖ ﺳﻨﻮات ﻛﻞ أﺑﻌﺎد اﻟﻘﺪر اﻷﺣﻤﻖ ،ﻗﺎل: ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﺳﻜﺎن ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻷﺻﻠﯿﻮن ،ﻻ ﯾﺰوروﻧﮭﺎ ﺳﻮى ﻓﻲ اﻷﻋﺮاس ..أوﻓﻲ اﻟﻤﺂﺗﻢ! وﻗﺒﻞ أن أﻋﻠّﻖ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﮫ ،أﺿﺎف وﻛﺄﻧﮫ ﺗﺬﻛّﺮ ﺷﯿﺌﺎً: ﺳﺄﻋﺮﻓﻚ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﺻﺮ اﺑﻦ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ..ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أﻧﮫ ﺳﯿﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪ ﻏﺪٍ ﻟﺤﻀﻮرزواج أﺧﺘﮫ .ﺳﺘﺮى ..ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺢ رﺟﻼً ﺑﻄﻮﻟﻚ وﺑﻀﺨﺎﻣﺘﻚ ،وھﻮ ﯾﺘﺮدد ﻋﻠﻲّ ﻣﻨﺬ ﺑﻀﻌﺔ أﺷﮭﺮ ،ﻣﻨﺬ ﻗﺮّر أن ﯾﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ .إﻧﮫ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﮭﺠﺮة ﻣﻌﺎﻛﺴﺔ .ﻟﻘﺪ رﻓﺾ ﺣﺘﻰ ﻣﻨﺤﺔ إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج ..ﺗﺼﻮر! ﻻ أﺣﺪ ﯾﺼﺪّق ھﺬا ..ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﺘﮫ ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﯾﺴﺎﻓﺮ ﻣﺜﻞ اﻵﺧﺮﯾﻦ وﯾﮭﺮب ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺒﻠﺪ ،ﻗﺎل ﻟﻲ" :أﺧﺎف إن ﺳﺎﻓﺮت أﻻ أﻋﻮد أﺑﺪاً ..ﻛﻞ أﺻﺤﺎﺑﻲ اﻟﺬﯾﻦ ﺳﺎﻓﺮوا ﻟﻢ ﯾﻌﻮدوا..".
ﺿﺤﻜﺖ وأﻧﺎ أﻛﺘﺸﻒ ھﺬا اﻟﺘﻄﺮف اﻟﺬي ﯾﺬﻛّﺮﻧﻲ ﺑﻚ ،وﻛﺄﻧﮫ ﺳﻤﺔ ﻋﺎﺋﻠﯿﺔ .وﺷﻌﺮت ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ إﻃﺎﻟﺔ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺆدي إﻟﯿﻚ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ..أو ﺑﺄﺧﺮى.. ﺳﺄﻟﺘﮫ: وﻣﺎذا ﯾﻔﻌﻞ اﻵن؟ﻟﻘﺪ أﻋﻄﻮه ﺑﺼﻔﺘﮫ اﺑﻦ ﺷﮭﯿﺪ ﻣﺤﻼً ﺗﺠﺎرﯾﺎً وﺷﺎﺣﻨﺔ ﯾﻌﻮدان ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺪﺧﻞ ﻛﺒﯿﺮ.وﻟﻜﻨﮫ ﻣﺎزال ﺿﺎﺋﻌﺎً ﻣﺘﺮدداً ،ﯾﻔﻜﺮ أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﻣﻮاﺻﻠﺔ دراﺳﺘﮫ ،ﺛﻢ أﺣﯿﺎﻧﺎً أﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﺘﻔﺮّغ ﻟﻠﺘﺠﺎرة .واﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أﻧﻨﻲ ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ ﻧﺼﺤﮫ .ﻓﻤﻦ اﻟﻤﺆﺳﻒ أن ﯾﻨﻘﻄﻊ إﻧﺴﺎن ﻋﻦ دراﺳﺘﮫ اﻟﻌﻠﯿﺎ ،ﻷﻧﮫ ﺳﯿﻈﻞ ﯾﺸﻌﺮ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻨﻘﺺ ﻃﻮال ﺣﯿﺎﺗﮫ ..وﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ أﺧﺮى، ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻔﯿﺪ اﻟﺸﮭﺎدات اﻟﯿﻮم ﻓﻲ ﺷﻲء ﺣﺴﺐ ﻗﻮﻟﮫ ،وھﻮ ﯾﺮى ﺷﺒﺎﺑﺎً ﺑﺸﮭﺎدات ﻋﻠﯿﺎ ﻋﺎﻃﻠﯿﻦ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،وآﺧﺮﯾﻦ ﺟﮭﻠﺔ ﯾﺘﻨﻘّﻠﻮن ﻓﻲ ﺳﯿﺎرات ﻣﺮﺳﯿﺪس وﯾﺴﻜﻨﻮن ﻓﯿﻼت ﻓﺨﻤﺔ ..ﻟﯿﺲ ھﺬا زﻣﻨﺎً ﻟﻠﻌﻠﻢ ..إﻧﮫ زﻣﻦ اﻟﺸّﻄﺎرة ..ﻓﻜﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻘﻨﻊ اﻟﯿﻮم ﺻﺪﯾﻘﻚ أو ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻤﯿﺬك ﺑﺎﻟﺘﻔﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ؟ .ﻟﻘﺪ اﺧﺘﻠﺖ اﻟﻤﻘﺎﯾﯿﺲ ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً.. ﻗﻠﺖ ﻟﺤﺴﺎن: اﻟﻤﮭﻢ أن ﯾﻌﺮف اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺎ ھﻮ ھﺪﻓﮫ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ..ھﻞ اﻟﻤﺎل ھﻮ ﻣﺸﻜﻠﺘﮫ اﻷوﻟﻰ ..أم اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ وﺗﻮازﻧﮫ اﻟﺪاﺧﻠﻲ؟ ردّ ﺣﺴﺎن ﻣﺎزﺣﺎً: ﺗﻮازن..؟ ﻋﻦ أي ﺗﻮازن ﺗﺘﺤﺪث ..ﻧﺤﻦ ﺷﻌﺐ ﻧﺼﻒ ﻣﺨﺘﻞّ .ﻻ أﺣﺪ ﻓﯿﻨﺎ ﯾﺪري ﻣﺎﯾﺮﯾﺪ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ..وﻻ ﻣﺎذا ﯾﻨﺘﻈﺮ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ ..إن اﻟﻤﺸﻜﻞ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ھﻮ ھﺬا اﻟﺠﻮ اﻟﺬي ﯾﻌﯿﺸﮫ اﻟﻨﺎس ،وھﺬا اﻹﺣﺒﺎط اﻟﻌﺎم ﻟﺸﻌﺐٍ ﺑﺄﻛﻤﻠﮫ .إﻧﮫ ﯾﻔﻘﺪك ﺷﮭﯿﺔ اﻟﻤﺒﺎدرة واﻟﺤﻠﻢ واﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﻷي ﻣﺸﺮوع .ﻓﻼ اﻟﻤﺜﻘﻔﻮن ﺳﻌﺪاء ..وﻻ اﻟﺠﺎھﻠﻮن وﻻ اﻟﺒﺴﻄﺎء وﻻ اﻷﻏﻨﯿﺎء .ﻗﻞ ﻟﻲ ﯾﺮﺣﻢ واﻟﺪﯾﻚ ..ﻣﺎذا ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻔﻌﻞ ﺑﻌﻠﻤﻚ إذا ﻛﻨﺖ ﺳﺘﻨﺘﮭﻲ ﻣﻮﻇﻔﺎً ﯾﻌﻤﻞ ﺗﺤﺖ إﺷﺮاف ﻣﺪﯾﺮ ﺟﺎھﻞ ،وُﺟِﺪ ﻓﻲ ﻣﻨﺼﺒﮫ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻟﯿﺲ ﻟﺴﻌﺔ ﻣﻌﺮﻓﺘﮫ، وإﻧﻤﺎ ..ﻟﻜﺜﺮة ﻣﻌﺎرﻓﮫ وﻋﺮض أﻛﺘﺎﻓﮫ !.وﻣﺎذا ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻔﻌﻞ ﺑﺄﻣﻮاﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﺜﻼً ..ﺳﻮى أن ﺗﺪﻓﻌﮭﺎ ﻋﻤﻮﻟﺔ ﻟﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﻘﺔ ﻏﯿﺮ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﻠﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﯿﺎن ..أو ﺗﻘﯿﻢ ﻋﺮﺳﺎً ﺑﮭﺎ ﯾﻐﻨّﻲ ﻓﯿﮫ "اﻟﻔﺮﻗﺎﻧﻲ"؟ أﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻤﻠﻜﮫ ﻻ ﯾﺘﺠﺎوز اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ أﻟﻒ دﯾﻨﺎر ..ﻓﯿﺒﻘﻰ أﻣﺎﻣﻚ أن ﺗﺪﻓﻌﮭﺎ "ﺷﺮاب ﻗﮭﻮة" ﻟﻤﺴﺆول ﻣﺤﻠﻲّ ﯾﺨﺘﺒﺊ ﺧﻠﻒ أيّ ﻣﻮﻇّﻒ آﺧﺮ ،ﻟﯿﺒﯿﻊ ﺟﻮازات ﺳﻔﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﺞّ .وھﻜﺬا ﯾﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺆدي ﻓﺮﯾﻀﺘﻚ وﺗﺤﺠﺰ ﻟﻚ ﻏﺮﻓﺔ ﺻﻐﯿﺮة ﻓﻲ اﻵﺧﺮة ..ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺿﺎﻗﺖ ﺑﻚ اﻟﺪﻧﯿﺎ!
ﺻﺤﺖ ﻋﺠﺒﺎً: واش ..أﺣﻘﺎً ﺗﻘﻮل ..ھﻞ ﯾﺒﯿﻌﻮن ﺟﻮازات ﺳﻔﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﺞ ﺑﻤﻠﯿﻮﻧﯿﻦ!؟ﻃﺒﻌﺎً ..ﻷن اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺣﺪدت ﻋﺪد اﻟﺤﺠﺎج ﻛﻞ ﻋﺎم ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻜﺎﻟﯿﻔﮭﻢ اﻟﺒﺎھﻈﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﺔاﻟﺼﻌﺒﺔ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ اﻛﺘﺸﻔﺖ أن ﻣﻌﻈﻤﮭﻢ ﯾﺴﺎﻓﺮ ﻋﺪة ﻣﺮات ﻷﺳﺒﺎب ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﺤﺞ، وإﻧﻤﺎ ﻷﻏﺮاض ﺗﺠﺎرﯾﺔ ﻣﺤﺾ .وإﻻ ﻛﯿﻒ ﺗﻔﺴﺮ أن ﯾﻜﻮن ﺑﻌﻀﮭﻢ ﻗﺪ ﺣﺞ ﺳﺖ ﻣﺮات أو ﺳﺒﻌﺎً دون أن ﯾﻜﻮن ذﻟﻚ واﺿﺤﺎً ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻮﻛﮫ وأﺧﻼﻗﮫ؟ أﻧﺎ أﻋﺮف ﺣﺎﺟﺎً "ﺳﻮﻛﺎرﺟﻲ" ﻻ ﺗﻔﺎرق اﻟﺨﻤﺮة ﺑﯿﺘﮫ ،وأﻋﺮف آﺧﺮ ﻣﺘﻔﺮﻏﺎً ﻟﻠﺘﺮاﻓﯿﻚ و"اﻟﺒﺰﻧﯿﺲ".. وﺗﻐﯿﯿﺮ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺼﻌﺒﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق اﻟﺴﻮداء ..ھﺆﻻء ﻣﺎزاﻟﻮا ﯾﺴﺎﻓﺮون ﻛﻞ ﻋﺎم ﻟﻠﺤﺞ .ﯾﻤﻜﻨﮭﻢ أن ﯾﺤﺼﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﻋﺸﺮﯾﻦ أﻟﻒ دﯾﻨﺎر ﺑﺴﮭﻮﻟﺔ .وأﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻤﻦ أﯾﻦ ﻟﻲ ھﺬا اﻟﻤﺒﻠﻎ ﻷﻗﻮم ﺑﺘﺄدﯾﺔ ﻓﺮﯾﻀﺘﻲ ،ودﺧﻠﻲ ﻻ ﯾﺘﺠﺎوز اﻷرﺑﻌﺔ آﻻف دﯾﻨﺎر ﻓﻲ اﻟﺸﮭﺮ؟ ﻗﻠﺖ ﻟﮫ وأﻧﺎ أﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ دھﺸﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى: ﻋﻼش ..ھﻞ ﺗﻨﻮي اﻟﺤﺞ؟ﻃﺒﻌﺎً ..وﻟﻢ ﻻ ..أﻟﺴﺖ ﻣﺴﻠﻤﺎً؟ ﻟﻘﺪ ﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﺼﻼة ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺘﯿﻦ وﻟﻮﻻ إﯾﻤﺎﻧﻲﻷﺻﺒﺤﺖ ﻣﺠﻨﻮﻧﺎً .ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺼﻤﺪ أﻣﺎم ﻛﻞ ھﺬا اﻟﻤﻨﻜﺮ وھﺬا اﻟﻈﻠﻢ دون إﯾﻤﺎن؟ وﺣﺪھﺎ اﻟﺘﻘﻮى ﺗﻌﻄﯿﻚ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻤﻮد ..اﻧﻈﺮ ﺣﻮﻟﻚ :ﻟﻘﺪ ﺗﻮﺻّﻞ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ھﺬه اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ ورﺑﻤﺎ اﻟﺸﺒﺎب أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﯿﺮھﻢ ﻷﻧﮭﻢ اﻟﻀﺤﯿﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ ..وﺣﺘﻰ ﻧﺎﺻﺮ ﻧﻔﺴﮫ أﺻﺒﺢ ﯾﺼﻠّﻲ ﻣﻨﺬ ﻋﺎد إﻟﻰ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،رﺑﻤﺎ ﻟﮭﺬا اﻟﺴﺒﺐ ورﺑﻤﺎ ﻷن اﻟﺪﯾﻦ ﻛﺎﻟﻜﻔﺮ ..ﻋﺪوى أﯾﻀﺎً! واﷲ ﯾﺎ ﺧﺎﻟﺪ ..ﻟﻮ رأﯾﺘﮭﻢ ﯾﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﯾﺘﺠﮭﻮن إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺑﺎﻵﻻف ﺣﺘﻰ ﺗﻀﯿﻖ ﺑﮭﻢ ﺟﺪراﻧﮭﺎ ..وﺗﻔﯿﺾ ﺑﮭﻢ اﻟﺸﻮارع.. ﻟﻮﻗﻔﺖ ﻣﻌﮭﻢ ﺗﺼﻠﻲ دون أن ﺗﺘﺴﺎءل ﻟﻤﺎذا! ﻟﻢ أﺟﺪ ﺷﯿﺌﺎ أﻋﻠّﻖ ﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﻛﻼم ﺣﺴﺎن ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﮭﺮة اﻟﻌﺠﯿﺒﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﺖ ﺑﻨﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﺻﺒﺎﺣﺎً .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺣﺴﺎن ﺳﻌﯿﺪاً ﺑﻮﺟﻮدي ،وﺳﻌﯿﺪاً ﺑﺒﺪء اﻟﻌﻄﻠﺔ اﻟﺼﯿﻔﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﺴﮭﺮ واﻟﺘﺤﺪث إﻟﻲّ ﻃﻮﯾﻼً ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺘﻲ ﺑﺎﻋﺪﺗﻨﺎ. ﻓﺘﺮﻛﺘﮫ ﯾﺘﺤﺪث ..وﯾﻌﺮي أﻣﺎﻣﻲ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﻛﺴﻮﺗﮫ ﺣﻨﯿﻨﺎً وﻋﺸﻘﺎً وﺟﻨﻮﻧﺎً. أﻛﺎن ﯾﺨﺎف ﻋﻠﻲّ ﻣﻦ ﺧﯿﺒﺘﻲ،وﯾﺨﺸﻰ أن ﯾﻔﻘﺪ ﻓﺮﺣﺔ ﻋﻮدﺗﻲ إﻟﯿﮫ وإﻟﻰ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺘﻮﻗﻒ أﺣﯿﺎﻧﺎً ﻋﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻟﯿﻨﺘﻘﻞ ﺑﻲ إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻮع آﺧﺮ؟ ﻛﺄن ﯾﺴﺘﺪرﺟﻨﻲ ﻣﺜﻼً ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻰ اﻟﺪﯾﻦ وإﻟﻰ اﻟﺘﻘﻮى واﻹﯾﻤﺎن. وﯾﻐﺮﯾﻨﻲ ﺑﺎﻟﺘﻮﺑﺔ ،وﻛﺄن وﺟﻮدي ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺤﺪ ذاﺗﮫ ﻗﺪ أﺻﺒﺢ ذﻧﺒﺎ وﻛﻔﺮاً. أھﺬا ھﻮ ﺣﺴﺎن؟.
ﻟﻢ أﻣﻨﻊ ﻧﻔﺴﻲ ﺳﺎﻋﺘﮭﺎ ﻣﻦ اﻻﺑﺘﺴﺎم وأﻧﺎ أﺗﺬﻛﺮ أﻧﻨﻲ أﺣﻀﺮت ﻟﮫ ﻣﻌﻲ زﺟﺎﺟﺘﻲْ وﯾﺴﻜﻲ ﻛﺎﻟﻌﺎدة.. ﺗﺴﺎءﻟﺖ ﻟﯿﻠﺘﮭﺎ وأﻧﺎ ﻓﻲ ﻓﺮاﺷﻲ ﻋﻦ ذﻧﻮﺑﻲ .ﺣﺎوﻟﺖ أن أﻟﺨﺼﮭﺎ ،أن أﺣﺼﺮھﺎ ..ﻓﻠﻢ أﺟﺪھﺎ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ذﻧﻮب ﻏﯿﺮي ،ﺑﻞ ورﺑﻤﺎ وﺟﺪﺗﮭﺎ أﻗﻞ ﺑﺪرﺟﺎت.. ﻟﻢ أﻛﻦ ﻣﺠﺮﻣﺎً ..وﻻ ﻣﻘﺎﻣﺮاً ..وﻻ ﻛﺎﻓﺮا ..وﻻ ﻛﺎذﺑﺎً ..وﻻ ﺳﻜّﯿﺮاً ..وﻻ ﺧﺎﺋﻨﺎً.. ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻲ زوﺟﺔ وﻻ ﺳﺮﯾﺮ ﺷﺮﻋﻲ اﺳﺘﺒﺪﻟﺖ ﺑﮫ آﺧﺮ. ﺧﻤﺴﻮن ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪة .ﻧﺼﻔﮭﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن أﺳﻤّﯿﮫ "اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻤﻌﻄﻮﺑﺔ" ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﯿﺘﮭﺎ ﺑﺬراعٍ واﺣﺪة ،ﻣﺸﻮّه اﻟﺠﺴﺪ واﻷﺣﻼم. ﻛﻢ أﺣﺒﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء؟ .ﻟﻢ أﻋﺪ أذﻛﺮ .ﻣﻨﺬ ﺣﺒّﻲ اﻷول ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺠﺎرة اﻟﯿﮭﻮدﯾﺔ اﻟﺘﻲ أﻏﺮﯾﺘﮭﺎ .إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻤﺮﺿﺔ اﻟﺘﻮﻧﺴﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﻏﺮﺗﻨﻲ .إﻟﻰ ﻧﺴﺎء أﺧﺮﯾﺎت ..ﻟﻢ أﻋﺪ أذﻛﺮ أﺳﻤﺎءھﻦ وﻻ ﻣﻼﻣﺤﮭﻦ ،ﺗﻨﺎوﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﯾﺮي ﻷﺳﺒﺎب ﺟﺴﺪﯾﺔ ﻣﺤﺾ ،وذھﺒﻦ ﻣﺤﻤﻼت ﺑﻲ ﻷﺑﻘﻰ ﻓﺎرﻏﺎً ﻣﻨﮭﻦ.. وﺟﺌﺖِ أﻧﺖِ.. أﻛﺒﺮ ذﻧﻮﺑﻲ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ﻛﻨﺖ أﻧﺖِ .اﻟﻤﺮأة اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أﻣﺘﻠﻜﮭﺎ ،واﻟﺬﻧﺐ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻟﻢ أﻗﺘﺮﻓﮫ ﺣﻘﺎً. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ذﻧﻮﺑﻲ ﻣﻌﻚ ،ھﻲ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن أﺳﻤﯿﮫ "ذﻧﻮب اﻟﯿﺪ اﻟﯿﻤﻨﻰ" ..اﻟﯿﺪ اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺘﻚ ﺑﮭﺎ ..واﺳﺘﺤﻀﺮﺗﻚ ﺑﮭﺎ ..واﻏﺘﺼﺒﺘﻚ ﺑﮭﺎ ..وھﻤﺎ! ﻓﮭﻞ ﺳﯿﻌﺎﻗﺒﻨﻲ اﷲ ﻋﻠﻰ ذﻧﻮب ﯾﺪٍ ﻟﻢ ﯾﺘﺮك ﻟﻲ ﺳﻮاھﺎ!؟ ﻻ أذﻛﺮ ﻣﻦ ﻗﺎل" :ﻟﯿﺲ اﻟﻔﻀﯿﻠﺔ ﺗﺠﻨّﺐ اﻟﺮذﯾﻠﺔ ،اﻟﻔﻀﯿﻠﺔ ﻓﻲ أﻻ ﺗﺸﺘﮭﯿﮭﺎ! وأﻋﺘﻘﺪ أﻧﻨﻲ ﺑﮭﺬا اﻟﻤﻔﮭﻮم ﻓﻘﻂ ..ﻟﻢ أﻛﻦ رﺟﻼً ﻓﺎﺿﻼً. ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أﻻ أﺷﺘﮭﯿﻚ أﻧﺖِ ..وأﻻ أﺑﺪأ رذﯾﻠﺘﻲ ﻣﻌﻚ .ﻛﺎن ﻟﺤﺒﻚ ﻃﻌﻢ اﻟﻤﺤﺮﻣﺎت واﻟﻤﻘﺪﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺠﺐ ﺗﺠﻨّﺒﮭﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﻧﺰﻟﻖ ﻧﺤﻮھﺎ دون ﺗﻔﻜﯿﺮ. ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ اﻟﻤﺪھﺶ ﺣﻘﺎً ﻓﻲ ﻗﺼﺘﻲ ﻣﻌﻚ ،أن ﺗﻜﻮن اﻟﻤﺒﺮرات اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ أﺣﺒﻚ ،ھﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺠﺐ أن ﺗﺠﻌﻠﻨﻲ أﻋﺪل ﻋﻦ ﺣﺒﻚ .وﻟﮭﺬا رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﺣﺒﻚ وأﻋﺪل ﻋﻦ ﺣﺒﻚ ..أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة ﻓﻲ اﻟﯿﻮم .وﺑﺎﻟﺘﻄﺮف ﻧﻔﺴﮫ ﻛﻞ ﻣﺮة. وأﻧﺎ ﻻ أﻓﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ھﻨﺎ ،ﺳﻮى اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺣﺪٍ ﻟﮭﺬا اﻟﻤﺪّ واﻟﺠﺰر اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ اﻟﺬي أﻋﯿﺸﮫ ﻣﻌﻚ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ.
ﻛﻨﺖ أدري أن اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺪﻣﻦ ،ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻘﺮر ﺑﻤﻔﺮده اﻟﺸﻔﺎء ﻣﻦ داﺋﮫ ،وأﻧﮫ ﻣﺜﻠﮫ ﯾﺸﻌﺮ أﻧﮫ ﯾﻨﺰل ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً ﻛﻞ ﯾﻮم أﻛﺜﺮ ﻧﺤﻮ اﻟﮭﺎوﯾﺔ .وﻟﻜﻨﮫ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻘﻒ ﻋﻠﻰ رﺟﻠﯿﮫ وﯾﮭﺮب ،ﻣﺎدام ﻟﻢ ﯾﺼﻞ إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ﻧﻘﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺤﯿﻢ ،وﯾﻼﻣﺲ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻗﻌﺮ اﻟﺨﯿﺒﺔ واﻟﻤﺮارة اﻟﻘﺼﻮى. وﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ.. ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ اﻟﻤﺮة ،ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أدري أن ﻛﻞ ﺷﻲ ﺳﻮف ﯾﺤﺴﻢ ﻓﻲ اﻟﯿﻮﻣﯿﻦ اﻟﻘﺎدﻣﯿﻦ ،وأﻧﻨﻲ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى ﺳﺄﻧﺘﮭﻲ ﻣﻨﻚ. ﻛﺎﻧﺖ زوﺟﺔ ﺣﺴﺎن ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﮭﺮة ﻣﻨﮭﻤﻜﺔ ﻓﻲ إﻋﺪاد ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻟﻠﺤﺪث اﻟﮭﺎم، وﻟﻤﺮاﻓﻘﺔ اﻟﻤﻮﻛﺐ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﻐﺪ إﻟﻰ اﻟﺤﻤﺎم ،ﺛﻢ إﻟﻰ ﻟﯿﻠﺔ اﻟﺤﻨﺔ. وﻛﺎﻧﺖ ﻛﺜﯿﺮة اﻟﺤﺮﻛﺔ وﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﻋﻨﺎ وﻋﻦ أوﻻدھﺎ ﺑﮭﻤﻮﻣﮭﺎ اﻟﻨﺴﺎﺋﯿﺔ ،وﺑﻤﺎ ﺳﺘﺄﺧﺬه ﻓﻲ ﺣﻘﯿﺒﺘﮭﺎ ﻣﻦ ﺛﯿﺎب ﻟﻠﺤﻤﺎم ،ﺣﯿﺚ ﺳﺘﺴﺘﻌﺮض اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺜﻞ اﻟﻌﺎدة ﻛﻞ ﺷﻲء ﺣﺘﻰ ﺛﯿﺎﺑﮭﻦ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ..ﻟﯿﺘﻈﺎھﺮن ﺑﻐﻨﺎھﻦّ اﻟﻜﺎذب ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﯿﺎن ..أو ﻟﯿﻘﻨﻌﻦ أﻧﻔﺴﮭﻦ ﻓﻘﻂ ،أﻧﮭﻦ ﻣﺎزﻟﻦ ﺑﺮﻏﻢ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺎدرات ﻋﻠﻰ إﻏﺮاء رﺟﻞ ،ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺮوس اﻟﺘﻲ ﯾﺮاﻓﻘﻨﮭﺎ ..واﻟﺘﻲ ﯾﺘﺄﻣّﻠﻨﮭﺎ ﺑﺤﺴﺪ ﺳﺮيّ. ﻓﻠﯿﻜﻦ ..ﻏﺪاً ﺗﺒﺪأ ﻃﻘﻮس أﻓﺮاﺣﻚ ..وﯾﻨﺘﮭﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﺳﺮﻗﻨﺎه ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ. أﺟﻤﻞ اﻷﺣﻼم إذن ﺳﯿﺪﺗﻲ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻏﺪك. وﻟﺘﺼﺒﺢ ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮ ..أﯾﮭﺎ اﻟﺤﺰن! ***
ﯾﻮﻗﻈﻨﻲ اﻟﺤﺐ اﻟﻤﻀﺎد ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺼﯿﻔﻲ ..وﯾﺮﻣﻲ ﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع. ﻗﺮرت ﺣﺎل اﺳﺘﯿﻘﺎﻇﻲ أن أھﺮب ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ ،وﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ ﻋﺘﯿﻘﺔ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻨﻘﻄﻊ ﻋﻦ ﻣﺮاﺳﯿﻢ اﻟﺤﻔﻞ ،وﻋﻦ أﺳﻤﺎء اﻟﺸﺨﺼﯿﺎت واﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻜﺒﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﺧﺼﯿﺼﺎً ﻟﺘﺤﻀﺮ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪث اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﺸﮭﺪ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﺜﻠﮫ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات. وﻟﻜﻨﮭﺎ ﻟﺤﻘﺖ ﺑﻲ ﺣﺘﻰ اﻟﺒﺎب ﻟﺘﻮاﺻﻞ ﺣﺪﯾﺜﮭﺎ: -ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﻚ ..ﯾﻘﺎل إﻧﮭﻢ ﺣﻀﺮوا ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ ..ﻣﻨﺬ ﺷﮭﺮ واﻟﻄﺎﺋﺮة ﺗﻨﻘﻞ
ﻟﻮازم اﻟﻌﺮس ..ﻟﻮ رأﯾﺖ ﺟﮭﺎز اﻟﻌﺮوس وﻣﺎ ﻟﺒﺴﺘﮫ اﻟﺒﺎرﺣﺔ ..ﯾﺎ ﺣﺴﺮة ..ﻗﺎل ﻟﻚ "واﺣﺪ ﻋﺎﯾﺶ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ ..وواﺣﺪ ﯾﻮاﻧﺲ ﻓﯿﮫ"!.. أﺟﺒﺘﮭﺎ وأﻧﺎ أﻏﻠﻖ ﺧﻠﻔﻲ اﻟﺒﺎب ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻏﻠﻖ ﺑﻌﻨﻒ أﺑﻮاب ﻗﻠﺒﻲ: ﻣﺎ ﻋﻠﯿﮭﺶ ..اﻟﺒﻠﺪ ﻟﮭﻢ واﻟﻄﺎﺋﺮات أﯾﻀﺎً .وﯾﻤﻜﻨﮭﻢ أن ﯾﺠﻠﺒﻮا إﻟﯿﮫ ﻛﻤﺎ أﺧﺬوا ﻣﻨﮫﻣﺎ ﺷﺎؤوا! أﯾﻦ أھﺮب؟ ھﺎ أﻧﺎ أوﺻﺪت اﻟﺒﺎب ﺧﻠﻔﻲ ،وإذا ﻻ ﺷﻲ أﻣﺎﻣﻲ ..ﺳﻮاي. رﻣﯿﺖ ﺑﺨﻄﺎي دون ﺗﻔﻜﯿﺮ وﺳﻂ أﻓﻮاج اﻟﻤﺎرة اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺠﻮﺑﻮن اﻟﺸﻮارع ھﻜﺬا ﻛﻞ ﯾﻮم دون ﺟﮭﺔ ﻣﺤﺪدة. ھﻨﺎ ..أﻧﺖ ﺗﻤﻠﻚ اﻟﺨﯿﺎر ﺑﯿﻦ أن ﺗﻤﺸﻲ ،أو ﺗﺘﻜﺊ ﻋﻠﻰ ﺟﺪار ،أو ﺗﺠﻠﺲ ﻓﻲ ﻣﻘﮭﻰ ﻟﺘﺘﺄﻣﻞ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻤﺸﻮن أو ﯾﺘﻜﺌﻮن أﻣﺎﻣﻚ ..ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺋﻂ اﻟﺮﺻﯿﻒ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ.. رﺣﺖ أﻣﺸﻲ.. ﺷﻌﺮت ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﺎ ،أﻧﻨﺎ ﻧﻄﻮف ﺟﻤﯿﻌﺎً ﺣﻮل ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺼﺨﺮة ،دون أن ﻧﺪري ﺗﻤﺎﻣﺎً ..ﻣﺎذا ﯾﺠﺐ أن ﻧﻔﻌﻞ ﺑﻐﻀﺒﻨﺎ ،ﻣﺎذا ﯾﺠﺐ أن ﻧﻔﻌﻞ ﺑﺒﺆﺳﻨﺎ ..وﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻧﺮﻣﻲ ھﺬا اﻟﺤﺼﻰ اﻟﺬي اﻣﺘﻸت ﺑﮫ ﺟﯿﻮﺑﻨﺎ اﻟﻔﺎرﻏﺔ. ﻣﻦ اﻷوْﻟﻰ ﺑﺎﻟﺮّﺟﻢ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ؟ ﻣﻦ؟ ذﻟﻚ اﻟﺠﺎﻟﺲ ﻓﻮق اﻟﺠﻤﯿﻊ ..أم أوﻟﺌﻚ اﻟﺠﺎﻟﺴﻮن ﻓﻮﻗﻨﺎ؟ ﺣﻀﺮﻧﻲ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﻋﻨﻮان رواﯾﺔ ﻟﻤﺎﻟﻚ ﺣﺪاد" ..اﻷﺻﻔﺎر ﺗﺪور ﺣﻮل ﻧﻔﺴﮭﺎ". ﺗﻤﻨﯿﺖ ﻟﻮ أﻧﻨﻲ ﻗﺮأﺗﮭﺎ ،ﻋﺴﺎﻧﻲ أﺟﺪ ﺗﻔﺴﯿﺮاً ﻟﻜﻞ ھﺬه اﻟﺪواﺋﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻟﻨﺎ إﻟﯿﮭﺎ. ﺛﻢ ﻗﺎدﺗﻨﻲ أﻓﻜﺎري إﻟﻰ ﻣﺸﮭﺪ ﺷﺎھﺪﺗﮫ ﯾﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﻟﺠﻤﻞ ﻣﻐﻤﺾ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ،ﯾﺪور دون ﺗﻮﻗﻒ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ )ﺳﯿﺪي ﺑﻮﺳﻌﯿﺪ( ،ﻟﯿﺴﺘﺨﺮج اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﺑﺌﺮ أﻣﺎم ﻣﺘﻌﺔ اﻟﺴﻮاح ودھﺸﺘﮭﻢ. اﺳﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻋﯿﻨﺎه اﻟﻠﺘﺎن وﺿﻌﻮا ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ ﻏﻤﺎﻣﺔ ﻟﯿﺘﻮھﻢ أﻧﮫ ﯾﻤﺸﻲ إﻟﻰ اﻷﻣﺎم داﺋﻤﺎً ،وﯾﻤﻮت دون أن ﯾﻜﺘﺸﻒ أﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﺪور ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻔﺮﻏﺔ ..وأﻧﮫ ﻗﻀﻰ ﻋﻤﺮه
داﺋﺮاً ﺣﻮل ﻧﻔﺴﮫ! ﺗﺮاﻧﺎ أﺻﺒﺤﻨﺎ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﻞ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻜﺎد ﯾﻨﺘﮭﻲ ﻣﻦ دورة ﺣﺘﻰ ﯾﺒﺪأ أﺧﺮى ﺗﺪور ﺑﮫ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى ﺣﻮل ھﻤﻮﻣﮫ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ؟ ﺗُﺮى ھﺬه اﻟﺠﺮاﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻟﻨﺎ أﻛﯿﺎﺳﺎً ﻣﻦ اﻟﻮﻋﻮد ﺑﻐﺪٍ أﻓﻀﻞ ،ﻟﯿﺴﺖ ﺳﻮى رﺑﺎط ﻋﯿﻨﯿﻦ ،ﯾﺨﻔﻲ ﻋﻨﺎ ﺻﺪﻣﺔ اﻟﻮاﻗﻊ وﻓﺠﯿﻌﺔ اﻟﻔﻘﺮ واﻟﺒﺆس اﻟﺤﺘﻤﻲ اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﻷول ﻣﺮة ﯾﺘﺮﺑﺺ ﺑﻨﺼﻒ ھﺬا اﻟﺸﻌﺐ؟ وأﻧﺎ ..ﺗﺮاﻧﻲ ﻟﻢ أﻋﺪ أﻋﺮف اﻟﻤﺸﻲ إﻟﻰ اﻷﻣﺎم ﻓﻲ ﺧﻂ ﻣﺴﺘﻘﯿﻢ ﻻ ﯾﻌﻮد ﺑﻲ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً إﻟﻰ اﻟﻮراء ..إﻟﻰ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺬاﻛﺮة؟ وھﺬا اﻟﻮﻃﻦ ..ﻣﻦ أﯾﻦ ﻟﮫ ھﺬه اﻟﻘﺪرة اﻟﺨﺎرﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﻟَﻲّ اﻟﻤﺴﺘﻘﯿﻤﺎت ،وﺗﺤﻮﯾﻠﮭﺎ إﻟﻰ داﺋﺮة ..وأﺻﻔﺎر! ھﺎ ھﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ﺳﯿﺎج داﺋﺮي ﯾﺤﯿﻂ ﺑﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ. ﺗﻄﻮّﻗﻨﻲ أول ﻣﺎ أﺿﻊ ﻗﺪﻣﻲ ﺧﺎرج اﻟﺒﯿﺖ .وﻓﻲ ﻛﻞ اﺗﺠﺎه أﺳﻠﻜﮫ ﺗﻤﺸﻲ إﻟﻰ ﺟﻮاري اﻟﺬﻛﺮﯾﺎت اﻟﺒﻌﯿﺪة.. ﻓﺄﻣﺸﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻣﻐﻤﺾ اﻟﻌﯿﻨﯿﻦ ..أﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﻘﺎھﻲ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻟﻜﻞ ﻋﺎﻟﻢ أو وﺟﯿﮫ ﻣﺠﻠﺴﮫ اﻟﺨﺎص ﻓﯿﮭﺎ ،ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺪ اﻟﻘﮭﻮة ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﺎق اﻟﺤﺠﺮي وﺗﻘﺪم ﺑﺎﻟﺠﺰوة ..وﯾﺨﺠﻞ ﻧﺎدل أن ﯾﻼﺣﻘﻚ ﺑﻄﻠﺒﺎﺗﮫ .ﻛﺎن ﯾﻜﻔﯿﮫ ﺷﺮف وﺟﻮدك ﻋﻨﺪه. ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ ﻛﺎن ﻻﺑﻦ ﺑﺎدﯾﺲ اﻟﻤﻘﮭﻰ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪه ،وھﻮ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﮫ إﻟﻰ اﻟﻤﺪرﺳﺔ .ﻛﺎن اﺳﻤﮫ )ﻣﻘﮭﻰ ﺑﻦ ﺑﺎﻣﯿﻨﺔ). وﻛﺎن ھﻨﺎﻟﻚ )ﻣﻘﮭﻰ ﺑﻮ ﻋﺮﻋﻮر )ﺣﯿﺚ ﻛﺎن ﻣﺠﻠﺲ ﺑﻠﻌﻄّﺎر وﺑﺎﺷﺘﺎرزي وﺣﯿﺚ ﻛﻨﺖ أﻟﻤﺢ أﺑﻲ أﺣﯿﺎﻧﺎً وأﻧﺎ أﻣﺮ ﺑﮭﺬا اﻟﻄﺮﯾﻖ. أﯾﻦ ذﻟﻚ اﻟﻤﻘﮭﻰ ﻷﺣﺘﺴﻲ ﻓﯿﮫ ھﺬا اﻟﺼﺒﺎح ﻓﻨﺠﺎن ﻗﮭﻮة ﻧﺨﺐ ذﻛﺮاه؟ ﻛﯿﻒ أﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﮭﻰ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻛﺒﯿﺮاً ﺳﻮى ﺑﺄﺳﻤﺎء رواده؟ ﻛﯿﻒ أﺟﺪه ..ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﻛﺒﺮت ﻓﯿﮫ اﻟﻤﻘﺎھﻲ وﻛﺜﺮت ،ﻟﺘﺴﻊ ﺑﺆس اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ .وإذا ﺑﮭﺎ ﻣﺘﺸﺎﺑﮭﺔ وﺣﺰﯾﻨﺔ ﻛﻮﺟﻮه اﻟﻨﺎس؟ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻤﯿﺰھﺎ ﺷﻲء .ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﮭﯿﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻤﺔ أھﻞ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،وذﻟﻚ اﻟﺸﺎش
واﻟﺒﺮﻧﺲ اﻟﻤﺘﺄﻟﻖ ﺑﯿﺎﺿﺎً ،أﺻﺒﺢ ﻧﺎدراً وﺑﺎھﺘﺎً اﻟﯿﻮم. رﺑﻤﺎ ﻛﺎن أول ﻣﺎ ﻟﻔﺖ ﻧﻈﺮي ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ،ذﻟﻚ اﻟﺰيّ اﻟﻤﻮﺣّﺪ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﯿﻘﻆ ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺎم ﺑﺤﺰن ﻏﺎﻣﺾ .ذﻟﻚ اﻟﻠﻮن اﻟﻘﺎﺗﻢ اﻟﻤﺘﺪرج واﻟﻤﺸﺘﺮك ﺑﯿﻦ اﻟﺠﻨﺴﯿﻦ. اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻠﻔﻮﻓﺎت ﺑﻤﻼءاﺗﮭﻦ اﻟﺴﻮداء اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﺒﺪو ﻣﻨﮭﺎ ﺷﻲء ﺳﻮى ﻋﯿﻮﻧﮭﻦ. واﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﺑﺪﻻﺗﮭﻢ اﻟﺮﻣﺎدﯾﺔ أو اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻟﻮن ﺑﺸﺮﺗﮭﻢ ..وﻻ ﻟﻮن ﺷﻌﺮھﻢ .واﻟﺘﻲ ﯾﺒﺪون وﻛﺄﻧﮭﻢ اﺷﺘﺮوھﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻋﻨﺪ ﺧﯿﺎط واﺣﺪ. وﻗﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺒﺪو ﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﺸﻮد ﻧﻘﻄﺔ ﺿﻮء ،أو ﻟﻮن زاهٍ ﻟﻔﺴﺘﺎنٍ أو ﻟﺒﺪﻟﺔٍ ﺻﯿﻔﯿﺔ. ﺗﺮاﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ﺑﻌﯿﻮن رﺳﺎم ﻻ ﺗﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮه ﺳﻮى اﻷﻟﻮان ،وﯾﻜﺎد ﻻ ﯾﺮى ﺳﻮاھﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء .أم ﺗﺮاﻧﻲ ﻛﻨﺖ أراھﺎ ﻓﻘﻂ ﺑﻌﯿﻮن اﻟﻤﺎﺿﻲ وﺧﯿﺒﺔ اﻟﺤﺎﺿﺮ؟ رﻣﯿﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ وﺳﻂ أﻣﻮاج اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻀﺎﺋﻌﯿﻦ ﻣﺜﻠﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ .ﺷﻌﺮت ﻷول ﻣﺮة أﻧﻨﻲ ﺑﺪأت أﺷﺒﮭﮭﻢ. ﻣﺜﻠﮭﻢ أﻣﻠﻚ وﻗﺘﺎً ورﺟﻮﻟﺔ ﻻ أدري ﻣﺎذا أﻓﻌﻞ ﺑﮭﺎ .ﻓﻼ أﻣﻠﻚ إﻻ أن أﻣﺸﻲ ﺳﺎﻋﺎت ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع ﻛﻤﺎ ﯾﻤﺸﻮن ..ﻣﺤﻤﻼً ﺑﺒﺆﺳﻲ اﻟﺤﻀﺎري ..وﺑﺆﺳﻲ اﻟﺠﻨﺴﻲ اﻵﺧﺮ. ھﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﺘﺸﺎﺑﮫ ﻓﺠﺄة ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء .ﻓﻲ ﻟﻮن ﺷﻌﺮﻧﺎ وﻟﻮن ﺑﺪﻟﺘﻨﺎ وﺟﺮّ أﺣﺬﯾﺘﻨﺎ وﺧﻄﺎﻧﺎ اﻟﻀﺎﺋﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرﺻﻔﺔ. ﻧﺘﺸﺎﺑﮫ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ،وأﻧﻔﺮد وﺣﺪي ﺑﻚ .وﻟﻜﻦ ھﻞ ﯾﻐﯿﺮ ذﻟﻚ ﺷﯿﺌﺎً؟ ﺣﺒﻚ اﻟﺬي اﺳﺘﺪرﺟﻨﻲ ﺣﺘﻰ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،أﻋﺎدﻧﻲ إﻟﻰ ﺗﺨﻠّﻔﻲ دون ﻋﻠﻤﻲ .رﻣﻰ ﺑﻲ وﺳﻂ ھﺬه اﻟﺠﻤﻮع اﻟﺮﺟﺎﻟﯿﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺴﯿﺮ ﺑﺒﻂء ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺼﯿﻔﯿﺔ ،دون وﺟﮭﺔ ﻣﺤﺪدة ،ودون أن ﺗﺪري ﻣﺎذا ﺗﻔﻌﻞ ﺑﺘﻠﻚ اﻷﺷﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺰﻧﮭﺎ اﻷﺟﺴﺎد اﻟﻤﺤﻤﻮﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎر ،وﺗﻨﻔﻘﮭﺎ اﻷﯾﺪي اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ﺳﺮّاً ﻓﻲ اﻟﻠﯿﻞ ..ﻓﻲ اﻟﻤﻠﺬات اﻟﻔﺮدﯾﺔ. ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻓﺠﺄة ﺧﻄﻮاﺗﻲ أﻣﺎم ﺟﺪران ﺑﯿﺖ ﻻ ﯾﺸﺒﮫ ﺑﯿﻮﺗﺎً أﺧﺮى. ھﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻛﺒﺮ "دار ﻣﻐﻠﻘﺔ" ﯾﺮﺗﺎدھﺎ اﻟﺮﺟﺎل .وﻛﺎن ﻟﮭﺎ ﺛﻼﺛﺔ أﺑﻮاب ﺗﺆدي إﻟﻰ ﺷﻮارع وأﺳﻮاق ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ داراً ﻣﻐﻠﻘﺔ ﻣﺸﺮﻋﺔ ،ﻣﺪروﺳﺔ ﻟﯿﺘﺴﻠﻞ إﻟﯿﮭﺎ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ أﯾﺔ ﺟﮭﺔ ،وﯾﺨﺮﺟﻮا ﻣﻨﮭﺎ ﻣﻦ أﯾﺔ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى.
ﻛﺎن اﻟﺮﺟﺎل ﯾﺆﻣﻮﻧﮭﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺻﻮب ،ھﺮﺑﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺪن واﻟﻘﺮى اﻟﻤﺠﺎورة ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﻣﻠّﺬات ﻓﯿﮭﺎ وﻻ ﻧﺴﺎء. وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺠﻤﯿﻼت واﻟﺒﺎﺋﺴﺎت ،ﯾﺄﺗﯿﻦ أﯾﻀﺎً ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻤﺪن اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﯿﺨﺘﻔﯿﻦ ﺧﻠﻒ ھﺬه اﻟﺠﺪران اﻟﻤﺼﻔﺮة ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﺨﺮﺟﻦ ﻣﻨﮭﺎ إﻻ ﻋﺠﺎﺋﺰ ﻟﯿﻨﻔﻘﻦ ﺛﺮوﺗﮭﻦ ﻓﻲ اﻟﺼﺪﻗﺎت واﻟﺤﺴﻨﺎت ،وﺗﻄﮭﯿﺮ اﻷﯾﺘﺎم ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻢ ﺗﻮﺑﺘﮭﻦ اﻷﺧﯿﺮة. ھﻨﺎ أﻧﻔﻖ أﺑﻲ ﺛﺮوﺗﮫ ورﺟﻮﻟﺘﮫ!.. أﺣﺎول أﻻ أﺗﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻟﻌﺪة ﺳﻨﻮات ﺳﺒﺐ ﺣﺰن أﻣﻲ اﻟﺴﺮي ،ورﺑﻤﺎ ﻣﻮﺗﮭﺎ ﻗﮭﺮاً. وﻛﺎن ﻟﻌﺪة ﺳﻨﻮات أﯾﻀﺎً ﺳﺮّ ﻧﺸﻮﺗﻲ اﻟﺴﺮﯾﺔ ،وأﺣﻼﻣﻲ اﻟﻤﻜﺒﻮﺗﺔ أﯾﺎم ﺻﺒﺎي ،ﯾﻮم ﻛﻨﺖ أﺣﻠﻢ ﺑﮫ وﻻ أﺟﺮؤ ﻋﻠﻰ دﺧﻮﻟﮫ ،رﺑﻤﺎ ﺧﻮﻓﺎً ﻣﻦ أن أﻟﺘﻘﻲ ﺑﺄﺑﻲ ھﻨﺎك ،ورﺑﻤﺎ أﯾﻀﺎً ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻜﺘﻔﯿﺎً ﺑﻤﻐﺎﻣﺮاﺗﻲ اﻟﻌﺎﺑﺮة اﻟﻤﺴﺮوﻗﺔ ﻓﻮق اﻟﺴﻄﺢ ﺗﺎرة ،أو ﻓﻲ ﻏﺮف اﻟﻤﺆوﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﻠﻤﺎ ﯾﻔﺘﺤﮭﺎ أﺣﺪ.. اﻟﯿﻮم ﻟﻢ ﯾﻌﺪ أﺑﻲ ھﻨﺎك ﻟﯿﻤﻨﻌﻨﻲ اﺣﺘﻤﺎل وﺟﻮده ﻓﻲ ھﺬا "اﻟﺒﯿﺖ" ﻣﻦ اﻟﺪﺧﻮل. ﻟﻘﺪ رﺣﻞ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﺮك ﺗﺎرﯾﺨﮫ ﺑﺎﻣﺘﯿﺎز ﺧﻠﻒ ھﺬه اﻟﺠﺪران ،ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﻤﺎ ﯾﻔﻌﻞ أيّ ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﻲ ﺛﺮي وﻣﺤﺘﺮم ﻋﻠﻰ أﯾﺎﻣﮫ. أﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺟﺪﺗﻲ ﺗﻘﻮل وﻗﺘﮭﺎ ﻟﺘﻌﻠﻢ أﻣﻲ اﻟﺼﺒﺮ ،وﺗﻌﻮدھﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺒّﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﯿﺎﻧﺔ ﺑﻔﺨﺮ: "إن ﻣﺎ ﯾﻔﻌﻠﮫ اﻟﺮﺟﺎل ..ﻃﺮّز ﻋﻠﻰ أﻛﺘﺎﻓﮭﻢ!". وﻛﺎن أﺑﻲ ﯾﻄﺮّز ﻣﻐﺎﻣﺮاﺗﮫ ﺟﺮﺣﺎً ووﺷﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪ )أﻣّﺎ( دون أن ﯾﺪري. ﻣﺎذا أﺻﺒﺢ ھﺬا "اﻟﺒﯿﺖ "ﻟﺴﺖ أدري.. ﯾُﻘﺎل إﻧﮭﻢ أﻏﻠﻘﻮه ورﺑﻤﺎ ﻇﻞ ﻟﮫ ﺑﺎب واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ..ﺑﻌﺪﻣﺎ أﻏﻠﻘﺖ أﺑﻮاﺑﮫ اﻷﺧﺮى ،ﻓﻲ إﻃﺎر ﺳﯿﺎﺳﺔ ﺗﻘﻠﯿﺺ اﻟﻤﻠﺬات ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،أو اﺣﺘﺮاﻣﺎً ﻟﻌﺸﺮات اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﺘﻲ ﻧﺒﺘﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﺪر ھﺬه اﻟﺼﺨﺮة ،واﻟﺘﻲ ﯾﺮﺗﻔﻊ ﺻﻮﺗﮭﺎ ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ ﻣﺮات ﻓﻲ اﻟﯿﻮم ،ﻟﯿﺬﻛّﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﺰاﯾﺎ اﻹﯾﻤﺎن واﻟﺘﻮﺑﺔ.. وﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﻛﻤﻌﻈﻢ رﺟﺎل ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،أﻗﻒ ﻓﻲ اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ ﺷﮭﻮة اﻟﺠﺴﺪ وﻋﻔﺔ اﻟﺮوح .ﯾﺘﺠﺎذﺑﻨﻲ إﻟﻰ أﺳﻔﻞ اﻟﻨﺪاء اﻟﺴﺮي ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻐﺮف اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ اﻟﺸﺒﻘﯿﺔ ..ﺣﯿﺚ ﺗﺤﻠﻮ اﻟﺨﻄﺎﯾﺎ ..وﯾﺴﻤﻮ ﺑﻲ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻨﺪاء اﻵﺧﺮ ،ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﺂذن اﻟﺘﻲ اﻓﺘﻘﺪت ﻃﻮﯾﻼً ﺗﻜﺒﯿﺮھﺎ ،ورھﺒﺔ آذاﻧﮭﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻟﺼﻼة ،ﻓﯿﺨﺘﺮق
ﺑﻘﻮﺗﮫ دھﺎﻟﯿﺰ ﻧﻔﺴﻲ ،وﯾﮭﺰﻧﻲ ﻷول ﻣﺮة ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات. ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ ﺑﻀﻌﺔ أﯾﺎم رﺟﻼً ﻣﺰدوﺟﺎً ﻛﮭﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﺑﺪأت أﻋﻲ أن ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺴﻜﻮن ﺑﺎﻷﺿﺪاد ﻣﻦ ﻣﺪن ﺑﺮﯾﺌﺔ .وﻣﺪن ﻓﺎﺟﺮة. ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﺪن ﻣﻨﺎﻓﻘﺔ ..وأﺧﺮى أﻗﻞ ﻧﻔﺎﻗﺎً ﻓﻘﻂ.. وﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﻣﺪن ﺑﻮﺟﮫ واﺣﺪ ..وﺣﺮﻓﺔ واﺣﺪة .وﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ أﻛﺜﺮ اﻟﻤﺪن وﺟﻮھﺎً.. وﺗﻨﺎﻗﻀﺎً. ھﺎ ھﻲ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺗﺴﺘﺪرﺟﻚ إﻟﻰ اﻟﺨﻄﯿﺌﺔ .ﺛﻢ ﺗﺮدﻋﻚ ﺑﺎﻟﻘﻮة ﻧﻔﺴﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺪرﺟﻚ ﺑﮭﺎ. ﻛﻞ ﺷﻲء ھﻨﺎ دﻋﻮة ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ ﻟﻠﺠﻨﺲ ..ﺷﻲء ﻣﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﯾﻐﺮي ﺑﺎﻟﺤﺐ اﻟﻤﺴﺮوق :ﻗﯿﻠﻮﻻﺗﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﺘﮭﻲ ..ﺻﺒﺎﺣﺎﺗﮭﺎ اﻟﺪاﻓﺌﺔ اﻟﻜﺴﻠﻰ ..وﻟﯿﻠﯿﮭﺎ اﻟﻤﻮﺣﺶ اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ .ﻃﺮﻗﺎﺗﮭﺎ اﻟﻤﻌﻠّﻘﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﺨﻮر ..أﻧﻔﺎﻗﮭﺎ اﻟﺴﺮﯾﺔ اﻟﻤﻮﺑﻮءة اﻟﺮﻃﻮﺑﺔ .. ﻣﻨﻈﺮ ﺟﺒﻞ اﻟﻮﺣﺶ وﻣﺎ ﺣﻮﻟﮫ ﻣﻦ ﻣﻤﺮات ﻣﺘﺸﻌّﺒﺔ ..ﻏﺎﺑﺎت اﻟﻐﺎر واﻟﺒﻠّﻮط ..وﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻐﺎرات واﻷﻧﻔﺎق اﻟﻤﺨﺘﺒﺌﺔ. وﻟﻜﻦ ..ﻋﻠﯿﻚ أن ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺘﻔﺮج ﻋﻠﻰ ﻋﺎدات اﻟﻨﻔﺎق اﻟﻤﺘﻮارﺛﺔ ھﻨﺎ ﻣﻦ أﺟﯿﺎل، وﺗﺘﺤﺎﺷﻰ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻓﻲ ﻋﯿﻨﯿﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺮﺑﻜﮭﺎ ..وﺗﺮﺗﺒﻚ! ﻓﺎﻟﺠﻤﯿﻊ ھﻨﺎ ﯾﻌﺮﻓﻮن أن ﺧﻠﻒ ﺷﻮارﻋﮭﺎ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﺗﺨﺘﺒﺊ اﻷزﻗّﺔ اﻟﻀﯿﻘﺔ اﻟﻤﻠﺘﻮﯾﺔ، وﻗﺼﺺ اﻟﺤﺐ ﻏﯿﺮ اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ ،واﻟﻠﺬة اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺮق ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ﺧﻠﻒ ﺑﺎب ..وﺗﺤﺖ ﻣﻼءﺗﮭﺎ اﻟﺴﻮداء اﻟﻮﻗﻮر ،ﺗﻨﺎم اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﻤﻜﺒﻮﺗﺔ ﻣﻦ ﻗﺮون .اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻲ ﻧﺴﺎءھﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺸﯿﺔ اﻟﻘﺴﻨﻄﯿﻨﯿﺔ اﻟﻤﻨﻔﺮدة ،وﺗﻤﻨﺢ ﻋﯿﻮﻧﮭﻦ ﺗﺤﺖ )اﻟﻌﺠﺎر( ،ذﻟﻚ اﻟﺒﺮﯾﻖ اﻟﻨﺎدر. ﺗﻌﻮّدت اﻟﻨﺴﺎء ھﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ،ﻋﻠﻰ ﺣﻤﻞ رﻏﺒﺘﮭﻦّ ﻛﻘﻨﺒﻠﺔ ﻣﻮﻗﻮﺗﺔ ،ﻣﺪﻓﻮﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﻼوﻋﻲ .ﻻ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻛﺒﺘﮭﺎ إﻻ ﻓﻲ اﻷﻋﺮاس ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﺘﺴﻠﻢ اﻟﻨﺴﺎء ﻟﻮﻗﻊ اﻟﺒﻨﺪﯾﺮ، ﻓﯿﺒﺪأن اﻟﺮﻗﺺ وﻛﺄﻧﮭﻦ ﯾﺴﺘﺴﻠﻤﻦ ﻟﻠﺤﺐ ،ﺑﺨﺠﻞ ودﻻل ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﯾﺔ .ﯾﺤﺮﻛﻦ اﻟﻤﺤﺎرم ﯾﻤﻨﺔ وﯾﺴﺮة ﻋﻠﻰ وﻗﻊ" اﻟﺰﻧﺪاﻟﻲ" ..ﻓﺘﺴﺘﯿﻘﻆ أﻧﻮﺛﺘﮭﻦ اﻟﻤﺨﻨﻮﻗﺔ ﺗﺤﺖ ﺛﻘﻞ ﺛﯿﺎﺑﮭﻦ وﺻﯿﻐﺘﮭﻦ. ﯾﺼﺒﺤﻦ أﺟﻤﻞ ﻓﻲ إﻏﺮاﺋﮭﻦ اﻟﻤﺘﻮارث. ﺗﮭﺘﺰ اﻟﺼﺪور وﺗﺘﻤﺎﯾﻞ اﻷرداف ،وﯾﺪﻓﺄ ﻓﺠﺄة اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻔﺎرغ ﻣﻦ اﻟﺤﺐ. ﺗﺸﺐّ ﻓﯿﮫ ﻓﺠﺄة اﻟﺤﻤﻰ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻄﻔﺌﮭﺎ رﺟﻞ .وﯾﺘﻮاﻃﺄ اﻟﺒﻨﺪﯾﺮ اﻟﺬي ﺗﺴﺨﻨﮫ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻣﻊ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻤﺤﻤﻮم ،ﻓﺘﺰﯾﺪ اﻟﻀﺮﺑﺎت ﻓﺠﺄة ﻗﻮة وﺳﺮﻋﺔ .وﺗﻨﻔﻚ ﺿﻔﺎﺋﺮ اﻟﻨﺴﺎء ،وﺗﺘﻄﺎﯾﺮ ﺧﺼﻼت ﺷﻌﺮھﻦ ،وﯾﻨﻄﻠﻘﻦ ﻓﻲ ﺣﻠﺒﺎت اﻟﺮﻗﺺ ﻛﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﺑﺪاﺋﯿﺔ ﺗﺘﻠﻮى وﺟﻌﺎً وﻟﺬة ﻓﻲ ﺣﻔﻠﺔ ﺟﺬب وﺗﮭﻮﯾﻞ ،ﯾﻔﻘﺪن ﺧﻼﻟﮭﺎ ﻛﻞ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻤﺎ ﺣﻮﻟﮭﻦ،
وﻛﺄﻧﮭﻦ ﺧﺮﺟﻦ ﻓﺠﺄة ﻣﻦ أﺟﺴﺎدھﻦ ،ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﮭﻦ وأﻋﻤﺎرھﻦ ،وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﻤﻜﻦ أﺣﺪا أن ﯾﻌﯿﺪھﻦ إﻟﻰ ھﺪوﺋﮭﻦ اﻟﺴﺎﺑﻖ. وﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻃﻘﻮس اﻟﻠﺬة ..وﻃﻘﻮس اﻟﻌﺬاب ،ﯾﺪري اﻟﺠﻤﯿﻊ أﻧﮫ ﻻ ﯾﺠﺐ وﻗﻒ ﺿﺮﺑﺎت اﻟﺒﻨﺪﯾﺮ ،وﻻ ﻗﻄﻊ وﻗﻌﮭﺎ اﻟﻤﺘﺰاﯾﺪ ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﺼﻞ اﻟﻨﺴﺎء إﻟﻰ ذروة ﻻ ﺷﻌﻮرھﻦ وﻟﺬﺗﮭﻦ ،وﯾﻘﻌﻦ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻣﻐﻤﻰ ﻋﻠﯿﮭﻦ ،ﺗﻤﺴﻜﮭﻦ ﻧﺴﺎء ﻣﻦ ﺧﺼﻮرھﻦ، وﺗﺮﺷﮭﻦ أﺧﺮﯾﺎت ﺑﺎﻟﺮﯾﺤﺔ واﻟﻌﻄﺮ اﻟﺠﺎھﺰ ﻟﮭﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ..ﺣﺘﻰ ﯾﻌﺪن ﺗﺪرﯾﺠﯿﺎً إﻟﻰ وﻋﯿﮭﻦ. ھﻜﺬا ﺗﻤﺎرس اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺤﺐ ..وَھْﻤﺎً ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ! ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ اﻟﺘﻲ أﻏﺮﺗﻨﻲ ..ﺑﻠﯿﻠﺔ ﺣﺐ وھﻤﯿﺔ ،وﻗﺒﻠﺖ ﺻﻔﻘﺘﮭﺎ اﻟﺴﺮﯾﺔ ،ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻨﺴﯿﺎن. ﻓﺄﯾﻦ اﻟﻨﺴﯿﺎن ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..وﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﻌﻄﻒ ﯾﺘﺮﺑﺺ ﺑﻲ ﺟﺮح؟ ھﻞ اﻟﺤﻨﯿﻦ وﻋﻜﺔ ﺻﺤﯿﺔ؟ ﻣﺮﯾﺾ أﻧﺎ ﺑﻚ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ. ﻛﺎن ﻣﻮﻋﺪﻧﺎ وﺻﻔﺔ ﺟﺮّﺑﺘﮭﺎ ﻟﻠﺸﻔﺎء ،ﻓﻘﺘﻠﺘﻨﻲ اﻟﻮﺻﻔﺔ. ﺗﺮاﻧﻲ ﺗﺠﺎوزت ﻣﻌﻚ ﺟﺮﻋﺔ اﻟﺸﻮق اﻟﻤﺴﻤﻮح ﺑﮭﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻻت؟ ﻟﻢ أﺷﺘﺮكِ ﻓﻲ ﺻﯿﺪﻟﯿﺔ ﺟﺎھﺰة ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ ،ﻷرﻓﻊ دﻋﻮى ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺋﻊ اﻷﻗﺪار اﻟﺬي وﺿﻌﻚ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻲ. ﻟﻘﺪ ﺻﻨﻌﺘﻚ أﻧﺎ ﺑﻨﻔﺴﻲ ،وﻗﺴﺖ ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﯾﯿﺴﻲ.. أﻧﺖ ﻣﺰﯾﺞ ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻗﻀﻲ ،ﻣﻦ اﺗّﺰاﻧﻲ وﺟﻨﻮﻧﻲ ،ﻣﻦ ﻋﺒﺎدﺗﻲ وﻛﻔﺮي.. أﻧﺖ ﻃﮭﺎرﺗﻲ وﺧﻄﯿﺌﺘﻲ .وﻛﻞ ﻋﻘﺪ ﻋﻤﺮي. اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻨﻚ وﺑﯿﻦ ﻣﺪﯾﻨﺔ أﺧﺮى ..ﻻ ﺷﻲء. ﻟﻌﻠﻚ ﻛﻨﺖ ﻓﻘﻂ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺘﻠﺘﻨﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة ﻟﺴﺒﺐ ﻣﻨﺎﻗﺾ ﻟﻸول ..ﻛﻞ ﻣﺮة. ﻓﺄﯾﻦ اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ ﺟﺮﻋﺔ اﻟﺸﻔﺎء وﺟﺮﻋﺔ اﻟﻤﻮت ھﺬه اﻟﻤﺮة؟ وﻓﻲ ﻣﻮاﺳﻢ اﻟﺨﯿﺒﺔ ،ﺗﺼﺒﺢ اﻟﺬاﻛﺮة ﻣﺸﺮوﺑﺎً ﻣﺮاً ﯾُﺒﺘﻠﻊ دﻓﻌﺔ واﺣﺪة ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﺣﻠﻤﺎً ﻣﺸﺘﺮﻛﺎً ﯾُﺤﺘﺴﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﮭﻞ؟ ھﻨﺎ ﺗﺒﺪأ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ،وﺷﻮارع ﯾﺴﻜﻨﮭﺎ اﻟﺘﺎرﯾﺦ وﯾﻨﻔﺮد ﺑﮭﺎ. ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻣﺸﯿﺘﮭﺎ ﻣﻊ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ وأﺧﺮى ﻣﻊ آﺧﺮﯾﻦ. ھﻨﺎ ﺷﺎرع ﯾﺤﻤﻞ اﺳﻤﮫ ..وﺷﻮارع ﺗﺬﻛﺮ ﻋﺒﻮره .وھﺎ أﻧﺬا أﺗﻮﺣﺪ ﺑﺨﻄﺎه وأواﺻﻞ ﻃﺮﯾﻘﺎً ﻟﻢ ﻧﻜﻤﻠﮫ ﻣﻌﺎً. ﺗﻤﺸﻲ اﻟﻌﺮوﺑﺔ ﻣﻌﻲ ﻣﻦ ﺣﻲّ إﻟﻰ آﺧﺮ .وﯾﻤﻠﺆﻧﻲ ﻓﺠﺄة ﺷﻌﻮر ﻏﺎﻣﺾ ﺑﺎﻟﻐﺮور.
ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺘﻤﻲ ﻟﮭﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،دون أن ﺗﺤﻤﻞ ﻋﺮوﺑﺘﮭﺎ. اﻟﻌﺮوﺑﺔ ھﻨﺎ ..زھﻮ ووﺟﺎھﺔ وﻗﺮون ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺪّي واﻟﻌﻨﻔﻮان. ﻣﺎزاﻟﺖ ﻟﺤﯿﺔ )اﺑﻦ ﺑﺎدﯾﺲ( وﻛﻠﻤﺘﮫ ﺗﺤﻜﻢ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﮫ. ﻣﺎزال ﯾﺘﺄﻣﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﺻﻮرﺗﮫ اﻟﺸﮭﯿﺮة ﺗﻠﻚ .ﻣﻠﺘﺤﯿﺎً وﻗﺎره ،ﻣﺘّﻜﺌﺎً ﻋﻠﻰ ﯾﺪه ،ﯾﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﻣﺎ أُﻟﻨﺎ إﻟﯿﮫ ﺑﻌﺪه. وﻣﺎزاﻟﺖ ﺻﺮﺧﺘﮫ اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ ﺗﻠﻚ ﺑﻌﺪ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن .اﻟﻨﺸﯿﺪ ﻏﯿﺮ اﻟﺮﺳﻤﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪ.. اﻟﺬي ﻧﺤﻔﻈﮫ ﺟﻤﯿﻌﺎً. ﺷﻌﺐ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻣﺴﻠﻢ *** وإﻟﻰ اﻟﻌﺮوﺑﺔ ﯾﻨﺘﺴ ْ ﺐ ﻣﻦ ﻗﺎل ﺣﺎد ﻋﻦ أﺻﻠﮫ *** أو ﻗﺎل ﻣﺎت ﻓﻘﺪ ﻛﺬبْ أو رام إدﻣﺎﺟﺎً ﻟﮫ *** رام اﻟﻤﺤﺎل ﻣﻦ اﻟﻄﻠﺐْ ﺻﺪﻗﺖ ﻧﺒﻮءﺗﻚ ﻟﻨﺎ ﯾﺎ اﺑﻦ ﺑﺎدﯾﺲ ..ﻟﻢ ﻧﻤﺖ. ﻓﻘﻂ ﻣﺎﺗﺖ ﺷﮭﯿّﺘﻨﺎ ﻟﻠﺤﯿﺎة .ﻓﻤﺎذا ﻧﻔﻌﻞ أﯾﮭﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻔﺎﺿﻞ؟ ﻻ أﺣﺪ ﺗﻮﻗّﻊ ﻟﻨﺎ اﻟﻤﻮت ﯾﺄﺳﺎً .ﻛﯿﻒ ﯾﻤﻮت ﺷﻌﺐ ﯾﺘﻀﺎﻋﻒ ﻛﻞ ﻋﺎم؟ ﯾﺎ ﻧﺶء أﻧﺖ رﺟﺎؤﻧﺎ *** وﺑﻚ اﻟﺼﺒﺎح ﻗﺪ اﻗﺘﺮبْ ذﻟﻚ اﻟﻨﺶء اﻟﺬي ﺗﻐﻨﯿﺖ ﺑﮫ ..ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺘﺮﻗﺐ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻣﺬ ﺣﺠﺰ اﻟﺠﺎﻟﺴﻮن ﻓﻮﻗﻨﺎ.. اﻟﺸﻤﺲ أﯾﻀﺎً .إﻧﮫ ﯾﺘﺮﻗﺐ اﻟﺒﻮاﺧﺮ واﻟﻄﺎﺋﺮات ..وﻻ ﯾﻔﻜﺮ ﺳﻮى ﺑﺎﻟﮭﺮب. أﻣﺎم ﻛﻞ اﻟﻘﻨﺼﻠﯿﺎت اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ ﺗﻘﻒ ﻃﻮاﺑﯿﺮ ﻣﻮﺗﺎﻧﺎ ،ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺑﺘﺄﺷﯿﺮة ﺣﯿﺎة ﺧﺎرج اﻟﻮﻃﻦ. دار اﻟﺘﺎرﯾﺦ واﻧﻘﻠﺒﺖ اﻷدوار .أﺻﺒﺤﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﻀﻨﺎ ،وأﺻﺒﺢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ "ﻓﯿﺰا" إﻟﯿﮭﺎ وﻟﻮ ﻷﯾﺎم ..ھﻮ "اﻟﻤﺤﺎل ﻣﻦ اﻟﻄﻠﺐ!" ﻟﻢ ﻧﻤﺖ ﻇﻠﻤﺎً ..ﻣﺘﻨﺎ ﻗﮭﺮاً .ﻓﻮﺣﺪھﺎ اﻹھﺎﻧﺎت ﺗﻘﺘﻞ اﻟﺸﻌﻮب. ﻓﻲ زﻣﻦ ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺮدد ھﺬا اﻟﻨﺸﯿﺪ ﻓﻲ ﺳﺠﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ .ﻛﺎن ﯾﻜﻔﻲ أن ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ زﻧﺰاﻧﺔ واﺣﺪة ،ﻟﺘﺮدده زﻧﺰاﻧﺎت أﺧﺮى ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺴﺎﺟﯿﻨﮭﺎ ﺳﯿﺎﺳﯿﯿﻦ. ﻛﺎن ﻟﻜﻠﻤﺎﺗﮫ ﻗﺪرة ﺧﺎرﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺣﯿﺪﻧﺎ .اﻛﺘﺸﻔﻨﺎ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ھﻨﺎك ﺻﻮﺗﻨﺎ اﻟﻮاﺣﺪ.
ﻛﻨﺎ ﺷﻌﺒﺎً واﺣﺪاً ﺗﺮﺗﻌﺪ اﻟﺠﺪران ﻟﺼﻮﺗﮫ .ﻗﺒﻞ أن ﺗﺮﺗﻌﺪ أﺟﺴﺎدﻧﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ. ھﻞ ﺑﺢّ ﺻﻮﺗﻨﺎ اﻟﯿﻮم ..أم أﺻﺒﺢ ھﻨﺎك ﺻﻮت ﯾﻌﻠﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﯿﻊ .ﻣﺬ أﺻﺒﺢ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ ﻟﺒﻌﻀﻨﺎ ﻓﻘﻂ؟ *** وﻟﺪت ﻛﻞ ھﺬه اﻷﻓﻜﺎر ﻓﻲ ذھﻨﻲ وأﻧﺎ أﻋﺒﺮ ذﻟﻚ اﻟﺸﺎرع ،وأﻟﺘﻘﻲ ﺑﻌﺪ 37ﺳﻨﺔ ﻣﻊ ﺟﺪران ﺳﺠﻦ ﻛﻨﺖ ﯾﻮﻣﺎً أراھﺎ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ. وﻟﻜﻦ ھﻞ ﯾﺼﺒﺢ اﻟﺴﺠﻦ ﺷﯿﺌﺎً آﺧﺮ ﻟﻤﺠﺮد أﻧﻨﺎ ﻧﻨﻈﺮ إﻟﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ،وھﻞ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻌﯿﻦ أن ﺗﻠﻐﻲ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﯿﻮم ،وھﻞ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﺬاﻛﺮة أن ﺗﻠﻐﻲ أﺧﺮى؟ ﻛﺎن ﺳﺠﻦ "اﻟﻜﺪﯾﺎ" ﺟﺰءاً ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻲ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻟﻦ ﺗﻤﺤﻮھﺎ اﻷﯾﺎم. وھﺎ ھﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ﺗﺘﻮﻗﻒ أﻣﺎﻣﮫ وﺗﺮﻏﻢ ﻗﺪﻣﻲّ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻗﻮف ،ﻓﺄدﺧﻠﮫ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻛﻤﺎ دﺧﻠﺘﮫ ذات ﯾﻮم ﻣﻦ ﺳﻨﺔ 1945ﻣﻊ ﺧﻤﺴﯿﻦ أﻟﻒ ﺳﺠﯿﻦ أﻟﻘﻲّ ﻋﻠﯿﮭﻢ اﻟﻘﺒﺾ ﺑﻌﺪ ﻣﻈﺎھﺮات 8ﻣﺎي اﻟﺤﺰﯾﻨﺔ اﻟﺬﻛﺮ. وﻛﻨﺖ أﻛﺜﺮ ﺣﻈﺎً ،ﻗﯿﺎﺳﺎً إﻟﻰ اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﺪﺧﻠﻮه ﯾﻮﻣﮭﺎ. ﺧﻤﺴﺔ وأرﺑﻌﻮن أﻟﻒ ﺷﮭﯿﺪ ﺳﻘﻄﻮا ﻓﻲ ﻣﻈﺎھﺮة ھﺰّت اﻟﺸﺮق اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﻛﻠﮫ ﺑﯿﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ وﺳﻄﯿﻒ وﻗﺎﻟﻤﺔ وﺧﺮّاﻃﺔ. وﻛﺎﻧﻮا أول دﻓﻌﺔ رﺳﻤﯿﺔ ﻟﺸﮭﺪاء اﻟﺠﺰاﺋﺮ .ﺟﺎء اﺳﺘﺸﮭﺎدھﻢ ﺳﺎﺑﻘﺎً ﻟﺤﺮب اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ ﺑﺴﻨﻮات. ھﻞ أﻧﺴﺎھﻢ؟ أأﻧﺴﻰ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ دﺧﻠﻮه وﻟﻢ ﯾﺨﺮﺟﻮا ﻣﻨﮫ ،وﻇﻠّﺖ ﺟﺜﺜﮭﻢ ﻓﻲ ﻏﺮف اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ؟ وأوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﻣﺎﺗﻮا ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻃﺮﯾﻘﺔ ﻟﻠﻤﻮت ،رﻓﺎﻗﻨﺎ اﻟﺬﯾﻦ اﺧﺘﺎروا ﻣﻮﺗﮭﻢ وﺣﺪھﻢ؟ ھﻨﺎﻟﻚ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ ﺷﻌﻼل .ﻛﺎن ﻣﺠﺮد ﻋﺎﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺎء .وﻛﺎﻧﺖ ﻟﮫ ﻣﮭﻤﺔ ﺣﻔﻆ وﺛﺎﺋﻖ "ﺣﺰب اﻟﺸﻌﺐ" وأرﺷﯿﻔﮫ اﻟﺴﺮي .وﻛﺎن أول ﻣﻦ ﺗﻠﻘّﻰ زﯾﺎرة اﻻﺳﺘﺨﺒﺎرات اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺬﯾﻦ دﻗّﻮا ﺑﺎب ﻏﺮﻓﺘﮫ اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﺸﺎھﻘﺔ ﺻﺎرﺧﯿﻦ "اﻟﺒﻮﻟﯿﺲ..اﻓﺘﺢ".
وﺑﺪل أن ﯾﻔﺘﺢ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ ﺷﻌﻼل اﻟﺒﺎب ..ﻓﺘﺢ ﻧﺎﻓﺬﺗﮫ اﻟﻮﺣﯿﺪة .ورﻣﻰ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻋﻠﻰ وادي اﻟﺮﻣﺎل ،ﻟﯿﻤﻮت ھﻮ وﺳﺮّه ﻓﻲ ودﯾﺎن ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ. أﯾﻤﻜﻦ اﻟﯿﻮم ،وﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن ،أن أذﻛﺮ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ دون دﻣﻮع ،ھﻮ اﻟﺬي ﻣﺎت ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﺒﻮح ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻨﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ؟ وھﻨﺎﻟﻚ ﺻﻮت )ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﯾﻢ ﺑﻦ وﻃﺎف( اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺮﺧﺎت ﺗﻌﺬﯾﺒﮫ ﺗﺼﻞ ﺣﺘﻰ زﻧﺰاﻧﺘﻨﺎ ،ﺧﻨﺠﺮاً ﯾﺨﺘﺮق ﺟﺴﺪﻧﺎ أﯾﻀﺎً وﯾﺒﻌﺚ ﻓﯿﮫ اﻟﺸﺤﻨﺎت اﻟﻜﮭﺮﺑﺎﺋﯿﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ. وﺻﻮﺗﮫ ﯾﺸﺘﻢ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﻣﻌﺬّﺑﯿﮫ وﯾﺼﻔﮭﻢ ﺑﺎﻟﻜﻼب واﻟﻨﺎزﯾّﯿﯿﻦ واﻟﻘﺘﻠﺔ ..ﻓﯿﺄﺗﻲ ﻣﺘﻘﻄّﻌﺎً ﺑﯿﻦ ﺻﺮﺧﺔ وأﺧﺮى. ""criminels.. assassins.. salauds.. nazis ﻓﯿﺮد ﻋﻠﯿﮫ ﺻﻮﺗﻨﺎ ﺑﺎﻷﻧﺎﺷﯿﺪ اﻟﺤﻤﺎﺳﯿﺔ واﻟﮭﺘﺎف. وﯾﺼﻤﺖ ﺻﻮت ﺑﻦ وﻃﺎف. وھﻨﺎﻟﻚ )ﺑﻼل ﺣﺴﯿﻦ )أﻗﺮب ﺻﺪﯾﻖ إﻟﻰ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ،أﺣﺪ رﺟﺎل اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﻤﺠﮭﻮﻟﯿﻦ، وأﺣﺪ ﺿﺤﺎﯾﺎه. ﻛﺎن ﺑﻼل ﻧﺠّﺎراً .ﻟﻢ ﯾﻜﻦ رﺟﻞ ﻋﻠﻢ وﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﯾﺪه ﺗﻌﻠّﻢ ﺟﯿﻞ ﺑﺄﻛﻤﻞ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﺤﻠّﮫ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺗﺤﺖ ﺟﺴﺮ )ﺳﯿﺠﻲ راﺷﺪ( ﻣﻘﺮّ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎت اﻟﺴﺮﯾﺔ. أذﻛﺮ أﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﺴﺘﻮﻗﻔﻨﻲ وأﻧﺎ أﻣﺮّ ﺑﻤﺤﻠّﮫ ﻣﺘﺠﮭﺎً إﻟﻰ ﺛﺎﻧﻮﯾﺔ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﻓﯿﻌﺮض ﻋﻠﻲّ ﻗﺮاءة ﺟﺮﯾﺪة "اﻷﻣﺔ" أو ﻣﻨﺸﻮراً ﺳﺮﯾﺎً. وﻛﺎن ﺧﻼل ﺳﻨﺘﯿﻦ ﯾﮭﯿﺆﻧﻲ ﺳﯿﺎﺳﯿﺎً ﻟﻼﻧﺨﺮاط ﻓﻲ "ﺣﺰب اﻟﺸﻌﺐ ".وﯾﻀﻌﻨﻲ أﻣﺎم أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻣﺘﺤﺎن ﻣﯿﺪاﻧﻲ ،ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻟﻜﻞ ﻋﻀﻮ أن ﯾﻤﺮ ﺑﮫ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺆدي ﻗﺴﻢ اﻻﻧﺨﺮاط ﻓﻲ اﻟﺤﺰب .وﯾﺒﺪأ ﻧﺸﺎﻃﮫ ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﺨﻼﯾﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺤﺪدھﺎ ﺑﻼل. ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺤﻞ اﻟﺬي ﻻ أﺛﺮ ﻟﮫ اﻟﯿﻮم ،ﻛﺎن ﯾﻠﺘﻘﻲ اﻟﻘﺎدة اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﻮن .وﯾﻌﻄﻲ )ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺤﺎج )ﺗﻌﻠﯿﻤﺎﺗﮫ اﻷﺧﯿﺮة .وﻓﯿﮫ ﻧﻮﻗﺸﺖ اﻟﺸﻌﺎرات اﻟﺘﻲ رﻓﻌﮭﺎ اﻟﻤﺘﻈﺎھﺮون ،وﻛُﺘﺒﺖ ﻟﯿﻼً ﻋﻠﻰ اﻟﻼﻓﺘﺎت ﻟﺘﻜﻮن ﻣﻔﺎﺟﺄة ﻓﺮﻧﺴﺎ. وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻈﺎھﺮة ﻣﻦ ﻓﻮق ﺟﺴﺮ )ﺳﯿﺪي راﺷﺪ( ﻛﻤﺎ ﺧﻄﻂ ﻟﮭﺎ ﺑﻼل ﻷﺳﺒﺎب ﺗﻜﺘﯿﻜﯿﺔ ،ﯾﺴﮭﻞ ﻣﻌﮭﺎ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻤﺘﻈﺎھﺮﯾﻦ ﺛﻢ ﺗﺒﻌﺜﺮھﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻄﺮﻗﺎت اﻟﻤﺆدﯾﺔ ﻟﻠﺠﺴﺮ .أدھﺸﺖ اﻟﻘﻮات اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﺑﺪﻗﺘﮭﺎ وﻧﻈﺎﻣﮭﺎ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ .وﻛﺎن ﺑﻼل
أول ﻣﻦ أُﻟﻘﻲ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﯿﮫ ﯾﻮﻣﮭﺎ ..وﻣﻦ ﻋﺬّب ﻟﻠﻌﺒﺮة. وﻟﻢ ﯾﻤﺖ ﺑﻼل ﺣﺴﯿﻦ ﻛﻐﯿﺮه .ﻗﻀﻰ ﺳﻨﺘﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ واﻟﺘﻌﺬﯾﺐ .ﺗﺮك ﻓﯿﮭﻤﺎ ﺟﻠﺪه ﻋﻠﻰ آﻻت اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ. أذﻛﺮ أﻧﮫ ﻇﻞّ ﻟﻌﺪة أﯾﺎم ﻋﺎري اﻟﺼﺪر ،ﻋﺎﺟﺰاً ﺣﺘﻰ أن ﯾﻀﻊ ﻗﻤﯿﺼﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺪه ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﻠﺘﺼﻖ ﺑﺠﺮاﺣﮫ اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ رﻓﺾ ﻃﺒﯿﺐ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﺴﺆوﻟﯿﺔ ﻋﻼﺟﮫ. ﺛﻢ ﺧﺮج ﻣﺤﻜﻮﻣﺎً ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺎﻟﻨﻔﻲ واﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﻤﺸﺪدة .وﻋﺎش ﺑﻼل ﺣﺴﯿﻦ ﻣﻨﺎﺿﻼً ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎرك اﻟﻤﺠﮭﻮﻟﺔ ،ﻣﻼﺣﻘﺎً ﻣﻄﺎرداً ﺣﺘﻰ اﻻﺳﺘﻘﻼل .وﻟﻢ ﯾﻤﺖ إﻻ ﻣﺆﺧﺮاً ﻓﻲ ﻋﺎﻣﮫ اﻟﻮاﺣﺪ واﻟﺜﻤﺎﻧﯿﻦ ﻓﻲ 27ﻣﺎي ،1988ﻓﻲ اﻟﺸﮭﺮ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﺬي ﻣﺎت ﻓﯿﮫ ﻷول ﻣﺮة. ﻣﺎت ﺑﺎﺋﺴﺎً ،وأﻋﻤﻰ ،وﻣﺤﺮوﻣﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺎل واﻟﺒﻨﯿﻦ. اﻋﺘﺮف ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺗﮫ ﺑﺒﻀﻌﺔ أﺷﮭﺮ ﻟﺼﺪﯾﻘﮫ اﻟﻮﺣﯿﺪ ،أﻧﮭﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺬّﺑﻮه ﺗﻌﻤﺪوا ﺗﺸﻮﯾﮫ رﺟﻮﻟﺘﮫ ،وﻗﻀﻮا ﻋﻠﯿﮭﺎ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ. وأﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﺎت ﻣﻨﺬ أرﺑﻌﯿﻦ ﺳﻨﺔ.. ﯾﻮم وﻓﺎﺗﮫ ،ﺟﺎء ﺣﻔﻨﺔ ﻣﻦ أﻧﺼﺎف اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ ﻟﻤﺮاﻓﻘﺘﮫ إﻟﻰ ﻣﺜﻮاه اﻷﺧﯿﺮ .أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﺴﺄﻟﻮه ﯾﻮﻣﺎً ﺑﻤﺎذا ﻛﺎن ﯾﻌﯿﺶ ،وﻻ ﻟﻤﺎذا ﻻ أھﻞ ﻟﮫ. ﻣﺸﻮا ﺧﻠﻔﮫ ﺧﻄﻮات ..ﺛﻢ ﻋﺎدوا إﻟﻰ ﺳﯿﺎراﺗﮭﻢ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ،دون أدﻧﻰ ﺷﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ. ﻟﻢ ﯾﻜﻦ أﺣﺪ ﯾﻌﺮف ﺳﺮه اﻟﺬي اﺣﺘﻔﻆ ﺑﮫ أرﺑﻌﯿﻦ ﺳﻨﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﺑﺤﯿﺎء رﺟﻞ ﻣﻦ ﺟﯿﻠﮫ وﻣﻦ ﻃﯿﻨﺘﮫ. ﻓﮭﻞ ﻛﺎن ﯾﺴﺘﺤﻖ ذﻟﻚ اﻟﺴﺮ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻟﻜﺘﻤﺎن؟ ﻛﺎن ﺑﻼل ﺣﺴﯿﻦ آﺧﺮ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﺨﺼﯿﺎن.. وﻛﺎن اﻟﻤﺒﺼﺮ ﻓﻲ زﻣﻦ ﻋﻤﯿﺖ ﻓﯿﮫ اﻟﺒﺼﺎﺋﺮ.. ﻓﮭﻞ أﻧﺴﻰ ﺑﻼل ﺣﺴﯿﻦ؟ ***
ھﺎ ھﻮذا ﺳﺠﻦ )اﻟﻜﺪﯾﺎ).. أﺗﺄﻣﻠﮫ ﻛﻤﺎ ﻧﺘﺄﻣﻞ ﺟﺪران ﺳﺠﻦ أول ،دﺧﻠﻨﺎه ﻛﻤﺎ ﻧﺪﺧﻞ ﺣﻠﻤﺎً ﻣﺰﻋﺠﺎً ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻣﮭﯿﺄﯾﻦ ﻟﮫ. ﻣﺮت ﺳﻨﻮات ﻛﺜﯿﺮة ،ﻗﺒﻞ أن أدﺧﻞ ﺳﺠﻨﺎً آﺧﺮ ،ﻛﺎن ﺟﻼدوه ھﺬه اﻟﻤﺮة ﺟﺰاﺋﺮﯾﯿﻦ ﻻ ﻏﯿﺮ .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﮫ ﻣﻦ ﻋﻨﻮان ﻣﻌﺮوف ،ﻟﯿﻌﺮف ﻃﯿﻒ )أﻣّﺎ( ﻃﺮﯾﻘﮫ إﻟﻲّ ﻓﯿﺄﺗﯿﻨﻲ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻲ ﻟﺰﯾﺎرﺗﻲ ھﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﺑﺎﻛﯿﺔ ﻣﺘﻀﺮّﻋﺔ ﻟﻜﻞ ﺣﺎرس.. ھﺎ ھﻮذا ﺳﺠﻦ )اﻟﻜﺪﯾﺎ( ..ﻛﻢ ﻣﻦ ﻗﺼﺺ ﻣﺆﻟﻤﺔ ،وأﺧﺮى ﻣﺪھﺸﺔ ﻋﺮﻓﮭﺎ ھﺬا اﻟﺴﺠﻦ ،اﻟﺬي ﺗﻨﺎوب ﻋﻠﯿﮫ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﺎﺋﺮ ،ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻮرة. ﺳﻨﺔ ..1955أي ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﺑﻌﺪ أﺣﺪاث 8ﻣﺎي .1945ﻋﺎد ھﺬا اﻟﺴﺠﻦ ﻟﻠﺼﺪارة ،ﺑﺪﻓﻌﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻟﺴﺠﻨﺎء اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﯿﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺗﻌﺪّ ﻟﮭﻢ ﻋﻘﺎﺑﺎً اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺎً. ﻓﻲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ رﻗﻢ ..8اﻟﻤﻌﺪة ﻻﻧﺘﻈﺎر اﻟﻤﻮت .ﻛﺎن ﺛﻼﺛﻮن ﻣﻦ ﻗﺎدة اﻟﺜﻮرة ورﺟﺎﻟﮭﺎ اﻷواﺋﻞ ،ﯾﻨﺘﻈﺮون ﻣﻮﺛﻘﯿﻦ ،ﺗﻨﻔﯿﺬ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﺎﻹﻋﺪام ﻋﻠﯿﮭﻢ ،ﺑﯿﻨﮭﻢ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺑﻦ ﺑﻮﻟﻌﯿﺪ واﻟﻄﺎھﺮ اﻟﺰﺑﯿﺮي وﻣﺤﻤﺪ ﻻﯾﻔﺎ وإﺑﺮاھﯿﻢ اﻟﻄﯿﺐ رﻓﯿﻖ دﯾﺪوش ﻣﺮاد وﺑﺎﺟﻲ ﻣﺨﺘﺎر وآﺧﺮون. ﻛﺎن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻌﺪاً ﻟﻠﻤﻮت ﯾﻮﻣﮭﺎ ،ﺣﺘﻰ أن ﺣﻼق ﻣﺴﺎﺟﯿﻦ اﻟﺤﻖ اﻟﻌﺎم ،أﺧﺒﺮ اﻟﺸﮭﯿﺪ اﻟﻘﺎﺋﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺑﻮﻟﻌﯿﺪ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،أﻧﮭﻢ ﻏﺴﻠﻮا اﻟﻤﻘﺼﻠﺔ ﺑﺎﻷﻣﺲ ،وأﻧﮫ ﺣﻠﻢ أﻧﮭﻢ "ﻧﻔﺬوا". وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻌﻨﯿﯿْﻦ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﺼﻄﻔﻰ ﺑﻦ ﺑﻮﻟﻌﯿﺪ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻌﺪّ ﻣﻨﺬ أﯾﺎم ﺧﻄﺔ ﻟﻠﮭﺮب ﻣﻦ )اﻟﻜﺪﯾﺎ( ..وﻛﺎن ﺷﺮع ﻣﻊ رﻓﺎﻗﮫ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة أﯾﺎم ،ﻓﻲ ﺣﻔﺮ ﻣﻤﺮ ﺳﺮي ﺗﺤﺖ اﻷرض ،أوﺻﻠﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ ﻣﻐﻠﻘﺔ داﺧﻞ اﻟﺴﺠﻦ. ﻓﺄﻋﺎدوا اﻟﺤﻔﺮ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ،ﻟﯿﺼﻠﻮا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﺴﺠﻦ. ﯾﻮم 10ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ،1955ﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻟﻤﻐﺮب ،وﺑﯿﻦ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻣﺴﺎءً ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ ،ﻛﺎن ﻧﺼﻄﻔﻰ ﺑﻮﻟﻌﯿﺪ وﻣﻌﮫ ﻋﺸﺮة آﺧﺮون ﻣﻦ رﻓﺎﻗﮫ ،ﻗﺪ ھﺮﺑﻮا ﻣﻦ )اﻟﻜﺪﯾﺎ( ،وﻗﺎﻣﻮا ﺑﺄﻏﺮب ﻋﻤﻠﯿﺔ ھﺮوب ﻣﻦ زﻧﺰاﻧﺔ ﻟﻢ ﯾﻐﺎدرھﺎ أﺣﺪ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم.. ﺳﻮى إﻟﻰ اﻟﻤﻘﺼﻠﺔ. ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺳﻘﻂ اﻟﻘﺎﺋﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺑﻮﻟﻌﯿﺪ وﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻓﺮّوا ﻣﻌﮫ ،ﺷﮭﺪاء ﻓﻲ ﻣﻌﺎرك
أﺧﺮى ﻻ ﺗﻘﻞ ﺷﺠﺎﻋﺔ ﻋﻦ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﻓﺮارھﻢ ،ﻓﺘﺼﺪّروا ﺑﺮﺣﯿﻠﮭﻢ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺠﺰاﺋﺮي ،وأھﻢ اﻟﺸﻮارع واﻟﻤﻨﺸﺂت اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ. ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻧُﻔﱢﺬ ﺣﻜﻢ اﻹﻋﺪام ،ﻓﻲ ﻣﻦ ﻇﻠّﻮا ﺑﺎﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ،دون أن ﯾﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ اﻟﮭﺮوب. وﻟﻢ ﯾﺒﻖ اﻟﯿﻮم ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻨﺎء اﻷﺣﺪ ﻋﺸﺮ اﻟﺬﯾﻦ ھﺮﺑﻮا ﻣﻦ اﻟﻜﺪﯾﺎ ،ﺳﻮى اﺛﻨﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺪ اﻟﺤﯿﺎة .وﻣﺎت اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺜﻤﺎﻧﯿﺔ واﻟﻌﺸﺮون اﻟﺬﯾﻦ ﺟﻤﻌﺘﮭﻢ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ رﻗﻢ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ ﯾﻮﻣﺎً ،ﻟﻘﺪرٍ ﻛﺎن ﻣﻘﺮراً أن ﯾﻜﻮن ..واﺣﺪاً. ﻛﻠﻤﺎ وﻗﻔﺖ أﻣﺎم اﻟﺠﺪران اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ ﻟﮭﺬا اﻟﺴﺠﻦ ﺗﺒﻌﺜﺮت ذاﻛﺮﺗﻲ ،وذھﺒﺖ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ وﺟﮫ ،ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﺳﻢ ،وﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﻼد .وﺷﻌﺮت ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ أﺑﻮاب ﺳﺠﻮن أﺧﺮى ﻣﺎزاﻟﺖ ﻣﻐﻠﻘﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺮارھﺎ ،دون أن ﺗﺠﺪ ﻛﺎﺗﺒﺎً واﺣﺪاً ﯾﺮدّ دﯾﻦ ﻣﻦ ﻣﺮّوا ﺑﮭﺎ. وﻗﺘﮭﺎ ﻛﻨﺖ أﺣﺴﺪ ذﻟﻚ اﻟﺮﻓﯿﻖ اﻟﺬي ﺟﻤﻌﺘﻨﻲ ﺑﮫ زﻧﺰاﻧﺔ ھﻨﺎ ﻟﺒﻀﻌﺔ أﺳﺎﺑﯿﻊ. ﻛﻨﺎ آﻧﺬاك ..أﻧﺎ وھﻮ ،أﺻﻐﺮ ﻣﻌﺘﻘﻠﯿﻦْ ﺳﯿﺎﺳﯿﯿﻦْ .ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺎﺳﯿﻦ ﯾﺼﻐﺮﻧﻲ ﺑﺒﻀﻌﺔ أﺷﮭﺮ. ﻛﺎن ﻋﻤﺮه ﺳﺘﺔ ﻋﺸﺮ ﻋﺎﻣﺎً ﻓﻘﻂ. ورﻏﻢ أﻧﮭﻢ أﻃﻠﻘﻮا ﺳﺮاﺣﻲ ﻟﺼﻐﺮ ﺳﻨّﻲ ،ﻓﻘﺪ رﻓﻀﻮا أن ﯾﻄﻠﻘﻮا ﺳﺮاح ﯾﺎﺳﯿﻦ .وﺑﻘﻲ ﻓﻲ ﺳﺠﻦ )اﻟﻜﺪﯾﺎ( أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﺷﮭﺮاً .ﯾﺤﻠﻢ ﺑﺎﻟﺤﺮﯾﺔ ..وﺑﺎﻣﺮأة ﺗﻜﺒﺮه ﺑﻌﺸﺮ ﺳﻨﻮات، ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮھﺎ ..وﻛﺎن اﺳﻤﮭﺎ "ﻧﺠﻤﺔ!" وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻋﺪت أﻧﺎ ﺑﻌﺪ ﺳﺘﺔ أﺷﮭﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ إﻟﻰ اﻟﺪراﺳﺔ ،راح ﯾﺎﺳﯿﻦ ﯾﻜﺘﺐ ﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات راﺋﻌﺘﮫ "ﻧﺠﻤﺔ". ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﯾﺔ اﻟﻔﺠﯿﻌﺔ ،اﻟﺘﻲ وﻟﺪت ﻓﻜﺮﺗﮭﺎ اﻷوﻟﻰ ھﻨﺎ .ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻠﯿﻞ اﻟﻄﻮﯾﻞ ،وﻓﻲ ﻣﺨﺎض اﻟﻤﺮارة واﻟﺨﯿﺒﺔ واﻷﺣﻼم اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ اﻟﻜﺒﺮى. أذﻛﺮ أن ﯾﺎﺳﯿﻦ ﻛﺎن ﻣﺪھﺸﺎً داﺋﻤﺎً .ﻛﺎن ﻣﺴﻜﻮﻧﺎً ﺑﺎﻟﺮﻓﺾ وﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺮﯾﺾ واﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ. وﻟﺬا ﻛﺎن ﯾﻨﻘﻞ ﻋﺪواه ﻣﻦ ﺳﺠﯿﻦ إﻟﻰ آﺧﺮ .وﻛﻨﺎ ﻧﺴﺘﻤﻊ إﻟﯿﮫ ،وﻧﺠﮭﻞ وﻗﺘﮭﺎ أﻧﻨﺎ أﻣﺎم )ﻟﻮرﻛﺎ( اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،وأﻧﻨﺎ ﻧﺸﮭﺪ ﻣﯿﻼد ﺷﺎﻋﺮ ﺳﯿﻜﻮن ﯾﻮﻣﺎً ،اﻛﺒﺮ ﻣﺎ أﻧﺠﺐ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ ﻣﻦ ﻣﻮاھﺐ. ﻣﺮت ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ،ﻗﺒﻞ أن أﻟﺘﻘﻲ ﺑﻜﺎﺗﺐ ﯾﺎﺳﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﻨﻔﺎي اﻹﺟﺒﺎري اﻵﺧﺮ ﺑﺘﻮﻧﺲ.
اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺑﻔﺮح ﻻ ﯾﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺪھﺸﺔ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺘﻐﯿﺮ. ﻣﺎزال ﯾﺘﺤﺪث ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺤﻤﺎس ﻧﻔﺴﮫ ،وﺑﻠﻐﺘﮫ اﻟﮭﺠﻮﻣﯿﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،ﻣﻌﻠﻨﺎً اﻟﺤﺮب ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﯾﺸﺘﻢّ ﻓﯿﮭﻢ راﺋﺤﺔ اﻟﺨﻀﻮع ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ أو ﻟﻐﯿﺮھﺎ. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﮫ ﺣﺴﺎﺳﯿﺔ ﺿﺪ اﻹھﺎﻧﺎت اﻟﻤﮭﺬﺑﺔ ،وﺿﺪ ﻗﺎﺑﻠﯿﺔ اﻟﺒﻌﺾ ﻟﻼﻧﺤﻨﺎء.. اﻟﻔﻄﺮي! ﻛﺎن ﯾﻮﻣﮭﺎ ﯾﻠﻘﻲ ﻣﺤﺎﺿﺮة ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ ﻛﺒﺮى ﺑﺘﻮﻧﺲ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ راح ﻓﺠﺄة ﯾﮭﺎﺟﻢ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﯿﻦ اﻟﻌﺮب ،واﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﺘﻮﻧﺴﯿﺔ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ. وﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ أﺣﺪ ﯾﻮﻣﮭﺎ إﺳﻜﺎت ﯾﺎﺳﯿﻦ. ﻓﻘﺪ ﻇﻞ ﯾﺨﻄﺐ وﯾﺸﺘﻢ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻗﻄﻌﻮا ﻋﻠﯿﮫ ﺻﻮت اﻟﻤﯿﻜﺮوﻓﻮن ،وأﻃﻔﺄوا اﻷﺿﻮاء ﻟﯿﺮﻏﻤﻮا اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﻣﻐﺎدرة اﻟﻘﺎﻋﺔ. ﯾﻮﻣﮭﺎ دﻓﻌﺖ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺔ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻣﻊ اﻟﺒﻮﻟﯿﺲ ﺛﻤﻦ ﺣﻀﻮري ﻓﻲ اﻟﺼﻒ اﻷﻣﺎﻣﻲ وھﺘﺎﻓﻲ ﻋﻠﻰ ﯾﺎﺳﯿﻦ "ﺗﻌﯿﺶ ..آ ﯾﺎﺳﯿﻦ..". ﻟﻢ ﯾﻨﺘﺒﮫ أﺣﺪ وﻗﺘﮭﺎ إﻟﻰ وﺟﻮه ﻣﻦ ﺻﻔّﻘﻮا .وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻛﺎن ﯾﻌﻨﯿﮭﻢ اﻷﻣﺮ اﻧﺘﺒﮭﻮا إﻟﻰ ﯾﺪي اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﻤﺮﻓﻮﻋﺔ ﺗﺄﯾﯿﺪاً ..وإﻋﺠﺎﺑﺎً. ﯾﻮﻣﮭﺎ اﻛﺘﺸﻔﺖ اﻟﺒﻌﺪ اﻵﺧﺮ ﻟﻠﯿﺪ اﻟﻮاﺣﺪة .ﻓﻘﺪر ﺻﺎﺣﺒﮭﺎ أن ﯾﻜﻮن ﻣﻌﺎرﺿﺎً وراﻓﻀﺎً، ﻷﻧﮫ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺤﺎﻻت ..ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ اﻟﺘﺼﻔﯿﻖ! اﺣﺘﻀﻨﺘﮫ ﺑﻌﺪھﺎ وﻗﻠﺖ" :ﯾﺎﺳﯿﻦ ..ﻟﻮ رزﻗﺖ وﻟﺪاً ﺳﺄﺳﻤﯿﮫ ﯾﺎﺳﯿﻦ".. وﺷﻌﺮت ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻌﻨﻔﻮان واﻟﻤﺘﻌﺔ ،ﻛﺄﻧﻨﻲ أﻗﻮل ﻟﮫ أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﻘﻮﻟﮫ ﻟﺼﺪﯾﻖ أو ﻟﻜﺎﺗﺐ. ﻓﻀﺤﻚ ﯾﺎﺳﯿﻦ وھﻮ ﯾﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﺑﯿﺪٍ ﻋﺼﺒﯿﺔ ﻛﻌﺎدﺗﮫ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺮﺑﻜﮫ اﻋﺘﺮاف ﻣﺎ. وﻗﺎل ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ" :أﻧﺖ أﯾﻀﺎً ﻟﻢ ﺗﺘﻐﯿﺮ ..ﻣﺎزﻟﺖ ﻣﺠﻨﻮﻧﺎً"! وﺿﺤﻜﻨﺎ ﻟﻨﻔﺘﺮق ﻟﻌﺪة ﺳﻨﻮات أﺧﺮى. ﺗﺮاﻧﻲ ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﻛﻮن وﻓﯿّﺎً ﻟﺬاﻛﺮﺗﻨﺎ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ،أم ﻓﻘﻂ ،ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﻋﻮّض ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻦ ﻋﻘﺪﺗﻲ ﺗﺠﺎه "ﻧﺠﻤﺔ" ،اﻟﺮواﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻦ أﻛﺘﺒﮭﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﻧﮭﺎ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى ،ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼّﺘﻲ أﯾﻀﺎً .ﺑﺄﺣﻼﻣﻲ وﺧﯿﺒﺎﺗﻲ ،ﺑﻤﻼﻣﺢ )أﻣّﺎ( اﻟﻮاﻗﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﯿﺄس واﻟﺠﻨﻮن ،اﻟﺮاﻛﻀﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﺠﻦ واﻷوﻟﯿﺎء اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ،ﺗﻘﺪّم اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ ﻟﺴﯿﺪي ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻐﺮاب ،واﻟﻌﻤﻮﻻت ﻟﺤﺎرس اﻟﺴﺠﻦ اﻟﯿﮭﻮدي ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﺟﺎرﻧﺎ ..ﺣﺘﻰ
ﯾﺄﺗﯿﻨﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﯿﻦ واﻵﺧﺮ ﺑﻘﻔّﺔ اﻷﻛﻞ اﻟﺬي ﺗﻌﺪّه ﻟﻲ) .أﻣّﺎ( اﻟﺘﻲ ﻛﺪت ﻻ أﻋﺮﻓﮭﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻏﺎدرت اﻟﺴﺠﻦ ﺑﻌﺪ ﺳﺘﺔ أﺷﮭﺮ ،واﻟﺘﻲ أﻣﺎم اﻧﺸﻐﺎل أﺑﻲ ﻋﻨﻲ وﻋﻨﮭﺎ، ﺑﺘﺠﺎرﺗﮫ وﻋﺸﯿﻘﺎﺗﮫ ،أﺻﺒﺤﺖ ﻻ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﷲ إﻻ ﻋﻮدﺗﻲ ﻟﮭﺎ .وﻛﺄﻧﻨﻲ اﻟﺸﻲء اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺒﺮر وﺟﻮدھﺎ ،واﻟﺸﺎھﺪ اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻋﻠﻰ أﻣﻮﻣﺘﮭﺎ وأﻧﻮﺛﺘﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻮﺑﺔ. ﻧﻌﻢ ﻛﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﺟﯿﻼً ﺑﻘﺼﺔ واﺣﺪة ،ﺑﺠﻨﻮن اﻷﻣﮭﺎت اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺎت ﻓﻲ اﻟﺤﺐ، ﺑﺨﯿﺎﻧﺔ اﻵﺑﺎء اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺴﻮة ،وﺑﻘﺼﺺ ﺣﺐ وھﻤﯿﺔ ،وﺧﯿﺒﺎت ﻋﺎﻃﻔﯿﺔ، ﯾﺼﻨﻊ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﺒﻌﺾ رواﺋﻊ ﻋﺎﻟﻤﯿﺔ ﻓﻲ اﻷدب ،وﯾﺘﺤﻮل آﺧﺮون ﻋﻠﻰ ﯾﺪھﺎ إﻟﻰ ﻣﺮﺿﻰ ﻧﻔﺴﺎﻧﯿﯿﻦ. ﺗﺮاﻧﻲ ﻻ أﻓﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﺑﻜﺘﺎﺑﺔ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ،ﺳﻮى ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﮭﺮوب ﻣﻦ ﺻﻨﻒ اﻟﻤﺮﺿﻰ إﻟﻰ ﺻﻨﻒ اﻟﻤﺒﺪﻋﯿﻦ؟ آه ﯾﺎﺳﯿﻦ ..ﻛﻢ ﺗﻐﯿﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻠﻘﺎء ..ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻮداع.. أﻧﺖ اﻟﺬي أﻧﮭﯿﺖ رواﯾﺘﻚ ﻗﺎﺋﻼً ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن ذﻟﻚ اﻟﺒﻄﻞ: "وداﻋﺎً أﯾﮭﺎ اﻟﺮﻓﺎق ..أيّ ﺷﺒﺎب ﻋﺠﯿﺐ ذاك اﻟﺬي ﻋﺸﻨﺎه"!. ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺘﻮﻗﻊ وﻗﺘﮭﺎ ،أن ﻋﻤﺮﻧﺎ ﺳﯿﻜﻮن أﻋﺠﺐ ﻣﻦ ﺳﻨﻮات ﺷﺒﺎﺑﻨﺎ ﺑﻜﺜﯿﺮ!
ﻏﺪاً ﺳﯿﻜﻮن ﻋﺮﺳﻚِ إذن.. وﻋﺒﺜﺎً أﺣﺎول أن أﻧﺴﻰ ذﻟﻚ ،وأﻣﺸﻲ ﻓﻲ ﺷﻮارع ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﯾﺴﻠّﻤﻨﻲ زﻗﺎق إﻟﻰ آﺧﺮ.. وذاﻛﺮة إﻟﻰ أﺧﺮى. أﻣﺎ ﻗﻠﺖِ إﻧﻚ ﻟﻲ ﻣﺎدﻣﻨﺎ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ؟ أﯾﻦ ﺗﻜﻮﻧﯿﻦ اﻵن إذن؟ ﻓﻲ أي ﺷﺎرع ..ﻓﻲ أي زﻗﺎق ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻤﺘﺸﻌّﺒﺔ اﻟﻄﺮﻗﺎت واﻷزﻗﺔ ﻛﻘﻠﺒﻚ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺬﻛّﺮﻧﻲ ﺑﺤﻀﻮرك وﻏﯿﺎﺑﻚ اﻟﺪاﺋﻢ ،وﺗﺸﺒﮭﻚ ﺣﺪ اﻻرﺗﺒﺎك؟ ﻟﺴﺖِ ﻟﻲ.. أدري أﻧﮭﻢ ﯾﻌﺪّوﻧﻚ اﻵن ﻟﻠﯿﻠﺔ ﺣﺒﻚ اﻟﻘﺎدﻣﺔ .ﯾﻌﺪّون ﺟﺴﺪك ﻟﺮﺟﻞ آﺧﺮ ﻟﯿﺲ أﻧﺎ. ﺑﯿﻨﻤﺎ أھﯿﻢ أﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺮﺣﻲ ﻷﻧﺴﻰ اﻟﺬي ﯾﺤﺪث ھﻨﺎك.
ﻣﻠﯿﺌﺎً ﻛﺎن ﯾﻮﻣﻚ ،ﻛﯿﻮم ﻋﺮوس ،وﻓﺎرﻏﺎً ﻛﺎن ﯾﻮﻣﻲ ،ﻛﯿﻮم ﻣﻮﻇّﻒ ﻣﺘﻘﺎﻋﺪ. ﻣﻨﺬ زﻣﺎن أﺧﺬ ﻛﻞّ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻃﺮﯾﻘﺎً ﻣﺨﺎﻟﻔﺎً ﻟﻶﺧﺮ .وھﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﻌﯿﺶ ﺑﻤﻔّﻜﺮﺗﯿﻦ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺘﯿﻦْ ،إﺣﺪاھﻤﺎ ﻟﻠﻔﺮح وأﺧﺮى ﻟﻠﺤﺰن .ﻓﻜﯿﻒ أﻧﺴﻰ ذﻟﻚ؟ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ اﻟﻄﺮق ﺗﺆدي إﻟﯿﻚ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺳﻠﻜﺘﮭﺎ ﻟﻠﻨﺴﯿﺎن ،واﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ ﺗﺘﺮﺑّﺼﯿﻦ ﻟﻲ ﻓﯿﮭﺎ. ﻛﻞّ اﻟﻤﺪارس واﻟﻜﺘﺎﺗﯿﺐ اﻟﻌﺘﯿﻘﺔ ..ﻛﻞ اﻟﻤﺂذن ..ﻛﻞّ "اﻟﺒﯿﻮت اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ "..ﻛﻞّ اﻟﺴﺠﻮن.. ﻛﻞ اﻟﻤﻘﺎھﻲ ..ﻛﻞ اﻟﺤﻤﺎﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺮج ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻨﺴﺎء أﻣﺎﻣﻲ ﺟﺎھﺰات ﻟﻠﺤﺐ، ﻛﻞ اﻟﻮاﺟﮭﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮض اﻟﺼﯿﻐﺔ واﻟﺜﯿﺎب اﻟﺠﺎھﺰة ﻟﻠﻌﺮاﺋﺲ .وﺣﺘﻰ ..ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻘﺒﺮة اﻟﺘﻲ أﻟﻘﯿﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺳﯿﺎرة أﺟﺮة ،ورﺣﺖ أﺑﺤﺚ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻦ ﻗﺒﺮ )أﻣّﺎ( ،وأﺳﺘﻌﯿﻦ ﺑﺴﺠﻼت ﺣﺎرﺳﮭﺎ ﻷﺗﻌﺮف ﻋﻠﻰ أرﻗﺎم اﻟﻤﻤﺮات اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺻﻞ إﻟﯿﮭﺎ ..أوﺻﻠﺘﻨﻲ إﻟﯿﻚ ﻻ ﻏﯿﺮ. (أﻣّﺎ( ..ﻟﻤﺎذا ﻗﺎدﺗﻨﻲ ﻗﺪﻣﺎي إﻟﯿﮭﺎ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺑﺎﻟﺬات ،ﻓﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﻋﺮﺳﻚ ﺑﺎﻟﺬات؟ أرﺣﺖ أزورھﺎ ﻓﻘﻂ ..أم رﺣﺖ أدﻓﻦ ﺟﻮارھﺎ اﻣﺮأة أﺧﺮى ﺗﻮھﻤّﺘﮭﺎ ﯾﻮﻣﺎً أﻣﻲ؟ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺮھﺎ اﻟﺮﺧﺎﻣﻲ اﻟﺒﺴﯿﻂ ﻣﺜﻠﮭﺎ ،اﻟﺒﺎرد ﻛﻘﺪرھﺎ ..واﻟﻜﺜﯿﺮ اﻟﻐﺒﺎر ﻛﻘﻠﺒﻲ ،ﺗﺴﻤّﺮت ﻗﺪﻣﺎي ،وﺗﺠﻤّﺪت ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻣﻮع اﻟﺘﻲ ﺧﺒﺄﺗﮭﺎ ﻟﮭﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات اﻟﺼﻘﯿﻊ واﻟﺨﯿﺒﺔ. ھﺎ ھﻲ ذي )أﻣّﺎ( ..ﺷﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاب ،ﻟﻮﺣﺔ رﺧﺎﻣﯿﺔ ﺗﺨﻔﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻣﻠﻚ ﻣﻦ ﻛﻨﻮز .ﺻﺪر اﻷﻣﻮﻣﺔ اﻟﻤﻤﺘﻠﺊ ..راﺋﺤﺘﮭﺎ ..ﺧﺼﻼت ﺷﻌﺮھﺎ اﻟﻤﺤﻨّﺎة ..ﻃﻠّﺘﮭﺎ .. ﺿﺤﻜﺘﮭﺎ ..ﺣﺰﻧﮭﺎ ..ووﺻﺎﯾﺎھﺎ اﻟﺪاﺋﻤﺔ" ..ﻋﻨﺪك ﯾﺎ ﺧﺎﻟﺪ ﯾﺎ اﺑﻨﻲ..". (أﻣّﺄ )ﻋﻮّﺿﺘﮭﺎ ﺑﺄﻟﻒ اﻣﺮأة أﺧﺮى ..وﻟﻢ أﻛﺒﺮ. ﻋﻮّﺿﺖ ﺻﺪرھﺎ ﺑﺄﻟﻒ ﺻﺪر أﺟﻤﻞ ..وﻟﻢ أرﺗﻮِ .ﻋﻮّﺿﺖ ﺣﺒﮭﺎ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﺔ ﺣﺐ.. وﻟﻢ أﺷﻒ. ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻄﺮاً ﻏﯿﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﻜﺮار .ﻟﻮﺣﺔ ﻏﯿﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻘﻠﯿﺪ وﻻ ﻟﻠﺘﺰوﯾﺮ. ﻓﻠﻤﺎذا ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺟﻨﻮن ﺗﺼﻮّرت أﻧﻚ اﻣﺮأة ﻃﺒﻖ اﻷﺻﻞ ﻋﻨﮭﺎ؟ ﻟﻤﺎذا رﺣﺖ أﻃﺎﻟﺒﻚ ﺑﺄﺷﯿﺎء ﻻ ﺗﻔﮭﻤﯿﻨﮭﺎ ،وﺑﺪور ﻟﻦ ﺗﻄﺎﻟﯿﮫ؟ ھﺬا اﻟﺤﺠﺮ اﻟﺮﺧﺎﻣﻲّ اﻟﺬي أﻗﻒ ﻋﻨﺪه أرﺣﻢ ﺑﻲ ﻣﻨﻚ. ﻟﻮ ﺑﻜﯿﺖ اﻵن أﻣﺎﻣﮫ ..ﻷﺟﮭﺶ ﺑﺪوره ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء. ﻟﻮ ﺗﻮﺳّﺪت ﺣﺠﺮه اﻟﺒﺎرد ،ﻟﺼﻌﺪ ﻣﻦ ﺗﺤﺘﮫ ﻣﺎ ﯾﻜﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﺪفء ﻟﻤﻮاﺳﺎﺗﻲ.
ﻟﻮ ﻧﺎدﯾﺘﮫ )ﯾﺎ أﻣّﺎ (..ﻷﺟﺎﺑﻨﻲ ﺗﺮاﺑﮫ ﻣﻔﺠﻮﻋﺎً "واش ﺑﯿﻚ آ ﻣﯿﻤﺔ..؟". وﻟﻜﻦ ﻛﻨﺖ أﺧﺎف ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﺗﺮاب )أﻣّﺎ( ﻣﻦ اﻟﻌﺬاب ،ھﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﯿﺎﺗﮭﺎ ﻣﻮاﺳﻢ ﻟﻠﻔﺠﺎﺋﻊ ﻻ ﻏﯿﺮ. ﻛﻨﺖ أﺧﺎف ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﮭﺎ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ،وأﺣﺎول ﻛﻠّﻤﺎ زرﺗﮭﺎ أن اﺧﻔﻲ ﻋﻨﮭﺎ ذراﻋﻲ اﻟﻤﺒﺘﻮرة. ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﺎن ﻟﻠﻤﻮﺗﻰ ﻋﯿﻮن أﯾﻀﺎً؟ ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻘﺎﺑﺮ ﻻ ﺗﻨﺎم ..ﻛﻢ ﻛﺎن ﯾﻠﺰﻣﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم وﻗﺘﮭﺎ ﻷﺷﺮح ﻟﮭﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻞّ ﺑﻲ ﺑﻌﺪھﺎ؟ ﻟﻢ أﺟﮭﺶ ﺳﺎﻋﺘﮭﺎ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء ،وأﻧﺎ أﻗﻒ أﻣﺎﻣﮭﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻞّ ذﻟﻚ اﻟﻌﻤﺮ. ﻧﺤﻦ ﻧﺒﻜﻲ داﺋﻤﺎً ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ. ﻣﺮّرت ﻓﻘﻂ ﯾﺪي ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺮﺧﺎم ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺣﺎول أن أﻧﺰع ﻋﻨﮫ ﻏﺒﺎر اﻟﺴﻨﯿﻦ وأﻋﺘﺬر ﻟﮫ ﻋﻦ ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻹھﻤﺎل. ﺛﻢ رﻓﻌﺖ ﯾﺪي اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻷﻗﺮأ ﻓﺎﺗﺤﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻘﺒﺮ.. ﺑﺪا ﻟﻲ وﻗﺘﮭﺎ ذﻟﻚ اﻟﻤﻮﻗﻒ ،وﻛﺄﻧﮫ ﻣﻮﻗﻒ ﺳﺮﯾﺎﻟﻲ .وﺑﺪت ﯾﺪي اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﻤﻤﺪودة ﻟﻠﻔﺎﺗﺤﺔ وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﻄﻠﺐ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﺑﺪل أن ﺗﻌﻄﯿﮭﺎ.. ﻓﺘﻨﮭّﺪت ..وأﺧﻔﯿﺖ ﯾﺪي. أﻟﻘﯿﺘﮭﺎ داﺧﻞ ﺟﯿﺐ ﺳﺘﺮﺗﻲ ..وأﻟﻘﯿﺖ ﺑﺨﻄﺎي ﺧﺎرج ﻣﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﺮاب ..واﻟﺮﺧﺎم. *** ﻛﺎن ﺗﺮﻗﺐ ﺣﺴﺎن وزوﺟﺘﮫ ﻟﻠﻌﺮس ،واﺳﺘﻌﺪاداﺗﮭﻤﺎ اﻟﺪاﺋﻤﺔ ﻟﮫ ،ﻟﻠﻘﺎء ﻛﻞ اﻟﺬﯾﻦ ﺳﯿﺤﻀﺮوﻧﮫ ﻣﻦ ﺷﺨﺼﯿﺎت وﻋﺎﺋﻼت ﻛﺒﯿﺮة ،ﯾﺠﻌﻠﻨﻲ أﺳﺘﻤﻊ ﻟﮭﻤﺎ أﺣﯿﺎﻧﺎً ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ أﻃﻔﺎل ﯾﺘﺤﺪﺛﻮن ﻋﻦ "ﺳﯿﺮك" ،ﺳﯿﺤﻞّ ﺑﻤﺪﯾﻨﺔ ﻟﻢ ﯾﺰرھﺎ ﺳﯿﺮك وﻻ ﻣﮭﺮّﺟﻮن ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. وﻛﻨﺖ ﻟﺬﻟﻚ أﺷﻔﻖ ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ ..وأﻋﺬرھﻤﺎ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻻ ﯾﺤﺪث ﻓﯿﮭﺎ ﺷﻲء ﻣﺎ ﻋﺪا اﻷﻋﺮاس. ﻓﺘﺮﻛﺘﮭﻤﺎ ﻟﻔﺮﺣﺘﮭﻤﺎ ﯾﻨﺘﻈﺮان "اﻟﺴﯿﺮك ﻋﻤﱠﺎر" ،واﺣﺘﻔﻈﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﺨﯿﺒﺘﻲ. ﻛﺎن ﻛﻞ ﺷﻲء اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺎً ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم .وﻛﻨﺖ أﻋﺮف ﻣﺴﺒﻘﺎً ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﮫ ﻣﻦ أﺣﺎدﯾﺚ اﻟﺴﮭﺮة. ﺳﯿﺬھﺐ ﺣﺴﺎن ﻟﻘﻀﺎء ﺣﺎﺟﺎﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،ﺛﻢ ﯾﺼﻠّﻲ ﺻﻼة اﻟﻈﮭﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ، وﺑﻌﺪھﺎ ﺳﯿﻤﺮ ﺑﻲ ﺻﺤﺒﺔ )ﻧﺎﺻﺮ )ﻟﻨﺬھﺐ ﺟﻤﯿﻌﺎً إﻟﻰ ﺣﻀﻮر اﻟﻌﺮس. أﻣﺎ ﻋﺘﯿﻘﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﺄﺧﺬ اﻷوﻻد وﺗﺬھﺐ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎح ﻟﺘﺮاﻓﻖ اﻟﻌﺮوس إﻟﻰ اﻟﺤﻼق .ﺛﻢ ﺗﺒﻘﻰ ھﻨﺎك ﻟﺘﻘﻮم ﻣﻊ ﻧﺴﺎء أﺧﺮﯾﺎت ﺑﺨﺪﻣﺔ اﻟﻀﯿﻮف وإﻋﺪاد اﻟﻄﺎوﻻت. ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺮﻏﺒﺔٍ ﻓﻲ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ ﺳﺮﯾﺮي ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ،وﻋﺪم ﻣﻐﺎدرﺗﮫ ﻗﺒﻞ اﻟﻈﮭﺮ ،رﺑﻤﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺘﺎﻋﺐ اﻟﺒﺎرﺣﺔ ،ورﺑﻤﺎ اﺳﺘﻌﺪاداً ﻟﻠﺴﮭﺮ واﻟﻤﺘﺎﻋﺐ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم.. ورﺑﻤﺎ ﻓﻘﻂ ﻷﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻋﺪ أدري أﯾﻦ ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ أن أذھﺐ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻗﻀﯿﺖ أﺳﺒﻮﻋﺎً وأﻧﺎ أھﯿﻢ ﻋﻠﻰ وﺟﮭﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺮﺑّﺺ ﺑﺬاﻛﺮﺗﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﺎرع .وﻛﻨﺖِ ﺗﺨﺘﺒﺌﯿﻦ ﻟﻲ ﻓﯿﮭﺎ ﺧﻠﻒ ﻛﻞ ﻣﻨﻌﻄﻒ.. وﺟﺪت ﺑﻌﺪ ﺗﻔﻜﯿﺮ ﻗﺼﯿﺮ ،أن اﻟﺴﺮﯾﺮ ھﻮ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﯾﻤﻜﻦ أن أھﺮب ﻣﻨﻚ إﻟﯿﮫ .أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ أﻟﺘﻘﻲ ﻓﯿﮫ ﻣﻌﻚ ﺑﻠﺬّة وﻟﯿﺲ ﺑﺄﻟﻢ. وﻟﻜﻦ.. ھﻞ ﺳﺄﺟﺮؤ ﺣﻘﺎً ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺤﻀﺎرك اﻟﯿﻮم ..ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أدري أﻧﻚ ﺗﺘﺠﻤّﻠﯿﻦ ﻓﯿﮭﺎ اﺳﺘﻌﺪاداً ﻟﺮﺟﻞ آﺧﺮ؟ ھﻞ ﺳﺄﺟﺮؤ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺤﻀﺎرك ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﺒﺎح ..وھﻞ ﺳﯿﻐﻔﺮ ﻟﻚ ﺟﺴﺪي ﺣﻘﺎً ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻧﺰوة ﻛﻞّ ﺧﯿﺎﻧﺎﺗﻚ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ واﻟﻼﺣﻘﺔ؟ ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺟﻨﻮﻧﺎً ﻓﻲ ﺟﻨﻮن!! وﻟﻜﻦ أﻟﯿﺲ ھﺬا اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﺗﺮﯾﺪﯾﻨﮫ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻠﺖ" :ﺳﺄﻛﻮن ﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ..". ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻣﺘﻼﻛﻚ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح. وﻛﺄﻧﻨﻲ أرﯾﺪ أن أﺳﺮق ﻣﻨﻚ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﻗﺒﻞ أن أﻓﺘﻘﺪك إﻟﻰ اﻷﺑﺪ .ﻓﺒﻌﺪ اﻟﯿﻮم ﻟﻦ
ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻟﻲ ،وﺳﺘﻨﺘﮭﻲ ھﺬه اﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﻤﻮﺟﻌﺔ اﻟﺤﻤﻘﺎء اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ھﻮاﯾﺘﻲ ﻗﺒﻠﻚ. ﻣﻮﺟﻌﺎً ﻛﺎن ﻟﻘﺎﺋﻲ ﻣﻌﻚ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح. ﻓﯿﮫ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺮاﺳﺔ واﻟﻤﺮارة اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ. ﻓﯿﮫ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺪ واﻟﺸﮭﻮة اﻟﺠﻨﻮﻧﯿﺔ. ﻟﻮ ﻛﻨﺖِ ﻟﻲ.. آه ﻟﻮ ﻛﻨﺖِ ﻟﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ..ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺴﺮﯾﺮ اﻟﻜﺒﯿﺮ اﻟﻔﺎرغ اﻟﺒﺎرد دوﻧﻚ .ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺸﺎﺳﻊ ﺑﺬﻛﺮﯾﺎت اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ اﻟﻤﺒﺘﻮرة ..وﺷﮭﻮة اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻤﻜﺒﻮت اﻟﺬي ﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ. ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﻟﻲ ..ﻻﻣﺘﻠﻜﺘﻚ ﻛﻤﺎ ﻟﻢ أﻣﺘﻠﻚ اﻣﺮأة ھﻨﺎ .ﻻﻋﺘﺼﺮﺗﻚ ﺑﯿﺪي اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺟﻨﻮن .ﻟﺤﻮّﻟﺘﻚ إﻟﻰ ﻗﻄﻊ ..إﻟﻰ ﻣﻮاد أوﻟﯿﺔ ..إﻟﻰ ﺑﻘﺎﯾﺎ اﻣﺮأة ..إﻟﻰ ﻋﺠﯿﻨﺔ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﺼﻨﻊ اﻣﺮأة ..إﻟﻰ أي ﺷﻲء ﻏﯿﺮك أﻧﺖ ،أي ﺷﻲء أﻗﻞّ ﻏﺮوراً وﻛﺒﺮﯾﺎءً ..أﻗﻞّ ﻇﻠﻤﺎً وﺟﺒﺮوﺗﺎً ﻣﻨﻚ. أﻧﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ أرﻓﻊ ﯾﺪي اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻓﻲ وﺟﮫ اﻣﺮأة ،رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺿﺮﺑﺘﻚ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﺣﺪّ اﻷﻟﻢ ،ﺛﻢ أﺣﺒﺒﺘﻚ ﺣﺪ اﻷم ،ﺛﻢ ﺟﻠﺴﺖ إﻟﻰ ﺟﻮار ﺟﺴﺪك أﻋﺘﺬر ﻟﮫ.. أﻗﺒّﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﯿﻚ ،أﻣﺤﻮ ﺑﺸﻔﺘﻲّ ﺣﻤﺮة أﻃﺮاﻓﻚ اﻟﻤﺨﻀّﺒﺔ ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء ،ﻷوﺷّﻤﻚ ﺑﺸﺮاﺳﺔ اﻟﻘُﺒَﻞ ،ﻋﺴﺎك ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﺘﯿﻘﻈﯿﻦ ﺗﻜﺘﺸﻔﯿﻨﻨﻲ ﻣﺮﺳﻮﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪك ﻛﺎﻟﻮﺷﻢ، ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻠﻮن اﻷﺧﻀﺮ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺮﺳﻢ إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺴﺪ! ﻣﻦ أﯾﻦ ﺟﺎءﻧﻲ ﻛﻞّ ذﻟﻚ اﻟﺠﻨﻮن؟ أﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﻧﻔﺮد ﺑﻚ وأﻣﺘﻠﻜﻚ ﻗﺒﻠﮫ ،أم ﻛﻨﺖ أدري ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺑﺤﺪسٍ أو ﺑﻘﺮارٍ ﻣﺴﺒﻖ أﻧﻨﻲ أﻧﻔﻖ ﻣﻌﻚ آﺧﺮ رﻋﺸﺎت اﻟﻠﺬّة ،وأﻧﻨﻲ ﺳﺄﺿﻌﻚ ﺧﺎرج ھﺬا اﻟﺴﺮﯾﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ اﻷﺑﺪ؟ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺸﻜﻠﺘﻲ ﻣﻌﻚ ﻣﺠﺮد ﺷﮭﻮة .ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺤﺴﻤﺘﮭﺎ ﯾﻮﻣﮭﺎ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى. ھﻨﺎﻟﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻣﺮأة ھﻨﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻤﺘﻠﻜﮭﺎ رﺟﻞ دون ﺟﮭﺪ. ھﻨﺎﻟﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺑﺎب ﻧﺼﻒ ﻣﻔﺘﻮح ﯾﻨﺘﻈﺮ أن ﯾﻔﺘﺤﮫ رﺟﻞ. ھﻨﺎك ﺟﺎرات ﺗﺘﻘﺎﻃﻊ ﺧﻄﻮاﺗﻲ ﺑﮭﻦّ ﻣﺮاراً ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺒﯿﻮت اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ، وأدري رﻏﺒﺘﮭﻦ اﻟﺴﺮﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺐ. ﺗﻌﻠﻤﺖ ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ،أن أﻓﻚّ رﻣﻮز ﻧﻈﺮات اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻤﺤﺘﺸﻤﺎت ..واﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺎت ﻓﻲ اﻟﻠﯿﺎﻗﺔ واﻟﻤﻔﺮدات اﻟﻤﺆدﺑﺔ.
وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺗﺠﺎھﻞ ﻧﻈﺮﺗﮭﻦ ودﻋﻮﺗﮭﻦ اﻟﺼﺎﻣﺘﺔ إﻟﻰ اﻟﺨﻄﯿﺌﺔ. ﻟﻢ أﻋﺪ أدري اﻟﯿﻮم ..إن ﻛﻨﺖ أﺗﺼﺮف ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻦ ﻣﺒﺪأ ..أم ﻋﻦ ﺣﻤﺎﻗﺔ وﺷﻌﻮر ﻏﺎﻣﺾ ﺑﺎﻟﻐﺜﯿﺎن؟ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ أﺷﻔﻖ ﻋﻠﯿﮭﻦ ..وأﺣﺘﻘﺮ أزواﺟﮭﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺴﯿﺮون ﻛﺎﻟﺪﯾﻮك اﻟﻤﻐﺮورة دون ﻣﺒﺮر.. ﺳﻮى أﻧﮭﻢ ﯾﻤﺘﻠﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ دﺟﺎﺟﺔ ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ ﻣﺘﺸﺤّﻤﺔ ﻟﻢ ﯾﻘﺮﺑﮭﺎ أﺣﺪ رﺑﻤﺎ ﻋﻦ ﻗﺮف! أو أﺧﺮى ﺷﮭﯿّﺔ وﻣﺪﺟّﻨﺔ ﺣﺴﺐ اﻟﺘﻘﺎﻟﯿﺪ وﻻ ﯾﺘﻮﻗﻊ ﺻﺎﺣﺒﮭﺎ أنّ ﺟﻨﺎﺣﯿﮭﺎ اﻟﻘﺼﯿﺮﯾﻦ.. ﻣﺎزاﻻ ﯾﻤﺎرﺳﺎن اﻟﻘﻔﺰ ..ﻓﻄﺮﯾﺎً! ﯾﺎ ﻟﺤﻤﺎﻗﺔ اﻟﺪﯾﻮك! إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ اﻟﻨﺴﺎء ﻋﻔﯿﻔﺎت ھﻨﺎ ،وﺷﺮف ﻛﻞ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﺼﻮﻧﺎً ،ﻓﻤﻊ ﻣﻦ ﯾﺰﻧﻲ ھﺆﻻء إذن؟ وﻛﻠﮭﻢ دون اﺳﺘﺜﻨﺎء ﯾﺘﺒﺠّﺢ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ اﻟﺮﺟﺎﻟﯿﺔ ﺑﻤﻐﺎﻣﺮاﺗﮫ؟ أﻟﯿﺲ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﮭﻢ ﯾﻀﺤﻚ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ ..وﻻ ﯾﺪري أن ھﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﻀﺤﻚ ﻋﻠﯿﮫ؟! ﻛﻢ أﻛﺮه ذﻟﻚ اﻟﺠﻮ اﻟﻤﻮﺑﻮء ﺑﺎﻟﻨﻔﺎق ..وﺗﻠﻚ اﻟﻘﺬارة اﻟﻤﺘﻮارﺛﺔ ..ﺑﻨﺰاھﺔ! ﯾﺤﺪث ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻘﺎﻃﻊ ﻧﻈﺮاﺗﻲ ﺑﮭﻦّ ،أن أﺳﺘﻌﯿﺪ ﻗﻮﻟﻚ ﻣﺮة ،ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺑﺪﯾﺖ ﻟﻚ دھﺸﺘﻲ ﻣﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ رواﯾﺘﻚ اﻷوﻟﻰ ..ورﺣﺖ أﺳﺘﺠﻮﺑﻚ ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ ذاﻛﺮة ﻣﺸﺒﻮھﺔ. ﻗﻠﺖِ: "ﻻ ﺗﺒﺤﺚ ﻛﺜﯿﺮاً ..ﻻ ﯾﻮﺟﺪ ﺷﻲء ﺗﺤﺖ اﻟﻜﻠﻤﺎت .إن اﻣﺮأة ﺗﻜﺘﺐ ھﻲ اﻣﺮأة ﻓﻮق ﻛﻞ اﻟﺸﺒﮭﺎت ..ﻷﻧﮭﺎ ﺷﻔﺎﻓﺔ ﺑﻄﺒﻌﮭﺎ .إن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺗﻄﮭّﺮ ﻣﻤﺎ ﯾﻌﻠﻖ ﺑﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻟﺤﻈﺔ اﻟﻮﻻدة.. أﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻘﺬارة ﺣﯿﺚ ﻻ ﯾﻮﺟﺪ اﻷدب"! وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺬارة اﻟﻤﺘﻮارﺛﺔ أﻣﺎﻣﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،ﻓﻲ ﻋﯿﻮن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺠﺎﺋﻌﺎت ﻷي رﺟﻞ ﻛﺎن. ﻓﻲ ﻋﺼﺒﯿﺔ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺤﻤﻠﻮن ﺷﮭﻮﺗﮭﻢ ﺗﺮاﻛﻤﺎً ﻗﺎﺑﻼً ﻟﻼﻧﻔﺠﺎر ..أﻣﺎم أول أﻧﺜﻰ. وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﻋﻠﻲّ أن أﻗﺎوم رﻏﺒﺘﻲ اﻟﺤﯿﻮاﻧﯿﺔ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم .وأﻻ أﺗﺮك ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺗﺴﺘﺪرﺟﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﺤﻀﯿﺾ.
ﻓﮭﻨﺎﻟﻚ ﻣﺒﺎدئ ﻻ ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ اﻟﺘﺨﻠّﻲ ﻋﻨﮭﺎ ﻣﮭﻤﺎ ﺣﺪث .ﻛﺄن أﻋﺎﺷﺮ اﻣﺮأة ﻣﺘﺰوﺟﺔ ،ﺗﺤﺖ أي ﻣﺒﺮر ﻛﺎن. ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ھﺬا ﺳﺮ ﺣﺰﻧﻲ اﻵﺧﺮ .ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أدري أن ﻣﺴﺘﺤﯿﻼً آﺧﺮ ﻗﺪ أﺿﯿﻒ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﺤﯿﻼت أﺧﺮى ﯾﻮﻣﮭﺎ ،وأﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻟﻲ أﺑﺪاً ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم. ﻟﻢ أﻛﻦ ﺧﺠﻮﻻً ﻣﻦ ﯾﺪي اﻟﯿﻤﻨﻰ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم. ﺷﻌﺮت ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻻرﺗﯿﺎح ،وأﻧﺎ أﻛﺘﺸﻒ أﻧﻨﻲ ﺑﺮﻏﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻞّ ﺑﻲ ﻣﺎزﻟﺖ أﺣﺘﺮم ﺟﺴﺪي. اﻟﻤﮭﻢ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻻت ،أﻻ ﻧﻔﻘﺪ اﺣﺘﺮام ﺟﺴﺪﻧﺎ وﻧﺤﻦ ﻧﻤﻨﺤﮫ ﻷول ﻋﺎﺑﺮ ﺳﺒﯿﻞ. ﻓﺄﯾﻦ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﻜﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إن ﻧﺤﻦ أھﻨّﺎه ..وإن رﻓﺾ أن ﯾﻨﺴﻰ ذﻟﻚ؟ رﻣﯿﺖ ﻓﺠﺄة ﺑﺎﻟﻐﻄﺎء ،واﺗّﺠﮭﺖ ﻧﺤﻮ اﻟﻨﺎﻓﺬة وأﺷﺮﻋﺘﮭﺎ وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻓﺘﺤﮭﺎ ﻟﯿﺨﺮج ﻃﯿﻔﻚ ﻣﻨﮭﺎ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ،وﯾﺪﺧﻞ اﻟﻨﻮر إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﻓﺔ. ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻤﺴﻜﻮﻧﺔ ﺑﺎﻟﺠﻦّ واﻟﺴﺤﺮة ،ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺟﻨّﯿﺔ ﺗﺘﺴﻠﻞ إﻟﻲّ ﻣﻊ اﻟﻌﺘﻤﺔ ،ﺗﻨﺎم إﻟﻰ ﺟﻮاري ،ﺗﻘﺺّ ﻋﻠﻲّ ﻗﺼﺼﺎً ﻋﺠﯿﺒﺔ ،ﺗﻌﺪﻧﻲ ﺑﺄﻟﻒ ﺣﻞّ ﺳﺤﺮي ﻟﻤﺄﺳﺎﺗﻲ ..ﺛﻢ ﺗﺨﺘﻔﻲ ﻣﻊ أول ﺷﻌﺎع وﺗﺘﺮﻛﻨﻲ ﻟﮭﻮاﺟﺴﻲ وﻇﻨّﻲ؟ ھﻞ ﺧﺮج ﻃﯿﻔﻚ ﺣﻘﺎً ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻣﻦ ﺳﺮﯾﺮي ..ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﻲ وذاﻛﺮﺗﻲ .وھﺮب ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻓﺬة؟ ﻻ أدري! أدري ﻓﻘﻂ أن ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،دﺧﻠﺖ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻧﻔﺴﮭﺎ ،اﻟﺘﻲ ﻗﻠّﻤﺎ ﻓﺘﺤﺘﮭﺎ. وإذا ﺑﺎﻷذان ﯾﻔﺎﺟﺌﻨﻲ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺌﺬﻧﺔ ﻓﻲ آن واﺣﺪ ،وﯾﺴﻤّﺮﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻲ أﻣﺎم اﻷﻗﺪام اﻟﻤﺴﺮﻋﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻻﺗﺠﺎھﺎت. وﻛﺎن ﺟﺴﺮ )ﺳﯿﺪي راﺷﺪ( ﯾﺒﺪو ﺑﺪوره ﻣﻨﮭﻤﻜﺎً ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ داﺋﻤﺔ ﻛﺎﻣﺮأة ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻟﺤﺪثٍ ﻣﺎ ..ﻣﺄﺧﻮذاً ﺑﮭﻤﻮﻣﮫ اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ ،وﺑﺤﻤﺎس ﻧﮭﺎﯾﺎت اﻷﺳﺒﻮع. وﺟﺪت ﻓﻲ اﻧﺸﻐﺎﻟﮫ ﻋﻦ ﺣﺰﻧﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ﺑﺎﻟﺬات ﺷﯿﺌﺎً ﺷﺒﯿﮭﺎً ﺑﺎﻟﺨﯿﺎﻧﺔ ..وﻋﺪم اﻟﻌﺮﻓﺎن ﺑﺎﻟﺠﻤﯿﻞ. ﻗﺮرت ﺑﺪوري أﻻ أﺟﺎﻣﻠﮫ ..ﻓﺄﻏﻠﻘﺖ ﻓﻲ وﺟﮭﮫ وﺟﮭﻲ ..ورَدَدْت اﻟﻨﺎﻓﺬة..
وﻓﺠﺄة ..اﻧﺘﺎﺑﺘﻨﻲ رﻏﺒﺔ ﺟﺎرﻓﺔ ﻟﻠﺮﺳﻢ .زوﺑﻌﺔ ﺷﮭﻮة اﻷﻟﻮان ..ﺗﻜﺎد ﺗﻮازي رﻏﺒﺘﻲ اﻟﺠﻨﺴﯿﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ وﺗﺴﺎوﯾﮭﺎ ﻋﻨﻔﺎً وﺗﻄﺮّﻓﺎً. ﻟﻢ أﻋﺪ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻣﺮأة ..ﺷﻔﯿﺖ ﻣﻦ ﺟﺴﺪي واﻧﺘﻘﻞ اﻷﻟﻢ إﻟﻰ أﻃﺮاف أﺻﺎﺑﻌﻲ.. ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﺴﺮﯾﺮ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻟﻠﺬّﺗﻲ وﻻ ﻟﻄﻘﻮس ﺟﻨﻮﻧﻲ .وﺣﺪھﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﺒﯿﻀﺎء اﻟﻤﺸﺪودة إﻟﻰ اﻟﺨﺸﺐ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ إﻓﺮاﻏﻲ ﻣﻦ ذاﺗﻲ. ﻓﯿﮭﺎ أرﯾﺪ أن أﺻﺐّ اﻵن ﻟﻌﻨﺘﻲ ،أﺑﺼﻖ ﻣﺮارة ﻋﻤﺮٍ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺒﺎت. أﻓﺮغ ذاﻛﺮة اﻧﺤﺎزت ﻟﻠﻮن اﻷﺳﻮد ..ﻣﺬ اﻧﺤﺰت ﻟﮭﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻤﻠﺘﺤﻔﺔ _ﺣﻤﺎﻗﺔ_ ﺑﺎﻟﺴﻮاد ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ،واﻟﺘﻲ ﺗﺨﻔﻲ وﺟﮭﮭﺎ _ﺗﻨﺎﻗﻀﺎً_ ﺗﺤﺖ ﻣﺜﻠﺚ أﺑﯿﺾ ﻟﻺﻏﺮاء. ﺳﻼﻣﺎً أﯾﮭﺎ اﻟﻤﺜﻠﺚ اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ ..ﺳﻼﻣﺎً أﯾﺘﮭﺎ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﯿﺶ ﻣﻐﻠﻘﺔ وﺳﻂ ﺛﺎﻟﻮﺛﮭﺎ اﻟﻤﺤﺮم ) اﻟﺪﯾﻦ – اﻟﺠﻨﺲ – اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ). ﻛﻢ ﺗﺤﺖ ﻋﺒﺎءﺗﻚ اﻟﺴﻮداء ..اﺑﺘﻠﻌﺖ ﻣﻦ رﺟﺎل .ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ أﺣﺪ ﯾﺘﻮﻗّﻊ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻚ ﻃﻘﻮس ﻣﺜﻠﺚ( ﺑﺮﻣﻮدا( وﺷﮭﯿﺘﮫ ﻟﻺﻏﺮاق.. ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺮﻣﺎدﯾﺔ ﺗﺘﻮاﻟﺪ ﻓﻲ ذھﻨﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح .واﻟﻐﯿﻆ ﯾﻤﻠﺆﻧﻲ ﺗﺪرﯾﺠﯿ ًﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪّﻣﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ واﻗﺘﺮب وﻗﺖ ﻗﺪوم ﺣﺴﺎن وﻧﺎﺻﺮ ﻟﻤﺮاﻓﻘﺘﻲ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ، ﻷﺣﻀﺮ ﻋﺮﺳﻚ. وﻛﺎن ﻏﯿﻈﻲ وﺧﯿﺒﺘﻲ ﻗﺪ ﺷﻼ ﯾﺪي وﻣﻨﻌﺎﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ أن أﺣﻠﻖ ذﻗﻨﻲ أو أﺳﺘﻌﺪ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻔﺮح اﻟﻤﺄﺗﻢ. ﻛﻨﺖ أذھﺐ وأﺟﻲء ﻓﺠﺄة ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﺑﻌﺼﺒﯿﺔ ﻣﺪﻣﻦ ﺗﻨﻘﺼﮫ رﺷﻔﺔ أﻓﯿﻮﻧﮫ. ﻛﯿﻒ ﻟﻢ أﺗﻮﻗﻊ أن أﺷﻌﺮ ﺑﮭﺬه اﻟﺤﺎﺟﺔ اﻟﻤﺮﺿﯿّﺔ اﻟﯿﻮم ﻹﻣﺴﺎك ﻓﺮﺷﺎة ،وﺑﮭﺬه اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﺠﺎرﻓﺔ ﻟﻠﺮﺳﻢ؟ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﺎوم ،واﻟﺘﻲ ﺗﺼﺒﺢ أﻟﻤﺎً ﻓﻲ أﻃﺮاف اﻷﺻﺎﺑﻊ، وﺗﻮﺗﺮاً ﺟﺴﺪﯾﺎً ﯾﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻋﻀﻮ إﻟﻰ آﺧﺮ؟ ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أرﺳﻢ ..وأرﺳﻢ ..ﺣﺘﻰ أﻓﺮغ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء .وأﻗﻊ ﻣﯿﺘﺎً ..أو ﻣﻐﻤﻰ ﻋﻠﻲّ إرھﺎﻗﺎً وﻧﺸﻮة. ﻣﻦ اﻷرﺟﺢ أﻧﻨﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻟﻦ أرﺳﻢ ﺟﺴﻮراً وﻻ ﻗﻨﺎﻃﺮ .رﺑﻤﺎ رﺳﻤﺖ ﻧﺴﺎ ًء ﺑﻤﻼءات ﺳﻮداء ..وﻣﺜﻠﺜﺎت ﺑﯿﻀﺎء ..وﻋﯿﻮن ﻛﺎذﺑﺎت ،واﻋﺪات ﺑﻔﺮح ﻣﺎ .ﻓﺎﻟﻠﻮن اﻷﺳﻮد ﻟﻮن ﻛﺎذب ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﯿﺎن ..ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﺜﻞ اﻟﻠﻮن اﻷﺑﯿﺾ. وﻗﺪ ﻻ أرﺳﻢ ﺷﯿﺌﺎً ،وأﻣﻮت ھﻜﺬا واﻗﻔﺎً ،ﻋﺎﺟﺰاً أﻣﺎم ﻟﻮﺣﺔ ﺑﯿﻀﺎء.
ﻓﮭﻞ أروع ﻣﻦ أن ﻧﻮﻗّﻊ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺑﯿﻀﺎء ﺑﺒﯿﺎض ،وﻧﻨﺴﺤﺐ ﻋﻠﻰ رؤوس اﻷﺻﺎﺑﻊ، ﻣﺎدﻣﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻮﻗّﻊ ﺷﯿﺌﺎً ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،ووﺣﺪھﺎ اﻷﻗﺪار ﺗﻮﻗّﻊ ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ ،وﺗﻔﻌﻞ ﺑﻨﺎ ﻣﺎ ﺗﺸﺎء؟ ﻟﻤﺎذا اﻟﺘﺤﺎﯾﻞ ﻋﻠﻰ اﻷﺷﯿﺎء إذن ..ﻟﻤﺎذا اﻟﻤﺮاوﻏﺔ؟ أﻣﺎ ﻛﻨﺖِ ﻟﻮﺣﺘﻲ؟ ﻣﺎ ﻓﺎﺋﺪة أن أﻛﻮن رﺳﻤﺘﻚ أﻟﻒ ﻣﺮة ،ﻣﺎدام آﺧﺮ ﺳﯿﻀﻊ ﺗﻮﻗﯿﻌﮫ ﻋﻠﯿﻚ اﻟﯿﻮم ،ﺳﯿﻀﻊ ﺑﺼﻤﺎﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪك ،واﺳﻤﮫ ﺟﻮار أوراﻗﻚ اﻟﺜﺒﻮﺗﯿﺔ؟ وﻣﺎذا ﺗﻔﯿﺪ ﻋﺸﺮات اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﻏﻄﯿﺘﮭﺎ ﺑﻚ ،أﻣﺎم ﺳﺮﯾﺮ ﺳﯿﺤﺘﻮي ﺟﺴﺪك.. وﯾﺨﻠّﺪ أﻧﻮﺛﺘﻚ اﻷﺑﺪﯾﺔ؟ أيّ ﺟﺪوى ﻟﻤﺎ أرﺳﻤﮫ ..إذا ﻛﺎن ھﻨﺎك داﺋﻤﺎً ﻣﻦ ﺳﯿﻀﻊ ﺗﻮﻗﯿﻌﮫ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﻲ ﻛﺎﻟﻌﺎدة؟ *** ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﯿﺄس ،دقّ ﻓﺠﺄة اﻟﮭﺎﺗﻒ ،وأﺧﺮﺟﻨﻲ ﻟﻠﺤﻈﺔ ﻣﻦ وﺣﺪﺗﻲ وھﻮاﺟﺴﻲ .ﻓﺮﺣﺖ أﺳﺮع ﻧﺤﻮ اﻟﻐﺮف اﻟﺒﻌﯿﺪة اﻷﺧﺮى ،ﻷردّ ﻋﻠﯿﮫ. ﻛﺎن ﺣﺴﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻂ .ﺳﺄﻟﻨﻲ دون ﻣﻘﺪﻣﺎت: واش راك ﺗﻌﻤﻞ..؟أﺟﺒﺘﮫ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺼﺪق: ﻛﻨﺖ ﻏﺎﻓﯿﺎً ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ..ﻗﺎل: ﺣﺴﻨﺎً إذن ..ﺗﻮﻗﻌﺖ أن ﺗﻜﻮن ﺟﺎھﺰاً وﺗﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ﻣﻨﺬ ﻣﺪة .ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﺧﺒﺮك أﻧﻨﻲﻗﺪ أﺗﺄﺧﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ .ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﺸﻜﻞ ﺻﻐﯿﺮ ﯾﺠﺐ أن أﺣﻠّﮫ. ﺳﺄﻟﺘﮫ ﻣﺘﻌﺠﺒﺎً: أيّ ﻣﺸﻜﻞ؟ﻗﺎل:
ﺗﺼﻮر ﺑﻤﺎذا ﻃﻠﻊ ﻟﻲ ﻧﺎﺻﺮ اﻟﯿﻮم؟ إﻧﮫ ﻻ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺤﻀﺮ ﻋﺮس أﺧﺘﮫ..ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أزداد ﻓﻀﻮﻻً: ﻟﻤﺎذا؟ﻗﺎل: إﻧﮫ ﺿﺪ ھﺬا اﻟﺰواج ..وﻻ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﻠﺘﻘﻲ ﺑﺎﻟﻀﯿﻮف وﻻ ﺑﺎﻟﻌﺮﯾﺲ ..وﻻ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﻤّﮫ!ﻛﺪت أﻗﺎﻃﻌﮫ "ﻣﻌﮫ ﺣﻖ" ..وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺳﺄﻟﺘﮫ: وأﯾﻦ ھﻮ اﻵن؟ﻗﺎل: ﻟﻘﺪ ﺗﺮﻛﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ .ﻗﺎل ﻟﻲ إﻧﮫ ﯾﻔﻀّﻞ أن ﯾﻘﻀﻲ ﯾﻮﻣﮫ ھﻨﺎك ﺑﺪل أن ﯾﻘﻀﯿﮫﻣﻊ ھﺆﻻء "اﻟﻘﻮّا!"... وﻷول ﻣﺮة ﺿﺤﻜﺖ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻲ .وﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ أن أﻣﻨﻊ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﯿﻖ ﺑﺼﻮت ﻋﺎلٍ: راﺋﻊ ﻧﺎﺻﺮ ..واﷲ "ﻧﺴﺘﻌﺮف ﺑﯿﮫ!".وﻟﻜﻦ ﺣﺴﺎن ﻗﺎﻃﻌﻨﻲ ﺑﺼﻮتٍ ﻓﯿﮫ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻌﺘﺎب واﻟﻌﺠﺐ: واش ﺑﯿﻚ ھﺒﻠﺖ إﻧﺖ ﺗﺎﻧﻲ ..ﻋﯿﺐ ..ﺷﻔﺖ واﺣﺪ ﻣﺎ ﯾﺮوّﺣﺶ ﻟﻌﺮس أﺧﺘﻮ ..واشﯾﻘﻮﻟﻮا اﻟﻨﺎس.. اﻟﻨﺎس ..اﻟﻨﺎس ..ﯾﻘﻮﻟﻮا واش ﯾﺤﺒﻮا ..ﺧﻠﯿﻨﺎ ﯾﺎ راﺟﻞ ﯾﺮﺣﻢ واﻟﺪﯾﻚ..وﻗﺒﻞ أن أﻗﻮل ﻟﮫ ﺷﯿﺌﺎً ﻗﺎل: اﺑﻖ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ إذن ..ﺳﺄﻣﺮ ﻋﻠﯿﻢ ﺣﺎل ﻣﺎ اﻧﺘﮭﻲ .ﺳﻨﺘﺤﺪث ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻮﺿﻊ ﻓﯿﻤﺎﺑﻌﺪ ،ﻓﺄﻧﺎ أﺣﺪﺛﻚ ﻣﻦ ﻣﻘﮭﻰ ،وﺣﻮﻟﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ) ...ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﻚ..!). ﺛﻢ أﺿﺎف:
ﺳﺘﺠﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺒﺦ أﻛﻼً أﻋﺪّﺗﮫ ﻟﻚ ﻋﺘﯿﻘﺔ..وﺿﻌﺖ اﻟﺴﻤﺎﻋﺔ .وﻋﺪت إﻟﻰ ﻏﺮﻓﺘﻲ. ﻟﻢ أﻛﻦ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ أﻛﻞ .ﻛﻨﺖ ﻓﻘﻂ أﺷﻌﺮ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻈﻤﺄ اﻟﺼﺒﺎﺣﻲ ،وﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻤﺮارة اﻟﺘﻲ ﺻﺎر ﻟﮭﺎ ﻓﺠﺄة ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﮭﺎﺗﻒ ،ﻣﺬاق اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ. ﻟﻘﺪ ﻣﻸﻧﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﻧﺎﺻﺮ ﻏﺒﻄﺔ .ﺷﻌﺮت أن ھﻨﺎك ﺷﺨﺼﺎً آﺧﺮ ﯾﺸﺎرﻛﻨﻲ ﺣﺰﻧﻲ دون ﻋﻠﻤﮫ ،وﯾﻘﻒ ﻣﻌﻲ ﺿﺪّ ھﺬا اﻟﺰواج ،وﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ.. ﻓﺤﻞٌ ﻧﺎﺻﺮ ،ﺟﺪﯾﺮ ﺑﺄن ﯾﻜﻮن اﺑﻦ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ. ﻟﻢ أﻟﺘﻖِ ﺑﮫ ﺑﻌﺪ .وﻟﻜﻦ أﺗﻮﻗﻊ أن ﯾﻜﻮن )راﺳﻮ ﺧﺸﯿﻦ (..ﻣﺜﻞ أﺑﯿﮫ .أن ﯾﻜﻮن ﻋﻨﯿﺪاً وﻣﺒﺎﺷﺮاً ﻣﺜﻠﮫ. وإذا ﻛﺎن ﻓﻌﻼً ﻣﺜﻠﮫ ﻓﻠﻦ ﯾﻨﺠﺢ ﺣﺴﺎن أﺑﺪاً ﻓﻲ ﺗﻐﯿﯿﺮ رأﯾﮫ. ﻣﺎزﻟﺖ أذﻛﺮ ﻋﻨﺎد ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ وﻗﺮاراﺗﮫ اﻟﻨﮭﺎﺋﯿﺔ داﺋﻤﺎً ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻷﺣﺪ أن ﯾﺰﯾﺤﮫ ﻋﻨﮭﺎ. وﻗﺘﮭﺎ ﻛﻨﺖ أﺟﺪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮاﻗﻒ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﺪﻛﺘﺎﺗﻮرﯾﺔ ،وﻏﺮور اﻟﻘﺎﺋﺪ .ﺛﻢ ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ،أدرﻛﺖ أﻧﮫ ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻟﻠﺜﻮرة ﻓﻲ أﯾﺎﻣﮭﺎ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ رﺟﺎلٍ ﻣﺜﻞ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ، ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻌﻨﺎد ،وﺗﻠﻚ اﻟﺜﻘﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ،ﺣﺘﻰ ﯾﻔﺮﺿﻮا رأﯾﮭﻢ وﺳﻠﻄﺘﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮﯾﻦ ،ﻟﯿﺲ ﺣﺒﺎً ﺑﺎﻟﺠﺎه واﻟﺴﻠﻄﺔ ،إﻧﻤﺎ ﻟﻠﻢّ ﺷﻤﻞ اﻟﺜﻮرة وﻋﺪم ﺗﺮك ﻣﺠﺎل ﻟﻠﺨﻼﻓﺎت واﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ،وﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻤﻮت ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻌﻠﺔ اﻷوﻟﻰ وﺗﺒﻌﺜﺮھﺎ اﻟﺮﯾﺎح.. ﻋﺎدت ذﻛﺮى ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ﻓﺠﺄة .ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻟﻢ أﺣﺠﺰھﺎ ﻟﮫ.. وﻋﺎدت ﻃﻠّﺘﮫ ،ﻣﻮﺟﻌﺔ ﻛﺘﻠﻚ اﻟﺮﺻﺎﺻﺎت اﻟﺘﻲ أﻓﺮﻏﻮھﺎ ﻓﻲ ﺟﺴﺪه ﯾﻮﻣﺎً ،وأودت ﺑﮫ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺸﮭﺪ اﺳﺘﻘﻼل اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﺑﺄﺷﮭﺮ. أﯾﻦ ھﻮ ﻟﯿﺤﻀﺮ ھﺬا اﻟﯿﻮم اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ اﻟﺬي ﺳﯿﺨﻠﻒ ﻣﻮﻋﺪه أﯾﻀﺎَ؟ أﻛﺎن ﻗﺪره أن ﯾﺨﻠﻒ ﻓﺮﺣﺘﯿﻦ؟ رﺣﻞ ﻛﻤﺎ ﺟﺎء ،ﺳﺎﺑﻘﺎً ﻟﺰﻣﻨﮫ ،وﻛﺄﻧﮫ أدرك أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺨﻠﻖ ﻟﻠﺰﻣﻦ اﻵﺗﻲ .ﻛﻨﺖ أﻋﻲ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻤﺮارة ،أن ﻛﻞّ اﻟﺬﯾﻦ أﺣﺒّﻮكِ ﻟﻦ ﯾﺤﻀﺮوا ﻋﺮﺳﻚ ھﺬا.
ﺳﯿﺘﻐﯿﺐ ﻋﻦ ﻓﺮﺣﻚ ﻛﻞ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﻨﺖِ ﻓﺮﺣﺘﮭﻢ .ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ وزﯾﺎد ..وﻧﺎﺻﺮ أﯾﻀﺎً. ﻟﻤﺎذا وﺣﺪي وﻗﻌﺖ ﻋﻠﻲّ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮﻋﺔ ،وﻗﺎدﺗﻨﻲ اﻷﻗﺪار إﻟﯿﻚ؟ وﻟﻤﺎذا اﺳﺘﺪرﺟﺘﻨﻲ ﺣﺘﻰ ھﻨﺎ ،ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺬاﻛﺮة واﻟﺤﻨﯿﻦ ..وذﻟﻚ اﻟﺤﺐ اﻟﺠﻨﻮﻧﻲ اﻟﻤﺴﺘﺤﯿﻞ ،وﻗﻠﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻸت ﺟﯿﻮب اﻷﺣﻼم وھﻤﺎً" ..ﺳﺄﻛﻮن ﻟﻚ ﻣﺎدﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ..". ﻛﯿﻒ ﺻﺪّﻗﺘﻚ ..وﺟﺌﺖ؟ وﻛﻨﺖ أدري اﻧﻚ ﺗﻜﺬﺑﯿﻦ ،وﺗﮭﺪﯾﻨﻨﻲ اﻟﻐﯿﻮم اﻟﺒﯿﻀﺎء ..ﻟﺼﯿﻒ ﻃﻮﯾﻞ .وﻟﻜﻦ ..ﻣﻦ ﯾﻘﺎوم ﻣﻄﺮ اﻟﻜﺬب اﻟﺠﻤﯿﻞ؟ ھﻨﺎﻟﻚ أﻛﺎذﯾﺐ ﻧﺤﺎول أن ﻧﺼﺪّﻗﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﻧﺤﺮج اﻟﻨﺸﺮات اﻟﺠﻮﯾﺔ .ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﮭﻄﻞ اﻷﻣﻄﺎر داﺧﻠﻨﺎ ..ﻣﻦ ﯾﺠﻔﻒ دﻣﻊ اﻟﺴﻤﺎء؟ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻛﻨﺖِ اﻣﺮأة ﺳﺎدﯾّﺔ ،وﻛﻨﺖ أﻋﺮف ذﻟﻚ. أذﻛﺮ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻓﯿﮫ" :ﻟﻮ ﺧﻠّﻒ ھﺘﻠﺮ اﺑﻨﺔ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ..ﻟﻜﻨﺖِ اﺑﻨﺘﮫ اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ!". ﺿﺤﻜﺖِ ﯾﻮﻣﮭﺎ .ﺿﺤﻜﺖ ..ﺿﺤﻜﺔ ﺣﺎﻛﻢ ﺟﺒّﺎر واﺛﻖ ﻣﻦ ﻗﻮّﺗﮫ .وﻋﻠّﻘﺖ أﻧﺎ ﺑﺴﺬاﺟﺔ اﻟﻀﺤﯿﺔ" :ﻻ أدري ﻣﺎ اﻟﺬي أوﺻﻠﻨﻲ إﻟﻰ ﺣﺒﻚ ،أﻧﺎ اﻟﮭﺎرب ﻣﻦ ﺣﻜﻢ اﻟﺠﺒﺎﺑﺮة.. أﯾﻤﻜﻦ ﺑﻌﺪ ھﺬا اﻟﻌﻤﺮ أن أﻗﻊ ﻓﻲ ﺣﺐّ اﻣﺮأة ﻃﺎﻏﯿﺔ..!". اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻓﺠﺄة ..ﺛﻢ ﻗﻠﺖ ﺑﻌﺪ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ" :ﻣﺪھﺶ أﻧﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺤﺪث ،ﺗﻔﺠّﺮ ﻓﻲّ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻮع ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ ..ﺳﺄﻛﺘﺐ ﯾﻮﻣﺎً ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة..". اﻛﺘﺒﯿﮭﺎ إذن ذات ﯾﻮم ..ﺻﺤﯿﺢ أﻧﮭﺎ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﺮواﯾﺔ!
ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﻤﺮة ﻣﻠﺠﺌﻲ اﻟﻮﺣﯿﺪ ،ﻷﻧﺴﻰ ﺧﯿﺒﺘﻲ ﻣﻌﻚ. ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺆﺛﺜﮭﺎ ﺳﺮﯾﺮ ﻓﺎرغ ،وﻧﺎﻓﺬة ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺂذن واﻟﺠﺴﻮر، وﻃﺎوﻟﺔ ﻓﺎرﻏﺔ ﻣﻦ ﻟﻮازم اﻟﺮﺳﻢ ،ﻟﻢ أﺟﺪ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻃﻮق ﻧﺠﺎة ﺳﻮى ﺑﻀﻊ أوراق وأﻗﻼم ﻓﻘﻂ ،وزﺟﺎﺟﺔ وﯾﺴﻜﻲ أﺣﻀﺮﺗﮭﺎ ﻟﺤﺴﺎن ﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﻮب ،وﻣﺎزاﻟﺖ ﻓﻲ ﺣﻘﯿﺒﺘﻲ ﺗﻨﺘﻈﺮ .ﻓﺄﺣﻀﺮﺗﮭﺎ ورﺣﺖ أﺷﺮب ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ﻧﺨﺐ زﯾﺎد وﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ..وﻧﺨﺐ
ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ. ﺗﺬﻛّﺮت ﻣﺴﺮﺣﯿﺔ أﻋﺠﺒﺖ ﺑﮭﺎ ﯾﻮﻣﺎً .ﻓﻜﺘﺒﺖ أﻋﻠﻰ اﻟﺼﻔﺤﺔ ،دون ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ "ﻛﺄﺳﻚ ﯾﺎ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ". وﺿﺤﻜﺖ ﻟﮭﺬا اﻟﺪور اﻟﺬي ﻛﺎن ﺟﺎھﺰاً ﻟﻲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﻊ ﻋﻨﻚ اﻟﺨﻤﺮة، وﺗﻮﻓﺮ ﻟﻚ ﻛﻞ أﺳﺒﺎب ﺷﺮﺑﮭﺎ. ﻟﻢ أﻛﻦ أدري وﻗﺘﮭﺎ ،أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺧﻂّ ﺧﻼﺻﺔ ﺧﯿﺒﺘﻲ ﻛﻠﻤﺘﯿﻦ ﻗﺪ ﺗﺼﻠﺤﺎن ﻋﻨﻮاﻧﺎً ﻟﮭﺬا اﻟﻜﺘﺎب ،اﻟﺬي رﺑﻤﺎ وﻟﺪت ﻓﻜﺮﺗﮫ ﯾﻮﻣﮭﺎ. ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻲ رﻏﺒﺔ ﻟﺘﺤﺪﯾﻚ وﺗﺤﺪّي ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ..وھﺬا اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻜﺎذب. رﻓﻌﺖ ﻛﺄﺳﻲ اﻟﻤﻶى ﺑﻚ ..ﻧﺨﺐ ذاﻛﺮﺗﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺮف ﻣﺜﻠﮫ اﻟﻨﺴﯿﺎن .ﻧﺨﺐ ﻋﯿﻨﯿﻚ اﻟﻠﺘﯿﻦ ﺧﻠﻘﺘﺎ ﻟﺘﻜﺬﺑﺎ. ﻧﺨﺐ ﻓﺮح اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺠﺎھﺰ ﻟﻠﺒﻜﺎء ..ﻧﺨﺐ ﺑﻜﺎﺋﻲ اﻟﻌﺎﺟﺰ ﻋﻦ اﻟﺪﻣﻮع. أﻧﺖ اﻟﺘﻲ ﺻﺎﻟﺤﺘﻨﻲ ﻣﻊ اﷲ ،وأﻋﺪﺗﻨﻲ ﯾﻮﻣﺎً إﻟﻰ اﻟﻌﺒﺎدة .ھﺎ أﻧﺖ ﺗﺨﻮﻧﯿﻨﻨﻲ ﻟﯿﻠﺔ ﺟﻤﻌﺔ ..ﺗﺤﻠّﯿﻦ دﻣﻲ ،وﺗﻄﻠﻘﯿﻦ ﻋﻠﻲّ رﺻﺎص اﻟﻐﺪر.. ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ أﺳﻜﺮ اﻟﯿﻮم ..ﻣﻦ أﻛﺜﺮﻧﺎ ﻛﻔﺮاً ﯾﺎ ﺗﺮى! ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺨﻤﺮة ھﻮاﯾﺘﻲ .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﺮوب ﻓﺮﺣﻲ وﺣﺰﻧﻲ اﻟﺘﻄﺮف .وﻟﺬا ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﻚ وﺑﺘﻘﻠﺒﺎﺗﻚ اﻟﺠﻨﻮﻧﯿﺔ .ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ﺷﺮﺑﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﻛﻨﺖ أؤرخ ﻟﺤﺪثٍ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﺼﺘﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﺘﮭﻲ. وھﺎ أﻧﺎ أﻓﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﻚ زﺟﺎﺟﺘﻲ اﻷﺧﯿﺮة ..وأرﺗﻜﺐ ﺟﻨﻮﻧﻲ اﻷﺧﯿﺮ .ﻓﻼ أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻨﻲ ﻗﺪ أﺳﻜﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم .ﻷﻧﻨﻲ ﺳﺄﻏﺴﻞ ﯾﺪي ﻣﻨﻚ اﻟﯿﻮم ..وأﺷﯿّﻌﻚ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﻲ. وﺣﺪه أﻣﺮ ﻧﺎﺻﺮ ﯾﻌﻨﯿﻨﻲ اﻵن ،أﺧﯿﻚ اﻟﺬي ﯾﺼﻠﻲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻓﻲ أﺣﺪ ﻣﺴﺎﺟﺪ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ﻟﯿﻨﺴﻰ ﻣﺜﻠﻲ ،أﻧﮭﻢ ﺳﯿﺘﻨﺎوﺑﻮن ﻋﻠﻰ وﻟﯿﻤﺘﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ ..وأن ھﻨﺎك ﻣﻦ ﺳﯿﺘﻤﺘﻊ ﺑﻚ ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔٍ ﻣﻨﺎ.. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ..ﻛﻨﺖ أﺳﻜﺮ ﻧﺨﺒﮫ ..ﻻ ﻏﯿﺮ! إﯾﮫ ﻧﺎﺻﺮ.. أﻧﺎ ..وأﻧﺖ ..وھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ.
ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺗﻮاﻃﺄت ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻄﺮف واﻟﺠﻨﻮن .ﻣﺪﯾﻨﺔ "ﺳﺎدﯾﺔ" ﺗﺘﻠﺬذ ﺑﺘﻌﺬﯾﺐ أوﻻدھﺎ. ﺣﺒﻠﺖ ﺑﻨﺎ دون ﺟﮭﺪ .ووﺿﻌﺘﻨﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﻀﻊ ﺳﻠﺤﻔﺎة ﺑﺤﺮﯾﺔ أوﻻدھﺎ ﻋﻨﺪ ﺷﺎﻃﺊ وﺗﻤﻀﻲ دون اﻛﺘﺮاث ،ﻟﺘﺴﻠﻤﮭﻢ ﻟﺮﺣﻤﺔ اﻷﻣﻮاج واﻟﻄﯿﻮر اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ.. "إﻓﻜﺮوا ..وإﻻ اﷲ ﻻ ﯾﺠﻌﻠﻜﻢ ﺗﻔﻜﱢﺮوا "..ﯾﻘﻮل" اﻟﻔﻜﺮون" ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ وھﻮ ﯾﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ أوﻻده. وھﺎ ﻧﺤﻦ ﺑﻼ أﻓﻜﺎر ..ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻗﺪرﻧﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﺎﻧﺎت واﻟﻤﺴﺎﺟﺪ. ھﺎ ﻧﺤﻦ ﺳﻠﺤﻔﺎة ﺗﻨﺎم ﻋﻠﻰ ﻇﮭﺮھﺎ .ﻗﻠﺒﻮھﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﮭﺮب ،ﻗﻠﺒﻮھﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻧﻘﻼب ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻄﻖ.. ﻓﻜﻢ ﯾﺸﺒﮫ اﻟﻤﯿﻼد اﻟﻤﻮت ﻓﻲ اﻟﻤﺪن اﻟﻌﺮﯾﻘﺔ ،ﺣﯿﺚ ﻧﻮﻟﺪ وﻧﻤﻮت وﺳﻂ ﻣﺠﺮى اﻟﮭﻮاء واﻟﺮﯾﺎح اﻟﻤﻀﺎدة! وﻣﺎ أﻛﺒﺮ ﯾﺘﻢ اﻟﺴﻼﺣﻒ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ! ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎء ﺣﺴﺎن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وﻓﺎﺟﺄﻧﻲ ﺟﺎﻟﺴﺎً أﻛﺘﺐ أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺎوﻟﺔ وأﻣﺎﻣﻲ زﺟﺎﺟﺔ وﯾﺴﻜﻲ ﻧﺼﻒ ﻓﺎرﻏﺔ ،ﻛﺎد ﯾﺸﮭﻖ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺐ .وﻇﻞ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻲ ﻣﺪھﻮﺷﺎً وﻛﺄﻧﻨﻲ ﺑﻔﺘﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﺟﺎﺟﺔ أﺧﺮﺟﺖ ﻟﮫ ﻣﺎرداً ،أو ﺟﻨّﺎً أﻃﻠﻘﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ. ﺣﺎوﻟﺖ أن أﻣﺎزﺣﮫ ﻓﺴﺄﻟﺘﮫ ﺑﺴﺨﺮﯾﺔ: ﻟﻤﺎذا ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻲّ ھﻜﺬا ..أﻟﻢ ﺗﺮَ زﺟﺎﺟﺔ ﻛﮭﺬه ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم؟وﻟﻜﻨﮫ دون أي رﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺰاح أﺧﺬ اﻟﺰﺟﺎﺟﺔ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻲ ،وذھﺐ ﺑﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﻄﺒﺦ، وھﻮ ﯾﺴﺐّ وﯾﺘﺤﺪث ﻟﻨﻔﺴﮫ ﻛﻼﻣﺎً ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺼﻠﻨﻲ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد ﻗﺎل ﻟﻲ ﺑﻨﺒﺮة ﻓﯿﮭﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﯿﺄس وﺑﻘﺎﯾﺎ ﻣﻦ ﻣﺘﺎﻋﺐ ﻧﺎﺻﺮ: ﯾﺎ أﺧﻲ واش ﺑﯿﻜﻢ ..اﻟﺒﻼد ﻣﺘّﺨﺬة وأﻧﺘﻤﺎ واﺣﺪ ﻻﺗﻲ ﯾﺼﻠﻲ ..وواﺣﺪ ﻻﺗﻲ ﯾﺴﻜﺮ..ﻛﯿﻔﺎش ﻧﻌﻤﻞ ﻣﻌﺎﻛﻢ؟ ﺗﻮﻗﻒ ﺳﻤﻌﻲ ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ اﻟﺬي ﻟﻢ أﺳﻤﻌﮫ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات "اﻟﺒﻼد ﻣﺘّﺨﺬة" واﻟﺬي ﯾﻌﻨﻲ أن اﻟﺒﻼد ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻗﺎﻋﺪة ..أو ﺗﺸﮭﺪ ﺣﺪﺛﺎً اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺎً ،واﻟﺬي ھﻮ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﺗﻌﺒﯿﺮ ﺟﻨﺴﻲ ﻣﺤﺾ.
اﺑﺘﺴﻤﺖ وأن أﻛﺘﺸﻒ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻗﺪرة ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻋﻠﻰ زجّ اﻟﺼﻮر اﻟﺠﻨﺴﯿﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء .وذﻟﻚ ﺑﺒﺮاءة ﻣﺪھﺸﺔ.. رﻓﻌﺖ ﻋﯿﻨﻲ ﻧﺤﻮه وﻗﻠﺖ ﻟﮫ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ اﻟﻤﺮة: ھﺬه ھﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﯾﺎ ﺣﺴﺎن ..اﻟﺒﻌﺾ ﯾﺼﻠّﻲ ..واﻟﺒﻌﺾ ﯾﺴﻜﺮ ..واﻵﺧﺮون أﺛﻨﺎءذﻟﻚ "ﯾﺎﺧﺬوا ﻓﻲ اﻟﺒﻼد!".. وﻟﻜﻦ ﺣﺴﺎن ﻟﻢ ﯾﺒﺪُ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﺘﻤﺎدي ﻣﻌﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺎش. رﺑﻤﺎ ﻷﻧﮫ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻗﻀﺎه ﻓﻲ إﻗﻨﺎع ﻧﺎﺻﺮ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ .ﻓﻘﺎل وھﻮ ﯾﻘﺎﻃﻌﻨﻲ: ﺳﺄذھﺐ ﻷﺣﻀﺮ ﻟﻚ اﻟﻘﮭﻮة ،ﺣﺘﻰ ﺗﻔﯿﻖ وﺗﻄﯿﺮ ﻋﻨﻚ ھﺬه اﻟﺴﻜﺮة ..ﺛﻢ ﻧﺘﺤﺪث .إناﻟﻨﺎس ﯾﻨﺘﻈﺮوﻧﻨﺎ ھﻨﺎك وﺑﻌﻀﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﺮَك ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات .ﯾﺠﺐ أﻻ ﺗﺬھﺐ إﻟﯿﮭﻢ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ! ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت ﺑﺎﻟﻘﮭﻮة ﺳﺄﻟﺘﮫ: ﻣﺎذا ﻓﻌﻠﺖ ﻣﻊ ﻧﺎﺻﺮ؟ﻗﺎل: ﻟﻘﺪ وﻋﺪﻧﻲ أﻧﮫ ﺳﯿﻤﺮ ھﻨﺎك وﻗﺖ اﻟﻌﺸﺎء إرﺿﺎءً ﻟﺨﺎﻃﺮي ﻓﻘﻂ ،وﻟﻜﻨﮫ ﻟﻦ ﯾﻤﻜﺚﻃﻮﯾﻼً .وﺑﺮﻏﻢ ذﻟﻚ أﺷﻚ ﻓﻲ أن ﯾﺤﻀﺮ ﻓﻌﻼً .ﻻ أﻓﮭﻢ ﻋﻨﺎده ھﺬا ..إﻧﮫ ﻻ ﯾﻤﻠﻚ ﺳﻮى أﺧﺖ واﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ..وﻻ ﯾﻤﻜﻦ أﻻ ﯾﻘﻒ ﻓﻲ ﻋﺮﺳﮭﺎ أﻣﺎم اﻟﻨﺎس. ﺟﻨﻮن! ﻛﻨﺖ أﺣﺘﺴﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﮭﻮة ﺣﺘﻰ ﯾﻄﯿﺮ ﺳﻜﺮي ،ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺒﯿﺮ ﺣﺴﺎن .وﻟﻜﻦ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ أﻧﻨﻲ أزداد ﺳﻜﺮاً أو ﺟﻨﻮﻧﺎً ،وأﻧﺎ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﯿﮫ. ﻛﺘﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺄﻟﺘﮫ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻧﺎﺻﺮ ﻟﮭﺬا اﻟﻌﺮس ،وإذا ﺑﺎﻟﺤﺪﯾﺚ ﯾﺠﺮّﻧﺎ إﻟﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻮع. ﻗﺎل:
إﻧﮫ ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻣﻊ ﻋﻤﮫ .ﻓﮭﻮ ﯾﻌﺘﻘﺪ أﻧﮫ اﺳﺘﻔﺎد ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﺳﻢ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ،وأﻧﮫﻗﻠّﻤﺎ اھﺘﻢ ﺑﻤﺼﯿﺮ زوﺟﺔ أﺧﯿﮫ وأوﻻده .وھﺬا اﻟﻌﺮس ﻻ ھﺪف ﻟﮫ ﻏﯿﺮ أﺳﺒﺎب وﺻﻮﻟﯿّﺔ وﻣﻄﺎﻣﻊ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﻣﺤﺾ ..ﻓﮭﻮ ﺿﺪ اﺧﺘﯿﺎر ﻋﻤﮫ ﻟﮭﺬا اﻟﻌﺮﯾﺲ اﻟﺴﯿﺊ اﻟﺼﯿﺖ ﺳﯿﺎﺳﯿﺎً وأﺧﻼﻗﯿﺎً .ﻓﺎﻟﺠﻤﯿﻊ ﯾﺘﺤﺪّث ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻮﻻت اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻘﺎﺿﺎھﺎ ﻓﻲ ﺻﻔﻘﺎﺗﮫ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ..وﻋﻦ ﺣﺴﺎﺑﺎﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج ..وﻋﻦ ﻋﺸﯿﻘﺎﺗﮫ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺎت ..واﻷﺟﻨﺒﯿﺎت. إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻛﻮن ھﺬا اﻟﺰواج زواﺟﮫ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وأن ﻟﮫ أوﻻداً ﯾﻘﺎرب ﻋﻤﺮھﻢ ﻋﻤﺮ ﻋﺮوﺳﮫ اﻟﺠﺪﯾﺪة.. ﺳﺄﻟﺘﮫ: وھﻞ ﺗﺠﺪ أﻧﺖ ھﺬا اﻟﺰواج ﻃﺒﯿﻌﯿﺎً؟ﻗﺎل: ﻻ أدري ﺑﺄي ﻣﻨﻄﻖ ﺗﺮﯾﺪ أن أﺣﻜﻢ ﻋﻠﯿﮫ .ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أﻧﮫ ﺑﻤﻨﻄﻖ اﻷﺷﯿﺎء ﻋﻨﺪﻧﺎزواج ﻃﺒﯿﻌﻲ .إﻧﮫ ﻟﯿﺲ أول زواج ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻨﻮع ،وﻟﻦ ﯾﻜﻮن اﻷﺧﯿﺮ ..إن ﻟﻤﻌﻈﻢ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻤﮭﻤّﯿﻦ ھﻨﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺸﯿﻘﺔ .وﻛﻠﮭﻢ ﺗﺨﻠّﻮا ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى ﻋﻦ زوﺟﺎﺗﮭﻢ وأوﻻدھﻢ ،ﻟﯿﺘﺰوﺟﻮا ﻣﻦ ﻋﺮوس ﺟﺪﯾﺪة أﺻﻐﺮ ﻋﻤﺮاً وأﻛﺜﺮ ﺟﻤﺎﻻً وﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﻦ اﻷوﻟﻰ ..إﻧﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﻤﻨﻊ رﺟﻼً ﻋﻨﺪﻧﺎ زادوا ﻟﮫ ﻧﺠﻤﺔ ﻋﻠﻰ أﻛﺘﺎﻓﮫ ،ﻣﻦ أن ﯾﺰﯾﺪ اﻣﺮأة ﻓﻲ ﺑﯿﺘﮫ ،أو ﺗﻤﻨﻊ رﺟﻼً ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺼﺐ ﺟﺪﯾﺪ ﻟﻢ ﯾﺤﻠﻢ ﺑﮫ ،ﻣﻦ أن ﯾﺒﺪأ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻓﺘﺎة أﺣﻼﻣﮫ. وأﺿﺎف: أﻧﺎ ﺣﺎوﻟﺖ ﻓﻘﻂ أن أﻗﻨﻊ ﻧﺎﺻﺮ أن ﻋﻤﮫ ﻟﻢ ﯾﻘﺼﺪ ﺑﺎﻟﻀﺮورة اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞأﺧﺘﮫ ﺑﮭﺬا اﻟﺰواج .ﺑﻞ إن أي ﺷﺨﺺ ﺳﻮاه ﻛﺎن ﺳﯿﺮﺣّﺐ ﺑﮭﺬه اﻟﻤﺼﺎھﺮة ..وﯾﺴﻌﻰ إﻟﯿﮭﺎ ﻻھﺜﺎً ..إﻧﮭﺎ اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻟﯿﺤﻞ ﻣﺸﻜﻼﺗﮫ وﻣﺸﻜﻼت اﺑﻨﺘﮫ ﻣﺮة واﺣﺪة، وﯾﻮﻓﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺎﻋﺐ.. ﺳﺄﻟﺘﮫ: ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻚ ﺑﻨﺖ وﺧﻄﺒﮭﺎ ﻣﻨﻚ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ ،أﻛﻨﺖ زوّﺟﺘﮫ ﻣﻨﮭﺎ؟ﻗﺎل: ﻃﺒﻌﺎً ..وﻟﻢ ﻻ؟ إن اﻟﺰواج ﺣﻼل ..اﻟﺤﺮام ھﻮ ﻣﺎ ﯾﻤﺎرﺳﮫ ﺑﻌﻀﮭﻢ ﺑﻄﺮقٍ ﻋﺼﺮﯾﺔ.ﻛﺄن ﯾﺮﺳﻞ أﺣﺪھﻢ اﺑﻨﺘﮫ أو زوﺟﺘﮫ ..أو أﺧﺘﮫ ﻟﺘﺤﻀﺮ ﻟﮫ ورﻗﺔ ﻣﻦ إدارة ،أو ﺗﻄﻠﺐ
ﺷﻘّﺔ أو رﺧﺼﺔ ﻟﻤﺤﻞ ﺗﺠﺎري ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﮫ ،وھﻮ ﯾﻌﻠﻢ أن ﻻ أﺣﺪ ھﻨﺎ ﯾﻌﻄﯿﻚ ﺷﯿﺌﺎً ﺑﻼ ﻣﻘﺎﺑﻞ .ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻖ اﻟﺒﺴﻄﺎء ﺑﺄﻧﻔﺴﮭﻢ ﻋﻤﻠﺔ أﺧﺮى ﻟﻠﺘﺪاول وﯾﻘﻀﻮن ﺑﮭﺎ ﺣﺎﺟﺎﺗﮭﻢ.. ھﺎت اﻣﺮأة ..وﺧﺬ ﻣﺎ ﺗﺸﺎء! ﺗﻤﺘﻤﺖ ﺑﺬھﻮل: أﺣﻖ ﻣﺎ ﺗﻘﻮل؟أﺟﺎب: إﻧﮫ ﻣﺎ ﯾﺤﺪث اﻵن ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺪﯾﻨﺔ ..وﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺑﺎﻟﺬات ..ﺣﯿﺚ ﯾﻤﻜﻦ ﻷيﻓﺘﺎة ﺗﻤﺮّ ﺑﻤﻜﺘﺐ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺰب أن ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﻘﺔ أو ﺧﺪﻣﺔ أﺧﺮى ..واﻟﺠﻤﯿﻊ ﯾﻌﺮف اﻟﻌﻨﻮان ﻃﺒﻌﺎً ،وﯾﻌﺮف اﺳﻢ ﻣﻦ ﯾﻮزّع اﻟﺸﻘﻖ واﻟﺨﺪﻣﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺸﻌﺎرات ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎوي ..ﯾﻜﻔﻲ أن ﺗﺮى ﻣﻨﻈﺮ اﻟﻔﺘﯿﺎت اﻟﻼﺗﻲ ﯾﺪﺧﻠﻦ ھﻨﺎك ﻟﺘﻔﮭﻢ ﻛﻞ ﺷﻲء.. ﺳﺄﻟﺘﮫ: وﻣﻦ أدراك ﺑﮭﺎ؟ﻗﺎل ﻣﺘﺬﻣﺮاً: ﻣﻦ؟ ﻟﻘﺪ ﺳﻤﻌﺘﮫ ﺑﺄذﻧﻲ وﺷﺎھﺪﺗﮫ ﺑﻌﯿﻨﻲ ﯾﻮم ذھﺒﺖ ھﻨﺎك ﻣﻨﺬ ﺑﻀﻌﺔ أﺷﮭﺮ ﻷﻗﺎﺑﻞﺻﺪﯾﻘﺎً ﻣﻮﻇّﻔﺎً ﻓﻲ اﻟﺤﺰب ..ﻋﺴﺎه ﯾﺴﺎﻋﺪﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﺳﻠﻚ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ .ﺗﺼﻮر.. ﺣﺘﻰ اﻟﺒﻮاب ﻟﻢ ﯾﻜﻠﻒ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﺸﻘﺔ اﻟﺤﺪﯾﺚ إﻟﻲّ ..وﻋﺒﺜﺎً رﺣﺖ أﺷﺮح ﻟﮫ أﻧﻨﻲ ﻗﺎدم ﻣﻦ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻟﮭﺬا اﻟﻐﺮض .وﺣﺪھﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻛﻦ ﺟﺪﯾﺮات ﺑﺎﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ھﻨﺎك ..وﻋﻨﺪﻣﺎ أﺑﺪﯾﺖ ﺗﺬﻣّﺮي "ﻟﻸخ اﻟﻔﺮّاش" أﺟﺎﺑﻨﻲ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻌﺼﺒﯿﺔ ،و"اﻟﺘﺸﻨﺎف" أن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺰاﺋﺮات ﻣﻮﻇﻔﺎت ﻓﻲ اﻻﺗﺤﺎدات اﻟﺤﺰﺑﯿﺔ ..أو ﻣﻨﺎﺿﻼت .وﻛﺪت أﺳﺄﻟﮫ وأﻧﺎ أرى إﺣﺪاھﻦ ﺗﻤﺮ أﻣﺎﻣﻲ "ﺑﺄي "ﻋﻀﻮ" ﻧﺎﺿﻠﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﺪﯾﺪ..؟" وﻟﻜﻨﻨﻲ ﺳﻜﺖّ. إﯾﮫ ..ﯾﺎ وﻟﺪي روح ..ﻛﻞ ﺷﻲ أﺻﺒﺢ ﯾﻤﺮ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء اﻟﯿﻮم .ﺑﺎﻟﺴﮭﺮات ..اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ اﻟﺨﺎﺻﺔ .وﻟﺬا ﻟﻮ ﻛﻨﺖ أﻣﻠﻚ اﻟﺨﯿﺎر ﻟﺰوّﺟﺖ اﺑﻨﺘﻲ ﻣﻦ واﺣﺪ ﯾﻤﻜﻨﮫ ﺑﮭﺎﺗﻒ أن ﯾﺄﺗﯿﮭﺎ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء .ﻋﻠﻰ أن أﻋﻄﯿﮭﺎ ﻟﻮاﺣﺪ ﻣﺜﻠﻲ ﯾﻌﯿﺶ ﻣﻌﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺆس ﻛﻤﺎ أﻋﯿﺶ أﻧﺎ ..أو ﯾﺪﺧﻞ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﻘﺬرة ..وﯾﺒﻌﺜﮭﺎ ﺗﺪقّ ﻋﻠﻰ ﻣﺌﺔ ﺑﺎب؟ رﺑﻤﺎ ﻻﺣﻆ وﻗﺘﮭﺎ آﺛﺎر اﻟﺼﺪﻣﺔ اﻟﻤﺪھﺸﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﻣﺤﻲ ..وﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮارة اﻟﺘﻲ أﺳﻜﺘﺘﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﮭﻮل ،ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺿﺎف وﻛﺄﻧﮫ ﯾﺴﺘﺪرك ﻟﯿﺨﻔﻒ ﻣﻦ ﺧﯿﺒﺘﻲ:
ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل ..ﻟﻦ ﯾﺤﺪث ھﺬا .ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻋﺮﺿﺖ اﺑﻨﺘﻲ ﻋﻠﻰ )ﺳﻲ (....ﻓﻤﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪأﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﻘﺒﻞ ﺑﮭﺎ .إﻧﮭﻢ ﻻ ﯾﺘﺰوﺟﻮن إﻻ ﻣﻦ ﺑﻌﻀﮭﻢ .ﻓﻔﻼن ﻻ ﯾﺮﯾﺪ إﻻ ﺑﻨﺖ ﻓﻼن، ﺣﺘﻰ "ﯾﺒﻘﻰ زﯾﺘﻨﺎ ﻓﻲ دﻗﯿﻘﻨﺎ "!.وﯾﻀﻤﻨﻮا ﻷﻧﻔﺴﮭﻢ اﻟﺘﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﻛﺮﺳﻲ ﺳﻠﻄﺔ إﻟﻰ آﺧﺮ ،ﻓﻜﯿﻒ ﺗﺮﯾﺪ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺠﻮ أن ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ﺷﺎبﱞ ﺑﺴﯿﻂ أن ﯾﺒﻨﻲ ﺣﯿﺎﺗﮫ؟ ﻛﻞ اﻟﺒﻨﺎت ﯾﺒﺤﺜﻦ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ واﻟﻤﺪﯾﺮﯾﻦ واﻟﺮﺟﺎل اﻟﺠﺎھﺰﯾﻦ ..وھﺆﻻء ﯾﻌﺮﻓﻮن ذﻟﻚ ﻓﯿﺰﯾﺪون ﻣﻦ ﺷﺮوﻃﮭﻢ ﻛﻞ ﻣﺮة ..ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻋﺪد اﻟﻌﻮاﻧﺲ ﯾﺰﯾﺪ ﻛﻞ ﯾﻮم ..إﻧﮫ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻌﺮض واﻟﻄﻠﺐ. إذا رأﯾﺖ اﻷﻣﻮر ﺑﮭﺬه اﻟﻌﯿﻦ ،ﻓﺈﻧﻚ ﺣﺘﻤﺎً ﺗﻌﺬر ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ .اﻟﻤﮭﻢ أن ﯾﺴﺘﺮ ﺑﻨﺖ أﺧﯿﮫ ،وﯾﻀﻤﻦ ﻟﮭﺎ وﻟﻨﻔﺴﮫ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼً ﺳﻌﯿﺪاً ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎن. أﻣﺎ ﻛﻮن اﻟﻌﺮﯾﺲ ﺳﺎرﻗﺎً وﻧﺎھﺒﺎً ﻷﻣﻼك اﻟﺪوﻟﺔ ..ﻓﻤﺎذا ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﻔﻌﻞ؟ ﻛﻠﮭﻢ ﺳﺮّاق وﻣﺤﺘﺎﻟﻮن .ھﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ اﻧﻔﻀﺤﺖ أﻣﻮره ،وھﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ ﻋﺮف ﻛﯿﻒ ﯾﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻣﻈﮭﺮ ﻣﺤﺘﺮم ..ﻓﻘﻂ! أﺻﺒﺖ ﺑﺬھﻮل وأﻧﺎ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﯿﮫ. ﻛﺪت أﻗﻮل ﻟﮫ إﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ .ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ أﯾﻀﺎً ﻋﻠﻰ ﺣﻖّ ..ﻻ أدري. وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ھﻨﺎك ﺷﻲء ﻣﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺰواج ،ﯾﺮﻓﺾ أن ﯾﺪﺧﻞ ﻋﻘﻠﻲ وأﻗﺘﻨﻊ ﺑﮫ.
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس ﻟﻌﺮﺳﻚ ﻟﺒﺴﺖ ﺑﺪﻟﺘﻲ اﻟﺴﻮداء. ﻣﺪھﺶ ھﺬا اﻟﻠﻮن .ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻠﺒﺲ ﻟﻸﻓﺮاح ..وﻟﻠﻤﺂﺗﻢ! ﻟﻤﺎذا اﺧﺘﺮت اﻟﻠﻮن اﻷﺳﻮد؟ رﺑﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﯾﻮم أﺣﺒﺒﺘﻚ أﺻﺒﺤﺖ ﺻﻮﻓﯿﺎً ،وأﺻﺒﺤﺖِ أﻧﺖِ ﻣﺬھﺒﻲ وﻃﺮﯾﻘﺘﻲ .ورﺑﻤﺎ ﻷﻧﮫ ﻟﻮن ﺻﻤﺘﻲ. ﻟﻜﻞ ﻟﻮن ﻟﻐﺘﮫ .ﻗﺮأت ﯾﻮﻣﺎ أن اﻷﺳﻮد ﺻﺪﻣﺔ ﻟﻠﺼﺒﺮ. ﻗﺮأت أﯾﻀﺎً أﻧﮫ ﻟﻮن ﯾﺤﻤﻞ ﻧﻘﯿﻀﮫ .ﺛﻢ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﺮة ﻣﺼﻤﻢ أزﯾﺎء ﺷﮭﯿﺮاً ،ﯾﺠﯿﺐ ﻋﻦ ﺳﺮ ﻟﺒﺴﮫ اﻟﺪاﺋﻢ ﻟﻸﺳﻮد ﻗﺎل : "إﻧﮫ ﻟﻮن ﯾﻀﻊ ﺣﺎﺟﺰاً ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ اﻵﺧﺮﯾﻦ".
وﯾﻤﻜﻦ أن أﻗﻮل ﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﻠﻮن .وﻟﻜﻨﻲ ﺳﺄﻛﺘﻔﻲ ﺑﻘﻮل ﻣﺼﻤﻢ اﻷزﯾﺎء ھﺬا. ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم أرﯾﺪ أن أﺿﻊ ﺣﺎﺟﺰاً ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ ﻛﻞ اﻟﺬﯾﻦ ﺳﺄﻟﺘﻘﻲ ﺑﮭﻢ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻟﺬﺑﺎب اﻟﺬي ﺟﺎء ﻟﯿﺤﻂ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة ﻓﺮﺣﻚ. ورﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﺿﻊ ﺣﺎﺟﺰاً ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﻚ أﯾﻀﺎً. ﻟﺒﺴﺖ ﻃﻘﻤﻲ اﻷﺳﻮد ،ﻷواﺟﮫ ﺑﺼﻤﺖ ﺛﻮﺑﻚ اﻷﺑﯿﺾ ،اﻟﻤﺮﺷﻮش ﺑﺎﻟﻶﻟﺊ واﻟﺰھﻮر، واﻟﺬي ﯾﻘﺎل إﻧﮫ أﻋﺪّ ﻟﻚ ﺧﺼﯿﺼﺎً ﻓﻲ دار أزﯾﺎء ﻓﺮﻧﺴﯿﺔ.. ھﻞ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﺮﺳﺎم أن ﯾﺨﺘﺎر ﻟﻮﻧﮫ ﺑﺤﯿﺎد؟ وﻛﻨﺖ أﻧﯿﻘﺎً .ﻓﻠﻠﺤﺰن أﻧﺎﻗﺘﮫ أﯾﻀﺎً .أﻛّﺪت ﻟﻲ اﻟﻤﺮآة ذﻟﻚ .وﻧﻈﺮة ﺣﺴﺎن ،اﻟﺬي اﺳﺘﻌﺎد ﻓﺠﺄة ﺛﻘﺘﮫ ﺑﻲ ،وﻗﺎل ﺑﻠﮭﺠﺔ ﺟﺰاﺋﺮﯾﺔ أﺣﺒﮭﺎ ،وھﻮ ﯾﺘﺄﻣﻠﻨﻲ" :ھﻜﺬا ﻧﺤﺒﻚ آ ﺧﺎﻟﺪ .. إھﻠﻜﮭﻢ..!". ﻧﻈﺮت إﻟﯿﮫ ..ﻛﺪت أﻗﻮل ﻟﮫ ﺷﯿﺎً ..وﻟﻜﻨﻲ ﺻﻤﺖّ. ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺎب اﻟﻤﺸﺮع ﻟﻠﺴﯿﺎرات ،وأﻓﻮاج اﻟﻘﺎدﻣﯿﻦ ،اﺳﺘﻘﺒﻠﻨﻲ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﺑﺎﻷﺣﻀﺎن.. أھﻼً ﺳﻲ ﺧﺎﻟﺪ ..أھﻼً ..زارﺗﻨﺎ اﻟﺒﺮﻛﺔ ..ﯾﻌﻄﯿﻚ اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻠﻲ ﺟﯿﺖ ..راك ﻓﺮﺣﺘﻨﻲاﻟﯿﻮم. اﺧﺘﺼﺮت ذﻟﻚ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻌﺠﯿﺐ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺔ .ﻗﻠﺖ: ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﺒﺮوك..وﺿﻌﺖ ﻗﻨﺎع اﻟﻔﺮح ﻋﻠﻰ وﺟﮭﻲ .وﺣﺎوﻟﺖ أن أﺣﺘﻔﻆ ﺑﮫ ﻃﻮال ﺗﻠﻚ اﻟﺴﮭﺮة. ﯾﻤﺘﻠﺊ اﻟﺒﯿﺖ زﻏﺎرﯾﺪ .وﯾﻤﺘﻠﺊ ﺻﺪري ﺑﺪﺧﺎن اﻟﺴﺠﺎﺋﺮ اﻟﺘﻲ أﺣﺮﻗﮭﺎ وﺗﺤﺮﻗﻨﻲ .ﯾﻤﺘﻠﺊ ﻗﻠﺒﻲ ﺣﺰﻧﺎً .وﯾﺘﻌﻠﻢ وﺟﮭﻲ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺎت اﻟﻜﺎذﺑﺔ .ﻓﺄﺿﺤﻚ ﻣﻊ اﻵﺧﺮﯾﻦ .أﺟﺎﻟﺲ ﻣﻦ أﻋﺮف وﻣﻦ ﻻ أﻋﺮف .أﺗﺤﺪث ﻓﻲ اﻟﺬي أدري واﻟﺬي ﻻ أدري .ﺣﺘﻰ ﻻ أﺧﻠﻮ ﺑﻚ ﻟﺤﻈﺔ واﺣﺪة ..ﺣﺘﻰ ﻻ أﻓﺎﺟﺌﻚ داﺧﻠﻲ ..ﻓﺄﻧﮭﺎر. أﺳﻠّﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮﯾﺲ اﻟﺬي ﯾﻘﺒّﻠﻨﻲ ﺑﺸﻮق ﺻﺪﯾﻖ ﻗﺪﯾﻢ ﻟﻢ ﯾﻠﺘﻖ ﺑﮫ ﻣﻨﺬ ﻣﺪة: -ھﺎك ﺟﯿﺖ ﻟﻠﺠﺰاﺋﺮ آ ﺳﯿﺪي ..ﻛﺎن ﻣﻮش ھﺎذا اﻟﻌﺮس ..ﻣﺎ ﻛﻨﺎش ﺷﻔﻨﺎك!
أﺣﺎول أن أﻧﺴﻰ أﻧﻨﻲ أﺗﺤﺪث ﻟﺰوﺟﻚ ،ﻟﺮﺟﻞ ﯾﺘﺤﺪث إﻟﻲّ ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ،وھﻮ ﯾﻔﻜﺮ رﺑﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﯿﻨﻔﺮد ﻓﯿﮭﺎ ﺑﻚ ﻓﻲ آﺧﺮ اﻟﻠﯿﻞ.. أﺗﺄﻣﻞ ﺳﯿﺠﺎره اﻟﺬي اﺧﺘﺎره أﻃﻮل ﻟﻠﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ..ﺑﺪﻟﺘﮫ اﻟﺰرﻗﺎء اﻟﺤﺮﯾﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻠﺒﺴﮭﺎ _أو ﺗﻠﺒﺴﮫ_ ﺑﺄﻧﺎﻗﺔ ﻣﻦ ﺗﻌﻮّد ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﯾﺮ .أﺣﺎول أﻻ أﺗﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﺟﺴﺪه .أﺣﺎول أﻻ أﺗﺬﻛﺮ .أﺗﻠﮭّﻰ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ وﺟﻮه اﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ. وﺗﻄﻠّﯿﻦ.. ﺗﺪﺧﻠﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﻮﻛﺐ ﻧﺴﺎﺋﻲ ،ﯾﺤﺘﺮف اﻟﺒﮭﺠﺔ واﻟﻔﺮح ،ﻛﻤﺎ أﺣﺘﺮف أﻧﺎ اﻟﺮﺳﻢ واﻟﺤﺰن. أراك ﻷول ﻣﺮة ،ﺑﻌﺪ ﻛﻞ أﺷﮭﺮ اﻟﻐﯿﺒﺔ ﺗﻠﻚ ،ﺗﻤﺮﯾﻦ ﻗﺮﯾﺒﺔ وﺑﻌﯿﺪة ،ﻛﻨﺠﻤﺔ ھﺎرﺑﺔ. ﺗﺴﯿﺮﯾﻦ ..ﻣﺜﻘﻠﺔ اﻷﺛﻮاب واﻟﺨﻄﻰ ،وﺳﻂ اﻟﺰﻏﺎرﯾﺪ ودﻗّﺎت اﻟﺒﻨﺪﯾﺮ .وأﻏﻨﯿﺔ ﺗﺴﺘﻔﺰّ ذاﻛﺮﺗﻲ ،وﺗﻌﻮد ﺑﻲ ﻃﻔﻼً أرﻛﺾ ﻓﻲ ﺑﯿﻮت ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ .ﻓﻲ ﻣﻮاﻛﺐ ﻧﺴﺎﺋﯿﺔ أﺧﺮى ..ﺧﻠﻒ ﻋﺮوس أﺧﺮى ..ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف ﻋﻨﮭﺎ ﺷﯿﺌﺎً ﯾﻮﻣﺬاك. آه ﻛﻢ ﻛﻨﺖ أﺣﺐ ﺗﻠﻚ اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰفّ ﺑﮭﺎ اﻟﻌﺮاﺋﺲ ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄﺮﺑﻨﻲ دون أن أﻓﮭﻤﮭﺎ .وإذا ﺑﮭﺎ اﻟﯿﻮم ﺗﺒﻜﯿﻨﻲ! "ﺷﺮّﻋﻲ اﻟﺒﺎب ﯾﺎ أم اﻟﻌﺮوس "..ﯾﻘﺎل إن اﻟﻌﺮاﺋﺲ ﯾﺒﻜﯿﻦ داﺋﻤﺎً ﻋﻨﺪ ﺳﻤﺎع ھﺬه اﻷﻏﻨﯿﺔ. ﺗﺮاك ﺑﻜﯿﺖ ﯾﻮﻣﮭﺎ؟ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﯿﻨﺎك ﺑﻌﯿﺪﺗﯿﻦ ..ﯾﻔﺼﻠﻨﻲ ﻋﻨﮭﻤﺎ ﺿﺒﺎب دﻣﻌﻲ وﺣﺸﺪ اﻟﺤﻀﻮر .ﻓﻌﺪﻟﺖ ﻋﻦ اﻟﺴﺆال. اﻛﺘﻔﯿﺖ ﺑﺘﺄﻣّﻠﻚ ،ﻓﻲ دورك اﻷﺧﯿﺮ. ھﺎ أﻧﺖ ذي ﺗﺘﻘﺪّﻣﯿﻦ ﻛﺄﻣﯿﺮة أﺳﻄﻮرﯾﺔ ،ﻣﻐﺮﯾﺔ ﺷﮭﯿﺔ ،ﻣﺤﺎﻃﺔ ﺑﻨﻈﺮات اﻻﻧﺒﮭﺎر واﻹﻋﺠﺎب ..ﻣﺮﺗﺒﻜﺔ ..ﻣﺮﺑﻜﺔ ،ﺑﺴﯿﻄﺔ ..ﻣﻜﺎﺑﺮة. ھﺎ أﻧﺖ ذي ،ﯾﺸﺘﮭﯿﻚ ﻛﻞ رﺟﻞ ﻓﻲ ﺳﺮّه ﻛﺎﻟﻌﺎدة ..ﺗﺤﺴﺪك ﻛﻞ اﻟﻨﺴﺎء ﺣﻮﻟﻚ ﻛﺎﻟﻌﺎدة.. وھﺎ أﻧﺬا _ ﻛﺎﻟﻌﺎدة _أواﺻﻞ ذھﻮﻟﻲ أﻣﺎﻣﻚ. وھﺎ ھﻮذا "اﻟﻔﺮﻗﺎﻧﻲ" ..ﻛﺎﻟﻌﺎدة ..ﯾﻐﻨّﻲ ﻷﺻﺤﺎب اﻟﻨﺠﻮم واﻟﻜﺮاﺳﻲ اﻷﻣﺎﻣﯿﺔ.
ﯾﺼﺒﺢ ﺻﻮﺗﮫ أﺟﻤﻞ ،وﻛﻤﻨﺠﺘﮫ أﻗﻮى ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺰفّ اﻟﻮﺟﮭﺎء وأﺻﺤﺎب اﻟﻘﺮار واﻟﻨﺠﻮم اﻟﻜﺜﯿﺮة. ﺗﻌﻠﻮ أﺻﻮات اﻵﻻت اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﯿﺔ ..وﯾﺮﺗﻔﻊ ﻏﻨﺎء اﻟﺠﻮﻗﺔ ﻓﻲ ﺻﻮتٍ واﺣﺪ ﻟﺘﺮﺣﺐ ﺑﺎﻟﻌﺮﯾﺲ: "ﯾﺎ دﯾﻨﻲ ﻣﺎ أﺣﻼﻟﻲ ﻋِﺮﺳﻮ ..ﺑﺎﻟﻌﻮادة.. اﷲ ﻻ ﯾﻘﻄﻌﻠﻮ ﻋﺎدة.. واﻧﺨﺎف ﻋﻠﯿﮫ ..ﺧﻤﺴﺔ .واﻟﺨﻤﯿﺲ ﻋﻠﯿﮫ" ﺗﻌﻠﻮ اﻟﺰﻏﺎرﯾﺪ ..وﺗﺘﺴﺎﻗﻂ اﻷوراق اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ. ﻣﺎ أﻗﻮى اﻟﺤﻨﺎﺟﺮ اﻟﻤﺸﺘﺮاة .وﻣﺎ أﻛﺮم اﻷﯾﺪي اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻓﻊ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ! ھﺎ ھﻢ ھﻨﺎ.. ﻛﺎﻧﻮا ھﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﮭﻢ ..ﻛﺎﻟﻌﺎدة. أﺻﺤﺎب اﻟﺒﻄﻮن اﻟﻤﻨﺘﻔﺨﺔ ..واﻟﺴﺠﺎﺋﺮ اﻟﻜﻮﺑﯿﺔ ..واﻟﺒﺪﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺒﺲ ﻋﻠﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ وﺟﮫ. أﺻﺤﺎب ﻛﻞ ﻋﮭﺪ وﻛﻞ زﻣﻦ ..أﺻﺤﺎب اﻟﺤﻘﺎﺋﺐ اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﯿﺔ ،أﺻﺤﺎب اﻟﻤﮭﻤﺎت اﻟﻤﺸﺒﻮھﺔ ،أﺻﺤﺎب اﻟﺴﻌﺎدة وأﺻﺤﺎب اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ ،وأﺻﺤﺎب اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻤﺠﮭﻮل. ھﺎ ھﻢ ھﻨﺎ.. وزراء ﺳﺎﺑﻘﻮن ..وﻣﺸﺎرﯾﻊ وزراء .ﺳﺮّاق ﺳﺎﺑﻘﻮن ..وﻣﺸﺎرﯾﻊ ﺳﺮّاق .ﻣﺪﯾﺮون وﺻﻮﻟﯿﻮن ..ووﺻﻮﻟﯿﻮن ﯾﺒﺤﺜﻮن ﻋﻦ إدارة .ﻣﺨﺒﺮون ﺳﺎﺑﻘﻮن ..وﻋﺴﻜﺮ ﻣﺘﻨﻜّﺮون ﻓﻲ ﺛﯿﺎب وزارﯾﺔ. ھﺎ ھﻢ ھﻨﺎ.. أﺻﺤﺎب اﻟﻨﻈﺮﯾﺎت اﻟﺜﻮرﯾﺔ ،واﻟﻜﺴﺐ اﻟﺴﺮﯾﻊ .أﺻﺤﺎب اﻟﻌﻘﻮل اﻟﻔﺎرﻏﺔ ،واﻟﻔﯿﻼت اﻟﺸﺎھﻘﺔ ،واﻟﻤﺠﺎﻟﺲ اﻟﺘﻲ ﯾﺘﺤﺪث ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﻔﺮد ﺑﺼﯿﻐﺔ اﻟﺠﻤﻊ. ھﺎ ھﻢ ھﻨﺎ ..ﻣﺠﺘﻤﻌﻮن داﺋﻤﺎً ﻛﺄﺳﻤﺎك اﻟﻘﺮش .ﻣﻠﺘﻔﻮن داﺋﻤﺎً ﺣﻮل اﻟﻮﻻﺋﻢ اﻟﻤﺸﺒﻮھﺔ.. أﻋﺮﻓﮭﻢ وأﺗﺠﺎھﻞ ﻣﻌﻈﻤﮭﻢ "ﻣﺎ ﺗﻘﻮل أﻧﺎ ..ﺣﺘﻰ ﯾﻤﻮت ﻛﺒﺎر اﻟﺤﺎرة"!
أﻋﺮﻓﮭﻢ وأﺷﻔﻖ ﻋﻠﯿﮭﻢ. ﻣﺎ أﺗﻌﺴﮭﻢ ﻓﻲ ﻏﻨﺎھﻢ وﻓﻲ ﻓﻘﺮھﻢ .ﻓﻲ ﻋﻠﻤﮭﻢ وﻓﻲ ﺟﮭﻠﮭﻢ .ﻓﻲ ﺻﻌﻮدھﻢ اﻟﺴﺮﯾﻊ.. وﻓﻲ اﻧﺤﺪارھﻢ اﻟﻤﻔﺠﻊ! ﻣﺎ أﺗﻌﺴﮭﻢ ،ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﻟﻦ ﯾﻤﺪّ ﻓﯿﮫ أﺣﺪ ﯾﺪه ﺣﺘﻰ ﻟﻤﺼﺎﻓﺤﺘﮭﻢ. ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ذﻟﻚ ..ھﺬا اﻟﻌﺮس ﻋﺮﺳﮭﻢ .ﻓﻠﯿﺄﻛﻠﻮا وﻟﯿﻄﺮﺑﻮا .وﻟﯿﺮﺷﻘﻮا اﻟﻮراق اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ .وﻟﯿﺴﺘﻤﻌﻮا ﻟﻠﻔﺮﻗﺎﻧﻲ ﯾﺮدد ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺮس ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﻲ أﻏﻨﯿﺔ "ﺻﺎﻟﺢ ﺑﺎي". ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻣﺎزاﻟﺖ ﻣﻨﺬ ﻗﺮﻧﯿﻦ ﺗُﻐﻨّﻰ ﻟﻠﻌﺒﺮة ،ﻟﺘﺬﻛّﺮ أھﻞ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺑﻔﺠﯿﻌﺔ )ﺻﺎﻟﺢ ﺑﺎي( وﺧﺪﻋﺔ اﻟﺤﻜﻢ واﻟﺠﺎه اﻟﺬي ﻻ ﯾﺪوم ﻷﺣﺪ.. واﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﺗُﻐﻨّﻰ اﻟﯿﻮم ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻌﺎدة ﻟﻠﻄﺮب دون أن ﺗﺴﺘﻮﻗﻒ ﻛﻠﻤﺎﺗﮭﺎ أﺣﺪاً.. ﻛﺎﻧﻮا ﺳﻼﻃﯿﻦ ووزراء *** ﻣﺎﺗﻮا وﻗﺒﻠﻨﺎ ﻋﺰاھﻢْ ﻧﺎﻟﻮا ﻣﻦ اﻟﻤﺎل ﻛُﺜﺮةْ *** ﻻ ﻋﺰّھﻢ ..ﻻ ﻏﻨﺎھُﻢْ ﻗﺎﻟﻮا اﻟﻌﺮب ﻗﺎﻟﻮا *** ﻣﺎ ﻧﻌﻄﯿﻮْ ﺻﺎﻟﺢ وﻻ ﻣﺎﻟُﻮ".. أﺗﺬﻛﺮ وأﻧﺎ أﺳﺘﻤﻊ ﻟﮭﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ،أﻏﻨﯿﺔ ﻋﺼﺮﯾﺔ أﺧﺮى وﺻﻠﺘﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎﺗﮭﺎ ﻣﻦ ﻣﺬﯾﺎع ﺑﻤﻮﺳﯿﻘﻰ راﻗﺼﺔ ..ﺗﺘﻐﺰّل ﺑﺼﺎﻟﺢ آﺧﺮ "ﺻﺎﻟﺢ ..ﯾﺎ ﺻﺎﻟﺢ ..وﻋﯿﻨﯿﻚ ﻋﺠﺒﻮﻧﻲ..". إﯾﮫ ﯾﺎ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،ﻟﻜﻞ زﻣﻦ "ﺻﺎﻟﺤﮫ" ..وﻟﻜﻦ ﻟﯿﺲ ﻛﻞ "ﺻﺎﻟﺢ" ﺑﺎﯾﺎً ..وﻟﯿﺲ ﻛﻞ ﺣﺎﻛﻢ ﺻﺎﻟﺤﺎً! ھﺎ ھﻮذا اﻟﻮﻃﻦ اﻵﺧﺮ أﺧﯿﺮاً أﻣﺎﻣﻲ ..أھﺬا ھﻮ اﻟﻮﻃﻦ ﺣﻘﺎً؟ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺠﻠﺲ وﺟﮫ أﻋﺮف ﻋﻨﮫ اﻟﻜﺜﯿﺮ .ﻓﺄﺟﻠﺲ أﺗﺄﻣّﻠﮭﻢ ،وأﺳﺘﻤﻊ ﻟﮭﻢ ﯾﺸﻜﻮن وﯾﺘﺬﻣّﺮون. ﻻ أﺣﺪ ﺳﻌﯿﺪ ﻣﻨﮭﻢ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﯾﺒﺪو. اﻟﻤﺪھﺶ أﻧﮭﻢ ھﻢ داﺋﻤﺎً اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺒﺎدروﻧﻚ ﺑﺎﻟﺸﻜﻮى ،وﺑﻨﻘﺪ اﻷوﺿﺎع ..وﺷﺘﻢ اﻟﻮﻃﻦ. ﻋﺠﯿﺒﺔ ھﺬه اﻟﻈﺎھﺮة!
ﻛﺄﻧﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﺮﻛﻀﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎً ﺧﻠﻒ ﻣﻨﺎﺻﺒﮭﻢ زﺣﻔﺎً ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء .ﻛﺄﻧﮭﻢ ﻟﯿﺴﻮا ﺟﺰءاً ﻣﻦ ﻗﺬارة اﻟﻮﻃﻦ .ﻛﺄﻧﮭﻢ ﻟﯿﺴﻮا ﺳﺒﺒﺎً ﻓﻲ ﻣﺎ ﺣﻞّ ﺑﮫ ﻣﻦ ﻛﻮارث.. أﺳﻠﱢﻢ ﻋﻠﻰ )ﺳﻲ ﻣﺼﻄﻔﻰ( .ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺢ وزﯾﺮاً ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي زارﻧﻲ ﻓﯿﮫ ﻟﯿﺸﺘﺮي ﻣﻨﻲ ﻟﻮﺣﺔ .ورﻓﻀﺖ أن أﺑﯿﻌﮫ إﯾﺎھﺎ. ﻟﻘﺪ ﻧﺠﺤﺖ ﺗﻜﮭّﻨﺎت )ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ( إذن ،ﻓﻘﺪ راھﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﺼﺎن راﺑﺢ.. أﺳﺄﻟﮫ ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ: واش راك ﺳﻲ ﻣﺼﻄﻔﻰ؟ﻓﯿﺒﺪأ دون ﻣﻘﺪﻣﺎت ﺑﺎﻟﺸﻜﻮى: راﻧﺎ ﻏﺎرﻗﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ..ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﻚ!..ﺗﺤﻀﺮﻧﻲ وﻗﺘﮭﺎ ،ﻣﺼﺎدﻓﺔ ،ﻣﻘﻮﻟﺔ ﻟﺪﯾﻐﻮل" :ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﻖ وزﯾﺮ أن ﯾﺸﻜﻮ ..ﻓﻼ أﺣﺪ أﺟﺒﺮه ﻋﻠﻰ أن ﯾﻜﻮن وزﯾﺮاً!". أﺣﺘﻔﻆ ﺑﮭﺎ ﻟﻨﻔﺴﻲ وأﻗﻮل ﻟﮫ ﻓﻘﻂ.. إﯾﮫ ..ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﻲ..ﻧﻌﻢ ..ﻛﻨﺖ )ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﻲ (..ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﺒﺎﻟﻎ اﻟﮭﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﺿﺎھﺎ ﻓﻲ ﻛﻨﺪا ﻛﻌﻤﻮﻟﺔ ﻟﺘﺠﺪﯾﺪ ﻣﻌﺪّات إﺣﺪى اﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ اﻟﻜﺒﺮى .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺧﺠﻞ أن أﻗﻮل ﻟﮫ ذﻟﻚ ،ﻷﻧﻨﻲ أدري أن اﻟﺬﯾﻦ ﺳﺒﻘﻮه إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﻨﺼﺐ ..ﻟﻢ ﯾﻔﻌﻠﻮا أﺣﺴﻦ ﻣﻨﮫ. اﻛﺘﻔﯿﺖ ﻓﻘﻂ ﺑﺎﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﯿﮫ وھﻮ ﯾﺸﻜﻮ ،ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﺗﺜﯿﺮ ﺷﻔﻘﺔ أي ﻣﻮاﻃﻦ ﻣﺴﻜﯿﻦ.. ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﺣﺴﺎن ﻣﺸﻐﻮﻻً ﻋﻨﻲ ﺑﺎﻟﺤﺪﯾﺚ ﻣﻊ ﺻﺪﯾﻖ ﻗﺪﯾﻢ ..ﻛﺎن أﺳﺘﺎذاً ﻟﻠﻌﺮﺑﯿﺔ ..ﻗﺒﻞ أن ﯾﺼﺒﺢ ﻓﺠﺄة ..ﺳﻔﯿﺮاً ﻓﻲ دوﻟﺔ ﻋﺮﺑﯿﺔ! ﻛﯿﻒ ﺣﺪث ذﻟﻚ؟ ﯾﻘﺎل إﻧﮫ ردّ دﯾﻦ ..وﻗﻀﯿﺔ "ﺗﺮﻛﺔ" وﺻﺪاﻗﺔ ﻗﺪﯾﻤﺔ ﺗﺠﻤﻊ ذﻟﻚ اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﻮاﻟﺪ إﺣﺪى اﻟﺸﺨﺼﯿﺎت ..وأﻧﮭﺎ ﻟﯿﺴﺖ "اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﯿﺔ" اﻟﻮﺣﯿﺪة!
ﻣﺜﻞ )ﺳﻲ ﺣﺴﯿﻦ )اﻟﺬي أﻋﺮﻓﮫ ﺟﯿﺪاً واﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺪﯾﺮ إﺣﺪى اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ، ﯾﻮم ﻛﻨﺖ أﻧﺎ ﻣﺪﯾﺮاً ﻟﻠﻨﺸﺮ .وإذا ﺑﮫ ﺑﯿﻦ ﻟﯿﻠﺔ وﺿﺤﺎھﺎ ﯾﻌﯿّﻦ ﺳﻔﯿﺮاً ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج.. ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻃﻠﻌﺖ راﺋﺤﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﺪاﺧﻞ .ﻓﺘﻜﻔﻠﻮا ﺑﻠﻔّﮫ ﺑﻀﻌﺔ أﺷﮭﺮ وﺑﻌﺜﮫ إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج ﻣﻊ ﻛﻞ اﻟﺘﺸﺮﯾﻔﺎت اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﯿﺔ ﺧﻠﻒ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﺰاﺋﺮ! ھﺎ ھﻮذا اﻟﯿﻮم ھﻨﺎ ..ﻓﻲ ﺟﻮّه اﻟﻄﺒﯿﻌﻲ. ﻟﻘﺪ اﺳﺘﺪﻋﻲ إﺛﺮ ﻗﻀﯿﺔ اﺣﺘﯿﺎل وﺗﻼﻋﺐ ﺑﺄﻣﻮال اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج ،ﻟﯿﻌﺎد دون ﺿﺠﯿﺞ إﻟﻰ وﻇﯿﻔﺔ ﺣﺰﺑﯿﺔ ..وﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻲ ﺟﺎﻧﺒﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮة. ھﻨﺎﻟﻚ داﺋﻤﺎً ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻻت ..ﺳﻠﺔ ﻣﮭﻤﻼت ﺷﺮﻓﯿّﺔ! ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ آﺧﺮ ،ﻣﺎزال أﺣﺪھﻢ ﯾﻨﻈّﺮ وﯾﺘﺤﺪث وﻛﺄﻧﮫ ﻣﻔﻜّﺮ اﻟﺜﻮرة وﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﯿﻠﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﺛﻮرات .وإﺣﺪى ﺛﻮرات ھﺬا اﻟﺸﺨﺺ ..أﻧﮫ وﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﺼﻔﻮف اﻷﻣﺎﻣﯿﺔ ﻓﻲ ﻇﺮوف ﻣﺸﺒﻮھﺔ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻔﺮّغ ﻟﺘﻘﺪﯾﻢ ﻃﺎﻟﺒﺎﺗﮫ إﻟﻰ ﻣﺴﺆول ﻋﺠﻮز ﻣﻮﻟﻊ ﺑﺎﻟﻔﺘﯿﺎت اﻟﺼﻐﯿﺮات.. ھﺬا ھﻮ اﻟﻮﻃﻦ.. وھﺎ ھﻮ ﻋﺮﺳﻚ اﻟﺬي دﻋﻮﺗﻨﻲ إﻟﯿﮫ .إﻧﮫ" اﻟﺴﯿﺮك ﻋﻤّﺎر" ..ﺳﯿﺮك ﻻ ﻣﻜﺎن ﻓﯿﮫ إﻻ ﻟﻠﻤﮭﺮّﺟﯿﻦ ،وﻟﻤﻦ ﯾﺤﺘﺮﻓﻮن اﻷﻟﻌﺎب اﻟﺒﮭﻠﻮاﻧﯿﺔ ..واﻟﻘﻔﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮاﺣﻞ ..واﻟﻘﻔﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻗﺎب ..واﻟﻘﻔﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻘِﯿَﻢ. ﺳﯿﺮك ﯾﻀﺤﻚ ﻓﯿﮫ ﺣﻔﻨﺔ ﻋﻠﻰ ذﻗﻮن اﻟﻨﺎس ،وﯾﺮوّض ﻓﯿﮫ ﺷﻌﺐ ﺑﺄﻛﻤﻠﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺒﺎء. ﻓﻜﻢ ﻛﺎن ﻧﺎﺻﺮ ﻣﺤﻘﺎً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺤﻀﺮ ھﺬا اﻟﻜﺮﻧﻔﺎل! ﻛﻨﺖ أدري ﺑﺤﺪسٍ ﻣﺎ أﻧﮫ ﻟﻦ ﯾﺤﻀﺮ ..وﻟﻜﻦ أﯾﻦ ھﻮ اﻵن.؟ ﺗﺮاه ﻣﺎزال ﯾﺼﻠﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺠﺪ ..ﻟﻜﻲ ﻻ ﯾﻠﺘﻘﻲ ﺑﮭﻢ .وھﻞ ﺗﻐﯿّﺮ ﺻﻼﺗﮫ ..أو ﯾﻐﯿّﺮ ﺳﻜﺮي ﺷﯿﺌﺎً؟ آه ﯾﺎ ﻧﺎﺻﺮ! ﻛﻒّ ﻋﻦ اﻟﺼﻼة ﯾﺎ اﺑﻨﻲ .ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﻮا ﯾﺼﻠّﻮن أﯾﻀﺎً وﯾﻠﺒﺴﻮن ﺛﯿﺎب اﻟﺘﻘﻮى .ﻛﻒّ ﻋﻦ اﻟﺼﻼة ..وﺗﻌﺎل ﻧﻔﻜّﺮ ﻗﻠﯿﻼً .ﻓﺄﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ھﺎ ھﻮذا اﻟﺬﺑﺎب ﯾﺤﻂّ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ،واﻟﺠﺮاد ﯾﻠﺘﮭﻢ ھﺬه اﻟﻮﻟﯿﻤﺔ.
ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪم اﻟﻠﯿﻞ ،ﺗﻘﺪم اﻟﺤﺰن ﺑﻲ ،وﺗﻘﺪم ﺑﮭﻢ اﻟﻄﺮب .واﻧﮭﻄﻞ ﻣﻄﺮ اﻷوراق اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ ﻋﻨﺪ أﻗﺪام ﻧﺴﺎء اﻟﺬوات ،اﻟﻤﺴﺘﺴﻠﻤﺎت ﻟﻨﺸﻮة اﻟﺮق ،ﻋﻠﻰ وﻗﻊ ﻣﻮﺳﯿﻘﻰ أﺷﮭﺮ أﻏﻨﯿﺔ ﺷﻌﺒﯿﺔ.. "إذا ﺻﺎح اﻟﻠﯿﻞ وَﯾْﻦ اﻧﺒﺎﺗُﻮ *** ﻓﻮق ﻓﺮاش ﺣﺮﯾﺮ وﻣَﺨﺪّاﺗُﻮ".. أﻣﺎن ..أﻣﺎن.. إﯾﮫ آ اﻟﻔﺮﻗﺎﻧﻲ ﻏَﻦﱢ.. ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺬه اﻷﻏﻨﯿﺔ ﺑﺄزﻣﺔ اﻟﺴﻜﻦ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﯾﺒﺪو ﻣﻦ اﻟﻮھﻠﺔ اﻷوﻟﻰ .إﻧﮭﺎ ﻓﻘﻂ ﺗﻤﺠﯿﺪ ﻟﻠﯿﺎﻟﻲ اﻟﺤﻤﺮاء واﻷﺳﺮّة اﻟﺤﺮﯾﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﯿﺴﺖ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﺠﻤﯿﻊ. "ع اﻟﻠﻲ ﻣﺎﺗﻮا ..ﯾﺎ ﻋﯿﻦ ﻣﺎ ﺗﺒﻜﯿﺶ ع اﻟﻠﻲ ﻣﺎﺗﻮا".. أﻣﺎن ..أﻣﺎن. ﻟﻦ أﺑﻜﻲ ..ﻟﯿﺴﺖ ھﺬه ﻟﯿﻠﺔ ﻟﺴﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ..وﻻ ﻟﺰﯾﺎد. ﻟﯿﺴﺖ ﻟﻠﺸﮭﺪاء وﻻ ﻟﻠﻌﺸﺎق .إﻧﮭﺎ ﻟﯿﻠﺔ اﻟﺼﻔﻘﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺤﺘﻔﻞ ﺑﮭﺎ ﻋﻠﻨﺎً ﺑﺎﻟﻤﻮﺳﯿﻘﻰ واﻟﺰﻏﺎرﯾﺪ. "ﺧﺎرﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻤّﺎمْ ﺑﺎﻟﺮﯾﺤﯿّﺔْ *** ﯾﺎ ﻟِﻨﺪراشْ ﻟﻠﻐﯿﺮ وإﻻ ﻟﻲّ".. أﻣﺎن ..أﻣﺎن. ﻟﻦ أﻃﺮح ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ھﺬا اﻟﺴﺆال .اﻵن أﻋﻲ أﻧﻚِ ﻟﻠﻐﯿﺮ وﻟﺴﺖِ ﻟﻲ .ﺗﺆﻛﺪ ذﻟﻚ اﻷﻏﻨﯿﺎت ،وذﻟﻚ اﻟﻤﻮﻛﺐ اﻟﺬي ﯾﮭﺮب ﺑﻚ ،وﯾﺮاﻓﻘﻚ ﺑﺎﻟﺰﻏﺎرﯾﺪ إﻟﻰ ﻟﯿﻠﺔ ﺣﺒّﻚ اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﺮّﯾﻦ ﺑﻲ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﺮﯾﻦ ..وأﻧﺖ ﺗﻤﺸﯿﻦ ﻣﺸﯿﺔ اﻟﻌﺮاﺋﺲ ﺗﻠﻚ ،أﺷﻌﺮ أﻧ ِ ﻚ ﺗﻤﺸﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪي ،ﻟﯿﺲ "ﺑﺎﻟﺮﯾﺤﯿّﺔ "وإﻧﻤﺎ ﺑﻘﺪﻣﯿﻚ اﻟﻤﺨﻀّﺒﺘﯿﻦ ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء ..وأن ﺧﻠﺨﺎﻟﻚ اﻟﺬھﺒﻲ ﯾﺪّق داﺧﻠﻲ ،وﯾﻌﺒﺮﻧﻲ ﺟﺮﺳﺎً ﯾﻮﻗﻆ اﻟﺬاﻛﺮة.. ﻗﻔﻲ.. ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ اﻷﺛﻮاب ﻣﮭﻼً! ﻣﺎ ھﻜﺬا ﺗﻤﺮّ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ!
ﺛﻮﺑﻚ اﻟﻤﻄﺮّز ﺑﺨﯿﻮط اﻟﺬھﺐ ،واﻟﻤﺮﺷﻮش ﺑﺎﻟﺼﻜﻮك اﻟﺬھﺒﯿﺔ ،ﻣﻌﻠّﻘﺔ ﺷﻌﺮ ﻛﺘﺒﺘﮭﺎ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﺟﯿﻼً ﺑﻌﺪ آﺧﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻄﯿﻔﺔ اﻟﻌﻨﺎﺑﻲ .وﺣﺰام اﻟﺬھﺐ اﻟﺬي ﯾﺸﺪ ﺧﺼﺮك، ﻟﺘﺘﺪﻓّﻘﻲ أﻧﻮﺛﺔ وإﻏﺮاءً ،ھﻮ ﻣﻄﻠﻊ دھﺸﺘﻲ. ھﻮ اﻟﺼﺪر واﻟﻌﺠﺰ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻗﯿﻞ ﻣﻦ ﺷﻌﺮٍ ﻋﺮﺑﻲّ. ﻓﺘﻤﮭّﻠﻲ.. دﻋﯿﻨﻲ أﺣﻠﻢ أن اﻟﺰﻣﻦ ﺗﻮﻗّﻒ ..وأﻧﻚ ﻟﻲ .أﻧﺎ اﻟﺬي ﻗﺪ أﻣﻮت دون أن ﯾﻜﻮن ﻟﻲ ﻋﺮس ،ودون أن ﺗﻨﻄﻠﻖ اﻟﺰﻏﺎرﯾﺪ ﯾﻮﻣﺎً ﻣﻦ أﺟﻠﻲ. ﻛﻢ أﺗﻤﻨﻰ اﻟﯿﻮم ﻟﻮ ﺳﺮﻗﺖ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺤﻨﺎﺟﺮ اﻟﻨﺴﺎﺋﯿﺔ ،ﻟﺘﺒﺎرك اﻣﺘﻼﻛﻲ ﻟﻚ! ﻟﻮ ﻛﻨﺖ "ﺧﻄّﺎف اﻟﻌﺮاﺋﺲ "ذﻟﻚ اﻟﺒﻄﻞ اﻟﺨﺮاﻓﻲ اﻟﺬي ﯾﮭﺮب ﺑﺎﻟﻌﺮاﺋﺲ اﻟﺠﻤﯿﻼت ﻟﯿﻠﺔ ﻋﺮﺳﮭﻦّ ،ﻟﺠﺌﺘﻚ أﻣﺘﻄﻲ اﻟﺮﯾﺢ وﻓﺮﺳﺎً ﺑﯿﻀﺎء ..وﺧﻄﻔﺘﻚ ﻣﻨﮭﻢ.. ﻟﻮ ﻛﻨﺖِ ﻟﻲ ..ﻟﺒﺎرﻛﺘﻨﺎ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﻟﺨﺮج ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﺎرع ﻋﺒﺮﻧﺎه وﻟﻲّ ﯾﺤﺮق اﻟﺒﺨﻮر ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﻨﺎ ..وﻟﻜﻦ ﻣﺎ أﺣﺰن اﻟﻠﯿﻠﺔ ..ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ! ﻣﺎ أﺗﻌﺲ أوﻟﯿﺎءھﺎ اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ..وﺣﺪھﻢ ﺟﻠﺴﻮا إﻟﻰ ﻃﺎوﻟﺘﻲ دون ﺳﺒﺐ واﺿﺢ .. وﺣﺠﺰوا ﻟﺬاﻛﺮﺗﻲ اﻷﺧﺮى ﻛﺮﺳﯿّﺎً أﻣﺎﻣﯿﺎً.. وإذا ﺑﻲ أﻗﻀﻲ ﺳﮭﺮﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻼم ﻋﻠﯿﮭﻢ واﺣﺪا واﺣﺪا.. ﺳﻼﻣﺎً ﯾﺎ ﺳﯿﺪي راﺷﺪ.. ﺳﻼﻣﺎً ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ﻣﺒﺮوك ..ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻐﺮاب ..ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ﺳﻠﯿﻤﺎن ..ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ﺑﻮﻋﻨّﺎﺑﺔ ..ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺆﻣﻦ ..ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ﻣﺴﯿﺪ ..ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ﺑﻮﻣﻌﺰة ..ﯾﺎ ﺳﯿﺪي ﺟﻠﯿﺲ.. ﺳﻼﻣﺎً ﯾﺎ ﻣﻦ ﺗﺤﻜﻤﻮن ﺷﻮارع ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ..أزﻗّﺘﮭﺎ وذاﻛﺮﺗﮭﺎ. ﻗﻔﻮا ﻣﻌﻲ ﯾﺎ أوﻟﯿﺎء اﷲ ..ﻣﺘﻌﺐ أﻧﺎ ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ..ﻓﻼ ﺗﺘﺨﻠﻮا ﻋﻨﻲ ..أﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻜﻢ أﺑﻲ؟ أﺑﻲ ﯾﺎ "ﻋﯿﺴﺎوي" أﺑﺎً ﻋﻦ ﺟَﺪ؟ أﻧﺖ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻠﻘﺎت اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ ،ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﻘﻮس اﻟﻄُﺮﻗﯿّﺔ اﻟﻌﺠﯿﺒﺔ ،ﺗﻐﺮس ﻓﻲ ﺟﺴﺪك ذﻟﻚ اﻟﺴﻔﻮد اﻷﺣﻤﺮ اﻟﻤﻠﺘﮭﺐ ﻧﺎراً ..ﻓﯿﺘﺨﺮق ﺟﺴﺪك ﻣﻦ ﻃﺮفٍ إﻟﻰ آﺧﺮ، ﺛﻢ ﺗﺨﺮﺟﮫ دون أن ﺗﻜﻮن ﻋﻠﯿﮫ ﻗﻄﺮة دم؟ أﻧﺖ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﺗﻤﺮّر ﺣﺪﯾﺪه اﻟﻤﻠﺘﮭﺐ واﻟﻤﺤﻤّﺮ ﻛﻘﻄﻌﺔ ﺟﻤﺮ ،ﻓﯿﻨﻄﻔﺊ ﺟﻤﺮه ﻣﻦ ﻟﻌﺎﺑﻚ ،وﻻ ﺗﺤﺘﺮق. ﻋﻠّﻤﻨﻲ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻛﯿﻒ أﺗﻌﺬّب دون أن أﻧﺰف. ﻋﻠّﻤﻨﻲ ﻛﯿﻒ أذﻛﺮ اﺳﻤﮭﺎ دون أن ﯾﺤﺘﺮق ﻟﺴﺎﻧﻲ.
ﻋﻠّﻤﻨﻲ ﻛﯿﻒ أﺷﻔﻰ ﻣﻨﮭﺎ ،أﻧﺖ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﺗﺮدد ﻣﻊ ﺟﻤﺎﻋﺔ "ﻋﯿﺴﺎوة" ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺎت اﻟﺠﺬب واﻟﺘﮭﻮﯾﻞ ،وأﻧﺖ ﺗﺮﻗﺺ ﻣﺄﺧﻮذاً ﺑﺎﻟﻠﮭﺐ: "أﻧﺎ ﺳﯿﺪي ﻋﯿﺴﺎوي ..ﯾﺠﺮح وﯾﺪاوي".. ﻣﻦ ﯾﺪاوﯾﻨﻲ ﯾﺎ أﺑﻲ ..ﻣﻦ؟ وأﺣﺒﮭﺎ.. ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮة ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ،أﻋﺘﺮف أﻧﻨﻲ ﻣﺎزﻟﺖ أﺣﺒﮭﺎ ..وأﻧﮭﺎ ﻟﻲ. أﺗﺤﺪّى أﺻﺤﺎب اﻟﺒﻄﻮن اﻟﻤﻨﺘﻔﺨﺔ ..وذﻟﻚ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻠﺤﯿﺔ ..وذﻟﻚ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺼﻠﻌﺔ.. وأوﻟﺌﻚ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺠﻮم اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺪّ ..وﻛﻞ اﻟﺬﯾﻦ ﻣﻨﺤﺘﮭﻢ اﻟﻜﺜﯿﺮ ..واﻏﺘﺼﺒﻮھﺎ ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺗﻲ اﻟﯿﻮم. أﺗﺤﺪاھﻢ ﺑﻨﻘﺼﻲ ﻓﻘﻂ. ﺑﺎﻟﺬراع اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ذراﻋﻲ ،ﺑﺎﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺘﻲ ﺳﺮﻗﻮھﺎ ﻣﻨّﻲ ،ﺑﻜﻞ ﻣﺎ أﺧﺬوه ﻣﻨّﺎ. أﺗﺤﺪاھﻢ أن ﯾﺤﺒﻮھﺎ ﻣﺜﻠﻲ .ﻷﻧﻨﻲ وﺣﺪي أﺣﺒﮭﺎ دون ﻣﻘﺎﺑﻞ. وأدري أﻧﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ھﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺮﻓﻊ ﻋﻨﮭﺎ ﺛﻮﺑﮭﺎ ذاك ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ .ﯾﺨﻠﻊ ﻋﻨﮭﺎ ﺻﯿﻐﺘﮭﺎ دون ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻻھﺘﻤﺎم وﯾﺮﻛﺾ ﻧﺤﻮ ﺟﺴﺪھﺎ ﺑﻠﮭﻔﺔ رﺟﻞ ﻓﻲ اﻟﺨﻤﺴﯿﻦ ﯾﻀﺎﺟﻊ ﺻﺒﯿﺔ. ﺣﺰﻧﻲ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺜﻮب ..ﺣﺰﻧﻲ ﻋﻠﯿﮫ. ﻛﻢ ﻣﻦ اﻷﯾﺪي ﻃﺮّزﺗﮫ ،وﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﺗﻨﺎوﺑﻦ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻟﯿﺘﻤﺘﻊ اﻟﯿﻮم ﺑﺮﻓﻌﮫ رﺟﻞ واﺣﺪ .رﺟﻞ ﯾﻠﻘﻲ ﺑﮫ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻲ ﻛﯿﻔﻤﺎ ﻛﺎن ،وﻛﺄﻧﮫ ﻟﯿﺲ ذاﻛﺮﺗﻨﺎ ،ﻛﺄﻧﮫ ﻟﯿﺲ اﻟﻮﻃﻦ. ﻓﮭﻞ ﻗﺪر اﻷوﻃﺎن أن ﺗﻌﺪّھﺎ أﺟﯿﺎل ﺑﺄﻛﻤﻠﮭﺎ ،ﻟﯿﻨﻌﻢ ﺑﮭﺎ رﺟﻞ واﺣﺪ؟ أﺗﺴﺎءل اﻟﻠﯿﻠﺔ ..ﻟﻤﺎذا وﺣﺪي ﺗﺴﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ .وﻛﯿﻒ اﻛﺘﺸﻔﺖ اﻵن ﻓﻘﻂ ،ﻣﻌﻨﻰ ﻛﻞ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﮭﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ؟ أﺗﺮاه ﻋُﺸﻖ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ ..أم اﻟﺒﻌﺪ ﻋﻨﮫ ،ھﻮ اﻟﺬي أﻋﻄﻰ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻌﺎدﯾﺔ ﻗﺪاﺳﺔ ﻻ ﯾﺸﻌﺮ ﺑﮭﺎ ﻏﯿﺮ اﻟﺬي ﺣﺮم ﻣﻨﮫ؟ أﻷن اﻟﻤﻌﺎﯾﺸﺔ اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ ﺗﻘﺘﻞ اﻟﺤﻠﻢ وﺗﻐﺘﺎل ﻗﺪاﺳﺔ اﻷﺷﯿﺎء ﻛﺎن أﺣﺪ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﯾﻨﺼﺢ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﺄن ﯾﻐﺎدروا ﻣﻜﺔ ،ﺣﺎل اﻧﺘﮭﺎﺋﮭﻢ ﻣﻦ ﻣﺮاﺳﯿﻢ اﻟﺤﺞ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺒﻘﻰ ﻟﺘﻠﻚ
اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ رھﺒﺘﮭﺎ وﻗﺪاﺳﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ ،وﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺘﺤﻮل ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻌﺎدة إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻋﺎدﯾﺔ ﯾﻤﻜﻦ ﻷي واﺣﺪٍ أن ﯾﺴﺮق وﯾﺰﻧﻲ وﯾﺠﻮر ﻓﯿﮭﺎ دون رھﺒﺔ؟ إﻧﮫ ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ﻟﻲ ﻣﻨﺬ وﻃﺌﺖ ﻗﺪﻣﺎي ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ .وﺣﺪي أﻋﺎﻣﻠﮭﺎ ﻛﻤﺪﯾﻨﺔ ﻓﻮق اﻟﻌﺎدة. أﻋﺎﻣﻞ ﻛﻞ ﺣﺠﺮ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﻌﺸﻖ .أﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﻮرھﺎ ﺟﺴﺮاً ﺟﺴﺮاً .أﺳﺄل ﻋﻦ أﺧﺒﺎر أھﻠﮭﺎ ،ﻋﻦ أوﻟﯿﺎﺋﮭﺎ وﻋﻦ رﺟﺎﻟﮭﺎ ،واﺣﺪاً ..واﺣﺪاً.. أﺗﺄﻣﻠﮭﺎ وھﻲ ﺗﻤﺸﻲ ،أﺗﺄﻟﮭﺎ وھﻲ ﺗﺼﻠﻲ ،وﺗﺰﻧﻲ وﺗﻤﺎرس ﺟﻨﻮﻧﮭﺎ وﻻ أﺣﺪ ﯾﻔﮭﻢ ﺟﻨﻮﻧﻲ وﺳﺮّ ﺗﻌﻠّﻘﻲ ﺑﻤﺪﯾﻨﺔ ﯾﺤﻠﻢ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﺎﻟﮭﺮب ﻣﻨﮭﺎ. ھﻞ أﻋﺘﺐ ﻋﻠﯿﮭﻢ؟ ھﻞ ﯾﺸﻌﺮ ﺳﻜﺎن أﺛﯿﻨﺎ أﻧﮭﻢ ﯾﻤﺸﻮن وﯾﺠﯿﺌﻮن ﻋﻠﻰ ذاﻛﺮة اﻟﺘﺎرﯾﺦ ..وﻋﻠﻰ ﺗﺮاب ﻣﺸﺖ ﻋﻠﯿﮫ اﻵﻟﮭﺔ ،وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺑﻄﻞ أﺳﻄﻮري؟ ھﻞ ﯾﺸﻌﺮ ﺳﻜﺎن اﻟﺠﯿﺰة ﻓﻲ ﺑﺆﺳﮭﻢ وﻓﻘﺮھﻢ ،أﻧﮭﻢ ﯾﻌﯿﺸﻮن ﻋﻨﺪ أﻗﺪم ﻣﻌﺠﺰة ،وأن اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ﻣﺎزاﻟﻮ ﺑﯿﻨﮭﻢ ،ﯾﺤﻜﻤﻮن ﻣﺼﺮ ﺑﺤﺠﺮھﻢ وﻗﺒﻮرھﻢ؟ وﺣﺪھﻢ اﻟﻐﺮﺑﺎء اﻟﺬﯾﻦ ﻗﺮأوا ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﯿﻮﻧﺎن واﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ،ﻓﻲ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ،ﯾﻌﺎﻣﻠﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺠﺎرة ﺑﻘﺪاﺳﺔ ،وﯾﺄﺗﻮن ﻣﻦ أﻃﺮاف اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻤﺠﺮدّ اﻻﻗﺘﺮاب ﻣﻨﮭﺎ. ﺗﺮاﻧﻲ أﻃﻠﺖ اﻟﻤﻜﻮث ھﻨﺎ ،واﻗﺘﺮﻓﺖ ﺣﻤﺎﻗﺔ اﻻﻗﺘﺮاب ﻣﻦ اﻷﺣﻼم ﺣﺘﻰ اﻻﺣﺘﺮاق ،وإذا ﺑﻲ ﯾﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪ آﺧﺮ ،وﺧﯿﺒﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ،أﺷﻔﻰ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ اﺳﻤﮭﺎ ﻋﻠﻲّ ،وأﻓﺮغ ﻣﻦ وھﻤﻲ اﻟﺠﻤﯿﻞ ..وﻟﻜﻦ ﻟﯿﺲ دون اﻟﻢ؟ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﻻ أرﯾﺪ ﻟﮭﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ أن ﺗﻜﻮن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ رﺻﺎﺻﺔ رﺣﻤﺔ. وﻟﺬا أﺗﻘﺒّﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﻏﺎرﯾﺪ اﻟﺘﻲ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺘﻘﺪّﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺠﺮ ،ﻟﺘﺒﺎرك ﻗﻤﯿﺼﻚ اﻟﻤﻠﻄّﺦ ﺑﺒﺮاءﺗﻚ ،ﻛﺂﺧﺮ ﻃﻠﻘﺔ ﻧﺎرﯾﺔ ﺗﻄﻠﻘﮭﺎ ﻓﻲ وﺟﮭﻲ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﻟﻜﻦ دون ﻛﺎﺗﻢ ﺻﻮت ..وﻻ ﻛﺎﺗﻢ ﺿﻤﯿﺮ .ﻓﺄﺗﻠﻘﺎھﺎ ﺟﺎﻣﺪاً ..ﻣﺬھﻮل اﻟﻨﻈﺮات ﻛﺠﺜﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ أرى ﺣﻮﻟﻲ ﻣﻦ ﯾﺘﺴﺎﺑﻖ ﻟﻠﻤﺲ ﻗﻤﯿﺼﻚ اﻟﻤﻌﺮوض ﻟﻠﻔﺮﺟﺔ. ھﺎ ھﻢ ﯾﻘﺪﻣﻮﻧﻚ ﻟﻲ ،ﻟﻮﺣﺔ ﻣﻠﻄّﺨﺔ ﺑﺎﻟﺪم ،دﻟﯿﻼً ﻋﻠﻰ ﻋﺠﺰي اﻵﺧﺮ .دﻟﯿﻼً ﻋﻠﻰ ﺟﺮﯾﻤﺘﮭﻢ اﻷﺧﺮى. وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻻ أﺗﺤﺮك وﻻ أﺣﺘﺞّ .ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﻖ ﻣﺸﺎھﺪ ﻟﻤﺼﺎرﻋﺔ اﻟﺜﯿﺮان ،أن ﯾﻐﯿﺮ ﻣﻨﻄﻖ اﻷﺷﯿﺎء ،وﯾﻨﺤﺎز ﻟﻠﺜﻮر .وإﻻ ﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺑﯿﺘﮫ وﻻ ﯾﺤﻀﺮ
"ﻛﻮرﯾﺪا" ﺧﻠﻘﺖ أﺳﺎﺳﺎً ﻟﺘﻤﺠﯿﺪ "اﻟﻤﻮﺗﺎدور!" ﺷﻲء ﻣﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺠﻮ اﻟﻤﺸﺤﻮن ﺑﺎﻟﺰﻏﺎرﯾﺪ واﻟﺰﯾﻨﺔ وﻣﻮﺳﯿﻘﻰ "اﻟﺪﺧﻠﺔ".. واﻟﮭﺘﺎﻓﺎت أﻣﺎم ﺛﻮب ﻣﻮﻗّﻊ ﺑﺎﻟﺪم ،ﯾﺬﻛّﺮﻧﻲ ﺑﻄﻘﻮس اﻟﻜﻮرﯾﺪا .وذﻟﻚ اﻟﺜﻮر اﻟﺬي ﯾﻌﺪّون ﻟﮫ ﻣﻮﺗﺎً ﺟﻤﯿﻼً ﻋﻠﻰ وﻗﻊ ﻣﻮﺳﯿﻘﻰ راﻗﺼﺔ ﯾﺪﺧﻞ ﺑﮭﺎ اﻟﺴﺎﺣﺔ ،وﯾﻤﻮت ﻋﻠﻰ ﻧﻐﻤﮭﺎ ﺑﺴﯿﻮفٍ ﻣﺰﯾّﻨﺔ ﻟﻠﻘﺘﻞ ،ﻣﺄﺧﻮذاً ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻷﺣﻤﺮ ..وﺑﺄﻧﺎﻗﺔ ﻗﺎﺗﻠﮫ! ﻣﻦ ﻣﻨّﺎ اﻟﺜﻮر؟ أﻧﺖِ أم أﻧﺎ اﻟﻤُﺼﺎب ﺑﻌﻤﻰ اﻷﻟﻮان ،واﻟﺬي ﻻ ﯾﺮى اﻵن ﻏﯿﺮ اﻟﻠﻮن اﻷﺣﻤﺮ ..ﻟﻮن دﻣﻚ؟ ﺛﻮر ﯾﺪور ﻓﻲ ﺣﻠﺒﺔ ﺣﺒّﻚ ،ﺑﻜﺒﺮﯾﺎء ﺣﯿﻮان ﻻ ﯾﮭﺰم إﻻ ﺧِﺪﻋﺔ ،وﯾﺪري أﻧﮫ ﻣﺤﻜﻮم ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺎﻟﻤﻮت اﻟﻤﺴﺒﻖ. اﻟﻮاﻗﻊ أن دﻣﻚ ھﺬا ﯾﺮﺑﻜﻨﻲ ،ﯾﺤﺮﺟﻨﻲ ،وﯾﻤﻸﻧﻲ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎً. أﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﺤﺮق داﺋﻤﺎً ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻗﺼﺘﻚ ﻣﻌﮫ ،ھﻮ اﻟﺬي أﺧﺬك ﻣﻨﻲ ،ﺗﺮاه أﺧﺬ ﻣﻨﻚ ﻛﻞ ﺷﻲء؟ ﺳﺆال ﻛﺎن ﯾﺸﻐﻠﻨﻲ وﯾﺴﻜﻨﻨﻲ ﺣﺪ اﻟﺠﻨﻮن ،ﻣﻨﺬ ذاك اﻟﯿﻮم اﻟﺬي وﺿﻌﺖ ﻓﯿﮫ( زﯾﺎد( أﻣﺎﻣﻚ .ووﺿﻌﺘﻚ أﻣﺎم ﻗﺪرك اﻵﺧﺮ. ﺗﺮاك ﻓﺘﺤﺖ ﻟﮫ ﻗﻼﻋﻚ اﻟﻤﺤﺼّﻨﺔ ،وأذﻟﻠﺖ أﺑﺮاﺟﻚ اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ ،واﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻹﻏﺮاء رﺟﻮﻟﺘﮫ؟ ﺗﺮاك ﺗﺮﻛﺖ ﻃﻔﻮﻟﺘﻚ ﻟﻲ ،وأﻧﻮﺛﺘﻚ ﻟﮫ؟ ھﺎ ھﻮ اﻟﺠﻮاب ﯾﺄﺗﯿﻨﻲ ﺑﻌﺪ ﻋﺎم ﻣﻦ اﻟﻌﺬاب .ھﺎ ھﻮ أﺧﯿﺮاً ﻟﺰج ..ﻃﺮيّ ..أﺣﻤﺮ.. ورديّ ..ﻋﻤﺮه ﻟﺤﻈﺎت. ھﺎ ھﻮ اﻟﺠﻮاب ﻛﻤﺎ ﻟﻢ أﺗﻮﻗّﻌﮫ ،ﻣﻘﺤﻤﺎً ،ﻣﺤﺮﺟﺎً ،ﻓﻠِﻢَ اﻟﺤﺰن؟ ﻣﺎ اﻟﺬي ﯾﺆﻟﻤﻨﻲ اﻷﻛﺜﺮ ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ..أن أدري أﻧﻨﻲ ﻇﻠﻤﺖ زﯾﺎداً ﺑﻈﻨﻲ ،وأﻧﮫ ﻣﺎت دون أن ﯾﺘﻤﺘﻊ ﺑﻚ ،وأﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻛﺎن ھﻮ اﻷﺟﺪر ﺑﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ؟ أم أن ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻓﻘﻂ ،ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻓﺘﺤﺖ اﻟﯿﻮم ﻋﻨﻮة ﺑﺄﻗﺪام اﻟﻌﺴﻜﺮ ،ﻛﻜﻞ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻋﺮﺑﯿﺔ؟ ﻣﺎ اﻟﺬي ﯾﺰﻋﺠﻨﻲ أﻛﺜﺮ اﻟﻠﯿﻠﺔ؟ أن أﻛﻮن ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﻟﻐﺰك أﺧﯿﺮاً ،أم ﻛﻮﻧﻲ أدري أﻧﻨﻲ ﻟﻦ أﻋﺮف ﻋﻨﻚ ﺷﯿﺌﺎً ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم ،وﻟﻮ ﺗﺤﺪّﺛﺖ إﻟﯿﻚ ﻋﻤﺮاً ،وﻟﻮ ﻗﺮأﺗﻚ أﻟﻒ ﻣﺮة؟ أﻛﻨﺖِ ﻋﺬراء إذن ،وﺧﻄﺎﯾﺎك ﺣﺒﺮ ﻋﻠﻰ ورق؟
ﻓﻠﻤﺎذا أوھﻤﺘﻨﻲ إذن ﺑﻜﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﯿﺎء؟ ﻟﻤﺎذا أھﺪﯾﺘﻨﻲ ﻛﺘﺎﺑﻚ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﮭﺪﯾﻨﻨﻲ ﺧﻨﺠﺮاً ﻟﻠﻐﯿﺮة؟ ﻟﻤﺎذا ﻋﻠّﻤﺘﻨﻲ أن أﺣﺒﻚِ ﺳﻄﺮاً ﺑﻌﺪ ﺳﻄﺮ ..وﻛﺬﺑﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ..وأن أﻏﺘﺼﺒﻚ ﻋﻠﻰ ورق! ﻓﻠﯿﻜﻦ.. ﻋﺰاﺋﻲ اﻟﯿﻮم ،أﻧﻚ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﻛﻞ اﻟﺨﯿﺒﺎت ..ﻛﻨﺖ ﺧﯿﺒﺘﻲ اﻷﺟﻤﻞ. *** ﯾﺴﺄﻟﻨﻲ ﺣﺴﺎن :ﻟﻤﺎذا أﻧﺖ ﺣﺰﯾﻦ ھﺬا اﻟﺼﺒﺎح؟ أﺣﺎول أﻻ أﺳﺄﻟﮫ :وﻟﻤﺎذا ھﻮ ﺳﻌﯿﺪ اﻟﯿﻮم؟ أدري أن ﻏﯿﺎب ﻧﺎﺻﺮ وﻣﻘﺎﻃﻌﺘﮫ اﻟﺒﺎرﺣﺔ ﻟﻠﻌﺮس ،ﻗﺪ ﻋﻜّﺮ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﺎ ﻣﺰاﺟﮫ .وﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ ﯾﻤﻨﻌﮫ ﻣﻦ أن ﯾﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ أﻏﺎﻧﻲ "اﻟﻔﺮﻗﺎﻧﻲ" ،وأن ﯾﻀﺤﻚ ..وﯾﺤﺎدث ﻛﺜﯿﺮاً ﻣﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﻠﺘﻖ ﺑﮭﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. ﻛﻨﺖ أﻻﺣﻈﮫ .وﻛﻨﺖ ﺳﻌﯿﺪاً ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ،ﻟﺴﻌﺎدﺗﮫ اﻟﺴﺎذﺟﺔ ﺗﻠﻚ. ﻛﺎن ﺣﺴﺎن ﺳﻌﯿﺪاً أن ﺗُﻔﺘﺢ ﻟﮫ أﺧﯿﺮاً ﺗﻠﻚ اﻷﺑﻮاب اﻟﺘﻲ ﻗﻠﻤﺎ ﺗﻔﺘﺢ ﻟﻠﻌﺎﻣﺔ ،وأن ﯾﺪﻋﻰ ﻟﺤﻀﻮر ذﻟﻚ اﻟﻌﺮس اﻟﺬي ﯾﻤﻜﻨﮫ اﻵن أن ﯾﺘﺤﺪث ﻋﻨﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ ﻷﯾﺎم؛ وﯾﺼﻔﮫ ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﺳﯿﻼﺣﻘﻮﻧﮫ ﺑﺎﻷﺳﺌﻠﺔ ،ﻋﻦ أﺳﻤﺎء ﻣﻦ ﺣﻀﺮوا وﻣﺎ ﻗُﺪِّم ﻣﻦ أﻃﺒﺎﻗﻲ.. وﻣﺎ ﻟﺒﺴﺖ اﻟﻌﺮوس.. وﯾﻤﻜﻦ ﻟﺰوﺟﺘﮫ أﯾﻀﺎً أن ﺗﻨﺴﻰ أﻧﮭﺎ اﺳﺘﻌﺎرت ﺻﯿﻐﺘﮭﺎ واﻟﺜﯿﺎب اﻟﺘﻲ ﺣﻀﺮت ﺑﮭﺎ اﻟﻌﺮس ﻣﻦ اﻟﺠﯿﺮان واﻷﻗﺎرب ،وﺗﺒﺪأ ﺑﺪورھﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﺎﺧﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﻤﺎ رأﺗﮫ ﻣﻦ ﺑﺬخٍ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺮس ،وﻛﺄﻧﮭﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﺠﺄة ﻃﺮﻓﺎً ﻓﯿﮫ ،ﻓﻘﻂ ﻷﻧﮭﺎ دﻋﯿﺖ ﻟﻠﺘﻔﺮّج ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮات اﻵﺧﺮﯾﻦ. ﻗﺎل ﻓﺠﺄة: إن ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﯾﺪﻋﻮﻧﺎ ﻏﺪاً ﻟﻠﻐﺪاء ﻋﻨﺪه .ﻻ ﺗﻨﺲَ أن ﺗﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ وﻗﺖ اﻟﻈﮭﺮﻟﻨﺬھﺐ ﻣﻌﺎً..
ﻗﻠﺖ ﻟﮫ ﺑﺼﻮت ﻏﺎﺋﺐ: ﻏﺪاً ﺳﺄﻋﻮد إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﺲ.ﺻﺎح: ﻛﯿﻒ ﺗﻌﻮد ﻏﺪاً ..اﺑﻖَ ﻣﻌﻨﺎ أﺳﺒﻮﻋﺎً آﺧﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞّ ..ﻣﺎ اﻟﺬي ﯾﻨﺘﻈﺮك ھﻨﺎك؟ﺣﺎوﻟﺖ أن أوھﻤﮫ أن ﻟﻲ ﺑﻌﺾ اﻻﻟﺘﺰاﻣﺎت ،وأﻧﻨﻲ ﺑﺪأت أﺗﻌﺐ ﻣﻦ إﻗﺎﻣﺘﻲ ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ. وﻟﻜﻨﮫ راح ﯾﻠﺢّ: ﯾﺎ أﺧﻲ ﻋﯿﺐ ..ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ اﺣﻀﺮ ﻏﺪاء ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻏﺪاً ﺛﻢ ﺳﺎﻓﺮ..أﺟﺒﺘﮫ ﺑﻠﮭﺠﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ ﻟﻢ ﯾﻔﮭﻢ ﺳﺒﺒﮭﺎ: ﻓﺮات ..ﻏﺪوة ﻧﺮوّح.ﻛﺎن ﯾﺤﻠﻮ ﻟﻲ أن أﺣﺪّﺛﮫ ﺑﻠﮭﺠﺔ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﯿﺔ .ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ أﻟﻔﻈﮭﺎ ،أﻧﮫ ﻗﺪ ﯾﻤﺮ وﻗﺖ ﻃﻮﯾﻞ ﻗﺒﻞ أن أﻟﻔﻈﮭﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى. ﻗﺎل ﺣﺴﺎن وﻛﺄﻧﮫ ﯾﻘﻨﻌﻨﻲ ﺑﻀﺮورة ﻋﺪم رﻓﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻋﻮة: واﷲ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻧﺎس ﻣﻼح ..ﻣﺎزال ﺑﺮﻏﻢ ﻣﻨﺼﺒﮫ وﻓﯿّﺎً ﻟﺼﺪاﻗﺘﻨﺎ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ.أﺗﺪري أن اﻟﺒﻌﺾ ﯾﻘﻮل ھﻨﺎ إﻧﮫ ﻗﺪ ﯾﺼﺒﺢ وزﯾﺮاً .رﺑﻤﺎ ﯾﻔﺮﺟﮭﺎ اﷲ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻋﻠﻰ ﯾﺪه.. ﻗﺎل ﺣﺴﺎن ھﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﺑﺼﻮت ﺷﺒﮫ ﺧﺎﻓﺖ ،وﻛﺄﻧﮫ ﯾﻘﻮﻟﮭﺎ ﻟﻨﻔﺴﮫ.. ﻣﺴﻜﯿﻦ ﺣﺴﺎن! ﻣﺴﻜﯿﻦ أﺧﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻔﺮﺟﮭﺎ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ .أﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺴﺬاﺟﺔ ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺠﮭﻞ أن ذﻟﻚ اﻟﻌﺮس ھﻮ ﺻﻔﻘﺔ ﻻ ﻏﯿﺮ ،وأن ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻻ ﺑﺪّ أن ﯾﺘﻠﻘّﻰ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ﻣﻘﺎﺑﻠﮫ. ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺼﺎھﺮ ﺿﺒّﺎﻃﺎً ﻣﻦ اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ..دون ﻧﻮاﯾﺎ ﻣﺴﺒﻘﺔ. أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺮﺑﺢ ﺣﺴﺎن ﻣﻦ وراء ﻣﻨﺼﺐ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ..
ﻓﻤﺠﺮد أوھﺎم. اﻟﻤﺆﻣﻦ ﯾﺒﺪأ ﺑﻨﻔﺴﮫ ،وﻗﺪ ﺗﻤﺮ ﺳﻨﻮات ﻗﺒﻞ أن ﯾﺼﻞ دور ﺣﺴﺎن ..وﯾﻨﺎل ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﯾﻄﻤﺢ إﻟﯿﮫ ﻣﻦ ﻓﺘﺎت. ﺳﺄﻟﺘﮫ ﻣﺎزﺣﺎً: ھﻞ ﺑﺪأت ﺗﺤﻠﻢ أن ﺗﺼﺒﺢ أﻧﺖ أﯾﻀﺎً ﺳﻔﯿﺮا؟ﻗﺎل وﻛﺄن اﻟﺴﺆال ﻗﺪ ﺟﺮﺣﮫ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﺎ: ﯾﺎ ﺣﺴﺮة ﯾﺎ رﺟﻞ" ..اﻟﻠﻲ ﺧﻄﻒ ..ﺧﻄﻒ ﺑﻜﺮي "..أﻧﺎ ﻻ أرﯾﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أن أھﺮبﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ ،وأن أﺳﺘﻠﻢ وﻇﯿﻔﺔ ﻣﺤﺘﺮﻣﺔ ﻓﻲ أﯾّﺔ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺛﻘﺎﻓﯿﺔ أو إﻋﻼﻣﯿﺔ ،أﯾﺔ وﻇﯿﻔﺔ أﻋﯿﺶ ﻣﻨﮭﺎ أﻧﺎ وﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ﺣﯿﺎة ﺷﺒﮫ ﻋﺎدﯾﺔ ..ﻛﯿﻒ ﺗﺮﯾﺪ أن ﻧﻌﯿﺶ ﻧﺤﻦ اﻟﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ﺑﮭﺬا اﻟﺪﺧﻞ؟ .أﻧﺎ ﻋﺎﺟﺰ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ أن أﺷﺘﺮي ﺳﯿﺎرة .ﻣﻦ أﯾﻦ آﺗﻲ ﺑﺎﻟﻤﻼﯾﯿﻦ ﻷﺷﺘﺮﯾﮭﺎ؟ .ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺗﺬﻛّﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﯿﺎرات اﻟﻔﺨﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﻄﻔّﺔ أﻣﺲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺮس ،أﻣﺮض وأﻓﻘﺪ ﺷﮭﯿﺔ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ .ﻟﻘﺪ ﺗﻌﺒﺖ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻤﮭﻨﺔ ،أﻧﺖ ﻻ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺄﯾﺔ ﻣﻜﺎﻓﺄة ﻣﺎدﯾﺔ أو ﻣﻌﻨﻮﯾﺔ ﻓﯿﮭﺎ .ﻟﻘﺪ ﺗﻐﯿّﺮ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي" ﻛﺎد ﻓﯿﮫ اﻟﻤﻌﻠﻢ أن ﯾﻜﻮن رﺳﻮﻻً" ..اﻟﯿﻮم ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺒﯿﺮ زﻣﯿﻞ ﻟﻲ "ﻛﺎد اﻟﻤﻌﻠﻢ أن ﯾﻜﻮن( ﺷﯿﻔﻮﻧﺎً( وﺧﺮﻗﺔ ﻻ أﻛﺜﺮ. ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﻨﺎ ﻣﻤﺴﺤﺔ ﻟﻠﺠﻤﯿﻊ .ﻓﺎﻷﺳﺘﺎذ ﯾﺮﻛﺐ اﻟﺤﺎﻓﻠﺔ ﻣﻊ ﺗﻼﻣﯿﺬه .و "ﯾﺪزّ" و "ﯾﻄﺒّﻊ" ﻣﺜﻠﮭﻢ .وﯾﺸﺘﻤﮫ اﻟﻨﺎس أﻣﺎﻣﮭﻢ .ﺛﻢ ﯾﻌﻮد ﻣﺜﻞ زﻣﯿﻠﻲ ھﺬا ،ﻟﯿﻌﺪّ دروﺳﮫ وﯾﺼﺤّﺢ اﻻﻣﺘﺤﺎﻧﺎت ﻓﻲ ﺷﻘّﺔ ﺑﻐﺮﻓﺘﯿﻦ ،ﯾﺴﻜﻨﮭﺎ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﺷﺨﺎص وأﻛﺜﺮ. ﺑﯿﻨﻤﺎ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﻤﻠﻚ ﺷﻘّﺘﯿﻦ وﺛﻼﺛﺎً ﺑﺤﻜﻢ وﻇﯿﻔﺘﮫ أو واﺳﻄﺎﺗﮫ ..ﯾﻤﻜﻨﮫ أن ﯾﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﺸﻘﯿﺎﺗﮫ أو ﯾﻌﯿﺮ ﻣﻔﺎﺗﯿﺠﮭﺎ ﻟﻤﻦ ﺳﯿﻔﺘﺢ ﻟﮫ أﺑﻮاﺑﺎً أﺧﺮى . ﺻﺤّﺔ ﻋﻠﯿﻚ ﯾﺎ ﺧﺎﻟﺪ ..أﻧﺖ ﺗﻌﯿﺶ ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ ھﺬه اﻟﮭﻤﻮم ،ﻓﻲ ﺣﯿّﻚ اﻟﺮاﻗﻲ ﺑﺒﺎرﯾﺲ.. ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﻜﺶ واش ﺻﺎﯾﺮ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ!. آه ﺣﺴﺎن ..ﻋﻨﺪﻣﺎ أذﻛﺮ ﺣﺪﯾﺜﻨﺎ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ،ﺗﺼﺒﺢ اﻟﻤﺮارة ﻏﺼّﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻖ ،ﺗﺼﺒﺢ ﺟﺮﺣﺎً ،ﺗﺼﺒﺢ دﻣﻌﺎ ،ﺗﺼﺒﺢ ﻧﺪﻣﺎً وﺣﺴﺮة. ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أﺳﺎﻋﺪك أﻛﺜﺮ ،ﺻﺤﯿﺢ. ﻛﻨﺖ ﺗﻘﻮل" :اﻃﻠﺐ ﺷﯿﺌﺎً ﯾﺎ ﺧﺎﻟﺪ ﻣﺎدﻣﺖ ھﻨﺎ ،أﻟﺴﺖ ﻣﺠﺎھﺪاً؟ أﻟﻢ ﺗﻔﻘﺪ ذراﻋﻚ ﻓﻲ
ھﺬه اﻟﺤﺮب؟ اﻃﻠﺐ ﻣﺤﻼ ﺗﺠﺎرﯾﺎً ..اﻃﻠﺐ ﻗﻄﻌﺔ أرض ..أو ﺷﺎﺣﻨﺔ ،إﻧﮭﻢ ﻟﻦ ﯾﺮﻓﻀﻮا ﻟﻚ ﺷﯿﺌﺎً .ھﺬا ﺣﻘﻚ .وإذا ﺷﺌﺖ دﻋﮫ ﻟﻲ ﻷﺳﺘﻔﯿﺪ ﻣﻨﮫ وأﻋﯿﺶ ﻋﻠﯿﮫ أﻧﺎ وأوﻻدي.. أﻧﺖ ﯾﺤﺘﺮﻣﻮﻧﻚ وﯾﻌﺮﻓﻮﻧﻚ ،وأﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻼ ﯾﻌﺮﻓﻨﻲ أﺣﺪ .إﻧﮫ ﺟﻨﻮن أﻻ ﺗﺄﺧﺬ ﺣﻘﻚ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ .إﻧﮭﻢ ﻻ ﯾﺘﺼﺪّﻗﻮن ﻋﻠﯿﻚ ﺑﺸﻲء .أﻛﺜﺮ ﻣﻦ واﺣﺪ ﯾﺤﻤﻞ ﺷﮭﺎدة ﻣﺠﺎھﺪ وھﻮ ﻟﻢ ﯾﻘﻢ ﺑﺸﻲء ﻓﻲ اﻟﺜﻮرة .أﻧﺖ ﺗﺤﻤﻞ ﺷﮭﺎدﺗﻚ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪك".. إﯾﮫ ﺣﺴﺎن ..ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻔﮭﻢ أن ھﺬا ھﻮ اﻟﻔﺮق اﻟﻮﺣﯿﺪ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻨﮭﻢ .ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻔﮭﻢ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻣﻤﻜﻨﺎً اﻟﯿﻮم ،ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺴﻨﻮات ،وﻛﻞ ھﺬا اﻟﻌﺬاب ،أن أﻃﺄﻃﺊ رأﺳﻲ ﻷﺣﺪ ..وﻟﻮ ﻣﻘﺎﺑﻞ أﯾﺔ ھﺒﺔ وﻃﻨﯿﺔ. رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻌﻠﺖ ھﺬا ﺑﻌﺪ اﻻﺳﺘﻘﻼل .وﻟﻜﻦ اﻟﯿﻮم ﻣﻊ ﻣﺮور اﻟﺰﻣﻦ ،أﺻﺒﺢ ذﻟﻚ ﻣﺴﺘﺤﯿﻼ. ﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮ أﺧﻲ .ﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮ ،ﻷﻃﺄﻃﺊ رأﺳﻲ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻮت. أرﯾﺪ أن أﺑﻘﻰ ھﻜﺬا أﻣﺎﻣﮭﻢ ،ﻣﻐﺮوﺳﺎً ﻛﺸﻮﻛﺔ ﻓﻲ ﺿﻤﯿﺮھﻢ .أرﯾﺪ أن ﯾﺨﺠﻠﻮا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻠﺘﻘﻮا ﺑﻲ ،أن ﯾﻄﺄﻃﺌﻮا ھﻢ رؤوﺳﮭﻢ وﯾﺴﺄﻟﻮﻧﻲ ﻋﻦ أﺧﺒﺎري ،وھﻢ ﯾﻌﺮﻓﻮن أﻧﻨﻲ أﻋﺮف ﻛﻞ أﺧﺒﺎرھﻢ ،وأﻧﻨﻲ ﺷﺎھﺪ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﺎرﺗﮭﻢ. آه ﻟﻮ ﺗﺪري ﺣﺴﺎن! ﻟﻮ ﺗﺪري ﻟﺬّة أن ﺗﻤﺸﻲ ﻓﻲ ﺷﺎرع ﻣﺮﻓﻮع اﻟﺮأس ،أن ﺗﻘﺎﺑﻞ أيّ ﺷﺨﺺ ﺑﺴﯿﻂ أو ھﺎمّ ﺟﺪاً ،دون أن ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ. ھﻨﺎك ﻣﻦ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﯿﻮم أن ﯾﻤﺸﻲ ﺧﻄﻮﺗﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ اﻟﺸﻮارع ﻣﺤﺠﻮزة ﻟﮫ .وﻛﺎن ﯾﻌﺒﺮھﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﻛﺐ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺎرات اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ. ﻟﻢ أﻗﻞ ﺷﯿﺌﺎً ﻟﺤﺴﺎن .وﻋﺪﺗﮫ ﻓﻘﻂ ﻛﻤﺮﺣﻠﺔ أوﻟﻰ أن أﺷﺘﺮي ﻟﮫ ﺳﯿﺎرة .ﻗﻠﺖ ﻟﮫ: "ﺗﻌﺎل ﻣﻌﻲ ،واﺧﺘﺮ ﺳﯿﺎرة ﺗﻨﺎﺳﺒﻚ .ﺗﺄﺧﺬھﺎ ﻣﻌﻚ ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ .ﻻ أرﯾﺪ أن ﺗﻌﯿﺶ ھﻜﺬا ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم..". ﻓﺮح ﺣﺴﺎن ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻛﻄﻔﻞ .ﺷﻌﺮت أن ذﻟﻚ ﻛﺎن ﺣﻠﻤﮫ اﻟﻜﺒﯿﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ ﺗﺤﻘﯿﻘﮫ ،وﻋﺎﺟﺰاً ﻋﻦ ﻃﻠﺒﮫ ﻣﻨﻲ .وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ ﻟﻲ أن أﻋﺮف ذﻟﻚ وأﻧﺎ ﻟﻢ أزره ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات؟ ﻋﻨﺪﻣﺎ أذﻛﺮ ﺣﺴﺎن اﻟﯿﻮم ،وﺣﺪھﺎ ﺗﻠﻚ اﻻﻟﺘﻔﺎﺗﺔ ﺗﺒﻌﺚ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة، ﻷﻧﻨﻲ أﺳﻌﺪﺗﮫ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ،وﻣﻨﺤﺘﮫ راﺣﺔ ﻟﺒﻀﻊ ﺳﻨﻮات. ﺳﻨﻮات ..ﻟﻢ أﻛﻦ أﺗﻮﻗﻊ أن ﺗﻜﻮن اﻷﺧﯿﺮة.
ﻋﺎد ﺣﺴﺎن إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻮﻋﮫ ﻗﺎل: ھﻞ أﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﺣﻘﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻔﺮ ﻏﺪاً؟ﻗﻠﺖ ﻟﮫ: ﻧﻌﻢ ..ﻣﻦ اﻷرﺟﺢ أن أﺳﺎﻓﺮ ﻏﺪاً..ﻗﺎل: إذن ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻄﻠﺐ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ اﻟﯿﻮم ،ﻟﺘﻌﺘﺬر ﻣﻨﮫ .ﻓﻘﺪ ﯾﺴﻲء ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻣﻮﻗﻔﻚ..وﯾﺄﺧﺬ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻃﺮه.. ﻓﻜﺮت ﻗﻠﯿﻼً ﻓﻮﺟﺪﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﺣﻖّ .ﻗﻠﺖ ﻟﺤﺴﺎن: اﻃﻠﺐ ﻟﻲ رﻗﻢ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ﻷﻋﺘﺬر إﻟﯿﮫ..ﻛﻨﺖ أﺗﻮﻗﻊ أن ﺗﺘﻮﻗﻒ اﻷﻣﻮر ھﻨﺎك .وﻟﻜﻦ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ راح ﯾﺮﺣّﺐ ﺑﻲ ..وﯾﺤﺮﺟﻨﻲ ﺑﻠﻄﻔﮫ ،وﯾﻠﺢّ ﻷﺣﻀﺮ ﻟﺰﯾﺎرﺗﮫ وﻟﻮ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺤﯿﻦ.. ﻗﺎل: ﺗﻌﺎل إذن وﺗﻐﺪّ ﻣﻌﻨﺎ اﻟﯿﻮم ..اﻟﻤﮭﻢ أن ﻧﺮاك ﻗﺒﻞ أن ﺗﺴﺎﻓﺮ ..ﺛﻢ ﯾﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﻘﺪمھﺪﯾﺘﻚ ﺑﻨﻔﺴﻚ ﻟﻠﻌﺮوﺳﯿﻦ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺴﺎﻓﺮا أﯾﻀﺎً ھﺬا اﻟﻤﺴﺎء.. ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﻣﺨﺮج .وﺟﺪت ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى ،أواﺟﮫ ﻗﺪري ﻣﻌﻚ .أﻧﺎ اﻟﺬي ﻗﺮرت اﻟﺴﻔﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ،ﺣﺘﻰ أﻧﺘﮭﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﯿﺶ ﻓﻲ ھﺬه اﻷﺟﻮاء اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪور ﻛﻠﮭﺎ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى ﺣﻮﻟﻚ. ھﺎ أﻧﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى أﻟﺒﺲ ﺑﺪﻟﺘﻲ اﻟﺴﻮداء ﻧﻔﺴﮭﺎ ،أﺣﻤﻞ ﻟﻮﺣﺔ ﺗﻮﻗّﻔﺖ أﻣﺎﻣﮭﺎ ﯾﻮﻣﺎً وﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺐ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻞّ ﺑﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ .وأذھﺐ ﻣﻊ ﺣﺴﺎن إﻟﻰ اﻟﻐﺪاء.. ھﺎ ھﻤﺎ ﻗﺪﻣﺎي ﺗﻘﻮداﻧﻨﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻧﺤﻮك .ﻛﻨﺖ أدري أﻧﻨﻲ ﺳﺄﻟﺘﻘﻲ ﺑﻚِ ھﺬه اﻟﻤﺮة. ﻛﺎن ھﻨﺎك ﺣﺪس ﻣﺴﺒﻖ ﯾﺸﻌﺮﻧﻲ أﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﺨﻠﻒ ھﺬا اﻟﻤﻮﻋﺪ اﻟﯿﻮم. ﻣﺎ اﻟﺬي ﻗﺎﻟﮫ ﺳﻲ اﻟﺸﺮﯾﻒ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم؟ ﻣﺎ اﻟﺬي ﻗﻠﺘﮫ وﻣﻦ ﻗﺎﺑﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس؟ وﻣﺎذا
ﻗﺪم ﻟﻨﺎ ﻣﻦ أﻃﺒﺎق ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻔﺮة ..ﻟﻢ أﻋﺪ أذﻛﺮ. ﻛﻨﺖ أﻋﯿﺶ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺒﻚ اﻷﺧﯿﺮة .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﮭﻤﻨﻲ ﺷﻲء ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ،ﺳﻮى أن أراك ..وأن أﻧﺘﮭﻲ ﻣﻨﻚ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ! وﻟﻜﻦ ..ﻛﻨﺖ أﺧﺎف ﺣﺒﻚ .ﻛﻨﺖ أﺧﺎف أن ﯾﺸﺘﻌﻞ ﺣﺒﻚ ﻣﻦ رﻣﺎده ﻣﺮة أﺧﺮى .ﻓﺎﻟﺤﺐ اﻟﻜﺒﯿﺮ ،ﯾﻈﻞّ ﻣﺨﯿﻔﺎً ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎت ﻣﻮﺗﮫ ..ﯾﻈﻞّ ﺧﻄﺮاً ﺣﺘﻰ وھﻮ ﯾﺤﺘﻀﺮ. وﺟﺌﺖ.. أﻛﺜﺮ اﻟﻠﺤﻈﺎت وﺟﻌﺎً ،أﻛﺜﺮ اﻟﻠﺤﻈﺎت ﺟﻨﻮﻧﺎً ،أﻛﺜﺮ اﻟﻠﺤﻈﺎت ﺳﺨﺮﯾﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ وﻗﻔﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﻷﺳﻠﻢ ﻋﻠﯿﻚِ ،وأﺿﻊ ﻋﻠﻰ وﺟﻨﺘﯿﻚ ﻗﺒﻠﺘﯿﻦ ﺑﺮﯾﺌﺘﯿﻦ ،وأﻧﺎ أھﻨﺌﻚ ﺑﺎﻟﺰواج، ﻣﺴﺘﻌﻤﻼً ﻛﻞ اﻟﻤﻔﺮدات اﻟﻼﺋﻘﺔ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻌﺠﯿﺐ. ﻛﻢ ﻛﺎن ﯾﻠﺰﻣﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة ،ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ وﻣﻦ اﻟﺘﻤﺜﯿﻞ ،ﻷوھﻢ اﻵﺧﺮﯾﻦ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻟﺘﻖِ ﺑﻚ ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم ،ﺳﻮى ﻣﺮّة ﻋﺎﺑﺮة ،وأﻧﻚِ ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﻗﻠﺒﺖ ﺣﯿﺎﺗﻲ رأﺳﺎً ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺐ؟ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﺳﻤﻨﻲ ﺳﺮﯾﺮي اﻟﻔﺎرغ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة أﺷﮭﺮ ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺘﻰ اﻟﺒﺎرﺣﺔ.. ﻟﻲ! ﻛﻢ ﻛﺎن ﯾﻠﺰﻣﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺜﯿﻞ ،ﻷھﺪﯾﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻮﺣﺔ ،دون أي ﺗﻌﻠﯿﻖ إﺿﺎﻓﻲ ،دون أﯾﺔ إﺷﺎرة ﺗﻮﺿﯿﺤﯿﺔ ،وﻛﺄﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﺑﮭﺎ ﻗﺼﺘﻲ ﻣﻌﻚ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ وﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ. وﻛﻢ ﻛﻨﺖِ ﻣﺪھﺸﺔ أﻧﺖِ ﻓﻲ ﺗﻤﺜﯿﻠﻚ ،وأﻧﺖِ ﺗﻔﺘﺤﯿﻨﮭﺎ وﺗﻠﻘﯿﻦ ﻧﻈﺮة ﻣﻌﺠﺒﺔ ﻋﻠﯿﮭﺎ، وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺮﯾﻨﮭﺎ ﻷول ﻣﺮة! ﻓﻼ أﺳﺘﻄﯿﻊ إﻻ أن أﺳﺄﻟﻚ ﯾﺘﻮاﻃﺆ ﺳﺮي ﺟﻤﻌﻨﺎ ﯾﻮﻣﺎً: ھﻞ ﺗﺤﺒﯿﻦ اﻟﺠﺴﻮر؟ وﯾﺨﯿﻢ ﺑﯿﻨﻨﺎ ﻓﺠﺄة ﺻﻤﺖ ﻗﺼﯿﺮ ،ﯾﺒﺪو ﻟﻲ ﻃﻮﯾﻼً ﻛﻠﺤﻈﺔ ﺗﺴﺒﻖ ﺣﻜﻤﺎً ﺑﺎﻹﻋﺪام ..أو اﻟﻌﻔﻮ. ﻗﺒﻞ أن ﺗﺮﻓﻌﻲ ﻋﯿﻨﯿﻚ ﻧﺤﻮي وﯾﻨﺰل ﺣﻜﻤﻚِ ﻋﻠﻲّ: ﻧﻌﻢ أﺣﺒﮭﺎ!ﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻨﺤﺘﻨﻲ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺘﯿﻦ!
ﺷﻌﺮت أﻧﻚ ﺗﺒﻌﺜﯿﻦ ﻟﻲ آﺧﺮ إﺷﺎرة ﺣﺐّ. ﺷﻌﺮت أﻧﻚ ﺗﮭﺪﯾﻨﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺸﺮوع ﻟﻮﺣﺔ ﻗﺎدﻣﺔ .أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻟﯿﻠﺔ وھﻤﯿﺔ ..وأﻧﻚ رﻏﻢ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺳﺘﻈﻠّﯿﻦ وﻓﯿّﺔ ﻟﺬاﻛﺮﺗﻨﺎ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ..وﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺗﻮاﻃﺄت ﻣﻌﻨﺎ ،وﻣﺪّت ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺠﺴﻮر ..ﻟﺘﺠﻤﻌﻨﺎ. وﻟﻜﻦ ..أﻛﻨﺖ ﺣﺒﯿﺒﺘﻲ ﺣﻘﺎً؟ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن رﺟﻞ آﺧﺮ ﻓﯿﮭﺎ إﻟﻰ ﺟﻮارك. ﯾﻠﺘﮭﻤﻚ ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ ﻟﻢ ﺗﺸﺒﻌﮭﻤﺎ ﻟﯿﻠﺔ ﺣﺐ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﯾﺪور ﺣﻮل اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺰورﯾﻨﮭﺎ ﻓﻲ ﺷﮭﺮ اﻟﻌﺴﻞ ،وﻛﻨﺖ أﻧﺎ أﺷﯿّﻌﻚ ﺑﺼﻤﺖ، ﻟﺴﻔﺮك اﻷﺧﯿﺮ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻲ.. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ھﺰﯾﻤﺘﻚ اﻷوﻟﻰ ﻣﻌﻲ ..اﻧﺘﮭﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء إذن .ھﺎ أﻧﺎ ﻗﺎﺑﻠﺘﻚ أﺧﯿﺮاً ،أﻛﺎن ھﺬا اﻟﻠﻘﺎء ﯾﺴﺘﺤﻖ ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻻﻧﺘﻈﺎر ،ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻷﻟﻢ؟ ﻛﻢ ﻛﺎن ﺣﻠﻤﻲ ﺑﮫ ﺟﻤﯿﻼً! وﻛﻢ ھﻮ اﻟﯿﻮم ﻣﺪھﺶ وﻣﺴﻄّﺢ ﻓﻲ واﻗﻌﮫ! ﻛﻢ ﻛﺎن ﻣﻠﯿﺌﺎً ﺑﺎﻧﺘﻈﺎرك ،وﻛﻢ ھﻮ ﻓﺎرغ ..ﻣﻮﺟﻊ ﺑﺤﻀﻮرك! أﻛﺎﻧﺖ ﻧﺼﻒ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺎدﻟﻨﺎھﺎ ﺑﯿﻦ ﻧﻈﺮﺗﯿﻦ ،ﺗﺴﺘﺤﻖ ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻟﻮﺟﻊ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻟﺸﻮق واﻟﺠﻨﻮن؟ ﺗﺮﯾﺪﯾﻦ أن ﺗﻘﻮﻟﻲ ﻟﻲ ﺷﯿﺎً ،وﺗﺘﻠﻌﺜﻢ اﻟﻜﻠﻤﺎت ..ﺗﺘﻠﻌﺜﻢ اﻟﻨﻈﺮات. ﻟﻘﺪ ﻧﺴﯿﺖ ﻋﯿﻨﺎك اﻟﺤﺪﯾﺚ إﻟﻲّ ..وﻟﻢ أﻋﺪ أﻋﺮف ﻓﻚّ رﻣﻮزك اﻟﮭﯿﺮوﻏﻠﯿﻔﯿﺔ. ﻓﮭﻞ ﻋﺪﻧﺎ ﯾﻮﻣﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻟﻐﺮﺑﺎء ،دون أن ﻧﺪري؟ اﻓﺘﺮﻗﻨﺎ.. ﻗﺒﻠﺘﺎن أﺧﯿﺮﺗﺎن ﻋﻠﻰ وﺟﻨﺘﯿﻚ .ﻧﻈﺮة ..ﻧﻈﺮﺗﺎن ..وﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺜﯿﻞ ،وأﻟﻢ ﺳﺮي ﺻﺎﻣﺖ. ﺗﺒﺎدﻟﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻛﻠﻤﺎت اﻟﻤﺠﺎﻣﻠﺔ واﻟﺘﮭﺎﻧﻲ واﻟﺸﻜﺮ اﻷﺧﯿﺮ. ﺗﺒﺎدﻟﻨﺎ ﻋﻨﺎوﯾﻨﻨﺎ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺻﺮّ زوﺟﻚ ﻋﻠﻰ أن ﯾﻌﻄﯿﻨﻲ رﻗﻢ ھﺎﺗﻔﮫ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ وﻓﻲ اﻟﻤﻜﺘﺐ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺎ اﺣﺘﺠﺖ إﻟﻰ ﺷﻲء. واﻧﺼﺮﻓﻨﺎ ﻛﻞ ﺑﻮھﻤﮫ ..وﻗﺮاره اﻟﻤﺴﺒﻖ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺪت إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻧﻈﺮت ﻃﻮﯾﻼً إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺗﺤﺴّﺴﮭﺎ ﻃﻮال اﻟﻄﺮﯾﻖ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺬھﻮل ..وﻣﺬاق ﺳﺎﺧﺮ ﻟﻠﻤﺮارة .وﻛﺄﻧﻚ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻌﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻲ إﻟﻰ ﺟﯿﺒﻲ ﺗﺤﺖ اﺳﻢ ورﻗﻢ ھﺎﺗﻔﻲ ﺟﺪﯾﺪ. ودون ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺮدد ..أو اﻟﺘﻌﻤّﻖ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ،ﻗﺮّرت أن أﻣﺰّﻗﮭﺎ ﻓﻮراً ،ﻣﺎدﻣﺖ أﻣﻠﻚ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،وﻣﺎدﻣﺖ ﻣﺼﻤﻤﺎً ﻋﻠﻰ أن ﯾﻨﺘﮭﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ھﻨﺎ ﻓﻲ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ.. ﻛﻤﺎ أردتِ ﯾﻮﻣﺎً ،وﻛﻤﺎ أﺻﺒﺤﺖ أرﯾﺪ أﻧﺎ اﻟﯿﻮم. *** ﻣﺎ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﺗﺮﯾﺪﯾﻨﮫ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺎء؟ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎء ھﺎﺗﻔﻚ ﻓﺠﺄة ﻟﯿﺨﺮﺟﻨﻲ ﻣﻦ دواﻣﺔ أﻓﻜﺎري وأﺣﺎﺳﯿﺴﻲ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ؟ ﺣﯿﻦ ﻣﺪّ ﺣﺴﺎن ﻧﺤﻮي اﻟﮭﺎﺗﻒ وﻗﺎل" :ھﻨﺎك اﻣﺮأة ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﺘﺤﺪث إﻟﯿﻚ "..ﺗﻮﻗّﻌﺖ ﻛﻞ ﺷﻲء إﻻ أن ﺗﻜﻮﻧﻲ أﻧﺖِ. ﺳﺄﻟﺘﻚِ ﺑﺪھﺸﺔ: أﻟﻢ ﺗﺴﺎﻓﺮي ﺑﻌﺪ؟ﻗﻠﺖِ: ﺳﻨﺴﺎﻓﺮ ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺔ ..أردت أن أﺷﻜﺮك ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻮﺣﺔ ..ﻟﻘﺪ وھﺒﺘﻨﻲ ﺳﻌﺎدة ﻟﻢأﺗﻮﻗّﻌﮭﺎ.. ﻗﻠﺖ ﻟﻚِ: أﻧﺎ ﻟﻢ أھﺒﻚ ﺷﯿﺌﺎً ..ﻟﻘﺪ أﻋﺪت ﻟﻚِ ﻟﻮﺣﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺎھﺰة ﻟﻚِ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ وﻋﺸﺮﯾﻦﺳﻨﺔ ..إﻧﮭﺎ ھﺪﯾﺔ ﻗﺪرﻧﺎ اﻟﺬي ﺗﻘﺎﻃﻊ ﯾﻮﻣﺎً .وأﻣﺎ أﻧﺎ ﻓﻠﻲ ھﺪﯾﺔ أﺧﺮى أﺗﻮﻗﻊ أن ﺗﻌﺠﺒﻚ ،ﺳﺄﻗﺪﻣﮭﺎ ﻟﻚ ذات ﯾﻮم ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ.. ﻗﻠﺖِ ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓﺖ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﺨﺎﻓﯿﻦ أن ﯾﺴﺘﺮق أﺣﺪ اﻟﺴﻤﻊ إﻟﯿﻚ أو ﯾﺴﺮق ﻣﻨﻚِ ﺗﻠﻚ اﻟﮭﺪﯾﺔ: -ﻣﺎذا ﺳﺘﮭﺪﯾﻨﻲ؟
ﻗﻠﺖ: إﻧﮭﺎ ﻣﻔﺎﺟﺄة ..ﻟﻨﻔﺘﺮض أﻧﻨﻲ ﺳﺄھﺒﻚ ﻏﺰاﻟﺔ.ﻗﻠﺖِ ﻣﺪھﻮﺷﺔ: إﻧﮫ ﻋﻨﻮان ﻛﺘﺎب!ﻗﻠﺖ: أدري ..ﻷﻧﻨﻲ ﺳﺄھﺒﻚ ﻛﺘﺎﺑﺎً .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺤﺐ ﻓﺘﺎة ﻧﮭﺒﮭﺎ اﺳﻤﻨﺎ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺤﺐ اﻣﺮأةﻧﮭﺒﮭﺎ ﻃﻔﻼً .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺤﺐ ﻛﺎﺗﺒﺔ ..ﻧﮭﺒﮭﺎ ﻛﺘﺎﺑﺎً .ﺳﺄﻛﺘﺐ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ رواﯾﺔ. أﺣﺴﺴﺖ ﻓﻲ ﺻﻮﺗﻚ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﻔﺮح واﻻرﺗﺒﺎك ..ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺪھﺸﺔ واﻟﺤﺰن اﻟﻐﺎﻣﺾ .ﺛﻢ ﻗﻠﺖِ ﻓﺠﺄة ﺑﻨﺒﺮة ﻋﺸﻘﯿﺔ ﻟﻢ أﻋﮭﺪھﺎ ﻣﻨﻚ: ﺧﺎﻟﺪ ..أﺣﺒﻚ ..أﺗﺪري ھﺬا؟واﻧﻘﻄﻊ ﺻﻮﺗﻚ ﻓﺠﺄة ،ﻟﯿﺘﻮﺣﺪ ﺑﺼﻤﺘﻲ وﺣﺰﻧﻲ ،وﻧﺒﻘﻰ ھﻜﺬا ﻟﺤﻈﺎت دون ﻛﻼم .ﻗﺒﻞ أن ﺗﻀﯿﻔﻲ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎء: ﺧﺎﻟﺪ ..ﻗﻞ ﺷﯿﺌﺎً ..ﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﺠﯿﺐ؟ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﺑﺸﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ اﻟﻤﺮة: ﻷن رﺻﯿﻒ اﻷزھﺎر ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺠﯿﺐ..ھﻞ ﺗﻌﻨﻲ أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺤﺒﻨﻲ؟أﺟﺒﺘﻚ ﺑﺼﻮت ﻏﺎﺋﺐ: أﻧﺎ ﻻ أﻋﻨﻲ ﺷﯿﺌﺎً ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ ..إﻧﮫ ﻋﻨﻮان ﻟﺮواﯾﺔ أﺧﺮى ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ ﻧﻔﺴﮫ!ﻣﺎذا ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﺑﻌﺪھﺎ ،ﻻ أذﻛﺮ .ﻣﻦ اﻷرﺟﺢ أن ﯾﻜﻮن ھﺬا آﺧﺮ ﻣﺎ ﻗﻠﺘﮫ ﻟﻚ ﻗﺒﻞ أن أﺿﻊ اﻟﺴﻤّﺎﻋﺔ ،وﻧﻔﺘﺮق ﻟﻌﺪة ﺳﻨﻮات. ***
"ﻻ ﺗﻄﺮﻗﻲ اﻟﺒﺎب ﻛﻞ ھﺬا اﻟﻄﺮق ..ﻓﻢ أﻋﺪ ھﻨﺎ". ﻻ ﺗﺤﺎوﻟﻲ أن ﺗﻌﻮدي إﻟﻲّ ﻣﻦ اﻷﺑﻮاب اﻟﺨﻠﻔﯿﺔ ،وﻣﻦ ﺛﻘﻮب اﻟﺬاﻛﺮة ،وﺛﻨﺎﯾﺎ اﻷﺣﻼم اﻟﻤﻄﻮﯾّﺔ ،وﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎﺑﯿﻚ اﻟﺘﻲ أﺷﺮﻋﺘﮭﺎ اﻟﻌﻮاﺻﻒ. ﻻ ﺗﺤﺎوﻟﻲ.. ﻓﺄﻧﺎ ﻏﺎدرت ذاﻛﺮﺗﻲ .ﯾﻮم وﻗﻌﺖ ﻋﻠﻰ اﻛﺘﺸﺎف ﻣﺬھﻞ :ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺬاﻛﺮة ﻟﻲ ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ذاﻛﺮة ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ أﺗﻘﺎﺳﻤﮭﺎ ﻣﻌﻚ .ذاﻛﺮة ﯾﺤﻤﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻠﺘﻘﻲ. ﻻ ﺗﻄﺮﻗﻲ اﻟﺒﺎب ﻛﻞ ھﺬا اﻟﻄﺮق ﺳﯿﺪﺗﻲ ..ﻓﻠﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﻲ ﺑﺎب. ﻟﻘﺪ ﺗﺨﻠّﺖ ﻋﻨﻲ اﻟﺠﺪران ﯾﻮم ﺗﺨﻠّﯿﺖ ﻋﻨﻚ ،واﻧﮭﺎر اﻟﺴﻘﻒ ﻋﻠﻲّ وأﻧﺎ أﺣﺎول أن أھﺮّب أﺷﯿﺎﺋﻲ اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة ﺑﻌﺪك. ﻓﻼ ﺗﺪوري ھﻜﺬا ﺣﻮل ﺑﯿﺖ ﻛﺎن ﺑﯿﺘﻲ. ﻻ ﺗﺒﺤﺜﻲ ﻋﻦ ﻧﺎﻓﺬة ﺗﺪﺧﻠﯿﻦ ﻣﻨﮭﺎ ﻛﺴﺎرﻗﺔ .ﻟﻘﺪ ﺳﺮﻗﺖ ﻛﻞّ ﺷﻲء ﻣﻨّﻲ ،وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﺷﻲء ﯾﺴﺘﺤﻖّ اﻟﻤﻐﺎﻣﺮة. ﻻ ﺗﻄﺮﻗﻲ اﻟﺒﺎب ﻛﻞّ ھﺬا اﻟﻄﺮق اﻟﻤﻮﺟﻊ.. ھﺎﺗﻔﻚ ﯾﺪقّ ﻓﻲ ﻛﮭﻮف اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﻔﺎرﻏﺔ دوﻧﻚ ،وﯾﺄﺗﻲ اﻟﺼﺪى ﻣﻮﺟﻌﺎً وﻣﺨﯿﻔﺎً. أﻻ ﺗﺪرﯾﻦ أﻧﻨﻲ أﺳﻜﻦ ھﺬا اﻟﻮادي ﺑﻌﺪك ،ﻛﻤﺎ ﯾﺴﻜﻦ اﻟﺤﺼﻰ ﺟﻮف "وادي اﻟﺮﻣﺎل"؟ ﺗﻤﮭّﻠﻲ ﺳﯿﺪﺗﻲ إذن.. ﺗﻤﮭّﻠﻲ وأﻧﺖ ﺗﻤﺮّﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﻮر ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ .ﻓﺄﯾﺔ زﻟﺔ ﻗﺪم ﺳﺘﺮﻣﯿﻨﻲ ﺑﺴﯿﻞٍ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة .وأي ﺳﮭﻮ ﻣﻨﻚ ﺳﯿﺮﻣﯿﻚ ھﻨﺎ ﻋﻨﺪي ﻟﺘﺘﺤﻄﻤﻲ ﻣﻌﻲ. ﯾﺎ اﻣﺮأة ﻣﺘﻨﻜّﺮة ﻓﻲ ﺛﯿﺎب أﻣﻲ ..ﻓﻲ ﻋﻄﺮ أﻣﻲ وﻓﻲ ﺧﻮف أﻣﻲ ﻋﻠﻲّ.. ﻣﺘﻌﺐ أﻧﺎ ..ﻛﺠﺴﻮر ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ .ﻣﻌﻠّﻖ أﻧﺎ ﻣﺜﻠﮭﺎ ﺑﯿﻦ ﺻﺨﺮﺗﯿﻦ وﺑﯿﻦ رﺻﯿﻔﯿﻦ.
ﻓﻠﻤﺎذا ﻛﻞ ھﺬا اﻷﻟﻢ..؟ وﻟﻤﺎذا ..أﻛﺬب اﻷﻣﮭﺎت أﻧﺖ ،وأﺣﻤﻖ اﻟﻌﺸﺎق أﻧﺎ؟ ﻻ ﺗﻄﺮﻗﻲ أﺑﻮاب ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ اﻟﻮاﺣﺪ ﺑﻌﺪ اﻵﺧﺮ ..أﻧﺎ ﻻ أﺳﻜﻦ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ..إﻧﮭﺎ ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻜﻨﻨﻲ. ﻻ ﺗﺒﺤﺜﻲ ﻋﻨﻲ ﻓﻮق ﺟﺴﻮرھﺎ ،ھﻲ ﻟﻢ ﺗﺤﻤﻠﻨﻲ ﻣﺮة ..وﺣﺪي أﻧﺎ ﺣﻤﻠﺘﮭﺎ. ﻻ ﺗﺴﺄﻟﻲ أﻏﺎﻧﯿﮭﺎ ﻋﻨّﻲ ،وﺗﺄﺗﻨﻲ ﻻھﺜﺔ ﺑﺨﺒﺮٍ ﻗﺪﯾﻢ _ﺟﺪﯾﺪ ،وأﻏﻨﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﻨّﻰ ﻟﻠﺤﺰن ﻓﺼﺎرت ﺗﻐﻨّﻰ ﻟﻸﻓﺮاح.. "ﻗﺎﻟﻮا اﻟﻌﺮب ﻗﺎﻟﻮا *** ﻣﺎ ﻧﻌﻄﯿﻮْ ﺻﺎﻟﺢ وﻻ ﻣﺎﻟُﻮ ﻗﺎﻟﻮا اﻟﻌﺮب ھﯿﮭﺎت *** ﻣﺎ ﻧﻌﻄﯿﻮْ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﺎي اﻟﺒﺎﯾﺎت".. أﻋﺮف ﻋﻦ ﻇﮭﺮ ﻗﻠﺐ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﮫ اﻟﻌﺮب ،وﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺠﺮؤوا اﻟﯿﻮم ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﮫ. وأدري ..ﻛﺎن "ﺻﺎﻟﺢ" ﺛﻮب ﺣﺪادك اﻷول ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻮﻟﺪي .ﻛﺎن آﺧﺮ ﺑﺎﯾﺎت ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ..وﻛﻨﺖ أﻧﺎ وﺻﯿّﺘﮫ اﻷﺧﯿﺮة" :ﯾﺎ ﺣﻤﻮدة ..آخ ﯾﺎ وﻟﯿﺪي ﺗﮭﺎ اﷲ ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺪار ..آه ..آه..". أي دار ﯾﺎ ﺻﺎﻟﺢ ..أي دار ﺗﻮﺻﯿﻨﻲ ﺑﮭﺎ؟ ﻟﻘﺪ زرت( ﺳﻮق اﻟﻌﺼﺮ( وﺷﺎھﺪت دارك ﻓﺎرﻏﺔ ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﮭﺎ .ﺳﺮﻗﻮا ﺣﺘﻰ أﺣﺠﺎرھﺎ، وﺷﺒﺎﺑﯿﻜﮭﺎ اﻟﺤﺪﯾﺪﯾﺔ .ﺧﺮّﺑﻮا ﻣﻤﺮاﺗﮭﺎ وﻋﺒﺜﻮا ﺑﻨﻘﻮﺷﮭﺎ ..وﻇﻠّﺖ واﻗﻔﺔ ،ھﯿﻜﻼً ﻣﺼﻔﺮّاً ﯾﺒﻮل اﻟﺼﻌﺎﻟﯿﻚ واﻟﺴﻜﺎرى ﻋﻠﻰ ﺟﺪراﻧﮫ. أيّ وﻃﻦ ھﺬا اﻟﺬي ﯾﺒﻮل ﻋﻠﻰ ذﻛﺮﺗﮫ ﯾﺎ ﺻﺎﻟﺢ؟ أي وﻃﻦ ھﺬا؟ ھﺎ ھﻲ ذي ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺗﻠﺒﺲ ﺣﺪاد رﺟﻞ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺬﻛﺮ اﺳﻤﮫ .وھﺎ أﻧﺖ ذي ﻃﻔﻠﺔ ﻻ أﺣﺪ ﯾﻌﺮف ﻗﺮاﺑﺘﮭﺎ ﺑﮭﺬه اﻟﺠﺴﻮر.. ﻓﺎﻧﺰﻋﻲ "ﻣﻼﯾﺘﻚ" ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم ..وارﻓﻌﻲ ﻋﻦ وﺟﮭﻚ اﻟﺨﻤﺎر ،وﻻ ﺗﻄﺮﻗﻲ اﻟﺒﺎب ﻛﻞ ھﺬا اﻟﻄﺮق.. ﻓﻠﻢ ﯾﻌﺪ ﺻﺎﻟﺢ ھﻨﺎ ..وﻻ أﻧﺎ.
اﻓﺘﺮﻗﻨﺎ إذن.. اﻟﺬﯾﻦ ﻗﺎﻟﻮا اﻟﺤﺐ وﺣﺪه ﻻ ﯾﻤﻮت ،أﺧﻄﺄوا.. واﻟﺬﯾﻦ ﻛﺘﺒﻮا ﻟﻨﺎ ﻗﺼﺺ ﺣﺐ ﺑﻨﮭﺎﯾﺎت ﺟﻤﯿﻠﺔ ،ﻟﯿﻮھﻤﻮﻧﺎ أن ﻣﺠﻨﻮن ﻟﯿﻠﻰ ﻣﺤﺾ اﺳﺘﺜﻨﺎء ﻋﺎﻃﻔﻲ ..ﻻ ﯾﻔﮭﻤﻮن ﺷﯿﺌﺎً ﻓﻲ ﻗﻮاﻧﯿﻦ اﻟﻘﻠﺐ. إﻧﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﻜﺘﺒﻮا ﺣﺒﺎً ،ﻛﺘﺒﻮا ﻟﻨﺎ أدﺑﺎً ﻓﻘﻂ اﻟﻌﺸﻖ ﻻ ﯾﻮﻟﺪ إﻻ ﻓﻲ وﺳﻂ ﺣﻘﻮل اﻷﻟﻐﺎم ،وﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﺤﻈﻮرة .وﻟﺬا ﻟﯿﺲ اﻧﺘﺼﺎره داﺋﻤﺎً ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺎت اﻟﺮﺻﯿﻨﺔ اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ.. إﻧﮫ ﯾﻤﻮت ﻛﻤﺎ ﯾﻮﻟﺪ ..ﻓﻲ اﻟﺨﺮاب اﻟﺠﻤﯿﻞ ﻓﻘﻂ! اﻓﺘﺮﻗﻨﺎ إذن.. ﻓﯿﺎ ﺧﺮاﺑﻲ اﻟﺠﻤﯿﻞ ﺳﻼﻣﺎً .ﯾﺎ وردة اﻟﺒﺮاﻛﯿﻦ ،وﯾﺎ ﯾﺎﺳﻤﯿﻨﺔ ﻧﺒﺘﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺮاﺋﻘﻲ ﺳﻼﻣﺎً. ﯾﺎ اﺑﻨﺔ اﻟﺰﻻزل واﻟﺸﺮوخ اﻷرﺿﯿﺔ! ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﺧﺮاﺑﻚ اﻷﺟﻤﻞ ﺳﯿﺪﺗﻲ ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﺧﺮاﺑﻚ اﻷﻓﻈﻊ.. ﻗﺘﻠﺖ وﻃﻨﺎً ﺑﺄﻛﻤﻠﮫ داﺧﻠﻲ ،ﺗﺴﻠﻠﺖ ﺣﺘﻰ دھﺎﻟﯿﺰ ذاﻛﺮﺗﻲ ،ﻧﺴﻔﺖ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺑﻌﻮد ﺛﻘﺎب واﺣﺪ ﻓﻘﻂ.. ﻣﻦ ﻋﻠّﻤﻚِ اﻟﻠﻌﺐ ﺑﺸﻈﺎﯾﺎ اﻟﺬاﻛﺮة؟ أﺟﯿﺒﻲ! ﻣﻦ أﯾﻦ أﺗﯿﺖ ھﺬه اﻟﻤﺮة_ أﯾﻀﺎً_ ﺑﻜﻞ ھﺬه اﻷﻣﻮاج اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر .ﻣﻦ أﯾﻦ أﺗﯿﺖ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﻼ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم ﻣﻦ دﻣﺎر؟ اﻓﺘﺮﻗﻨﺎ إذن.. ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻛﺎذﺑﺔ ﻣﻌﻲ ..وﻻ ﻛﻨﺖِ ﺻﺎدﻗﺔ ﺣﻘﺎً .ﻻ ﻛﻨﺖِ ﻋﺎﺷﻘﺔ ..وﻻ ﻛﻨﺖِ ﺧﺎﺋﻨﺔ ﺣﻘﺎً. ﻻ ﻛﻨﺖِ اﺑﻨﺘﻲ ..وﻻ ﻛﻨﺖِ أﻣﻲ ﺣﻘﺎً. ﻛﻨﺖ ﻓﻘﻂ ﻛﮭﺬا اﻟﻮﻃﻦ ..ﯾﺤﻤﻞ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺿﺪه.
أﺗﺬﻛﺮﯾﻦ؟ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺒﻌﯿﺪ ،ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ اﻷول ،ﯾﻮم ﻛﻨﺖ ﺗﺤﺒﯿﻨﻨﻲ وﺗﺒﺤﺜﯿﻦ ﻓﻲّ ﻋﻦ ﻧﺴﺨﺔ أﺧﺮى ﻷﺑﯿﻚ. ﻗﻠﺖ ﻣﺮة: اﻧﺘﻈﺮﺗﻚ ﻃﻮﯾﻼً ..اﻧﺘﻈﺮﺗﻚ ﻛﺜﯿﺮاً ،ﻛﻤﺎ ﻧﻨﺘﻈﺮ اﻷوﻟﯿﺎء اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ..ﻛﻤﺎ ﻧﻨﺘﻈﺮاﻷﻧﺒﯿﺎء ..ﻻ ﺗﻜﻦ ﻧﺒﯿﺎً ﻣﺰﯾﻔﺎً ﯾﺎ ﺧﺎﻟﺪ ..أﻧﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﯿﻚ! ﻻﺣﻈﺖ وﻗﺘﮭﺎ أﻧﻚِ ﻟﻢ ﺗﻘﻮﻟﻲ أﻧﺎ أﺣﺒﻚ .ﻗﻠﺖِ ﻓﻘﻂ "أﻧﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﯿﻚ".. ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺤﺐ ﺑﺎﻟﻀﺮورة اﻷﻧﺒﯿﺎء .ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﯿﮭﻢ ﻓﻘﻂ ..ﻓﻲ ﻛﻞ اﻷزﻣﻨﺔ. أﺟﺒﺘﻚ: أﻧﺎ ﻟﻢ أﺧﺘﺮ أن أﻛﻮن ﻧﺒﯿﺎً..ﻗﻠﺖ ﻣﺎزﺣﺔ: اﻷﻧﺒﯿﺎء ﻻ ﯾﺨﺘﺎرون رﺳﺎﻟﺘﮭﻢ ،إﻧﮭﻢ ﯾﺆدّوﻧﮭﺎ ﻓﻘﻂ!أﺟﺒﺘﻚِ: وﻻ ﯾﺨﺘﺎرون رﻋﯿّﺘﮭﻢ أﯾﻀﺎً .وﻟﺬا ﻟﻮ ﺣﺪث واﻛﺘﺸﻔﺖِ أﻧﻨﻲ ﻧﺒﻲّ ﻣﺰﯾّﻒ ..ﻗﺪ ﯾﻜﻮنذﻟﻚ ﻷﻧﻨﻲ ﺑﻌﺜﺖ ﻟﺮﻋﯿﺔ ﺗﺤﺘﺮف اﻟﺮدّة! ﺿﺤﻜﺖ ..وﺑﻌﻨﺎد أﻧﺜﻰ ﯾﻐﺮﯾﮭﺎ اﻟﺘﺤﺪّي ﻗﻠﺖ: أﻧﺖ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﺨﺮج ﻟﻔﺸﻠﻚ اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ ﻣﻌﻲ ،أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟..ﻟﻦ أﻣﻨﺤﻚ ﻣﺒﺮراً ﻛﮭﺬا .ھﺎت وﺻﺎﯾﺎك اﻟﻌﺸﺮ وأﻧﺎ أﻃﺒﻘﮭﺎ. ﻧﻈﺮت إﻟﯿﻚ ﻃﻮﯾﻼً ﯾﻮﻣﮭﺎ .ﻛﻨﺖ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ أن ﺗﻄﺒّﻘﻲ وﺻﺎﯾﺎ ﻧﺒﻲ ،أﺿﻌﻒ ﻣﻦ أن ﺗﺤﻤﻠﻲ ﺛﻘﻞ اﻟﺘﻌﺎﻟﯿﻢ اﻟﺴﻤﺎوﯾﺔ .وﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﻓﯿﻚ ﻧﻮر داﺧﻠﻲ ﻟﻢ أﺷﮭﺪه ﻓﻲ اﻣﺮأة ﻗﺒﻠﻚ .. ﺑﺬرة ﻧﻘﺎء ﻟﻢ أﻛﻦ أرﯾﺪ أن أﺗﺠﺎھﻠﮭﺎ..
أﻟﯿﺲ دور اﻷﻧﺒﯿﺎء اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺑﺬور اﻟﺨﯿﺮ ﻓﯿﻨﺎ؟ ﻗﻠﺖ: دﻋﻲ اﻟﻮﺻﺎﯾﺎ اﻟﻌﺸﺮ ﺟﺎﻧﺒﺎً واﺳﻤﻌﯿﻨﻲ ..ﻟﻘﺪ ﺟﺌﺘﻚ ﺑﺎﻟﻮﺻﯿﺔ اﻟﺤﺎدﯾﺔ ﻋﺸﺮة ﻓﻘﻂ..ﺿﺤﻜﺖ وﻗﻠﺖ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺼﺪق: ھﺎت ﻣﺎ ﻋﻨﺪك أﯾﮭﺎ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻤﻔﻠﺲ ..أﻗﺴﻢ أﻧﻨﻲ ﺳﺄﺗﺒﻌﻚ!ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﺷﻌﺮت ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ أن أﺳﺘﻐﻞّ ﻗﺴﻤﻚ .وأﻗﻮل ﻟﻚ" :ﻛﻮﻧﻲ ﻟﻲ ﻓﻘﻂ "..وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ذﻟﻚ ﻛﻼم ﻧﺒﻲ .وﻛﻨﺖ دون أن أدري ﻗﺪ ﺑﺪأت أﻣﺜّﻞ أﻣﺎﻣﻚ اﻟﺪور اﻟﺬي اﺧﺘﺮﺗﮫ ﻟﻲ ..ﻓﺮﺣﺖ أﺑﺤﺚ ﻓﻲ ذھﻨﻲ ﻋﻦ ﺷﻲء ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻘﻮﻟﮫ ﻧﺒﻲ ﯾﺒﺎﺷﺮ وﻇﯿﻔﺘﮫ ﻷول ﻣﺮة ..ﻗﻠﺖ: اﺣﻤﻠﻲ ھﺬا اﻻﺳﻢ ﺑﻜﺒﺮﯾﺎء أﻛﺒﺮ ..ﻟﯿﺲ ﺑﺎﻟﻀﺮورة ﺑﻐﺮور ،وﻟﻜﻦ ﺑﻮﻋﻲ ﻋﻤﯿﻖ أﻧﻚأﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻣﺮأة .أﻧﺖ وﻃﻦ ﺑﺄﻛﻤﻠﮫ ..ھﻞ ﺗﻌﯿﻦ ھﺬا؟ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﻖ اﻟﺮﻣﻮز أن ﺗﺘﮭﺸّﻢ.. ھﺬا زﻣﻦ ﺣﻘﯿﺮ ،إذا ﻟﻢ ﻧﻨﺤﺰ ﻓﯿﮫ إﻟﻰ اﻟﻘﯿﻢ ﺳﻨﺠﺪ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ اﻟﻘﺎذورات واﻟﻤﺰاﺑﻞ .ﻻ ﺗﻨﺤﺎزي ﻟﺸﻲء ﺳﻮى اﻟﻤﺒﺎدئ ..ﻻ ﺗﺠﺎﻣﻠﻲ أﺣﺪاً ﺳﻮى ﺿﻤﯿﺮك ..ﻷﻧﻚ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻻ ﺗﻌﯿﺸﯿﻦ ﻣﻊ ﺳﻮاه! ﻗﻠﺖ: أھﺬه وﺻﯿﺘﻚ ﻟﻲ ..ﻓﻘﻂ؟!ﻗﻠﺖ: ﻻ ﺗﺴﺘﮭﯿﻨﻲ ﺑﮭﺎ ..إن ﺗﻄﺒﯿﻘﮭﺎ ﻟﯿﺲ ﺳﮭﻼً ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻮھّﻤﯿﻦ ..ﺳﺘﻜﺘﺸﻔﯿﻦ ذﻟﻚ ﺑﻨﻔﺴﻚذات ﯾﻮم.. ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أﻻ ﺗﺴﺨﺮي ﯾﻮﻣﮭﺎ ﻣﻦ وﺻﯿﺔ ذﻟﻚ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻤﻔﻠﺲ ..وﺗﺴﺘﺴﮭﻠﯿﮭﺎ إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺤﺪ!..
ﻣﺮّت ﺳﺖّ ﺳﻨﻮات ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﺴﻔﺮ .ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻠﻘﺎء ،ذﻟﻚ اﻟﻮداع.
ﺣﺎوﻟﺖ ﺧﻼﻟﮭﺎ أن أﻟﻤﻠﻢ ﺟﺮﺣﻲ وأﻧﺴﻰ .ﺣﺎوﻟﺖ ﻣﻨﺬ ﻋﻮدﺗﻲ ،أن أﺿﻊ ﺷﯿﺌﺎً ﻣﻦ اﻟﺘﺮﺗﯿﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ .أن أﻋﯿﺪ اﻷﺷﯿﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﻧﮭﺎ اﻷول ،دون ﺿﺠﯿﺞ وﻻ ﺗﺬﻣّﺮ ،دون أن أﻛﺴﺮ ﻣﺰھﺮﯾﺔ ،دون أن أﻏﯿّﺮ ﻣﻜﺎن ﻟﻮﺣﺔ ،وﻻ ﻣﻜﺎن اﻟﻘﯿﻢ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺪّس اﻟﻐﺒﺎر ﻋﻠﯿﮭﺎ داﺧﻠﻲ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ. ﺣﺎوﻟﺖ أن أﻋﯿﺪ اﻟﺰﻣﺎن إﻟﻰ اﻟﻮراء ،دون ﺣﻘﺪ وﻻ ﻏﻔﺮان أﯾﻀﺎً. ﻻ ..ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻐﻔﺮ ﺑﮭﺬه اﻟﺴﮭﻮﻟﺔ ﻟﻤﻦ ﯾﺠﻌﻠﻨﺎ ﺑﺴﻌﺎدة ﻋﺎﺑﺮة ،ﻧﻜﺘﺸﻒ ﻛﻢ ﻛﻨﺎ ﺗﻌﺴﺎء ﻗﺒﻠﮫ .وﻧﻐﻔﺮ أﻗﻞ ،ﻟﻤﻦ ﯾﻘﺘﻞ أﺣﻼﻣﻨﺎ أﻣﺎﻣﻨﺎ دون أدﻧﻰ ﺷﻌﻮر ﺑﺎﻟﺠﺮﯾﻤﺔ. وﻟﺬا ﻟﻢ أﻏﻔﺮ ﻟﻚ ..وﻻ ﻟﮭﻢ. ﺣﺎوﻟﺖ ﻓﻘﻂ أن أﺗﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻚ وﻣﻊ اﻟﻮﻃﻦ ﺑﻌﺸﻖ أﻗﻞ .واﺧﺘﺮت اﻟﻼﻣﺒﺎﻻة ﻋﺎﻃﻔﺔ واﺣﺪة ﻧﺤﻮﻛﻤﺎ. ﻛﺎن ﯾﺤﺪث ﻷﺧﺒﺎرك أن ﺗﺼﻠﻨﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ ،وأﻧﺎ أﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﻣﻦ ﯾﺘﺤﺪث ﻋﻦ زوﺟﻚ ،ﻋﻦ ﺻﻌﻮده اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ..وﻋﻦ ﺻﻔﻘﺎﺗﮫ وﺷﺆوﻧﮫ اﻟﺴﺮﯾﺔ واﻟﻌﻠﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻐﻞ أﺣﺎدﯾﺚ اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ. وﻛﺎن ﯾﺤﺪث ﻷﺧﺒﺎر اﻟﻮﻃﻦ أن ﺗﺄﺗﯿﻨﻲ أﯾﻀﺎً ﺗﺎرة ﻓﻲ ﺟﺮﯾﺪة ،وﺗﺎرة ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﺲ أﺧﺮى .وﺗﺎرة ﻋﻨﺪﻣﺎ زارﻧﻲ ﺣﺴﺎن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻵﺧﺮ ﻣﺮة ﻟﯿﺸﺘﺮي ﺗﻠﻚ اﻟﺴﯿﺎرة اﻟﺘﻲ وﻋﺪﺗﮫ ﺑﮭﺎ.. وﻛﻞ ﻣﺮة ،ﻛﻨﺖ أواﺟﮫ ﻛﻞ ﻣﺎ أﺳﻤﻌﮫ ﺑﺎﻟﻼﻣﺒﺎﻻة ﻧﻔﺴﮭﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻮﻟّﺪھﺎ ﺳﻮى اﻟﯿﺄس اﻷﺧﯿﺮ. ﺑﺪأت أﺗﻌﻠّﻖ ﺑﺤﺴﺎن ﻓﻘﻂ ،وﻛﺄﻧﻨﻲ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﻓﺠﺄة وﺟﻮده .أﺻﺒﺢ أﻣﺮه وﺣﺪه ﯾﮭﻤﻨﻲ ﺑﻌﺪﻣﺎ وﻋﯿﺖ أﻧﮫ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺒﻘّﻰ ﻟﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﺑﻌﺪﻣﺎ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻌﯿﺸﮭﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺟﮭﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻋﻨﮭﺎ ﻗﺒﻞ زﯾﺎرﺗﻲ إﻟﻰ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ. أﺻﺒﺤﺖ أﻃﻠﺒﮫ ھﺎﺗﻔﯿﺎً ﺑﺎﻧﺘﻈﺎم .أﺳﺄﻟﮫ ﻋﻦ أﺧﺒﺎره وﻋﻦ اﻷوﻻد ،وﻋﻦ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻨﻮي أن ﯾﻘﻮم ﻓﯿﮫ ﺑﺒﻌﺾ اﻹﺻﻼﺣﺎت ،واﻟﺬي وﻋﺪﺗﮫ أن أﺗﻜﻔّﻞ ﺑﻤﺼﺎرﯾﻒ ﺗﺮﻣﯿﻤﮫ وﺗﺠﺪﯾﺪه. ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻨﻮﯾﺎﺗﮫ ﺗﻨﺨﻔﺾ وﺗﺮﺗﻔﻊ ﻣﻦ ھﺎﺗﻒ إﻟﻰ آﺧﺮ .ﻛﺎن ﯾﺤﺪﺛﻨﻲ ﺗﺎرة ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﺸﺎرﯾﻌﮫ ،وﻋﻦ ﺑﻌﺾ اﻻﺗﺼﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﯾﻘﻮم ﺑﮭﺎ ﻟﯿﺘﻢ ﻧﻘﻠﮫ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ..ﺛﻢ ﯾﻌﻮد
وﯾﻔﻘﺪ ﻓﺠﺄة ﺣﻤﺎﺳﮫ. ﻛﻨﺖ أﻋﺮف ذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺴﺄﻟﻨﻲ ﻓﻲ آﺧﺮ ﻣﻜﺎﻟﻤﺘﮫ: ﻣﺘﻰ ﺳﺘﺄﺗﻲ ﯾﺎ ﺧﺎﻟﺪ؟أﺷﻌﺮ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ أﻧﮫ ﺑﺎﺧﺮة ﺗﻐﺮق ،وﺗﺒﻌﺚ إﺷﺎرة ﺿﻮﺋﯿﺔ ﺗﻄﻠﺐ اﻟﻨﺠﺪة ﻣﻨﻲ. وﺑﺮﻏﻢ ذﻟﻚ ،ﻛﻨﺖ أﺳﺎﯾﺮه ﻓﻘﻂ ،وأﻋﺪه ﻛﻞ ﻣﺮة أﻧﻨﻲ ﻗﺪ أزوره ﻓﻲ اﻟﺼﯿﻒ اﻟﻘﺎدم. وﻛﻨﺖ أﻋﺮف ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻲ أﻧﻨﻲ أﻛﺬب ،وأﻧﻨﻲ ﻗﻄﻌﺖ اﻟﺠﺴﻮر ﻣﻊ اﻟﻮﻃﻦ ﺣﺘﻰ إﺷﻌﺎر آﺧﺮ. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ،أﺻﺒﺤﺖ ﻋﻨﺪي ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺑﺎﻧﻌﺪام اﻷﻣﻞ .ﻛﺎن اﻟﻘﻄﺎر ﯾﺴﯿﺮ ﻓﻲ اﻻﺗﺠﺎه اﻟﻤﻌﺎﻛﺲ ،وﺑﺴﺮﻋﺔ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻤﻜﻨﺎً ﻣﻌﮭﺎ أن ﻧﻔﻌﻞ ﺷﯿﺌﺎً ..أي ﺷﻲء ،ﻏﯿﺮ اﻟﺬھﻮل واﻧﺘﻈﺎر ﻛﺎرﺛﺔ اﻻﺻﻄﺪام. وﻛﻨﺖ أﺣﺰم ﺣﻘﺎﺋﺐ اﻟﻘﻠﺐ ..وأﻣﻀﻲ دون أن أدري ﻓﻲ اﺗﺠﺎهٍ آﺧﺮ أﯾﻀﺎً ،ﻓﻲ اﻻﺗﺠﺎه اﻟﻤﻌﺎﻛﺲ ﻟﻠﻮﻃﻦ. رﺣﺖ أؤﺛﺚ ﻏﺮﺑﺘﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﯿﺎن .أﺻﻨﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻔﻰ وﻃﻨﺎً آﺧﺮ ﻟﻲ ،وﻃﻨﺎً رﺑﻤﺎ أﺑﺪﯾﺎً، ﻋﻠﻲّ أن أﺗﻌﻮد اﻟﻌﯿﺶ ﻓﯿﮫ. ﺑﺪأت أﺗﺼﺎﻟﺢ ﻣﻊ اﻷﺷﯿﺎء .أﻗﻤﺖ ﻋﻼﻗﺎت ﻃﺒﯿﻌﯿﺔ ﻣﻊ ﻧﮭﺮ اﻟﺴﯿﻦ ..ﻣﻊ ﺟﺴﺮ ﻣﯿﺮاﺑﻮ ..ﻣﻊ ﻛﻞ اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺎﺑﻠﻨﻲ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎﻓﺬة ،واﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﻋﯿﺶ ﻓﻲ ﻣﻌﺎداة ﻟﮭﺎ دون ﺳﺒﺐ. اﺧﺘﺮت ﻟﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺸﯿﻘﺔ ﻋﺎﺑﺮة .أﺛﺜﺖ ﺳﺮﯾﺮي ﺑﺎﻟﻤﻠﺬّات اﻟﺠﻨﻮﻧﯿﺔ ..ﺑﻨﺴﺎء ﻛﻨﺖ أدھﺸﮭﻦ ﻛﻞ ﻣﺮة أﻛﺜﺮ ،وأﻗﺘﻠﻚ ﺑﮭﻦ ﻛﻞ ﻣﺮة أﻛﺜﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﺷﻲء ﻣﻨﻚِ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ. ﻧﺴﻲ ھﺬا اﻟﺠﺴﺪ ﺷﻮﻗﮫ ﻟﻚ ،ﻧﺴﻲ ﺗﻄﺮّﻓﮫ وﺣﻤﺎﻗﺎﺗﮫ وإﺿﺮاﺑﮫ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻟﺬة ﻣﺎ ﻋﺪا ﻟﺬّﺗﻚ اﻟﻮھﻤﯿﺔ. ﺗﻌﻤﺪت أن أﻓﺮغ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ رﻣﻮزھﻦ اﻷوﻟﻰ. ﻣﻦ ﻗﺎل إن ھﻨﺎك اﻣﺮأة ﻣﻨﻔﻰ ،واﻣﺮأة وﻃﻨﺎً ،ﻓﻘﺪ ﻛﺬب..
ﻻ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻟﻠﻨﺴﺎء ﺧﺎرج اﻟﺠﺴﺪ .واﻟﺬاﻛﺮة ﻟﯿﺴﺖ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﺬي ﯾﺆدي إﻟﯿﮭﻦ .ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ھﻨﺎﻟﻚ ﻃﺮﯾﻖ واﺣﺪ ﻻ أﻛﺜﺮ ..ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﺟﺰم اﻟﯿﻮم ﺑﮭﺬا! اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺷﯿﺌﺎً ﻻ ﺑﺪ أن أﻗﻮﻟﮫ ﻟﻚ اﻟﯿﻮم.. اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻣﺤﺾ ﻗﻀﯿﺔ ذھﻨﯿﺔ .ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﺧﯿﺎﻟﯿﺔ ﻻ أﻛﺜﺮ .وھﻢ ﻧﺨﻠﻘﮫ ﻟﺤﻈﺔ ﺟﻨﻮن ﻧﻘﻊ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﺒﯿﺪاً ﻟﺸﺨﺺ واﺣﺪ ،وﻧﺤﻜﻢ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺎﻟﺮوﻋﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻟﺴﺒﺐ ﻏﺎﻣﺾ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻖ. رﻏﺒﺔ ﺗﻮﻟﺪ ھﻜﺬا ﻣﻦ ﺷﻲء ﻣﺠﮭﻮل ،ﻗﺪ ﯾﻌﯿﺪﻧﺎ إﻟﻰ ذﻛﺮى أﺧﺮى ..ﻟﻌﻄﺮ راﺋﺤﺔ أﺧﺮى ..ﻟﻜﻠﻤﺔ ،ﻟﻮﺟﮫ آﺧﺮ.. رﻏﺒﺔ ﺟﻨﻮﻧﯿﺔ ﺗﻮﻟﺪ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ﺧﺎرج اﻟﺠﺴﺪ ،ﻣﻦ اﻟﺬاﻛﺮة أو رﺑﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻼﺷﻌﻮر، ﻣﻦ أﺷﯿﺎء ﻏﺎﻣﻀﺔ ﺗﺴﻠﻠﺖ إﻟﯿﮭﺎ أﻧﺖِ ذات ﯾﻮم ،وإذا ﺑﻚ اﻷروع ،وإذا ﺑﻚ اﻷﺷﮭﻰ، وإذا ﻛﻞ اﻟﻨﺴﺎء أﻧﺖِ. أﻓﮭﻤﺖ ﻟﻤﺎذا ﻗﺘﻠﺘﻚ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً ﯾﻮم ﻗﺘﻠﺖ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻓﻲ داﺧﻠﻲ؟ وﻟﻢ أﻋﺠﺐ ﯾﻮﻣﮭﺎ وأﻧﺎ أرى ﺟﺜﺘﻚ ﻣﻤﺪة ﻓﻲ ﺳﺮﯾﺮي. ﻟﻢ ﺗﻜﻮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﺳﻮى اﻣﺮأة واﺣﺪة. ﺳﺘﻘﻮﻟﯿﻦ :ﻟﻤﺎذا ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻲ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب إذن؟ وﺳﺄﺟﯿﺒﻚ أﻧﻨﻲ أﺳﺘﻌﯿﺮ ﻃﻘﻮﺳﻚ ﻓﻲ اﻟﻘﺘﻞ ﻓﻘﻂ ،وأﻧﻨﻲ ﻗﺮرت أن أدﻓﻨﻚ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﻻ ﻏﯿﺮ. ﻓﮭﻨﺎك ﺟﺜﺚ ﯾﺠﺐ أﻻ ﻧﺤﺘﻔﻆ ﺑﮭﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻨﺎ .ﻓﻠﻠﺤﺐ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت ،راﺋﺤﺔ ﻛﺮﯾﮭﺔ أﯾﻀﺎً، ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺄﺧﺬ ﺑُﻌْﺪ اﻟﺠﺮﯾﻤﺔ. ﻻﺣﻈﻲ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أذﻛﺮ اﺳﻤﻚ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب .ﻗﺮرت ھﻜﺬا أن أﺗﺮﻛﻚ ﺑﻼ اﺳﻢ .ھﻨﺎﻟﻚ أﺳﻤﺎء ﻻ ﺗﺴﺘﺤﻖ اﻟﺬﻛﺮ. ﻟﻨﻔﺘﺮض أﻧﻚ اﻣﺮأة ﻛﺎن اﺳﻤﮭﺎ "ﺣﯿﺎة" ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﮭﺎ اﺳﻢ آﺧﺮ ..ﻓﮭﻞ ﻣﮭﻢ اﺳﻤﻚ ﺣﻘﺎً؟ وﺣﺪھﺎ أﺳﻤﺎء اﻟﺸﮭﺪاء ﻏﯿﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺰوﯾﺮ ،ﻷن ﻣﻦ ﺣﻘﮭﻢ ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﺬﻛﺮھﻢ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﮭﻢ ﻛﺎﻣﻠﺔ .ﻛﻤﺎ ﻣﻦ ﺣﻖ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﻔﻀﺢ ﻣﻦ ﺧﺎﻧﻮه ،وﺑﻨﻮا ﻣﺠﺪھﻢ ﻋﻠﻰ دﻣﺎره ،وﺛﺮوﺗﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﺆﺳﮫ ،ﻣﺎدام ﻻ ﯾﻮﺟﺪ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺤﺎﺳﺒﮭﻢ.
وأدري ..ﺳﺘﻘﻮل إﺷﺎﻋﺔ ﻣﺎ إن ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻟﻚ .أؤﻛﺪ ﻟﻚ ﺳﯿﺪﺗﻲ ﺗﻠﻚ اﻹﺷﺎﻋﺔ. ﺳﯿﻘﻮل ﻧﻘّﺎد ﯾﻤﺎرﺳﻮن اﻟﻨﻘﺪ ﺗﻌﻮﯾﻀﺎً ﻋﻦ أﺷﯿﺎء أﺧﺮى ،إن ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻟﯿﺲ رواﯾﺔ، وإﻧﻤﺎ ھﺬﯾﺎن رﺟﻞ ﻻ ﻋﻠﻢ ﻟﮫ ﺑﻤﻘﺎﯾﯿﺲ اﻷدب. أؤﻛﺪ ﻟﮭﻢ ﻣﺴﺒﻘﺎً ﺟﮭﻠﻲ ،واﺣﺘﻘﺎري ﻟﻤﻘﺎﯾﯿﺴﮭﻢ .ﻓﻼ ﻣﻘﯿﺎس ﻋﻨﺪي ﺳﻮى ﻣﻘﯿﺎس اﻷﻟﻢ ،وﻻ ﻃﻤﻮح ﻟﻲ ﺳﻮى أن أدھﺸﻚ أﻧﺖِ ،وأن أﺑﻜﯿﻚ أﻧﺖ ،ﻟﺤﻈﺔ ﺗﻨﺘﮭﯿﻦ ﻣﻦ ﻗﺮاءة ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب.. ﻓﮭﻨﺎك أﺷﯿﺎء ﻟﻢ أﻗﻠﮭﺎ ﻟﻚ ﺑﻌﺪ. اﻗﺮﺋﻲ ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب ..وأﺣﺮﻗﻲ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺧﺰاﻧﺘﻚ ﻣﻦ ﻛﺘﺐٍ ﻷﻧﺼﺎف اﻟﻜﺘﺎب ،وأﻧﺼﺎف اﻟﺮﺟﺎل ،وأﻧﺼﺎف اﻟﻌﺸﺎق. ﻣﻦ اﻟﺠﺮح وﺣﺪه ﯾﻮﻟﺪ اﻷدب .ﻓﻠﯿﺬھﺐ إﻟﻰ اﻟﺠﺤﯿﻢ ﻛﻞ اﻟﺬﯾﻦ أﺣﺒﻮك ﺑﺘﻌﻘّﻞ ،دون أن ﯾﻨﺰﻓﻮا ..دون أن ﯾﻔﻘﺪوا وزﻧﮭﻢ وﻻ اﺗﺰاﻧﮭﻢ.. ﺗﺼﻔّﺤﯿﻨﻲ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺨﺠﻞ ..ﻛﻤﺎ ﺗﺘﺼﻔّﺤﯿﻦ أﻟﺒﻮم ﺻﻮر ﻣﺼﻔﺮّة ،ﻟﻄﻔﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ أﻧﺖِ. ﻛﻤﺎ ﺗﻄﺎﻟﻌﯿﻦ ﻗﺎﻣﻮﺳﺎً ﻟﻤﻔﺮدات ﻗﺪﯾﻤﺔ ﻣﻌﺮّﺿﺔ ﻟﻼﻧﻘﺮاض واﻟﻤﻮت. ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺮأﯾﻦ ﻣﻨﺸﻮراً ﺳﺮﯾﺎً ،ﻋﺜﺮت ﻋﻠﯿﮫ ﯾﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﺻﻨﺪوق ﺑﺮﯾﺪك. اﻓﺘﺤﻲ ﻗﻠﺒﻚ ..واﻗﺮأﯾﻨﻲ. ﻛﻨﺖ ﯾﻮﻣﺎً أرﯾﺪ أن أﺣﺪﺛﻚ ﻋﻦ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ وﻋﻦ زﯾﺎد وﻋﻦ آﺧﺮﯾﻦ ..ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﺠﮭﻠﯿﻦ. وﻟﻜﻦ ﻣﺎت ﺣﺴﺎن ..وﻟﻢ ﯾﻌﺪ اﻟﯿﻮم وﻗﺖ ﻟﻠﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ اﻟﺸﮭﺪاء ..أﺻﺒﺢ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻣﺸﺮوع ﺷﮭﯿﺪ. ﯾﺤﺰﻧﻨﻲ أﻻ أھﺒﻚ ﻏﺰاﻟﺔ" .اﻟﻐﺰﻻن ﻻ ﺗﻜﻮن ﻏﺰﻻﻧﺎً إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺣﯿّﺔ" .وﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﻟﻲ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن أھﺪﯾﻚِ اﻟﯿﻮم. ﻟﻘﺪ أﺧﺬت ﻣﻨﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ أﺣﺒﺒﺖ ،اﻟﻮاﺣﺪ ﺑﻌﺪ اﻵﺧﺮ ،ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى .وﺗﺤﻮل اﻟﻘﻠﺐ إﻟﻰ ﻣﻘﺒﺮة ﺟﻤﺎﻋﯿﺔ ﯾﻨﺎم ﻓﯿﮭﺎ دون ﺗﺮﺗﯿﺐ ﻛﻞ ﻣﻦ أﺣﺒﺒﺖ .وﻛﺄن ﻗﺒﺮ )أﻣّﺎ( ﻗﺪ اﺗﺴﻊ
ﻟﯿﻀﻤﮭﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎً. وﻟﻢ أﻋﺪ أﻧﺎ ﺳﻮى ﺷﺎھﺪ ﻗﺒﺮ ﻟﺴﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ..ﻟﺰﯾﺎد وﻟﺤﺴﺎن .ﺷﺎھﺪ ﻗﺒﺮ ﻟﻠﺬاﻛﺮة. ﻛﻨﺖ أدري اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻋﻦ ﺣﻤﺎﻗﺔ اﻟﻘﺪر ،اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻋﻦ ﻇﻠﻤﮫ وﻋﻦ ﻋﻨﺎده ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺼﺮّ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺣﻘﺔ أﺣﺪ. وﻟﻜﻦ أﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻲ أن أﺗﻮﻗﻊ أن ﺷﯿﺌﺎً ﻛﺬﻟﻚ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺤﺪث؟ ﻛﻨﺖ اﻋﺘﻘﺪ أﻧﻨﻲ دﻓﻌﺖ ﻟﮭﺬا اﻟﻘﺪر اﻷﺣﻤﻖ ﻣﺎ ﻓﯿﮫ اﻟﻜﻔﺎﯾﺔ ،وأﻧﮫ ﺣﺎن ﻟﻲ ﺑﻌﺪ ھﺬا اﻟﻌﻤﺮ ،وﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ ﻓﺠﯿﻌﺔ زﯾﺎد ،وﻓﺠﯿﻌﺔ زواﺟﻚ ،أن أرﺗﺎح أﺧﯿﺮاً. ﻓﻜﯿﻒ ﻋﺎد اﻟﻘﺪر اﻟﯿﻮم ﻟﯿﺄﺧﺬ ﻣﻨﻲ أﺧﻲ ،أﺧﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﻤﻮﺗﮫ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻖ .ﻻ ﻛﺎن ﻓﻲ ﺟﺒﮭﺔ ،وﻻ ﻛﺎن ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ ﻗﺘﺎل ﻟﯿﻤﻮت ﻣﯿﺘﺔ ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ،وﻣﯿﺘﺔ زﯾﺎد ،رﻣﯿﺎً ﺑﺎﻟﺮﺻﺎص ..أﯾﻀﺎً. *** ذات ﯾﻮم ﻣﻦ أﻛﺘﻮﺑﺮ ،88ﺟﺎء ﺧﺒﺮ ﻣﻮﺗﮫ ھﻜﺬا ﺻﺎﻋﻘﺔ ﯾﺤﻤﻠﮭﺎ ﺧﻂ ھﺎﺗﻔﻲ ﻣﺸﻮش، وﺻﻮت ﻋﺘﯿﻘﺔ اﻟﺬي ﺗﺨﻔﯿﮫ اﻟﺪﻣﻮع. ﻇﻠﺖ ﺗﺠﮭﺶ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء وﺗﺮدد اﺳﻤﻲ ،وأﻧﺎ أﺳﺄﻟﮭﺎ ﻣﻔﺠﻮﻋﺎً: " -واش ﺻﺎر..؟" ﻛﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺑﺘﻠﻚ اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ھﺰّت اﻟﺒﻼد ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﺮاﺋﺪ وﻧﺸﺮات اﻷﺧﺒﺎر اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﺗﺘﺴﺎﺑﻖ ﺑﻨﻘﻠﮭﺎ ﻣﺼﻮر ،ﻣﻔﺼﻠﺔ ،ﻣﻄﻮّﻟﺔ ،ﺑﺎھﺘﻤﺎم ﻻ ﯾﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎﺗﺔ. ﻛﻨﺖ أﻋﺮف ﺗﻔﺎﺻﯿﻠﮭﺎ ،وأدري أﻧﮭﺎ ﻣﺎزاﻟﺖ وھﻲ ﻓﻲ ﯾﻮﻣﮭﺎ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻘﺘﺼﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ .ﻓﻤﻦ أﯾﻦ ﻟﻲ أن أﺗﻮﻗّﻊ اﻟﺬي ﺣﺪث؟ ﻛﺎن ﺻﻮت ﻋﺘﯿﻘﺔ ﯾﺮدد ﻣﻘﻄّﻌﺎً: ﻗﺘﻠﻮه ..آ ﺧﺎﻟﺪ ..ﯾﺎ وﺧﯿﺪﺗﻲ ﻗﺘﻠﻮه..وﺻﻮﺗﻲ ﯾﺮدد ﻣﺬھﻮﻻً: -ﻛﯿﻔﺎش ..ﻛﯿﻔﺎش ﻗﺘﻠﻮه؟
ﻛﯿﻒ ﻣﺎت ﺣﺴﺎن؟ ھﻞ ﻣﮭﻢ اﻟﺴﺆال ،وﻣﻮﺗﮫ ﻛﺎن أﺣﻤﻖ ﻛﺤﯿﺎﺗﮫ ،ﺳﺎذﺟﺎً ﻛﺄﺣﻼﻣﮫ. أﻗﺮأ ﻛﻞ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﻷﻓﮭﻢ ﻛﯿﻒ ﻣﺎت أﺧﻲ ،ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻠﻢ واﻟﺤﻠﻢ ..ﺑﯿﻦ اﻟﻮھﻢ واﻟﻮھﻢ. ﻣﺎ اﻟﺬي ذھﺐ ﺑﮫ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻟﯿﻘﺎﺑﻞ "ﺟﻤﺎﻋﺔ" ھﻨﺎك ،ھﻮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺰر اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ إﻻ ﻧﺎدراً. ذھﺐ ھﻜﺬا ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ أﺳﺒﻮع ..ﻟﯿﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻧﮭﺎﯾﺘﮫ. ﺿﺎﻗﺖ ﺑﮫ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻮﺻﻠﮫ ﺟﺴﻮرھﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮة إﻟﻰ ﺷﻲء. ﻗﺎﻟﻮا ﻟﮫ" :ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺳﺘﻜﻮن ﻟﻚ" ﺧﯿﻮط" .ﺳﺘﻮﺻﻠﻚ اﻟﻄﺮق اﻟﻘﺼﯿﺮة ھﻨﺎك.. وﻟﻦ ﺗﻮﺻﻠﻚ اﻟﺠﺴﻮر ھﻨﺎ!". ﺻﺪّق ﺣﺴﺎن ،وذھﺐ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻟﯿﻘﺎﺑﻞ "ﻓﻼﻧﺎً" ﻣﻦ ﻗﺒﻞ "ﻓﻼن" آﺧﺮ.. وﻛﺎن ﻣﻘﺮراً أن ﺗﺤﻞ ﻗﻀﯿﺘﮫ أﺧﯿﺮاً ھﺬه اﻟﻤﺮة ،ﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﻮﺳﺎﻃﺎت واﻟﺘﺪﺧﻼت ،وﯾﻐﺎدر ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً ﺳﻠﻚ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ ،ﻟﯿﻨﺘﻘﻞ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ وﯾﻌﯿّﻦ ﻣﻮﻇﻔﺎً ﻓﻲ ﻣﺆﺳﺴﺔ إﻋﻼﻣﯿﺔ. وﻟﻜﻦ اﻟﻘﺪر ھﻮ اﻟﺬي ﺣﺴﻢ "ﻣﻠﻔﮫ" ھﺬه اﻟﻤﺮة. ﺑﯿﻦ "ﻓﻼن" و "ﻓﻼن" ﻣﺎت ﺣﺴﺎن ،ﺧﻄﺄ ﺑﺮﺻﺎﺻﺔ ﺧﺎﻃﺌﺔ ،ﻋﻠﻰ رﺻﯿﻒ اﻟﺤﻠﻢ. ﻓﺎﻟﺤﻠﻢ ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﺠﻤﯿﻊ أﺧﻲ ..ﻛﺎن ﻋﻠﯿﻚ أﻻ ﺗﺤﻠﻢ! أﺣﻘﺎً "إن اﻟﺸﻘﺎء ﯾﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﯾﺨﺘﺎر ﺻﻔﺎﺗﮫ" وﻟﮭﺬا اﺧﺘﺎرﻧﻲ أﻧﺎ ،واﺧﺘﺎر ﻟﻲ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﻔﺠﺎﺋﻊ اﻟﻤﺬھﻠﺔ ،ﻷﻧﻔﺮد ﺑﮭﺎ وﺣﺪي. أﻧﺎ اﻟﺬي ﻟﻢ أﻛﻦ أﺣﻠﻢ ﺳﻮى ﺑﺄن أھﺒﻚ ﻏﺰاﻟﺔ.. ﻛﯿﻒ ﻟﻲ أن أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ..وأﻧﺖ ﺗﮭﺒﯿﻨﻨﻲ ﻛﻞ ھﺬا اﻟﺪﻣﺎر ..ﻛﻞ ھﺬا اﻟﺨﺮاب؟ ***
وﯾﻌﻮد ﻓﺠﺄة ،ﺣﺪﯾﺚ ﻗﺪﯾﻢ ﺑﯿﻨﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺒﺎل. ﺣﺪﯾﺚ ﻣﺮّت ﻋﻠﯿﮫ اﻟﯿﻮم ﺳﺖ ﺳﻨﻮات .ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﺗﺠﺪﯾﻦ ﻓﯿﮫ ﺷﺒﮭ ًﺎ ﺑﯿﻨﻲ وﺑﯿﻦ "زورﺑﺎ" .اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي أﺣﺒﺒﺘﮫ اﻷﻛﺜﺮ ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺒﯿﺮك ،واﻟﺬي ﻛﻨﺖِ ﺗﺤﻠﻤﯿﻦ ﺑﻜﺘﺎﺑﺔ رواﯾﺔ ﻛﺮواﯾﺘﮫ ،أو ﺣﺐ رﺟﻞ ﻣﺜﻠﮫ. ﺗﺮى ﻷﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ رواﯾﺔ ﻛﺘﻠﻚ ،اﻛﺘﻔﯿﺖ ﺑﺘﺤﻮﯾﻠﻲ إﻟﻰ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨﮫ، وﺟﻌﻠﺘﻨﻲ ﻣﺜﻠﮫ أﺗﻌﻠﻢ أن أﺷﻔﻰ ﻣﻦ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﺘﻲ أﺣﺒﮭﺎ ﺑﺄﻛﻠﮭﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﺘﻘﯿﺆ.. ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ أﻋﺸﻖ اﻟﺨﺮاب اﻟﺠﻤﯿﻞ ،وأﺗﻌﻠﻢ ﻛﻄﺎﺋﺮ ﯾﺬﺑﺢ أن أرﻗﺺ ﻣﻦ أﻟﻤﻲ.. ھﺎ ھﻮذا اﻟﺨﺮاب اﻟﺠﻤﯿﻞ ،اﻟﺬي ﺣﺪّﺛﺘﻨﻲ ﻋﻨﮫ ﯾﻮﻣﺎً ﺑﺤﻤﺎسٍ ﻣﺪھﺶ ﻟﻢ ﯾﺜﺮ ﺷﻜﻮﻛﻲ، ﯾﻮم ﻗﻠﺖِ: "ﻣﺪھﺶ أن ﯾﺼﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻔﺠﺎﺋﻌﮫ ﺣﺪ اﻟﺮﻗﺺ .إﻧﮫ ﺗﻤﯿﺰ ﻓﻲ اﻟﺨﯿﺒﺎت واﻟﮭﺰاﺋﻢ أﯾﻀﺎً .ﻓﻠﯿﺴﺖ ﻛﻞ اﻟﮭﺰاﺋﻢ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﺠﻤﯿﻊ .ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻚ أﺣﻼم ﻓﻮق اﻟﻌﺎدة، وأﻓﺮاح وﻃﻤﻮﺣﺎت ﻓﻮق اﻟﻌﺎدة ،ﻟﺘﺼﻞ ﺑﻌﻮاﻃﻔﻚ ﺗﻠﻚ إﻟﻰ ﺿﺪھﺎ ﺑﮭﺬه اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ..". آه ﺳﯿﺪﺗﻲ ﻟﻮ ﺗﺪرﯾﻦ! ﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ أﺣﻼﻣﻲ ﻛﺒﯿﺮة .وﻣﺎ أﻓﻈﻊ ھﺬا اﻟﺨﺮاب اﻟﺬي ﺗﺘﺴﺎﺑﻖ ﻗﻨﻮات اﻟﺘﻠﻔﺰﯾﻮن ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻠﮫ اﻟﯿﻮم! ﻣﺎ أﻓﻈﻊ ھﺬا اﻟﺪﻣﺎر ،وﻣﺎ أﺣﺰن ﺟﺜﺔ أﺧﻲ اﻟﻤﻠﻘﺎة ﻋﻠﻰ رﺻﯿﻒ ،ﯾﺨﺘﺮﻗﮭﺎ رﺻﺎص ﻃﺎﺋﺶ! ﻣﺎ أﺣﺰن ﺟﺜﺘﮫ ،وھﻲ ﺗﻨﺘﻈﺮﻧﻲ اﻵن ﻓﻲ ﺛﻼﺟﺔ اﻟﻤﻮﺗﻰ ﻷﺗﻌﺮف ﻋﻠﯿﮫ ،وأراﻓﻘﮫ ﺟﺜﻤﺎﻧﺎً إﻟﻰ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ. ھﺎ ھﻲ ذي ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻣﺮة أﺧﺮى.. ﺗﻠﻚ اﻷم اﻟﻄﺎﻏﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﺑﺺ ﺑﺄوﻻدھﺎ ،واﻟﺘﻲ أﻗﺴﻤﺖ أن ﺗﻌﯿﺪﻧﺎ إﻟﯿﮭﺎ وﻟﻮ ﺟﺜﺔ. ھﺎ ھﻲ ﻗﺪ ھﺰﻣﺘﻨﺎ ،وأﻋﺎدﺗﻨﺎ إﻟﯿﮭﺎ ﻣﻌﺎً .ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ اﻋﺘﻘﺪﻧﺎ ﻓﯿﮭﺎ أﻧﻨﺎ ﺷﻔﯿﻨﺎ ﻣﻨﮭﺎ ،وﻗﻄﻌﻨﺎ ﻣﻌﮭﺎ ﺻﻠﺔ اﻟﺮﺣﻢ.
ﻻ ﺣﺴﺎن ﺳﯿﻐﺎدرھﺎ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ..وﻻ أﻧﺎ ﺳﺄﻗﺪر ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺮب ﻣﻨﮭﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم.. ھﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﻌﻮد إﻟﯿﮭﺎ ﻣﻌﺎً.. أﺣﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﺎﺑﻮت ..واﻵﺧﺮ أﺷﻼء رﺟﻞ. وﻗﻊ ﺣﻜﻤﻚ ﻋﻠﻲّ أﯾﺘﮭﺎ اﻟﺼﺨﺮة ..أﯾﺘﮭﺎ اﻷم اﻟﺼﺨﺮة.. ﻓﺄﺷﺮﻋﻲ ﻣﻘﺎﺑﺮك ،واﻧﺘﻈﺮﯾﻨﻲ .ﺳﺂﺗﯿﻚ ﺑﺄﺧﻲ ..اﻓﺴﺤﻲ ﻟﮫ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﺻﻐﯿﺮاً ﺟﻮار أوﻟﯿﺎﺋﻚ اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ،وﺷﮭﺪاﺋﻚ ،وﺑﺎﯾﺎﺗﻚ ..ﻛﺎن ﺣﺴﺎن ﻛﻞ ھﺬا ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ. ﻛﺎن ﻏﺰاﻻً.. ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ذﻟﻚ ..ﺗﻌﺎﻟﻲ ﺳﯿﺪﺗﻲ وﺗﻔﺮّﺟﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ھﺬا اﻟﺨﺮاب اﻟﺠﻤﯿﻞ! ﻓﺒﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﺳﯿﺤﻀﺮ زورﺑﺎ ﻟﯿﻤﺴﻚ ﺑﻜﺘﻔﻲ وﻟﻨﺒﺪأ اﻟﺮﻗﺺ ﻣﻌﺎً. ﺗﻌﺎﻟﻲ.. ﻻ ﺑﺪ أﻻ ﺗﺨﻠﻔﻲ ھﺬا اﻟﻤﺸﮭﺪ ،ﺳﺘﺮﯾﻦ ﻛﯿﻒ ﯾﺮﻗﺺ اﻷﻧﺒﯿﺎء ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻔﻠﺴﻮن ﺣﻘﺎً. ﺗﻌﺎﻟﻲ ..ﺳﺄرﻗﺺ اﻟﯿﻮم ﻛﻤﺎ ﻟﻢ أرﻗﺺ ﯾﻮﻣﺎً ،ﻛﻤﺎ اﺷﺘﮭﯿﺖ أن أرﻗﺺ ﻓﻲ ﻋﺮﺳﻚ وﻟﻢ أﻓﻌﻞ.. ﺳﺄﻗﻔﺰ وﻛﺄن ﺟﻨﺎﺣﯿﻦْ ﻗﺪ اﻟﺘﺼﻘﺎ ﺑﻘﺪﻣﻲ ﻓﺠﺄة ،وﻛﺄن ذراﻋﻲ اﻟﻤﻔﻘﻮدة ﻗﺪ ﻧﺒﺘﺖ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻟﺘﺼﺒﺢ ذراﻋﻲ. ﺗﻌﺎﻟﻲ ..وﻟﯿﻌﺬرﻧﻲ أﺑﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ أﺷﺎرﻛﮫ ﯾﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﻃﻘﻮس "ﻋﯿﺴﺎوة". ﻓﻲ ﺣﻔﻞ ﺟﺬﺑﮫ ورﻗﺼﮫ اﻟﺠﻨﻮﻧﻲ ،وﻏﺮﺳﮫ ذﻟﻚ اﻟﺴﻔﻮد ﻓﻲ ﺟﺴﺪه ﻣﻦ ﻃﺮف إﻟﻰ آﺧﺮ ..ﺑﻨﺸﻮة اﻷﻟﻢ اﻟﺬي ﯾﺠﺎور اﻟﻠﺬة. ﻟﻠﺤﺰن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻃﻘﺲ ،وﻟﯿﺲ ﻟﻸﻟﻢ وﻃﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﺪﯾﺪ .ﻓﻠﯿﻌﺬرﻧﻲ اﻷﻧﺒﯿﺎء واﻷوﻟﯿﺎء اﻟﺼﺎﻟﺤﻮن! ﻟﯿﻌﺬروﻧﻲ ﺟﻤﯿﻌﺎ .ﻻ أدري ﻣﺎذا ﯾﻔﻌﻞ اﻷﻧﺒﯿﺎء ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺤﺰﻧﻮن ،ﻣﺎذا ﯾﻔﻌﻠﻮن ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﺮدّة؟
ھﻞ ﯾﺒﻜﻮن أم ﯾﺼﻠﻮن؟ أﻧﺎ ﻗﺮرت أن أرﻗﺺ .اﻟﺮﻗﺺ ﺗﻮاﺻﻞ أﯾﻀﺎً .اﻟﺮﻗﺺ ﻋﺒﺎدة أﯾﻀﺎً.. ﻓﺎﻧﻈﺮ أﯾﮭﺎ اﻷﻋﻈﻢ ..ﺑﺬراع واﺣﺪة ﺳﺄرﻗﺺ ﻟﻚ. ﻣﺎ أﺻﻌﺐ اﻟﺮﻗﺺ ﺑﺬراعٍ واﺣﺪة ﯾﺎ رﺑﻲ! ﻣﺎ أﺑﺸﻊ اﻟﺮﻗﺺ ﺑﺬراعٍ واﺣﺪة ﯾﺎ رﺑﻲ! وﻟﻜﻦ.. ﺳﺘﻌﺬرﻧﻲ أﻧﺖ اﻟﺬي أﺧﺬت ذراﻋﻲ اﻷﺧﺮى. ﺳﺘﻌﺬرﻧﻲ ..أﻧﺖ اﻟﺬي أﺧﺬﺗﮭﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎً. ﺳﺘﻌﺬرﻧﻲ ..ﻷﻧﻚ ﺳﺘﺄﺧﺬﻧﻲ أﯾﻀﺎً! ھﻞ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﺼﺎب ﺣﻘﺎً؟ ..أن ﺗﺮى ﺗﻠﻚ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺧﻠﻘﺖ ﻟﺘﻌﻠﻤﻨﺎ اﻟﺼﺒﺮ ﻓﻘﻂ ،ﻟﺘﺒﯿﻌﻨﺎ ﺑﺪل ﻣﺼﺎﺋﺒﻨﺎ ﻓﺮح اﻣﺘﻼك ﺷﮭﺎدة ﺑﺎﻟﺘﻘﻮى؟ ﻓﻠﯿﻜﻦ.. ﺷﻜﺮاً ﻟﻚ أﯾﮭﺎ اﻷﻋﻈﻢ ،أﻧﺖ اﻟﺬي ﻻ ﯾُﺤﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺮوه ﺳﻮاه. أﻧﺖ اﻟﺬي ﻻ ﺗﺨﺺّ ﺑﻤﺼﺎﺑﻚ ﺳﻮى اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻣﻦ ﻋﺒﺎدك ..واﻷﺗﻘﯿﺎء ﻣﻨﮭﻢ. اﻋﺘﺮف أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ اﺣﻠﻢ ﺑﺸﮭﺎدة ﺣﺴﻦ ﺳﻠﻮك ﻛﮭﺬه! أﻓﺮغ ﻣﻨﻚ ﺳﯿﺪﺗﻲ وأﻣﺘﻠﺊ ﻟﺤﻨﺎً ﯾﻮﻧﺎﻧﯿﺎً. ﺗﺘﻘﺪم ﻣﻮﺳﯿﻘﻰ "زورﺑﺎ" ﻧﺤﻮي ،دﻋﻮة ﻟﻠﺠﻨﻮن اﻟﻤﺘﻄﺮف. ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﯾﻂ ﺗﻌﻮدت اﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﯿﮫ ﺑﻤﺘﻌﺔ ﻏﺎﻣﻀﺔ .وإذا ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻠﺤﻦ اﻟﻘﺎدم اﻟﯿﻮم وﺳﻂ اﻟﺨﺮاب واﻟﺠﺜﺚ ،ﯾﺄﺧﺬ ﻓﺠﺄة ﺑُﻌﺪه اﻷول اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ. ﻓﺄﻧﺘﻔﺾ ﻓﺠﺄة ﻣﻦ أرﯾﻜﺘﻲ وھﻮ ﯾﻔﺎﺟﺌﻨﻲ ،وأﺻﺮخ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ "ھﯿﺎ زورﺑﺎ.. درﺑﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻗﺺ..". ھﺎ ھﻮذا "اﻟﺨﺮاب اﻟﺠﻤﯿﻞ" اﻟﺬي ﺟﻌﻠﺘﻨﺎ ﻧﺸﺘﮭﯿﮫ .ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺘﻘﺪ أن ﯾﻜﻮن ﺑﺸﻌﺎً إﻟﻰ
ھﺬا اﻟﺤﺪ ..ﻣﻮﺟﻌﺎً إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺠﺪ! ﺗﺰﺣﻒ ﻣﻮﺳﯿﻘﻰ ﺗﯿﻮدراﻛﯿﺲ ﻧﺤﻮي .وﺗﺨﺘﺮﻗﻨﻲ ﻧﻐﻤﺔ ..ﻧﻐﻤﺔ .ﺟﺮﺣﺎً ..ﺟﺮﺣﺎً. ﺑﻄﯿﺌﺔ ..ﺛﻢ ﺳﺮﯾﻌﺔ ﻛﻨﻮﺑﺔ ﺑﻜﺎء. ﺧﺠﻮﻟﺔ ..ﺛﻢ ﺟﺮﯾﺌﺔ ﻛﻠﺤﻈﺔ رﺟﺎء. ﺣﺰﯾﻨﺔ ..ﺛﻢ ﻧﺸﻮى ﻛﺘﻘﻠﺒﺎت ﺷﺎﻋﺮ أﻣﺎم ﻛﺄس. ﻣﺘﺮددة ..ﺛﻢ واﺛﻘﺔ ﻛﺄﻗﺪام ﻋﺴﻜﺮ. ﻓﺄﺳﺘﺴﻠﻢ ﻟﮭﺎ .أرﻗﺺ ﻛﻤﺠﻨﻮن ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﺷﺎﺳﻌﺔ ،ﺗﺆﺛﺜﮭﺎ اﻟﻠﻮﺣﺎت واﻟﺠﺴﻮر. وأﻗﻒ أﻧﺎ وﺳﻄﮭﺎ وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺨﺮة اﻟﺸﺎھﻘﺔ ،ﻟﺮﻗﺺ وﺳﻂ اﻟﺨﺮاب، ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﺴﻮر ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ اﻟﺨﻤﺴﺔ ﺗﺘﺤﻄﻢ وﺗﺘﺪﺣﺮج أﻣﺎﻣﻲ ﺣﺠﺎرة ﻧﺤﻮ اﻟﻮدﯾﺎن. إﯾﮫ زورﺑﺎ! ﺗﺰوﺟﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺣﺒﮭﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺒﻚ أﻧﺖ .وﻛﻨﺖ أرﯾﺪ أن أﺟﻌﻠﮭﺎ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨﻲ ،ﻓﺠﻌﻠﺘﻨﻲ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨﻚ. وﻣﺎت زﯾﺎد ..ذﻟﻚ اﻟﺼﺪﯾﻖ اﻟﺬي اﺷﺘﺮى ھﺬا اﻟﺸﺮﯾﻂ ﻷﻧﮫ رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺤﺒﻚ أﯾﻀﺎ ﻣﻦ اﺟﻠﮭﺎ ،ورﺑﻤﺎ ﻷﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﺘﻮﻗﻊ ﻟﻲ ﯾﻮﻣﺎً ﻛﮭﺬا ،وﯾﻌﺪ ﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﯿﻞ ﺣﺰﻧﻲ اﻟﻘﺎدم. ورﺑﻤﺎ ﯾﻜﻮن ﺗﻠﻘّﺎه ھﺪﯾﺔ ﻣﻨﮭﺎ ..وورﺛﺘﮫ أﻧﺎ ﻓﻲ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ أورﺛﻨﻲ ﻣﻦ أﺣﺰان. وﻣﺎت ﺣﺴﺎن ..أﺧﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﮭﺘﻢ ﻛﺜﯿﺮاً ﺑﺎﻹﻏﺮﯾﻖ ،وﺑﺎﻵﻟﮭﺔ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ. ﻛﺎن ﻟﮫ إﻟﮫ واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ،وﺑﻌﺾ اﻷﺳﻄﻮرات اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ. ﻣﺎت وﻻ ﺣﺐ ﻟﮫ ﺳﻮى اﻟﻔﺮﻗﺎﻧﻲ ..وأم ﻛﻠﺜﻮم ..وﺻﻮت ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺎﺳﻂ ﻋﺒﺪ اﻟﺼﻤﺪ. وﻻ ﺣﻠﻢ ﻟﮫ ﺳﻮى اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﺟﻮاز ﺳﻔﺮ ﻟﻠﺤﺞ ..وﺛﻼﺟﺔ. ﻟﻘﺪ ﺗﺤﻘﻘﺖ ﻧﺼﻒ أﺣﻼﻣﮫ أﺧﯿﺮاً .ﻟﻘﺪ أھﺪاه اﻟﻮﻃﻦ ﺛﻼﺟﺔ ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﮭﺪوء ﻛﻌﺎدﺗﮫ ،ﻷﺷﯿﻌﮫ ھﺬه اﻟﻤﺮة إﻟﻰ ﻣﺜﻮاه اﻷﺧﯿﺮ.
ﻟﻮ ﻋﺮﻓﻚ ،رﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﯿﻤﻮت ﺗﻠﻚ اﻟﻤﯿﺘﺔ اﻟﺤﻤﻘﺎء. ﻟﻮ ﻗﺮأك ﺑﺘﻤﻌّﻦ ،ﻟﻤﺎ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻗﺎﺗﻠﯿﮫ ﺑﻜﻞ اﻻﻧﺒﮭﺎر ،ﻟﻤﺎ ﺣﻠﻢ ﺑﻤﻨﺼﺐ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ، ﺑﺴﯿﺎرة وﺑﯿﺖ أﺟﻤﻞ.. ﻟﺒﺼﻖ ﻓﻲ وﺟﮫ ﻗﺎﺗﻠﯿﮫ ﻣﺴﺒﻘﺎً ..ﻟﺸﺘﻤﮭﻢ ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﺸﺘﻢ أﺣﺪاً ،ﻟﺮﻓﺾ أن ﯾﺼﺎﻓﺤﮭﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺮس ،ﻟﻘﺎل: " -أﯾﮭﺎ اﻟﻘﻮّادون ..اﻟﺴﺮاﻗﻮن ..اﻟﻘﺘﻠﺔ .ﻟﻦ ﺗﺴﺮﻗﻮا دﻣﻨﺎ أﯾﻀﺎً .اﻣﻸوا ﺟﯿﻮﺑﻜﻢ ﺑﻤﺎ ﺷﺌﺘﻢ .أﺛﺜﻮا ﺑﯿﻮﺗﻜﻢ ﺑﻤﺎ ﺷﺌﺘﻢ ..وﺣﺴﺎﺑﺎﺗﻜﻢ ﺑﺄﯾﺔ ﻋﻤﻠﺔ ﺷﺌﺘﻢ ..ﺳﯿﺒﻘﻰ ﻟﻨﺎ اﻟﺪم واﻟﺬاﻛﺮة .ﺑﮭﻤﺎ ﺳﻨﺤﺎﺳﺒﻜﻢ ..ﺑﮭﻤﺎ ﺳﻨﻄﺎردﻛﻢ ..ﺑﮭﻤﺎ ﺳﻨﻌﻤّﺮ ھﺬا اﻟﻮﻃﻦ ..ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ". آه زورﺑﺎ ..ﻣﺎت زﯾﺎد وھﺎ ھﻮذا ﺣﺴﺎن ﯾﻤﻮت ﻏﺪراً أﯾﻀﺎً. آه ﻟﻮ ﺗﺪري ﯾﺎ ﺻﺪﯾﻘﻲ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ أﺣﺪھﻤﺎ ﻟﯿﺴﺘﺤﻖ اﻟﻤﻮت. ﻛﺎن ﺣﺴﺎن ﻧﻘﯿﺎً ﻛﺰﺋﺒﻖ ،وﻃﯿﺒﺎً ﺣﺪ اﻟﺴﺬاﺟﺔ .ﻛﺎن ﯾﺨﺎف ﺣﺘﻰ أن ﯾﺤﻠﻢ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪأ ﯾﺤﻠﻢ ﻗﺘﻠﻮه. وﻛﺎن زﯾﺎد ..آه ﻛﺎن ﯾﺸﺒﮭﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء .ﻟﻮ رأﯾﺖ ﺿﺤﻜﺘﮫ ،ﻟﻮ ﺳﻤﻌﺘﮫ ﯾﺘﺤﺪث.. ﯾﻜﻔﺮ ..ﯾﻠﻌﻦ ..ﯾﺒﻜﻲ ..ﯾﺴﻜﺮ ..ﻟﻮ ﻋﺮﻓﺘﮭﻤﺎ ،ﻟﺮﻗﺼﺖ ..ﺣﺰﻧﺎً ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﺮﻗﺺ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. وﻟﻜﻦ ﻻ ﯾﮭﻢ ..أدري ﺑﺄﻧﻚ أﻧﺖ أﯾﻀﺎً ﻟﻦ ﺗﺤﻀﺮ اﻟﻠﯿﻠﺔ .رﺑﻤﺎ ﻷﻧﻚ ﻣﺖّ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﯾﺔ ،ﺑﻌﺪ أن ﻟﻌﻨﺖ اﻟﻜﺎھﻦ اﻟﺬي ﺟﺎء ﻟﯿﻨﺎوﻟﻚ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪس ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻮت.. أو رﺑﻤﺎ ﻷﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻮﺟﺪ ﯾﻮﻣﺎً أﺑﺪاً ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻷرض .ﻷﻧﻚ ﺑﻄﻞ ﺧﺮاﻓﻲ ﻟﺰﻣﻦ ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﯾﺒﺤﺜﻮن ﻓﯿﮫ ﻋﻦ ﺧﺮاﻓﺔ ﻛﮭﺬه .ﻋﻦ آﻟﮭﺔ إﻏﺮﯾﻘﯿﺔ ﺟﺪﯾﺪة ،ﺗﻌﻠّﻤﮭﻢ اﻟﺠﻨﻮن واﻟﺘﺤﺪي ..وﻋﺒﺜﯿﺔ اﻟﺤﯿﺎة. ﻓﮭﻞ ﻣﮭﻢ أن ﺗﺘﻐﯿﺐ اﻟﻠﯿﻠﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻐﯿﺒﻮا ﺟﻤﯿﻌﺎً؟ ﻟﻦ أﻋﺘﺐ ﻋﻠﯿﻚ ﯾﺎ ﺻﺪﯾﻘﻲ .أﻧﺖ ﻟﺴﺖ ﻣﺴﺆوﻻً ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺮﺗﻜﺐ ﻣﻦ ﺣﻤﺎﻗﺎت ﺑﺴﺒﺐ رواﯾﺔ!
وﻟﻜﻦ أﺟﺒﻨﻲ ﻓﻘﻂ ..أﻧﺖ اﻟﺬي ﻗﺘﻠﺖ ﻣﻦ اﻷﺗﺮاك ،وﻗﺘﻠﻮا ﻣﻦ رﻓﺎﻗﻚ اﻟﻜﺜﯿﺮﯾﻦ .ھﻞ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﻓﺮق ﺑﯿﻦ اﻟﻘﺘﻠﺔ؟ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﯿﻦ ﻣﺎت ﺳﻲ اﻟﻄﺎھﺮ ..وﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﯿﻦ ﻣﺎت زﯾﺎد ..وھﺎ ھﻮ ﺣﺴﺎن ﯾﻤﻮت ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﯿﻦ اﻟﯿﻮم. ﻓﮭﻞ ھﻨﺎك درﺟﺎت ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺸﮭﺎد؟ وﻣﺎذا ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻮﻃﻦ ھﻮ اﻟﻘﺎﺗﻞ واﻟﺸﮭﯿﺪ ﻣﻌﺎً؟ ﻓﻜﻢ ﻣﻦ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻋﺮﺑﯿﺔ دﺧﻠﺖ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﺑﻤﺬاﺑﺤﮭﺎ اﻟﺠﻤﺎﻋﯿﺔ ،وﻣﺎزاﻟﺖ ﻣﻐﻠﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﺑﺮھﺎ اﻟﺴﺮﯾﺔ! ﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻋﺮﺑﯿﺔ أﺻﺒﺢ ﺳﻜﺎﻧﮭﺎ ﺷﮭﺪاء ..ﻗﺒﻞ أن ﯾﺼﺒﺤﻮا ﻣﻮاﻃﻨﯿﻦ! ﻓﺄﯾﻦ ﺗﻀﻊ ﻛﻞ ھﺆﻻء ..ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ ﺿﺤﺎﯾﺎ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ،أم ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ اﻟﺸﮭﺪاء؟ وﻣﺎ اﺳﻢ اﻟﻤﻮت ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﺑﺨﻨﺠﺮ ﻋﺮﺑﻲ! *** ﻣﺎ ﻛﺎدت ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ﺗﺮاﻧﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺎح ﺣﺘﻰ ﺻﺎﺣﺖ: إن ﻟﻚ وﺟﮫ رﺟﻞ ﯾﺴﺘﯿﻘﻆ ﻣﻦ ﻟﯿﻠﺔ ﺳﻜﺮ!ﺛﻢ أﺿﺎﻓﺖ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ واﻟﺘﻠﻤﯿﺢ اﻟﻮاﺿﺢ: ﻣﺎذا ﻓﻌﻠﺖ أﻣﺲ أﯾﮭﺎ اﻟﺸﻘﻲ ،ﻟﺘﻜﻮن ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ؟ﻗﻠﺖ: ﻻ ﺷﻲء ..رﺑﻤﺎ ﻟﻢ أﻧﻢ ﻓﻘﻂ!ﻗﺎﻟﺖ وھﻲ ﺗﻠﻘﻲ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺎﻟﻮن ،وﺗﺒﺤﺚ ﺑﻔﻀﻮل اﻣﺮأة ﻋﻦ آﺛﺎر ﺗﺪﻟﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﻋﯿﺔ ﻣﻦ ﻗﻀﯿﺖ ﻣﻌﮭﻢ اﻟﺴﮭﺮة: -ھﻞ اﺳﺘﻘﺒﻠﺖ أﺻﺪﻗﺎء أﻣﺲ؟
اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻟﺴﺆاﻟﮭﺎ ،ﺷﻌﺮت ﺑﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ أن أﺟﯿﺒﮭﺎ :ﻧﻌﻢ. ﯾﺤﺪث ﻟﻠﺤﺰن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺠﺎور اﻟﺠﻨﻮن ،أن ﯾﺒﺪأ ھﻜﺬا ﻓﻲ اﻟﺴﺨﺮﯾﺔ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﮫ.. واﺻﻠَﺖْ: وھﻞ ﻗﻀﻮا اﻟﻠﯿﻠﺔ ھﻨﺎ؟ﻗﻠﺖ: ﻻ ..رﺣﻠﻮا..أﺿﻔﺖُ ﺑﻌﺪ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ: أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﯾﺮﺣﻠﻮن داﺋﻤﺎً!ورﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻘﻨﻌﮭﺎ ﻛﻼﻣﻲ ،أو زاد ﻓﻲ ﻓﻀﻮﻟﮭﺎ ﻓﻘﻂ .ﻓﺮاﺣﺖ ﺗﻮاﺻﻞ ﺑﻌﯿﻨﯿﮭﺎ اﻟﺒﺤﺚ وﺳﻂ ﻓﻮﺿﻰ اﻟﻐﺮﻓﺔ ،واﻟﺤﻘﯿﺒﺘﯿﻦ اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺘﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺼﺎﻟﻮن ﻋﻦ ﺷﻲء ﻣﺎ. اﻟﻨﺴﺎء ھﻜﺬا داﺋﻤﺎ :ﻻ ﯾﺮﯾﻦ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ أﺟﺴﺎدھﻦ ،وﻟﺬا ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﻲ إﻣﻜﺎن ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ أن ﺗﻜﺘﺸﻒ آﺛﺎر زﯾﺎد وﺣﺴﺎن وزورﺑﺎ ..ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﯿﺖ. ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ..ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ داﺋﻤﺎً ﺗﻌﯿﺶ ﻋﻠﻰ ھﺎﻣﺶ ﺣﺰﻧﻲ. وﻻ رﺑﻤﺎ اﻗﺘﻨﻌﺖ دون ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم أﻧﻨﻲ أﺳﺘﯿﻘﻆ ﻣﻦ ﻟﯿﻠﺔ ﺣﺐ. ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ وﻛﺄﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺠﺪ ﻓﺠﺄة ﻣﺒﺮراً ﻟﻮﺟﻮدھﺎ ﻋﻨﺪي ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ: ﻟﻤﺎذا ﻃﻠﺒﺘﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ؟ﻗﻠﺖ: ﻷﺳﺒﺎب ﻛﺜﯿﺮة..ﺛﻢ أﺿﻔﺖ ﻓﺠﺄة: -ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ..ھﻞ ﺗﺤﺒﯿﻦ اﻟﺠﺴﻮر؟
ﻗﺎﻟﺖ ﺑﻨﺒﺮة ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺠﺐ: ﻻ ﺗﻘﻞ ﻟﻲ إﻧﻚ أﺣﻀﺮﺗﻨﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﺒﺎح ﻟﺘﻄﺮح ﻋﻠﻲ ھﺬا اﻟﺴﺆال!ﻗﻠﺖ: ﻻ ..وﻟﻜﻦ أود ﻟﻮ أﺟﺒﺘﻨﻲ ﻋﻠﯿﮫ.ﻗﺎﻟﺖ: ﻻ أدري ..أﻧﺎ ﻟﻢ أﺳﺄل ﻧﻔﺴﻲ ﺳﺆاﻻً ﻛﮭﺬا ﻗﺒﻞ اﻟﯿﻮم .ﻟﻘﺪ ﻋﺸﺖ داﺋﻤﺎً ﻓﻲ ﻣﺪن ﻻﺟﺴﻮر ﻓﯿﮭﺎ .ﻣﺎ ﻋﺪا ﺑﺎرﯾﺲ رﺑﻤﺎ.. ﻗﻠﺖ: ﻻ ﯾﮭﻢ ..ﻓﺄﻧﺎ أﻓﻀّﻞ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ أﻻ ﺗﺤﺒﯿﮭﺎ .ﯾﻜﻔﻲ أن ﺗﺤﺒﻲ رﺳﻤﻲ..أﺟﺎﺑﺖ: ﻃﺒﻌﺎً أﺣﺐ ﻣﺎ ﺗﺮﺳﻤﮫ ..ﻟﻘﺪ راھﻨﺖ داﺋﻤﺎً ﻋﻠﻰ اﻧﻚ رﺳﺎم اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ..ﻗﻠﺖ: ﻓﻠﯿﻜﻦ إذن ..ﻛﻞ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺎت ﻟﻚ.ﺻﺎﺣﺖ: أأﻧﺖ ﻣﺠﻨﻮن؟ ﻛﯿﻒ ﺗﮭﺒﻨﻲ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺎت؟ إﻧﮭﺎ ﻣﺪﯾﻨﺘﻚ ..ﻗﺪ ﺗﺤﻦّ إﻟﯿﮭﺎ ﯾﻮﻣﺎً.ﻗﻠﺖ: ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﺿﺮورة ﻟﻠﺤﻨﯿﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم ،أﻧﺎ ﻋﺎﺋﺪ إﻟﯿﮭﺎ .أھﺒﮭﺎ ﻟﻚ ،ﻷﻧﻨﻲ أدريأﻧﻚ ﺗﻘﺪّرﯾﻦ اﻟﻔﻦ ،وأﻧﮭﺎ ﻣﻌﻚ ﻟﻦ ﺗﻀﯿﻊ.. ﻗﺎﻟﺖ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ وﺻﻮﺗﮭﺎ ﯾﺄﺧﺬ ﻧﺒﺮة ﺟﺪﯾﺪة ﻟﺤﺰن وﻓﺮح ﻏﺎﻣﺾ: -ﺳﺄﺣﺘﻔﻆ ﺑﮭﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ..ﻓﻠﻢ ﯾﺤﺪث ﻟﺮﺟﻞ أن أھﺪاﻧﻲ ﯾﻮﻣﺎً ﺷﯿﺌﺎً ﻛﮭﺬا..
ﻗﻠﺖ وأﻧﺎ أﻟﻘﻲ ﻧﻈﺮة أﺧﯿﺮة ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪھﺎ اﻟﻤﺨﺘﺒﺊ داﻣﺎً ﺗﺤﺖ اﻷﺛﻮاب اﻟﺨﻔﯿﻔﺔ اﻟﻔﻀﻔﺎﺿﺔ: وﻟﻢ ﯾﺤﺪث ﻻﻣﺮأة ﻗﺒﻠﻚ أن ﻣﻨﺤﺘﻨﻲ ﻏﺮﺑﺔ أﺷﮭﻰ..ﻗﺎﻟﺖ: أﺧﺎف أن ﺗﻨﺪم ﯾﻮﻣﺎً وﺗﺸﺘﺎق إﻟﻰ إﺣﺪى ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺎت ..اﻋﻠﻢ أﻧﻚ ﺳﺘﺠﺪھﺎ داﺋﻤﺎًﻋﻨﺪي. ﻗﻠﺖ: رﺑﻤﺎ ﺳﯿﺤﺪث ذﻟﻚ ..ﻓﻨﺤﻦ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺤﺎﻻت ﻧﻨﺪم ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻣﺎ..ﺗﻘﺎﻃﻌﻨﻲ وﻛﺄﻧﮭﺎ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺟﺪﯾﺔ اﻟﻤﻮﻗﻒ: - Mais ce n'est pas possible ..ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﻔﺘﺮق ھﻜﺬا! أوُ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ..دﻋﯿﻨﺎ ﻧﻔﺘﺮق ﻋﻠﻰ ﺟﻮع .ﻟﻘﺪ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﺘﺎرﯾﺦ أﻻ ﻧﺸﺒﻊ ﻣﻦ ﺑﻌﺾﺗﻤﺎﻣﺎً ..وﻻ ﻧﺤﺐ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ ..ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺒﺐ .إﻧﻚ ﺗﻤﻠﻜﯿﻦ اﻟﯿﻮم أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨﻲ ..ﻋﻠّﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﺟﺪراﻧﻚ ذاﻛﺮﺗﻲ ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ذاﻛﺮة ﻣﻀﺎدة ..ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﯾﻀﺎً ﻃﺮﻓﺎً ﻓﯿﮭﺎ! ﻻ ﺗﻔﮭﻢ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ﻟﻤﺎذا ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺮﻣﻮز اﻟﯿﻮم. وﻟﻤﺎذا ھﺬا اﻟﺤﺪﯾﺚ اﻟﻐﺎﻣﺾ اﻟﺬي ﻟﻢ أﻋﻮّدھﺎ ﻋﻠﯿﮫ؟ ورﺑﻤﺎ ﻓﮭﻤﺖ ،وﻟﻜﻦ ﺟﺴﺪھﺎ ﻛﺎن ﯾﺮﻓﺾ أن ﯾﻔﮭﻢ .ﺟﺴﺪھﺎ ﯾﺨﺮج ﻋﻦ اﻟﻤﻮﺿﻮع داﺋﻤﺎً .ﺟﺴﺪھﺎ ﻣﻮﻇﻒ ﻓﺮﻧﺴﻲ ﯾﺤﺘﺞ داﺋﻤﺎ .ﯾﻄﺎﻟﺐ داﺋﻤﺎً ﺑﺎﻟﻤﺰﯾﺪ ..ﯾﻔﺮط ﻓﻲ ﺣﺮﯾﺔ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ،ﻓﻲ ﺣﺮﯾﺔ اﻹﺿﺮاب. وﻟﻜﻦ.. ﻣﻦ أﯾﻦ ﺳﺂﺗﻲ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺸﺮح ﻟﮭﺎ ﺣﺰﻧﻲ؟ ﻣﻦ أﯾﻦ ﺳﺂﺗﻲ ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ اﻟﺬي ﺳﯿﻘﻮل ﻟﮭﺎ دون أن أﻗﻮل ﺷﯿﺌﺎً ،إن ﺣﺴﺎن ھﻨﺎك ﻓﻲ
ﻣﺪﯾﻨﺔ أﺧﺮى ،ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ﻓﻲ ﺛﻼﺟﺔ ،وأن أوﻻده اﻟﺴﺘﺔ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﮭﻢ ﻏﯿﺮي. ﻛﯿﻒ أﺷﺮح ﻟﮭﺎ ﺳﺮ ﻗﺪﻣﻲّ اﻟﺒﺎردﺗﯿﻦ ،واﻟﺼﻘﯿﻊ اﻟﺬي ﯾﺰﺣﻒ ﻧﺤﻮي ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﺖ ﺑﻲ اﻟﺴﺎﻋﺎت ،وﻛﻠﻤﺎ راﺣﺖ ﯾﺪاھﺎ ﺗﻔﺘﺤﺎن أزرار ﻗﻤﯿﺼﻲ دون اﻧﺘﺒﺎه ..ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻌﺎدة. ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ..ﻟﯿﺲ ﻟﻲ ﺷﮭﯿﺔ ﻟﻠﺤﺐ ،اﻋﺬرﯾﻨﻲ..وﻣﺎذا ﺗﺮﯾﺪ إذن؟أرﯾﺪ أن ﺗﻀﺤﻜﻲ ﻛﺎﻟﻌﺎدة.ﻟﻤﺎذا أﺿﺤﻚ؟ﻷﻧﻚ ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ اﻟﺤﺰن.وأﻧﺖ؟وأﻧﺎ ﺳﺄﻧﺘﻈﺮ أن ﺗﺬھﺒﻲ ﻷﺣﺰن .ﺣﺰﻧﻲ ﻣﺆﺟﻞ ﻓﻘﻂ ﻛﺎﻟﻌﺎدة..وﻟﻤﺎذا ﺗﻘﻮل ﻟﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم.؟ﻷﻧﻨﻲ ﻣﺘﻌﺐ ..وﻷﻧﻨﻲ ﺳﺄرﺣﻞ ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺎت..وﻟﻜﻦ ﻻ ﯾﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺴﺎﻓﺮ .ﻟﻘﺪ أﻟﻐﻮا ﻛﻞ اﻟﺮﺣﻼت إﻟﻰ اﻟﺠﺰار..ﺳﺄذھﺐ ،وأﻧﺘﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺎر أول ﻃﺎﺋﺮة ﺗﻘﻠﻊ .ﻻ ﺑﺪ أن أﺳﺎﻓﺮ اﻟﯿﻮم أو ﻏﺪا .ھﻨﺎكﻣﻦ ﯾﻨﺘﻈﺮﻧﻲ.. ﻛﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن أﻗﻮل ﻟﮭﺎ" :ﻟﻘﺪ ﻣﺎت أﺧﻲ ..أﺧﻲ اﻟﻮﺣﻲ ﯾﺎ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ "..وأﺟﮭﺶ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء .ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ أن أﺑﻜﻲ أﻣﺎم أﺣﺪ ﯾﻮﻣﮭﺎ. وﻟﻜﻦ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﻌﮭﺎ .ﻟﻌﻠﮭﺎ ﻋﻘﺪة ﻗﺪﯾﻤﺔ ..ﻓﺎﻟﺤﺰن ﻗﻀﯿﺔ ﺷﺨﺼﯿﺔ، ﻗﻀﯿﺔ أﺣﯿﺎﻧﺎً وﻃﻨﯿﺔ.. وﻟﺬا اﺣﺘﻔﻈﺖ ﺑﺠﺮﺣﻲ داﺧﻠﻲ .وﻗﺮرت أن أواﺻﻞ ﺣﺪﯾﺜﻲ ﻛﺎﻟﻌﺎدة .ﻟﻌﻠﻨﻲ ﻓﻲ ﯾﻮم آﺧﺮ ﺳﺄﺧﺒﺮھﺎ ﺑﺬﻟﻚ .وﻟﻜﻦ ﻟﯿﺲ اﻟﯿﻮم .اﻟﺼﻤﺖ اﻟﯿﻮم أﻛﺒﺮ. ﺷﻌﺮت ﻓﺠﺄة أﻧﻨﻲ أﺳﺄت ﻟﻠﻔﺮاﺷﺎت. ﻗﻠﺖ: ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ..ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﺘﻨﺎ ﺟﻤﯿﻠﺔ ،أﻟﯿﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻘﺪة ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء ..وﻟﻜﻨﮭﺎﺟﻤﯿﻠﺔ ﺑﺮﻏﻢ ذﻟﻚ .ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ داﺋﻤﺎً ،ﻋﻠﻰ وﺷﻚ أن ﺗﻜﻮن ﺣﺒﯿﺒﺘﻲ. ورﺑﻤﺎ ﺳﯿﻨﺠﺢ اﻟﻔﺮاق ﻓﻲ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻣﺎ ﻋﺠﺰت ﻛﻞ ﺳﻨﻮات اﻟﻘﺮب ھﺬه ﻣﻦ ﺗﺤﻘﯿﻘﮫ.. ھﻞ ﺳﺘﺤﺒﻨﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻔﺘﺮق؟-ﻻ أدري ..ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أﻧﻨﻲ ﺳﺄﻓﺘﻘﺪك ﻛﺜﯿﺮاً .إﻧﮫ ﻣﻨﻄﻖ اﻷﺷﯿﺎء .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﻲ ﻣﻌﻚ
أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺎدة .وﻻ ﺑﺪ ﻟﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﯿﻮم أن أﻏﯿّﺮ ﻋﺎداﺗﻲ.. وھﻞ ﺳﺘﻌﻮد؟ﻟﯿﺲ ﻗﺒﻞ ﻣﺪة ﻃﻮﯾﻠﺔ ..ﻻ ﺑﺪ أن أﺗﻌﻠﻢ اﻵن اﻟﻮﺟﮫ اﻵﺧﺮ ﻟﻠﻨﺴﯿﺎن .اﻟﻐﺮﺑﺔ أمّ أﯾﻀﺎًﻟﯿﺲ ﺳﮭﻼً أن ﻧﺠﺘﺎز اﻟﺠﺴﺮ اﻟﺬي ﺳﯿﻔﺼﻠﻨﺎ ﻋﻨﮭﺎ.. ﺧﺎﻟﺪ ..ﻟﻤﺎذا ﺗﺤﯿﻂ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﻜﻞ ھﺬه اﻟﺠﺴﻮر؟أﻧﺎ ﻻ أﺣﯿﻂ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﮭﺎ ..أﻧﺎ أﺣﻤﻠﮭﺎ داﺧﻠﻲ .ھﻨﺎك أﻧﺎس وﻟﺪوا ھﻜﺬا ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺮﻣﻌﻠّﻖ .ﺟﺎؤوا إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﯿﻦ وﺻﯿﻔﯿﻦْ وﻃﺮﯾﻘﯿﻦْ وﻗﺎرّﺗﯿﻦْ .وُﻟِﺪوا وﺳﻂ ﻣﺠﺮى اﻟﺮﯾﺎح اﻟﻤﻀﺎدة ،وﻛﺒﺮوا وھﻢ ﯾﺤﺎوﻟﻮن أن ﯾﺼﺎﻟﺤﻮا ﺑﯿﻦ اﻷﺿﺪاد داﺧﻠﮭﻢ .رﺑﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﻦ ھﺆﻻء ..ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ دﻋﯿﻨﻲ أﺑﻮح ﻟﻚ ﺑﺴﺮّ .اﻛﺘﺸﻔﺖ أﻧﻨﻲ ﻻ أﺣﺐ اﻟﺠﺴﻮر. وأﻛﺮھﮭﺎ ﻛﺮاھﯿﺘﻲ ﻟﻜﻞ ﺷﻲء ﻟﮫ ﻃﺮﻓﺎن ،ووﺟﮭﺘﺎن ،واﺣﺘﻤﺎﻻن ،وﺿﺪان .وﻟﮭﺬا ﺗﺮﻛﺖ ﻟﻚ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﻠﻮﺣﺎت. ﻛﻨﺖ أود إﺣﺮاﻗﮭﺎ ،راودﺗﻨﻲ ھﺬه اﻟﻔﻜﺮة .وﻟﻜﻦ ﻟﺴﺖ ﻓﻲ ﺷﺠﺎﻋﺔ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد. رﺑﻤﺎ ﻷن إﺣﺮاق ﺑﺤّﺎر ﻟﺒﺎﺧﺮﺗﮫ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺣﺮﺑﯿﺔ ،ﯾﻈﻞّ أﺳﮭﻞ ﻣﻦ إﺣﺮاق رﺳﺎم ﻟﻠﻮﺣﺎﺗﮫ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺟﻨﻮن.. وﺑﺮﻏﻢ ذﻟﻚ ،أرﯾﺪ أن أﺣﺮﻗﮭﺎ ﺣﺘﻰ أﻗﻄﻊ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻒ. ﻻ أرﯾﺪ أن أﻗﻀﻲ ﺣﯿﺎﺗﻲ ،وأﻧﺎ أﺳﻠﻚ ھﺬا اﻟﺠﺴﺮ ﻓﻲ اﻻﺗﺠﺎھﯿﻦ. أرﯾﺪ أن أﺧﺘﺎر ﻟﻘﻠﺒﻲ ﻣﺴﻘﻄﮫ اﻷﺧﯿﺮ.. أرﯾﺪ أن أﻋﻮد إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺠﺎﻟﺴﺔ ﻓﻮق ﺻﺨﺮة ،وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻓﺘﺤﮭﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ .ﻛﻤﺎ ﻓﺘﺢ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد ذﻟﻚ اﻟﺠﯿﻞ ،وﻣﻨﺤﮫ اﺳﻤﮫ.. ..ﻣﻨﺬ ﻏﺎدرﺗﮭﺎ أﺿﻌﺖ ﺑﻮﺻﻠﺘﻲ .ﻗﻄﻌﺖ ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﺎﻟﺘﺎرﯾﺦ وﺑﺎﻟﺠﻐﺮاﻓﯿﺔ .ووﻗﻔﺖ ﺳﻨﻮات ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻄﺔ اﺳﺘﻔﮭﺎم ،ﺧﺎرج ﺧﻄﻮط اﻟﻄﻮل واﻟﻌﺮض. أﯾﻦ ﯾﻘﻊ اﻟﺒﺤﺮ وأﯾﻦ ﯾﻘﻒ اﻟﻌﺪوّ؟ أﯾﮭﻤﺎ أﻣﺎﻣﻲ وأﯾﮭﻤﺎ وراﺋﻲ؟ وﻻ ﺷﻲء وراء اﻟﺒﺤﺮ ﺳﻮى اﻟﻮﻃﻦ ..وﻻ ﺷﻲء أﻣﺎﻣﻲ ﺳﻮى زورق اﻟﻐﺮﺑﺔ ..وﻻ ﺷﻲ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﺳﻮاي.. ﻋﻠﻰ ﻣﻦ أﻋﻠﻦ اﻟﺤﺮب وﻻ ﺷﻲء ﺣﻮﻟﻲ ﺳﻮى اﻟﺤﺪود اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ ﻟﻠﺬاﻛﺮة؟ ﻧﻈﺮت إﻟﻲّ ﻛﺎﺗﺮﯾﻦ ،وﻟﻢ ﺗﻔﮭﻢ ﺷﯿﺌﺎً.. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ داﺋﻤﺎً ﺿﺤﯿﺔ ﺳﻮء ﻓﮭﻢ وﻗﺼﺮ ﻧﻈﺮ .ﻓﺎﻓﺘﺮﻗﻨﺎ ﻛﻤﺎ اﻟﺘﻘﯿﻨﺎ ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ
ﻣﻦ ﻗﺮن ،دون أن ﻧﻌﺮف ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺣﻘﺎً ..دون أن ﻧﺤﺐ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎً ..وﻟﻜﻦ داﺋﻤﺎً ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺠﺎذﺑﯿﺔ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ. *** وﻗﻠﺖِ: "اﻟﺤﺐ ھﻮ ﻣﺎ ﺣﺪث ﺑﯿﻨﻨﺎ ..واﻷدب ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺤﺪث". ﻧﻌﻢ وﻟﻜﻦ.. ﺑﯿﻦ ﻣﺎ ﺣﺪث وﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺤﺪث ،ﺣﺪﺛﺖ أﺷﯿﺎء أﺧﺮى ،ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟﺤﺐ وﻻ ﺑﺎﻷدب. ﻓﻨﺤﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ ،ﻻ ﻧﺼﻨﻊ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻟﺘﯿﻦ ﺳﻮى اﻟﻜﻠﻤﺎت .ووﺣﺪه اﻟﻮﻃﻦ ﯾﺼﻨﻊ اﻷﺣﺪاث .وﯾﻜﺘﺒﻨﺎ ﻛﯿﻔﻤﺎ ﺷﺎء ..ﻣﺎدﻣﻨﺎ ﺣﺒﺮه. ﻏﺎدرت اﻟﻮﻃﻦ ﻓﻲ زﻣﻦ ﻟﺤﻈﺮ اﻟﺘﻨﻔﺲ ..وھﺎ أﻧﺎ أﻋﻮد إﻟﯿﮫ ﻣﺬھﻮﻻً ﻓﻲ زﻣﻦ آﺧﺮ ﻟﺤﻈﺮ اﻟﺘﺠﻮل. أﺗﺬﻛﺮ وأﻧﺎ أواﺟﮫ وﺣﺪي ھﺬه اﻟﻤﺮة ﻣﻄﺎر ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻤﻠﺘﺤﻔﺔ ﺑﺎﻟﺤﺪاد ﻛﻼﻣﺎً ﻗﺎﻟﮫ ﺣﺴﺎن ﻣﻨﺬ ﺳﺖ ﺳﻨﻮات واﺳﺘﻮﻗﻔﺘﻨﻲ ﻛﻠﻤﺎﺗﮫ دون ﺳﺒﺐ واﺿﺢ. ﻗﺎل" :إن ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ أھﻠﮭﺎ اﻷﺻﻠﯿﯿﻦ .ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﻮا ﻻ ﯾﺄﺗﻮﻧﮭﺎ ﺳﻮى ﻓﻲ اﻷﻋﺮاس و ﻓﻲ اﻟﻤﺂﺗﻢ". ﯾﺬھﻠﻨﻲ اﻛﺘﺸﺎﻓﻲ ..ھﺎ أﻧﺎ أﺻﺒﺤﺖ إذن اﻻﺑﻦ اﻟﺸﺮﻋﻲ ﻟﮭﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﺑﻲ ﻣﻜﺮھﺎً ﻣﺮﺗﯿﻦ. ﻣﺮة ﻷﺣﻀﺮ ﻋﺮﺳﻚ ..وﻣﺮة ﻷدﻓﻦ أﺧﻲ .ﻓﻤﺎ اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ اﻻﺛﻨﯿﻦ؟ ﻟﻘﺪ ﻣﺎت أﺧﻲ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻣﺖّ أﻧﺎ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻌﺮس. ﻗﺘﻠﺘﻨﺎ أﺣﻼﻣﻨﺎ.. ھﻮ ﻷﻧﮫ أﺻﯿﺐ ﺑﻌﺪوى اﻷﺣﻼم اﻟﻔﺎرﻏﺔ اﻟﻜﺒﯿﺮة. وأﻧﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﻏﺎدرت وھﻤﻲ ..وﻟﺒﺴﺖ ﻧﮭﺎﺋﯿﺎً ﺣﺪاد أﺣﻼﻣﻲ.
ﯾﺴﺄﻟﻨﻲ ﺟﻤﺮﻛﻲّ ﻋﺼﺒﻲ ﻓﻲ ﻋﻤﺮ اﻻﺳﺘﻘﻼل ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻮﻗﻔﮫ ﺣﺰﻧﻲ وﻻ اﺳﺘﻮﻗﻔﺘﮫ ذراﻋﻲ ..ﻓﺮاح ﯾﺼﺮخ ﻓﻲ وﺟﮭﻲ ،ﺑﻠﮭﺠﺔ ﻣﻦ أﻗﻨﻌﻮه أﻧﻨﺎ ﻧﻐﺘﺮب ﻓﻘﻂ ﻟﻨﻐﻨﻰ ،وأﻧﻨﺎ ﻧﮭﺮّب داﺋﻤﺎً ﺷﯿﺌﺎً ﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﺎﺋﺐ ﻏﺮﺑﺘﻨﺎ.. ﺑﻤﺎذا ﺗﺼﺮّح أﻧﺖ؟ﻛﺎن ﺟﺴﺪي ﯾﻨﺘﺼﺐ ذاﻛﺮة أﻣﺎﻣﮫ ..وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﯾﻘﺮأﻧﻲ. ﯾﺤﺪث ﻟﻠﻮﻃﻦ أن ﯾﺼﺒﺢ أﻣﯿّﺎً. ﻛﺎن آﺧﺮون ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ ﯾﺪﺧﻠﻮن ﻣﻦ اﻷﺑﻮاب اﻟﺸﺮﻓﯿّﺔ ﺑﺤﻘﺎﺋﺐ أﻧﯿﻘﺔ دﺑﻠﻮﻣﺎﺳﯿﺔ. وﻛﺎﻧﺖ ﯾﺪاه ﺗﻨﺒﺸﺎن ﻓﻲ ﺣﻘﯿﺒﺔ زﯾﺎد اﻟﻤﺘﻮاﺿﻌﺔ ،وﺗﻘﻌﺎن ﻋﻠﻰ ﺣﺰﻣﺔ ﻣﻦ اﻷوراق.. ﻓﺘﻜﺎد دﻣﻌﺔ ﻣﻜﺎﺑﺮة ﺑﻌﯿﻨﻲ ﺗﺠﯿﺒﮫ ﻟﺤﻈﺘﮭﺎ: أﺻﺮّح ﺑﺎﻟﺬاﻛﺮة ..ﯾﺎ اﺑﻨﻲ..وﻟﻜﻨﻨﻲ أﺻﻤﺖ ..وأﺟﻤﻊ ﻣﺴﻮدّات ھﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة ﻓﻲ ﺣﻘﯿﺒﺔ ،رؤوس أﻗﻼم.. ورؤوس أﺣﻼم. ﺑﺎرﯾﺲ _ ﺗﻤﻮز1988
ﻋﻠﻰ ﻏﻼف اﻟﻜﺘﺎب:
ﻗﺮأت رواﯾﺔ )ذاﻛﺮة اﻟﺠﺴﺪ( ﻷﺣﻼم ﻣﺴﺘﻐﺎﻧﻤﻲ ،وأﻧﺎ ﺟﺎﻟﺲ أﻣﺎم ﺑﺮﻛﺔ اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﻓﻨﺪق ﺳﺎﻣﺮﻻﻧﺪ ﻓﻲ ﺑﯿﺮوت. ﺑﻌﺪ أن ﻓﺮﻏﺖُ ﻣﻦ ﻗﺮاءة اﻟﺮواﯾﺔ ،ﺧﺮﺟﺖْ ﻟﻲ أﺣﻼم ﻣﻦ ﺗﺤﺖ اﻟﻤﺎء اﻷزرق ﻛﺴﻤﻜﺔ دوﻟﻔﯿﻦ ﺟﻤﯿﻠﺔ ،وﺷﺮﺑﺖ ﻣﻌﻲ ﻓﻨﺠﺎن ﻗﮭﻮة وﺟﺴﺪھﺎ ﯾﻘﻄُﺮ ﻣﺎءً.. رواﯾﺘﮭﺎ دوّﺧﺘﻨﻲ .وأﻧﺎ ﻧﺎدراً ﻣﺎ أدوخ أﻣﺎم رواﯾﺔ ﻣﻦ اﻟﺮواﯾﺎت وﺳﺒﺐ اﻟﺪَوْﺧَﺔ أن اﻟﻨﺺ اﻟﺬي ﻗﺮأﺗﮫ ﯾﺸﺒﮭﻨﻲ إﻟﻰ درﺟﺔ اﻟﺘﻄﺎﺑﻖ ،ﻓﮭﻮ ﻣﺠﻨﻮن ،وﻣﺘﻮﺗﺮ ،واﻗﺘﺤﺎﻣﻲ، وﻣﺘﻮﺣﺶ ،وإﻧﺴﺎﻧﻲ ،وﺷﮭﻮاﻧﻲ ..وﺧﺎرج ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻣﺜﻠﻲ .وﻟﻮ أن أﺣﺪاً ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻲ أن أوﻗﻊ اﺳﻤﻲ ﺗﺤﺖ ھﺬه اﻟﺮواﯾﺔ اﻹﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺔ اﻟﻤﻐﺘﺴﻠﺔ ﺑﺄﻣﻄﺎر اﻟﺸﻌﺮ ..ﻟﻤﺎ ﺗﺮددت ﻟﺤﻈﺔ واﺣﺪة.. ھﻞ ﻛﺎﻧﺖ أﺣﻼم ﻣﺴﺘﻐﺎﻧﻤﻲ ﻓﻲ رواﯾﺘﮭﺎ )ﺗَﻜﺘُﺒُﻨﻲ( دون أن ﺗﺪري ..ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺜﻠﻲ ﺗﮭﺠﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺒﯿﻀﺎء ،ﺑﺠﻤﺎﻟﯿﺔٍ ﻻ ﺣﺪّ ﻟﮭﺎ ..وﺷﺮاﺳﺔٍ ﻻ ﺣﺪّ ﻟﮭﺎ ..ﺟﻨﻮنٍ ﻻ ﺣﺪّ ﻟﮫ... اﻟﺮواﯾﺔ ﻗﺼﯿﺪة ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﺒﺤﻮر ..ﺑﺤﺮ اﻟﺤﺐ ،وﺑﺤﺮ اﻟﺠﻨﺲ ،وﺑﺤﺮ اﻹﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ،وﺑﺤﺮ اﻟﺜﻮرة اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ ﺑﻤﻨﺎﺿﻠﯿﮭﺎ وﻣﺮﺗﺰﻗﯿﮭﺎ ،وأﺑﻄﺎﻟﮭﺎ وﻗﺎﺗﻠﯿﮭﺎ، وﻣﻼﺋﻜﺘﮭﺎ وﺷﯿﺎﻃﯿﻨﮭﺎ ،وأﻧﺒﯿﺎﺋﮭﺎ وﺳﺎرﻗﯿﮭﺎ.. ھﺬه اﻟﺮواﯾﺔ ﻻ ﺗﺨﺘﺼﺮ ذاﻛﺮة اﻟﺠﺴﺪ ﻓﺤﺴﺐ ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺗﺨﺘﺼﺮ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻮﺟﻊ اﻟﺠﺰاﺋﺮي ،واﻟﺤﺰن اﻟﺠﺰاﺋﺮي ،واﻟﺠﺎھﻠﯿﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ اﻟﺘﻲ آن ﻟﮭﺎ أن ﺗﻨﺘﮭﻲ.. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﺼﺪﯾﻖ اﻟﻌﻤﺮ ﺳﮭﯿﻞ إدرﯾﺲ رأﯾﻲ ﻓﻲ رواﯾﺔ أﺣﻼم ،ﻗﺎل ﻟﻲ :ﻻ ﺗﺮﻓﻊ ﺻﻮﺗﻚ ﻋﺎﻟﯿﺎً ..ﻷن أﺣﻼم إذا ﺳﻤﻌﺖ ﻛﻼﻣﻚ اﻟﺠﻤﯿﻞ ﻋﻨﮭﺎ ،ﻓﺴﻮف ﺗُﺠﻦّ... أﺟﺒﺘﮫ :دﻋﮭﺎ ﺗُﺠﻦّ ..ﻷن اﻷﻋﻤﺎل اﻹﺑﺪاﻋﯿﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻻ ﯾﻜﺘﺒﮭﺎ إﻻ ﻣﺠﺎﻧﯿﻦ!! ﻟﻨﺪن 1995 / 8 / 20 ﻧﺰار ﻗﺒﺎﻧﻲ __________________