السلم و الديمقراطية بقلم :سهيل أحمد بهجت ....................................... تعتبر العلقة بين السلم "كدين" و أعمال العنف ،من ذبح و تفخيخ و قتل ،أحد أهم المواضيع التي تحظى باهتمام الغرب و مؤسساته الحضارية ،المعاهد و الجامعات و مراكز الدراسات ،و كواجب أخلقي فإن على المسلمين قبل غيرهم اللتفات إلى خطورة الستغلل الذي يتعرض له الدين للوصول إلى أهداف سياسية أو مادية. و من المهم ها هنا الستفادة من المصادر العقائدية و التاريخية لفك العلقة بين السلم "كدين و فكرة" و بين التطبيق التاريخي البشري للسلم ،و مشكلة المسلمين الن تكمن في المزيج المعقد بين السلم "التقليدي العنصري" و نظريات السلفية الجاهزة "سنية كانت أم شيعية" و تسخير النّص المقدس لتطبيق هذه الرؤيا الرجعية على أرض الواقع و من ثم جرّ الواقع بحيث يلءم الفهم المطروح حول النص بدل من ملئمة النص للواقع ،من هنا كان من الطبيعي أن يُعبر الكاتب المريكي "توماس فريدمان" عن استغرابه من العالم السلمي الذي خرج في مظاهرات مليونية "من أجل رسومات كرتونية" نالت من النبي محمد ،بينما تابع هؤلء المسلمون أنفسهم جرائم البادة الطائفية ـ استشهد الكاتب هنا بالسيارة المفخخة التي أوقعت عشرات الطلب في الجامعة المستنصرية و تفجير انتحاري سنّي استهدف مسجدا شيعيا ـ "و قد سبق لي أن قمت بمقارنة كهذه في مقالي كاريكاتير العالم السلمي" و هذا مما يعني أن وزن العقلية السلمية في القرن الـ 21هو %0و إفلسا حضاريا. و للخروج من هذه الزمة الخلقية التي يسببها المسلمون لنفسهم و لغيرهم ،و لتغيير نمط التفكير السلمي القابع في عبادة الذّات الخاوية أو العديمة القيمة ،ل بد من توفير الدوات اللزمة لمراجعة الذاكرة السلمية التاريخية و النظر إلى التجربة السلمية بعين النقد و التمحيص. فإحقيقة،ية تفسير السلم و ماهيته هي من أصعب المواضيع التي قد يقوم بها أي باحث ، خصوصا في ظل مجتمعات و أنظمة ل تفهم شيئا من تعدد الرأي و حرية التعبير ،فالغرب نجح في فتح كل أجواء البحث و لم يترك أي مساحة فكرية أو موضوعا خارج البحث ،بالتالي وفـّر الفرصة الكافية للصلح الديني ،و كانت بداية الصلح الديني هي نفسها الخطوة الولى لتعايش الدين مع تعدد الراء. و حقيقة ،فإن السلم يعاني الن من جانبه التشريعي ،إذ ليس هناك جانب عقائدي فقط من السلم ،كما هو حال المسيحية التي تكيفت بسرعة مع الدولة العلمانية ،بينما بقي السؤال السلمي المحير :ماذا نفعل بكل هذا الكم من التشريعات ..؟ فهل الن من واجب المسلمين تطبيق أحكام الرجم و الجلد و القطع ،فضل عن قتل المرتد كما هو في السلم التقليدي ـ خصوصا المدرسة السنية ـ الرثوذكسية السلمية ؟! و حقيقة فإن المطالبين بتطبيق الشريعة في الوسط السني هم أخطر على الديمقراطية ـ هذا إن وجدت هذه الديمقراطية ـ من ذلك الطرف الشيعي ،و كمثال على ذلك ،نجد أن موجة المطالبة بتطبيق الشريعة ـ و ليتها كانت شريعة واضحة فقد شوهها الفقهاء و الواعظون و صحاح
البخاري و مسلم تحوي من التناقضات ما ل يحصى ـ ابتداء من إندونيسيا و مرورا باليمن و مصر و السودان و انتهاء بموريتانيا و نيجيريا ،و هذا البلد الخير ذو غالبية مسيحية و رغم ذلك يعاند المسلمون في المطالبة بتطبيق الشريعة ـ حسب التفاسير السنية طبعا ـ بينما رفضها المسيحيون و رفضها الشيخ إبراهيم الزقزقي الذي يمثل الشيعة موضحا " :أن السلم ليس قانون عقوبات فقط". كما أن حمّى المطالبة بتطبيق الشريعة تنامت أكثر من أي وقت مضى منذ ظهور حركة "الخوان المسلمين" في مصر ،ثم انتقلت هذه الحمّى إلى البلدان الخرى ،و لقت هذه المطالبات هوى في نفس الحكام في السودان ـ خصوصا أيام النميري ـ و كانت النتيجة أن ارتكبت أفظع الجرائم ،و بالتأكيد فإن من يعترض يناله القتل بتهمة الردة عن الدين ،و هو الحكم الشرعي الذي ابتدعه الخليفة الول أبو بكر لتصفية الخصوم و القضاء على عليهم. و كان إعدام المفكر السلمي "الصلحي" محمود محمد طه في السودان و بتهمة الردة أحد هذه الجرائم يقول الكاتب السوداني أحمد زكي عثمان في مقاله بعنوان "في ذكرى إعدام محمد محمود طه ،البحث عن بديل للتصفية الجسدية للمختلف": ،فى سابقة تاريخية هى الولى من نوعها فى التاريخ العربى الحديث ،حيث لم يحدث أن ارتقى مفكر عربى المقصلة بسبب "آرائه" الفكرية و التى اعتبرتها "الدولة العربية" ارتدادا عن السلم .نعم لقد شهد التاريخ العربى قبل و بعد – 1985تاريخ إعدام المفكر محمود محمد طه-حالت متعددة صدرت فيها قرارت التصفية الجسدية لمفكرين و نقاد وأصحاب رؤى، لكن لم تقم "الدولة العربية الحديثة" من قبل بنزع حياة أحد من الكتاب أو المفكرين أو الباحثين بسبب آرائه السياسية او الفكرية و التى يتوهم أنها تحمل فى طياتها ردة عن السلم .فمثل عندما تم إعدام المفكر السلمى سيد قطب فى أغسطس من عام 1966كان السبب هو خلفية إنتمائه لجماعة الخوان المسلمين وإتهامه بمحاولة قلب نظام الحكم فى مصر الناصرية .و فى أبريل من عام 1980قام صدام حسين بإعدام المفكر الشيعى البارز محمد باقر الصدر وكان السبب هو خلفية إنتمائة لحزب الدعوة السلمى .و فى يونيو من عام 1992تم اغتيال المفكر المصرى فرج فوده ،و كان السبب ان القوى صاحبة التخطيط الفكرى و الميدانى لغتياله لم تر مانعا من إستخدام آداة التصفية الجسدية كآداة سياسية ،و هو نفس السيناريو الذى تكرر لحقا مع الديب الكبير نجيب محفوظ فى عام 1993على خلفية روايته "أولد حارتنا" ،و لكن قدر ال أل يرحل الرجل فى هذه المؤامرة الدنيئة لكنه ظل لمدة الـ 13عاما اللحقة للحادثة يشكو من التوابع الصحية و النفسية لمحاولة الغتيال هذه .كذلك ل يمكن أن ننسى جرائم الخطف و الختفاء والتى كانت أبرزها حادثة خطف(وقتل) المعارض اليسارى المغربى المهدى بن بركة و ذلك فى العاصمة الفرنسية باريس فى عام .1965نهاية القتباس. نود أن نضيف ملحظة أخرى إلى رأي هذا الكاتب العزيز بأن نقول ،أن عدم استعمال فكرة استخدام تهمة "حدّ الردة في قتل محمد باقر الصدر أو سيد قطب لم يكن مسألة تتعلق بإيجاد البدائل للقضاء على الخصوم السياسيين ،فالمسألة تعلقت آن ذاك بنظامين يدعيان العلمانية و التقدمية "نظام العسكر و عبد الناصــر في مصر و نظام البعث في العراق" بالتالي لم يكن يروق لهم ـ في تلك الفترة على القل ـ أن يستخدموا تهمة "الردة ـ و هو مصطلح ديني يشبه تهمة الهرطقة في العالم المسيحي القديم و مصطلح زندقة في العصور الوسطى السلمية" ،فقد استغل النظام العربي فرصة وجود مخاوف الغرب من السلم السياسي
للقضاء على الخصوم بحجة أنهم ضد التطور و التقدمية ،لكن هذه النظمة الن تحاول استخدام السلميين كـ"فزاعة" لمنع الغرب من نشر و فرض الديمقراطية ،بمعنى أن ظروف عبد الناصر و صدام و نظامهما منعتهما من استخدام حجة "الرتداد" و ليس لرفضهما الفكرة من أصلها. و النظمة العربية و السلمية تحاول الن توفير أجواء مناسبة لتنامي ظاهرة "المطالبة بتطبيق الشريعة" و التي لها جذور في هذه المنطقة خلل الخمسين سنة الماضية ،بديل عن المطالبة بالديمقراطية و الحريات المدنية الفردية و الجتماعية. إن المطالبين بتطبيق الشريعة في الوسط السني يقومون بذلك دون دراسة أو بحث أو تدقيق في الواقع ،و الواقع و الحداثة يمنعان من تطبيق شريعة هي في الغالب "نتاجات فقهاء" و بدع متراكمة صاغها الزمن بصيغة "المقدس" و هي أصل مناقضة لكثير من آيات القرآن نفسه ، كما أن تناقض الراء في المذهب الواحد " ،الشافعي له في كل مسألة رأيان و مالك بن أنس و أتباعه يكفرون الحنفية ـ أتباع أبو حنيفة النعمان بن ثابت ـ و أحمد بن حنبل له في كل مسألة ثلث آراء أو أربعة ،يضاف إلى كل هذا أن الفقه السني قد توقف عن النتاج منذ تسعة قرون أو أكثر حينما سد العباسيون باب الجتهاد و قصروا العمل بالمذاهب السنية الربعة. و للسف ،فإن الشيعة في الماضي كانوا أكثر تلئما ،عقائديا ،مع الدولة العلمانية و الحداثة ، حينما كانت النظرية السائدة هي أنه ل يجوز إقامة الدولة السلمية "الدينية" ما دام المعصوم غائبا ـ بالتالي كان من الممكن تأجيل أطروحة "الشريعة" إلى حين ظهور المام المعصوم ،لكن ظهور نظرية "ولية الفقيه" طرح و بحدة تناقض السلم مع العلمانية و مفهوم الدولة الحديثة. إن إشكالية "الدين" و "الدولة" ل زالت السؤال الكبر الذي يُطرح في عالمنا السلمي دون أن يكون هناك إجابة قطعية أو واضحة لهذا الشكال الخطير ،طبعا باستثناء ـ الجمهورية التركية ـ التي ألغت هيمنة رجال الدين و استغللهم الفاضح لقدسية الدين خدمة لرغبات السلطان و صدره العظم. لقد كانت خطوة مصطفى كمال في تركيا ،و الحبيب برقيبة في تونس ،خطوتين هامتين في تاريخ العالم السلمي ،إنطلق النموذج التركي في خطوات متسارعة نحو الديمقراطية منذ ، 1979بينما ل تزال التجربة التونسية تراوح في مكانها ،و ل أستبعد أن تتخلى تونس عن منجزاتها في العلقة بين الدين و الدولة في سبيل منع إنماء الديمقراطية. إن السلم التقليدي ـ و هو ضد السلم العقلني الواقعي ـ أصبح أكبر عائق في سبيل تنمية المجتمعات و النظم السلمية ،بالتالي نشأت في عالمنا السلمي ما يشبه ،محاكم تفتيش غير معلنة ،و المجتمع نفسه يقوم بهذا الدور ،و المضحك المبكي في آن واحد هو أن الحزاب و التنظيمات "السلمية" على نمط "الخوان المسلمين" و "الحركات السلفية" التي تعلن عدائها للنظمة الدكتاتورية ،هي ذاتها التي تبقي على هذه النظمة الفاسدة و تحميها عبر منع المجتمع من تفجير طاقاته بحجة التكفير تارة و بحجة احترام المقدس تارة أخرى و بالتالي يفرض على هذه المجتمعات الصمت و الجمود. و هناك جانب ل بد من اللتفات إليه ،فالخلف الول الذي ظهر في السلم و خلق كل ما تله من خلفات مذهبية و عقائدية ،كان مبدأه خلفا سياسيا ،و حروب أبي بكر التي سميّت "حروب الردة" لم تكن سوى خلفا سياسيا "اجتهاديا" ،إذ رأى اؤلئك المسلمون "المرتدون" أن خلفة أبي بكر ليست شرعية أو غير قانونية بتعبير هذا الزمان و لو لم يقُم أبو بكر بشنّ تلك الحرب ،
كان من الممكن أن يتغيّر مسار التاريخ السلمي نحو إنماء الحوار و احترام الخلف ،لكن أبى بكر بدأها بحرب و أنهاها بدكتاتوريّة حينما سلّم المور و بدون رضى الشّعب إلى عمر بن الخطاب الّذي أعاد الحسّ القومي إلى العرب ليتحول السلم إلى دين قومي بحت و يصبح أداة بيد العرب لستغلل الشّعوب الُخرى و استعمارها. الحقيقة التي يجب أن يتوخاها الباحث هنا ،هي أن شعوب الشرق السلمي ـ بعكس الغرب المسيحي ـ ل تمتلك جذورا ديمقراطية في الشرق الذي سبق السلم ،فحضارات "سومر" و "أكد" و "بابل" و "مصر الفرعونية" و "ممالك إيران القديمة ،إيلم ،الخمينيون ،البارثيون ، الساسانيون" و في تركيا "الحيثيّون" ،كل هذه الحضارات كانت تقوم على حكم الفرد الواحد ، بعكس التجارب الديمقراطية في أثينا و روما ،و إن كانت تلك الديمقراطيات تختلف كثيرا عن الديمقراطية الحديثة إلى أنها أوحت و عبر القرون بفكرة "المشاركة الشعبيّة في إصدار القرارات" و حق الحتجاج ضد الحكومة و رفض قراراتها ،كما أن المسيحيّة الحديثة استطاعت أن تنتزع نفسها من إستغلل السلطة أو إستغلل السلطة للدين. إن تاريخ صدر السلم ،ابتداءا من النبي محمد و مرورا بالخلفاء الوائل ،مثلت ـ قياسا إلى ذلك الزمن ـ حكومة شعبية أو سلطة تحاول أن تعكس رضا الغالبية من المحكومين ،فتجد محمدا و هو النبي يجلس بين الفقراء و ينظر في مشاكلهم بل و كان يتعرض لنتقادات لذعة من العامّة دون أن يرد عليهم بأوامر العتقال أو التّعسّف ،و كان الخرون ،أبو بكر و عمر و علي ـ استثنينا عثمان لقيامه بتصرفات هي أقرب للحاكم المطلق ،يسيرون على هذا النهج ،ملحظة أن عليا هو الوحيد الذي أظهر الجانب الكثر إنسانية من السلم و كان حريصا على عدم التفرقة الدينية أو العنصرية تجاه مواطنيه ،مما ألّب عليه العرب لمساواته بينهم و بين الموالي "أي غير العرب" و ألّب عليه قريشا لمساواته بينهم و بين سائر العرب ( أنظر :وعاظ السلطين ـ للدكتور المرحوم علي الوردي) ،كما أن النزعة الستعلئية العربية كانت في طريقها للذوبان و النصهار لو ل أن عمر "الخليفة الثاني" أنشأ ديوان "النساب" فراح العرب يبحثون و يدققون في أنسابهم (أنظر :تأريخ العرب قبل السلم ج 1ـ تأليف الدكتور جواد علي) لربما كانت النزعة القومية تكاد أن تكون شيئا من الماضي في العالم السلمي. إن النصوص السلمية المقدسة "القرآن تحديدا" شبه صامتة عن إيجاد نموذج واضح للحكم ،و حتى الشيعة الذين يقولون بأن النبي عيّن عليا خليفة و حاكما و إماما من بعده ،يستعينون بأحاديث نبوية لن القرآن ها هنا ـ كما يصفه علي بن أبي طالب ـ هو "حمّـال أوجُه"!! بمعنى أن يحتمل أكثر من تأويل و معنى و تفسير . explanation و لهذا السبب نجد أن التاريخ السلمي ـ السني تحديدا ـ شرع النقلبات الدموية و أن الحاكم الشرعي هو من غلب ،و في الوقت الذي حكم في الفقهاء بعدم جواز التمرد على الحاكم الظالم ، إل أنه من الواجب إطاعة المتغلب "أنظر :شرح العقيدة الطحاوية لبن أبي العز و أيضا العواصم من القواصم لبن العربي الفقيه المالكي" ،و أعتقد أن هناك أمل ضئيل في نشوء إصلح فكري و عقائدي في داخل هذه المدرسة "السنية" ،خصوصا و أن النماذج السائدة من الحركات السلمية "الخوان المسلمون ـ في مصر" ،علينا أن ل ننسى أن حركات التطرف السلمي كتنظيم القاعدة و الهجرة و التكفير وجدت لنفسها دعما و تأييدا من قبل قاعدة الخوان و المصريين منهم على وجه الخصوص ،و "حماس ـ الراضي الفلسطينية" و "جبهة العمل السلمي ـ الردن". ............................................................
آفاق الصــلح في السلم السياسي يعاني السلم السياسي ،حاله حال كل حركة سياسية قائمة على أساس آيديولوجي ،من ضيق آفاق الصلح السياسي ،و نتيجة لنغلق العالم السلمي منذ القرن الخامس و بعد هيمنة "السلم الرثوذكسي ـ التقليدي" من تفاسير ضيقة و غير متسامحة مع الخر ،و الملحظ أن الحركات السلمية " ،الخوان المسلمون ـ تأسسوا في مصر 1928على يد حسن البنا" ، "الخوان في سوريا" " ،جبهة النقاذ في الجزائر" ،كلها أحزاب قائمة على فكرة "الصراع مع الخر" ـ رغم أن الثقافة الشيعية و حركات السلم السياسي الشيعي ها هنا لها اختلفاتها الجذرية مع الحركات السلمية في الوسط السني و أظن أن هناك كثيرا من المساحات الل مكتشفة في الفكر السياسي الشيعي ،إل أن الحركات السلمية الشيعية لم تنجو من هذه النمطية الرجعية في التفكير. و لن العالم السلمي قد وأد "مدرسة العقل" في فترة مبكرة من تاريخ السلم ،فإن التراث السلمي ل يحفل بالكثير من التوازن في التسامح مع اليمان و غير اليمان ،و رغم أن الوسط الشيعي كان أكثر تجاوبا مع تنوع و تعدد الفكار ،لكن نظرية "ولية الفقيه" أدخلت الفكر الشيعي في عمق الزمة السائدة و بدل من خلق تجربة جديدة أو مختلفة في "إيران" ـ و هي دولة ذات أغلبية شيعية إلى جانب العراق و البحرين ـ إل أن ثورة إيران 1979خلقت تجربة تطرف مماثلة لحالة الحركات السلمية السنية ،و ل ننسى تأثير فترة ما يسمى بحركات التحرر من الستعمار الغربي ،القرن 19و 20و ما تلها من قيام أنظمة قومية هي خليط من اليدولوجيات "السلمية ـ القومية ـ الوطنية ـ الشيوعية". إن تراث الفكر السلمي مليء بفكرة رفض الخر ،فعندما جاء الغزالي توفي 505هـ 1111م و أنكر قيمة العقل و أحكامه من جهة ربط ما يورده البحث المنطقي في كتابه "تهافت الفلسفة" ، جاء إبن رشد توفي 595هـ ليفند الفكرة الغزالية و باتجاه معاكس تماما إذ جعل "العقل" أحد المقدسات في كتابه "تهافت التهافت" ،و رغم تطرف كل الطرفين في رأيه ،إل أن المنطق الرشدي "نسبة إلى ابن رشد" كان ليتطور لو قدّر له البقاء ،بينما كانت نتيجة منهج الغزالي هو الدخول في عصر هيمنة "الدولة" على الدين و العقل في الوقت نفسه ،و هكذا كان الغزالي بحق هو فيلسوف عصر الظلمات و النحطاط الثقافي. و لنعد إلى الحركات السلمية و الفكر السلمي ،الذي اختلط للسف بالنظرية القومية و لم يعد فكّ الرتباط بينهما ممكنا ،فنجد السلم إلى جانب النظريات القومية "العربية" " ،التركية ـ إلى حين ظهور مصطفى كمال و فصله بين الدين و الدولة" ..إلخ. و حتى عندما ظهر جمال الدين الفغاني الذي ظهر بشخصيته البراغماتية كداعية للصلح ،إل أن الرجل لم يكن مصلحا حقيقيا بسبب ضبابية آرائه و مواقفه المتناقضة مع الحكام ،تماما كما فعل مع السلطان عبد الحميد الثاني حيث لم يكن موقفه واضحا أو لنقل على نسق واحد تجاه المشروطة "الدستور العثماني" و مكافحة الدكتاتورية ،و كان "عبد الرحمن الكواكبي ـ مؤلف طباع الستبداد" ينشد الحرية بمعنى أن ل يحكم "تركي أو عجمي" على "العرب" مما يعني أن السلطان العثماني التركي لو كان "عربيا" لكان مقبول. إن تلبّس ما يُسمّى بحركات التحرر في "العراق" " ،مصر" " ،سوريا" " ،ليبيا" " ،المغرب" ، "السودان" " ،إيران" ،إندونيسيا ،بلباس الدين و استخدام الدين كسلح بوجه من أسماهم أهل هذه البلد بـ"المستعمرين الكفار" ،هذا المر جعل البنية الساسية لهذه الدول التي حصلت على
استقللها أو سيادتها الواحدة تلو الُخرى ،بنيانا هشّا و على أساس غير واضح ،فل هي مبنية على أي نظرية إسلمية "دينية" واضحة ،بمعنى أن الهوية الدينية للبلد ضبابية و مطاطة قابلة لتفسير الحاكم المهيمن على البلد ،و يستفد أهل هذه البلد من اؤلئك الذين استعمروهم أو انتدبوهم أو لنقــُـل أداروا هذه البلد ،كالبريطانيين و الفرنسيين في بلدان الشرق الوسط ، فالعراق مثل كان أفضل حال من حيث الحريات و تنظيم شؤون الدولة في فترة الهيمنة البريطانية ،بينما تدهور العراق حينما تقوى الحكم المحلي. يقول الدكتور جمال البنا في محاضرة ألقاها في منتدى "السلم و الصلح "2005و الذي أقامه مركز ابن خلدون: "وقد جربت هذه البلد الديمقراطية خلل المرحلة الليبرالية من تاريخ مصر التى بدأت بدستور 1923حتى قيام النقلب العسكرى سنة .52وكانت هذه الفترة هى أفضل فترة فى تاريخ مصر الحديث وحققت مصر فيها معظم إنجازاتها ،وتقبلها ولم تعترض عليها المؤسسة الدينية " الزهر " كما أن المام حسن البنا المرشد المؤسس للخوان المسلمين أثنى على دستور 23وقال :إنه ل يعارض السلم .وليس أدل على ذلك من أنه فى ظل هذا الدستور أقام الخوان المسلمين دون أى معارضة أو مضايقة" ـ السلم و الصلح ج 2ص 64 كذلك الحال بالنسبة للحركات السلمية التي غايتها "تحكيم الشريعة" ،دون أن تجعل غايتها تحرير المواطن و النسان من كل استغلل ،حتى من ذلك الذي يتم تحت ستار الدين أو الشعارات الوطنية ،كما أن تركيز السلميين على النماذج التاريخية الضبابية و إغراق المثقفين في جدال بيزنطي فارغ حول التراث و النصوص ،أغرق المجتمع في أزمة تعريف العلقة بين الدين و الدولة و المواطن. و من هذا الرجوع المتشدد إلى الماضي النابع أصل من فلسفة ماضوية ،فإن الحركات السلمية و تنظيماتهم الحزبية و الجتماعية و القتصادية ل تمتلك ممارسات ديمقراطية حقيقية ،باستثناء مظاهر محدودة مما اصطلحوا عليه بـ"الشورى" ـ و هي عملية ليس لها أسس و آليات واضحة و ل تتعدى أن تكون إل صورة أُخرى لمجالس شيوخ عشائر و قبائل في الجزيرة العربية ـ و من المستغرب أن يتّخذ السلميون الشيعة هذا النمط من الشورى خصوصا و أنهم عقائديا يرفضون النظام أو هرمية النظام المطبق منذ 1400عام ،باستثناء فترة حكم علي بن أبي طالب "المام المعصوم الول حسب العقيدة الشيعية" ،و ما دام المام المعصوم ـ حسب النظرية الشيعية ـ غائبا و الفقهاء و المراجع غير معصومين و عرضة للغلط ،فإن الولى هو تطوير مفهوم "الشورى" نحو الديمقراطية الشاملة. إن الحركات السلمية تعيش حالة من المرض و الجمود كجزء مما يعانية الشرق السلمي من تخلف و جمود ،و إصلح البنية الفكرية و الجتماعية سيؤثر بالتأكيد على هذه الحركات ،كما أن العالم السلمي ل زال يرزح تحت نير العقلية التي سادت بعد عصر المأمون ،هذه الثقافة التي تعتبر الفلسفة و المنطق و طرح أسئلة عقائدية حول حقيقة السلم و ماهيته ضربا من الكفر و الزندقة. الجانب الخر من إصلح العالم السلمي يتعلق بـ"حقوق النسان" و "حقوق المرأة" و قوانين العقوبات المعمول بها في الدول العربية و السلمية ،و في المملكة العربية السعودية تحديدا ، هذه الدولة التي تُعتبر في ذيل القائمة العالمية من حيث الحريات و حقوق النسان و حقوق المرأة على وجه التحديد. يقول تقرير حقوق النسان للعام 2004الذي أصدره "مركز إبن خلدون للدراسات:
تعهد ولي العهد السعودي المير عبد ال بن عبد العزيز بالمضي قدمًا في تحديث النظام بإجراء الصلحات اللزمة وقيادة البلد دون الدخول في "مغامرة طائشة"في كلمة ألقاها المير عبد ال على التلفزيون بمناسبة فعاليات الملتقى الثاني للحوار الوطني الذي عقد بمكة المكرمة فى السبوع الخير من ديسمبر .2003وقد شجع هذا التصريح قيام مئات الشخصيات السعودية بالمطالبة فى بيان وجه الى السرة السعودية بوضع "جدول زمني" لتسريع "الصلحات" في المملكة ،وكان رد المير عبد ال بن عبد العزيز عليه بأن الحكومة السعودية ماضية في طريق الصلح ولكن "بشكل تدريجي" .ص 132 و حقيقة فإن عبارة "بشكل تدريجي" التي وضعها التقرير بين هللين ،تثير نوعا من الشك و الريبة في نية الحكومة السعودية القيام بإصلحات حقيقية ،و هناك فعل خشية من أن يكون "الصلح التدريجي" هو فقط للستهلك العلمي ليس إل. و هكذا فإن التقرير نفسه يقول: وفى خطوة مناقضة للشارات اليجابية التى حاولت المملكة ارسالها بداية العام فقد اعتقلت السلطات السعودية فى 16/3/2004خمس شخصيات من الكاديميين معتبرة أن دعوتهم فى عريضة الصلح التى طالبوا فيها بتحول السعودية إلى الملكية الدستورية "مس بوحدة البلد".وقد أفرج عن اثنين منهما بعد يومين إثر تعهدهم الكف عن المطالبة جهرًا بإصلحات.وبقى الثلثة الخرون رهن المحاكمة حتى نهاية العام .كما توعدت الحكومة السعودية فى 4/10/2004بمعاقبة أي موظف في مؤسساتها المدنية والعسكرية يناهض سياسات الدولة أو برامجها بشكل مباشر أو غير مباشر سواء كان ذلك عن طريق إعداد أي بيان أو مذكرة أو خطاب أو التوقيع على أي من ذلك أو المشاركة في أي حوار عبر وسائل العلم والتصال الداخلية أو الخارجية بدعوى أن هذا يعتبر "إخللا بواجب الحياد والولء للوظيفة العامة" .ص 131و . 132 و هو ما يوضح أن الحكومة السعودية و التي تسببت بكل موجات الرهاب و المفخخات في الشرق الوسط و العالم ،ل تصنـّف معارضيها أبدا بين "معتدل" و "متطرف" ،بل تتعامل مع الجميع بمنطق الهيمنة و الرادة البوية التي ل تقبل أي نوع من المعارضة ،و مشكلة النظام السعودي الذي تصفه بعض الوساط المريكية بـ"الحليف الخبيث"!! فإن النظام في شعاره "الحرب على التطرف و المتطرفين" ل يقصد به إل أؤلئك الذين يهددون العرش السعودي و مصالح السرة الحاكمة. ففي الوقت الذي يتمتع فيه المير السعودي الملياردير "الوليد بن طلل" بكل ملذات الحرية و من خلل ثروة جناها من شعب "الجزيرة العربية" ،يعاني المواطنون السعوديون ليس من الفقر و الحرمان فقط ،بل من امتهان كرامتهم كبشر و مواطنين ،و المواطنون من الشيعة الثني عشرية و الشيعة السماعيليين يعانون يوميا حربا حقيقية من أجل البقاء.
الخوان المسلمـــون "الرهابيون و الضعفــــــــاء" تأسست حركة الخوان المسلمين عام 1928في مصر على يد "حسن البنا" ،يقول الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مؤسسة ابن خلدون للدراسات في مقدمة كتاب "التاريخ السري للخوان المسلمين :مذكرات علي العشماوي آخر أعضاء التنظيم السري الخاص:
"
الخوان المسلمين هم أهم حركة إسلمية ـ سياسية في القرنين الخيرين .فمنذ الحركة
الوهابية التي ظهرت في الجزيرة العربية في منتصف القرن الثامن عشر ،على يد الداعية المتشدد محمد بن عبد الوهاب ،لم تظهر حركة دينية سياسية تدانيها تنظيميا وقوة وتأثيرا ًـ ل في الجزيرة العربية ،ول خارجها ـ إلى أن ظهرت حركة الخوان المسلمين في مصر، على يد الداعية حسن عبد الرحمن البنا ،عام .1928صحيح ،ظهرت بين الحركة الوهابية وحركة الخوان المسلمين حركات إسلمية أخرى ـ مثل المهدية في السودان ،والسنوسية في المغرب العربي ـ ولكنها ظلت محصورة النطاق جغرافيا ،ومحدودة التأثير سياسيا وزمانيا. كذلك ظهرت حركات أخرى عديدة تحمل شعارات إسلمية خلل القرنين الخيرين ،لم يكن لها مثيل بين أيً من الحركات المذكورة في تأثيرها المستمر. الوهابيون والخوان المسلمون ـ إذن من هما الهم والكثر تأثيرا واستمرارا .وكما ضُربت الحركة الوهابية أكثر من مرة وسقطت ،وأفاقت ونهضت من جديد ،كذلك حدث لحركة الخوان المسلمين .ولم تظهر بعد ،على حد علم هذا الكاتب ،دراسات علمية موثقة عن العلقة بين الحركتين في القرن العشرين .ولكن من الثابت أنه حينما ضُربت حركة الخوان المسلمين بواسطة الرئيس المصري جمـال عبد الناصر في الخمسينيات وفي الستينيات ،فرّ عدد كبير من الخوان إلى المملكة العربية السعودية ،المعقل الحصين للوهابية ،حيث أحسنت وفادتهم وحمايتهم .كما أن عددا كبيرا منهم قد شاركوا في بناء الدولة السعودية الثالثة، واستفادوا أيضا بقدر ما أفادوا أدبيا وماديا ،ودخلوا في شركات متعددة ومتشعبة معا ،ظل تأثيرها قائما إلى الوقت الحاضر " ص . 3 – 2 و فعل ،فإن هذه الحركة تمتلك جمهورا عريضا في أوساط الشعب الفقير ،لكن المشكلة الساسية تبقى كونهم متطرفين نحو أحد الجانبين ،إما أن تنكفيء نحو العمل السلمي "إلى حد التبعية" لحزاب السلطة ،أو تنحو نحو العنف و الرهاب و خلق تنظيمات تؤمن بالعنف و الوصول إلى الهدف عبر استعمال القوة. و لحد الن لم تستطع هذه الحركة أن تتجه إلى المواجهة السلمية و ممارسة الديمقراطية بشكل حقيقي ،بل إن ثقافة هذه المجموعة ل تتسم بأي طابع حواري ،مما يعني حقا أنهم ل يتلئمون ـ على القل لحد الن ـ مع الديمقراطية و النظام التعددي العلماني ،و منذ نشأة
هذا الحزب أو الجماعة ،تظهر أدبياته أنه ل يردد إل خطاب "المقاومة ـ مصر و الراضي الفلسطينية و العراق" و المواجهة مع الغير. يقول علي العشماوي في مذكراته: " هل هم ـ يعني جماعة الخوان ـ مستعدون للقبول بالدستور المدنى واحترام بنوده أم أن نبذ العنف بأشكاله وصوره مجرد شعارات للمرحلة الحالية ،ثم تعود المور إلى ما كانت عليه ،هل يدركون أن فى مصر عددا ليس بقليل من القباط ،أنه ينبغى طمأنتهم على أحوالهم خاصة ان أحد قادة الخوان السابقين كان قد ألعن كلما ضد القباط ،ثم اضطر أن يعتذر عنه وهو المرشد السبق مصطفى مشهور ،كل هذه المور ينبغى أن تدرس بجدية وأن يتضح الموقف من كل أمر بوضوح ،ولعلهم يدركون الن أنهم يتحركون وحدهم بعيدا عن باقة القوى الوطنية التى ابتعدت عنهم الواحدة تلو الخرى لن السلوب المتبع غير مقنع والموقف ل يحتمل المغامرات" ص . 12 – 11 إن هذا السؤال أو مجموعة السئلة التي يطرحها العشماوي ل تقتصر على المجتمعات العربية و السلمية ـ رغم أنه ل يوجد نظام ديمقراطي عربي أو إسلمي ياستثناء العراق ما بعد 2003و لبنان حيث يعود الفضل للمسيحيين في خلق هذه الديمقراطية ـ فهذا السؤال المهم : هل من الممكن أن يُشارك إسلميون في التغيير الديمقراطي و تحديدا الخوان "؟ يطرح و بشكل أكثر إلحاحا من قبل المؤسسات و الخبراء المريكيين ،خصوصا و أن طيفا إسلميا كبيرا طرأ في العراق "بعد أن أطاح المريكيون بنظامه البعثي" و انتخابات الراضي الفلسطينية حيث فازت حماس و اكتسحت الساحة السياسية. يقول جيرمي شارب المحلل السياسي بالشرق الوسط قسم الشئون الخارجية والدفاع والتجارة في بحثه " سياسية الوليات المتحدة المريكية لتعزيز الديمقراطية في الشرق الوسط المعضلة السلمية" ـ و هو بحث قدمه إلى الكونغرس المريكي في 15يونيو :2005 " وردا على هذه المعضلة :تسائل بعض الباحثين هل سوف تقوم الوليات المتحدة المريكية بالحد من ضغوطها على الحكومات العربية حتى تفتح مجال لنظمتها السياسية واحترام حقوق النسان مع العلم بأن مثل هذه الخطوات -في حال نجاحها -قد تصبح ذا فائدة كبيرة للجماعات السلمية .إن تقديم قوة سياسية شعبية ومحبوبة في العالم العربي اليوم ,إن العديد من الجماعات والمؤسسات السلمية السياسية تعتبر على القل في مستوى الخطاب معارضة بشكل كبير كافة مظاهر السياسة الخارجية للوليات المتحدة المريكية في الشرق الوسط وعلى سبيل المثال دعمها لسرائيل واحتلل العراق وحشد الوجود العسكري في الخليج العربي .والحق أن النتخابات التي تمت بتأييد الوليات المتحدة المريكية في كل من العراق ومصر والسلطة
الفلسطينية قد عملت على تقوية الوضع السياسي للمؤسسات السلمية بما في ذلك ما يتعلق بحركة حماس وهي الجماعة المسلحة التي رفضت نبذ السلح ".ص 2 – 1 إن النقطة الخرى التي ينبغي على الباحث المريكي جيرمي شارب اللتفات إليها ها هنا ،هو أن أكثر ،هذا إن لم نقل جميع ،الحركات السلمية و تنظيماتهم ل يقتصر عداءها على الوليات المتحدة ،بل هم يعيشون حالة من كراهية "الحداثة" و يكرهون النمط الديمقراطي في الحكم ،و لكن هذا العداء يظهر جليا تجاه أمريكا كونها أبرز و أقوى مدافع عن النمط الحديث في الديمقراطية. هذا التردد من قبل المجتمع الدولي حول إشراك السلميين في النظام التعددي الديمقراطي ، الذي يُراد خلقه في الشرق الوسط و شمال أفريقيا ،في جزء منه يعود إلى السلطات في البلدان العربية و السلمية ،هذه النظمة تستخدم مخاوف الغرب من تكرار التجربة اليرانية المشؤومة و تمنع حصول أي تطور على أرض الواقع بفضل هذه الشكالية ،لكن أيضا تبقى ثقافة "الحرب" و لغة النتقام و المؤامرة و المعارك ،كجزء أساس من ثقافة السلميين ـ حتى اؤلئك المنشقين عنهم ـ و التي عززت بدورها مخاوف الغربيين من التغيير مع رغبتهم فيه. مع ملحظة أن هذه الحركات تتفاوت في التعامل مع هذه ال ِقيَم ككُل و تصنيفها إلى مقبول و غير مقبول ،فمثل يوافق أغلب أو كُل الحركات السلمية "الشيعية" النتخابات كوسيلة لدارة الحكم ،بينما هناك قطاع إسلمي "الوهابية السلفية" و مجموعة من "علماء الزهر" يعتبرون النتخاب "كفرا محضا" و الديمقراطية على أنها "بدعة مسيحية" ،و هذه الحركات ليست بحاجة إلى تبريرات لعدائها للغرب و مظاهر الحداثة ،فالتاريخ مليء بالتبريرات للدفع باتجاه "العنف" أو "المواجهة المسلحة" مع الخر. و الخوان المسلمون كونهم امتدادا للحركة الوهابية "رغم تمظهرها في البداية بمظهر الصوفية" فهي قابلة أن تكون جزءا من حركات العنف ،و حتى اؤلئك المنشقـّون عنهم يتعاطفون معهم ، هم متأثرون بالمنهج الوهابي و ابن تيمية ،يقول علي العشماوي في مذكراته ص : 21 " ،ولكنها لم توجب تكفير المجتمع ،ول تكفير الحاكم أو الخروج عليه ،والصبر على الحاكم الجائر أولى من الخروج عليه ،المر بالمعروف والنهى عن المنكر من واجبات الحاكم حسب نص فتوى ابن تيمية ،والذى بلبل الفرق السلمية الحديثة والتى تنجو منحى الخوارج فى فقه ابن تيمية" ا ه . و الملحظ أن الخوان رغم كل ما تعرضوا له من تضييق و منع و إيذاء ،إل أن ثقافتهم و التي تتمحور حول "العنصرية السلمية" أو كما يصفها الرئيس المريكي جورج بوش بـ"الفاشية السلمية" ،هذه الثقافة نفسها هي التي تُبقي على النظمة الدكتاتورية و تمنع المجتمع من التغيير ،فهذه الحركات و من ضمنها الخوان ،ل تتعامل مع الدين كوسيلة ثقافية للتغيير نحو مجتمع ينعم بالتسامح و العدل و المساواة ،بل تتعامل مع الدين كغاية و طقوس الدين تكون هي الهدف ،فأي مجتمع "يرجم الزانية" و "يقطع يد السارق" و "يفرض الحجاب" ،هو مجتمع سعيد أو مثالي ،حتى لو كان هذا المجتمع يعيش كارثة حقيقية ،كتطبيق الحدود و القوانين على الطبقة المسحوقة فقط ،و كما قلنا ،فالخوان يتأرجحون بين "الستسلم الجبان للحاكم أو الدكتاتور" أو الخيار الخر "العنف و التفخيخ و الذبح في سبيل التغيير". يقول علي العشماوي في مذكّراته ص : 22 " وينبغى أن نذكر هنا أن أتباع الشيخ ـ يعني ابن تيمية الحنبلي الكردي ـ لم يقوموا بعقاب أحد يفعل المعصية ،ولكنهم كانوا يقبضون عليه ويسلمونه للشرطة أو للقاضى ،وهو الذى يقيم يحق له
عقاب أهل الجنايات وقهر الناس على إلزام الجادة ،إتباع حكم الشريعة وأن ال أوجب المر بالمعروف والنهى عن المنكر ،ول يتم ذلك إل بقوة وإمارة ،وكذلك سائر ما أوجبه ال من الجهاد والعدل ،وإقامة الحج والجمع والعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود ،ل تتم إل بالقوة والمارة، لهذا روى "أن السلطان ظل ال فى أرض" ويقال "ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بل سلطان" وهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون " :لو كانت لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان "وهو يعنى السلطان برأ كان أو فاجراً". الملحظ في هذه العبارات أنها تعكس ثقافة أو "عقلية" مريضة بحق ،و من الطبيعي أن هذه العقلية حينما تصل إلى أعلى هرم السلطة فإنها تتحول إلى "الحاكم الواجب طاعته" و أي مخالفة ل ال في الرض" ،بالتالي ل أجد نفسي متفائل في أن يكون لهؤلء له تعني الصطدام مع "ظ ّ الخوان دور إيجابي في التغيير القادم ،إن كان هناك تغيير أصل. يقول العشماوي أيضا في مذكّراته ص : 22 " وكذلك قرر ابن تيمية أن الصبر على طاعة الجائر أولى من الخروج عليه ،لما فى ذلك من منع للفتنة التى تنتج من الخروج عليه ،وتلك للبرياء وكل المرين مكروه ،ولكن أقوى المكروهين ـ أى الفتنة والقتل ـ أولى بالترك ،وقد كان الشيخ حريصاً على علقات جيدة مع أولى المر مع عدم التفريط فى جانب ال أو حقوق الناس ،وقد أفادته كثيراً من تلك العلقات الطيبة مع أولى المر فى إسداء النصح لهم فهذا أمر شرعي". من هنا نجد أن من الصّعب ـ هذا إن لم يكن من المستحيل ـ أن ينضم عقل بهذه الضحالة و التبعية في المنطق و التفكير إلى المجتمع المدني الديمقراطي ،و كأنه ل يوجد خيار ثالث ،فإما الطاعة العمياء للحاكم أو تكفير الحاكم و المجتمع على حدّ سواء. و ل أعرف حقيقة لماذا لم يتجه هؤلء إلى خيار ثالث (و هذا الخيار يتناقض بالتأكيد مع الفاشية السلمية) و هو أن الدين شأن شخصي للحاكم و أن إسلم الحاكم أو من هو على رأس السلطة ل يزيد أو ينقص في "عدالته" و أهليته لدارة الحكم ،و يكفي دليل على ذلك أن النبي محمد مدح "النجاشي" ملك الحبشة و قال عنه :إنه ملك ل يُظلم عنده أحد !!"..و هي عبارة قطعية على أن الدين هو "أمر شخصي". إن حركة الخوان كانت أقرب إلى العمل السلمي في بدايات إنشاءها بسبب تأثيرات الزهر آنذاك ـ حين كان نوع من التصوف يهيمن على هذه الجامعة العريقة ـ لكن بمرور الزمن و عبر تغلغل الفكر الوهابي في منظومة التنظيم و إلى الزهر نفسه ،توجه الخوان نحو العنف و هي إحدى أعراض الصابة بالفيروس الوهابي ـ و ل زالت المملكة السعودية الوهابية تفتخر بصورة السيف على علمها ـ مما أبعدها شيئا فشيئا عن الممارسة الواقعية للسياسية و جعلها ذات تبعية غير وطنية ،بمعنى أنها أصبحت حركة تابعة لدولة إقليمية لها مصالحها المختلفة و المتناقضة أحيانا أخرى مع مصلحة مصر كدولة. إن الخوان المسلمين ـ حاله حال أغلب التنظيمات السياسية السلمية و السنّي منها خصوصا ـ ل تستطيع العيش في ظل القوانين العلمانية و المدنية ،يقول الدكتور طلعت رضوان و هو أحد المشاركين في منتدى "السلم و الصلح" المصدر السابق ج 2ص 76 " أما أ .محمد حبيب نائب المرشد الحالي ـ يعني الخوان ـ فقال "نحن جماعة الخوان المسلمون نرفض أي دستور يقوم على القوانين المدنية العلمانية ،وعليه فإنه ل يمكن للقباط (يقصد المسيحيين لن كل المصريين أقباط) أن يُشكلوا كيانًا سياسياً في هذه البلد .وحين تتسلم الجماعة مقاليد السلطة والحكم في مصر فإنها سوف تُبدل الدستور الحالي بدستور إسلمي يحرم بموجبه
كافة غير المسلمين من تقلد أي مناصب عليا في الدولة أو في القوات المسلحة ،وأنه من الضروري أن نوضح أن هذه الحقوق إنما ستكون قاصرة على المسلمين وحدهم دون سواهم" وما ذكره أ .محمد حبيب هو ترديد والتزام بما ورد في كتيب باسم (نموذج الدستور السلمي)، صدر في لندن عام 1984نص فيه على أن "مواطنة الدولة حق لكل مسلم فقط" بل إن الشطط الصولي وصل إلى درجة أن يعلن أ .محمد مهدي عاكف مرشد الخوان الحالي أن "الحكم العثماني لمصر لم يكن احتللً ،ولو أن خليفة من ماليزيا حكم مصر ل يكون محتلً". من هنا فإن من حق الجميع أن يُشكك في مصداقية السلميين ـ الخوان تحديدا ـ تجاه الممارسة الديمقراطية و العيش مع مفهوم المواطنة بالمصطلح الحديث ،و أن المساواة التي يحدثنا السلميون عنها ،ل تعدوا أن تكون مساواة شكلية و غير حقيقية ،كما أن تعريفهم و مصطلحهم السياسي ضبابي على الغلب. إن الخوان في الواقع يمزجون بين نقيضين ،فتارة يتقربون من الحداثة و إن كان بحذر ،و تارة أُخرى يحلقون في فضاء التنظير المثالي لدولة "الخلفة" المزعومة ،مما يعني تنظيرا شبيها لطروحة طالبان و تنظيم القاعدة ،و هذا المزج هو أمر غير مقبول في العرف السياسي و هو أشبه بقبول الحتكام إلى القانون و رفضه في آن واحد ،كما أن تعاطف الحركة مع النظمة الستبدادية "تعاطفوا مع صدام حسين و اعتبروه رمزا لما يُسمى بالمقاومة كما هو واضح مما هو منشور على موقع الخوان في مصر على النترنت " www.ikhwanonline.orgيجعلنا نشكّك مع المشككين في نواياهم الحقيقية. و لكن هذا ل يعني أيضا أن التغيير غير ممكن ،بالتالي فإن الوليات المتحدة و معها البريطانيون و الوربيون يحاولون دفع الخوان نحو هذا التغيير عن طريق الحوار معهم و مع حزب ال اللبناني ،لكن موقع الخوان على الشبكة العالمية ينفي و بشكل متكرر أنه أقام أي حوار مع الوليات المتحدة أو أي جهة حكومية غربية ،بالمقابل يُصرّ "علي العشماوي" في مذكراته على أن الخوان هم "عملء أمريكا و الغرب" ،و هي محاولة واضحة لكسب رأي الطبقة الشعبية للخوان الّتي تؤمن بنظرية "المؤامرة" ،يقول العشماوي: "ولقد ورد على لسان أحمد منصور فى مقال السبوع الماضى الخبر التي (نجح اليستر كروك فى عقد لقاء غير مسبوق فى بيروت يومى 22 ،21مارس الماضى بين شخصيات أمريكية مقربة من دوائر صنع القرار فى الوليات المتحدة ،وقادة أو ممثلين لبعض الحركات السلمية فى المنطقة ،وكان من أبرز الشخصيات من الجانب المريكى مليك بيرن مدير عمليات وكالة الستخبارات المركزية المريكية السابق فى أفغانستان ،وجراهام فولر هو مسئول سابق عن مركز دراسات الشرق الوسط فى الـ (سى أي أيه) والفريد وهوف مساعد وزير الخارجية المريكي السبق ومدير هيئة ميتشل التى قادت المفاوضات فى أيرلندا ،وجورج كرايل المنتج التنفيذي لبرنامج "ستون دقيقة" أشهر برنامج للتحقيق الوثائقي التليفزيوني فى الوليات المتحدة، وبوبى مولر رئيس جمعية المحاربين القدامى فى فيتنام وأحد الشخصيات البارزة فى الحزب الديمقراطى المريكى وهو صديق مقرب من مرشح الرياسة السابق جون كيرى والسيدة هيلري كلينتون ،أما عن الجانب البريطاني بخلف كروك فقد حضر سفير بريطانيا السابق عن سوريا والدكتورة بيفرلى مليتون إدوارز المحاضرة بجامعة كوينز فى بيلفاست بأيرلندا ،وحضر مندوبون من محطتى الجزيرة الفضائية والبى بى سى ممثلة الحركات السلمية ،فقد حضر ممثلون لربعة تنظيمات إسلمية هى حزب ال اللبنانى ومثله نواف الموسوى المسئول السياسى فى الحزب ،ومن الجماعات السلمية فى لبنان ومثلها إبراهيم المصرى وأحمد هرموش،
وحركة المقاومة السلمية "حماس" ومثلها موسى أبو حمدان وترددت حركة الخوان فى مصر عن الحضور ولكن حضر مندوب الجماعة السلمية فى لبنان الذى يعتبر امتدادًا طبيعياً للخوان ،وقبلها عبدالغفار عزيز ومحمد إبراهيم خالد وعاطف لقمان قاضى" – التاريخ السري للخوان ص 28ـ 29 إنني ها هنا لست في موقع المدافع عن الخوان ،فعدم عمالتهم للغرب ليس تنزيها لهذا التيار المتطرف و بالتالي النظر إليه على أنه تيار وطني ،الخوان المسلمون كانوا دوما سببا في استمرار الدكتاتورية و تجميد المجتمع و نشر ثقافة الرهاب ،بل على العكس ،أعتقد أن الخوان يخدمون النظمة الدكتاتورية في العالم العربي و السلمي من خلل وقوفهم بوجه التحديث ،و العشماوي نفسه في مذكراته يظهر هذا المر بالقول: " الهجوم على مركز التجارة العالمى بنيويورك ومعه مبنى البنتاجون بواشنطن ثم الهجوم الكبير الذى حدث فى مدريد ،وانتهى المر بتفجير قطارات لندن ،ويعلم ال هل هذا ستكون النهاية ،أم أن هناك عمليات أخرى فى الغيب؟ عمليًا جعلت من المسلمين والسلم أمراً مخيفًا مرعبًا للناس فى جميع أنحاء العالم ،ووضعت المسلمين فى موضع الدفاع والتراجع المستمر ،خسارة كل يوم، وهجوم على المسلمين يوميًا حتى صار المسلمون إرهابيين وقتلة وسفاكى دماء ،هذه صورة المسلمين الن ،حتى الهجوم على السلم موضة شائعة فى الغرب .قد أعلنت باكستان أنها سوف تراقب المدارس السلمية ،وسوف تغلق أية مدرسة تدرس الجهاد ،أين الخوان من كل ذلك ،فلم أسمع منهم أى دفاع عن السلم أو تبرير وشرح للجهاد الذى هو أحد الركان الساسية فى سياسة الخوان المعلنة ،والحقيقة أن الدفاع الذى أرقأه منهم كل يوم أن سياسة أمريكا وبريطانيا هى التى تدفع الناس إلى هذه الفعال قول مردود ،فل ينبغى أن يكون هذا هو استعمال الدين ،فإن السكوت على الخطأ أورث المة السلمية الكثير من التراجع والنحسار" المصدر السابق ص .31 فلو كان الخوان عملء للغرب كما يزعم البعض و العشماوي أحدهم ،فلماذا يقوم الخوان بالتبرير و الدفاع عن الرهابيين و النتحاريين و إطلق صفة "المقاومة" على هذه الجرائم ؟! لكي نستطيع أن نحلل أي ظاهرة أو منهج سياسي يتوجب علينا أن نحللها بدون نظريات خيالية أو غير واقعية و من ضمنها "نظرية المؤامرة" التي كانت و ل زال السبب في هيمنة أنظمة دكتاتورية مستبدة. فأين كانت هذه المة يا ترى؟! هل كانت نائمة في قمقم "علء الدين" و تظن هذه المة أنها ل تزال في العصر العباسي ؟! إن المسألة ليست كما يفسرها السلميون بقدر ما يتعلق حقيقة بالصراع بين أُمة إسلمية تقف مع الرجعية و التخلف و النماط القديمة للحكم أو النضمام إلى المعسكر الديمقراطي الحر ،لكنني أعتقد أيضا أن بقاء النظمة الدكتاتورية هو أحد أهم أسباب ترسّخ نظريات المؤامرة الخارجية. يقول علي العشماوي في مذكراته ص : 41 " وفى النهاية فى مرحلتنا هذه فإن تلك الديمقراطية التى يتكلمون عنها الن هى وافدة من أمريكا ،بل أن يكون لهم فيها مأرب كثيرة ومنافع شتى وإل ما حاولوا فرضها على العالم ،لقد وصل بنا الشك فى كل ما يأتى من هناك إلى هذا المدى لن التجربة مريرة فيما يحاولون فرضه على الدول النامية منذ زمن بعيد .والحقيقة هنا فى كل الحوال نسير خلفاً يطلب منا مفقودى الرادة ،مسلوبى الفكر والعزم ،حتى ولو أدى بنا هذا إلى الوقوع فى المهالك ،نهم يخططون ونحن ننفذ ،والغريب أن البعض يتصور أنه يناقش ويضغط وأنه يغير ما هو موضوع ..ولكن
الحقيقة أنها لعبة ونحن أدواتها ولسنا لعبين أصليين فيها ،بل ول نملك أدوات الدخول فى الملعب كلعبين ،هل أدرك الخوان ذلك حين ينتقلون من مطب ويقعون فى حفرة أعمق وهكذا، فالمسيرة ليس فيها منهاج إسلمى ولكن كلها أفكار مستوردة ونحن نتعامل معها بنفس السلوب الذى نجيده ..وهكذا فقد فقدنا الرؤية وضلنا الطريق حيث الوسيلة غير إسلمية وسوف تؤدى إلى نتائج غير إسلمية فالمناهج السلمية لبد أن يؤدى بالضرورة إلى نتائج إسلمية والعكس صحيح". إن العشماوي و إن كتب ضد الخوان فهو إبن البيئة الخوانية القائمة على فكرة الصراع و الكراهية و التشكيك باستمرار بالخر و نيته ،و هو يشبه إلى حدّ ما عقلية و منطق "صبحي الطفيلي ـ المين العام السابق لحزب ال اللبناني" ،فكلهما اتخذ موقف المعارضة بحجة أن "الخوان" و "حزب ال" لم يدخل في مواجهة حقيقية مع إسرائيل و الغرب ،و هذه حقا ظاهرة خطيرة أن يحدث انشقاق داخل هذه التيارات ،ليس من أجل الصلح و التغيير ،بل من أجل اتخاذ المزيد من مواقف التطرف و سبل العنف و الرهاب ،بل إن هؤلء ر يعرفون حتى أبسط أساليب "المواجهة السلمية" مع النظمة و مع الغرب. لقد كان "سيد قطب" هو الخطوة الواضحة الولى في العصر الحديث باتجاه دفع السلميين نحو "التطرف" و "الرهاب" و قمع الخر ،بالتالي كان ضحية القمع "سيد قطب" هو صانع القمع و العنف ،و هو أيضا الب الروحي لرهابيي القاعدة و يقوم فكره العنفي على نقطتين أساسيتين: " أولً :إن الحاكيمة ل ،وهو بهذا يلغى أى ولء آخر لحكام الرض. ثانياً :إن الشعوب السلمية الحالية تعيش فى جاهلية ينبغى دعوتهم مرة أخرى ليجدوا إسلمهم ويتبعوا الخوان المسلمين ،ومن هنا جاء استحلل أرواح الناس وأموالهم" التاريخ السري لللخوان ص 45 من هنا نجد أن الخوان و في صراعهم الفكري مع الواقع و المحيط البيئي انتهوا إلى الفلس فكان أن اتهموا الخر بالفلس ،يقول سيد قطب في كتابه معالم في الطريق: "
تقف البشرية اليوم على حافة الاوية ..ل بسبب التهديد بالفناء العلق على
ض للمرض وليس هو الرض ..ولكن سبب إفلسها ف عال " القيم رأسها ..فهذا َعرَ ٌ " الت يكن أن تنمو الياة النسانية ف ظللا نوًا سليمًا وتترقى ترقيًا صحيحًا .وهذا واضح كل الوضوح ف العال الغرب ،الذي ل يعد لديه ما يعطيه للبشرية من " القيم " ،بل الذي ل يعد لديه ما يُقنع ضميه باستحقاقه للوجود ،بعدما انتهت الديقراطية فيه إل ما يشبه الفلس ،حيث بدأت تستعي -ببطء -وتقتبس من أنظمة العسكر الشرقي وباصة ف النظمة القتصادية ! تت إسم الشتراكية
!" ص 1
إن هذا المنطق المتكلم بضمير "النا" المحتكر لكل معايير الذات الكاملة و المهيمنة و التي تحتكر اسم ال و الحق و الحقيقة ،من الطبيعي أن تنتج لنا فكرا يريد "هداية العالم" عبر النتحار
و التفخيخ ! و ذلك ليس بغريب أن يصدر عن مفكّر "هذا إن جاز أن نسمّيه بالمفكّر" هو وليد المذهب السني الذي عرف عنه أنه قام على أكتاف السلطان "الطاغية" و إرهاب الخوارج ،كما أن فكر سيد قطب هو نتاج نظريات ل علقة لها بالواقع أو لنقل أن فكره "مثالي" أقرب إلى الخيال و هو ل يمثل حل إل لجنونه الشخصي و نفسه المريضة. فمن جهة نرى أنه يقول عن التحاد السوفيتي أنه قد فشل ،و هذا ما ل نختلف معه بشأنه ،و لكنه يتحدث عن الغرب بالقول أنه لم يعد يصلُح لقيادة العالم ،و تبريره ها هنا يثير الستغراب حقا إذ يقول: " إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال ..ل لن الحضارة الغربية قد أفلست ماديًا أو ضعفت من ناحية القوة القتصادية والعسكرية ..ولكن لن النظام الغربي قد انتهى دوره لنه لم يعد يملك رصيداً من " القيم " يسمح له بالقيادة . لبد من قيادة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية ،عن طريق العبقرية الوروبية في البداع المادي ،وتزود البشرية بقيم جديدة جدّة كاملة -بالقياس إلى ما عرفته البشرية – وبمنهج أصيل وإيجابي وواقعي في الوقت ذاته" .معالم على الطريق ص .2 إن هذا الكلم يُناقض نفسه بنفسه ،فـ"سيد قطب" كشخص يكفي وحده كي يحكم على "الغرب" بالفشل ،و هو كما ترى منطق يناقض و ينهش في نفسه ،إن أي فكرة لكي تطرح نفسها كبديل عن فكرة أُخرى ،عليها أن تملك رصيدا واقعيا من حريات و كرامة إنسانية و إنجازات ،فالـ"البديل السلمي" المزعوم ليس لديه أي إنجاز ملموس على أرض الواقع ،كما أن "العالم السلمي"! هو من أفقر و أسوأ الدول سجل في كافة مناحي الحياة ،كما أن زعمه بأن الغرب لم يعد يملك "القيم" غريب جدا ،فأكبر قيمة يملكها الغرب و منذ القرون الثلث الخيرة هي "الحرية" و "كرامة النسان" ،و أثبت الغربيّون ،و ل زالوا ،أنهم حققوا ما كان يوما من اليام يُعتبر حلما أو قصة خرافية ،فمن التصالت ،النترنت ،التلفزيون ، السيارات ،المركبات الفضائية ،إختراعات الطب الحديث ،إختصار الزمن و انتهاءا بالتسامح
الديني و نظم الحكم الحديثة ،كلها " ِقيَم" ل أعتقد أن فائدتها ستنفذ ما دام النسان على هذه الرض ،بل ما دام موجودا ،ترى ما "ال ِقيَم العظيمة"! التي يحدثنا عنها سيد قطب ؟! أعتقد أنها المدينة الفاضلة التي كتب عنها أفلطون و الفارابي ؟! و هو حلم يراود الجميع. يقول سيد قطب: " ولقد جاء دور " السلم " ودور " المة " في أشد الساعات حرجاً وحيرة واضطرابًا ..جاء دور السلم الذي ل يتنكّر للبداع المادي في الرض ،لنه يعدّه من وظيفة النسان الولى منذ أن عهد ال إليه بالخلفة في الرض ،ويعتبره -تحت شروط خاصة - عبادة ل ،وتحقيقًا لغاية الوجود النساني" معالم ص .3 هذه "الشروط الخاصة" لها تفصيل و يحتاج سيد قطب إلى أن يؤلف مجلدات كاملة عنها ، فأول ما سيطبّق من هذه الشروط هو "ممنوع التّبسّم" " ،السعادة ممنوعة" " ،تكسير قناني الخمر و مصانعها" " ،كسر آلت الطرب و الموسيقى" " ،إتلف جميع اللوحات العالمية لنها كفر بال و منافسة له على الخلق" " ،إسقاط جميع القمار الصناعية لكي ل تبث الخلعة و المجون" ، "قتل كل من يتحدث ضد النبياء و الصحابة حتى أؤلئك النذال منهم" ،و أخيرا يُخيّر الغربيون بين "السلم" أو "الجزية ـ الضريبة" أو "نهب و سلب و إبادة". هذه هي ِقيَم الشيخ سيد قطب ،و هي قيم ل تجسد إل عقلية القرون الوسطى و المظلمة و تجسيد للعقل الوهابي ،و كان على الغربيين منذ عقود أن يتوقعوا من "السعودية ـ الداعم الول للوهابية" أن تتسبب في موجات إرهابية تطال العالم كله ،لكنني أعتقد أن الغرب أيضا كان غافل أو يتغافل عن المد الوهابي لمصالح جيو سياسية في المنطقة و كان لبريطانيا حينها دور قذر في هيمنة آل سعود على شبه الجزيرة العربية و انتشار مذهب الذّبح ،و سيّد قطب يعطي لنفسه ـ و لمن هُم على شاكلته ـ الشرعيّة اللزمة عبر الستشهاد ببعض اليات القرآنيّة ،و الّتي يمكن لي
طرف أن يستشهد بها و كأنها نزلت فيه ،و طبعا فإن النّص الدّيني القابل للتأويل من السّهل أن يُستخدم لقناع البعض ،خصوصا من ذوي الثّقافة البسيطة أو من الطبقة الجاهلة ،فهذه الطبقة أو العيّنة من النّاس ل تطرح الكثير من السئلة ،و لهذا السبب نجد أن المقتنعين بنظرية "الوهّابيّة القُطبية" ينتشرون بين الشعوب الجاهلة المسحوقة ،أفغانستان ،الصّومال ،اليمن ، شمال باكستان ،غرب الهند ،مناطق الصحارى السعوديّة ،صعيد مصر ،و مناطق غرب العراق حيث البدو ال ّرحّل. يقول سيد قطب: " ولكن السلم ل يملك أن يؤدي دوره إل أن يتمثل في مجتمع ،أي أن يتمثل في أمة .. فالبشرية ل تستمع -وبخاصة في هذا الزمان -إلى عقيدة مجردة ،ل ترى مصداقها الواقعي في حياة مشهودة ..و " وجود " المة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة ..فالمة المسلمة ليست " أرضًا " كـان يعـيش فيها السـلم .وليست " قومًا " كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام السلمي ..إنما " المة المسلمة " جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج السلمي ...وهذه المة -بهذه المواصفات ! قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة ال من فوق ظهر الرض جميعًا" معالم ص .4 – 3 إنّه يطرح كمقدمة للحرب الشّاملة التي سيشنّها "خلفاء ال على الرض" ضد "البشريّة الضّالة" ،أن هناك واجب في خلق "ُأمّة"! تكون مثال للشعوب الخرى ،بمعنى أن نجعل شعب "أفغانستان" ،مثل ،أفضل من النروجيين أو الدنماركيين! و يبدو أن الخطوة الولى لجعل ل السحري في نظر "سيّد قطب" أفغانستان أجمل من النروج هو "تطبيق الشريعة"! و هو الح ّ لخلق دولة أفضل من تلك المثلة الغربية الّتي طرحناها ،لقد كانت الشريعة مطبّقة أيّام الخليفة
الثّالث عثمان بن عفّان ،و هي نفسها كتطبيق لم تمنع النّاس "المسلمين" من رفض خلفته ،و رفض هو بدوره أن يتنحّى عن الحُكم ،فانتهى المر إلى قتله و دفنه في مقبرة اليهود "أُنظر ـ الحقيقة الغائبة للكاتب فرج فودة و فسئلوا أهل الذّكر لمحمّد التيجاني" ،فتطبيق ما يُسمّى بالشريعة ليس سببا كافيا في دفع أيّ ُأمّة إلى المام ،هذا إن لم يكن سببا في تخلّفِها أصل ،فما يُسمّى بالشريعة ليس إل "آراء" و "قناعات" لُناسٍ عاشوا قبل ألف عام من الن. إن الشّعوب ل تتطور بالقدر الّذي تتعصّب فيه لعقائدها الموروثة ،بقدر ما تتطور عبر "التّسامح" مع الخر و توفير "حُريّة التفكير" للجميع ،فهل سيكون "قطع يد السارق" " ،رجم لمّة السلميّة"! عن باقي الُمم و الديان؟! و إذا الزاني" " ،فرض الحجاب" هو ما سيُميّز "ا ُ كان الجّواب هو نعم فإن الكارثة ستكون فعل قد حلّت ،لنّه سيكون من الفضل "حسب هؤلء المتطرفين" أن يكون الشّعب ُأ ّميّا تماما حتّى يستوعب "مفاهيم الشريعة المزعومة"! من أفواه الوعاظ و المتفيقهين دون تشويش من أحد. و هذه الطروحة "القطبية" ل تختلف قط عن أُطروحة "البعث القومي" حيث يقول سيّد قطب: " ل بد من " بعث " لتلك المة التي واراها ركام الجيال وركام التصورات ،وركام الوضاع ،وركام النظمـة ،التي ل صلة لها بالسلم ،ول بالمنهج السلمي ..وإن كانت ما تزال تزعم أنها قائمة فيما يسمى " العالم السلمي " !!!" معالم ص .4 تذكرت و أنا أقرأ هذه العبارات ،النصيحة الّتي قدمها "فتحي يكن ـ و هو أحد المعجبين بقطب" إلى القوميين البعثيين و السلميين أن يزاوجوا بين اليدولوجيتين "القومية" و "السلمية" لكي يُنشئوا حزبا جديدا تحت عنوان "حزب البعث العربي السلمي" ،و هي فكرة و نصيحة توضح مدى أواصِر الشّبه بين فكرين إرهابييّن.
ل ما هو موجود على إن سيد قطب يُدرِك تماما أنه يريد البدء من الصفر ،بمعنى أن كُ ّ أرض المسلمين يختلف كُّليّا عن ذلك الموجود في ذهن سيد قطب ،لكن الشكال الّذي يبقى ل ما هو موجود على الرض مطروحا على سيد قطب ،و هو إشكال سلبي ،هو اعتباره أن كُ ّ هو إنجاز "غير إسلمي" ،و كأن الفكرة هي أصل "نزيهة"! بينما التطبيق و الفهم هما الخاطئان ،و كأن أي إنجاز كان ،حتى لو خدم النسانية ،هو إمّا أن يكون "إسلميا" أو "كافرا" ،من هنا نستطيع الحكم على هذه النّظريّة على أنها "نظريّة صراع" ل مجال فيها للتسويات أو الحلول ل سيفرض على البشريّة قسرا و بالرهاب. الوسطى ،بل هو ح ّ و المُثير للهتمام هنا ،هو أن سيّد ُقطُب نفسه يُدرك أن ل مجال لما يسمّيه بالمّة السلميّة الّتي ينتظر بعثها ،لن تتفوق "ما ّديّا" على الحضارة الغربيّة الحديثة ،إذاً عن أيّ نوع ن للمادّة دورا مهمّا في إنشاء الحضارات من التفوق يتحدث سيّد قطب؟! إنّه ل يستطيع أن يُنكر أ ّ و من هنا نجده يقول: " إن هذا ل يعني أن نهمل البداع المادي .فمن واجبنا أن نحاول فيه جهدنا .ولكن ل بوصفه " المؤهل " الذي نتقدم به لقيادة البشرية في المرحلة الراهنة .إنما بوصفه ضرورة ذاتية لوجودنا .كذلك بوصفه واجباً يفرضه علينا " التصور السلمي " الذي ينوط بالنسان خلفة الرض ،ويجعلها -تحت شروط خاصة -عبادة ل ،وتحقيقًا لغاية الوجود النساني" معالم ص .5 إن المؤهّل الحضاري الّذي يحدثنا عنه هنا و الّذي يسمّيه "عبادة ال" ل يعني إل "نظرية هذه المجموعة و فهمها الخاص للسلم"! إن قطب يُذ ّكرُنا بشخصيّة محمّد بن عبد الوهاب "مؤسّس المذهب الوهابي" الّذي رآى آن ذاك أن المسلمين انقطعت صلتهم بالسلم كدين ،و كان يعني و بكُل معنى الكلمة أن المسلمين "كُفّار مشركون يعبدون الصنام و هم يستحقون
خ هذه النظرية الرهابية و صاغها في قالب منطقي شاعري القتل" ،لقد أكمل قطب و رسّ َ كئيب ،نجده يقول: " ل بد إذن من مؤهل آخر لقيادة البشرية -غير البداع المادي -ولن يكون هذا المؤهل سوى " العقيدة " و " المنهج " الذي يسمح للبشرية أن تحتفظ بنتاج العبقرية المادية ،تحت إشراف تصور آخر يلبّي حاجة الفطرة كما يلبيِّها البداع المادي ،وأن تتمثل العقيدة والمنهج في تجمع إنساني .أي في مجتمع مسلم" معالم ص .5 ن هذا المجتمع الّذي يُزمع قطب و إنّ محاولة إلغاء الواقع بفعل "تصوّر" يُشير بالفعل إلى أ ّ منظّروا القاعدة ـ فتحي يكن ـ أُسامة بن لدن ـ أيمَن الظواهري ـ تحقيق ُه على الرض ليس سوى ت لي تجربة بأي صلة ،و المثير للهتمام أيضا هنا هو أن هؤلء نصّبوا فهما خاصّا بهم ل يم ّ أنفُسهم وكلء عن النبياء و البشرية ليقرّروا ما هو الطريق النسب لهذه البشريّة ،و الخطر في المر هو أن هذا التيار الوهّابي يبدو و كأنّه جاء فقط ليهدم الحضارة و الحداثة و التطور ،و أن العالم كُلّه مُسخّر فقط لمجموعة صغيرة تحتكر فهم السلم و الديان و العالم: " هذه الجاهلية تقوم على أساس العتداء على سلطان ال في الرض وعلى أخص خصائص اللوهية ..وهي الحاكمية ..إنها تسند الحاكمية إلى البشر ،فتجعل بعضهم لبعض أرباباً ،ل في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الولى ،ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم ،والشرائع والقوانين ،والنظمة والوضاع ،بمعزل عن منهج ال للحياة ،وفيما لم يأذن به ال ..فينشأ عن هذا العتداء على سلطان ال اعتداء على عباده ..وما مهانة " النسان " عامة في النظمة الجماعية ،وما ظلم " الفراد " والشعوب بسيطرة رأس المال والستعمار في النظم " الرأسمالية " إل أثرًا من آثار العتداء على سلطان ال ،وإنكار الكرامة التي قررها ال للنسان !" معالم ص .6 – 5
إن الحاكمية اللهية و حسب تعبير قطب تنحصر في فهم فئة من المسلمين لمصطلح "الحاكمية" ،و هي بالحرى مستوحاة من عقلية "الخوارج" الّذين كانوا يرفعون شعار "ل حُكم ل ل" و ل يعتقدون إل بإسقاط الدولة و الحاكم و أن من الممكن خلق مجتمع جديد من خلل إّ الرهاب أوّل و الفوضى ثانيا ،و فرض هذا الفهم على الخر "المسلمين الّذين ل يؤمنون بهذه النظرية – المسيحي – اليهودي – الملحد" هو بحدّ ذاته مؤشّر على الفلس الخلقي و الثقافي و حتى العقلي ،فعن أي كرامة إنسانيّة يتحدث قطب و هو ينوي و منذ الصفحات الولى لنظريّته السوداويّة أن يُدمّر كل مُنجَزات البشرية و ماذا سيكون بقي للنسان إذا دمّر آلف العوام من التّقدم و العقل و الحكمة مقابِل حياة يقضيها في طقوس و حركات بلهاء وسط أكوام اللم و الدّموع ،إنّ هؤلء و بقدر ما يكرهون الحضارة ـ كونها ما ّديّة ـ يكرهون ال لنّه خلق النسان شهوانيّا ما ّديّا ،إن شعار "الكرامة النسانيّة" الذي يلوّح به قطب هنا ليس إل كلمات جوفاء ل معنى لها و ل تختلف عن شعار "الحريّة" الّذي رفعه البعثيّون ـ و كذلك يفعل كل القوميّين ـ و كان نتيجته أنهم قتلوا الحريّة و أعطوا الطاغية الحريّة الكامِلة في تصريف المور ،و ل أعتقد ن هذا التّفسير و الفهم القبيح للسلم سيستمر طويل. أّ إن ما أسماه قطب بـ"حق وضع التصورات و القيم" الّتي يسندها إلى ال وحده ،هو فهم مبسط للمور و الكثر سذاجة ،فالنّص الدّيني نفسه "القرآن و الحديث" يحملن معاني متعددة و متناقضة و حتى متضاربة ،و إذا ما تمعّنّا في هذا فمن سيكون "الشخص أو الجهة" الّتي ستقرر أن هذا المعنى أو ذاك هو المقصود في الكلمات اللهيّة! و بمجرد أن يفعلوا ذلك ،كأن يحصر حقّ التفسير و الشرح في "آل سعود" أو "آل لدن" أو "آل الظواهري"! فإننا سنعود إلى المربع الول ،بمعنى إسناد إسقاط الكلمات على المعاني من ِقبَل جهة بشرية ،و إذا كان النّبي محمد
إستطاع أن ل يَظلم أحدا بفضل الوحي! فمن أين لهم بوحي مماثل؟! و ل أستبعد أن يفعلوا شيئا مماثل في مستقبل اليام لتجاوز هذا الشكال. يقول قطب: " وفي هذا يتفرد المنهج السلمي ..فالناس في كل نظام غير النظام السلمي ،يعبد بعضهم بعضًا – في صورة من الصور -وفي المنهج السلمي وحده يتحرر الناس جميعًا من عبادة بعضهم لبعض ،بعبادة ال وحده ،والتلقي من ال وحده ،والخضوع ل وحده . وهذا هو مفترق الطريق ..وهذا كذلك هو التصور الجديد الذي نملك إعطاءه للبشرية - هو وسائر ما يترتب عليه من آثار عميقة في الحياة البشرية الواقعية -وهذا هو الرصيد الذي ل تملكه البشرية ،لنه ليس من " منتجات " الحضـارة الغربية ،وليس من منتجات العبقرية الوروبية ! شرقية كانت أو غربية" معالم ص .6 ن هذا التبسيط لنظرية "ستحكم البشريّة"!! حسب هذا العقل المريض ،هو خلق عبودية إّ بشعة تحت شعار "العبودية ل" ،و كما أسلفنا ،فإن حياة الغربيين و مواطني النظمة الديمقراطية ليست محصورة في شهوات الجنس و الطعام كما يظن قطب و أمثاله ،و قد فعلوا ذلك و بفعل حياة الكبت و الممنوعات الّتي عاشوها ،فالغربيون ـ المريكيون خصوصا ـ يهتمون بالحياة الرّوحية و الخدمة الدّينيّة ،لكن هذا يتمّ طبعا في إيطار الحرية البشرية ،إن البحث عن ِقيَم بديلة لتلك السائدة في الغرب هو بحث في الفراغ و العدم ،و محكوم على هذه المحاولة بالفشل الذّريع ،إن رفع شعار "الحريّة" الّذي يروّج له قطب و أمثاله كبديل لمفهوم الحريّة السائد في الغرب و جنوب شرق آسيا ،ليس سوى شعار فارغ يخفي تحته ذلك الكُفر الحقيقي ـ إحتكار تفسير النّص ـ و هو المر الّذي سيجعل من قطب ،بن لدن ،الظواهري و القرضاوي كبدلء
عن ال ،فما دام التفسير جاهزا لتوجيه النّص المقدس فذلك يعني ـ حسب نظرية قطب و القاعدة ـ أن ال بعزّته و جلله ل يعدو كونه جنديّا في صفوف النتحاريين و المفجّرين. و من الطبيعي ها هنا أن قطب و جماعته لن يجدوا "نموذجا" واقعيا لما يسمّونه المثال أو النموذج إل في العودة إلى سيرة "الصحابة" ،و هي كما ترى عزيزي القاريء مجرد إعادة تقليد مرّة أُخرى لما يعيشه العالم السلمي من إستغراق في الماضويّة ،إن جيل الصحابة هو أكثر الجيال إنحطاطا و إثارة للجدل ،و لكن ماذا نفعل مع من ينظر إلى الشياء بعين واحدة !! فالصحابة لعنوا بعضهم البعض "فقد كفّرت عائش ُة عثمانا و لعن معاويةُ عليَ بن أبي طالب على المنابر ـ أنظر :عائشة أم المؤمنين لمرتضى العسكري و الحقيقة الغائبة لفرج فودة" ثم قتلوا بعضهم بعضا ـ قُتل عثمان ثم حرب الجمل و صفّين و قتل الحسين و آله ذبحا و حرق الكعبة و استباحة المدينة من ِقبَل جيش يزيد و اعتداءه و اغتصاب جنوده لبنات المدينة ـ و هذا اختصار سريع جدا لخلق جيل الصحابة الذي يستشهدون به دوما. أنظر إلى نمط هذا التفكير ،يقول قطب: " كان القرآن وحده إذن هو النبع الذي يستقون منه ،ويتكيفون به ،ويتخرجون عليه ، ولم يكن ذلك كذلك لنه لم يكن للبشرية يومها حضارة ،ول ثقافة ،ول علم ،ول مؤلفات ،ول دراسات ..كل ! فقد كانت هناك حضارة الرومان وثقافتها وكتبها وقانونها الذي ما تزال أوروبا تعيش عليه ،أو على امتداده .وكانت هناك مخلفات الحضارة الغريقية ومنطقها وفلسفتها وفنها ،وهو ما يزال ينبوع التفكير الغربي حتى اليوم .وكانت هناك حضارة الفرس وفنها وشعرها وأساطيرها وعقائدها ونظم حكمها كذلك .وحضارات أخـرى قاصية ودانية :حضارة الهند وحضارة الصين إلخ "..معالم ص .10
إن حصر العقل البشري في منهج معيّن هو أول الخطوات نحو عبودية النّاس لغير ال ،و استخفاف الرّجل ـ أي قطب ـ بمنجزات الحضارات هو إشارات واضحة إلى أن هذا المنهج أو ي تعايش بشري قائم على الرض ،و أنهم يعادون "الحضارة" ما المنطق يريد القضاء على أ ّ دامت ليست في صالحهم ،كما أن الطاعة العمياء هو الساس لهذه النظرية الجديدة القديمة ـ فهي تستمد كل دعائمها من الوهابية ـ بمعنى أنها ل تختلف في دكتاتوريتها عن النظمة القومية ، و أعتقد أن عبد الناصر لو لم يُعدم سيّد قطب لرأينا قطب يعدم الخرين بتهمة "ال ّردّة" أو "الكُفر" أو "الهرطقة" ،يقول قطب: " إن منهج التلقي للتنفيذ والعمل هو الذي صنع الجيل الول ـ يقصِد الصّحابة ـ .ومنهج التلقي للدراسة والمتاع هو الذي خرّج الجيال التي تليه .وما من شك أن هذا العامل الثاني كان ل أساسيًا كذلك في اختلف الجيال كلها عن ذلك الجيل المميز الفريد" معالم ص .13 عام ً فالطاعة العمياء و التّقليد و العزلة هي الّتي تخلق "الجيل المثالي" حسب ما يراه قطب ،و أن عصور الترجمة و مدارس العقل من شيعة و معتزلة و حتى سنّة ،ل تساوي في نظره يوما من أيام "الفتوحات" و الستعمار السلمي للبلدان ،و لكن هنا يجدر بنا أيضا ملحظة هؤلء بشكل ساذج تماما مع أطروحة الدين ،فالدين هو أحد مكوّنات الشخصيّة و ليس المكوّن الوحيد ، ن للدّين حدودا يقف عندها ،و من ضمنها مجالت البداع العلمي و الفنّي ،فالدّين لديه كما أ ّ حدود ل يستطيع أن يتخطّاها ،بل إن قطب يجعل من السلم أقرب إلى السّحر حيث يقول: " لقـد كان الرجل حين يدخل في السلم يخلع على عتبته كل ماضيه في الجاهلية .كان ل كل النفصال عن يشعر في اللحظة التي يجيء فيها إلى السلم أنه يبدأ عهداً جديدًا ،منفص ً حياته التي عاشها في الجاهلية .وكان يقف من كل ما عهده في جاهليته موقف المستريب الشاك الحذر المتخوف ،الذي يحس أن كل هذا رجس ل يصلح للسلم ! وبهذا الحساس كان
يتلقى هَدْي السلم الجديد ،فإذا غلبته نفسه مرة ،وإذا اجتذبته عاداته مرة ،وإذا ضعف عن تكاليف السلم مرة ..شعر في الحال بالثم والخطيئة ،وأدرك في قرارة نفسه أنه في حاجة إلى التطهر مما وقع فيه ،وعاد يحاول من جديد أن يكون على وفق الهَدْي القرآني" معالم ص .14 و هذا يُناقض الحاديث و الواقع ،فكم من أُناس كانوا جيدين و مثاليين مع السلم أو بدونه ،يقول النبي محمد :خياركم في الجّاهليّة خياركم في السلم"! إما الفكرة التي يُحدّثنا عنها قطب فهي تذكّرنا بالدراما المصرية التي تصور الصحابة على أنّهم "ملئكة"! .و معلوم أن النسان هو مركّب مُعقّد من الرغبات و النزوات و الدّوافع ،و أيّ محاولة فوقية لتحويله إلى "ملك" هي محاولة فاشلة و غير مجدية ،النسان يتكامل حينما يحصل على شروط التكامل ، راتب جيّد ،سكن مضمون ،زوجة أو زوج مناسب ،حريّة ،و إحترام كرامته كإنسان ،إن السلم يعيش الن في أزمة حقيقية ،فقد أصبح أداة قمع و غير قابل للحوار ،فضل عن تحويله سنّي ل يملك مؤسسة شبيهة بالفاتيكان أو إلى "عقيدة غزو و حرب" ل تنتهي ،كما أن العالم ال ّ المرجعية الشيعية الّتي تتعاطى بالشأن العامّ ،بالتالي فإن العالم السنّي يترنح الن بسبب فوضى "الفتاوى" ،كما أن الفقيه السنّي عرف عنه تأريخيا أنه "فقيه السلطان" أو الحاكم ،حتّى أن الفقيه ل فقهي لكي يجامع "أمير المؤمنين"! غلمه و هو مرتاح الضّمير ،بل السنّي كان يبحث عن ح ّ إن محاولت القاعدة ،و قطب واحد من هؤلء ،لتخطّي هذه الصورة النمطية باءت بالفشل ،و القاعدة هي التّابع المشاغب لل سعود ،ففي الوقت الّذي كان فيه بن لدن يُصدِر فتاوى "التكفير" بحق آل سعود ،كان السّعوديون يدعمون نظام طالبان دبلوماسيا و سياسيا و كانت المملكة العربية السعودية إحدى ثلث دول إعترفت بنظام طالِبان التابع لبن لدن.
إن قطب ينتقد كثيرا ما يسمّيه "تقاليد المجتمع الجاهلي" بينما تظهِر لغته هذه بأنّه يرفض كل "تقليد غير إسلمي"! أما التقليد السلمي و الغباء السلمي و الظلم السلمي ،فكله مقبول لنه محصور في كلمة "إسلم ـ حسب الفهم الوهّابي طبعا" ،إن سيد قطب يؤمن فقط بسيد قطب و كأن هناك عالما خاصّا بسيد قطب ،يقول قطب: " نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها السلم أو أظلم .كل ما حولنا جاهلية ..تصورات الناس وعقائدهم ،عاداتهم وتقاليدهم ،موارد ثقافتهم ،فنونهم وآدابهم ،شرائعهم وقوانينهم .حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلمية ،ومراجع إسلمية ،وفلسفة إسلمية ، وتفكيرًا إسلميًا ..هو كذلك من صنع هذه الجاهلية !!" معالم ص .15 أو بالحرى يا سيد قطب فإن "الحياة" كلها "جاهلية" ،و النتيجة الطبيعية لهذا الفكر المريض هو "النتحار بالقنابل" و توزيع الموت ،إن الب الروحي لطالبان و القاعدة ليس "أُسامة بن لدن" ،بل هو قطب المريض بهوس خلق مجتمع يناسب ذوقه المريض ،إنه بصراحة يرفض أيّ نوع من التّسوية أو الحلول الوسطى ،بل ل بد من الهيمنة على المجتمعات ن فكرته الّتي استمدّها هنا من قراءاته الدّينية جيدة في أصل فكرته القائلة " :بأنّ ل و إلغائها ،إ ّ فرق بين طاغوت فارسي أو روماني أو عربي"! لكن الشكال يعود ثانية حينما نسأل :ما هو "الطاغوت"!! و طبعا تكون الجابة الدّائمة :أنّه كُل قانون ل يكون مصدره الشريعة"! بالتالي فكلمة "طاغوت" ل علقة لها بالطغاة أو المستبدّين ،بل إنهم ـ أي الوهابية و الصوليون المتطرّفون ـ يفسّرونها بأنّها :كُل قانون ل يُست َمدّ من الشريعة"! بمعنى أن الحاكم مهما كان مستبدا غشوما هو "حاكم شرعي" ما دام يُطبق مظاهِر الشريعة و حدودها ،سواء كان هذا الحاكِم هو "بن سعود" " ،بن لدن" أو "بن العاهرة" ـ مع إحترامنا و تقديرنا لكل العاهرات فهُنّ
أشرف من هؤلء الطغاة ـ بالتالي بدل من الستفادة من أمثال هذه اليات في دفع الظلم و تحقيق العدالة و المساواة ،تحول النّص الدّيني إلى عائق حقيقي أمام تحديث العالم السلمي. من هنا نلحظ مدى الدور السلبي الّذي يلعبه قطب و أمثاله في نشر الجمود الفكري و العقلي ،بمعنى أن النّص الّذي هو من المُفترض أنّه يصلُح لكُل زمان و مكان ،لم يعُد يصلح إل لحياة القرن السّابع الميلدي ،دون محاولة إيجاد معاني جديدة كامنة في ما وراء النّص. يحاول قطب في أن يصف في كتابه بعض العلقات الجنسية بين الرجل و المرأة في العصر الجاهلي في حديث نقله عن عائشة بنت أبي بكر ،ليُظهر لنا مثل على مدى النحطاط الخلقي الّذي كان سائدا آنذاك "معالم ص ."24 – 23لكن هذه المحاولة باءت بالفشل ،لن حقيقة الزواج لم تتحقق في المجتمعات السلمية ،و الزواج كما يشترطه الفقهاء هو "رضا الطرفين" ،بمعنى أنه يُناسب الزواج المدني الحديث ،لكن الزواج "السلمي" الرائج الن هو اغتصاب مُغلّف بشرعيّة كاذبة ،فغالبا ما ترضخ المرأة لزوجها بحكم المر الواقع. يقول قطب عن زمن النبي محمد: " وتطهرت النفوس والخلق ،وزكت القلوب والرواح ،دون أن يحتاج المر حتى للحدود والتعازير التي شرعها ال -إل في الندرة النادرة -لأن الرقابة قامت هناك في الضمائر ،ولأن الطمع في رضى ال وثوابه ،والحياء والخوف من غضبه وعقابه ،قد قاما مقام الرقابة ومكان العقوبات" معالم ص .25 ألَم أقل لكم أن الرجل يحلُم! إن كل فترة التاريخ السلمي المثالي ل تزيد على عامين ، هذا لو أخذنا المسألة بدءا بحكم النّبي محمد و إلى حين وفاته ،فطوال حكمه أو إدارته لم يكن له شيء من السلطة الدنيوية ،كالشرطة و السجون و جني الضرائب ،بل إن حكم النبي محمد كان
أقرب إلى "الطريقة السويسرية" منه بخلفاءه ،حتى أن قطب نفسه شكّ في أنه أقام أيّا من هذه الحدود الشرعية حينما قال ، ":دون أن يحتاج المر حتى للحدود والتعازير التي شرعها ال - إل في الندرة النادرة" و هذه الندرة النادرة ربّما كانت من الحاديث الّتي يُشك بها ،و لنّ السلم أصبح يتدخل في كُل صغيرة و كبيرة في حياة الناس "معالم ص "27فإنّه تحول إلى ثِقل حقيقي على كاهل المجتمعات الّتي تؤمن به. يتهكم قطب على الوليات المتحدة لنها لم تستطع منع الخمر ،بينما نجح السلم في منعها بعد أن نزلت فيها ثلث آيات متتالية ،إنها واحدة أُخرى من المحاولت البائسة الّتي يطرحها في كتابه ،فمقارنة مجتمع متعدد الديان و الحزاب و النتماءات في منتصف القرن العشرين بمجتمع آخر يسبقه بـ 14قرنا و يعاني من الجهل و العزلة ،هي حقّا مقارنة غير ن هذا المر ناجحة أو موفـّقة ،كما أننا ل نملك تعدادا أو إحصاءات لمجتمع النبي حتى نعرف أ ّ تحقق أم ل !! بل إن عمر بن الخطاب كان يذهب إلى الصلة و هو سكران. إذا كان قطب يريد حقا أن يحكم الرض "شرع ال"!! و من دون أن يتحكم إنسان في ي يُفسّر لهم ما يشكل من نصوص ،و البشر ،فعليه و على المؤمنين بمنهجه أن يبحثوا عن نب ّ بدون ذلك نعود إلى الشكال الول و هو "تحكّم البشر بالبشر" ،إذ سنعود إلى حيث بدأنا و هو : من يمِلك صلحية التفسير و الفتوى"! و قراءة بسيطة و متأنيّة لمدونات قطب و جماعة القاعدة تظهر بوضوح أن النبوة و العصمة لدى هؤلء تختص بقطب و بن لدن و من على منهجهم ن مجتمعهم "المثالي"! المزعوم كان منهج "طالبان" الّذي يكره الرهابي و الجرامي ،و أ ّ الحياة و البشر. إن قطب يُلغي دور العقل تماما ،و يلغي الجمال أيضا ،فعلى الجميع أن يطيع اليمان مهما كان هذا اليمان قبيحا أو قاسيا و غير واقعي ،يقول قطب: " إن نظام ال خير في ذاته ،لنه من شرع ال ..ولن يكون شرع العبيد يوم ًا كشرع ال ..ولكن هذه ليست قاعدة الدعوة .إن قاعدة الدعوة أن قبول شرع ال وحده أيّا كان ،ورفض كل شرع غيره أيّا كان ،هو ذاته السلم ،وليس للسلم مدلول سواه ،فمن رغب في السلم
ابتداء فقد فصل في القضية ،ولم يعد بحاجة إلى ترغيبه بجمال النظام وأفضليته ..فهذه إحدى بديهيات اليمان !" معالم ص .34 فل حاجة للناس ـ حسب عقله المريض ـ في نظام دقيق يساوي بين مواطنيه و يوفر لهم ل الحاجات النسانية ،فالمهم هو الجلد و القطع و الذّبح و تهميش المرأة و الحتفاظ بها في كل ك ّ البيت كحيوان مفيد جنسيا و طبخ الطعام و توفير الستقرار للمواطنين "المحاربين" الذين سينشرون رعب السلم و سياراته المفخخة في العالم أجمع! الكيد أيضا أن قطب هو عنصري من الطراز الول ،فهو جادّ في التهجم على النظمة الديمقراطية و حتى الشوعية ،لكنه صامت صمت القبور عن انتقاد أي نظام عربي أو إسلمي ،السعودية على وجه التحديد ،و هذا يعني أن الشرقيين و العرب هم ملئكة فوق النقد مهما أخطأوا ،أمّا الغربيون فهم ـ حسب قطب ـ أعداء يجب احتقارهم و حربهم مهما أبدعوا. إن صلحية السلم لكل زمان و مكان ـ حسب نظرية قطب ـ تكمن في البقاء على المجتمع جاهل و متخلفا و تصاغ هذه الجهالة و التخلف تحت عنوان "الفطرة" ،بالتالي ل يصلح ن هذا السلم للمجتمعات العقلية و المثقفة و الّتي ل تترك موضوعا دون أن تشبعه جدل ،إ ّ السلم "البدوي" القاسي لم يعد يصلح حتى للصحراء العربية نفسها ،فقد امتلت الصحراء بعلئم الحضارة من أبنية و خدمات و اتّصالت ،و أعتقد أن قطب هو ملهم أبشع نظرية دينية في التاريخ "تنظيم القاعدة" حيث يقول: " وإنه لمن الضروري لصحاب الدعوة السلمية أن يدركوا طبيعة هذا الدين ومنهجه في الحركة على هذا النحو الذي بينَّاه .ذلك ليعلموا أن مرحلة بناء العقيدة التي طالت في العهد المكي على هذا النحو ،لم تكن منعزلة عن مرحلة التكوين العملي للحركـة السلمية ،والبناء الواقعي للجماعة المسلمة .لم تكـن مرحلة تلقّي " النظرية " ودراستها ! ولكنها كانت مرحلة
البناء القاعدي للعقيدة وللجماعة وللحركة وللوجود الفعلي معاً ..وهكذا ينبغي أن تكون كلما أريد إعادة هذا البناء مرة أخرى" معالم ص .34 فما سمّاه هنا بـ"البناء القاعدي" هو الّذي جعل شخصا كـ"بن لدن" يختار اسم "القاعدة" ن سنّته السّيئة ،هي نهاية أو نتيجة لتنظيمه ،إن النهاية و النتيجة الّتي انتهى إليها قطب و من س ّ مغلوطة أو لنقل غير مفيدة ،بمعنى ـ و أنا هنا ل أناقش السلم كونه حقّا أو باطل ـ أن هذه النظرية تبدأ كمنهج دعوي شفهي و تنتهي بالعنف و الكراه و الجرام ،و بالتالي ل يكون هذا دينا بقدر ما هو نوع آخر من الطغيان و الدكتاتورية و الهيمنة بسم ال و المقدسات ،بل يبدو لنا قطب و هو ينظّر ها هنا و كأنه بصدد بناء عصابة إجرامية و ليس "جماعة دينية"! و كأن النبي محمد كان يتعامل مع السلم كـ"تكتيك" مرحلي لكي يقوم بعدها ـ حين يصبح قويا ـ بالنقلب على الواقع و بالقوة ،و محمد النبي ـ حسب نظرية قطب ـ يشبه هنا أدولف هتلر الّذي استغل النظام الدّيمقراطي ليُهيّء للنقلب النازي أو القوميين الّذين يقومون بانقلبات عسكرية هنا و هناك ،كما أن هذه النظرية هي الّتي جعلت خبراء الغرب و السياسيين في الوليات المتحدة يتردّدون في القيام بأيّ تغيير جذري في المنطقة المسلمة ،إذ يبدو قبول السلميين للليّات الديمقراطية و كأنه مجرّد "تكتيك" مرحلي و بمجرد أن تصبح لديهم القوة فإنهم سيطيحون بالديمقراطية "الكافرة ـ حسب تعبيرهم"! و يحولون هذه البلدان إلى قواعد "لهداية البشر إلى الذبح و سيارات التفخيخ". إن أبغض شيء إلى قطب و القاعدة هو "العقل" و استخدام المنطق و إعمال الذّهن ،يقول قطب: " وخطأ أي خطأ -بالقياس إلى السلم -أن تتبلور العقيدة في صورة " نظرية " مجردة للدراسة الذهنية ..المعرفية الثقافية ..بل خطر أي خطر كذلك .
إن القرآن لم يقض ثلثة عشر عام ًا كاملة في بناء العقيدة بسبب أنه كان يتنزل للمرة الولى ..كل ! فلو أراد ال لنزل هذا القرآن جملة واحدة ،ثم ترك أصحابه يدرسونه ثلثة عشر عاماً ،أو أكثر أو أقل ،حتى يستوعبوا " النظرية السلمية " . ولكن ال -سبحانه -كان يريد أمرًا آخر ،كان يريد منهج ًا معين ًا متفرداً .كان يريد بناء جماعة وبناء حركة وبناء عقيدة في وقت واحد" معالم ص .34 و من الواضح أنّ قطب يعتبر حديث القرآن و النبي محمد عن "العقل" و "أولي اللباب ـ العقول" هو محض هراء و أكاذيب ل صلة لها بالواقع ،و تذكّرت و أنا أقرأ عبارات قطب شعارا من شعارات "حزب البعث الدكتاتوري" الّذي كان يُردّد :نفّذ و ل تناقش"! فالطاعة العمياء هي الساس الول لهذا المنهج التفجيري ،و نحن نطرح هنا سؤال :إذا لم يكن السلم خاضعا للذهن و العقل و المنطق ؟! فكيف تسنّى لجيل النبي محمد و لقطب و جماعته أن يعرفوا ق أو باطل ؟! الكيد أنهم ل يملكون هذا الجواب لنهم بمجرد أن يعترفوا و لو بدور ن السلم ح ّ أّ بسيط للعقل فإن نظريّتهم تنهار في الحال ،و لنهم يؤمنون فقط بـ"العقيدة المهيمنة" فمن الطبيعي أن يرفضوا أي دور للعقل أو الحوار ،حتى مع المسلمين ،فالشيعة و المعتزلة و الخوارج و الحمدية القاديانية هم مجموعة "كفّار"! ينتظرون في طابور الختيار بين "الذّبح أو السلم"! هذا فضل عن اليهود و المسيحيين و البوذيين و ..إلخ ،بمعنى أن بضعة مليين فقط من البشرية ستتمكن من الحياة في ظل النظرية ،بينما يُرسل 6مليار إنسان إلى الموت!. إن كلمات "الواقعية" " ،الحياة" " ،الحركة" و "الحراك الجتماعي" الّتي يرددها قطب ، ليست إل كلمات ل علقة لها بالمعاني ،إل كعلقة صهيل الحصان بتلك المعاني ،فبمجرد أن رفض "الذهن" و "العقل" ألغى أي فارق حقيقي بين دينه و أديان الخرين ،و تكون النتيجة أن البشرية ستفنى لو فكر اليهود و المسيحيون و البوذيون في صياغة أديانهم على نمط هذه النظرية
الّتي تؤمن بدون الرّجوع إلى أي أُسس عقلنية و فرض قناعاتها بالقوة ل بالعقل و الحكمة ،بل ستحل المصيبة بالمسلمين لن الشرق و الغرب يملكان مئات القنابل النووية الّتي ستمحو هذه الشعوب في غضون ساعات ،يقول قطب: " إن التصور الٍسلمي لللوهية ،وللوجود الكوني ،وللحياة ،وللنسان ..تصور شامل كامل .ولكنه كذلك تصور واقعي إيجابي .وهو يكره -بطبيعته -أن يتمثل في مجرد تصور ذهني معرفي ،لن هذا يخالف طبيعته وغايته .ويجب أن يتمثل في أناسى ،وفي تنظيم حي ،وفي حركة واقعية ..وطريقته في التكون أن ينمو من خلل الناسى والتنظيم الحي والحركة الواقعية ،حتى يكتمل نظرياً في نفس الوقت الذي يكتمل فيه واقعياً -ول ينفصل في صورة " النظرية " بل يظل ممثلً في صورة " الواقع " الحركي "..معالم ص .36 هرب قطب من "العقل" و "المنطق" إلى "عقل و منطق" آخر هو بالتالي نقيض النقيض ، إذ وجد أن الل عقلية ستعني أنه ل فارق بينه و بين أيّ حيوان ،فلجأ مرة أُخرى إلى "تصوّر" ، و طبعا لم يستخدم كلمة "منطق" الّتي يكرهها ،و هذا التصور ل يُفهَم إل على أنه "ضد العقل" أو "منطق الل منطق" ،كما أن إسلمه هو ضد كل ما يحترم "الخر" ،و كأن قطب و أتباعه أرادوا أن يقوموا بدور "ال" فيزيلوا الخرين ـ مع أن ال تحاور مع الشيطان حسب القرآن الكريم و أعطاه مهلة للف السنين ـ و بالتالي ينعكس "توحيد الُلوهية" على "توحيد الحكومة و العقيدة" ،و من الطبيعي أن تنقسم هذه التنظيمات السلموية و تقتل بعضها البعض ـ أفغانستان مثال ـ لن كل أحد منهم يعتبر نفسه وكيل ل و محيطا بالحقيقة الكاملة. لكن لغة قطب لم تنجو من صيغة التّشكيك ،و هو لم يشعر بها ،فكلمة "تصوّر" هي أضعف مدلول من كلمة "نظرية" أو "منطق" ،فالتّصوّر هو نوع من الظن بمعنى أنه "جزئي" ،و يحدث التّناقض حينما يصف قطب هذا "التّصوّر السلمي"! بأنه :شامل كامل "..و
هذا يُناقض مفهوم و مدلول كلمة "تصوّر" ،إنها و بشكل أوضح كلمات "شاعر" خيالي ،يريد أن يحوّل أوهامه إلى واقع ،و قطب يضع نفسه في ضمن هذه "النخبة ال ّربّانيّة" الّتي تفكر بالمنهج اللهي الشّامل و الكامل ،يقول: " إن وظيفة المنهج الرباني أن يعطينا -نحن أصحاب الدعوة السلمية -منهجاً خاصاً للتفكير ،نبرأ به من رواسب مناهج التفكير الجاهلية السائدة في الرض ،والتي تضغط على عقولنا ،وتترسب في ثقافتنا ..فإذا نحن أردنا أن نتناول هذا الدين بمنهج تفكير غريب عن طبيعته ،من مناهج التفكير الجاهلية الغالبة ،كنا قد أبطلنا وظيفته التي جاء ليؤديها للبشرية ، وحرمنا أنفسنا فرصة الخلص من ضغط المنهج الجاهلي السائد في عصرنا ،وفرصة الخلص من رواسبه في عقولنا وتكويننا" معالم ص .38 فقطب و من على شاكلته ،هم وحدهم المهيمنون و الوكلء و المفسّرون لدين ال و للنبي و ن كل ما هو غير هذا المنهج هو باطل و واجب القتل و البادة ل يحق لحدٍ أن يعترض حينها ،ل ّ ن فكر الهيمنة و السّيطرة هو لُبّ و خُلصة هذه النظريّة ،من هنا فل مجال أبدا و السحق ،إ ّ للحوار أو التّفاهم مع هذا الخط الّذي ل يفهم إل أمرا واحدا و أُسلوبا واحدا هو "العنف و الصراع" إلى أن يُدمّر العالم أو ُي َدمّر ُه العالم ،و قُطب يريد من النّاس أن يُجسّدوا "العقيدة" حتّى ل النظريات الفكرية ،بل إن إستدلله بنزول قبل أن يعرفوها ،و هذا نقيض الواقع و المنطق و كُ ّ القرآن على فترات ينفي نظريّته و ل يُثبتها ،بمعنى أن هذا القرآن الّذي نزل على فترات: ل } [ السراء ] 106 : ث وَنَزّلْنَاهُ تَ ْنزِي ً { وَ ُقرْآنًا فَ َرقْنَاهُ لِ َتقْ َرأَهُ عَلَى النّاسِ عَلَى ُمكْ ٍ And )it is( a Quran which We have divided )into parts(, in order that you might recite it to men at intervals. And We have revealed it by stages. .sorah of Israe 106 هو لغرض "الستيعاب العقلي" و ليس العكس.
إن أول كلمات تراثيّة يستشهد بها قطب في كتابه ،هي كلمات "إبن قيّم الجوزيّة" أحد مؤسسي الفكر الرهابي السلفي ،و ذلك في فصل كتبه عن "الجِهاد" معالم ص 50و من خلل هذا الفصل يتضح أنّ غاية النظرية و نهايتها تتلخص في كلمتين "السلم أو القتال"! بالتّالي و كما قلنا سابقا أن ل فائدة من الحوار مع هؤلء ،بل على العالم المتحضر حربهم بالفكر و السّلح إلى أن يتم القضاء عليهم. نعود إلى مسألة إيجاد إصلح داخل هذه الحركات السلمية ،فهناك جملة شروط ل بُد و أن تتوفر لكي ينضموا إلى الحراك السياسي ،و القتباس هنا يتعلق بإخوان مصر ،و قد طرحها الخوانيون أنفسهم: "-1 :إعلن الجماعة أن الدستور هو المرجعية العليا للنظام السياسي -2 ،أن نعلن الجماعة عن رغبتها أن تكون حزباً سياسيًا شرعياً وليس جماعة دينية -3 ،أن البرلمان هو الجهة الوحيدة للتشريع فى البلد -4 ،أنها مثل أى حزب شرعي تؤمن بأن الوصول إلى السلطة والحكم يتم عن طريق الصندوق النتخابى وليس عن طريق أى أسلوب آخر -5 ،أنها لو فرضنا و وصلت للحكم فإنها تلتزم بعدم الخلل بقواعد الحكم الديمقراطى القائم على تداول السلطة لمن يملك الغلبية و استحقها من خلل الصندوق النتخابى و كافة الوسائل الديمقراطية المتعارف عليها -6 .أنها تلتزم بكافة المواثيق و المعاهدات و التفاقات القليمية و الدولية التى وقعتها الحكومات المصرية متعاقبة" التاريخ السري ص 50 هذه النقاط ستشكل فعل ـ لو حدث ذلك طبعا ـ خطوة أساسية أولى تفتح البواب نحو التغيير في أنماط الفكر السائد و القائم على الهيمنة و رفض الخر ،إذ ليس هناك من هو في حاجة إلى الحرية كما هم "أي السلميون" في حاجة لحرية التعبير ،لكن المشكلة مرة أخرى هو في سيادة المنهج السلمي التقليدي المتطرف و الذي يعتبر الحرب و المواجهة أساسا و السلم و التفاهم استثناءا ،و اعتناق سيد قطب للمذهب الوهابي هو الذي رسخ عقيدة التكفير و الكراهية لدى السلميين و جعلهم في حرب دائمة ضد التغيير و ضد الداخل و الخارج ،كما أن إعدام سيد قطب من قِبل نظام عبد الناصر ،جعله شهيدا في أعين أنصاره من الرهابيين و المتطرفين ،و لو لم يُعدم لمات كأي مجنون أو معتوه متطرف. يقول المفكر مختار قاسم و هو أحد المشاركين في منتدى (السلم و الصلح : )2005 " وحتى هذه اللحظة لم يُعلن الخوان صراحة ،ما إذا كانت فتوى مفتي الجماعة قد ُنسِخَت أو حتى نُ ّقحَت أم مازالت سارية المفعول ،علوة أن الحجج التي يذكرها أنصار التيار الديني السياسي من واقع النصوص .تتجاهل حقيقة أن البشر هم الذين يطبقون النصوص ويفسرونها حسب مقتضيات الحوال وأن مكتب الرشاد (أعلى سلطة في الجماعة) لم يعتمد هذه الرؤى المتقدمة كموقف استراتيجي للجماعة ،فهناك نصوص مغايرة يقول بها بعض مناظريهم وتثير البلبلة حول وجهات نظرهم الحقيقية مع السلم ،فل نعتقد أن أحداً لديه مشكلة وإنمًا المشكلة مع بعض اجتهادات وقناعات ممثلي الحل السلمي .فالشكالية كيف نؤصل حقوق القباط على
أرضية المواطنة تاريخياً وقانونياً؟ إن هذه عملية معقدة تحتاج إلى مبادرات خلقة من كل الطراف .وإعادة هندسة البنية التشريعية والقانونية لتخليق انتخابات سياسية تجعل القتراع العام على أسس الكفاءة والموهبة والبرامج .وساعتها يمكن أن يعزز العمل السياسي والمدني قيادات جديدة بعيدة عن سيطرة المؤسسات الدينية ورجال الكهنوت .أما النكتة التي أضحكتنا فهي أن السيد محمود غزلن ربما ل يدري أن المسيحية تحرم شرب الخمر وأكل الخنزير ،وعلى هذا فإن تنازلته بالنسبة للقباط في هذا المجال ستذهب أدراج الرياح .على محمود غزلن أن يقرأ ل في العهد القديم .إذا أراد أن يتحدث عن حقوق المسيحيين ،أو يجيب عن المعضلة التي قلي ً تتناقض مع رؤيته المستنيرة .لماذا لم يرشح الخوان عدد من القباط على قوائمهم في انتخابات 2005؟ أو يدعموا عدد من الشخصيات القبطية البارزة كمنى مكرم عبيد أو منير فخري عبد النور؟ مجرد سؤال نطرحه قبل انتخابات 2010أو ربما قبلها بكثير" .ص 97و 98 إن تعامل السلميين مع القليات غير السلمية ل زال ينمّ عن "تسامح مصطنع" أو بعبارة أوضح يبدو لنا أن هذا التسامح "و هو لحدّ الن تسامح إعلمي فقط" يُقدّم و كأنه هبة أو منّة يمنّها المسلمون على الخرين ،كما أن صيغة المطالبة بـ"حاكم مسلم"!! هو أحد أخطر مظاهر الفاشية السلمية ،و مؤخرا في العراق و عندما عبر المرجع الشيعي العلى السيد السيستاني عن قبوله برئيس "مسيحي" للعراق ،خرجت تظاهرات سنية مطالبة بإدراج "أن الحاكم يجب أن يكون مسلما". لربما لم يكن من الغريب ،قبل خمسة قرون من الن ،أن تدفع أقلية أو مجموعة دينية أو عرقية جزية أو ضريبة للدولة أو السلطة ،لكن في عصر لم يعد فيه أحد يستطيع العيش منعزل دون التعامل مع الغير و خلق مساواة حقيقية بين المواطنين لتطوير مفهوم الدولة و أن مسألة الجنة و النار و يوم الحساب هي من حق ال وحده و ليس لحد أن يجعل من نفسه وكيل ل ،ل بد من تغيير هذه العقلية ،فمن جهة يُصرّ السلميون على ما يُسمّى بالحكم السلمي بحجة "أن المسلمين أكثرية" دون اللتفات إلى أن المسلمين هم أقلية في العالم ،فالكاثوليك وحدهم يعادلون العالم السلمي ،هذا فضل عن البروتستانت و الرثودوكس و الديان الخري كالبوذيين و الهندوس و اليهود ،بالضافة إلى الل دينيين و الملحدين.
السلميون في العراق يشكل العراق أحد أهم دول المنطقة الشرق أوسطية ،من هنا فطنت الوليات المتحدة إلى أهمية بدأ التغيير في المنطقة من خلل العراق ،و مشكلة عراق ما بعد صدام تكمن في هيمنة تيارين إسلميين متعاديين "الشيعي ـ السني" و ظهور معادلة أخرى في الساحة العراقية ،و أعتقد أن الساحة الكردية أيضا ستشهد انحسارا للتيار العلماني ـ أو الذي يدّعي العلمانية ـ و طغيان التطرف السلمي بسبب إخفاق العلمانية و اللبرالية في تحقيق رفاهية للمواطنين ،كما أن كلّ التجارب الستبدادية الفاشية الطائفية قامت تحت شعار "العلمانية" أو المفهوم الوطني للدولة العراقية و هذا ما شوّه كلمة "علمانية" في العقل العراقي و جعله يُنظر بعين الرّيبة و الشّك إلى ل من يدعوا إلى فصل الدّين عن النظام السّياسي. كّ من هنا كان ردّ الفعل الشعبي باتجاه احتضان السلميين "الشيعة منهم خصوصا" ،لكنني أعتقد أن التيار السلمي الشيعي "حزب الدعوة السلمية" تحديدا ،قد خطى خطوات جبارة باتجاه الديمقراطية في العراق ،صحيح أن هذا التيار السلمي الشيعي يحوي متطرفين ،لكن الخط العام منسجم مع مفاهيم الدولة الديمقراطية "النتخاب" " ،حرية العقيدة و التعبير" " ،حرية التظاهر السلمي" و أيضا "حرية التجارة" ،كما أن اعتراف "المجلس العلى للثورة السلمية
في العراق" الّذي تحول إلى "المجلس العلى السلمي العراقي" بتداول السّلطة سلميا و عبر الدّيمقراطية و حذف كلمة "ثورة" من شعار الحزب و اتّخاذه المرجعية النجفيّة العراقيّة كقدوة ، كل هذا كان خطوات جيّدة بالرغم أنّي كنت أُفضّل لو كان تمّ تغيير في قمّة الهرم للمجلس أسوة بحزب الدّعوة الّذي انتخب نوري المالكي أمينا عاما للحزب خلفا لبراهيم الجعفري ترسيخا للديمقراطية ،بينما التيار السلمي السني "العربي و الكردي" يعتبر الديمقراطية نوعا من الكفر و الخروج عن السلم ،باستثناء تحول طفيف في الحزب السلمي العراقي باتجاه المنظومة الديمقراطية. المشكلة التي يعيشها العراق الن هو كيف نفض الشتباك الديني و القومي ،فالصراع ليس حصرا بين سنة و شيعة كما يظن كثيرون ،فحتى الصراع القومي في العراق يرتدي زيّا دينيا و يسخّر "الدين" لصالح العصابات القومية و المليشيات العنصرية التي تريد "استعادة"!! مناطق محتلة من قبل قومية أخرى كانت نظريتها العنصرية تحكم العراق ذات يوم ،لقد أخطأ المجتمع الدولي خطأ كبيرا حينما منع "شيعة العراق" من تشكيل حكومة ـ فهم الغلبية و الغلبية هي التي تحكم مع مراعاة حقوق القليات ـ لكن عندما حُشر الخرون حشرا في الحكومة تحت شعار "حكومة الوحدة الوطنية" ،شاع مفهوم خاطيء لدى الطراف السياسية ،و هو أن العراق "كعكة" يجب أن يقتسمها الجميع ،و كان هذا نقطة لصالح القاعدة و حركات الرهاب الخرى ، إذ أوجد هذا شرخا كبيرا في كيان الدولة العراقية و كأن الشيعة "مشكوك في ولئهم الوطني"!! حسب المفهوم الجديد السائد. تتسم الحركات السلمية الشيعية بميولها الوطنية ،لكنها تتفاوت في ذلك بسبب قوّة الحِس الدّيني (و قد أشارت السيدة Phebe Marrإلى هذه النقطة عبر تقرير خاص أصدرته لصالح معهد السلم المريكي و التقرير متوفر على الموقع ، ) www.usip.orgفحزب الدعوة السلمية معروف عنه أنه أكثر تركيزا على الجانب الوطني "النتماء إلى العراق" من سائر الحركات كـ"المجلس العلى" و "التيار الصدري" ،بالرغم من وجود بقايا لفكار الماضي الممية و رغم أن حزب الدعوة خطى خطوات مهمة في النسجام مع آليات الديمقراطية في عراق ما بعد الطاحة بصدام ،لكن هذا الحزب يحتاج إلى المزيد من التطوير و أعتقد أن هذا ما سيحدث تراكميا عبر الممارسة السياسية. و ما يُهمني هنا الن هو مراجعة سريعة لطروحات الصدر الول ،و أنا لن أنطلق في النقد إل و أنا أعلم اليقين أن السيد الشهيد الصدر الول لو كان حيا لرحب بكل نقد ،إنطلقا من فهم الخط الشيعي العام لمسألة تطوير الفكار كنوع من ممارسة الجتهاد العقلي و حرصا منّي على أن أُفيد الخوة في "حزب الدعوة السلمية" باتجاه تنشيط الممارسة الديمقراطية في داخله و دفعا لسيادة "التقليد" و الجمود ،و نحن نعلم أن العلمة الحلّي " الحسن بن يوسف المطهر (ت 726قام بنقد أفكار و اجتهادات العلمة نصير الدين الطوسي رغم عظمته الفقهية لكي ل يسود "التقليد" و بفضل عمله هذا استمرت ظاهرة الجتهاد في الوسط الشيعي ،في حين توقف السنيون في إعمال عقولهم و فضّلوا التقليد ،ففي كتابه القيّم "فلسفتنا" يطرح الصدر نقدا سريعا للرأسمالية الغربية ،بينما كان نقده يكاد يكون مفصّل للنظامين "الشتراكي" و "الشيوعي" ،و هي إشارة واضحة إلى أن سلبيات "النظم الغربية الديمقراطية الرأسمالية" ل تكاد تُقارن بالنظم "الشتراكية الشيوعية الدكتاتورية" ،و انحصر نقد الصدر الول للحضارة الغربية في جزئية هي "دور الدين في الدولة"!! ،لكن يبدو لي أنه هو نفسه ـ أي الصدر الول ـ لم يكن مقتنعا بنقده للغرب. يقول محمد باقر الصدر في كتابه "فلسفتنا" عن النظام الرأسمالي الديمقراطي :
" هذا النظام الذي أطاح بلون من
الظلم ف الياة القتصادية ,وبالكم الدكتاتوري ف الياة السياسية .وبمود الكنيسة وما إليها ف الياة الفكرية ,وهيأ مقاليد الكم والنفوذ لفئة حاكمة
جديدة حلت مل السابقي ,وقامت بنفس دورهم الجتماعي ف أسلوب جديد.
وقد قامت الديقراطية الرأسالية على اليان بالفرد إيانا ل حد له .وبان مصاله الاصة بنفسها تكفل ـ
بصورة طبيعية ـ مصلحة الجتمع ف متلف
اليادين" ص .13 فالسيد الصدر ها هنا يكاد يجزم أن النظام الغربي يكاد يكون القرب إلى ذات النسان بفضل توفيره للحريات الساسية و التي تكاد تتحرك في إطارها الطبيعي "الفِطري" و الذي يمنع احتكار فئة معينة من الناس أن تحتكر ال و الدين و الحقيقة لنفسها ،و أن مفهوم "الظلم" و "العدل" يبقى مسألة نسبية ـ ما لم تخرج عن الحد الطبيعي ـ فالعدام لبعض مرتكبي الجرائم الكبرى ،هو أمر طبيعي و ل غبار عليه في بعض المجتمعات ،بينما تعتبر مجتمعات أُخرى أن العدام عقوبة جديرة باللغاء و أن إلغاء الحياة أفظع من الجريمة المرتكبة ،كما أن المجتمعات السلمية نفسها تتفاوت في هذا الشأن ،ففي بعض البلدان نجد أن "الزواج المؤقت" أو "المتعة" مقبولة اجتماعيا و تعتبر حل لكثير من المشاكل الخلقية ،بينما نجد مجتمعا إسلميا آخر يعتبرها أمرا مشينا و ظالما ،و لست هنا بصدد مناقشة الموضوع من حيث الدلة الفقهية الشرعية ،لكننا نناقش الموضوع من حيث نسبية الخلق. و يلخص الصدر أهداف النظام الديمقراطي في حماية الُسس الربعة " السياسية, والقتصادية ,والفكرية ,والشخصية" فلسفتنا ص . 14 و هي كما ترى من أساسيات أو الثوابت المنطقية و الواقعية التي يقوم عليها أي مجتمع ، فالحرية السياسية تكفل حق العمل السياسي و الحزبي للجميع ،و الحرية القتصادية تمنع أي طرف من احتكار السوق و بالتالي تتحكم الحريات الخرى بالسوق من حيث الوضوح و كشف الفساد أو جوانب القصور ،بينما تقوم الحرية الفكرية على أساس أن من حق كل الفكار أن تتنافس ما لم تلجأ إلى الوسائل غير الفكرية كـ"العنف" أو "الكراه" أو أي نوع من التهديد ،و هو المر الذي لم تستطع القيام به أي دولة دينية "إسلمية أو مسيحية أو أي دين آخر" ،من هنا كان من الحتمي أن تكون الرأسمالية الديمقراطية ـ رغم عيوبها ـ أفضل نظام عرفه التاريخ. يقول الصدر ـ المصدر السابق ص :14 " فالحرية السياسية ـ يعني في النظام الديمقراطي ـ تجعل لكل فرد كلماً مسموعاً ورأياً محترماً في تقرير الحياة العامة للمة :وضع خططها ,ورسم قوانينها ,وتعيين السلطات القائمة لحمايتها .وذلك لن النظام الجتماعي للمة ,والجهاز الحاكم فيها ,مسألة تتصل اتصالً مباشراً بحياة كل فرد من أفرادها ,وتؤثر تأثيراً حاسماً في سعادته أو شقائه ,فمن الطبيعي حينئذ أن يكون لكل فرد حق المشاركة في بناء النظام والحكم.
وإذا كانت المسألة الجتماعية ـ كما قلنا مسألة حياة أو موت ,ومسألة سعادة أو شقاء للمواطنين ,الذين تسري عليهم القوانين والنظمة العامة... فمن الطبيعي ,أيضاً أن ل يباح الضطلع بمسؤوليتها لفرد ,أو لمجموعة خاصة من الفراد ـ مهما كانت الظروف ـ ما دام لم يوجد الفرد الذي يرتفع في نزاهة قصده ورجاحة عقله ,على الهواء والخطاء. فل بد إذن من إعلن المساواة التامة في الحقوق السياسية بين المواطنين كافة ,لنهم يتساوون في تحمل نتائج المسألة الجتماعية ,والخضوع لمقتضيات السلطات التشريعية والتنفيذية .وعلى هذا الساس قام حق التصويت ومبدأ النتخاب العام ,الذي يضمن انبثاق الجهاز الحاكم ـ بكل سلطاته وشعبه ـ عن أكثرية المواطنين". إذا كنا نبحث ها هنا ،كما فعل السيد الصدر ،عن الفرد الذي يرتفع "في نزاهته" فوق الهواء و الخطاء ؟!! فإن هذا الشخص أو النوع من الفرد ل يوجد إل في مجتمع "المدينة الفاضلة" المثالية التي خلقها أفلطون و الفارابي و أربابهما من الفلسفة الحالمين ،و لكن النسان الواقعي يبقى صاحب هوى و شهوة و رغبات ،بل إن السيد الصدر نفسه في كتابه ب الذّات" قبل أن يكون الجنس ـ حسب نظرية اقتصادنا يوضح أن مركز حركة التاريخ هو "حُ ّ فرويد ـ أو القتصاد ـ حسب كارل ماركس ـ ،بالتالي فإن أفضل ما يمكن للنسان أن يقوم به هنا هو إيجاد آليات لتنظيم العلقة بين "الفراد" و إيجاد نوع من الرقابة الجتماعية و الشعبية على الفراد المتنفذين في القرار و من هنا نجد أن العلقة بين الحاكم و المحكوم في النظام الديمقراطي ل تعدو كونها علقة أخرى بين فردين ،بل إن الفرد المسئول أكثر عرضة للهانة و النقد من المواطن العادي ،كون المسئولية تعني إلغاء أي نوع من الحصانة. يقول الصدر "المصدر السابق ص :"15 – 14 " والحرية القتصادية ترتكز على اليمان بالقتصاد الحر ,وتقرر فتح جميع البواب, وتهيئة كل الميادين ...أمام المواطن في المجال القتصادي .فيباح التملك للستهلك وللنتاج معاً ,وتباح هذه الملكية النتاجية التي يتكون منها رأس المال من غير حد وتقييد ,وللجميع على حد سواء .فلكل فرد مطلق الحرية في إنتاج أي أسلوب وسلوك أي طريق ,لكسب الثروة وتضخيمها, ومضاعفاتها ,على ضوء مصالحه ومنافعه الشخصية. وفي زعم بعض المدافعين عن هذه الحرية القتصادية أن قوانين القتصاد السياسي ,التي تجري على أصول عامة بصورة طبيعية ,كفيلة بسعادة المجتمع وحفظ التوازن القتصادي فيه ...وإن المصلحة الشخصية ,التي هي الحافز القوي والهدف الحقيقي للفرد في عمله ونشاطه ,هي خير ضمان للمصلحة الجتماعية العامة وإن التنافس الذي يقوم في السوق الحرة ,نتيجة لتساوي المنتجين والمتجرين في حقهم من الحرية القتصادية ,يكفي وحده لتحقيق روح العدل والنصاف ,في شتى التفاقات والمعاملت .فالقوانين الطبيعية للقتصاد ل ـ في حفظ المستوى الطبيعي للثمن ,بصورة تكاد أن تكون آلية, تتدخل ـ مث ً وذلك أن الثمن إذا ارتفع عن حدوده الطبيعية العادلة ,انخفض الطلب بحكم القانون الطبيعي الذي يحكم بأن ارتفاع الثمن يؤثر في انخفاض
الطلب ,وانخفاض الطب بدوره يقوم بتخفيض الثمن ,تحقيقاً لقانون طبيعي آخر ,ول يتركه حتى ينخفض به إلى مستواه السابق ويزول الشذوذ بذلك". نود ها هنا أن نعقّـب على كلم الشهيد الصدر الول بالقول أن هذا النقد النظري يقوم على افتراض هو ناتج عن مقارنة خاطئة بين الشيوعية كـ"آيدولوجيا" تدعي و تزعم الكمال المطلق و تتعامل مع الواقع و المجتمع بشمولية ل تختلف كثيرا عن النظم الدينية و اليمانية التي تنظر إلى المجتمع و علقاته القتصادية و السياسية بفوقية واضحة ،بينما الرأسمالية كنظام ديمقراطي ل تدّعي أن القوانين و العلقات الرأسمالية كاملة و ل عيب فيها ،لكن النظام الرأسمالي الغربي الذي يرتكز على الحرية و حقوق النسان ،يقوم بإزالة كل ما هو قبيح و شائن في العلقة الرأسمالية من خلل حماية المستهلك و الطبقة الفقيرة عبر فرض ضرائب كبيرة على الرساميل الضخمة لتتحول إلى نفقات للرعاية الجتماعية و الضمانات المتعددة "كضمان السكن و الصحة و توفير مقومات الحياة الساسية" ،فالرأسمالية المتطرفة في الحقيقة ليست موجودة في ما هو مطبق في النظمة الديمقراطية ،فكثير من الدول الرأسمالية ،كالمملكة المتحدة البريطانية و السويد و النروج و غيرها ،أضافت إلى قوانينها تعديلت عدة لخلق توازن بين حرية التجارة و التبادل القتصادي و بين حقوق الفراد و مكونات المجتمع ،مع ملحظة أن الطبقية ـ خصوصا في مظاهرها البشعة ـ تكاد أو أنها فعل اختفت في الدول الغربية ،بينما الطبقية موجودة و بشكل سافر في النظمة الفوضوية و الشرقية السلمية و الشتراكية. و يضيف الصدر قائل: " والتنافس يقتضي ـ بصورة طبيعية ـ تحديد أثمان البضائع وأجور العمال والمستخدمين بشكل عادل ,ل ظلم فيه ول إجحاف .لن كل بائع أو منتج يخشى من رفع أثمان بضائعه ,أو تخفيض أجور عماله ,بسبب منافسة الخرين له من البائعين والمنتجين ".المصدر السابق ص .15 إن التنافس القتصادي ل يجري هكذا في الدول الغربية ،إذ ل يكفي أن نطلع على النظريات القتصادية المكتوبة و المسطرة في كتب ،و نحكم عليها كما فعل الفلسفة القدماء الذين كانوا يستعملون "النظر و الستنتاج العقلي" دون متابعة الفكرة في أجواء تطبيقها على أرض الواقع و في ظل المحيط القانوني للتطبيق ،من هنا نجد أن هناك اسنتاجا مختلفا عن أي قضية إذا كانت نتيجة عن نظر محض ،بينما تكون نتيجة الستنتاج مختلفة في ظل التجربة و التطبيق الواقعي ، من هنا تختلف الديمقراطية الرأسمالية عن المجتمعات و النظمة الشمولية في كونها تطرح كل المواضيع و المشاكل على بساط البحث و النقد و عبر كافة وسائل العلم الحرة ،و مهما قيل عن تبعية وسائل العلم هذه لجهات رأسمالية ،يبقى هناك إعلم آخر تابع للدولة و لمصالح أخرى منافسة تعطي المجال الفسيح للتعبير. إن الملئمة بين النظام الرأسمالي الديمقراطي القائم على حفظ حقوق الفرد و بين السلم كحرية اختيار فردية ،سيشكل التحدي الرئيسي و الواقعي لمستقبل العلقة بين إشكالية الدين و الدولة في العالم السلمي و العراق على وجه التحديد ،و من خلل رؤيتنا إلى أن رؤية الصدر ـ و هو مؤسس حزب الدعوة ـ للرأسمالية الديمقراطية لم تكن تنم عن مواجهة ،فيما يبدو كونه اختلفا جذريا عن الرؤية التي طرحها الخمينيون تجاه الغرب و الوليات المتحدة تحديدا ،و يبدو من هنا لماذا استطاع حزب الدعوة أن يُكيّف المصالح العراقية مع مصالح الوليات المتحدة و الغرب الذي قاد عملية التغيير. يقول الصدر بعد انتهائه من سرد السس التي قام عليها النظام الرأسمالي الغربي:
" هذه هي الديمقراطية الرأسمالية في ركائزها الساسية ,التي قامت من اجلها جملة من الثورات ,وجاهد في سبيلها كثير من الشعوب والمم .في ظل قادة كانوا حين يعبرون عن هذا النظام الجديد ويعدونهم بمحاسنه ,يصفون الجنة في نعيمها وسعادتها ,وما تحفل به من انطلق وهناء وكرامة وثراء .وقد أجريت عليها بعد ذلك عدة من التعديلت ,غير أنها لم تمس جوهرها بالصميم ,بل بقيت محتفظة بأهم ركائزها وأسسها ".فلسفتنا ص .16 إن هذه العبارات و أن بدى من خللها بعض "التحامل" أو عدم الرضا ،إل أنها ل تنم عن رفض قطعي و كلي ،بل يُظهر أن السيد الصدر الول يختلف مع المنظومة الغربية الديمقراطية الرأسمالية في بعض الموارد ،فالسلم يؤمن بالسوق الحرة و إن فرض عليها بعض القيود المانعة للحتكار ،و إن كنت أعتقد أنه ل توجد صيغة أو نظرية متكاملة لما يمكن تسميته "إقتصادا إسلمية"؟ فهذا يتوقف على ما يخرج به الباحث من آراء قد يتقبلها البعض و يرفضها آخرون ،بل إن المسلمين ـ حالهم حال كل المتدينين ،وجدوا في ظل النظام الديمقراطي الرأسمالي حرية و كرامة أكثر من الدول "السلمية" نفسها. ل السلمي" كبحث عن هوية أو إنتماء و لكن يبقى السيد الصدر الول يطرح موضوع "الح ّ للمنطقة ،دون أن يُطرح السؤال الهم و هو :لماذا يطرح السلميون دينهم كـ"بديل" لكل شيء ،و لماذا نجعل "القتصاد السلمي" كندّ و خصم للقتصاد الرأسمالي ،بينما الرأسمالية ل تدّعي أو تزعم أنها "رأسمالية مسيحية" أو "يهودية"!! فلماذا لم يقُم السلميون ،من ضمنهم السيد الصدر الول ،بخلق ظروف إقتصادية و بنفس النسق و الخطوط العامة لهذه النظرية "السلمية" دون صبغها بالصبغة الدينية ،و قد أوقعنا هؤلء الباحثون في إشكال كبير آخر ، فعندما طرح كل المفكرين السلميين محمد باقر الصدر و سيد ُقطُب ـ رغم أني أشكك في أن يكون سيد قطب مفكرا ـ نظرية "فشل الحضارة الغربية"! فهم بالتالي لم يضعوا بديل حقيقيا لهذا الفشل المفترض ،مما سيعني أخيرا أننا سنرى أهل واشنطن أو لندن ـ و هم مسيحيون يفخرون بدينهم و غير مستعدين للتخلي عنه ـ يلجأون إلى الفقهاء و الملية لتسيير حياتهم الجديدة "السعيدة"!! من الواضح أيضا ،أنه ل يكفي ،لكي نضع أُسس دولة متكاملة ،أن نُـنظـّـر لطروحات "إقتصادية" دون أن يكون هناك وضوح في تركيبة العمل العملية السياسية أو آليات تبادل السلطة بالطرق السلمية ،الهم ها هنا هو أن أي دولة دينية لن تنجح مهما كان اقتصادها قويا ،طبعا من ناحية التنظير فكل نظرية هي قوية إلى أن يُثبت الواقع نجاحها أو فشلها ،من هذا الجانب نجد أن هجين الدين +الديمقراطية أو بعبارة أُخرى ما نستطيع تسميته بنظرية "الديمقراطية الدينية" ل حظ لها من النجاح ،مثاله الدولة الدينية في إيران ،فالدولة بطبعها ل بُد و أن تنحاز إلى أحد الطرفين ،إما الدين أو الديمقراطية ،لن آليات الديمقراطية لن تعمل ما دامت مصبوغة بالدين ، فالدين ل بد أن يبدي الدولة ببعض مظاهره ،كبعض المظاهر المسيحية في الغرب ،لكن ل يمكنه أن يطغى على الدولة و مثل الدولة ها هنا مثل "السيارة" التي تحتاج إلى "بعض" الزيت لتعمل ،لكن ما أن يتم إغراقها بالزيت حتى تتوقف كليا. من هنا كانت الدولة "العلمانية" هي حلّ وسط بين اختلف الديان و المذاهب و حتى اليمان و اللحاد ،فالنظام العلماني المعتدل ـ من أمثلة النظمة العلمانية المعتدلة الوليات المتحدة و بريطانيا ـ قادر على استيعاب الجميع و العمل على جلب المنفعة لهم ،بينما نجد النظمة الدينية و
اليدولوجية الشمولية "أمثلة :إيران ،أفغانستان طالبان ،عراق البعث و غيرها" ل تنتج إل المزيد من الفرقة و النقسام. يقول السيد الصّدر : " وكان من جراء هذه المادية التي زخر النظام بروحها أن أقصيت الخلق من الحساب ,ولم يلحظ لها وجود في ذلك النظام ,أو بالحرى تبدلت مفاهيمها ومقاييسها ,وأعلنت المصلحة الشخصية كهدف أعلى ,والحريات جميعا كوسيلة لتحقيق تلك المصلحة .فنشأ عن ذلك أكثر ما ضج به العالم الحديث من محن وكوارث ,ومآسي ومصائب. وقد يدافع أنصار الديمقراطية الرأسمالية ,عن وجهة نظرها في الفرد ومصالحه الشخصية قائلين أن الهدف الشخصي بنفسه يحقق المصلحة الجتماعية ,وأن النتائج التي تحققها الخلق بقيمها الروحية تحقق في المجتمع الديمقراطي الرأسمالي ,لكن ل عن طريق الخلق بل عن طريق الدوافع الخاصة وخدمتها .فإن النسان حين يقوم بخدمة اجتماعية يحقق بذلك مصلحة شخصية أيضاً ,باعتباره جزءاً للمجتمع الذي سعى في سبيله ,وحين ينقذ حياة شخص تعرضت للخطر فقد أفاد نفسه أيضاً ,لن حياة الشخص سوف تقوم بخدمة للهيئة الجتماعية فيعود عليه نصيب منها ,وإذن فالدافع الشخصي والحس النفعي يكفيان لتأمين المصالح الجتماعية وضمانها ,ما دامت ترجع بالتحليل إلى مصالح خاصة ومنافع فردية" ـ فلسفتنا ص .19 ما يعنيني في هذا النص الذي اقتبسناه ،هو أن السيد الصدر يبقى ،كونه إسلميا ،يبحث عن "المثالي" في عالم الواقع ،فالنظام الديمقراطي عبر ترسيخه لمفاهيم "الحرية" على كافة المستويات ،يترك الباب مفتوحا في سبيل رقيّ المجتمع روحيا و ماديا ،بعبارة أخرى فإنه ل يمكن أن ترتقي الخلق و الروحانيات دون سدّ رغبات النسان و حاجته المادية ،فعندما يقوم ل المشاكل المادية و النفسية عبر القضاء على مسبّباتها من طغيان المجتمع ،أي مجتمع ،بحلّ ك ّ الحكم أو الغنياء ،عندها ستجد أن الفراد و الجماعات سيبحثون و بملء إرادتهم و حريتهم عن الراحة النفسية سواء عبر الدين و طقوسه أو العمل الخيري. ب و أساس كل نتاج إنساني ،الدين ،النظم السياسية و إن الدافع الشخصي و الفردي يشكل لُ ّ الجتماعية و الفردية ،و بالمقابل ،فحينما انتقد السيد الصدر هيمنة فكرة إلغاء الفرد في سبيل الجماعة ـ كما هو معروف في الفلسفة الماركسية و الشتراكية الشعبية ،إل أنه عاد لينتقد جعل "الفرد" كغاية لكل النظام الرأسمالي الديمقراطي ،إذ يبقى الشكال هو " :هل من حل وسط"؟! و ل وسط ،فقد رأينا الجواب الواضح ،الظاهر لحدّ الن من كل التجارب السياسية ،أنه ل ح ّ بشاعة النظم الشمولية كـ"نظام البعث" " ،الشيوعية في التحاد السوفيتي" " ،نظاما إيران و طالبان أفغانستان" ،بينما تتوفر الحرية التامة في كل النظمة الديمقراطية الرأسمالية ،طبعا باستثناء بعض القوانين الجديدة التي حدّت ،كحدّ أدنى ،من بعض الحريات بعد ظهور النزعة النتحارية في السلم السياسي ،خصوصا بعد أحداث 11سبتمبر أيلول. إن كل نظام سياسي ،بما فيه الديمقراطي الرأسمالي ،ل يخلو من عيوب و مفاسد و ضُعف إدارة أحيانا ،و كما قال رئيس وزراء بريطانيا السيد تشرشل :الديمقراطية هي أفضل أسوأ النظم السياسية ."..و هذا يعني أن هذه ال ُنظُم حالها حال صانعها النسان ،مليئة بالعيوب و النواقص ، و لكنها تتطور عبر التاريخ نحو الفضل و الحسن.
يحاول السيد الصدر بعدها أن يحلّل "نظريا" ليخرج لنا باستنتاج يُظهر عيبا ـ ربما يبدو في نظره أساسيا في صميم النظام الديمقراطي الرأسمالي حيث يقول: " فأول تلك الحلقات :تحكم الكثرية في القلية ومصالحها ومسائلها الحيوية .فإن الحرية السياسية كانت تعني أن وضع النظام والقوانين وتمشيتها من حق الكثرية ,ولنتصور أن الفئة التي تمثل الكثرية في المة ملكت زمام الحكم والتشريع ,وهي تحمل العقلية الديمقراطية الرأسمالية ,وهي عقلية مادية خالصة في اتجاهها ,ونزعاتها وأهدافها وأهوائها فماذا يكون مصير الفئة الخرى؟ أو ماذا ترتقب للقلية من حياة في ظل قوانين تشرع لحساب الكثرية ولحفظ مصالحها؟! ,وهل يكون من الغريب حينئذ إذا شرعت الكثرية القوانين على ضوء مصالحها خاصة ,وأهملت مصالح القلية واتجهت الى تحقيق رغباتها اتجاها مجحفا بحقوق الخرين؟ فمن الذي يحفظ لهذه القلية كيانها الحيوي ويذب عن وجهها الظلم ,ما دامت المصلحة الشخصية هي مسألة كل فرد وما دامت الكثرية ل تعرف للقيم الروحية والمعنوية مفهوماً في عقليتها الجتماعية ؟؟ وبطبيعة الحال ,إن التحكم سوف يبقى في ظل النظام كما كان في السابق وأن مظاهر الستغلل والستهتار بحقوق الخرين ومصالحهم ...ستحفظ في الجو الجتماعي لهذا النظام كحالها في الجواء الجتماعية القديمة .وغاية ما في الموضوع من فرق :ان الستهتار بالكرامة النسانية كان من قبل أفراد بأمة ,وأصبح في هذا النظام من الفئات التي تمثل الكثريات بالنسبة إلى القليات ,التي تشكل بمجموعها عدداً هائلً من البشر ".فلسفتنا ص .21 – 20 و نحن ها هنا سنحاول أن نخرج بنقد موضوعي لهذا الرأي ،و أجزم بأن السيد الصدر لو كان حاضرا بيننا الن و قرأ هذا النقد المتواضع لفكاره لرحب به و برحابة صدر ،فغاية كل فكرة هي أن تخلق أفكارا أُخرى. لو تابعنا تطبيقات النظمة الديمقراطية و أكثرها قائم على أساس أن الغلبية هي التي تحكم ، إل أن هذا ل يعني قط أن القلية تبتلع من قبل الكثرية ،سواء كانت هذه القليات دينية أو عرقية ،إل أن حقوق القليات تبقى مثبّتة في دساتير هذه الدول و خصوصا أن حقوق القليات تصبح جزءا من حقوق الشعب بكل أفراده ،فقد انتقل بنا السيد الصدر من نقد مفهوم "الفرد" إلى مفهوم آخر كان عليه أن يُفرِد له بابا أو فصل خاصا مستقل به و هو موضوع الكثرية و القلية. و الجانب الخر المهم الذي يظهر بوضوح في كل النظمة الديمقراطية الرأسمالية و التي هي الن من أقوى أنظمة العالم و في كافة المجالت ،أن كل النظمة السياسيّة غير الديمقراطية ،تعيش مشكلة الكثرية و القلية ،و حتى التحاد السوفيتي تفتت بسبب شعور القليات القومية بالظلم و الضظهاد ،بينما دولة ديمقراطية متعددة القوميات كـ"سويسرا" راسخة على الرض منذ 500عام ،عموما فإن النظام الديمقراطي و لنه يُلغي كل الفوارق الطبقية و الدينية و القومية فهو يُلغي الشعور بالضطهاد و بأكثر الوسائل سلميّة ،فمثل لو نظرنا إلى مشكلة التفرقة العنصرية التي كانت موجودة في الوليات المتحدة إلى نهاية الستّينيّات ،لو كنت هذه المشكلة موجودة في أي دولة أخرى لكانت كفيلة بإنهيارها و تقسيمها. و من المهم هنا أيضا أن نوضح نقطة مهمة ،ل توجد هناك و في كل العالم نظام ديمقراطي قومي أو ديني ،و عندما يدخل الشعور الديني أو القومي في صلب أي نظام فإنه يبدأ بتفكيكه ،
مثاله "يوغسلفيا التحادية سابقا" " ،الدولة اللبنانية" ،و الهم هنا هو المثال العراقي الذي امتل دستوره بالمشاعر الدينية و القومية ،و لهذا السبب تجد العراق و هو الذي خرج من أبشع نظام عرفه التاريخ ،أنه غير مستقر و منظم بسبب صراع الهويات. ل حكومة منتخبة ديمقراطيا ،و هذا و السيد الصدر في عباراته هذه يبدو و كأنه يجعل من ك ّ يتم كُلّ أربعة سنوات أو خمسة ،و كأنها ستأتي بدستور جديد ،مع أن دساتير هذه الدول الديمقراطية كـ"الدستور المريكي الذي يزيد عمره عن مائتي عام" ل يتغير إل قليل جدا و بعد أن يطلع عليها أغلبية الشعب و تحصل على موافقة في استفتاء عام ،ملحظة أخرى مهمة :هي أن المعسكر الديمقراطي قد رسم لنفسه خطوطا عامة من خلل قرارات الُمم المتحدة و منظمات حقوق النسان ،بالتالي فمهما تغيّرت هذه الدساتير فمن الممنوع عليها خرق حقوق الفراد أو الحريات و القليات و يبدو لي أن السيد الصدر و هو يصف لنا مساويء النظام الرأسمالي الديمقراطي و كأنه يعني بدايات ظهور هذا النظام في القرون 17و 18و 19و ليس ما تمخض عنه العالم بعد الحرب العالمية الثانية ،و مقصدُنا هذا يتجلّى في استطراده التالي: "وليت المر وقف عند هذا الحد ,إذاً لكانت المأساة هينة ,ولكان المسرح يحتفل بالضحكات أكثر مما يعرض من دموع ,بل أن المر تفاقم واشتد حين برزت المسألة القتصادية من هذا النظام بعد ذلك ,فقررت الحرية القتصادية على هذا النحو الذي عرضناه سابقاً ,وأجازت مختلف أساليب الثراء وألوانه مهما كان فاحشاً ,ومهما كان شاذاً في طريقته وأسبابه ,وضمنت تحقيق ما أعلنت عنه .في الوقت الذي كان العالم يحتفل بانقلب صناعي كبير ,والعلم يتمحض عن ولدة اللة التي قلبت وجه الصناعة وكسحت الصناعات اليدوية ونحوها" فلسفتنا ـ ص .21 فطبيعي أن يكون النظام الرأسمالي قبيحا و سيئا ،و هذا الوصف أطلقه الشيوعيون بشكل أكثر تطرفا ،و لكن الرأسمالية التي نتحدث عنها هنا تتحرك في ظل الديمقراطية و حقوق النسان ،و فعل ،فإن الرأسمالية "القبيحة" تمّ تجميلها بفعل الديمقراطية و حقوق النسان و حماية المستهلك من استغلل غير أخلقي ،و كم من مواطنين في هذه الدول حصلوا على مليين الدولرات على سبيل التعويض من قِبل شركات أنتجت بضاعة كان فيها نوع من الضرر للفرد أو المجتمع. يقول السيد الصدر: " ,فانكشف الميدان عن ثراء فاحش من جانب القلية من أفراد المة, ممن أتاحت لهم الفرص وسائل النتاج الحديث وزودتهم الحريات الرأسمالية غير المحدودة بضمانات كافية لستثمارها واستغللها إلى أبعد حد ,والقضاء بها على كثير من فئات المة التي اكتسحت اللة البخارية صناعتها ,وزعزعت حياتها ,ولم تجد سبيلً للصمود في وجه التيار ,ما دام أرباب الصناعات الحديثة مسلحين بالحرية القتصادية وبحقوق الحريات المقدسة كلها ,وهكذا خل الميدان إل من تلك الصفوة من أرباب الصناعة والنتاج ,وتضاءلت الفئة الوسطى واقتربت إلى المستوى العام المنخفض ,وصارت هذه الكثرية المحطمة تحت رحمة تلك الصفوة ,التي ل تفكر ول تحسب إل على الطريقة الديمقراطية الرأسمالية. ومن الطبيعي حينئذ ان ل تمد يد العطف والمعونة إلى هؤلء, لتنشلهم من الهوة وتشركهم في مغانمها الضخمة .ولماذا تفعل ذلك؟! ما دام المقياس الخلقي هو المنفعة واللذة ,وما دامت الدولة تضمن لها مطلق الحرية
فيما تعمل ,وما دام النظام الديمقراطي الرأسمالي يضيق بالفلسفة المعنوية للحياة ومفاهيمها الخاصة؟!" فلسفتنا ص .21 مقارنة بسيطة بين حقوق الطبقة العمالية و المهن البسيطة و بين الطبقة العمالية في ظل الديمقراطية الرأسمالية ،تُظهر بما ل يقبل أدنى شك ،الفارق الشاسع و الكبير بين الحالتين ، فالضمانات الجتماعية و الصحية و دور الرعاية في بلدان أمريكا ،اليابان ،بريطانيا ،الدول السكندنافية ،تظهر أنه لم يعد المنتمون إلى الطبقة الوسطى و الفقيرة "إن كان يجوز أن نسميها بالفقيرة" لم تعُد تأبه بالغنياء و درجة غناهم ما دام النظام العام يكفل لهم حياة مضمونة ،و إل فلماذا تتجه كل أو أكثر خطوط اللجوء نحو هذه البلدان ؟! أليس ذلك عائدا للمستوى المعيشي الممتاز الذي يحصل عليه مواطنوا تلك الدول. فمن جهة ينتقد السيد الصدر تلك القلية التي تتحكم و "تسيّر" القتصاد ،و قبلها بقليل كان ينتقد "تحكّم" الكثرية بالقلية ،و هذا تناقض كما أظن ،إذ يبقى أكثرية الشعب قادرين على تسليم مقاليد الحكم إلى من يمثل مصالحهم ،و من المهم هنا ملحظة أن الساسية التي قام عليها المجتمع الغربي "المصلحة" أو "المنفعة" التي انتقدها الصدر ،هي إحدى أهم ركائز الفقه و الدين السلمي و معروفة تلك القاعدة الفقهية التي اتفق عليها أرباب جميع المذاهب و القائلة :أن هدف الشريعة الساسي هو جلب المنفعة و درء المفسدة"!! مع ملحظة أن هذه العبارة استغِلّت من قبل فقهاء السلطان بشكل بشع. من جُملة تلك النتقادات التي وجهها السيد الصدر هو تحكم القلية "الرأسمالية" بسياسية الدولة لتمكّنها ماديا ،و يبدو لي أنه استعار هذه النتقادات من جملة النقاط التي وجهها "كارل ماركس" و "إنجلز" إلى النظام الرأسمالي الغربي ،يقول السيد الصدر: " وهنا يتبلور الحق السياسي للمة من جديد بشكل آخر .فالمساواة في الحقوق السياسية بين أفراد المواطنين ,وإن لم تمح من سجل النظام ,غير أنها لم تعد بعد هذه الزعازع إل خيا ًل وتفكيراً خالصاً .فإن الحرية القتصادية حين تسجل ما عرضناه من نتائج ,تنتهي إلى النقسام الفظيع الذي مر في العرض ,وتكون هي المسيطرة على المواقف والماسكة بالزمام ,وتقهر الحرية السياسية أمامها .فإن الفئة الرأسمالية بحكم مركزها القتصادي من المجتمع, وقدرتها على استعمال جميع وسائل الدعاية ,وتمكنها من شراء النصار والعوان ...تهيمن على تقاليد الحكم في المة ,وتتسلم السلطة لتسخيرها في مصالحها والسهر على مآربها ,ويصبح التشريع والنظام الجتماعي خاضعاً لسيطرة رأس المال ,بعد أن كان المفروض في المفاهيم الديمقراطية أنه من حق المة جمعاء .وهكذا تعود الديمقراطية الرأسمالية في نهاية المطاف حكماً تستاثر به القلية ,وسلطان ًا يحمي به عدة من الفراد كيانهم على حساب الخرين, بالعقلية النفعية التي يستوحونها من الثقافة الديمقراطية الرأسمالية" فلسفتنا ص .22 و الواقع الغربي يعكس صورة مختلفة لتصورات كانت نتاج تفكير محض غير متّصل بالواقع التجريبي ،فالتحاد الوروبي و أمريكا هي دول أو تكتلت أكثر تماسكا من تلك التي تسيّر نفسها بنظم أُخرى ،كما أننا لم نسمع حتى الن أن تجمعات سياسية لها وزنها كانت تعارض هذه النظمة الديمقراطية الرأسمالية من خارج أراضيها ،بمعنى أن أكبر دليل على أن هذه النظمة منبثقة عن شعوبها هو أنها استوعبت كل أنواع المعارضة ،ما دامت تعتمد على الرأي و النقاش الحر ،مما يعني أن توقعاتنا عن إنهيار أو "إضمحلل" الحضارة الغربية
متجسدة في الديمقراطية الرأسمالية ليست بصحيحة ،كما أن تحول الغرب إلى كونه الطرف القوى حضاريا لم يكن نتاج صدفة أو شأن إعتباطيا ،بل تنظيما عقلنيا حياديا "علمانيا + إنسانيا" للحياة و الواقع. كما أن فكرة رفض القتداء بالخر "الغرب = المسيحي +اليهودي" جعلت من الفكر السلمي يدور حول الذات أو النا المغلقة التي تريد إبداع جديد مقابل الخر و تفرض قيمومتها على الخر ،يقول السيد الصدر: " حينمــــا أخــــذ العالم الســــلمي ينفتــــح على حياة النســــان الوروبــــي ويذعــــن لمامتـــــه الفكريـــــة وقيادتـــــه لموكـــــب الحضارة بدلً عـــــن إيمانـــــه برســـــالته الصـــــيلة وقيمومتهــــــا على الحياة البشريــــــة بدأ يدرك دوره فــــــي الحياة ضمــــــن إطار التقســــــيم التقاليدي لبلد العالم الذي درج عليـــــــه النســـــــان الوروبــــــي حيـــــــن قســــــم العالم على أســــاس المســــتوي القتصــــادي للبلد وقدرتــــه المنتجــــة إلى بلد راقيــــة اقتصــــادياً وبلد فقيرة أو متخلفــــة اقتصــــادياً وكانــــت بلد العالم الســــلمي كلهــــا مــــن القســــم الثانــــي الذي كان يجـــــب عليـــــه فـــــي منطـــــق النســــــان الوروبـــــي أن يعترف بإمامــــــة البلد الراقية ويفسح المجال لها لكي تنفث روحها فيه وتخطط له طريق الرتفاع. وهكذا دشـــــن العالم الســـــلمي حياتـــــه مـــــع الحضارة الغريـــــب بوصـــــفه مجموعـــــة مــــــن البلد الفقيرة اقتصــــــادياً ووعــــــى مشكلتــــــه على أســــــاس أنهــــــا هــــــي التخلف القتصــــــادي عــــــن مســــــتوي البلد المتقدمــــــة الذي أتاح لهــــــا تقدمهــــــا القتصــــــادي زعامة العالم ولقنته تلك البلد المقتدمة أن السلوب الوحيد للتغلب على هذه المشكلة واللتحاق بركـــــــــــــب البلد المتقدمـــــــــــــة هـــــــــــــو اتخاذ حياة النســـــــــــــان الوروبـــــــــــــي تجربــــــة رائدة وقائدة وترســــــّم خطوات هذه التجربــــــة لبناء اقتصــــــاد كامــــــل شامــــــل قادر على الرتفاع بالبلد الســــــــلمية المتخلفــــــــة إلى مســــــــتوي الشعوب الوروبيــــــــة الحديثة" إقتصادنا ص .4 – 3 إن مسألة كون الشرق السلمي "متخلّـفا" ل يقتصر على الجانب القتصادي و النتاجي ،بل تتعدى القتصــاد نحــو الهــم و هــو التخلف القيمــي و الخلقــي الثقافــي ،و للســف فإن مجرد استخدامنا كشرقيين لكلمة "أخلق" تجعل العقل الواعي و الل واعي تفسرها و تختزلها من كلمة شاملة إلى شأن جنسـي بحـت ،كمـا أن النظـم المذهبيـة و الفقهيـة هـي التـي خلقـت الحاكـم المسـتبد ، كما أن الحاكم المستبد بدوره خلق فقهاء البلط ،و هنا يُطرح السؤال الخطير :إذا ما الذي أغفل "العالم السلمي" الذي أفضّل أن أسميه بـ"العالم الظلمي" ،عن اتباع منهجه الخاص و رسالته النسـانية ؟! إن الرسـالة السـلمية إن كان لهـا أن توجـد ،فإنهـا لن توجـد إل بعـد أن تخلق مجتمعـا محبـا للحريـة ل ككلمـة بـل كتطـبيق ،كمـا أن بعـض أُطروحات المفكّريـن السـلميين ،بمـا فيهـم الشهيد الصدر ،تتسم بنوع من المثالية ،و كأن المطلوب من الناس أن يكونوا ملئكة أو أنبياء و
يتخلّوا عن رغباتهم و طبيعتهم كبشر. يقول السيد الصدر: " إن شدة حركــــــــة النتاج وقوتهــــــــا ,بدافــــــــع مــــــــن الحرص على كثرة الربــــــــح مـــن ناحيـــة ,ومـــن ناحيـــة أخرى انخفاض المســـتوى المعيشـــي لكثيـــر مـــن المواطنيـــن, بدافــــــع مـــــــن الشره المادي للفئة الرأســـــــمالية ,ومغالبتهــــــا للعامـــــــة على حقوقهــــــا بأســــــاليبها النفعيــــــة ,التــــــي تجعــــــل المواطنيــــــن عاجزيــــــن عــــــن شراء المنتجات واســــتهلكها ـــــ كــــل ذلك يجعــــل كبار المنتجيــــن فــــي حاجــــة ماســــة إلى أســــواق جديدة لبيــــــع المنتجات الفائضــــــة فيهــــــا ,وإيجاد تلك الســــــواق يعنــــــي التفكيــــــر فــــــي بلد جديدة ".فلسفتنا ص .23 و هكذا فإن مـا اصـطلح عليـه بالحديـث عـن "انخفاض المسـتوى المعيشـي" لم يكـن قـط السـبب الوحيـد فـي صـراع الدول الصـناعية الغربيـة على المسـتعمرات ،كنماذج على ذلك لم تكـن المملكـة الســبانية و البرتغاليــة و ألمانيــا أو روســيا القيصــرية دول ديمقراطيــة ،ففترة الصــراع على المسـتعمرات لم تكـن قـد شهدت اكتمال و نضوج الديمقراطيـة ،و فـي عصـرنا الحالي فإن الغرب يسـتفيد مـن ثروات الخريـن ليـس عـبر الغزو أو مـا كان يُسـمّى "السـتعمار" ،بـل عـبر الحاجـة الطبيعيـة ،بمعنـى أن الخريـن هـم دومـا فـي حاجـة لتسـويق ثرواتهـم الطبيعيـة و الصـناعية ،ممـا ســيخلق اكتمال اقتصــاديا دون أن تُطلق رصــاصة واحدة ،كمــا أن دخول الغرب إلى دول العالم الثالث الفقيـر لم يكـن كـل مـا فيـه سـلبيا ــ اللهـم إل فـي نظـر السـلميين ــ فلو ل التحول الصـناعي و الديمقراطــي مــا كان للشرق الســلمي أن يُفكــر و لو حتــى مجرد تفكيــر فــي مراجعــة الخلل فــي أنظمته السياسية ،بل و حتى الفقهية. بـل إن أكـبر نظام رأسـمالي فـي العالم "الوليات المتحدة المريكيـة" لم يُعرف عنهـا أنهـا كانـت أو أصـبحت دولة "إسـتعمارية" و كانـت على الكثـر دولة شبـه منعزلة حتـى بدايـة الحرب العالميـة الثانية ،و هذا الستنتاج ـ أن كُلّ دولة رأسمالية ل ُبدّ أن تكون استعمارية ـ يحصل للمفكر حينما يدرس المسـائل و يحكـم عليهـا مـن الجانـب المادّي فقـط ،بـل إن هناك دورا كـبيرا للديـن فـي هذه الدول ،و هذا مال يتناهى إلى عقولنا إذا حكمنا على الغرب من خلل نتاجاته القتصادية فقط أو عبر إنتاجه السينمائي و الدرامي. كما أن هناك نظرية سائدة بين المفكرين السلميين مفادها أن الغرب توسع و استعمر البلدان بفعـل سـيادة "النظـم الديمقراطيـة الرأسـمالية" ،بينمـا الواقـع معكوس تمامـا ،إذ كان تعامـل الغرب مـع الخـر مـن خلل مـا سـمّي بــ"الحروب الصـليبية" أو اسـتعمار البلدان خلل القرون الوسـطى ، هذه الحتكاكات جعلت الغرب يدرس هذه الشعوب و يفهـم و يسـتوعب ثقافاتهـا و أديانهـا ممـا خلق تطورا على مراحـل نتـج منهـا ظهور العلمانيـة أو مفهوم "الحكومـة المحايدة" التـي ل تتحيّز باتجاه
أي دين أو قومية. يقول السيد الصدر: " وهكذا تدرس المسألة بذهنية مادية خالصة .ومن الطبيعي لمثل هذه الذهنية التي لم يرتكز نظامها على القيم الروحية والخلقية ,ولم يتعرف مذهبها الجتماعي بغاية إل إسعاد هذه الحياة المحدودة بمختلف المتع والشهوات... ان ترى في هذين السببين مبررًا ومسوغ ًا منطقياً للعتداء على البلد المنة ,وانتهاك كرامتها والسيطرة على مقدراتها ومواردها الطبيعية الكبرى واستغلل ثرواتها لترويج البضائع الفائضة .فكل ذلك أمر معقول وجائز في عرف المصالح الفردية التي يقوم على أساسها النظام الرأسمالي والقتصاد الحر. وينطلق من هنا عملق المادة يغزو ويحارب ,ويقيد ويكبل ,ويستعمر ويستثمر ,إرضاء للشهوات وإشباعاً للرغبات. فانظر ماذا قاست النسانية من ويلت هذا النظام ,باعتباره مادياً في روحه وصياغته وأساليبه وأهدافه ,وإن لم يكن مركزاً على فلسفة محددة تتفق مع تلك الروح والصياغة ,وتنسجم مع هذه الساليب والهداف كما المعنا إليه؟!!" فلسفتنا ص .23 الحقيقة أن الدول الديمقراطية هي آخر الدول التي تشنّ الحروب ضد الخرين و هي ل تفعل ذلك إل إذا كان هناك تهديد محدق ،فالوليات المتحدة المريكية لم تدخل الحرب العالمية الثانية إلى جانب بريطانيا ضد ألمانيا و اليابان إل عندما تعرضت لتهديد دولتين دكتاتوريتين ، المبراطورية اليابانية و ألمانيا النازية اللتان أعلنتا عن نيّتهما على كل مقومات النظمة الديمقراطية ،و ل أعرف ما الذي يقصده العلمة الصدر بعبارة "البلد المنة" هل كان يقصد "المبراطورية العثمانية" التي لم يكن لها همّ سوى جمع الضرائب من الشعب الجائع و بناء التكايا و الجوامع !! أم كان يعني بلدا أخرى لم نسمع عنها ربّما !! و إذا كان طرف ما يريد أن يستشهد باستعمار بريطانيا للهند و يعزو تخلف الهنود إلى البريطانيين ،فهو استشهاد غير ناجح لن هناك أسبابا أخرى إضافية لتخلف الهند من بعض النواحي و أنا ها هنا لست بصدد تبرئة البريطانيين كليا ،إذ ل تخلو سياسة من أخطاء ،لكن الديانتين "الهندوس ـ المؤمنون بالطبقية" و "المسلمون الذين يتعاطون بالعنف" هما أحد أهم أسباب التخلف الهندي ،و لو لم تكن بريطانيا هي التي تحكم شبه القارة الهندية ،لما كانت الهند لتصبح ديمقراطية و هي ذلك البلد المعروف بتعدده الثني و الديني. إن هذا هو غاية النتقاد الذي قدم له السيد الصدر تجاه الديمقراطية الرأسمالية و هي ل تكاد تُقارن بالقسم الكبر من الكتاب "فلسفتنا" و الذي دحض فيه الشيوعية و ركيزتها الشتراكية ،و نعم ما فعل في هذا الجانب ،و لكن هناك نقاط أُخرى أوردها في كتابه "اقتصادنا" حول نوع العلقة بين ما يُسمّى "العالم السلمي" و "الدول الصناعية الوربية" حدّدها في النقاط التّالية: " الول :التبعيـــة الســـياسية التـــي تمثلت فـــي ممارســـة الشعوب الوروبيـــة الراقيـــة اقتصادي ًا حكم الشعوب المتخلفة بصورة مباشرة. الثانــــــي :التبعيــــــة القتصــــــادية التــــــي رافقــــــت قيام كيانات حكوميــــــة مســــــتقلة مــــن الناحيـــة الســــياسية فـــي البلد المتخلفـــة وعـــبرت عـــن نفســـها فـــي فســــح المجال للقتصـــــاد الوروبـــــي لكـــــي يلعـــــب على مســـــرح تلك البلد بأشكال مختلفـــــة ويســـــتثمر
موادهــــا الوليــــة ويمل فراغاتهــــا برؤوس أموال أجنبيــــة و يحتكــــر عدداً مــــن مرافــــق الحياة القتصــــــادية فيهــــــا بحجــــــة تمريــــــن أبناء البلد المتخلفيــــــن على تحمــــــل أعباء التطوير القتصادي لبلدهم. الثالث :التبعيـــــة فـــــي المنهـــــج التـــــي مارســـــتها تجارب عديدة فـــــي داخـــــل العالم الســـــلمي حاولت أن تســـــتقل ســـــياسياً وتتخلص مـــــن ســـــيطرة القتصـــــاد الوروبـــــي اقتصـــــادي ًا وأخذت تفكـــــر فـــــي العتماد على قدرتهـــــا الذاتيـــــة فـــــي تطويـــــر اقتصـــــادها والتغلب على تخلفهـــا غيـــر أنهـــا لم تســـتطع أن تخرج فـــي فهمهـــا لطبيعـــة المشكلة التـــي يجســـــدها تخلفهـــــا القتصـــــادي عـــــن إطار الفهـــــم الوروبـــــي لهـــــا فوجدت نفســـــها مدعوة لختيار نفـــــس المنهـــــج الذي ســـــلكه النســـــان الوروبـــــي فـــــي بنائه الشامـــــخ لقتصاده الحديث" ـ إقتصادنا ص .4 مـن المعروف أن القتصـاد و التبادل التجاري ل يعرفان شيئا مـن مسـئلة مراعاة الفوارق بيـن دول ذات اقتصـاديّات ضخمـة و أسـواعريضة و دول أُخرى بالكاد لديهـا شيـء إسـمه إقتصـاد أو لنقل :أنها تعيش في عصر "ما قبل القتصاد"!! بالتالي فهي ستكون تابعة ،سواء تعمد القوياء ذلك أم ل ! فقبــل أن تحصــل أي دولة على اقتصــاد قوي حقيقــي ،عليهــا أن تســارع فــي إصــلح أنظمتهــا الســياسية و الثقافيــة ،فاليابان أيام المبراطوريــة غيّر ـ كثيرا مــن آلياتــه الجتماعيــة و التربويـة ليصـبح فـي مصـاف الدول الكـبرى ،لكنـه كان إمبراطوريـة دكتاتوريـة فسـارع الخراب إليها. من هنا نجد أن لوم الغرب و تحميله أسباب تخلف العالم السلمي ليس موضوعيا ،خصوصا و أن الهـم ،لفهـم أسـباب التخلف ،هـو مراجعـة التركيبـة الجيـو سـياسية و المنظومـة الفقهيـة التـي عاشهـا المسـلمون و حولهـا إلى تقليـد أعمـى غيـر قابـل للنقـد أو التغييـر "أن روح التحري كانـت عصب الحياة في عصر السلم الذهبي بين حوالي 750و 1250ميلدية .وفي العراق ،قلب المبراطورية السلمية ،كان المسيحيون يعملون جنبا الى جنب مع المسلمين لترجمة الفلسفة الغريقية واحيائها .وفي اسبانيا ،الطرف الغربي لمشارف السلم ،قام المسلمون بتطوير ما يسميه مؤرخ من جامعة يال "ثقافة تسامح" مع اليهود" الخلل في السلم ـ إرشاد منجي ص .54و لو اسـتمرت تلك المناهـج العقلنيـة لرأينـا علقـة مختلفـة بيـن الشرق السـلمي المتطور و الغرب المتطور ،لكن ما حدث هو العكس. أمـا النقطـة الُخرى حول التبعيـة القتصـادية التـي نشأت فـي ظـل الدول السـلمية التـي تكونـت خلل القرن العشرين ،فهـي تبعية منطقيـة ،بل إن تبعية إسـبانيا إلى العالم السـلمي كانت أقرب شبهـا بمـا يُصـطلح عليـه بالسـتعمار لنّـ الفاتحيـن الجدد فرضوا حتـى لغتهـم على المحكوميـن ، فلماذا لم يسـتطع الشرق السـلمي التخلص مـن هذه التبعيـة؟! و هـل كان بمقدورهـم أن يفعلوا شيئا
من هذا القبيل ،و المسألة المطروحة ها هنا تشبه وضع العربة أمام الحصان ،فالمسلمون كانوا أصل متخلفين و لم يكن لديهم أصل شيء إسمه "إقتصاد" ،بالتالي لم يكن الغرب بحاجة إلى أن يجعلهم تابعين له ،بل هم ساروا في طريق التبعية لعدم امتلكهم أيا من أسباب التطور. إن سـبيل التطور و القتصـاد الناجـح ليـس مسـألة أمور فنيـة فقـط ،كامتلك أدوات التوزيـع و النتاج ،بـل هـو يعتمـد أسـاسا على "النسـان" و وزنـه ال ِقيَمـي و حريّتـه ،فل إقتصـاد ناجـح بدون أفراد أحرار ،و لهذا السـبب كانـت نتيجـة كـل القتصـاديات الصـناعية غيـر الديمقراطيـة "التحاد السوفيتي ،المبراطورية اليابانية و ألمانيا النازية" هو النهيار و الفشل ،و لو كان السيد الصدر أرهق عقله العبقري الجبّار في خلق ديمقراطية في عمق الفكر السلمي ،لكان باستطاعته حينها أن يتحدث عن إقتصاد قوي في بلد المسلمين. فـي النقطـة الثالثـة و التـي تتعلق بمحاولت ذاتيـة لهـل البلد السـلمية فـي تطـبيق ذات المنهـج الوروبــي و محاولة منافســته فيمــا بعــد و هذه المحاولت التــي انتهــت على مــا يبدو بالفشــل ــ و للسـف لم يضرب لنـا الشهيـد الصـدر أي مثال واقعـي ــ و يعزو السـبب إلى اتخاذهـم ذات المنهـج الغربي الرأسمالي ،غير أن الصورة لم تكتمل ،و كما قلنا ،فالمسألة ليست "افتقار إلى أدوات أو آليات القتصـاد الناجـح" بقدر مـا هـو مشكلة "السـتعمار الداخلي" و حكومات القليات المسـتبدة التــي تحرص على إبقاء الشعـب فقيرا لكــي ل يتمرد على الطبقـة الحاكمـة ،و كان الصـدر نفسـه ضحيـة لحـد أنماط الحكـم الطائفيـة السـتبدادية ،و أنـا حقـا حائر فـي ترك السـيد الصـدر إشكال خطيرا كهذا دون أن يبحثه و بعمق. و الســيد الصــدر يشيــر إلى أن العلقــة "الســيئة" بيــن الشعوب المســلمة و الدول الوروبيــة الستعمارية لم تستطع السير باتجاه التكامل بسبب الش كّ من نيات الخر الذي كان مستعمرا ذات يوم ،يقول السيد الصدر: " فهناك مثلً الشعور النفســــــي الخاص الذي تعيشــــــه المــــــة فــــــي العالم الســــــلمي تجاه الســـــتعمار الذي يتســـــم بالشـــــك والتهام والخوف نتيجـــــة لتاريـــــخ مريـــــر طويـــــل مــــــــــن الســــــــــتغلل والصــــــــــراع ،فإن هذا الشعور خلق نوعاً مــــــــــن النكماش لدى المــــة عــــن المعطيات التنظيميــــة للنســــان الوروبــــي وشيئاً مــــن القلق تجاه النظمــــة المســــتمدة مــــن الوضاع الجتماعيــــة فــــي بلد المســــتعمرين وحســــاسية شديدة ضدهــــا وهذه الحســـاسية تجعـــل تلك النظمـــة حتـــى لو كانـــت صـــالحة ومســـتقلة عـــن الســـتعمار مــــن الناحيــــة الســــياسية غيــــر قادرة على تفجيــــر طاقات المــــة وقيادتهــــا فــــي معركــــة البناء فل بــــد للمــــة إذن بحكــــم ظروفهــــا النفســــية التــــي خلقهــــا عصــــر الســــتعمار وانكماشهـــا تجاه مـــا يتصـــل بـــه أن تقيـــم نهضتهـــا الحديثـــة على أســـاس نظام اجتماعـــي ومعالم حضارية ل تمت إلى بلد المستعمرين بنسب" اقتصادنا ص .9
إن هذا الكلم يحوي جزءا مـن الحقيقـة ،و لكـن تبقـى جوانـب أُخرى غيـر مسـتكشفة ،فرفـض الشرق السـلمي للغرب "السـتعماري"!! كان رفضـا عاطفيـا أكثـر مـن كونـه "فكريـا" ،كمـا أن هناك تجارب لشعوب "هونـج كونـج ــ إيران مـا قبـل الثورة ــ مثال" سـارت فـي طريـق تطويـر إقتصادياتها و أنظمتها السياسية و الجتماعية ،و المشكلة أيضا ،أن النظمة الحاكمة في عالمنا الســلمي ــ بمــا فيهــا إيران الســلمية ــ تنتهــج دائمــا ســياسات "عاطفيــة" قائمــة على شعارات "تحريــر فلســطين" " ،رمــي اليهود فــي البحــر" " ،الموت لمريكــا"!! و غيرهــا مــن الشعارات العبثيـة التـي حولت إقتصـاديات هذه الدول تعيـش كـل يوم أزمـة جديدة مـع القتصـاديات الجبارة ، كمـا أن مـا يُسـمّى بالقتصـاد السـلمي يعانـي مـن عقبات كـبيرة ،خصـوصا و أنـه ل يختلف كثيرا عـن القتصـاديات الشتراكيـة و التـي توجّه مـن السـلطة العليـا فـي الدولة ،و هـي غالبـا مـا تجتمـع خيوطها في يد "الولي الفقيه" أو المجموعة المعممة التي تتحكم بشؤون النظام. نعود إلى السيد الصدر حيث يقول: "عملية التنمية
القتصـــادية ليســـت عمليـــة تمارســـها الدولة وتتبناهـــا وتشرّع لهـــا فحســـب وإنمـــا هـــي عمليــــــة يجــــــب أن تشترك فيهــــــا وتســــــاهم بلون وآخــــــر المــــــة كلهــــــا .فإذا كانــــــت المـــــة تحـــــس بتناقـــــض بيـــــن الطار المفروض للتنميـــــة وبيـــــن عقيدة ل تزال تعتـــــز بهــــا وتحافــــظ على بعــــض وجهات نظرهــــا فــــي الحياة فســــوف تحجــــم بدرجــــة تفاعلهــــا مع تلك العقيدة عن العطاء لعملية التنمية والندماج في إطارها المفروض" إقتصادنا ص – 11 .12 إن مصــطلح "المــة" هــا هنــا ل يبدو لي أنــه يوافــق كلمــة "شعــب" ،لننــا إذا ترجمناهــا إلى "الشعـب" فإن ذلك لن يختلف عـن النظام الديمقراطـي الرأسـمالي الذي يصـيغ فيـه الشعـب بعـض القوانيـن التـي تمنـع ملّك رؤوس الموال مـن إنجاز بعـض الصـفقات التجاريـة و الصـناعيّة إذا مـا كانــت ســتض ّر بمصــالح الدولة و الشعــب ،و خيــر مثال على ذلك أن حكومــة الوليات المتحدة المريكيـة و هـي رأس الهرم الديمقراطـي الرأسـمالي تسـتطيع أن تمنـع بعـض أضخـم الشركات مـن إنجاز بعـض الصـفقات مـع دول تسـبب الضرر للوليات المتحدة ،مـن هنـا ــ و نعود إلى تعريـف كلمة "ُأمّة" الواردة في القتباس ـ و أظن أن السيد الصدر يعني بها قيمومة "رجال الدين" الّذين يُمثلون "المّة" حسب تنظيره للقتصاد السلمي ،و قد استنتجت ذلك من خلل عباراته التالية التي وضّح فيها أن القتصاد يجب أن ل يُناقض أو يصطدم بـ"العقيدة"!! و هذا ل يتم بدون رجل الدّين. إن القتصـاد "المؤدلج" ،سـواء كان قوميـا أو ماركسـيا أو إسـلميا ،فإنـه ل يسـتطيع مجارات التطورات فـي السـواق الحرة ،لن التاجـر أو مديـر الشركـة ل يسـتطيع إمضاء أي صـفقة مهمـة خوفـا مـن أن تناقـض "الفتوى الشرعيـة" أو "الخـط الدّينـي للدولة" ،كمـا أن التنظيـر و السـياسة اليدولوجية للنظمة "القومي الشتراكي و السلمي" يعرقلهما سلسلة الزمات التي يتسبب بها الخطاب اليدولوجـي ،أمثلة ذلك واضحـة فـي فشـل إيران "السـلمية" فـي تسـويق بضاعتهـا فـي السـواق العالميـة بسـبب الزمات التـي يسـببها قادة النظام ،فتارة هناك أزمـة "سـلمان رشدي" و تارة أخرى اتهامات بـــــ"دعــــم الرهاب" و تصــــدير أســــلحة إلى حزب ال و حركــــة حماس الرهابيـة ،و أخيرا الزمـة التـي تتعلق بـبرنامج إيران النووي ،فلم يعـد العالم يصـدق تصـريحات التهدئة اليرانيــة بعــد كــل التصــريحات الناريــة للمرشــد "علي الخامنئي" و رئيــس جمهوريّتــه "نجاد". كمـا أن تحكيـم "الشريعـة" و "الحكام السـلمية" ليـس كافيـا لترسـيخ أيّـ إقتصـاد ،يقول السـيد الصدر: وخلفاً لذلك ل يواجــــــــه النظام الســــــــلمي هذا التعقيــــــــد ول يمنــــــــي بتناقــــــــض مـــن ذلك القبيـــل بـــل إنـــه إذا وضـــع موضـــع التطـــبيق ســـوف يجـــد فـــي العقيدة الدينيـــة
ســــــندًا كــــــبيراً له وعاملً مســــــاعداً على إنجاح التنميــــــة الموضوعــــــة فــــــي إطاره لن أســــاس النظام الســــلمي أحكام الشريعــــة الســــلمية وهــــي أحكام يؤمــــن المســــلمون عادة بقدســـــيتها وحرمتهـــــا ووجوب تنفيذهـــــا يحـــــف عقيدتهـــــم الســـــلمية وإيمانهـــــم بأن السلم دين نزل من الشماء على خاتم النبيين (ص). ومـــا مـــن ريـــب فـــي أن مـــن أهـــم العوامـــل فـــي نجاح المناهـــج التـــي تتخـــذ لتنظيـــم الحياة الجتماعية احترام الناس لها وإيمانهم بحقها في التنفيذ والتطبيق" إقتصادنا ص .12 فمــا دامــت التنميــة "مؤطّرة" و "مقولبــة" وفــق قوانيــن معينــة ،فذلك ليــس إل عصـيّ أُخرى موضوعـة فـي الدواليـب القتصـادية ،فمـا يُسـمّى بــ"الشريعـة" هـي غالبـا آراء شخصـية تعود إلى الفقيه أو رجـل الدّيـن و بالتالي فهـي مليئة بالراء المتعددة و التـي تناقـض بعضهـا بعضـا و ل تتفـق إل نادرا جدا ،و أعتقد أن مايُطلق عليه السيد الصدر تعبير "القتصاد السلمي" يعني بها دائرة س ّنيّة وحدها تتناقض بين بعضها البعض و يُكفـّر أحدُها أوسع من المذهب الشيعي ،و المذاهب ال ّ الخر ،فكيف لهذه المذاهب أن تتفق مع النظرية الشيعية و هي ل تتسامح بينها فضل عن غيرها ،المشكلة هـا هنـا أنـه مـن الخطـأ أن نعامـل السـوق و القتصـاد و قوانينـه و كأننـا نتعامـل مـع آلة محدّدة التجاهات و العمل ،دون أن نربط هذه الثقافة بعوامل المجتمع الثقافة و الدينية و السياسية ،فإذا مان ديــن أو مذهــب مــن المذاهــب يتعامــل مــع التجارة و القتصــاد نظرة مليئة بالحذر و الخوف ممــا يســمّيه البعــض "الختراق أو الغزو الثقافــي"!! أو الخوف و الحرص على "هويــة لمّة و أخلقها" ،فإن هذه القتصاد محكوم عليه بالفشل مقدّما و ل يمكن له إل أن ينتهي بالفشل اُ الذريع و العودة إلى نقطة الصفر. و المـر المهـم الخـر ،هـو إغفال حقوق القليات الّتـي ل تؤمـن بــ"القتصـاد السـلمي" مـن غيـر المسـلمين و الملحديـن ،إذ يؤمـن المواطـن المسـيحي و اليهودي أن ل مشكلة ــ مثل ــ فـي بيـع الخمر و المسكرات ،بينما السلميون يمنعونها ،بل و يُعاقبون عليها ،و هناك سبب آخر للحكم على أن أي إقتصـاد "إسـلمي" بالفشـل ،هـو عدم تمثيله لكـل قطاعات المجتمـع ،فهناك فـي بلداننـا السلمية مسيحيون ،يهود ،صابئة ،و حتى ملحدون ل يؤمنون بأي دين فضل عن السلم ،و علينا أن ل نغفل أيضا أننا سنخسر استثمارا كبيرا لمستثمرين من دول بعيدة قد يجدون في قوانيننا "الفقهيـة" سـداً أمام اسـتثمار أموالهـم ،بينمـا القتصـاد الحرّ يوفــّر حتـى للمتديـن أن يتعامـل مـع الخريـن وفـق شريعتـه و دينـه ،كأن يتعامـل مـع بنوك ل تتعامـل بالربـا ،و هـو مـا أقرتـه بنوك عالمية جذبا لرساميل المتدينين ،مما أفقد "البنوك السلمية" أي ميزة على تلك الرأسمالية. يقول السيد الصدر: " وهــــب أن تجربــــة للتنميــــة القتصــــادية على أســــاس مناهــــج القتصــــاد الوروبــــي اســـــتطاعت أن تقضـــــي على العقيدة الدينيـــــة وقوتهـــــا الســـــلبية تجاه تلك المناهـــــج فإن
هذا ل يكفـــــــــــي للقضاء على كـــــــــــل البناء العلوي الذي قام على أســـــــــــاس تلك العقيدة عـــبر تاريـــخ طويـــل امتـــد أكثـــر مـــن أربعـــة عشـــر قرناً وســـاهم على درجـــة كـــبيرة فـــي تكويـــــــن الطار النفســـــــي والفكري للنســـــــان داخـــــــل العالم الســـــــلمي .كمـــــــا أن القضاء على العقيدة الدينيـــــة ل يعنـــــي إيجاد الرضيـــــة الوروبيـــــة لتلك المناهـــــج التـــــي نجحــــت على يــــد النســــان الوروبــــي لنهــــا وجدت الرضيــــة الصــــالحة لهــــا والقادرة على التفاعل معها" إقتصادنا ص .12 ل يمكـن لنـا أن نسـتخدم هذه النظرة العقائديـة فـي تحليلنـا للنظام القتصـادي الرأسـمالي ،لسـبب بسيط ،و هو أن الرأسمالية ل تتبنى أي آيدولوجية أصل ،فهي ليست "مسيحية" أو "يهودية" ، و قــد تعدّى هذا النظام الغرب كمركــز و انتشــر فــي دول جنوب شرق آســيا "اليابان" " ،كوريــا الجنوبية" " ،تايوان" و "ماليزيا" ،و حتى "جمهورية الصين الشعبية" الّتي تتبنّى "الشتراكية" هي "رأسمالية مُقنّعة" ،فلماذا يدخل الجميع و بنجاح في هذه التجربة و نكون نحن الستثناء؟!. و لماذا ل نقـــل أن الرضيـــة الناجحـــة تتوفـــر لنجاح التجربـــة فـــي بلدنـــا إذا أضفنـــا إلى "الرأسمالية" نظاما ديمقراطيا كامل يقوم على التعددية الحزبية و الفكرية و العقائدية. و كإضافـة توضيحيـة حول اختلف الرضيـة البشريـة و النفسـية فـي التعامـل مـع القتصـاد بيـن "العالم السلمي" و "الغربي" يقول: " فهناك فــــــي الواقــــــع أخلقيــــــة إســــــلمية تعيــــــش بدرجــــــة وأخرى داخــــــل العالم السلمي وهناك أخلقية القتصاد الوروبي التي واكبت الحضارة الغربية الحديثة ونسجت لها روحها العامة ومهدت لنجاحها على الصعيد القتصادي. والخلقيتان تختلفان اختلفاً جوهرياً فــــــــــــــــي التجاه والنظرة والتقييــــــــــــــــم وبقدر مــــا تصــــلح أخلقيــــة النســــان الغربــــي الحديــــث لمناهــــج القتصــــاد الوروبــــي تتعارض أخلقيــــة إنســــان العالم الســــلمي معهــــا وهــــي أخلقيــــة راســــخة ل يمكــــن اســــتئصال جذورها بمجرد تمييع العقيدة الدينية" إقتصادنا ص 12ـ .13 أود أن أضيــف إلى مــا قاله الســيد الشهيــد نقطــة أهــم تتعلق بالفوارق بيننــا و بيــن الغرب ،إن الفارق بيـن الرضيتيـن ليسـت مجرد اختلف دينـي و عقائدي ،فالختلف الكثـر تجذّرا هنـا هـو أن مجتمعاتنـا ل تؤمـن بالحريـة و كـل مواطـن يجعـل مـن نفسـه "ضابـط مخابرات" يتجسـس على الخريـن ،رغـم أن السـيد الصـدر وضـع نصـاب عينيـه هذا الختلف ،ليـس لنـه يرفـض التجربـة القتصـادية لمجرد العاطفـة ،بـل لنـه يعتقـد أننـا لن نسـتطيع النجاح فـي مـا أسـماه "المعركـة ضـد التخلف" ما لم نستجب للشروط الموضوعية و مراعاة المنطق السائد في مجتمعاتنا ،لكنني أعتقد أنّـ هذا مـا سـيزيد المشكلة تعقيدا و سـيعني هروبـا للمام ،لننـا مـا لم نعلم مجتمعاتنـا و مواطنينـا ثقافـة "الحريـة" و "احترام الرأي الخـر" ،فإن كـل مشروع إقتصـادي محكوم عليـه بالفشـل ،كمـا
أننا إذا تعاملنا مع عقلية مجتمعنا بالستجابة لشروطه الضيقة ،فإن ذلك يعني أننا نشجّع مجتمعنا على أن يوغــل فــي تعص ـّبه و انغلقــه و ســنخسر الوقــت أكثــر مــن أي شيــء ،فل بأس مــن أن يتعرضنا مجتمعنا "السلمي" لضربة ثقافية ،يفيق منها قويا و واعيا ،فذلك أفضل من النعزال على طريقة الهنود الحمر الذين انقرضوا أو كادوا بمجرد رؤيتهم للنسان البيض. يقول السيد الصدر: " إن النســــــــان الوروبــــــــي ينظــــــــر إلى الرض دائماً ل إلى الســــــــماء وحتــــــــى المســــيحية بوصــــفها الديــــن الذي آمــــن بــــه هذا النســــان مئات الســــنين لم تســــتطع أن تتغلب على النزعـــــة الرضيـــــة فـــــي النســـــان الوروبـــــي بـــــل بدلً عـــــن أن ترفـــــع نظره إلى الســــماء اســــتطاع هــــو أن يســــتنزل إله المســــيحية مــــن الســــماء إلى الرض ويجسده في كائن أرضي" إقتصادنا ص .13 سيّد الصّدر من خللها أن يجعل "أوروبا" أود ها هنا أن أعلق على هذه العبارات التي حاول ال ّ مكانــا له ظروفــه و عقليتــه الخاصــة المتلئمــة مــع "الرأســمالية" كنظام ،بالتالي و لنّـ النســان الوروبي ذو منطق "أرضي ـ مادّي" ،فقد حول المسيحية من دين سماوي إلى دين أرضي ،و حقيقـة أننـي مسـتغرب مـن هذا السـتنتاج ،فالديان الّتـي كانـت قائمـة على "التثليـث" و "نزول إبن الله إلى الرض و موتـه فداءا للبشريــة" ،هذه العقائد و الثقافات الّتـي سـبقت المســيحيّة ،كانـت ســائدة فــي الشّرق الوســط " ،الكنعانيّون" " ،الفراعنــة" " ،البابليون" ..و "عودة إيزيــس إلى الحياة" فــي السـاطير الفرعونيـة كانـت أشهــر مـن أي أُســطورة أُخرى ،بالتالي فإن فرض نمـط معيـن مـن التفكيـر على بقعـة أرضيـة مـا ليـس بالسـتنتاج السـليم ،خـذ مثل أديان الشرق القديمـة كعبادة "عشتار" " ،رع" " ،بعــل" و غيرهــا مــن اللهــة ،كانــت تتســم بحفلت جنسـيّة جماعيــة يُشارك فيهـا آلف النسـاء و الرجال مـن غيـر حرج ،بـل إن الحتفال بالتحول الصـّيفي فـي "بابـل القديمــة" كان يصــاحبه احتفالت تتخللهــا علقات جنســية و بشكــل علنــي ،لكــن طبيعــة شعوب المنطقة تغيرت منذ ظهور المدّ الدّيني الول "اليهودية" ث ّم "المسيحية و السلم" ليتحول الشرقي إلى شخـص مختلف تمامـا ،بينمـا حدث فـي الغرب عكـس ذلك تمامـا حيـث أن "الجنـس" و الحياة المادية هي من أكثر المور الطبيعية في الحياة. إذا لماذا حدث ذلك؟ أعتقد أن للمر علقة بـ"ردود الفعل" ،فالشرق و حينما كان يتعامل مع موضوعـة "الجنـس" على أنهـا "متعـة" ل أكثـر ،أصـابه و مـن خلل أجيال مـن الوعـظ و التقريـع ردّ فعل غير متناسب ،بمعنى أنه بدل من تنظيم هذه العلقة الجنسية للستفادة من ميزاتها و دفع أضرارها ،حولها إلى "حرام" و "ممنوع" و تم تضييقها في أضيق الحدود ،مما جعل شخصية الشرقـي "المسـلم تحديدا" شخصـية إنطوائيـة و "مكبوتـة" .أمـا فـي الغرب فقـد حدث العكـس ،فقـد كان الوروبي القديم يعيش في مجتمع تسوده ال ِقيَم العشائرية و القبلية ،ثم انتقل من العشيرة التي
تضيّق على المسـائل الخلقيـة إلى نظام "الكنيسـة" و "البابويـة" التـي تعاملت بصـرامة مـع مسـألة العفة و كانت النتيجة أن حصلت ردّة فعل قوية و معاكسة باتجاه الحرية المطلقة. و أخشى ،بل هذا ما نرجوه ،أن الشرق السلمي ـ و هم ليسوا استثناء في القوانين البشرية ـ سـيحدث له ردّ فعـل مماثـل باتجاه التخلص مـن كـل تقليـد و إعادة دور العقـل فـي صـياغة المفاهيـم الدينية و الجتماعية. سيّد الصدر: يقول ال ّ " كمـــــا أن انقطاع الصـــــلة الحقيقـــــة للنســـــان الوروبـــــي بال تعالى ونظرتـــــه إلى الرض بدلً عـــــــن النظرة إلى الســـــــماء انتزع مـــــــن ذهنـــــــه أي فكرة حقيقيـــــــة عـــــــن قيمومـــــة رفيعـــــة مـــــن جهـــــة أعلى أو تحديدات تفرض عليـــــه مـــــن خارج نطاق ذاتـــــه وهيأه ذلك نفســــــياً وفكرياً لليمان بحقــــــه فــــــي الحريــــــة وغمره بفيــــــض مــــــن الشعور بالســــــتقلل والفرديــــــة المــــــر الذي اســــــتطاعت بعــــــد هذا أن تترجمــــــه إلى اللغــــــة الفلســــفية أو تعــــبر عنــــه على الصــــعيد الفلســــفي فلســــفة كــــبرى فــــي تاريــــخ أوروبــــا الحديثــــة وهــــي الوجوديــــة إذ توجــــت تلك المشاعــــر التــــي غمرت النســــان الوروبــــي الحديـث بالصـيغة الفلسـفية فوجـد فيهـا إنسـان أوروبـا الحديـث أماله وأحاسـيسه ".إقتصـادنا ص .14 إن مسألة اللحاد في الغرب و تحول التيار الثقافي و العقائدي الغربي نحو رفض "الدّين" في تفسيره الذي حاول الهيمنة باتجاه تعليل كل شيء ،ليس مسألة تتعلق بجينات أو مورّثات النسان الوروبــي و الغربــي ،بــل هــي تتعلق بالدور الس ـّلبي الذي لعبــه الديــن فــي القرون الوســطى و خصوصا هيمنة "البابوية" في روما و استغلل رجال الدين لسم المسيح و الكرسي الرسولي في روما للحصول على المزيد من السلطة و النفوذ و وقف أي نوع من العقلنية يصطدم مع مصالح الكليروس و المجامـــع الكنســية ،و كان مـــن الطــبيعي أن تظهـــر حركــة الصـــلح الدّينـــي ( )Religion Reformationخلل القرن 16الميلدي ،إنقلب على إثره العالم الوروبي إلى معسـكرين ،كاثوليكـي و بروتيسـتانتي ،و نتـج عـن صـراع الفكرتيـن "نزع السـلطة عـن البابويـة مقابـل هيمنتهـا الشاملة" سـقوط ملييـن القتلى و الجرحـى ،بـل إن ربـع سـكان ألمانيـا كانوا قـد قتلوا بفعـل هذه الحرب فـي بدايـة القرن 17و بالتالي كان مـن الطـبيعي أن يتوصـل العقـل الوروبـي إلى صــياغة جديدة لدور الديــن فــي الحياة ،صــحيح أن التعامــل مــع الديــن كان يتحول فــي فترة مــن الفترات إلى تعامـل متطرف ضـد الديـن بسـبب التراكـم السـّيء الذي تركـه الديـن فـي تاريـخ العقـل الوروبي ،و ل يعني هذا أن الغرب أو أوروبا تحديدا لم تحاول البحث عن نظرية بديلة ،فكانت أن تنازعت القومية الشوفينية "النازية و البلشفية" على السيطرة و الهيمنة على العقل الوروبي ، و مقابلها أيضا كانت "الشيوعية الماركسية" تحاول تقديم نفسها كبديل للفراغ الذي تركه الدين ،
أثبتـت القوميـة فشلهـا خلل الحرب العالميـة الثّانيـة و اندحار النازيـة الهتلريـة ،ثـم تلهـا التحاد السـوفيتي و المعسـكر الشرقـي فـي نهايات القرن العشريـن ،و اسـتقر المـر أخيرا ،فـي التنظيـر الوروبـي لمفهوم "الدولة" ،على أن تكون الدولة جهازا محايدا للحكـم و ل يش ِعرَ أي مواطـن بأن هناك تمييزا ضده ،و لحُســن حــظ الجاليات العربيــة و المســلمة فــي أوروبــا و الغرب أن الســلطة هناك ل تقيس المور بمقاييس دينيّة ،و إل لكانوا طُرِدوا من هناك منذ أحداث 11سبتمبر 2001 و تفجيرات لندن و مدريد. إذا فالعقل الوروبـي ،حاله كحال كـل مجتمع إنساني ،يعكـس طوال تاريخه ردود فِعل معينة على مواضيــع خارجيــة معينــة ،فل يمكــن لنــا أن نجاري النازيــة فنقول أن لكــل عرق أو شعــب تركيبة جينية مُعيّنة تجعله يفكر بطريقة ما "يبدو المر كحتمية عقائدية" مما يوصلنا إلى القرار بنظريـة "نيتشـة" التـي انتهـت بالفكـر اللمانـي إلى الحزب القومـي الشتراكـي "النازي" ليقودهـم هتلر نحـو الموت الشامـل .بـل إن ردود الفعـل البشريـة فـي الرفـض الخفيـف أو الرفـض العنيـف و المتطرف يبقى نتيجة لتراكمات معيّنة و يتوقف أيضا على نوع و درجة التجربة التي تم خوضها. لكن السّيد الصدر بالمقابل و حينما يحدثنا عن تركيبة الفرد "المسلم" في مجتمعه ل يبدو لنا إن كان يذمّـ الفهـم السـيء للديـن إلى حدّ أن الكسـل كان يقنـع بلباس التقوى و الزهـد ،بالتالي يبدو لنـا المســلم الشرقــي كائنــا أقرب إلى عالم الموات و ل يملك رغبــة حقيقيــة فــي الحياة و هــو بانتظار الموت على كلّ حال ،و ل يَهمّـ بعــد ذلك مــا إذا كان الحكــم الذي يعيــش فــي ظله هذا المســلم ، ديمقراطيا أم دكتاتوريا إستبداديا! لنه فقد الرغبة في الحياة على كُلّ حال. سيّد الصدر: يقول ال ّ " وهذه الغيبيــــــة العميقــــــة فــــــي مزاج النســــــان المســــــلم حددت مــــــن قوة أغراء المادة للنســــان المســــلم وقابليتهــــا لثارتــــه المــــر الذي يتجــــه بالنســــان فــــي العالم الســــلمي حيــــن يتجرد عــــن دوافــــع معنويــــة للتفاعــــل مــــع المادة وإغرائه باســــتثمارها إلى موقف سلبي تجاهها يتخذ شكل الزهد تارة والقناعة أخرى والكسل ثالثة. وقـــد روّضتـــه هذه الغيبيـــة على الشعور برقابـــة غيـــر منظورة قـــد تعـــبر فـــي وعـــي المســـلم التقـــي عـــن مســـؤولية صـــريحة بيـــن يدي ال تعالى وقـــد تعـــبر فـــي ذهـــن مســـلم آخــــر عــــن ضميــــر محدّد وموجّـــه وهــــي على أي حال تبتعــــد بإنســــان العالم الســــلمي عـــن الحســـاس بالحريـــة الشخصـــية والحريـــة الخلقيـــة بالطريقـــة التـــي أحـــس بهـــا النسان الوروبي" .إقتصادنا ص .16 هذه العبارات ذات المغزى ،توضح لنا و إلى أبعد الحدود ،مدى ذوبان "الفرد" كذات إنسانية فـي نقيضهـا "الجماعـة" ،بالتالي فالشبـه بيـن مجتمعاتنـا المسـلمة و مجتمعات الحيوان "النحـل" ، "الزنابيـر" " ،النمـل" و غيرهـا ،شبهـا كـبيرا ،هذا إن لم تكـن مجتمعاتنـا أكثـر جمودا ،فالنحـل و
منذ آلف السنين ينفذ مهامه بشكل آلي متكرّر و دون أن يطرأ عليها أي تغيير يُذكر ،بالتالي فل أمـل مـن تغييـر أو تطويـر هكذا مجتمـع ،و ل داعـي أيضـا أن يرهـق المفكّرون أنفسـهم فـي خلق "فلسـفات إقتصـادية" ،بينمـا ثنائيـا الفرد و المجتمـع ل يملكان الرغبـة فـي الحياة ،و هـي الرغبـة السـاس لي إقتصـاد ،و كمـا قال الصـدر حرفيـا "و هـي ــ يقصـد ضميـر و عقـل المسـلم ــ على أي حال تبتعد بإنسان العالم السلمي عن الحساس بالحرية الشخصية و الحرية الخلقية بالطريقة التي أحس بها النسان الوروبي"!! إنها كلمات كبيرة و مؤلمة و تمسّ الحقيقة ،و بينما كان من المنتظر أن تتحول إصهارات ثقافة رفض الظلم و الطغيان التي زرعها الحسين بن علي و روّاها بدمائه و أبناءه فـي عمـق عالمنـا السـلمي إلى ثورة "عقليـة" و أسـاسا لحريـة تجعـل مـن النسـان إنســانا يحــب الحياة لنفســه و لغيره ،إل أن المؤمنيــن بالثورة رضخوا للعقليــة القائمــة و خلقوا لمجتمعاتهــم "ثوابــت" و "هويات" و "تقاليــد" يجــب الدفاع عنهــا كمــا دافــع أبــو ســفيان عــن قِيــم العشيرة و القبيلة " ،هُبل" " ،اللت" " ،ال ُعزّى". أيها الصدر الكبير ،لقد أصاب قلبك الحقيقة لكن عقلك أخطأ الستنتاج ،فالقتصاد المطروح مـن قبـل السـيد الصـدر كـبرنامج متكامـل ،ل يمكـن تطـبيقه إل فـي ظـل شعـب فيلسـوف يكون أفراده نسخا أخرى تشبه عبقرية الصدر و هذا غير ممكن طبعا ،لن العالم السلمي و قبل أن نتحدث عــن أي إقتصــاد ل يملك حريــة ليبدي رأيــه فــي أبســط مشاكله الحياتيــة فضل عــن الســياسيّة و القتصـاديّة ،لذلك كان الولى لو كانـت صـيغة البحـث الذي صـاغه الشهيـد الصـدر تحـت عنوان "حريّتنـا" قبـل أن تكون "فلسـفتنا" أو "إقتصـادنا" ،إذ أن التعايـش مـع الطغاة مـن قبـل هذه المـة "السلمية"! هو أكبر دليل على فشل هذه المة ،و بالطبع فإن الصدر لم يستطع أن يكون مثلهم و فضّل الموت حرّا على أن يعيش ذليل لطاغية سفـّاح. يقول السيد الصدر: " وقــــــــد عزز فكرة الجماعــــــــة لدى النســــــــان المســــــــلم الطار
العالمـــي لرســـالة الســـلم الذي ينيـــط بحملة هذه الرســـالة مســـؤولية وجودهـــا عالمي ًا وامتدادهــــا مــــع الزمان والمكان فإن تفاعــــل إنســــان العالم الســــلمي على مــــر التاريــــخ مـــع رســـالة عالميــة منفتحــة على الجماعـــة البشريــة يرســخ فــي نفســه الشعور بالعالميـــة والرتباط بالجماعــــــة .وهذه الخلقيــــــة التــــــي يعيشهــــــا إنســــــان العالم الســــــلمي إذا لحظناهـــا بوصـــفها حقيقـــة مائلة فـــي كيان المـــة يمكـــن الســـتفادة منهـــا فـــي المنهجـــة للقتصــــــاد داخــــــل العالم الســــــلمي ووضعــــــه فــــــي إطار يواكــــــب تلك الخلقيــــــة لكــــي تصــــبح قوة دفــــع وتحريــــك كمــــا كانــــت أخلقيــــة مناهــــج القتصــــاد الوروبــــي الحديث عاملً كبيراً في إنجاح تلك المناهج لما بينهما من انسجام" إقتصادنا ص .17 – 16 فليعذرنـي السـلميون و حزب الدعوة خصـوصا إن أبديـت تحفّظاتـي على تعـبير "ُأمّة" ،فهـي تبدو لي كلمــة ضبابيــة و غيــر واضحــة ،كمــا أن الواقــع ينفيهــا ،فامتدادا مــن إندونيســيا و حتــى موريتانيـا و مالي ،ل توجـد دولة إسـلمية تعيـش نوعـا حقيقيـا مـن السـتقرار و النسـجام ،و إن وجــد شيــء مــن ذلك فهــو ظاهري و يخفــي تحتــه كثيرا مــن القســر و الكراه ،بمعنــى أنــه إتحاد يتجاوز حتــى الجبار إلى "الرهاب" ،بينمــا العراق الجديــد الذي يتــم صــياغته بعــد الطاحــة بالطاغية صدّام ،فهو يحاول خلق أول تجربة من نوعها ،و لكن ها هنا ل بد من إتحاد إجباري "بصيغ قانونية" و ليس التحاد الجباري على طريقة الدول العربية الطائفية. فمنطقتنا تفتقد "النسجام القائم على الحرية" ،و ل إنسجام بدون الديمقراطية و حرية الختيار ،و أي إنسـجام يظهـر إلى السـطح تحـت حراب الدكتاتوريـة و أنظمـة البوليـس هـو إنسـجام كاذب و ينفرط عقده بمجرد ضعـف الدكتاتور أو موتـه ،مـن هنـا كان اللزم لتوفيـر بيئة إقتصـادية التهيئة لهـا عـبر توفيـر الحريـة و اختيار "صـيغة تعايـش" بيـن الشعوب يكون التفكيـر الح ّر أسـاسها ،أمـا النسجام الديني و المذهبي أو القومي فهو إنسجام "صوري" ل "جوهري" ناتج عن إختيار حرّ للفراد الذين يشكلون المجموع. إن العلقة بين النسان و البيئة يربطها معتقده و أُلوب فهمه للبيئة و المجتمع ،فالملحد المادّي الّذي ل يؤمـن بأي شيـء عدا القوانيـن الماديـة ،ينتهـي الحال بـه إلى أن يكون هـو الخـر جزءا مـن المحيط الجامد و الغير إنساني ،و النسان الموغل في التدين أيضا يمثل الجانب السلبي المقابل للملحـد ،إذ غالبـا مـا يكون هؤلء المتديّنون إنطوائييـن و منغلقيـن و كسـالى "تحـت شعار التّوكـل على ال" ،لكن يبقى هذا الموضوع شأنا شخصيا ،إذ ل يمكن ليّ أحد أن يفرض هذه القناعة أو تلك على الرأسـمالي "صـاحب رأس المال" ،لكـن فـي الحضارة الغربيـة ــ و تحديدا فـي النموذج المريكي ـ نجد الملّك و الغنياء يتبرعون بمليين الدولرات لصالح الكنائس ،و حتى المساجد ،و العمال الخيريّة كالنفاق على المشرديـن و الذيـن يحتاجون المسـاعدة ،و هذا ممـا يؤكـد أن النظام الديمقراطـي الرأسمالي قـد تخطـى تحدّي "الغراق فـي الما ّديّة" و استطاع خلق علقة بين
أصحاب الموال و العمل الخيري. يقول السيد الصدر: " فنظرة إنســــــان العالم الســــــلمي إلى الســــــماء قبــــــل الرض يمكــــــن أن تؤدي إلى موقــــــف ســــــلبي تجاه الرض ومــــــا فــــــي الرض مــــــن ثروات وخيرات يتمثــــــل فــــــي الزهـــــد أو القناعـــــة أو الكســـــل إذا فصـــــلت الرض عـــــن الســـــماء وأمـــــا إذا ألبســـــت الرض إطار الســـــماء وأعطـــــي العمـــــل مـــــع الطبيعـــــة صـــــفة الواجـــــب ومفهوم العبادة فســـــوف تتحول تلك النظرة الغيبيـــــة لدى النســـــان المســـــلم إلى طاقـــــة محركـــــة وقوة دفـــع نحـــو المســـاهمة بأكـــبر قدر ممكـــن فـــي رفـــع المســـتوى القتصـــادي .وبدلً عمـــا يحســــه اليوم المســــلم الســــلبي مــــن برود تجاه الرض أو مــــا يحســــه المســــلم النشيــــط الذي يتحرك وفـــــق أســـــاليب القتصـــــاد الحـــــر أو الشتراكـــــي مـــــن قلق نفســـــي فـــــي أكثــــــر الحيان ولو كان مســــــلم ًا متميعاً ســــــوف يولد انســــــجام كامــــــل بيــــــن نفســــــية إنسان العالم السلمي ودوره اليجابي المرتقب في عملية التنمية" إقتصادنا ـ ص .17 إنّـ كلم السـيد الصـدر هـا هنـا يبدو لي و كأنـه اسـتشراف لحقيقـة العلقـة الواجـب إيجادهـا بيـن ال ِقيَم الدينيّة و القتصاديّة الدنيويّة ،المر الذي سيحقق للمجتمع هدفين أساسيين هما :أول :تنشيط التجارة و حركتها السريعة في تبادل رؤوس الموال و الرباح .ثانيا :توفير المال للعمل الخيري و الخدمات الساسيّة من طعام و مأوى للمسحوقين أو الذين لم ينجحوا في الحياة .لكن يبقى المر هـا هنـا هـو مسـألة تنظيـم قوانيـن ل تتغلف بغلف الديـن ،بمعنـى أن أي قوانيـن يُصـاحبها خطاب ديني أو وعظ ،تُقابَل عادة بالرفض و التهرب ،و لنه ل يوجد إنسان كامل ،و حتى أؤلئك الّذين رافقوا النــبياء كانوا بشرا لهــم رغبات و شهوات و حتــى أن كثيرا منهــم أطاع الشيطان ،إذا ل يمكـن لنـا أن نتّهـم إقتصـادا مـن القتصـادات ،كالرأسـماليّة هنـا ،بأنهـا فاشلة لنّـ بعـض الغنياء و المترفين تهرّبوا من دفع الضّريبة للدولة ،و حتى في إيام النبي محمد عُرف أحد المسلمين و هو "ثعلبـة" بأنـه بخـل و لم يدفـع الزكاة و بالتالي تركـه النـبي محمـد و هـو حزيـن دون أن يُعاقبـه أيّـ عقاب. إن الصــدر فـي محاولتـه خلق علقــة مماثلة بيـن الرأسـمالي "المســلم" و القوانيـن الطبيعيـة و البيئيّة ،قد نجح إلى حدّ كبير في فهم العلقة بين القتصاد و خدمة المجتمع ،لكن يبقى الشكال هـا هنـا هـو :هـل مـن الممكـن وضـع رقابـة فوقيـة "دينيـة" على القتصـاد؟ الحقيقـة أن المجتمـع الشيعـي اليرانـي كان أقوى حينمـا كان يُديـر تجارتـه و تعاملتـه فـي ظـل نظام الشاه الذي كان قـد فتح أبواب القتصاديّات الكبرى أمام اليرانيين ،و كانت المدارس الدينية في إيران تحصل على ملييــن الدولرات مــن التــبرعات و الصـّدقات ،لكــن منــذ ثورة 1979و هيمنــة النظام الدينــي ، تراجعت مداخيل الدّولة اليرانية و راحت بعض مدارس الدولة "الدّينية" تتلقى أموال حكومية ،
بمعنى أنه ل يجوز لهم أصل التّصرف بهذه الموال لنها تعود للقطاع العام. إن الظّن بأن إقتصــادا "إســلميا" قائمــا على المباديــء الخلقيــة ســيكون ناجحــا ،هــو ظنّ خاطيـء ،فمـا أسـهل على تاجـر أو رأسـمالي أنانـي أن يُطيـل اللّحيـة و يحمـل مسـبحة و يتمسـّح بالكعبـة و القرآن و يذرف دموع "التقوى و الورع" ،لكـن فـي السـّوق و التعامـل المباشـر ل تجده يختلف عن عن أسوأ المرابين و المحتالين ،يقول السيد الصدر: "ومفهوم إنســـــان العالم الســـــلمي عـــــن التحديـــــد الداخلي والرقابـــــة الغيبيـــــة الذي يجعله ل يعيـــــش فكرة الحريـــــة بالطريقـــــة الوروبيـــــة يمكـــــن أن يســـــاعد إلى درجـــــة كـــــبيرة فـــــي تفادي الصـــــعاب التـــــي تنجـــــم عـــــن القتصـــــاد الحـــــر والمشاكـــــل التـــــي تواجههـــا التنميـــة القتصـــادية فـــي ظله عـــن تخطيـــط عام يســـتمد مشروعيتـــه فـــي ذهـــن إنســـان العالم الســـلمي مـــن مفهومـــه عـــن التحديـــد الداخلي و الرقابـــة غيـــر المنظورة أي يستند إلى مبررات أخلقية" إقتصادنا ـ ص .17 و المـبررات الخلقيـة هنـا ل فائدة منهـا ،على صـعيد الملموس ،لنّـ المسـألة الخلقيّة تبقـى مسألة شخصيّة و ذاتية ،و لكن يُمكن فرض قوانين ـ و هذا ممكن في كلّ المجتمعات و القتصاد المريكـي معروف بضرائبـه الباهظـة و عقوباتـه الشّديدة على المخالفيـن ــ و بموجـب هذه القوانيـن المشدّدة ،الّتي تراعِ مصلحة المجتمع ،من الممكن أن يتردّد التاجر و الرأسمالي و المستثمر ألف مرّة قبل أن يُقدم ـ مثل ـ على التهرب من الضّريبة. أردنـا مـن هذا النقـد البسـيط لبعـض أفكار الشهيـد الصـّدر الول أن نوضـح أن حزب الدعوة ــ و مـن خلل مؤسـّسه ــ هـو أقرب إلى الديمقراطيـة مـن الحركات السـلمية الُخرى ،و كأن هناك خطوة واحدة بقيـت للسـيد الصـدر ليكون فـي وسـط المعسـكر الديمقراطـي ،إذ أنـه لم ينتقـد النظام الديمقراطــي الرأســمالي إل على مســتوى بســيط إذا مــا قورن بمواجهتــه للنظاميــن الشتراكــي ، الشيوعـي ،و القومـي ..إذ كان نقده لهذه النظريات نقدا على مسـتوى "الصـراع" و إيقاف امتداد هذه النظريات الشّموليّة ،و الملحظ أنه لم ينتقد "النظام الرأسمالي المريكي" ،ربّما لنه أعتقد أنّ عليه الطلع أكثر على مزايا هذا النظام أو لقناعته أنه أفضل نظام موجود. إن حزب الدعوة و مـن خلل متابعتـي لتصـريحات الدكتوريـن الجعفري و المالكـي ،معجبان بالتجربــة التركيــة الحاليــة و التــي ضمنــت مشاركــة "إســلميّين" فــي الســلطة مقابــل الحفاظ على "علمانيّة" و حياديّة الدولة ،و فعل فمنذ خروج الحزب من العراق في نهاية السبعينيات و لجوءه ن الدعوة دخل في خلفات مع "النظام الدّيني في إيران" حول استقلليته إلى إيران و الغرب ،فإ ّ السـياسية و تمسـّكه بالخيار الوطنـي العراقـي ،لكننـي أسـتثني و أتحفـظ على "الصـدريين ــ جماعـة مُقتدى الصـــدر" الّذيـــن شوهوا حزب الدّعوة عـــبر تبنيهـــم الخطاب المتطرف ،و مهمـــا حاول "البعثيون" و آخرون يريدون إزاحــة هذا الحزب مــن المشاركــة ،و رغــم تحفـ ـّظاتي على كثيــر
مواقــف و آراء حزب الدعوة ،إلّ أنــه و للحقيقــة أكثــر تمس ـّكا بالبرامــج الوطنيــة مــن كثيــر مــن الحزاب التي ترفع "شعار" الوطنية و العلمانية و هي ليست إل عصابات وراثية. العراق الذي تشكّل بعد تحريره من نظام البعث و حكم صدام في 2003هو بيئة خصبة لنشر ل مـا يجري مـن أعمال إرهابيـة يشنهـا بعثيون مـن أنصـار النظام القديـم و الديمقراطيـة ،رغـم ك ّ سلفيين تكفيريين "الحركة الوهابية" و أحزاب قومية و طائفية لم تتمكن بعد من فهم الديمقراطية ، و الصح أنها ل تريد التعامل بالديمقراطية كونها تؤمن بالـ"قوميّة" على نسق "حزب البعث" إل أنهــا قــد تكون منتميــة إلى قوميّة أُخرى غيــر عربيّة ،و المشكلة التــي يعيشهــا العراقيون الن ، بالضافـة إلى الفلتان المنـي ،هو دسـتورهم المليـء بالثغرات و الذي سـيتسبب مسـتقبل ــ و أرجـو أن أكون مخطئا ـ ـ فــي إفشال العمليــة الســياسية برمّتهــا و بالتالي دخول العراق فــي نفــق مظلم ، فالعراق ،كمـا وصـف البعـض دسـتوره الجديـد ،خلطـة مثيرة للعجـب و للشمئزاز فـي آن واحـد ، فل هو دولة علمانية و ل إسلمية دينية ،و ل هو فدرالية أو مركزية أو حتى مؤلّف منهما ،إنه باختصار دستور موزّع على هيئات سياسية معيّنة ،و إضافة إلى التشوهات الجينية التي أضافها القوميون "العرب و غيـــر العرب" إلى هذا الدســـتور حول هويـــة العراق "القوميـــة" ،عمـــل السـلميون إيضـا ــ سـّنيّهم و شيعيّهـم ــ على تشويـه الدسـتور بإضافـة نصـوص دينيـة يختلف فـي تفسيرها حتى أصحاب المذهب الواحد. مـن الصـعب ،إن لم يكـن مـن المسـتحيل ،إقامـة نظام ديمقراطـي راسـخ و قوي ،فـي ظـل سـلطة مركزيـة هزيلة و صـوريّة و ل تملك سـلطة فعليـة ،و أيّ مراجعـة للنظمـة الفدراليـة العالميّة ، تظهر لنا و بوضوح أهمية تقوية المركـز للحفاظ على التناسـق بين القاليـم و المحافظات ،و لكن هذه الدولة تسـير بصـعوبة لنّـ كـل طرف كوّن لنفسـه نظريّة كاملة و شاملة عـن مفهوم الدّولة فـي العراق و لكــي تتناســق الدولة مــع "مفهومهــا" لدى كــل حزب ،ل ُبدّ مــن البدء مــن الصــفر ، فالســلمي يدعــو إلى الديمقراطيــة و الحريــة مضافــا إليهــا عبارة "و ..لكــن" ،فمــن إحترام "السلم" مرورا بـ"ثوابت السلم" ث ّم "شخصيات التاريخ السلمي"! ،تصبح الديمقراطية و الحرية مجرد كلمات رنّانة ،و نفس الشيء يحدث مع الحزاب المؤمنة بالصراع القومي و بناء دولة داخـل الدولة ،إذ ل يجوز التطاول على "الهُويّة القوميّة" و واجـب هـو "إحترام المناضليـن" الموجودين في السلطة و أن الوطن العراقي نفسه حافل بالعداء !! ..إن الديمقراطية ليست مجرّد انتخابات ــ رغـم أهميّة النتخابات الحرّة و النزيهـة ــ إلى أن هناك حريّات تعتــبر مـن أسـاسيّات حقوق النســان و المواطنــة و ل تســتطيع أي أكثريّة أو أقليــة أن تُلغــي هذه الحقوق كونهــا قائمــة بذاتها.
حــــــــــول حــــــــــــــــقــوق المرأة مما ل شكّ فيه أن مسألة حقوق المرأة في العالم السلمي أو العالم المسلم ،تعدّ من أكثر المسائل تعقيدا و صـعوبة فـي الملئمـة بيـن مـا أصـبح نظرة متوارثـة تجاه المرأة و مـا بلغتـه الدّول الحديثـة مـن إنجازات فـي هذا المضمار ،فالنظرة السـلميّة السـّائدة و حتّى أكثرهــا اعتدال ،تنظــر إلى الُنثى و المرأة على أنها أقلّ مرتبة من الرّجل ،و غالبا ما تُقارن المرأة بالطفال أو الحيوانات ، و كلّ محاولت السـلميين ،الّتـي يمكننـا متابعتهـا فـي كتاباتهـم و محاضراتهـم ،فـي إقناعنـا بأن المرأة ل تعانــي مــن أي تهميــش أو إقصــاء هــي محاولت فاشلة و تجانــب الواقــع ،صــحيح أن الوضاع تتفاوت مـن مكان إلى آخـر و هناك فروقات حتّى فـي البلد الواحـد فـي التّعامـل مـع المرأة سلبا أو إيجابا. إن معاناة المرأة فــي العالم المســلم ل تقتصــر على تجاهــل حقوق النّســاء مــن قبَل الســلطة فقــط ، فالمجتمع له دور كبير أيضا في إقصاءها عن الحياة أو تحجيم مشاركتها في الشأن العامّ ،كما أنّ السلميين ـ و حتى كثير من النظمة و الحزاب الّتي تعلن أنها علمانية ـ يق صّرون دور المرأة على أن تكون تبعا للرجل سواء كان هذا الرجل هو زوجها أو أباها أو أخوها أو حتّى إبنها ،لقد كان السلم في أوّل أيّامه قد أنجز تغييرات ثورية في المساواة بينها و بين الرّجل ،لكن حاليا و بعــد 1400عام ،فقــد آن لكثيــر مــن الشياء أن تتغيّر ـ ،و مــن ضمنهــا مســألة "ضرب الرّجــل زوجتــه" ،و ليــت المــر اقتصــر على الضّرب ،إذ غالبــا مــا تُقتَلُ المرأة أو الفتاة فــي المجتمــع الشرقـي لمجرّد الشّك فـي أنّـ لهـا علقـة غيـر شرعيّة بشخـص مـا ! و غالبـا مـا يتـم تغطيـة الجرائم ضــد النّســاء بـــ"جرائم الشّرف" أو بحجــة "غســل العار" و هــي فعل مثلبــة و نقيصــة فــي جــبين المجتمعات و الدول "السلمية". صـحيح أيضـا أن المرأة اليرانيّة ــ مثل ــ تمتلك حقوقـا كـبيرة إذا مـا قورنـت بالمرأة السـعودية و الخليجيّة ،إلّ أن هناك أيضا معاملة سيئة ضد المرأة فيما يتعلق بالضرب أو الحريّة الشخصيّة ، لكن أيضا على المنظمات الغربية الّتي تتابع حقوق النسان و حقوق المرأة أن ل تنظر إلى حقوق المرأة من زاوية واحدة كمسألة "الحجاب" ،صحيح أن فرض الحجاب بالقوة ،كما هو الحال في السـّعوديّة و بشكـل أخفّـ قليل فـي إيران ،هـو أحـد الجوانـب السـلبية الّتـي تُمارَس ضدّ المرأة ،إذ حرّ ،أمّا فرض نمـط ينبغـي أن تكون مسـألة الحجاب إختياريـة و نابعـة مـن الختيار الشخصـي ال ُ معين من التّصرّف الشخصي فهو مما يطعن في شرعية أي نظام ،بما في ذلك النظام السلمي. يُحاول السـلميون ،كمـا هـو حالهـم فـي كـل شيـء ،إقناعنـا أن المور فـي العالم المسـلم ممتازة و أن المرأة تمتلك كافة حقوقها و هي سعيدة في أن تكون تابعة للرّجل "لنّ هذا ما يريده ال لها"! ، بل إن هناك من النسوة من يدافعن عن هيمنة الرّجال بحجة أن هذا هو النظام الطّبيعي الّذي ينبغي للمرأة أن تعيشه.
لكــن الواقــع يُكذّب هذه الدعاءات و وقوع إعتداءات جنســية أو عنــف أو قتــل هــي فــي إزدياد مضطرد ،و كُلّما سادت ال ِقيَم الدّينيّة في أي مجتمع ،كلما زاد العنف تجاه المرأة ،كما أن تبعيّة المرأة إلى الرّجـل إقتصـاديّا هـي أحـد أهـم السـباب الّتـي تجعـل المرأة متردّدة و خائفـة فـي الحديـث عن معاناتها أو المطالبة بحقوقها ،و إذا ظنّ السلميّون من أمثال محمد قطب و آية ال مطهّري أن مجرد تغطيـة معاناة المرأة بلحاف ثخيـن هـو كفيـل بإسـعاد المرأة ،فهذا خطـأ ل حاجـة لنـا فـي تفنيده ،و غايـة مـا يفعله هؤلء هـو مقارنـة حقوق المرأة المسـلمة مـع نظيرتهـا الغربيـة قبـل 1000 عام من الن ،و ل يستطيعون مناقشة الموضوع على ضوء الواقع الحالي و المعاصِر. و سـنأخذ عبارات تتردّد بيـن السـلميين كنموذج للمناقشـة حول كيفيّة تعامـل المسـلمين و السـلم "السـائد حاليّا" مـع المرأة أو الجنـس اللطيـف بشكـل عام ،فالمرأة فـي العالم المسـلم تتعرض لكثيـر مـن العنـف الُسـَري و الجتماعـي و السـياسي ،و ل غرابـة فـي أن نجـد المرأة الّتـي تتعرض إلى الغتصـاب فـي بعـض البلدان تُرجـم حتـى الموت بحجـة أنهـا "زانيـة"! أُنظـر :الخلل فـي السـلم ــ إرشاد منجي ص .6 يقول أحدهم: " السؤال الذي يطرح نفسه ونحن نتحدث عن قضية تحرير المرأة هو:هل للمرأة قضية في مجتمعنا؟ولماذا هذه الثارة حول المرأة؟هل ضاعت هويتها لدرجة أن تطرح أسئلة عريضة مثل :أيتها المرأة أين هويتك؟أو هل هي مظلومة حتى تعلن المرافعة ضد الرجل؟ إن وضع المرأة ومهمتها في المجتمع قضية واضحة في دين ال ،لذلك جاءت التشريعات الخاصة ببناء البيت المسلم والمجتمع المسلم وبالعلقات بين الرجل والمرأة محددة وواضحة، بل إن الصل الذي قام عليه مبدأ الذكر والنثى في الكون هو الذي أصله الدين ،وهو وضوح هوية المرأة ووضوح مهمتها في الحياة" أن ترفض سؤال مطروحا بشدة فهذا يعني أنّ هؤلء ينظرون بشكل سلبي ،و كأنهم يُعلنون لنا ن الرّجل يعاني في مجتمعاتنا فضل عن المرأة و هي أنهم يرفضون الموضوع جملة و تفصيل ،إ ّ ن هذا هو ما تريده ذلك الكائن الضعيف المحبوس في قفص فرض عليها قسرا و بحجة أ ّ النّصوص المقدّسة! فالمرأة لها دور وحيد هو "البيت" فبين هذه الجدران يكمُن عالمها كما يقول هؤلء المعمّمون ،و دائما يكون جواب هؤلء المُنظّرين الدّينيّين هو أن للمرأة "هُوية إسلمية"! ل يمكن لها أن تتخطّاها ،و من الواضح أنّ هذه خدعة فكريّة تنطلي على كثير من النّساء ،و غالبا ما يتم النظر إلى المرأة على أنها "كُتلة من الغراء" و بمجرد أن تخرج إلى الحياة و العمل تكون عُرضة للنحلل الخلقي! و هي خدعة مكشوفة لتجاوز السؤال الحقيقي الّذي يقول :و ماذا ن مقارنة بسيطة بين ما يتوفر في الغرب من ح ّريّة ارتداء عن هويّة المرأة النسانيّة !"..إ ّ الحجاب أو عدمه ،و تضاءل هذه الحريات في البلدان المسلمة يُظهر أن هناك جبال من الجليد يُريد المشايخ و المللي و حكومات المنطقة "القوميّة" تجاوزها و بكل بساطة ،خصوصا و أنّهم ل يملكون حقّ احتكار تفسير النصوص المقدسة ،خصوصا و أنّ هؤلء المدّعين للتديّن يقفون ضد تطوير فهم النصوص فضل عن فهم الواقع ،كما أن التّفاسير الحاليّة للقرآن و الحاديث ل
يمكن لها أن تكون الفهم النّهائي للنّصوص المقدسة و بالتّالي ل بد من محاكمة و نقد "التّراث الدّيني" الّذي اختطف الدّين من أيدي المتديّنين. من هنا نجد أحدهم يقول: " لقد تخصص كل من الرجل والمرأة بمهمة ل يستطيع الخر أن يقوم بها بالصورة المطلوبة: فالمرأة مشغولة في البيت ،فالصل بقاؤها فيه لتؤدي رسالتها إل لحاجة تخرجها عن الصل. والرجل يتولى أمور ما خارج البيت ،وإذا اختلطت المهام بينهما حصل الضطراب حتى يشمل المجتمع ،ثم الحياة كلها". العجيب هو أمرُ هذا التّخصّص الّذي يطرحُهُ هؤلء المشايخ ! أيّ اختلط في المهام هو الّذي ن الحياة في تغيّر و تطوّر مستمر ،و بالمس كانت المرأة ل تقدر على يُحدثنا عنه الشيخ ! إ ّ منافسة الرّجل و هي اليوم ،في أكثر بلدان العالم ،رئيسة ،رياضية ،صحفيّة ،قائدة طائرة و غير ذلك من الُمور الّتي كانت حكرا على الرّجال ،أمّا أن يفرض المشايخ رؤىً تعود لقرون خلت على أساس أنها "السلم"! فهو غير مقبول ،إن النظرية تكون عديمة الجدوى حينما ل يكون لها حظّ من التطبيق ،و الواقع يُناقِض كُلّ أُطروحات المشايخ و فقهاء الجمود العقلي ،و حينما يجدون أن بقاء المرأة في البيت يخلق الكثير من المشاكل و ليس سجنها بديل عن خروجها ! يلجأ هؤلء الفقهاء و السلميّون إلى التّمسّك بأهداب نظريّة أُخرى أش ّد ضعفا من الولى فتراهم يدّعون أنّ :ديننا السلمي يختلف عن ذلك المسيحي الغربي !"..و كأنّهم يقولونها ن السلم هو دين التّخلّف و الرّجعيّة ،ففي الغرب المسيحي و تركيا السلميّة و و بل حياء أ ّ ل النظام و الحياة ، اليابان التّاوية تخرج النسوة للعمل و منافسة أقرانهنّ من الرجال دون أن يخت ّ ن المرأة تُساهم بدورها حينما تخرج للعمل في فبدل من أن يكون للعائلة مصدر واحد للدّخل فإ ّ إضافة مدخول جديد للُسرة. ي تغيير أو ل إثارة الرّعب في وسط المجتمع من أ ّ إنّ الشيخ و من هُم على شاكلته ل يتقنون إ ّ جديد ،بمعنى أنّهم ل يختلفون عن أؤلئك "الكُفّار" الّذين وقفوا في وجه النّبي محمد و كانوا دوما يصفون دين ُه بالبدعة ـ بمعنى أنها الحداثة بعينها ـ بالتّالي يجب تجاهُل هؤلء المُقلّدين ،فنجد الشيخ يقول: " ونقول بعد ذلك :إذا كانت لقضايا المرأة المطروحة ما يفسر أسباب إثارتها في مجتمعات معينة ،نقول يفسرها ول يبررها ،فإننا ل نجد تبريرا بل ول تفسيرا لطرح هذه القضايا وإثارتها في مجتمعنا ،حيث تسود قيم السلم الضابطة لوضع المرأة في المجتمع. لذلك يأتي تحذيرنا لكل الغيورين في مجتمعنا من مثل هذه الدعوات التي تريد إخراج المرأة عن بيتها وعن مهمتها ورسالتها وطبيعتها ،وإذا حصل ذلك -ل سمح ال -فل تسأل عن هلكة المجتمع" ن وضعنا المزري و المُتخلّف هو "السلم بعينه" و أن محاولة تغييره سينتهي ن الشّيخ يعتبر أ ّ إّ بهلك المجتمع كما يزعم ،و حسب الشّيخ فإن علينا مواجهة هذا "السلم"! إذا أردنا أن نقوم بأيّ تغيير ،و هذا النمط من التّفكير الجامد الّذي يستكين للجمود و الثبات هو النمط المُفضّل للنظمة الدّكتاتورية و حكومات الطّغيان ،فالصّحيح أن أيّ نوع من التّغيير ،مهما كان طفيفا ، يُخشى منه تغيير النّظام السياسي القائم على الحبس و القهر و السّجن ،سجن العقول ،سجن الفواه و تكميمها و حبس المرأة في البيت ،و محاولة هؤلء في وصف وضع المرأة في بلداننا يشبه دور الذّئب الّذي يحاول إقناع "الخروف" باتباع تعليماته حفاظا على حياة "الخروف" من الحيوانات المفترسة ،و نسألهم :إذا كان بقاء المرأة رهينة بيتها هو ما يريده السلم ؟ فلماذا
ي و تتسبّب في خرجت ُأمّ المؤمنين عائشة من المدينة و حتى البصرة و تخوض حربا ضدّ عل ّ مقتل 30ألف شخص ؟ فإذا كانت عائشة مخطئة فعلى الشيخ و مدرسته إعادة النّظر في مجمل نظريّاتهم السلمية الّتي بنو عليها قناعاتهم منذ 1400عام من الن ،أو أن يتراجعوا عن موقفهم السّلبي من عمل المرأة و مشاركتها في المجتمع و السياسة و القتصاد. يقول أيضا: "إن وضع المرأة في مجتمعنا ل يمكن أن تحلم به تلك المرأة الغربية سواء كانت بنتا أو زوجة أو أما. وبنظرة موضوعية لوضع المرأة في الغرب :وهي بنت تتقاذفها أيدي الذئاب البشرية. أو زوجة كادحة ل تأوي إلى بيتها إل كالة مرهقة لتشارك الرجل حتى في دفع أقساط السيارة وإل فل قيمة لها. وأما يقذفها أولدها بالنهاية في إحدى دور الرعاية الجتماعية" من الواضح أن الشّيخ يتحدث عن أوهامه الخاصة ،فالمرأة الغربيّة ل تمارس الحياة الباحية كما يتوهم ـ و ربّما يشاهد هو الكثير من أفلم هوليود ـ إل كإختيار شخصي ،و المرأة الغربيّة ل تكاد تصل قمّة الشّباب إل و قد شاهدت و زارت عددا من الدّول ،بينما المرأة عندنا ل تكاد تخرج من البيت إلّ محاطةً بالعين و الرّقابة المشددة ،ثمّ إنّ المرأة الغربيّة لديها فرصة في شيخوخة مريحة ،بينما المرأة المسلمة في كثير من المجتمعات المسلمة تموت قبل أن تبلغ 65عاما بالضافة إلى أنّه من غير المتاح لها الدّفاع عن نفسِها في ظل تبع ّيتِها للرّجل. و كونها حاجة من حاجيات الرّجل أو جزء من اهتماماته المتعددة ،و يقول: " نقول بنظرة منصفة إلى حال المرأة المسلمة في مجتمعنا وهي بنت مصونة يحافظ عليها الرجل كجزء من حياته. أو وهي زوجة مكفولة بواسطة الرجل حتى ولو ملكت ما ملكت من المال" ن مسألة كرامة المرأة و حمايتها مرهونة بطبيعة الب أو الزّوج أو أيّ ذ َك ٍر يتحكم معنى هذا أ ّ بحياتها ،و مجتمع كهذا ل يمكن أن يكون سليما ،إذ ل دور للقانون أو النظام "الدّولة" في حماية ض النظر عن طبيعة القوانين هناك المرأة كونها ضعيفة و بحاجة لحماية ،فدول الغرب و بغ ّ طنّانة و إنما عبر تطبيق القانون الّذي يكفل الحماية تحمي مواطنيها ل عبر الشّعارات و الكلمات ال ّ و المساواة. إن الديمقراطية في دولنا ،حتى في حال وجدت كما في العراق بعد تحريره من نظام البعث ، 2003تبقى ديمقراطيّة شوهاء و شبه عاجزة بفعل الدّساتير الّتي تقوم على العواطف الدّينيّة و القومية ،كإحترام "ثوابت السلم"! الّتي ل يعرف أحد عنها شيئا ،فما هو ثابت في مذهب من سنّة ،نجده غير ثابت في المذاهب ،مثال ُه مسألة تقديس الصّحابة فاسقهم و فاجرهم و تق ّيهِم عند ال ّ المذهب الشّيعي الّذي يصنّف الصحابة أتقياء صالحين و آخرين مجرمين محترفين ،و المسألة سنّي ل ذاتها تتكرّر في مسألة ميراث أبناء البنت الّتي تموت قبول أبيها ،فحسب المذهب ال ّ يصلهم شيء من الميراث ،أما الشيعة فهم على العكس يعطونها حِصّة كاملة. من هنا كانت حاجة بلداننا إلى القوانين المدنيّة ل تقل عن حاجة الغربيين إليها ،إن لم تكن أشدّ حاجة ،و مرّة أخرى يخرج الواعظ المرعِب الشّيخ ليقول: " وتذكروا قول النبي صلى ال عليه وسلم ...((:اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)) .وحديث(( :ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)) وغير ذلك من التحذيرات من الذي ل ينطق عن الهوى"
فهو لدراكهِ ضعف منطقهِ و لنّه يعلم تماما أن المرأة ستحرّر ،حالها حال سائر قطاعات ن المرأة الشّرقيّة المجتمع و الحياة ،فإنّه يخوّف المجتمع عبر التّهديد ،و يُظهر عبر كلماته أ ّ المسلمة هي فعل بحاجة إلى تحرير و تغيير أوضاع و أن ننتقل بها من حيوان للتمتّع الجنسي و النجاب إلى شريكة للرّجل في كل مناحي الحياة ،و حتّى هذان الحديثان المزعومان فإنّهما ي تُذكّرنا بموقف التوراة من حواء حيث حمّلتها كُل تبِعات يطعنان في أصل خلقة المرأة ،و ه َ جنّة ،فإذا كانت المرأة عدوّة للرّجل إلى هذا الحدّ فلماذا خُلِقَت أصل. خروج آدم من ال ّ ن المجتمع ل نظام ديني ـ هو أ ّ ن اليجابيّة المهمة في وضع المرأة اليرانية ـ و هي في ظ ّ إّ يقبل بأغلبيّته مشاركة المرأة في الحياة العامّة فنجد هناك الصحفيات و السّياسيّات و الرّياضيّات و حتّى الممثّلت المشهورات ،بينما ل تتوفر كُلّ هذه الخطوات في دول الخليج و دول شمال أفريقيا ،و هذا ل يعني أنّ النظام اليراني هو نظام جيّد ،بل هو جيّد بالمقارنة مع أنظمة إسلميّة أُخرى و ليس مقارنة بالغرب و العالم المتحضّر. و قراءة بسيطة لراء الخوان و مشايخهم من أمثال محمد قطب و محمد الغزالي و القرضاوي ،تظهر لنا أنّ هؤلء ل يتعاملون مع الموضوع تعامُل الباحث المجتهد الّذي يُحاول العثور على فهم جديد للنّص لمشاكل معاصرة ،بل ينظر هؤلء للموضوع على أنّه "معركة" من ضمن "المعارك" الكثيرة الّتي يخوضونها و الّتي ينبغي أن تنتهي لهم بنصرٍ مؤزّر على الغرب "الصّليبي" و على المرأة الجاسوسة العميلة ! إن شريعة مضى عليها 1000عام من الرّكود و توقف البحث العلمي و العقلي ،جدير بهكذا "شريعة"! أن تزيح نفسها من أمام عجلة التطور و الصلح و تحرير المرأة هو جزء مهم من هذا الصلح ،و معروف أن أن أكثر من نصف مجتمعاتنا هم من النّساء ،خصوصا في بل ٍد كالعراق خاضَ عدة حروب متتابعة ،و تعطيل أكثر من نصف المجتمع يعني الحكم على مجتمعاتنا بالموت. ن العرف العشائري يضفي على نفسه "شرعيّة دينيّة" و من ُث ّم تتم كثير من الجرائم كما أ ّ تحت شعار "الدّين" أو بتبريرات دينيّة ،فمثل ليس هناك نصّ صريح يأذن بقتل المرأة أو الرّجل المتّهمين بالزنا ،صحيح أن هناك موروثا من الرّجم ـ يشبه الموروث اليهودي التّوراتي ـ و حتى ن المُطبّق فقهيا عبر تاريخ المسلمين هو "الرّجم" ، النّص القرآني يتحدث عن "جلد الزّاني" إل أ ّ و حتى هذا الخلط بين "الجلد" و "الرجم" يبقى ضبابيا من نواحي أُخرى ،كنوع الحجارة المستخدمة في الرجم من حيث نوع الحجارة أو الحصى و الجلد من حيث نوعية الداة ن المسلمين عموما ينظرون إلى مسألة العلقة الجنسية ،خصوصا بين الرّجال و المستخدمة ،إ ّ النساء ،نظرة مليئة بالتضييق و المحاسبة و تتبّع حريّة الخرين ،و هو ما يخلق الكثير من المشاكل الجتماعية و الزمات النفسيّة. و حسب العصر الحديث و نحن نبني أبنيتنا من السمنت و الجدران العالية ،فمن شبه المستحيل أن يحدث و يُشاهد أربعة شهود "عدول"! حالة تورط في الزنا ،يقول المرحوم فرج فودة بعد أن يُحدّثنا عن إيقاف حكم الرّجم من ِقبَل عمر بن الخطاب على المغيرة بن شعبة لمجرد أن شاهدا من أربعة شهود شكّ في ما رأى: " وإذا كان أسلوب بناء المساكن في عهد عمر هو السبب في فضيحة المغيرة ،فماذا يكون الحال بالنسبة لمبانينا الحديثة ،التي ل يستطيع فيها الهواء أن يرفع شيش النافذة أو زجاجها ،ناهيك عن أبوابها ومغاليقها وأقفالها ؟
وإذا كان تلجلج أحد الشهود هو مبرر نجاة المغيرة ،فماذا يكون الحال في مواجهة شهود مهنتهم الشهادة ،ولو زادهم المغيرة خمساً لقسموا أنه كان مستقبلهم وأنها كانت زوجته ،ولو أنقصهم خمساً لقسموا أنه كان مستدبرهم وأنها كانت أم جميل" الحقيقة الغائبة ص .57
إن غياب النّبي و المعصوم "المام معصوم كالنّبي حسب العقيدة الشّيعيّة" كفيل بإيقاف تنفيذ هذه الحدود كون الصّورة أصبحت ضبابيّة إلى أبعد حد و ليس هناك حدود أو أحكام واضحة بهذا الشأن ،و بدون العلمانية و حقوق الفرد و من ضمنها حقّ المرأة في إختيار شريك حياتها و ي أمل بالتقدم و التطور. أسلوب و نمط الحياة ،ل يمكن أن يكون هناك أ ّ
مناقشة عـــــامّــة. يعيش الشّرق المسلم الن حالة خطيرة من الجمود العقلي ،النظمة الفاسدة ،فقهاء النحطاط ، الثّقافة الفاشيّة القوميّة و السلمية ،ترسيخ ثقافة عبادة الذّات و إنكار الخر ،تبرير العنف بمختلف الحُجج الدّينيّة و القوميّة ،مركزية العقل و الحكم على الخرين بحيث أصبح كُلّ شخصٍ سجّان و الجلد"! ليغرق المجتمع في خِضمّ التّناقضات و الصراعات و يكون حكَم و ال ّ هو "ال َ مصيره الخراب و الكساد و الموت. ن ما حصَلَ في العراق 2003و إسقاط نظام البعث و طاغيت ِه صدّام التّكريتي كان بحق زلزال إّ هزّ العقل السلمي المنعزِل في الصّميم و طرح في مجتمعاتنا المُتخلّفة السّؤال الخطير التالي: لماذا ثقافتنا تنبُذ الحُريّة و السّلم و حق النسان في الختيار ! و لماذا تكون جريمة إذا قرر أحد المسلمين أن يُغيّر دينه أو يعتقد عقيدة أُخرى ؟! و لماذا تكون آيات التسامح و الحُريّة و استخدام العقل "منسوخة"! و تكون آي ُة السّيف و الحرب هي "النّاسخة"!! لثلثة أرباع القرآن ! لماذا نستبدل أنظمتنا الفاسدة بأنظمة أفسد ؟! فمثل كانت النظمة الملكيّة في العراق و مصر و ليبيا أنظمة فاسدة ،و لكن حينما حلّت محلّها جمهوريّات "معاوية" ،اكتشفنا أنّ هذه الشّعوب الّتي تركض دوما وراء الشّعارات ،هي الخاسرة ،ففي النظمة الملكيّة الدّستورية يكون هناك دوما صدّامي" و "القومي س دستوريّة ،لكن في ظل أنظمة كـ"البعث ال ّ أمل في إصلح على ُأسُ ٍ النّاصري" و "الجماهيري القذّافي" أو "النقاذ السوداني عمر حسن البشير" فإنّه ل أمل بالصلح ،لنّ هذه النظمة تقوم بـ"مكافحة الصلح" كما يقوم الغرب الدّيمقراطي بـ"مكافحة الفساد". إنّ الخلل ـ كما تقول إرشاد منجي ـ يكمن في مفهومنا الدّيني أوّل ،فنحن نفضّل "طاغية محليّا" على أن يأتينا إصلح أو حُريّة و مساواة من "الجنبي = الكافِر = المحتلّ" ،إن تفسير القرآن تفسيرا ما ! هو أخطر من النّص نفسه ،فالقرآن مهما كان فيه حديث عن "العنف" و "القتل" و ل يكاد يكون حرّا في توجيه النّص إخضاع الخر ،إل أن التفاسير تتصرف في هذا النّص و بشك ٍ نحو جعله أداة استغلل ل أداة استدلل ،من هنا كان ل ُبدّ من جعل القرآن مُلكاً شخصيّا ،فالفرد ـ كونه المسؤول عن خلصِ ِه الشّخصي ـ يستطيع أن يتدارس النّصوص و يدرسها في إيطار الحُريّة ،و ما دام يفعل ذلك في إيطار الحُريّة فإنّه و ل ُبدّ سيُقدّس هذه الحُريّة ،و نحن نجد في القرآن الكثير من اليات الّتي تحُثّ على التّفكير الحرّ و إشاعة المنطق العقلي ،بينما الواقع الّذي نعيشُ ُه مختلف كليّا عن هذا ،فتجد "المؤمنين" قد جمّدوا عقولهم و راحوا "يُقلّدون" المفتي و
الشّيخ و المرجِع و حتّى "السياسي القومي"! في عمليّة ل عقلنيّة تعطّل فيها حتّى أبسط مقومات حرّ. التفكير المنطقي ال ُ ن "الثّوابت الدّينيّة"! تُمثّل مشكلةً حقيقية ،فما قد يراه البعض "ثابِتاً" قد يراه آخر "مُتغيّرا" أو إّ ن قائمة الثّوابت في توسع مُستمر و هي ذات المشكلة الّتي حدثت في "مؤقّتا" ،و المشكلة أ ّ سنّي حينما توسّعت دائرة "المقدّس" لتتجاوز القرآن و النّبي إلى عصر "الصحابة" و أنه الوسط ال ّ ل يجوز الطّعن أو المناقشة في شخصيّاتهم أو تأريخهِم ،ثمّ توسّعت لتشمل التاريخ السلمي عموما ،و إذا كان السلم "فقهيا" يعتبر أن الصل في كلّ شيء هو "الباحة" و "الحلل" فإن ل شيء تحت دائرة الشّك "الحرام" ،فـ"الرّسم" " ،الموسيقى" ، الفقهاء و المفتين جعلوا كُ ّ "السينما" " ،التلفزيون و الراديو" و ما إلى ذلك يدخُل ضمن "الحرام" ،و أذكر أنني حينما كُنتُ ن الرّاديو في أصله ليس محرّما إستعماله و سنّة سمعته يقول :أ ّ أتردّد على دروس أحد الشّيوخ ال ّ ل ما أدّى إلى حرام فهو حرام"!! و أذكُر ن كُ ّ لكن لن الرّاديو يبُثّ أغاني "محرمة"! فهو حرام ل ّ حينها أنّني ضحكتُ من هذا المنطق العجيب. إنّ القاعدة الفقهيّة "سد باب الذّرائع" و أنّ كلّ ما أدّى إلى حرام فهو حرام ،هي قاعدة تناقض ن الصل في الشياء الباحة"! و قاعدة فقهية أخرى موجودة في أغلبية المذاهب الفقهية و هي "أ ّ ن المحرّمات هي الستثناء و ليس العكس ،و لو اتّبعنا هذا المنطق الفقهي في سد باب الذّرائع أّ ن كل شيء و حسب ـ هذا المنطق ـ ل ُبدّ و أن فلن يبقى هناك شيء اسمه "حلل" أو "مباح" ل ّ يؤدّي إلى محرم ،فالزواج مثل قد يتسبب في إغراق شخص ما في الملذات الجنسيّة و بالتالي يؤدي إلى ارتكابه المحرمات ،أو يُمنع شرب عصير معيّن لنّه قد يدفع النّاس إلى إدمان المسكّرات ،إن خلق أمثال هذه الذرائع كان في الحقيقة ذريعة لخلق وصاية من نوع ما على عقل المُقلّد أو المتعبّد بالفتوى. ن هذا الباب "الطارئ على الفقه" قد يكون أحد أبرز السباب في تعطيل العقل المسلم و جعله إّ يئن تحت وطأة رقابة "الفقهاء" خصوصا و أن هؤلء الفقهاء هم تبع للسّلطة ،من هنا كان من اللزم على المدارس الفقهيّة الحديثة حذف كل ما له صلة بباب "س ّد الذّرائع" ،إذ باستطاعة أيّ ل ما أدّى إلى الحلل و إن كان حراما فقيه أن يقوم بقلب النظرية و عكسها فيصبح من الحلل ك ّ فيكون لدينا حينها فقه عجيب غريب.