Al Fiqh Al Manhaji 4

  • May 2020
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View Al Fiqh Al Manhaji 4 as PDF for free.

More details

  • Words: 49,848
  • Pages: 218
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬ ‫المقدمـــة‬

‫الحمد ل ربّ العالمين ‪ ،‬حمدا يوافي نعمه ‪ ،‬ويكافئ مزيده ‪ ،‬سبحانك يا ربّنا ل نُحصي‬ ‫ثناء عليك أنَت كما أثنيت على نفسك ‪.‬‬ ‫صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك سيدنا محمد صلة تُرضيك وترضيه وترضى لها‬ ‫عنا برحمتك يا أرحم الراحمين ‪.‬‬ ‫ض الّلهَم عن أصحاب نبيّك الذين اخترتهم لحمل هذه الشريعة ‪ ،‬واصطفيتهم لتبليغ‬ ‫وار َ‬ ‫هذه الرسالة ‪ ،‬فكانوا لذلك أهلً ‪ ،‬وغدوا لمن بعدهم قدوة صالحة ‪ ،‬ونبراسا يُهتدى بنوره ‪،‬‬ ‫ويُستضاء به ‪ .‬وارحم يا إلَهنا كل من سار على هداهم ‪ ،‬واستنّ بسنتهم ‪.‬‬ ‫الّلهَم وفّقنا للقتداء ‪ ،‬بنبيك‬

‫والتمسك بسنّته ‪،‬واحفظنا يا ربنا من الزلل ‪ ،‬والعلل ‪،‬‬

‫والرياء ‪ ،‬واجعل عملنا هذا خالصا لوجهك الكريم ‪ ،‬وأجُرنا عليه بما أنت له أهل ‪ ،‬برحمتك‬ ‫وفضلك يا أرحم الراحمين ‪.‬‬ ‫وبعد ‪ ،‬فهذا هو الجزء الرابع في سلسة ( الفقه المنهجي ) على مذهب المام الشافعي ‪،‬‬ ‫أودعنا فيه ما يتعلق بأحكام الُسرة ‪.‬‬ ‫وجعلناه سبعة أقسام ‪:‬‬ ‫‪-1‬النكاح ‪ ،‬وما يتعلق به ‪.‬‬ ‫‪-2‬الطلق وما يتعلق به ‪ ،‬وما يشبهه من ظهار وإيلء ولعان ‪.‬‬ ‫‪-3‬النفقات وما يتعلق بها ‪.‬‬ ‫‪-4‬الحضانة وأحكامها ‪.‬‬ ‫‪-5‬الرضاع وأحكامه ‪.‬‬ ‫‪-6‬النسب وأحكامه ‪.‬‬

‫‪ -7‬اللقيط وأحكامه ‪.‬‬

‫وال نسأل أن نكون قد وُفّقنا للصواب ‪ ،‬وتقريب هذا التراث العظيم من الفقه‬ ‫السلمي للقرّاء الكارم وعلى ال توكلنا ‪ ،‬وهو حسبنا و ِنعَم الوكيل ‪.‬‬ ‫المؤلفــون‬ ‫‪2‬‬

‫أول ً ‪ :‬النكاح وما يتعلق به وما يشبهه ‪.‬‬

‫تمهيد ‪:‬‬

‫معنى الحوال الشخصية ‪:‬‬ ‫يقصد بالحوال الشخصية ‪ :‬الوضاع التي تكون بين النسان وأُسرته ‪ ،‬وما يترتب عليه‬ ‫هذه الوضاع من آثار حقوقية ‪ ،‬والتزامات مادية أو أدبية ‪.‬‬ ‫وإطلق هذا الصطلح على هذا المعنى إطلق حديث ‪ ،‬أُطلق في مقابلة الحوال‬ ‫المدنية ‪ ،‬التي تنظّم علقات النسان بأفراد المجتمع خارج حدود الُسرة ‪.‬‬ ‫أما الفقهاء قديما ‪ ،‬فلم يكونوا يطلقون هذا السم ( الحوال الشخصية ) على المبادئ‬ ‫والحكام الشاملة للسرة ومتعلقاتها ‪ ،‬وإنما كانوا يطلقون على كل باب اسما خاصا ‪ :‬مثل ‪:‬‬ ‫كتاب النكاح ‪ .‬كتاب الصداق ‪ .‬كتاب النفقات ‪ .‬كتاب الطلق ‪ .‬كتاب الفرائض ‪ .‬وهكذا ‪.‬‬

‫تعريف النكاح ‪:‬‬

‫النكـــــاح‬ ‫‪3‬‬

‫النكاح لغة ‪ :‬الضم والجمع ‪ .‬يقال ‪ :‬تناكحت الشجار ‪ ،‬إذا تمايلت وانضم بعضها إلى‬ ‫بعض ‪.‬‬ ‫والنكاح شرعا ‪ :‬عقد يتضمن إباحة استمتاع كل من الزوجين بالخر على الوجه‬ ‫المشروع ‪.‬‬ ‫وسُمي بذلك لنه يجمع بين شخصين ‪ ،‬ويضمّ أحدهما إلى الخر ‪.‬‬ ‫والعرب تستعمل لفظ النكاح بمعنى العقد ‪ ،‬وبمعنى الوطء والستمتاع ‪.‬‬ ‫لكن النكاح حقيقة يطلق علي العقد ‪،‬ويستعمل مجازا في الوطء ‪.‬‬ ‫وعامة استعمال القرآن للفظ النكاح إنما هو في العقد ‪ ،‬ل في الوطء ‪.‬‬ ‫ومنه قوله تعالى ‪:‬‬

‫طلّ ْق ُتمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن‬ ‫حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ ثُمّ َ‬ ‫يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ‬

‫عَل ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َت ْعتَدّونَهَا ‪ ( ..‬الحزاب ‪. ) 49 :‬‬ ‫َتمَسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ َ‬ ‫ومعنى‬ ‫َتمَسّوهُنّ‬

‫حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ‬ ‫َنكَ ْ‬

‫عقدتم عليهن ‪ .‬بدليل قوله ‪:‬‬

‫طلّ ْق ُتمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن‬ ‫ثُمّ َ‬

‫فمعناه ‪ :‬طلقتموهن قبل المسيس وهو الوطء والدخول ‪.‬‬

‫مشروعية النكاح ‪:‬‬ ‫لقد شرع السلم الزواج ‪ ،‬وضع له نظاما محكما يقوم على أقوى المبادئ وأضمنها‬ ‫لصيانة المجتمع ‪ ،‬وسعادة السرة ‪ ،‬وانتشار الفضيلة ‪ ،‬وحفظ الخلق ‪ ،‬وبقاء النوع النساني ‪.‬‬ ‫دليل مشروعية النكاح ‪:‬‬ ‫ويستدل لمشروعية النكاح بالقرآن الكريم ‪ ،‬والسنّة النبوية ‪ ،‬وإجماع المة ‪.‬‬ ‫أما القرآن ‪ :‬فآيات كثيرة منها ‪:‬‬ ‫قوله تعالى ‪:‬‬ ‫وقوله تعالى ‪:‬‬

‫لثَ َو ُربَاعَ‬ ‫فَانكِحُواْ مَا طَابَ َلكُم مّنَ النّسَاء َم ْثنَى َوثُ َ‬

‫( النساء ‪) 4 :‬‬

‫عبَا ِدكُمْ َوِإمَا ِئكُمْ … النور ‪32 :‬‬ ‫َوأَنكِحُوا الَْأيَامَى مِنكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ ِ‬

‫اليامى ‪ :‬جمع أيّم ‪ ،‬وهو من ل زوج له من الرجال ‪ ،‬ومَن ل زوج لها من النساء ‪.‬‬ ‫عبادكم ‪ :‬الرجال المملوكين ‪.‬‬ ‫إمائكم ‪ :‬النساء المملوكات ‪.‬‬ ‫وأما السنة ‪ :‬فأحاديث كثيرة أيضا ‪ ،‬منها ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫قوله‬

‫‪" :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ‪ ،‬فإنه أغض للبصر‬

‫وأحصن للفرج ‪،‬ومن ثم يستطع فعليه بالصوم ‪ ،‬فإنه له وجاءٌ " ‪.‬‬ ‫رواه البخاري ( في كتاب النكـاح ‪ ،‬بـاب ‪ :‬الترغيب في النكـاح ‪ ،‬رقم ‪) 4779 :‬‬ ‫ومســلم ( في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬استحباب الترغيب في النكاح لمن تاقت نفسه إليه … ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ) 1400‬عن عبدال بن مسعود‬

‫‪.‬‬

‫الباءة ‪ :‬القدرة على الجماع بتوفر القدرة على مؤن الزواج ‪.‬‬ ‫وجاء ‪ :‬قاطع لشهوة الجماع ‪.‬‬ ‫وأما الجماع ‪ :‬فقد اتفقت كلمة العلماء في كل العصور على مشروعيه ‪.‬‬ ‫الترغيب بالزواج ‪:‬‬ ‫لقد رغب السلم في الزواج ‪ ،‬وحضّ عليه ‪ ،‬لما فيه من المصالح والفوائد ‪ ،‬التي تعود‬ ‫على الفرد والمجتمع ‪.‬‬ ‫قال رسول ال‬

‫‪ " :‬الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " رواه مسلم في كتاب‬

‫الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ‪ ) 1467 ،‬عن عبدال بن عمرو رضي ال‬ ‫عنهما ‪.‬‬ ‫( متاع ‪ :‬شيء ينتفع به ويتمتع به إلى أمدٍ قليل ) ‪.‬‬ ‫وروى الترمذي ( كتاب النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في فضل التزويج والحثّ عليه ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ) 1080‬عن أبي أيوب‬

‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ ":‬أربع من سنن المرسلين ‪ :‬الحياءُ ‪،‬‬

‫وال ّتعَطُر ‪ ،‬والسّواكُ ‪ ،‬والنكاح " ‪.‬‬

‫الحكمة من مشروعية النكاح ‪:‬‬

‫إن لتسريع الزواج حكما جمّة ‪ ،‬وفوائد كثيرة ‪ ،‬نذكر بعضا منها ‪:‬‬

‫‪-1‬الستجابة لنداء الفطرة التي فطر ال النسان عليها ‪:‬‬ ‫فلقد خلق ال هذا النسان ‪ ،‬وغرز في كيانه الغريزة الجنسية ‪ ،‬وركّز فيه ذلك التطلّع‬ ‫إلى المرأة ‪ ،‬والرغبة فيها ‪ ،‬كما جعل مثل ذلك في كيان المرأة وفطرتها ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫ولمّا كان السلم دين الفطرة يستجيب لها ‪ ،‬وينظّم مجراها ‪ ،‬شَرع الزواج تلبية لهذا‬ ‫النداء العميق المستقر في أعماق هذا النسان وكيانه ‪ ،‬وجعل الزواج هو الطريق الوحيد الذي‬ ‫يعبّر عن إشباع هذه الرغبة وإروائها ‪.‬‬ ‫فلم يكبت السلم هذه الغريزة ‪ ،‬ويحطم كيان هذا النسان بتشريع الحرمان من الزواج ‪،‬‬ ‫والدعوة إلى الرهبنة والتبتل ‪.‬‬ ‫روى الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في النهي عن التبتّل ‪ ،‬رقم ‪ ) 1082 :‬عن‬ ‫سمرة‬

‫‪ ( :‬أن النبي‬

‫نهى عن التبتّل ) ‪.‬‬

‫والتبتّل ‪ :‬النقطاع عن النساء ‪ ،‬وترك الزواج انصرافا إلى العبادة ‪.‬‬ ‫وروى مسلم ( النكاح باب ‪ :‬استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ‪ ، ..‬رقم ‪) 1402 :‬‬ ‫والترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في النهي عن التبتل ‪،‬رقم ‪ ) 1083 :‬عن سعد بن أبي‬ ‫وقاص‬

‫قال ‪ ( :‬ردّ رسول ال‬

‫على عثمان بن مظعون التبتّل ‪ ،‬ولو أذن له لختصينا ) ‪.‬‬

‫لكن السلم لم ُيلْق حبل هذه الغريزة على غاربها ‪ ،‬ولم يترك النسان حرا طليقا في إشباع‬ ‫نهمه الجنسي ‪ ،‬بحيث يفسد نفسه وغيره ‪ ،‬ويضرّ بالخلق ‪ ،‬ويهدم البيوت والُسر ‪ ،‬ويفتح‬ ‫الباب واسعا لغواية الشيطان ووساوسه ‪ .‬وإنما وقف الموقف المتوسط المعتدل ‪ ،‬فاستجاب لنداء‬ ‫الفطرة ونظمها ‪ ،‬بحيث تؤدي دورها النافع البنّاء في إيجاد هذا النوع ‪ ،‬واستمرار بقائه ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ إمداد المجتمع السلمي بنسل صالح ‪ ،‬ونشء مهذب ‪:‬‬ ‫لقد دعا السلم إلى كثره النَسْل ‪ ،‬وجعله من بين أهدافه ‪ ،‬في إنشاء المجتمع السلمي‬ ‫المُهيب المرهوب ‪ ،‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬تزوّجوا الوَُلوَد الودود فإني مُكاثر بكـم المـم يـوم‬

‫القيامـة " ‪ ( .‬أخرجه أبو داود في سننه ‪ :‬كتاب النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬النهي عن تزويج من لم يلد من‬ ‫النساء ‪ ،‬رقم ‪. 2050 :‬‬ ‫والنسائي في النكاح أيضا ‪ ،‬باب ‪ :‬كراهية تزويج العقيم ‪. ] 65 / 6 :‬‬ ‫ولذلك دعا القرآن إلى الزواج ‪ ،‬ووجّه نظر الولياء إلى تزويج أبنائهم وبناتهم ‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫قال تعالى ‪:‬‬ ‫ضلِهِ‬ ‫ُي ْغ ِنهِمُ اللّهُ مِن َف ْ‬

‫عبَا ِدكُمْ َوِإمَا ِئكُمْ إِن َيكُونُوا فُ َقرَاء‬ ‫َوأَنكِحُوا الَْأيَامَى مِنكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ ِ‬ ‫( النور ‪. ) 23 :‬‬

‫وإمداد المجتمع بنشئ يولدون في ظلل أبوين حانيين عطوفين ‪ ،‬يعرفان كيف تُصاغ‬ ‫عقول هذا النشئ ‪ ،‬وكيف تُربى مواهبه ‪ ،‬أفضل النزوات المحّرمة الطائشة من السفاح‬ ‫والزنى ‪ ،‬فهؤلء ل يعرفون أبا يرعاهم ‪ ،‬ول ُأمَا تحنو عليهم ‪ ،‬فينشؤون وفي أنفسهم عقد‬ ‫الكراهية والحقد على أمتهم ومجتمعهم ‪ ،‬وعلى الناس جميعا ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ إيجاد السكن النفسي والستقرار الروحي ‪:‬‬ ‫وفي هذا الزواج الشرعي الشريف تحصل هذه الطمأنينة ‪ ،‬و السكينة والهدوء النفسي ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬

‫جعَلَ َب ْي َنكُم ّموَ ّدةً‬ ‫س ُكنُوا ِإَل ْيهَا وَ َ‬ ‫سكُمْ َأ ْزوَاجا ّلتَ ْ‬ ‫خلَقَ َلكُم مّنْ أَنفُ ِ‬ ‫َومِنْ آيَاتِهِ أَنْ َ‬

‫حمَةً إِنّ فِي َذِلكَ لَآيَاتٍ لّ َقوْمٍ َيتَ َف ّكرُونَ‬ ‫َورَ ْ‬

‫( الروم ‪. ) 21 :‬‬

‫وانظر إلى التعبير القرآني ما أروعه في إبراز معنى الحاجة للزواج ‪ ،‬وحصول الستر‬ ‫والسعادة والستقرار فيه ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬

‫هُنّ ِلبَاسٌ ّلكُمْ َوأَنتُمْ ِلبَاسٌ ّلهُنّ‬

‫( البقرة ‪. ) 117 :‬‬

‫فالية شبهت كل من الزوجين باللباس للخر ‪ ،‬لن كلً منهما يستر الخر‪.‬‬ ‫فحاجة كلّ من الزوجين للخر كحاجته إلى اللباس ‪ ،‬فإذا كان اللباس يستر معايب الجسد‬ ‫‪ ،‬وبقية عاديات الذى ‪ ،‬فإن كلً من الزوجين يحفظ على صاحبه شرفه ‪ ،‬ويصون عرضه ‪،‬‬ ‫ويوفّر له راحته وأُنسه ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ الحفاظ على الخلق من الهبوط والنهيار ‪:‬‬ ‫فالنسان إذا منع من الزواج المشروع تاقت نفسه إلى تحصيل حاجته من الطريق‬ ‫الممنوع ‪ ،‬ول يخفى على عاقل ما في السفاح والزنى من فساد الخلق ‪ ،‬وخراب الُسر ‪،‬‬ ‫وهتك العراض ‪ ،‬وانتشار المراض ‪ ،‬وقلق النفوس والرواح ‪.‬‬ ‫وللمحافظة على الخلق ‪ ،‬وللوقاية من الفساد قال رسول ال‬

‫‪ " :‬إذا جاءكم من‬

‫خلُقَه فأنْكحُوه ‪ ،‬إلّ تفعلوا تكن فتنة في الرض وفَسَادُ " رواه الترمذي ( في‬ ‫َت ْرضَوْنَ دينَه و ُ‬ ‫‪7‬‬

‫النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه ‪ ،‬رقم ‪ ) 1085 :‬عن أبي حاتم‬ ‫المزني‬

‫‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫‪5‬ـ المحافظة على النوع البشري سويا سليما ‪:‬‬ ‫لقد جرت عادة ال سبحانه وتعالى أن ل يكون إنسان إل من أبوين ‪ :‬رجل و امرأة ‪ ،‬فإذا‬ ‫علمنا أن السلم قد حرّم اقتران رجل بامرأة إل على أساس زواج شرعي ‪ ،‬فإن ذلك يعنى أن‬ ‫ا لسلم قد حصر حفظ النوع البشري بالزواج ‪ ،‬فلو حرم الزواج لنقرض البشر ‪ ،‬ولو أباح‬ ‫السفاح لكان هذا البشر شقيّا مريضا ‪ ،‬وال سبحانه وتعالى يريد بعباده الخير ‪ ،‬ول يحب لهم‬ ‫الشـر ‪ .‬قال تعـالى ‪:‬‬

‫ن اللّهَ بِالنّاسِ َل َرؤُوفٌ رّحِيمٌ‬ ‫إِ ّ‬

‫( البقرة ‪. ) 114 :‬‬

‫‪6‬ـ توسيع دائرة القرابة وبناء دعائم التعاون ‪:‬‬ ‫ففي الزواج تمتد رقعة القرابة ‪ ،‬فتلقي عائلتان ‪ ،‬ويجمع شمل أسرتين ‪ ،‬وتنشأ بينهما‬ ‫بسبب المصاهرة روابط جديدة ‪ ،‬ومحبة متبادلة ‪.‬‬ ‫وبالزواج يتم التعاون بين الزوجين ‪ ،‬فالزوجة تُعين زوجها في شؤونه ‪ :‬في مأكله‬ ‫وملبسه ومسكنه ‪ ،‬وتربية أولدة ‪ ،‬ورعاية بيته ‪ .‬والزوج يعاونها في تأمين حاجاتها ‪ ،‬وتحصيل‬ ‫نفقتها ‪ ،‬والدفاع عنها ‪ ،‬وحمايتها ‪ ،‬والمحافظة على عرضها ‪.‬‬ ‫والسلم دين التعاون والتكافل ‪ ،‬ولقد شرع الزواج لتحقيق هذه المصالح كلها ‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫ح َ‬ ‫عــــــا‬ ‫شْر ُ‬ ‫ُ‬ ‫حكــــــم النِكَـــــا ِ‬ ‫للنكاح أحكام متعددة ‪ ،‬وليس حكما واحدا ‪ ،‬وذلك تبعا للحالة التي يكون عليها الشخص ‪،‬‬ ‫وإليك بيان ذلك ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ مستحب ‪:‬‬ ‫وذلك إذا كان الشخص محتاجا إلى الزواج ‪ :‬بمعنى أن نفسه تتوق إليه ‪ ،‬وترغب فيه ‪،‬‬ ‫وكان يملك مؤنته ونفقته ‪ ،‬من مهر ‪ ،‬ونفقة معيشة له ولزوجته ‪ ،‬وهو في نفس الوقت ل يخشى‬ ‫على نفسه الوقوع في الفاحشة إن لم يتزوج ‪.‬‬ ‫ففي هذه الحالة يكون النكاح مستحبّا ‪ ،‬لما فيه من بقاء النَسْل وحفظ النسب ‪ ،‬و الستعانة‬ ‫على قضاء المصالح‪.‬‬ ‫ويستدل لذلك بحديث البخاري ومسلم ‪ :‬عن عبدال بن مسعود‬ ‫شبابا ل نجد شيئا ‪ ،‬فقال لنا رسول ال‬

‫قال ‪ :‬كنا مع النبي‬

‫‪ " :‬يا معشر الشباب مَن استطاع منكم الباءة‬ ‫‪1‬‬

‫ض للبصر وأحصن لفرج ‪ ،‬ومَن لم يستطع فعليه بالصوم ‪ ،‬فإنه له وِجاء "‬ ‫فليتزوج ‪ ،‬فإنه أغ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫والزواج في هذه الحالة أفضل من التفرغ للعبادة ‪ ،‬والنقطاع لها ‪.‬‬ ‫وعلى هذا يحمل توجيه الرسول‬

‫لولئك النفر من أصحابه الذين تعاهدوا على النقطاع‬

‫للعبادة ‪ ،‬وترك الزواج ‪.‬‬ ‫روى مسلم ( في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬استحباب لمن تاقت نفسه إليه …‪ ،‬رقم ‪) 1401‬‬ ‫وغيره عن أنس ‪ :‬أن نفرا من أصحاب النبي‬

‫سألوا أزواج النبي‬

‫عن عمله في السرّ ‪،‬‬

‫فقال بعضهم ‪ :‬ل أتزوج النساء ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬ل آكل اللحم ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬ل أنام على‬ ‫فراش ‪ ،‬فحمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ما بالُ أقوامٍ قالوا ‪ :‬كذا وكذا ‪ ،‬لكني أصلي وأنام ‪،‬‬ ‫سنّتي فليسَ منّي " ‪.‬‬ ‫وأصوم وأفطر ‪ ،‬وأتزوج النساءَ فم رغب عن ُ‬

‫‪1‬‬

‫انظر تخريجه وشرح ألفاظه ( ص ‪ 12 :‬عند الكلم عن مشروعية النكاح )‬

‫‪10‬‬

‫ومعنى " فمن رغب عن سُنتي فليس مني " أي من تركها إعراضا عنها ‪ ،‬غير معتقد لها‬ ‫على ما هي عليه ‪.‬‬ ‫والمرأة في هذا الحكم مثل الرجل ‪ ،‬فإذا كانت محتاجة للزواج لصيانة نفسها ‪ ،‬وحفظ‬ ‫دينها ‪ ،‬وتحصيل نفقتها ‪ ،‬استحبّ لها الزواج أيضا ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ مستحب تركه ( أي مكروه وفعله خلف الولى ) ‪:‬‬ ‫وذلك إذا كان محتاجا للزواج ‪ ،‬لكنه ل يملك أُهبة النكاح ونفقاته ‪.‬‬ ‫وعليه في هذه الحالة أن يعفّ ويستعين على ذلك بالعبادة والصوم ‪ ،‬لن النشغال‬ ‫بالعبادة والصوم ‪ ،‬يشغله عن التفكير في الزواج ‪ ،‬واستشارة الرغبة فيه ‪ ،‬ريثما يغنيه ال من‬ ‫فضله ‪.‬‬ ‫ضلِه ِ‬ ‫حتّى ُي ْغ ِن َيهُمْ اللّهُ مِن َف ْ‬ ‫س َتعْ ِففِ الّذِينَ لَا يَجِدُونَ ِنكَاحا َ‬ ‫ودليل ذلك قوله تعالى ‪َ :‬و ْليَ ْ‬ ‫( النور ‪. ) 33 :‬‬ ‫ويُفهم هذا الحكم أيضا من مفهوم قول النبي‬

‫‪ " :‬مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج " فإنه‬

‫إذا لم يملك الباءة كان ترك الزواج مستحّبا له ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ مكروه ‪:‬‬ ‫وذلك إذا كان غير محتاج إلى الزواج ‪ :‬كأن ل يجد الرغبة فيه ‪ ،‬أما فطرة ‪ ،‬أو‬ ‫لمرض ‪ ،‬أو علّة ‪ ،‬ول يجد أُهبه له ‪ ،‬وذلك لما فيه من التزام مال يقدر على القيام به ‪ ،‬لن‬ ‫النكاح يترتب عليه المهر ‪ ،‬والنفقة ‪ ،‬وهو ل يقدر على ذلك‪ ،‬فيُكره النكاح له ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ الفضل تركه ‪:‬‬ ‫وذلك إذا كان يجد الُهبة ‪ ،‬ولكنه ليس محتاجا إلى النكاح ‪ ،‬لن نفسه ل تتوق إليه ‪،‬‬ ‫وكان منشغلً بالعبادة ‪ ،‬أو منقطعا لطلب العلم ‪ ،‬فإن التفرغ للعبادة وطلب العلم أفضل من‬ ‫النكاح في هذه الحالة ‪ ،‬لن النكاح ربما يشغله عن ذلك ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ الفضل فعله ‪:‬‬ ‫فإذا كان ليس منشغلً بالعبادة ‪ ،‬ول متفرغا لطلب العلم ‪ ،‬وهو يجد الُهبة للنكاح ‪ ،‬لكنه‬ ‫غير محتاج إليه ‪ ،‬فالنكاح في هذه الحالة أفضل ‪ ،‬حتى ل تقضي به البطالة والفراغ إلى‬ ‫الفواحش ‪ ،‬وبالزواج يحصل له الستعانة على قضاء المصالح ‪ ،‬وإنجا‬ ‫‪11‬‬

‫مكانَة ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ها‬ ‫م‬ ‫السل‬ ‫في‬ ‫رة‬ ‫س‬ ‫ور َ‬ ‫عايت َ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫تعريف السرة ‪:‬‬

‫السرة لغة ‪ :‬الرّهْط ـ أي الشخاص ـ ال َدنْون من الرجل ‪.‬‬ ‫ويقصد بالُسلم اصطلحا في نظام السلم ‪ :‬تلك الخليّة التي تضم الباء والُمهات ‪،‬‬ ‫والجداد والجدّات ‪ ،‬والبنات والبناء ‪ ،‬وأبناء البناء ‪.‬‬ ‫السرة دعامة أساسية في المجتمع ‪:‬‬ ‫إذا كان الفرد هو اللبنة الساسية في بناء المجتمع ‪ ،‬فإن الُسرة هي الخليّة الحيّة في‬ ‫كيانه ‪.‬‬ ‫والفرد جزء من الُسرة يأخذ خصائصه الُولى منها ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫ضهَا مِن َبعْضٍ‬ ‫ُذ ّريّةً َب ْع ُ‬ ‫قال رسول ال‬

‫( آل عمران ‪ ) 34 :‬وينطبع بطابعها ‪ ،‬ويتأثر بتربيتها ‪.‬‬

‫‪ " :‬ما من مولود إل يولد على الفطرة ‪ ،‬فأبواه يهودانه ‪ ،‬وينصرانه ‪،‬‬

‫ويمجسانه ‪ ،‬كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ‪ ،‬هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " رواه مسلم ( في‬ ‫كتاب القدر ‪ ،‬باب ‪ :‬معنى كل مولود يولد على الفطرة ‪ ،..‬رقم ‪ ) 2658 :‬عن أبي هريرة‬ ‫الفطرة ‪ :‬الحالة المتهيئة للخير ‪ ،‬وهي حالة أصل الخلقة البشرية ‪ .‬كما تنتج البهيمة‬ ‫بهيمة جمعاء ‪ :‬أي كما تلد البهيمة بهيمة كاملة العضاء ل نقص فيها ‪.‬‬ ‫جدعاء ‪ :‬مقطوعة الُذن ‪ .‬أي إنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد ولدتها ‪ ،‬بتأثير من‬ ‫البيئة المحيطة بها من إنسان وغيره ‪ .‬وكذلك حال النسان ‪ ،‬تكون استقامته أو انحرافه رهن‬ ‫البيئة التي ينشأ ويترعرع فيها ‪.‬‬ ‫وبناءً على ما سبق نقول ‪ :‬إن الفرد جزء من الُسرة ‪ ،‬والسرة جزء من المجتمع ‪،‬‬ ‫صلُح الفرد ‪ ،‬وإذا صلُح الفرد صلحت الُسرة ‪،‬‬ ‫حتَ الُسرة َ‬ ‫ودعامة أساسية فيه ‪ ،‬فإذا صلُ َ‬ ‫وصلح المجتمع ‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫ولذلك أولى السلم السرة رعاية بالغة ‪ ،‬وعناية فائقة ‪ ،‬وشغلت الُسرة حّيزا كبيرا من‬ ‫أحكام القرآن والسنّة ‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫مظاهر عناية السلم بالسرة ‪:‬‬ ‫وتتبدى مظاهر عناية السلم بالُسرة من تلك التشريعات والحكام التي صاغها لتنظيم‬ ‫الُسرة ‪ ،‬وترتيب شؤونها ‪ .‬ومن ذلك على سبيل المثال ل الحصر ‪:‬‬ ‫أ ـ المر بالزواج ‪:‬‬ ‫لتشييد دعائم الُسرة ‪ ،‬لنه ل أُسرة بغير زواج ‪ ،‬وكل علقة جنسية بين رجل وامرأة ل‬ ‫تقوم على أساس الزواج ‪ ،‬فهي زنى وسفاح ‪.‬‬ ‫وال تعالى يقول ‪:‬‬

‫سبِيلً‬ ‫وَلَ تَ ْق َربُواْ ال ّزنَى ِإنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء َ‬

‫( السراء ‪:‬‬

‫‪)32‬‬ ‫ويقول عز وجل ‪:‬‬

‫غ ْيرَ مُسَا ِفحِينَ وَلَ ُمتّخِذِي أَخْدَانٍ‬ ‫صنِينَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ُم ْ‬

‫( المائدة ‪) 5 :‬‬

‫ب ـ تشريع حقوق الزوجين وواجباتهما ‪:‬‬ ‫فقد أوجب السلم على الزوج لزوجته ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ المهر‪ :‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫‪2‬ـ النفقة ‪ :‬قال تعالى ‪:‬‬

‫حلَةً‬ ‫وَآتُواْ النّسَاء صَدُقَا ِتهِنّ نِ ْ‬

‫( النساء ‪) 4 :‬‬

‫س َو ُتهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬ ‫وَعلَى ا ْل َم ْولُودِ لَهُ ِرزْ ُقهُنّ َوكِ ْ‬

‫( البقرة ‪:‬‬

‫‪. ) 233‬‬ ‫وقال رسول ال‬

‫‪ " :‬ولهنّ عليكم رزقُهنّ وكسو ُتهُنّ بالمعروفِ " ‪.‬‬

‫رواه مسلم ( كتاب الحج ‪ ،‬باب حجّه النبي‬ ‫‪3‬ـ المعاشرة بالمعروف ‪ :‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫رقم ‪ ) 1218 :‬في حديث طويل ‪.‬‬ ‫شرُوهُنّ بِا ْل َم ْعرُوف ِ ( النساء ‪) 19 :‬‬ ‫وَعَا ِ‬

‫كما أوجب السلم على الزوجة لزوجها ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الطاعة في غير معصية ‪ :‬قال تعالى ‪:‬‬

‫علَى النّسَاء‬ ‫الرّجَالُ َقوّامُونَ َ‬

‫( النساء ‪. ) 34 :‬‬

‫والقوامة إنما هي ‪ :‬القيادة ‪ ،‬وحقّ الطاعة ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن ل تُدخل بيته أحدا بغير إذنه ورضاه ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬ولكم عليهنّ أن ل يوطئن‬

‫ُفرُشكم أحدا تكرهونه " رواه مسلم ( ‪ )1218‬من حديث طويل ‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫قال المام النووي رحمه ال تعالى ‪ :‬ل يأذنّ لحد تكرهونه في دخول بيوتكم ‪،‬‬ ‫والجلوس في منازلكم ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن تحفظ شرفه ‪ ،‬وتصون عرضه ‪ ،‬وتحافظ على ماله ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ ":‬أل أدُلكم‬

‫على خير ما ّي ْك ِنزُ الرّجُلُ ؟ المرأةُ الصالحةُ ‪ ،‬التي إذا نظر إليها س ّرتْه ‪ ،‬وإذا أمرها‬ ‫أطاعته ‪ ،‬وإذا غاب عنها حفظْته في نفسها ومَالِهِ " ‪ .‬رواه أبو داود ( الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬في‬ ‫حقوق المال ‪ ،‬رقـم ‪ ) 1664 :‬وصححه الحاكم في مستدركه ‪.‬‬ ‫ج ـ تشريع حقوق الولد والوالدين ‪:‬‬ ‫فقد أوجب السلم على الباء لولدهم ‪:‬‬ ‫‪ -1‬النفقة ‪ :‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫ضعْنَ َلكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ‬ ‫فَإِنْ َأ ْر َ‬

‫( الطلق ‪ ) 6 :‬فقد أوجب‬

‫ال عزّ وجلّ أُجره المُرضع لنفقة الولد ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ حُسن التربية والتأديب على العبادات والخلق ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬أدّبوا أولدَكم على ثلث‬

‫خصالٍ ‪ :‬حُب نبيّكم ‪،‬وآل بيته ‪ ،‬وقراءة القرآن " رواه الديلمي [ انظر الجامع الصغير‬ ‫للسيوطي ] ‪.‬‬ ‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬أل ُكلّكم راع ومسؤول عن رعيته ‪،‬‬ ‫فالميرُ الذي على الناس راع ومسؤول عن رعّيته ‪ ،‬والرجلُ راع على أهل بيته ‪ ،‬وهو‬ ‫مسئولّ عنهم ‪ ،‬والمرأة راعية على بيت بعلها وولده هي مسؤولة عنهم ‪ ،‬والعبد راعٍ‬ ‫على مال سيده وهو مسؤول عنه ‪ ،‬أل فكُلكم راعٍ ‪ ،‬وكلّكم مسؤول عن رعيّته " ‪.‬‬ ‫[ أخرجه البخاري في الجمعة ‪ ،‬باب ‪ :‬الجمة في القرى والمدن ‪ ،‬رقم ‪ . 853 :‬ومسلم‬ ‫في المارة ‪ ،‬باب ‪ :‬فضيلة المام العادل …‪ ،‬رقم ‪ ] 1829 :‬وغيرهما ‪.‬‬ ‫كما أوجب السلم على الولد ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ طاعة الوالدين في غير معصية ال تعالى ‪ ،‬والحسان إليهما ‪:‬‬ ‫قال ال تعالى ‪:‬‬

‫وَ َقضَى َر ّبكَ أَلّ َت ْعبُدُواْ إِلّ ِإيّاهُ َوبِا ْلوَالِ َديْنِ إِحْسَانا‬

‫[ السراء‬

‫‪. ] 23 :‬‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّد ْنيَا َم ْعرُوفا‬ ‫َوصَا ِ‬

‫[ لقمان ‪. ] 15 :‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪2‬ـ النفقة للوالدين إن كانا فقيرين ‪ ،‬والولد موسرا ‪ ،‬قال رسول ال‬ ‫سبَه " ‪ .‬وقال‬ ‫أكل الرجلُ من كسْبه ‪ ،‬وولَ ُدهُ مْن كَ ْ‬

‫إن من أطيب ما‬

‫‪ " :‬أنت ومَالُك لوالدك ‪ ،‬إن أولدكم من‬

‫أطيب كسبكم ‪ ،‬فكلوا من كسب أولدكم " [ أبو داود ‪ :‬البيوت والجازات ‪ ،‬باب ‪ :‬في الرجل‬ ‫يأكل من مال والده ‪ ،‬رقم ‪ . 3530 ، 3528 :‬الترمذي ‪ :‬أبواب الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء أن‬ ‫الوالد يأخذ من مال ولده رقم ‪. ] 1358 :‬‬ ‫وهناك أحكام أخرى كثيرة تتعلق بتنظيم حياة الُسرة ‪ ،‬وترتيب أمورها ‪ ،‬ومن هذه‬ ‫الحكام والتشريعات يتبين مدى اهتمام السلم بالُسرة ورعايته لها ‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫تمهيد ‪:‬‬

‫النساء اللتي يحرم نكاحهن‬

‫لما شرع السلم الزواج ‪ ،‬وحثّ عليه ‪ ،‬حرّم على النسان نكاح بعض النساء ‪:‬‬ ‫أما لفرض الحترام والتقدير ‪ :‬كتحريم نكاح الُم ‪.‬‬ ‫وإما لن الطبع السليم ل يستسيغ ذلك ‪ :‬كنكاح البنت والُخت ‪.‬‬ ‫أو لن غرض الزواج ـ وهو الحصان ـ قد ل يتحقق على أتمّ وجه في نكاح‬ ‫القريبات جدا ‪ :‬كنكاح بنات الخوة والخوات ‪ ،‬وبنات البناء والبنات ‪ ،‬وذلك لكثرة الخلطة‬ ‫بينهم ‪ ،‬وظهور بعضهم على بعض ‪.‬‬ ‫وأما لغرض تنظيمي ترتيبي في بناء الُسرة ‪ :‬كنكاح الخت وبنات الخ من الرضاع ‪.‬‬ ‫فلهذه الغراض وغيرها من الحكم حرم السلم نكاح بعض النساء على بعض الرجال ‪،‬‬ ‫كما حرم بعض الرجال على بعض النساء ‪ ،‬وإليك بيان ذلك ‪.‬‬ ‫أقسام الحرمة في النكاح ‪:‬‬ ‫والحرمة في نكاح بعض النساء على قسمين ‪:‬‬ ‫حُرمة مؤبدة ‪.‬‬ ‫وحُرمة مؤقتة ‪.‬‬ ‫الحُرمة المؤبدة ‪:‬‬ ‫ويقصد بها النساء اللتي ل يجوز للرجل أن يتزوج بواحدة منهنّ أبدا ‪ ،‬مهما كانت‬ ‫الظروف والحوال ‪.‬‬ ‫أسباب الحُرمة المؤبدة ‪:‬‬ ‫والحرمة المؤبدة لها ثلثة أسباب ‪ ،‬وهي ‪:‬‬ ‫القرابة ‪.‬‬ ‫المصاهرة ‪.‬‬ ‫الرضاع ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫المُحرّمات بالقرابة ‪:‬‬ ‫والمُحرّمات بسبب القرابة سبع ‪ ،‬وهنّ ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الُم ‪ ،‬وأُم الُم ‪ ،‬وأُم الب ‪ ،‬ويعبّر عنهنّ بأُصول النسان ‪ ،‬فل يجوز نكاح واحدة منهُن ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ البنت ‪ ،‬وبنت البن ‪ ،‬وبنت البنت ‪ ،‬ويعبّر عنهنّ بفروع الِنسان ‪ ،‬فل يجوز نكاح واحدة‬ ‫منهن ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ الخت ‪ ،‬شقيقة كانت ‪ ،‬أو لب ‪ ،‬أو لم ‪ ،‬ويعبّر عنهنّ بفروع البوين ‪ ،‬فل يجوز نكاح‬ ‫واحدة منهنّ أبدا ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ بنت الخ الشقيق ‪ ،‬وبنت الخ لب ‪ ،‬أو لم ‪ ،‬فل يجوز نكاحهنّ ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ بنت الخت ‪ ،‬شقيقة كانت ‪ ،‬أو لب ‪ ،‬أو لم ‪ ،‬فهنّ حرام ل يجوز نكاحهنّ أبدا ‪.‬‬ ‫‪6‬ـ العمّة ‪ ،‬وهي أُخت الب ‪ ،‬ومثلها عمّة الب ‪ ،‬وعمّة الم ‪ ،‬ويعبّر عنهنّ بفروع الجدين من‬ ‫جهة الب ‪ ،‬فل يجوز نكاحهنّ بحال ‪.‬‬ ‫‪7‬ـ الخالة ‪ ،‬وهي أخت الم ‪ ،‬ومثلها خالة الم وخالة الب ويعبّر عنهنّ بفروع الجدّين من‬ ‫جهة الم ‪ ،‬فل يجوز نكاحهنّ أبدا ‪.‬‬ ‫وفي حُرمة هؤلء كلهنّ نزل قوله تعالى ‪:‬‬

‫خوَا ُتكُمْ‬ ‫عَل ْيكُمْ ُأ ّمهَا ُتكُمْ َو َبنَا ُتكُمْ َوأَ َ‬ ‫ح ّر َمتْ َ‬ ‫ُ‬

‫ختِ ……‪ [ ..‬النساء ‪] 23 :‬‬ ‫ل ُتكُمْ َو َبنَاتُ الَخِ َو َبنَاتُ الُ ْ‬ ‫عمّا ُتكُمْ وَخَا َ‬ ‫وَ َ‬ ‫فإذا عقد على واحدة منهنّ كان العقد باطلً ‪ ،‬فإن استحلّ ذلك كان كافرا ‪.‬‬ ‫هذا ‪ ،‬ويحرم على المرأة أبوها ‪ ،‬وأبو أبيها ‪ ،‬وأبو أُمها ‪ ،‬وجميع أُصولها ‪ .‬ويحرم عليها‬ ‫ابنها وابن ابنها وابن بنتها ‪ ،‬وجميع فروعها ‪ .‬ويحرُم عليها أخوها شقيقا كان أو لب أو لم ‪،‬‬ ‫وكذلك يحرُم عليها أبناء إخوتها ‪ ،‬وأبناء أخواتها ‪ ،‬كما يحرم عليها أعمامها ‪ ،‬وأخوالها ‪،‬‬ ‫وأعمال أبيها ‪ ،‬وأعمام أمها ‪ ،‬وأخوال أبيها وأخوال أمها ‪.‬‬ ‫المحرمات بالمصاهرة‪:‬‬ ‫والمُحرمات بالمصاهرة أربع ‪ ،‬وهنّ ‪:‬‬

‫‪1‬ـ زوجة الب ‪ ،‬ومثلها زوجة الجد أب الب ‪ ،‬وزوجة الجد أب الم ‪ ،‬ويعبّر عن ذلك‬ ‫بزوجات الصول ‪ ،‬فل يجوز نكاح واحدة منهن أبدا ‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫سَلفَ ِإنّهُ كَانَ فَاحِشَةً‬ ‫ن النّسَاء إِلّ مَا قَدْ َ‬ ‫وَلَ تَنكِحُواْ مَا َنكَحَ آبَا ُؤكُم مّ َ‬

‫قال تعالى ‪:‬‬

‫[ النساء ‪] 22 :‬‬

‫سبِيلً‬ ‫َومَقْتا وَسَاء َ‬

‫‪2‬ـ زوجة البن ‪ ،‬وزوجة ابن البن ‪ ،‬وابن البنت ‪ ،‬وهكذا زوجات الفروع ‪ ،‬فل يجوز‬ ‫نكاحهنّ بحال ‪.‬‬ ‫لئِلُ َأ ْبنَا ِئكُمُ الّذِينَ مِنْ َأصْلَ ِبكُمْ‬ ‫وَحَ َ‬

‫قال تعالى ‪:‬‬

‫وخرج بقوله تعالى ‪:‬‬

‫ل ِبكُمْ‬ ‫الّذِينَ مِنْ َأصْ َ‬

‫[ النساء ‪. ] 23 :‬‬

‫زوجة البن المتبنّى ‪ ،‬فإنهم كانوا في‬

‫الجاهلية يتبنّون ‪ ،‬ويحرمون زوجة المتبنى ‪ ،‬فأبطل السلم التبني ‪ ،‬وأحلّ الزواج من‬ ‫زوجة المتبنّى ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬

‫عيَاءكُمْ َأ ْبنَاءكُمْ َذِلكُمْ َق ْوُلكُم ِبأَ ْفوَا ِهكُمْ وَاللّهُ يَقُولُ الْحَقّ وَ ُهوَ‬ ‫جعَلَ أَدْ ِ‬ ‫َومَا َ‬

‫سبِيلَ‬ ‫َيهْدِي ال ّ‬

‫[ الحزاب ‪. ] 4 :‬‬

‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫ضوْا ِم ْنهُنّ‬ ‫عيَا ِئهِمْ إِذَا َق َ‬ ‫حرَجٌ فِي َأ ْزوَاجِ أَدْ ِ‬ ‫علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ‬ ‫ِل َكيْ لَا َيكُونَ َ‬

‫وَطَرا َوكَانَ َأ ْم ُر اللّهِ مَ ْفعُولً‬

‫[ الحزاب ‪] 37 :‬‬

‫ضوْا ِم ْنهُنّ وَطَرا‪ :‬أي انتهت حاجتهم منهنّ ولم يبق لهم رغبة فيهنّ ] ‪.‬‬ ‫[ َق َ‬ ‫‪3‬ـ أم الزوجة ‪ ،‬فل يجوز نكاحها ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫َوُأ ّمهَاتُ نِسَآ ِئكُمْ‬

‫[ النساء ‪] 23 :‬‬

‫ومثل أمها جميع أصولها من النساء ‪.‬‬ ‫وهؤلء الثلثة يحرمن بمجرد العقد ‪ ،‬سواء تبع ذلك دخول ‪ ،‬أو لم يتبعه ‪ ،‬وإذا عقد‬ ‫على واحدة منهن كان العقد باطلً ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ بنت الزوجة ‪ ،‬وهي الربيبة ‪ ،‬فهي حرام على زوج أُمها ‪ ،‬ولكن ليس بمجرد العقد ‪ ،‬بل ل‬ ‫تنشأ الحُرمة إل بالدخول على أُمها ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬

‫خ ْلتُم ِبهِنّ فَإِن لّمْ‬ ‫لتِي دَ َ‬ ‫لتِي فِي حُجُو ِركُم مّن نّسَآ ِئكُمُ ال ّ‬ ‫َو َربَا ِئ ُبكُمُ ال ّ‬

‫عَل ْيكُمْ‬ ‫جنَاحَ َ‬ ‫خ ْلتُم ِبهِنّ فَلَ ُ‬ ‫َتكُونُواْ دَ َ‬

‫[ النساء ‪. ] 23 :‬‬

‫‪19‬‬

‫هذا ول يشترط لحرمة الربيبة أن تكون في حجر زوج أُمها ‪ ،‬بل هي حرام عليه ‪ ،‬سواء‬ ‫كانت في حجره أو كانت تعيش بعيدة عنه ‪.‬‬ ‫وإنما ذكر القيد في الية لبيان الحالة الغالبة ‪ ،‬فإن الغالب على الربيبة أن تكون‬ ‫في رعاية زوج أمها وحجره وكنفه ‪ .‬وكذلك يحرم على المرأة زوج أمها ‪ ،‬وزوج‬ ‫بنتها ‪ ،‬وابن زوجها ‪ ،‬وأبو زوجها ‪.‬‬ ‫المحرمات بالرضاع ‪:‬‬ ‫ويحرم بسبب الرضاع أيضاَ سبع من النسوة ‪ ،‬ذكر القرآن الكريم منهّن اثنين‬ ‫وألحقت السنة بقية السبع بهما ‪ ،‬وهؤلء السبع هّن ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الُم بالرضاع ‪ ،‬وهي المرأة التي أرضعتك ‪ ،‬ويلحق بها أُمها ‪ ،‬وأُم أُمها وأُم أُبيها ‪ ،‬فل‬ ‫يجوز نكاح واحدة منهنّ ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الخت بالرضاع ‪ ،‬وهي التي رضعت من أُمك ‪ ،‬أو رضعت من أُمها ‪ ،‬أو رضعت أنت‬ ‫وهي من امرأة واحدة ‪.‬‬ ‫فإذا رضعت من أُمك صارت حراما عليك ‪ ،‬وعلى جميع إخوتك ‪ .‬ويحلّ لك أخواتها ‪،‬‬ ‫لنهنّ لم يرضعن من أُمك ‪.‬‬ ‫وإذا رضعت أنت من أُمها صرت حراما عليها ‪ ،‬وعلى جميع أخواتها ‪ ،‬وحلّت هي‬ ‫وأخواتها لخوتك ‪ ،‬لنها لم ترضع من أمك ‪ ،‬ول رضع أخواتك من أمها ‪.‬‬ ‫وفي تحرم الم والخت من الرضاع نزل قوله تعالى ‪:‬‬ ‫ن ال ّرضَاعَةِ‬ ‫خوَا ُتكُم مّ َ‬ ‫َوأَ َ‬

‫ض ْع َنكُمْ‬ ‫لتِي َأ ْر َ‬ ‫َُأ ّمهَا ُتكُمُ ال ّ‬

‫[ النساء ‪] 23 :‬‬

‫‪3‬ـ بنت الخ من الرضاع ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ بنت الخت من الرضاع ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ العمّة من الرضاع ‪ :‬وهي التي رضعت مع أبيك ‪.‬‬ ‫‪6‬ـ الخالة من الرضاع ‪ :‬وهي التي رضعت مع أمك ‪.‬‬ ‫‪7‬ـ البنت من الرضاع ‪ :‬وهي التي رضعت من زوجتك ‪ ،‬فتكون أنت أباها من الرضاع ‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫وفي هؤلء يقول الرسول‬

‫‪ " :‬إن الرّضاعة تُحرّمُ ما يَحرُم من الولدة " رواه‬

‫البخاري ومسلم عن عائشة رضي ال عنها ‪.‬‬ ‫وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قال النبي‬

‫في بنت‬

‫حرُم من الرضاع ما يحرُم من النسب ‪ ،‬هي بنت أخي‬ ‫حمزة رضي ال عنها ‪ " :‬ل تَحِلّ لي ‪ ،‬ي ْ‬ ‫من الرضاعة " ‪.‬‬ ‫( البخاري ‪ :‬الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬الشهادة على النساب والرضاع ‪ ،.‬رقم ‪، 2502:‬‬ ‫‪ 2503‬مسلم ‪ :‬الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولدة ‪ ،‬وباب ‪ :‬تحريم ابنة‬ ‫الخ من الرضاعة ‪ ،‬رقم ‪. ) 1447 ،1444 :‬‬ ‫وكذلك يحرم على المرأة أبوها بالرضاع ‪ ،‬وابنها من الرضاع ‪ ،‬وأخوها وابن أخيها من‬ ‫الرضاع ‪ ،‬وعمّها وخالها من الرضاع ‪.‬‬ ‫وكذلك يحرم بالمصاهرة من الرضاع ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أم الزوجة من الرضاع ‪ ،‬وهي التي أرضعت زوجتك ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ بنبت الزوجة من الرضاع ‪ ،‬وهي التي رضعت من زوجتك ‪ ،‬لكن من لبن زوج غيرك ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ زوجة الب من الرضاع ‪ ،‬وهي زوجة الب التي رضعت من زوجته الثانية ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ زوجة البن من الرضاع ‪ ،‬وهي زوجة من رضع من زوجتك ‪.‬‬ ‫الحرمة المؤقتة ‪:‬‬ ‫حرّمن على النسان لسبب من السباب ‪،‬‬ ‫والنساء المحرمات حرمة مؤقتة ‪ :‬هن اللتي ُ‬ ‫فإذا زال هذا السبب زالت الحُرمة ‪ ،‬وعاد الحل ‪ ،‬فإذا عقد على واحدة منهنّ قبل زوال سبب‬ ‫الحرمة كان العقد باطلً ‪.‬‬ ‫وهؤلء النساء هنّ ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الجمع بين الختين ‪:‬‬ ‫سواء كانتا من النسب ‪ ،‬أو من الرضاع ‪ .‬وسواء عقد عليهما معا أو في وقتين ‪.‬‬ ‫فإذا عقد عليهما معا بطل العقد فيهما ‪ ،‬وإذا عقد عليهما واحده بعد الخرى بطل عقد‬ ‫الثانية ‪.‬‬ ‫‪21‬‬

‫طلّقت ‪ ،‬وانقضت عدّتها حلّ له أن يعقد على أختها ‪ .‬قال ال عزّ‬ ‫فإذا ماتت الولى ‪ ،‬أو ُ‬ ‫وجلّ ‪:‬‬ ‫ن اللّهَ كَانَ غَفُورا رّحِيما‬ ‫سَلفَ إِ ّ‬ ‫خ َتيْنِ إَلّ مَا قَدْ َ‬ ‫ج َمعُواْ َبيْنَ الُ ْ‬ ‫َوأَن تَ ْ‬

‫[ النساء ‪] 23 :‬‬

‫‪2‬ـ الجمع بين المرأة وعمّتها ‪ ،‬وبين المرأة وخالتها ‪ ،‬وبين المرأة وبنت أختها ‪ ،‬أو بنت‬ ‫أخيها ‪ ،‬أو بنت ابنها ‪ ،‬أو بنت بنتها ‪:‬‬ ‫وقد وضع الفقهاء قاعدة بضبط من يحرم الجمع بينهنّ ‪ ،‬فقالوا ( يحرم الجمع بين كل‬ ‫امرأتين لو فرضت إحداهما ذكرا لما جاز له أن يتزوج الخرى ) ‪ .‬وهي تشمل جميع من‬ ‫ذكرنا ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة‬

‫‪ ،‬أن رسول ال‬

‫قال ‪ " :‬ل‬

‫عمّتها ‪ ،‬ول بين المرأة وخالتها " ‪.‬‬ ‫يُجمعُ بين المرأة و َ‬ ‫( البخاري ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل تنكح المرأة على عمّتها ‪ ،‬رقم ‪ . 4820 :‬مسلم ‪:‬‬ ‫النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم الجمع بين المرأة وعمّتها …‪ ،‬رقم ‪. 1408 :‬‬ ‫الحكمة من هذا التحريم ‪:‬‬ ‫والحكمة من تحريم الجمع بين مَن ذكرنَ ما في هذا الجمع من إيقاع الضغائن بين‬ ‫الرحام ‪ ،‬بسبب ما يحدث بين الضرائر من الغيرة ‪.‬‬ ‫روى ابن حبان ‪ ( :‬أن النبي‬

‫نهى أن تُزوّج المرأة على العمّة والخالة ‪ ،‬وقال ‪ :‬إنّكنّ‬

‫إذا فعلتنّ ذلك قطعتنّ أرحامكم ) ‪.‬‬ ‫وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قال ‪ ( :‬نهى رسول ال‬

‫أن تنكح‬

‫المرأة على قرابتها مخافة القطيعة ) ‪ [ .‬نيل الوطار ‪ . ] 6/157 :‬فإذا ماتت واحدة منهنّ أو‬ ‫طلّقت ‪ ،‬وانقضت عدّتها حلّت الخرى ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪3‬ـ الزائدة على أربع نسوة ‪:‬‬ ‫فل يجوز أن يضم زوجة خامسة إلى نسائه الربع الموجودات عنده حتى يطلق واحدة‬ ‫طلّقت ‪ ،‬حلت له الخامسة ‪ .‬قال ال عز‬ ‫منهنّ ‪ ،‬وتنقضي عدّتها ‪ ،‬أو تموت ‪ ،‬فإذا ماتت ‪ ،‬أو ُ‬ ‫وجلّ ‪:‬‬

‫لثَ َو ُربَاعَ‬ ‫فَانكِحُواْ مَا طَابَ َلكُم مّنَ النّسَاء َم ْثنَى َوثُ َ‬

‫[ النساء ‪. ] 3 :‬‬ ‫‪22‬‬

‫وروى أبو داود وغيره عن قيس بن الحارث‬ ‫ذلك للنبي‬

‫‪ ،‬فقال النبي‬

‫قال ‪ :‬أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت‬

‫ختَر منهنّ أربعا " ‪.‬‬ ‫‪":‬اْ‬

‫( سُنن أبي داود ‪ :‬الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في مَن أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أُختان ) ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ المشركة الوثنية ‪:‬‬ ‫وهي التي ليس لها كتاب سماوي ‪ ،‬فإذا أسلمت حلّت ‪ ،‬وجاز الزواج بها ‪ ،‬قال ال تعالى‬ ‫‪:‬‬ ‫ج َب ْتكُمْ‬ ‫ش ِركَةٍ َوَلوْ أَعْ َ‬ ‫خ ْيرٌ مّن مّ ْ‬ ‫لمَةٌ ّم ْؤ ِمنَةٌ َ‬ ‫حتّى ُي ْؤمِنّ وَ َ‬ ‫ش ِركَاتِ َ‬ ‫وَلَ تَنكِحُواْ ا ْلمُ ْ‬

‫[ البقرة "‬

‫‪] 221‬‬ ‫تنبيهان ‪:‬‬ ‫الول ‪ :‬ل يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج برجل غير مسلم ‪ ،‬مهما كانت ديانته ‪ ،‬لن‬ ‫للزوج ولية على الزوجة ‪ ،‬ول ولية لكافر على مسلم ‪ ،‬ولنها ل تأمن عنده على دينها ‪ ،‬لنه‬ ‫ل يؤمن به ؟ قال ال عز وجل ‪:‬‬ ‫‪ ] 141‬وقال سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫سبِيلً‬ ‫علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ‬ ‫ل اللّهُ ِل ْلكَا ِفرِينَ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َولَن يَ ْ‬

‫[ النساء ‪:‬‬

‫خ ْيرٌ مّن‬ ‫حتّى ُي ْؤ ِمنُواْ َوَل َعبْدٌ ّم ْؤمِنٌ َ‬ ‫ش ِركِينَ َ‬ ‫وَلَ تُنكِحُواْ ا ْلمُ ِ‬

‫جنّةِ وَا ْل َمغْ ِف َرةِ بِإِ ْذنِهِ َو ُي َبيّنُ آيَاتِهِ‬ ‫عوَ ِإلَى الْ َ‬ ‫ج َبكُمْ ُأ ْولَـ ِئكَ يَدْعُونَ ِإلَى النّارِ وَاللّهُ يَدْ ُ‬ ‫ش ِركٍ َوَلوْ أَعْ َ‬ ‫مّ ْ‬ ‫لِلنّاسِ َل َعّلهُمْ َيتَ َذ ّكرُونَ‬

‫[ البقرة‪. ] 221 :‬‬

‫فإذا أسلم حلت له ‪ ،‬وإذا عقد عليها قبل إسلمه كان العقد باطلً ‪ ،‬ووجب التفريق بينهما‬ ‫فورا فإذا حصل وطء كان ذلك زنا ‪.‬‬ ‫الثاني ‪ :‬يجوز للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية ‪ ،‬لنه ربما يكون ذلك سببا‬ ‫لسلمها ‪ ،‬وإسلم أهلها ‪ ،‬وإطّلعهم على السلم ‪ ،‬وترغيبهم فيه ‪.‬‬ ‫ول يجوز لزوجها المسلم أن يٌُكرهها على تغيير دينها ‪ ،‬أو يضايقها في أداء عبادتها ‪.‬‬ ‫قال ال تعالى ‪:‬‬

‫صنَاتُ مِنَ‬ ‫ح َ‬ ‫طعَا ُمكُمْ حِلّ ّلهُمْ وَا ْلمُ ْ‬ ‫طعَامُ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْل ِكتَابَ حِلّ ّلكُمْ وَ َ‬ ‫وَ َ‬

‫غ ْيرَ‬ ‫صنِينَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْل ِكتَابَ مِن َق ْبِلكُمْ إِذَا آ َت ْي ُتمُوهُنّ أُجُورَهُنّ مُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ وَا ْلمُ ْ‬ ‫مُسَافِحِينَ وَلَ ُمتّخِذِي أَخْدَانٍ‬

‫[ المائدة ‪. ] 5 :‬‬ ‫‪23‬‬

‫[ المحصنات ‪ :‬العفيفات ‪ ،‬أو الحرائر‪ .‬أجورهنّ ‪ :‬مُهورهنّ ‪ .‬محصنين ‪ :‬متعففين‬ ‫بالزواج بهنّ عن الزنى ‪ .‬غير مُسافحين ‪ :‬غير مجاهرين بالزنى ‪ .‬متخذي آخذان ‪ :‬مُصاحبي‬ ‫خليلت للزنى سرا ] ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ المرأة المتزوجة ‪:‬‬ ‫فل يجوز لرجل أن يعقد على امرأة لها زوج ‪ ،‬وهي ل تزال على عصمته ‪ ،‬حتى يموت‬ ‫أو يطلقها وتنقضي عدّتها ‪ ،‬فإذا مات أو طّلقها وانقضت عدّتها حل الزواج بها ‪ .‬قال ال تعالى‬ ‫في تعداد المحرمات في الزواج ‪:‬‬

‫ن النّسَاء‬ ‫صنَاتُ مِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫وَا ْلمُ ْ‬

‫[ النساء ‪ . ] 24 :‬أي‬

‫المتزوجات من النساء حرام عليكم ‪.‬‬ ‫‪6‬ـ المرأة المعتدّة ‪:‬‬ ‫فل يجوز لرجل أن ينكح امرأة ما تزال في عدّتها ‪ ،‬سواء كانت هذه العدة من طلق أو‬ ‫وفاة ‪ ،‬فإذا انتهت عدّتها ‪ ،‬جاز الزواج بها ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬ ‫جلَهُ‬ ‫َي ْبلُغَ ا ْل ِكتَابُ َأ َ‬

‫ح ّتىَ‬ ‫وَلَ َت ْع ِزمُواْ عُقْ َدةَ ال ّنكَاحِ َ‬

‫[ البقرة ‪. ] 235 :‬‬

‫أي ل تقصدوا إلى عقد النكاح لتعقدوه حتى تبلغ المرأة تمام عدّتها المكتوبة لها في كتاب‬ ‫ال عزّ وجل ‪.‬‬ ‫‪7‬ـ المرأة المطلقة ثلثا ‪:‬‬ ‫فل يجوز لزوجها أن يعود إليها حتى تنكح زوجا غيره ‪ ،‬نكاحا شرعيا صحيحا ‪ ،‬ثم‬ ‫يطلّقها الزوج الثاني ‪ ،‬وتنقضي عدّتها منه ‪ ،‬فإذا حصل ذلك جاز لزوجها الول أن يعود إليها ‪،‬‬ ‫ويعقد عليها عقد زواج جديد ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫ح ّتىَ تَنكِحَ‬ ‫طلّ َقهَا فَلَ َتحِلّ لَهُ مِن َبعْدُ َ‬ ‫فَإِن َ‬

‫ظنّا أَن يُقِيمَا حُدُو َد اللّهِ َو ِت ْلكَ حُدُو ُد اللّهِ‬ ‫جعَا إِن َ‬ ‫عَل ْي ِهمَا أَن َي َترَا َ‬ ‫جنَاحَ َ‬ ‫طلّ َقهَا فَلَ ُ‬ ‫غ ْي َرهُ فَإِن َ‬ ‫َزوْجا َ‬ ‫ُي َب ّي ُنهَا لِ َقوْمٍ َي ْعَلمُونَ‬

‫[ البقرة ‪. ] 230 :‬‬

‫وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي ال عنها ‪ :‬جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي‬ ‫‪ ،‬فقالت ‪ :‬كنت عند رفاعة فطلّقني ‪ ،‬فأبت طلقي ‪ ،‬فتزوجت عبدال بن الزّبير ‪ ،‬إنما معه‬ ‫‪24‬‬

‫مثل هُدبَة الثوب ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ ل ‪ ،‬حتى تذوقي عُسيلته ‪ ،‬ويذوق‬ ‫عُسيلتك ) ‪.‬‬ ‫( البخاري ‪ :‬الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬شهادة المختبي ‪ ،‬رقم ‪ . 2469 :‬مسلم ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪:‬‬ ‫ل تحلّ المطلقة ثلثاُ لمطلّقها حتى تنكح …‪ ،..‬رقم ‪. ) 1432 :‬‬ ‫أ َبتّ طلقي ‪ :‬من البتّ وهو القطع ‪ ،‬أي قطع طلقي قطعا كليا ‪ ،‬والمراد أنه طلّقها‬ ‫الطلقة الثالثة التي تحصل بها البينونة الكبرى ‪ .‬هدبة الثوب ‪ :‬حاشيته ‪ ،‬وهو كناية عن عدم‬ ‫قدرته على الجماع ‪ .‬تذوقي عسيلته ‪ :‬كناية عن الجماع ‪ .‬وعُسيلة ‪ :‬قطعة صغيرة من العسل ‪،‬‬ ‫شبّه لذّة الجماع بلذة ذوق العسل ‪.‬‬

‫حكم تعدد الزوجات والحكمة من مشروعيته‬ ‫‪1‬ـ حكم تعد الزوجات ‪:‬‬ ‫تعدّد الزوجات مُباح في أصله ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫لثَ َو ُربَاعَ‬ ‫مَا طَابَ َلكُم مّنَ النّسَاء َم ْثنَى َوثُ َ‬

‫َوإِنْ خِ ْفتُمْ أَلّ تُقْسِطُواْ فِي ا ْل َيتَامَى فَانكِحُواْ‬

‫[ النساء ‪. ] 3:‬‬

‫ومعنى الية ‪ :‬إن خفتم إذا نكحتم اليتيمات أن ل تعدلوا في معاملتهنّ ‪ ،‬فقد أُبيح لكم أن‬ ‫تنكحوا غيرهن ‪ ،‬مثنى وثلث ورُباع ‪.‬‬ ‫ولكن قد يطرأ على التعدّد ما يجعله مندوبا ‪ ،‬أو مكروها ‪ ،‬أو محرما ‪ ،‬وذلك تبعا‬ ‫لعتبارات وأحوال تتعلق بالشخص الذي يريد تعدد الزوجات ‪:‬‬ ‫أ ـ فإذا كان الرجل بحاجة لزوجة أخرى ‪ :‬كأن كان ل تعفّه زوجة واحدة ‪ ،‬أو كانت زوجته‬ ‫الولى مريضة ‪ ،‬أو عقيما ‪ ،‬وهو يرغب بالولد ‪ ،‬وغلب على ظنه أن يقدر على العدل‬ ‫بينهما ‪ ،‬كان هذا التعدد مندوبا ‪ ،‬لن فيه مصلحة مشروعة ‪ ،‬وقد تزوج كثير من‬ ‫الصحابة رضي ال عنهم بأكثر من زوجة واحدة ‪.‬‬ ‫ب ـ إذا كان التعدّد لغير حاجة ‪ ،‬وإنما لزيادة التنعّم والترفيه ‪ ،‬وشك في قدرته على إقامة‬ ‫العدل بين زوجاته ‪ ،‬فإن هذا التعدد يكون مكروها ‪ ،‬لنه لغير حاجة ‪ ،‬ولنه ربما لحق‬ ‫بسببه ضرر في الزوجات من عدم قدرته على العدل بينهنّ ‪.‬‬ ‫‪25‬‬

‫والنبي‬

‫يقول ‪ " :‬دْع ما يريبُك إلى ما ل يَريبُك " ‪ ،‬أي دع ما تشك فيه إلى ما ل تشك‬

‫فيه ‪.‬‬ ‫رواه الترمذي ( أبواب صفة القيامة ‪ ،‬باب ‪ :‬أعقلها وتوكل ‪ ،‬رقم ‪ ) 2520 :‬عن حسن‬ ‫بن علي رضي ال عنهما ‪.‬‬ ‫ج ـ وإذا غلب على ظنه ‪ ،‬أو تأكد أنه ل يستطيع إن تزوج أكثر من واحدة أن يعدل بينهنّ ‪:‬‬ ‫إما لفقره ‪ ،‬أو لضعفه ‪ ،‬أو لعدم الوثوق من نفسه في الميل والحيف ‪ ،‬فإن التعدد عندئذ‬ ‫يكون حراما ‪ ،‬لن فيه إضرارا بغيره ‪ ،‬والنبي‬

‫يقول ‪ " :‬ل ضرر ول ضرَارَ " ‪.‬‬

‫( ابن ماجه ‪ :‬كتاب الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬من بني في حقه ما يضرّ جاره ‪ .‬موطأ مالك ‪:‬‬ ‫القضية ‪ ،‬باب ‪ :‬القضاء في المرفق ) ‪.‬‬ ‫وقال ال عز وجل ‪:‬‬ ‫َتعُولُواْ‬

‫فَإِنْ خِ ْفتُمْ أَلّ َتعْ ِدلُواْ َفوَاحِ َدةً َأوْ مَا َمَل َكتْ َأ ْيمَا ُنكُمْ َذِلكَ أَ ْدنَى أَلّ‬

‫[ النساء ‪. ] 3 :‬‬ ‫[ فواحدة ‪ :‬أي فانكحوا واحدة فقط ‪ .‬ذلك أدنى أن ل تعولوا ‪ :‬أي أقرب إلى عدم الميل‬

‫والجور ‪ ،‬لن أصل العول ‪ :‬الميل ] ‪.‬‬ ‫ويجب أن يعلم أنه لو عدّد الزوج في الحالتين الخيرتين ‪ ،‬وعقد على ثانية ‪ ،‬أو ثالثة ‪،‬‬ ‫كان العقد صحيحا ‪ ،‬وترتبت على آثاره ‪ :‬من حلّ المعاشرة ‪ ،‬ووجوب المهر ‪ ،‬والنفقة‬ ‫وغيرها ‪ ،‬وإن كان مكروها في الثانية ‪ ،‬وحراما في الثالثة ‪ ،‬فالحُرمة توجب الثم ‪ ،‬ول‬ ‫تبطل العقد ‪.‬‬ ‫ما هو العدل المطلوب حصوله بين الزوجات ؟‬ ‫والعدل الذي أوجبه السلم على الرجل الذي يجمع بين أكثر من زوجة ‪ ،‬إنما هو العدل‬ ‫والمساواة في النفاق ‪ ،‬والسكان ‪ ،‬والمبيت ‪ ،‬وحُسن المعاشرة ‪ ،‬والقيام بواجبات الزوجة ‪.‬‬ ‫أما المحبة القلبية التي ل تولّد ظلما عمليا لحداهنّ فليست من مقوّمات العدالة‬ ‫المفروض تحصيلها بين الزوجات ‪ ،‬لنه ل سلطان للنسان على قلبه في موضوع المحبة ‪،‬‬ ‫ولعلّ هذا هو الذي عناه القرآن الكريم بقوله تعالى ‪:‬‬

‫ستَطِيعُواْ أَن َتعْ ِدلُواْ َبيْنَ النّسَاء َوَلوْ‬ ‫َولَن تَ ْ‬

‫‪26‬‬

‫صتُمْ‬ ‫ح َر ْ‬ ‫َ‬

‫‪ [ .‬النساء ‪ . ] 129 :‬أي ل تستطيعون أن تمسكوا بزمام قلوبكم في تحقيق المساواة‬

‫في المحبة ‪ ،‬فل يحملنكم الميل القلبي إلى إحداهما أكثر من الخرى على الظلم والضرار ‪.‬‬ ‫أما العدل فيما ذكرنا من النفقة والسكان ‪ ،‬والمبيت وحُسن المعاشرة ‪ ،‬فهذا أمر ممكن‬ ‫لكثير من الناس ‪.‬‬ ‫وكان النبي‬

‫يقول ـ بعد عدله في القسمة والمعاملة بين نسائه ـ ‪ " :‬اللهم هذا قسمي‬

‫فيما أملك فل تلمني فيما تملك ول أملك " ‪.‬‬ ‫رواه أبو داود ( في النكـاح ‪ ،‬بـاب ‪ :‬في القسـم بين النسـاء ‪ ،‬رقـم ‪) 2134 :‬‬ ‫والترمـذي ( في النكـاح ‪ ،‬باب ‪ :‬التسوية بين الضرائر ‪ ،‬رقم ‪ ) 1140 :‬وغيرهما عن‬ ‫عائشة رضي ال عنهما ‪.‬‬ ‫وذلك فيما يتعلق بأمر الحب وميل القلب ‪ ،‬فقد كان‬

‫يحب عائشة أكثر من بقية نسائه ‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫‪ 2‬ـ الحكمة من مشروعية التعدّد ‪.‬‬ ‫إن السلم أباح تعدد الزوجات من حيث الصل ‪ ،‬ولم يجعله فرضا لزما ‪ ،‬ولقد‬ ‫أباح السلم هذا التعدّد ‪ ،‬لنه يرمي إلى أهداف بعيدة الغور في الصلح الجتماعي ‪،‬‬ ‫ل يدركها إل نافذ البصيرة ‪ .‬وإليك بعض هذه الحكم ‪:‬‬ ‫أ ـ ليحمي من ل يمكن أن تعفّهم زوجة واحدة ‪ ،‬وهذا أمر فطري ‪ ،‬فيمكن أن يجرهم ذلك إلى‬ ‫ما ليس بمشروع ‪.‬‬ ‫فخير لهم وللمجتمع أن يتزوجوا امرأة أخرى في ظل سياج من الرعاية ‪،‬‬ ‫وتشريع من الحقوق الملزمة‪ ،‬والكرامة اللئقة ‪ ،‬من أن يقعوا في الزنى ‪.‬‬ ‫ب ـ وشرعه أيضا ليحمي المرأة من أن يلهث وراءها أصحاب الشهوات ‪ ،‬ل بعقد يضمن‬ ‫ويحمي أبناءها ‪ ،‬وإنما عن طريق المسافحة والمخادنة ‪ ،‬مما يجعل تلك المرأة عُرضة‬ ‫للطرد والحرمان من كل حق ‪ ،‬ويجعل أولدها محرومين من حقوق النسب ‪ ،‬وعطف‬ ‫البوة ‪.‬‬ ‫فلن تكون زوجة ثانية محفوظة الحقوق والكرامة خير لها ألف مرة من أن تظل‬ ‫أيّما ‪ ،‬أو تعيش خدينة أو عشيقة ‪ ،‬مما يعرضها في النتيجة للبؤس والشقاء ‪ ،‬وحماية‬ ‫المجتمع من النحلل والفساد ‪،‬والفوضى الخلقية ‪.‬‬ ‫مبررات تعدد الزواج ‪:‬‬ ‫وهناك مبررات تجعل تشريع تعدّد الزواج أمرا بادي الحكمة ‪ ،‬واضح الفائدة ‪،‬‬ ‫وسنضرب لذلك بعض المثلة ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ رجل عنده نهم في النساء ‪ ،‬وعنده امرأة عزوف عن الرجال ‪ ،‬إما فطرة ‪ ،‬أو لمرض ‪.‬‬ ‫فهل الفضل أن يزني هذا الرجل ‪ ،‬فيضيع الدين والمال والصحة ؟ أو يبقى منطويا‬ ‫على حاجته ‪ ،‬معذبا نفسه ‪ ،‬أو أن يتزوج امرأة أخرى ‪ ،‬بشرط القدرة على العالة‬ ‫والعدالة ‪ ،‬وعدم الظلم في المعاملة ؟‬ ‫ول شك أن الحل الثالث هو الفضل لهذا الرجل ‪ ،‬وأنفع للمجتمع وأطهر ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ اندلعت نار الحروب ـ والحروب أصبحت اليوم سنّة الحياة ـ فأبادت الكثير من الرجال ‪،‬‬ ‫أو شوّهتهم ‪ ،‬وأصبح عدد النساء وافرا يزيد على عدد الرجال كثيرا ‪ .‬فهل من الخير‬ ‫‪28‬‬

‫للنساء أن يقتصر كل رجل على زوجة واحدة ‪ ،‬وتبقى كثرة كاثرة من النساء محرومة‬ ‫من عطف الرجل المُعيل ‪ ،‬ومحرومة من إنجاب الولد الذي ل تجد غيره معينا ومعيلً‬ ‫عند كبرها ‪ ،‬مما قد يضطرها ـ إرواء لحاجتها ـ إلى ارتكاب الثم والفواحش ؟ ‪.‬‬ ‫أم الفضل أن نبيح للرجل أن يضمّ إليه أكثر من زوجة في ظل رعاية شرعية كاملة ؟ ‪.‬‬ ‫إننا ل نظلم المنطق والحق في شيء إذا قلنا ‪ :‬إن التعدد في مثل هذه الظروف يعتبر‬ ‫عملً إنسانيا تفرضه المروءة والغيرة ‪.‬‬ ‫ول نخالف الواقع إذا قلنا ‪ :‬إن زواج الرسول‬

‫بأكثر من واحدة من نسائه كان معظمه‬

‫من هذا النوع النساني الشريف ‪.‬‬ ‫لقد هاجر بعضهنّ وحيدة ‪ ،‬و تركت أهلها ‪ ،‬أو مات عنها زوجها شهيدا ‪ ،‬وتركها أرملة‬ ‫من غير مُعيل ‪ ،‬فخفّ رسول ال‬

‫إلى نجدتها ‪ ،‬وضمّها إلى بيته ‪ ،‬فكان لها خير مُعيل ‪ ،‬و‬

‫كان لها شرف أمومة المؤمنين ‪ ،‬وفضيلة القتران بسيد المرسلين عليه أفضل الصلة والتسليم ‪.‬‬ ‫ولما حرمت أوربه المسيحية التعدّد ‪ ،‬فماذا جنت غير الخيانات الزوجية ‪ ،‬أو العذاب النفسي ‪،‬‬ ‫أو الحرمـان لكثير من الزواج ؟‬ ‫‪3‬ـ إنسان متزوج من امرأة تحبه ويحبها ‪ ،‬لكنها عقيم ل تنجب ‪ ،‬وهو يتوق إلى الولد ‪ ،‬و يحنّ‬ ‫إليه ‪.‬‬ ‫فهل من الفضل أن نحرم هذا النسان الزواج من ثانية ‪ ،‬وندعه مظلوم الفؤاد محروم‬ ‫الولد ؟‬ ‫أم نأمره بأن يطلق زوجته التي يحبها ‪ ،‬أم نبيح له الزواج بامرأة أخرى ‪ ،‬مع حماية الولى‬ ‫من الظلم ؟‬ ‫إن هذا الحل هو الفضل من كل ما سبق ‪ ،‬فقد راعى مصالح الرجل والمرأة على‬ ‫السواء ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ إن الشعوب التي حرمّت تعدد الزوجات وقعت بما هو أشدّ خطرا ‪ ،‬وأكثر ضررا من‬ ‫ضرر التعدّد المزعوم ‪ .‬لقد كثر فيهم الفساد ‪ ،‬وانتشرت فيهم الخيانات الزوجية ‪،‬‬ ‫والمخادنات السريّة ‪ ،‬مما يجعل عُقلءهم يصرخون مُطالبين بتشريع يحل التعدّد ‪ ،‬و‬ ‫يقضي على تلك المفاسد المدمرة لحياتهم الجتماعية ‪.‬‬ ‫‪29‬‬

‫تنبيه ‪:‬‬ ‫جهَلة لحق التعدّد ل يغضّ من حكمة السلم ‪ ،‬ول يحمّله تبعة‬ ‫إن إساءة استعمال بعض ال َ‬ ‫رعونة وسفاهة أولئك الجاهلين ‪ ،‬وسوء تصرفهم ‪.‬‬ ‫فالسلم ‪ ،‬ما أباح التعدّد ليكون سلحا للجرح ‪ ،‬أو الذبح ‪ ،‬أو سوء المعاملة ‪ ،‬وإنما‬ ‫شرعة تلبية للحاجة ‪ ،‬ووقاية للمجتمع ‪ ،‬ورعاية للفراد ‪ ،‬وقضاء على الرزيلة ‪.‬‬ ‫لكن تلك المبررات ‪ ،‬وبتلك الشروط الشرعية أباح السلم التعدّد ‪ ،‬ولم يوجبه ‪ ،‬وأحاطه‬ ‫بسياج من الضمانات الخلقية الحقوقية ‪.‬‬ ‫فالسلم أشبه ( بصيدلية ) وَعَت جميع الدوية التي تفي بحاجة الناس جميعهم ‪ ،‬يأخذ‬ ‫كل فرد الدواء الذي يتفق وحاجته ومرضه ‪ ،‬ليس معقولً أن نقلّل من أهمية هذه ( الصيدلية )‬ ‫أو نقلّص من موادها بحيث ل تفي بالحاجة العامة لجميع الفراد ‪ ،‬أو نُبيح جميع ما فيها لكل‬ ‫فرد ‪ ،‬ولو بغير حاجة ‪.‬‬ ‫هذا وإذا كان أعداد السلم ل يعجبهم هذا التشريع ‪ ،‬لنه ل يتفق وأمزجتهم المنحرفة ‪،‬‬ ‫وأذواقهم الفاسدة ‪ ،‬وشهواتهم الرخيصة ‪ ،‬فليموتوا بغيظهم ‪ ،‬وال من ورائهم محيط ‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫مقدمات الزواج‬

‫تمهيد ‪:‬‬

‫إن سعادة السرة ‪ ،‬ونجابة الولد ‪ ،‬واستمرار الحياة الزوجية تتوقف على حسن اختيار‬ ‫كل من الزوجين للخر ‪ ،‬اختيارا واعيا ‪ ،‬غير متأثر بعاطفة هوجاء ‪ ،‬أو مصلحة مؤقتة ‪ ،‬وإنما‬ ‫يكون قائما على أساس يبقى ‪ ،‬ويقوى مع مرور الزمن ؛ ولما كان عقد الزواج عقدا خطير‬ ‫الثر‪ ،‬طويل المد ‪ ،‬كثير التكاليف ‪ ،‬كان لبدّ قبل إجراء هذا العقد من خطوات تتخذ من ِقبَل‬ ‫كل من الخاطب والمخطوبة ‪ ،‬حتى إذا أقدما على عقد الزواج كانا قد أقدما عليه ‪ ،‬وقد اطمأن‬ ‫كل منهما إلى الصفات والمؤهلت التي تحقق أغراضه ‪ ،‬وتطمئن نفسه إلى مستقبل ارتباطه مع‬ ‫زوجه ‪.‬‬ ‫وهذه الخطوات هي ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬البحث عن الصفات التي تطلب في كل من الزوجين ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬رؤية المخطوبة والنظر إليها ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬الخطبة ‪.‬‬ ‫أولً ‪ :‬البحث عن الصفات التي ينبغي أن تطلب في كل من الزوجين ‪:‬‬ ‫لقد أرشد السلم إلى عدة من الصفات تكون في المخطوبة ‪ ،‬كما تكون في الخاطب ‪ ،‬و‬ ‫حث على تلمسها ‪ ،‬والبحث عنه ‪ ،‬وهذه الصفات هي ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الدين الصحيح والخلق القويم ‪:‬‬ ‫يُطلب في الزوج يُختار أن يكون دينا ‪ ،‬ذا خلق حسن ‪ ،‬كما يطلب في الزوجة أن تكون‬ ‫دينة ‪ ،‬وذات خلق حسن ‪ ،‬و إلى ذلك أرشد النبي العظم عليه الصلة والسلم حين قال ‪ " :‬إذا‬ ‫خطب إليكم من ترْضون دينه وخلقه فزوجوه ‪ ،‬إل تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد عريض "‬ ‫( رواه الترمذي في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء إذا جاءكم مَن ترضون دينه فزوّجوه ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪) 1084‬‬ ‫وقال‬

‫‪ " :‬تنكح المرأة لربع ‪ :‬لمالها ‪ ،‬ولحسبها ‪ ،‬ولجمالها ‪ ،‬ولدينها ‪ ،‬فاظفر بذات‬

‫الدين َت ِر َبتْ يداك " ‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الكفاء في الدين ‪ ،‬رقم ‪ ) 4802 :‬ومسلم ( الرضاع ‪،‬‬ ‫باب ‪ :‬استحباب نكاح ذات الدين رقم ‪) 1466 :‬‬ ‫[ تربت يداك ‪ :‬افتقرت ‪ ،‬وهذه كلمة جارية على ألسنة العرب ل يريدون بها الدعاء على‬ ‫المخاطب ‪ ،‬و لكن يريدون بها الحثّ والتحريض ‪ ،‬والمراد بالدين والخلق ‪ :‬فعل الطاعات ‪،‬‬ ‫والعمال الصالحات ‪ ،‬والعفّة عن المحرمات ‪ ،‬والقيام بحقوق الزوجية ] ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الحكمة من تفصيل ذات الدين والخلق ‪:‬‬ ‫إن الحكمة من ذلك هي أن الدين يقوى على مرور الزمن ‪ ،‬والخلق يستقيم مع توالي‬ ‫اليام وتجارب الحياة ‪.‬‬ ‫فإذا اختار كلّ من الزوجين الخر لدينه وخلقه ‪ ،‬كان ذلك أضمن لستمرار الحب ‪ ،‬ودوام‬ ‫المودّة ‪.‬‬ ‫ول يُفهم مما ذكرنا أن على النسان أن يعزف عن الحَسَب والجمال ‪ ،‬وإنما يجب أن‬ ‫يفهم أنّ هذه الصفات إذا انفردت في المخطوبة ‪ ،‬كان الدين أفضلها ‪ ،‬وإذا اجتمعت كانت نورا‬ ‫على نور ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ النسب في كل من الزوجين ‪:‬‬ ‫ومعنى النسب ‪ :‬طيب الصل ‪ ،‬وكرم المنبت ‪ ،‬ودليل ذلك ما جاء في حديث الصحيحين‬ ‫السابق تنكح المرأة لربع ‪ ،‬وذكر منها ‪( :‬ولحسبها ) ‪.‬‬ ‫كذلك يسنّ في الزوج أن يكون ذا حسب ‪ ،‬وأصل طيب ‪ ،‬لن ذلك أعون على استدامة‬ ‫الحياة الزوجية ‪ ،‬وأقرب إلى طيب العشرة ‪ ،‬لن صاحب الصل الطيب ل يصدر عنه إل‬ ‫العِشْرة الكريمة ‪ ،‬إذا أحبّ أكرم ‪ ،‬وإذا أبغض ل يظلم ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن ل يكون بين الزوجين قرابة قريبة ‪:‬‬ ‫وقد نصّ الشافعي رحمة ال تعالى على أنه ل يتزوج الرجل من عشيرتيه ‪ :‬أي‬ ‫القربين ‪.‬‬ ‫وقد علل الزنجاني ذلك بقوله ‪ :‬إن من مقاصد النكاح اتصال القبائل ‪ ،‬لجل التعاضد‬ ‫والمعاونة ‪ ،‬وهذا حاصل في القرابة القريبة من غير زواج ‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫وقد روى ‪ ( :‬ل تنكحوا القرابة القريبة ‪ ،‬فإن الولد يُخلق ضاويا ) أي نحيفا ‪ ،‬وذلك‬ ‫لضعف الشهوة بين القرابة ‪ .‬ذكر هذا الشربيني في شرحه لمنهاج النووي ‪.‬‬ ‫لكن ذكر ابن الصلح أنه لم يجد لهذا الحديث أصلً معتمداّ ‪ ،‬وقد ذكره ابن الثير في‬ ‫كتابه [ النهاية في غريب الحديث والثر ] ‪.‬‬ ‫ول يطعن في هذا الحكم أن النبي‬

‫قد زوّج فاطمة من على رضي ال عنهما ‪ ،‬لنه‬

‫فعل ذلك لبيان الجواز ‪ ،‬أو لنه ليس بينهما قرابة قريبة جدا ‪ ،‬ففاطمة هي بنت ابن عم علي ‪،‬‬ ‫فهي بعيده عنه بالجملة ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ الكفاءة ‪:‬‬ ‫ويقصد بالكفاءة ‪ :‬مساواة حال الرجل لحال المرأة اليوم في عدة وجوه ‪:‬‬ ‫أ ـ الدين والصلح ‪ ،‬فليس الفاسق كفؤا لعفيفة صالحة ‪ ،‬قال تعالى ‪ } :‬أَ َفمَن كَانَ ُم ْؤمِنا َكمَن‬ ‫س َتوُونَ { [ السجدة ‪. ] 18 :‬‬ ‫كَانَ فَاسِقا لّا يَ ْ‬ ‫ب ـ الحرفة ‪ ،‬فصاحب حرفه دنيئة ‪ ،‬ككنّاس وحجّام وراع وقيّم حمام ‪ ،‬ليس كفؤا لبت عالم‬ ‫وقاض وتاجر ‪.‬‬ ‫ج ـ السلمة من العيوب المثبتة للخيار في فسخ النكاح ‪ ،‬فمَن به جنون أو برص ليس كفؤا‬ ‫للسليمة منها ‪.‬‬ ‫والكفاءة في الزواج من حق الزوجة وأوليائها ‪ ،‬وهي وإن لم تكن شرطا في صحة‬ ‫النكاح‪ ،‬لكن مطلوبة ومقررة دفعا للعار عن الزوجة وأوليائهما ‪ ،‬وضمانا لستقامة الحياة بين‬ ‫الزوجين ‪ ،‬وذلك لن أسلوب حياتهما ‪ ،‬ونوع معيشتهما يكونان متقاربين ‪ ،‬ومألوفين لهما ‪ ،‬فل‬ ‫يضطر أحدهما لتغيير مألوفة ‪.‬‬ ‫فللزوجة وأوليائها إسقاط حق الكفاءة ‪ ،‬فلو زوّجها وليها غير كفء برضاها صحّ الزواج‬ ‫‪ ،‬لن الكفاءة حقها وحق الولياء ‪ ،‬فإن رضوا بإسقاطها ‪ ،‬فل اعتراض عليهم ‪ .‬ويشير إلى‬ ‫مراعاة الكفاءة ‪ ،‬قول النبي ‪ " : r‬تخيروا لنطفكم وانكحوا الكفاءَ وانكحوا إليهم " ‪.‬‬ ‫‪33‬‬

‫رواه الحاكم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تخيروا لنطفكم ‪ ،..‬رقم ‪ ) 2/163 :‬وصححه ‪.‬‬ ‫‪ -6‬البكارة ‪:‬‬ ‫والبكر ‪ :‬هي التي لم يسبق لها أن تزوجت ‪ ،‬وقد بيّن النبي ‪ r‬سبب اختيار الزوجة البكر‬ ‫‪ ،‬حين قال ‪ " :‬عليكم بالبكارَ ‪ ،‬فإنهنّ أعْ ُذَبُ أفواها ‪ ،‬وأنتقُ أرحاما ‪ ،‬وأرضى باليسير " ‪.‬‬ ‫رواه ابن ماجه في ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تزوج البكار ‪ ،‬رقم ‪. ) 1860 :‬‬ ‫[ أعذب أفواها ‪ :‬ألين كلما ‪ ،‬فهو كناية عن حُسن كلمها وقلّه بذائها وفحشها مع زوجها‬ ‫‪ ،‬لبقاء حيائها ‪ ،‬لنها لم تُخالط زوجا قبله ‪ .‬أنتق أرحاما ‪ :‬أكثر أولدا ] ‪.‬‬ ‫وروى البخاري ومسلم واللفظ له ‪:‬‬ ‫عن جابر ‪ t‬قال ‪ :‬تزوجت امرأة في عهد رسول ال ‪ r‬فقلت النبي ‪ r‬فقال ‪ " :‬يا جابر ‪،‬‬ ‫تزوجت ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬بكر أم ثّيب ؟ قلت ‪ :‬ثّيب ‪ .‬قال ‪ :‬فهلّ بكرا تلعبها ؟ قلتْ ‪ :‬يا‬ ‫رسول ال ‪ :‬إن لي أخوات ‪ ،‬فخشيت أن تدخل بيني وبينهنّ ‪ .‬قال فذاك إذا ‪ ،‬إن المرأة تنكح‬ ‫على دينها ومالها وجمالها ‪ ،‬فعليك بذات الدين تربت يداك " ‪.‬‬ ‫( البخاري‪:‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تزويج الثيّبات ‪ .‬ومسلم ‪ :‬الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬استحباب نكاح‬ ‫ذات نكاح ذات اليدين ) ‪.‬‬ ‫جبِلت على‬ ‫وكذلك يستحبّ أن يكون الزوج بكرا ‪ ،‬لم يسبق له أن تزوج ‪ ،‬لن النفوس ُ‬ ‫الستئناس بأول مألوف ‪.‬‬ ‫الولود ‪ :‬وتُعرف البكر الولود بأقاربها ‪ ،‬كأختها ‪ ،‬وعمتها ‪ ،‬وخالتها ‪ ,‬ويُعرف الرجل‬ ‫الولود أيضا بأقربائه ‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫قال رسول ال ‪-‬‬

‫‪ " -‬تزوجوا الولود الودود فإني مُكاثر بكم المم يوم القيامة " ‪.‬‬

‫رواه أحمد ‪ ،‬وابن حبّان ‪ ،‬والحاكم ‪ ،‬وصحّح إسناده ‪( .‬المستدرك ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪،‬‬ ‫تزوّجوا الودود الولود ‪) 2/162 :‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬رؤية المخطوبة والنظر إليها ‪:‬‬ ‫ومن المور المستحبّة التي رغّب فيها السلم أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة قبل‬ ‫الخطبة ‪ ،‬إذا قصد نكاحها ‪ ،‬ورجا رجاء طاهرا أن يجاب إلى طلبه ‪ ،‬وإن لم تأذن له ‪ ،‬أو لم‬ ‫تعلم بنظره ‪ ،‬اكتفاء بإذن الشرع له ‪ ،‬ولئل تتزين له ‪ ،‬فيفوت غرضه ‪.‬‬ ‫وله تكرير النظر ثانيا وثالثا إن احتاج إليه ‪ ،‬ليتبين هيئتها ‪ ،‬فل يندم بعد النكاح ‪ ،‬إذ ل‬ ‫يحصل الغرض غالبا بأول نظرة ‪.‬‬ ‫روى المام الترمذي وحسّنه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في النظر إلى المخطوبة ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ، ) 1087‬وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ‪ ،‬رق ‪) 1865 :‬‬ ‫وغيرهما ‪ :‬أن النبي‬

‫قال للمغيرة بن شعبة‬

‫وقد خطب امرأة ـ أي عزم على خطبتها ـ ‪:‬‬

‫" انظر إليها فإنه أحرى أنْ يؤدَمَ بينكما " ‪.‬‬ ‫ومعنى يؤدم بينكما ‪ :‬أن تدوم المودّة واللفة بينكما ‪.‬‬ ‫وروى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬النظر إلى المرأة قبل التزويج ‪ ،‬رقم ‪، ) 4833 :‬‬ ‫ومسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الصداق وجواز كونه تعليم قرآن ‪ ، ..‬رقم ‪ ) 1524 :‬عن سهل بن‬ ‫سعد‬

‫‪ :‬أن امرأة جاءت رسول ال‬

‫فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬جئت لهبَ لك نفسي ‪ ،‬فصعّد‬

‫النظر إليها وصّوبه ‪ ،‬ثم طأطأ رأسه ‪.‬‬ ‫‪35‬‬

‫[ لهب لك ‪ :‬أجعل أمري لك ‪ :‬تتزوجني بدون مهر ‪ ،‬أو تزوّجني لمن ترى ‪ .‬فصعد‬ ‫النظر إليها وصوبه ‪ :‬نظر إلى أعلها وأسفلها وتأملها ‪ .‬طأطأ رأسه ‪ :‬خفض رأسه ‪ ،‬ولم يُعد‬ ‫النظر إليها ] ‪.‬‬ ‫وروى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ندب النظر إلى وجه المرأة وكفّيها لمن يريد تزوجها ‪،‬‬ ‫رقم ‪ ) 1434 :‬عن أبي هريرة‬ ‫من النصار فقال له رسول ال‬

‫فأتاه رجل ‪ ،‬فأخبره أن تزوج امرأة‬

‫قال ‪ :‬كنت عند النبي‬

‫‪ ":‬أنظرتَ إليها ؟ " قال ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ " :‬فاذهب فانظر إليها ‪،‬‬

‫فإنّ في أعين النصار شيئا " أي يختلفن عن أعين غيرهنّ ربما ل يعجبك ‪.‬‬ ‫وعن أبي حُميد الساعدي‬

‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬إذا خطب أحدكم امرأة فل جُناح‬

‫عليه أن ينظر منها ‪ ،‬إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته ‪ ،‬وإن كانت ل تعلم " ‪ .‬رواه أحمد (‬ ‫‪)5/424‬‬ ‫هذا ويحق لها أيضا أن تراه ‪ ،‬إذا أرادت الزواج منه ‪ ،‬لتتبين هيئته ‪ ،‬ول تندم بعد النكاح‬ ‫‪ ،‬فإنها يعجبها منه ما يعجبه منها ‪.‬‬ ‫حدود النظر ‪:‬‬ ‫ول يجوز للخاطب أن ينظر من المخطوبة إلّ وجهها وكفّيها ظهرا وبطنا ‪ ،‬لنها‬ ‫مواضع ما يظهر من الزينة المُشار إليها ‪ ،‬في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫ِم ْنهَا‬

‫ظ َهرَ‬ ‫َولَا ُيبْدِينَ زِي َن َتهُنّ ِإلّا مَا َ‬

‫[ النور ‪] 31 :‬‬ ‫والحكمة من القتصار على الوجه والكفّين ‪ ،‬أن الوجه يستدل به على الجمال ‪ ،‬واليدين‬

‫يستدل بهما على خصب البدن ولينه ‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫وإن لم يتيسر له أن ينظر إليها ‪ ،‬أرسل امرأة تتأملها ‪ ،‬وتصفها له ‪.‬‬ ‫لنه‬

‫بعث أم سليم إلى امرأة ‪ ،‬وقال ‪ " :‬انظري عرقوبيها ‪ ،‬وشمي عوارضها " ‪.‬‬

‫رواه الحاكم ( في النكاح ‪ ) 2/166 :‬وصححه ‪.‬‬ ‫[ العرقرب ‪ :‬عصب غليظ فوق عقب النسان ‪ .‬وشمّي عوارضها ‪ :‬أي رائحة جسمها "‬ ‫ويؤخذ من الحديث أن للمبعوث أن يصف للباعث زائدا على ما ينظره بنفسه ‪ ،‬فيستفيد‬ ‫بالبعث ما ل يستفيده بنظره ‪.‬‬ ‫حكم نظر الجنبي إلى المرأة ‪:‬‬ ‫ويحرم نظر رجل بالغ عاقل مختار ـ ولو شيخا ‪ ،‬أو عاجزا ‪ ،‬وكذلك المراهق وهو مَن‬ ‫قارب البلوغ ـ إلى أيّ جزء من جسم المرأة أجنبية كبيرة ‪ .‬والكبيرة هي من بلغت حدّا تشتهى‬ ‫فيه ‪ ،‬ولو كانت غير بالغة ‪ ،‬ولو كان ذلك الجزء الوجه والكفّين ‪ ،‬ولو لم تكن هناك فتنة على‬ ‫الصحيح في المذهب ‪.‬‬ ‫وكذلك يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل لغير حاجة ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬ ‫خبِيرٌ ِبمَا‬ ‫ن اللّهَ َ‬ ‫جهُمْ َذِلكَ َأ ْزكَى َلهُمْ إِ ّ‬ ‫قُل ّل ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َي ُغضّوا مِنْ َأ ْبصَارِهِمْ َويَحْفَظُوا ُفرُو َ‬ ‫جهُنّ‬ ‫ص َنعُونَ{‪ }30‬وَقُل ّل ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ َي ْغضُضْنَ مِنْ َأ ْبصَارِهِنّ َويَحْفَظْنَ ُفرُو َ‬ ‫َي ْ‬

‫[ النور‪. ] 31- 3 :‬‬

‫وروي عن أم سلمة رضي ال عنها قالت ‪ :‬كنت عند ميمونة رضي ال عنها ـ عند‬ ‫رسول ال‬

‫ـ إذ أقبل ابن أمّ مكتوم‬

‫فقال النبي‬

‫‪ " :‬احتجبا منه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪:‬‬

‫أليس هو أعمى ل يبصر ول يعرفنا ؟ فقال ‪ :‬رسول ال‬

‫أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه "‬

‫‪37‬‬

‫رواه الترمذي ( الب ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في احتجاب النساء من الرجال ‪ ،‬رقم ‪) 2779 :‬‬ ‫وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬ ‫هذا ‪ ،‬وحيث حرّم النظر فيما ذكر حرّم المسّ ‪ ،‬لنه أبلغ منه في التلذذ وإثارة الشهوة ‪.‬‬ ‫أما النظر إلى الصغيرة التي ل تُشتهى ‪ ،‬والصغير الذي هو دون المراهقة ‪ ،‬فإنه ل‬ ‫يحرم النظر إل إلى الفرج منهما ‪ .‬لن النظر إليهما ليس في مظنة شهوة ‪ ،‬فل يحرم ذلك ‪.‬‬ ‫النظر إلى المحارم ‪:‬‬ ‫ويجوز نظر الرجل إلى محارمه من النساء إل ما بين السرّة والركبة ‪.‬‬ ‫وكذلك المرأة تنظر إلى محارمها من الرجال ما عدا ما بين السرّة إلى الركبة ‪.‬‬ ‫متى يباح النظر إلى الجنبية ؟‬ ‫واعلم أن ما تقدم من حُرمة النظر إلى المرأة الجنبية ‪ ،‬والمسّ لهما ‪ ،‬إنما هو حيث ل‬ ‫تدعوا الحاجة إليهما ‪ ،‬وأما إذا دعت الحاجة إلى النظر ‪ ،‬أو المسّ ‪ ،‬فإن ذلك يُباح ‪ ،‬وليس فيه‬ ‫حرج ‪.‬‬ ‫والحاجة تظهر في المور التية ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ عند المداواة ‪ ،‬لن في التحريم حرجا ‪ ،‬والسلم دين اليُسْر ورفع الحرج ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫حرَجٍ‬ ‫عَل ْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ َ‬ ‫جعَلَ َ‬ ‫َومَا َ‬

‫[ الحرج ‪ . ] 78 :‬فيُنظر إلى المواضع التي‬

‫يحتاج إليها ‪.‬‬ ‫روى مسلم ( السلم ‪ ،‬باب ‪ :‬لكل داء ودواء واستحباب التداوي ‪ ،‬رقم ‪ ) 2206 :‬عن‬ ‫جابر‬

‫‪ ( :‬أن أم سلمة رضي ال عنهما استأذنت رسول ال‬

‫في الحجامة ‪ ،‬فأمر النبي‬

‫أبا‬

‫طيبة أن يحجمها ) ‪ .‬فللرجل مداواة المرأة إذا كانت الضرورة تتطلب ذلك ‪ ،‬ولم توجد امرأة‬ ‫‪38‬‬

‫تعالجها ‪ ،‬وكذلك للمرأة مداواة الرجل إذا لم يوجد رجل يعالجه ‪ ،‬ودعت الضرورة إلى ذلك ‪،‬‬ ‫لكن ل يعالج الرجل المرأة إل بحضرة مَحرَم ‪ ،‬أو زوج ‪ ،‬أ‪ ,‬امرأة ثقة ‪.‬‬ ‫وإذا وجد الطبيب المسلم ‪ ،‬ل يعدل إلى غيره ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ عند المعاملة من بيع وشراء ‪ ،‬إذا كانت هناك حاجة لمعرفة تلك المرأة ‪ ،‬ولم تعرف دون‬ ‫النظر إليها ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ عند الشهادة تحملً وأداء ‪ ،‬لن الحاجة تدعوا إلى النظر إلى المشهود عليه ‪ ،‬أو المشهود له‬ ‫‪4‬ـ عند التعليم ‪ :‬وذلك فيما ذكر ‪ ،‬فإنما يُباح بقدر الحاجة فقط ‪ ،‬لن النظر إنما أبيح للضرورة‬ ‫أو الحاجة ‪ ،‬والضرورة والحاجة تقدر بقدّر ما يرفع الحرج ويحقق الغرض ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬الخطبة ‪:‬‬ ‫فإذا ت ّم الوثوق من الصفات الحسنة ‪ ،‬وتحقق بالرؤية والنظر الرضا والرغبة ‪ ،‬جاء دور‬ ‫الخطبة ‪.‬‬ ‫والخطبة ـ بكسر الخاء ـ هي التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة ‪.‬‬ ‫متى تحل الخطبة ‪ ،‬ومتى تحرم ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ تحل الخطبة تصريحا وتعرضا ‪ ،‬إذا كانت المخطوبة خليّة من نكاح ‪ ،‬وعدة ‪ ،‬ومن كل‬ ‫موانع النكاح التي مر ذكرها في المحرمات ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ تحل الخطبة تعريضا فقط ل تصريحا ‪ ،‬إذ كانت المرأة معتدّة من وفاة ‪ ،‬أو طلق بائن ‪ .‬قال‬ ‫ال تعالى ‪:‬‬

‫علِ َم اللّهُ‬ ‫سكُمْ َ‬ ‫طبَ ِة النّسَاء َأوْ َأ ْكنَنتُمْ فِي أَنفُ ِ‬ ‫ضتُم بِهِ مِنْ خِ ْ‬ ‫ع ّر ْ‬ ‫عَل ْيكُمْ فِيمَا َ‬ ‫جنَاحَ َ‬ ‫وَلَ ُ‬

‫سرّا إِلّ أَن تَقُولُواْ َقوْلً ّم ْعرُوفا وَلَ َت ْع ِزمُواْ عُقْ َدةَ ال ّنكَاحِ‬ ‫ستَ ْذ ُكرُونَهُنّ َولَـكِن لّ ُتوَاعِدُوهُنّ ِ‬ ‫َأ ّنكُمْ َ‬ ‫‪39‬‬

‫حلِيمٌ‬ ‫ن اللّهَ غَفُورٌ َ‬ ‫سكُمْ فَاحْ َذرُوهُ وَاعَْلمُواْ أَ ّ‬ ‫ن اللّهَ َي ْعلَمُ مَا فِي أَنفُ ِ‬ ‫عَلمُواْ أَ ّ‬ ‫جلَهُ وَا ْ‬ ‫ح ّتىَ َي ْبلُغَ ا ْل ِكتَابُ أَ َ‬ ‫َ‬ ‫[ البقرة " ‪] 235‬‬ ‫[ ل جُناح ‪ :‬ل إثم ول حرج ‪ .‬أكننتم ‪ :‬أخفيتم ‪ .‬ل تواعدوهنّ سرّا ‪ :‬ل تعدوهن بالنكاح‬ ‫خفية ‪ .‬قولً معروفا ‪ :‬موافقا للشرع ‪ ،‬وهو التعريض ‪ .‬ول تعزموا عقدة النكاح ‪ :‬ل تحققوا‬ ‫جلَه ‪ :‬حتى تنقضي العدّة ‪ ،‬وهي المدة التي فرضها‬ ‫العزم على عقد الزواج ‪ .‬حتى يبلغ الكتاب أ َ‬ ‫ال على المعتدّة في كتابه أن ل تتزوج خللها ] ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ وتحرم الخطبة تعريضا وتصريحا فيما عدا ما ذكر ‪ ،‬في الفقرة الولى والثانية ‪.‬‬ ‫فتحرم خطبة امرأة ما تزال على عصمة زوجها ‪ .‬كما تحرم خطبة كل امرأة ذكرت في‬ ‫محرمات النكاح ‪ ،‬سواء كانت محرمة مؤبدة أم محرمة مؤقتة ‪.‬‬ ‫وتحرم خطبة المرأة المعتدّة من طلق رجعي ‪ ،‬سواء كان ذلك بالتعريض أم‬ ‫بالتصريح ‪ ،‬لنها زوجة ‪ ،‬أو في معنى الزوجة ‪ ،‬لن لزوجها الحق في مراجعتها ‪ ،‬قال تعالى‬ ‫‪:‬‬ ‫َو ُبعُوَل ُتهُنّ أَحَقّ ِبرَدّهِنّ فِي َذِلكَ إِنْ َأرَادُواْ ِإصْلَحا ً‬

‫[ البقرة ‪. ] 228 :‬‬

‫معنى التصريح بالخطبة ‪:‬‬ ‫والتصريح في الخطبة معناه ‪ :‬كل لفظ يقطع بالرغبة في النكاح ‪ :‬كأُريد أن أنكحك ‪ ،‬أو‬ ‫‪ :‬إذا انقضت عدتك تزوجتك ‪.‬‬ ‫معنى التعريض بالخطبة ‪:‬‬

‫‪40‬‬

‫والتعريض بالخطبة معناه ‪ :‬أن يستعمل لفظا يحتمل الرغبة في النكاح ‪ ،‬وعدمها ‪ ،‬كأن‬ ‫يقول للمعتدّة ‪ :‬أنت جميلة ‪ ،‬أو ‪ :‬ربّ راغب فيك ‪ ،‬مَن يجد مثلك ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪.‬‬ ‫الخطبة على الخطبة ‪:‬‬ ‫وتحرم خطبة إنسان على خطبة أخيه ‪ ،‬إذا كان قد صرح له بالجابة ‪ ،‬إل بإذنه ‪.‬‬ ‫فإن لم يجب ولم يرد لم تحرم الخطبة ‪.‬‬ ‫وهذه الحرمة حرمة توجب الثم ‪ ،‬ول توجب بطلن العقد ‪ ،‬فيما إذا خطب على خطبة‬ ‫أخيه ‪ ،‬وعقد عقد الزواج ‪.‬‬ ‫ودليل هذا التحريم ‪ :‬قول النبي‬

‫‪ " :‬ل يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك‬

‫الخاطب قبله ‪ ،‬أو يأذن له الخاطب " ‪.‬‬ ‫رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل يخطب على خطبة أخيـه ‪ ،…..‬رقـم ‪، ) 4848 :‬‬ ‫ومسـلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم الخطبة على خطبة أخيه ‪ ،..‬رقم ‪ ) 1412 :‬عن ابن عمر‬ ‫حكم الستشارة في خاطب أو مخطوبة ‪:‬‬ ‫مَن استُشير في خاطب أو مخطوبة وجب عليه أن يذكر من العيوب والمساوئ ما يعرف‬ ‫بصدق ‪ ،‬ليحـذر ‪ ،‬وذلك بذلً للنصيحة ‪ ،‬ول يعدّ ذلك من الغيبة المحرّمة ‪ .‬هذا إذا احتيج إلى‬ ‫ذكر العيوب ‪ ،‬أما إذا اندفع بدون ذكر ذلك ‪ ،‬كقوله مثلُ ‪ :‬هذا ل يصلح لك ‪ ،‬أو هذه ل تصلح‬ ‫لك ‪ ،‬وجب القتصار على ذلك ‪ .‬دليل هذا الحكم حديث فاطمة بنت قيس رضي ال عنهما عند‬ ‫مسلم ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬المطلّقة ثلثا ل نفقة لها ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 1480 :‬والترمذي ( النكاح ‪ ،‬بباب‬ ‫‪ :‬ما جاء في أن الرجل ل يخطب على خطبة أخيه ‪ ،‬رقم ‪ ) 1135 :‬أنها قالت للنبي‬

‫‪ :‬إن‬ ‫‪41‬‬

‫معاوية بن أبي سفيان ‪ ،‬و أبا جهم خطباني ‪ ،‬فقال رسول ال‬

‫‪ ":‬أما أبو جهم فل َيضَعُ عصاه‬

‫عن عاتقه ‪ ،‬وأما معاوي ُة فصعلوكّ ل مال له ‪ ،‬انكحي أسامة بن زيد ‪ ،‬فكرهته ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬ ‫انكحي أسامة ‪ ،‬فنكحته ‪ ،‬فجل ال فيه خيرا ‪ ،‬واغتبطتْ " ‪.‬‬ ‫ي موليته على ذوي الصلح والتقوى ‪:‬‬ ‫عرض الول ّ‬ ‫ويسن لولي المرأة التي يرغب في تزويجها أن يعرض زواجها على أهل الصلح‬ ‫والتقوى ‪ ،‬تأسيا بما فعل شعيب عليه الصلة والسلم مع موسى‬

‫حين عرض بنته عليه ‪ ،‬لما‬

‫عرِف من أمانته وعفافه ‪ .‬قال تعالى حاكيا قصتهما ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ج ْرتَ الْ َقوِيّ الَْأمِينُ{‪ }26‬قَالَ ِإنّي ُأرِيدُ‬ ‫ستَ ْأ َ‬ ‫خ ْيرَ مَنِ ا ْ‬ ‫ج ْرهُ إِنّ َ‬ ‫ستَأْ ِ‬ ‫قَاَلتْ إِحْدَا ُهمَا يَا َأ َبتِ ا ْ‬ ‫ج َرنِي َثمَا ِنيَ حِجَجٍ َفإِنْ َأ ْت َم ْمتَ عَشْرا َفمِنْ عِن ِدكَ َومَا‬ ‫علَى أَن َتأْ ُ‬ ‫حكَ إِحْدَى ا ْب َن َتيّ هَا َتيْنِ َ‬ ‫أَنْ أُنكِ َ‬ ‫جَليْنِ‬ ‫ستَجِ ُدنِي إِن شَاء اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ{‪ }27‬قَالَ َذِلكَ َب ْينِي َو َب ْي َنكَ َأ ّيمَا الْأَ َ‬ ‫عَليْكَ َ‬ ‫ُأرِيدُ أَنْ أَشُقّ َ‬ ‫علَى مَا نَقُولُ َوكِيلٌ‬ ‫عَليّ وَاللّهُ َ‬ ‫ض ْيتُ َفلَا عُ ْدوَانَ َ‬ ‫َق َ‬

‫[ القصص ‪ 26 :‬ـ ‪ .. ] 28‬وتأسيا أيضا‬

‫بما فعل عمر بن الخطاب‬

‫عندما عرض ابنته حفصة رضي ال عنها على عثمان ‪ ،‬ثم على‬

‫أبي بكر ‪ ،‬وتزوجها النبي‬

‫‪.‬‬

‫( البخاري ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬عرض النسان ابنته أو أُخته على أهل الخير ) ‪.‬‬ ‫سنن الخطبة ‪:‬‬ ‫ويستحبّ للخاطب ‪ ،‬أو وكيله ‪ ،‬تقديم خُطبة ـ بضم الخاء ـ قبل الخطبة ـ بكسر الخاء‬ ‫ـ وقبل العقد ‪ ،‬يبدؤها بحمد ال والصلة والسلم على النبي‬

‫لحديث ‪ " :‬كل أمر ذي بال ل‬

‫يبدأ فيه بحمد ال فهو أبتر " ‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫( ابن ماجه ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬خطبة النكاح ‪ ،‬رقم ‪. ) 1849 :‬‬ ‫ثم يوصي بتقوى ال عز وجل ‪ ،‬ثم يظهر رغبته ‪ ،‬فيقول ‪ :‬جئتكم خاطبا كريمتكم ‪.‬‬ ‫ويستحب أيضا لوليّ المخطوبة أن يخطب ‪ ،‬ويقول ‪ :‬بعد حمد ال والصلة والسلم على‬ ‫النبي وآله والوصية بقوى ال عز وجل ‪ :‬ليس بمرغوب عنك ‪.‬‬ ‫والخُطبة قبل العقد آكد من الخُطبة قبل الخِطبة ‪ ،‬لورود ذلك عن السلف الصالح‬ ‫وقد تبرك الئمة رضي ال عنهم بما روي عن ابن مسعود‬

‫‪.‬‬

‫موقوفا ومرفوعا قال ‪ :‬إذا‬

‫أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من نكاح وغيره ‪ ،‬فليقل ‪ ( :‬إن الحمد ل نحمده ونستعينه‬ ‫ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده ال فل مُضلّ له ومن‬ ‫يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده‬ ‫ورسوله‬ ‫‪. ] 102‬‬

‫سِلمُونَ‬ ‫يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُواْ اتّقُو ْا اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلَ َتمُوتُنّ إِلّ َوأَنتُم مّ ْ‬

‫[ آل عمران ‪:‬‬

‫جهَا َو َبثّ ِم ْن ُهمَا‬ ‫خلَقَ ِم ْنهَا َزوْ َ‬ ‫خلَ َقكُم مّن نّ ْفسٍ وَاحِ َدةٍ وَ َ‬ ‫يَا َأ ّيهَا النّاسُ اتّقُواْ َر ّبكُمُ الّذِي َ‬

‫عَل ْيكُمْ رَقِيبا‬ ‫ن اللّهَ كَانَ َ‬ ‫لرْحَامَ إِ ّ‬ ‫رِجَالً َكثِيرا َونِسَاء وَاتّقُو ْا اللّهَ الّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَا َ‬

‫[النساء‪:‬‬

‫‪]1‬‬ ‫عمَاَلكُمْ َو َيغْ ِفرْ َلكُمْ ُذنُو َبكُمْ‬ ‫صلِحْ َلكُمْ أَ ْ‬ ‫يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اتّقُوا اللّهَ وَقُولُوا َقوْلً سَدِيدا{‪ُ }70‬ي ْ‬ ‫َومَن يُطِعْ اللّهَ َورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ َفوْزا عَظِيما‬

‫[ الحزاب ‪70 :‬ـ ‪] 71‬‬

‫( انظر شرح الشربيني على المنهاج ‪ :‬كتاب النكاح ‪. ) 3/138 :‬‬ ‫حكم الخلوة بالمخطوبة والختلط بها قبل العقد ‪:‬‬

‫‪43‬‬

‫لقد شاع وانتشر في بعض الوساط المسلمة ‪ ،‬البعيدة عن روح السلم في الزواج ‪ ،‬أن‬ ‫الخاطب بمجرد أن يعلن خطبته يبدأ بالختلط بخطيبته ‪ ،‬والخلوة بها ‪ ،‬مدعيا أنه يفعل ذلك‬ ‫ليتعرف أخلقها وطباعها ‪ ،‬وهو مقتنع في قرارة نفسه أنه لن يستطيع أن يكشف من حقيقة‬ ‫أخلقها شيئا ‪ ،‬لنه كان يفكر هو بأن أمامها ـ تصنعا ـ بأنه فارس أحلمها المنشود في كرمه‬ ‫‪ ،‬وتسامحه ‪ ،‬وكياسته ‪ ،‬فإنها هي أيضا تتصنع له أكثر مما يتصنع لها ‪ ،‬وتحاول أن تفهمه أنها‬ ‫هي الفتاة التي رسمها في خيالها رقة وأنوثة ‪ ،‬وذوقا ‪ ،‬وأدبا وأخلقا وسلوكا ‪.‬‬ ‫إن اختلط الخاطب بالمخطوبة وخلوته بها قبل عقد الزواج أمر حرام ل يقره شرع ال‬ ‫عز وجل ‪ ،‬ول يرضى به ‪ .‬قال رسول ال‬

‫ول يخلون رجل بامرأة إل ومعهما ذو محرم " ‪.‬‬

‫رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل يخلون رجل بامرأة …‪ ،‬رقم ‪ ) 4935 :‬ومسلم‬ ‫( الحج ‪ ،‬باب ‪ :‬فرض الحج والعمرة مرة في العمر ‪ ،‬رقم ‪. ) 1314 :‬‬ ‫عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ .‬والخطيبة قبل العقد تعتبر امرأة أجنبية ‪.‬‬ ‫إن الفتاة العاقلة هي التي تمتنع عن الظهور أما خطيبها بعد أن رآها رؤية الخطبة حتى‬ ‫يتم العقد ‪ ،‬لن من الواجب عليها أن تفكر في مستقبلها ‪ ،‬وتحسب الحساب للعواقب التي يمكن‬ ‫أن تواجهها ‪ ،‬وتفكر بأن هذا الخاطب إذا فسخ خطبته لها فلن يتقدم شاب آخر لخطبتها ‪ ،‬وهو‬ ‫يعلم علقتها بخطيبها السابق ‪.‬‬ ‫أما إذا تم العقد ‪ ،‬فقد حلّت الخلوة والخلطة لنها أصبحت زوجة له ‪ ،‬يرى منها وترى‬ ‫منه ما بدا لهما ‪ ،‬من غير إثم ول حرج ‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫أركان عقد النكاح‬

‫والتعريف بكل ركن ‪ ،‬وبيان شروطه‬ ‫للنكاح أركان خمسة ‪ :‬وهي ‪:‬‬ ‫ي ‪ ،‬وشاهدان ‪.‬‬ ‫صيغة ‪ ،‬وزوجة ‪ ،‬وزوج ‪ ،‬وول ّ‬

‫الركن الول ‪ :‬الصيغة ‪:‬‬ ‫والصيغة ‪ :‬هي اليجاب من وليّ الزوجة ‪ ،‬كقوله ‪ :‬زوجتك ‪ ،‬أو ‪ :‬أنكحتك ابنتي ‪.‬‬ ‫والقبول من الزوج كقوله ‪ :‬تزوجت ‪ ،‬أو نكحت ابنتك ‪ ،‬ويصحّ تقدّم لفظ الزوج على لفظ‬ ‫الوليّ ‪ ،‬لن التقدم والتأخر سواء في إفادة المقصود ‪.‬‬

‫الحكمة من تشريع الصيغة ‪:‬‬ ‫والحكمة ‪ :‬هي أنه لما كان عقد الزواج من العقود التي ل بدّ فيها من رضا العاقدين ‪،‬‬

‫والرضا أمر خفي ل يُطلع عليه ‪ ،‬اعتبر الشرع الصيغة ـ وهي اليجاب والقبول ـ دليلً‬ ‫ظاهرا على الرضا في نفس كل من العاقدين ‪.‬‬

‫شروط الصيغة ‪:‬‬

‫ويشترط في الصيغة الشروط التالية ‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن تكون بلفظ التزويج ‪ ،‬أو النكاح ‪:‬‬ ‫وما يشتق منهما ؛ كزوّجتك وأنكحتك ‪ ،‬وقبلت تزويجا ‪ ،‬أو قبلت نكاحها ‪.‬‬ ‫وإنما اشترط لفظ التزويج اليجابي ‪ ،‬وما اشتق منهما ‪ ،‬لنهما اللفظان الموضوعان في‬ ‫اللغة والشرع ‪ ،‬للدللة على عقد الزواج ‪ ،‬وهما المستعملن في نصوص القرآن والسنة ‪ .‬ففي‬ ‫القرآن قال تعالى ‪:‬‬ ‫لثَ َو ُربَاعَ‬ ‫فَانكِحُواْ مَا طَابَ َلكُم مّنَ النّسَاء َم ْثنَى َوثُ َ‬

‫[ النساء ‪ ] 3 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫‪45‬‬

‫عيَا ِئهِمْ‬ ‫حرَجٌ فِي َأ ْزوَاجِ أَدْ ِ‬ ‫علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ‬ ‫جنَا َكهَا ِل َكيْ لَا َيكُونَ َ‬ ‫َفَلمّا َقضَى َزيْدٌ ّم ْنهَا وَطَرا َزوّ ْ‬ ‫…‪ [ …..‬الحزاب ‪] 37 :‬‬ ‫[ وطرا ‪ :‬حاجة ‪ ،‬ولم تبق له رغبة فيها ‪ .‬أدعيائهم ‪ :‬الذين ادّعوا أنهم أبناؤهم وهم ليسوا‬ ‫كذلك ] ‪.‬‬ ‫وفي السنّة قال رسول ال‬

‫‪ " :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج …‪. ".‬‬

‫( انظر دليل مشروعية النكاح ) ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ التصريح بلفظ الزواج ‪ ،‬أو النكاح في اليجاب وفي القبول ‪:‬‬ ‫فلو قال الوليّ ‪ :‬زوجتك ابني ‪ ،‬فقال الزوج ‪ :‬قبلت ‪ ،‬لم ينعقد النكاح ‪ .‬ولو قال الزوج ‪:‬‬ ‫زوّجني ابنتك ‪ ،‬فقال الوليّ ‪ :‬قبلت ‪ ،‬لم ينعقد النكاح أيضاَ ‪ ،‬لنهما لم يصرحا بلفظ الزواج ‪ ،‬أو‬ ‫النكاح ‪.‬‬

‫عقد النكاح بغير العربية ‪:‬‬

‫ويصحّ عقد النكاح باللغات العجمية ‪ ،‬وهي مساعد اللغة العربية ‪ .‬فلو وجد اليجاب‬

‫والقبول بلغة عجمية صح عقد النكاح ‪ ،‬ولو كان الزواج ووليّ الزوجة يعرفان اللغة العربية ‪،‬‬ ‫اعتبارا بالمعنى ‪ ،‬لن لفظ الزواج أو النكاح ل يتعلق بهما إعجاز ‪ ،‬فاكتفي بترجمتهما ‪.‬‬

‫عقد النكاح بألفاظ الكناية ‪:‬‬

‫ل يصحّ عقد الزواج بألفاظ الكناية بأيّ لغة كانت ‪.‬‬ ‫وألفاظ الكناية ‪ :‬هي التي تحتمل الزواج وغيره ‪ :‬كأحللتك ابنتي ‪ ،‬أو وهبتها لك ‪ ،‬لن‬

‫ألفاظ الكناية تحتاج إلى النّية ‪ ،‬والنّية محلّها القلب ‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫وعقد النكاح يشترط فيه الشهود ‪ ،‬والشهود ل يطّلعون على ما في القلوب ‪ ،‬حتى يشهدوا ‪ :‬إن‬ ‫كان العاقدان قد نويا النكاح ‪ ،‬أو غيره ‪.‬‬

‫عقد النكاح بالكتابة ‪:‬‬

‫وكذلك ل ينعقد النكاح بالكتابة ‪ ،‬سواء كان المتعاقدان حاضرين أو غائبين ‪.‬‬ ‫فلو كتب وليّ الزوجة إلى غائب ‪ ،‬أو حاضر ‪ :‬زوجّتك ابنتي ‪ ،‬فوصل الكتاب إلى‬

‫الزوج ‪ ،‬فقـرأه ‪ ،‬وقال ‪ :‬قبلت زواج ابنتك ‪ ،‬لم يصحّ العقد ‪ ،‬لن الكتابة من الكناية ‪ ،‬والنكاح‬ ‫ل ينعقد بالكناية ‪.‬‬

‫إشارة الخرس المفهمة ‪:‬‬

‫أما إشارة الخرس المفهمة ‪ ،‬وهي التي ل يختص بفهم المراد منها الفطنون الذكياء ‪،‬‬

‫فإنها ينعقد بها عقد النكاح لنها تنزل منزلة اللفظ الصريح ‪.‬‬ ‫أما إذا كانت إشارته خفية ‪ ،‬ل يفهمها إل الذكياء الفطنون ‪ ،‬فل ينعقد بها الزواج ‪ ،‬لنها‬ ‫عندئذ تنزل منزلة الكناية ‪ ،‬والكناية ل ينعقد بها الزواج ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ اتصال اليجاب بالقبول‪:‬‬ ‫ومن شروط الصيغة أيضا أن يتصل اليجاب من الولي بالقبول من الزوج ‪ ،‬فلو قال‬ ‫ولي الزوجة ‪ :‬زوّجتك ابنتي ‪ ،‬فسكت الزوج مدة طويلة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬قبلت زواجها ‪ ،‬لم يصح‬ ‫العقد ‪ ،‬لوجود الفاصل الطويل بين اليجاب والقبول ‪ ،‬مما يجعل أمر رجوع الوليّ في هذه المدة‬ ‫عن الزواج أمرا محتملً ‪ ،‬أما السكوت اليسير‪ :‬كتنفس ‪ ،‬وعطاس ‪ ،‬فإنه ل يضرّ في صحة‬ ‫العقد ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ بقاء أهلية العاقدين إلى أن يتم القبول‪:‬‬ ‫‪47‬‬

‫ن الولي ‪،‬‬ ‫فلو قال وليّ الزوجة ‪ :‬زوّجتك ابنتي ولكن قبل أن يصدر القبول من الزوج ج ّ‬ ‫أو أغمي عليه ‪ ،‬فقبل الزوج ‪ ،‬لم يصح النكاح ‪.‬‬ ‫وكذلك لو قال الزوج ‪ :‬زوّجني ابنتك ‪،‬ثم أغمي عليه قبل أن يقول وليّ الزوجة ‪:‬‬ ‫زوّجتك ‪ ،‬بطل اليجاب ‪ ،‬ولم يصحّ العقد ولو وجد القبول ‪ ،‬لفقدان أهليّة أحد العاقدين قبل تمام‬ ‫العقد ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ أن تكون الصيغة منجزة ‪:‬‬ ‫فل تصح إضافة عقد الزواج إلى المستقبل ‪ ،‬ول تعليقه على شروط ‪.‬‬ ‫فلو قال ولي الزوجة ‪ :‬إذا جاء رمضان فقد زوّجتك ابنتي ‪ ،‬فقال الزوج ‪ :‬تزوجتها ‪ ،‬لم‬ ‫يصح العقد ‪.‬‬ ‫ولو قال وليّ الزوجة ‪ :‬إن كانت ابنتي قد نجحت في المتحان فقد زوّجتك إياها ‪ ،‬فقال‬ ‫الزوج ‪ :‬قبلت زواجها ‪ ،‬لم يصح الزواج أيضا ‪ ،‬لن عقد الزواج يجب أن يكون منجزا ‪،‬‬ ‫تترتب عليه آثاره من حين إنشائه ‪ ،‬فإضافته إلى المستقبل ‪ ،‬أو تعليقه على شروط يقتضي‬ ‫تأخير أحكام العقد إلى المستقبل ‪ ،‬أو إلى وجود الشرط ‪ ،‬وهذا يُنافي مقتضى العقد ‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫‪6‬ـ أن تكون الصيغة مطلقة ‪:‬‬ ‫فل يصحّ توقيت النكاح بمدة معلومة ‪ :‬كشهر ‪ ،‬أو سنة ‪ ،‬أو مجهولة ‪ :‬كقدوم غائب ‪،‬‬ ‫فلو قال وليّ الزوجة ‪ :‬زوّجتك ابنتي شهرا ‪ ،‬أو سنة ‪ ،‬أو إلى قدوم فلن ‪ ،‬فقال الزوج ‪ :‬قبلت‬ ‫زواجها ‪ ،‬لم ينعقد الزواج في هذه الصور ‪ ،‬لن هذا من نكاح المتعة المحرّمة ‪.‬‬ ‫روى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬نكاح المتعة وبيان أنه أُبيح ثم نسخ …‪ ،.‬رقم ‪) 1406 :‬‬ ‫س ْبرَة الجهني‬ ‫وغيره عن َ‬

‫أنه كان مع رسول ال‬

‫فقال ‪ " :‬يا أيّها الناس ‪ ،‬إني قد كنت أذنت‬

‫لكم في الستمتاع من النساء ‪ ،‬وإن ال قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة ‪ ،‬فمن كان عنده منهنّ شيء‬ ‫فليخلّ سبيله ‪ ،‬ول تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئا " ‪.‬‬

‫نكاح الشغار ‪:‬‬

‫ل يصحّ نكاح الشغار ‪ ،‬وهو ‪ :‬أن يقول وليّ الزوجة لرجل ‪ :‬زوّجتك ابنتي على أن‬

‫تُزوّجني ابنتك ‪ ،‬ويضع كل واحدة منهما صداق للُخرى ‪ .‬فيقول الخر‪ :‬تزوجت ابنتك ‪،‬‬ ‫وزوجتك ابنتي على ما ذكرت ‪.‬‬ ‫وسبب بطلن هذا الزواج هو تعليق زواج كلّ من الزوجين على الخرى ‪ ،‬والتعليق‬ ‫مفسد للعقد كما سبق ‪.‬‬ ‫وأيضا ‪ ،‬فإن النبي‬

‫نهى عن نكاح الشغار ‪.‬‬

‫روى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الشغار ‪ ،‬رقم ‪ )4822 :‬ومسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم‬ ‫نكاح الشغار وبطلنه ‪ ،‬رقم ‪ )1415 :‬وغيرهما عن ابن عمر‬

‫‪ ( :‬أن رسول ال‬

‫نهي عن‬

‫الشّغار ‪ ،‬والشغار ‪ :‬أن يزوّج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ‪ ،‬وليس بينهما صداق ‪.‬‬ ‫‪49‬‬

‫وسمي هذا الزواج شغارا أخذا من قولهم ‪ :‬شغر البلد من السلطان ‪ :‬إذا خل عنه ‪.‬‬ ‫وهذا الزواج قد خل هو أيضا من المهر ‪ ،‬فأشبه البلد الشاغر من السلطان ‪.‬‬

‫الركن الثاني ‪ :‬الزوجة ‪:‬‬

‫ويشترط في الزوجة ليصحّ نكاحها الشروط التالية ‪:‬‬

‫‪1‬ـ خلوّها من موانع النكاح التي مر ذكرها في محرمات النكاح والخطبة ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن تكون الزوجة معينة ‪ ،‬فلو قال وليّ الزوجة لرجل ‪ :‬زوّجتك إحدى بناتي ‪ ،‬لم يصحّ‬ ‫العقد ‪ ،‬لعدم تعيين البنت التي يزوجها ‪.‬‬ ‫ح ِرمَةً بحج أو عمرة ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن ل تكون الزوجة مُ ْ‬ ‫روى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته ‪ ،‬رقم ‪) 1409 :‬‬ ‫وغيره عن عثمان قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬ل يُنكَح المحرم ‪ ،‬ول يُنكَح ‪ ،‬ول يَخْطب " أي‬

‫ل يتزوج المحرم ‪ ،‬ومثله المح َرمَة ‪ ،‬ول يزوّجه غيره امرأة محرمة ‪ ،‬أو غير محرمة ‪ ،‬سواء‬ ‫كان بولية ‪ ،‬أو وكالة ‪ ،‬ول يطلب امرأة للتزويج ‪.‬‬

‫الركن الرابع ‪ :‬الزوج ‪:‬‬ ‫ويشترط فيه الشروط التالية ‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن يكون ممّن يحل للزوجة التزوّج به ‪ ،‬وذلك بأن ل يكون من المحرمين عليها ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يكون الزوج معينا ‪ ،‬فلو قال الوليّ ‪ :‬زوّجت ابنتي إلى أحدكما ‪ ،‬لم يصحّ الزواج ‪ ،‬لعدم‬ ‫تعيين الزوج ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن يكون الزوج حللً ‪ ،‬أي ليس محرما بحج أو عمرة ‪ ،‬للحديث السابق " ل َي ْنكِح‬ ‫المحرم ‪ ،‬ول يُنكَح ‪ ،‬ول يخطب " ‪.‬‬

‫الركن الرابع ‪ :‬الوالي ‪:‬‬

‫معنى الولية ‪:‬‬

‫‪50‬‬

‫الولية في اللغة ‪ :‬تأتي بمعنى المحبة والنصرة ‪ .‬وعليه قوله تعالى ‪:‬‬ ‫ب اللّهِ هُمُ ا ْلغَاِلبُونَ‬ ‫ح ْز َ‬ ‫ل اللّهَ َورَسُولَهُ وَالّذِينَ آ َمنُواْ فَإِنّ ِ‬ ‫َومَن َي َتوَ ّ‬

‫[ المائدة ‪. ] 56 :‬‬

‫والولية في الشرع ‪ :‬هي تنفيذ القول على الغير ‪ ،‬والشراف على شؤونه ‪.‬‬ ‫والمراد بالغير ‪ :‬القاصر والمجنون ‪ ،‬والبالغة في ولية الختبار ‪.‬‬ ‫ويعرّفها بعضهم ‪ :‬بأنها تنفيذ القول على الغير‪ ،‬شاء أو أبى ‪ ،‬فتشمل على هذا ولية‬ ‫الجبار ‪.‬‬ ‫ويسمى مَن أعطته الشريعة حق الولية ‪ :‬وليا ‪.‬‬ ‫قال ال تعالى ‪:‬‬ ‫َف ْل ُي ْملِلْ َوِليّهُ بِا ْلعَدْلِ‬

‫ستَطِيعُ أَن ُيمِلّ ُهوَ‬ ‫ضعِيفا َأوْ لَ يَ ْ‬ ‫عَليْهِ الْحَقّ سَفِيها َأ ْو َ‬ ‫فَإن كَانَ الّذِي َ‬

‫[ البقرة ‪. ] 282 :‬‬

‫حكمة مشروعية الولية ‪:‬‬

‫والحكمة من مشروعية الولية على الصغار والقاصرين إنما هي رعاية مصالحهم ‪،‬‬

‫حتى ل تضيع هدرا ‪ ،‬وحفظ حقوقهم ‪ ،‬وتدبير شؤونهم ‪.‬‬

‫وجود الولي واجب في عقد الزواج ‪:‬‬

‫لبد في تزويج المرأة بالغة كانت أو صغيرة ‪ ،‬ثيّبا كانت أو بكرا ‪ ،‬من وليّ يلي عقد‬

‫زواجها ‪.‬‬ ‫فل يجوز لمرأة تُزوّج نفسها ‪ ،‬ول أن تزوّج غيرها ‪ ،‬بإذن أو بغير إذن سواء صدر‬ ‫منها اليجاب ‪ ،‬أو القبول ‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫ودليل ذلك ما رواه الدارقطني ( في النكاح ‪ ) 3/227‬عن أبي هريرة‬

‫‪ :‬أن النبي‬

‫قال ‪ " :‬ل تزوّج المرأةُ المرأة ‪ ،‬ول تزوّج نفسها " وكنا نقول ‪ :‬التي تزوّج نفسها هي الفاجرة ‪.‬‬

‫وفي رواية ‪ :‬هي الزانية ‪.‬‬

‫الحكمة من اشتراط الولي في زواج المرأة ‪:‬‬ ‫والحكمة من اشتراط الوليّ أنه ل يليق بمحاسن العادات دخول المرأة في مباشرة عقد‬ ‫الزواج ‪ ،‬وذلك لما يجب أن تكون عليه من الحياء‪.‬‬ ‫‪5‬ـ دليل وجوب الوليّ في عقد زواج المرأة ‪:‬‬ ‫واستُدل على وجوب الوليّ في عقد زواج المرأة بالقرآن الكريم ‪ ،‬والسنّة النبوية ‪:‬‬ ‫أما القرآن الكريم ‪ :‬فقوله تعالى ‪:‬‬

‫ضلُوهُنّ أَن‬ ‫جَلهُنّ فَلَ َت ْع ُ‬ ‫طلّ ْقتُمُ النّسَاء َف َبَلغْنَ أَ َ‬ ‫َوإِذَا َ‬

‫ض ْواْ َب ْي َنهُم بِا ْل َم ْعرُوفِ …‪.‬‬ ‫جهُنّ إِذَا َترَا َ‬ ‫يَنكِحْنَ َأ ْزوَا َ‬

‫[ البقرة ‪. 232 :‬‬

‫قال الشافعي رحمة ال تعالى ‪ :‬هذه الية أصرح دليل على اعتبار الوليّ ‪ ،‬إذ لو لم يكن‬ ‫معتبرا لما كان لعضله معنى ‪.‬‬ ‫والعضل ‪ :‬منع المرأة من الزواج ‪.‬‬ ‫وأما السنّة ‪ :‬فما رواه ابن حبّان ‪ :‬أن النبي‬

‫قال ‪ " :‬ل نكاحَ إل َب ِولّي وشاه َديْ عدْل ‪،‬‬

‫وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل " ‪.‬‬ ‫ي والشهود ) ‪.‬‬ ‫( موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الول ّ‬ ‫وروى أبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في الوليّ ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2085 :‬والترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل‬ ‫نكاح إل بوليّ ‪ ،‬رقم ‪ )1101 :‬عن أبي موسى الشعري‬

‫أن النبي‬

‫قال ‪ " :‬ل ِنكَاح إل‬

‫بوَليّ " ‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫‪6‬ـ حكم الزواج بغير وليّ وما يترتب عليه ‪:‬‬ ‫فإذا زوجت المرأة نفسها من غير وليّ اعتبر زواجها باطلً ‪ ،‬ثم إن أعقب هذا الزواج‬ ‫دخول وجب التفريق بينهما ‪ ،‬لبطلن العقد ‪ ،‬ووجب للمرأة مهر المثل ‪ ،‬سواء سمي لها في‬ ‫العقد مهر ‪ ،‬أم لم يُسَمّ ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬قول النبي‬

‫‪ " :‬أيّما امرأُة نكحت بغير إذْن وليّها فنكاحُها باطلّ ـ ثلثا ـ‬

‫ن وليّ من ل وليّ له )‪.‬‬ ‫فإن دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها ‪ ،‬فإن تشاجروا ‪ ،‬فالسلطا ُ‬ ‫رواه أبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في والولي ‪ ،‬رقم ‪ ) 2083 :‬وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب‬ ‫‪ :‬ل نكاح إل بوليّ ‪ ،‬رقم ( ‪ ،) 1881‬والترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إل بوليّ ‪ ،‬رقم ‪) 1102 :‬‬ ‫عن عائشة رضي ال عنها ‪.‬‬ ‫ول يجب على الواطئ في هذا النكاح الباطل ـ الذي تمّ بغير وليّ ‪ .‬ح ّد الزنى ‪ ،‬لشبهة‬ ‫اختلف العلماء في صحة النكاح بغير وليّ ‪.‬‬ ‫والحدود تدرأ بالشبهات ‪ ،‬لكن فيه التعزيز ‪.‬‬ ‫والتعزيز عقوبة دون الحدّ يقدّرها القاضي بما يراه رادعا ومؤدبا ‪.‬‬ ‫‪7‬ـ الولياء في الزواج حسب ترتيبهم ‪:‬‬ ‫والولياء في الزواج هي على الترتيب التي ‪:‬‬ ‫الب ‪.‬‬ ‫ثم الجد أبو الب ‪.‬‬ ‫ثم الخ الشقيق ‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫ثم الخ من الب ‪.‬‬ ‫ثم ابن الخ الشقيق ‪.‬‬ ‫ثم ابن الخ من الب ‪.‬‬ ‫ثم العم الشقيق ‪.‬‬ ‫ثم العم من الب ‪.‬‬ ‫ثم ابن العم الشقيق ‪.‬‬ ‫ثم ابن العم من الب ‪.‬‬ ‫وهكذا سائر العصبات ‪ ،‬فإن عُدمت العصبات فالقاضي ‪ ،‬لما سبق من قوله‬

‫‪:‬‬

‫" فالسلطان وليّ من ل وليّ له " ‪.‬‬ ‫‪8‬ـ ولية البن في الزواج ‪:‬‬ ‫هذا ول ولية للبن ‪ ،‬ول لبن البن في الزواج ‪ ،‬فل يزوج ابن أمه بولية البنوة ‪،‬‬ ‫لنها ل مشاركة بينه وبينها في النسب ‪ ،‬إذ انتسابها إلى أبيها ‪ ،‬وانتساب البن إلى أبيه ‪ .‬إل أن‬

‫يكون من أبناء العمومة لُمه ‪ ،‬فإن كان ابن ابن عمّها ‪ ،‬ولم يوجد وليّ أقرب منها جاز له أن‬ ‫يزوّجها ‪.‬‬

‫‪9‬ـ شروط الولي ‪:‬‬ ‫ويشترط في الوليّ ‪ ،‬أبا كان أو غيره ‪ ،‬الشروط التالية ‪:‬‬ ‫أ ـ السلم ‪:‬‬ ‫فل يزوّج الكافر المسلمة ‪ ،‬لنه ل ولية لكافر على مسلم ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫سبِيلً‬ ‫علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ‬ ‫ل اللّهُ ِل ْلكَا ِفرِينَ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫يَ ْ‬

‫َولَن‬

‫[ النساء ‪. ]1401 :‬‬

‫ولن ولية الزوج مبنية على التعصب في الرث ‪ ،‬ول توارث بين مسلم وكافر ‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫ويزوج كافر كافرة ‪ ،‬ولو اختلف اعتقادها ‪ ،‬فيزوج اليهودي نصرانية ‪ ،‬والنصراني‬ ‫يهودية ‪ ،‬لن الكفر كله ملة واحدة ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬ ‫[ النفال ‪. ] 73 :‬‬

‫ضهُمْ َأ ْوِليَاء َبعْضٍ‬ ‫وَالّذينَ كَ َفرُواْ َب ْع ُ‬

‫ب ـ العدالة ‪:‬‬ ‫والمقصود بالعدالة ‪ :‬عدم ارتكاب الكبائر من الذنوب ‪ ،‬وعدم الصرار على الصغائر ‪،‬‬ ‫وعدم فعل ما يخلّ بالمروءة ‪ :‬كالبول في الطرقات ‪ ،‬والمشي حافيا ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫فل يُزوّج الفاسق مؤمنة ‪ ،‬بل ينتقل حق تزويجها إلى الوليّ الذي يليه ‪ ،‬إن كان عدلً ‪.‬‬ ‫قال رسول ال‬

‫‪ " :‬ل نكاحَ إل بوَليّ ُمرْشِد " رواه الشافعي في مسنده بسند صحيح ‪.‬‬

‫وقال الشافعي رحمه ال تعالى ‪ :‬المراد بالمرشد في الحديث ‪ :‬العدل ‪.‬‬ ‫ولن الفسق نقص يقدح في الشهادة ‪ ،‬فيمنع الولية في الزواج ‪.‬‬ ‫وفي قول ‪ :‬ل تشترط العدالة في الزواج ‪ ،‬لن الولية في الزواج مبنية على التعصب ‪،‬‬ ‫والعصبة تحمله وفرة الشفقة على تحرّي مصلحة موليته ‪ ،‬و هذه الشفقة ل تختلف بين العدل‬ ‫وغيره ‪.‬‬ ‫ولن اشتراط العدالة قد يؤدي إلى حرج كبير لقلّة العدول ‪ ،‬ولسيما في هذه اليام ‪ ،‬ولم‬

‫ي عصر من العصور ‪.‬‬ ‫يعرف أن الفسقة كانوا يُمنعون من تزويج بناتهم في أ ّ‬ ‫ج ـ البلوغ ‪:‬‬

‫فل ولية لصبي على غيره من الزواج ‪ ،‬لنه ل ولية له على نفسه ‪ ،‬فل ولية له على‬ ‫غيره من باب أولى ‪.‬‬ ‫د ـ العقل‪:‬‬ ‫فل ولية لمجنون ‪ ،‬لنه ل ولية له على نفسه ‪ ،‬فأولى أن ل يكون له ولية على غيره‬

‫هـ ـ السلمة من الفاق المُخلّة بالنظر ‪:‬‬

‫‪55‬‬

‫فل ولية لمختلّ النظر بسبب هرم ‪ ،‬أو خبل ‪ ،‬لعجز هؤلء عن اختيار الكفّاء ‪ ،‬فإن‬ ‫كان مريضا يغمى عليه انتظرت إفاقته ‪ ،‬لن الغماء قريب الزوال كالنوم ‪.‬‬ ‫وـ أن ل يكون محجورا عليه بسفه ‪:‬‬ ‫والمحجور عليه بسفه ‪ :‬هو الذي يبذر ماله ‪ ،‬لن السفيه ل ولية له على نفسه ‪ ،‬فأولى‬ ‫أن ل يكون له ولية على غيره ‪.‬‬ ‫زـ أن يكون حللً ‪:‬‬ ‫فل يزوّج المُحْرمُ بحج أو عمرة غيره ‪ ،‬وهو محرم ‪ ،‬لما سبق من قوله‬

‫‪ " :‬ل ينكح‬

‫المحرم ول ينكح " ‪.‬‬ ‫رواه مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته ‪ ،‬رقم ‪. ) 1409 :‬‬ ‫تنبيـه ‪:‬‬ ‫إذا فقدت هذه الشروط التي ذكرت في وليّ قريب من الولياء ‪ ،‬انتقل حق الولية إلى‬ ‫الوليّ الذي يليه ‪ ،‬ممّن توفرت فيه شروط الولية كاملة ‪ ،‬إل المُحرم ‪ ،‬فإنه ل تنتقل الولية عنه‬ ‫إلى البعد منه ‪ ،‬لن الحرام ل يسلب الولية ‪ ،‬لبقاء الرشد والنظر ‪ ،‬وإنما يمنع النكاح ‪ ،‬ولكن‬ ‫ينتقل حق التزويج إلى السلطان عند إحرام الوليّ القريب ‪.‬‬ ‫‪10‬ـ أقسام الولية ‪:‬‬

‫تنقسم الولية في الزواج إلى قسمين ‪:‬‬ ‫الول ‪ :‬ولية إجبار ‪.‬‬ ‫والثاني ‪ :‬ولية اختيار ‪.‬‬ ‫ولية الَجبار‪:‬‬ ‫وولية الجبار ثابتة للب ‪ ،‬والجد أبي فقط ‪ ،‬ول ولية إجبار لغيرهما ‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫وولية الجبار إنما تكون في تزويج البنت البكر ‪ ،‬صغيرة كانت أو كبيرة ‪ ،‬عاقلة أو‬ ‫مجنونة ‪.‬‬ ‫فلبيها ـ وكذلك لجدها أبي أبيها ـ أن يزوّجها بغير إذنها ورضاها ‪ ،‬لنه أدرى‬ ‫بمصلحتها ‪ ،‬ولوفرة شفقته عليها ل يختار لها إل ما فيه مصلحة لها ‪.‬‬ ‫واحتجّوا لهذا بقوله‬

‫‪ " :‬اليّم أحقّ بنفسها من وليّها …" وسيأتي بعد قليل ـ فإنه يدل‬

‫بمفهومه أن البكر وليّها أحق بها من نفسها ‪ ،‬لن اليم هي الثيب ‪ ،‬وهي غير البكر ‪.‬‬ ‫لكن شرطوا لصحة هذا الجبار ثلثة شروط ‪:‬‬ ‫أ ـ أن ل يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة ‪.‬‬ ‫ب ـ أن يكون الزوج كفؤا ‪.‬‬ ‫ج ـ أن يكون الزوج موسرا بمعجل المهر ‪.‬‬ ‫الترغيب في استئذان البكر في الزواج ‪:‬‬ ‫إذا قلنا إن ولية الب ـ ومثله أبو الب ـ هي ولية إجبار ‪ ،‬فليس معنى ذلك أن‬ ‫الفضل أن يجبرها على الزواج ‪ ،‬ويمهل رأيها ‪ ،‬بل الفضل والمستحب أن يستأذنها في‬ ‫تزويجها ‪ ،‬تقديرا لها ‪ ،‬وتطبيقا لقلبها ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك قول النبي‬

‫ح البكرُ حتى تستأذنُ ‪،‬‬ ‫‪ " :‬ل ٌتُنْكحٌ اليم حتى تستأمر ‪ ،‬ول تنك ُ‬

‫قالـوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وكيف إذنُها ؟ قال ‪ :‬أن تسكُت " ‪.‬‬ ‫رواه مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬استئذان الثّيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ) 1419‬والترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في استئذان البكر والثيب ‪ ،‬رقم ‪ ) 2107 :‬وروى‬ ‫‪57‬‬

‫مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب استئذان الثّيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت ‪ ،‬رقم ‪ ) 1421 :‬عن‬ ‫ابن عباس‬

‫‪ :‬أنّ النبي‬

‫قال ‪ " :‬اليم أحق بنفسها من وليها ‪ ،‬والبكرُ تستأذنُ في نفسها ‪،‬‬

‫وإذنُها صُماتُها " ‪ .‬ورواه الترمذي أيضا ( النكاح‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في استئذان البكر والثيّب ‪،‬‬ ‫رقم ‪. ) 1108 :‬‬ ‫[ واليّم في الحديثين ‪ :‬هي الثيّب ] ‪.‬‬ ‫والحديثان محمولن على الندب في حق البكر ‪.‬‬ ‫ولية الختيار ‪:‬‬ ‫ولية الختيار ‪ :‬فهي ثابتة لكل الولياء الذين ذكرناهم ‪ ،‬وعلى الترتيب الذي قدّمناه ‪.‬‬ ‫وولية الختيار إنما تكون في تزويج المرأة الثيب ‪ ،‬فل يصح تزويجها من قبل أي من‬ ‫أوليائها ـ ولو كان أبا ـ إل بإذنها ورضاها ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك حديث مسلم والترمذي السابق ‪ ( :‬ل تنكح اليم حتى تستأمر ) ‪.‬‬ ‫وحديث مسلم والترمذي أيضا ‪ ( :‬اليم أحق بنفسها من وليها ) ‪.‬‬ ‫والثيّب ‪ :‬هي التي زالت بكارتها بوطء حلل أو حرام ‪ ،‬ول بمرض أو سقطة ‪ ،‬أو غير ذلك ‪.‬‬ ‫الحكمة من استئمار الثّيب‪:‬‬ ‫والحكمة من استئمار الثيب ‪ ،‬وعدم تزويجها إل برضاها هي أنها عرفت مقصود‬ ‫النكاح ‪ ،‬فل يجبر عليه ‪ ،‬ولنها لممارستها الزواج ل تستحي من التصريح به ‪،‬بخلف البكر‬ ‫فإنها تستحي من التصريح به ‪.‬‬ ‫تزويج الثيب الصغيرة ‪:‬‬

‫‪58‬‬

‫الثّيب الصغيرة التي هي دون البلوغ ‪ ،‬ل يجوز لبيها ‪ ،‬ول لي ولي من أوليائها‬ ‫تزويجها حتى تبلغ ‪ ،‬لن إذن الصغيرة غير معتبر ‪ ،‬فامتنع تزويجها حتى تبلغ ‪ ،‬فيكون إذنها‬ ‫معتبرا ‪.‬‬ ‫عضل الولّي ‪:‬‬ ‫العضل ‪ :‬منع المرأة من الزواج ‪.‬‬ ‫فإذا طلبت امرأة بالغة عاقلة الزواج من كفء ‪ ،‬وجب علي وليّها أن يزوجها ‪ ،‬فإذا‬ ‫امتنع الولي ـ ولو أبا ـ من تزويجها ‪ ،‬زوّجها السلطان ‪ ،‬لن تزويجها حق على أوليائها إذا‬ ‫طلبها الكفؤ ‪ ،‬فإذا امتنعوا من وفاته لها ‪ ،‬وفّاه الحاكم ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬مـا رواه أبو داود ( النكـاح ‪ ،‬بـاب ‪ :‬في الولي ‪ ،‬رقـم ‪، ) 2038‬‬ ‫والترمـذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ل نكاح إل بولي ‪ ،‬رقم ‪ ) 1102‬أن النبي‬

‫قال ‪" :‬‬

‫السلطان ولي من ل ولي له " ‪.‬‬ ‫لكن إذا عيّنت هو كفؤا ‪ ،‬وعّين الولي كفؤا غيره ‪ ،‬كان له أن يمنعها من الكفء الذي‬ ‫عيّنته ‪ ،‬ويزوجها من الكفء الذي عيّنه ‪ ،‬إذا كانت بكرا ‪ ،‬لنه أكمل نظرا منها ‪.‬‬ ‫غيبة الولّي ‪:‬‬ ‫إذا تعدد الولياء ‪ ،‬وغاب الوليّ القرب ‪ ،‬فإن كان مكان غيبته بعيدا ـ مرحلتين فأكثر ‪،‬‬ ‫والمرحلتان مسيرة يوم وليلة ـ فإنه ل ينتقل حق الولية إلى الولي البعد منه ‪ ،‬وإنما يزوجها‬ ‫سلطان بلده ‪ ،‬لن الغائب وليّ ‪ ،‬والتزويج حق له ‪ ،‬فإن تعذر استيفاء حق الزوجة منه لغيبته ‪،‬‬ ‫ناب عنه الحاكم ‪.‬‬ ‫‪59‬‬

‫أما إذا كان مكان غيبته قريبا ـ أي أقل من مرحلتين ـ فل يزوج السلطان إل بإذنه‪،‬‬ ‫لقصر المسافة ‪ ،‬وإمكان مراجعته ‪ ،‬فإما أن يحضر ‪ ،‬أو يوكّل ‪ ،‬كما لو كان مقيما ‪.‬‬ ‫اجتماع أولياء في درجة واحدة ‪.‬‬ ‫إذا اجتمع أولياء المرأة وكانوا في درجة واحدة من النسب ‪ ،‬كإخوة أشقاء أو لب ‪،‬‬ ‫استحب أن يزوّجها أفقههم بباب النكاح ‪ ،‬لنه أعلم بشرائطه ‪.‬‬ ‫وبعده يزوجها أورعهم ‪ ،‬لنه أشق وأحرص على طلب الغبط لها ‪.‬‬ ‫ثم أسنّهم لزيادة تجربته ‪.‬‬ ‫ويزوّجها كل واحد من هؤلء برضا الخرين ‪ ،‬لتجتمع الراء ‪ ،‬ول بتشوش بعضهم‬ ‫باستئثار بعض بالعقد ‪ .‬فإن اختلف الولياء ‪ ،‬وقال كل واحد منهم أنا أزوّج ‪ ،‬أقرع بينهم وجوبا‬ ‫قطعا للنزاع ‪ ،‬فمن خرجت قرعته زوّجها ‪.‬‬ ‫فلو زوجها المفضول ‪ ،‬أو غير مَن خرجت قرعته ‪ ،‬وكانت قد أذنت لكل منهم أن‬ ‫يزوجها ‪ ،‬صح تزويجه لها للذن فيه ‪ ،‬أما لو كانت أذنت لواحد منهم ‪ ،‬فزوّجها غيره ‪ ،‬فإنه‬ ‫ل يصحّ لعدم إذنها ورضاها ‪.‬‬ ‫فقدان الولياء ‪:‬‬ ‫إذا انعدم الولياء انتقلت الولية إلى القاضي ‪ ،‬لنه منصوب لتحقيق مصالح المسلمين ‪.‬‬ ‫وفي تزويج مَن ل ولي لها مصلحة يجب تحقيقها ‪ ،‬وقد تقدم قول النبي‬

‫‪ ":‬السلطان‬

‫ولي من ل ولي له " ‪.‬‬ ‫رواه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ل نكاح إل بولي ‪ ،‬رقم ‪. ) 1102 :‬‬ ‫‪60‬‬

‫الوكالة في الزواج ‪:‬‬ ‫يصحّ للوليّ المجبرـ وهو الب والجد أبو الب ـ في تزويج البكر ‪ ،‬التوكيل في‬ ‫تزويجها بغير إذنها‪.‬‬ ‫ول يشترط في صحة هذه الوكالة أن يعين الولي للوكيل الزوج ‪ ،‬لن الولي يملك التعيين‬ ‫في التوكيل ‪ ،‬فيملك الطلق به ‪ ،‬وإذا أطلق الولي الوكالة ‪ ،‬وجب على الوكيل أن يحتاط‬ ‫لمصلحة الزوجة ‪ ،‬فل يزوّجها من غير كفء ‪ ،‬لن التوكل عند الطلق يحمل على الكفء ‪.‬‬ ‫أما غير المجبر من الولياء ـ وهو غير الب والجد أبي الب ـ فل يجوز له التوكيل‬ ‫في التزويج إل بإذن المرأة ‪ ،‬لنه ل يملك تزويجها بغير إذنها ‪ ،‬فأولى أن ل يملك أن يوكل من‬ ‫يزوّجها بغير إذنها ‪.‬‬ ‫الركن الخامس ‪ :‬الشاهدان ‪:‬‬ ‫تمهيـد ‪:‬‬ ‫إن عقد الزواج ‪ ،‬وإن كان كغيره من العقود التي يشترط فيها الرضا واليجاب‬ ‫والقبول ‪ ،‬لكن السلم أحاط هذا العقد بهالة من التعظيم والتفخيم ‪ ،‬وطبعه بطابع ديني ‪،‬‬ ‫وصبغه صبغة تعبدية ‪ ،‬فجعل القدام عليه طاعة ل عز وجل ‪ ،‬وقربة من القربات التي يثاب‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫ولما كان لعقد النكاح نتائج خطيرة تترتب عليه ـ من حل المعاشرة بين الزوجين ‪،‬‬ ‫ووجوب المهر والنفقة ‪ ،‬وثبوت نسب الولد ‪ ،‬واستحقاق الرث ‪ ،‬ووجوب المتابعة ‪ ،‬ولزوم‬ ‫الطاعة ‪ ،‬وكانت هذه النتائج عرضة للجحود والكنود من كل من الزوجين ـ احتاط الدين لها ‪،‬‬ ‫‪61‬‬

‫وأوجب حضور شاهدين ـ على القل ـ يشهدان عقد الزواج ‪ ،‬وشرط فيهما شروطا تجعلهما‬ ‫مكان الثقة والطمئنان لثبات تلك النتائج ‪ ،‬إذا ما دعت الحاجة إلى شهادتهما ‪ ،‬فيما إذا دبّ‬ ‫شقاق بين الزوجين ‪ ،‬أو تنكر منهما أحد لحقوق هذا العقد ونتائجه ‪.‬‬ ‫دليل وجوب الشاهدين في عقد النكاح ‪:‬‬ ‫والدليل على وجوب شاهدين في عقد النكاح قوله ‪ ":‬ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل ‪،‬‬ ‫وما كان غير ذلك فهو باطل "‪.‬‬ ‫رواه ابن حبان في صحيحه ‪ .‬انظر موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ( النكاح ‪ ،‬باب ‪:‬‬ ‫ما جاء في الولي والشهود ‪ ،‬رقم ‪. ) 1247 :‬‬ ‫شروط الشاهدين ‪:‬‬ ‫يشترط في الشاهدين الشروط التالية ‪:‬‬ ‫أ ـ السلم ‪:‬‬ ‫فل يصح عقد النساء بشهادة غير المسلمين ‪ ،‬لن لعقد الزواج اعتبارا دينيا ‪ ،‬فلبدّ أن‬ ‫يشهده من يدين بدين السلم ‪ ،‬ولن غير المسلم ل يوفّق بشهادته على المسلمين ‪.‬‬ ‫أضف إلى ذلك أن الشهادة ولية ‪ ،‬فل تقبل شهادة غير المسلم على المسلم ‪ ،‬لنه ل‬ ‫ولية له عليه ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫ضهُمْ َأ ْوِليَاء َبعْضٍ‬ ‫وَا ْل ُم ْؤ ِمنُونَ وَا ْل ُم ْؤ ِمنَاتُ َب ْع ُ‬

‫سبِيلً‬ ‫علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ‬ ‫جعَلَ اللّهُ ِل ْلكَا ِفرِينَ َ‬ ‫َولَن يَ ْ‬

‫[ التوبة ‪] 71 :‬‬

‫[ النساء ‪. ] 141 :‬‬

‫ب ـ الذكورة ‪:‬‬

‫‪62‬‬

‫فل ينعقد عقد الزواج بشهادة النساء ‪ ،‬ول برجل وامرأتين ‪ .‬قال الزهري رحمه ال ‪:‬‬ ‫( مضت السنّة عن الرسول‬

‫‪ :‬أنه ل تجوز شهادة النساء في الحدود ‪ ،‬والنكاح والطلق )‬

‫والزهري تابعي ‪ ،‬ومثل هذا القول من التابعي في حكم الحديث المرفوع إلى رسول ال‬

‫على‬

‫ما قرره العلماء ‪.‬‬ ‫ج ـ العقل والبلوغ ‪:‬‬ ‫فل ينعقد عقد الزواج بحضور المجانين والصبيان فحسب ‪ ،‬لن عقد الزواج له مكانته‬ ‫الخطيرة ‪ ،‬فالقتصار على حضور المجانين والصبيان استخفاف به ‪.‬‬ ‫د ـ العدالة ولو ظاهرا ‪:‬‬ ‫يجب أن يكون الشاهدان عدلين ‪ ،‬ولو من حيث الظاهر ‪ ،‬أي بأن يكونا مستوري الحال ‪،‬‬ ‫غير ظاهري الفسق ‪.‬‬ ‫فل ينعقد الزواج بشهادة الفاسقين المُجاهرين بفسقهم لعدم الوثوق بشهادتهم ‪.‬‬ ‫هـ ـ السمع ‪:‬‬ ‫فل ينعقد الزواج بشهادة أصمّين ‪ ،‬أو نائمين ‪ ،‬لن الغرض من الشهادة ل يتحقق بأمثالها‬ ‫‪ ،‬ولن المشهود عليه قول ‪ ،‬فلبدّ من سماعه ‪.‬‬ ‫و ـ البصر ‪:‬‬ ‫فل ينعقد بشهادة العميان ‪ ،‬لن القوال ل تثبت إل بالمعاينة والسماع ‪.‬‬ ‫الشهاد على رضا الزوجة ‪:‬‬

‫‪63‬‬

‫يستحبّ الشهاد على رضا الزوجة بعقد النكاح ‪ ،‬وذلك بأن يسمع شاهدان ـ الشروط‬ ‫ن المرأة ورضاها ‪ :‬بأن تقول ‪ :‬رضيت بهذا العقد ‪ ،‬أو‬ ‫المذكورة في شروط الشاهدين ـ إذ َ‬ ‫أذنت فيه ‪ ،‬وذلك احتياطا ‪ ،‬ليؤمن إنكارها بعد ذلك ‪.‬‬ ‫إعفاف الب أو الجد ‪:‬‬ ‫يجب على الولد ‪ ،‬سواء كان ذكرا أم أنثى ‪ ،‬مسلما أم كافرا ‪ ،‬إعفاف الب ‪ ،‬ومثله‬ ‫الجد ‪ ،‬سواء كان من جهة الب ‪ ،‬أو من جهة الم ‪ ،‬وسواء كان مسلما أم كافرا ‪ :‬وذلك بأن‬ ‫يعطيه مهر امرأة حرّة ‪ ،‬أو يقول له ‪ :‬تزوج وأنا أُعطيك المهر ‪.‬‬

‫لكن يشترط لوجوب ذلك على الولد ثلثة شروط ‪:‬‬ ‫أ ـ أن يكون الولد موسرا بالمهر ‪.‬‬ ‫ب ـ أن يكون الب ـ ومثله الجد ـ معسرا بالمهر‪.‬‬ ‫ج ـ أن يكون الب ‪ ،‬أو الجد محتاجا إلى الزواج ‪ ،‬وذلك بأن كانت نفسه تتوق إليه ‪.‬‬ ‫ووجهه ‪ :‬أن هذا العفاف للب ـ أو الجد ـ من وجوه حاجاته المهمة ‪ :‬كالنفقة‬ ‫والكسوة ‪.‬‬ ‫ولئل يعرّضه للزنى المفضي إلى الهلك ‪ ،‬وذلك ل يليق بحرمة البوة ‪ ،‬وليس هو من‬ ‫وجوه المصاحبة بالمعروف ‪ ،‬المأمور بها بقوله تعالى ‪:‬‬

‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّد ْنيَا َم ْعرُوفا‬ ‫َوصَا ِ‬

‫[ لقمان ‪. ] 15 :‬‬ ‫أنكحة الكفار ‪:‬‬

‫‪64‬‬

‫نكاح الكفار فيما بينهم صحيح ‪ ،‬ودليل ذلك حديث غيلن وغيره ‪ ،‬ممّن أسلم وعنده أكثر‬ ‫من أربعة نسوة ‪ ،‬فإن النبي‬ ‫فلم يسأله‬

‫أمره أن يمسك أربعا ويفارق سائرهنّ ‪.‬‬

‫عن شرائط نكاحهنّ ‪ ،‬فل يجب البحث عن ذلك ‪.‬‬

‫ولو ترافعوا إلينا لم نبطل أنكحتهم ‪ ،‬ولو أسلموا أقررنا نكاحهم ‪.‬‬ ‫إسلم الكفّار بعد زواجهم‪:‬‬ ‫إذا كان الرجل كافرا ‪ ،‬وكان عنده امرأة كافرة ‪ ،‬فأسلما معا ‪ ،‬دام نكاحهما ‪ .‬وذلك لن‬ ‫الفرقة إنما تقع باختلف الدين ‪ ،‬ولم يختلف دينهما في الكفر ول في السلم ‪.‬‬ ‫روى الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ، ) 1144‬وأبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب‪ :‬إذا أسلم أحد الزوجين ‪ ،‬رقم ‪ ) 2283 :‬عن ابن عباس‬ ‫رضي ال عنهما ‪ :‬أن رجلً جاء مسلما على عهد النبي‬

‫‪ ،‬ثم جاءت امرأته مسلمة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬

‫رسول ال ‪ ،‬إنها كانت أسلمت معي فرُدّها عليّ ‪ ،‬فردها عليه ‪.‬‬ ‫أما إذا أسلم هو ‪ ،‬وأصرّت هي على الكفر ‪:‬‬ ‫فإن كانت الزوجة كتابية دام نكاحه لها ‪ ،‬لجواز نكاح المسلم الكتابية ‪.‬‬ ‫وإن كانت وثنية ‪ ،‬أو ملحدة ‪ ،‬ولم تسلم أثناء عدّتها ‪ ،‬تنجزت الفرقة بينهما من حين إسلم‬ ‫زوجها ‪.‬‬ ‫أما إذا أسلمت في العدّة ‪ ،‬فإنه يبقى النكاح بينهما ‪.‬‬ ‫ولو أسلمت المرأة ‪ ،‬وأص ّر الزوج على الكفر ‪ ،‬فإنه يفرّق بينهما من حين إسلمها ‪ ،‬إل‬ ‫أن يسـلم ‪ ،‬وهي ما تزال في العدّة ‪ ،‬فإنها ترُدّ إليه بنفس النكاح السابق ‪.‬‬ ‫‪65‬‬

‫أما إن عاد وأسلم بعد انقضاء عدّتها ‪ ،‬فإنها ل ترجع إليه إل بعقد جديد ‪.‬‬ ‫روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‪ :‬أن رسول ال‬

‫ردّ بنته زينب على‬

‫أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد ‪.‬‬ ‫أخرجه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪. ) 1142‬‬ ‫قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث في إسناده مقال ‪ ،‬والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم ‪ :‬أن‬ ‫المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم ز وجها وهي في العدّة ‪ ،‬أن زوجها أحقّ بها ما كانت في‬ ‫العدّة ‪.‬‬

‫تعريف الصداق ‪:‬‬

‫ال َّ‬ ‫صــدَاق‬ ‫أحكامه ـ المغالة في المهور‬

‫الصداق هو المال الذي وجب على الزوج دفعه لزوجته بسبب عقد النكاح ‪.‬‬ ‫وسمي صداقا ‪ ،‬لشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح ‪.‬‬ ‫أحكام الصداق ‪:‬‬ ‫للصداق عدة أحكام نذكرها فيما يلي ‪:‬‬ ‫أ ـ حكمه ‪:‬‬

‫‪66‬‬

‫الصداق واجب على الزوج بمجرد تمام عقد الزواج ‪ ،‬سواء سمي في العقد بمقدار معين‬ ‫من المال ‪ :‬كألف ليرة سورية مثلُ ‪ ،‬أو لم يسمّ ‪ ،‬حتى لو اتفق على نفيه ‪ ،‬أو عدم تسميته ‪،‬‬ ‫فالتفاق باطل ‪ ،‬والمهر لزم ‪.‬‬ ‫ب ـ دليل وجوبه ‪:‬‬ ‫ودليل وجوب الصداق القرآن ‪ ،‬والسنّة ‪ ،‬والجماع ‪.‬‬ ‫أما القرآن ‪ :‬فقوله تعالى ‪:‬‬

‫حلَةً‬ ‫وَآتُواْ النّسَاء صَدُقَا ِتهِنّ ِن ْ‬

‫والمخاطب بذلك هم الزواج ‪ .‬وقوله عزّ وجلّ ‪:‬‬ ‫َفرِيضَةً‬

‫س َت ْم َت ْعتُم بِهِ ِم ْنهُنّ فَآتُوهُنّ ُأجُورَهُنّ‬ ‫َفمَا ا ْ‬

‫[ النساء ‪ ] 24 :‬أي مهورهن ‪ .‬وقال تعالى ‪:‬‬

‫َتمَسّوهُنّ َأوْ تَ ْف ِرضُواْ َلهُنّ َفرِيضَةً‬

‫[ النساء ‪ ] 4 :‬أي عطية ‪،‬‬

‫طلّ ْقتُمُ النّسَاء مَا لَمْ‬ ‫عَل ْيكُمْ إِن َ‬ ‫جنَاحَ َ‬ ‫لّ ُ‬

‫[ البقرة ‪ ] 236 :‬أي تعينوا لهن مهرا ‪.‬‬

‫وأما السنّة ‪ :‬فما رواه البخاري ( فضائل القرآن ‪ ،‬باب ‪ :‬خيركم مَن تعلم القرآن‬ ‫وعلمـه ‪ ،‬رقـم ‪ ، ) 4741 :‬ومسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم‬ ‫حديد وغير ذلك من قليل وكثيـر واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف بــه ‪ ،‬رقم‬ ‫‪ ) 1425 :‬عن سهل بن سعد‬

‫قالت ‪ " :‬ما لي في النساء من حاجة " فقال رجل ‪ :‬زوّجنيها ‪،‬‬

‫عتَلّ له ‪ .‬فقال ‪" :‬‬ ‫قال ‪ " :‬أعطها ثوبا " قال ‪ :‬ل أجدْ ‪ .‬قال ‪ " :‬أعطها ولو خاتما من حديد " ‪ ،‬فا ْ‬ ‫ما معك من القرآن ؟ " قال ‪ :‬كذا وكذا ‪ .‬قال ‪ " :‬فقد زوّج ُتكَها بما معك من القرآن ‪".‬‬ ‫[ وهبت نفسها ‪ :‬جعلت له أمرها ‪ .‬فاعتلّ له ‪ :‬تعلل أنه ل يجده ] ‪.‬‬ ‫وأما الجماع ‪ :‬فقد اتفقت كلمة العلماء على وجوبه من غير نكير من أحد ‪.‬‬ ‫ج ـ حكمة تشريع الصداق ‪:‬‬ ‫‪67‬‬

‫والحكمة من تشريع المهر إنما هي إظهار صدق رغبة الزوج في معاشرة زوجته‬ ‫معاشرة شريفة ‪ ،‬وبناءً على حياة زوجية كريمة ‪.‬‬ ‫كما أنه فيه تمكين للمرأة من أن تتهيأ للزواج بما تحتاجه من لباس ‪ ،‬ونفقات ‪.‬‬ ‫وإنما جعل السلم الصداق على الزوج ‪ ،‬رغبة منه في صيانة المرأة ‪ ،‬من أن تمتهن‬ ‫كرامتها في سبيل جمع المال ‪ ،‬الذي تقدمه مهرا للرجل ‪.‬‬ ‫د ـ تسمية الصداق في العقد ‪:‬‬ ‫يسنّ تسمية المهر ـ أي تحديد مقداره ـ في عقد الزواج ‪ ،‬لن النبي‬

‫لم يُخلِ نكاحا‬

‫من تسمية المهر فيه ‪ ،‬ولن في تسميه دفعا للخصومة بين الزوجين ‪.‬‬ ‫وإنما لم يحملوا فعله‬

‫على الوجوب ‪ ،‬للجتماع على جواز إخلء عقد الزواج من‬

‫تسمية المـهر ‪ ،‬وإن كان مع الكراهة ‪ ،‬لمخالفة فعل النبي‬

‫‪.‬‬

‫هـ ـ ملكية المهر ‪:‬‬ ‫والمهر ملك الزوجة وحدها ‪ ،‬ل حق لحد فيه من أوليائها ‪ ،‬وإن كان لهم حق قبضه ‪،‬‬ ‫لكنهم يقبضونه لحسابهم وملكها ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬ ‫ّمبِينا‬

‫[ النساء ‪ ] 20 :‬وقال عز وجل ‪:‬‬

‫شيْئا َأتَأْخُذُونَهُ ُب ْهتَانا َوِإثْما‬ ‫فَلَ تَ ْأخُذُواْ ِمنْهُ َ‬

‫شيْءٍ ّمنْهُ نَفْسا َف ُكلُوهُ َهنِيئا ّمرِيئا‬ ‫طبْنَ َلكُمْ عَن َ‬ ‫فَإِن ِ‬

‫[ النساء ‪. ] 4 :‬‬ ‫و ـ حدّ المهر ‪:‬‬

‫‪68‬‬

‫ل حدّ لقل المهر ‪ ،‬ول لكثره ‪ ،‬فكلّ ما صحّ عليه اسم المال ‪ ،‬أو كان مقابلً بمال ‪،‬‬ ‫جاز أن يكون مهرا ‪ ،‬قليلً كان أو كثيرا ‪ ،‬عينا أو دينا ‪ ،‬أو منفعة ‪ :‬كسجادة ‪ ،‬أو ألف ليرة‪ ،‬أو‬ ‫سكنى دار ‪ ،‬أو تعليم حرفة ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك قول ال تعالى ‪:‬‬

‫َوأُحِلّ َلكُم مّا َورَاء َذِلكُمْ أَن َت ْب َتغُواْ بَِأ ْموَاِلكُم…‬

‫[ النساء‬

‫‪. ] 24 :‬‬ ‫فإنه أطلق المال ‪ ،‬ولم يقدره بحدّ معين ‪.‬‬ ‫وقال‬

‫‪ " :‬أعطها ولو خاتما من حَديد " ‪.‬‬

‫رواه البخاري ( فضائل القرآن ‪ ،‬باب ‪ :‬خيركم مَن تعلم القرآن وعلمه ‪ ،‬رقم ‪) 4741 :‬‬ ‫‪ ،‬ومسـلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل‬ ‫وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف به ‪ ،‬رقم‪ ، ) 1425 :‬وروى الترمذي‬ ‫( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في مهور النساء ‪ ،‬رقم ‪ ) 113 :‬عن عامر بن ربيعة‬ ‫من نفسك ومالك بنعلين " ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فأجازه ‪ .‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫شيْئاً‬ ‫ّمكَانَ َزوْجٍ وَآ َت ْيتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَارا فَلَ تَ ْأخُذُواْ ِمنْهُ َ‬

‫‪ ":‬أرضيت‬

‫س ِتبْدَالَ َزوْجٍ‬ ‫َوإِنْ َأرَدتّمُ ا ْ‬

‫[ النساء ‪ . ] 20 :‬فقد أباح أن يقدم‬

‫الزوج لزوجته قنطارا ‪ .‬والقنطار ‪ :‬المال الكثير فدلّ على أنه ل ح ّد للمهر في الكثرة ‪.‬‬ ‫لكن يستحب أن ل يقل المهر عن عشرة دراهم ‪ ،‬خروجا من خلف من أوجب ذلك ‪،‬‬ ‫وهم الحنفية ‪.‬‬ ‫وكذلك يستحب أن ل يزيد عن خمسمائة درهم ‪ ،‬لنه الوارد في مهور بناته وزوجاته ‪،‬‬ ‫عليه الصلة والسلم ‪.‬‬ ‫‪69‬‬

‫روى أحمد وأصحاب السنن ـ وصححه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في مهور‬ ‫النساء ‪ ،‬رقم ‪ ) 1114 :‬ـ عن عمر بن الخطاب‬

‫قال ‪ ( :‬ل تغلوا صدق النساء ‪ ،‬فإنها لو‬

‫كانت مكرمة في الدنيا ‪ ،‬أو تقوى في الخرة ‪ ،‬لكان أولكم بها رسول ال‬ ‫ال‬

‫‪ ،‬ما أصدق رسول‬

‫امرأة من نسائه ‪ ،‬ول أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثني عشرة أوقية ) ‪.‬‬ ‫والوقية ‪ :‬أربعون درهما ‪ ،‬فيكون مجموع المهر ‪ :‬أربعمائة وثمانين درهما ‪ .‬وهذا‬

‫المقدار يساوي نصابين ونصف للزكاة تقريبا كما هو معلوم في نصاب الزكاة الذي تجب فيه‬ ‫الزكاة من الفضة ‪ ،‬وذلك يختلف حسب نقد البلد وتقويم هذا المقدار من الفضة ‪.‬‬ ‫ز ـ تعجيل المهر وتأجيله ‪:‬‬ ‫ل يشترط تعجيل المهر ‪ ،‬بل يصحّ تعجيله كله قبل الدخول ‪ ،‬ويصحّ تأجيله كله ‪ ،‬أو‬ ‫تأجيل بعضه إلى ما بعد الدخول ‪ ،‬ولكن يشترط أن يكون الجل محددا ‪ ،‬وذلك لن المهر ملْك‬ ‫الزوجة ‪ ،‬فلها الحق في تعجيل وتأجيل ما شاءت منه ‪.‬‬ ‫وإذا كان المهر معجّلً ‪ ،‬كان للزوجة الحق في حبس نفسها عن زوجها حتى تقبض معجّل‬ ‫مهرها ‪.‬‬ ‫أما إذا كان المهر مؤجلً ‪ ،‬فل حق لها في حبس نفسها عن زوجها ‪ ،‬لنها رضيت‬ ‫بالتأجيل ‪ ،‬فسقط حقها في حبس نفسها ‪.‬‬ ‫ح ـ استقرار المهر ‪ ،‬أو نصفه ‪ ،‬وسقوطه ‪:‬‬ ‫تبين مما ذكرنا سابقا أن المهر يجب للزوجة على لزوج بالعقد الصحيح ‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫وسنذكر الن الحالت التي يستقر بها المهر على الزوج كله ‪ ،‬أو نصفه ‪ ،‬والحالت التي‬ ‫يسقط فيها المهر ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ استقرار كل المهر ‪:‬‬ ‫ويستقر المهر كله في حالتين ‪:‬‬

‫الولى ‪ :‬فيما دخل الزوج بزوجته ‪ ،‬سواء كان ذلك الدخول في حال حل ‪ :‬كما إذا كانت‬ ‫المرأة طاهرة من حيض ‪ ،‬أو كان في حال حُرمه ‪ :‬كما إذا كانت حائضا ‪ .‬فإذا دخل بها لزمه‬ ‫المهر كله ‪ ،‬لنه استوفى المعقود عليه وهو الستمتاع ‪ ،‬فلزمه ال َعوَض ‪.‬‬ ‫دلّ على ذلك قوله تعالى ‪:‬‬

‫س َت ْم َت ْعتُم بِهِ ِم ْنهُنّ فَآتُوهُنّ ُأجُورَهُنّ َفرِيضَةً‬ ‫َفمَا ا ْ‬

‫[ النساء ‪ ] 24 :‬والمراد بالستمتاع هنا الدخول والتلذّذ بالجماع ‪ ،‬والمراد بالجور المهور ‪،‬‬ ‫وسمي المهر أجرا لنه استحقّ بمقابل المنفعة ‪ ،‬وهي ما ذكر من التلذّذ والستمتاع ‪.‬‬ ‫وروى مالك في الموطأ ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الصداق والحيـاء ‪) 2/526 :‬‬ ‫عـن عمـر‬

‫‪ ( :‬أيّما رجل تزوج امرأة …‪.‬فمسّها فلها صداقها كاملً ) ‪ .‬فمسّها أي دخل بها‬

‫ووطئها ‪.‬‬ ‫الثانية ‪ :‬موت أحد الزوجين ‪ ،‬سواء حصل الموت قبل الدخول ‪ ،‬أو بعده ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك إجماع الصحابة رضي ال عنهم ‪.‬‬ ‫‪2‬ـاستقرار نصف المهر ‪:‬‬ ‫ويستقر على الزوج نصف مهر زوجته في حالة واحدة ‪ ،‬وهي ‪:‬‬

‫‪71‬‬

‫ما إذا طلقها بعد عقد صحيح ‪ ،‬سمي المهر فيه تسمية صحيحة ‪ ،‬وكان هذا الطلق قبل‬ ‫أن يدخل بها ‪.‬‬ ‫ودليل هذا الحكم قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬ ‫صفُ مَا َف َرضْتُمْ‬ ‫َلهُنّ َفرِيضَةً َف ِن ْ‬

‫ضتُمْ‬ ‫طلّ ْق ُتمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن َتمَسّوهُنّ وَقَدْ َف َر ْ‬ ‫َوإِن َ‬

‫[ البقرة ‪. ] 237 :‬‬

‫ومعنى من قبل أن تمسّوهن ‪ :‬أي من قبل أن تدخلوا بهنّ ‪ .‬ومعنى فرضتم ‪ :‬أي سمّيتم لهن‬ ‫مهرا ‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫‪3‬ـ سقوط المهر كله ‪:‬‬ ‫ويسقط المهر كله عن الزوج إذا فارقت الزوجة زوجها قبل الدخول بها ‪ ،‬وكان هذا‬ ‫الفراق ناشئا بسبب منها ‪ ،‬كما إذا أسلمت ‪ ،‬فانفسخ النكاح ‪ ،‬أو ارتدّت ‪ ،‬أو فسخت النكاح لعيب‬ ‫في الزوج ‪ ،‬أو فسخ الزوج النكاح لعيب فيه ‪ ،‬فإنه يسقط المهر في هذه الحالت كلها ‪ ،‬لنها‬ ‫هي السبب في هذه الفرقة ‪ ،‬وهي المختارة لها ‪ ،‬فكأنها أتلفت المعوّض قبل التسليم ‪ ،‬فسقط‬ ‫العوَض ‪.‬‬ ‫والمعرض ‪ :‬هنا ‪ :‬هو تمكينها زوجها من نفسها ‪ .‬والعوض ‪ :‬هو المهر ‪.‬‬ ‫ط ـ مهر المثل ‪:‬‬ ‫تعريف مهر المثل ‪:‬‬ ‫ومهر المثل ‪ :‬هو المال الذي يطلب في الزواج لمثل الزوجة عادة ‪.‬‬ ‫تقـــديره ‪:‬‬ ‫ويقدّر مهر المثل بالنظر لقرباء المرأة بالنسب من جهة أبيها ‪.‬‬ ‫فيراعي في المرأة المطلوب مهر مثلها أقرب مَن تنتسب إليه من نساء العصبة ‪.‬‬ ‫وأقربهنّ ‪ :‬أخت لبوين ‪ ،‬ثم لب ‪ ،‬ثم بنات أخ ‪ ،‬ثم عمّات ‪.‬‬ ‫كما يراعى كونهنّ مساويات لها في الصفات التي سيأتي ذكرها ‪.‬‬ ‫فإن فقدَ نساء العصبة ‪ ،‬أو لم ينكحن ‪ ،‬اعتبر مهر القرب فالقرب من أرحامها ‪ ،‬وهنّ‬ ‫أقرباؤها من جهة أمها ‪ ،‬كأم ‪ ،‬وجدّة ‪ ،‬وخالة ‪،‬وبنات أخوات ‪ ،‬لنهنّ أولى من الجنبيات ‪.‬‬

‫‪73‬‬

‫فإن فقدت القريبات من جهة الم أعتبر مثلها من الجنبيات في بلدها ‪ ،‬ممّن يساويها في‬ ‫الصفات التية ‪.‬‬ ‫الصفات المعتبرة في تقدير مهر المثل ‪:‬‬ ‫ثم يعتبر في تقدير مهر المثل مع النسب المساواة في الصفات التالية ‪:‬‬ ‫السن ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والجمال ‪ ،‬واليسار ‪ ،‬والعفّة ‪ ،‬والدين ‪ ،‬والتقوى ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬والبكارة ‪،‬‬ ‫والثيوبة ‪ ،‬وكل ما اختلف به غرض صحيح ‪ ،‬لن المهور تختلف باختلف هذه الصفات ‪.‬‬ ‫دليل مشروعية مهر المثل ‪:‬‬ ‫ويستدل لثبوت مهر المثل وتقريره ‪ :‬بما رواه أبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬فيمن تزوج ولم‬ ‫يسمّ صداقا حتى مات ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2114 :‬والترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الرجل يتزوج‬ ‫المرأة فيموت عنه قبل أن يفرض لها ‪ ،‬رقم ‪ ) 1145 :‬بسند حسن صحيح ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬عن‬ ‫أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ‪ ،‬ولم يفرض لها مثل صداقا ولم نسائها ‪ ،‬ول‬

‫عبدال بن مسعود‬

‫َو ْكسَ ‪ ،‬ول شَطَطَ ‪ ،‬وعليها الع ّدةُ ‪ ،‬ولها الميراثُ ‪ ،‬فقام معقل بن منّا ‪ ،‬مثل الذي قضيتَ ‪ ،‬ففرح‬ ‫بها ابن مسعود‬

‫‪.‬‬

‫موجبات مهر المثل ‪:‬‬ ‫ويجب مهر المثل للسباب التالية ‪:‬‬

‫أ ـ إذا كان عقد النكاح فاسدا ‪ ،‬وذلك كأن فَقَدَ العقد شرطا من شروط صحته ‪ ،‬كأن تزوجت‬ ‫من غير شهود ‪ ،‬أو من غير وليّ ‪ .‬ثم تبع ذلك العقد الفاسد دخول بالزوجة ‪ .‬فإنه يجب لها‬ ‫مهر المثل ‪ ،‬لفساد العقد والمسمى ‪ ،‬مع وجوب التفريق بينهما ‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫ويقدّر مهر المثل وقت الدخول بها ‪ ،‬ل وقت العقد عليها ‪ ،‬لن العقد الفاسد ل اعتبار له‬ ‫ب ـ إذا فسخ المهر بسبب الخلف بين الزوجين في تسميته ‪ ،‬أو مقداره ‪ .‬فإذا اختلف الزوج‬ ‫والزوجة في تسمية المهر ‪ ،‬فقالت الزوجة ‪ :‬سمّيت لي مهرا في العقد ‪ ،‬وقال الزوج ‪ :‬لم‬ ‫أسَم مهرا ‪ ،‬حلفت الزوجة على ما تدّعي ‪ ،‬وحلف الزوج على ما يدّعي ‪ ،‬ثم يفسخ المهر ‪،‬‬ ‫ويجب مهر المثل ‪.‬‬ ‫كذلك إذا اختلفا في مقدار المهر ‪ ،‬فقالت الزوجة ‪ :‬إن ألفان ‪ ،‬وقال الزوج ‪ :‬إنه ألف ‪،‬‬ ‫فإنهما يتحالفان ‪ ،‬ويفسخ المهر ‪ ،‬ويجب مهر المثل ‪.‬‬ ‫ج ـ إذا سمي المهر تسمية فاسدة ‪:‬‬ ‫ويكون فساد في مسائل نذكر منها ما يلي ‪:‬‬ ‫المسألة الولى ‪ :‬أن يكون المهر المسمى غير مال شرعا ‪ :‬كخمر ‪ ،‬وخنزير ‪ ،‬وآلة لهو ‪ ،‬و‬ ‫نحو ذلك مما ل يُعدّ مالً في عُرف الشرع ‪ ،‬لن الشرع أوجب أن يكون المهر مالً ‪ ،‬أو مقابلً‬ ‫بمال ‪ ،‬وهذه ليست مالً شرعا ‪.‬‬ ‫المسألة الثانية ‪ :‬أن يكون المال الذي سمّاه مهرا غير مملوك له ‪ :‬كأن أصدقها سجادة مغصوبة‬ ‫المسألة الثالثة ‪ :‬أن ينكح امرأتين أو أكثر بمهر واحد ‪ ،‬فإن النكاح صحيح ‪ ،‬والمهر فاسد ‪،‬‬ ‫ويجب مهر المثل لكل واحدة ‪ ،‬للجهل بما يخصّ كل واحدة من المهر عند العقد ‪.‬‬ ‫المسألة الرابعة ‪ :‬أن يزوّج الوليّ صغيرا بأكثر من مهر المثل من مال الصبي ‪ ،‬أو أن يزوّج‬ ‫صغيرة ‪ ،‬أو بكرا كبيرة بغير إذنها بأقل من مهل المثل ‪ ،‬فإن المهر يفسد في ذلك ‪،‬‬ ‫ويجب مهر المثل ‪ ،‬لن الوليّ مأمور بفعل ما فيه المصلحة لهما ‪ ،‬والمصلحة منتقية هنا ‪.‬‬ ‫‪75‬‬

‫المسألة الخامسة ‪ :‬المفّوضة ‪ :‬وهي أن تقول امرأة رشيدة ـ بكرا كانت أو ثيبا ـ لوليّها ‪:‬‬ ‫زوّجني بل مهر ‪ ،‬فزوجها وليها ونفي المهر ‪ ،‬أو زوجها وسكت عن المهر ‪ ،‬فإنه يجب‬ ‫لها مهر المثل ‪ ،‬ولكن ل بنفس العقد ‪ ،‬وإنما بالدخول بها ‪ ،‬لن الدخول بها ل يُباح‬ ‫بالباحة ‪ ،‬لما فيه من حق ال عز وجل ‪ ،‬ويعتبر مهر المثل عند العقد ‪ ،‬ل عند الدخول ‪.‬‬ ‫ولها أن تطالب الزوج أن يفرض لها مهرا قبل الدخول ‪ ،‬وأن تحبس نفسها عنه‬ ‫حتى يفرض لها مهر مثلها ‪.‬‬ ‫المسألة السادسة ‪ :‬أن يشترط في عقد الزواج أن يكون جزء من المهر لغير الزوجـة ‪ :‬كأبيها‬ ‫‪ ،‬أو أخيها ‪ ،‬فإن النكاح صحيح ‪ ،‬والمهر فاسد ‪ ،‬ويجب لها مهر المثل ‪.‬‬ ‫تنبيـــه‪:‬‬ ‫الشروط في عقد النكاح على ثلثة أقسام ‪:‬‬ ‫القسم الول ‪ :‬أن يكون الشرط موافقا لمقتضى النكاح ‪ :‬كأن شرطت عليه أن ينفق عليها‬ ‫‪ ،‬وأن يقسم لها ‪.‬‬ ‫فهذا الشرط لغو ‪ ،‬وعقد النكاح والمهر المسمى صحيحان ‪.‬‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬أن يكون الشرط مخالفا لمقتضى النكاح ‪ ،‬لكنه غير مُخلّ بمقصود النكاح‬ ‫الصلي وهو الوطء ‪ ،‬كأن تشترط عليه في عقد الزواج أن ل يتزوج عليها ‪ ،‬أو يشترط عليها أن‬ ‫ل ينفق عليها ‪.‬‬ ‫فإن عقد النكاح صحيح لعدم الخلل بمقصوده الصلي ‪ ،‬والشرط فاسد ‪ ،‬سواء كان له ‪،‬‬ ‫أو لها ‪ .‬لقوله‬

‫‪ " :‬كل شرط ليس في كتاب ال فهو باطل ‪.‬‬ ‫‪76‬‬

‫رواه البخاري ( المساجد ‪ ،‬باب ‪ :‬ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪. ) 444‬‬ ‫ويفسد المهر أيضا تبعا لفساد الشرط ‪ ،‬لن الرضا بالمهر قد علّق على شرط ‪ ،‬فلما فسد‬ ‫الشرط فسد المهر ‪ ،‬لنتقاء الرضا بالمهر بغير ما شُرط فيه ‪.‬‬ ‫القسم الثالث ‪ :‬أن يكون الشرط مخلً بمقصود النكاح الصلي ‪ ،‬وهو الوطء ‪ :‬كأن‬ ‫شرطت عليه في العقد أن ل يطأها ‪ ،‬أو أن يطلقها بعد النكاح ‪.‬‬ ‫فالنكاح باطل ‪ ،‬لن هذا الشرط ينافي مقصود النكاح ‪ ،‬فيبطله ‪.‬‬

‫المتــعة‬ ‫تعريف المتعة ‪:‬‬ ‫المتعة ـ بضم الميم ـ مشتقة من المتاع ‪ ،‬وهو ما يستمتع به وينتفع به ‪.‬‬ ‫والمراد بها هنا ‪ :‬مال يجب على الزوج دفعه لمرأته المُفارِقة له بطلق ‪ ،‬أو فراق ‪.‬‬ ‫لمن تجب المتعة ‪:‬‬ ‫المتعة واجبة للمرأة في الحالت التالية ‪:‬‬ ‫طلٌّقت بعد الدخول بها ‪.‬‬ ‫أ ـ إذا ُ‬ ‫طلّقت قبل الدخول بها ‪ ،‬ولم يكن سمّي لها مهر في عقد الزواج ‪.‬‬ ‫ب ـ إذا ُ‬ ‫ج ـ إذا حكم بفراقها لزوجها ‪ ،‬وكان الفراق بسبب منه ‪ ،‬كردّته ‪ ،‬ولعانه ‪ ،‬وكان هذا‬ ‫الفراق قد وقع بعد الدخول ولكن بشرط أن ل يكون قد سمي لها مهر في عقد الزواج ‪.‬‬

‫‪77‬‬

‫أما المرأة المطلّقة قبل الدخول ‪ ،‬وقد سمي لها مهر في عقد الزواج ‪ ،‬فل متعة لها ‪،‬‬ ‫لنها قد نالت نصف المهر ‪ ،‬وهي لم تبذل لزوجها شيئا بعد ‪.‬‬ ‫دليل وجوب المتعة ‪:‬‬ ‫أما دليل المتعة ذكرنا فهو قوله عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫طلّ ْقتُ ُم النّسَاء مَا لَمْ‬ ‫عَل ْيكُمْ إِن َ‬ ‫جنَاحَ َ‬ ‫لّ ُ‬

‫علَى ا ْلمُ ْق ِترِ قَ ْد ُرهُ َمتَاعا بِا ْل َم ْعرُوفِ‬ ‫علَى ا ْلمُوسِعِ قَ َد ُرهُ وَ َ‬ ‫َتمَسّوهُنّ َأوْ تَ ْف ِرضُواْ َلهُنّ َفرِيضَةً َو َم ّتعُوهُنّ َ‬ ‫سنِينَ‬ ‫علَى ا ْلمُحْ ِ‬ ‫حَقّا َ‬

‫[ البقرة ‪ ] 236 :‬وقال تعالى ‪:‬‬

‫علَى‬ ‫طلّقَاتِ َمتَاعٌ بِا ْل َم ْعرُوفِ حَقّا َ‬ ‫َوِل ْلمُ َ‬

‫ا ْل ُمتّقِينَ‬ ‫[ البقرة ‪. ] 241 :‬‬ ‫مقدار المتعة ‪:‬‬ ‫عند تقدر المتعة إما أن يتفق الزوجان على مقدارها ‪ ،‬وإما أن يختلفا ‪:‬‬ ‫فإن اتفقنا على مقدار معين من المال ـ قل ذلك المال أو كثر ـ كان ذلك لها ‪ ،‬وصحّت‬ ‫المتعة على ما اتفقنا عليه ‪.‬‬ ‫وإن اختلفا في تقديرها ‪ ،‬فإن القاضي هو الذي يتولى تقديرها ‪ ،‬معتبرا حالهما ‪ :‬من يسار‬ ‫الزوج وإعساره ‪ ،‬ونسب الزوجة وصفاتها ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬ ‫علَى ا ْلمُ ْق ِترِ قَ ْد ُرهُ‬ ‫وَ َ‬

‫[ البقرة ‪ ] 236 :‬وقال عزّ وجل ‪:‬‬

‫علَى ا ْلمُوسِعِ قَ َد ُرهُ‬ ‫َو َم ّتعُوهُنّ َ‬

‫طلّقَاتِ َمتَاعٌ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬ ‫َوِل ْلمُ َ‬

‫[البقرة ‪:‬‬

‫‪] 241‬‬ ‫لكن يستحبّ في المتعة أن ل تنقص علن ثلثين درهما ‪ ،‬أو ما قيمته ذلك ‪ ،‬وأن ل تلغ‬ ‫نصف مهر المثل ‪.‬‬ ‫‪78‬‬

‫الحكمة من تشريع المتعة ‪:‬‬ ‫والحكمة من تشريع المتعة تطييب قلب المرأة المطلقة ‪ ،‬عند مفارقتها بيت الزوجية ‪،‬‬ ‫والتخفيف من استيحاشها بسبب ما يلحقها من مفارقة زوجها ‪ ،‬وكسر حدّة اللم والكراهية التي قد‬ ‫يسببهما هذا الفراق ‪.‬‬

‫ثانيا ً ـ المغالة في المهور‬

‫يجعل كثير من الناس المهر كثمن للمرأة ‪ ،‬ويظن أن المغالة فيه إشعار برفعة أُسرتها ‪،‬‬ ‫وعظيم منزلتها ‪ ،‬فذلك يشتطّون في مقدار المهر ‪ ،‬ويغالون في تكبيره وتكثيره إظهارا منهم‬ ‫لقيمة المخطوبة ‪ ،‬وتعزيزا لمكانة أسرتها ‪ ،‬ومفاخرة على أمثالها في تجهيزها ‪ ،‬وأثاث بيتها ‪.‬‬ ‫لقد غاب عن خاطر هؤلء أن المهر ل يعني شيئا من هذا أبدا ‪ .‬وإنما هو رمز لصدق‬ ‫طيّة لتكريم المرأة والتودّد إليها في بناء الحياة الزوجية الكريمة ‪.‬‬ ‫الرغبة في الزواج ‪ ،‬وع ِ‬ ‫كما غاب عن خاطرهم المفاسد الجتماعية التي تنجم عن هذا الشَطط الممقوت ‪،‬‬ ‫والضرر الذي يصيب المجتمع ‪ ،‬والرجل والمرأة نفسها ‪ ،‬كنتيجة لهذا الغلو البشع ‪.‬‬ ‫وغاب عن خاطرهم أيضا ‪ :‬أنهم يخالفون سنّة النبي‬

‫يسلكون غير طريق البَركَة التي‬

‫يسببّها يُسْر المهر وبساطته ‪.‬‬ ‫ـ أما المفاسد الجتماعية التي تنجم عن المغالة في المهور فكثيرة نذكر بعضا منها ‪:‬‬

‫‪79‬‬

‫إن المغالة في المهور تصرف الشباب عن الزواج ‪ ،‬ولسيما الفقراء منهم ‪ ،‬وتحول‬ ‫بينهم وبين الزواج ‪ ،‬مما يجعلهم يسيرون في طريق الشيطان ‪ ،‬ويلجؤون إلى الفاحشة ‪،‬‬ ‫ويبحثون عن الرذيلة ‪ ،‬فيتبدل الصلح فسادا ‪ ،‬والطمأنينة ثورة ‪ ،‬فتتلوّث الغراض ‪ ،‬وتختلط‬ ‫النساب ‪ ،‬وتكثر المراض ‪.‬‬ ‫ولو كان للشباب أزواج يعففنهم لحفظوا أخلقهم ‪ ،‬وحصّنوا دينهم ‪ ،‬وضمنوا لمجتمعهم‬ ‫السلمة من الثم والفجور ‪.‬‬ ‫ـ وأما المفاسد التي تصيب المرأة نفسها كنتيجة للمغالة فيكفي أن نذكر منها ‪:‬‬ ‫إن كثيرا من النساء سوف يبقين عوانس محرومات من أخص ما تتطلبه فطرتهنّ ‪،‬‬ ‫وتهفوا نحوه نفوسهنّ ‪ ،‬وسيظللن يشعر بفراغ مؤرق يقض مضاجعهنّ ‪ ،‬ويشتقن إلى البيت‬ ‫الذي يقضي على وساوسهنّ ‪ ،‬ويُشعرهنّ بنعمة الهدوء والستقرار ‪ ،‬فل يجدنه ‪ ،‬ول يظفرن به‬ ‫‪ ،‬لن آباءهن طلبوا مهورا أعجز الكثير من خّطابهنّ ‪.‬‬ ‫هذا إذا لم يخرجن إلى الطرقات يعرضن فتنتهنّ ‪ ،‬ويفسدن مجتمعهنّ ‪.‬‬ ‫أما إذا خرجن ـ كما هو الغالب على هؤلء العوانس ـ فالضرر عليهنّ أبلغ ‪ ،‬والكارثة‬ ‫أعمّ وأفدح ‪.‬‬ ‫ـ أما مخالفة السنّة النبوية ‪ ،‬فلنستمع إلى ما يقوله النبي‬

‫في المهر ‪:‬‬

‫روى أحمد ( ‪ ) 6/82‬عن السيدة عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ ":‬إن‬

‫أعظم النكاح بركة أيسره مَؤونةً " ‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫وروى عمر بن الخطاب‬

‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫سرُه " رواه أبو داود‬ ‫" خيرُ النكاح أي َ‬

‫( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في التزويج على العمل يعمل ‪ ،‬رقم ‪ ) 2117 :‬والحاكم وصححه ‪.‬‬ ‫فل بركة إذا ول خير إذا أصبح المهر تجارة يطلب من ورائها الثراء ‪ ،‬ووسيلة للمكاثرة‬ ‫والمفاخرة بين القران ‪.‬‬ ‫وروى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬كيف يدعى للمتزوج ‪ ،‬رقم ‪ ) 4860 :‬ومسلم ( النكاح‬ ‫‪ ،‬باب ‪ :‬الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب‬ ‫كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف به ‪ ،‬رقم ‪ ) 1427 :‬عن أنس بن مالك‬

‫أثر صُفوة ‪ ،‬فقال‬

‫‪ " :‬ما هذا " ؟ قال ‪ :‬تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب ‪ ،‬قال ‪ " :‬بارك ال لك ‪ ،‬أولِمْ ولو‬ ‫بشاة " ‪.‬‬ ‫[ أثر صفوة ‪ :‬أي صبغ على ثوبه ‪ .‬نواة ‪ :‬بزرة التمر ]‪.‬‬ ‫لقد دعا له بالبركة كثرة الخير ـ والبركة كثرة الخير ‪ -‬في هذا الزواج وما كان المهر‬ ‫فيه إل وزن نواة من التمر ‪.‬‬ ‫فما هو نصيب هؤلء المُغالين من هذه البركة ؟‬ ‫وعن أبي العوجاء قال ‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب‬

‫يقول ‪ :‬ل تغلو صُدُقَ النساء ‪ ،‬فإنها‬

‫لو كانت مكرُمة في الدنيا ‪ ،‬أو تقوى في الخرة ‪ ،‬لكان أولكم بها النبي‬

‫ما أصدق رسول ال‬

‫امرأة من نسائه ‪ ،‬ول أصْدِقت امرأة من بناته ‪ ،‬أكثر من ثنتي عشرة أُوقية ‪.‬‬ ‫رواه الخمسة ‪ ،‬وصححه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في مهور النساء ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪. ) 1114‬‬ ‫‪81‬‬

‫والخلصة ‪ :‬أن المغالة في المهور مكروهة شرعا ‪ ،‬وأن اليُسْر في المهور مندوب ‪ ،‬ومن‬ ‫أسباب البركة والخير للرجال والنساء ‪ ،‬والمجتمع ‪.‬‬ ‫معنى الزواج ‪:‬‬

‫عقد الزواج وما يترتب عليه‬

‫الزواج في اللغة ‪ :‬هو القتران ‪ ،‬والختلط ‪ .‬يقال ‪ :‬زوج فلن إبله ‪ :‬أي قرن بعضها‬ ‫ببعض ‪ .‬ويقال ‪ :‬زوجه النوم ‪ :‬أي خالطه ‪ .‬ومنه قول ال عز وجل ‪:‬‬ ‫جهُمْ‬ ‫َوَأ ْزوَا َ‬

‫ظَلمُوا‬ ‫شرُوا الّذِينَ َ‬ ‫احْ ُ‬

‫[ الصدقات ‪ ] 22 :‬أي قرناءهم ‪.‬‬

‫والزواج في الشرع ‪ :‬عقد يتضمن إباحة استمتاع كلّ من الزوجين بالخر على وجه‬ ‫مشروع ‪.‬‬ ‫أنواع الزواج ‪:‬‬ ‫الزواج نوعان ‪ :‬زواج باطل ‪ ،‬وزواج صحيح ‪.‬‬ ‫أما الزواج الباطل ‪ :‬فهو الذي فقدَ ركنا من أركانه ‪ ،‬أو شرطا من شروط صحته ‪.‬‬ ‫وهذا الزواج ل حكم له إل الحرمة ‪ ،‬ول يترتب عليه أيّ أثر من آثار الزواج ‪ ،‬اللّهمّ إل‬ ‫مهر المثل في بعض صور البُطلن ‪.‬‬ ‫كما إذا تزوج من غير وليّ للزوجة ‪ ،‬ودخل بها ‪.‬‬ ‫قال رسول ال‬

‫‪ " :‬أيما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحُها باطل ـ ثلثا ـ فإن‬

‫دخل بها فهل مهر المثل بما اسحل من فرجها " ‪.‬‬ ‫رواه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ل نكاح إلى بولي ‪ ،‬رقم ‪) 1102‬‬

‫‪82‬‬

‫وأما الزواج الصحيح ‪ :‬فهو الذي استوفى أركانه ‪ ،‬وشروط صحته ‪ ،‬وهذا الزواج هو‬ ‫الذي تترتب عليه آثاره التي ذكرها‪.‬‬ ‫أحكام عقد الزواج ‪:‬‬ ‫لعقد الزواج أحكام كثيرة ‪ ،‬وقد مرّت عند بحثنا عن النكاح وأركانه ‪ ،‬فلتُراجع هناك ‪.‬‬ ‫ما يترتب على عقد الزواج الصحيح من حقوق وواجبات ‪:‬‬ ‫إذا وقع عقد الزواج صحيحا تترتب عليه كثر من الحقوق والواجبات المتقابلة بين‬ ‫الزوجين ‪.‬‬ ‫وهذه الحقوق والواجبات لكل واحد منها بحث خاص به يُذكر في مكانه ‪.‬‬ ‫ولكنّا نكتفي هنا أن نعدّها مع ذكر الدليل لكل واحد منها ‪ ،‬ونُحيل تفاصيلها إلى مواضعها‬ ‫الخاصة بها ‪.‬‬ ‫وهذه الحقوق والواجبات هي ‪:‬‬ ‫أ ـ حلّ استمتاع كلّ من الزوجين بالخر على الوجه المشروع ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬ ‫ش ْئتُمْ‬ ‫ح ْر َثكُمْ َأنّى ِ‬ ‫ح ْرثٌ ّلكُمْ فَ ْأتُواْ َ‬ ‫نِسَآ ُؤكُمْ َ‬

‫[ البقرة ‪. ] 223 :‬‬

‫ب ـ وجوب متابعة المرأة لزوجها ‪ ،‬وطاعتها له ‪ ،‬وتمكينها له من نفسها ‪ ،‬ومحافظتها‬ ‫على بيته ‪.‬‬ ‫روى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم امتناعها من فراش زوجها ‪ ،‬رقم ‪، ) 1436‬‬ ‫والبخــاري ( النكاح باب ‪ :‬إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها ‪ ،‬رقم ‪ )4879 :‬عن أبي‬

‫‪83‬‬

‫هريرة‬

‫عن النبي‬

‫قال ‪ " :‬إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملئكة حتى‬

‫تصبح ) ‪.‬‬ ‫وفي رواية أخرى ‪ ( :‬إذا دعا الرجل امرأتَه إلى فراشه ‪ ،‬فلم تأته ‪ ،‬فبات غضبان‬ ‫عليها ‪ ،‬لعنتها الملئكةُ حتى تُصبِح ) ‪.‬‬ ‫وقال‬

‫في خطبة حجة الوداع ‪ " :‬ولكم عليهنّ أل يوطئن ُفرُشكم أحدا تكرهونه " ‪.‬‬

‫رواه مسلم من حديث طويل ( الحج ‪ ،‬باب ‪ :‬حجة النبي‬ ‫ج ـ المهر ‪ ،‬وهو حق للزوجة على زوجها‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫رقم ‪ ) 1218 :‬وغيره ‪.‬‬ ‫حلَةً‬ ‫وَآتُو ْا النّسَاء صَدُقَا ِتهِنّ نِ ْ‬

‫[ النساء ‪. ] 4 :‬‬ ‫د ـ النفقة ‪ ،‬وقد أجمع المسلمون على أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها ‪ .‬قال ال عز جل ‪:‬‬ ‫س َو ُتهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬ ‫وَعلَى ا ْل َم ْولُودِ لَهُ ِرزْ ُقهُنّ َوكِ ْ‬

‫[ البقرة ‪ . ] 223 :‬وقال تعالى ‪:‬‬

‫عَل ْيهِنّ َ [ الطلق ‪:‬‬ ‫ضيّقُوا َ‬ ‫سكَنتُم مّن وُجْ ِدكُمْ َولَا ُتضَارّوهُنّ ِل ُت َ‬ ‫ح ْيثُ َ‬ ‫س ِكنُوهُنّ مِنْ َ‬ ‫أَ ْ‬ ‫‪]6‬‬ ‫وقال رسول ال‬

‫في خطبة حجة الوداع ‪ " :‬ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف "‬

‫‪ .‬رواه مسلم ‪ ) 1218‬وغيره والنفقة تشمل الطعام والشـراب ‪ ،‬والكسوة والمسكن ‪ ،‬وسيـأتي‬ ‫تفصـيل ذلك إن شاء ال تعالى ‪:‬‬ ‫هـ ـ القسم بين الزوجات ‪ ،‬إن كان للزوج أكثر من زوجة واحدة ‪ ،‬كما سيأتي ‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫قال رسول ال‬

‫‪ ":‬إذا كان الرجل امرأتان ‪ ،‬فلم يعدل بينهما ‪ ،‬جاء يوم القيامة وشقه‬

‫ساقط " ‪.‬‬ ‫رواه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في التسوية بين الضرائر ‪ ،‬رقم ‪، )1141 :‬‬ ‫وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬القسمة بين النساء ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 1969 :‬وأبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪:‬‬ ‫في القسم بين النساء ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2123 :‬عن أبي هريرة‬

‫‪.‬‬

‫وروى الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في التسوية بين الضرائر ‪ ،‬رقم ‪ )1140 :‬وأبو‬ ‫داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في القسم بين النساء ‪ ،‬رقم ‪ ) 2134 :‬وغيرهما ‪ :‬عن عائشة رضي ال‬ ‫عنها ‪ :‬أن النبي‬

‫كان يقسم بين نسائه ‪ ،‬فيعدل ‪ ،‬ويقول ‪ " :‬اللهمّ هذه قسمتي فيما أملك ‪ ،‬فل‬

‫تلمني فيما تملك ول أملك "‪.‬‬ ‫[ هذه قسمتي ‪ :‬أي في المبيت والنفقة ‪ .‬فل تلمني فيما تملك ول أملك ‪ :‬أي في الحب‬ ‫والمودّة ] ‪.‬‬ ‫و ـ النسب ‪ ،‬ويثبت بالزواج بعد الدخول تسب الولد إلى أبيهم ‪ ،‬إذا جاءت بهم الزوجة‬ ‫ضمن مدة الحمل المعروفة ‪ :‬وأقلها ستة أشهر ‪ ،‬وأكثرها أربع سنين ‪.‬كما مرّ ‪ .‬فولد كل‬ ‫زوجة في زواج صحيح ينسب إلى زوجها ‪ .‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬الولد للفراش ‪ ،‬وللعاهر‬

‫الحجر"‬ ‫رواه مسلم ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬الولد للفراش وتوقي الشبهات ‪ ،‬رقم ‪. )1457 :‬‬ ‫[ والمراد بالفراش ‪ :‬حالة قيام الزوجية ‪ .‬وللعاهر الحجر ‪ :‬أي الزاني له الخيبة ‪ ،‬ول حقّ‬ ‫له في الولد ] ‪.‬‬ ‫‪85‬‬

‫ز ـ التوارث بين الزوجين بشروطه المعروفة في باب الرث ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬ ‫جكُمْ إِن لّمْ َيكُن ّلهُنّ َولَدٌ َفإِن كَانَ َلهُنّ َولَدٌ َفَلكُ ُم ال ّربُعُ ِممّا َت َركْنَ‬ ‫صفُ مَا َت َركَ َأ ْزوَا ُ‬ ‫َوَلكُمْ ِن ْ‬ ‫ن ال ّربُعُ ِممّا َت َر ْكتُمْ إِن لّمْ َيكُن ّلكُمْ َولَدٌ فَإِن كَانَ َلكُمْ‬ ‫صيّةٍ يُوصِينَ ِبهَا َأوْ َديْنٍ َوَلهُ ّ‬ ‫مِن َبعْدِ َو ِ‬ ‫صيّةٍ تُوصُونَ ِبهَا َأوْ َديْنٍ‬ ‫َولَدٌ َفَلهُنّ ال ّثمُنُ ِممّا َت َر ْكتُم مّن َبعْدِ َو ِ‬

‫[ النساء ‪. ] 12 :‬‬

‫سنن عقد النكاح ‪:‬‬ ‫ولعقد الزواج سنن يستحبّ التيان بها تعظيما لهذا العقد ‪ ،‬وإظهارا له ‪.‬‬ ‫ومن هذه السنن ما يلي ‪:‬‬

‫أ ـ الخطبة قُبيل عقد الزواج ‪ ،‬وهذه الخطبة مستحبة من قبل الزوج أو نائبه ‪ ،‬وذلك لما روي‬ ‫عن عبدال بن مسعود‬

‫موقوفا ومرفوعا قال ‪ ( :‬إذا أراد أحدُكم أن يخطُب لحاجة من‬

‫نكاح وغيره فليقل …) إلى آخر الحديث ‪ ،‬وقد مرّ في بحث الخطبة ‪ ،‬فارجع إليه هناك‬ ‫ب ـ الدعاء للزوجين ‪ ،‬ويسنّ الدعاء للزوجين عند الزواج ‪ ،‬وذلك لما روى أبو هريرة‬ ‫أن النبي‬

‫‪:‬‬

‫كان إذا رفّأ إنسانا إذا تزوج قال ‪ " :‬بارك ال لك ‪ ،‬وبارك عليك ‪ ،‬وجمع‬

‫بينكما في الخير " ‪.‬‬ ‫رواه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء فيما يُقال للمتزوج ‪ ،‬رقم ‪ ) 1091 :‬وأبو داود‬ ‫( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما يُقال للمتزوج ‪ ،‬رقم ‪ ) 2130 :‬وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب‪ :‬تهنئة النكاح ‪،‬‬ ‫رقم ‪. ) 1905 :‬‬ ‫[ ومعنى رفّأ ‪ :‬دعا له بالرّفاء ‪ ،‬أي اللتئام وجمع الشمل ] ‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫ج ـ إعلن عقد الزواج ‪ ،‬وإظهار الفرح فيه بضرب الدف ‪ ،‬ويستحب إعلن عقد الزواج ‪،‬‬ ‫واجتماع الناس عليه ‪ ،‬ويكره إسراره ‪.‬‬ ‫كما يستحب إظهار الفرح ‪ ،‬وضرب الدف ‪ ،‬والغناء الطيب الذي يتضمن المعنى الحسن‬ ‫الكريم ‪.‬‬ ‫روى ابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إعلن النكاح ‪ ،‬رقم ‪ ) 1895 :‬عن عائشة رضي ال‬ ‫عنها قالت ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬أعلنوا هذا النكاح ‪ ،‬واضربوا عليه بالغُربال " أي الدف ‪.‬‬

‫وروى الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في إعلن النكاح ‪ ،‬رقم ‪ ) 1088 :‬وغيره ‪:‬‬ ‫أن النبي‬

‫قال ‪ " :‬فصل ما بين الحرام والحلل الدفّ والصوت " ‪.‬‬

‫وقال‬

‫‪ ":‬أعلنوا هذا النكاح ‪ ،‬واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف " ‪.‬‬

‫رواه الترمذي ( الموضع السابق ‪ ،‬رقم ‪. ) 1089 :‬‬ ‫وكذلك يسنّ الفرح ‪ ،‬وإظهار البهجة ‪ ،‬واللهو الشريف البريء ‪.‬‬ ‫روى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬النسوة اللتي يهدين المرأة إلى زوجها ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ) 4867‬عن عائشة رضي ال عنهما ‪ :‬أنها زَفّت امرأة إلى رجل من النصار ‪ ،‬فقال النبي‬ ‫‪ " :‬يا عائشة ‪ ،‬ما كان معكم من لهو ؟ فإن النصار يعجبهم اللهو " ‪.‬‬ ‫أما الغناء الذي فيه مجون ‪ ،‬وفجور وشرور ‪ ،‬ووصف للمحاسن والفاتن ‪ ،‬وإثارة‬ ‫للشهوات والغرائز ‪ ،‬فإنه حرام بل شك ‪ ،‬في العراس وغيرها ‪.‬‬ ‫د ـ الدعاء عند الدخول على الزوجة ‪ ،‬ويستحب عند الدخول على الزوجة ‪ ،‬والعزم على‬ ‫جماعها ‪ ،‬بأن يقول ‪ :‬بسم ال ‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ‪.‬‬ ‫‪87‬‬

‫روى البخاري ( الوضوء ‪ ،‬باب ‪ :‬التسمية على كل حال وعند الوقاع ‪ ،‬رقم ‪) 141 :‬‬ ‫مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما يستحب أن يقول عند الجماع ‪ ،‬رقم ‪ ) 1434 :‬عن ابن عباس رضي‬ ‫ال عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬لو أن أحدهم إذا أراد أنْ يأتيَ أهلَه قال ‪:‬بسم ال ‪ ،‬اللّهم‬

‫جنّبنا الشيطان ‪ ،‬وجنب الشيطان ما رزقتنا ‪ ،‬فإنه إن يُقَدّر بينهما ولد في ذلك لم يضرهّ شيطان‬ ‫أبدا " ‪.‬‬ ‫هـ ـ الوليمة ‪ ،‬وهي مسنونة ‪ ،‬وسنتحدّث عنها بشيء من التفصيل ‪.‬‬ ‫معنى الوليمة ‪ :‬الوليمة مشتقة من ال َولْم ‪ ،‬وهو الجتماع ‪ ،‬وسمّيت بذلك لن الزوجين‬ ‫يجتمعان فيها ‪.‬‬ ‫قال في القاموس ‪ :‬الوليمة طعام العرس ‪ ،‬أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها ‪ ،‬وأولم ‪:‬‬ ‫صنع الوليمة ‪.‬‬ ‫حكم الوليمة ‪ :‬الوليمة للعرس سنّة مؤكدة ‪ ،‬لثبوتها عن النبي‬

‫قولً وفعلً ‪.‬‬

‫فقد روى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬من أولم بأقل من شاة ‪ ،‬رقم ‪ ) 4877 :‬أن النبي‬

‫أولم‬

‫على بعض نسائه بمدين من شعير ‪.‬‬ ‫وروى الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الوليمة ‪ ،‬رقم ‪ ) 1095 :‬أن النبي‬

‫أولَمَ على‬

‫صفية بنت حُيي رضي ال عنها بسويق وتمر ‪.‬رواه داود ( الطعمة ‪ ،‬باب ‪ :‬في استحباب الوليمة‬ ‫عند النكاح ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 3744 :‬وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الوليمة ‪ ،‬رقم ‪. ) 1909 :‬‬ ‫وروى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬زواج زينب ‪ ..‬وإثبات وليمة العرس ‪ ،‬رقم ‪ ) 1428 :‬أن‬ ‫النبي‬

‫أولم على زينب رضي ال عنها بخبز ولحم ‪ .‬وأنه‬

‫قال لعبد الرحمن بن عوف رضي ال‬ ‫‪88‬‬

‫عنه ‪ " :‬أولم ولو بشاة " ‪ ،‬رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الوليمة ولو بشاة ‪ ،‬رقم ‪، ) 4872 :‬‬ ‫ومسلم ( النكاح ‪ ،‬باب‪ :‬الصداق وجواز كونه تصليح قرآن …‪ ،‬رقم ‪. ) 1472‬‬ ‫وقد حمل العلماء فعله‬

‫وقوله على الندب ‪.‬‬

‫مقدار الوليمة ‪ :‬وأقل الوليمة للموسر شاة ‪ ،‬ول حدّ لكثرها ‪ ،‬ولغيره ما قدر عليه من‬ ‫الطعام ‪.‬‬ ‫وقت الوليمة ‪ :‬ووقت وليمة العرس موسّع من حين العقد إلى ما بعد الدخول ‪ ،‬وإن كان‬ ‫الفضل فعلها بعد الدخول ‪ ،‬لن النبي‬ ‫أحاديث زواجه‬

‫‪ :‬أصبح النبي‬

‫لم ي ِولْم على نسائه إل بعد الدخول ‪ ،‬فقد جاء في‬

‫بها عروسا ‪ ،‬فدعا القوم ‪ ..‬وهكذا ‪.‬‬

‫انظر البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الوليمة حق ) ‪ ،‬ومسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬فضيلة إعتاقه‬ ‫أمة ثم يتزوجها) ‪.‬‬ ‫حكمة تشريع الوليمة ‪ :‬وحكمة تشريع وليمة العرس شكر ال عزّ وجل على ما وُفّق به‬ ‫من الزواج ‪ .‬واجتماع الناس عليه ‪ ،‬حيث إن هذا الجتماع يدعو إلى التحابب والتآلف ‪.‬‬ ‫وإظهار الزواج من السرّية إلى العلنية ‪ ،‬ليظهر الفرق بين النكاح المشروع ‪ ،‬والسفاح الممنوع‪.‬‬ ‫حكم إجابة الدعوة إلى وليمة العرس‪ :‬وإجابة دعوة وليمة العرس فرض عين على مَن‬ ‫دعي إليها ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ما رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬حق إجابة الوليمة والدعوة …‪ ،..‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ) 4878‬ومسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المر بإجابة الداعي إلى دعوة ‪ ،‬رقم ‪ ) 1429 :‬عن ابن‬ ‫عمر رضي ال عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " ‪.‬‬ ‫‪89‬‬

‫وفي رواية عند مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المر بإجابة الداعي إلى دعوة ‪ ،‬رقم ‪) 1432 :‬‬ ‫عن أبي هريرة‬

‫( ومَن لم يجب الدعوة فقد عصى ال ورسوله ) ‪.‬‬

‫شروط وجوب إجابة دعوة وليمة العرس ‪ :‬لقد شرط العلماء لوجوب إجابة دعوة وليمة‬ ‫العرس شروطا منها‪:‬‬ ‫أ ـ أن ل يخصّ صاحب الدعوة بها الغنياء وحدهم ‪ ،‬فإذا خصّهم ل تجِب إجابتها ‪.‬‬ ‫روى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المر بإجابة الداعي إلى دعوة ‪ ،‬رقم ‪ ) 1432 :‬عن أبي‬ ‫هريرة‬

‫أنه كان يقول ‪ ( :‬بئس الطعام طعام الوليمة ‪ ،‬يُدعى إليه الغنياء ‪ ،‬ويُترك المساكين ‪،‬‬

‫فمَن لم يأت الدعوة فقد عصى ال ورسوله ) ‪.‬‬ ‫ومعنى الحديث الخبار بما يقع من الناس بعده‬

‫من مراعاة الغنياء في الولئم ‪،‬‬

‫وتخصيصهم بالدعوة ‪ ،‬وإيثارهم بطيب الطعام مما هو غالب في الولئم اليوم ‪.‬‬ ‫ب ـ أن يكون الداعي مسلما ‪ ،‬والمدعو مسلما ‪ ،‬فإن كان غير ذلك فل تجب إجابة الدعوة إليها‬ ‫ج ـ أن يدعوه في اليوم الول ‪،‬إذا أولم في أكثر من يوم ‪ ،‬فإذا دعاه في اليوم الثاني استحبت‬ ‫الجابة ‪ ،‬وفي اليوم الثالث تُكره إجابتها ‪.‬‬ ‫روى الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الوليمة ‪ ،‬رقم ‪ ) 1079 :‬عن ابن مسعود‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫" طعام أول يوم حق ‪ ،‬وطعام يوم الثاني سنة ‪ ،‬وطعام يوم الثالث سُمعة‬

‫‪ ،‬ومن سمّع سمّع ال به " أي تفاخر وليسمع الناس به ‪.‬‬ ‫وروى أحمد ( ‪ ) 5/28‬وغيره ‪ :‬أن رسول ال‬

‫قال ‪ " :‬الوليمة في اليوم الول حق ‪،‬‬

‫وفي الثاني معروف ‪ ،‬وفي الثالث ريا ء وسُمعة " ‪.‬‬ ‫‪90‬‬

‫د ـ أن يدعوا للتودّد والتقرّب ‪ ،‬فإن دعاه لخوف منه ‪ ،‬أو طمع في جاهه ل تجب إجابتها ‪.‬‬ ‫هـ ـ أن ل يكون الداعي ظالما أو شريرا ‪ ،‬أو صاحب مال حرام ‪ ،‬فإن كان كذلك ل َتجِب‬ ‫إجابتها ‪.‬‬ ‫و ـ أن ل يكون هناك منكر ‪ :‬كخمر ‪ ،‬واختلط بين الرجال والنساء ‪ ،‬أو صور إنسان ‪ ،‬أو‬ ‫حيوان معلقة على الجدران ‪.‬‬ ‫قال رسول ال‬

‫‪ " :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يقعدن على مائدة يُدار عليها‬

‫الخمر " أخرجه الحاكم وصححه ‪.‬‬ ‫( المستدرك ‪ :‬الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬ل تجلسوا على مائدة يُدار عليها الخمر ‪. )4/288 :‬‬ ‫فإن كان يزول المنكر بحضوره ‪ ،‬وجب حضوره ‪ ،‬وإجابة الدعوة ‪ ،‬وإزالة المنكر ‪.‬‬ ‫الكل من طعام الوليمة ‪ :‬ل يجب على مُجيب دعوة الوليمة أن يأكل منها ‪ ،‬بل الواجب عليه أن‬ ‫يحضـر ‪ ،‬ثم إن شاء أكل ‪ ،‬وإن شاء ترك ‪.‬‬ ‫روى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المر بإجابة الداعي إلى دعوة ‪ ،‬رقم ‪ ) 1430 :‬عن جابر‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫طعِم ‪ ،‬وإن شاء ترك‬ ‫" إذا دُعي أحدكم إلى طعام فلُيجب ‪ ،‬فإن شاء َ‬

‫وقيل ‪ :‬يجب أن يأكل إل إذا كان صائما ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ‪ ،‬ما رواه مسلم ( الموضع السابق ‪ ،‬رقم ‪ ) 1431 :‬عن أبي هريرة‬ ‫قال رسول ال‬

‫قال ‪:‬‬

‫‪ " :‬إذا دُعي أحدكم فليُجب ‪ ،‬فإن كان صائماَ فليُصل ‪ ،‬وإن كان مفطرا فليطعم‬

‫"‪.‬‬

‫‪91‬‬

‫ومعنى ( ف ْليُصل ) ف ْليَدْع لهل الطعام بالمغفرة والبركة ‪ .‬والصلة في اللغة ‪ :‬الدعاء ‪ .‬قال‬ ‫تعالى ‪:‬‬

‫سكَنٌ ّلهُمْ‬ ‫ل َتكَ َ‬ ‫ن صَ َ‬ ‫عَل ْيهِمْ إِ ّ‬ ‫َوصَلّ َ‬

‫[ التوبة ‪ ] 103 :‬أي ادع لهم ‪.‬‬

‫ويستحّب لمُجيب الدعوة أن يأكل مما قُدّم له ‪ ،‬ول يتصرف فيه إل بالكل ‪.‬‬ ‫وله أن يأخذ منه إن علم رضا صاحب الدعوة‪.‬‬ ‫ويحل َنثْر سكر وغيره ‪ :‬كجوز ولوز ودنانير ودراهم على المرأة في النكاح ‪ ،‬ويحلّ‬ ‫التقاطه ‪ ،‬وتركه أولى ‪.‬‬

‫القسم بين الزوجات وما يتعلق بذلك‬

‫تعريف القسم ‪:‬‬

‫القسم ـ في اللغة ـ مصدر قسم يقسم ‪ ،‬والقسْم بكسر القاف ‪ :‬النصيب ‪.‬‬ ‫والقَسْم اصطلحا ‪ :‬أن مَن كان له أكثر من زوجه ‪ ،‬وبات عند واحدة منهنّ لزمه المبيت‬ ‫عند باقيهنّ ‪.‬‬ ‫حكم القسم بين الزوجات‪:‬‬ ‫القسم ابتداء بين الزوجات مندوب ‪ ،‬وليس بواجب ‪ ،‬فمن كان له نسوة استحبّ أن يقسم‬ ‫لهنّ ‪ ،‬ويبيت عندهنّ ‪ ،‬ول يطلهنّ ‪ ،‬وإنما لم يجب ذلك عليه ‪ ،‬لن المبيت حقه ‪ ،‬فجاز له تركه‬ ‫‪ .‬أما إذا بات عند واحدة منهنّ بقرعة ‪ ،‬أو غيرها ‪ ،‬لزمه المبيت عند الباقيات ‪ ،‬وأصبح القسم‬ ‫لهّن واجبا تحقيقا للعدل بينهنّ ‪.‬‬ ‫دليل وجوب العدل في القسم وغيره ‪:‬‬ ‫ودليل وجوب العدل في القَسْم وغيره بين النساء ‪ :‬القرآن والسنّة ‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫أما القرآن ‪ :‬فقول ال عزّ وجل ‪:‬‬

‫َإِنْ خِ ْفتُمْ أَلّ َتعْ ِدلُواْ َفوَاحِ َدةً َأوْ مَا َمَل َكتْ َأ ْيمَا ُنكُمْ‬

‫[ النساء ‪ ] 3:‬أي إن خفتم أن ل تعدلوا في القَسْم والنفاق فاقتصروا على تزوّجكم واحدة ‪.‬‬ ‫فلقد أشعرت الية بوجوب العدل في القَسْم بينهنّ ‪.‬‬ ‫وأما السنة ‪ :‬فما رواه أبو داود ( ‪ ) 2133‬والترمذي ( ‪ ) 1141‬وغيرهما عن أبي‬ ‫‪ :‬أن النبي‬

‫هريرة‬

‫قال ‪ ( :‬مَن كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما ـ وعند الترمذي ‪ :‬فلم‬

‫يعدل بينهما ـ جاء يوم القيامة وشقّه مائل ـ وعند الترمذي ‪ :‬وشقّه ساقط ) ‪ .‬وهذه عقوبة ل‬ ‫تكون إل على ترك واجب ‪.‬‬ ‫وروى أبو داود ( ‪ ، ) 2134‬والترمذي ( ‪ ) 1140‬عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪:‬‬ ‫كان رسول ال‬

‫يقسم فيعدل ‪ ،‬ويقول ‪ ( :‬اللّهمّ هذا قسمي فيما أملك ‪ ،‬فل تلمني فيما تملك ول‬

‫أملك ) ‪.‬‬ ‫أبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في القَسْم بين النساء ) ‪ ،‬والترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء‬ ‫في التسوية بين الضرائر ) ‪.‬‬ ‫من يستحق ال َقسْم ‪:‬‬ ‫ويختص بالقَسْم الزوجات ‪ ،‬ولو كانت إحداهنَ مريضة ‪ ،‬أو حائضا أو نفساء ‪ ،‬ما دمن‬ ‫من طائعات لزوجهنّ ‪.‬‬ ‫أما إذا كانت المرأة ناشزا فل تستحق القَسْم ‪ ،‬لسقاطها حقها بنشوزها ‪ ،‬وسيأتي بيان‬ ‫النشوز وحكمه ‪.‬‬

‫كيفية ال َقسْم بين الزوجات ‪:‬‬ ‫‪93‬‬

‫ويجوز للزوج أن يجعل لكل زوجة ليلة ويوما قبلها ‪ ،‬أو بعدها ‪.‬‬ ‫والصل الليل ‪ ،‬والنهار تبع له ‪ ،‬إل إذا كان الزوج يعمل ليلً ‪ :‬كحارس ‪ ،‬فإن الصل النهار ‪،‬‬ ‫والليل تبع له ‪.‬‬ ‫ن إليه ‪ ،‬كل واحدة في ليلتها‬ ‫ثم إذا كان الزوج يبيت في بيت وحده جاز له أن يدعوه ّ‬ ‫ويومها ‪.‬‬ ‫والفضل أن يدور عليهنّ في بيوتهنّ ‪.‬‬ ‫وإن كان يبيت عند واحدة منهنّ ‪ ،‬وجب عليه أن يدور عليهنّ في بيوتهنّ ‪ ،‬كل‬ ‫واحدة في ليلتها ويومها ‪.‬‬ ‫ويحرم عليه أن يبيت عند واحدة منهنّ ‪ ،‬ثم يدعوا الباقيات إليه ‪ ،‬لن إتيان بيت‬ ‫الضرائر شاق على النفس ‪.‬‬ ‫كما يحرم عليه أن يجمعهنّ في مسكن واحد بغير رضاهنّ ‪ ،‬لما يسبّبه ذلك من‬ ‫التباغض بينهنّ ‪.‬‬ ‫ويجوز أن يجعل مدة القَسْم يومين ‪ ،‬أو ثلثة أيام ‪.‬‬ ‫ويحرم أكثر من ذلك ‪ ،‬لما في طول المدة من الوحشة عليهنّ ‪ ،‬وتجب القرعة للبدء‬ ‫بالمبيت عند واحدة منهن ‪ ،‬تجنبا لترجيح إحداهنّ على الخرى ‪ ،‬ثم يقرع بين الباقيات ‪.‬‬ ‫ويجوز أن يدخل نهارا على غير مَن لها النوبة إذا كان دخوله لحاجة ‪ ،‬وينبغي ألّ يطول‬ ‫مكثه ‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫روى أبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في القَسْم بين النساء ‪ ،‬رقم ‪:‬ك ‪ ، ) 2135‬والحاكم‬ ‫( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬التشديد في العدل بين النساء رقم ‪ ) 2/186 :‬وقال صحيح السناد ‪ :‬عن‬ ‫عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬وكان ـ أي رسول ال‬

‫قال يوم إل وهو يطوف علينا جميعا ‪،‬‬

‫فيدنوا من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها ‪ ،‬فيبيت عندها ‪.‬‬ ‫ول يجوز أن يدخل ليلً إلى غير مَن لها النوبة إل لضرورة ‪ :‬كمرض مخوف ‪ ،‬أو‬ ‫حريق ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪.‬‬ ‫وتختصّ بكر جديدة بسبع ليال متواليات وجوبا‪.‬‬ ‫كما تختص ثيّب جديدة بثلث ليال متواليات وجوبا أيضا ‪.‬‬ ‫روى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا تزوج الثّيب على البكر ‪ ،‬رقم ‪ ) 4916 :‬ومسلم‬ ‫( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬قدر ما تستحقه البكر والثّيب من إقامة الزوج …‪ ،‬رقم ‪ ) 1461 :‬عن أنس‬ ‫قال ‪ :‬من السنّة إذا تزوج البكر على الثّيب أقام عندها سبعا ثم قسم ‪ ،‬وإذا تزوج الثيب أقام‬ ‫عندها ثلثا ثم قسم ‪ .‬قال ‪ :‬أبو قلبة ـ أحد رواة الحديث ـ لو شئت لقلت ‪ :‬إن أنسا رضي‬ ‫ال رفعه إلى النبي‬

‫‪.‬‬

‫وروى مسلم ( الموضع السابق ‪ ،‬رقم ‪ ) 1460 :‬عن أم سلمة رضي ال عنها قالت ‪:‬‬ ‫قال رسول ال‬

‫‪ " :‬للبكر سبع ‪ ،‬وللثيّب ثلث " ‪.‬‬

‫ولو وهبت إحداهنّ ليلتها لضرّتها بات عند الموهوب لها ليلتيهما ‪ ،‬كل ليلة في وقتها‬ ‫الذي كان لها ‪ ،‬فإن كانت متتابعين تابع بينهما ‪ ،‬وإن كانتا متفرقين ‪ ،‬فرق بينهما فعل رسول ال‬ ‫سوْدة بنت زمعة نوبتها لعائشة رضي ال عنهما ‪.‬‬ ‫لما وهبت َ‬ ‫‪95‬‬

‫روى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المرأة الثيّب تَهب يومها من زوجها لضرّتها ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ) 4941‬ومسلم ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬جواز هبتها نوبتها لضرتها ‪ ،‬رقم ‪ – ) 1463 :‬واللفظ‬ ‫ب إلىّ أن أكون في مسْلخِها من‬ ‫لمسلم – عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬ما رأيت امرأة أح ّ‬ ‫سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة ‪ ،‬قالت ‪ :‬فلما كبرت جعلت يومها من رسول ال‬ ‫لعائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ :‬قد جعلت يومي منك لعائشة ‪ ،‬فكان رسول ال‬

‫‪ ،‬يقسم لعائشة‬

‫يومين ‪ :‬يومها ‪ ،‬ويوم سودة ‪.‬‬ ‫[ مسلخها ‪ :‬المسلخ ‪ :‬هو الجلد ‪ ،‬ومعناه أن أكون أن هي ‪ .‬فيها حدّة ‪ :‬أي شدة ولم ترد‬ ‫عائشة بذلك عيب سودة ‪ ،‬بل وضفتها بقوة النفس ‪ ،‬وجودة القريحة ‪ ،‬وهي الحدّة ] ‪.‬‬ ‫وإذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ‪ ،‬واستصحب معه من خرجت قرعتها ‪ ،‬لنه‬

‫كان‬

‫يفعل ذلك ‪.‬‬ ‫روى البخاري ( المغازي ‪ ،‬باب ‪ :‬حديث الفك ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 3910 :‬ومسلم ( التوبة ‪،‬‬ ‫باب ‪ :‬في حديث الفك وقبول توبة القاذف ‪ ،‬رقم ‪ ) 2770 :‬عن عائشة رضي ال عنهما أنها‬ ‫قالت ‪ :‬كان رسول ال‬

‫تعريف النشوز ‪:‬‬

‫إذا أراد السفر أقرع بين نسائه ‪ ،‬فأتيتهنّ خرج سهمها خرج بها ‪.‬‬

‫النشــــوز‬

‫النشوز ‪ :‬العصيان ‪ ،‬وهو مأخوذ من النّشْز ‪ ،‬بسكون الشين ‪ ،‬وفتحها ‪.‬‬ ‫ونشوز المرأة ‪ :‬عصيانها زوجها ‪ ،‬وتعاليها عمّا أوجب ال عليها من طاعته ‪.‬‬ ‫قال ابن فارس ‪ :‬نشزت المرأة ‪ :‬استعصت على بعلها ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫‪96‬‬

‫لتِي َتخَافُونَ نُشُوزَهُنّ ‪ [ ..‬النساء ‪ . ]33 :‬أي تخافون عصيانهنّ ‪.‬‬ ‫وَال ّ‬ ‫حكم النشوز ‪:‬‬ ‫ونشوز المرأة حرام ‪ ،‬وهو كبيرة من الكبائر‪.‬‬ ‫قال رسول ال‬

‫‪ " :‬إذا دعا الرجل امرأتَه إلى فراشه ‪ ،‬فلم تأتِه ‪ ،‬فبات غضبان عليها‬

‫لعنتها الملئكة حتى تصبحَ " رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة‬

‫‪.‬‬

‫وفي رواية لمسلم ‪ " :‬والذي نفسي بيده ما من رجلٍ يدعو امرأته إلى فراشها ‪ ،‬فتأبى‬ ‫عليه ‪ ،‬إل كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها "‪.‬‬ ‫رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها ) ‪ ،‬ومسلم‬ ‫( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم امتناعها عن فراش زوجها ) ‪.‬‬ ‫وقال رسول ال‬

‫‪ ":‬والذي نفسي بيده ل تؤدي المرأة حق ربّها حتى تؤديَ حقّ زوجِها‬

‫"‪.‬‬ ‫رواه أحمد ( ‪ ، ) 4/381‬وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬حق الزواج على المرأة ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪. )1853‬‬ ‫بم يكون النشوز ‪:‬‬ ‫ويكون نشوز المرأة بخروجها عن طاعة زوجها ‪ ،‬وعصيانها له ‪ ،‬وذلك كأن خرجت‬ ‫من بيته بغير عذر من غير إذنه ‪ ،‬أو سافرت بغير إذنه ورضاه ‪ ،‬أو لم تفتح له الباب ليدخل ‪،‬‬ ‫أو لم تمكّنه من نفسها بل عذر ‪ :‬كمرض ‪ ،‬أو دعاها فاشتغلت بحاجاتها ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫معالجة النشوز ‪:‬‬ ‫‪97‬‬

‫إذا ظهرت من المرأة علمات النشوز ‪ :‬كأن وجد منها زوجها إعراضا وعبوسا ‪ ،‬بعد‬ ‫لُطف وطلقة وجه ‪ ،‬أو سمع منها كلما خشنا على خلف عادتها استحب له أن يعظها بكتاب‬ ‫ال عز وجل ‪ ،‬ويذكّرها بما أوجب ال عليها ‪ .‬ويحذرها غضب ال سبحانه وتعالى وعقوبته ‪.‬‬ ‫ويستحبّ أن يقول لها ‪ :‬إن الرسول‬

‫قال ‪ ":‬أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة‬

‫رواه الترمذي ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في حق الزواج على المرأة ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ، ) 1161‬وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬حق الزوج على المرأة ‪ ،‬رقم ‪. ) 1854 :‬‬ ‫ويقول لها ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ ":‬إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملئكة‬

‫حتى تُصبِح "‪.‬‬ ‫رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا باتت المرأة مُهاجرة فراش زوجها ) ‪ ،‬ومسلم‬ ‫( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم امتناعها من فراش زوجها ) ‪ .‬فإن استقامت فبها ونعمت ‪.‬‬ ‫وإن تحقّق نشوزها ‪ ،‬وأصرّت على إعراضها ‪ ،‬هجرها في المضجع ‪ ،‬لن في الهجر‬ ‫أثرا ظاهرا في تأديبها ‪.‬‬ ‫صلُحت فذاك ‪ ،‬وإن تكرر‬ ‫والمراد بالهجر ‪ :‬أن يهجر فراشها ‪ ،‬فل يضاجعها فيه ‪ .‬فإن َ‬ ‫نشوزها ‪ ،‬وأصرّت على عصيانها ‪ ،‬كان له أن يضربها ضرب تأديب غير مبرح ‪ ،‬ل يجرح‬ ‫لحما ‪ ،‬و يكسر عظما ‪ ،‬ول يضرب وجها ول موضع مهلكة ‪.‬‬ ‫وهذا الضرب إنما يُصار إليه إذا رجا صلحها به ‪ ،‬وغلب على ظنه أن تعود إلى‬ ‫رشدها ‪.‬‬ ‫فإن علم أن الضرب ل يصلحها ‪ ،‬بل يزيد في نفرتها ‪ ،‬فإنه ينبغي أل يضربها ‪.‬‬ ‫‪98‬‬

‫ودليل هذه الحكام التي ذكرناها قول ال عز وجل ‪:‬‬ ‫ط ْع َنكُمْ فَلَ‬ ‫ض ِربُوهُنّ َفإِنْ أَ َ‬ ‫جرُوهُنّ فِي ا ْل َمضَاجِعِ وَا ْ‬ ‫لتِي َتخَافُونَ نُشُوزَهُنّ َفعِظُوهُنّ وَاهْ ُ‬ ‫وَال ّ‬ ‫عِليّا َكبِيرا‬ ‫ن اللّهَ كَانَ َ‬ ‫سبِيلً إِ ّ‬ ‫عَل ْيهِنّ َ‬ ‫َت ْبغُواْ َ‬

‫[ النساء ‪. ] 34 :‬‬

‫فإن استحكم الخلف بينهما ‪ ،‬وتعذرت إزالته بواسطة الزوجين ‪ ،‬ورُفعَ المر إلى الحاكم‬ ‫‪ ،‬وجب عليه أن يوسّط للصلح بينهما حكمين مسلمين عدلين عارفين بطرق الصلح ‪.‬‬ ‫ويندب أن يكون أحدهما من أهل الزوج ‪ ،‬والخر من أهل الزوجة ‪.‬‬ ‫حكَمان وكيلن للزوجين ‪ ،‬فيشترط رضا كل من الزوجين بوكيله ‪ .‬فيشرع‬ ‫وهذان ال َ‬ ‫حكََمان في الصلح بين الزوجين ‪ ،‬ويبذلن وسعهما للوصول إليه ‪ ،‬فإن أفلحا فبها ونعمت ‪،‬‬ ‫ال َ‬ ‫وإن أخفقا ‪ ،‬وكّل الزوج حكمه بطلقها ‪ ،‬وقبول عوَضَ الخلع منها ‪.‬‬ ‫حكَمها ببذل العوَض ‪ ،‬إن كانت رشيدة ‪ ،‬وقبول الطلق به ‪.‬‬ ‫ووكّلت هي أيضا َ‬ ‫ويفرّق الحكمان بينهما إن رأياه صوابا ‪.‬‬ ‫حكَمين غيرهما حتى‬ ‫حكَمان ‪ ،‬ولم يتوصل إلى رأي واحد ‪ ،‬بعث القاضي َ‬ ‫وإذا اختلف ال َ‬ ‫تجتمعا على شيء واحد ‪ .‬فإن لم يرضَ الزوجان ببعث الحكمين ‪ ،‬ولم يتفقا على شيء أدّب‬ ‫القاضي الظالم منهما ‪ ،‬واستوفى للمظلوم حقه ‪ ،‬وعمل بشهادة الحكمين ‪ ,‬قال ال تعالى ‪:‬‬ ‫حكَما مّنْ أَ ْهِلهَا إِن ُيرِيدَا ِإصْلَحا ُيوَفّقِ اللّهُ‬ ‫حكَما مّنْ أَ ْهلِهِ وَ َ‬ ‫َوإِنْ خِ ْفتُمْ شِقَاقَ َب ْي ِن ِهمَا فَا ْب َعثُواْ َ‬ ‫خبِيرا‬ ‫علِيما َ‬ ‫ن اللّهَ كَانَ َ‬ ‫َب ْي َن ُهمَا إِ ّ‬

‫[ النساء ‪. ] 34 :‬‬

‫نشوز المرأة ‪:‬‬

‫‪99‬‬

‫وإذا كان الجحاف والعراض من قَبل الزوج ‪ :‬وذلك كأن منعها حقها في القسم ‪ ،‬أو‬ ‫النفقة ‪ ،‬أو أغلظ عليها بالقول ‪ ،‬أو الفعل ‪ ،‬وعظته وذكّرته بحقها عليه ‪ ،‬بمثل قول ال عز وجل‬ ‫خيْرا َكثِيرا‬ ‫جعَلَ اللّهُ فِيهِ َ‬ ‫شيْئا َويَ ْ‬ ‫شرُوهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ َفإِن َكرِ ْه ُتمُوهُنّ َفعَسَى أَن َت ْكرَهُواْ َ‬ ‫وَعَا ِ‬ ‫[ النساء ‪. ] 19 :‬‬ ‫وذكّرته بقول النبي‬

‫" خيرُكم خيركم لهله وأنا خيرُكم لهلي " ‪.‬‬

‫رواه الترمذي ( المناقب ‪ ،‬باب ‪ :‬في فضل أزواج النبي‬

‫‪ ،‬رقم ‪ ) 3829 :‬عن عائشة‬

‫رضي ال عنهما ‪.‬‬ ‫وقوله‬

‫‪ " :‬استوصوا بالنساء خيرا " ‪.‬‬

‫رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الوصاة بالنساء ‪ ،‬رقم ‪ ، 4890 :‬ومسلم ( الرضاع ‪،‬‬ ‫باب ‪ :‬الوصية بالنساء ‪ ،‬رقم ‪ ) 1468‬عن أبي هريرة‬

‫‪.‬‬

‫وحذّرته من عواقب ظلمها ‪ ،‬فإن صلح فذاك ‪ ،‬وإن لم يصلح رفعت أمرها إلى القاضي‬ ‫ليستخلص لها حقها لنه منصوب لردّ الحقوق إلى أصحابها ‪ ،‬ولنها ل يمكنها أن تأخذ حقها‬ ‫بنفسها ‪.‬‬ ‫ف الظلم عنها‪.‬‬ ‫ويجب على القاضي أن يلزمه بالقسم لها ‪ ،‬وأداء حقوقها ‪ ،‬وك ّ‬ ‫فإن ساء خلقه ‪ ،‬وآذاها بضربها ‪ ،‬أو بسبها بغير سبب نهاه القاضي عن ذلك ‪ ،‬فإن عاد‬ ‫إليه ‪ ،‬وطلبت الزوجة من القاضي تعزيره ‪ ،‬عزره بما يراه سبيلً إلى إصلحه ‪.‬‬

‫‪100‬‬

‫فإن اشتد الخلف أرسل حكمين كما سبق ليصلحا بينهما ‪ ،‬أو يفرقا بينهما بطلقة إن‬ ‫عسر الصلح ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫جنَاْحَ‬ ‫عرَاضا فَلَ ُ‬ ‫َوإِنِ ا ْم َرأَةٌ خَا َفتْ مِن َب ْعِلهَا نُشُوزا َأوْ إِ ْ‬

‫خ ْيرٌ‬ ‫صلْحُ َ‬ ‫صلْحا وَال ّ‬ ‫عَل ْي ِهمَا أَن ُيصْلِحَا َب ْي َن ُهمَا ُ‬ ‫َ‬

‫[ النساء ‪. ] 127 :‬‬

‫‪101‬‬

‫العيوب التي يترتب عليها فسخ النكاح‬ ‫والثار المترتبة على ذلك‬

‫أولً ‪ :‬العيوب ‪:‬‬

‫العيوب التي يثبت فيها فسخ الزواج قسمان ‪:‬‬ ‫القسم الول ‪ :‬عيوب تمنع من الدخول ‪ :‬كالجب ‪ ،‬والعنّة في الزواج ‪ .‬والقرن ‪ ،‬والرتق في‬ ‫الزوجة ‪.‬‬ ‫والجب ‪ :‬قطع عضو التناسل عند الرجل ‪ .‬والعنّة ‪ :‬العجز عن الوطء في ال ُقبُل خاصة ‪،‬‬ ‫لعدم انتشار الذكر ‪ .‬والقرن ‪ :‬انسداد محل الجماع لدى المرأة بعظم ‪ .‬والرتق ‪ :‬انسداد محل‬ ‫الجماع لدى المرأة بلحم ‪.‬‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬عيوب ل تمنع الدخول ‪ ،‬ولكنها أمراض مُنفرة ‪ ،‬أو ضارّه ‪ ،‬بحيث ل‬ ‫يمكن ل مقام معها إل بضرر ‪ :‬كالجذام ‪ ،‬والبرص ‪ ،‬والجنون ‪.‬‬ ‫والجذام ‪ :‬علّة يحمرّ منها العضو ‪ ،‬ثم يسودّ ‪ ،‬ثم ينقطع ويتناثر ‪.‬‬ ‫والبرص ‪ :‬بياض شديد يبقع الجلد ‪ ،‬ويذهب بدمويته ‪.‬‬ ‫أقسام هذه العيوب بالنسبة للزوجين ‪:‬‬ ‫هذه العيوب بالنسبة للزوجين على ثلثة أقسام ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ قسم مشترك بين الزوجين ‪ :‬وهو الجذام ‪ ،‬والبرص ‪ ،‬والجنون ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ قسم خاص في الزوجة ‪ :‬كالرتق والقرن ‪.‬‬ ‫ب والعنّة ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ قسم خاص في الزواج ‪ :‬كالج ّ‬ ‫‪102‬‬

‫العيوب المشتركة ‪:‬‬ ‫إذا وجد أحد الزوجين في الخر جنونا ‪ ،‬أو جذاما ‪ ،‬أو برصا ‪ ،‬ثبت له الخيار في فسخ‬ ‫الزواج ‪ .‬سواء كان هو الخر مصابا به ‪ ،‬أو لم يكن ‪ ،‬لن النسان يعاف من غيره ما ل يعاف‬ ‫من نفسه ‪.‬‬ ‫دليل ثبوت الخيار بهذه العيوب ‪:‬‬ ‫ودليل ثبوت الخيار بهذه العيوب ما رواه والبيهقي ( ‪ ) 7/214‬من رواية ابن عمر‬ ‫رضي ال عنهما ‪ :‬أن النبي‬

‫تزوج امرأة من غفار ‪ ،‬فلما أُدخلت عليه رأى بكشحها بياضا ‪،‬‬

‫فقال ‪ ( :‬البسي ثيابك ‪ ،‬والحقي بأهلك ) ‪ .‬وقال لهلها ‪ ( :‬دلستم علي ) ‪.‬‬ ‫[ الكشح ‪ :‬الجنب ‪ .‬والمراد بالبياض ‪ :‬البرص ‪.‬دلستم‪ :‬أخفيتم العيب ] ‪.‬‬ ‫وروى الشافعي رحمه ال عن عمر بن الخطاب‬

‫‪ :‬أنه فرّق بين الزوجين للجذام ‪،‬‬

‫والبرص ‪ ،‬والجنون ‪.‬‬ ‫ومثل هذا ل يكون إل عن توقيف عن رسول ال‬

‫وقد ثبت في الحديث الصحيح ‪ِ ":‬فرّ‬

‫من المجذوم كما تفرّ من ا لسد "‪.‬‬ ‫البخاري ( الطب ‪ ،‬باب ‪ :‬الجذام ‪ ،‬رقم ‪. )5380 :‬‬ ‫قال الشافعي رحمة ال تعالى في كتابه الم ‪ :‬وأما الجذام والبرص ‪ ،‬فإن كل منهما‬ ‫يُعدي الزوج ‪ ،‬ول تكاد النفس أحد تطيب أن تجامع من هو فيه ‪.‬‬

‫‪103‬‬

‫العيوب في الزوجة ‪:‬‬ ‫إذا وجد الزوج زوجته رتقاء ‪ ،‬أو قرناء ‪ ،‬ثبت له فسخ الزواج ‪ ،‬لن هذه العلة مانعة‬ ‫من مقصود الزواج ‪ ،‬وهو الدخول بالزوجة ‪.‬‬ ‫العيوب في الزوج ‪:‬‬ ‫إذا وجدت الزوجة زوجها مجبوبا ‪ ،‬أو عنينا ثبت لها حق فسخ الزواج ‪.‬‬ ‫وقد حكى المارودي الجماع على ثبوت الخيار بالجب والعنّة ‪ ،‬لنه يفوت بهما مقصود‬ ‫النكاح ‪ ،‬كما قلنا بالرتق والقرن ‪.‬‬ ‫حدوث العيب بعد عقد النكاح ‪:‬‬ ‫إذا حدث شيء من العيوب السابقة بعد عقد النكاح في أيّ من الزوجين ‪ ،‬سواء كان ذلك‬ ‫بعد الدخول ‪ ،‬أو قبله ‪ ،‬وسواء أكان العيب مانعا من الدخول كالجبّ والعنّة في الزوج ‪ ،‬والرتق‬ ‫والقرن في الزوجة ‪ ،‬أو غير مانع ‪ ،‬كالجذام والبرص والجنون ‪ ،‬فإنه يثبت حق الخيار في فسخ‬ ‫الزواج ‪ ،‬كما لو كان العيب قديما ‪.‬‬ ‫لكن يستثنى من ذلك العنّة فقط ‪ ،‬فإنها إذا حدثت بعد الدخول ‪ ،‬فإنه يسقط حق الزوجة‬ ‫في فسخ الزواج ‪ ،‬لحصول مقصود الزواج بالنسبة لها ‪ ،‬وهو المهر ‪ ،‬والوطء ‪ ،‬وقد يتم ذلك‬ ‫قبل حدوث العنّة ‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫إزالة العيب ‪:‬‬ ‫إذا أمكن إزالة الرتق والقرن بنحو عملية جراحية ‪ ،‬ورضيت بها الزوجة ‪ ،‬فل خيار‬ ‫للزوج حينئذ ‪ ،‬لعدم وجود المقتضي للفسخ ‪.‬‬ ‫وكذلك إذا زال الجنون والبرص والجذام بالتداوي ‪ ،‬فإن حقّ الفسخ يسقط ‪ ،‬لزوال ما يدعوا‬ ‫إليه ‪.‬‬ ‫حق ولي الزوجة في فسخ النكاح ‪:‬‬ ‫ي المرأة حق فسخ نكاحها بكل عيب وجد في الزوج قبل عقد النكاح ‪ ،‬سواء رضيت‬ ‫ولول ّ‬ ‫الزوجة بهذا الفسخ أو لم ترضَ ‪ ،‬وذلك لما يلحق الوليّ من العار من ذلك العيب ‪.‬‬ ‫وليس لوليّ الزوجة حق الفسخ بعيب حادث بعد الدخول إذ ل عار عليه في ال ُعرْف ‪،‬‬ ‫بخلف ذلك في البتداء ‪.‬‬ ‫وكذلك ل خيار للولي بعيب جب وعنّة حدثا مقارنين للعقد ‪ ،‬لختصاص الزوجة‬ ‫بالضرر ‪ ،‬ورضاها به ‪ ،‬ول عار عليه في ال ُعرْف ‪.‬‬ ‫الفسخ على الفور ‪:‬‬ ‫والخيار في فسخ النكاح بهذه العيوب إذا ثبتت إنما يكون على الفور ‪ ،‬لنه خيار عيب ‪،‬‬ ‫يجب المسارعة إلى العراب عن عدم الرضا به ‪.‬‬

‫‪105‬‬

‫فتسرع الزوجة فورا ‪ ،‬ويسرع الزوج أيضا ‪ ,‬إلي الرفع إلى الحاكم ‪ ،‬والمطالبة بفسخ‬ ‫النكاح ‪ .‬فلو علم أحدهما العيب بصاحبه ‪ ،‬ثم سكت عنه سقط حقه في الفسخ ‪ ،‬إل إذا كان‬ ‫جاهلً أن له حق الفسخ ‪ ،‬فإنه ل يسقط حقه في الفسخ ‪.‬‬ ‫الفسخ يحتاج إلى الرفع إلى القاضي ‪:‬‬ ‫ل يستقل الزوج ‪ ،‬أو الزوجة في فسخ النكاح بسبب عيب من العيوب المذكورة ‪ ،‬بل ل‬ ‫بدّ من الرفع إلى القاضي ‪ ،‬وطلب الفسخ عنده ‪ ،‬فإذا تحقق العيب عنده حكم القاضي بفسخ‬ ‫الزواج ‪.‬‬ ‫ضرب الجل في العنّة ‪:‬‬ ‫وإذا ثبت عند القاضي العنة في الزوج ‪ ،‬ضرب له القاضي سنة قمرية ‪ ،‬لحتمال زوال‬ ‫العنة باختلف الفصول ‪ ،‬فإذا زال عيبه فذاك ‪ ،‬وإل فسخ النكاح ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ما رواه والبيهقي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬أجل العنين ‪ ،‬رقم ‪ )7/226 :‬عن عمر بن‬ ‫الخطاب‬

‫‪ :‬أنه قال في العنين ‪ :‬يؤجّل سنة ‪ ،‬فإن قدر عليها ‪ ،‬وإل فرّق بينهما ‪ ،‬ولها المهر ‪،‬‬

‫وعليها العدّة ‪.‬‬ ‫كيف تثبت العنّة ؟‬ ‫سائر العيوب تثبت بالقرار ‪ ،‬أو إخبار الطبيب ‪ ،‬أما العنّة ‪ ،‬فل تثبت إل بإقرار الزوج عند‬ ‫الحاكم ‪ .‬أو يمين الزوجة عند نكول الزوج عن اليمين ‪ ،‬إذا طلب منه القاضي أن يحلف على‬ ‫عدم العنّة ‪.‬‬

‫‪106‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ما يترتب على فسخ النكاح بهذه العيوب من الثار ‪:‬‬ ‫إذا تم فسخ الزواج من قبل الزوج ‪ ،‬أو من ِقبَل الزوجة ‪ ،‬بسبب عيب من العيوب السابقة‬ ‫فل يخلو أن يكون الفسخ قبل الدخول ‪ ،‬أو بعده ‪ .‬ول يخلو أن يكون العيب قد حدث قبل‬ ‫الدخـول ‪ ،‬أو بعده ‪.‬‬ ‫أ ـ فإن كان الفسخ قبل الدخول سقط المهر ‪ ،‬ول متعة للزوجة ‪ ،‬لنه إن كان العيب بالزوج‬ ‫فهي الفاسخة ‪ ،‬وعليه فل شيء لها ‪.‬‬ ‫وإن كان العيب بها فل شيء أيضا ‪ ،‬لن الفسخ إنما كان لسبب فيها ‪ ،‬فكانت كأنها هي‬ ‫الفاسخة ‪.‬‬ ‫ب ـ وإن كان الفسخ قد حصل بعد الدخول ‪ ،‬لكن بعيب قارن للعقد ‪ ،‬أو بعيب حادث بين العقد‬ ‫والدخول جهله الواطئ ‪ ،‬فإنه يجب لها مهر المثل ‪.‬‬ ‫ج ـ وإن كان الفسخ قد حصل بعد الدخول ‪ ،‬والعيب إنما حدث أيضا بعده ‪ ،‬فإنه يجب للزوجة‬ ‫كامل المهر المسمى ‪ ،‬لن المهر قد استقر بالدخول قبل وجود سبب الخيار في الفسخ ‪،‬‬ ‫فل يغير ‪.‬‬ ‫عدم رجوع الزوج بالمهر على من غره ‪:‬‬ ‫ول يرجع الزوج بالمهر على من غرّه من وليّ أو زوجة ‪ ،‬لستيفاء منفعة البضع‬ ‫المتقوم عليه بالعقد ‪ .‬وصورة التغرير ‪ :‬أن تسكت هي أو وليها عن بيان عيبها للزواج ‪ ،‬ما دام‬ ‫العيب قد حدث قبل الدخول ‪.‬‬ ‫وال عز وجل أعلم‬ ‫‪107‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬الطلق وما يتعلق به وما يشبهه‬ ‫الطـــلق‬

‫تعريف الطلق ‪:‬‬

‫الطلق في اللغة ‪ :‬الحلّ والنحلل ‪ .‬يقال ‪ :‬أطلقت السير‪ :‬إذا حَل ْلتَ إساره ‪ ،‬وخلّيت‬ ‫عنه ‪ ،‬وأطلقت الناقة من عقالها ‪ :‬أرسلتها ترعى حيث تشاء ‪ .‬ودابة طالق ‪ :‬مُرسلَة بل قيد ‪.‬‬ ‫والطلق شرعا ‪ :‬حلّ عقدة النكاح بلفظ الطلق ونحوه ‪.‬‬ ‫دليل مشروعية الطلق ‪:‬‬ ‫والصل في مشروعية الطلق ‪ :‬الكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬والجماع ‪.‬‬ ‫سرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‬ ‫أما الكتاب ‪ :‬فقول ال عز وجل‪ :‬الطّلَقُ َم ّرتَانِ فَِإمْسَاكٌ ِب َم ْعرُوفٍ َأوْ تَ ْ‬ ‫[ البقرة ‪ ] 229 :‬وقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫طلّقُوهُنّ‬ ‫طلّ ْقتُ ُم النّسَاء فَ َ‬ ‫يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ إِذَا َ‬

‫ِلعِ ّد ِتهِنّ [ الطلق ‪. ] 1:‬‬ ‫وأما السنّة ‪ :‬فقول النبي‬

‫‪ ":‬أبغض الحلل إلى ال تعالى الطلق " ‪.‬‬

‫[ أبو داود ‪ :‬الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في كراهية الطلق ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2178 :‬وابن ماجه ‪ :‬أول كتاب‬ ‫الطلق ‪ ،‬رقم ‪. ]2018 :‬‬ ‫روى الترمذي ( في أبواب الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الرجل يسأله أبوه أن يطلّق‬ ‫زوجته ‪ ،‬رقـم ‪ ، ) 1189 :‬وابن ماجه ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬الرجـل يأمره أبوه بطـلق‬ ‫امرأتـه ‪ ،‬رقـــم ‪ ، )2088 ( :‬وأبو داود ( في الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬في ب ّر الوالدين ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ، )5138‬عن ابن عمر رضي ال عنهما قال ‪ :‬كانت تحتي امرأة أحبّها ‪ ،‬وكان أبي يكرهها ‪،‬‬ ‫فأمرني أبي أن أُطلقها ‪ ،‬فأبيت ‪ ،‬فذكر ذلك للنبي‬

‫فقال ‪ " :‬يا عبد ال بن عمر ‪ ،‬طلّق امرأتك‬ ‫‪108‬‬

‫أما الجماع ‪ :‬فقد اتفقت كلمة العلماء على مشروعيته ‪ ،‬ولم يخالف منهم أحد ‪.‬‬ ‫حكمة مشروعية الطلق ‪:‬‬ ‫الصل في الزواج هو استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين ‪ .‬وقد شرع ال سبحانه‬ ‫وتعالى أحكاما كثيرة ‪ ،‬وآدابا جمة للزواج ‪ ،‬لستمرار وضمان بقائه ‪ ،‬ونمو العلقة الزوجية‬ ‫بين الزوجين ‪ .‬غير أن هذه الداب والحكام قد ل تكون مرعيّة من قبل الزوجين أو احدهما ‪:‬‬ ‫كأن ل يهتم الزوج بحُسْن الختيار ‪ ،‬أو بأن ل يلتزم الزوجان أو أحدهما آداب العشْرة حتى ل‬ ‫يبقى مجال لصلح ‪ ،‬ول وسيلة لتفاهم وتعايش بين الزوجين ‪ .‬فكن ل بدّ ـ والحالة هذه ‪ -‬من‬ ‫تشريع قانون احتياطي ‪ ،‬يهرع إليه في مثل هذه الحالة ‪ ،‬لحلّ عقدة الزواج على نحو ل تُهدر‬ ‫فيه حقوق أحد الطرفين ‪ ،‬ما دامت أسباب التعايش قد باتت معدومة فيما بينهما ‪ .‬وقد قال ال‬ ‫عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫حكِيما ً [ النساء ‪. ]130 :‬‬ ‫س َعتِهِ َوكَانَ اللّهُ وَاسِعا َ‬ ‫َوإِن َيتَ َفرّقَا ُيغْنِ اللّهُ كُلّ مّن َ‬

‫فإن استعلمه الزوج وسيلة أخيرة عند مثل هذه الضرورة فذلك علج ضروري ‪ ،‬ل غِنى‬ ‫عنه ‪ ،‬وإن جاء ُمرّا في كثير من الحيان ‪ .‬وأما إن استعمله لتحقيق رعوناته ‪ ،‬وتنفيذ أهوائه ‪،‬‬ ‫فهو بالنسبة له أبغض الحلل إلى ال عزّ وجلّ ‪.‬‬ ‫وال تعالى يعلم المُصلح من المفسد ‪ ،‬وإليه مرجع هذا وذاك ‪.‬‬

‫‪109‬‬

‫شرعة الطلق من مفاخر الشريعة السلمية ‪:‬‬ ‫ومن خلل ما ذكرنا يتأكد لنا أن مشروعية الطلق على النحو الذي نظمت الشريعة‬ ‫السلمية أحكامه ونتائجه ‪ ،‬تُعدّ من مفاخر الشريعة السلمية ‪ ،‬ويُعدّ من أكبر الدلة على أن‬ ‫أحكام هذه الشريعة متسقة تمام التّساق مع الفطرة النسانية ‪ ،‬والحاجات الطبيعية عند النسان ‪.‬‬ ‫وقد تجلّت هذه الحقيقة عندما رأينا المم المختلفة ‪ ،‬وهي تتراجع عمّا كانت تلزم نفسها‬ ‫به من حّرمة الطلق ‪ ،‬واعتبار عقد الزواج سجنا أبديا ‪ ،‬يقرن فيه الزوجان إلى بعضهما ‪،‬‬ ‫كرها ذلك أو رضيـا ‪ ،‬وذلك بعد أن رأت هذه الُمم أن هذا الحظر ل يقدّم للمجتمع إل أسوأ‬ ‫النتائج ‪ ،‬وأخطر مظاهر الجـرام ‪ ،‬وبعد أن تنبهت إلى أن اقتران اثنين ببعضهما ل يمكن أن‬ ‫يتم بالكراه ‪ ،‬إل إذا أُريد أن يكون الكراه ينبوع تعاسة وشقاء للُسرة كلها ‪ ،‬أو بركان دمار‬ ‫وقتل وفتك ‪.‬‬ ‫ولقد اهتمت الشريعة السلمية بإيجاد أسباب التفاهم ‪ ،‬والوداد والتعايش المستمر بين‬ ‫الزوجين ‪.‬‬ ‫ولكنها لم تعالج ذلك بربط جسد كل ّمنهما بالخر ‪ ،‬وإنما عالجته بالتنبيه والرشاد إلى‬ ‫الضمانات اليجابية المختلفة التي تغذي الوداد بينهما ‪ ،‬وتشبع أسباب التفاهم ‪ ،‬وتطرد من بينهما‬ ‫موجبات المشاكسة والتنافر ‪ ،‬ولقد كان من أهم هذه الضمانات التي أرشد إليها توفر الدين‬ ‫الصحيح في الزوجين ‪ ،‬وقيام كلّ منهما بالواجبات المنوطة به ‪ ،‬والتزام كلّ من الزوجين‬ ‫بالسلوك الخلقي السليم ‪ ،‬على النحو الذي نظمته شرعة ال عزّ وجلّ ‪.‬‬

‫‪110‬‬

‫هذه الضمانات هي التي تحمي بيت الزوجية عن أن يتهدم ‪ ،‬وهي التي تجعل من شرعة‬ ‫الطلق قانونا موضوعا على الرف ‪ ،‬يستنجد به عند الضرورة ‪ ،‬أي عندما يقصر أحد الزوجين‬ ‫عن تحقيق الضمانات والداب التي شرعها ال تعالى حفاظا على الحياة الزوجية ‪ ،‬ورعاية‬ ‫للمودّة واللفة بين الزوجين ‪.‬‬ ‫والدليل على هذا الذي نقول ‪ :‬أن حوادث الطلق ل تكاد ترى لها وجودا في البيوت‬ ‫والُسر الصالحة يتقيد أهلها بأحكام السلم وآدابه ‪.‬‬ ‫وإنما تبصر ‪ ،‬أو تسمع بأكثر هذه الحوادث في الُسر المتحلّلة من قيود السلم ‪،‬‬ ‫الخارجة على نُظُمه وآدابه ‪.‬‬ ‫أنواع الطلق ‪:‬‬ ‫الطلق له ثلث تقسيمات ‪ ،‬باعتبارات مختلفة ‪:‬‬ ‫فباعتبار وضوح اللفظ في الدللة عليه ‪ ،‬وعدم وضوحه ينقسم إلى ‪ :‬صريح وكناية ‪.‬‬ ‫وباعتبار حال الزوجة ‪ ،‬من طُهر وحيض ‪ ،‬وكبر وصغر ‪ ،‬ينقسم إلى ‪:‬‬ ‫سنّي ‪ ،‬وإلى ما ل يوصف بسنّي ‪ ،‬ول بِدعي ‪.‬‬ ‫بدْعي ‪ ،‬و ُ‬ ‫وباعتبار كونه على بدل من المال ‪ ،‬وبدون بدل ‪ :‬ينقسم إلى خلع ‪ ،‬وطلق عادي ‪.‬‬ ‫فلنشرح كلًُ من هذه التقسيمات الثلثة على حدة ‪:‬‬ ‫التقسيم الول ‪ ( :‬الصريح ‪ ،‬والكناية ) ‪:‬‬ ‫إذا لحظت اللفاظ التي تستعمل للدللة على الطلق وجدت أن هذه اللفاظ ‪:‬‬

‫‪111‬‬

‫إما أن تكون ذات دللة قاطعة على الطلق ‪ ،‬بحيث ل تحتمل غيره ‪ ،‬فهذه اللفاظ تسمى‬ ‫‪ :‬صريحة ‪.‬‬ ‫وإما أن تكون قاطعة في دللتها ‪ ،‬بحيث تحتمل غير الطلق ‪ ،‬فهذه اللفاظ تسمى ‪:‬‬ ‫كناية ‪.‬‬ ‫إذا فالطلق ينقسم إلى القسمين التاليين ‪ -1 :‬صريح ‪ -2 .‬كناية ‪.‬‬ ‫‪1‬ـ فالطلق الصريح ‪ :‬هو ما ل يحتمل ظاهر اللفظ إل الطلق ‪ ،‬وألفاظه ثلثة ‪ :‬هي ‪:‬‬ ‫الطلق ‪ ،‬والسراح ‪ ،‬والفراق ‪ ،‬وما اشتق من هذه اللفاظ ‪.‬‬ ‫كقوله ‪ :‬أنتِ طالق ‪ ،‬أو مسرّحة ‪ ،‬أو طلّقتك ‪ ،‬أو فارقتك ‪ ،‬أو سرّحتك ‪.‬‬ ‫وإنما كانت هذه اللفاظ صريحة في دللتها على الطلق لورودها في الشرع كثيرا ‪،‬‬ ‫وتكرارها في القرآن الكريم بمعنى الطلق ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬ ‫طلّقُوهُنّ ِلعِ ّد ِتهِنّ‬ ‫طلّ ْقتُمُ النّسَاء فَ َ‬ ‫يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ إِذَا َ‬ ‫وقال عز وجل ‪:‬‬

‫جمِيلً‬ ‫سرَاحا َ‬ ‫حكُنّ َ‬ ‫سرّ ْ‬ ‫َوأُ َ‬

‫َأوْ فَارِقُوهُنّ ِب َم ْعرُوفٍ‬

‫[ الطلق ‪. ] 1 :‬‬

‫[ الحزاب ‪ . ] 28 :‬وقال سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫[ الطلق ‪. ] 2 :‬‬

‫ومن الصريح ‪ :‬ترجمة لفظ الطلق بالعجمية ـ أي غير اللغة العربية ـ لشُهرة استعمال‬ ‫هذه اللغات عند أهلها ‪ ،‬كشهوة استعمال العربية عند أهلها ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ والكناية ‪ :‬وهي كل لفظ يحتمل الطلق وغيره ‪ .‬وألفاظها كثيرة ‪ :‬كقوله ‪:‬‬ ‫ـ أنت خلية ‪ :‬أي خالية مني ‪.‬‬ ‫ـ أنت بريّة ‪ :‬أي منفصلة عني ‪.‬‬ ‫‪112‬‬

‫ـ أنت بتّة ‪ :‬أي مقطوعة الوصلة عني ‪.‬‬ ‫ـ الحقي بأهلك ‪.‬‬ ‫ـ اذهبي حيث شئت ‪.‬‬ ‫ـ اعزُبي ‪ :‬أي تباعدي عني ‪.‬‬ ‫ـ اغرُبي ‪ :‬أي صيري غريبة عني ‪.‬‬ ‫ـ حبلك على غاربك ‪ :‬أي خلّيت سبيلك ‪ ،‬كما يخلّى البعير ‪.‬‬ ‫والغارب ‪ :‬ما تقدم من الظهر ‪ ،‬وارتفع من العنق ‪.‬‬ ‫ـ أنت عليّ حرام‪.‬‬ ‫فكلّ هذه اللفاظ ـ وغيرها كثير ـ تعتبر كناية في دللتها على الطلق ‪ ،‬لحتمالها‬ ‫الطلق وغيره ‪.‬‬ ‫دليل استعمال ألفاظ الكناية في الطلق ‪:‬‬ ‫ودليل استعمال ألفاظ الكناية في الطلق ‪:‬‬

‫ما رواه البخاري ( في الطلق ‪ ،‬بـاب ‪ :‬من طلّق وهل يواجه الرجل امـرأته بالطلق‬ ‫‪ ،‬رقـم ‪ ) 4955 :‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنهما أن ابنه الجون ‪ ،‬لما أُدخلت على رسول ال‬ ‫ودنا منها ‪ ،‬قالت ‪ :‬أعوذ بال منك ‪ ،‬فقال ‪ " :‬لقد عذت بعظيم ‪ ،‬الحقي بأهلك " ‪.‬‬

‫‪113‬‬

‫حكمُ كلّ من ألفاظ الصريح والكناية ‪:‬‬ ‫إذا عرفت ما ذكر ‪ ،‬فاعلم أن الطلق باللفاظ الصريحة يقع ‪ ،‬سواء توفرت فيه نيّه‬ ‫الطلق أم ل ‪ .‬لن صراحة اللفظ ‪ ،‬وقطعية دللته على المعنى ‪ ،‬يغنيان عن اشتراط النيّة ‪،‬‬ ‫عند التلفظ به ‪.‬‬ ‫أما ألفاظ الكناية ـ ولو اشتهرت على ألسنة الناس في الطلق ‪ :‬كعليّ الحرام ‪ ،‬وأنت‬ ‫عليّ حرام ‪ ،‬فل يقع الطلق بها إل إذا قصد بها الزوج الطلق ‪.‬‬ ‫فإذا قصد بها شيئا آخر غير الطلق ‪ ،‬أو لم يقصد بها شيئا ‪ ،‬لم يقع بها شيء ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ما رواه البخاري ( في المغازي ‪ ،‬باب ‪ :‬حديث كعب بن مالك رضي ال عنه‬ ‫… رقم ‪ )4156 :‬ومسلم ( في التوبة ‪ ،‬باب ‪ :‬حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ) 2769‬في توبة كعب بن مالك‬

‫حينما تخلّف عن غزوة تبوك ‪ ،‬فإن رسول ال‬

‫أمره أن‬

‫يعتزل امرأته ‪ ،‬فقال أُطلقها ‪ ،‬أم ماذا ؟ قال ‪ :‬بل اعتزلها ‪ ،‬فل تقربنّها ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت لمرأتي ‪:‬‬ ‫الحق بأهلك ‪.‬‬ ‫فلما نزلت توبته رجعت زوجته إليه ‪ ،‬ولم يؤمر بأن يعقد عليها من جـديد ‪ .‬فـدلّ ذلك‬ ‫علـى أن ( الحقي بأهلك ) ل يقع به الطلق إل بالنيّة وحيث إن كعبا‬

‫لم ينو به الطلق ‪،‬‬

‫فإنه لم يقع به شيء ‪ ،‬ورجعت زوجته إليه ‪.‬‬ ‫التقسيم الثاني ( السنّي البدعي ‪,‬غيرهما ) ‪:‬‬ ‫المرأة التي يقع عليها الطلق ل تخلو من واحد من أحوال ثلثة ‪:‬‬

‫‪114‬‬

‫الحالة الولى ‪ :‬أن تكون المرأة طاهرة عن الحيض والنفاس ‪ ،‬ولم يقربها زوجها في‬ ‫ذلك الطهر بعد ‪.‬‬ ‫الحالة الثانية ‪ :‬أن تكون متلبسة ـ بعد دخول الزوج بها ـ بحيض أو نفاس ‪ ،‬أو تكون‬ ‫في طُهر جامعها فيه زوجها ‪.‬‬ ‫الحالة الثالثة ‪ :‬أن تكون صغيرة لم َتحِضْ بعد ‪ ،‬أو آيسة تجاوزت سن المحيض ‪ ،‬أو‬ ‫حاملً ظهـر حملها ‪ ،‬أو غير مدخول بها بعد ‪ ،‬أو طالبة للخلع ‪.‬‬ ‫فإن وقع الطلق في الحالة الولى ‪ ،‬سمي ‪ ( :‬طلقا سنّيا ) ‪.‬‬ ‫وإن وقع في الحالة الثانية سمي ‪ ( :‬طلقا بدعيا ) ‪.‬‬ ‫وإن وقع في الحالة الثالثة لم يكن ‪ ( :‬سنيا ‪ ،‬ول بدعيا ) ‪.‬‬ ‫فأقسام الطلق بهذا العتبار إذا ثلثة ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ طلق سني ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ طلق بدعي ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ طلق ل يوصف بسنّي ‪ ،‬ول بدعي ‪.‬‬ ‫حكم كل نوع من هذه النواع الثلثة ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الطلق السني ‪ :‬إن الطلق السني جائز وواقع ‪ ،‬وهو الشكل المطابق للتعاليم الشرعية في‬ ‫كيفية الطلق ‪ ،‬إذا كان الزواج ‪ ،‬ولبدّ مطلقا ‪ ،‬سواء أوْقَع الزوج طلقة واحدة ‪ ،‬أم‬ ‫أوقع ثلث طلقات مجتمعات ‪.‬‬

‫‪115‬‬

‫ولكن يسنّ أن يقتصر على طلقة ‪ ،‬أو طلقتين في الطهر الواحد كي يتمكن من إرجاعها‬ ‫إذا ندم ‪.‬‬ ‫ودليل الطلق السني ‪ :‬قوله عز وجل‬

‫طلّقُوهُنّ ِلعِ ّد ِتهِنّ‬ ‫طلّ ْقتُ ُم النّسَاء فَ َ‬ ‫يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ إِذَا َ‬

‫[ الطلق ‪ . ] 1 :‬أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدّة ‪ ،‬وهو الطهر ‪ ،‬إذ زمن الحيض ل‬ ‫يحسب من العدة ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الطلق البدعي ‪ :‬إن الطلق البدعي محرم ‪ ،‬ولكنه واقع ‪ ،‬ويلزم وقوعه الثم ‪ ،‬لمخالفته‬ ‫للصورة المشروعة للطلق التي وردت في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫ِلعِ ّد ِتهِنّ‬

‫طلّقُوهُنّ‬ ‫طلّ ْقتُ ُم النّسَاء فَ َ‬ ‫إِذَا َ‬

‫[ الطلق ‪] 1 :‬‬

‫ويسنّ له الرجعة ‪ ،‬فقد روي البخاري ( في أول كتاب الطلق ‪ ،‬رقم ‪ ، )4953‬ومسلم‬ ‫( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم طلق الحائض بغير رضاها‪ ،‬رقم ‪ ) 1471 :‬عن عبدال بن عمر‬ ‫رضي ال عنهما أنه طلّق امرأته ‪ ،‬هي حائض ‪ ،‬على عهد رسول ال‬ ‫الخطاب‬

‫رسول ال‬

‫عن ذلك ‪ ،‬فقال رسول ال‬

‫فسأل عمر بن‬

‫‪ُ " :‬م ْرهُ فليراجعها ‪ ،‬ثم ليمسكها حتى‬

‫تطهر ‪ ،‬ثم تحيض ‪ ،‬ثم تطهر ‪ ،‬ثم إن شاء أمسك بعد ‪ ،‬وإن شاء طلّق قبل يمسّ ‪ ،‬فتلك العدّة‬ ‫طلّقُوهُنّ‬ ‫طلّ ْقتُ ُم النّسَاء فَ َ‬ ‫التي أمر اله أن تطلقّ لها النساء " ‪ .‬أي بقوله تعالى ‪ :‬يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ إِذَا َ‬ ‫ِلعِ ّد ِتهِنّ‬

‫[ الطلق ‪ ] 1 :‬أي لستقبال عدّتهن ‪.‬‬

‫‪116‬‬

‫والمعنى‪ :‬ليتركها بعد الرجعة حتى تطهر ‪ ،‬وعندئذ يوقع طلقة واحدة إذا شاء ‪ ،‬فإذا‬ ‫حاضت ثم طهرت أوقع طلقه أُخرى إذا شاء ‪ ،‬فإذا طهرت للمرة الثالثة فلينظر ‪ :‬إن شاء‬ ‫أمسكها بعد الرجعة ‪ ،‬وإن شاء أوقع طلقة ثالثة ‪ ،‬وتكون قد بانت بذلك منه ‪.‬‬ ‫سبب تحريم الطلق البدعي ‪:‬‬ ‫وسبب تحريم الطلق البدعي ما يستلزمه من الضرار بالمرأة ‪ ،‬إذ يطول بذلك أجل‬ ‫عدّتها ‪ ،‬لن حيضتها ل تحسب من العدّة ‪.‬‬ ‫قال رسول ال‬

‫‪ " :‬ل ضرر ول ضرار " ‪.‬‬

‫أخرجه مالك في الموطأ ( القضية ‪ ،‬باب ‪ :‬القضاء في المرفق ‪ ،‬رقم ‪، ) 2/745 :‬‬ ‫وابن ماجه في سننه ( الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬مَن بني في حقه ما يضرّ بجاره ‪ ،‬رقم ‪، 2340 ،188 :‬‬ ‫‪. ) 2341‬‬ ‫أما حرمة الطلق في طهر جامع زوجته فيه ‪ :‬فلحتمال الحمل فيه ‪ ،‬وهو ل يرغب في‬ ‫تطليق الحامل ‪ ،‬فيكون في ذلك الندم ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ الطلق الذي ل يوصف بسنّة ول بدعة ‪ :‬إن الطلق الذي ل يوصف بسنّة ول بدعة‬ ‫جائز ‪ ،‬وواقع ‪ ،‬وليس حراما ‪ ،‬إذ ل ضرر يلحق الزوجة بسببه ‪ ،‬إذ الصغيرة واليسة‬ ‫تعتدّان بالشهر ‪ ،‬فل يلحقهما ضرر إطالة العدّة ‪ ،‬وكذلك الحامل ‪ ،‬فإن عدّتها على كل‬ ‫حال بوضع الحمل ‪ ،‬وكذلك طالبة الخلع ‪ ،‬لن افتدائها نفسها من الزوج بالمال دليل على‬ ‫حاجتها إلى الخلص منه ‪ ،‬ورضاها بطول التربص ‪.‬‬ ‫التقسيم الثالث ‪ ( :‬الطلق العادي والخلع ) ‪.‬‬ ‫‪117‬‬

‫‪1‬ـ الطلق العادي ‪ :‬وهو الطلق الذي يقع برغبة من الزوج ‪ ،‬وهذا الطلق ينطبق عليه‬ ‫الحكام التي ذكرناها قبل ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الخلع ‪ :‬وهو الطلق الذي يقع برغبة من الزوجة وإصرار منها على ذلك ‪ ،‬وقد شرع لذلك‬ ‫سبيل الخلع ‪ ،‬وهو أن تفتدي نفسها من زوجها بشئ يتفقان عليه من مهرها تعطيه إياه ‪.‬‬ ‫فالخلع إذا قسم من الطلق ‪ :‬وهو كل ُفرْقةٍ جرت على عوض تدفعه الزوجة‬ ‫للزوج ‪.‬‬ ‫دليل مشروعية الخلع ‪:‬‬ ‫ويستدل لمشروعية الخلع ‪ :‬بالكتاب ‪ ،‬والسنّة ‪.‬‬ ‫أما الكتاب ‪ :‬فقول ال عزّ وجل ‪:‬‬ ‫ا ْفتَ َدتْ بِهِ‬

‫عَل ْي ِهمَا فِيمَا‬ ‫جنَاحَ َ‬ ‫فَإِنْ خِ ْفتُمْ أَلّ يُقِيمَا حُدُو َد اللّهِ فَلَ ُ‬

‫البقرة ‪. ] 229 :‬‬

‫وأما السنّة ‪ :‬فما رواه البخاري ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬الخلع وكيف الطلق ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ )4971‬عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬أن امرأة ثابت بن قس أتت النبي‬

‫فقالت ‪ :‬يا‬

‫رسول ال ‪ ،‬ثابت بن قيس ‪ ،‬ما أعتب عليه في خلق ول دين ‪ ،‬ولكني أكره الكفر في السلم ‪،‬‬ ‫فقال النبي‬

‫‪ " :‬أتردّين عليه حديقته " قالت ‪ :‬نعم ‪ .‬فقال رسول ال‬

‫‪ " :‬اقبل الحديقة ‪،‬‬

‫وطلّقها تطليقة " ‪.‬‬ ‫[ ل أعتب عليه ‪ :‬ل أعيب عليه ‪ .‬أكره الكفر في السلم ‪ :‬أكره جحود حقوق الزوج وأنا‬ ‫مسلمة ]‬

‫‪118‬‬

‫أحكام الخلع ‪:‬‬ ‫للخلع أحكام نلخصها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪1‬ـ الخلع جائز ‪ ،‬ول يقع إل بعوَض مالي تفرضه الزوجة للزوج ‪ .‬ثم إن كان ال َعوَض في‬ ‫الخلع معلوما مذكورا في الخلع وجب ذلك العَوَض المعلَوم ‪ ،‬وإن لم يكن مذكورا على‬ ‫وجه التحديد صحّ الخلع ‪ ،‬ووجب مهر المثل للزوج ‪.‬‬ ‫أما إن استعمل الزوج لفظ الخلع ‪ ،‬ولم ينص علي عوَض ‪ ،‬ولم يخطر بباله‬ ‫العوض أيضاَ ‪ ،‬فهو طلق عاديّ جرى بلفظ الخلع كناية ‪ .‬أي فهو كنايات الطلق ‪ ،‬ويقع به‬ ‫الطلق رجعيا‪.‬‬ ‫‪2‬ـ ل يقع الخلع من غير الزوجة الرشيدة ‪ ،‬لن غير الرشيدة ل تتمتع بأهلية اللتزام ‪ ،‬فل‬ ‫تملك التصرّف ‪ ،‬فإن خالعها الزوج وقع طلقا رجعيا عاديا ‪ ،‬ول يثبت له به شيء من‬ ‫مهرها ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ إذا خالع الرجل امرأته ‪ ،‬ملكت المرأة بذلك أمر نفسها ‪ ،‬ولم يبق للزوج عليها من سلطان ‪،‬‬ ‫فل رجعة له عليها أثناء العدّة ‪ ،‬كما هو الشأن ف الطلق العادي ‪ ،‬لن الخلع طلق‬ ‫بائن ‪ ،‬إنما السبيل إلى ذلك عقد جديد تملك فيه المرأة كامل اختيارها ‪ ،‬وبمهر جديد‬ ‫أيضا ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ ل يلحق المرأة المُخالعة أي طلق ‪ ،‬أو ظهار ‪ ،‬أو إيلء ـ أثناء العدّة ـ من زوجها الذي‬ ‫خالعها ‪ ،‬أي ل أثر لشيء من ذلك عليها ‪ ،‬لنها أصبحت بالخلع أجنبية عن الزوج ‪ ،‬فل‬

‫‪119‬‬

‫يسرى إليها تطليق ‪ ،‬ول ظهار ‪ ،‬ول إيلء ‪ .‬بخلف المطلّقة طلقا عاديا رجعيا ‪ ،‬فإن‬ ‫الزوج يملك أن يطلّقها طاقة ثانية ‪ ،‬أو يظاهر منها أثناء العدة ‪ ،‬ويسري أثر ذلك عليها ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ يجوز أن يُخالع الرجل زوجته في الحيض والطهر الذي جامعها فيه ‪ ،‬ما دامت رشيدة ‪.‬‬ ‫ذلك لنها ل تتضرر بذلك ‪ ،‬إذ الخلع إنما هو تحقيق لرغبتها في التخلّص من الزوج ‪،‬‬ ‫فل يرِد فيه ما يمكن إيراده على الطلق العادي الذي يكون برغبة من الزوج ‪ ،‬من‬ ‫الضرار بالزوجة ‪.‬‬ ‫ما يملكه الزوج من الطلقات ‪:‬‬ ‫ق للزوج في الصل ‪ .‬ودليل ذلك قول ال عز وجل ‪:‬‬ ‫من المعلوم أن الطلق ح ُ‬ ‫َأوْ َيعْ ُفوَ الّذِي ِبيَ ِدهِ عُقْ َدةُ ال ّنكَاحِ‬

‫[ البقرة ‪ . ] 237 :‬والذي بيده عقدة النكاح إنما هو الزوج‬

‫‪.‬‬ ‫غير أن الزوجة أيضا تصبح صاحبة حق في ذلك ‪ ،‬في حالت خاصة ‪ ،‬من أهمها ‪:‬‬ ‫ـ أن ينالها ضرر من الزوج ‪.‬‬ ‫ـ أن يقصر في أداء شيء من حقوقها ‪ ،‬ثم تعذّر إصلح المر بينهما ‪ .‬فعندئذ يُوقع‬ ‫عنها القاضي طلقة بناءً على رغبتها ‪.‬‬ ‫بعد هذا نقول ‪:‬‬ ‫كَم هي الطلقات التي يملكها الزوج ‪ ،‬ما دام هو صاحب هذا الحق في الصل ؟‬ ‫لقد أجاب القرآن على ذلك ‪ ،‬وقرر عدد الطلقات التي يملكها الزوج ‪ :‬قال ال عز وجل ‪:‬‬

‫‪120‬‬

‫سرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‬ ‫الطّلَقُ َم ّرتَانِ فَِإمْسَاكٌ ِب َم ْعرُوفٍ َأوْ تَ ْ‬ ‫وتعالى ‪:‬‬

‫‪ [ .‬البقرة ‪ . ] 229 :‬ثم قال سبحانه‬

‫غ ْي َرهُ‬ ‫ح ّتىَ تَنكِحَ َزوْجا َ‬ ‫طلّ َقهَا فَلَ تَحِلّ لَهُ مِن َبعْدُ َ‬ ‫فَإِن َ‬

‫[ البقرة ‪. ]230 :‬‬

‫أي إن الزوج يملك أن يطلّق زوجته ثلث تطليقات ‪ ،‬اثنتان منهما رجعيتان ‪ ،‬والثالثة‬ ‫تسريح ل رجعة بعده ‪ ،‬إل بشرط سنذكرها في موضعها إن شاء ال تعالى ‪.‬‬ ‫روى أبو داود ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلث ‪ ،‬رقم ‪، ) 2159 :‬‬ ‫والنسائي ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلث ‪ :‬رقم ‪ )6/212 :‬عن ابن‬ ‫عباس‬

‫قال ‪ :‬إن الرجل كان إذا طلق امرأته ‪ ،‬فهو أحقّ برجعتها ‪ ،‬وإن طلّقها ثلثا ‪َ ،‬فنَسخ‬

‫ذلك ‪ ،‬وقال ‪:‬‬

‫الطّلَقُ َم ّرتَانِ‬

‫[ البقرة ‪ ] 229 :‬أي الطلق الذي يملك الزوج فيه الرجعة‬

‫مرتان فقط ‪ .‬ومن ثم فقد انعقد الجماع على أن الزوج يملك ثلث تطليقات ‪ ،‬ثالثتها بائنة ل‬ ‫رجعة بعدها ‪ ،‬إل بما سنذكره من الشروط إن شاء ال تعالى ‪.‬‬ ‫شروط صحة الطلق ووقوعه ‪:‬‬ ‫لبدّ لكي يملك الزوج ما ذكرنا من الطلقات ‪ ،‬ولبد لكي يقع ذلك منه ‪ ،‬من أن تتوفر في‬ ‫الزوج المطلّق الشروط التالية ‪:‬‬ ‫الشرط الول ‪ :‬ثبوت عقد النكاح ‪:‬‬ ‫فل يقع طلق الرجل من المرأة التي لم يعقد نكاحه عليها ‪ ،‬ول من التي سيعقد نكاحه‬ ‫عليها ‪ ،‬سواء كان ذلك بأسلوب التنجيز ‪ ،‬أو التعليق ‪ :‬كأن يقول لمرأة لم يعقد عليها ‪ :‬أنت‬ ‫طالق ‪ ،‬أو يقول ‪ :‬إن تزوجتك فأنت طالق ‪.‬‬

‫‪121‬‬

‫ودليل ذلك من القرآن الكريم قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫حتُمُ‬ ‫يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ‬

‫عَل ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َت ْعتَدّو َنهَا‬ ‫طلّ ْق ُتمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن َتمَسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ َ‬ ‫ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ثُمّ َ‬

‫[الحزاب‪]49:‬‬

‫‪.‬‬ ‫فقد علّق سبحانه وتعالى نتائج الطلق وأحكامه على ثبوت النكاح أولً ‪.‬‬ ‫والدليل من السنة أيضا ‪ :‬قول النبي‬

‫" ل طلق قبلَ نكاح " ‪.‬‬

‫رواه الحاكم ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ل طلق لمن لم يملك ‪ ،‬رقم ‪ ) 2/205 :‬وصححه ‪.‬‬ ‫وروى أبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في الطلق قبل النكاح ‪ ،‬رقم ‪ ، )2190 :‬والترمذي‬ ‫( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ل طلق قبل نكاح ‪ ،‬رقم ‪ ) 1181 :‬عن عبدال بن عمرو‬ ‫قال رسول ال‬

‫قال ‪:‬‬

‫عتْقَ له فيما ل يملكُ ‪ ،‬ول طلقَ له فيما‬ ‫‪ " :‬ل نذر لبن آدم فيما يملكُ ‪ ،‬ول ِ‬

‫ل يملكُ "‪.‬‬ ‫الشرط الثاني ‪ :‬تكامل الرشد ‪:‬‬ ‫فالصبي والمجنون والنائم ل يقع طلقهم ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه أبو داود ( في الحدود ‪ ،‬باب ‪ :‬في المجنون يسـرق أو يصيب حدّا‬ ‫‪ ،‬رقــم ‪ ) 4403 :‬وغيره عن على‬

‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬رُفِع القلمُ عن ثلثة ‪ :‬عن‬

‫النائم حتى يستيقظ ‪ ،‬وعن الصبيّ حتى يحتِلم َ‪ ،‬وعن المجنون حتى يْعقِلَ " والحتلم هو البلوغ‬ ‫والكبر ‪.‬‬ ‫ويدخل في حكم هؤلء الثلثة ‪ :‬الساهي ‪ ،‬والجاهل بمعنى الكلم الذي يقوله ‪ :‬ولكن ل‬ ‫تقبل دعواه أنه ساهٍ ‪ ،‬أو جاهل بمعنى ما يقول إل بقرينة أو بيّنة ‪.‬‬ ‫‪122‬‬

‫طلق السكران ‪:‬‬ ‫أما السكران ‪ ،‬فإن سكر بدواء ل مندوحة له عن استعماله ‪ ،‬وغاب من جرّائه عقله ‪ ،‬أو‬ ‫أُكره على شرب مُسكِر ‪ ،‬بالتهديد ‪ ،‬أو صُبّ المُسِكر في جوفه ‪ ،‬فإن حكمه كالصبي والنائم‬ ‫والساهي ‪ ،‬بجامع العذر في كلّ ‪.‬‬ ‫أما إن سكر متعديا ـ أي عن قصد واختيار وبدون عذر ـ فإن طلقه يقع ‪ ،‬ويعتبر‬ ‫كالرشيد حكما ‪ ،‬وعقوبة له على تعدّيه بشرب المُسكر ‪ ،‬لن السكران مكلّف ‪ ،‬ولنه بإجماع‬ ‫الصحابة مؤاخذ بما يتلفظ به حال سكره ‪ ،‬من عبارات القذف ‪ ،‬ونحوه ‪.‬‬ ‫الشرط الثالث تكامل الختيار ‪:‬‬ ‫فل يقع طلق المكره ‪ .‬لكن مع مراعاة الشروط التالية في الكراه ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن يكون الكراه بغير حق ‪ ،‬فإن أُكره على الطلق بحق ـ كأن كان مُضارا لزوجته ‪،‬‬ ‫فأكرهه الحاكم على تطليقها ـ فإن الطلق يقع ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يكون الكراه معتمدا على التهديد له مباشرة ‪ ،‬بما يحصل منه ضرر شديد ‪ :‬كالقتل ‪،‬‬ ‫والقطع ‪ ،‬والضرب المبرح ‪ ،‬ومثله الضرب القليل واليذاء البسيط بالنسبة لمن هو من‬ ‫ذوي القدار ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ وأن يكون المكره قادرا على تنفيذ ما هدد به ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك قول النبي‬

‫‪ " :‬ل طلق ول عتاق في إغْلَقٍ " ‪.‬‬

‫‪123‬‬

‫رواه ابن ماجه ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬طلق المكره والناسي ‪ ،‬رقم ‪ ) 2046 :‬أي في‬ ‫إكراه ‪ ،‬لن المكره يغلق عليه أمره ‪ ،‬وتصرّفه ‪.‬‬ ‫وروى ابن ماجه ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬طلق المكره والناسي ‪ ،‬رقم ‪ ) 2045 :‬وغيره‬ ‫‪ :‬أن النبي‬

‫قال ‪ " :‬إن ال وضع عن ُأمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ‪ .‬أي وضع‬

‫عنهم حكـم ذلك ‪ ،‬ل نفس هذه المور ‪ ،‬لنها واقعة ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن ل يصدر من الزوج ال ُم ْكرَه إل القدر الذي أُكره عليه ‪ ،‬فلو أُكره على الطلق مرة ‪ ،‬أو‬ ‫مطلقا ‪ ،‬فطلق طلقتين ‪ ،‬أو ثلثا ‪ ،‬وقع الطلق ‪.‬‬ ‫طلق الهازل واللعب ‪:‬‬ ‫إذا تأملت في الشروط التي ذكرناها لوقوع المكره علمت أن طلق الهازل واللعب واقع‬ ‫‪ ،‬إذا كان رشيدا بالغا عاقلً مختارا ‪ ،‬ول يُعدّ لعبه وهزله عذرا في عدم وقوع الطلق ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه الترمذي ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الجدّ والهزل في‬ ‫الطــلق ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 1184 :‬وأبو داود ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في الطلق على الهزل ‪ ،‬رقم‬ ‫‪ ، ) 2149 :‬وابن ماجه ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬من طلّق أو نكح أو راجع لعبا ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ) 2039‬عن أبي هريرة‬

‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬ثلث جدّهنّ جد ‪ ،‬وهزلهنّ جد ‪ :‬النكاح‬

‫‪ ،‬والطلق ‪ ،‬والرجعة " ‪.‬‬ ‫الكيفيات المشروعة للطلق ‪:‬‬ ‫يمكن إيقاع الطلق على كيفيات مختلفة ‪:‬‬ ‫ـ كالجمع بين الطلقات بلفظ واحد ‪ ،‬أو التفريق بينها ‪.‬‬ ‫‪124‬‬

‫ـ أو إيقاع الطلق منجزا ‪ ،‬أو معلقا على شرط ‪ ،‬أو مع استثناء ‪.‬‬ ‫الكيفية الولي للطلق ‪:‬‬ ‫واعلم أن الكيفية التي هي أفضل في الطلق شرعا ‪ ،‬والمتفقة مع الحكمة من جعل‬ ‫الشّارع طلق الرجل زوجته موزعا على ثلث مراحل ‪ ،‬هي ‪ :‬أن يطلّق طلقة واحدة في طهر‬ ‫لم يجامع الرجل زوجته فيه ‪ ،‬فإذا بدا له وندم أرجعها إليه أثناء العدّة ‪.‬‬ ‫فإن عاودته الرغبة في الطلق طلقها طلّقة ثانية ‪ ،‬وكان في يده بعد ذلك طلقة واحدة ‪،‬‬ ‫تبين بها زوجته عنه بينونة كبرى ‪ ،‬ول ترجع إليه إل بعد أن تنكح زوجا غيره نكاحا شرعيا‬ ‫كاملً ‪ ،‬وسيأتي بيان ذلك إن شاء ال تعالى ‪.‬‬ ‫وهذه الكيفية هي المفهومة من صريح قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬ ‫سرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‬ ‫ِب َم ْعرُوفٍ َأوْ تَ ْ‬

‫الطّلَقُ َم ّرتَانِ فَِإمْسَاكٌ‬

‫[ البقرة ‪. ] 229 :‬‬

‫حكم الطلق الثلث بلفظ واحد ‪:‬‬ ‫إذا لم يلتزم بالكيفية المفضلة للطلق ‪ ،‬فل يعني أن الطلق ل يقع ‪ ،‬بل يقع كيفما كان ‪،‬‬ ‫ما دامت الشروط التي تحدّثنا عنها مجتمعة في الشخص المطلق ‪.‬‬ ‫وعلى ذلك ‪ ،‬فلو جمع الطلقات الثلث بلفظ واحد في وقت واحد ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنتِ طالق ثلثا‬ ‫‪ ،‬بانت منه بثلث طلقات ‪ ،‬كما لو نطق بهنّ متفرقات ‪.‬‬ ‫ول يعتبر ذلك محرما ‪ ،‬بل هو خلف السنة ‪ ،‬وجنوح عن الطريقة المفضلة ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ما رواه الترمذي ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الرجل يطلق امرأته البتّة ‪ ،‬رقم‬ ‫‪ ، ) 1177 :‬وأبو داود ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في البتّة‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2208 :‬وابن ماجه ( في‬ ‫‪125‬‬

‫الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬طلق البتة رقم ‪ ) 20511 :‬أن ركانة طلّق زوجته البتّة ـ أي قال لها أنت‬ ‫طالق البتّة ـ فقال له النبي‬

‫‪ :‬ـ وقد سأله ركانة عن سبيل لرجعتها ـ ( آل ما أردت إل‬

‫واحدة ) ‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬ال ما أردت إل واحدة فردّها إليه ‪.‬‬ ‫فالحديث دليل على أن ركانة لو أراد بقوله ( البتّة ) ثلثا لوقعن ‪ ،‬ولما أذن له النبي‬ ‫بردها ‪ ،‬وإل لم يكن لسؤاله وتحليفه له أيّ معنى ‪.‬‬ ‫تعليق الطلق بصفة أو شرط ‪:‬‬ ‫كما يصح الطلق ويقع منجزا ‪ ،‬فإنه يصحّ معلقا ‪.‬‬ ‫ومعنى تعليق الطلق ‪ :‬أن يعلّق الزوج وقوع الطلق على حدوث صفة ‪ ،‬أو شرط ‪،‬‬ ‫سواء مما قد تتلبس به الزوجة أو غيرها ‪ ،‬كتعليقه طلقها على قدوم غائب ‪ ،‬أو على تصرّف‬ ‫معين قد تقوم به الزوجة أو غيرها ‪.‬‬ ‫مثال تعليق طلقها على صفة ‪ :‬أن يقول ‪ :‬أنت طالق عند قدوم أبيك ‪ ،‬أو أنت طالق في‬ ‫شهر رمضان فتطلق إذا قَدِم أبوها أو إذا دخل شهر رمضان ‪.‬‬ ‫ومثال تعليقه بالشرط أن يقول لها ‪ :‬أنت طالق إن خرجت من الدار ‪ ،‬أو أنت طالق إن‬ ‫دخل أخوك الدار ‪ ،‬فتطلق إن هي خرجت من الدار ‪ ،‬أو إن دخل أخوها الدار ‪.‬‬ ‫ودليل صحة تعليق الطلق على صفة أو شرط ‪ ،‬و وقوعه إذا تحقق ذلك الشرط ‪ ،‬أو تلك‬ ‫الصفة ‪ ،‬قول النبي‬

‫‪ " :‬المسلمون عند شروطهم " ‪.‬‬

‫رواه الحاكم ( البيوع ‪ ،‬باب ‪ :‬المسلمون على شروطهم والصلح جائز ‪. 2/49 :‬‬ ‫‪126‬‬

‫إذ يُفهم من الحديث أن الشروط التي يعلّق النسان عليها إبرام شيء تكون محل اعتبار‬ ‫وتقدير من الشارع ‪ ،‬ما لم تكن تحرم حللً ‪ ،‬أو تحلّ حراما ‪.‬‬ ‫الثار التي يترتب على الطلق المعلق ‪:‬‬ ‫ويترتب على الطلق المعلّق ما يلي ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ عدم وقوع الطلق ما دام الشيء الذي عُلق الطلق به لم يحصل بعد ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ تظل الحياة الزوجية مستمرة بكامل أحكامها ومستلزماتها ‪ ،‬ما دام الشرط المعلّق عليه لم‬ ‫يتحقق بعد ‪ ،‬وإن كان حصوله على حكم المحقّق ‪ .‬كقوله ‪ :‬إذا جاء شهر رمضان فأنت‬ ‫طالق ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ يقع الطلق بمجرد حصول الشرط الذي علّق الزوج الطلق به ‪ ،‬دون حاجة إلى أن ينطق‬ ‫نطقا جديدا بالطلق ‪.‬‬ ‫الستثناء في الطلق ‪:‬‬ ‫وكما يصحّ الطلق المعلّق بصفة ‪ ،‬أو شرط ‪ ،‬كما ذكرنا يصحّ الطلق الذي دخله‬ ‫الستثناء ‪.‬‬ ‫والمقصود بالستثناء في الطلق ‪ :‬أن يجمع بلفظ واحد أكثر من طلقة واحدة ‪ ،‬ثم يطرح‬ ‫بعضا منها بأداة الستثناء ‪ ،‬وهي ( إلّ ) بأن يقول ‪ :‬أنت طالق ثلثا ‪ ،‬إل طلقة واحدة ‪ ،‬أو إل‬ ‫طلقتين ‪.‬‬ ‫وذلك لن الستثناء من المعدود أسلوب عربي متّبع ‪ ،‬ومستعمل في كلّ من الكتاب والسنة‬ ‫‪ ،‬للتعبير عن المعاني ‪ ،‬وضبط الكميات والعداد ‪.‬‬ ‫‪127‬‬

‫قال ال تعالى حكاية عن نوح عليه السلم ‪:‬‬

‫خمْسِينَ عَاما‬ ‫سنَةٍ ِإلّا َ‬ ‫َفَل ِبثَ فِيهِمْ َأ ْلفَ َ‬

‫[ العنكبوت ‪] 14 :‬‬ ‫لذلك جاز استعمال الستثناء في التعبير عن الطلق ‪ ،‬وضبط عدد الطلقات المراد إيقاعها‬ ‫شروط صحة الستثناء في الطلق ‪:‬‬ ‫يشترط لصحة الستثناء في الطلق مراعاة الشروط التالية ‪:‬‬ ‫‪1‬ـأن ينوي المطلّق إلحاق الستثناء بكلمه قبل فراغه من النطق بالكلم الصلي المستثنى منه‬ ‫‪ .‬فلو أتمّ كلمه الصلي ‪ ،‬ثم طرأ على باله أن يستثني منه شيئا ‪ ،‬لم يصح الستثناء ‪،‬‬ ‫ووقع الطلق كما يقتضيه كلمه الصلي قبل تعليق الستثناء به ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يتصل لفظ الستثناء بلفظ المستثنى منه عُرفا ‪.‬‬ ‫فلو فصل بينهما بفاصل زمني يعتبره ال ُعرْف فاصلً ‪ :‬كدقيقة مثلً ‪ ،‬بطل استثناؤه ‪،‬‬ ‫ووقع الطلق كما يقتضيه لفظ المستثنى منه ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن ل يكون الستثناء مستغرقا لكمية المستثنى منه ‪ :‬كأن يقول ‪ :‬أنت طالق ثلثا إل ثلث‬ ‫طلقات ‪ ،‬فمثل هذا الستثناء يعتبر لغيا ‪ ،‬ويستقر الحكم على ما يقتضيه لفظ المستثنى‬ ‫منه ‪.‬‬ ‫وينبغي أن تعلم بعد هذا أن الستثناء من الكلم المثبت يعتبر نفيا ‪ ،‬وأن الستثناء من‬ ‫الكلم المنفي يعتبر إثباتا ‪ ،‬لن الستثناء يعطي نقيض الحكم الصلي للمستثنى ‪ ،‬فلو قال ‪ :‬ما‬ ‫طلّقتك إل طلقتين ‪ ،‬وقعت طلقتان ‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫دليل صحة الستثناء في الطلق ‪:‬‬ ‫ويستدل لصحة الستثناء في الطلق بقول النبي‬

‫‪ " :‬مَن أعتق ‪ ،‬أو طلّق واستثنى فله‬

‫ثنياه ‪. ":‬‬ ‫أي استثناؤه ‪ .‬ذكر ابن الثير في النهاية مادة ‪ ( :‬ثنا ) ‪.‬‬ ‫تفويض الطلق إلى الزوجة ‪:‬‬ ‫يصحّ للزوج أن يفوّض إيقاع الطلق إلى زوجته ‪ ،‬وهذا التفويض إنما هو بمثابة تمليك‬ ‫الطلق لها ‪.‬‬ ‫شروط وقوع طلق التفويض ‪:‬‬ ‫يشترط لوقوع هذا الطلق الشروط التالية ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن يكون الطلق منجزا ‪ ،‬فل يصحّ تعليقه على شيء ‪ :‬كإذا جاء الغد فطلّقي نفسك ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يكون الزوج المفوّض مكلفا ‪ ،‬فل يصحّ تفويض الصغير والمجنون ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن تكون الزوجة أيضا مكلفة ‪ ،‬فل يصحّ تفويض صغيرة أو مجنونة ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن تُطلّق نفسها على الفور ‪ ،‬بعد تفويضها مباشرة ‪ ،‬فلو أخّرت بقدر ما ينقطع به القبول‬ ‫من اليجاب ‪ ،‬لم يصحّ طلقها ‪.‬‬ ‫دليل جواز تفويض الطلق إلى الزوجة ‪:‬‬ ‫ويستدلّ على جواز ذلك ‪ ،‬بأن النبي‬ ‫وذلك لمّا نزل قول ال عز وجل ‪:‬‬

‫خيّر نساءه من بين المقام معه ‪ ،‬وبين مفارقته ‪،‬‬

‫حيَاةَ ال ّد ْنيَا‬ ‫جكَ إِن كُنتُنّ ُترِدْنَ الْ َ‬ ‫يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ قُل لَّأ ْزوَا ِ‬

‫جمِيلً‬ ‫سرَاحا َ‬ ‫حكُنّ َ‬ ‫سرّ ْ‬ ‫َوزِي َن َتهَا َف َتعَاَليْنَ ُأ َم ّت ْعكُنّ َوأُ َ‬

‫[ الحزاب ‪. ] 28:‬‬ ‫‪129‬‬

‫فلو لم يكن لختيارهنّ الفرقة لم يكن لتخييرهنّ معنى ‪.‬‬ ‫خاتمة في بعض مسائل الطلق ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ إذا تلفظ بالطلق باللغة العربية رجل غير عربي ‪ ،‬وهو ل يدري معناه ‪ ،‬فإنه ل يقع طلقه‬ ‫‪ ،‬لنتفاء قصده ‪ ،‬ولو تلفظ به بلغته وقع ‪ ،‬ولو لم ينوه إذا كان اللفظ الذي استعمله في‬ ‫الطلق صريحا في لغته ‪ ،‬أي ل يحتمل إل الطلق ‪ ،‬وإذا كان غير صريح اشترط‬ ‫لوقوع الطلق النية ‪ ،‬كما هو الشأن في اللغة العربية ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ قال رجل لزوجته ‪ :‬أنا منكِ طالق ‪ ,‬فإن نوى تطليقها طلقت ‪ ,‬وإن لم ينو لم تطلق ‪ ,‬لن‬ ‫اللفظ خرج عن الصراحة إلى الكناية ‪ ,‬بإضافته إلى غير محله ‪ ,‬فشرط فيه ما شرط في‬ ‫الكناية من قصد إيقاع الطلق‪.‬‬ ‫‪3‬ـ قال رجل لزوجته ‪ :‬أنت طالق ‪ ،‬أنت طالق ‪ ،‬أنت طالق ‪.‬‬ ‫فإن تخلل سكوت بين هذه الجمل بما يعد فاصل عرفا ‪ ،‬وقعت ثلث طلقات ‪ ،‬ول يقبل‬ ‫قضاء قوله أردت التأكيد ‪ ،‬لنه خلف الظاهر ‪ ،‬وإن لم يتخلل هذه الجمل فاصل ‪ ،‬فإن‬ ‫نوى التأكيد وقعت طلقة واحدة ‪ ،‬فإن نوى الثلث وقعت ثلثاُ ‪ ،‬وإن أطلق ‪ ،‬ولم ينو‬ ‫شيئا ‪ ،‬وقعت أيضا ثلثا ‪ .‬عملً بظاهر اللفظ ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ إذا قال لزوجته ‪ :‬إن شاء ال فأنت طالق ‪ :‬لم تطلق إن قصد التعليق بمشيئة ال عز وجل ‪،‬‬ ‫لن المعلق عليه من مشيئة ال تعالى غير معلوم ‪ .‬فإن لم يقصد بالمشيئة التعليق ‪ ،‬وإنما‬ ‫قصد بها التبرك ‪ ،‬أو لم يقصد شيئا ‪ ،‬فإن الطلق يقع ‪.‬‬

‫‪130‬‬

‫‪5‬ـ لو خاطبت الزوجة زوجها بمكروه ‪ ،‬فقالت له يا سفيه ‪ ،‬أو يا خسيس ‪ ،‬فقال لها ‪ :‬إن كنتُ‬ ‫كما تقولين فأنت طالق ‪.‬‬ ‫فإن قصد بذلك مكافأتها بإسماعها ما تكره ‪ ،‬وإغاظتها بالطلق كما أغاظته بالشتم ‪ ،‬فإن‬ ‫الطلق يقع ‪ ،‬وإن لم يكن سفيها ‪ ،‬ول خسيسا ‪ .‬وكأنه قال ‪ :‬إن كنت بزعمك كذلك فأنت‬ ‫طالق ‪.‬‬ ‫أما إذا أراد تعليق الطلق على وجود السفه والخسّة ‪ ،‬أو أطلق ‪ ،‬ولم يرد شيئا اعتبرت‬ ‫الصفة المعلّق عليها كما هو سبيل التعليقات ‪ ،‬فإن لم يكن سفيها أو خسيسا ‪ ،‬لم يقع الطلق ‪،‬‬ ‫وإن كانت كذلك ‪ ،‬وقع ‪.‬‬ ‫والسفيه ‪ :‬هو من يستحق الحَجْر عليه لسوء تصرفه بأمواله ‪.‬‬ ‫والخسيس ‪ :‬قيل هو ‪ :‬مَن باع دينه بدنياه ‪ .‬وقيل ‪ :‬هو مَن يتعاطى غير لئق به بخلً ‪.‬‬

‫أحكام الرجعة‬

‫اعلم أن الرجل إذا طلق زوجته ‪ ،‬فلبدّ أن يقع الطلق على واحد من الحوال التالية ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬أن يطلّقها قبل الدخول ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬أن يطلّقها على وجه المخالفة ‪ ،‬سواء كان ذلك قبل الدخول أم بعده ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬أن يطلّقها طلقا عاديا بعد الدخول طلقه ‪ ،‬أو طلقتين ‪.‬‬ ‫رابعا ‪ :‬أن يطلّقها طلقا عاديا ثلث تطليقات ‪.‬‬ ‫هذه هي الكيفيات التي يمكن أن يقع عليها الطلق ‪ ،‬فلنشرح ما يترتب على كل حالة من‬ ‫أحكام الرجعة إذا أراد الزوج أن يراجع زوجته بعدها‬ ‫‪131‬‬

‫أولً ‪ :‬إذا طلقها قبل أن يدخل بها ‪:‬‬ ‫إذا طلّق الرجل زوجته قبل أن يدخل بها ‪ ،‬بانت منه ‪ ،‬ولم يجز له أن يراجعا ‪ ،‬إذا ل‬ ‫يجب عليها أن تعتدّ منه ‪ ،‬لصريح قول ال عز وجل ‪:‬‬

‫حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ‬ ‫يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ‬

‫عَل ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َت ْعتَدّو َنهَا‬ ‫طلّ ْق ُتمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن َتمَسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ َ‬ ‫ثُمّ َ‬

‫[ الحزاب ‪ ] 49 :‬لذلك‬

‫ينتهي بها الطلق إلى البينونة رأسا ‪.‬‬ ‫ثم إذا كان طلّقها في هذه الحالة طلقة واحدة ‪ ،‬أو طلقتين ‪ ،‬لم تحلّ له إل بعقد ومهر‬ ‫جديدين ‪ ،‬بناء على اختيارها ورضاها ‪.‬‬ ‫وإن كان قد طلّقها ثلث تطليقات ‪ ،‬لم تحلّ له إل بعد أن تنكح زوجا غيره ‪ ،‬ويدخل بها‬ ‫الزوج الثاني ‪ ،‬ثم يطلّقها ‪ ،‬ثم تعتدّ منه ‪ ،‬ثم يتزوجها هو بعقد ومهر جديدين ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬إذا خالعها على مال ‪:‬‬ ‫إذا خالع الزوج زوجته ( وقد مرّ بك بيان الخلع ) بانت منه ‪ ،‬ولم يجز له أن يراجعها‬ ‫بموجب العقد والمهر جديدين ‪ ،‬كزوج جديد ‪ ،‬سواء كان ذلك الخلع قبل الدخول بها ‪ ،‬أو بعده ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬إذا طلّقها بعد الدخول طلقة أو طلقتين ‪:‬‬ ‫إذا طلّق الزوج زوجته بعد الدخول بها طلقة واحدة ‪ ،‬أو طلقتين ‪ ،‬جاز له أن يراجعها‬ ‫بموجب العقد والمهر الثابتين ‪ ،‬بناءً على رغبته المنفردة ‪ ،‬إذا كانت عدّتها لم تنقض بعد ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك صريح قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫َو ُبعُوَل ُتهُنّ أَحَقّ ِبرَدّهِنّ فِي َذِلكَ إِنْ َأرَادُواْ ِإصْلَحا‬

‫[ البقرة ‪. ] 228 :‬‬

‫‪132‬‬

‫والمراد بالردّ ‪ :‬الرجعة ‪ .‬وقال ال تعالى ‪:‬‬ ‫بِإِحْسَانٍ‬

‫سرِيحٌ‬ ‫الطّلَقُ َم ّرتَانِ فَِإمْسَاكٌ ِب َم ْعرُوفٍ َأوْ تَ ْ‬

‫[ البقرة ‪. ] 229 :‬‬

‫فإن المساك بمعروف بعد الطلق ل يكون إل بناءً على الرجعة ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك من السنّة ‪ :‬ما رواه أبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في المراجعة ‪ ،‬رقم ‪2283 :‬‬ ‫) عن عمر‬

‫‪ :‬أن رسول ال‬

‫طلق حفصة رضي ال عنها ‪ ،‬ثم راجعها ‪.‬‬

‫كيفية الرجعة ‪:‬‬ ‫ويكفي لرجاعها إلى عصمة نكاحه أن يقول ‪ :‬أرجعتك إلى عصمتي ‪ ،‬و عقد نكاحي ‪.‬‬ ‫ويسنّ أن يشهد على كلمه هذا شاهدين ‪ .‬واستدلّ لهذا بقوله تعالى ‪:‬‬ ‫شهِدُوا َذ َويْ عَدْلٍ مّنكُمْ‬ ‫َوأَ ْ‬

‫[ الطلق ‪. ] 2 :‬‬

‫فإن أرجعها عادت إليه بما بقي له من الطلق ‪ ،‬فإن كان قد طلّقها طلقة ‪ ،‬بقيت له‬ ‫اثنان ‪ ،‬وإن كان قد طلقها طلقتين ‪ ،‬بقيت له طلقة واحدة فقط ‪.‬‬ ‫فأما إذا لم يراجعها حتى انقضت عدّتها ‪ ،‬فإنها تصبح بذلك بائنة منه ‪ ،‬وعندئذ سبيل‬ ‫إليها إل بعقد ومهر جديدين ‪ ،‬باختيار منها ‪ ،‬كزوج جديد ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬قول ال عزّ وجلّ‬

‫ضلُوهُنّ أَن‬ ‫جَلهُنّ فَلَ َت ْع ُ‬ ‫طلّ ْقتُمُ النّسَاء َف َبَلغْنَ أَ َ‬ ‫َوإِذَا َ‬

‫ض ْواْ َب ْي َنهُم بِا ْل َم ْعرُوفِ‬ ‫جهُنّ إِذَا َترَا َ‬ ‫يَنكِحْنَ َأ ْزوَا َ‬

‫[ البقرة ‪. ] 232 :‬‬

‫فلو كان حق الرجعة ثابتا لزوجها الول ‪ ،‬لما أباح لها النكاح ممن تشاء من الزواج ‪.‬‬ ‫رابعا ‪ :‬إذا طلقها ثلث تطليقات ‪:‬‬

‫‪133‬‬

‫إذا طلق الزوج زوجته ثلث تطليقات ‪ ،‬سواء كنّ متفرقات ‪ ،‬أم مجتمعات بلفظ واحد ‪،‬‬ ‫وسواء كان الطلق قبل الدخول ‪ ،‬أو بعد الدخول ‪ ،‬بانت منه الزوجة ‪ ،‬ولم يعد له من سبيل‬ ‫إليها ‪ ،‬سواء أثناء العدّة أو بعدها ‪ ،‬إل بعد اجتيازها خمس مراحل من الشروط ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن تنقضي عدّتها من زوجها ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يعقد نكاحها بعد انقضاء عدّتها على زوج غير الول عقدا طبيعيا صحيحا ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن يدخل بها هذا الزواج الثاني دخولً حقيقيا ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن يطلّقها بعد ذلك ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ أن تنقضي عدّتها منه ‪.‬‬ ‫ثم إذا أراد بعد ذلك زوجها الول أن يعود إليها كان له ذلك ‪ ،‬لكن بناءً على رضاها ‪،‬‬ ‫وبعقد ومهر جديدين ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫غ ْي َرهُ‬ ‫ح ّتىَ تَنكِحَ َزوْجا َ‬ ‫طلّ َقهَا فَلَ تَحِلّ لَهُ مِن َبعْدُ َ‬ ‫َإِن َ‬

‫ظنّا أَن يُقِيمَا حُدُو َد اللّهِ‬ ‫جعَا إِن َ‬ ‫عَل ْي ِهمَا أَن َي َترَا َ‬ ‫جنَاحَ َ‬ ‫طلّ َقهَا فَلَ ُ‬ ‫فَإِن َ‬

‫[ البقرة ‪] 230 :‬‬

‫وروى البخاري ( الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬شهادة المختبي ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2496 :‬ومسلم ( في‬ ‫النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل تحل المطلقة ثلثا لمطلّقها حتى تنكح …‪ ،.‬رقم ‪ ) 1433 :‬عن عائشة رضي‬ ‫ال عنها قالت ‪ :‬جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي‬

‫فقالت ‪ :‬كنت عند رفاعة ‪ ،‬فطلقني فأبتّ‬

‫طلقي ‪ ،‬فتزوجت عبد الرحمن بن الزّبير ‪ ،‬إنما معه مثل هُدْبة الثوب ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬أتريدين أن‬ ‫ترجعي إلّ رفاعة ؟ ‪ ،‬حتى تذوقي عسيلته ‪ ،‬ويذوق عسيلتك ) ‪.‬‬

‫‪134‬‬

‫[ أبتّ طلقها ‪ :‬طلّقها ثلثا ‪ .‬هدبة الثوب ‪ :‬حاشيته ‪ ،‬شبّهت به استرخاء ذكره ‪ ،‬وأنه ل‬ ‫يقدر على الوطء ‪ .‬تذوقي عسيلته ‪ :‬هذا كناية عن الجماع ‪ .‬وعسيلة ‪ :‬قطعة صغيرة من‬ ‫العسل ‪ ،‬شبّه لذة الجماع بلذة ذوق العسل ] ‪.‬‬ ‫الحكمة من توقف حل المطلقة ثلثا على هذه الشروط ‪:‬‬ ‫ولعلّ الحكمة في إلزام المطلّقة بكل هذه الشروط التي ذكرنا لتحلّ لزوجها الول هي ‪:‬‬ ‫التنفير من الطلق الثلث ‪ ،‬وحمل الزواج بذلك على أن ل يتورطوا في الطلق الثلث ‪.‬‬ ‫الخلصة في الرجعة ‪:‬‬ ‫اعلم أن المطلّقة بالنسبة لمكان رجوعها إلى زوجها تسمى ‪:‬‬ ‫( رجعية ) إن طلّقت طلقة واحدة أو طلقتين ‪ ،‬بعد الدخول بها ‪ ،‬وعدّتها لم تنقضِ بعد ‪.‬‬ ‫وحكمها ‪ :‬جواز مراجعة زوجها لها ‪ ،‬بعقدها ومهرها السابقين وبموجب إرادته المنفردة‬ ‫( بائنة بينونة صغرى ) ‪ :‬وهي ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ المطلّقة طلقة واحدة أو طلقتين قبل الدخول بها ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ المطلّقة طلقة واحدة أو طلقتين بعد الدخول بها ‪ ،‬وقد انقضت عدّتها ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ المخالعة على بَدَلَ مالي ‪ ،‬كما سبق بيانه ‪.‬‬ ‫وحكمها ‪ :‬ل سبيل للزوج إليها إل بعقد ومهر جديدين ‪ ،‬وباختيارها ورضاها ‪.‬‬ ‫( بائنة بينونة كبرى ) ‪ :‬وهي التي طلّقها زوجها ثلث تطليقات ‪ ،‬سواء قبل الدخول بها‬ ‫‪ ،‬أو بعده ‪.‬‬ ‫وحكمها ‪ :‬ل تحلّ له إل بعد أن تنكح زوجا غيره ‪ ،‬على نحو ما قد سبق إيضاحه ‪.‬‬ ‫‪135‬‬

‫مشبهات الطلق‬

‫هنا ثلث مسائل ‪ ،‬تشبه في نتائجها الطلق ‪ ،‬أو هي قد تؤول إلى الطلق ‪ .‬وهذه‬ ‫المسائل هي ‪ :‬اليلء ‪ ،‬الظهار ‪ ،‬اللعان ‪ .‬لذلك جمعناها إلى بعضها تحت هذا العنوان ‪:‬‬ ‫( مشبّهات الطلق ) ثم لنشرح كلً منها على حدة ‪:‬‬ ‫تعريف اليلء ‪:‬‬

‫أول ً ـ اليلء‬

‫اليلء في اللغة من الليّة ‪ ،‬بمعنى اليمين ‪ .‬يقال ‪ :‬آلى فلن ‪ :‬أي أقسم ‪ ،‬وعليه قول ال‬ ‫سعَةِ أَن ُي ْؤتُوا ُأ ْولِي الْ ُق ْربَى وَا ْلمَسَاكِينَ … [ النور‬ ‫عزّ وجلّ ‪َ :‬ولَا يَ ْأتَلِ ُأ ْولُوا الْ َفضْلِ مِنكُمْ وَال ّ‬ ‫‪ ] 22 :‬أي ل يحلف ‪.‬‬ ‫واليلء اصطلحا ‪ :‬فهو أن يقسم الزوج المالك لحق الطلق ألّ يجامع زوجته مطلقا ‪ ،‬أو مدة‬ ‫تزيد على أربعة أشهر ‪.‬‬ ‫حكم اليلء ‪:‬‬ ‫إذا أقسم الزوج على أن يجامع زوجته مطلقا ‪ ،‬أو مدة تزيد على أربعة أشهر ‪ ،‬فهو مولٍ‬ ‫بذلك من زوجته ‪ .‬ويترتب على الزوج من الحكام الشرعية ما يلي ‪:‬‬ ‫يمهله الحاكم أربعة بدءا من اليوم الذي أقسم فيه أن ل يطأ زوجته ‪ ،‬كفرصة يمكنه من‬ ‫الرجوع والتكفير عنها ‪ ،‬أو من تطليقها إن لم يرد الرجوع والتفكير ‪.‬‬ ‫فإذا انتهت الشهر الربعة ‪ ،‬وهو ملتزم يمينه ‪ ،‬فهو عندئذ مضار لزوجته ‪ ،‬ويلزمه‬ ‫الحاكم بسبب ذلك ـ بناءً على طلب الزوجة ـ بأحد أمرين ‪:‬‬

‫‪136‬‬

‫‪1‬ـ الرجوع عن يمينه ‪ ،‬والتصال بزوجته ‪ ،‬ويكفّر عن يمينه ‪ ،‬إن كان قد أقسم بال ‪ ،‬أو‬ ‫بعض صفاته ‪ ،‬أو يأتي بما أقسم به إن كان قد حلف على أن يفعل عملً ‪ ،‬أو يتصدق‬ ‫بصدقة ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أو الطلق إن أبى إل التمسك بيمينه ‪.‬‬ ‫فإن أبى الزوج ‪ ،‬ورفض سلوك أحد هذين السبيلين ‪ ،‬أوقع القاضي عنه طلقة واحدة ‪،‬‬ ‫لنه حق توجه عليه لرفع الضرر عن الغير ‪ ،‬ول سبيل إلى ذلك إل بالتطليق عليه ‪.‬‬ ‫وتقع النيابة فيه ‪ ،‬كقضاء الدين ‪ ،‬وأداء الحقوق العينية ‪.‬‬ ‫هذا إذا لم يكن بالزوج عذر يمنعه من الوطء ‪ ،‬فأما إن كان عذر من مرض‬ ‫ونحوه ‪ ،‬طولب بالرجوع عن إيلئه بلسانه ‪ ،‬بأن يقول ‪ :‬إذا قدرت رجعت عن التزامي ويميني‬ ‫دليل أحكام اليلء ‪:‬‬ ‫ودليل أحكام اليلء التي ذكرناها قول ال عز وجل ‪:‬‬

‫ّللّذِينَ ُي ْؤلُونَ مِن نّسَآ ِئهِمْ َت َربّصُ‬

‫علِيمٌ‬ ‫سمِيعٌ َ‬ ‫ن اللّهَ َ‬ ‫ع َزمُواْ الطّلَقَ فَإِ ّ‬ ‫ش ُهرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ{‪َ }226‬وإِنْ َ‬ ‫َأ ْر َبعَةِ أَ ْ‬ ‫[ البقرة ‪ 226 :‬ـ ‪. ] 227‬‬ ‫[ يؤلون ‪ :‬يحلفون ‪ .‬تربص ‪ :‬انتظار ‪ .‬فاؤوا ‪ :‬رجعوا عن الحلف إلى الوطء ‪ .‬عزموا‬ ‫الطلق ‪ :‬أوقعوه ] ‪.‬‬ ‫وروى مالك رحمه ال تعالى في كتابه المؤطأ ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬اليلء ‪ ) 2/556‬عن‬ ‫علي‬

‫أنه كان يقول ‪ :‬إذا آلى الرجل من امرأته ‪ ،‬لم يقع عليه طلق ‪ ،‬وإن مضت الربعة‬

‫أشهر ‪ ،‬حتى يوقف ‪ :‬فإما أن يطلّق ‪ ،‬وإما أن يفيء‪.‬‬ ‫‪137‬‬

‫وروى مثل ذلك عن ابن عمر رضي ال عنهما ‪.‬‬ ‫ومثل هذا الحكم ل يقال من قبل الرأي ‪ ،‬لذلك كان لهذا الحديث حكم المرفوع إلى رسول ال‬ ‫‪.‬‬ ‫تعريف الظهار ‪:‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬الظهار ‪:‬‬

‫الظهار ـ لغة ـ مأخوذ من الظهر ‪ ،‬لن صورته الصلية أن يقول الرجل لزوجته ‪:‬‬ ‫أنت عليّ كظهر أمي ‪.‬‬ ‫وتعريف الظهار في الصطلح ‪ :‬أن تشبّه الزوج زوجته في الحرمة بإحدى محارمه ‪ :‬كأمه ‪،‬‬ ‫وأخته ‪.‬‬ ‫وكان العرب في الجاهلية يعتبرون الظهار أسلوبا من أساليب الطلق ‪ .‬ولكن الشريعة‬ ‫السلمية أعطته اعتبارا آخر ‪ ،‬و َبنَت عليه أحكاما أخرى غير الطلق ‪.‬‬ ‫حكم الظهار من حيث الحلّ والحرمة ‪:‬‬ ‫الظهار حرام بإجماع المسلمين ‪ ،‬وهو كبيرة من الكبائر ‪ ،‬بدليل أن ال عز وجل سماه‬ ‫منكرا من القول وزورا ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬

‫َوِإ ّنهُمْ َليَقُولُونَ مُنكَرا مّنَ الْ َقوْلِ َوزُورا‬

‫[المجادلة‪:‬‬

‫‪]2‬‬ ‫ألفاظ الظهار ‪:‬‬ ‫تنقسم اللفاظ التي تعتبر دالّة على الظهار إلى قسمين ‪ :‬صريح ‪ ،‬وكناية ‪.‬‬

‫‪138‬‬

‫أما اللفظ الصريح ‪ :‬وهو الذي ل يحتمل غير الظهار ـ فهو أن يقول لزوجته ‪ :‬أنت‬ ‫عليّ كظهر أمي ‪ .‬أو أنت عندي – كظهر أُمي ‪ .‬فإذا تلفظ بهذا الكلم ‪ ،‬فهو مظاهر من‬ ‫زوجته ‪ ،‬سواء وجت نيّة ذلك لديه أم لم توجد ‪ ،‬مادام ممّن يصحّ منهم الطلق ‪ ،‬أ ما دام رشيدا‬ ‫واعيا لمعنى ما يقول ‪.‬‬ ‫أما اللفظ الكنائي ـ وهو ما يحتمل الظهار وغيره ـ فهو مثل أن يقول لزوجته ‪ :‬أنت عليّ‬ ‫كأمي وأختي ‪ ،‬أو ‪ :‬أنت عندي مثل أمي وأختي ‪.‬‬ ‫فإذا نطق بمثل هذه اللفاظ ‪ ،‬فإنها تنصرف إلى المعنى الذي أراده عند التلفّظ بها ‪.‬‬ ‫فإن كان قصد بها الظهار كان مظاهرا ‪ ،‬وإن كان قصد بها تشبيه زوجته بأمه أو أخته‬ ‫في الكرامة والتقدير لم يكن مظاهرا ‪ ،‬وليس عليه شئ أبدا ‪.‬‬ ‫أحكام الظهار ‪:‬‬ ‫إذا نطق الزوج بلفظ الظهار الصريح ‪ ،‬أو بشيء من ألفاظه الكنائية ‪ ،‬وأراد بذلك معنى‬ ‫الظهار ‪ ،‬وهو تشبه الزوجة بمحارمه في الحرمة عليه ‪ ،‬فإنه ينظر ‪:‬‬ ‫ـ فإن أتبع كلمه هذا بالطلق ‪ ،‬فإن حكم الظهار يندرج في الطلق ‪ ،‬ول يبقى له من‬ ‫أثر ‪ ،‬إذ يأتي الطلق بمثابة تفسير للفظ الظهار ‪ ،‬فيلغو حكم الظهار ‪ ،‬ويستقر الطلق ‪.‬‬ ‫ـ أما إن لم يتبع ذلك بالطلق ‪ ،‬ولم يحصل ما يقطع النكاح ‪ ،‬فإنه يعتبر عائدا في‬ ‫كلمه ‪ ،‬مخالفا لما قاله ‪ ،‬فإن عدم انفصاله عن زوجته ‪ ،‬و قد شبّهها في الحرمة بمحاربة ـ‬ ‫يعتبر نقضا منه لهذا التشبيه ‪ ،‬ومخالفة لمقتضاه ‪ .‬وعندئذ تلزمه كفّارة ‪ ،‬يُكلف بإخراجها على‬ ‫الفور ‪.‬‬ ‫‪139‬‬

‫كفارة الظهار ‪:‬‬ ‫وكفّارة الظهار مرتبة ـ حسب المكان ـ وفق ما يلي ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المُخلّة بالكسب والعمل ‪ ،‬كالزمانة ‪ ،‬أو فَقْد عضو ‪،‬‬ ‫كرجْل مثلً ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ فإن لم يكن رقيق كعصرنا اليوم ‪ ،‬أو كان ‪ ،‬ولكنه عجز عنه ‪ ،‬فصيام شهرين قمريين‬ ‫متتابعين ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ فإن لم يستطيع الصوم ‪ ،‬أو لم يستطيع الصبر على تتابع الصوم ‪ ،‬لمرض ‪ ،‬أو هرم ‪،‬‬ ‫فإطعام ستين مسكينا ‪ ،‬لكل مسكين مدّ من غالب قوت البلد ‪.‬‬ ‫دليل ترتيب الكفّارة ‪:‬‬ ‫والدليل على هذا الترتيب في كفّارة الظهار ـ ما سيأتي في أحكام الظهار عامة ـ وما‬ ‫رواه الترمذي ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في كفارة الظهار ‪ ،‬رقم ‪ )1200 :‬وغيره ‪ :‬أن سلمان‬ ‫بن صخر النصاري ‪ ،‬أحد بني بياضة ‪ ،‬جعل امرأته عليه كظهر أُمه ‪ ،‬حتى يمضي رمضان ‪،‬‬ ‫فلما مضى نصف من رمضان ‪ ،‬وقع عليها ليلً ‪ ،‬فأتى رسول ال‬ ‫رسول ال‬

‫‪ ،‬فذكر ذلك له ‪ ،‬فقال‬

‫‪ " :‬أعتق رقبة " ‪ .‬قال ‪ :‬ل أجدها ‪ ،‬قال ‪ " :‬فصم شهرين متتابعين "‪ .‬قال ‪ :‬ل‬

‫أجد‪ .‬فقال رسول ال‬

‫لفروة بن عمرو ‪ " :‬أعطه ذلك العرق " وهو مكتل يأخذ خمسة عشر‬

‫صاعا ‪ ،‬أو ستة عشر ‪ ،‬إطعام ستين مسكينا ‪.‬‬ ‫كفارة الظهار تخرج فورا ‪:‬‬

‫‪140‬‬

‫إن كفّارة الظهار يُطالب بها الزوج على الفور ‪ ،‬أي إنه ل يحلّ له وطء زوجته قبل‬ ‫التفكير بأيّ النواع الثلثة التي سبق ذكرها ‪ ،‬فإذا وطىء زوجته قبل التفكير ‪ ،‬فقد عصى ‪،‬‬ ‫ولزمته الكفّارة ‪ ،‬لن الوطء قبل التفكير حرام ‪ .‬لقول ال عزّ وجل ‪ :‬مّن َقبْلِ أَن َي َتمَاسّا‬ ‫[ المجادلة ‪. ] 3 :‬‬ ‫روى الترمذي ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر ‪ ،‬رقم ‪1199 :‬‬ ‫) ‪ ،‬وابن ماجه ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬المظاهر يجامع قبل أن يكفر ‪ ،‬رقم ‪ ) 2065 :‬وغيرهما عن‬ ‫ل أتى النبي‬ ‫ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬أن رج ً‬

‫قد ظاهر من امرأته ‪ ،‬فوقع عليها ‪ ،‬فقال‬

‫‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني قد ظاهرت من زوجتي ‪ ،‬فوقعت عليها قبل أن أُكفّر ‪ ،‬فقال ‪ " :‬وما حملك‬ ‫على ذلك ‪ ،‬يرحمك ال "؟ يرحمك ال " ؟ قال ‪ :‬رأيت خلخالها في ضوء القمر ‪ ،‬قال ‪ " :‬فل‬ ‫تقربها حتى تفعل ما أمرك ال به " ‪.‬‬ ‫دليل أحكام الظهار عامة ‪:‬‬ ‫ويستدل لحكام الظهار جملة ‪ :‬بما جاء عن عائشة رضي ال عنها أن امرأة أوس بن‬ ‫الصامت ـ رضي ال عنها ـ جاءت تشتكي زوجها إلى رسول ال‬

‫وهي تقول ‪ :‬يا رسول‬

‫ال ‪ ،‬أكل شبابي ونثرت له بطني ‪ ،‬حتى إذا كبرت سنّي وانقطع ولدي ظاهر مني ‪ ،‬اللّهمّ إني‬ ‫أشكو إليك ‪ ،‬فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلء اليات ‪:‬‬

‫سمِعَ‬ ‫قَدْ َ‬

‫…‬

‫رواه ابن ماجه ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬الظهار‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2063 :‬وأبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب‬ ‫‪ :‬في الظهار ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2214 :‬والحاكم ( في المستدرك ‪ :‬التفسير ‪ ،‬تفسير سورة المجادلة ‪:‬‬ ‫‪.. ) 2/481‬‬ ‫‪141‬‬

‫واليات هي ‪:‬‬ ‫سمَعُ تَحَا ُو َر ُكمَا إِنّ‬ ‫ش َتكِي ِإلَى اللّهِ وَاللّهُ يَ ْ‬ ‫جهَا َوتَ ْ‬ ‫سمِعَ اللّهُ َقوْلَ اّلتِي تُجَا ِدُلكَ فِي َزوْ ِ‬ ‫قَدْ َ‬ ‫سمِيعٌ َبصِيرٌ{‪ }1‬الّذِينَ يُظَا ِهرُونَ مِنكُم مّن نّسَا ِئهِم مّا هُنّ ُأ ّمهَا ِتهِمْ إِنْ ُأ ّمهَا ُتهُمْ ِإلّا اللّائِي َولَ ْد َنهُمْ‬ ‫اللّهَ َ‬ ‫َوِإ ّنهُمْ َليَقُولُونَ مُنكَرا مّنَ الْ َقوْلِ َوزُورا َوإِنّ اللّهَ َلعَ ُفوّ غَفُورٌ{‪ }2‬وَالّذِينَ يُظَا ِهرُونَ مِن نّسَا ِئهِمْ ثُمّ‬ ‫خبِيرٌ{‪}3‬‬ ‫حرِيرُ رَ َقبَةٍ مّن َقبْلِ أَن َي َتمَاسّا َذِلكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللّهُ ِبمَا َت ْع َملُونَ َ‬ ‫َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا َفتَ ْ‬ ‫سكِينا َذِلكَ‬ ‫ستّينَ مِ ْ‬ ‫طعَامُ ِ‬ ‫ستَطِعْ َفإِ ْ‬ ‫ش ْه َريْنِ ُم َتتَا ِب َعيْنِ مِن َقبْلِ أَن َي َتمَاسّا َفمَن لّمْ يَ ْ‬ ‫صيَامُ َ‬ ‫َفمَن لّمْ يَجِدْ َف ِ‬ ‫ِل ُت ْؤ ِمنُوا بِاللّهِ َورَسُولِهِ َو ِت ْلكَ حُدُو ُد اللّهِ َوِللْكَا ِفرِينَ عَذَابٌ َألِيمٌ‬

‫تعريف اللعان ‪:‬‬

‫[ المجادلة ‪. ] 4-1 :‬‬

‫ثالثا ً ـ اللعان‬

‫اللعان ـ لغة ـ مصدر لعن ‪ ،‬وهو الطرد ‪ ،‬والبعاد ‪.‬‬ ‫منه ‪ :‬لعنه ال ‪ ،‬أي طرده وأبعده ‪.‬‬ ‫وسمي بذلك لبعد الزوجين كلّ منهما عن الخر ‪.‬‬ ‫وأما اللعان شرعا ‪ :‬فهو كلمات معينة ‪ ،‬جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطّخ‬ ‫فراشة ‪ ،‬وألحق العار به ‪.‬‬ ‫وسمي لعانا ‪ ،‬لشتمال هذه الكلمات على لفظ اللعن ‪ ،‬ولن كل من المتلعنين يبتعد عن‬ ‫الخر باللعان ‪.‬‬

‫‪142‬‬

‫الحكمة من مشروعية اللعان ‪:‬‬ ‫أعلم أن حكم اللعان جاء مخالفا لما يقتضيه عموم حكم القذف ‪ ،‬من استحقاق القاذف الحدّ‬ ‫‪ ،‬وبراءة المقذوف حكما مما قد رماه به القاذف ‪.‬‬ ‫فما هي حكمة هذه المخالفة ؟ ولماذا لم تنطبق أحكام القذف على مَن جاء بقذف زوجته‬ ‫بالفاحشة ؟‬ ‫والجواب ‪ :‬أن غير الزوج بالنسبة لزوجته غير مضطر إلى أن يرمي أحدا من الناس‬ ‫بالفاحشة ‪ ،‬صادقا كان في ذلك أم كاذبا ‪.‬‬ ‫بل الدب السلمي يقضي بأن يستر المسلم ما قد ينكشف له من عيوب الخرين ‪،‬‬ ‫ويكتفي بالنصح لهم ‪ ،‬في ستر ونَجْوة من الناس ‪.‬‬ ‫أما الزوج بالنسبة لزوجته ‪ ،‬فإنه يشبه أن يكون مضطرا إلى الكشف عن حقيقتها ‪،‬‬ ‫وواقع أمرها في ارتكاب الفاحشة ‪ ،‬لن ارتكابها ذلك تلطيخ لفراشه ‪ ،‬وإلحاق للعار به ‪ .‬وهو‬ ‫عذر شرعي يعطيه حق النفصال عنها ‪.‬‬ ‫ولو انفصل عنها بطلق لستلزم ذلك أن يقع في ظلم آخر يلحقه بنفسه ‪ ،‬وهو الحكم لها‬ ‫بكامل المهر ‪ ،‬دون أن تستحق شيئا منه بسبب سوء سلوكها ‪.‬‬ ‫لذلك كان لبدّ ـ لنصافه ـ من أن يشرع حكم خاص بهذه الحالة ‪ ،‬يضمن بقاء كل‬ ‫من الزوجين في كنف العدالة ‪ ،‬دون أن يذهب واحد منهما ضحّية لظلم الخر ‪.‬‬ ‫وكان هذا الحكم هو ‪ :‬حكم اللعان ‪ ،‬الذي سنقف على موجز لتفاصيله ‪.‬‬

‫‪143‬‬

‫وبهذا تدرك الحكمة من أن قذف الزوج لزوجته ‪ ،‬إذا جاء على النحو الذي‬ ‫رسمته الشريعة السلمية ‪ ،‬ل يستوجب حدّا أبد له ‪ ،‬فإن القاذف إنما يُحدّ لتهامه بالكذب من‬ ‫جانب ‪ ،‬ولعدم اهتمامه بستر حال المسلمين من جانب آخر ‪.‬‬ ‫أما الزوج فإنه يبعد جدا أ‪ ،‬يقذف زوجته كاذبا ‪ ،‬لم يلحقه بسبب هذا الكذب من العار ‪،‬‬ ‫وسوء السمعة ‪ ،‬وهو معذور في أن ل يستر حال زوجته ‪ ،‬لن ستره لها إلحاق للعار به ‪ ،‬وهو‬ ‫إسقاط لمروءته وحُسن سيرته بين الناس ‪.‬‬ ‫حكم قذف الزوجة ‪:‬‬ ‫القذف ‪ :‬هو أن يرمي زوجته بالزنى ‪ ،‬وللزوج الحق في أن يرميها بذلك إذا علم‬ ‫زناها ‪ ،‬أو ظنه ظنا مؤكدا ‪ :‬كظهور زناها بفلن من الناس ‪ ،‬مع رؤيتهما في خلوة منفردين ‪.‬‬ ‫هذا الحكم ـ وهو إباحة رمي الزوجة بالزنى ـ إذا لم يكن هناك ولد ‪ ،‬أما إذا كان هناك ولد ‪،‬‬ ‫والزوج يعلم أنه ليس منه ‪ ،‬فإنه والحالة هذه يجب عليه أن يرمي زوجته ‪ ،‬وينفي الولد عن‬ ‫نفسه ‪ ،‬لن ترك نفسي الولد عن نفسه يتضمن استلحاقه ‪ ،‬واستلحاق من ليس منه حرام ‪،‬‬ ‫كحرمة نفي مَن هو منه ‪ ،‬لكن كيف يعلم أن هذا الولد ليس منه ‪.‬‬ ‫طريق العلم بذلك أن يكون لم يطأ زوجته ‪ ،‬أو أن زوجته قد أتت بالولد لدون ستة أشهر‬ ‫من الوطء ‪ ،‬التي هي أقل مدة الحمل ‪ ،‬أو ولدته لكثر من أربع سنين من الوطء ‪ ،‬التي هي‬ ‫أكثر مدة الحمل ‪ ،‬ففي هذه الحالت يثبت أن الولد ليس من هذا الزوج ‪ ،‬وعندئذ يجب نفيه عن‬ ‫نفسه ‪ ،‬لئل يلحق به ‪.‬‬

‫‪144‬‬

‫كيفية لعان الزوج ‪:‬‬ ‫إذا رمى الرجل زوجته بالزنى فعليه حدّ القذف ‪ ،‬إل أن يقيم البيّنة ‪ ،‬والبيّنة أربعة شهداء‬ ‫‪ ،‬بما فيهم الزوج ‪.‬‬ ‫وهذا هو الحكم العام لمقتضى القذف ‪ ،‬وقد قال النبي‬ ‫عند النبي‬

‫لهلل بن أُمية‬

‫لما قذف امرأته‬

‫‪ ":‬البينّة أو حدّ في ظهرك " فقال هلل ‪ :‬والذي نعثك بالحق إني صادق ‪َ ،‬فلْينزلنّ‬

‫ال ما يبرئ ظهري من الحدّ ‪.‬‬ ‫وقد نزل حكم اللعان ‪ ،‬فكان السبيل الذي يدرأ به الزوج عن نفسه حدّ القذف ‪ ،‬إذا قذف‬ ‫زوجته بالزنى ‪ ،‬فكيف تكون الملعنة إذا ؟‬ ‫جمْع من الناس ‪ ،‬يسنّ أن يكونوا من‬ ‫الملعنة ‪ :‬أن يقول الزوج عند الحاكم أمام َ‬ ‫وُجهائهم ‪ ،‬وصالحيهم ‪ ،‬وأن يكون ذلك في المسجد ‪ ،‬فوق مكان مرتفع ‪ ،‬كمنبر وغيره ‪ ،‬يقول‬ ‫أشهد بال إنني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلنة من الزنى ‪ ،‬وأن هذا الولد‬ ‫( إن كان لها ولد ‪ ،‬أو حمل ) من الزنى وليس منّي ‪.‬‬ ‫يقول ذلك أربع مرات ‪ ،‬يشير في كل مرة بيده إلى زوجته ‪ ،‬إن كانت حاضرة ‪.‬‬ ‫ثم يقول في المرة الخامسة ‪ :‬بعد أن يعظه الحاكم ‪ ،‬ويحذّره من الكذب ‪ ،‬يقول ‪ :‬وعلىّ‬ ‫لعنة ال إن كنت من الكاذبين ‪.‬‬ ‫دليل هذا اللعان ‪:‬‬ ‫ويستدلّ على تشريع اللعان بالنسبة للزوج يقول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫‪145‬‬

‫شهَادَاتٍ‬ ‫شهَا َدةُ أَحَدِهِمْ َأ ْربَعُ َ‬ ‫سهُمْ فَ َ‬ ‫شهَدَاء ِإلّا أَنفُ ُ‬ ‫جهُمْ َولَمْ َيكُن ّلهُمْ ُ‬ ‫وَالّذِينَ َي ْرمُونَ َأ ْزوَا َ‬ ‫عَليْهِ إِن كَانَ مِنَ ا ْلكَا ِذبِينَ‬ ‫بِاللّهِ ِإنّهُ َلمِنَ الصّادِقِينَ{‪ }6‬وَالْخَامِسَةُ أَنّ َل ْع َنتَ اللّهِ َ‬

‫[النور‪] 7 -6 :‬‬

‫ويستدل من السنة بما رواه البخاري ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬التلعن في المسجد ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ) 5003‬ومسلم ( أول كتاب اللعان ‪ ،‬رقم ‪ ) 1429 :‬عن سهل بن سعد‬ ‫النصار جاء إلى رسول ال‬

‫‪ :‬أن رجلً من‬

‫فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪.‬أرأيتَ رجلً وجد من امرأته رجلً ‪ ،‬أيقتله‬

‫‪ ،‬أم كيف يفعل ؟ فأنزل ال في شأنه ما ذُكرَ في القرآن من أمر المتلعنين ‪ ،‬فقال النبي‬

‫‪ ":‬قد‬

‫قضى ال فيك وفي امرأتك " ‪ .‬قال فتلعنا في المسجد وأنا شاهد ‪.‬‬ ‫وفي رواية ‪ :‬فتلعنا وأنا مع الناس عند رسول ال‬

‫‪.‬‬

‫الحكام التي تترتب على لعان الزوج ‪:‬‬ ‫إذا لعَنَ الزوج زوجته ‪ ،‬على الكيفية التي ذكرناها ‪ ،‬ترتب على ذلك خمسة أحكام ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ سقوط حدّ القذف عن الزوج ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وجوب حدّ الزنى على الزوجة ‪ ،‬إل أن تلعن هي أيضا ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ زوال الفراش ‪ ،‬أي انقطاع النكاح بينهما ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ نفي الولد ‪ ،‬وانقطاع نسبه عن الزوج إن نفاه في لعانه ‪ ،‬وإلحاقه بالزوجة ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ حُرمة كلّ من الزوجين على الخر إلى البد ‪.‬‬ ‫روى البخاري ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬يلحق الولد بالملعنة ‪ ،‬رقم ‪ ، )5559 :‬ومسلم‬ ‫( في اللعان ‪ ،‬رقم ‪ )1494 :‬عن ابن عمر رضي ال عنهما ‪ :‬أن النبي‬

‫لعَنَ بين رجل‬

‫وامرأته ‪ ،‬فانتفى مَن ولدها ‪ ،‬ففرق بينهما ‪ ،‬وألحق الولد بالمرأة ‪.‬‬ ‫‪146‬‬

‫قال‬

‫وروى أبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في اللعان ‪ ،‬رقم ‪ ) 2250 :‬عن سهل بن سعد‬ ‫‪ :‬مضت السنّة بعدُ في المتلعنين أن يفرّق بينهما ‪ ،‬ثم ل يجتمعان أبدا ‪.‬‬ ‫كيفية لعان الزوجة ‪:‬‬

‫كما أن لعان الزوج هو السبيل الذي يدرأ عنه حدّ القذف ‪ ،‬فإن لعان الزوجة هو السبيل‬ ‫الذي يدرأ عنها ح ّد الزنى ‪ ،‬الذي يتعلق بها بسبب لعان الزوج ‪.‬‬ ‫إما كيفية لعان الزوجة ‪ ،‬فهو أن تقول ‪:‬‬ ‫أشهد بال أن فلنا من الكاذبين فيما رماني به من الزنى ‪ .‬تقول ذلك أربع مرات ‪ ،‬ثم‬ ‫تقول في المرة الخامسة ‪ :‬وعلىّ غضب ال إن كان من الصادقين ‪ .‬فإذا قالت ذلك سقط عنها‬ ‫ح ّد الزنى‬ ‫دليل لعان الزوجة ‪:‬‬ ‫والدليل على ذلك قول ال عز وجلّ ‪:‬‬

‫شهَادَاتٍ‬ ‫شهَدَ َأ ْربَعَ َ‬ ‫ع ْنهَا ا ْلعَذَابَ أَنْ تَ ْ‬ ‫َويَ ْد َرأُ{‪َ }7‬‬

‫ن الصّادِقِينَ‬ ‫عَل ْيهَا إِن كَانَ مِ َ‬ ‫ضبَ اللّهِ َ‬ ‫غ َ‬ ‫بِاللّهِ ِإنّهُ َلمِنَ ا ْلكَا ِذبِينَ{‪ }8‬وَالْخَامِسَةَ أَنّ َ‬

‫[ النور ‪8 :‬ـ‬

‫‪. ]9‬‬ ‫من أهم شرائط اللعان ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن يتقدم القذف على اللعان ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يتقدم لعان الزوج على لعان الزوجة ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن يلتزم كل من الزوج والزوجة نصّ الكلمات التي ذكرناها ‪ ،‬فلو أبدل أحد الزوجين لفظ‬ ‫الشهادة بغيرها ‪ :‬كالحلف ‪ ،‬أو القسم ‪ ،‬أو أبدل لفظ الغضب باللعن ‪ ،‬أو العكس ‪ ،‬لم‬ ‫‪147‬‬

‫يصحّ اللعان ‪ .‬لن ألفاظ اللعان وردت بنصّها في صريح كتاب ال عزّ وجلّ ‪ ،‬فيجب‬ ‫المحافظة عليها في صيغة الملعنة ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن يكون بين الشهادات الخمس التي يشهدها كل من الزوجين موالة وتتابع ‪ ،‬فل يجوز أن‬ ‫يقع ما يعدّ في العُرف فاصلً بينهما ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ يجب على الحاكم أن ينصح كلً من الزوجين ‪ ،‬ويحذره الكذب ومغبّته ‪ ،‬وأن يقول لهما‪:‬‬ ‫حسابكما على ال ‪ ،‬أحدكما كاذب ‪ ،‬فهل منكما من تائب ‪.‬‬ ‫روى الترمذي ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في اللعان ‪ ،‬رقم ‪ ) 1202 :‬عن ابن‬ ‫عمر رضي ال عنهما أن النبي‬

‫دعا الرجل ‪ ،‬فتل عليه اليات ‪ ،‬ووعظه وذكره ‪ ،‬وأخبره‬

‫أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها ‪.‬‬ ‫ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها ‪ ،‬وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة ‪،‬‬ ‫فقالت ‪ :‬ل والذي بعثك بالحق ما صدق ‪.‬‬ ‫قال فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات إنه لمن الصادقين ‪ ،‬والخامسة إن لعنة ال عليه إن‬ ‫كان من الكاذبين ‪.‬‬ ‫ثم ثنى بالمرأة ‪ ،‬فشهدت أربع شهادات بال إنه لمن الكاذبين ‪ ،‬والخامسة أن غضب ال‬ ‫عليها إن كان من الصادقين ‪ .‬ثم فرّق بينهما ‪.‬‬ ‫وفي رواية عند البخاري ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬قول المام للمتلعنين ‪ :‬أحدكما كاذب …‪،.‬‬ ‫رقم ‪ ) 5006 :‬قال النبي‬

‫لهما " حسابكما على ال ‪ ،‬أحدكما كاذب ‪ ،‬ل سبيل لك عليها " ‪.‬‬

‫‪148‬‬

‫وروى البخاري ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬يبدأ الرجل بالتلعن ‪ ،‬رقم ‪ ) 5001 :‬عن ابن‬ ‫عباس رضي ال عنهما ‪ :‬أن هلل بن أمّية قذف امرأته ‪ ،‬فجاء فشهد ‪ ،‬والنبي‬

‫يقول ‪ " :‬إن‬

‫ال أن أحدكما كاذب ‪ ،‬فهل منكما تائب " ‪.‬‬ ‫وروى أبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬التغليظ في النتفاء ‪ ،‬رقم ‪ ) 2263‬وغيره عن أبي‬ ‫هريرة‬

‫‪ :‬أنه سمع رسول ال‬

‫يقول حين نزلت آية المتلعبين ‪ ":‬أيّما امرأة أدخلت على قوم‬

‫مَن ليس منهم ‪ ،‬فليست من ال في شيء ولن يدخلها ال جنته ‪ .‬وأيما رجل جحد ولده ‪ ،‬وهو‬ ‫ينظر إليه احتجب ال منه ‪ ،‬وفضحه على رؤوس الولين والخرين "‪.‬‬ ‫نسأل ال تعالى اللطف في الدنيا والخرة ‪.‬‬

‫تعريف العدة ‪:‬‬

‫العــــدَّة‬

‫العدّة ـ لغة ـ اسم مصدر عدّ يعدّ ‪ ،‬أما المصدر ‪ :‬فهو ( عدّ ) والعدّة ‪ :‬مأخوذة من‬ ‫العدد ‪ ،‬لشتمالها عليه ‪ ،‬من القراء ‪ ،‬والشهر ‪.‬‬ ‫والعدة اصطلحا‪ :‬اسم لمدة معينة تتربصها المرأة ‪ ،‬تعبدا ل عزّ وجلّ ‪ ،‬أو تفجعا على‬ ‫زوج ‪ ،‬أو تأكداّ من براءة الرحم ‪.‬‬ ‫دليل مشروعية العدة ‪:‬‬ ‫لقد ثبتت مشروعية العدّة بعدد من آيات القرآن الكريم ‪ ،‬وبكثير من أحاديث النبي‬ ‫وانعقد إجماع المة على مشروعيتها ‪.‬‬

‫‪149‬‬

‫وسيأتي ـ أثناء البحث ـ الكثير من أدلة الكتاب والسنّة التي تفصل أحكام العدّة‬ ‫وتبيّنها ‪ ،‬وتدل على مشروعيتها ‪.‬‬ ‫الحكمة من مشروعية العدة ‪:‬‬ ‫ـ أما المتوفى عنها زوجها ‪ ،‬فقد شرعت العدة في حقها ‪ ،‬للمعاني التالية ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬للوفاء بحق زوجها الراحل ‪ ،‬فإن ما قد فرضه ال عليها من التقدير والوفاء وحُسن‬ ‫المعاملة له ‪ ،‬ل يتناسب مع إعراضها عنه بمجرد وفاته ‪ ،‬ورحيله عنها ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬للتعويض عن ال ُعرْف الجاهلي ‪ ،‬الذي كان يفرض على الزوجة إذا مات زوجها أن‬ ‫تحبس نفسها في وكر مظلم عاما كاملً ‪ ،‬وأن تضمخ نفسها خلل ذلك بالسواد ‪ ،‬وتلبس‬ ‫البشع المستقذر من ثيابها ‪.‬‬ ‫ذلك لن القضاء على عادة متطرفة في المجتمع ‪ ،‬ل يتم إل إذا ملىء مكان تلك العادة‬ ‫بمبدأ معتدل سليم ‪ ،‬يحقّق محاسن العادة الولى دون أن يجرّ على الناس شيئا من مساوئها ‪.‬‬ ‫ـ وأما المفارقة بفسخ أو طلق ‪:‬‬ ‫فإن كانت الزوجة من ذوات الحيض ‪ ،‬أو كانت حاملً ‪ :‬فإن الحكمة من وجوب العدّة‬ ‫في حقها ‪ :‬ضبط النساب ‪ ،‬وحفظ المسؤوليات ‪ ،‬والتأكد من براءة الرحم ‪ ،‬والمر في ذلك‬ ‫واضح ‪.‬‬ ‫أما إن كانت الزوجة صغيرة ‪ ،‬أو آيسة ل تحيض ‪ ،‬فالحكمة من وجوب العدّة عليها‬ ‫تظهر فيما يلي ‪.‬‬

‫‪150‬‬

‫‪1‬ـ المعنى التعبدي ‪ ،‬الذي يتضمن النصياع لمر ال عزّ وجلّ ‪ ،‬وهذا في الحقيقة معنى جدير‬ ‫بالوقوف عنده ‪ ،‬وهو يتناول العدّة بكل أنواعها ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ تفخيم أمر النكاح ‪ ،‬وإعطاؤه الهمية الشرعية التي تناسبه ‪ .‬وواضح أنه ل يتناسب مع‬ ‫شيء من هذا التفخيم والهمية أن تتحول الزوجة في اليوم التالي من فراقها إلى زوج‬ ‫آخر ‪ ،‬وإن كانت صغيرة ‪ ،‬أو آيسة مقطوعا ببراءة رحمها من الحمل من زوجها ‪ .‬إن‬ ‫هذه السرعة في التنقل تُذيب أهمية النكاح ‪ ،‬وهيبته أمام النظار ‪ ،‬وتثير في النفس‬ ‫والخيال شأن السفاح وصورته ‪ ،‬وكيف تنتقل البغي من شخص إلى آخر دون أي انتظار‬ ‫‪3‬ـ مزيد من الحيطة للتأكد من براءة الرحم ‪ ،‬إذ ل يؤمن عدم وقوع أحوال ووقائع شاذة عن‬ ‫القانون وال ُعرْف الطبيعي ‪ ،‬بين كل حين وآخر من الزمن ‪.‬‬ ‫أنواع العدّة ‪:‬‬ ‫تنقسم العدّة التي تلزم بها المرأة إلى قسمين ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ عدة وفاة ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وعدة فراق ‪.‬‬ ‫أولً ‪ :‬عدّة الوفاة ‪:‬‬ ‫أما عدّة الوفاة ‪ ،‬فهي التي تجب على من مات عنها زوجها ‪:‬‬ ‫أ ـ فإن كانت حاملً منه أثناء الوفاة فعدّتها تنتهي بوضع الحمل ‪ ،‬طالت المدة أو قصرت ‪.‬‬ ‫ب ـ وإن كانت المرأة غير حامل ‪ ،‬أو كانت حاملً بحمل ل يمكن أن يكون من زوجها‬ ‫المتوفى عنها ‪ ،‬كأن يكون زوجها غير بالغ ‪ ،‬أو ثبت غيابه عنها منذ أكثر من أربع‬ ‫‪151‬‬

‫سنوات ‪ ،‬فعدّتها تنتهي بنهاية أربعة أشهر وعشرة أيام ‪ ،‬سوا ء دخل بها الزوج ‪ ،‬أو لم‬ ‫يدخل ‪.‬‬ ‫دليل ذلك ‪:‬‬ ‫والدليل على ما ذكر قول ال عز وجل ‪:‬‬ ‫[ الطلق‪ . ]4 :‬وقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫ح ْمَلهُنّ‬ ‫ضعْنَ َ‬ ‫جُلهُنّ أَن َي َ‬ ‫حمَالِ أَ َ‬ ‫َوُأ ْولَاتُ الْأَ ْ‬

‫وَالّذِينَ ُي َتوَ ّفوْنَ مِنكُمْ َويَ َذرُونَ َأ ْزوَاجا َي َت َربّصْنَ‬

‫سهِنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬ ‫عَل ْيكُمْ فِيمَا َف َعلْنَ فِي أَنفُ ِ‬ ‫جنَاحَ َ‬ ‫جَلهُنّ فَلَ ُ‬ ‫ش ُهرٍ وَعَشْرا َفإِذَا َبَلغْنَ َأ َ‬ ‫سهِنّ َأ ْر َبعَةَ أَ ْ‬ ‫بِأَنفُ ِ‬ ‫خبِيرٌ‬ ‫وَاللّهُ ِبمَا َت ْع َملُونَ َ‬

‫[ البقرة ‪. ] 234 :‬‬

‫ن المذكورة ‪ .‬فل جناح ‪ :‬ل‬ ‫[ يتربصن ‪ :‬ينتظرن ‪ .‬بلغن أجلهنّ ‪ :‬انقضت عدّتهنّ ومدّته ّ‬ ‫خرج ول إثم ‪ .‬فيما فعلن في أنفسهنّ ‪ :‬أي من التزين ‪ ،‬والتعرّض للخطاب ‪ ،‬وللزواج ‪.‬‬ ‫بالمعروف ‪ :‬بالوجه الذي يقرّه الشرع ‪ ،‬ول ينكره] ‪.‬‬ ‫فالية الثانية من اليتين عامّة تشمل المرأة الحامل وغيرها ‪ ،‬أما الولى منهما فقد‬ ‫أخرجت من ذلك العموم النساء الحوامل ‪ ،‬وجعلت لهنّ حكما خاصا بهنّ ‪ ،‬فكان هذا هو دليل‬ ‫التفريق بين عدّة المرأة التي توفي عنها زوجها وهي حامل منه ‪ ،‬وبين عدّة المرأة التي توفي‬ ‫عنها زوجها وهي غير حامل ‪.‬‬ ‫والدليل من السنة أن الحامل تنتهي عدّتها بوضع الحمل ‪ :‬ما رواه البخاري ( الطلق ‪،‬‬ ‫باب ‪:‬‬

‫حمَالِ …‪ ، .‬رقم ‪ ) 5014 :‬عن المسور بن مخرمة‬ ‫َوُأ ْولَاتُ الَْأ ْ‬

‫ستْ بعد وفاة زوجها بليال ‪ ،‬فجاءت النبي‬ ‫السلمية رضي ال عنها نُف َ‬

‫‪:‬أن سُبيْعة‬

‫فاستأذنه أن تنكح ‪،‬‬

‫فأذن لها ‪ ،‬فنكحت ‪ [ .‬نفست ‪ :‬ولدت ] ‪.‬‬ ‫‪152‬‬

‫ثانيا ‪ :‬عدة الفراق ‪:‬‬ ‫وأما عدّة الفراق فهي التي تجب على المرأة التي فارقت زوجها ‪ ،‬بفسخ أو طلق ‪ ،‬بعد‬ ‫وطئها ‪:‬‬ ‫أ ـ فإن كانت حاملً فعدّتها تنتهي بوضع الحمل ‪ .‬ودليل ذلك عموم قول ال عزّ وجل ‪:‬‬ ‫ح ْمَلهُنّ‬ ‫ضعْنَ َ‬ ‫جُلهُنّ أَن َي َ‬ ‫حمَالِ أَ َ‬ ‫َوُأ ْولَاتُ الْأَ ْ‬

‫[ الطلق ‪.]4 :‬‬

‫ب ـ وإن كانت حامل ‪ ،‬وهي من ذوات الحيض ‪ ،‬فعدّتها بمرور ثلثة أطهار من بعد الفراق ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك قول ال سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫لثَةَ ُق ُروَءٍ وَلَ يَحِلّ‬ ‫سهِنّ ثَ َ‬ ‫طلّقَاتُ َي َت َر ّبصْنَ بِأَنفُ ِ‬ ‫وَا ْلمُ َ‬

‫خرِ‬ ‫ق اللّهُ فِي َأرْحَا ِمهِنّ إِن كُنّ ُي ْؤمِنّ بِاللّهِ وَا ْل َيوْمِ ال ِ‬ ‫خلَ َ‬ ‫َلهُنّ أَن َي ْك ُتمْنَ مَا َ‬

‫[ البقرة‪] 228 :‬‬

‫ج ـ وإن كانت ل ترى حيضا ‪ :‬بأن كانت صغيرة ‪ ،‬أو آيسة ‪ ،‬أي متجاوزة سن الحيض ذلك‬ ‫قول ال تعالى ‪:‬‬ ‫حضْنَ‬ ‫وَاللّائِي لَمْ يَ ِ‬

‫ش ُهرٍ‬ ‫وَاللّائِي َيئِسْنَ مِنَ ا ْلمَحِيضِ مِن نّسَا ِئكُمْ إِنِ ا ْر َتبْتُمْ َفعِ ّد ُتهُنّ َثلَاثَةُ أَ ْ‬ ‫[ الطلق ‪. ] 4 :‬‬

‫[ واللئي لم يحضن ‪ :‬الصغيرات ‪ ،‬فع ّدتُهنّ أيضا ثلثة أشهر ‪ .‬إن ارتبتم ‪ :‬شككتم في‬ ‫حكمهنّ ‪ ،‬ولم تعرفوا كيف يعتدن ] ‪.‬‬ ‫المطلّقة قبل الدخول بها ‪:‬‬ ‫أما المرأة التي فارقها زوجها بفسخ ‪ ،‬أو طلق ‪ ،‬قبل الدخول بها ‪ ،‬فل يجب‬ ‫عليها أن تلتزم بأيّ عدّة ‪.‬‬

‫‪153‬‬

‫ودليل ذلك قول ال عزّ وجل ّ ‪:‬‬

‫طلّ ْق ُتمُوهُنّ‬ ‫حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ ثُمّ َ‬ ‫يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ‬

‫جمِيلً‬ ‫سرَاحا َ‬ ‫سرّحُوهُنّ َ‬ ‫عَل ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َت ْعتَدّو َنهَا َف َم ّتعُوهُنّ وَ َ‬ ‫مِن َقبْلِ أَن َتمَسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ َ‬ ‫[ الحزاب ‪. ] 49 :‬‬ ‫أحكام العدة وما تفرضه من التزامات ‪:‬‬ ‫هناك أحكام والتزامات تفرضها العدّة ‪ ،‬وسنبيّنها فيما يلي ‪:‬‬ ‫أولً عدّة الطلق ‪:‬‬ ‫إذا كانت المرأة معتدّة من زوجها عدّة طلق ‪ ،‬فإما أن يكون طلقها ‪ :‬رجعيا ‪ ،‬أو بائنا‬ ‫الول ‪ :‬فإن كانت معتدّة من طلق رجعي ترتب على عدّتها الحكام التالية ‪:‬‬ ‫أ ـ وجوب المسكن لها مع الزوج ‪ ،‬والفضل أن يكون مسكن طلقها ‪ ،‬إن كان لئقا بها ‪ ،‬ولم‬ ‫يمنع منه مانع شرعي ‪ ،‬ونحوه ‪.‬‬ ‫ب ـ وجوب النفقة لها بسائر أصنافها ‪ :‬من مؤنة ‪ ،‬وكسوة ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬سواء كانت حاملً ‪،‬‬ ‫أو حـائلً ‪ ،‬وذلك لبقاء سلطان الزوج عليها ‪ ،‬وانحباسها تحت حكمه ‪ ،‬حيث يمكنه أن‬ ‫يرجعها ما دامت في العدّة ‪.‬‬ ‫ج ـ يجب عليها ملزمة مسكنها ‪ ،‬فل تفارقه إل لضرورة ‪ .‬ودليل هذه الحكام الثلثة قول ال‬ ‫عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫عَل ْيهِنّ َوإِن‬ ‫ضيّقُوا َ‬ ‫سكَنتُم مّن وُجْ ِدكُمْ َولَا ُتضَارّوهُنّ ِل ُت َ‬ ‫ح ْيثُ َ‬ ‫س ِكنُوهُنّ مِنْ َ‬ ‫أَ ْ‬

‫ح ْمَلهُنّ‬ ‫ضعْنَ َ‬ ‫حتّى َي َ‬ ‫عَل ْيهِنّ َ‬ ‫حمْلٍ فَأَنفِقُوا َ‬ ‫كُنّ أُولَاتِ َ‬

‫[ الطلق ‪ ] 6 :‬وقال ال تعالى ‪:‬‬

‫خرُجْنَ ِإلّا أَن َي ْأتِينَ بِفَاحِشَةٍ ّم َب ّينَةٍ‬ ‫خرِجُوهُنّ مِن ُبيُو ِتهِنّ َولَا يَ ْ‬ ‫َا تُ ْ‬

‫[ الطلق ‪. ] 1 :‬‬

‫‪154‬‬

‫د ـ يحرّم عليها التعرّض لخطبة الرجال ‪ ،‬إذ هي ل تزال حبيسة على زوجها ‪ ،‬وهو الحقّ‬ ‫والولى من سائر الرجال ‪ .‬قال ال عز وجل ‪:‬‬ ‫َأرَادُواْ ِإصْلَحا‬

‫َو ُبعُوَل ُتهُنّ أَحَقّ ِبرَدّهِنّ فِي َذِلكَ إِنْ‬

‫[ البقرة ‪. ] 228 :‬‬

‫الثاني ‪:‬‬ ‫إن كانت معتدّة بفراق بائن ‪ ،‬وهي عندئذ ‪ :‬إما أن تكون حاملً ‪ ،‬وإما أن تكون حائلً ‪،‬‬ ‫أي غير حامل ‪:‬‬ ‫فإن كانت حاملً ‪ :‬ترتب على ذلك الحكام التالية ‪:‬‬ ‫أ ـ وجوب المسكن لها على الزوج ‪ ،‬ودليل ذلك قوله تعالى في الية السابقة ‪:‬‬

‫يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ‬

‫خرِجُوهُنّ مِن ُبيُو ِتهِنّ‬ ‫حصُوا ا ْلعِدّةَ وَاتّقُوا اللّهَ َر ّبكُمْ لَا تُ ْ‬ ‫طلّقُوهُنّ ِلعِ ّد ِتهِنّ َوأَ ْ‬ ‫طلّ ْقتُمُ النّسَاء فَ َ‬ ‫إِذَا َ‬ ‫خرُجْنَ ِإلّا أَن يَ ْأتِينَ بِفَاحِشَةٍ ّم َب ّينَةٍ‬ ‫َولَا يَ ْ‬

‫[ الطلق‪ . ]1:‬والية هذه عامّة في المطلّقة‬

‫الرجعية والبائنة‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬النفقة بأنواعها المختلفة ‪ ،‬ودليل ذلك قول ال تعالى‪:‬‬ ‫ح ْمَلهُنّ‬ ‫حتّى َيضَعْنَ َ‬ ‫عَل ْيهِنّ َ‬ ‫َ‬

‫حمْلٍ فَأَنفِقُوا‬ ‫َوإِن كُنّ أُولَاتِ َ‬

‫[ الطلق‪)6:‬‬

‫ج – ملزمة البيت الذي تعتدّ فيه ‪ ،‬فل تخرج منه إل لحاجة ‪ ،‬كأن تحتاج إلى طعام ونحوه ‪،‬‬ ‫أو تحتاج إلى بيع متاع لها تتكسب منه ‪ ،‬وليس ثمة مَن يقوم مقامها في ذلك ‪ ،‬أو كانت‬ ‫موظفة في عمل ‪ ،‬ول يسمح لها بالبقاء في بيتها مدة عدّتها ‪ ،‬أو كانت تضطر – إزالة‬ ‫لوحشتها – أن تسمر عند جارة لها ‪ ،‬فل يحرم خروجها من بيتها لمثل ذلك ‪.‬‬

‫‪155‬‬

‫أما دليل المنع من الخروج لغير حاجة ‪ ،‬فقول ال تعالى‪:‬‬ ‫خرُجْنَ‬ ‫يَ ْ‬

‫خرِجُوهُنّ مِن ُبيُو ِتهِنّ َولَا‬ ‫لَا تُ ْ‬

‫[ الطلق‪)1:‬‬

‫أما دليل جواز الخروج للحاجة ‪ :‬فما رواه مسلم ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬جواز خروج المعتدّة‬ ‫البائن ‪ ..‬لحاجتها ‪ ،‬رقم ‪ ) 1483 :‬عن جابر‬ ‫فزجرها رجل أن تخرج ‪ ،‬فأتت النبي‬

‫قال ‪ :‬طلّقت خالتي ‪ ،‬فأرادت أن تجُدّ نخلها ‪،‬‬

‫فقال ‪ " :‬بلى اخرجي ‪ ،‬فجُدّي نخلك ‪ ،‬فإنك عسى أن‬

‫َتصَدّقَي ‪ ،‬أو تفعلي معروفا " ‪.‬‬ ‫وإن كانت حائلً ‪ :‬ترتب كل ما ذكر في الفقرة السابقة ‪ ،‬إل النفقة بأنواعها المختلفة من‬ ‫مؤنة ‪ ،‬وملبس ‪ ،‬وغير ذلك ‪ .‬فل تثبت لها ‪ ،‬وإنما يجب لها المسكن ‪ ،‬وتجب عليها ملزمته ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه أبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في نفقة المبتوتة ‪ ،‬رقم ‪ ) 229 ( :‬في قصة‬ ‫فاطمة بنت قيس ‪ ،‬حين طلّقها زوجها تطليقة كانت بقيت لها ‪ :‬أن النبي‬

‫قال لها ‪ " :‬ل نفقة‬

‫لك إل أن تكوي حاملً‬ ‫ثانيا ‪ :‬عدّة الوفاة ‪:‬‬ ‫وإن كانت المرأة معتدّة من وفاة ‪ ،‬وجبت في حقّها الحكام التالية ‪:‬‬ ‫أ ـ الحداد على الزوج ‪ :‬بأن تمتنع عن مظاهر الزينة والطيب ‪ ،‬فل تلبس ثيابا ذات ألوان‬ ‫زاهية ‪ ،‬ول تكتحل ‪ ،‬ول تستعمل شيئا من الصباغ ‪ ،‬ول تتزين بشيء من الحلي ‪ :‬ذهبا‬ ‫أو فضة ‪ ،‬أو غيرهما ‪ ،‬فإن فعلت شيئا من ذلك فهي آثمة ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬قول النبي‬

‫‪ ":‬ل يحلّ لمرأة تؤمن بال واليوم الخر أن تُحدّ على ميت‬

‫فوق ثلث ليال ‪ ،‬إل على زوج أربعة أشهر وعشرا "‪.‬‬ ‫‪156‬‬

‫رواه البخاري ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬تحدُ المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ، ) 5024‬ومسلم ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬وجوب الحداد في عدّة الوفاة رقم ‪1486 :‬ـ ‪) 1489‬‬ ‫عن أُم حبيبة رضي ال عنها ‪.‬‬ ‫دلّ هذا الحديث على حرمة إحداد المرأة على غير الزوج ‪ ،‬ووجوبها على الزوج أربعة‬ ‫أشهر وعشرة أيام ‪ .‬ورخّص‬

‫في إظهار الحزن ‪ ،‬وأمر بالتعزية خلل ثلثة أيام فقط ‪ ،‬لن‬

‫النفوس ل تستطيع فيها الصبر ‪ ،‬وإخفاء الحزن ‪.‬‬ ‫وروى البخاري ( الحيض ‪ ،‬باب ‪ :‬الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض ‪ ،‬رقم ‪) 307‬‬ ‫ومسلم (الجنائز ‪ ،‬باب ‪ :‬نهي النساء عن اتباع الجنائز‪ ،‬رقم ‪ ) 938 :‬عن أُم عطية النصارية ‪،‬‬ ‫رضي ال عنها قالت ‪ :‬كنا نُنهى أن نحدّ على ميت فوق ثلث ‪ ،‬إل على زوج أربعة أشهر‬ ‫عصْب ‪ ،‬وقد رخص لنا‬ ‫وعشرا ‪ ،‬ول نكتحل ‪ ،‬ول نتطيب ‪ ،‬ول نلبس ثوبا مصبوغا ‪ ،‬إل ثوب َ‬ ‫عند الطهر ‪ ،‬إذا اغتسلت إحدانا من محيضها ‪ ،‬في ُنبْذة من كست أظفار ‪ ،‬وكنا ننهى عن اتّباع‬ ‫الجنائز ‪.‬‬ ‫عصْب ‪ :‬نوع من الثياب ‪ ،‬تشدّ‬ ‫[ ثوبا مصبوغا ‪ :‬مما يعدّ لبسه زينة في العادة ‪ .‬ثوب َ‬ ‫خيوطها ‪ ،‬وتصبغ قبل نسجها ‪ .‬نبذة‪ :‬قطعة صغيرة كُسْت أظفار ‪ :‬نوع من الطيب ] ‪.‬‬ ‫ب ـ يجب عليها ملزمة بيتها الذي تعتدّ فيه ‪ ،‬فل تخرج إل لحاجة ‪ ،‬كالتي ذكرناها بالنسبة‬ ‫للمعتدّة من الطلق ‪.‬‬ ‫روى الترمذي ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬أين تعتدّ المتوفى عنها زوجها ‪ ،‬رقم ‪ )1204 :‬وأبـو‬ ‫داود ( الطـلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في المتوفى عنها تنتقل ‪ ،‬رقم ‪ ) 2300:‬وغيرهما ‪ ،‬عن زينب بنت‬ ‫‪157‬‬

‫كعب بن عجرة ‪ :‬أن الفُريْعة بنت مالك بن سنان ـ وهي أُخت أبي سعيد الخدري‬ ‫أنها جاءت رسول ال‬

‫أخبرتها‬

‫تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدْرة ‪ ،‬وأن زوجها خرج في طلب‬

‫أعبد له أبَقُوا ‪ ،‬حتى إذا كان بطوف القدوم لحقهم ‪ ،‬فقتلوه ‪ .‬قالت ‪ :‬فسألت رسول ال‬

‫أن‬ ‫‪":‬‬

‫أرجع إلى أهلي ‪ ،‬فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه ‪ ،‬ول نفقة ‪ .‬قالت ‪ :‬فقال رسول ال‬ ‫نعم " ‪ .‬قالت ‪ :‬فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة ( أو في المسجد ) ناداني رسول ال ـ أو‬ ‫أمر بي فنوديت له ـ فقال ‪ :‬زوجني ‪ .‬قال ‪ :‬فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ‪.‬‬ ‫قالت ‪ :‬فلما كان عثمان‬

‫‪ ،‬أرسل إلي فسألنيّ عن ذلك ‪ ،‬فأخبرته ‪ ،‬فاتبعه وقضى به ‪.‬‬

‫أما ما يتصوره كثير من العوّام من أنه ل يجوز للمعتدّة أن تكلم أحدا ‪ ،‬وأن أحدا من‬ ‫الناس ل يجوز أن يسمع صوتها ‪ ،‬فل أصل له ‪ ،‬وإنما حكمه أثناء العدة وخارج العدة سواء ‪.‬‬ ‫خلصة في أحكام العدة ‪:‬‬ ‫والحاصل أن جميع أنواع العدّة تخضع لقدر مشترك من الحكم ‪ ،‬وهو ‪:‬‬ ‫ـ حُرمة الخروج من المسكن الذي تعتدّ فيه المرأة إل لحاجة ‪ .‬ثم تختصّ المعتدّة بالوفاة‬ ‫بحكم مستقل ‪ ،‬وهو ‪ :‬وجوب الحداد على الزوج ‪ ،‬وذلك بأن تمتنع عن الطيب والزينة ‪ ،‬على‬ ‫نحو ما قدّمنا ‪.‬‬ ‫كما تختصّ المعتدّة بالطلق الرجعي مطلقا ‪ ،‬والطلق البائن إن كانت حاملً بوجوب‬ ‫المسكن ‪ ،‬وجميع أنواع النفقة لها ‪.‬‬ ‫وتختصّ المعتدّة بالطلق البائن – إن لم تكن حاملً – بوجوب المسكن فقط ‪ ،‬دون سائر‬ ‫أنواع النفقات ‪..‬‬ ‫‪158‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬ ‫ونختم هذا البحث ببيان أمر هام ‪ ،‬أل وهو حُرمة إحداد النساء على مَن عدا الزوج من‬ ‫أقاربهنّ ‪ ،‬نساءً وذكورا ‪ ،‬وهو إحداد بشع يتخذ شكلً من أشكال الجاهلية العتيقة ‪ ،‬حيث تلزم‬ ‫المرأة التي توفي لها قريب أو قريبة لبس السواد ‪ ،‬أو ما يشبهه ‪ ،‬إعلنا عن حزنها ‪ ،‬وتتجنب‬ ‫حضور الماكن العامة ‪ ،‬والظهور في مواسم الفراح ومناسباتها ‪ ،‬وتظل على ذلك عاما ‪ ،‬أو‬ ‫يزيد ‪ ،‬وربما كانت نفسها خلل أكثر العام ل تنطوي على أيّ حزن أو كرب ‪ ،‬ولكنها تتصنع‬ ‫ذلك أمام أبصار الناس ‪ ،‬وتتكلفه ‪ ،‬وتتباهى به أمامهم ‪.‬‬ ‫إن هذا اللتزام ليس إل معارضة صريحة وحادة لمر رسول ال‬

‫في حديثة الواضح‬

‫الصحيح ‪ ":‬ل يحلّ لمرأة تؤمن بال وباليوم الخر أن تُحدّ على ميت فوق ثلث ليال ‪ ،‬إل على‬ ‫زوج أربعة أشهر وعشرا "‪.‬‬ ‫رواه البخاري ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬تحدّ المتوف عنها زوجها ‪ ،.‬رقم ‪ ) 5024 :‬ومسلم‬ ‫( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬وجوب الحداد في عدّة الوفاة ‪ ،‬رقم ‪1486 ( :‬ـ ‪ ) 1498‬عن أم حبيبة‬ ‫رضي ال عنها ‪.‬‬ ‫وقد روى البخاري ومسلم ‪ ،‬عن زينب بنت أبي سلمة قالت ‪ :‬دخلت على زينب بنت‬ ‫جحش رضي ال عنهما حين توفي أخوها ‪ ،‬فدعت بطيب فمست منه ثم قالت ‪ :‬وال ما لي في‬ ‫الطيب من حاجة غير أني سمعت رسول ال‬

‫يقول ‪ " :‬ل يحل لمرأة تؤمن بال واليوم الخر‬

‫أن تحد على ميت فوق ثلث ليال إل على زوج أربعة أشهر وعشرا " ( البخاري ومسلم‬ ‫المواضع السابقة ) ‪.‬‬ ‫‪159‬‬

‫ول فرق في هذا الحكم بين هذا التصنّع المتكلّف الممجوج الذي تلتزمه النساء فيما بينهنّ‬ ‫‪ ،‬وما يفعله الرجال من التزام شعارات الحزن ‪ ،‬في ربطة العنق ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬وهو تقليد أجنبي‬ ‫بشع مغموس في الحُرمة والثم ‪.‬‬ ‫نسأل ال تعالى أن يحقّقنا بمعنى العبودية الخالصة له ‪ ،‬وأن يلبسنا كسوة الرضى‬ ‫بحكمه ‪ ،‬والتجمّل بشرعه ‪ ،‬وهدي نبيّه ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪.‬‬

‫تعرف النفقات ‪:‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬النفقات وما يتعلق بها ‪.‬‬ ‫النفقات‬

‫النفقات ‪ :‬جمع نفقه ‪ ،‬والنفقة لغة ‪ :‬مأخوذة من النفاق‪.‬‬ ‫وهو في الصل بمعنى الخراج ‪ ،‬والنفاد ‪ ،‬ول يستعمل النفاق إل في الخير ‪.‬‬ ‫والنفقة اصطلحا ‪ :‬كلّ ما يحتاجه النسان ‪ ،‬من طعام وشراب ‪ ،‬وكسوة ومسكن ‪.‬‬ ‫وسمي نفقة ‪ ،‬لنه ينفد ويزول ‪ ،‬في سبيل هذه الحاجات ‪.‬‬ ‫أنواع النفقات ‪:‬‬ ‫للنفقات أنواع خمسة نذكرها فيما يلي ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ نفقة النسان على نفسه ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ نفقة الفروع على الصول ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ نفقة الصول على الفروع ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ نفقة الزوجة على الزوج ‪.‬‬ ‫‪160‬‬

‫‪5‬ـ نفقات أخرى ‪.‬‬ ‫ولنبدأ بشرح أحكام كل نوع من هذه النواع على هذا الترتيب ‪.‬‬ ‫‪1‬ـ نفقة النسان على نفسه ‪:‬‬ ‫إن أدنى ما يجب على النسان من النفاق أن يبدأ بنفسه ‪ ،‬إذا قدر على ذلك ‪ ،‬وهي‬ ‫مقدمة على نفقة غيرة ‪.‬‬ ‫وتشمل هذه النفقة كل ما يحتاجه المرء من مسكن ‪ ،‬ولباس ‪ ،‬وطعام ‪ ،‬وشراب ‪ ،‬وغير‬ ‫ذلك ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ما رواه البخاري ( الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬بيع المام على الناس أموالهم‬ ‫وضياعهم ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 6763 :‬ومسلم ( الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬البتداء في النفقة بالنفس …‪ ،.‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ) 997‬وغيره عن جابر‬ ‫ال‬

‫قال ‪ :‬أعتق رجل من بني عُ ْذرَة عبدّ له عن ُدبُر ‪ ،‬فبلغ ذلك رسول‬

‫‪ .‬فقال ‪ " :‬ألك ما غيره" ‪ .‬فقال ‪ :‬ل ‪ .‬فقال ‪:‬‬

‫‪ " :‬مَن يشتريه مني " ؟ فاشتراه نُعيم بن‬

‫عبدال العدوي رضي ال عنه بثمانمائة درهم ‪ ،‬فجاء بها رسول ال‬

‫فدفعها إليه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬‬

‫ابدأ بنفسك فتصدّق عليها ‪ ،‬فإن فضل شيء فلهلك ‪ ،‬فإن فضل عن أهلك شيء فَلذي قرابتك ‪،‬‬ ‫فإن فضل عن ذي قرابتك شيء ‪ ،‬فهكذا وهكذا "‪.‬‬ ‫يقول ‪ :‬فبين يديك ‪ ،‬وعن يمينك ‪ ،‬وعن شمالك ‪.‬‬ ‫معنى قوله ‪ ":‬عن ُدبُر " أي علق عتقه بموته ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنت حر يوم أموت ‪.‬‬

‫‪2‬ـ نفقة الفروع على الصول ‪:‬‬

‫‪161‬‬

‫يجب على الوالد ـ وإن عل ـ نفقة ولده ‪ ،‬وإن سفل ‪.‬‬ ‫فالب مكلف بالنفاق ـ على اختلف أنواع النفقة ـ على أولده ذكورا وإناثا ‪ ،‬فإن لم‬ ‫يكن لهم أب ‪ ،‬كلّف بالنفاق عليهم الجد أبو الب القريب ‪ ،‬ثم الذي يليه ‪.‬‬ ‫ضعْنَ َلكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ‬ ‫ودليل ذلك من الكتاب قول ال عز وجل ‪ :‬فَإِنْ َأ ْر َ‬ ‫[الطلق ‪]6:‬‬ ‫فإيجاب الُجرة على الزوج لرضاعة أولده ‪ ،‬يقتضي إيجاب مؤونتهم المباشرة من باب‬ ‫أولى ‪ .‬وقال ال سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫ح ْوَليْنِ كَا ِمَليْنِ ِلمَنْ َأرَادَ أَن ُيتِمّ‬ ‫ضعْنَ َأوْلَدَهُنّ َ‬ ‫وَا ْلوَالِدَاتُ ُي ْر ِ‬

‫س َو ُتهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬ ‫الرّضَاعَةَ وَعلَى ا ْل َموْلُودِ لَهُ ِرزْ ُقهُنّ َوكِ ْ‬

‫[ البقرة ‪. ]233 :‬‬

‫فإن نسبة الولد إلى أبيه بلم الختصاص ‪ ،‬وهي ( له ) تقتضي مسؤولية صاحب‬ ‫الختصاص ‪ ،‬وهو الب ‪ ،‬عن نفقة ولده ومؤونته ‪ .‬وكذلك وجوب نفقة المُرضِعة للوليد‬ ‫وكسوتها تدلّ على وجوب نفقة الولد وكسوته من باب أولى كما علمت ‪.‬‬ ‫وأما دليل ذلك من السنّة ‪ :‬فما رواه البخاري ( النفقات ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا لم ينفق الرجل‬ ‫فللمرأة أن تأخذ ‪ ،.‬رقم‪ ، ) 5049:‬ومسلم ( القضية ‪ ،‬باب ‪ :‬قضية هند ‪ ،‬رقم‪ )1714:‬عن‬ ‫عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬أن هند بنت عتبة قالت‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن أبا سفيان رجل شحيح ‪،‬‬ ‫وليس يعطيني ما يكفيني وولدي ‪ ،‬إل ما أخذت منه ‪ ،‬وهو ل يعلم ‪ ،‬فقال‪ " ،‬خذي ما يكفيك‬ ‫وولدك بالمعروف "‪.‬‬ ‫يقصد ‪ :‬خذي من مال أبي سفيان ‪.‬‬ ‫هذا ‪ ،‬ويلحق الحفاد بالولد بجامع النسبة والحاجة في كل ‪.‬‬ ‫‪162‬‬

‫شروط وجوب نفقة الفروع على الصول‪:‬‬ ‫ويشترط لوجوب نفقة الفروع على الصول تحقّق الشروط التالية‪:‬‬ ‫أولً‪ :‬أن يكون الصل موسرا بما يزيد عن قوت نفسه ‪ ،‬وقوت زوجته مدّة يوم وليلة‪.‬‬ ‫فلو كان الذي يملكه ل يكفي – خلل هذه المدة – غير نفسه هو ‪ ،‬أو غير نفسه وزوجته‬ ‫‪ ،‬لم يكن مكلفا بالنفاق على فروعة ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك قوله‬

‫‪ ":‬ابدأ بنفسك "‪.‬‬

‫رواه مسلم ( الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬البتداء في النفقة بالنفس …‪ ،‬رقم ‪. )997‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬أن يكون الفرع فقيرا ‪ ،‬ويشترط مع فقره ‪ ،‬واحد من الوصاف الثلثة ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ فقر ‪ ،‬وصغر ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ فقر ‪ ،‬وزمانة ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ فقر ‪ ،‬وجنون ‪.‬‬ ‫فالصغير الفقير يكلّف أبوه ‪ ،‬بالنفاق عليه ‪ ،‬فإن لم يكن أبوه فجده ‪.‬‬ ‫وكذلك الفقير الزمن ‪ ،‬وهو العاجز عن العمل ‪.‬‬ ‫وكذلك الفقير المجنون ‪.‬‬ ‫والمقصود بالفقر ‪ :‬العجز عن الكتساب ‪.‬‬ ‫فلو كان الولد صحيحا بالغا ‪ ،‬قادرا على الكتساب ‪ ،‬لم تجب نفقته على أبيه ‪ ،‬وإن لم‬ ‫يكن مكتسبا بالفعل ‪.‬‬ ‫فإن عاقه عن الكتساب اشتغال بالعلم مثلُ ‪ ،‬فإنه ينظر ‪:‬‬ ‫‪163‬‬

‫فإن كان العلم متعلقا بواجباته الشخصية ‪ :‬كأمور العقيدة ‪ ،‬والعبادة ‪ ،‬فذلك يُعدّ عجزا عن‬ ‫الكسب ‪ ،‬وتجب نفقته على أبيه ‪.‬‬ ‫أما إن كان العلم الذي يشتغل به من العلوم الكفائية التي يحتاج إليها المجتمع ‪ ،‬كالطب ‪،‬‬ ‫والصناعة ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬فل يخرج الولد بالشتغال بها عن كونه قادرا على الكسب ‪ ،‬والب‬ ‫عندئذ مخيّر ‪ :‬بين أن يمكّنه من العكوف على ذلك العلم الذي يشتغل به وينفق عليه ‪ ،‬وبين أن‬ ‫يقطع عنه النفقة ‪ ،‬ويلجئه بذلك إلى الكسب والعمل ‪:‬‬ ‫مقدار النفقة‪:‬‬ ‫ليس لهذه النفقة حدّ تقدّر به إل الكفاية ‪ ،‬والكفاية تكون حسب ال ُعرْف ‪ ،‬ضمن طاقة‬ ‫المنفق ‪ ،‬قال ال عزّ وجل ‪:‬‬

‫عَليْهِ ِرزْقُهُ َف ْليُنفِقْ ِممّا آتَاهُ اللّهُ‬ ‫س َعتِهِ َومَن قُ ِدرَ َ‬ ‫سعَةٍ مّن َ‬ ‫ِليُنفِقْ ذُو َ‬

‫سرٍ يُسْرا‬ ‫ل اللّهُ َبعْدَ عُ ْ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫سيَ ْ‬ ‫ف اللّهُ نَفْسا ِإلّا مَا آتَاهَا َ‬ ‫لَا ُي َكّل ُ‬

‫[ الطلق ‪]7 :‬‬

‫هل تصير هذه النفقة دينا على الصل إذا فات وقتها ‪:‬‬ ‫ل تصير نفقة الفروع بمضي الزمان دينا على المنفق ‪ ،‬لنها مواساة من الصل لفرعه ‪،‬‬ ‫فهي ليست تمليكا لحق معين ‪ ،‬ولكنها تمكين له بدافع صلة القربى ‪.‬‬ ‫أي يتناول حاجته من النفقة ‪ ،‬فإذا مرّت الحاجة ‪ ،‬ولم يشأ أن يسّدها بما قد مكّنة الصل‬ ‫منه ‪ ،‬تعففا ‪ ،‬أو نسيانا ‪ ،‬أو غير ذلك ‪ ،‬فإن ذمّة أبيه ل يعقل أن تنشغل بدين لولده مقابل الحاجة‬ ‫التي تعفّف ولده عنها ‪ ،‬أو شغل عنها ‪ ،‬أو نسيها حتى فات وقتها ‪.‬‬ ‫هذا هو الصل ‪ ،‬وهو الحكم ‪ ،‬عندما تكون المور بين الولد وأبيهم جارية على سَننها‬ ‫الطبيعي ‪.‬‬ ‫‪164‬‬

‫فأما إذا وقع خلف ‪ ،‬تدخل القاضي بسببه فيما بينهم ‪ ،‬وفرض القاضي على الب نفقة‬ ‫معينة ‪ ،‬أو أذِنَ للولد أن يستقرضوا على ذمّة أبيهم دينا معينا من المال ‪ ،‬أو القدر الذي‬ ‫يحتاجون إليه ‪ ،‬فإن هذه النفقة تصبح دينا بذمة الوالد ‪ ،‬إذا فات وقتها ‪ ،‬ول تسقط بمضي الزمن‬ ‫‪ ،‬لنها قد آلت ‪ ،‬بحكم القاضي ‪ ،‬إلى تمليك ‪ ،‬بعد أن كانت مجرد مواساة وتمكين ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ نفقة الصول على الفروع ‪:‬‬ ‫كما تجب نفقة الفروع على أصولهم بالدلة والشروط التي أوضحناها ‪.‬‬ ‫كذلك تجب نفقة الصول ـ أي الب والم ‪ ،‬والجدّ والجدّة ‪ ،‬وإن علَ كل منهما ـ على‬ ‫فروعهـم ‪ ،‬بناءً على الدلة التالية ‪ ،‬وطبقا للشروط التي سنذكرها ‪.‬‬ ‫الدلة على وجوب هذه النفقة ‪:‬‬ ‫ويستدل لوجوب النفقة على الصول ‪ ،‬بأدلة من الكتاب والسنّة ‪ ،‬والقياس ‪:‬‬ ‫ـ أما من الكتاب ‪ :‬فقول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬ ‫‪ ]15‬وقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّد ْنيَا َم ْعرُوفا‬ ‫َوصَا ِ‬

‫وَ َقضَى َر ّبكَ أَلّ َت ْعبُدُواْ إِلّ ِإيّاهُ َوبِا ْلوَالِ َديْنِ إِحْسَانا‬

‫[ لقمان ‪:‬‬ ‫[السراء‪:‬‬

‫‪. ]23‬‬ ‫والمعروف الذي يقدّمه الولد لوالديه ‪ ،‬والحسان الذي يحسنه إليهما ‪ ،‬ل يكون إلّ‬ ‫بنهوض الولد بمسؤولية نفقتهما عند الحتياج‪.‬‬ ‫ـ وأما من السنّة ‪ :‬فما رواه أبو داود ( البيوع والجارات ‪ ،‬باب ‪ :‬في الرجل يأكل من‬ ‫مال ولده ‪ ،‬رقم ‪ ) 3528 ( :‬والترمذي ( الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬الوالد يأخذ من مال ولده ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫( ‪ ) 1358‬وغيرهما ‪ ،‬عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ ":‬إن من أطيب ما‬ ‫‪165‬‬

‫أكل الرجل من كسبه ‪ ،‬وولده من كسبه "‪ .‬وقال‬

‫‪ ":‬أنت ومالك لوالدك ‪ ،‬إن أولدكم من أطيب‬

‫كسبكم ‪ ،‬فكلوا من كسب أولدكم "‪.‬‬ ‫رواه أبو داود ( البيوع والجازات ‪ ،‬باب ‪ :‬في الرجل يأكل من مال ولده ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪. ) 3530‬‬ ‫وروى النسائي ( الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬أيّتهما اليد العليا ‪ )5/61 :‬عن طارق المحاربي‬ ‫قَدِمت المدينة ‪ ،‬فإذا رسول ال‬

‫قال ‪:‬‬

‫قائم على المنبر يخطب الناس ‪ ،‬وهو يقول ‪ " :‬يد المُعطي‬

‫العليا ‪ ،‬وابدأ بمن تعول ‪ ،‬أُمك وأباك ‪ ،‬وأُختك وأخاك ‪ ،‬ثم أدناك أدناك "‪.‬‬ ‫وروى أبو داود ( الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬في ب ّر الوالدين ‪ ،‬رقم ‪ ) 5140 :‬عن كليب بن منفعة‬ ‫عن جده‬

‫‪ :‬أنه أتى النبي‬

‫فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬مَن أبر ؟ قال ‪ " :‬أُمك وأباك ‪ ،‬وأختك‬

‫وأخاك ‪ ،‬ومولك الذي يلي ذاك ‪ ،‬حق واجب ‪ ،‬ورحم موصولة "‪.‬‬ ‫ـ أما دليل القياس والجتهاد ‪ :‬فقياس الصول على الفروع ‪ ،‬إذ كما وجبت نفقة الفروع‬ ‫ـ عند العجز ـ على الصول كذلك تجب نفقة الصول عند العجز على الفروع ‪ ،‬بجامع‬ ‫شيوع البعضية بينهما ‪ ،‬وهي أساس القرابة التي هي ثابتة الصول والفروع‪.‬‬

‫‪166‬‬

‫شروط وجوب نفقة الصول على الفروع ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬أن يكون الفرع موسرا بما يزيد عن الضروري من نفقته ‪،‬و نفقة زوجته ‪ ،‬يومه وليلته ‪،‬‬ ‫فلو كان الذي عنده من النفقة ل يكفي لكثر من حاجته ‪ ،‬وحاجة زوجته ‪ ،‬مدة يوم‬ ‫وليلة ‪ ،‬لم يكلّف النفاق على أبيه وأُمه ‪ ،‬لن نفقة الفقير ل تجب على فقير مثله ‪ ،‬فإن‬ ‫أيسر بجزء من نفقتهما الضرورية تقدم بها إليهما ‪ ،‬فإن ضاقت عنهما قدّم أمه على‬ ‫أبيه ‪ ،‬ذلك لن ما ل يدرك كله ل ينبغي أن يترك كله ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬أن يكون الصل فقيرا ‪ ،‬والمراد بالفقر هنا ‪ :‬أن ل يكتسب ما يسدّ حاجته الضرورية ‪،‬‬ ‫سواء كان قادرا على الكسب ‪ ،‬أم ل ‪ .‬بخلف ما مرّ الزمانة ‪ ،‬أو الجنون ‪ ،‬أي مع صفة‬ ‫العجز ‪.‬‬ ‫والفرق بينهما ‪ :‬أن الصل ل يقبح منه تكليف الفرع القادر على الكتساب ‪.‬‬ ‫ولكن الفرع يقبح منه أن يكلف أصله ـ الذي طالما اكتسب وجدّ من أجله ـ‬ ‫بالكتساب ‪ ،‬ول سيما مع كبر السن ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬أن ل تكون الم مكفيّة بنفقة زوجها فعلً ‪ ،‬أو حكما ‪ .‬ومعنى هذا الشرط ‪ :‬أن نفقة الُم‬ ‫تجب على ولدها في حالتين ‪:‬‬ ‫الحالة الولى ‪ :‬أن يكون والده عاجزا عن النفاق عليها ‪.‬‬

‫‪167‬‬

‫الحالة الثانية ‪ :‬أن يكون والده متوفى ‪ ،‬وهي خليّة على الزوج ‪ .‬وقدرتها على النكاح ل يلغي‬ ‫هذا الواجب أي يجب على ولدها أن ينفق عليها حتى ولو كان ثمّة كفء يتقدم بطلب‬ ‫الزواج منها ‪.‬‬ ‫كما أن معنى هذا الشرط أن نفقتها تسقط في حالتين ‪:‬‬ ‫الحالة الولى ‪ :‬أن يكون والده قادرا على النفاق عليها ‪.‬‬ ‫الحالة الثانية ‪ :‬أن تكون متزوجة من غير أبيه ‪ ،‬سواء كان زوجها موسرا بنفقتها ‪ ،‬أو مسعرا‬ ‫بها ‪.‬‬ ‫فإذا طالبت الم في حالة إعسار زوجها بالفسخ ‪ ،‬وفسخ النكاح ‪ ،‬وجب حينئذ أن ينفق‬ ‫عليها ابنها ‪.‬‬ ‫ل تتأثر نفقة الفروع والصول باختلف الدين ‪:‬‬ ‫إذا لحظت هذه الشروط ‪ ،‬سواء ما شرط منها لنفقة الصول على الفروع ‪ ،‬وما شرط منها‬ ‫لنفقة الفروع على الصول ‪ ،‬أدركت أن وحدة الدين بين الصول والفروع ل تعتبر شرطا لوجوب‬ ‫هذه النفقة ‪.‬‬ ‫إذا فإن وجوب هذه النفقة من الصل والفرع ‪ ،‬ومن الفرع للصل ل يتأثر باختلف‬ ‫الدين ] ‪.‬‬ ‫فيكلف الولد المسلم بالنفاق على والديه غير المسلمين ‪ ،‬ويكلُف الوالد المسلم بالنفاق‬ ‫على أولده غير المسلمين ‪ ،‬إذا تحققت باقي الشروط التي ذكرناها‪.‬‬

‫‪168‬‬

‫ولكن يستثنى من ذلك المرتد ‪ ،‬فل تجري النفقة عليه ‪ ،‬سواء كان أصلً للمنفق ‪ ،‬أو‬ ‫فرعا له ‪.‬‬ ‫ودليل جواز النفقة على الصل ‪ ،‬ولو كان مشركا ‪ :‬ما رواه البخاري ( الب ‪ ،‬باب ‪:‬‬ ‫صلة الوالد المشرك ‪ ،‬رقم ‪ ، )5633 :‬ومسلم ( الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬فضل النفقة والصدقة على‬ ‫القربين …‪ ،‬رقم ‪ )1003 :‬وغيره عن أسماء بنت أبي بكر رضي ال عنهما ‪ ،‬قالت ‪ :‬قدمت‬ ‫عليّ أُمي ‪ ،‬وهي مشركة ‪ ،‬في عهد قريش إذ عاهَدَهُم ‪ ،‬فاستفتيت رسول ال‬

‫فقلت ‪ :‬يا‬

‫صلِي أُمك "‪.‬‬ ‫رسول ال ‪ ،‬قدمت عليّ أمي ‪ ،‬وهي راغبة ‪ ،‬أفأصلُ أمي ؟ قال ‪ " :‬نعم ‪ِ ،‬‬ ‫[ وهي راغبة ‪ :‬أي راغبة بالصلة ‪ ،‬أو راغبة عن السلم ‪ .‬في عهد قريش ‪ :‬أي ما بين‬ ‫صلح الحديبية وفتح مكة ] ‪.‬‬ ‫مقدار نفقة الصول على الفروع ‪:‬‬ ‫هذه النفقة أيضا ليست مقّدرة بحد معين ‪ ،‬وإنما هي مقدرة بالعرف المتبع ‪.‬‬ ‫وهي أيضا ل تصبح دينا في ذمة الفرع إذا مرّ وقتها ‪ ،‬ولم يتمتع الصل بها ‪ .‬إل إذا‬ ‫وقع خلف بين الصل والفرع ‪ ،‬ففرض القاضي بموجبه جراية معينة على الفرع ‪ ،‬فإنها‬ ‫تصبح حينئذ ـ كما قلنا سالفا ـ دينا في ذمته بمرور الوقت ‪.‬‬ ‫ترتيب الصول والفروع في النفاق ‪:‬‬ ‫إذا كان الوالدين فقيرين ‪ ،‬وكان لهما فروع ‪ ،‬واستووا في القُرب ‪ ،‬أنفقوا عليهما ‪ ،‬لن‬ ‫عّلة إيجاب النفقة تشملهم جميعا ‪ .‬وتكون حصة الُنثى من النفقة كنصف حصة الذكر ‪ ،‬كالرث‬

‫‪169‬‬

‫‪ .‬وإن اختلفوا في درجة القُرب ‪ ،‬كابن ‪ ،‬وابن ابن ‪ ،‬فإن النفقة إنما تجب على القرب ‪ ،‬وارثا‬ ‫كان أو غير وارث ‪َ ،‬ذكَرا كان أو أُنثى ‪ ،‬لن ال ُقرْب أولى بالعتبار ‪.‬‬ ‫ومَن كان فقيرا ‪ ،‬وله أبوان موسران فنفقته على الب ‪ ،‬لنه هو المكلف بالنفاق على‬ ‫ولده الصغير ‪ ،‬بدليل قوله تعالى ‪:‬‬

‫ضعْنَ َلكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ‬ ‫فَإِنْ َأ ْر َ‬

‫[ الطلق ‪. ]6 :‬‬

‫وأما نفقة على الكبير الفقير ‪ ،‬فاستصحابا لما كان في الصغر‪ .‬ومن كان فقيرا ‪ ،‬وله‬ ‫أًصل وفرع غنيّان ‪ ،‬قدم الفرع في وجوب النفقة ‪ ،‬وإن بعد ‪ ،‬لن عصوبة الفرع أقوى من‬ ‫عصوبة الصل ‪ ،‬وهو أولى بالقيام بشأن أبيه ‪ ،‬لعظم حرمته ‪.‬‬ ‫وإذا تعدّد المحتاجون من أُصول وفروع وغيرهم ‪ ،‬وكان ما يفضل عن حاجته ل يتسع‬ ‫لنفقة جميعهم ‪ ،‬فإنه يقدّم بعضهم على بعض وفق الترتيب التالي ‪:‬‬ ‫يقدم بعد نفسه ‪:‬‬ ‫أ ـ زوجته ‪ ،‬لن نفقتها آكد ‪ ،‬فإنها ل تسقط بمضي الزمان ‪ ،‬بخلف نفقة الصول والفروع ‪،‬‬ ‫فإنها تسقط بمضي الوقت ‪ ،‬كما ذكرنا سابقا ‪.‬‬ ‫ب ـ ولده الصغير ‪ ،‬ومثله البالغ المجنون ‪ ،‬وذلك لشدّة عجزهما عن الكسب ‪.‬‬ ‫ج ـ الُم ‪ ،‬لعجزها أيضا ‪ ،‬ولتأكيد حقها بالحمل والوضع ‪ ،‬والرضاع والتربية ‪.‬‬ ‫د ـ الب ‪ ،‬لعظيم فضله أيضا ‪.‬‬ ‫هـ ـ البن الكبير الفقير ‪ ،‬لقربه من أبيه ‪ ،‬وللقرب مزية فضيلة ‪.‬‬ ‫و ـ الجد وإن عل ‪ ،‬لن حرمته من حرمة الب ‪ ،‬وهو أصل تجب رعاية حقوقه ‪.‬‬

‫‪170‬‬

‫‪4‬ـ نفقة الزوجة على الزوج ‪:‬‬ ‫تجب نفقة الزوجة على الزوج بالجماع ‪ ،‬بشرط معينة سنذكرها ‪ ،‬فيما بعد ‪.‬‬ ‫دليل وجوب هذه النفقة على الزوج ‪:‬‬ ‫ويستدل لوجوب نفقة الزوجة على الزوج ‪ :‬بالكتاب ‪ ،‬والسنّة ‪.‬‬ ‫أما دليل الكتاب ‪ :‬فقول ال عز وجل ‪:‬‬ ‫علَى َبعْضٍ َو ِبمَا أَنفَقُواْ مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ‬ ‫ضهُمْ َ‬ ‫َب ْع َ‬

‫علَى النّسَاء ِبمَا َفضّلَ اللّهُ‬ ‫الرّجَالُ َقوّامُونَ َ‬ ‫[ النساء ‪. ] 34 :‬‬

‫فقد دلّت هذه الية على أن الزوج هو المسئول عن النفقة ‪ .‬وقوله ال سبحانه وتعالى ‪:‬‬ ‫ح ْوَليْنِ كَا ِمَليْنِ ِلمَنْ َأرَادَ أَن ُيتِ ّم ال ّرضَاعَةَ وَعلَى ا ْل َم ْولُودِ لَهُ‬ ‫ضعْنَ َأوْلَدَهُنّ َ‬ ‫وَا ْلوَالِدَاتُ ُي ْر ِ‬ ‫س َو ُتهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬ ‫ِرزْ ُقهُنّ َوكِ ْ‬

‫[ البقرة ‪. ]233:‬‬

‫والمولود له في الية هو الزوج ‪ ،‬والضميري في‬

‫ِرزْ ُقهُنّ‬

‫عائد إلى الوالدات ‪ ،‬وهن‬

‫الزوجات ‪.‬‬ ‫والمعنى إذا ‪ :‬و على الزواج تَجِب نفقة الزوجات ‪.‬‬ ‫وأما دليل السنة ‪ :‬فما رواه مسلم ( الحج ‪ ،‬باب ‪ :‬حجة النبي‬ ‫جابر‬

‫‪ ،‬رقم ‪ )1218 :‬عن‬

‫في حديث حجة الوداع الطويل ‪:‬‬ ‫قال رسول ال‬

‫‪ " :‬فاتقوا ال في النساء ‪ ،‬فإنكم أخذتموهن بأمانة ال ‪ ،‬واستحللتم‬

‫فروجهنّ بكلمة ال ‪ ،‬ولكم عليهنّ أن ل يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ‪ ،‬فإن فعلن ذلك‬ ‫فاضربوهن ضربا غير مبرح ‪ ،‬ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ‪ ،‬وقد تركت فيكم ما‬ ‫لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ‪ ،‬كتاب ال "‪.‬‬ ‫‪171‬‬

‫الحكمة من إيجاب نفقة الزوجة على الزوج ‪:‬‬ ‫إن الحياة الزوجية لبُدّ أن تنهض على أحد أُسس ثلثة ‪:‬‬ ‫الساس الول ‪ :‬أن يتولى الزوج الشراف على بيت الزوجية ‪ ،‬وأن يكون هو المسئول عن‬ ‫النفقة على الزوجة والولد‪.‬‬ ‫الساس الثاني ‪ :‬أن تتولى الزوجة ذلك كله بدلً من الزوج ‪.‬‬ ‫الساس الثالث ‪ :‬أن يتعاون الزوجان في النهوض بالمسئوليات المادية ‪ ،‬وتقديم النفقة ‪.‬‬ ‫فما الذي يحدث لو استبعدنا الساس الول ‪ :‬الذي هو حكم الشريعة السلمية ‪،‬‬ ‫واستعضنا عنه بأحد الساسين الثاني ‪ ،‬أو الثالث ؟‪.‬‬ ‫تحدث عندئذ مجموعة النتائج التالية ‪:‬‬ ‫الول ‪ :‬لبد أن ينعكس ذلك على المهر أيضا ‪.‬‬ ‫فأما أن تتقدم المرأة بالمهر كله إلى الرجل ‪ ،‬أو أن يلزما بالشتراك في تقديمه ‪.‬‬ ‫ومن النتائج الحتمية لهذا الواقع أن تتحول المرأة ‪ ،‬فتصبح طالبة للزوج بعد أن شرّفها‬ ‫ال عز وجل ‪ ،‬فجعلها مطلوبة ‪ .‬ذلك لن الذي يتقدم بالمال يكون هو الطالب لمن يأخذ المال ‪.‬‬ ‫وإذا أصبحت الزوجة هي الساعية بحثا عن زوجها ‪ ،‬فإنها لن تعثر على الزوج الذي تستطيع‬ ‫أن تركن إليه ‪ ،‬حتى تسقط السقطات المتتالية ‪ ،‬بخِداع الرجال ‪ ،‬وأكاذيبهم عليها ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬لبدّ أن تتجه المرأة هي الخرى إلى سبل الكدح ‪ ،‬والعمل من أجل الرزق ‪ ،‬وأن تناكب‬ ‫الرجال سعيا وراء العمال المختلفة ‪.‬‬ ‫وإذا فعلت المرأة ذلك ‪ ،‬أصبحت ـ ل محالة ـ عرضة للسوء والنحراف ‪.‬‬ ‫‪172‬‬

‫والواقع المشاهد أكبر دليل على ذلك ‪.‬‬ ‫كما أن البيت يعوزه عندئذ مَن يدبر شأنه ‪ ،‬ويرعى حاله ‪،‬ويربي صغاره ‪ ،‬إذ يصبح‬ ‫عندئذ فارغا موحشا ‪ ،‬ومصدرا للفوضى ‪ ،‬والقلق والضطراب بدلً من أن يكون موئل للسعادة‬ ‫‪ ،‬ومنبعا للنس وملجأ للراحة والستجمام ‪.‬‬ ‫والواقع المشاهد أيضا أكبر دليل على ذلك ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬إذا قامت الحياة الزوجية على أحد من الساسين المذكورين ‪ ،‬فل بد أن يكون حق‬ ‫الطلق بيدها ‪ ،‬على سبيل المشاركة ‪ ،‬أو الستقلل ‪ .‬ذلك لن القــــانون‬ ‫القتصادي والجتماعي يقــول ‪ ( :‬مَن ينفق يشرف )‪.‬‬ ‫وقد علمت في باب الطلق الحكمة الباهرة من كون الطلق ـ في أعم الحوال ـ حقا‬ ‫للزوج ‪.‬‬ ‫فمن أجل أن يكون كل من الزوجين عنصر إسعاد للخر ‪ ،‬ومن أجل أن يكون بيت‬ ‫الزوجية عامرا بالرعاية والتهذيب والنس ‪ ،‬ومن أجل أن تظل المرأة عزيزة يطلبها الرجال ‪،‬‬ ‫ول تصبح مهينة تلحق الرجال ‪ ،‬وهو عنها مُعرض ‪ ،‬أو لها مُخادع ‪ .‬من أجل ذلك كله كان‬ ‫النفاق على بيت الزوجية واجبا على الزوج دون الزوجة ‪.‬‬ ‫شروط وجوب نفقة الزوجة على الزوج ‪:‬‬ ‫إنما تجب نفقة الزوجة على الزوج بالشروط التالية ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬تمكين الزوجة نفسها من الزوج ‪ ،‬بأن ل تمنعه من وجوه الستمتاع المشروع بها ‪ .‬فلو‬ ‫منعته ‪ ،‬ولو عن بعض ذلك فقط ‪ ،‬لم تجب نفقتها على الزوج ‪.‬‬ ‫‪173‬‬

‫أما إن أرادها على وجه مُحرّم من الستمتاع ‪ ،‬كأن أراد أن يأتيها وهي في المحيض ‪،‬‬ ‫فإن امتناعها ل يسقط حقّها في النفقة عليها ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬أن تتبعه في المكان والبيت الذي يختاره ‪ ،‬ويستقر فيه ‪ ،‬ما لم يكن المكان أو البيت غير‬ ‫صالح للسكن ‪ ،‬أو البقاء فيه شرعا ‪ .‬فلو كان يقيم في بلدة ل يلحقها ضرر شرعي‬ ‫صحيح بالقامة معه فيها ‪ ،‬أو في بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة ‪ ،‬ولم تقبل‬ ‫بالقامة معه فيها ‪ ،‬أو في بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة ‪ ،‬ولم تقبل بالقامة‬ ‫معه في تلك البلدة ‪ ،‬أو ذلك المنزل ‪ ،‬لم يكلّف بالنفاق عليها ‪ ،‬لنها تُعدّ ناشزة حينئذ ‪.‬‬ ‫إذا توفرت هذه الشروط وجب على الزوج أن يقدّم للزوجة جميع النفقات التي تحتاجها ‪،‬‬ ‫مما سيأتي تفصيله ‪ .‬وبذلك تعلم أن النفقة ل تجب على الزوج لمجرد العقد وحده ‪.‬‬ ‫النفقة على الزوجة تقدّر حسب حال الزوج ‪:‬‬ ‫اعلم أن النفقة على الزوجة مقدّرة ‪ ،‬ولكنها تتفاوت كّماّ ونوعا ‪،‬حسب تفاوت حال الزوج‬ ‫‪ ،‬في العسر والُيسر ‪.‬‬ ‫أما اختلف حال الزوجة في ذلك فل أثر له في هذا التفاوت ‪.‬‬ ‫ذلك لن التفاوت إنما يخضع لنسبة الستطاعة ‪ ،‬وهي عائدة إلى حال المنفق ‪ ،‬ل إلى‬ ‫حال المنفق عليه ‪.‬‬ ‫عَليْهِ ِرزْقُهُ‬ ‫س َعتِهِ َومَن قُ ِدرَ َ‬ ‫سعَةٍ مّن َ‬ ‫والدليل على هذا ‪ :‬قول ال عزّ وجلّ ‪ِ :‬ليُنفِقْ ذُو َ‬ ‫سرٍ يُسْرا‬ ‫جعَلُ اللّهُ َبعْدَ عُ ْ‬ ‫سيَ ْ‬ ‫َف ْليُنفِقْ ِممّا آتَاهُ اللّهُ لَا ُي َكّلفُ اللّهُ نَفْسا ِإلّا مَا آتَاهَا َ‬

‫[ الطلق ‪] 7 :‬‬

‫‪174‬‬

‫فقد جعل ميزان النفاق تابعا إلى حالة الزوج سعة وضيقا ‪ ،‬ل إلى مستوى‬ ‫الزوجة ومكانتها ‪ .‬إذا عرفت هذا ‪ ،‬فاعلم أن حالة الزوج تصنّف شرعا ضمن ثلث درجات ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ درجة اليُسْر ‪ ( :‬الغنى ) ‪2 .‬ـ درجة التوسط ‪3 .‬ـ درجة الفقر ‪.‬‬ ‫والعُرف العام هو المحكم في تحديد ما يكون النسان به موسرا ‪ ،‬أو متوسط الحال ‪ ،‬أو‬ ‫فقيرا ‪.‬‬ ‫أ ـ فأما الزوج الموسر ‪ ،‬فيكلف من النفقة ما يلي ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬ما يساوي مد ( حفنتين كبيرتين ) كل يوم غالب قوت البلد التي هي فيها ‪ ،‬مع‬ ‫تكلفة طحنه وخبزه ‪ ،‬وما يتبع ذلك ‪ ،‬أو يقدم ذلك خبزا جاهزا ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬يقدم من الدم ما اعتاده أهل تلك البلدة ‪ ،‬وما يقدّمه عادة أمثاله من أهل اليُسْر والغنى ‪.‬‬ ‫وقد أطال الفقهاء في تفصيل ذلك ‪ ،‬ولكن المدار فيه على كل حال إنما هو عرف أهل‬ ‫البلدة ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬الكسوة اللئقة بزوجات الموسرين في تلك البلدة ‪ ،‬ويظهر أثر العُرف في الكسوة ‪ ،‬في‬ ‫نوعها جودة ورداءة ‪ ،‬أما العدد والكمية ‪ ،‬فإنما يتبع ذلك الحاجة ل ال ُعرْف ‪ .‬ويدخل في‬ ‫حكم الكسوة ما يتبعها من أثاث وفراش ‪ ،‬وأدوات مطبخ ونحو ذلك ‪.‬‬ ‫واعلم أن دليل ال ُعرْف في ذلك كله ‪ ،‬هو قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬ ‫س َو ُتهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬ ‫ِرزْ ُقهُنّ َوكِ ْ‬

‫وَعلَى ا ْل َم ْولُودِ لَهُ‬

‫[ البقرة ‪. ] 233:‬‬

‫ب ـ أما الزوج المتوسط فيكلف من النفقة بما يلي ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬ما يساوي مدّا ونصف مدّ من غالب قوت البلد التي هي فيه كل يوم ‪.‬‬ ‫‪175‬‬

‫مع مراعاة ما ذكرنا بالنسبة لحال الموسر ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬الدم الذي جرت به عادة أهل تلك البلدة بالنسبة لوساط الناس ‪ ،‬نوعا وكما ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬الكسوة اللئقة لزوجات أمثاله في ذلك المكان ‪ ،‬وما يتبعها من بقية حاجات المنزل‬ ‫المختلفة ‪.‬‬ ‫ج ـ أما الزوج الفقير فيكلّف من النفقة بما يلي ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬ما يساوي مدّا واحدا من غالب قوت البلد كل يوم ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬الدم الذي جرت به عادة الفقراء على اختلفه في تلك البلدة ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬الكسوة اللئقة لزوجات أمثاله في ذلك المكان ‪.‬‬ ‫ويستدل لمراعاة حال الزوج في كل ما سبق بما رواه أبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في‬ ‫حق المرأة على زوجها ‪ ،‬رقم ‪ )2144‬عن معاوية القشيري‬

‫قال ‪ :‬أتيت رسول ال‬

‫فقلت ‪ :‬ما تقول في نسائنا ‪ .‬قال ‪ ": :‬أطعموهنّ مما تأكلون ‪ ،‬واكسوهنّ مما تكتسون ‪،‬‬ ‫ول تضربوهنّ ‪ ،‬ول تقبّحوهنّ ‪.‬‬ ‫مما يدخل في نفقة الزوجة إضافة لما سبق ‪:‬‬ ‫ويدخل في نفقة الزوجة على اختلف حال الزوج إضافة لما سبق ما يلي ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬منزل مناسب لحال الزوج يسكن في زوجته ‪ ،‬على أن تتوفر فيه الضرورات التي لبدّ‬ ‫منها ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬كلّ ما لبدّ منه للنظافة والتنزه من الدران والوساخ ‪ ،‬وأدوات الزينة ‪ ،‬إذا كان الزوج‬ ‫طالبا منها أو تتزين له ‪.‬‬ ‫‪176‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الخادم إذا كانت الزوجة ممّن يخدم مثلها في بيت أبيها ‪ ،‬سواء كان الزوج موسرا‪ ،‬أو‬ ‫متوسط الحال ‪ ،‬أ‪ ,‬كان فقيرا ‪ ،‬فيجب عليه أن يقدم لها مَن يخدمها بالقدر الذي تندفع به‬ ‫الحاجة ‪.‬‬ ‫وينبغي أن يكون هذا الخادم أُنثى‪ ،‬أو طفلً مميزا غير بالغ ‪ ،‬أو محرما لها ‪ .‬وأُجره هذا‬ ‫الخادم إنما هي على الزوج ‪.‬‬ ‫هل نفقة الزوجة تمليك أم تمكين ؟‬ ‫لقد عرفت الفرق بين التمليك والتمكين ‪ ،‬عند حديثنا عن نفقة الصول على الفروع ‪،‬‬ ‫ونفقة الفروع على الصول ‪.‬‬ ‫ونقول الن ‪:‬‬ ‫إذا كانت الزوجة تأكل مع زوجها ـ كما هي الغالبة في أيامنا ـ وتسكن معه دون أن‬ ‫يتفقا على قدر معين من القوت والدم ‪ ،‬يلتزم به الزوج ‪ ،‬فهذه النفقة ‪ ،‬تُعد من قبيل التمكين ‪،‬‬ ‫ل التمليك ‪ ،‬وتسقط بمضي الزمن ‪.‬‬ ‫ـ أما إذا كانت الزوجة قد اتفقت مع زوجها على قدر معين من النفقة يُجريه عليها ‪ ،‬أو‬ ‫كان القاضي قد ألزمه بقدر معين من النفقة لها ‪ ،‬فهي عندئذ مقدّرة ‪ ،‬تطالب بها ‪ ،‬حتى بعد‬ ‫مرور وقتها ‪ ،‬لنها تُعدّ ـ والحالة هذه ـ من قبيل التمليك ‪ ،‬ل التمكين ‪ ،‬ولها أن تعتاض‬ ‫عنها بما تحب ‪.‬‬

‫‪177‬‬

‫أثر ال ُعرْف في تقدير النفقة ‪:‬‬ ‫مما سبق تعلم أن القوت الساسي الذي لبدّ منه في الطعام ‪ ،‬ل أثر للعْرف في تقدير‬ ‫كميته ‪.‬‬ ‫وإنما هو محدّد ـ كما علمت ـ في سائر الظروف والحوال ‪:‬‬ ‫بمدّين ‪ ،‬للموسر ‪.‬‬ ‫ومدّ ونصف المدّ ‪ ،‬للمتوسط ‪.‬‬ ‫ومدّ واحد ‪ ،‬للفقير ‪.‬‬ ‫يقدّمه كل منهم لزوجته خبزا ‪ ،‬أو حبّا مع تقديم كلفة طحنه وخبزه ‪.‬‬ ‫وذلك لن قوت ضروري ل يتأثر باختلف العُرْف ‪.‬‬ ‫أما ما زاد عليه من الدم والكساء ونحوهما ‪ ،‬فإنما يحدده العرف ‪ ،‬أي العُرف السائد في‬ ‫تلك البلدة ‪ ،‬في ذلك العصر ‪ ،‬بشرط أن ل يكون العُرف مخالفا لشيء من الحكام الشرعية ‪.‬‬ ‫فل أثر لعُرف يقضي بالبذخ والتبذير بالنسبة لبعض النفقات ‪ ،‬أو بالنظر لبعض‬ ‫المناسبات ‪ ،‬كما هو واقع ‪ ،‬وكثير ‪ ،‬ومرهق في هذه الزمان ‪.‬‬ ‫ما يترتب على إعسار الزوج بالنفقة ‪:‬‬ ‫إذا أعسر الزوج ‪ ،‬فإن كان إعبساره نزولً عن درجة اليُسْر إلى الدرجة الوسطى ‪ ،‬أو‬ ‫إلى الدرجة الدنيا ‪ ،‬وهي درجة الفقر ‪ ،‬فل يترتب على هذا العسار شيء ‪ ،‬وتلزم بمتابعته ‪،‬‬ ‫والرضا بحالته التي آل إليها أمره ‪.‬‬

‫‪178‬‬

‫أما إذا أعسر الزوج حتى عن نفقة الدرجة الثالثة بكاملها ‪ ،‬فللزوجة عندئذ أن تُطالب بفسخ‬ ‫النكاح ‪.‬‬ ‫وإذا طلبت ذلك وجب على القاضي أن يلبّي طلبها ويفرّق بينهما ‪ ،‬ولكن يجب أن يكون‬ ‫ذلك ‪ ،‬بعد عجز الزوج عن النفقة بثلثة أيام على أقل تقدير ‪ ،‬لكي يتحقق عجزه ‪ ،‬إذ قد يكون‬ ‫العجز لعارض ‪ ،‬ثم يزول ‪.‬‬ ‫روى الدارقطني ( في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المهر ‪ )3/297 :‬عن أبي هريرة‬

‫أن النبي‬

‫قال في الرجل ل يجد ما ينفق على امرأته ‪ " :‬يفرّق بينهما "‪.‬‬ ‫وإذا رضيت بالبقاء مع زوجها على عجزه ‪ ،‬فلها أن تطلب فسخ النكاح بعد ذلك ‪ ،‬لن‬ ‫الضرر بعجز الزوج عن النفقة بتجدّد كل يوم ‪ ،‬ولكل يوم حكم مستقل ‪.‬‬ ‫ولكن ل يجوز لها الفسخ إذا أعسر ببعض نفقة الدرجة الثالثة ‪ ،‬كأن أعسر عن تقديم‬ ‫الدم ‪ ،‬لنه تابع ‪ ،‬وبالمكان أن تقوم النفس بدونه ‪ ،‬أو كأن عجز عن نفقة الخادم ‪ ،‬لن‬ ‫الخدمة من المكمّلت التي يمكن للبدن أن يقوم بدونها‪.‬‬ ‫أما إذا أعسر بمجموع نفقة هذه الدرجة ‪ ،‬فعندئذ يحقّ لها أن تطلب الفسخ ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ نفقات أخرى ‪:‬‬ ‫هذا ويكلّف النسان بنفقات أخرى ـ غير ما ذكر ـ وذلك نحو ممتلكاته ‪ ،‬التي يملكها ‪:‬‬ ‫أولً نفقة البهائم ‪:‬‬ ‫تنقسم البهائم إلى الصناف الثلثة التالية ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ بهائم مأكولة ‪.‬‬ ‫‪179‬‬

‫‪2‬ـ بهائم محترمة غير مأكولة ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ بهائم غير محترمة ‪.‬‬ ‫الصنف الول ( البهائم المأكولة ) ‪:‬‬ ‫وهذا الصنف ‪ ،‬كالنعام ونحوها من كل ما هو مأكول ‪ ،‬يخيّر مالكها بين أن يعلفها ‪،‬‬ ‫ويسقيها ‪ ،‬بما يحفظ عليها حياتها بشكل سوي ‪ ،‬وبين أن يذبحها للكل ‪ ،‬أو أن يبيعها ‪ ،‬أو يهبها‬ ‫للخرين ‪ ،‬فإن لم يذبح ‪ ،‬أو لم يفعل شيئا غير الذبح مما ذكر ‪ ،‬فإنه يجبر على نفقتها من علف‬ ‫وسقي ‪ ،‬بالقدر الكافي لحفظ حياتها ‪ ،‬فإن لم يفعل أُجبر على بيعها ‪ ،‬فإن لم يفعل بِيعت عليه‬ ‫غضبا ‪.‬‬ ‫الصنف الثاني ( البهائم المحترمة غير المأكولة ) ‪:‬‬ ‫وهذه البهائم المحترمة ‪ ،‬ككلب صيد غير عقور ‪ ،‬وهرّة ‪ ،‬وصقر ‪ ،‬ونحل ‪ ،‬ودود قز ‪،‬‬ ‫ونحو ذلك ‪ ،‬فإن مالكها يلزم ببيعها ‪ ،‬فإن لم يفعل ‪ ،‬أو لم يوجد مَن يشتريها ‪ ،‬وجب عليه أن‬ ‫يدفعها لمن قد ينتفع بها ‪ ،‬صونا لها عن الهلك ‪.‬‬ ‫الصنف الثالث ( البهائم غير المحترمة ) ‪:‬‬ ‫وهذه البهائم غير المحترمة ‪ ،‬كالكلب العقور ‪ ،‬ومختلف الحيوانات المؤذية ‪ ،‬فل يلزم‬ ‫حرَج في قتلها ما دامت كذلك ‪.‬‬ ‫النسان بشيء مما ذكرنا نحوها ‪ ،‬إذ ل َ‬ ‫الدليل على نفقة الحيوانات المحترمة ‪ ،‬والمأكولة ‪:‬‬ ‫ويستدل لذلك كله بحديث مسلم ( البرَ والصلة والدب ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم تعذيب الهرة‬ ‫ونحوها …‪ ،‬رقم ‪ )2619 :‬عن أبي هريرة‬

‫عن رسول ال‬

‫قال ‪ ":‬دخلت امرأة النار في‬ ‫‪180‬‬

‫هرّة ‪ ،‬ربطتها ‪ ،‬فل هي أطعمتها ‪ ،‬ول هي أرسلتها تأكل مـن خَشَاش الرض ‪ ،‬حتى ماتت‬ ‫هزلً " وأخـرجـه البخـاري ( المساقاة ‪ ،‬باب سقي الماء ‪ ،‬رقم ‪ ، )2236 :‬ومسلم‬ ‫( السلم ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم قتل الهرة ‪ ،‬رقم ‪ )2242 :‬والهرّة مثال لكل حيوان محترم ‪ ،‬مأكولً‬ ‫كان أو غير مأكول ‪ ،‬ويخرج بذلك ما هو غير محترم ‪ ،‬كالفواسق الخمس التي ذكرت في‬ ‫الحديث ‪.‬‬ ‫روى البخاري ( الحصار وجزاء الصيد ‪ ،‬باب ‪ :‬ما يقتل المحرم من الدواب ‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫‪ ، )1732‬ومسلم ( الحج ‪ ،‬باب ‪ :‬ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب …‪ ،‬رقم ‪)1198 :‬‬ ‫وغيرها عن عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬عن النبي‬

‫أنه قال ‪ ":‬خمس فواسق ‪ ،‬يقتلن في الحلّ‬

‫والحرم ‪ :‬الحيّة ‪ ،‬والغراب البقع ‪ ،‬و الفأرة ‪ ،‬والكلب العقور ‪ ،‬والحُديّا "‪.‬‬ ‫[ فواسق ‪ :‬الفاسق ‪ :‬الخارج عن الطاعة ‪ ،‬وسميت هذه الدواب الخمس فواسق ‪،‬‬ ‫لخروجها باليذاء والفساد عن طريق معظم الدواب ‪.‬‬ ‫الغراب البقع ‪ :‬هو الذي في ظهره وبطنه بياض ‪ .‬الحُديّا ‪ :‬تصغير ‪ :‬الحدأة ‪ ،‬وهو طائر‬ ‫خبيث ‪ ،‬بله هو أخس الطير ‪ ،‬يخطف الفراخ ‪ ،‬وصغار أولد الكلب ] ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬نفقة الزروع والشجار‪:‬‬ ‫والمقصود بنفقة الزروع والشجار ‪ ،‬سقيها ورعايتها ‪ ،‬فإن لم يكن بصاحبها رغبـة في‬ ‫اقتلعها ‪ ،‬لعمارة ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬فإنه ينبغي عليه سقيها ورعايتها ‪ ،‬لن إهمالها يدخل في دائرة‬ ‫إضاعة المال ‪ ،‬بدون مسوّغ شرعي ‪ ،‬وهو ل يجوز ‪.‬‬

‫‪181‬‬

‫أما إذا كان يريد اقتلع الشجر أو الزرع ليستفيد منهما ‪ ،‬أو ليستفيد من الرض في‬ ‫عمارة ‪ ،‬أو نحوها ‪ ،‬فإن له قطع الشجار والزرع ‪ ،‬أو إهمالها إلى أن ييبسا ‪ ،‬لن له في ذلك‬ ‫غرضا شرعيا سليما ‪.‬‬ ‫وال سبحانه وتعالى أعلم ‪..‬‬

‫‪182‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬الحصاَنة وأ َ‬ ‫َ‬ ‫ها‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ضاَنة ‪:‬‬ ‫ح َ‬ ‫ال َ‬ ‫تعريف الحصانة ‪:‬‬ ‫حضْن ‪ ،‬وهو الجنب ‪ ،‬لن الحاضنة من شأنها أن تردّ‬ ‫الحصانة لغة ‪ :‬مأخوذة من ال ِ‬ ‫المحضون إلى جنبها ‪.‬‬ ‫والحضانة في اصطلح الشريعة السلمية ‪ :‬هي حفظ مَن ل يستقل بأمر نفسه ‪،‬‬ ‫وتربيته بمختلف وجوه التنمية والصلح ‪ ،‬وتنتهي بالنسبة للصغير إلى سن التمييز ‪.‬‬ ‫أما رعايته بعد ذلك إلى سن البلوغ ‪ ،‬فتسمى ‪ :‬كفالة ‪ ،‬ل حضانة ‪.‬‬ ‫حكمة مشروعية الحضانة ‪:‬‬ ‫إن الحكمة من مشروعية الحضانة ‪ ،‬إنما هي تنظيم المسؤوليات المتعلقة برعاية الصغار‬ ‫‪ ،‬وتربيتهم ‪.‬‬ ‫إذ ربما تفارق الزوجان ‪ ،‬أو اختلفا ‪ ،‬أو تعاسرا فيما يتعلق بالنظر لتربية صغارهما ‪.‬‬ ‫فلو ترك المر لما ينتهي إليه شقاقهما ‪ ،‬أو لما يقرره المتغلب من الطرفين في الخصومة ‪،‬‬ ‫كان في ذلك ظلم كبير للصغار ‪ ،‬وإهدار لمصلحتهم ‪ .‬وربما كان في ذلك رج بهم في أسباب‬ ‫الشقاء والهلك ‪.‬‬ ‫لذلك كان لبدّ من وضع ضوابط تحدد أصناف المسؤولين عن حضانة الصغار ‪،‬‬ ‫ورعايتهم ‪ ،‬وتصنفهم حسب الولوية ‪ ،‬بحيث ل تتأثر مصلحة الصغار ‪ ،‬بأيّ شقاق ‪ ،‬أو خلف‬ ‫يقع بين أولياء أُمورهم ‪.‬‬ ‫‪183‬‬

‫من هو الحق بالحضانة ؟‬ ‫إذا فارق الرجل زوجته ‪ ،‬وكان له منها ولد ‪ ،‬ذكر أو أنثى ‪ ،‬وكان دون سن التمييز ‪،‬‬ ‫فإن الم أحق من الدب بحضانته ‪.‬‬ ‫أسباب تقديم الم في الحضانة على الب ‪:‬‬ ‫إن الم أحق بالحضانة من الب ‪ ،‬للسباب التالية ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ لوفور شفقتها ‪ ،‬وصبرها على أعباء الرعاية والتربية ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ لنها ألين بحضانة الطفال ‪ ،‬ورعايتهم ‪ ،‬وأقدر على بذل ما يحتاجون إليه من العاطفة‬ ‫والحنو‪.‬‬ ‫الدليل على حق الُم في الحضانة ‪:‬‬ ‫والدليل على أن الحضانة من حق الُم ‪ ،‬وأن حقها مقدّم على حق الب في ذلك ‪ :‬ما‬ ‫رواه أبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬مَن أحقّ بالولد ‪ ،‬رقم ‪ )2276 :‬عن عبدال بن عمرو‬ ‫رسول ال‬

‫‪ :‬أن‬

‫‪ ،‬جاءته امرأة ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن ابني هذا ‪ ،‬كان بطني له وعاءً ‪،‬‬

‫وثديي له سقاءً ‪ ،‬وحجري له حواءً ‪ ،‬وإن أباه طلّقني ‪ ،‬وأراد أن ينزعه منّي ‪ ،‬فقال لها رسول‬ ‫ال‬

‫‪ ":‬أنت أحق به ما لم تنكحي "‪.‬‬ ‫[ حواء ‪ :‬الحواء اسم للمكان الذي يحوي الشيء ويضمه ] ‪.‬‬

‫مَن أحقّ بالحضانة بعد الم ؟‬

‫‪184‬‬

‫إذا لم توجد أم الطفل ‪ ،‬أو وجدت ‪ ،‬ولكنها رفضت أن تحضنه ‪ ،‬كان الحق في الحضانة‬ ‫لمن بعد الُم ‪ ،‬وكانت الفضلية لم الم ‪ .‬والمقصود بها ‪ :‬جدّة تدلي إلى الطفل بأنثى ‪ ،‬تقدّم‬ ‫القربى ‪ ،‬فالقربى ‪.‬‬ ‫ثم لم الب ‪ .‬ثم أُمهاتها ‪ ،‬تقدم القربى فالقربى ‪.‬‬ ‫ثم للخت الشقيقة ‪ .‬ثم للخت من الب ‪ .‬ثم للخت من الم ‪.‬‬ ‫ثم الخالة ‪ .‬ثم العمّة ‪.‬‬ ‫ثم بنات الخ ‪ ،‬ثم بنات الُخت ‪.‬‬ ‫الحكمة في تقديم الناث في الحضانة ‪:‬‬ ‫والحكمة في هذا التقديم للناث في حق الحضانة هي ما قلناه في الُم ‪ ،‬فإن الناث غالبا‬ ‫ما يكن ألين بحضانة الطفال ‪ ،‬ورعايتهم ‪ ،‬وأصبر على مشاكلهم ‪ ،‬وأقدر على بذل ما‬ ‫يحتاجون إليه من الحنو والعاطفة ‪.‬‬ ‫حضانة الرجال ‪:‬‬ ‫قلنا إن حق النساء في الحضانة مقدّم ‪ ،‬لنهن أليق بها ‪ ،‬ولكن إذا لم يكن هناك امرأة‬ ‫قريبة للطفل ‪ ،‬أو كانت ‪ ،‬وأبت أن تحضنه ‪ ،‬فهل ينتقل هذا الحق إلى الرجال ؟ نعم ينتقل حق‬ ‫الحضانة إلى الرجال ‪ ،‬فيقدّم منهم المحرم الوارث ‪ ،‬على ترتيب الرث ‪ ،‬إل الجد فإنه يقدّم‬ ‫على الخوة ‪ ،‬ثم الوارث غير المحرم ‪ ،‬على ترتيب الرث أيضا ‪ .‬فيقدم ‪:‬‬ ‫الب ‪ ،‬ثم الجد ‪ ،‬وإن عل ‪.‬‬

‫‪185‬‬

‫ثم الخ الشقيق ‪ ،‬ثم الخ لب ‪ ،‬ثم ابن الخ الشقيق ‪ ،‬فابن الخ لب ‪ ،‬ثم العمّ الشقيق ‪،‬‬ ‫ثم العم لب ‪ .‬ثم ابن العم الشقيق ‪ ،‬ثم ابن العم لب ‪.‬‬ ‫وإنما قدّم القرب فالقرب في حق الحضانة ‪ ،‬لن القرب أوفر شفقة على الغالب من‬ ‫البعد ‪ ،‬وأكثر حرصا على حق الرعاية ‪ ،‬وحُسن التربية ؛ ومصلحة الصغار ‪.‬‬ ‫اجتماع الرجال والنساء من أقرباء الطفال ‪:‬‬ ‫إذا اجتمع ذكور وإناث من أقارب الطفل ‪ ،‬وتنازعوا في الحضانة ‪ ،‬قدّمت ‪:‬‬ ‫الم ‪ ،‬لحديث أبي داود السابق ‪ ،‬ولنها ـ كما قلنا ـ أوفرهم شفقة على الطفل ‪.‬‬ ‫ثم أُمهات الم ‪ ،‬المدليات بإناث ‪ ،‬كما ذكرنا ‪ ،‬لنهنّ في معنى الم في الشفقة ‪،‬‬ ‫تقدم القربى ‪ ،‬فالقربى ‪.‬‬ ‫ثم يقدّم الب ‪ ،‬لنه الصل ‪.‬‬ ‫ثم الجدّة أُم الب ‪ ،‬ثم الجد أبو الب ‪.‬‬ ‫ثم الخت الشقيقة ‪ ،‬ثم الخ الشقيق ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬ ‫فإذا استووا في القرب ‪ ،‬وكانوا ذكورا وإناثا ‪ :‬كإخوة أشقاء وأخوات شقيقات ‪ ،‬قدّم‬ ‫الناث على الذكور ‪ ،‬لما قلنا ‪ ،‬من أن الحضانة بهنّ أليق ‪ ،‬وهنّ لها أفضل ‪.‬‬ ‫وإن كانوا ذكورا فقط ‪ ،‬أو كنّ إناثا فقط ‪ ،‬وتنازعوا في الحضانة ‪ ،‬أقرع بينهم ‪ ،‬فأيّهم‬ ‫سلّم إليه الطفل ‪.‬‬ ‫خرجت قرعته ‪ُ ،‬‬

‫‪186‬‬

‫إلى متى تستمر الحضانة للطفل ‪:‬‬ ‫تستمر فترة الحضانة شرعا إلى أن تتكامل في الطفل التمييز ‪ ،‬والمقصود بالتمييز أن‬ ‫يستقل الطفل بشؤونه الخاصة ‪ ،‬دون الحاجة إلى معونة أحد ‪.‬‬ ‫والمراد بشؤونه الخاصة ‪ :‬تناول الطعام والشراب ‪ ،‬وقضاء الحاجة ‪ ،‬والتنزّه من‬ ‫الدران ‪ ،‬والقيام بأعمال الطهارة ‪ ،‬من وضوء ونحوه ‪ .‬وقد حدّد سن التمييز بسبع سنين ‪ ،‬إذ‬ ‫يتكامل التمييز عنده غالبا ‪ .‬فإذا أتمّ الطفل السابعة من عمره ‪ ،‬وكان مميزا ‪ ،‬فإن مدّة الحضانة‬ ‫تنتهي عند ذلك ‪.‬‬ ‫وتبدأ مرحلة أخرى من الرعاية تسمي ‪ :‬كفالة ‪.‬‬ ‫فإذا أتمّ الطفل ‪ ،‬سن السابعة ‪ ،‬وكان مميزا ‪ ،‬فإنه يخيّر إذ ذاك بين أبويه ‪ ،‬فأيّهما اختار‬ ‫سلّم إليه ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه الترمذي ( الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في تخيير الغلم بين أبويه إذا‬ ‫اقترفا ‪ ،‬رقم ‪ )1357‬عن أبي هريرة‬

‫‪ :‬أن النبي‬

‫خير غلما بين أبيه وأمه ‪.‬‬

‫وفي رواية عند أبي داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬مَن أحق بالولد ‪ ،‬رقم ‪ )2277 :‬وغيره ‪ :‬أن امرأة‬ ‫جاءت ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن زوجي يريد أن يذهب بابني ‪ ،‬وقد سقاني من بئر أبي‬ ‫عنبة ‪ ،‬وقد نفعني ‪ .‬فقال رسول ال‬ ‫فقال النبي‬

‫‪ " :‬استهما عليه " فقال زوجها ‪ :‬من يحاقني في ولدي ‪،‬‬

‫" هذا أبوك ‪ ،‬وهذه أُمك ‪ ،‬فخذ بيد أيّهما شئت " فأخذ بيد أُمه ‪ ،‬فانطلقت به ‪.‬‬

‫‪187‬‬

‫[ بئر أبي عنبة ‪ :‬بئر معين ‪ ،‬والظاهر أنه كان في مكان بعيد ‪ .‬وهي تغني ‪ :‬أن ولدها‬ ‫قد كبر ‪ ،‬وأصبح يستطيع القيام بما ينفعها ‪ ،‬بعد أن قامت بتربيته ‪ ،‬حيث كان صغيرا ‪ ،‬ل‬ ‫ينفعها بشيء ‪ .‬استهما ‪ :‬أي اقترعا ‪ .‬يحاقني ‪ :‬يخاصمني ] ‪.‬‬ ‫ثم إن اختار المميز أباه ‪ ،‬ففقد الب ‪ ،‬أو سقطت أهليته ‪ ،‬نزل الجد منزلته ‪ ،‬وإن عل ‪،‬‬ ‫ومثله الخ والعم ‪ ،‬ومثلهما ابن العم عند فَقْد الخ والعم ‪ ،‬على الترتيب الذي ذكرناه سابقا ‪.‬‬ ‫إل أن تكون فتاة مُشتهاة ‪ ،‬أو في سن المراهقة ‪ ،‬فل يجوز بقاؤها في كفالة ابن عمّها ‪،‬‬ ‫فإن لم يكن غيره ‪ ،‬وجي أن تكون عند امرأة موثوقة يعينها ابن العم ‪.‬‬ ‫حكمة تخيير الطفل بين أبويه عند بلوغه التمييز ‪:‬‬ ‫علمنا سبب تقديم حق الم في الحضانة على الب ‪ ،‬كما علمنا السبب في انتهاء مدة‬ ‫الحضانة بتكامل التمييز عند الطفل ‪ ،‬أو الطفلة ‪ ،‬وذلك ‪ ،‬لن فترة ما قبل التمييز عند الطفل ‪،‬‬ ‫أو الطفلة ‪ ،‬وذلك ‪ ،‬لن فترة ما قبل التمييز ‪ ،‬ل يستغني فيها الصغير عن رعاية الم ‪ ،‬ول‬ ‫يكاد يقوم مقامها الب ‪ ،‬أو غيره من الرجال ‪.‬‬ ‫غير أن الكفالة ‪ ،‬إنما هي رعاية عامة ‪ ،‬قد يستوي في القدرة عليها كلّ من الب والم ‪،‬‬ ‫وذلك بسبب قدرة الطفل على أن يستقل بالكثير من شؤونه ‪ ،‬وبسبب توفر الطاقة العقلية عنده‬ ‫في الجملة ‪.‬‬ ‫فناسب بعد هذا كله ‪ ،‬أن يعطى الطفل الخيار بين أبويه ‪ ،‬أو مَن يقوم مقامهما ‪،‬‬ ‫يختار أيّهما شاء ‪.‬‬

‫‪188‬‬

‫شروط الحضانة ‪:‬‬ ‫يشترط للحضانة أن يتوفر فيها الشروط التالية ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬العقل ‪:‬‬ ‫فل حضانة لمجنون ‪ ،‬أو مجنونة ‪ ،‬ولو كان جنونا متقطعا ‪ ،‬لن الحضانة ولية ‪ ،‬وليس‬ ‫المجنون من أهل الولية ‪ ،‬إذ يتأتى منه الحفظ والرعاية ‪ ،‬بل هو نفسه محتاج إلى الرعاية‬ ‫والحفظ ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬السلم ‪:‬‬ ‫وذلك إذا كان المحضون مسلما ‪ ،‬ولو حكما ‪ ،‬بأن كان أحد أبويه مسلما ‪ ،‬فإنه يتبع‬ ‫أشرف البوين في الدين ‪.‬‬ ‫فل تجوز حضانة الكافر للمسلم ‪ ،‬ذلك لن الحضانة ‪ ،‬ولية ـ كما قلنا ـ ول‬ ‫ولية للكافر على المسلم ‪.‬‬ ‫ولن الكافر ‪ ،‬ربما يفتن الصغير عن دينه ‪ ،‬بشتى الوسائل والساليب ‪.‬‬ ‫لكن إذا كان المحضون كافرا ‪ ،‬كان لكلّ من المسلم والكافر حضانته ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬العفة والمانة ‪:‬‬ ‫والمراد بالعفة والمانة ‪ :‬أن ل يكون الحاضن فاسقا ‪ ،‬إذ الفاسق ل يلي ‪ ،‬ول يؤتمن‬ ‫على شيء ‪ ،‬وإنما ينبغي أن يكون عدلً ذا عفّة ودين ‪.‬‬

‫‪189‬‬

‫ثم إن العدالة تثبت بالظاهر المشاهد ‪ ،‬ول يشترط لثبوتها شهادة وبيّنات ‪ ،‬إل إذا وقع‬ ‫نزاع في أهلية الحاضن ‪ ،‬وعدالته ‪ ،‬فل بدّ عندئذ من ثبوت عدالته عند القاضي بناءً على الدلة‬ ‫والبيّنات ‪.‬‬ ‫رابعا ‪ :‬القامة ‪:‬‬ ‫وذلك بأن يكون صاحب الحق في الحضانة مقيما في بلد الطفل ‪.‬‬ ‫فلو سافرت الم ـ وهي صاحبة الحق في حضانة طفلها ـ سفر حاجة ‪:‬‬ ‫كحج ‪ ،‬وتجارة ونزهة ونحوها ‪ ،‬لم تمكن من أخذ الطفل معها ‪ ،‬وكان المقيم عنده أولى منها‬ ‫إلى أن تعود من السفر ‪ ،‬فيسلّم الولد إلى جدته إلى أن تعود الم ‪.‬‬ ‫أما السفر الذي يكون انتقالً إلى بلدة أخرى ‪ ،‬بدون قصد العودة ‪ ،‬فإنه ل يستوجب‬ ‫سقوط حق الحضانة ‪ ،‬إذا كان الطريق آمنا ‪ ،‬وكانت البلدة التي تقصد الحاضن الستيطان فيها‬ ‫آمنة أيضا ‪:‬‬ ‫فإذا اضطر كل من البوين إلى السفر لحاجة ‪ ،‬بقي حق الُم ‪ ،‬ولم يعد السفر‬ ‫عندئذ مانعا من الحضانة ‪:‬‬ ‫خامسا ‪ :‬الخلو من زوج أجنبي ‪:‬‬ ‫فإذا تزوجت الم سقط حقها في الحضانة ‪ ،‬وإن لم يدخل بها الزوج بعد ‪ ،‬أو رضي‬ ‫زوجها أن يدخل الولد داره ‪.‬‬ ‫والدليل على ذلك من السنة ‪ :‬فما رواه أبو داود ( ‪ ) 2276‬وذكرناه سابقا " أنت أحقّ به‬ ‫ما لم تنكحي " ‪. 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر الدليل على حق الم في الحضانة ( صفحة ‪. ) 192‬‬

‫‪190‬‬

‫والدليل من المعقول على سقوط حق الم في الحضانة إذا تزوجت ‪ ،‬هو أن الم إذا‬ ‫تزوجت شغلت عن ولدها بحق الزوج ‪ ،‬فل توجد ضمانة لرعاية شأن الطفل ‪ ،‬والنظر في أمره‬ ‫لكن يستثنى من ذلك حالتان ‪:‬‬ ‫الحالة الولى ‪ :‬أن يتراضى والد الطفل مع زوج الم أن يبقى الولد عند أمه ‪ ،‬فإن ذلك‬ ‫يبقي حقّها في الحضانة ‪ ،‬ويسقط حق الجدّة ‪.‬‬ ‫الحالة الثانية ‪ :‬أن يكون زوج الُم الجديد قريبا للطفل ‪ ،‬ممّن له حق حضانته ‪ ،‬وإن‬ ‫كانت درجته بعيدة ‪ ،‬فإن الم في حضانة ولدها ل يسقط حينئذ إذا رضي زوجها بحضانته ‪.‬‬ ‫ذلك لن له حقا في رعايته ‪ ،‬ولن له من الشفقة عليه ما يحمله على التعاون مع‬ ‫أُمه على كفالته ‪ ،‬والهتمام بشأنه ‪.‬‬ ‫سادسا ‪ :‬الخلو من المراض الدائمة والعادات المؤثرة ‪:‬‬ ‫فلو كانت الُم تعاني من مرض عضال ‪ :‬كالسل ‪ ،‬والفالج ‪ ،‬أو كانت عمياء ‪ ،‬أو‬ ‫صّماء ‪ ،‬لم يكن لها حق في حضانته ‪ ،‬لن من شأنها ما يشغلها عن القيام بحق الطفل ‪.‬‬ ‫ما يترتب على فَقْد شيء من شروط الحضانة ‪:‬‬ ‫إذا فُقِدَ شرط من هذه الشروط الستة التي ذكرناها لستحقاق الحضانة ‪ ،‬سقط حق‬ ‫الحاضنة ‪ ،‬وانتقل هذا الحق من يليها ‪ ،‬مَن جدة ‪ ،‬ثم أخت ‪ ،‬ثم خالة ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬ ‫كيف يتم التأكد من فوات شرط من شروط الحضانة ‪:‬‬ ‫يعتمد في التأكد من فوات شرط من شروط الحضانة على واحد من المور‬ ‫الثلثة التالية‬ ‫‪191‬‬

‫المر الول ‪ :‬إقرار الحاضنة ‪:‬‬ ‫فإذا أقرّت الم بأنها متزوجة ‪ ،‬أو أنها تعاني من مرض عضال دائم العلّة ‪ ،‬سقط حقها‬ ‫في الحضانة ‪.‬‬ ‫المر الثاني ‪ :‬دعوى المعارض ‪:‬‬ ‫إذا ادّعى المعارض في الحضانة ‪ :‬أن الحاضنة فقدت شرطا من شروط الحضانة ‪،‬‬ ‫وكانت دعواه تلك مصحوبة بالبيّنات المعتمدة ‪ ،‬فإن حقها في الحضانة يسقط عندئذ ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬تحقيق القاضي ‪:‬‬ ‫تحقيق القاضي ‪ ،‬أو الحاكم ‪ ،‬وذلك عندما يرتاب ويشكّ في توفر الشروط عند‬ ‫الحاضنة ‪ ،‬فإذا ثبت لديه بموجب تحرياته فقدان شرط من شروط الحضانة ‪ ،‬فإنه يسقط‬ ‫الحضانة عندئذ في الحضانة ‪.‬‬ ‫وال سبحانه وتعالى أعلم …‪.‬‬

‫تعريف الرضاع ‪:‬‬

‫خامسا ً ‪ :‬الرضاع وأحكامه‬ ‫الرضـــــاع‬

‫‪192‬‬

‫الرّضاع ‪ ،‬والرّضاعة ـ بفتح الراء ويجوز كسرها فيهما ـ معناه في اللغة ‪ :‬اسم لمصّ‬ ‫الثدي وشرب لبنه ‪.‬‬ ‫والرضاع شرعا ‪ :‬اسم لحصول لبن امرأة ‪ ،‬أو ما حصل منه في معدة طفل ‪ ،‬أو دماغه‬ ‫دليل تشريع الرضاع ‪:‬‬ ‫إرضاع الولد من غير أُمه التي ولدته جائز شرعا ‪ ،‬ولقد كان أمرا معروفا قبل السلم ‪.‬‬ ‫ولما جاء في السلم أقرّه ولم يحرمه ‪ ،‬لما فيه أحيانا من المصلحة ‪ ،‬والحاجة الملجئة ؛ كأن‬ ‫تموت أُم الطفل ‪ ،‬مثلً ‪ ،‬أو يكون بها علّة تمنعها الرضاع ‪ ،‬فل بدّ والحالة هذه من امرأة‬ ‫أخرى ترضعه حفاظا على حياته ‪.‬‬ ‫دليل هذا الجواز ‪:‬‬ ‫خرَى‬ ‫س ُت ْرضِعُ لَهُ أُ ْ‬ ‫س ْرتُمْ فَ َ‬ ‫ويستدل على جواز الرضاع بقول ال عز وجل ‪َ :‬وإِن َتعَا َ‬

‫[ الطلق ‪. ] 6 :‬‬ ‫تعاسرتم ‪ :‬اختلفتم في إرضاع الولد ‪ ،‬فسترضع الولد امرأة أخرى غير أمه ‪.‬‬ ‫وقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫عَل ْيكُمْ‬ ‫جنَاحَ َ‬ ‫ضعُواْ َأوْلَ َدكُمْ فَلَ ُ‬ ‫س َت ْر ِ‬ ‫َوإِنْ َأرَدتّمْ أَن تَ ْ‬

‫[ البقرة‬

‫‪. ]233:‬‬

‫هل الرضاع واجب على الم أم هو حق لها ؟‬

‫‪193‬‬

‫إن قلت ‪ :‬الرضاع واجب على الم ‪ ،‬كان معنى ذلك ‪ ،‬أنها ملزمة بإرضاع طفلها ‪،‬‬ ‫سواء رضيت بذلك ‪ ،‬أو لم ترضَ ‪ ،‬مادامت قادرة على الرضاع ‪ ،‬غير معذورة بأيّ سبب‬ ‫شرعي ‪ .‬وإن قلت ‪ :‬الرضاع حق للم ‪ ،‬كان معنى ذلك المر عائد إلى اختيارها ‪.‬‬ ‫فإن رغبت في الرضاع لم يكن للزوج ‪ ،‬ول لغيره أن يصدّها عن حقها ‪.‬‬ ‫أما إن لم ترغب في إرضاعه ‪ ،‬فإن الزوج يصبح عندئذ ملزما بتدبر مُرضعة أخرى‬ ‫لطفله ‪.‬‬ ‫إذا عرفت الفرق بين الواجب عليها ‪ ،‬والحق لها ‪ ،‬فما هي علقة الُم بإرضاع ولدها ؟‪.‬‬ ‫هل هي علقة حق لها ؟ أم هي علقة واجب عليها ؟‬ ‫المفتي به في مذهب المام الشافعي رحمة ال تعالى ‪ :‬أن الرضاع حق للم ‪ ،‬تطالب به‬ ‫عندما تشاء ‪ ،‬وليس واجبا عليها ‪.‬‬ ‫فل تلزم به إل إذا لم يوجد مَن يقوم مقامها ‪ ،‬فيصبح الرضاع واجبا عليها للضرورة ‪.‬‬ ‫دليل أن الرضاع حق للم وليس واجبا عليها ‪:‬‬ ‫ودليل كون الرضاع حقا للم ‪ ،‬وليس واجبا عليها ‪ :‬قول ال عز وجل ‪ :‬وَا ْلوَالِدَاتُ‬ ‫ح ْوَليْنِ كَا ِمَليْنِ ِلمَنْ َأرَادَ أَن ُيتِ ّم ال ّرضَاعَةَ‬ ‫ُي ْرضِعْنَ َأوْلَدَهُنّ َ‬ ‫سبحانه تعالى ‪:‬‬ ‫فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ‬

‫خرَى‬ ‫س ُت ْرضِعُ لَهُ أُ ْ‬ ‫س ْرتُمْ فَ َ‬ ‫َوإِن َتعَا َ‬

‫[ البقرة ‪ ]233 : :‬مع قوله‬

‫‪ .‬وقوله جلّ جلله ‪:‬‬

‫ضعْنَ َلكُمْ‬ ‫فَإِنْ َأ ْر َ‬

‫[ الطلق ‪. ] 6 :‬‬

‫‪194‬‬

‫وبيان وجه الدليل في هذه اليات على أن الرضاع حق للم وليس واجبا عليها ‪ :‬أن ال‬ ‫ضعْنَ َأوْلَدَهُنّ‬ ‫وَا ْلوَالِدَاتُ ُي ْر ِ‬

‫عزّ وجلّ ‪ ،‬عندما قال ‪:‬‬

‫احتمل أن يكون المعنى ‪ :‬الوالدات‬

‫يلزمن بإرضاع أولدهن ‪.‬‬ ‫ولو قال سبحانه وتعالى ‪ :‬وعلى الوالدات إرضاع أولدهنّ ‪ :‬لسقط الحتمال الثاني ‪،‬‬ ‫وتعين الحتمال الول ‪ .‬فلما قرأنا قول ال عز وجل‬

‫خرَى‬ ‫س ُت ْرضِعُ لَهُ أُ ْ‬ ‫س ْرتُمْ فَ َ‬ ‫َوإِن َتعَا َ‬

‫ترجح المعنى الثاني في الية الولى ‪ ،‬وهو كان الرضاع حقا لها ‪ .‬إذ لو كان واجبا عليها ‪ ،‬لما‬ ‫قال سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫خرَى‬ ‫س ُت ْرضِعُ لَهُ أُ ْ‬ ‫فَ َ‬

‫‪ .‬ولما كان من سبيل إلى التعاسر والختلف مع‬

‫الزوج ‪ ،‬ولما كان لها المتناع عن الرضاع ‪.‬‬ ‫ولما قرأنا قول ال سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫ضعْنَ َلكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ‬ ‫فَإِنْ َأ ْر َ‬

‫ازداد‬

‫المعنى الثاني للية رجحانا ‪ ،‬بل تعين ذلك المعنى ‪ ،‬لن الرضاع لو كان واجبا على الم ‪ ،‬لما‬ ‫استحقّت عليه أجرا ‪ ،‬إذ ل أجر على واجب ‪ ،‬فلما أمر سبحانه وتعالى بإعطائهنّ الجر على‬ ‫الرضاع إن طلبنه ‪ ،‬دلّ ذلك على أنهنّ مخيّرات في الرضاع ‪ ،‬ل مجبرات عليه ‪.‬‬ ‫والخلصة ‪:‬‬ ‫أن الرضاع حق للم تجاب إليها ‪ ،‬إن طالبت به ‪ .‬وليس واجبا عليها ‪ ،‬فل تلزم به إن‬ ‫رفضته ‪ ،‬إل إن تعينت له ‪ ،‬فعندئذ يجب عليها للضرورة ‪.‬‬ ‫ما يترتب على كون الرضاع حقا ل واجبا ‪:‬‬ ‫لعلك أدركت مما أوضحنا ‪ ،‬المور التي تترتب على كون الرضاع مجرد حق للم ‪،‬‬ ‫وأنه ليس واجبا عليها ‪.‬‬ ‫‪195‬‬

‫وهذه المور ‪ ،‬تتلخص فيما يلي ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬ل يجوز للزوج إجبار زوجته على إرضاع طفلها ‪ ،‬فإن أجبرها ‪ ،‬فلم تستجب لجباره‬ ‫وأمره ‪ ،‬فهي ليست بعاصية ‪ ،‬ول تُعدّ ناشزة ‪.‬‬ ‫يستثنى من ذلك ‪ ،‬ما لو لم يكن ثَمة من يصلح لرضاع الطفل غيرها ‪ .‬فإن الضرورة‬ ‫عندئذ تقضي بقسرها على الرضاع ‪ ،‬وهي المحافظة على حياة الطفل ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪:‬‬ ‫يجب على الزوج أن يعطي زوجته الجر حسب العُرف ‪ ،‬على ما تقوم من إرضاع‬ ‫الطفل ‪ ،‬إذا طلبت على ذلك أجرا ‪.‬‬ ‫فإن لم تطالب بالجر ـ كما هو السائد في أعراف الناس اليوم ـ لم يلزم الزوج بدفع‬ ‫الجر ‪ ،‬وسقط حقها في المطالبة ‪ ،‬إن كانت تبرعت به وأظهرت له عدم الرغبة فيه ‪.‬‬ ‫ما يترتب على الرضاع من القرابة ‪:‬‬ ‫إذا أرضعت المرأة طفلً أجنبيا عنها ‪ ،‬صار الطفل ابنها بالرضاع ‪ ،‬وصار زوجها‬ ‫صاحب اللبن أبا لذلك الطفل ‪ ،‬وترتب على هذا الرضاع المور التالية ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬يحرم على الرضيع التزوج ممّن أرضعته ‪ ،‬ومن كل أنسبائها اللئي يحرم عليه‬ ‫التزوج منهنّ لو كانت أُمه من النسب ‪.‬‬ ‫فيدخل في هذا التحريم ‪:‬‬ ‫أُخت مرضعته ‪ ،‬لنها خالته من الرضاعة ‪.‬‬‫وبنت مرضعته ‪ ،‬لنها أُخته من الرضاعة ‪.‬‬‫‪196‬‬

‫وبنات أولد مرضعته ‪ ،‬ذُكورا كانوا أو إناثا ‪ ،‬لنهنّ بنات إخوته ‪ ،‬أو بنات أخواته من‬‫الرضاعة ‪.‬‬ ‫أم مرضعته ‪ ،‬لنها جدّته من الرضاعة ‪.‬‬‫وكذلك يحرم على هذا الرضيع التزويج من هؤلء أنفسهم ‪ ،‬إذا كانوا أنسباء والده من‬ ‫الرضاعة ‪ ،‬وهو زوج المرضعة ‪ ،‬صاحب اللبن ‪.‬‬ ‫فتحرم عليه ‪:‬‬ ‫أُخت والده من الرضاعة ‪ ،‬لنها عمّة الرضيع ‪.‬‬‫وبنت والده من الرضاعة ‪ ،‬ولو من زوجة أخرى ‪ ،‬لنها أُخت هذا الرضيع ‪.‬‬‫وبنات أولد أبيه من الرضاعة ‪ ،‬ذكورا كانوا أم إناثا ‪ ،‬لنهنّ بنات أخوة الرضيع أو‬‫بنات أخواته ‪.‬‬ ‫وأم أبيه من الرضاعة ‪ ،‬لنها جدّة الرضيع ‪.‬‬‫ثانيا ‪ :‬يحرم على المرضع ‪ ،‬وعلى هؤلء النسباء للمرضع جميعا التزويج من الرضيع ‪ ،‬كما‬ ‫أوضـحنا ‪ ،‬والتزويج من فروعه ‪ ،‬لنك لو قدّرت أمومة المرضعة للطفل أُمومة‬ ‫نسب ‪ ،‬كان هؤلء النسباء محرّمات عليه فكذلك أُمومة الرضاع ‪.‬‬ ‫فكما ل يتزوج الرضيع من بنت مرضعته ‪ ،‬لنها أخته من الرضاع ‪ ،‬فكذلك ل يتزوج‬ ‫ابن الرضيع منها لنها عمّته من الرضاعة ‪ .‬وهكذا إلى آخرة ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬يجوز للمرضع ‪ ،‬وأنسبائها اللئي عدّدنا أسماءهنّ التزوج من حواشي الرضيع ‪:‬‬ ‫كأخيه ‪ ،‬ومن أصوله ‪ ،‬كأبيه ‪ ،‬وكعمّه ‪ ،‬لنهم أجانب عن المرضع وأنسبائها ‪.‬‬ ‫‪197‬‬

‫الدليل على حرمة الرضاع ‪:‬‬ ‫الصل في كل ما ذكرنا ‪ :‬القرآن ‪ ،‬والسنّة ‪:‬‬ ‫خوَا ُتكُم مّنَ‬ ‫لتِي َأ ْرضَ ْع َنكُمْ َوأَ َ‬ ‫أما القرآن الكريم ‪ :‬فقول ال عز وجل ‪َ :‬وُأ ّمهَا ُتكُمُ ال ّ‬ ‫الرّضَاعَةِ‬ ‫[ النساء ‪] 23 :‬‬ ‫وأما السنّة ‪ :‬فقول النبي‬ ‫رضي ال عنها ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ :‬فيما رواه البخاري ( ‪ ) 2553‬ومسلم ( ‪ ) 4144‬عن عائشة‬ ‫‪ " :‬إن الرضاعة تُحرّم ما يَحرُم من الولدة "‪.‬‬

‫وفي رواية عند البخاري ( الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬الشهادة على النساب …‪ ،‬رقم ‪) 2502 :‬‬ ‫ومسلم ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم ابنة الخ من الرضاعة ‪ ،‬رقم ‪ ) 1447 :‬عن ابن عباس‬ ‫رضي ال عنهما قال ‪ :‬قال النبي‬

‫في بنت حمزة رضي ال عنه ‪ " :‬ل تحلّ لي ‪ ،‬يحرم من‬

‫الرضاع ما يحرم من النسب ‪ ،‬هي بنت أخي من الرضاعة "‪.‬‬ ‫فقد دلّت الية على أن المرضع تصبح بسبب الرضاعة ُأمّا للرضيع ‪ ،‬وأن ابنتها ‪ ،‬تصبح‬ ‫أُختا له ‪.‬‬ ‫وأما الحديثان فقد أوضحنا النتائج المترتبة على ذلك ‪ ،‬وهي ‪ :‬أن أُمومة الرضاع بمنزلة‬ ‫أُمومة النسب ‪.‬‬ ‫فكلّ مَن تحرم على الولد من أقارب أمه وأخته نسبيا ‪ ،‬تحرم عليه من أقارب أمه أو‬ ‫أخته رضاعا ‪.‬‬

‫‪198‬‬

‫شروط الرضاع المحّرم ‪:‬‬ ‫ل يعتبر الرضاع موجبا للقرابة ‪ ،‬ومحرما للزواج ‪ ،‬إل إذا يؤثر فيه الشرطان التاليان ‪:‬‬ ‫الشرط الول ‪ :‬أن يكون الرضيع لم يتم سنتين من عمره عند الرضاع ‪ .‬فإن أرضعته بعد أن‬ ‫تجاوز الستين من العمر ‪ ،‬لم يُؤثر هذا الرضاع في التحريم ‪ ،‬ولم يُفد في القرابة شيئا ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬ ‫أَن ُيتِ ّم الرّضَاعَةَ‬

‫ح ْوَليْنِ كَا ِمَليْنِ ِلمَنْ َأرَادَ‬ ‫ضعْنَ َأوْلَدَهُنّ َ‬ ‫وَا ْلوَالِدَاتُ ُي ْر ِ‬

‫[ البقرة ‪ . ] 233 :‬وقول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫وَ ِفصَالُهُ فِي عَا َميْنِ‬

‫[ لقمان ‪:‬‬

‫‪. ] 14‬‬ ‫[ والفصال ‪ :‬هو الفطام ‪ ،‬لنه يفصل فيه الرضيع عن أُمه ] ‪.‬‬ ‫ويستدل لذلك من السنّة أيضا ‪ :‬بما رواه الدارقطني ( الرضاع ‪ )4/174‬قال رسول ال‬ ‫حوْليْن " ‪.‬‬ ‫‪ ":‬ل رضاعَ إل ما كان في ال َ‬ ‫وروى الترمذي ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء [ ما ذكر ] أن الرضاعة ل تحرم إل في‬ ‫الصغر …‪ ،.‬رقم ‪ )1152 :‬عن أم سلمة رضي ال عنها قالت ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ ":‬ل يُحرّم‬

‫من الرضاعة إل فتقَ المعاء في الثدي ‪ ،‬وكان قبل الفطام "‪.‬‬ ‫فتق المعاء ‪ :‬شقها وسلك فيها ‪ .‬في الثدي ‪ :‬في الثدي ‪ ،‬في زمن الرضاع ‪ ،‬قبل الفطام‬ ‫‪ .‬والفطام يكون في تمام الحولين ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪:‬‬

‫وَ ِفصَالُهُ فِي عَا َميْنِ‬

‫[ لقمان ‪] 14:‬‬

‫وروى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬مَن قال ل رضـاع بعـد حوليـن …‪ ،.‬رقم‬ ‫‪ ، )4814 :‬ومسـلم ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬إن الرضاعة من المجاعة ‪ ،‬رقم ‪ )1455 :‬عـن‬

‫‪199‬‬

‫عائشة رضي ال عنها ‪ :‬أن النبي‬

‫دخل عليها وعندها رجل ‪ ،‬فكأنه تغير وجهه ‪ ،‬كأنه كره‬

‫ذلك ‪ ،‬فقالت ‪ :‬أنه أخي ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬انظرن من إ خوانكن ‪ ،‬إنما الراضعة من المجاعة ) ‪.‬‬ ‫أي تحرم الرضاعة إذا كانت في الزمن الذي يجوع فيه الطفل لفقدها ‪ ،‬ويشبع بها ‪ ،‬وهذا‬ ‫ل يكون إل للصغير ‪.‬‬ ‫الشرط الثاني ‪ :‬أن ترضعه خمس رضعات متفرقات ‪.‬‬

‫وتعتبر الرضاعة منفصلة ‪ ،‬أو غير منفصلة عن الخرى بالعُرف ‪ .‬فلو قطع الطفل‬ ‫الرضاع إعراضا وشبعا ‪ ،‬كان ذلك رضعة مستقلة ‪ ،‬ولو قطعه للهو ‪ ،‬مثلً ‪ ،‬وعاد في الحال ‪،‬‬ ‫أو تحول من ثدي إلى ثدي ‪ ،‬عُ ّد ذلك رضعة واحدة ‪.‬‬ ‫دليل هذا الحكم ‪ :‬والدليل على ذلك ‪ :‬ما رواه مسلم ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬التحريم بخمس‬ ‫رضـعات ‪ ،‬رقم ‪ )1452 :‬عن عائشة رضي ال عنها ‪ :‬كان فيما نزل من القرآن ‪ :‬عشر‬ ‫رضعات معلومات يحرمن ‪ .‬ثم نسخن بخمس معلومات ‪ ،‬فتوفي رسول ال‬

‫وهنّ فيما يقرأ‬

‫من القرآن ‪.‬‬ ‫أي إن نسخها كان متأخرا ‪ ،‬حتى إنه توفي‬

‫‪ ،‬وبعض الناس مازال يتلوها قرآنا‬

‫‪ ،‬لنه لم يبلغه النسخ بعد ‪.‬‬ ‫وروى مسلم ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬في المصّة والمصّتان ‪ ،‬رقم ‪ )1451 :‬عن أم الفضل‬ ‫رضي ال عنها ‪ :‬أن نبي ال‬

‫قال ‪ " :‬ل تحرم الرضعة أو الرضعتان ‪ ،‬أو المصّة أو‬

‫المصّتان "‪.‬‬

‫‪200‬‬

‫ما يترتب على قرابة الرضاع من أحكام ‪:‬‬ ‫يترتب على القرابة الناشئة من الرضاع حكمان اثنان ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ حكم يتعلق بالحُرمة ‪2 .‬ـ حكم يتعلق بالحل ‪.‬‬ ‫أما الحرمة ‪ :‬فتتعلق بالنكاح ‪.‬‬ ‫وأما الحل ‪ :‬فيتعلق بالخلوة والنظر ‪.‬‬

‫فإذا نشأت قرابة الرضاع بين طرفين ‪ ،‬كان لهذه القرابة من التأثير على حرمة النكاح‬ ‫علَت‬ ‫مثل ما لقرابة النسب ‪ ،‬ويتفرع عنها كل ما يتفرع عن قرابة النسب من الثار ‪ .‬فأُمك وإن َ‬ ‫‪ ،‬وبنتك وإن سَفلت ‪ ،‬وأُختك لبويك ‪ ،‬أو لحدهما ‪ ،‬وعمتك وإن بعدت ‪ ،‬وبنت الخ لبوين ‪،‬‬ ‫أو لحدهما ‪ ،‬وبنت الخت لبوين ‪ ،‬أو لحدهما ‪ ،‬محرّمات عليك بسبب هذه القرابة التي‬ ‫جاءت عن طريق النسب ‪.‬‬ ‫فإن تولدت هذه القرابات عن طريق الرضاع ‪ ،‬ترتب عليها أيضا التحريم دون أيّ فرق‬ ‫بينهما ‪.‬‬ ‫وقد مضى بيان ذلك فل نعيده ‪.‬‬ ‫وتتفرع عن قرابة النسب حُرمة المصاهرة ‪ ،‬كما هو معلوم ‪ .‬فأم الزوجة نسبا تحرم‬ ‫على صهرها ‪ ،‬الذي هو زوج ابنتها ‪.‬‬ ‫وكذلك بنت الزوجة نسبا ‪ ،‬وزوجة الب نسبا ‪ ،‬وزوجة البن نسبا ‪.‬‬ ‫كلهنّ يحرمن على الزوج في المثال الول ‪ ،‬وعلى البن في المثال الثاني ‪ ،‬وعلى الب‬ ‫في المثال الثالث ‪ .‬والسبب هو المصاهرة ‪.‬‬ ‫‪201‬‬

‫فإذا نشأت هذه القرابات نفسها من رضاع ‪ ،‬أورثت الحكم ذاته ‪ ،‬بالنسبة‬ ‫للمصاهرة ‪.‬‬ ‫أي فأم الزوجة من رضاع تحرم على الزوج ‪.‬‬ ‫وبنتها من رضاع تحرم عليه أيضا ‪.‬‬ ‫وزوجة أبيك من رضاع ‪ ،‬وزوجة ابنك من رضاع محرّمتان عليك ‪.‬‬ ‫والسبب المصاهرة التي ترتبت على قرابة الرضاع ‪ .‬واعلم أن دليل ذلك كله ‪ :‬هو‬ ‫قول النبي‬

‫السابق ‪ " :1‬يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "‪.‬‬

‫رواه البخاري ( ‪ ، )2502‬ومسلم ( ‪ )1447‬عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪.‬‬ ‫هذا ما يتعلق بأثر التحريم المترتب على قرابة الرضاع ‪.‬‬ ‫أما ما يتعلق بأثر الحل ‪:‬‬ ‫فبيان ذلك ‪ :‬أن كل ما يحّل بينك وبين قريبة لك نسبا ممّن مضى ذكرهم ‪ ،‬يحلّ بينك‬ ‫وبين مَن بينك وبينها رضاعة ‪ :‬فيحلّ بينهما النظر ‪ ،‬كما يحلّ ذلك بين الخ والخت من النسب‬ ‫‪ ،‬وتحلّ بينهما الخلوة المحّرمة بين الجنبيين ‪ ،‬ويحلّ لها أن تسافر معه فوق ثلث ليالٍ ‪.‬‬ ‫غير أن هذا الحكم ل يسوغ نظر القريب رضاعة إليها بشهوة ‪ ،‬أو نظرها إليه كذلك ‪.‬‬ ‫لن هذا النظر محّرم حتى بين أقارب النسب ‪.‬‬ ‫ولذلك فقد كره متأخرو الفقهاء إرضاع المرأة لغير طفلها بدون ضرورة وحاجة ‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫انظر الدليل على حرمة الرضاع ( صفحة ‪. ) 207 :‬‬

‫‪202‬‬

‫كما أنهم كرهوا اختلط الذكور والناث الذي جمعتهم قرابة الرضاع ‪ ،‬وذلك بسبب ما‬ ‫قد يتوصل به إلى شرور ومحّرمات مختلفة ‪ ،‬لضعف الوازع الديني ‪ ،‬ولعدم وجود الوازع‬ ‫الفطري الذي يكون بين القريب والقريبة ‪.‬‬

‫تمهيد ‪:‬‬

‫سادسا ً ‪ :‬ثبوت النسب‬ ‫ب‬ ‫س ُ‬ ‫الن َّ َ‬

‫النسب ‪ :‬القرابة ‪ .‬والنسب أساس هام لحكام كثيرة متنوعة ‪:‬‬ ‫كالرث ‪ ،‬والنكاح حلّ وحرمة ‪ ،‬والولية ‪ ،‬والوصية ‪ ،‬وغير ذلك ‪ .‬من أجل ذلك كان‬ ‫لبدّ من بيان الدلئل التي يثبت بها النسب ‪ ،‬وضبطها بما ل يدع مجالً لريبة ‪ ،‬أو اضطراب‬ ‫في طريق إثباتها ‪ .‬فكيف يثبت النسب بين شخصين ثبوتا ِشرعيا ‪ ،‬تترتب بموجبه الحكام‬ ‫الشرعية المتعلقة به ؟ ‪.‬‬ ‫مثبتات النسب ‪ :‬يثبت النسب شرعا بواحد من الموجبات التالية ‪:‬‬ ‫الول ‪ :‬الشهادة ‪ :‬ويشترط في الشهادة رجلن ممّن توافرت فيهم شروط صحة الشهادة تحملً‬ ‫وأداء ‪ ،‬وقد مّرت هذه الشروط في النكاح ‪ ،‬فل يثبت النسب بشهادة النساء ‪ ،‬ول بشهادة‬ ‫رجل وامرأتين ‪ ،‬لن النسب فرع من النكاح ‪ ،‬والنكاح مما ل يطّلع عليه في الغالب إل‬ ‫الرجال ‪ .‬فل تقبل شهادة النساء فيه ‪.‬‬ ‫الثاني ‪ :‬القرار ‪ :‬وذلك بأن يقرّ الرجل أنه والد زيد مثلً ‪ ،‬أو أن يقرّ زيد بأنه ابن ذلك الرجل‬ ‫شروط صحة القرار ‪:‬‬ ‫‪203‬‬

‫وإنما يعتبر هذا الكلم من كلّ منهما ‪ ،‬ويعُدّ إقرارا ‪ ،‬إذا توفرت في الشروط التالية ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن ل يكذب هذا القرار الحسنَُ ‪ ،‬وذلك بأن يكونا في سن يمكن أن يكون هذا البن من‬ ‫ذلك الب ‪.‬‬ ‫فلو كان في سن ل يتصور أن يكون منه ‪ ،‬كأن كان مساويا له في السن لم يصحّ هذا‬ ‫القرار ‪ ،‬ولم يثبت به نسب ‪ ،‬لتكذيب الحسّن له ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن ل يكذب هذا القرار الشرعُ ‪ .‬وتكذيب الشرع له ‪ :‬أن الولد المستلحق بالقرار معروف‬ ‫النسب من غير المقّر ‪ ،‬لن النسب الثابت من شخص ل ينقل إلى غيره بالقرار ‪ ،‬سواء‬ ‫صدّقة المستلحق أم غيره ‪.‬‬ ‫ل للتصديق ‪ ،‬بأن يكون مكلفا ‪ ،‬لن‬ ‫‪3‬ـ أن يصدّق المستحلقُ المقرٌَ‪ ،‬إن كان هذا المستلحق أه ً‬ ‫له حقا في نسبه ‪ ،‬وهو أعرف به من غيره ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن ل يجّر المقر بهذا القرار نفعا إلى نفسه ‪ ،‬أو يدفع عنها به ضررا ‪ ،‬فإن استلزم واحدا‬ ‫منهما ‪ ،‬لم يُعد يسمى كلمه إقرارا ‪ ،‬بل هو ادّعاء ‪ ،‬ول يقبل الدعاء إل إذا ثبت ببينه‬ ‫من شهادة ونحوها ‪.‬‬ ‫مثال ذلك ‪:‬‬ ‫أن يقول عن شاب مات عن ثروة من المال ‪ :‬إنه ابني ‪ ،‬فل يقبل كلمه ‪ ،‬ول يعتبر‬ ‫إقرارا ‪ ،‬ول شهادة ‪ ،‬لن القرار من شأنه أن يجرّ َمغْرما ‪ ،‬أو مسؤولية على المقرّ ‪.‬‬ ‫ولن الشهادة إنما تعتبر حيث ل تستلزم نفعا للشاهد ‪ ،‬ول تدفع عنه ضررا ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ما جاء عن رسول ال‬

‫أنه ل تجوز شهادة الظّنين ‪.‬‬ ‫‪204‬‬

‫الترمذي ( الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء فيمن ل تجوز شهادته ‪ ،‬رقم ‪. )2299 :‬‬ ‫والظنّين ‪ :‬المتهم ‪ .‬والجارّ إلى نفسه نفعا ‪ ،‬والدافع عنها ضررا متهمان ‪.‬‬ ‫وإنما يدخل هذا الكلم عندئذ في الّدعاء ‪ ،‬والّدعاء ل يقبل إل إذا عزّرته البيّنة المعتبرة‬ ‫شرعا ‪.‬‬ ‫ومنها ‪ :‬أن يشهد شاهدان عدلن بصدق كلمه ‪.‬‬ ‫الثالث ‪ :‬الستفاضة ‪ :‬وصورة الستفاضة ‪ :‬أن ينتسب الشخص إلى رجل ‪ ،‬أو قبيلة ‪ ،‬والناس‬ ‫في تلك البلدة ينسبونه إلى ذلك الشخص ‪ ،‬أو تلك القبيلة ‪ ،‬دون وجود مخالف ‪ ،‬ودون أن يُحدّ‬ ‫ذلك في فترة قصيرة من الزمن ‪.‬‬ ‫فهذه الستفاضة تنزل منزلة الشهادة الصحيحة ‪ ،‬وتعتبر دليلً شرعيا على صحة المر ‪.‬‬ ‫بشرط أن يكون الناس ـ الذين استفاض عنهم وبينهم ذلك ـ قد بلغوا من الكثرة مبلغا ‪،‬‬ ‫يحيل العقل اتفاقهم على الكذب ‪.‬‬ ‫والسبب في تنزيل الستفاضة في ثبوت النسب منزلة الشهادة الصحيحة ‪ :‬أن النسب من‬ ‫سرَ إقامة البيّنة على ابتدائها ‪،‬‬ ‫المور الثابتة المستمرة مع توالي الجيال ‪ ،‬فإذا طالت مدتها عَ ُ‬ ‫فمسّت الحاجة إلى إثباتها بالستفاضة ‪.‬‬ ‫وقد كان الصحابة رضي ال عنهم ينتسبون عند رسول ال‬ ‫فما كان ـ‬

‫إلى قبائلهم ‪ ،‬وأجدادهم ‪،‬‬

‫ـ يطالبهم بالشهود الذي يثبتون النكاح رؤية بالعين ‪ .‬بل كان يكتفي‬

‫باستفاضة الخير بين الناس ‪ ،‬دون وجود مخالف ‪ .‬وكانت الحكام تبنى على ذلك ‪.‬‬ ‫ثبوت الرضاعة ‪:‬‬ ‫‪205‬‬

‫لقد علمت سابقا أن الرضاعة لها حكم النسب في التحريم ‪ .‬فكذلك لها حكم النسب في‬ ‫طرق الثبوت ‪ .‬فتثبت الرضاعة من المثبتات الثلثة السابقة ‪:‬‬ ‫الشهادة ‪ ،‬القرار ‪ ،‬الستفاضة ‪.‬‬ ‫غير أن شهود الرضاعة ‪ ،‬ل يشترط فيهم أن يكونوا ذكورا ‪ ،‬كشهود النسب ‪.‬‬ ‫بل تجوز في الرضاع شهادة النساء فقط ‪ ،‬لن الرضاعة مما يغلب أن تطلع عليها النساء‬ ‫وبنا ًء على ذلك ‪ ،‬فالشهادة المقبولة في ثبوت الرضاع هي ‪:‬‬

‫أ ـ شهادة رجلين عدلين ‪.‬‬ ‫ب ـ شهادة رجل عدل ‪ ،‬وامرأتين عادلتين ‪.‬‬ ‫ج ـ شهادة أربع نسوة عادلت ‪.‬‬ ‫الحكام المتعلقة بالنسب ‪:‬‬ ‫إذا عرفت ما تقدم ‪ ،‬فاعلم أن هناك أحكاما كثيرة تترتب على ثبوت النسب بين شخصين‬ ‫نذكر منها ما يلي ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬أحكام النكاح حلّ وحرمة‬ ‫ثانيا ‪ :‬أحكام الفقه ‪ ،‬وتنسيق المسؤوليات المتعلقة بها ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬الولية ودرجاتها ‪.‬‬ ‫رابعا ‪ :‬الميراث ‪ ،‬وتوزيع النصباء ‪ ،‬وتنسيق درجات الوارثين ‪.‬‬ ‫خامسا ‪ :‬الوصية وأحكامها من صحة وبطلن ‪ ،‬فإن كثيرا من أسباب ذلك إنما يعود إلى‬ ‫النسب ‪ ،‬وإلى معرفة ‪ :‬هل الموصى له وارث ‪ ،‬أو غير موروث ‪.‬‬ ‫‪206‬‬

‫هذا عرض مختصر لهم الحكام المترتبة على ثبوت النسب ‪ .‬ومثل النسب في بعض‬ ‫هذه الحكام الرضاع ‪.‬‬ ‫أما مجال تفصيل هذه الحكام ‪ ،‬فإن لكلّ منا بابا خاصا به ‪ ،‬بعض هذه البواب قد مرّ‬ ‫ذكرها ‪ ،‬وبعضها يأتي بحثه إن شاء ال تعالى ‪ ،‬وإننا نحيل إليه تفصيل القول في ذلك ‪ ،‬وال‬ ‫سبحانه وتعالى أعلم ‪.‬‬

‫َ‬ ‫قيط ‪.‬‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫عا ‪ :‬أ ْ‬ ‫ساب ً‬ ‫حكَا ُ‬ ‫َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ط‬ ‫الل ّ ِ‬

‫تعريف اللقيط ‪:‬‬

‫اللقيط ‪ :‬على وزن فعيل ‪ ،‬بمعنى مفعول ‪ :‬كقتيل بمعنى مقتول ‪.‬‬ ‫واللقيط ‪ ،‬والملقوط ‪ ،‬والمنبوذ ‪ :‬أسماء تطلق على الطفل الموجود مطروحا في شارع‬ ‫ونحوه ‪ ،‬وليس َثمّة من يَدّعيه ‪.‬‬ ‫الدلة على تشريع أخذ اللقيط ‪:‬‬ ‫الصل في التقاطه وأخذه ‪ ،‬وتشريع أحكامه دلئل عامة كثيرة في القرآن والسنة ‪:‬‬ ‫أما القرآن ‪ :‬فقول اله عزّ وجلّ ‪:‬‬ ‫وقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬ ‫النفس البشرية ‪:‬‬

‫خ ْيرَ َل َعّلكُمْ تُ ْفلِحُونَ‬ ‫وَا ْف َعلُوا الْ َ‬

‫علَى الْبرّ وَالتّ ْقوَى‬ ‫َو َتعَا َونُواْ َ‬

‫جمِيعا‬ ‫حيَا النّاسَ َ‬ ‫حيَاهَا َفكََأ ّنمَا أَ ْ‬ ‫َومَنْ أَ ْ‬

‫[ الحج ‪. ]77 :‬‬

‫[ المائدة ‪ ] 2 :‬وقوله جلّ جلله في‬ ‫[ المائدة ‪. ] 32 :‬‬

‫وأما السنّة ‪ :‬فما رواه مسلم ( ال ِذكْر والدعاء والتوبة ‪ ،‬باب ‪ :‬فضل الجتماع على تلوة‬ ‫القرآن ‪ ،..‬رقم ‪ ) 2699 :‬وغيره عن أبي هريرة‬

‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬من نفّس عن‬ ‫‪207‬‬

‫مؤمن كربة من كرب الدنيا ‪ ،‬نفّس ال عنه كربة من كرب يوم القيامة ‪ ،‬ومَن يسّر على معُسر‬ ‫يسّر ال عليه في الدنيا والخرة ‪ ،‬ومَن ستر مسلما ‪ ،‬ستره ال في الدنيا والخرة ‪ ،‬وال في‬ ‫عون العبد ما كان العبد في عون أخيه "‪.‬‬ ‫وروى البخاري ( الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬فضل مَن يعول يتيما ‪ ،‬رقم ‪ )5679 :‬عن سهل بن‬ ‫سعد‬

‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ ":‬أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وأشار بإصبعيه ‪ :‬السبّابة‬

‫والوسطى إشارة إلى شدّة القرب بينهما ‪.‬‬ ‫وروى الترمذي ( البّر والصلة ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في رحمة الناس ‪ ،‬رقم ‪) 1923 :‬‬ ‫وغيره عن جرير بن عبدال‬

‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ ":‬مَن ل يرحمِ الناس ل يرحمْه ال "‪.‬‬

‫حكم أخذ اللقيط ‪:‬‬ ‫إذا وجد لقيط بقارعة الطريق ‪ ،‬ول كافل معلوم له ‪ ،‬فأخذه وتربيته وكفالته ‪ ،‬فرض على‬ ‫الكفاية ‪ ،‬على كلّ مَن وجده ‪.‬‬ ‫فإذا أهمل ‪ ،‬وبقي في مكانه الذي وجد فيه ‪ ،‬أثم جميع أهل تلك البلدة ‪ ،‬أو المنطقة ‪ ،‬أو‬ ‫القرية الذي عملوا بوجوده ‪.‬‬ ‫وإذا التقطه أحدهم ‪ ،‬واهتم بتربيته ‪ ،‬والنظر في شأنه ‪ ،‬ارتفع الثم عن الجميع ‪.‬‬ ‫لرْضِ َفكََأ ّنمَا‬ ‫ودليل ذلك قول ال عزّ وجلّ ‪َ :‬أنّهُ مَن َقتَلَ نَفْسا ِب َغ ْيرِ نَ ْفسٍ َأوْ فَسَادٍ فِي ا َ‬ ‫جمِيعا‬ ‫حيَا النّاسَ َ‬ ‫حيَاهَا َفكََأ ّنمَا َأ ْ‬ ‫جمِيعا َومَنْ أَ ْ‬ ‫َقتَلَ النّاسَ َ‬

‫[ المائدة ‪ ] 32 :‬وقتل النفس كما‬

‫يكون بالعتداء اليجابي على حياتها ‪ ،‬فإنه يكون بمنع المسعفات عنها ‪ ،‬مع قدرته على ذلك ‪.‬‬ ‫الشهاد على أخذ اللقيط ‪:‬‬ ‫‪208‬‬

‫ومَن وجد طفلً مطروحا في مكان ‪ ،‬وأخذه ليكفله ويربيّه ‪ ،‬وجب عليه أن يشهد على‬ ‫التقاطه ‪ ،‬وأخذه ‪ ،‬حفاظا على حريته ‪ ،‬ونسبه ‪ ،‬ويجب الشهاد أيضا على ما معه من مال ‪ ،‬إن‬ ‫ق اللقيط في ماله ‪ ،‬ولو كان الملتقط عدلً أمينا‬ ‫وجد الملتقط معه مالً ‪ .‬دفعا للتهمة ‪ ،‬وضمانا لح ّ‬ ‫شروط بقاء اللقيط مع ملتقطه ‪:‬‬ ‫كان ما ذكرنا سابقا هو حكم أخذ اللقيط ‪ ،‬وقد علمت أنه فرض كفاية على جميع‬ ‫المسلمين حيث وجد اللقيط ‪ ،‬دون قيد أو شرط ‪.‬‬ ‫فإذا أخذ اللقيط واحد من الناس أيا كان ‪ ،‬فقد ارتفع بذلك الفرض الكفائي عن سائرهم ‪.‬‬ ‫إل أنه ل يجوز إبقاء اللقيط عند هذا الذي التقطه إل بشروط أربعة ‪:‬‬ ‫الشرط الول ‪ :‬السلم ‪ :‬فل يقّر اللقيط عند الكافر ‪ ،‬إل إذا كان اللقيط محكوما بكفره ‪ ،‬كأن‬ ‫عرف بطريقة ما أن أبويه كافران ‪ ،‬فل مانع عندئذ من إبقائه عنده ‪.‬‬ ‫الشرط الثاني ‪ :‬العدالة ‪ :‬فل يجوز إبقاء اللقيط عند مَن عُرف بالفسق ‪ ،‬ويعطى لمن ثبتت عدالته‬ ‫وأمانته ‪.‬‬ ‫الشرط الثالث ‪ :‬الرشد ‪ :‬فلو التقطه غير رشيد ‪ ،‬بأن كان دون سن الرشد ‪ ،‬انتزع منه ‪ .‬ومنه‬ ‫السفيه الذي طرأ عليه السفه بعد الرشد ‪ ،‬إذا كان محجورا عليه ‪ ،‬فل يجوز إقرار اللقيط‬ ‫عنده ‪.‬‬ ‫الشرط الرابع ‪ :‬القامة ‪ :‬فلو عزم الملتقط على السفر به إلى مكان ما ‪ ،‬وجب انتزاعه منه ‪،‬‬ ‫إذ ل يؤمن أن يسترقّه ‪ ،‬أو يغدر به ‪.‬‬

‫‪209‬‬

‫وإنما يراعي هذه الشروط ‪ ،‬ويُبقى أو ينتزع اللقيط على أساسها القاضي أو الحاكم وليّ‬ ‫له ‪.‬‬ ‫فلبدّ أن يكون هو المُحكّم في ولية الملتقط ‪ ،‬والنظر في صلحيته لذلك ‪.‬‬ ‫نفقات اللقيط ‪:‬‬ ‫إذا أخذ أحد اللقيط ‪ ،‬وأُقر في يده ‪ ،‬لتوفر الشروط التي ذكرناها فيه ‪ ،‬فإنه ينظر‬ ‫‪:‬‬ ‫‪1‬ـ فإما أن يكون في حوزة اللقيط مال ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أو ليس في حوزته مال ‪.‬‬ ‫فإن وجد في حوزته مال ‪ ،‬اعتبر هذا المال ملكا له ‪ ،‬لنه صاحب اليد عليه ‪ ،‬ول يوجد‬ ‫منازع فيه ‪ ،‬وأنفق عليه من ماله ‪ .‬وعندئذ ينفق الحاكم عليه من ذلك المال ‪ ،‬وذلك بأن يأذن‬ ‫للملتقط الذي يرعى شأنه ‪ ،‬بأن يصرف منه على مصالحه ‪ ،‬واحتياجاته ‪ .‬فلو استقل الملتقط‬ ‫بالنفاق على اللقيط من ذلك المال ‪ ،‬دون إذن للحاكم ‪ ،‬أو القاضي ‪ ،‬ضمن ذلك المال ‪ ،‬وكلّف‬ ‫برد قدره إلى حوزة الطفل ‪.‬‬ ‫كما لو كان لليتيم وديعة عند الولي ‪ ،‬فصرف الوليّ الوديعة عليه بدون إذن‬ ‫الحاكم ‪ ،‬فإنه يضمنها ‪ ،‬ويكلّف بإعادة مثلها ‪ ،‬أو قيمتها إلى حوزة اليتيم ‪.‬‬ ‫وإنما توقف صرف هذا المال على إذن الحاكم ‪ ،‬لن ولية المال ل تثبت لقريب ‪ ،‬غير‬ ‫الب والجد ‪ ،‬فضلً عن الجنبي الذي ل تربطه بالطفل أي قرابة ‪.‬‬

‫‪210‬‬

‫ي المطلق لكل مَن ل وليّ له ‪ ،‬كان هو المرجع في التصرفات‬ ‫ولما كان الحاكم هو الول ّ‬ ‫المختلفة بماله ‪.‬‬ ‫فإما أن ينفق هو عليه مباشرة ‪ ،‬أو يأذن بالنفاق منه للملتقط الذي استحق الولية عليه ‪.‬‬ ‫نفقة اللقيط في بيت المال إن لم يكن لديه مال ‪:‬‬ ‫وإن لم يوجد في حوزة اللقيط مال ‪ ،‬فنفقة ‪ ،‬وجوبا في بيت مال المسلمين ‪ ،‬من سهم‬ ‫المصالح العامة ‪ ،‬لن بيت المال مرصود لذلك ‪.‬‬ ‫وقد روي ‪ :‬أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه استشار الصحابة في نفقة اللقيط ‪،‬‬ ‫فأجمعوا على أنها في بيت المال ‪.‬‬ ‫ويدخل اللقيط ـ إذا لم يكن له مال ـ في عموم قول النبي‬

‫‪ ":‬من ترك مالً فلورثته ‪،‬‬

‫ومن ترك كل فإلي "‪ .‬وفي رواية ‪ ":‬ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني ‪ ،‬فأنا موله "‪.‬‬ ‫رواه البخاري ( الستقراض ‪ ،‬باب‪ :‬الصلة على مَن ترك دينا ‪ ،‬رقم ‪2268 :‬ـ ‪، )2269‬‬ ‫ومسلم ( الفرائض ‪ ،‬باب ‪ :‬من ترك مالً فلورثته ‪ ،‬رقم ‪ ) 1619 :‬عن أبي هريرة‬

‫‪.‬‬

‫[ والمراد بالكل ‪ :‬العيال الفقراء ‪ .‬ضياعا ‪ :‬ضائعا ليس له شيء ‪ .‬فإلّي ‪ :‬أنا أعوله وأُنفق‬ ‫عليه ] ‪.‬‬ ‫هل يرجع الحاكم بالنفقة على اللقيط إذا كبر ؟‬ ‫هذا ‪ ،‬ول يرجع الحاكم بهذه النفقة التي أنفقها على اللقيط من بيت مال المسلمين ‪ ،‬عند‬ ‫كبر اللقيط وغناه ‪ ،‬لنه هذه النفق ل تُصرف عليه دينا ‪ ،‬بل استحقاقا ‪ ،‬كما ينفق الزوج على‬ ‫زوجته ‪ ،‬والوالد على أولده "‪.‬‬ ‫‪211‬‬

‫حكم النفقة على اللقيط إذا لم يكن في بيت المال مال ‪:‬‬ ‫وإذا لم يكن في بيت مال المسلمين ما يكفي لنفقات اللقيط ‪ ،‬لكثرة اللقطاء مثلً ‪ ،‬أو‬ ‫لوجود مصارف أهم من النفاق على اللقطاء ‪ ،‬وجب على الحاكم أن يستقرض من الغنياء ‪،‬‬ ‫على ذمة الدولة ‪ ،‬ما يكفي لسدّ حاجات اللقيط ‪ ،‬ويسدّد القرض لصحابه عند اليسر ‪.‬‬ ‫الهتمام باللقيط ‪:‬‬ ‫لحظت من خلل الحكام التي ذكرناها ‪ ،‬أن الشّارع جلّ جلله ‪ ،‬يضع مسؤولية رعاية‬ ‫اللقطاء ‪ ،‬وتربيتهم والعناية بهم في أعلى درجات الخطورة والهمية ‪.‬‬ ‫فالمسلمون كلهم آثمون إن ضُيع بينهم لقيط واحد ‪.‬‬ ‫والدولة آثمة أيضا ‪ ،‬إن هي أهملت النظر في أمره ‪ ،‬ولم تعوضّه عن رعاية الوالد ‪،‬‬ ‫وحنان الم ‪ ،‬بالقدر الممكن ‪ ،‬ويفرض الدّين على الدولة أن تستقرض من أغنياء‬ ‫المسلمين ‪ ،‬إن هي أعسرت ‪ ،‬ولم تجد سبيلً للنفاق عليه ‪.‬‬ ‫تربية اللقيط ل تسوّغ تبنَيه ‪:‬‬ ‫هذا الترغيب في تربية اللقيط ‪ ،‬والهتمام به ل يسوّغ تبنّيه ‪ ،‬واختلقَ نسب بين اللقيط ‪،‬‬ ‫وأي رجل أو امرأة من الناس ‪ ،‬مربيا كان أو غيره ‪.‬‬ ‫لقد فصل الشّارع بين المرين فصلً حاسما ‪:‬‬ ‫أما الرعاية ‪ ،‬والعناية ‪ ،‬والتربية ‪ ،‬فكل ذلك واجب ‪ ،‬ومصدر ذلك الخوة السلمية ‪،‬‬ ‫والرحم النساني ‪ .‬وأما التبني ‪ ،‬وهو ما نعبر عنه ‪ :‬باختلق النسب ‪ ،‬فمحرم باطل ‪ .‬لن‬ ‫مصدر النسب ولدة أو نكاح ‪ ،‬وليس بين اللقيط ومن يريد أن يتبناه شيء من ذلك ‪.‬‬ ‫‪212‬‬

‫ولن البنّوة لها حق في الميراث ‪ ،‬وعليها واجب في ذلك ‪ ،‬ولها حق في النفاق ‪،‬‬ ‫وعليها واجب في ذلك ‪.‬‬ ‫ولنها أساس في تحريم النكاح ‪ ،‬وحلّ النظر والخلوة والختلط ‪ .‬فإذا قيس التبني عليها‬ ‫‪ ،‬وجاز اعتبار اللقيط ابنا لمن تبناه ‪ ،‬كان في ذلك ظلم لمن سيشركهم في ميراثهم ‪ ،‬وظلم له‬ ‫ولورثته الحقيقيين عندما يتقاسم أقاربه المزيفون ميراثه من دونهم ‪ ،‬أو يشاركونهم فيه ‪.‬‬ ‫وكان في ذلك ظلم للخُلق والفضيلة عندما يفرض قانون الخوة بينه وبين من ليست أختا‬ ‫له بحال ‪ ،‬أن يخالطها مخالطة الشقيق ‪ ،‬وهو أجنبي عنها ‪ ،‬ويمنع حقّه في الزواج منها ‪ ،‬وهي‬ ‫غير محّرمة عليه ‪.‬‬ ‫من أجل ذلك كله حرّم ال تعالى التبنّي ‪ ،‬الذي هو اختلق نسب غير موجود ‪ ،‬ثم‬ ‫إعطاؤه جميع الحقوق والحكام الثابتة لرابطة النسب ‪.‬‬ ‫وشرّع الدين ما يُعني عن التبنّي ‪ ,‬ويحقّق مصلحة اللقيط ‪ ،‬وهو مبدأ الرعاية‬ ‫والعناية ‪ ،‬والتربية له ‪ .‬وحمل المسلمين في ذلك أخطر المسؤوليات ‪ ،‬وأهمها ‪.‬‬

‫‪213‬‬

‫دليل حُرمة التبنّي ‪:‬‬ ‫ويدّل على حُرمة التبنّي ‪ ،‬قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫جوْفِهِ‬ ‫ل اللّهُ ِلرَجُلٍ مّن َق ْل َبيْنِ فِي َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫مّا َ‬

‫عيَاءكُمْ َأ ْبنَاءكُمْ َذِلكُمْ َق ْوُلكُم‬ ‫جعَلَ أَدْ ِ‬ ‫جكُ ُم اللّائِي تُظَا ِهرُونَ ِم ْنهُنّ ُأ ّمهَا ِتكُمْ َومَا َ‬ ‫جعَلَ َأ ْزوَا َ‬ ‫َومَا َ‬ ‫سبِيلَ{‪ }4‬ادْعُوهُمْ لِآبَا ِئهِمْ ُهوَ أَقْسَطُ عِن َد اللّهِ فَإِن لّمْ َت ْعَلمُوا‬ ‫بِأَ ْفوَا ِهكُمْ وَاللّهُ يَقُولُ الْحَقّ وَ ُهوَ َيهْدِي ال ّ‬ ‫جنَاحٌ فِيمَا أَخْطَ ْأتُم بِهِ َوَلكِن مّا َت َعمّ َدتْ ُقلُو ُبكُمْ‬ ‫عَل ْيكُمْ ُ‬ ‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّينِ َو َموَالِيكُمْ َوَليْسَ َ‬ ‫آبَاءهُمْ َفإِ ْ‬ ‫ن اللّهُ غَفُورا رّحِيما‬ ‫َوكَا َ‬

‫[ الحزاب ‪4 :‬ـ ‪. ]5‬‬

‫انحراف وعود إلى الجاهلية ‪:‬‬ ‫هذا ولقد عاد الناس أدراجهم إلى الجاهلية ‪ ،‬فنجد بعض أولئك الذين لم يولد لهم يذهبون‬ ‫إلى دور اللقطاء ‪ ،‬فيختارون لقيطا يدعونه ولدا ‪ ،‬ويثبتون نسبه لهم في السجلت المدنية ‪،‬‬ ‫ل ويرتكبون أسوء ما نهى ال عنه من تحليل الحرام وتحريم‬ ‫فيقعون في معصية ال عزّ وج ّ‬ ‫الحلل ‪ ،‬إذ يخالفون صريح القرآن وصحيح السنّة في تحريم التبني ومنعه ‪ ،‬بل إن ما يفعله‬ ‫هؤلء أشد مما كان يفعله أهل الجاهلية لن أولئك كانا يعلنون أن هذا متبنى وليس بولد‬ ‫حقيقي ‪ ،‬بينما هؤلء الناس يطمسون الحقيقة ويدّعون أنه ولد حقيقي لهم ‪ ،‬وبهذا يُدخلون على ا‬ ‫لسرة من ليس منها ‪ ،‬فيخالط هذا الدعي النساء الجنبيات في السرة المدعية على أنهنّ‬ ‫محارم له ‪ ،‬ويمنع من الزواج منهنّ على أساس ذلك ‪ ،‬ينما هنّ حلل له ‪ ،‬وإنما يحرم عليه‬ ‫مخالطتهنّ العيش معهنّ كمحارم ‪.‬‬

‫‪214‬‬

‫وأيضا بسببه يُحرم من الميراث مستحقّه ‪ ،‬ويأخذ هو مال غيره بالباطل ‪ ،‬وما إلى ذلك‬ ‫من مفاسد يقع فيا هؤلء الجهّال العصاة ‪ ،‬عن سوء قصد أو بدون قصد ‪ ،‬فيقعون في غضب‬ ‫ال تعالى ‪ ،‬ويستحقون شديد عقابه يوم القيامة ‪ ،‬وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ‪.‬‬ ‫وال تعالى المسؤول أن يسدّد خطانا لما فيه مرضاته ‪ ،‬والحمد ل ربّ العالمين ‪.‬‬ ‫*************‬

‫‪215‬‬

‫فهــــــــرس‬ ‫الصفحــة‬

‫مقدمة ‪--------------------------------------- :‬‬

‫‪1‬‬

‫أولً ‪ :‬النكاح وما يتعلق به وما يشبهه ‪------------------- :‬‬

‫‪2‬‬

‫تمهيد ‪--------------------------------------- :‬‬

‫‪2‬‬

‫النكاح ‪ :‬تعريفه ‪ ،‬مشروعيته و حكمه والترغيب به ‪------------ :‬‬

‫‪3‬‬

‫حكم النكاح شرعا ‪-------------------------------- .‬‬

‫‪8‬‬

‫مكانة السرة في السلم ورعايته لها ‪--------------------.‬‬

‫‪10‬‬

‫النساء اللتي يحرم نكاحهن ‪-------------------------- .‬‬

‫‪14‬‬

‫حكم تعدد الزوجات والحكمة من مشروعيته ‪---------------- .‬‬

‫‪22‬‬

‫مقدمات الزواج ‪ :‬صفات الزوجين ‪ ،‬الخطبة ‪---------------- .‬‬

‫‪27‬‬

‫أركان عقد النكاح والتعريف بكل ركن ‪ ،‬وبيان شروطه ‪--------- .‬‬

‫‪41‬‬

‫الصداق ‪ :‬أحكامه ـ المتعة ـ المغالة في المهور ‪----------- .‬‬

‫‪63‬‬

‫عقد الزواج ‪ ،‬وما يترتب عليه ‪----------------------- .‬‬

‫‪78‬‬

‫سنن عقد الزواج ‪-------------------------------- .‬‬

‫‪81‬‬

‫الوليمة ‪-------------------------------------- .‬‬

‫‪83‬‬

‫القسم بين الزوجات وما يتعلق بذلك ‪--------------------- .‬‬

‫‪88‬‬

‫النشوز ‪------------------------------------- .‬‬

‫‪92‬‬

‫‪216‬‬

‫العيوب التي يترتب عليها فسخ النكاح والثار المترتبة على ذلك ‪----- .‬‬

‫‪97‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الطلق وما يتعلق به ويشبهه ‪--------------------- .‬‬

‫‪103‬‬

‫الطلق ‪ :‬تعريفه ومشروعيته وأنواعه ‪-------------------- .‬‬

‫‪103‬‬

‫الخلع و أحكامه ‪---------------------------------- .‬‬

‫‪114‬‬

‫شروط صحة الطلق ووقوعه ‪------------------------ .‬‬

‫‪116‬‬

‫أحكام الرجعة ‪----------------------------------- .‬‬

‫‪126‬‬

‫مشبهات الطلق ‪---------------------------------- .‬‬

‫‪130‬‬

‫اليلء ‪---------------------------------------- .‬‬

‫‪131‬‬

‫الظهار ‪--------------------------------------- .‬‬

‫‪133‬‬

‫اللعان ‪--------------------------------------- .‬‬

‫‪137‬‬

‫العدة ‪---------------------------------------- :‬‬

‫‪144‬‬

‫ثالثا ‪ :‬النفقات وما يتعلق بها ‪------------------------- .‬‬

‫‪155‬‬

‫النفقات ‪-------------------------------------- .‬‬

‫‪155‬‬

‫رابعا ‪ :‬الحضانة ‪--------------------------------- .‬‬

‫‪178‬‬

‫خامسا ‪ :‬الرضاع وأحكامه ‪--------------------------- .‬‬

‫‪188‬‬

‫الرضاع ‪-------------------------------------- .‬‬

‫‪188‬‬

‫سادسا ‪ :‬ثبوت النسب ‪------------------------------ .‬‬

‫‪198‬‬

‫سابعا ‪ :‬أحكام اللقيط ‪-------------------------------- .‬‬

‫‪202‬‬ ‫‪217‬‬

‫اللقيط ‪--------------------------------------- .‬‬

‫‪202‬‬

‫الفهرس ‪---------------------------------------‬‬

‫‪213‬‬

‫‪218‬‬

Related Documents

Al Fiqh Al Akbar
December 2019 11
Ussool Al Fiqh
June 2020 3